موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 24 العروة الوثقی

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 24 العروة الوثقی/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 2 ج

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

كتاب «العروة الوثقى» القيّم والثمين، كتاب معروف وبالغ الأهمّية في مجال الفقه الفتوائي الذي ألّفه سماحة آية اللّه العظمى السيّد محمّد كاظم اليزدي (ت 1337 ق).

السيّد اليزدي قدّس سرّه وبعد أن أكمل مراحل من دراسته في الحوزة العلمية في مدن يزد وإصفهان ومشهد، انتقل إلى النجف الأشرف وتربّى على أيدي كبار الفقهاء الشيعة وعباقرتهم وبلغ أعلى مرتبة من الفقه والاجتهاد في تلك الحوزة التي تمتدّ جذورها إلى أكثر من ألف سنة.

كتاب «العروة الوثقى» - وهو الكتاب الأكثر اشتهاراً والأبلغ خطورة من بين الكتب والآثار العشرة التي تركها السيّد قدّس سرّه - وإن كان غير مستوعب لجميع أبواب الفقه، ولكنّه بسبب كثرة فروعه كان منذ البداية ولحدّ الآن محطّاً لأنظار الفقهاء وإقبالهم عليه من حيث الإقدام على شرحه والتعليقة عليه، وقد تجاوز مجموع هذه الشروح والتعليقات الكامل منها وغير الكامل خمسين مورداً إلى زماننا هذا.

ص: 5

الإمام الخميني قدّس سرّه وبعد أن أكمل تعليقته على «وسيلة النجاة» عام 1372 ق قام بكتابة «تعليقة على العروة الوثقى» والذي اشتمل على كتب فقهية أقلّ من «الوسيلة» إلاّ أنّه حاوٍ لكتاب الحجّ، بخلاف الوسيلة والتأريخ الذي اُثبت على التعليقة كتأريخ لإكمالها والفراغ منها هو 1375 ق.

علّق الإمام الخميني قدّس سرّه على أغلب فروعات «العروة الوثقى» بحيث تصل تعليقاته إلى 3176 تعليقة تظهر التعليقات عادة في صورة الفتوى والاحتياط، ولكن في قسم من التعليقات هناك نوع من الاستدلال على المسألة وبيان أدلّتها.

بالعناية إلى كثرة الفروع الواردة في «العروة الوثقى» وبالتالي كثرة التعليقات عليها من قبل السيّد الإمام قدّس سرّه فإنّ هناك مكانة متميّزة لهذة التعليقة من بين آثار الإمام قدّس سرّه في مجال الفتوى بحيث لاتغني بقية الآثار عن الرجوع إلى هذه التعليقة في آراء سماحته الفقهية.

تمّ نشر هذا الكتاب في بداية مرجعية الإمام قدّس سرّه عام 1340 ش في 345 صفحة وفقاً للمخطوط دون أن يذكر فيه نصّ «العروة» بل اكتفي فيه بإتيان كلمة أو عبارة كانت التعليقة مرتبطة بها. وكانت دار نشر «وجداني» و«دارالفكر» من أوّل من قاموا بنشر هذا الكتاب.

إضافة إلى ذلك فقد نُشرت تعليقات سماحته مع تعليقات سائر الفقهاء والمراجع العظام في مجموعات قام بنشرها دور نشر متعدّدة قبل انتصار الثورة وبعده. ولكن قبل انتصار الثورة كانت التعليقات تذكر دون أن يذكر اسم الإمام قدّس سرّه بل يوضع الهلالين مقابل التعليقه فارغاً من ذكر الاسم ( ) لئلايحول الحكم البهلوي السائد آنذاك دون نشرها.

نظراً إلى ضرورة إصلاح الأخطاء المطبعية وتعيين الموضع الصحيح من

ص: 6

التعليقات في النصّ فقد أقدمت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه في الذكرى المئوية لولادة الإمام الخميني قدّس سرّه وفي عام 1380 ش بتصحيح النصّ والتعليقة ونشرتها في مجلّد واحد و 1040 صفحة.

الآن وبدقّة أكثر في مراحل التحقيق والتصحيح، نشر نصّ «العروة الوثقى» مع تعليقات الإمام قدّس سرّه في موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 7

ص: 8

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين . وبعد ، فيقول المعترف بذنبه ، المفتقر إلى رحمة ربّه محمّد كاظم الطباطبائي : هذه جملة مسائل ممّا تعمّ به البلوى ، وعليها الفتوى ، جمعت شتاتها ، وأحصيت متفرّقاتها عسى أن ينتفع بها إخواننا المؤمنون ، وتكون ذخراً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، واللّه وليّ التوفيق .

ص: 1

ص: 2

الاجتهاد والتقليد

(مسألة 1) : يجب على كلّ مكلّف في عباداته(1) ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً .

(مسألة 2) : الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهداً كان أو لا ، لكن يجب أن يكون عارفاً بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد .

(مسألة 3) : قد يكون الاحتياط في الفعل ، كما إذا احتمل كون الفعل واجباً وكان قاطعاً بعدم حرمته ، وقد يكون في الترك ، كما إذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعاً بعدم وجوبه ، وقد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار ، كما إذا لم يعلم أنّ وظيفته القصر أو التمام .

(مسألة 4) : الأقوى جواز الاحتياط ولو كان مستلزماً للتكرار وأمكن الاجتهاد أو التقليد .

(مسألة 5) : في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلّداً ؛ لأنّ المسألة خلافية .

(مسألة 6) : في الضروريات لا حاجة إلى التقليد ، كوجوب الصلاة والصوم

ص: 3


1- وكذا في مطلق أعماله كما يأتي .

ونحوهما ، وكذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين ، وفي غيرهما يجب التقليد إن لم يكن مجتهداً إذا لم يمكن الاحتياط ، وإن أمكن تخيّر بينه وبين التقليد .

(مسألة 7) : عمل العامّي بلا تقليد ولا احتياط باطل(1) .

(مسألة 8) : التقليد هو الالتزام(2) بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل بعد ، بل ولو لم يأخذ فتواه ، فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما فيها كفى في تحقّق التقليد .

(مسألة 9) : الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت ، ولا يجوز تقليد الميّت ابتداءً .

(مسألة 10) : إذا عدل عن الميّت إلى الحيّ ، لا يجوز(3) له العود إلى الميّت .

(مسألة 11) : لا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ ، إلاّ إذا كان الثاني أعلم(4) .

(مسألة 12) : يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط ، ويجب الفحص عنه .

(مسألة 13) : إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما ، إلاّ إذا كان أحدهما أورع ، فيختار(5) الأورع .

ص: 4


1- إلاّ إذا طابق رأي من يتّبع رأيه .
2- بل هو العمل مستنداً إلى فتوى المجتهد ، ولا يلزم نشوؤه عن عنوان التقليد ، ولا يكون مجرّد الالتزام والأخذ للعمل محقّقاً له .
3- على الأحوط .
4- أو مساوياً .
5- على الأحوط الأولى .

(مسألة 14) : إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم(1) ، وإن أمكن الاحتياط .

(مسألة 15) : إذا قلّد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد ، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة ، بل يجب الرجوع إلى الحيّ الأعلم(2) في جواز البقاء وعدمه .

(مسألة 16) : عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل(3) وإن كان مطابقاً للواقع ، وأمّا الجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلاً حين العمل وحصل منه قصد القربة ، فإن كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحاً ، والأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل .

(مسألة 17) : المراد من الأعلم : من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة ، وأكثر اطّلاعاً لنظائرها وللأخبار ، وأجود فهماً للأخبار . والحاصل : أن يكون أجود استنباطاً ، والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط .

(مسألة 18) : الأحوط(4) عدم تقليد المفضول حتّى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل .

(مسألة 19) : لا يجوز تقليد غير المجتهد وإن كان من أهل العلم ، كما أ نّه

ص: 5


1- مع رعاية الأعلم منهم ، على الأحوط .
2- على الأحوط .
3- إن كان عبادياً ؛ لعدم موافقته للواقع مع اعتبار قصد التقرّب فيه .
4- والأقوى هو الجواز مع الموافقة .

يجب على غير المجتهد التقليد وإن كان من أهل العلم .

(مسألة 20) : يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني ، كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص ، وكذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد ، وكذا يعرف بالشياع المفيد للعلم . وكذا الأعلمية تعرف بالعلم أو البيّنة الغير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم .

(مسألة 21) : إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما ولا البيّنة ، فإن حصل الظنّ بأعلمية أحدهما تعيّن(1) تقليده ، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلمية يقدّم ، كما إذا علم أ نّهما إمّا متساويان أو هذا المعيّن أعلم ، ولا يحتمل أعلمية الآخر ، فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته .

(مسألة 22) : يشترط في المجتهد اُمور : البلوغ ، والعقل ، والإيمان ، والعدالة ، والرجولية ، والحرّية على قول ، وكونه مجتهداً مطلقاً ، فلا يجوز تقليد المتجزّئ(2) ، والحياة ، فلا يجوز تقليد الميّت ابتداءً ، نعم يجوز البقاء كما مرّ ، وأن يكون أعلم(3) فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكّن من الأفضل ، وأن لا يكون متولّداً من الزنا ، وأن لا يكون مقبلاً(4) على الدنيا وطالباً لها ، مكبّاً عليها ، مجدّاً في تحصيلها ، ففي الخبر : «من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوامّ أن يقلّدوه» .

ص: 6


1- على الأحوط فيه وفيما بعده .
2- الظاهر جواز تقليده فيما اجتهد فيه .
3- مع اختلاف فتواه فتوى المفضول .
4- على الأحوط .

(مسألة 23) : العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرّمات ، وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظنّاً(1) وتثبت بشهادة العدلين ، وبالشياع المفيد للعلم .

(مسألة 24) : إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب(2) على المقلّد العدول إلى غيره .

(مسألة 25) : إذا قلّد من لم يكن جامعاً ومضى عليه برهة من الزمان ، كان كمن لم يقلّد أصلاً ، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر .

(مسألة 26) : إذا قلّد من يحرّم البقاء على تقليد الميّت فمات ، وقلّد من يجوّز البقاء ، له أن يبقى على تقليد الأوّل في جميع المسائل إلاّ مسألة حرمة البقاء .

(مسألة 27) : يجب على المكلّف العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها ، ولو لم يعلمها لكن علم إجمالاً أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم يعلمها تفصيلاً .

(مسألة 28) : يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهو بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالباً ، نعم لو اطمأنّ(3) من نفسه أ نّه لا يبتلي بالشكّ والسهو صحّ عمله وإن لم يحصل العلم بأحكامهما .

(مسألة 29) : كما يجب التقليد في الواجبات والمحرّمات ، يجب في

ص: 7


1- بل الظاهر كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّدياً عن العدالة ، ولا يعتبر فيه حصول الظنّ ، فضلاً عن العلم .
2- الحكم في بعض الشرائط مبنيّ على الاحتياط .
3- بل يصحّ عمله إذا وافق الواقع أو فتوى من يقلّده ؛ إذا حصل منه قصد التقرّب .

المستحبّات والمكروهات والمباحات ، بل يجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه ؛ سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديّات .

(مسألة 30) : إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراماً ، ولم يعلم أ نّه واجب أو مباح أو مستحبّ أو مكروه ، يجوز له أن يأتي به ؛ لاحتمال كونه مطلوباً وبرجاء الثواب ، وإذا علم أ نّه ليس بواجب ولم يعلم أ نّه حرام أو مكروه أو مباح ، له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضاً .

(مسألة 31) : إذا تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه الأوّل .

(مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقّف والتردّد يجب على المقلّد الاحتياط ، أو العدول إلى الأعلم(1) بعد ذلك المجتهد .

(مسألة 33) : إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء ، ويجوز التبعيض في المسائل ، وإذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى - بل الأحوط - اختياره .

(مسألة 34) : إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم ، ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد ، فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم وإن قال الأوّل بعدم جوازه .

(مسألة 35) : إذا قلّد شخصاً بتخيّل أ نّه زيد ، فبان عمراً ، فإن كانا متساويين في الفضيلة ولم يكن على وجه التقييد(2) صحّ ، وإلاّ فمشكل .

(مسألة 36) : فتوى المجتهد يعلم بأحد اُمور : الأوّل : أن يسمع منه شفاهاً .

ص: 8


1- على الأحوط .
2- بل صحّ مطلقاً .

الثاني : أن يخبر بها عدلان . الثالث : إخبار عدل واحد ، بل يكفي إخبار شخص موثّق يوجب قوله الاطمئنان(1) وإن لم يكن عادلاً . الرابع : الوجدان في رسالته ، ولا بدّ أن تكون مأمونة من الغلط .

(مسألة 37) : إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ، ثمّ التفت وجب عليه العدول ، وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل الغير المقلّد . وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم ، وإذا قلّد الأعلم ثمّ صار بعد ذلك غيره أعلم ، وجب العدول إلى الثاني على الأحوط .

(مسألة 38) : إن كان الأعلم منحصراً في شخصين ولم يمكن التعيين ، فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط ، وإلاّ كان مخيّراً بينهما .

(مسألة 39) : إذا شكّ في موت المجتهد ، أو في تبدّل رأيه ، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء إلى أن يتبيّن الحال .

(مسألة 40) : إذا علم أ نّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان ولم يعلم مقداره ، فإن علم بكيفيتها وموافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون(2) مكلّفاً بالرجوع إليه فهو ، وإلاّ فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط ، وإن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقّن .

(مسألة 41) : إذا علم أنّ أعماله السابقة كانت مع التقليد ، لكن لا يعلم أ نّها كانت عن تقليد صحيح أم لا ، بنى على الصحّة .

ص: 9


1- لا يبعد اعتبار نقل الثقة مطلقاً .
2- أو كان في زمان العمل مكلّفاً بالرجوع إليه .

(مسألة 42) : إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في أ نّه جامع للشرائط أم لا ، وجب(1) عليه الفحص .

(مسألة 43) : من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليه الإفتاء ، وكذا من ليس أهلاً للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس ، وحكمه ليس بنافذ ، ولا يجوز الترافع إليه ولا الشهادة عنده ، والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام(2) وإن كان الآخذ محقّاً ، إلاّ إذا انحصر استنقاذ حقّه بالترافع عنده .

(مسألة 44) : يجب في المفتي والقاضي العدالة ، وتثبت العدالة بشهادة عدلين ، وبالمعاشرة المفيدة للعلم(3) بالملكة ، أو الاطمئنان بها ، وبالشياع المفيد للعلم .

(مسألة 45) : إذا مضت مدّة من بلوغه وشكّ بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا ، يجوز له البناء على الصحّة في أعماله السابقة ، وفي اللاحقة ، يجب عليه التصحيح فعلاً .

(مسألة 46) : يجب على العامّي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه ، ولا يجوز أن يقلّد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم ، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل(4) جواز الاعتماد

ص: 10


1- على الأحوط في الشكّ الساري ، وأمّا مع الشكّ في بقاء الشرائط فلا يجب .
2- مع كون المال عيناً شخصية لا تحرم على المحقّ وإن كان الترافع عنده والأخذ بوسيلته حراماً .
3- قد مرّ أنّ حسن الظاهر كاشف عنها ولو مع عدم حصول الظنّ .
4- لا إشكال فيه .

عليه ، فالقدر المتيقّن للعامّي تقليد الأعلم في الفرعيات .

(مسألة 47) : إذا كان مجتهدان : أحدهما أعلم في أحكام العبادات ، والآخر أعلم في المعاملات ، فالأحوط تبعيض التقليد ، وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلاً ، والآخر في البعض الآخر .

(مسألة 48) : إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ ، يجب عليه إعلام من تعلّم منه ، وكذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه ، يجب عليه الإعلام .

(مسألة 49) : إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين(1) ؛ بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة ، وأ نّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته ، فلو فعل ذلك وكان ما فعله مطابقاً للواقع لا تجب عليه الإعادة .

(مسألة 50) : يجب على العامّي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط(2) في أعماله .

(مسألة 51) : المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّر ينعزل بموت المجتهد ، بخلاف المنصوب من قبله ، كما إذا نصبه متولّياً للوقف ، أو قيّماً على القصّر ، فإنّه لا تبطل توليته وقيمومته على الأظهر .

(مسألة 52) : إذا بقي على تقليد الميّت ، من دون أن يقلّد الحيّ في هذه

ص: 11


1- مع موافقة أحد الطرفين للاحتياط فالأحوط العمل على طبقه .
2- بأن يعمل على أحوط أقوال من يكون في طرف شبهة الأعلمية في الصورة الثانية على الأحوط .

المسألة كان كمن عمل من غير تقليد .

(مسألة 53) : إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلاً في التسبيحات الأربع ، واكتفى بها أو قلّد من يكتفي في التيمّم بضربة واحدة ، ثمّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد ، لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة ، وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصحّة ثمّ مات وقلّد من يقول بالبطلان ، يجوز له البناء على الصحّة ، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني . وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسته ، فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء ، وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته وكذا في الحلّية والحرمة ، فإذا أفتى المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغير الحديد مثلاً ، فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته ، فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع وإباحة الأكل ، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا .

(مسألة 54) : الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين ، وكذلك الوصيّ(1) في مثل ما لو كان وصيّاً في استئجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميّت .

(مسألة 55) : إذا كان البائع مقلّداً لمن يقول بصحّة المعاطاة مثلاً ، أو العقد

ص: 12


1- يعمل الوصيّ بمقتضى تقليد نفسه في نفس الاستئجار الذي هو عمله ، وأمّا الأعمال التي يأتي بها الأجير فيأتي على وفق تقليده ، والأحوط مراعاة تقليد الميّت أيضاً .

بالفارسي ، والمشتري مقلّداً لمن يقول بالبطلان ، لا يصحّ البيع بالنسبة إلى البائع(1) أيضاً ؛ لأ نّه متقوّم بطرفين ، فاللازم أن يكون صحيحاً من الطرفين ، وكذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه ، ومذهب الآخر صحّته .

(مسألة 56) : في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدّعي ، إلاّ إذا(2) كان مختار المدّعى عليه أعلم ، بل مع وجود الأعلم وإمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع إليه مطلقاً .

(مسألة 57) : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه ولو لمجتهد آخر إلاّ إذا تبيّن خطؤه .

(مسألة 58) : إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ، ثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة ، لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الاُولى وإن كان أحوط ، بخلاف ما إذا تبيّن له خطؤه في النقل فإنّه يجب عليه الإعلام .

(مسألة 59) : إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا ، وكذا البيّنتان ، وإذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاهاً قدّم السماع ، وكذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع ، وفي تعارض النقل مع ما في الرسالة قدّم ما في(3) الرسالة مع الأمن من الغلط .

(مسألة 60) : إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن الأعلم حاضراً ، فإن

ص: 13


1- لا يبعد صحّته بالنسبة إليه ، وكذا سائر المعاملات مع تمشّي قصد المعاملة ممّن يرى بطلانها .
2- محلّ إشكال .
3- إلاّ إذا كان الناقل نقل عدوله عمّا في الرسالة ، فقدّم قوله .

أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال يجب(1) ذلك ، وإلاّ فإن أمكن الاحتياط تعيّن(2) ، وإن لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم ، وإن لم يكن هناك مجتهد آخر ولا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور ، وإذا عمل بقول المشهور ثمّ تبيّن له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء ، وإذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق(3) الأموات وإن لم يمكن(4) ذلك أيضاً يعمل بظنّه ، وإن لم يكن له ظنّ بأحد الطرفين يبني على أحدهما ، وعلى التقادير بعد الاطّلاع على فتوى المجتهد إن كان عمله مخالفاً لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء .

(مسألة 61) : إذا قلّد مجتهداً ثمّ مات ، فقلّد غيره ثمّ مات ، فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميّت أو جوازه ، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأوّل ، أو الثاني ؟ الأظهر(5) الثاني ، والأحوط مراعاة الاحتياط .

(مسألة 62) : يكفي(6) في تحقّق التقليد أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما

ص: 14


1- لا يجب مع إمكان الاحتياط بل مطلقاً إذا لم يكن محذور في العمل ، غاية الأمر يعاد مع المخالفة للواقع أو قول الفقيه .
2- الظاهر جواز الرجوع إلى غير الأعلم في هذه الصورة .
3- بل الأعلم منهم على الأحوط ، ومع عدم إمكان تعيينه فمخيّر بين الأخذ بفتوى أحدهم ؛ وإن كان الأولى الأخذ بالأوثق .
4- ولم يمكن الأخذ بفتوى مجتهد مطلقاً .
5- بل الأظهر البقاء على تقليد الأوّل إن كان فتوى الثالث وجوب البقاء ، وعلى تقليد الثاني إن كان فتواه جوازه ، وفي هذه الصورة يجوز له العدول إلى الحيّ أيضاً .
6- مرّ معنى التقليد ، فلا يجوز البقاء إلاّ مع تحقّقه بما مرّ .

فيها ، وإن لم يعلم ما فيها ولم يعمل ، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء ، وإن كان الأحوط مع عدم العلم بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلم ، عدم البقاء والعدول إلى الحيّ بل الأحوط استحباباً - على وجه - عدم البقاء مطلقاً ولو كان بعد العلم والعمل .

(مسألة 63) : في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بها وبين الرجوع إلى غيره الأعلم(1) فالأعلم .

(مسألة 64) : الاحتياط المذكور في الرسالة إمّا استحبابي ؛ وهو ما إذا كان مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى ، وإمّا وجوبي ؛ وهو ما لم يكن معه فتوى ، ويسمّى بالاحتياط المطلق ، وفيه يتخيّر المقلّد بين العمل به والرجوع إلى مجتهد آخر ، وأمّا القسم الأوّل فلا يجب العمل به ، ولا يجوز(2) الرجوع إلى الغير ، بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى وبين العمل به .

(مسألة 65) : في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء ، كما يجوز له التبعيض حتّى في أحكام العمل الواحد(3) حتّى أ نّه لو كان مثلاً فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة ، واستحباب التثليث في التسبيحات الأربع ، وفتوى الآخر بالعكس ، يجوز أن يقلّد الأوّل في استحباب التثليث ، والثاني في استحباب الجلسة .

(مسألة 66) : لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامّي ؛ إذ

ص: 15


1- على الأحوط .
2- إلاّ إذا كان فتواه أوفق بالاحتياط من فتوى الآخر ، لكن في العبادات يأتي رجاءً .
3- إذا لم يكن باطلاً على الرأيين مع العمل بهما .

لا بدّ فيه من الاطّلاع التامّ ، ومع ذلك قد يتعارض الاحتياطان فلا بدّ من الترجيح ، وقد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط ، وقد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط ، مثلاً : الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضّؤ به ، بل يجب ذلك ، بناءً على كون احتياط الترك استحبابياً ، والأحوط الجمع بين التوضّؤ به والتيمّم ، وأيضاً الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع ، لكن إذا كان في ضيق الوقت ، ويلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط ، أو يلزم تركه ، وكذا التيمّم بالجصّ خلاف الاحتياط ، لكن إذا لم يكن معه إلاّ هذا فالأحوط التيمّم به ، وإن كان عنده الطين - مثلاً - فالأحوط الجمع ، وهكذا .

(مسألة 67) : محلّ التقليد ومورده هو الأحكام الفرعية العملية ، فلا يجري في اُصول الدين ، وفي مسائل اُصول الفقه ، ولا في مبادئ الاستنباط ؛ من النحو والصرف ونحوهما ، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية ولا في الموضوعات الصرفة ، فلو شكّ المقلّد في مائع أ نّه خمر أو خلّ - مثلاً - وقال المجتهد : إنّه خمر ، لا يجوز له تقليده ، نعم من حيث إنّه مخبر عادل يقبل قوله ، كما في إخبار العامّي العادل ، وهكذا . وأمّا الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية .

(مسألة 68) : لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد ، إلاّ في التقليد ، وأمّا الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولّي لها ، والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية . نعم ، الأحوط في القاضي

ص: 16

أن يكون أعلم من في ذلك البلد ، أو في غيره ممّا لا حرج في الترافع إليه .

(مسألة 69) : إذا تبدّل رأي المجتهد ، هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا ؟ فيه تفصيل : فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب ، وإن كانت مخالفة فالأحوط الإعلام ، بل لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 70) : لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وأمّا في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلّد مجتهده في حجّيتها ، مثلاً إذا شكّ في أنّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ، ليس له إجراء أصل الطهارة ، لكن في أنّ هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا ، يجوز له إجراؤها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الإجراء .

(مسألة 71) : المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده ، وإن كان موثوقاً به في فتواه ، ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه ، وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرّفاته في الاُمور العامّة ، ولا ولاية له في الأوقاف والوصايا وأموال القصّر والغيّب .

(مسألة 72) : الظنّ بكون فتوى المجتهد كذا ، لا يكفي في جواز العمل ، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظاهر لفظه شفاهاً ، أو لفظ الناقل ، أو من ألفاظه في رسالته ، والحاصل : أنّ الظنّ ليس حجّة ، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظواهر الألفاظ ؛ منه أو من الناقل .

ص: 17

كتاب الطهارة

فصل : في المياه

اشارة

الماء : إمّا مطلق ، أو مضاف ، كالمعتصر من الأجسام ، أو الممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء . والمطلق أقسام : الجاري ، والنابع غير الجاري ، والبئر ، والمطر ، والكرّ ، والقليل ، وكلّ واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهّر من الحدث والخبث .

(مسألة 1) : الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر ، لكنّه غير مطهّر لا من الحدث ولا من الخبث ؛ ولو في حال الاضطرار ، وإن لاقى نجساً تنجّس وإن كان كثيراً ، بل وإن كان مقدار ألف كرّ ، فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة ، ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه فينجس كلّه . نعم ، إذا كان جارياً من العالي(1) إلى السافل ، ولاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه ، كما إذا صبّ الجلاّب من إبريق على يد كافر ، فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متّصلاً بما في يده .

ص: 18


1- وكذا من السافل إذا كان بدفع وقوّة كالفوّارة ، فإنّه لا ينجس بملاقاة العالي .

(مسألة 2) : الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه ، نعم لو مزج معه غيره وصعّد كماء الورد يصير مضافاً(1) .

(مسألة 3) : المضاف المصعّد مضاف(2) .

(مسألة 4) : المطلق أو المضاف النجس يطهر(3) بالتصعيد لاستحالته بخاراً ، ثمّ ماءً .

(مسألة 5) : إذا شكّ في مائع أ نّه مضاف أو مطلق فإن علم حالته السابقة أخذ بها ، وإلاّ فلا يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة ، لكن لا يرفع الحدث والخبث ، وينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلاً ، وإن كان بقدر الكرّ لا ينجس لاحتمال كونه مطلقاً ؛ والأصل الطهارة .

(مسألة 6) : المضاف النجس يطهر(4) بالتصعيد كما مرّ ، وبالاستهلاك في الكرّ أو الجاري .

(مسألة 7) : إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ ، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة ، تنجّس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك ، وإن حصل الاستهلاك والإضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجّسه عن وجه ، لكنّه مشكل(5) .

(مسألة 8) : إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين ففي سعة الوقت

ص: 19


1- إذا أخرجه الممزوج عن إطلاقه .
2- الميزان حال الاجتماع بعد التصعيد ؛ فقد يكون المصعّد هو الأجزاء المائية فيكون مطلقاً بعد الاجتماع ، وقد يكون مضافاً .
3- لا يخلو من إشكال .
4- مرّ الإشكال فيه وإطلاق التطهّر على المستهلك لا يخلو من مسامحة .
5- لكن الفرضين ممتنع الوقوع .

يجب عليه أن يصبر حتّى يصفو ويصير الطين إلى الأسفل ، ثمّ يتوضّأ على الأحوط ، وفي ضيق الوقت يتيمّم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق .

(مسألة 9) : الماء المطلق بأقسامه حتّى الجاري منه ينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة ؛ من الطعم والرائحة واللون بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة ، فلا يتنجّس إذا كان بالمجاورة ، كما إذا وقعت ميتة قريباً من الماء فصار جائفاً ، وأن يكون التغيّر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجّس فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر أو أصفر لا ينجس إلاّ إذا صيّره مضافاً ، نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه ، بل لو وقع فيه متنجّس حامل لأوصاف النجس فغيّره بوصف النجس تنجّس(1) أيضاً ، وأن يكون التغيّر حسّياً ، فالتقديري لا يضرّ ، فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس(2) ، وكذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره ، وكذا لو كان جائفاً فوقعت فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفاً وهكذا ، ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الإطلاق محكوم بالطهارة على الأقوى .

(مسألة 10) : لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة - مثل الحرارة والبرودة والرقّة والغلظة والخفّة والثقل - لم ينجس ما لم يصر مضافاً .

ص: 20


1- محلّ إشكال ، إلاّ إذا حمل المتنجّس أجزاء النجاسة ؛ بحيث يستند التغيّر إليها في الجملة .
2- الأحوط في هذه الصورة والصورة الثالثة الاجتناب ، بل لا يخلو وجوبه من قوّة .

(مسألة 11) : لا يعتبر في تنجّسه أن يكون التغيّر بوصف النجس بعينه ، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير ما بالنجس ، كما لو اصفرّ الماء مثلاً بوقوع الدم تنجّس ، وكذا لو حدثت فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة اُخرى غير رائحتهما ، فالمناط تغيّر أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة ، وإن كان من غير سنخ وصف النجس .

(مسألة 12) : لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي ، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض ، فوقع فيه البول حتّى صار أبيض تنجّس ، وكذا إذا زال طعمه العرضي أو ريحه العرضي .

(مسألة 13) : لو تغيّر طرف من الحوض - مثلاً - تنجّس ، فإن كان الباقي أقلّ من الكرّ تنجّس الجميع ، وإن كان بقدر الكرّ بقي على الطهارة ، وإذا زال تغيّر ذلك البعض طهر الجميع ولو لم يحصل(1) الامتزاج على الأقوى .

(مسألة 14) : إذا وقع النجس في الماء ، فلم يتغيّر ثمّ تغيّر بعد مدّة ، فإن علم استناده إلى ذلك النجس تنجّس ، وإلاّ فلا .

(مسألة 15) : إذا وقعت الميتة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس ، بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء .

(مسألة 16) : إذا شكّ في التغيّر وعدمه ، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة ، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر ، لم يحكم بالنجاسة .

ص: 21


1- الأقوى اعتبار الامتزاج في تطهير المياه مطلقاً .

(مسألة 17) : إذا وقع في الماء دم وشيء طاهر أحمر فاحمرّ بالمجموع ، لم يحكم بنجاسته .

(مسألة 18) : الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه من غير اتّصاله بالكرّ أو الجاري لم يطهر . نعم ، الجاري والنابع إذا زال تغيّره بنفسه طهر(1) ؛ لاتّصاله بالمادّة ، وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكرّ كما مرّ .

فصل : في الماء الجاري

الماء الجاري - وهو النابع السائل على وجه الأرض ؛ فوقها أو تحتها كالقنوات - لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغيّر ؛ سواء كان كرّاً أو أقلّ ، وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح ، ومثله كلّ نابع وإن كان واقفاً .

(مسألة 1) : الجاري على الأرض من غير مادّة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرّاً ينجس بالملاقاة ، نعم إذا كان جارياً من الأعلى(2) إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة وإن كان قليلاً .

(مسألة 2) : إذا شكّ في أنّ له مادّة أم لا وكان قليلاً ينجس(3) بالملاقاة .

(مسألة 3) : يعتبر في عدم تنجّس الجاري اتّصاله بالمادّة ، فلو كانت المادّة من فوق تترشّح وتتقاطر ، فإن كان دون الكرّ ينجس ، نعم إذا لاقى محلّ الرشح للنجاسة لا ينجس .

ص: 22


1- مع الامتزاج كما مرّ .
2- بقوّة كالتسنيم وشبهه ، وكذا لا ينجس الأسفل بملاقاة الأعلى إذا كان له دفع وقوّة إلى الأعلى ، وينجس الأعلى في هذه الصورة بملاقاة الأسفل .
3- بل لا ينجس على الأقوى .

(مسألة 4) : يعتبر في المادّة الدوام ، فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الأرض ويترشّح إذا حفرت ، لا يلحقه حكم الجاري .

(مسألة 5) : لو انقطع الاتّصال بالمادّة - كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع - كان حكمه حكم الراكد ، فإن اُزيل الطين لحقه حكم الجاري وإن لم يخرج من المادّة شيء ، فاللازم مجرّد الاتّصال(1) .

(مسألة 6) : الراكد المتّصل بالجاري كالجاري ، فالحوض المتّصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه ، وكذا أطراف النهر وإن كان ماؤها واقفاً .

(مسألة 7) : العيون التي تنبع في الشتاء مثلاً وتنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها .

(مسألة 8) : إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتّصل بالمادّة لا ينجس بالملاقاة وإن كان قليلاً ، والطرف الآخر حكمه حكم الراكد إن تغيّر تمام قطر ذلك البعض المتغيّر ، وإلاّ فالمتنجّس هو المقدار المتغيّر فقط ؛ لاتّصال ما عداه بالمادّة .

فصل: في الماء الراكد

الراكد بلا مادّة إن كان دون الكرّ ينجس بالملاقاة ؛ من غير فرق بين النجاسات ، حتّى برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه(2) الطرف ؛ سواء كان مجتمعاً

ص: 23


1- لكن بحيث إذا خرج الماء المجتمع نبع .
2- إذا كان الجزء صغيراً بحيث يحتاج في إدراكه إلى المكبّرات والآلات المستحدثة لا يكون له حكم ، وكذا سائر النجاسات .

أو متفرّقاً مع اتّصالها بالسواقي ، فلو كان هناك حفر متعدّدة فيها الماء واتّصلت بالسواقي ولم يكن المجموع كرّاً ، إذا لاقى النجس واحدة منها تنجّس الجميع ، وإن كان بقدر الكرّ لا ينجس وإن كان متفرّقاً على الوجه المذكور ، فلو كان ما في كلّ حفرة دون الكرّ وكان المجموع كرّاً ولاقى واحدة منها النجس لم تنجس(1) لاتّصالها بالبقيّة .

(مسألة 1) : لا فرق في تنجّس القليل بين أن يكون وارداً على النجاسة أو موروداً .

(مسألة 2) : الكرّ بحسب الوزن : ألف ومائتا رطل بالعراقي ، وبالمساحة : ثلاثة وأربعون شبراً إلاّ ثمن شبر فبالمنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - يصير أربعة وستّين منّاً إلاّ عشرين مثقالاً .

(مسألة 3) : الكرّ بحقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - مائتا حقّة واثنتان وتسعون حقّة ونصف حقّة .

(مسألة 4) : إذا كان الماء أقلّ من الكرّ ولو بنصف مثقال ، يجري عليه حكم القليل .

(مسألة 5) : إذا لم يتساو سطوح القليل ، ينجس العالي بملاقاة السافل كالعكس ، نعم لو كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة

ص: 24


1- مع تساوي السطوح أو ركود الماء ، وأمّا لو جرى من الأعلى إلى الأسفل بحيث يكون بعضه مجتمعاً في الأعلى وبعضه في الأسفل واتّصلا بانصباب الأعلى ففي تقوية كلّ منهما بالآخر إشكال ، بل تقوّي العالي من السافل ممنوع ، نعم لا يضرّ بعض أقسام التسريح بل التسنيم .

السافل ، من غير فرق بين العلوّ التسنيمي والتسريحي(1) .

(مسألة 6) : إذا جمد بعض ماء الحوض والباقي لا يبلغ كرّاً ، ينجس بالملاقاة ، ولا يعصمه ما جمد ، بل إذا ذاب شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً ، وكذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقلّ من الكرّ ، فإنّه ينجس بالملاقاة ولا يعتصم بما بقي من الثلج .

(مسألة 7) : الماء المشكوك كرّيته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة ، نعم لا يجري عليه حكم الكرّ ، فلا يطهّر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكرّ عليه ، ولا يحكم بطهارة متنجّس غسل فيه ، وإن علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة(2) .

(مسألة 8) : الكرّ المسبوق بالقلّة إذا علم ملاقاته للنجاسة ، ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرّية إن جهل تأريخهما أو علم تأريخ الكرّية حكم بطهارته وإن كان الأحوط التجنّب ، وإن علم تأريخ الملاقاة حكم بنجاسته ، وأمّا القليل المسبوق بالكرّية الملاقي لها فإن جهل التأريخان أو علم تأريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة ، مع الاحتياط المذكور ، وإن علم تأريخ القلّة حكم(3) بنجاسته .

(مسألة 9) : إذا وجد نجاسة في الكرّ ولم يعلم أ نّها وقعت فيه قبل الكرّية أو بعدها يحكم بطهارته ، إلاّ إذا علم تأريخ الوقوع .

ص: 25


1- مع قوّة ودفع .
2- في بعض صوره إشكال بل منع .
3- بل حكم بطهارته .

(مسألة 10) : إذا حدثت الكرّية والملاقاة في آن واحد حكم بطهارته ، وإن كان الأحوط الاجتناب .

(مسألة 11) : إذا كان هناك ماءان : أحدهما كرّ ، والآخر قليل ، ولم يعلم أنّ أيّهما كرّ فوقعت نجاسة في أحدهما معيّناً أو غير معيّن ، لم يحكم(1) بالنجاسة ، وإن كان الأحوط في صورة التعيّن الاجتناب .

(مسألة 12) : إذا كان ماءان أحدهما المعيّن نجس ، فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها في النجس أو الطاهر ، لم يحكم بنجاسة الطاهر .

(مسألة 13) : إذا كان كرّ لم يعلم أ نّه مطلق أو مضاف ، فوقعت فيه نجاسة ، لم يحكم بنجاسته ، وإذا كان كرّان أحدهما مطلق والآخر مضاف ، وعلم وقوع النجاسة في أحدهما ولم يعلم على التعيين ، يحكم(2) بطهارتهما .

(مسألة 14) : القليل النجس المتمّم كرّاً بطاهر أو نجس نجس على الأقوى .

فصل: في ماء المطر

ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري ، فلا ينجس ما لم يتغيّر وإن كان قليلاً ؛ سواء جرى من الميزاب أو على وجه الأرض أم لا ، بل وإن كان قطرات ؛ بشرط صدق المطر عليه ، وإذا اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر وإن كان قليلاً ، لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء .

(مسألة 1) : الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في جميعه

ص: 26


1- إذا لم يكونا مسبوقين بالقلّة .
2- مع عدم سبق المطلق بالإضافة .

طهر ، ولا يحتاج إلى العصر أو التعدّد ، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه ، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة ، وإلاّ فلا يطهر إلاّ إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها .

(مسألة 2) : الإناء المتروس بماء نجس كالحبّ والشربة ونحوهما ، إذا تقاطر عليه طهر ماؤه وإناؤه بالمقدار الذي فيه ماء ، وكذا ظهره وأطرافه إن وصل إليه المطر حال التقاطر ، ولا يعتبر(1) فيه الامتزاج ، بل ولا وصوله إلى تمام سطحه الظاهر ، وإن كان الأحوط ذلك .

(مسألة 3) : الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها ؛ بشرط أن يكون من السماء ولو بإعانة الريح ، وأمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محلّ آخر كما إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان فوصل مكاناً آخر لا يطهر ، نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل إلى مكان مسقّف بالجريان إليه طهر .

(مسألة 4) : الحوض النجس تحت السماء يطهر(2) بالمطر ، وكذا إذا كان تحت السقف وكانت هناك ثقبة ينزل منها على الحوض ، بل وكذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض ، وكذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه .

(مسألة 5) : إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّراً ، بل وكذا إذا وقع على ورق الشجر(3) ، ثمّ وقع على الأرض ، نعم لو لاقى في الهواء شيئاً كورق الشجر أو نحوه حال نزوله لا يضرّ إذا لم يقع عليه ثمّ منه على الأرض ،

ص: 27


1- مرّ اعتباره .
2- مع الامتزاج في جميع الصور .
3- واستقرّ عليه ثمّ تقاطر ، دون ما لم يستقرّ .

فمجرّد المرور على الشيء لا يضرّ .

(مسألة 6) : إذا تقاطر على عين النجس فترشّح منها على شيء آخر لم ينجس ؛ إذا لم يكن معه عين النجاسة ولم يكن متغيّراً .

(مسألة 7) : إذا كان السطح نجساً فوقع عليه المطر ، ونفذ وتقاطر من السقف لا تكون تلك القطرات نجسة وإن كانت عين النجاسة موجودة على السطح ووقع عليها ، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء ، وأمّا إذا انقطع ثمّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجساً ، وكذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس .

(مسألة 8) : إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهراً إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء ؛ سواء كان السطح أيضاً نجساً أم طاهراً .

(مسألة 9) : التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه(1) حتّى صار طيناً .

(مسألة 10) : الحصير النجس يطهر بالمطر وكذا الفراش المفروش على الأرض ، وإذا كانت الأرض التي تحتها أيضاً نجسة تطهر إذا وصل إليها ، نعم إذا كان الحصير منفصلاً عن الأرض يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها ، نظير ما مرّ من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر وتقاطر منه على الأرض .

(مسألة 11) : الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه ،

ص: 28


1- مع بقاء مائيته ، ولا يكفي وصول الرطوبة .

نعم إذا كان نجساً بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير ، لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة إلى التعدّد .

فصل: في ماء الحمّام

ماء الحمّام بمنزلة الجاري ، بشرط اتّصاله بالخزانة ، فالحياض الصغار فيه إذا اتّصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة ؛ إذا كان ما في الخزانة وحده أو مع ما في الحياض بقدر الكرّ(1) ؛ من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه ، وإذا تنجّس ما فيها يطهر بالاتّصال(2) بالخزانة ، بشرط كونها كرّاً وإن كانت أعلى وكان الاتّصال بمثل المزمّلة ، ويجري هذا الحكم في غير الحمّام(3) أيضاً ، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكرّ أو أزيد وكان تحته حوض صغير نجس واتّصل بالمنبع بمثل المزمّلة يطهر ، وكذا لو غسل فيه شيء نجس ، فإنّه يطهر مع الاتّصال المذكور .

فصل: في ماء البئر

ماء البئر النابع بمنزلة الجاري لا ينجس إلاّ بالتغيّر ؛ سواء كان بقدر الكرّ أو أقلّ ، وإذا تغيّر ثمّ زال تغيّره من قبل نفسه طهر(4) ؛ لأنّ له مادّة ، ونزح المقدّرات في صورة عدم التغيّر مستحبّ ، وأمّا إذا لم يكن له مادّة نابعة ، فيعتبر في عدم تنجّسه الكرّية وإن سمّي بئراً ، كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر ولا نبع لها .

ص: 29


1- على الأحوط .
2- والامتزاج .
3- محلّ إشكال ، بل جريان حكم الراكد عليه لا يخلو من قوّة .
4- بعد الامتزاج بما يخرج من المادّة .

(مسألة 1) : ماء البئر المتّصل بالمادّة إذا تنجّس بالتغيّر فطهره بزواله ، ولو من قبل نفسه ، فضلاً عن نزول المطر عليه أو نزحه حتّى يزول ، ولا يعتبر(1) خروج ماء من المادّة في ذلك .

(مسألة 2) : الماء الراكد النجس - كرّاً كان أو قليلاً - يطهر بالاتّصال بكرّ طاهر ، أو بالجاري ، أو النابع الغير الجاري ، وإن لم يحصل(2) الامتزاج على الأقوى ، وكذا بنزول المطر .

(مسألة 3) : لا فرق بين أنحاء(3) الاتّصال في حصول التطهير ، فيطهر بمجرّده وإن كان الكرّ المطهّر مثلاً أعلى والنجس أسفل ، وعلى هذا فإذا اُلقي الكرّ لا يلزم نزول جميعه ، فلو اتّصل(4) ثمّ انقطع كفى ، نعم إذا كان الكرّ الطاهر أسفل والماء النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتّصال .

(مسألة 4) : الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر(5) ، ولا يلزم صبّ مائه وغسله .

(مسألة 5) : الماء المتغيّر إذا اُلقي عليه الكرّ فزال تغيّره به يطهر ، ولا حاجة إلى إلقاء كرّ آخر بعد زواله ، لكن بشرط أن يبقى الكرّ الملقى على حاله ؛ من اتّصال أجزائه وعدم تغيّره ، فلو تغيّر بعضه قبل زوال تغيّر النجس أو تفرّق بحيث

ص: 30


1- مرّ الاعتبار .
2- مرّ لزومه .
3- بعض أنحائه محلّ إشكال .
4- وامتزج .
5- لا بدّ من الامتزاج حال الاتّصال ، وبعده يطهر الظرف والمظروف .

لم يبق مقدار الكرّ متّصلاً باقياً على حاله ، تنجّس ولم يكف في التطهير ، والأولى إزالة التغيير أوّلاً ، ثمّ إلقاء الكرّ أو وصله به .

(مسألة 6) : تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم ، وبالبيّنة ، وبالعدل(1) الواحد على إشكال لا يترك فيه الاحتياط ، وبقول ذي اليد وإن لم يكن عادلاً ، ولا تثبت بالظنّ المطلق على الأقوى .

(مسألة 7) : إذا أخبر ذو اليد بنجاسته وقامت البيّنة على الطهارة ، قدّمت(2) البيّنة وإذا تعارض البيّنتان تساقطتا إذا كانت بيّنة الطهارة مستندة إلى العلم ، وإن كانت مستندة إلى الأصل تقدّم(3) بيّنة النجاسة .

(مسألة 8) : إذا شهد اثنان بأحد الأمرين ، وشهد أربعة بالآخر يمكن بل لا يبعد تساقط(4) الاثنين بالاثنين وبقاء الآخرين .

(مسألة 9) : الكرّية تثبت بالعلم والبيّنة ، وفي ثبوتها بقول صاحب اليد وجه(5) ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، كما أنّ في إخبار العدل الواحد أيضاً إشكالاً .

(مسألة 10) : يحرم شرب الماء النجس إلاّ في الضرورة ، ويجوز سقيه للحيوانات ، بل وللأطفال أيضاً ، ويجوز بيعه مع الإعلام .

ص: 31


1- على الأحوط .
2- إذا استندت إلى العلم لا الأصل وإلاّ ففيه إشكال .
3- إذا كانت مستندة إلى العلم وإلاّ ففيه تفصيل وإشكال .
4- بل يتساقط الجميع على الأقوى .
5- ضعيف .
فصل: في الماء المستعمل

الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر من الحدث والخبث ، وكذا المستعمل في الأغسال المندوبة ، وأمّا المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته ورفعه للخبث ، والأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضاً وإن كان الأحوط مع وجود غيره التجنّب عنه ، وأمّا المستعمل في الاستنجاء ولو من البول فمع الشروط الآتية طاهر ويرفع(1) الخبث أيضاً ، لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث ، ولا في الوضوء والغسل المندوبين ، وأمّا المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء والغسل ، وفي طهارته ونجاسته خلاف ، والأقوى أنّ ماء الغسلة المزيلة للعين نجس ، وفي الغسلة الغير المزيلة الأحوط الاجتناب(2) .

(مسألة 1) : لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل ، ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر .

(مسألة 2) : يشترط في طهارة ماء الاستنجاء اُمور : الأوّل : عدم تغيّره في أحد الأوصاف الثلاثة . الثاني : عدم وصول نجاسة إليه من خارج . الثالث : عدم التعدّي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء . الرابع : أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى مثل الدم ، نعم الدم الذي يعدّ جزءاً من البول أو الغائط لا بأس به(3) . الخامس : أن لا يكون فيه الأجزاء من الغائط بحيث يتميّز ،

ص: 32


1- فيه تأمّل ، والأحوط عدم الرفع .
2- بل الأقوى .
3- فيه إشكال لا يترك الاحتياط بالتجنّب عنه .

أمّا إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء ، أو شيء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به .

(مسألة 3) : لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد ، وإن كان أحوط .

(مسألة 4) : إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثمّ أعرض ثمّ عاد لا بأس ، إلاّ إذا عاد بعد مدّة ينتفي معها صدق التنجّس بالاستنجاء ، فينتفي حينئذٍ حكمه .

(مسألة 5) : لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاُولى والثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدّد .

(مسألة 6) : إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي ، فمع الاعتياد كالطبيعي(1) ، ومع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته .

(مسألة 7) : إذا شكّ في ماء أ نّه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات ، يحكم عليه بالطهارة ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب .

(مسألة 8) : إذا اغتسل في كرّ - كخزانة الحمّام - أو استنجى فيه ، لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الاستنجاء أو الخبث .

(مسألة 9) : إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبنى على العدم .

(مسألة 10) : سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث

ص: 33


1- إذا كان غير الطبيعي قريباً من الطبيعي ، وإلاّ فالأحوط الاجتناب .

الأكبر أو الخبث - استنجاءً أو غيره - إنّما يجري في الماء القليل ، دون الكرّ فما زاد كخزانة الحمّام ونحوها .

(مسألة 11) : المتخلّف(1) في الثوب بعد العصر من الماء طاهر ، فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة ، وكذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته .

(مسألة 12) : تطهر اليد تبعاً بعد التطهير ، فلا حاجة إلى غسلها ، وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب ونحوه .

(مسألة 13) : لو اُجري الماء على المحلّ النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته ، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر ؛ وإن عدّ تمامه غسلة واحدة ، ولو كان بمقدار ساعة ، ولكن مراعاة الاحتياط أولى .

(مسألة 14) : غسالة ما يحتاج إلى تعدّد الغسل - كالبول مثلاً - إذا لاقت شيئاً ، لا يعتبر فيها التعدّد وإن كان أحوط .

(مسألة 15) : غسالة الغسلة الاحتياطية استحباباً يستحبّ الاجتناب عنها .

فصل: في الماء المشكوك

الماء المشكوك نجاسته طاهر إلاّ مع العلم بنجاسته سابقاً ، والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق إلاّ مع سبق إطلاقه ، والمشكوك إباحته محكوم بالإباحة إلاّ مع سبق ملكية الغير ، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له .

(مسألة 1) : إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور - كإناء في عشرة - يجب

ص: 34


1- من الغسلة المطهّرة .

الاجتناب عن الجميع ، وإن اشتبه في غير المحصور - كواحد في ألف مثلاً - لا يجب(1) الاجتناب عن شيء منه .

(مسألة 2) : لو اشتبه مضاف في محصور ، يجوز أن يكرّر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه ، فإذا كانا اثنين يتوضّأ بهما ، وإن كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضّؤ باثنين إذا كان المضاف واحداً ، وإن كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب(2) استعمال الكلّ ، وإن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة . والمعيار : أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد ، وإن اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كلّ منها كما إذا كان المضاف واحداً في ألف . والمعيار : أن لا يعدّ(3) العلم الإجمالي علماً ، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم ، فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضاً ، ولكنّ الاحتياط أولى .

(مسألة 3) : إذا لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إطلاقه وإضافته ، ولم يتيقّن أ نّه كان في السابق مطلقاً ، يتيمّم(4) للصلاة ونحوها ، والأولى الجمع بين التيمّم والوضوء به .

ص: 35


1- لكن لا يجوز ارتكاب الجميع على الأحوط ، وفي جواز ارتكاب مقدار معتدّ به منه إشكال ؛ إذا كانت نسبته إلى البقيّة نسبة المحصور إلى المحصور .
2- إن كان الماء منحصراً به .
3- ليس المعيار ما ذكر ، بل المعيار ضعف الاحتمال بحيث لا يعتني به العقلاء كما أشار إليه ، فمع انحصار المضاف بواحد في مقابل آلاف احتمال لا يبعد جواز الغسل أو الوضوء ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالتكرار بالوجه المتقدّم .
4- بل يجمع بينهما إلاّ مع العلم بكون حالته السابقة الإضافة فيتيمّم .

(مسألة 4) : إذا علم إجمالاً أنّ هذا الماء إمّا نجس أو مضاف(1) ، يجوز شربه ، ولكن لا يجوز التوضّؤ به ، وكذا إذا علم أ نّه إمّا مضاف أو مغصوب ، وإذا علم أ نّه إمّا نجس أو مغصوب ، فلا يجوز شربه أيضاً ، كما لا يجوز(2) التوضّؤ به ، والقول بأ نّه يجوز التوضّؤ به ضعيف جدّاً .

(مسألة 5) : لو اُريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضّؤ بالآخر وإن زال العلم الإجمالي ، ولو اُريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفي الوضوء بالآخر ، بل الأحوط الجمع(3) بينه وبين التيمّم .

(مسألة6) : ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم(4) عليه بالنجاسة ، لكنّ الأحوط الاجتناب .

(مسألة 7) : إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمّم ، وهل يجب إراقتهما أو لا ؟ الأحوط ذلك ، وإن كان الأقوى العدم .

(مسألة 8) : إذا كان إناءان : أحدهما المعيّن نجس ، والآخر طاهر ، فاُريق أحدهما ولم يعلم أ نّه أيّهما ، فالباقي محكوم بالطهارة(5) ، وهذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين واُريق أحدهما ، فإنّه يجب الاجتناب عن الباقي ، والفرق أنّ الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ الماء الباقي كان طرفاً للشبهة من الأوّل ، وقد حكم عليه بوجوب الاجتناب .

ص: 36


1- حلال الشرب .
2- على الأحوط .
3- مع عدم العلم بالحالة السابقة ، فمع العلم بكونه مضافاً سابقاً يتيمّم .
4- إلاّ مع كون الحالة السابقة في أطرافها النجاسة ، وفي المسألة تفصيل لا يسعه المقام .
5- مع عدم أثر عملي للذي اُريق فعلاً .

(مسألة 9) : إذا كان هناك إناء لا يعلم أ نّه لزيد أو لعمرو ، والمفروض أ نّه مأذون من قبل زيد فقط في التصرّف في ماله ، لا يجوز له استعماله ، وكذا إذا علم أ نّه لزيد - مثلاً - لكن لا يعلم أ نّه مأذون من قبله أو من قبل عمرو .

(مسألة 10) : في الماءين المشتبهين إذا توضّأ بأحدهما أو اغتسل وغسل بدنه من الآخر ثمّ توضّأ به أو اغتسل صحّ وضوؤه أو غسله على الأقوى (1) ، لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة ، ومع الانحصار الأحوط ضمّ التيمّم أيضاً .

(مسألة 11) : إذا كان هناك ماءان توضّأ بأحدهما أو اغتسل ، وبعد الفراغ حصل له العلم بأنّ أحدهما كان نجساً ، ولا يدري أ نّه هو الذي توضّأ به أو غيره ، ففي صحّة وضوئه أو غسله إشكال ؛ إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محلّ إشكال ، وأمّا إذا علم بنجاسة أحدهما المعيّن وطهارة الآخر فتوضّأ ، وبعد الفراغ شكّ في أ نّه توضّأ من الطاهر أو من النجس ، فالظاهر صحّة وضوئه لقاعدة الفراغ ، نعم لو علم أ نّه كان حين التوضّؤ غافلاً عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها .

(مسألة 12) : إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية ، لا يحكم عليه بالضمان إلاّ بعد تبيّن أنّ المستعمل هو المغصوب .

فصل: في الأسآر

سؤر نجس العين كالكلب والخنزير والكافر نجس ، وسؤر طاهر العين طاهر وإن كان حرام اللحم أو كان من المسوخ أو كان جلاّلاً . نعم ، يكره سؤر حرام

ص: 37


1- لكن لا تصحّ الصلاة عقيبهما إلاّ بعد التطهير ، ولو صلّى عقيب كلّ منهما صحّت صلاته أيضاً ، والأقوى جواز التيمّم مع الانحصار والأولى إهراقهما ثمّ التيمّم .

اللحم ما عدا المؤمن ، بل والهرّة على قول ، وكذا يكره سؤر مكروه اللحم كالخيل والبغال والحمير ، وكذا سؤر الحائض المتّهمة ، بل مطلق المتّهم .

فصل: في النجاسات

اشارة

النجاسات اثنتا عشرة :

الأوّل والثاني : البول والغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه ؛ إنساناً أو غيره ، برّياً أو بحرياً ، صغيراً أو كبيراً ؛ بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح .

نعم ، في الطيور المحرّمة الأقوى(1) عدم النجاسة ، لكنّ الأحوط فيها أيضاً الاجتناب ، خصوصاً الخفّاش ، وخصوصاً بوله ، ولا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصلياً كالسباع ونحوها ، أو عارضياً كالجلاّل وموطوء الإنسان والغنم الذي شرب لبن خنزيرة(2) ، وأمّا البول والغائط من حلال اللحم فطاهر ، حتّى الحمار والبغل والخيل ، وكذا من حرام اللحم الذي ليس له دم(3) سائل ، كالسمك المحرّم ونحوه .

(مسألة 1) : ملاقاة الغائط في الباطن لا يوجب النجاسة ، كالنوى الخارج من الإنسان أو الدود الخارج منه ؛ إذا لم يكن معها شيء من الغائط وإن كان ملاقياً له في الباطن ، نعم لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان إن علم ملاقاتها له فالأحوط(4) الاجتناب عنه ، وأمّا إذا شكّ في

ص: 38


1- بل الأقوى النجاسة .
2- حتّى اشتدّ عظمه .
3- لا يخلو من إشكال ، إلاّ فيما ليس له لحم كالذباب ، وإن كانت الطهارة خصوصاً بالنسبة إلى الخرء لا تخلو من وجه .
4- والأقوى عدم لزومه .

ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة ، فلو خرج ماء الاحتقان ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته .

(مسألة 2) : لا مانع من بيع البول والغائط من مأكول اللحم ، وأمّا بيعهما من غير المأكول فلا يجوز ، نعم يجوز الانتفاع بهما في التسميد ونحوه .

(مسألة 3) : إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أ نّه مأكول اللحم أو لا ، لا يحكم بنجاسة بوله وروثه ؛ وإن كان لا يجوز(1) أكل لحمه بمقتضى الأصل ، وكذا إذا لم يعلم أنّ له دماً سائلاً(2) أم لا ، كما أ نّه إذا شكّ في شيء أ نّه من فضلة حلال اللحم أو حرامه ، أو شكّ في أ نّه من الحيوان الفلاني حتّى يكون نجساً ، أو من الفلاني حتّى يكون طاهراً ، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أ نّه بعرة فأر أو بعرة خنفساء ، ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته .

(مسألة 4) : لا يحكم بنجاسة فضلة الحيّة ؛ لعدم العلم بأنّ دمها سائل ، نعم حكي عن بعض السادة أنّ دمها سائل ، ويمكن اختلاف الحيّات في ذلك ، وكذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح ؛ للشكّ المذكور ، وإن حكي عن الشهيد أنّ جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلاّ التمساح ، لكنّه غير معلوم ، والكلّية المذكورة أيضاً غير معلومة .

الثالث : المنيّ من كلّ حيوان له دم سائل ؛ حراماً كان أو حلالاً ، برّياً أو بحرياً . وأمّا المذي والوذي والودي فطاهر من كلّ حيوان إلاّ نجس العين ، وكذا

ص: 39


1- الأقوى حلّية الأكل مع العلم بقابليته للتذكية ، ومع الشكّ فيها لا يترك الاحتياط ؛ وإن كانت الحلّية لا تخلو من وجه .
2- مع العلم بكونه ذا لحم ، الأحوط الأولى الاجتناب ، وأمّا مع الشكّ فيه أيضاً لا يحكم بنجاسة بوله .

رطوبات الفرج والدبر ما عدا البول والغائط .

الرابع : الميتة من كلّ ما له دم سائل ؛ حلالاً كان أو حراماً ، وكذا أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغاراً ، عدا ما لا تحلّه الحياة منها ، كالصوف والشعر والوبر والعظم والقرن والمنقار والظفر والمخلب والريش والظلف والسنّ والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى ؛ سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام ، وسواء أخذ ذلك بجزّ أو نتف أو غيرهما ، نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة . ويلحق بالمذكورات الإنفحّة ، وكذا اللبن في الضرع ولا ينجس بملاقاة الضرع النجس ، لكنّ الأحوط في اللبن الاجتناب ، خصوصاً إذا كان من غير مأكول(1) اللحم ، ولا بدّ من غسل ظاهر الإنفحّة الملاقي للميتة ، هذا في ميتة غير نجس العين وأمّا فيها فلا يستثنى شيء .

(مسألة 1) : الأجزاء المبانة من الحيّ ممّا تحلّه الحياة كالمبانة من الميتة إلاّ الأجزاء الصغار ، كالثؤلول ، والبثور ، وكالجلدة التي تنفصل من الشفة ، أو من بدن الأجرب عند الحكّ ، ونحو ذلك .

(مسألة 2) : فأرة المسك المبانة من الحيّ طاهرة على الأقوى(2) ؛ وإن كان

ص: 40


1- لا يترك الاحتياط فيه .
2- إن اُحرز أ نّها ممّا تحلّها الحياة ، فالأقوى نجاستها إذا انفصلت من الحيّ أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي ، ومع بلوغها حدّ الاستقلال واللفظ ، فالأقوى طهارتها ؛ سواء اُبينت من الحيّ أو الميّت ويتبعها المسك في الطهارة والنجاسة إذا لاقاها برطوبة سارية ، ومع الشكّ في حلول الحياة محكومة بالطهارة مع ما في جوفها ، ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة ، وكذا ينجس ما فيها إذا لاقاها برطوبة .

الأحوط الاجتناب عنها ، نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك ، وأمّا المبانة من الميّت ففيها إشكال ، وكذا في مسكها ، نعم إذا اُخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها . ولو لم يعلم أ نّها مبانة من الحيّ أو الميّت .

(مسألة 3) : ميتة ما لا نفس له طاهرة ، كالوزغ والعقرب والخنفساء والسمك ، وكذا الحيّة والتمساح ؛ وإن قيل بكونهما ذا نفس ؛ لعدم معلومية ذلك ، مع أ نّه إذا كان بعض الحيّات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك .

(مسألة 4) : إذا شكّ في شيء أ نّه من أجزاء الحيوان أم لا ، فهو محكوم بالطهارة ، وكذا إذا علم أ نّه من الحيوان ، لكن شكّ في أ نّه ممّا له دم سائل أم لا .

(مسألة 5) : ما يؤخذ من يد المسلم ؛ من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة(1) وإن لم يعلم تذكيته ، وكذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحاً إذا كان عليه أثر الاستعمال لكنّ الأحوط الاجتناب .

(مسألة 6) : المراد من الميتة أعمّ ممّا مات حتف أنفه أو قتل ، أو ذبح على غير الوجه الشرعي .

(مسألة 7) : ما يؤخذ من يد الكافر ، أو يوجد في أرضهم ، محكوم بالنجاسة إلاّ إذا علم(2) سبق يد المسلم عليه .

(مسألة 8) : جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ، ولا يقبل الطهارة شيء من الميتات ،

ص: 41


1- مع عدم العلم بمسبوقيتها بيد الكافر ، وأمّا معه فمع العلم بعدم فحص المسلم فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه ، ومع احتمال الفحص فالأحوط الاقتصار في الحكم بالطهارة بما إذا عمل معه معاملة المذكّى .
2- وفي بعض صور الاحتمال أيضاً على الأقوى .

سوى ميّت المسلم فإنّه يطهر بالغسل .

(مسألة 9) : السقط قبل ولوج الروح نجس(1) ، وكذا الفرخ في البيض .

(مسألة 10) : ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى ، وإن كان الأحوط غسل الملاقي ، خصوصاً في ميتة الإنسان قبل الغسل .

(مسألة 11) : يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده ، فلو مات بعض الجسد ولم تخرج الروح من تمامه لم ينجس .

(مسألة 12) : مجرّد خروج الروح يوجب النجاسة ، وإن كان قبل البرد ؛ من غير فرق بين الإنسان وغيره ، نعم وجوب غسل المسّ للميّت الإنساني مخصوص بما بعد برده .

(مسألة 13) : المضغة نجسة(2) وكذا المشيمة وقطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل .

(مسألة 14) : إذا قطع عضو من الحيّ وبقي معلّقاً متّصلاً به طاهر ما دام الاتّصال وينجس بعد الانفصال ، نعم لو قطعت يده - مثلاً - وكانت معلّقة بجلدة رقيقة ، فالأحوط(3) الاجتناب .

(مسألة 15) : الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك واحتمل عدم كونه من أجزاء الحيوان فطاهر وحلال ، وإن علم كونه كذلك فلا إشكال في

ص: 42


1- على الأحوط فيهما .
2- على الأحوط فيها وفيما بعدها .
3- وإن كان الأقوى هو الطهارة .

حرمته ، لكنّه محكوم بالطهارة ، لعدم العلم بأنّ ذلك الحيوان ممّا له نفس .

(مسألة 16) : إذا قلع سنّه أو قصّ ظفره فانقطع معه شيء من اللحم ، فإن كان قليلاً جدّاً فهو طاهر(1) ، وإلاّ فنجس .

(مسألة 17) : إذا وجد عظماً مجرّداً وشكّ في أ نّه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة ، حتّى لو علم أ نّه من الإنسان ولم يعلم أ نّه من كافر أو مسلم .

(مسألة 18) : الجلد المطروح إن لم يعلم أ نّه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره - كالسمك مثلاً - محكوم بالطهارة .

(مسألة 19) : يحرم بيع الميتة ، لكن الأقوى جواز الانتفاع بها(2) فيما لا يشترط فيه الطهارة .

الخامس : الدم من كلّ ما له نفس سائلة ؛ إنساناً أو غيره ، كبيراً أو صغيراً ، قليلاً كان الدم أو كثيراً. وأمّا دم ما لا نفس له فطاهر؛ كبيراً كان أو صغيراً ، كالسمك والبقّ والبرغوث، وكذا ما كان من غير الحيوان كالموجود تحت الأحجار عند قتل سيّد الشهداء - أرواحنا فداه - ويستثنى من دم الحيوان ، المتخلّف في الذبيحة بعد خروج المتعارف ؛ سواء كان في العروق أو في اللحم أو في القلب أو الكبد ؛ فإنّه طاهر ، نعم إذا رجع دم المذبح إلى الجوف ؛ لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في علوّ كان نجساً ، ويشترط في طهارة المتخلّف أن يكون

ص: 43


1- بل نجس على الأحوط .
2- في مثل تسميد الزرع وإطعام كلب الماشية وجوارح الطير ، وأ مّا الانتفاعات الشخصية كعلاج الجراحات والتدهين بها فمحلّ إشكال ، لا يترك الاحتياط فيها .

ممّا يؤكل لحمه على الأحوط ، فالمتخلّف من غير المأكول نجس على الأحوط .

(مسألة 1) : العلقة المستحيلة من المنيّ نجسة(1) ؛ من إنسان كان أو من غيره ، حتّى العلقة في البيض ، والأحوط(2) الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض ، لكن إذا كانت في الصفار وعليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض ، إلاّ إذا تمزّقت الجلدة .

(مسألة 2) : المتخلّف في الذبيحة وإن كان طاهراً ، لكنّه حرام ، إلاّ ما كان في اللحم ممّا يعدّ جزءاً منه .

(مسألة 3) : الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دماً نجس ، كما في خبر فصد العسكري - صلوات اللّه عليه - وكذا إذا صبّ عليه دواءً غيّر لونه إلى البياض .

(مسألة 4) : الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس ومنجّس للّبن .

(مسألة 5) : الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح ويكون ذكاته بذكاة اُمّه تمام دمه طاهر ، ولكنّه لا يخلو عن إشكال(3) .

(مسألة 6) : الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد ، في طهارة ما تخلّف فيه بعد خروج روحه إشكال ، وإن كان لا يخلو عن وجه(4) ، وأمّا ما خرج منه فلا إشكال في نجاسته .

(مسألة 7) : الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا ، محكوم بالطهارة ، كما

ص: 44


1- على الأحوط ، وإن كانت الطهارة في العلقة التي في البيض لا تخلو من رجحان .
2- والأقوى الطهارة .
3- فلا يترك الاحتياط .
4- وجيه .

أنّ الشيء الأحمر الذي يشكّ في أ نّه دم أم لا كذلك ، وكذا إذا علم أ نّه من الحيوان الفلاني ، ولكن لا يعلم أ نّه ممّا له نفس أم لا ، كدم الحيّة والتمساح ، وكذا إذا لم يعلم أ نّه دم شاة أو سمك ، فإذا رأى في ثوبه دماً لا يدري أ نّه منه أو من البقّ أو البرغوث يحكم بالطهارة ، وأمّا الدم المتخلّف في الذبيحة إذا شكّ في أ نّه من القسم الطاهر أو النجس ، فالظاهر الحكم بنجاسته(1) ؛ عملاً بالاستصحاب ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، ويحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس فيحكم بالطهارة ؛ لأصالة عدم الردّ ، وبين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ فيحكم بالنجاسة ؛ عملاً بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف .

(مسألة 8) : إذا خرج من الجرح أو الدمل شيء أصفر يشكّ في أ نّه دم أم لا ، محكوم بالطهارة . وكذا إذا شكّ من جهة الظلمة أ نّه دم أم قيح ، ولا يجب عليه الاستعلام .

(مسألة 9) : إذا حكّ جسده فخرجت رطوبة يشكّ في أ نّها دم أو ماء أصفر يحكم عليها بالطهارة .

(مسألة 10) : الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر إلاّ إذا علم كونه دماً أو مخلوطاً به ، فإنّه نجس إلاّ إذا استحال جلداً .

(مسألة 11) : الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس منجّس وإن كان قليلاً مستهلكاً ، والقول بطهارته بالنار لرواية ضعيفة ضعيف .

ص: 45


1- بل يحكم بطهارته ، والاُصول التي تمسّك بها لا أصل لها .

(مسألة 12) : إذا غرز إبرة أو أدخل سكّيناً في بدنه أو بدن حيوان ، فإن لم يعلم ملاقاته للدم في الباطن فطاهر ، وإن علم ملاقاته لكنّه خرج نظيفاً فالأحوط(1) الاجتناب عنه .

(مسألة 13) : إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم ، فالظاهر طهارته ، بل جواز بلعه ، نعم لو دخل من الخارج دم في الفم فاستهلك ، فالأحوط(2) الاجتناب عنه ، والأولى غسل الفم بالمضمضة أو نحوها .

(مسألة 14) : الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن إن لم يستحل وصدق عليه الدم نجس(3) ، فلو انخرق الجلد ووصل الماء إليه تنجّس ويشكل معه الوضوء أو الغسل ، فيجب إخراجه إن لم يكن حرج ، ومعه يجب أن يجعل عليه شيئاً مثل الجبيرة فيتوضّأ أو يغتسل ، هذا إذا علم أ نّه دم منجمد ، وإن احتمل كونه لحماً صار كالدم من جهة الرضّ - كما يكون كذلك غالباً - فهو طاهر .

السادس والسابع : الكلب والخنزير البرّيان دون البحري منهما ، وكذا رطوباتهما وأجزاؤهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة ، كالشعر والعظم ونحوهما ، ولو اجتمع أحدهما مع الآخر أو مع آخر فتولّد منهما ولد ، فإن صدق عليه اسم أحدهما تبعه ، وإن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الاُخر أو كان ممّا ليس له مثل في الخارج كان طاهراً ، وإن كان الأحوط الاجتناب عن المتولّد منهما إذا

ص: 46


1- والأقوى عدم التنجّس ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .
3- إذا ظهر .

لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة ، بل الأحوط الاجتناب عن المتولّد من أحدهما مع طاهر ، إذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر ، فلو نزا كلب على شاة ، أو خروف على كلبة ولم يصدق على المتولّد منهما اسم الشاة فالأحوط الاجتناب عنه ؛ وإن لم يصدق عليه اسم الكلب .

الثامن : الكافر بأقسامه - حتّى المرتدّ بقسميه ، واليهود والنصارى والمجوس - وكذا رطوباته وأجزاؤه ؛ سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لا ، والمراد بالكافر : من كان منكراً(1) للاُلوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضرورياً ؛ بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة ، والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقاً ، وإن لم يكن ملتفتاً إلى كونه ضرورياً ، وولد الكافر يتبعه في النجاسة ، إلاّ إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلاً مميّزاً وكان إسلامه عن بصيرة على الأقوى ، ولا فرق في نجاسته بين كونه من حلال أو من الزنا ولو في مذهبه ، ولو كان أحد الأبوين مسلماً فالولد تابع له ، إذا لم يكن عن زنا ، بل مطلقاً على وجه مطابق لأصل الطهارة .

(مسألة 1) : الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين ؛ سواء كان من طرف أو طرفين ، بل وإن كان أحد الأبوين مسلماً كما مرّ .

(مسألة 2) : لا إشكال في نجاسة الغلاة(2) والخوارج والنواصب ، وأمّا المجسّمة والمجبّرة والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام

ص: 47


1- أو غير معترف بالثلاثة .
2- إن كان غلوّهم مستلزماً لإنكار أحد الثلاثة أو الترديد فيه ، وكذا في الفرع الآتي .

الإسلام ، فالأقوى عدم نجاستهم إلاّ مع العلم بالتزامهم بلوازم(1) مذاهبهم من المفاسد .

(مسألة 3) : غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين ومعادين لسائر الأئمّة ولا سابّين لهم طاهرون ، وأمّا مع النصب أو السبّ للأئمّة الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب .

(مسألة 4) : من شكّ في إسلامه وكفره طاهر ، وإن لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام .

التاسع : الخمر ، بل كلّ مسكر مائع بالأصالة وإن صار جامداً بالعرض ، لا الجامد كالبنج وإن صار مائعاً بالعرض .

(مسألة 1) : ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي إذا غلى قبل أن يذهب ثلثاه ، وهو الأحوط وإن كان الأقوى طهارته ، نعم لا إشكال في حرمته ؛ سواء غلى بالنار أو بالشمس أو بنفسه ، وإذا ذهب ثلثاه صار حلالاً ؛ سواء كان بالنار أو بالشمس أو بالهواء(2) بل الأقوى حرمته بمجرّد(3) النشيش وإن لم يصل إلى حدّ الغليان ، ولا فرق بين العصير ونفس العنب(4) ، فإذا غلى نفس العنب من غير أن يعصر كان حراماً . وأمّا التمر والزبيب وعصيرهما فالأقوى عدم حرمتهما أيضاً

ص: 48


1- إن كانت مستلزمة لإنكار أحد الثلاثة .
2- الأحوط الاقتصار على الطبخ ، وإذا غلى بنفسه ، فإن علم أو اُحرز بطريق معتبر أ نّه مسكر - كما قيل - فيحرم ، بل ينجس ، ولا يطهر إلاّ إذا صار خلاًّ ، ومع الشكّ في الإسكار محكوم بالطهارة ، والأحوط الاجتناب عنه أكلاً وإن كان الأقوى ما في المتن .
3- بل الظاهر عدم الحرمة بمجرّده ، لكن لا يترك الاحتياط .
4- على الأحوط .

بالغليان ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنهما أكلاً ، بل من حيث النجاسة أيضاً .

(مسألة 2) : إذا صار العصير دبساً بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط(1) حرمته ، وإن كان لحلّيته وجه ، وعلى هذا فإذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه ، فالأولى أن يصبّ عليه مقدار من الماء فإذا ذهب ثلثاه حلّ بلا إشكال .

(مسألة 3) : يجوز أكل الزبيب والكشمش والتمر في الأمراق والطبيخ وإن غلت ، فيجوز أكلها بأيّ كيفية كانت على الأقوى .

العاشر : الفقّاع ، وهو شراب متّخذ من الشعير على وجه مخصوص ، ويقال : إنّ فيه سكراً خفيّاً ، وإذا كان متّخذاً من غير الشعير فلا حرمة ولا نجاسة ، إلاّ إذا كان مسكراً .

(مسألة 1) : ماء الشعير الذي يستعمله الأطبّاء في معالجاتهم ليس من الفقّاع فهو طاهر حلال .

الحادي عشر : عرق(2) الجنب من الحرام ؛ سواء خرج حين الجماع أو بعده من الرجل أو المرأة ؛ سواء كان من زنا أو غيره كوط ء البهيمة أو الاستمناء أو نحوها ممّا حرمته ذاتية ، بل الأقوى ذلك في وط ء الحائض ، والجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن ، أو في الظهار قبل التكفير .

(مسألة 1) : العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس ، وعلى هذا فليغتسل في الماء البارد ، وإن لم يتمكّن فليرتمس في الماء الحارّ ، وينوي الغسل

ص: 49


1- لا يترك .
2- الأقوى طهارته وإن لم تجز الصلاة فيه على الأحوط ، فتسقط ما يتفرّع عليها من حيث النجاسة .

حال الخروج(1) ، أو يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل .

(مسألة 2) : إذا أجنب من حرام ثمّ من حلال ، أو من حلال ثمّ من حرام ، فالظاهر نجاسة عرقه(2) أيضاً ، خصوصاً في الصورة الاُولى .

(مسألة 3) : المجنب من حرام إذا تيمّم لعدم التمكّن من الغسل ، فالظاهر عدم نجاسة عرقه ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل ، وإذا وجد الماء ولم يغتسل بعد فعرقه نجس ؛ لبطلان تيمّمه بالوجدان .

(مسألة 4) : الصبيّ الغير البالغ إذا أجنب من حرام ، ففي نجاسة عرقه إشكال ، والأحوط أمره بالغسل ؛ إذ يصحّ منه قبل البلوغ على الأقوى .

الثاني عشر : عرق الإبل الجلاّلة بل مطلق(3) الحيوان الجلاّل على الأحوط .

(مسألة 1) : الأحوط الاجتناب عن الثعلب والأرنب والوزغ والعقرب والفأر ، بل مطلق المسوخات وإن كان الأقوى طهارة الجميع .

(مسألة 2) : كلّ مشكوك طاهر ؛ سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة ، أو لاحتمال تنجّسه مع كونه من الأعيان الطاهرة . والقول بأنّ الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة ضعيف . نعم ، يستثنى ممّا ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات ، أو بعد خروج المنيّ قبل الاستبراء بالبول فإنّها مع الشكّ محكومة بالنجاسة .

ص: 50


1- مع مراعاة الترتيب في الترتيبي .
2- في الثانية إشكال ، بل جواز الصلاة فيه قريب .
3- وإن كان الأقوى طهارة عرق ما عدا الإبل .

(مسألة 3) : الأقوى طهارة غسالة الحمّام وإن ظنّ نجاستها ، لكن الأحوط الاجتناب عنها .

(مسألة 4) : يستحبّ رشّ الماء إذا أراد أن يصلّي في معابد اليهود والنصارى مع الشكّ في نجاستها ؛ وإن كانت محكومة بالطهارة .

(مسألة 5) : في الشكّ في الطهارة والنجاسة لا يجب الفحص ، بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقاً بالنجاسة ؛ ولو أمكن حصول العلم بالحال في الحال .

فصل: في طريق ثبوت النجاسة

طريق ثبوت النجاسة أو التنجّس العلم الوجداني ، أو البيّنة العادلة . وفي كفاية العدل الواحد إشكال ، فلا يترك مراعاة الاحتياط ، وتثبت أيضاً بقول صاحب اليد بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة ، بل أو غصب ، ولا اعتبار بمطلق الظنّ وإن كان قويّاً ، فالدهن واللبن والجبن المأخوذ من أهل البوادي محكوم بالطهارة ، وإن حصل الظنّ بنجاستها ، بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها ، بل قد يكره أو يحرم(1) ؛ إذا كان في معرض حصول الوسواس .

(مسألة 1) : لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة والنجاسة .

(مسألة 2) : العلم الإجمالي كالتفصيلي ، فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما ، إلاّ إذا لم يكن أحدهما محلاًّ لابتلائه، فلا يجب(2) الاجتناب عمّا هو محلّ الابتلاء أيضاً.

ص: 51


1- الحرمة بمجرّد المعرضية محلّ إشكال .
2- محلّ إشكال .

(مسألة 3) : لا يعتبر في البيّنة حصول الظنّ بصدقها ، نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها .

(مسألة 4) : لا يعتبر في البيّنة ذكر مستند الشهادة ، نعم لو ذكرا مستندها ، وعلم عدم صحّته لم يحكم بالنجاسة .

(مسألة 5) : إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى ، وإن لم يكن موجباً عندهما أو عند أحدهما ، فلو قالا : إنّ هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة كفى عند من يقول بنجاستهما ؛ وإن لم يكن مذهبهما النجاسة .

(مسألة 6) : إذا شهدا بالنجاسة واختلف مستندهما كفى(1) في ثبوتها ؛ وإن لم تثبت الخصوصية ، كما إذا قال أحدهما : إنّ هذا الشيء لاقى البول ، وقال الآخر : إنّه لاقى الدم ، فيحكم بنجاسته ، لكن لا يثبت النجاسة البولية ولا الدمية ، بل القدر المشترك بينهما ، لكن هذا إذا لم ينف كلّ منهما قول الآخر ، بأن اتّفقا على أصل النجاسة ، وأمّا إذا نفاه ، كما إذا قال أحدهما : إنّه لاقى البول ، وقال الآخر : لا ، بل لاقى الدم ، ففي الحكم بالنجاسة إشكال(2) .

(مسألة 7) : الشهادة بالإجمال كافية(3) أيضاً ، كما إذا قالا : أحد هذين نجس ، فيجب الاجتناب عنهما . وأمّا لو شهد أحدهما بالإجمال والآخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما : أحد هذين نجس ، وقال الآخر : هذا معيّناً

ص: 52


1- محلّ إشكال بل منع ، نعم هو من قبيل قيام العدل الواحد ، فيأتي فيه الاحتياط المتقدّم .
2- والأقوى الطهارة .
3- مع وقوع شهادتهما على واحد ، وأمّا مع عدمه أو الشكّ فيه فلا .

نجس ، ففي المسألة وجوه(1) : وجوب الاجتناب عنهما ، ووجوبه عن المعيّن فقط ، وعدم الوجوب أصلاً .

(مسألة 8) : لو شهد أحدهما بنجاسة الشيء فعلاً ، والآخر بنجاسته سابقاً مع الجهل بحاله فعلاً ، فالظاهر(2) وجوب الاجتناب ، وكذا إذا شهدا معاً بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب .

(مسألة 9) : لو قال أحدهما : إنّه نجس ، وقال الآخر : إنّه كان نجساً والآن طاهر ، فالظاهر عدم الكفاية وعدم الحكم بالنجاسة .

(مسألة 10) : إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت ، كفى في الحكم بالنجاسة ، وكذا إذا أخبرت المربّية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه ، بل وكذا لو أخبر المولى(3) بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته .

(مسألة 11) : إذا كان الشيء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته ، نعم لو قال أحدهما : إنّه طاهر ، وقال الآخر : إنّه نجس ، تساقطا(4) ،

ص: 53


1- الأحوط الاجتناب عن المعيّن بل عنهما ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب أصلاً ؛ بناءً على عدم اعتبار شهادة العدل الواحد .
2- بل الظاهر عدمه .
3- إخباره غير معتبر على الظاهر ، خصوصاً مع معارضته لإخبارهما ، فإنّ الأقوى قبول قولهما وتقديمه على قوله في نجاسة بدنهما أو طهارته وما في يدهما من الثوب وغيره حتّى الظروف وأمثالها ممّا في يدهما لا يد مولاهما وإن كانت ملكاً له .
4- إلاّ إذا كان إخبار أحدهما مستنداً إلى الأصل والآخر إلى الوجدان أو إلى الأصل الحاكم ، فإذا أخبر أحدهما بطهارته لأجل أصالة الطهارة والآخر بنجاسته يقدّم قول الثاني ، وإذا أخبر بنجاسته مستنداً إلى استصحابها ، وأخبر الآخر بطهارته فعلاً وجداناً ، أو بدعوى التطهير ، يحكم بطهارته .

كما أنّ البيّنة تسقط مع التعارض ، ومع معارضتها بقول صاحب اليد تقدّم عليه .

(مسألة 12) : لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقاً أو عادلاً ، بل مسلماً أو كافراً .

(مسألة 13) : في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيّاً إشكال ؛ وإن كان لا يبعد إذا كان مراهقاً(1) .

(مسألة 14) : لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال كما قد يقال ، فلو توضّأ شخص بماء - مثلاً - وبعده أخبر ذو اليد بنجاسته ، يحكم ببطلان وضوئه ، وكذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده ، فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم عليه(2) بالنجاسة في ذلك الزمان ، ومع الشكّ في زوالها تستصحب .

فصل : في كيفية تنجّس المتنجّسات

يشترط في تنجّس الملاقي للنجس أو المتنجّس أن يكون فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية ، فإذا كانا جافّين لم ينجس وإن كان ملاقياً للميتة ، لكن الأحوط غسل ملاقي ميّت الإنسان قبل الغسل وإن كانا جافّين . وكذا لا ينجس

ص: 54


1- بل يراعى الاحتياط في المميّز مطلقاً .
2- محلّ إشكال ، نعم لا يبعد ذلك مع قرب العهد به جدّاً ، كما لو أخبر بها بعد خروجه عن يده بلا فصل .

إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية . ثمّ إن كان الملاقي للنجس أو المتنجّس مائعاً ، تنجّس كلّه كالماء القليل المطلق والمضاف مطلقاً ، والدهن المائع ونحوه من المائعات . نعم ، لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جارياً من العالي ، بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جارياً من السافل كالفوّارة ؛ من غير فرق في ذلك بين الماء وغيره من المائعات . وإن كان الملاقي جامداً اختصّت النجاسة بموضع الملاقاة ؛ سواء كان يابساً كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءاً منه ، أو رطباً كما في الثوب المرطوب ، أو الأرض المرطوبة ، فإنّه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجّس ما يتّصل به وإن كان فيه رطوبة مسرية ، بل النجاسة مختصّة بموضع الملاقاة ، ومن هذا القبيل الدهن والدبس الجامدان ، نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثمّ اتّصل ، تنجّس موضع الملاقاة منه ، فالاتّصال قبل الملاقاة لا يؤثّر في النجاسة والسراية ، بخلاف الاتّصال بعد الملاقاة ، وعلى ما ذكر فالبطّيخ والخيار ونحوهما ممّا فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسة جزءاً منها لا تتنجّس البقيّة ، بل يكفي غسل موضع الملاقاة إلاّ إذا انفصل بعد الملاقاة ثمّ اتّصل .

(مسألة 1) : إذا شكّ في رطوبة أحد المتلاقيين أو علم وجودها وشكّ في سرايتها لم يحكم بالنجاسة ، وأمّا إذا علم سبق وجود المسرية وشكّ في بقائها ، فالأحوط الاجتناب ، وإن كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه(1) .

(مسألة 2) : الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص وإن كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته ، إذا لم يعلم مصاحبته

ص: 55


1- وجيه .

لعين النجس ، ومجرّد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله ، لاحتمال كونها ممّا لا تقبلها ، وعلى فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات .

(مسألة 3) : إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين ، يكفي إلقاؤه وإلقاء ما حوله ، ولا يجب الاجتناب عن البقيّة ، وكذا إذا مشى الكلب على الطين ، فإنّه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله ، إلاّ إذا كان وحلاً ، والمناط(1) في الجمود والميعان أ نّه لو أخذ منه شيء فإن بقي مكانه خالياً حين الأخذ - وإن امتلأ بعد ذلك - فهو جامد ، وإن لم يبق خالياً أصلاً فهو مائع .

(مسألة 4) : إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرّق لا يسري إلى سائر أجزائه إلاّ مع جريان(2) العرق .

(مسألة 5) : إذا وضع إبريق مملوء ماءً على الأرض النجسة ، وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء ، فإن كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجّس ما في الإبريق من الماء ، وإن وقف الماء بحيث يصدق اتّحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجّس ، وهكذا الكوز والكأس والحبّ ونحوها .

(مسألة 6) : إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة وكان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محلّه من سائر أجزائها ، فإذا شكّ في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله ، وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق .

(مسألة 7) : الثوب أو الفراش الملطّخ بالتراب النجس يكفيه نفضه ، ولا يجب

ص: 56


1- الأولى إيكالهما إلى العرف ؛ بمعنى أ نّه مع فهم العرف السراية يجتنب عن البقيّة وإلاّ فلا ، ومع الشكّ يحكم بالطهارة .
2- من موضع المتنجّس إلى غيره .

غسله ، ولا يضرّ احتمال بقاء شيء منه بعد العلم بزوال القدر المتيقّن .

(مسألة 8) : لا يكفي مجرّد الميعان في التنجّس ، بل يعتبر أن يكون ممّا يقبل التأثّر ، وبعبارة اُخرى : يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين ، فالزئبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا ينجس وإن كان مائعاً ، وكذا إذا اُذيب الذهب أو غيره من الفلزّات في بوطقة نجسة ، أو صبّ بعد الذوب في ظرف نجس لا ينجس ، إلاّ مع رطوبة الظرف ، أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج .

(مسألة 9) : المتنجّس لا يتنجّس ثانياً ولو بنجاسة اُخرى لكن إذا اختلف حكمهما يرتّب كلاهما ؛ فلو كان لملاقي البول حكم ولملاقي العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معاً ، ولذا لو لاقى الثوب دم ثمّ لاقاه البول يجب غسله مرّتين ، وإن لم يتنجّس بالبول بعد تنجّسه بالدم وقلنا بكفاية المرّة في الدم ، وكذا إذا كان في إناء ماء نجس ثمّ ولغ فيه الكلب يجب تعفيره وإن لم يتنجّس بالولوغ ، ويحتمل(1) أن يكون للنجاسة مراتب في الشدّة والضعف ، وعليه فيكون كلّ منهما مؤثّراً ولا إشكال .

(مسألة 10) : إذا تنجّس الثوب مثلاً بالدم - ممّا يكفي فيه غسله مرّة - وشكّ في ملاقاته للبول أيضاً - ممّا يحتاج إلى التعدّد - يكتفى فيه بالمرّة ، ويبنى على عدم ملاقاته للبول ، وكذا إذا علم نجاسة إناء وشكّ في أ نّه ولغ فيه الكلب أيضاً أم لا ، لا يجب فيه التعفير ، ويبنى على عدم تحقّق الولوغ ، نعم لو علم تنجّسه إمّا بالبول أو الدم ، أو إمّا بالولوغ أو بغيره ، يجب إجراء حكم الأشدّ ؛ من التعدّد في البول والتعفير في الولوغ .

ص: 57


1- هذا هو الأقوى .

(مسألة 11) : الأقوى أنّ المتنجّس منجّس(1) كالنجس ، لكن لا يجري(2) عليه جميع أحكام النجس ، فإذا تنجّس الإناء بالولوغ يجب تعفيره ، لكن إذا تنجّس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء أو صبّ ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب فيه التعفير ، وإن كان الأحوط خصوصاً في الفرض الثاني ، وكذا إذا تنجّس الثوب بالبول وجب تعدّد الغسل ، لكن إذا تنجّس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدّد ، وكذا إذا تنجّس شيء بغسالة البول - بناءً على نجاسة الغسالة - لا يجب فيه التعدّد .

(مسألة 12) : قد مرّ أ نّه يشترط في تنجّس الشيء بالملاقاة تأثّره ، فعلى هذا لو فرض(3) جسم لا يتأثّر بالرطوبة أصلاً كما إذا دهّن على نحو إذا غمس في الماء لا يتبلّل أصلاً يمكن أن يقال إنّه لا يتنجّس بالملاقاة ، ولو مع الرطوبة المسرية ، ويحتمل أن يكون رجل الزنبور والذباب والبقّ من هذا القبيل .

(مسألة 13) : الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس ، فالنخامة الخارجة من الأنف طاهرة وإن لاقت الدم في باطن الأنف ، نعم لو أدخل فيه شيء من الخارج ولاقى الدم في الباطن ، فالأحوط(4) فيه الاجتناب .

فصل: في شرطیة الطهارة لصحّة الصلاة

يشترط في صحّة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة عن البدن ، حتّى الظفر والشعر واللباس ؛ ساتراً كان أو غير ساتر ، عدا ما سيجيء من مثل

ص: 58


1- الحكم في الوسائط الكثيرة مبنيّ على الاحتياط .
2- الأحوط إجراؤها عليه مطلقاً خصوصاً فيما إذا صبّ ماء الولوغ في إناء آخر .
3- مع أ نّه فرض بعيد ، مشكل جدّاً ، بل الأقرب هو التنجّس .
4- وإن كان الأقوى خلافه .

الجورب ونحوه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه . وكذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط وقضاء التشهّد والسجدة المنسيّين ، وكذا في سجدتي السهو على الأحوط ، ولا يشترط فيما يتقدّمها ؛ من الأذان والإقامة والأدعية التي قبل تكبيرة الإحرام ، ولا فيما يتأخّرها من التعقيب . ويلحق باللباس - على الأحوط - اللحاف الذي يتغطّى به المصلّي مضطجعاً إيماءً ؛ سواء كان متستّراً به أو لا ، وإن كان الأقوى في صورة عدم التستّر به - بأن كان ساتره غيره - عدم الاشتراط(1) ، ويشترط في صحّة الصلاة أيضاً إزالتها عن موضع السجود دون المواضع الاُخر ، فلا بأس بنجاستها إلاّ إذا كانت مسرية إلى بدنه أو لباسه .

(مسألة 1) : إذا وضع جبهته على محلّ بعضه طاهر وبعضه نجس صحّ ، إذا كان الطاهر بمقدار الواجب ، فلا يضرّ كون البعض الآخر نجساً ، وإن كان الأحوط طهارة جميع ما يقع عليه ، ويكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهراً ؛ وإن كان باطنه أو سطحه الآخر أو ما تحته نجساً، فلو وضع التربة على محلّ نجس وكانت طاهرة ولو سطحها الظاهر صحّت الصلاة .

(مسألة 2) : يجب إزالة النجاسة عن المساجد ؛ داخلها وسقفها وسطحها والطرف الداخل من جدرانها ، بل والطرف الخارج على الأحوط ، إلاّ أن لا يجعلها الواقف جزءاً من المسجد ، بل لو لم يجعل مكاناً مخصوصاً منها جزءاً لا يلحقه الحكم ، ووجوب الإزالة فوري ، فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي . ويحرم تنجيسها أيضاً ، بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها وإن

ص: 59


1- مع عدم اللفّ ؛ بحيث صار كاللباس ، وإلاّ فالأحوط اشتراطه .

لم تكن منجّسة إذا كانت موجبة لهتك حرمتها ، بل مطلقاً(1) على الأحوط ، وأمّا إدخال المتنجّس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك .

(مسألة 3) : وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي ، ولا اختصاص له بمن نجّسها أو صار سبباً ، فيجب على كلّ أحد .

(مسألة 4) : إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة يجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها ، ومع الضيق قدّمها ، ولو ترك الإزالة مع السعة واشتغل بالصلاة عصى لترك الإزالة ، لكن في بطلان صلاته إشكال ، والأقوى الصحّة . هذا إذا أمكنه الإزالة ، وأمّا مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحّة صلاته ، ولا فرق في الإشكال في الصورة الاُولى بين أن يصلّي في ذلك المسجد ، أو في مسجد آخر(2) وإذا اشتغل غيره(3) بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقّق الإزالة .

(مسألة 5) : إذا صلّى ثمّ تبيّن له كون المسجد نجساً كانت صلاته صحيحة ، وكذا إذا كان عالماً بالنجاسة ثمّ غفل وصلّى ، وأمّا إذا علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة ، فهل يجب إتمامها ثمّ الإزالة أو إبطالها والمبادرة إلى الإزالة ؟ وجهان أو وجوه(4) ، والأقوى وجوب الإتمام .

ص: 60


1- والأقوى في غير صورة الهتك عدم البأس ، خصوصاً في غير مسجد الحرام .
2- أو غير المسجد .
3- مع قدرته عليها بحيث لا يضرّ بالفورية العرفية ، وإلاّ فيجب عليه تشريك المساعي مقدّماً على اشتغاله بالصلاة .
4- أقواها لزوم المبادرة إلى الإزالة ، إلاّ مع عدم كون الإتمام مخلاًّ بالفورية العرفية .

(مسألة 6) : إذا كان موضع من المسجد نجساً ، لا يجوز(1) تنجيسه ثانياً بما يوجب تلويثه ، بل وكذا مع عدم التلويث إذا كانت الثانية أشدّ وأغلظ من الاُولى ، وإلاّ ففي تحريمه تأمّل بل منع إذا لم يستلزم تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر ، لكنّه أحوط .

(مسألة 7) : لو توقّف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز بل وجب ، وكذا لو توقّف على تخريب شيء(2) منه ، ولا يجب(3) طمّ الحفر وتعمير الخراب ، نعم لو كان مثل الآجر ممّا يمكن ردّه بعد التطهير وجب(4) .

(مسألة 8) : إذا تنجّس حصير المسجد وجب(5) تطهيره أو قطع موضع النجس منه إذا كان ذلك أصلح من إخراجه وتطهيره كما هو الغالب .

(مسألة 9) : إذا توقّف تطهير المسجد على تخريبه أجمع(6) كما إذا كان الجصّ الذي عمّر به نجساً ، أو كان المباشر للبناء كافراً ، فإن وجد متبرّع بالتعمير بعد الخراب جاز(7) ، وإلاّ فمشكل .

(مسألة 10) : لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خراباً ، وإن لم يصلّ فيه

ص: 61


1- على الأحوط فيما لا يلزم منه الهتك .
2- يسير ، وأمّا الكثير المعتدّ به فمحلّ إشكال كما يأتي .
3- إذا لم يكن بفعله ، وإلاّ وجب عليه على الأقوى .
4- وجوبه على غير المنجّس محلّ إشكال .
5- على الأحوط ، وفي وجوب قطع موضع النجس مع عدم تنجيس المسجد تأمّل ، والأحوط القطع مع الأصلحية والتعمير .
6- أو شيء معتدّ به كتخريب الطاق مثلاً .
7- بل وجب .

أحد ، ويجب تطهيره إذا تنجّس .

(مسألة 11) : إذا توقّف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة ، لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك ، كما إذا أراد تطهيره بصبّ الماء واستلزم ما ذكر .

(مسألة 12) : إذا توقّف التطهير على بذل مال وجب ، وهل يضمن من صار سبباً للتنجّس ؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما(1) من قوّة .

(مسألة 13) : إذا تغيّر عنوان المسجد ؛ بأن غصب وجعل داراً أو صار خراباً بحيث لا يمكن تعميره ولا الصلاة فيه وقلنا بجواز جعله مكاناً للزرع ، ففي جواز تنجيسه وعدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال ، والأظهر(2) عدم جواز الأوّل ، بل وجوب الثاني أيضاً .

(مسألة 14) : إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد(3) ، فإن أمكنه إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب(4) المبادرة إليها ، وإلاّ فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل ، لكن يجب المبادرة إليه حفظاً للفورية بقدر الإمكان ، وإن لم يمكن التطهير إلاّ بالمكث جنباً ، فلا يبعد جوازه بل وجوبه(5) ، وكذا إذا استلزم التأخير إلى أن يغتسل هتك حرمته .

ص: 62


1- بل أوّلهما ؛ بمعنى جواز إلزامه بالتطهير والإزالة ، وأمّا لو أقدم على التطهير غيره فمع التبرّع لم يكن له الرجوع إليه ومع عدمه أيضاً مشكل .
2- الأظهرية محلّ إشكال ، لكن لا يترك الاحتياط ؛ سواء قلنا بجواز جعله مكاناً للزرع أو لا .
3- غير المسجدين .
4- مع عدم من يقوم بالأمر .
5- وجوبه محلّ إشكال في هذا الفرع لا الآتي .

(مسألة 15) : في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى إشكال ، وأمّا مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فِرَقهم .

(مسألة 16) : إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءاً من المسجد لا يلحقه الحكم من وجوب التطهير وحرمة التنجيس ، بل وكذا لو شكّ(1) في ذلك ، وإن كان الأحوط اللحوق .

(مسألة 17) : إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما .

(مسألة 18) : لا فرق بين كون المسجد عامّاً أو خاصّاً(2) ، وأمّا المكان الذي أعدّه للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم .

(مسألة 19) : هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكّن من الإزالة ؟ الظاهر العدم إذا كان ممّا لا يوجب الهتك ، وإلاّ فهو الأحوط .

(مسألة 20) : المشاهد المشرّفة كالمساجد في حرمة التنجيس ، بل وجوب الإزالة ، إذا كان تركها هتكاً ، بل مطلقاً على الأحوط ، لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه ، ولا فرق فيها بين الضرائح وما عليها من الثياب وسائر مواضعها إلاّ في التأكّد وعدمه .

(مسألة 21) : يجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف وخطّه ، بل عن جلده

ص: 63


1- ولم تكن أمارة على الجزئية .
2- كون المسجد قابلاً للتخصيص مشكل ، ولعلّ مراده مثل مسجد السوق في مقابل الجامع الأعظم .

وغلافه مع الهتك ، كما أ نّه معه يحرم مسّ خطّه أو ورقه بالعضو المتنجّس ؛ وإن كان متطهّراً من الحدث ، وأمّا إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته .

(مسألة 22) : يحرم كتابة القرآن بالمركّب النجس ، ولو كتب جهلاً أو عمداً وجب محوه ، كما أ نّه إذا تنجّس خطّه ولم يمكن تطهيره يجب محوه .

(مسألة 23) : لا يجوز(1) إعطاؤه بيد الكافر ، وإن كان في يده يجب أخذه منه .

(مسألة 24) : يحرم وضع القرآن على العين النجسة ، كما أ نّه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه وإن كانت يابسة .

(مسألة 25) : يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية ، بل عن تربة الرسول وسائر الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - المأخوذة من قبورهم ، ويحرم تنجيسها ، ولا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرّك والاستشفاء ، وكذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد التبرّك لأجل الصلاة .

(مسألة 26) : إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه ولو باُجرة ، وإن لم يمكن فالأحوط(2) والأولى سدّ بابه وترك التخلّي فيه إلى أن يضمحلّ .

(مسألة 27) : تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره .

ص: 64


1- حرمة مجرّد الإعطاء محلّ إشكال .
2- بل الأقوى .

(مسألة 28) : وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختصّ(1) بمن نجّسه ، ولو استلزم صرف المال وجب ، ولا يضمنه من نجّسه إذا لم يكن لغيره وإن صار هو السبب للتكليف بصرف المال ، وكذا لو ألقاه في البالوعة ، فإنّ مؤونة الإخراج الواجب على كلّ أحد ليس عليه ؛ لأنّ الضرر إنّما جاء من قبل التكليف الشرعي ، ويحتمل ضمان المسبّب كما قيل ، بل قيل باختصاص الوجوب به ، ويجبره الحاكم عليه لو امتنع ، أو يستأجر آخر ، ولكن يأخذ الاُجرة منه .

(مسألة 29) : إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال(2) ، إلاّ إذا كان تركه هتكاً ولم يمكن الاستئذان منه ، فإنّه حينئذٍ لا يبعد وجوبه .

(مسألة 30) : يجب(3) إزالة النجاسة عن المأكول وعن ظروف الأكل والشرب إذا استلزم استعمالها تنجّس المأكول والمشروب .

(مسألة 31) : الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة ، خصوصاً الميتة ، بل والمتنجّسة إذا لم تقبل التطهير ، إلاّ ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات وغيرها للتسميد والاستصباح بالدهن المتنجّس ، لكنّ الأقوى جواز الانتفاع بالجميع حتّى الميتة(4) مطلقاً في غير ما يشترط فيه الطهارة ، نعم لا يجوز بيعها للاستعمال المحرّم ، وفي بعضها لا يجوز بيعه مطلقاً(5) كالميتة والعذرات .

ص: 65


1- يجوز للحاكم إلزامه وصرف ماله في تطهيره وإن كان واجباً كفائياً على الجميع .
2- لا يجوز للغير مع إقدام صاحبه ، ومع امتناعه يجب على غيره .
3- بل يحرم أكل النجس ، فيلزم تطهيره للأكل والشرب .
4- لا يترك في غير ما جرت السيرة عليه .
5- على الأحوط في الميتة الطاهرة ، كبعض أنواع السمكة ممّا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة ، وعلى الأقوى في غيرها .

(مسألة 32) : كما يحرم الأكل والشرب للشيء النجس ، كذا يحرم التسبّب لأكل الغير أو شربه ، وكذا(1) التسبّب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، فلو باع أو أعار شيئاً نجساً قابلاً(2) للتطهير يجب الإعلام بنجاسته ، وأمّا إذا لم يكن هو السبب في استعماله بأن رأى أنّ ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلّي فيه نجس ، فلا يجب إعلامه .

(مسألة 33) : لا يجوز سقي المسكرات للأطفال ، بل يجب ردعهم ، وكذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرّة لهم ، بل مطلقاً(3) ، وأمّا المتنجّسات فإن كان التنجّس من جهة كون أيديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به ، وإن كان من جهة تنجّس سابق فالأقوى جواز التسبّب لأكلهم وإن كان الأحوط تركه ، وأمّا ردعهم عن الأكل أو الشرب مع عدم التسبّب فلا يجب من غير إشكال .

(مسألة 34) : إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجساً فورد عليه ضيف وباشره بالرطوبة المسرية ، ففي وجوب إعلامه إشكال وإن كان أحوط(4) ، بل لا يخلو عن قوّة ، وكذا إذا أحضر عنده طعاماً ثمّ علم بنجاسته ، بل وكذا إذا كان الطعام للغير وجماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة ؛ وإن كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوّة ؛ لعدم كونه سبباً لأكل الغير بخلاف الصورة السابقة .

(مسألة 35) : إذا استعار ظرفاً أو فرشاً أو غيرهما من جاره فتنجّس عنده ،

ص: 66


1- فيما يشترط فيه الطهارة الواقعية على الأحوط ، وأمّا غيره فالأقوى عدم الحرمة .
2- لا دخل للقابلية في المنظور .
3- على الأحوط ، وإن كان وجوب ردعهم في غير الضرر المعتدّ به غير معلوم .
4- والأقوى عدم وجوبه .

هل يجب عليه إعلامه عند الردّ ؟ فيه إشكال ، والأحوط(1) الإعلام ، بل لا يخلو عن قوّة إذا كان ممّا يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة .

فصل: فیما إذا صلّی في النجس

إذا صلّى في النجس فإن كان عن علم وعمد بطلت صلاته ، وكذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم ؛ بأن لم يعلم أنّ الشيء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام نجس ، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع ؛ بأن لم يعلم أنّ ثوبه أو بدنه لاقى البول مثلاً ، فإن لم يلتفت أصلاً أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحّت صلاته ، ولا يجب عليه القضاء ، بل ولا الإعادة في الوقت وإن كان أحوط ، وإن التفت في أثناء الصلاة؛ فإن علم سبقها وأنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت مع سعة الوقت للإعادة ، وإن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة ومع ضيق الوقت إن أمكن التطهير أو التبديل(2) وهو في الصلاة من غير لزوم المنافي فليفعل ذلك ويتمّ وكانت صحيحة ، وإن لم يمكن أتمّها(3) وكانت صحيحة ، وإن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شيء من أجزائها مع النجاسة ، أو علم بها وشكّ في أ نّها كانت سابقاً أو حدثت فعلاً ، فمع سعة الوقت وإمكان التطهير أو التبديل يتمّها(4) بعدهما ، ومع عدم الإمكان يستأنف ، ومع ضيق الوقت يتمّها مع النجاسة ولا شيء عليه . وأمّا إذا كان ناسياً

ص: 67


1- الأقوى وجوب الإعلام فيما يستعمله في الأكل والشرب ، والأحوط ذلك فيما يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة الواقعية ، وفي غيره الأقوى عدم الوجوب .
2- أو الإلقاء ، إن لم يكن ساتراً .
3- بل ينزع مع الإمكان وصلّى عارياً على الأقوى .
4- بل يصلّي عارياً بعد النزع مع الإمكان .

فالأقوى وجوب الإعادة أو القضاء مطلقاً ؛ سواء تذكّر بعد الصلاة أو في أثنائها ، أمكن التطهير أو التبديل أم لا .

(مسألة1) : ناسي الحكم تكليفاً أو وضعاً كجاهله في وجوب الإعادة والقضاء .

(مسألة 2) : لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ثمّ صلّى فيه ، وبعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته ، فالظاهر أ نّه من باب الجهل بالموضوع ، فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء ، وكذا لو شكّ في نجاسته ثمّ تبيّن بعد الصلاة أ نّه كان نجساً ، وكذا لو علم بنجاسته فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته أو شهدت البيّنة بتطهيره ثمّ تبيّن الخلاف ، وكذا لو وقعت قطرة بول أو دم - مثلاً - وشكّ في أ نّها وقعت على ثوبه أو على الأرض(1) ، ثمّ تبيّن أ نّها وقعت على ثوبه ، وكذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دماً وقطع بأ نّه دم البقّ ، أو دم القروح المعفوّ ، أو أ نّه أقلّ من الدرهم أو نحو ذلك ، ثمّ تبيّن أ نّه ممّا لا يجوز الصلاة فيه ، وكذا لو شكّ في شيء من ذلك ثمّ تبيّن أ نّه ممّا لا يجوز ، فجميع(2) هذه من الجهل بالنجاسة ؛ لا يجب فيها الإعادة أو القضاء .

(مسألة 3) : لو علم بنجاسة شيء فنسي ولاقاه بالرطوبة وصلّى، ثمّ تذكّر أ نّه كان نجساً وأنّ يده تنجّست بملاقاته ، فالظاهر أ نّه أيضاً من باب الجهل بالموضوع لا النسيان ؛ لأ نّه لم يعلم نجاسة يده سابقاً ، والنسيان إنّما هو في

ص: 68


1- الأقوى بطلانها ، خصوصاً مع كون الأرض مورداً لابتلائه .
2- وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه في بعض الصور ، خصوصاً في صور القطع بالعذر وإخبار الوكيل .

نجاسة شيء آخر غير ما صلّى فيه ، نعم لو توضّأ أو اغتسل قبل تطهير يده وصلّى كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه أو غسله .

(مسألة 4) : إذا انحصر ثوبه في نجس ، فإن لم يمكن نزعه حال الصلاة لبرد أو نحوه صلّى فيه(1) ، ولا يجب عليه الإعادة أو القضاء ، وإن تمكّن من نزعه ففي وجوب الصلاة فيه أو عارياً أو التخيير وجوه ؛ الأقوى الأوّل(2) ، والأحوط تكرار الصلاة .

(مسألة 5) : إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرّر الصلاة ، وإن لم يتمكّن إلاّ من صلاة واحدة يصلّي في أحدهما لا عارياً(3) ، والأحوط القضاء خارج الوقت في الآخر أيضاً إن أمكن ، وإلاّ عارياً .

(مسألة 6) : إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر ، لا يجوز(4) أن يصلّي فيهما بالتكرار ، بل يصلّي فيه ، نعم لو كان له غرض عقلائي في عدم الصلاة فيه لا بأس بها فيهما مكرّراً .

(مسألة 7) : إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين ؛ سواء علم بنجاسة واحد وبطهارة الاثنين ، أو علم بنجاسة واحد وشكّ في نجاسة الآخرين ، أو في نجاسة أحدهما ؛ لأنّ الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة وإن لم يكن مميّزاً ، وإن علم في الفرض بنجاسة الاثنين ، يجب التكرار بإتيان

ص: 69


1- مع ضيق الوقت ، أو عدم احتمال زوال العذر احتمالاً عقلائياً .
2- بل الثاني .
3- بل يصلّي عارياً ، ويقضي خارج الوقت .
4- بل يجوز .

الثلاث ، وإن علم بنجاسة الاثنين في أربع يكفي الثلاث . والمعيار - كما تقدّم سابقاً - : التكرار إلى حدّ يعلم وقوع أحدها في الطاهر .

(مسألة 8) : إذا كان كلّ من بدنه وثوبه نجساً ، ولم يكن له من الماء إلاّ ما يكفي أحدهما فلا يبعد التخيير(1) ، والأحوط تطهير البدن ، وإن كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشدّ ، لا يبعد ترجيحه .

(مسألة 9) : إذا تنجّس موضعان من بدنه أو لباسه ولم يمكن إزالتهما ، فلا يسقط الوجوب ويتخيّر إلاّ مع الدوران بين الأقلّ والأكثر ، أو بين الأخفّ والأشدّ ، أو بين متّحد العنوان ومتعدّده ، فيتعيّن الثاني في الجميع ، بل إذا كان موضع النجس واحداً وأمكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور ، بل إذا لم يمكن التطهير لكن أمكن إزالة العين وجبت ، بل إذا كانت محتاجة إلى تعدّد الغسل وتمكّن من غسلة واحدة فالأحوط عدم تركها ؛ لأ نّها توجب خفّة النجاسة ، إلاّ أن يستلزم خلاف الاحتياط من جهة اُخرى ؛ بأن استلزم وصول الغسالة إلى المحلّ الطاهر .

(مسألة 10) : إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلاّ لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن تعيّن رفع الخبث ، ويتيمّم بدلاً عن الوضوء أو الغسل ، والأولى(2) أن يستعمله في إزالة الخبث أوّلاً ثمّ التيمّم ، ليتحقّق عدم الوجدان حينه .

ص: 70


1- بل يطهّر بدنه وصلّى عارياً مع إمكان نزعه ؛ كانت النجاسة في أحدهما أشدّ أو أكثر أم لا ، ومع عدم إمكان النزع فالأحوط تطهير البدن إن كانت نجاسته مساوية لنجاسة الثوب أو أشدّ أو أكثر ، ومع أكثرية نجاسة الثوب وأشدّيتها يتخيّر .
2- بل الأحوط .

(مسألة 11) : إذا صلّى مع النجاسة اضطراراً(1) لا يجب عليه الإعادة بعد التمكّن من التطهير ، نعم لو حصل التمكّن في أثناء الصلاة استأنف في سعة الوقت ، والأحوط الإتمام والإعادة .

(مسألة 12) : إذا اضطرّ(2) إلى السجود على محلّ نجس لا يجب إعادتها بعد التمكّن من الطاهر .

(مسألة 13) : إذا سجد على الموضع النجس جهلاً أو نسياناً لا يجب عليه الإعادة ، وإن كانت أحوط(3) .

فصل : فيما يعفى عنه في الصلاة

وهو اُمور :

الأوّل : دم الجروح والقروح ما لم تبرأ ؛ في الثوب أو البدن ، قليلاً كان أو كثيراً ، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقّة أم لا ، نعم يعتبر أن يكون ممّا فيه مشقّة نوعية ، فإن كان ممّا لا مشقّة في تطهيره أو تبديله على نوع الناس فالأحوط(4) إزالته أو تبديل الثوب ، وكذا يعتبر أن يكون الجرح ممّا يعتدّ به ، وله ثبات واستقرار ، فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها ، ولا يجب فيما يعفى عنه منعه

ص: 71


1- إن صلّى فيه مع سعة الوقت لليأس من الظفر بثوب طاهر أو تطهير بدنه أعاد في الوقت على الأحوط ، والأحوط التأخير إلى آخر الوقت ، وإذا صلّى آخر الوقت أو في السعة مع استيعاب العذر فالأقوى عدم وجوب القضاء .
2- والأحوط التأخير إلى آخر الوقت .
3- لا يترك ، وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
4- إلاّ إذا كان حرجاً عليه وإن لم يكن فيه مشقّة نوعية ، فلا يجب حينئذٍ .

عن التنجيس ، نعم يجب شدّه(1) إذا كان في موضع يتعارف شدّه ، ولا يختصّ العفو بما في محلّ الجرح ، فلو تعدّى عن البدن إلى اللباس ، أو إلى أطراف المحلّ كان معفوّاً ، لكن بالمقدار المتعارف في مثل ذلك الجرح ، ويختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر والصغر ، ومن حيث المحلّ ، فقد يكون في محلّ لازمه - بحسب المتعارف - التعدّي إلى الأطراف كثيراً ، أو في محلّ لا يمكن شدّه ، فالمناط : المتعارف بحسب ذلك الجرح .

(مسألة 1) : كما يعفى عن دم الجرح كذا يعفى عن القيح المتنجّس الخارج معه ، والدواء المتنجّس الموضوع عليه ، والعرق المتّصل به في المتعارف ، أمّا الرطوبة الخارجية إذا وصلت إليه وتعدّت إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل(2) ، فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج .

(مسألة 2) : إذا تلوّثت يده في مقام العلاج يجب غسلها ولا عفو ، كما أ نّه كذلك إذا كان الجرح ممّا لا يتعدّى فتلوّثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوّثتين على خلاف المتعارف .

(مسألة 3) : يعفى عن دم البواسير خارجة كانت أو داخلة ، وكذا كلّ قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر .

(مسألة 4) : لا يعفى عن دم الرعاف ولا يكون من الجروح .

(مسألة 5) : يستحبّ لصاحب القروح والجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرّة .

ص: 72


1- على الأحوط .
2- لا إشكال في عدم العفو .

(مسألة 6) : إذا شكّ في دم أ نّه من الجروح أو القروح أم لا ، فالأحوط عدم العفو(1) عنه .

(مسألة 7) : إذا كانت القروح أو الجروح المتعدّدة متقاربة ؛ بحيث تعدّ جرحاً واحداً عرفاً جرى عليه حكم الواحد ، فلو برئ بعضها لم يجب غسله ، بل هو معفوّ عنه حتّى يبرأ الجميع ، وإن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية ، فلكلّ حكم نفسه ، فلو برئ البعض وجب غسله ولايعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع .

الثاني ممّا يعفى عنه في الصلاة : الدم الأقلّ من الدرهم ؛ سواء كان في البدن أو اللباس ، من نفسه أو غيره عدا الدماء الثلاثة ؛ من الحيض والنفاس(2) والاستحاضة ، أو من نجس العين أو الميتة ، بل أو غير المأكول ممّا عدا الإنسان على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوّة ، وإذا كان متفرّقاً في البدن أو اللباس أو فيهما وكان المجموع بقدر الدرهم فالأحوط عدم العفو(3)، والمناط سعة الدرهم لا وزنه ، وحدّه سعة أخمص الراحة ، ولمّا حدّه بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد ، وآخر بعقد الوسطى ، وآخر بعقد السبّابة ، فالأحوط الاقتصار(4) على الأقلّ وهو الأخير .

(مسألة 1) : إذا تفشّى من أحد طرفي الثوب إلى الآخر فدم واحد ، والمناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين ، نعم لو كان الثوب طبقات فتفشّى من طبقة

ص: 73


1- لا يبعد جواز الصلاة فيه .
2- على الأحوط فيه وفيما بعده ، وإن كان العفو عمّا بعد الاستحاضة لا يخلو من وجه .
3- والأقوى العفو .
4- لا يترك .

إلى اُخرى فالظاهر التعدّد ، وإن كانتا من قبيل الظهارة والبطانة ، كما أ نّه لو وصل إلى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشّي يحكم عليه بالتعدّد(1) ، وإن لم يكن طبقتين .

(مسألة 2) : الدم الأقلّ إذا وصل إليه رطوبة من الخارج فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد لا إشكال في عدم العفو عنه ؛ وإن لم يبلغ الدرهم ، فإن لم يتنجّس بها شيء من المحلّ بأن لم تتعدّ عن محلّ الدم فالظاهر بقاء العفو(2) ، وإن تعدّى عنه ولكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ففيه إشكال ، والأحوط عدم العفو .

(مسألة 3) : إذا علم كون الدم أقلّ من الدرهم ، وشكّ في أ نّه من المستثنيات أم لا ، يبنى على العفو ، وأمّا إذا شكّ في أ نّه بقدر الدرهم أو أقلّ فالأحوط(3) عدم العفو إلاّ أن يكون مسبوقاً بالأقلّية وشكّ في زيادته .

(مسألة 4) : المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم .

(مسألة 5) : الدم الأقلّ إذا اُزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه .

(مسألة 6) : الدم الأقلّ إذا وقع عليه دم آخر أقلّ ولم يتعدّ عنه ، أو تعدّى وكان المجموع أقلّ لم يزل حكم العفو عنه .

(مسألة 7) : الدم الغليظ الذي سعته أقلّ عفو ، وإن كان بحيث لو كان رقيقاً صار بقدره أو أكثر .

ص: 74


1- على الأحوط .
2- مع استهلاكه في الدم ، وأمّا مع عدمه فالأحوط عدم العفو .
3- والأقوى العفو ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بالأكثرية من مقدار العفو وشكّ في صيرورته بمقداره .

(مسألة 8) : إذا وقعت نجاسة اُخرى كقطرة من البول - مثلاً - على الدم الأقلّ ؛ بحيث لم تتعدّ عنه إلى المحلّ الطاهر ولم يصل إلى الثوب أيضاً هل يبقى العفو أم لا ؟ إشكال(1) ، فلا يترك الاحتياط .

الثالث ممّا يعفى عنه : ما لا تتمّ فيه الصلاة من الملابس ، كالقلنسوة ، والعرقجين والتكّة والجورب والنعل والخاتم والخلخال ونحوها ، بشرط أن لا يكون من الميتة ، ولا من أجزاء نجس العين ، كالكلب وأخويه ، والمناط عدم إمكان الستر بلا علاج ، فإن تعمّم أو تحزّم بمثل الدستمال ممّا لا يستر العورة بلا علاج ، لكن يمكن الستر به بشدّه بحبل أو بجعله خرقاً لا مانع من الصلاة فيه ، وأمّا مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلت فلا يكون معفوّاً ، إلاّ إذا خيطت بعد اللفّ بحيث تصير مثل القلنسوة .

الرابع : المحمول المتنجّس الذي لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكّين والدرهم والدينار ونحوها ، وأمّا إذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة كما إذا جعل ثوبه المتنجّس في جيبه مثلاً ففيه إشكال(2) ، والأحوط الاجتناب ، وكذا إذا كان من الأعيان النجسة ، كالميتة والدم وشعر الكلب والخنزير ، فإنّ الأحوط اجتناب حملها في الصلاة .

(مسألة 1) : الخيط المتنجّس الذي خيط به الجرح يعدّ من المحمول ، بخلاف ما خيط به الثوب والقياطين والزرور والسفائف ، فإنّها تعدّ من أجزاء اللباس لا عفو عن نجاستها .

الخامس : ثوب المربّية للصبيّ ؛ اُمّاً كانت أو غيرها ، متبرّعة أو مستأجرة ،

ص: 75


1- والأقوى عدم العفو .
2- وإن كان العفو لا يخلو من وجه .

ذكراً كان الصبيّ أو اُنثى ، وإن كان الأحوط الاقتصار على الذكر فنجاسته معفوّة بشرط غسله في كلّ يوم مرّة ، مخيّرة(1) بين ساعاته ، وإن كان الأولى غسله آخر النهار لتصلّي الظهرين والعشاءين مع الطهارة ، أو مع خفّة النجاسة ، وإن لم يغسل كلّ يوم مرّة فالصلوات الواقعة فيه مع النجاسة باطلة ، ويشترط انحصار ثوبها في واحد ، أو احتياجها إلى لبس جميع ما عندها وإن كان متعدّداً ، ولا فرق في العفو بين أن تكون متمكّنة من تحصيل الثوب الطاهر بشراء أو استئجار أو استعارة أم لا ، وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكّن .

(مسألة 1) : إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محلّ إشكال(2) ، وإن كان لا يخلو عن وجه .

(مسألة 2) : في إلحاق المربّي بالمربّية إشكال ، وكذا من تواتر بوله .

السادس : يعفى عن كلّ نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار .

فصل : في المطهّرات

اشارة

وهي اُمور :

أحدها : الماء ، وهو عمدتها ؛ لأنّ سائر(3) المطهّرات مخصوصة بأشياء خاصّة بخلافه ؛ فإنّه مطهّر لكلّ متنجّس حتّى الماء المضاف بالاستهلاك ، بل يطهّر بعض الأعيان النجسة كميّت الإنسان ، فإنّه يطهر بتمام غسله ، ويشترط في التطهير به

ص: 76


1- الأحوط أن تغسل كلّ يوم لأوّل صلاة ابتلت بنجاسة الثوب ، فتصلّي معه صلاة بطهر ثمّ عفي عنها لبقيّة الصلوات في اليوم والليلة .
2- والأقرب عدم الإلحاق ، وكذا عدم إلحاق غير البول به .
3- غير المطر .

اُمور ؛ بعضها شرط في كلّ من القليل والكثير ، وبعضها مختصّ(1) بالتطهير بالقليل . أمّا الأوّل : فمنها : زوال العين والأثر ؛ بمعنى الأجزاء الصغار منها ، لا بمعنى اللون والطعم ونحوهما . ومنها : عدم تغيّر الماء(2) في أثناء الاستعمال . ومنها : طهارة الماء ولو في ظاهر الشرع . ومنها : إطلاقه بمعنى عدم خروجه عن الإطلاق في أثناء الاستعمال . وأمّا الثاني : فالتعدّد في بعض المتنجّسات كالمتنجّس بالبول وكالظروف(3) ، والتعفير كما في المتنجّس بولوغ الكلب ، والعصر في مثل الثياب والفرش ونحوها ممّا يقبله ، والورود ؛ أي ورود الماء على المتنجّس دون العكس على الأحوط .

(مسألة 1) : المدار في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها ، فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين كفى ، إلاّ أن يستكشف من بقائهما بقاء الأجزاء(4) الصغار ، أو يشكّ في بقائها ، فلا يحكم حينئذٍ بالطهارة .

(مسألة 2) : إنّما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال ، فلا يضرّ تنجّسه بالوصول إلى المحلّ النجس ، وأمّا الإطلاق فاعتباره إنّما هو قبل الاستعمال وحينه ، فلو صار بعد الوصول إلى المحلّ مضافاً لم يكف ، كما في الثوب المصبوغ ، فإنّه يشترط في طهارته بالماء القليل بقاؤه على الإطلاق حتّى حال العصر ، فما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر إلاّ إذا كان اللون قليلاً لم يصر إلى حدّ الإضافة . وأمّا إذا غسل في الكثير فيكفي فيه نفوذ الماء في

ص: 77


1- يأتي التفصيل وعدم تمامية ما ذكر .
2- بالنجاسة .
3- سيأتي عدم اختصاص التعدّد والتعفير بالقليل على الأحوط وكذا العصر .
4- عرفاً ، لا عقلاً وبرهاناً .

جميع أجزائه بوصف الإطلاق(1) ، وإن صار بالعصر مضافاً ، بل الماء المعصور المضاف أيضاً محكوم بالطهارة ، وأمّا إذا كان بحيث يوجب إضافة الماء بمجرّد وصوله إليه ولا ينفذ فيه إلاّ مضافاً فلا يطهر ما دام كذلك ، والظاهر أنّ اشتراط عدم التغيّر(2) أيضاً كذلك ، فلو تغيّر بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك ، ولا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدّد .

(مسألة 3) : يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير على الأقوى(3) ، وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها ، وأمّا على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطاً(4) فلا .

(مسألة 4) : يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل من بول غير الرضيع الغسل مرّتين ، وأمّا من بول الرضيع الغير المتغذّي بالطعام فيكفي صبّ الماء مرّة وإن كان المرّتان أحوط ، وأمّا المتنجّس بسائر النجاسات عدا الولوغ فالأقوى كفاية الغسل مرّة بعد زوال العين ، فلا تكفي الغسلة المزيلة لها إلاّ أن يصبّ الماء مستمرّاً بعد زوالها ، والأحوط التعدّد في سائر النجاسات أيضاً ، بل كونهما غير الغسلة المزيلة .

(مسألة 5) : يجب في الأواني إذا تنجّست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرّات في الماء القليل ، وإذا تنجّست بالولوغ التعفير بالتراب مرّة ، وبالماء بعده مرّتين ، والأولى أن يطرح فيها التراب من غير ماء ويمسح به ، ثمّ يجعل فيه شيء من

ص: 78


1- إلى تحقّق الغسل عرفاً ، ويأتي اعتبار العصر أو ما يقوم مقامه احتياطاً .
2- بالنجاسة .
3- لا يخلو من إشكال ، والأحوط عدم الجواز .
4- بل على الأقوى .

الماء ويمسح به ، وإن كان الأقوى كفاية الأوّل فقط ، بل الثاني(1) أيضاً ، ولا بدّ من التراب ، فلا يكفي عنه الرماد والاُشنان والنورة ونحوها ، نعم يكفي الرمل(2) ، ولا فرق بين أقسام التراب ، والمراد من الولوغ شربه الماء أو مائعاً آخر بطرف لسانه ، ويقوى إلحاق(3) لطعه الإناء بشربه ، وأمّا وقوع لعاب فمه فالأقوى فيه عدم اللحوق وإن كان أحوط ، بل الأحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته ولو كان بغير اللسان من سائر الأعضاء ، حتّى وقوع شعره أو عرقه في الإناء .

(مسألة 6) : يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات ، وكذا في موت الجرذ ؛ وهو الكبير من الفأرة البرّية ، والأحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضاً ، لكن الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 7) : يستحبّ في ظروف الخمر الغسل سبعاً ، والأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث .

(مسألة 8) : التراب الذي يعفّر به ، يجب(4) أن يكون طاهراً قبل الاستعمال .

(مسألة 9) : إذا كان الإناء ضيّقاً لا يمكن مسحه بالتراب ، فالظاهر كفاية جعل التراب فيه وتحريكه(5) إلى أن يصل إلى جميع أطرافه ، وأمّا إذا كان ممّا لا يمكن

ص: 79


1- بشرط كون الماء لا يخرجه عن صدق التعفير بالتراب .
2- لا يخلو من إشكال .
3- في القوّة تأمّل ، ولا يترك الاحتياط بإلحاقه ، بل بإلحاق وقوع لعاب فمه .
4- على الأحوط .
5- في كفايته إشكال ، نعم لو وضع خرقة على رأس عود وأدخل فيه وحرّكها عنيفاً حتّى حصل التعفير والغسل بالتراب يكفي .

فيه ذلك ، فالظاهر بقاؤه على النجاسة أبداً ، إلاّ عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير .

(مسألة 10) : لا يجري حكم التعفير في غير الظروف ممّا تنجّس بالكلب ، ولو بماء ولوغه أو بلطعه ، نعم لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير ، حتّى مثل الدلو لو شرب الكلب منه ، بل والقربة والمطهرة وما أشبه ذلك .

(مسألة 11) : لا يتكرّر التعفير بتكرّر الولوغ من كلب واحد أو أزيد ، بل يكفي التعفير مرّة واحدة .

(مسألة 12) : يجب تقديم التعفير على الغسلتين ، فلو عكس لم يطهر .

(مسألة 13) : إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث ، بل يكفي مرّة واحدة حتّى في إناء الولوغ ، نعم الأحوط عدم سقوط التعفير فيه ، بل لا يخلو عن قوّة ، والأحوط التثليث(1) حتّى في الكثير .

(مسألة 14) : في غسل الإناء بالماء القليل يكفي صبّ الماء فيه وإدارته إلى أطرافه ، ثمّ صبّه على الأرض ثلاث مرّات كما يكفي أن يملأه ماءً ثمّ يفرغه ثلاث مرّات .

(مسألة 15) : إذا شكّ في متنجّس أ نّه من الظروف حتّى يعتبر غسله ثلاث مرّات ، أو غيره حتّى يكفي فيه المرّة ، فالظاهر(2) كفاية المرّة .

ص: 80


1- لا يترك حتّى في الجاري .
2- في الشبهات المفهومية في بعض النجاسات ، ولمّا كان تشخيص الموارد شأن الفقيه ، فالأحوط لغيره عدم الاكتفاء بالمرّة .

(مسألة 16) : يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة على المتعارف ، ففي مثل البدن ونحوه ممّا لا ينفذ فيه الماء يكفي صبّ الماء عليه وانفصال معظم الماء ، وفي مثل الثياب والفرش ممّا ينفذ فيه الماء لا بدّ من عصره أو ما يقوم مقامه ، كما إذا داسه برجله أو غمزه بكفّه أو نحو ذلك ، ولا يلزم انفصال تمام الماء ، ولا يلزم الفرك والدلك إلاّ إذا كان فيه عين النجس أو المتنجّس ، وفي مثل الصابون والطين ونحوهما ممّا ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه ، ولا يضرّه بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه . وأمّا في الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة ولا العصر ولا التعدّد وغيره ، بل بمجرّد غمسه(1) في الماء بعد زوال العين يطهر ، ويكفي في طهارة أعماقه - إن وصلت النجاسة إليها - نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير ، ولا يلزم تجفيفه أوّلاً ، نعم لو نفذ فيه عين البول مثلاً مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه ؛ بمعنى عدم بقاء مائيته فيه ، بخلاف الماء النجس الموجود فيه ، فإنّه بالاتّصال بالكثير يطهر ، فلا حاجة فيه إلى التجفيف .

(مسألة 17) : لا يعتبر العصر ونحوه فيما تنجّس ببول الرضيع ، وإن كان مثل الثوب والفرش ونحوهما ، بل يكفي صبّ الماء عليه مرّة على وجه يشمل جميع أجزائه ، وإن كان الأحوط مرّتين ، لكن يشترط أن لا يكون متغذّياً معتاداً بالغذاء ، ولا يضرّ تغذّيه اتّفاقاً نادراً ، وأن يكون ذكراً لا اُنثى

ص: 81


1- لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من وجه ، فلا يترك الاحتياط بمثل العصر وما قام مقامه ، هذا فيما يمكن ذلك فيه ، وأمّا فيما لا يمكن كالصابون والطين ونحوهما فيطهر ظواهرها بالتغسيل ، وأمّا بواطنها فلا تطهر إلاّ بوصول الماء المطلق عليها ، ولا يكفي وصول الرطوبة ، فتطهير بواطن كثير من الأشياء غير ممكن أو في غاية الإشكال .

على الأحوط ، ولا يشترط فيه أن يكون في الحولين ، بل هو كذلك ما دام يعدّ رضيعاً غير متغذّ وإن كان بعدهما ، كما أ نّه لو صار معتاداً بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور ، بل هو كسائر الأبوال ، وكذا يشترط في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة ؛ فلو كان من الكافرة(1) لم يلحقه ، وكذا لو كان من الخنزيرة .

(مسألة 18) : إذا شكّ في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون ونحوه بنى على عدمه ، كما أ نّه إذا شكّ بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بنى على عدمه فيحكم ببقاء الطهارة في الأوّل ، وبقاء النجاسة في الثاني .

(مسألة 19) : قد يقال بطهارة الدهن المتنجّس إذا جعل في الكرّ الحارّ ؛ بحيث اختلط معه ، ثمّ أخذ من فوقه بعد برودته ، لكنّه مشكل ؛ لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه وإن كان غير بعيد(2) إذا غلى الماء مقداراً من الزمان .

(مسألة 20) : إذا تنجّس الأرز أو الماش أو نحوهما ، يجعل في وصلة ويغمس في الكرّ ، وإن نفذ فيه الماء النجس يصبر حتّى يعلم نفوذ(3) الماء الطاهر إلى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس ، بل لا يبعد تطهيره بالقليل ؛ بأن يجعل في ظرف ويصبّ عليه ، ثمّ يراق غسالته ، ويطهر الظرف أيضاً بالتبع ، فلا حاجة

ص: 82


1- الأقوى الإلحاق وإن كان الأحوط عدمه .
2- بعيد .
3- قد مرّ أنّ تطهير بواطن مثل الحبوب والصابون في الماء الكثير - فضلاً عن القليل - غير ميسور ، ووصول الرطوبة إليها غير كافٍ ، بل لا بدّ من حصول الغسل واستيلاء الماء المطلق عليها ، والعلم بذلك ممّا لا طريق إليه غالباً .

إلى التثليث فيه ، وإن كان هو الأحوط ، نعم لو كان الظرف أيضاً نجساً فلا بدّ من الثلاث .

(مسألة 21) : الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت وصبّ الماء عليه ، ثمّ عصره وإخراج غسالته . وكذا اللحم النجس ، ويكفي المرّة في غير البول ، والمرّتان فيه إذا لم يكن الطشت نجساً قبل صبّ الماء ، وإلاّ فلا بدّ من الثلاث ، والأحوط التثليث مطلقاً .

(مسألة 22) : اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجّس بعد الطبخ يمكن تطهيره(1) في الكثير ، بل والقليل إذا صبّ عليه الماء ونفذ فيه إلى المقدار الذي وصل إليه الماء النجس .

(مسألة 23) : الطين النجس اللاصق بالإبريق يطهر بغمسه في الكرّ ونفوذ الماء(2) إلى أعماقه ، ومع عدم النفوذ يطهر ظاهره ، فالقطرات التي تقطر منه بعد الإخراج من الماء طاهرة ، وكذا الطين اللاصق بالنعل ، بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضاً ، بل إذا وصل إلى باطنه - بأن كان رخواً - طهر باطنه أيضاً به .

(مسألة 24) : الطحين والعجين النجس يمكن(3) تطهيره بجعله خبزاً ، ثمّ وضعه في الكرّ حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائه ، وكذا الحليب النجس بجعله جبناً ووضعه في الماء كذلك .

ص: 83


1- مع الشكّ في نفوذ الماء النجس في باطنه لا إشكال في إمكان تطهيره ظاهراً ، وأمّا مع العلم به فلا بدّ من العلم بغسله بنحو يصل الماء المطلق إلى باطنه ، ولا يبعد ذلك في اللحم دون الشحم ، ومع الشكّ فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - لزوم الاجتناب عنه .
2- المطلق ، وكذا في التطهير بالقليل .
3- مشكل ، خصوصاً في الثاني .

(مسألة 25) : إذا تنجّس التنّور يطهر بصبّ الماء في أطرافه من فوق إلى تحت ، ولا حاجة فيه إلى التثليث ؛ لعدم كونه من الظروف ، فيكفي المرّة في غير البول ، والمرّتان فيه ، والأولى أن يحفر فيه حفيرة تجتمع الغسالة فيها ، وطمّها بعد ذلك بالطين الطاهر .

(مسألة 26) : الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الحجر تطهر بالماء القليل إذا اُجري عليها ، لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً(1) ، ولو اُريد تطهير بيت أو سكّة فإن أمكن إخراج ماء الغسالة ؛ بأن كان هناك طريق لخروجه فهو ، وإلاّ يحفر حفيرة ليجتمع فيها ، ثمّ يجعل فيها الطين الطاهر كما ذكر في التنّور ، وإن كانت الأرض رخوة بحيث لا يمكن إجراء الماء عليها فلا تطهر إلاّ بإلقاء الكرّ أو المطر أو الشمس ، نعم إذا كانت رملاً يمكن تطهير ظاهرها بصبّ الماء عليها ورسوبه في الرمل فيبقى الباطن نجساً بماء الغسالة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال من جهة احتمال عدم صدق(2) انفصال الغسالة .

(مسألة 27) : إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر ، نعم إذا صار بحيث لا يخرج منه(3) ، طهر بالغمس(4) في الكرّ ، أو الغسل بالماء القليل ، بخلاف ما إذا صبغ بالنيل النجس ، فإنّه إذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الإطلاق يطهر وإن صار مضافاً أو متلوّناً بعد العصر ، كما مرّ سابقاً .

ص: 84


1- يمكن تطهيره ظاهراً بإخراج ماء الغسالة ولو بمغرفة أو خرقة تجذبه ثمّ صبّ الماء الطاهر وإخراجه بعد التطهير احتياطاً ، وما ذكره هو الأحوط .
2- طهارة الظاهر لا يتوقّف على انفصال الغسالة ، فلا إشكال فيها .
3- وزالت عينه .
4- وحصول الغسل بالعصر احتياطاً ، وكذا في الفرع الآتي .

(مسألة 28) : فيما يعتبر فيه التعدّد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات ، فلو غسل مرّة في يوم ومرّة اُخرى في يوم آخر كفى ، نعم يعتبر في العصر الفورية بعد صبّ الماء على الشيء المتنجّس .

(مسألة 29) : الغسلة المزيلة للعين - بحيث لا يبقى بعدها شيء منها - تعدّ من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدّد ، فتحسب مرّة ، بخلاف ما إذا بقي بعدها شيء من أجزاء العين ، فإنّها لا تحسب ، وعلى هذا فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرّتان كفى غسله مرّة اُخرى ، وإن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرّتان اُخريان .

(مسألة 30) : النعل المتنجّسة تطهر بغمسها في الماء الكثير ، ولا حاجة فيها إلى العصر ؛ لا من طرف جلدها ، ولا من طرف خيوطها ، وكذا البارية ، بل في الغسل بالماء القليل أيضاً كذلك ؛ لأنّ الجلد والخيط ليسا ممّا يعصر ، وكذا الحزام من الجلد ؛ كان فيه خيط أو لم يكن .

(مسألة 31) : الذهب المذاب ونحوه من الفلزات إذا صبّ في الماء النجس(1) أو كان متنجّساً فاُذيب ينجس ظاهره وباطنه ، ولا يقبل التطهير إلاّ ظاهره ، فإذا اُذيب ثانياً بعد تطهير ظاهره تنجّس ظاهره ثانياً ، نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه وأنّ ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة يحكم بطهارته . وعلى أيّ حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله ، وإن كان مثل القدر من الصفر .

ص: 85


1- ووصل الماء إلى تمام أجزائه ، وأمّا تنجّسه بوصول النجس إليه كسائر المائعات فمحلّ تأمّل ، والأحوط الاجتناب عنه ، وكذا حال المتنجّس المذاب فإنّ تنجّس سائره بالسراية محلّ تأمّل ، والأحوط الاجتناب .

(مسألة 32) : الحلي الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته ، ومع العلم بها يجب غسله ، ويطهر ظاهره وإن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجّساً قبل الإذابة .

(مسألة 33) : النبات المتنجّس يطهر بالغمس في الكثير ، بل والغسل بالقليل إذا علم جريان الماء عليه بوصف الإطلاق ، وكذا قطعة الملح ، نعم لو صنع النبات من السكّر المتنجّس ، أو انجمد الملح بعد تنجّسه مائعاً لا يكون حينئذٍ قابلاً للتطهير .

(مسألة 34) : الكوز الذي صنع من طين نجس أو كان مصنوعاً للكافر يطهر ظاهره بالقليل ، وباطنه أيضاً إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه .

(مسألة 35) : اليد الدسمة إذا تنجّست تطهر في الكثير والقليل إذا لم يكن لدسومتها جرم ، وإلاّ فلا بدّ من إزالته أوّلاً ، وكذا اللحم الدسم والألية ، فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء .

(مسألة 36) : الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها كالحبّ المثبت في الأرض ونحوه إذا تنجّست يمكن تطهيرها بوجوه : أحدها : أن تملأ ماءً ثمّ تفرغ ثلاث مرّات . الثاني : أن يجعل فيها الماء ، ثمّ يدار إلى أطرافها بإعانة اليد أو غيرها ، ثمّ يخرج منها ماء الغسالة ثلاث مرّات . الثالث : أن يدار الماء إلى أطرافها مبتدئاً بالأسفل إلى الأعلى ، ثمّ يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرّات . الرابع : أن يدار كذلك ، لكن من أعلاها إلى الأسفل ثمّ يخرج ثلاث مرّات ، ولا يشكل بأنّ الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل ، ومع اجتماعها لا يمكن إدارة الماء في أسفلها ، وذلك لأنّ المجموع يعدّ غسلاً واحداً ،

ص: 86

فالماء الذي ينزل من الأعلى يغسل كلّ ما جرى عليه إلى الأسفل ، وبعد الاجتماع يعدّ المجموع غسالة ، ولا يلزم تطهير آلة إخراج الغسالة كلّ مرّة ، وإن كان أحوط(1) ، ويلزم المبادرة إلى إخراجها عرفاً في كلّ غسلة ، لكن لا يضرّ الفصل بين الغسلات الثلاث ، والقطرات التي تقطر من الغسالة فيها لا بأس بها ، وهذه الوجوه تجري في الظروف الغير المثبتة أيضاً ، وتزيد بإمكان غمسها في الكرّ أيضاً ، وممّا ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضاً بالماء القليل .

(مسألة 37) : في تطهير شعر المرأة ولحية الرجل لا حاجة إلى العصر ، وإن غسلا بالقليل لانفصال معظم الماء بدون العصر(2) .

(مسألة 38) : إذا غسل ثوبه المتنجّس ثمّ رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو من دقاق الاُشنان الذي كان متنجّساً لا يضرّ(3) ذلك بتطهيره ، بل يحكم بطهارته أيضاً ؛ لانغساله بغسل الثوب .

(مسألة 39) : في حال إجراء الماء على المحلّ النجس - من البدن أو الثوب - إذا وصل ذلك الماء إلى ما اتّصل به من المحلّ الطاهر على ما هو المتعارف لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة ، حتّى يجب غسله ثانياً ، بل يطهر المحلّ النجس بتلك الغسلة ، وكذا إذا كان جزء من الثوب نجساً فغسل مجموعه ، فلا يقال : إنّ المقدار الطاهر تنجّس بهذه الغسلة فلا تكفيه ، بل الحال كذلك إذا ضمّ مع المتنجّس شيئاً آخر طاهراً ، وصبّ الماء على المجموع ، فلو كان واحد من

ص: 87


1- لا يترك .
2- في الشعر الكثيف غير معلوم ، فلا بدّ من إخراج الغسالة في القليل .
3- مع العلم بحصول التطهير وعدم المنع ، ولا يكفي الشكّ على الأحوط ، وكذا الحال في الحكم بطهارة الطين وغيره ، ومع الشكّ محكوم بالنجاسة على الأقوى .

أصابعه نجساً فضمّ إليه البقيّة وأجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها إلى البقيّة ثمّ انفصل تطهر بطهره ، وكذا إذا كان زنده نجساً فأجرى الماء عليه فجرى على كفّه ثمّ انفصل فلا يحتاج إلى غسل الكفّ ؛ لوصول ماء الغسالة إليها وهكذا ، نعم لو طفر الماء من المتنجّس حين غسله على محلّ طاهر ؛ من يده أو ثوبه يجب غسله ، بناءً على نجاسة الغسالة ، وكذا لو وصل بعد ما انفصل عن المحلّ إلى طاهر منفصل ، والفرق أنّ المتّصل بالمحلّ النجس يعدّ معه مغسولاً واحداً ، بخلاف المنفصل .

(مسألة 40) : إذا أكل طعاماً نجساً فما يبقى منه بين أسنانه باقٍ على نجاسته ، ويطهر بالمضمضة(1) وأمّا إذا كان الطعام طاهراً فخرج دم من بين أسنانه ، فإن لم يلاقه لا يتنجّس وإن تبلّل بالريق الملاقي للدم ؛ لأنّ الريق لا يتنجّس بذلك الدم ، وإن لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال ؛ من حيث إنّه لاقى النجس في الباطن ، لكنّ الأحوط الاجتناب عنه ؛ لأنّ القدر المعلوم أنّ النجس في الباطن لا ينجّس ما يلاقيه ممّا كان في الباطن ، لا ما دخل إليه من الخارج ، فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم بتنجّس باطن أنفه ، ولا يتنجّس رطوبته ، بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته ، فإنّ الأحوط غسله .

(مسألة 41) : آلات التطهير كاليد والظرف الذي يغسل فيه تطهر بالتبع ، فلا حاجة إلى غسلها ، وفي الظرف لا يجب غسله ثلاث مرّات ، بخلاف ما إذا كان نجساً قبل الاستعمال في التطهير ، فإنّه يجب غسله ثلاث مرّات كما مرّ .

الثاني من المطهّرات : الأرض ، وهي تطهّر باطن القدم والنعل بالمشي عليها ،

ص: 88


1- مع استيلاء الماء على جميعه ظاهراً وباطناً ، والعصر إذا احتاج إليه .

أو المسح بها ، بشرط زوال عين النجاسة إن كانت ، والأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة دون ما حصل من الخارج ، ويكفي مسمّى المشي أو المسح ، وإن كان الأحوط المشي خمسة عشر خطوة ، وفي كفاية مجرّد المماسّة من دون مسح أو مشي إشكال(1) ، وكذا في مسح التراب عليها . ولا فرق في الأرض بين التراب والرمل والحجر الأصلي ، بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر ، بل بالآجر والجصّ والنورة ، نعم يشكل(2) كفاية المطليّ بالقير ، أو المفروش باللوح من الخشب ممّا لا يصدق عليه اسم الأرض ، ولا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش والحصير والبواري ، وعلى الزرع والنباتات ، إلاّ أن يكون النبات قليلاً بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض ، ولا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة ، ولا زوال العين بالمسح أو المشي وإن كان أحوط ، ويشترط طهارة الأرض وجفافها ، نعم الرطوبة الغير المسرية(3) غير مضرّة ويلحق بباطن القدم والنعل حواشيهما بالمقدار المتعارف ، ممّا يلتزق بهما من الطين والتراب حال المشي ، وفي إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما لاعوجاج في رجله وجه قويّ وإن كان لا يخلو عن إشكال ، كما أنّ إلحاق الركبتين واليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما أيضاً مشكل ، وكذا نعل الدابّة وكعب عصا الأعرج ، وخشبة الأقطع ، ولا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود والقطن والخشب ونحوها ممّا هو متعارف ،

ص: 89


1- لا يترك الاحتياط فيه وفي مسح التراب .
2- الأقوى عدم الكفاية .
3- مع صدق الجفاف .

وفي الجورب إشكال إلاّ إذا تعارف(1) لبسه بدلاً عن النعل ، ويكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة وإن بقي أثرها من اللون والرائحة ، بل وكذا الأجزاء الصغار التي لا تتميّز ، كما في ماء الاستنجاء ، لكنّ الأحوط(2) اعتبار زوالها ، كما أنّ الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاصقة بالنعل والقدم وإن كان لا يبعد طهارتها أيضاً .

(مسألة 1) : إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي ، بل في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه إشكال(3) ؛ وإن قيل بطهارته بالتبع .

(مسألة 2) : في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال(4) ، وأمّا أخمص القدم فإن وصل إلى الأرض يطهر وإلاّ فلا ، فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض ، فلو كان تمام باطن القدم نجساً ومشى على بعضه لا يطهر الجميع بل خصوص ما وصل إلى الأرض .

(مسألة 3) : الظاهر كفاية المسح على الحائط وإن كان لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 4) : إذا شكّ في طهارة الأرض يبنى على طهارتها فتكون مطهّرة ، إلاّ

ص: 90


1- حتّى مع التعارف إذا كان جنسه من الجورب المتعارف ؛ أي الصوف ومثله ، وأمّا إذا كان بطنه من الجلود ، كما قد يعمل منها ، فلا يبعد حصول الطهارة ولو مع عدم التعارف ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- لا يترك ، بل لا يخلو اعتباره من قوّة .
3- الأقوى عدم الطهارة .
4- ممّا لا يصل إلى الأرض ، بل الأقوى عدم الطهارة ، وأمّا المقدار الذي وصل إليها متعارفاً كما لو مشى في التراب الغليظ والرمل ، فالأقوى هو الطهارة .

إذا كانت الحالة السابقة نجاستها ، وإذا شكّ في جفافها لا تكون مطهّرة إلاّ مع سبق الجفاف فيستصحب .

(مسألة 5) : إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجّس لا بدّ من العلم بزوالها ، وأمّا إذا شكّ في وجودها فالظاهر كفاية المشي ، وإن لم يعلم(1) بزوالها على فرض الوجود .

(مسألة 6) : إذا كان في الظلمة ولا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شيء آخر من فرش ونحوه ، لايكفي المشي عليه ، فلابدّ من العلم بكونه أرضاً ، بل إذا شكّ في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه ، يشكل(2) الحكم بمطهّريته أيضاً .

(مسألة 7) : إذا رقّع نعله بوصلة طاهرة فتنجّست تطهر بالمشي ، وأمّا إذا رقّعها بوصلة متنجّسة ففي طهارتها إشكال ؛ لما مرّ من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة .

الثالث من المطهّرات : الشمس ، وهي تطهّر الأرض وغيرها من كلّ ما لا ينقل ، كالأبنية والحيطان ، وما يتّصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد(3) والأشجار(4) ، وما عليها من الأوراق والثمار والخضروات والنباتات ، ما لم تقطع وإن بلغ أوان قطعها ، بل وإن صارت يابسة ما دامت متّصلة بالأرض أو الأشجار ، وكذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط وكذا ما على الحائط والأبنية ممّا

ص: 91


1- بل الظاهر عدم الكفاية .
2- الظاهر عدم الحكم بمطهّريته .
3- المحتاج إليها في البناء ، لا مطلق ما في الجدار على الأحوط .
4- فيها وفي النباتات والثمار ، وكذا الظروف المثبتة نوع تأمّل وإن لا يخلو من قوّة ، فالاحتياط لا ينبغي تركه .

طلي عليها من جصّ وقير ونحوهما عن نجاسة البول ، بل سائر النجاسات والمتنجّسات ، ولا تطهّر من المنقولات إلاّ الحصر والبواري ، فإنّها تطهّرهما أيضاً على الأقوى ، والظاهر أنّ السفينة والطرّادة(1) من غير المنقول ، وفي الكاري ونحوه إشكال وكذا مثل الجلابية والقفّة ، ويشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية وأن تجفّفها بالإشراق عليها ، بلا حجاب عليها كالغيم ونحوه ، ولا على المذكورات ، فلو جفّت بها من دون إشراقها ولو بإشراقها على ما يجاورها ، أو لم تجفّ ، أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر ، نعم الظاهر أنّ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس وإشراقها لا يضرّ ، وفي كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال .

(مسألة 1) : كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتّصل بالظاهر النجس بإشراقها عليه وجفافه بذلك ، بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجساً ، أو لم يكن متّصلاً بالظاهر ؛ بأن يكون بينهما فصل بهواء أو بمقدار طاهر أو لم يجفّ أو جفّ بغير الإشراق على الظاهر ، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر وتجفيفها للباطن ، كأن يكون أحدهما في يوم والآخر في يوم آخر ، فإنّه لا يطهّر في هذه الصور .

(مسألة 2) : إذا كانت الأرض أو نحوها جافّة واُريد تطهيرها بالشمس ، يصبّ عليها الماء الطاهر أو النجس أو غيره ممّا يورث الرطوبة فيها حتّى تجفّفها .

(مسألة 3) : ألحق بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقولات وهو مشكل .

(مسألة 4) : الحصى والتراب والطين والأحجار ونحوها ما دامت واقعة على

ص: 92


1- لا يترك الاحتياط فيها ؛ وإن لا يخلو التطهير من وجه .

الأرض(1) هي في حكمها وإن اُخذت منها لحقت بالمنقولات وإن اُعيدت عاد حكمها ، وكذا المسمار(2) الثابت في الأرض أو البناء ما دام ثابتاً يلحقه الحكم ، وإذا قلع يلحقه حكم المنقول وإذا أثبت ثانياً يعود حكمه الأوّل ، وهكذا فيما يشبه ذلك .

(مسألة 5) : يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة إن كان لها عين .

(مسألة 6) : إذا شكّ في رطوبة الأرض حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها أو في حصول الجفاف أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير ، لا يحكم بالطهارة ، وإذا شكّ في حدوث المانع عن الإشراق من ستر ونحوه يبنى على عدمه على إشكال(3) تقدّم نظيره في مطهّرية الأرض .

(مسألة 7) : الحصير يطهر بإشراق الشمس على أحد طرفيه طرفه الآخر(4) ، وأمّا إذا كانت الأرض التي تحته نجسة ، فلا تطهر بتبعيته وإن جفّت بعد كونها رطبة ، وكذا إذا كان تحته حصير آخر(5) إلاّ إذا خيط به على وجه يعدّان معاً شيئاً واحداً ، وأمّا الجدار المتنجّس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد(6) طهارة جانبه الآخر إذا جفّ به ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وأمّا إذا أشرقت على جانبه الآخر أيضاً فلا إشكال .

ص: 93


1- وتعدّ من أجزائها .
2- مع مراعاة الاحتياط المتقدّم .
3- مرّ أنّ الأقوى عدم المطهّرية .
4- إذا كان الجفاف بإشراق الشمس .
5- على الأحوط .
6- إذا كان رقيقاً جدّاً بحيث استند الجفاف إلى إشراق الشمس فقط .

الرابع : الاستحالة ، وهي تبدّل حقيقة الشيء وصورته النوعية إلى صورة اُخرى (1) ، فإنّها تطهّر النجس ، بل والمتنجّس ؛ كالعذرة تصير تراباً ، والخشبة المتنجّسة إذا صارت رماداً ، والبول أو الماء المتنجّس بخاراً ، والكلب ملحاً ، وهكذا كالنطفة تصير حيواناً ، والطعام النجس جزءاً من الحيوان ، وأمّا تبدّل الأوصاف وتفرّق الأجزاء فلا اعتبار بهما ، كالحنطة إذا صارت طحيناً أو عجيناً أو خبزاً ، والحليب إذا صار جبناً ، وفي صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحماً تأمّل وكذا في صيرورة الطين خزفاً(2) أو آجراً ، ومع الشكّ في الاستحالة لا يحكم بالطهارة .

الخامس : الانقلاب ، كالخمر ينقلب خلاًّ ، فإنّه يطهر ؛ سواء كان بنفسه ، أو بعلاج كإلقاء شيء من الخلّ أو الملح فيه ؛ سواء استهلك أو بقي على حاله ، ويشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه ، فلو وقع فيه حال كونه خمراً شيء من البول أو غيره أو لاقى نجساً لم يطهر(3) بالانقلاب .

(مسألة 1) : العنب أو التمر المتنجّس إذا صار خلاًّ لم يطهر ، وكذا إذا صار خمراً ثمّ انقلب خلاًّ .

(مسألة 2) : إذا صبّ في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر وبقي على حرمته .

(مسألة 3) : بخار البول(4) أو الماء المتنجّس طاهر ، فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمّام إلاّ مع العلم بنجاسة السقف .

ص: 94


1- عرفاً ، وفي كونها مطهّرة مسامحة .
2- الظاهر عدم الصدق فيهما .
3- على الأحوط .
4- إلاّ إذا اجتمع وتقاطر وصدق عليه البول .

(مسألة 4) : إذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ واستهلكت فيه لم يطهر ، وتنجّس الخلّ ، إلاّ إذا علم(1) انقلابها خلاًّ بمجرّد الوقوع فيه .

(مسألة 5) : الانقلاب غير الاستحالة ؛ إذ لا يتبدّل فيه الحقيقة النوعية بخلافها ، ولذا لا يطهر المتنجّسات به وتطهر بها .

(مسألة 6) : إذا تنجّس العصير بالخمر ثمّ انقلب خمراً وبعد ذلك انقلب الخمر خلاًّ لا يبعد طهارته ؛ لأنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمراً ؛ لأ نّها هي النجاسة الخمرية ، بخلاف ما إذا تنجّس العصير بسائر النجاسات ، فإنّ الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها ولا يصيّرها ذاتية ، فأثرها باقٍ بعد الانقلاب أيضاً .

(مسألة 7) : تفرّق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة ، ولذا لو وقع مقدار من الدم في الكرّ واستهلك فيه يحكم بطهارته(2) ، لكن لو أخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لمثل ذلك ، عاد إلى النجاسة ، بخلاف الاستحالة ، فإنّه إذا صار البول بخاراً ثمّ ماءً لا يحكم بنجاسته ؛ لأ نّه صار حقيقة اُخرى ، نعم لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماءً ، ومن ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرّمة ، مثل عرق لحم الخنزير أو عرق العذرة أو نحوهما ، فإنّه إن صدق عليه الاسم السابق وكان فيه آثار ذلك الشيء وخواصّه يحكم بنجاسته أو حرمته ، وإن لم يصدق عليه ذلك الاسم بل عدّ حقيقة اُخرى ذات أثر وخاصّية اُخرى ، يكون طاهراً وحلالاً ، وأمّا نجاسة عرق

ص: 95


1- فيه منع ، مع أ نّه مجرّد فرض .
2- مع الاستهلاك لا موضوع للمحكوم بالطهارة ، ومع إخراج الدم يكون من عود الموضوع لا الحكم للموضوع .

الخمر ؛ فمن جهة أ نّه مسكر مائع ، وكلّ مسكر نجس .

(مسألة 8) : إذا شكّ في الانقلاب بقي على النجاسة .

السادس : ذهاب الثلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان ، لكن قد عرفت أنّ المختار عدم نجاسته وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة ، وأمّا بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الإشكال لمن أراد الاحتياط ، ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء(1) ، كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة على القول بها بين المذكورات ، كما أنّ في الحرمة بالغليان - التي لا إشكال فيها - والحلّية بعد الذهاب كذلك ؛ أي لا فرق بين المذكورات . وتقدير الثلث والثلثين : إمّا بالوزن أو بالكيل أو بالمساحة ، ويثبت بالعلم وبالبيّنة ، ولا يكفي الظنّ ، وفي خبر العدل الواحد إشكال ، إلاّ أن يكون في يده ويخبر بطهارته وحلّيته ، وحينئذٍ يقبل قوله وإن لم يكن عادلاً ؛ إذا لم يكن ممّن يستحلّه قبل ذهاب الثلثين .

(مسألة 1) : بناءً على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه أو بذهاب ثلثيه ، بناءً على ما ذكرنا من عدم الفرق(2) بين أن يكون بالنار أو بالهواء ، وعلى هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف وإن لم يذهب الثلثان ممّا في القدر ، ولا يحتاج إلى إجراء حكم التبعية ، لكن لا يخلو عن إشكال ؛ من حيث إنّ المحلّ إذا تنجّس به أوّلاً لا ينفعه جفاف تلك القطرة أو ذهاب ثلثيها ، والقدر المتيقّن من الطهر بالتبعية

ص: 96


1- تقدّم الكلام فيه .
2- تقدّم ما هو الأحوط .

المحلّ المعدّ للطبخ ، مثل القدر والآلات ، لا كلّ محلّ ، كالثوب والبدن ونحوهما .

(مسألة 2) : إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب ، فعصر واستهلك لا ينجس ولا يحرم بالغليان ، أمّا إذا وقعت تلك الحبّة في القدر من المرق أو غيره فغلى يصير حراماً ونجساً على القول بالنجاسة .

(مسألة 3) : إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه ، يشكل(1) طهارته وإن ذهب ثلثا المجموع ، نعم لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه وإن كان ذهابه قريباً ، فلا بأس(2) به . والفرق أنّ في الصورة الاُولى ورد العصير النجس على ما صار طاهراً فيكون منجّساً له ، بخلاف الثانية فإنّه لم يصر بعد طاهراً فورد نجس على مثله ، هذا ولو صبّ العصير الذي لم يغل على الذي غلى ، فالظاهر عدم الإشكال فيه ، ولعلّ السرّ فيه أنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية ، وإن كان الفرق بينه وبين الصورة الاُولى لا يخلو عن إشكال ومحتاج إلى التأمّل(3) .

(مسألة 4): إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس(4) إذا غلى بعد ذلك.

(مسألة 5) : العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم ولا ينجس بالغليان على الأقوى ، بل مناط الحرمة والنجاسة فيهما هو الإسكار .

ص: 97


1- بل لا يطهر بناءً على النجاسة .
2- لكن لا بدّ من العلم بذهاب الثلثين من كلّ من العصيرين ، وهو لا يحصل إلاّ بذهاب الثلثين من المجموع بعد الصبّ .
3- الفرق واضح ولا يحتاج إلى مزيد تأمّل ؛ فإنّ في الأوّل لا يذهب النجاسة العرضية بحصول الذاتية ، بخلاف الثاني .
4- الأحوط النجاسة على المبنى والحرمة .

(مسألة 6) : إذا شكّ في الغليان يبنى على عدمه ، كما أ نّه لو شكّ في ذهاب الثلثين يبنى على عدمه .

(مسألة 7) : إذا شكّ في أ نّه حصرم أو عنب ، يبنى على أ نّه حصرم .

(مسألة 8) : لا بأس(1) بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلاًّ ، أو بعد ذلك قبل أن يصير خلاًّ وإن كان بعد غليانه أو قبله وعلم بحصوله بعد ذلك .

(مسألة 9) : إذا زالت حموضة الخلّ العنبي ، وصار مثل الماء لا بأس به ، إلاّ إذا غلى(2) ، فإنّه لا بدّ حينئذٍ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلاًّ ثانياً .

(مسألة 10) : السيلان وهو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر ، لا مانع من جعله في الأمراق ، ولا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر .

السابع : الانتقال ، كانتقال دم الإنسان أو غيره ممّا له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبقّ والقمّل ، وكانتقال البول إلى النبات والشجر ونحوهما ، ولا بدّ من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه ، وإلاّ لم يطهر كدم العلق بعد مصّه من الإنسان .

(مسألة 1) : إذا وقع البقّ على جسد الشخص فقتله وخرج منه الدم لم يحكم بنجاسته ، إلاّ إذا علم أ نّه هو الذي مصّه من جسده ؛ بحيث اُسند إليه(3) لا إلى البقّ فحينئذٍ يكون كدم العلق .

الثامن : الإسلام ، وهو مطهّر لبدن الكافر ورطوباته المتّصلة به ؛ من بصاقه

ص: 98


1- والأحوط الأولى الترك بناءً على النجاسة .
2- بل حتّى إذا غلى .
3- ومع العلم بأ نّه هو الذي مصّه والشكّ في إسناده يحكم بالنجاسة على الأحوط .

وعرقه ونخامته والوسخ الكائن على بدنه ، وأمّا النجاسة الخارجية التي زالت عينها ففي طهارته منها إشكال وإن كان هو الأقوى ، نعم ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط ، بل هو الأقوى فيما لم يكن على بدنه فعلاً .

(مسألة 1) : لا فرق في الكافر بين الأصلي والمرتدّ الملّي ، بل الفطري أيضاً على الأقوى ؛ من قبول توبته باطناً وظاهراً أيضاً فتقبل عباداته ويطهر بدنه ، نعم يجب قتله إن أمكن ، وتبين زوجته وتعتدّ عدّة الوفاة وتنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته ، ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة ، لكن يملك ما اكتسبه بعد التوبة ويصحّ الرجوع إلى زوجته بعقد جديد ، حتّى قبل خروج العدّة على الأقوى .

(مسألة 2) : يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه ، لا مع العلم بالمخالفة(1) .

(مسألة 3) : الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميّز إذا كان عن بصيرة .

(مسألة 4) : لا يجب على المرتدّ الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل ، بل يجوز(2) له الممانعة منه ، وإن وجب قتله على غيره .

التاسع : التبعية ، وهي في موارد : أحدها : تبعية فضلات الكافر المتّصلة ببدنه كما مرّ . الثاني : تبعية ولد الكافر له في الإسلام ؛ أباً كان أو جدّاً أو اُمّاً أو جدّة . الثالث : تبعية الأسير(3) للمسلم الذي أسره ؛ إذا كان غير بالغ ولم يكن معه أبوه أو

ص: 99


1- على الأحوط .
2- مشكل ، خصوصاً إذا أراد الحاكم إجراءه ، فإنّ الظاهر عدم الجواز حينئذٍ .
3- فيه إشكال ، بل عدم التبعية لا يخلو من قوّة .

جدّه . الرابع : تبعية ظرف الخمر له بانقلابه خلاًّ . الخامس : آلات تغسيل الميّت من السدّة والثوب الذي يغسله فيه ، ويد الغاسل(1) دون ثيابه ، بل الأولى والأحوط الاقتصار على يد الغاسل . السادس : تبعية أطراف البئر والدلو والعدّة وثياب النازح على القول بنجاسة البئر ، لكنّ المختار عدم تنجّسه بما عدا التغيّر ، ومعه أيضاً يشكل جريان حكم التبعية . السابع : تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته ، فإنّها تطهر تبعاً له بعد ذهاب الثلثين . الثامن : يد الغاسل وآلات الغسل في تطهير النجاسات وبقيّة الغسالة الباقية في المحلّ بعد انفصالها . التاسع : تبعية ما يجعل مع العنب والتمر للتخليل كالخيار(2) والباذنجان ونحوهما كالخشب والعود ، فإنّها تنجس تبعاً له عند غليانه - على القول بها - وتطهر تبعاً له بعد صيرورته خلاًّ .

العاشر من المطهّرات : زوال عين النجاسة أو المتنجّس عن جسد الحيوان غير الإنسان بأيّ وجه كان ؛ سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه ، فمنقار الدجاجة إذا تلوّث بالعذرة يطهر بزوال عينها وجفاف رطوبتها ، وكذا ظهر الدابّة المجروح إذا زال دمه بأيّ وجه ، وكذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التولّد إلى غير ذلك ، وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجّس عن بواطن الإنسان كفمه وأنفه واُذنه ، فإذا أكل طعاماً نجساً يطهر فمه بمجرّد بلعه ، هذا إذا قلنا : إنّ البواطن تتنجّس بملاقاة النجاسة ، وكذا جسد الحيوان ، ولكن يمكن أن يقال بعدم تنجّسهما أصلاً ، وإنّما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان ، وعلى هذا فلا وجه لعدّه من المطهّرات وهذا الوجه قريب جدّاً ، وممّا يترتّب على الوجهين

ص: 100


1- والخرقة الملفوفة بها حين غسله .
2- وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

أ نّه لو كان في فمه شيء من الدم ، فريقه نجس ما دام الدم موجوداً على الوجه الأوّل ، فإذا لاقى شيئاً نجّسه بخلافه على الوجه الثاني ، فإنّ الريق طاهر ، والنجس هو الدم فقط ، فإن أدخل إصبعه مثلاً في فمه ولم يلاق الدم لم ينجس، وإن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأنّ ملاقاة النجس في الباطن أيضاً موجبة للتنجّس ، وإلاّ فلا ينجس أصلاً ، إلاّ إذا أخرجه وهو ملوّث بالدم .

(مسألة 1) : إذا شكّ في كون شيء من الباطن أو الظاهر ، يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأوّل من الوجهين ، ويبنى على طهارته على الوجه الثاني ؛ لأنّ الشكّ عليه يرجع إلى الشكّ في أصل التنجّس .

(مسألة 2) : مطبق الشفتين من الباطن ، وكذا مطبق الجفنين ، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق .

الحادي عشر : استبراء الحيوان الجلاّل ، فإنّه مطهّر لبوله وروثه ، والمراد بالجلاّل : مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذّي العذرة ، وهي غائط الإنسان ، والمراد من الاستبراء : منعه من ذلك واغتذاؤه بالعلف الطاهر ، حتّى يزول عنه اسم الجلل ، والأحوط(1) مع زوال الاسم مضيّ المدّة المنصوصة في كلّ حيوان بهذا التفصيل : في الإبل إلى أربعين يوماً ، وفي البقر إلى ثلاثين ، وفي الغنم إلى عشرة أيّام ، وفي البطّة إلى خمسة أو سبعة ، وفي الدجاجة إلى ثلاثة أيّام ، وفي غيرها يكفي زوال الاسم .

الثاني عشر : حجر الاستنجاء على التفصيل الآتي .

ص: 101


1- لا يترك في الإبل بما ذكره ، وفي البقر عشرون يوماً ، وفي الغنم بما ذكره ، وفي البطّة خمسة أيّام ، وفي الدجاجة بما ذكره .

الثالث عشر : خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف ، فإنّه مطهّر لما بقي منه في الجوف .

الرابع عشر : نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها ووجوب نزحها .

الخامس عشر : تيمّم الميّت بدلاً عن الأغسال عند فقد الماء ، فإنّه مطهّر لبدنه على الأقوى(1) .

السادس عشر : الاستبراء بالخرطات بعد البول ، وبالبول بعد خروج المنيّ ، فإنّه مطهّر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة ، لكن لا يخفى أنّ عدّ هذا من المطهّرات من باب المسامحة ، وإلاّ ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلاً .

السابع عشر: زوال التغيير في الجاري والبئر ، بل مطلق النابع بأيّ وجه كان ، وفي عدّ هذا منها أيضاً مسامحة، وإلاّ ففي الحقيقة المطهّر هو الماء الموجود في المادّة(2).

الثامن عشر : غيبة المسلم ، فإنّها مطهّرة لبدنه أو لباسه أو فرشه أو ظرفه أو غير ذلك ممّا في يده بشروط خمسة(3) : الأوّل : أن يكون عالماً بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني . الثاني : علمه بكون ذلك الشيء نجساً أو متنجّساً ؛

ص: 102


1- محلّ إشكال .
2- بل الماء الخارج المعتصم الممتزج .
3- غير الخامس من الشروط مبنيّ على الاحتياط ، فمع احتمال التطهير أو حصول الطهارة لا يبعد أن يحكم عليه بالطهارة مطلقاً ، بل ولو لم يكن مبالياً في دينه ، لكن الاحتياط حسن ، نعم في إلحاق الظلمة والعمى بما ذكرنا إشكال ، ولا يبعد مع الشروط المذكورة وإن كان الأحوط خلافه . وإلحاق المميّز مطلقاً لا يخلو من قوّة ، وكذا غير المميّز التابع للمكلّف ، وأمّا المستقلّ فلا يلحق على الأقوى .

اجتهاداً أو تقليداً . الثالث : استعماله لذلك الشيء فيما يشترط فيه الطهارة على وجه يكون أمارة نوعية على طهارته من باب حمل فعل المسلم على الصحّة . الرابع : علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض . الخامس : أن يكون تطهيره لذلك الشيء محتملاً وإلاّ فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته ، بل لو علم من حاله أ نّه لا يبالي بالنجاسة وأنّ الطاهر والنجس عنده سواء ، يشكل الحكم بطهارته وإن كان تطهيره إيّاه محتملاً ، وفي اشتراط كونه بالغاً أو يكفي ولو كان صبيّاً مميّزاً وجهان ، والأحوط ذلك ، نعم لو رأينا أنّ وليّه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة لا يبعد البناء عليها ، والظاهر إلحاق الظلمة والعمى بالغيبة مع تحقّق الشروط المذكورة . ثمّ لا يخفى أنّ مطهّرية الغيبة إنّما هي في الظاهر ، وإلاّ فالواقع على حاله ، وكذا المطهّر السابق وهو الاستبراء بخلاف سائر الاُمور المذكورة ، فعدّ الغيبة من المطهّرات من باب المسامحة ، وإلاّ فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير .

(مسألة 1) : ليس من المطهّرات الغسل بالماء المضاف ، ولا مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة ، ولا إزالة الدم بالبصاق ، ولا غليان الدم في المرق ، ولا خبز العجين النجس ، ولا مزج الدهن النجس بالكرّ الحارّ ، ولا دبغ جلد الميتة ؛ وإن قال بكلّ قائل .

(مسألة 2) : يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية ، ولو فيما يشترط(1) فيه الطهارة ، وإن لم يدبغ على الأقوى .

ص: 103


1- غير الصلاة .

نعم ، يستحبّ(1) أن لا يستعمل مطلقاً إلاّ بعد الدبغ .

(مسألة 3) : ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية ؛ وإن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ .

(مسألة 4) : ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل(2) للتذكية ، فجلده ولحمه طاهر بعد التذكية .

(مسألة 5) : يستحبّ(3) غسل الملاقي في جملة من الموارد مع عدم تنجّسه : كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس والبغل والحمار ، وملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة مع ظهور أثرها ، والمصافحة مع الناصبي بلا رطوبة . ويستحبّ النضح أي الرشّ بالماء في موارد : كملاقاة الكلب والخنزير والكافر بلا رطوبة ، وعرق الجنب من الحلال ، وملاقاة ما شكّ في ملاقاته لبول الفرس والبغل والحمار وملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها ، وما شكّ في ملاقاته للبول أو الدم أو المنيّ ، وملاقاة الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير ، ومعبد اليهود والنصارى والمجوس إذا أراد أن يصلّي فيه . ويستحبّ المسح بالتراب أو بالحائط في موارد : كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة ، ومسّ الكلب والخنزير بلا رطوبة ، ومسّ الثعلب والأرنب .

ص: 104


1- في ثبوت الاستحباب الشرعي تأمّل .
2- ثبوت هذه الكلّية محلّ إشكال ، إلاّ أنّ الحكم بالطهارة مع ذلك مع مراعاة ما يعتبر في التذكية له وجه قويّ .
3- في بعض ما ذكر تأمّل .
فصل: في طریق ثبوت التطهیر

إذا علم نجاسة شيء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره ، وطريق الثبوت اُمور : الأوّل : العلم الوجداني . الثاني : شهادة العدلين بالتطهير ، أو بسبب الطهارة ؛ وإن لم يكن مطهّراً عندهما ، أو عند أحدهما ، كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النجس بمقدار لا يكفي عندهما في التطهير ؛ مع كونه كافياً عنده ، أو أخبرا بغسل الشيء بما يعتقدان أ نّه مضاف ؛ وهو عالم بأ نّه ماء مطلق وهكذا . الثالث : إخبار ذي اليد ؛ وإن لم يكن عادلاً . الرابع : غيبة المسلم على التفصيل الذي سبق . الخامس : إخبار الوكيل(1) في التطهير بطهارته . السادس : غسل مسلم له بعنوان التطهير ، وإن لم يعلم أ نّه غسله على الوجه الشرعي أم لا ؛ حملاً لفعله على الصحّة . السابع : إخبار العدل الواحد عند بعضهم ، لكنّه مشكل .

(مسألة 1) : إذا تعارض البيّنتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه تساقطا ، ويحكم ببقاء النجاسة ، وإذا تعارض البيّنة مع أحد الطرق المتقدّمة ما عدا العلم الوجداني تقدّم البيّنة .

(مسألة 2) : إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحدهما الغير المعيّن أو المعيّن واشتبه عنده ، أو طهّر هو أحدهما ، ثمّ اشتبه عليه ، حكم عليهما بالنجاسة عملاً بالاستصحاب ، بل يحكم بنجاسة ملاقي كلّ منهما ، لكن إذا كانا ثوبين وكرّر الصلاة فيهما صحّت .

(مسألة 3) : إذا شكّ بعد التطهير وعلمه بالطهارة في أ نّه هل أزال العين(2)

ص: 105


1- مع كونه ذا اليد ، وإلاّ ففيه إشكال .
2- مع احتمال كونه بصدد الإزالة حين التطهير .

أم لا ؟ أو أ نّه طهّره على الوجه الشرعي أم لا ؟ يبني على الطهارة ، إلاّ أن يرى فيه عين النجاسة ، ولو رأى فيه نجاسة وشكّ في أ نّها هي السابقة أو اُخرى طارئة ، بنى على(1) أ نّها طارئة .

(مسألة 4) : إذا علم بنجاسة شيء وشكّ في أنّ لها عيناً أم لا ، له أن يبني على عدم العين ، فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها ، وإن كان أحوط(2) .

(مسألة 5) : الوسواسي يرجع في التطهير إلى المتعارف ، ولا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة .

فصل : في حكم الأواني

(مسألة 1) : لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة ؛ من الأكل والشرب والوضوء والغسل ، بل الأحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضاً وكذا غير الظروف من جلدهما ، بل وكذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال ، فإنّ الأحوط ترك جميع(3) الانتفاعات منهما ، وأمّا ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه ، فحرمة استعمال جلده غير معلوم وإن كان أحوط ، وكذا لا يجوز استعمال الظروف

ص: 106


1- لا بمعنى جريان آثار الطارئة لو فرض لها أثر ، بل بمعنى البناء على زوال الاُولى لكن مع الاحتمال المتقدّم .
2- بل الأقوى .
3- قد مرّ جواز بعض الانتفاعات كالتسميد وإطعام الكلاب والطيور .

المغصوبة مطلقاً ، والوضوء والغسل منها مع العلم باطل(1) مع الانحصار ، بل مطلقاً ، نعم لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضّأ أو اغتسل صحّ ، وإن كان عاصياً من جهة تصرّفه في المغصوب .

(مسألة 2) : أواني المشركين وسائر الكفّار محكومة بالطهارة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسرية بشرط أن لا تكون من الجلود ، وإلاّ فمحكومة بالنجاسة(2) إلاّ إذا علم تذكية حيوانها ، أو علم سبق يد المسلم عليها ، وكذا غير الجلود وغير الظروف ممّا في أيديهم ممّا يحتاج إلى التذكية ، كاللحم والشحم والألية ، فإنّها محكومة بالنجاسة ، إلاّ مع العلم بالتذكية أو سبق يد المسلم عليه ، وأمّا ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة إلاّ مع العلم بالنجاسة ، ولا يكفي الظنّ بملاقاتهم لها مع الرطوبة ، والمشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه أو أليته محكوم بعدم كونه منه ، فيحكم عليه بالطهارة ، وإن اُخذ من الكافر .

(مسألة 3) : يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها ، وإن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف الغير المطليّ بالقير أو نحوه ، ولا يضرّ نجاسة باطنها(3) بعد تطهير ظاهرها داخلاً وخارجاً ، بل داخلاً فقط ، نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلاّ إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضاً .

(مسألة 4) : يحرم استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب والوضوء

ص: 107


1- يأتي التفصيل في شروط الوضوء .
2- على الأحوط ، وفي الجلود تفصيل لا يسعه المقام .
3- إلاّ مع العلم بالسراية إلى الظاهر .

والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات ، حتّى وضعها على الرفوف(1) للتزيين ، بل يحرم تزيين المساجد والمشاهد المشرّفة بها ، بل يحرم اقتناؤها(2) من غير استعمال ، ويحرم بيعها(3) وشراؤها وصياغتها وأخذ الاُجرة عليها ، بل نفس الاُجرة أيضاً حرام ؛ لأ نّها عوض المحرّم ، وإذا حرّم اللّه شيئاً حرّم ثمنه .

(مسألة 5) : الصفر أو غيره الملبّس بأحدهما يحرم(4) استعماله ، إذا كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلاًّ ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يحرم ، كما إذا كان الذهب أو الفضّة قطعات منفصلات لبّس بهما الإناء من الصفر داخلاً أو خارجاً .

(مسألة 6) : لا بأس بالمفضّض والمطلّى والمموّه بأحدهما ، نعم يكره استعمال المفضّض ، بل يحرم(5) الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة ، بل الأحوط ذلك في المطلّى أيضاً .

(مسألة 7) : لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما ، إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما .

(مسألة 8) : يحرم ما كان ممتزجاً منهما ؛ وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما ، بل وكذا ما كان مركّباً منهما ؛ بأن كان قطعة منه من ذهب وقطعة منه من فضّة .

ص: 108


1- غير معلوم ، بل الجواز غير بعيد ، وكذا في المساجد والمشاهد المشرّفة .
2- الأقوى عدم حرمته .
3- بل يجوز ذلك وما بعده بعد جواز الاقتناء والانتفاع بها .
4- على الأحوط .
5- على الأحوط .

(مسألة 9) : لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما ، كاللوح من الذهب أو الفضّة والحلي كالخلخال ، وإن كان مجوّفاً ، بل وغلاف السيف والسكّين وإمامة الشطب ، بل ومثل القنديل وكذا نقش الكتب والسقوف والجدران بهما .

(مسألة 10) : الظاهر أنّ المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصيني(1) والقدر والسماور والفنجان وما يطبخ فيه القهوة ، وأمثال ذلك مثل كوز القليان ، بل والمصفاة والمشقاب والنعلبكي ، دون مطلق ما يكون ظرفاً ، فشمولها لمثل رأس القليان ورأس الشطب وقراب السيف والخنجر والسكّين وقاب الساعة وظرف الغالية والكحل والعنبر والمعجون والترياك ونحو ذلك غير معلوم وإن كانت ظروفاً ؛ إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية ، وكونها مرادفاً للظرف غير معلوم ، بل معلوم العدم ؛ وإن كان الأحوط في جملة من المذكورات الاجتناب ، نعم لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ إذا كان من الفضّة بل الذهب أيضاً ، وبالجملة : فالمناط صدق الآنية ، ومع الشكّ فيه محكوم بالبراءة .

(مسألة 11) : لا فرق في حرمة الأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها في الفم ، بل وكذا إذا وضع ظرف(2) الطعام في الصيني من أحدهما ، وكذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما ، وكذا لو فرغ ما في الإناء من أحدهما في ظرف آخر لأجل الأكل والشرب ، لا لأجل نفس التفريغ ، فإنّ الظاهر حرمة الأكل والشرب ؛ لأنّ هذا يعدّ أيضاً

ص: 109


1- غير معلوم ، وكذا صدقها على بعض ما ذكر كالمشقاب ، لكن لا يترك الاحتياط ، وكذا لا يترك في ظرف الغالية وما بعدها .
2- وضعه فيما يكون آنية ، وكذا غيره من الاستعمالات يكون حراماً للاستعمال لا للأكل أو الشرب ، فلا يكونان حراماً آخر .

استعمالاً لهما فيهما ، بل لا يبعد(1) حرمة شرب الچاي في مورد يكون السماور من أحدهما وإن كان جميع الأدوات ما عداه من غيرهما ، والحاصل : أنّ في المذكورات كما أنّ الاستعمال حرام ، كذلك الأكل والشرب أيضاً حرام ، نعم المأكول والمشروب لا يصير حراماً ، فلو كان في نهار رمضان لا يصدق أ نّه أفطر على حرام ، وإن صدق أنّ فعل الإفطار حرام ، وكذلك الكلام في الأكل والشرب من الظرف الغصبي .

(مسألة 12) : ذكر بعض العلماء : أ نّه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذهب أو الفضّة في الفنجان الفرفوري ، وأعطاه شخصاً آخر فشرب ، فكما أنّ الخادم والآمر عاصيان ، كذلك الشارب لا يبعد(2) أن يكون عاصياً ، ويعدّ هذا منه استعمالاً لهما .

(مسألة 13) : إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرّغه في ظرف آخر بقصد التخلّص من الحرام لا بأس به ، ولا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا .

(مسألة 14) : إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب ، وإلاّ سقط وجوب الوضوء أو الغسل ، ووجب التيمّم ، وإن توضّأ أو اغتسل منهما بطل(3) ؛ سواء أخذ الماء منهما بيده ، أو صبّ على محلّ الوضوء بهما ، أو ارتمس فيهما ، وإن كان له ماء آخر ، أو أمكن التفريغ

ص: 110


1- بل لا يحرم الشرب وإن حرم الصبّ .
2- لا وجه له ، وما ذكر ضعيف غايته .
3- على الأحوط وإن كان له وجه صحّة .

في ظرف آخر ومع ذلك توضّأ أو اغتسل منهما فالأقوى(1) أيضاً البطلان ؛ لأ نّه وإن لم يكن مأموراً بالتيمّم إلاّ أنّ الوضوء أو الغسل حينئذٍ يعدّ استعمالاً لهما عرفاً ، فيكون منهيّاً عنه ، بل الأمر كذلك لو جعلهما محلاًّ لغسالة الوضوء ؛ لما ذكر من أنّ توضّؤه حينئذٍ يحسب في العرف استعمالاً لهما ، نعم لو لم يقصد جعلهما مصبّاً للغسالة لكن استلزم توضّؤه ذلك أمكن أن يقال : إنّه لا يعدّ الوضوء استعمالاً لهما ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ هذا الصبّ أيضاً لا يعدّ استعمالاً ، فضلاً عن كون الوضوء كذلك .

(مسألة 15) : لا فرق في الذهب والفضّة بين الجيّد منهما والرديء ، والمعدني والمصنوعي ، والمغشوش والخالص ، إذا لم يكن الغشّ إلى حدٍّ يخرجهما عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص ، وما ذكره بعض العلماء من أ نّه يعتبر الخلوص وأنّ المغشوش ليس محرّماً - وإن لم يناف صدق الاسم كما في الحرير المحرّم على الرجال ؛ حيث يتوقّف حرمته على كونه خالصاً - لا وجه له ، والفرق بين الحرير والمقام أنّ الحرمة هناك معلّقة في الأخبار على الحرير المحض بخلاف المقام فإنّها معلّقة على صدق الاسم .

(مسألة 16) : إذا توضّأ أو اغتسل من إناء الذهب أو الفضّة مع الجهل بالحكم(2) أو الموضوع صحّ .

ص: 111


1- بل الأقوى الصحّة إن كان بالاغتراف لا بالصبّ أو الرمس ، فإنّ الأحوط فيهما البطلان وإن كان وجه للصحّة أيضاً فيهما ، بل الأمر كذلك - بل أوضح - لو جعلهما محلاًّ لغسالة الوضوء .
2- قصوراً ، ومع التقصير الأحوط البطلان فيما قلنا بالبطلان مع العمد احتياطاً .

(مسألة 17) : الأواني من غير الجنسين لا مانع منها ؛ وإن كانت أعلى وأغلى ، حتّى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت والفيروزج .

(مسألة 18) : الذهب المعروف بالفرنكي لا بأس بما صنع منه ؛ لأ نّه في الحقيقة ليس ذهباً ، وكذا الفضّة المسمّاة بالورشو ، فإنّها ليست فضّة ، بل هي صفر أبيض .

(مسألة 19) : إذا اضطرّ إلى استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب وغيرهما جاز ، وكذا في غيرهما من الاستعمالات ، نعم لا يجوز(1) التوضّؤ والاغتسال منهما بل ينتقل إلى التيمّم .

(مسألة 20) : إذا دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبي قدّمهما .

(مسألة 21) : يحرم إجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما ، واُجرته أيضاً حرام كما مرّ(2) .

(مسألة 22) : يجب(3) على صاحبهما كسرهما ، وأمّا غيره ، فإن علم أنّ صاحبهما يقلّد من يحرّم اقتناءهما أيضاً ، وأ نّهما من الأفراد المعلومة في الحرمة يجب عليه نهيه ، وإن توقّف على الكسر يجوز له كسرهما ، ولا يضمن قيمة صياغتهما ، نعم لو تلف الأصل ضمن ، وإن احتمل أن يكون صاحبهما ممّن يقلّد

ص: 112


1- إلاّ إذا اضطرّ إليهما ، بل لو اضطرّ إلى الغمس في الماء أو غسل وجهه ويديه منهما يجوز نيّة الغسل والوضوء ، بل يجب مع الانحصار .
2- مرّ ما هو الأقوى .
3- لا يجب ، لجواز الاقتناء ولا يجوز لغيره .

جواز الاقتناء أو كانتا ممّا هو محلّ الخلاف في كونه آنية أم لا ، لا يجوز له التعرّض له .

(مسألة 23) : إذا شكّ في آنية أ نّها من أحدهما أم لا ، أو شكّ في كون شيء ممّا يصدق عليه الآنية أم لا ، لا مانع من استعمالها .

فصل : في أحكام التخلّي

(مسألة 1) : يجب في حال التخلّي بل في سائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم ؛ سواء كان من المحارم أم لا ، رجلاً كان أو امرأة ، حتّى عن المجنون(1) والطفل المميّز ، كما أ نّه يحرم على الناظر أيضاً النظر إلى عورة الغير ولو كان مجنوناً أو طفلاً مميّزاً ، والعورة في الرجل القبل والبيضتان والدبر ، وفي المرأة القبل والدبر ، واللازم ستر لون البشرة دون الحجم وإن كان الأحوط ستره أيضاً ، وأمّا الشبح وهو ما يتراءى عند كون الساتر رقيقاً فستره لازم وفي الحقيقة يرجع إلى ستر اللون .

(مسألة 2) : لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر على الأقوى(2) .

(مسألة 3) : المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل الغير المميّز(3) والزوج والزوجة ، والمملوكة بالنسبة إلى المالك ، والمحلّلة بالنسبة إلى المحلّل له ، فيجوز نظر كلّ من الزوجين إلى عورة الآخر ، وهكذا في المملوكة ومالكها

ص: 113


1- المميّز .
2- بل على الأحوط .
3- بل غير المميّز مطلقاً .

والمحلّلة والمحلّل له ، ولا يجوز نظر المالكة إلى مملوكها أو مملوكتها وبالعكس .

(مسألة 4) : لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته إذا كانت مزوّجة أو محلّلة أو في العدّة ، وكذا إذا كانت مشتركة بين مالكين لا يجوز لواحد منهما النظر إلى عورتها وبالعكس .

(مسألة 5) : لا يجب ستر الفخذين ولا الأليتين ولا الشعر النابت أطراف العورة ، نعم يستحبّ ستر ما بين السرّة إلى الركبة ، بل إلى نصف(1) الساق .

(مسألة 6) : لا فرق بين أفراد الساتر ، فيجوز بكلّ ما يستر ، ولو بيده أو يد زوجته أو مملوكته .

(مسألة 7) : لا يجب الستر في الظلمة المانعة عن الرؤية ، أو مع عدم حضور شخص ، أو كون الحاضر أعمى ، أو العلم بعدم نظره .

(مسألة 8) : لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الشيشة ، بل ولا في المرآة أو الماء الصافي .

(مسألة 9) : لا يجوز(2) الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير ، بل يجب عليه التعدّي عنه أو غضّ النظر ، وأمّا مع الشكّ أو الظنّ في وقوع نظره فلا بأس ، ولكن الأحوط أيضاً عدم الوقوف أو غضّ النظر .

ص: 114


1- في استحبابه تأمّل .
2- بمعنى أ نّه لو وقف ووقع نظره ولو بلا اختيار لا يكون معذوراً ، لا بمعنى أنّ نفس الوقوف حرام .

(مسألة 10) : لو شكّ في وجود الناظر أو كونه محترماً فالأحوط(1) الستر .

(مسألة 11) : لو رأى عورة مكشوفة وشكّ في أ نّها عورة حيوان أو إنسان ، فالظاهر عدم وجوب الغضّ عليه ، وإن علم أ نّها من إنسان وشكّ في أ نّها من صبيّ غير مميّز أو من بالغ أو مميّز فالأحوط ترك النظر(2) ، وإن شكّ في أ نّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبية فلا يجوز النظر ، ويجب الغضّ عنها ؛ لأنّ(3) جواز النظر معلّق على عنوان خاصّ وهو الزوجية أو المملوكية ، فلا بدّ من إثباته ، ولو رأى عضواً من بدن إنسان لا يدري أ نّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر ، وإن كان الأحوط الترك .

(مسألة 12) : لا يجوز للرجل والاُنثى النظر إلى دبر الخنثى ، وأمّا قبلها فيمكن أن يقال بتجويزه لكلّ منهما ؛ للشكّ في كونه عورة ، لكن الأحوط الترك ، بل الأقوى وجوبه ؛ لأ نّه عورة(4) على كلّ حال .

(مسألة 13) : لو اضطرّ إلى النظر إلى عورة الغير كما في مقام المعالجة ،

ص: 115


1- والأقوى عدم الوجوب إلاّ مع المعرضية فإنّ الأحوط ذلك حينئذٍ ، ومع الشكّ في كونه محترماً فالأقوى عدم الوجوب إلاّ مع سبقه بالاحترام والشكّ في زواله ، كما لو شكّ في عروض جنون موجب لرفع التميّز .
2- والأقوى جوازه .
3- في تعليله إشكال ، والحكم كما ذكره لا لما ذكره .
4- فيه منع ، نعم لا يجوز النظر إلى كليهما ، ولا يجوز للرجل النظر إلى آلته الرجولية ؛ للعلم بحرمته ؛ إمّا من جهة كونها آلة الرجل أو بدن المرأة ، ولا للمرأة النظر إلى آلته الاُنوثية ؛ لما ذكر ، ولا بأس في أن ينظر الرجل إلى آلته الاُنوثية والمرأة إلى آلته الرجولية ؛ لعدم إحراز كونها عورة .

فالأحوط أن يكون في المرآة المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك ، وإلاّ فلا بأس .

(مسألة 14) : يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه وإن أمال عورته إلى غيرهما ، والأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بعورته فقط وإن لم يكن مقاديم بدنه إليهما ، ولا فرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري ، والقول بعدم الحرمة في الأوّل ضعيف ، والقبلة المنسوخة كبيت المقدّس لا يلحقها الحكم ، والأقوى عدم حرمتهما في حال الاستبراء(1) والاستنجاء ، وإن كان الترك أحوط ولو اضطرّ إلى أحد الأمرين تخيّر ، وإن كان الأحوط الاستدبار ، ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر ، ولو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظنّ(2) ، ولو تردّدت بين جهتين متقابلتين اختار الاُخريين ، ولو تردّد بين المتّصلتين فكالترديد بين الأربع التكليف ساقط ، فيتخيّر(3) بين الجهات .

(مسألة 15) : الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلاً أو مستدبراً ، ولا يجب منع الصبيّ والمجنون إذا استقبلا أو استدبرا عند التخلّي ، ويجب ردع البالغ العاقل العالم بالحكم والموضوع من باب النهي عن المنكر ، كما أ نّه يجب إرشاده إن كان من جهة جهله بالحكم ، ولا يجب ردعه إن كان من جهة الجهل بالموضوع ، ولو سأل عن القبلة فالظاهر عدم وجوب البيان ، نعم لا يجوز إيقاعه في خلاف الواقع .

ص: 116


1- مع عدم خروج البول .
2- ولا يمكن الفحص وحرجية التأخير .
3- مع مراعاة ما ذكرنا .

(مسألة 16) : يتحقّق ترك الاستقبال والاستدبار بمجرّد(1) الميل إلى أحد الطرفين ، ولا يجب التشريق أو التغريب وإن كان أحوط .

(مسألة 17) : الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الإمكان ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب(2) .

(مسألة 18) : عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز(3) أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف ، نعم إذا اختار في مرّة أحدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها ، بل له أن يختار في كلّ مرّة جهة اُخرى إلى تمام الأربع وإن كان الأحوط ترك ما يوجب القطع بأحد الأمرين ولو تدريجاً ، خصوصاً إذا كان قاصداً ذلك من الأوّل ، بل لا يترك في هذه الصورة .

(مسألة 19) : إذا علم ببقاء شيء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء فالاحتياط(4) بترك الاستقبال أو الاستدبار في حاله أشدّ .

(مسألة 20) : يحرم التخلّي في ملك الغير من غير إذنه ، حتّى الوقف الخاصّ ، بل في الطريق الغير النافذ بدون إذن أربابه ، وكذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكاً لهم .

(مسألة 21) : المراد(5) بمقاديم البدن : الصدر والبطن والركبتان .

ص: 117


1- بمقدار خرج عن الاستقبال والاستدبار عرفاً .
2- إلاّ في الاختياري منهما .
3- فيه إشكال ، ولكن لا يترك الاحتياط .
4- بل الحرمة في هذه الصورة لا تخلو من قوّة .
5- الميزان هو الاستقبال العرفي ، والظاهر عدم دخالة الركبتين فيه .

(مسألة 22) : لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها ؛ من اختصاصها بالطلاّب ، أو بخصوص الساكنين منهم فيها ، أو من هذه الجهة أعمّ من الطلاّب وغيرهم ، ويكفي إذن المتولّي إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع ، والظاهر كفاية جريان العادة أيضاً بذلك ، وكذا الحال في غير التخلّي من التصرّفات الاُخر .

فصل : في الاستنجاء

يجب غسل مخرج البول بالماء مرّتين(1) ، والأفضل ثلاث بما يسمّى غسلاً ، ولا يجزي غير الماء ، ولا فرق بين الذكر والاُنثى والخنثى ، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره معتاداً أو غير معتاد ، وفي مخرج الغائط مخيّر بين الماء والمسح بالأحجار أو الخرق إن لم يتعدّ عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء ، وإلاّ تعيّن الماء ، وإذا تعدّى على وجه الانفصال كما إذا وقع نقطة من الغائط على فخذه من غير اتّصال بالمخرج يتخيّر في المخرج بين الأمرين ، ويتعيّن الماء فيما وقع على الفخذ ، والغسل أفضل من المسح بالأحجار ، والجمع بينهما أكمل ، ولا يعتبر في الغسل تعدّد ، بل الحدّ النقاء وإن حصل بغسلة ، وفي المسح لا بدّ من ثلاث وإن حصل النقاء(2) بالأقلّ ، وإن لم يحصل بالثلاث فإلى النقاء ، فالواجب في المسح أكثر الأمرين من النقاء والعدد . ويجزي ذو الجهات

ص: 118


1- على الأحوط وإن كان الأقوى كفاية المرّة في الرجل مع الخروج عن مخرجه الطبيعي ، والأحوط في غير ذلك مرّتان وإن كان الاكتفاء بالمرّة في المرأة لا يخلو من وجه ، ولا ينبغي ترك الاحتياط مطلقاً .
2- على الأحوط وإن كان الأقوى الاجتزاء بحصول النقاء .

الثلاث من الحجر ، وبثلاثة أجزاء من الخرقة الواحدة وإن كان الأحوط ثلاثة منفصلات ، ويكفي كلّ قالع ولو من الأصابع(1) ، ويعتبر فيه الطهارة ولا يشترط البكارة ، فلا يجزي النجس ، ويجزي المتنجّس بعد غسله ، ولو مسح بالنجس أو المتنجّس لم يطهر بعد ذلك إلاّ بالماء ، إلاّ إذا لم يكن لاقى البشرة ، بل لاقى عين النجاسة ، ويجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر ؛ بمعنى الأجزاء الصغار التي لا ترى ، لا بمعنى اللون والرائحة ، وفي المسح يكفي إزالة العين ، ولا يضرّ بقاء الأثر بالمعنى الأوّل أيضاً .

(مسألة 1) : لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات ولا بالعظم والروث ، ولو استنجى بها عصى ، لكن يطهر(2) المحلّ على الأقوى .

(مسألة 2) : في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحلّ يشكل الحكم بالطهارة ، فليس حالها حال الأجزاء الصغار .

(مسألة 3) : في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون فيما يمسح به رطوبة مسرية ، فلا يجزي مثل الطين والوصلة المرطوبة ، نعم لا تضرّ النداوة التي لا تسري .

(مسألة 4) : إذا خرج مع الغائط نجاسة اُخرى كالدم أو وصل إلى المحلّ(3) نجاسة من خارج يتعيّن الماء ، ولو شكّ في ذلك يبني على العدم فيتخيّر .

ص: 119


1- مشكل .
2- محلّ إشكال ، خصوصاً في العظم والروث ، بل حصول الطهارة بغير الماء مطلقاً محلّ تأمّل ، نعم لا إشكال في العفو في غير ما ذكر .
3- أي إلى البشرة ، وكذا لو وصل إلى البشرة ما خرج مع الغائط ، وأمّا مع عدم الوصول كما لو أصاب النجس العين النجسة التي في المحلّ ، فالظاهر عدم التعيّن .

(مسألة 5) : إذا خرج من بيت الخلاء ثمّ شكّ في أ نّه استنجى أم لا ، بنى على عدمه على الأحوط(1) ؛ وإن كان من عادته ، بل وكذا لو دخل في الصلاة ثمّ شكّ ، نعم لو شكّ في ذلك بعد تمام الصلاة صحّت ، ولكن عليه الاستنجاء للصلوات الآتية ، لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد .

(مسألة 6) : لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء ، وإن شكّ في خروج مثل المذي بنى على عدمه ، لكن الأحوط(2) الدلك في هذه الصورة .

(مسألة 7) : إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث(3) مرّات كفى مع فرض زوال العين بها .

(مسألة 8) : يجوز الاستنجاء بما يشكّ في كونه عظماً أو روثاً أو من المحترمات ، ويطهر(4) المحلّ ، وأمّا إذا شكّ في كون مائع ماءً مطلقاً أو مضافاً لم يكف في الطهارة ، بل لا بدّ من العلم بكونه ماءً .

فصل : في الاستبراء

والأولى في كيفياته : أن يصبر حتّى تنقطع دريرة البول ، ثمّ يبدأ بمخرج الغائط فيطهّره ، ثمّ يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرّات ، ثمّ يضع سبّابته فوق(5) الذكر وإبهامه تحته

ص: 120


1- بل الأقوى ولو مع الاعتياد ، فلا تجري القاعدة في صورة الاعتياد .
2- لا يترك .
3- بل إلى حصول النقاء .
4- محلّ إشكال خصوصاً في الأوّلين .
5- والعكس أولى .

ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاث مرّات ، ثمّ يعصر رأسه ثلاث مرّات ، ويكفي سائر الكيفيات مع مراعاة ثلاث(1) مرّات ، وفائدته : الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة وعدم ناقضيتها ، ويلحق به في الفائدة المذكورة طول المدّة على وجه يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى ؛ بأن احتمل(2) أنّ الخارج نزل من الأعلى ، ولا يكفي الظنّ بعدم البقاء ، ومع الاستبراء لا يضرّ احتماله ، وليس على المرأة استبراء ، نعم الأولى أن تصبر قليلاً وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً ، وعلى أيّ حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة وعدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولاً .

(مسألة 1) : من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي .

(مسألة 2) : مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة والناقضية ، وإن كان تركه من الاضطرار وعدم التمكّن منه .

(مسألة 3) : لا يلزم المباشرة في الاستبراء ، فيكفي في ترتّب الفائدة إن باشره غيره كزوجته أو مملوكته .

(مسألة 4) : إذا خرجت رطوبة من شخص وشكّ شخص آخر في كونها بولاً أو غيره ، فالظاهر لحوق الحكم أيضاً؛ من الطهارة إن كان بعد استبرائه ، والنجاسة إن كان قبله ، وإن كان نفسه غافلاً ؛ بأن كان نائماً مثلاً ، فلا يلزم أن يكون من

ص: 121


1- في المواضع الثلاثة مع عدم تقديم المتأخّر .
2- لا يجتمع هذا الاحتمال مع القطع بعدم بقاء شيء في المجرى ، إن كان المراد من الأعلى فوق المجرى ، وإن يمكن توجيهه بوجه بعيد .

خرجت منه هو الشاكّ ، وكذا إذا خرجت من الطفل وشكّ وليّه في كونها بولاً ، فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة .

(مسألة 5) : إذا شكّ في الاستبراء يبني على عدمه ولو مضت مدّة ، بل ولو كان من عادته ، نعم لو علم أ نّه استبرأ وشكّ بعد ذلك في أ نّه كان على الوجه الصحيح أم لا ، بنى على الصحّة .

(مسألة 6) : إذا شكّ من لم يستبرئ في خروج الرطوبة وعدمه ، بنى على عدمه ولو كان ظانّاً بالخروج ، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة وشكّ في أ نّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج .

(مسألة 7) : إذا علم أنّ الخارج منه مذي ، لكن شكّ في أ نّه هل خرج معه بول أم لا ؟ لا يحكم عليه بالنجاسة إلاّ أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة ؛ بأن يكون الشكّ في أنّ هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركّب منه ومن البول ؟ (مسألة 8) : إذا بال ولم يستبرئ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنيّ ، يحكم عليها بأ نّها بول(1) ، فلا يجب عليه الغسل ، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء ، فإنّه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإجمالي ، هذا إذا كان ذلك بعد أن توضّأ ، وأمّا إذا خرجت منه قبل أن يتوضّأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء ؛ لأنّ الحدث الأصغر معلوم ، ووجود موجب الغسل غير معلوم ، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل .

ص: 122


1- لا يخلو من إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع .
فصل : في مستحبّات التخلّي ومكروهاته

فصل : في مستحبّات التخلّي ومكروهاته(1) أمّا الأوّل : فأن يطلب خلوة أو يبعد حتّى لا يرى شخصه ، وأن يطلب مكاناً مرتفعاً للبول أو موضعاً رخواً ، وأن يقدّم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء ورجله اليمنى عند الخروج ، وأن يستر رأسه ، وأن يتقنّع ويجزي عن ستر الرأس ، وأن يسمّي عند كشف العورة ، وأن يتّكئ في حال الجلوس على رجله اليسرى ، ويفرّج رجله اليمنى ، وأن يستبرئ بالكيفية التي مرّت ، وأن يتنحنح قبل الاستبراء ، وأن يقرأ الأدعية المأثورة ؛ بأن يقول عند الدخول : «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبّث الشيطان الرجيم» ، أو يقول : «الحمد للّه الحافظ المؤدّي» والأولى الجمع بينهما ، وعند خروج الغائط : «الحمد للّه الذي أطعمنيه طيّباً في عافية ، وأخرجه خبيثاً في عافية» ، وعند النظر إلى الغائط : «اللهمّ ارزقني الحلال وجنّبني عن الحرام» ، وعند رؤية الماء : «الحمد للّه الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً» . وعند الاستنجاء : «اللهمّ حصّن فرجي وأعفّه ، واستر عورتي ، وحرّمني على النار ووفّقني لما يقرّبني منك ، يا ذا الجلال والإكرام» . وعند الفراغ من الاستنجاء : «الحمد للّه الذي عافاني من البلاء ، وأماط عنّي الأذى» . وعند القيام عن محلّ الاستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه ويقول : «الحمد للّه الذي أماط عنّي الأذى ، وهنّأني طعامي وشرابي ، وعافاني من البلوى» . وعند الخروج أو بعده : «الحمد للّه الذي عرّفني لذّته ، وأبقى في جسدي قوّته ، وأخرج عنّي أذاه يا لها نعمةً ، يا لها نعمةً ، يا لها نعمةً لا يقدر القادرون قدرها» . ويستحبّ أن يقدّم الاستنجاء من الغائط على

ص: 123


1- في ثبوت الاستحباب والكراهة لبعض ما في الباب إشكال .

الاستنجاء من البول ، وأن يجعل المسحات - إن استنجى بها - وتراً ، فلو لم ينق بالثلاثة وأتى برابع يستحبّ أن يأتي بخامس ليكون وتراً وإن حصل النقاء بالرابع ، وأن يكون الاستنجاء والاستبراء باليد اليسرى ، ويستحبّ أن يعتبر ويتفكّر في أنّ ما سعى واجتهد في تحصيله وتحسينه كيف صار أذيّة عليه ، ويلاحظ قدرة اللّه تعالى في رفع هذه الأذيّة عنه ، وإراحته منها .

وأمّا المكروهات : فهي استقبال الشمس والقمر بالبول والغائط ، وترتفع بستر فرجه ولو بيده ، أو دخوله في بناء أو وراء حائط ، واستقبال الريح بالبول ، بل بالغائط أيضاً ، والجلوس في الشوارع أو المشارع ، أو منزل القافلة ، أو درب المساجد أو الدور ، أو تحت الأشجار المثمرة ولو في غير أوان الثمر ، والبول قائماً ، وفي الحمّام ، وعلى الأرض الصلبة ، وفي ثقوب الحشرات ، وفي الماء خصوصاً الراكد وخصوصاً في الليل ، والتطميح بالبول ؛ أي البول في الهواء ، والأكل والشرب حال التخلّي بل في بيت الخلاء مطلقاً ، والاستنجاء باليمين وباليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه ، وطول المكث في بيت الخلاء ، والتخلّي على قبر المؤمنين إذا لم يكن هتكاً وإلاّ كان حراماً ، واستصحاب الدرهم البيض - بل مطلقاً - إذا كان عليه اسم اللّه أو محترم آخر إلاّ أن يكون مستوراً ، والكلام في غير الضرورة إلاّ بذكر اللّه أو آية الكرسي أو حكاية الأذان أو تسميت العاطس.

(مسألة 1) : يكره حبس البول أو الغائط ، وقد يكون حراماً(1) إذا كان مضرّاً ،

ص: 124


1- في حرمة الحبس في صورة الإضرار حرمة شرعية ، وكذا في وجوبه كذلك في الصورة الثانية إشكال ومنع ، نعم نفس الإضرار حرام على الأقوى في بعض مراتبه وعلى الأحوط إذا كان معتدّاً به ، ولا ينبغي ترك الاحتياط مطلقاً ، وفي الصورة الثانية لا يجوز تفويت مصلحة الصلاة مع الطهارة المائية .

وقد يكون واجباً كما إذا كان متوضّئاً ولم يسع الوقت للتوضّؤ بعدهما والصلاة ، وقد يكون مستحبّاً كما إذا توقّف مستحبّ أهمّ عليه .

(مسألة 2) : يستحبّ البول حين إرادة الصلاة ، وعند النوم ، وقبل الجماع ، وبعد خروج المنيّ ، وقبل الركوب على الدابّة إذا كان النزول والركوب صعباً عليه ، وقبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعباً .

(مسألة 3) : إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحبّ أخذها وإخراجها وغسلها ثمّ أكلها .

فصل : في موجبات الوضوء ونواقضه

اشارة

وهي اُمور :

الأوّل والثاني : البول والغائط من الموضع الأصلي ولو غير معتاد ، أو من غيره مع انسداده أو بدونه بشرط الاعتياد ، أو الخروج على حسب المتعارف ، ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد وعدم كون الخروج على حسب المتعارف إشكال ، والأحوط النقض مطلقاً ، خصوصاً إذا كان دون المعدة ، ولا فرق فيهما بين القليل والكثير حتّى مثل القطرة ومثل تلوّث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة ، نعم الرطوبات الاُخر غير البول والغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة وكذا الدود أو نوى التمر ونحوهما إذا لم يكن متلطّخاً بالعذرة . الثالث : الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة ؛ صاحب صوتاً أو لا ، دون ما خرج من القبل ، أو لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان ، أو إذا دخل من الخارج ثمّ خرج . الرابع : النوم مطلقاً وإن كان في حال المشي إذا غلب على القلب والسمع والبصر ، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى

ص: 125

الحدّ المذكور . الخامس : كلّ ما أزال العقل مثل الإغماء والسكر والجنون دون مثل البهت . السادس : الاستحاضة القليلة بل الكثيرة(1) والمتوسّطة(2) وإن أوجبتا الغسل أيضاً ، وأمّا الجنابة فهي تنقض الوضوء ، لكن توجب الغسل فقط .

(مسألة 1) : إذا شكّ في طروء أحد النواقض بنى على العدم ، وكذا إذا شكّ في أنّ الخارج بول أو مذي مثلاً ، إلاّ أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بأ نّه بول ، فإن كان متوضّئاً انتقض وضوؤه كما مرّ .

(مسألة 2) : إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شيء من الغائط لم ينتقض الوضوء ، وكذا لو شكّ في خروج شيء من الغائط معه .

(مسألة 3) : القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض ، وكذا الدم الخارج منهما ، إلاّ إذا علم أنّ بوله أو غائطه صار دماً ، وكذا المذي والوذي والودي ، والأوّل : هو ما يخرج بعد الملاعبة ، والثاني : ما يخرج بعد خروج المنيّ ، والثالث : ما يخرج بعد خروج البول .

(مسألة 4) : ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي ، والودي ، والكذب ، والظلم ، والإكثار من الشعر الباطل ، والقيء ، والرعاف ، والتقبيل بشهوة ، ومسّ الكلب ، ومسّ الفرج ولو فرج نفسه ، ومسّ باطن الدبر ، والإحليل ، ونسيان الاستنجاء قبل الوضوء ، والضحك في الصلاة ، والتخليل إذا أدمى ، لكنّ الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم ، والأولى أن يتوضّأ برجاء المطلوبية ،

ص: 126


1- على الأحوط .
2- وكذا سائر موجبات الغسل عدا الجنابة .

ولو تبيّن بعد هذا الوضوء كونه محدثاً بأحد النواقض المعلومة كفى ولا يجب عليه ثانياً ، كما أ نّه لو توضّأ احتياطاً لاحتمال حدوث الحدث ثمّ تبيّن كونه محدثاً كفى ولا يجب ثانياً .

فصل : في غايات الوضوءات الواجبة وغير الواجبة

فإنّ الوضوء إمّا شرط في صحّة فعل كالصلاة والطواف ، وإمّا شرط في كماله كقراءة القرآن ، وإمّا شرط في جوازه كمسّ كتابة القرآن ، أو رافع لكراهته كالأكل(1) ، أو شرط في تحقّق أمر كالوضوء للكون على الطهارة ، أو ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر(2) والوضوء المستحبّ نفساً إن قلنا به ، كما لا يبعد . أمّا الغايات للوضوء الواجب فيجب للصلاة(3) الواجبة ؛ أداءً أو قضاءً ، عن النفس أو عن الغير ، ولأجزائها المنسيّة ، بل وسجدتي السهو(4) على الأحوط ، ويجب أيضاً للطواف الواجب ، وهو ما كان جزءاً للحجّ أو العمرة ، وإن كانا مندوبين(5) ، فالطواف المستحبّ ما لم يكن جزءاً من أحدهما لا يجب الوضوء له ، نعم هو شرط في صحّة صلاته ، ويجب أيضاً بالنذر والعهد واليمين ، ويجب أيضاً لمسّ

ص: 127


1- في حال الجنابة ، وأمّا في غيرها فغير ثابت .
2- لا يصير الوضوء واجباً بالنذر ومثله ، بل الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر كما مرّ وهو يحصل بإتيان الوضوء المنذور ، وليس الوضوء المنذور قسماً خاصّاً في مقابل المذكورات وليس من الوضوء الذي لا غاية له ، نعم لو قلنا باستحباب الوضوء ينعقد نذره بلا غاية حتّى الكون على الطهارة ، لكن استحبابه في نفسه بهذا المعنى محلّ تأمّل .
3- وجوباً شرطياً لا شرعياً ولو غيرياً على الأقوى ، وكذا في سائر المذكورات .
4- والأقوى عدم الوجوب لهما .
5- على الأحوط .

كتابة القرآن إن وجب بالنذر(1) أو لوقوعه في موضع يجب إخراجه منه ، أو لتطهيره إذا صار متنجّساً وتوقّف الإخراج أو التطهير على مسّ كتابته ، ولم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجباً لهتك حرمته ، وإلاّ وجبت المبادرة من دون الوضوء ، ويلحق به أسماء اللّه وصفاته الخاصّة دون أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام وإن كان أحوط ، ووجوب الوضوء في المذكورات ما عدا النذر وأخويه إنّما هو على تقدير كونه محدثاً ، وإلاّ فلا يجب ، وأمّا في النذر وأخويه فتابع للنذر ، فإن نذر كونه على الطهارة لا يجب إلاّ إذا كان محدثاً ، وإن نذر الوضوء التجديدي وجب وإن كان على وضوء .

(مسألة 1) : إذا نذر أن يتوضّأ لكلّ صلاة وضوءاً رافعاً للحدث وكان متوضّئاً ، يجب عليه نقضه ثمّ الوضوء ، لكن في صحّة مثل هذا النذر على إطلاقه تأمّل .

(مسألة 2) : وجوب الوضوء(2) لسبب النذر أقسام : أحدها : أن ينذر أن يأتي بعمل يشترط في صحّته الوضوء كالصلاة . الثاني : أن ينذر أن يتوضّأ إذا أتى بالعمل الفلاني الغير المشروط بالوضوء ، مثل أن ينذر أن لا يقرأ(3) القرآن إلاّ مع الوضوء فحينئذٍ لا يجب عليه القراءة ، لكن لو أراد أن يقرأ يجب عليه أن يتوضّأ . الثالث : أن ينذر أن يأتي بالعمل الكذائي مع الوضوء ، كأن ينذر أن يقرأ القرآن مع الوضوء فحينئذٍ يجب الوضوء والقراءة . الرابع : أن ينذر الكون على

ص: 128


1- قد مرّ عدم الوجوب به وكذا بتالييه ، وكذا لا يجب لمسّ كتابة القرآن لو وجب مسّها ، بل هو شرط لجواز المسّ ، أو يكون المسّ حراماً فيحكم العقل بلزومه مقدّمة أو تخلّصاً عن الحرام ، وكذا الحال في جميع الموارد التي بهذه المثابة .
2- مرّ عدم وجوب عنوانه .
3- بمعنى أنّ كلّ قراءة صدرت منه يكون مع الوضوء ، لا بمعنى أن لا يقرأ بلا وضوء .

الطهارة . الخامس : أن ينذر أن يتوضّأ من غير نظر إلى الكون على الطهارة ، وجميع هذه الأقسام صحيح ، لكن ربّما يستشكل في الخامس من حيث إنّ صحّته موقوفة(1) على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء ، وهو محلّ إشكال لكن الأقوى(2) ذلك .

(مسألة 3) : لا فرق في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث بين أن يكون باليد أو بسائر أجزاء البدن ، ولو بالباطن كمسّها باللسان أو بالأسنان ، والأحوط ترك المسّ بالشعر أيضاً ، وإن كان لا يبعد عدم حرمته .

(مسألة 4) : لا فرق بين المسّ ابتداء أو استدامة ، فلو كان يده على الخطّ فأحدث يجب عليه رفعها فوراً ، وكذا لو مسّ غفلة ثمّ التفت أ نّه محدث .

(مسألة 5) : المسّ الماحي للخطّ أيضاً حرام ، فلا يجوز له أن يمحوه باللسان أو باليد الرطبة .

(مسألة 6) : لا فرق بين أنواع الخطوط حتّى المهجور منها كالكوفي ، وكذا لا فرق بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو القصّ بالكاغذ أو الحفر أو العكس .

(مسألة 7) : لا فرق في القرآن بين الآية والكلمة بل والحرف ، وإن كان يكتب ولا يقرأ كالألف في «قالوا» و«آمنوا» بل الحرف الذي يقرأ ولا يكتب إذا

ص: 129


1- لا يتوقّف عليه إلاّ مع نذره مجرّداً عن جميع الغايات ؛ بمعنى كونه ناظراً إلى ذلك مقيّداً لموضوع نذره ، وأمّا مع عدم النظر فيصحّ نذره ، فيجب عليه إتيان مصداق صحيح مع غاية من الغايات .
2- محلّ إشكال .

كتب ، كما في الواو الثاني من «داود» إذا كتب بواوين ، وكالألف في «رحمن» و«لقمن» إذا كتب ك «رحمان» و«لقمان» .

(مسألة 8) : لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب ، بل لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ بل أو نصف الكلمة - كما إذا قصّ من ورق القرآن أو الكتاب - يحرم مسّها أيضاً .

(مسألة 9) : في الكلمات المشتركة بين القرآن وغيره المناط قصد الكاتب .

(مسألة 10) : لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ واللوح والأرض والجدار والثوب ، بل وبدن الإنسان فإذا كتب على يده لا يجوز مسّه عند الوضوء ، بل يجب محوه(1) أوّلاً ثمّ الوضوء .

(مسألة 11) : إذا كتب على الكاغذ بلا مداد ، فالظاهر عدم المنع من مسّه ؛ لأ نّه ليس خطّاً ، نعم لو كتب بما يظهر أثره بعد ذلك ، فالظاهر حرمته كماء البصل ، فإنّه لا أثر له إلاّ إذا اُحمي على النار .

(مسألة 12) : لا يحرم المسّ من وراء الشيشة وإن كان الخطّ مرئيّاً ، وكذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخطّ تحته ، وكذا المنطبع في المرآة ، نعم لو نفذ المداد في الكاغذ حتّى ظهر الخطّ من الطرف الآخر لا يجوز مسّه ، خصوصاً إذا كتب بالعكس ، فظهر من الطرف الآخر طرداً .

(مسألة 13) : في مسّ المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف كالحاء أو

ص: 130


1- عقلاً ويحرم مسّه للوضوء ، فيجوز الوضوء الارتماسي وبالصبّ من غير مسّ ، ولا بدّ من التخلّص عنه بالارتماس أو بالصبّ ونحوه لو لم يمكن محوه .

العين مثلاً إشكال ، أحوطه(1) الترك .

(مسألة 14) : في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها إشكال(2) ، ولا يبعد عدم الحرمة ، فإنّ الخطّ يوجد بعد المسّ ، وأمّا الكتب على بدن المحدث وإن كان الكاتب على وضوء فالظاهر(3) حرمته ، خصوصاً إذا كان بما يبقى أثره .

(مسألة 15) : لا يجب منع الأطفال والمجانين من المسّ إلاّ إذا كان ممّا يعدّ هتكاً ، نعم الأحوط عدم التسبّب(4) لمسّهم ، ولو توضّأ الصبيّ المميّز فلا إشكال في مسّه بناءً على الأقوى من صحّة وضوئه وسائر عباداته .

(مسألة 16) : لا يحرم على المحدث مسّ غير الخطّ من ورق القرآن ، حتّى ما بين السطور والجلد والغلاف ، نعم يكره ذلك كما أ نّه يكره تعليقه وحمله .

(مسألة 17) : ترجمة القرآن ليست منه ؛ بأيّ لغة كانت ، فلا بأس بمسّها على المحدث ، نعم لا فرق في اسم اللّه تعالى بين اللغات .

(مسألة 18) : لا يجوز وضع الشيء النجس على القرآن وإن كان يابساً ؛ لأ نّه هتك(5) وأمّا المتنجّس فالظاهر عدم البأس به مع عدم الرطوبة ، فيجوز للمتوضّئ

ص: 131


1- وأقواه الجواز .
2- لا يترك الاحتياط .
3- الأقوى عدم الحرمة مع عدم بقاء الأثر ، والأحوط تركه مع بقائه .
4- الظاهر جواز إعطائهم القرآن للتعلّم ، بل مطلقاً ولو مع العلم بمسّهم ، نعم الأحوط عدم جواز إمساس يدهم عليه .
5- في إطلاقه إشكال ، والمدار على الهتك في النجس والمتنجّس .

أن يمسّ القرآن باليد المتنجّسة ، وإن كان الأولى تركه .

(مسألة 19) : إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكله(1) ، وأمّا للمتطهّر فلا بأس ، خصوصاً إذا كان بنيّة الشفاء أو التبرّك .

فصل : في الوضوءات المستحبّة

(مسألة 1) : الأقوى(2) - كما اُشير إليه سابقاً - كون الوضوء مستحبّاً في نفسه وإن لم يقصد غاية من الغايات حتّى الكون على الطهارة ، وإن كان الأحوط قصد إحداها .

(مسألة 2) : الوضوء المستحبّ أقسام : أحدها : ما يستحبّ في حال الحدث الأصغر ، فيفيد الطهارة منه . الثاني : ما يستحبّ في حال الطهارة منه كالوضوء التجديدي . الثالث : ما هو مستحبّ في حال الحدث الأكبر ، وهو لا يفيد طهارة ، وإنّما هو لرفع الكراهة أو لحدوث كمال في الفعل الذي يأتي به ، كوضوء الجنب للنوم ، ووضوء الحائض للذكر في مصلاّها .

أمّا القسم الأوّل فلاُمور(3) : الأوّل : الصلوات المندوبة ، وهو شرط في صحّتها أيضاً . الثاني : الطواف المندوب ، وهو ما لا يكون جزءاً من حجّ أو عمرة ولو مندوبين ، وليس شرطاً في صحّته ، نعم هو شرط في صحّة صلاته . الثالث :التهيّؤ

ص: 132


1- إذا استلزم المسّ للكتابة .
2- مرّ الإشكال فيه .
3- في بعضها مناقشة كاستحبابه للصلاة المندوبة وأمثالها ، بل هو شرط لها بما هو عبادة ، وفي بعضها لم نجد دليلاً على الاستحباب ، كدخول المشاهد وإن كان الاعتبار يوافقه ، وكجلوس القاضي مجلس القضاء ، وكتكفين الميّت ، وكالاختصاص في التدفين بما ذكر .

للصلاة في أوّل وقتها أو أوّل زمان إمكانها إذا لم يمكن إتيانها في أوّل الوقت ، ويعتبر أن يكون قريباً من الوقت أو زمان الإمكان بحيث يصدق عليه التهيّؤ . الرابع : دخول المساجد . الخامس : دخول المشاهد المشرّفة . السادس : مناسك الحجّ ممّا عدا الصلاة والطواف . السابع : صلاة الأموات . الثامن : زيارة أهل القبور . التاسع : قراءة القرآن أو كتبه أو لمس حواشيه أو حمله . العاشر : الدعاء وطلب الحاجة من اللّه تعالى . الحادي عشر : زيارة الأئمّة علیهم السلام ولو من بعيد . الثاني عشر : سجدة الشكر أو التلاوة . الثالث عشر : الأذان والإقامة ، والأظهر شرطيته في الإقامة . الرابع عشر : دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة إلى كلّ منهما . الخامس عشر : ورود المسافر على أهله ، فيستحبّ قبله . السادس عشر : النوم . السابع عشر : مقاربة الحامل . الثامن عشر : جلوس القاضي في مجلس القضاء . التاسع عشر : الكون على الطهارة . العشرين : مسّ كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه ، وهو شرط في جوازه كما مرّ ، وقد عرفت أنّ الأقوى استحبابه نفساً أيضاً .

وأمّا القسم الثاني : فهو الوضوء للتجديد ، والظاهر جوازه ثالثاً ورابعاً فصاعداً أيضاً ، وأمّا الغسل فلا يستحبّ فيه التجديد ، بل ولا الوضوء بعد غسل الجنابة وإن طالت المدّة .

وأمّا القسم الثالث فلاُمور : الأوّل : لذكر الحائض في مصلاّها مقدار الصلاة . الثاني : لنوم الجنب وأكله وشربه وجماعه وتغسيله الميّت . الثالث : لجماع من مسّ الميّت ولم يغتسل بعد . الرابع : لتكفين الميّت أو تدفينه بالنسبة إلى من غسّله ولم يغتسل غسل المسّ .

(مسألة 3) : لا يختصّ القسم الأوّل من المستحبّ بالغاية التي توضّأ لأجلها ،

ص: 133

بل يباح به جميع الغايات المشروطة به ، بخلاف الثاني والثالث ، فإنّهما إن وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثّرا إلاّ فيما قصدا لأجله ، نعم لو انكشف الخطأ ؛ بأن كان محدثاً بالأصغر فلم يكن وضوؤه تجديدياً ولا مجامعاً للأكبر ، رجعا إلى الأوّل ، وقوي القول بالصحّة وإباحة جميع الغايات به إذا كان قاصداً لامتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليه في ذلك الحال بالوضوء ، وإن اعتقد أ نّه الأمر بالتجديدي منه - مثلاً - فيكون من باب الخطأ في التطبيق ، وتكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي لا التقييد ، بحيث لو كان الأمر الواقعي على خلاف ما اعتقده لم يتوضّأ ، أمّا لو كان على نحو التقييد كذلك ، ففي صحّته حينئذٍ إشكال .

(مسألة 4) : لا يجب في الوضوء قصد موجبه ؛ بأن يقصد الوضوء لأجل خروج البول ، أو لأجل النوم ، بل لو قصد أحد الموجبات وتبيّن أنّ الواقع غيره صحّ إلاّ أن يكون(1) على وجه التقييد .

(مسألة 5) : يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعدّدة إذا قصد رفع طبيعة الحدث ، بل لو قصد رفع أحدها صحّ وارتفع الجميع ، إلاّ إذا قصد رفع البعض دون البعض فإنّه يبطل(2) لأ نّه يرجع إلى قصد عدم الرفع .

(مسألة 6) : إذا كان للوضوء الواجب(3) غايات متعدّدة فقصد الجميع ، حصل امتثال الجميع ، واُثيب عليها كلّها ، وإن قصد البعض حصل الامتثال بالنسبة إليه ،

ص: 134


1- الظاهر صحّته مطلقاً وتقييده لغو .
2- الأقوى الصحّة إلاّ إذا رجع إلى عدم قصد الامتثال .
3- الوضوء لا يتّصف بالوجوب الشرعي في حال من الحالات ، لا من باب المقدّمة على الأقوى ولا بنذر وشبهه كما مرّ ، فيسقط الإشكال الآتي رأساً ، ومع اتّصافه به لا يدفع بما ذكره كما هو واضح .

ويثاب عليه ، لكن يصحّ بالنسبة إلى الجميع ويكون أداءً بالنسبة إلى ما لم يقصد ، وكذا إذا كان للوضوء المستحبّ غايات عديدة . وإذا اجتمعت الغايات الواجبة والمستحبّة أيضاً يجوز قصد الكلّ ويثاب عليها ، وقصد البعض دون البعض ؛ ولو كان ما قصده هو الغاية المندوبة ، ويصحّ معه إتيان جميع الغايات ، ولا يضرّ في ذلك كون الوضوء عملاً واحداً لا يتّصف بالوجوب والاستحباب معاً ومع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلاّ واجباً ؛ لأ نّه على فرض صحّته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي ، وإن كان متّصفاً بالوجوب فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي ، لكن التحقيق صحّة اتّصافه فعلاً بالوجوب والاستحباب من جهتين .

فصل : في بعض مستحبّات الوضوء

الأوّل : أن يكون بمدّ وهو ربع الصاع - وهو ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال - فالمدّ مائة وخمسون مثقالاً وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وحمّصة ونصف . الثاني : الاستياك بأيّ شيء كان ولو بالإصبع ، والأفضل عود الأراك . الثالث : وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين . الرابع : غسل اليدين قبل الاغتراف مرّة في حدث النوم والبول ، ومرّتين في الغائط . الخامس : المضمضة والاستنشاق ؛ كلّ منهما ثلاث مرّات بثلاث أكفّ ، ويكفي الكفّ الواحدة أيضاً لكلّ من الثلاث . السادس : التسمية عند وضع اليد في الماء أو صبّه على اليد ، وأقلّها «بسم اللّه» والأفضل «بسم اللّه الرحمن الرحيم» وأفضل منهما : «بسم اللّه وباللّه اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين» . السابع : الاغتراف باليمنى ولو لليمنى ؛ بأن يصبّه في اليسرى ثمّ يغسل اليمنى . الثامن : قراءة الأدعية المأثورة عند كلّ من المضمضة والاستنشاق ، وغسل الوجه واليدين

ص: 135

ومسح الرأس والرجلين(1) . التاسع : غسل كلّ من الوجه(2) واليدين مرّتين . العاشر : أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاُولى وفي الثانية بباطنهما ، والمرأة بالعكس . الحادي عشر : أن يصبّ الماء على أعلى كلّ عضو ، وأمّا الغسل من الأعلى فواجب . الثاني عشر : أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصبّ الماء عليه ، لا بغمسه فيه . الثالث عشر : أن يكون ذلك مع إمرار اليد على تلك المواضع وإن تحقّق الغسل بدونه . الرابع عشر : أن يكون حاضر القلب في جميع أفعاله . الخامس عشر : أن يقرأ «القدر» حال الوضوء . السادس عشر : أن يقرأ «آية الكرسي» بعده . السابع عشر : أن يفتح عينيه حال غسل الوجه .

فصل : في مكروهاته

الأوّل : الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة ؛ كأن يصبّ الماء في يده ، وأمّا في نفس الغسل فلا يجوز . الثاني : التمندل بل مطلق مسح(3) البلل . الثالث : الوضوء في مكان الاستنجاء . الرابع : الوضوء من الآنية المفضّضة أو المذهّبة أو المنقوشة بالصور . الخامس : الوضوء بالمياه المكروهة كالمشمّس ، وماء الغسالة من الحدث الأكبر ، والماء الآجن ، وماء البئر قبل نزح المقدّرات ، والماء القليل الذي ماتت فيه الحيّة أو العقرب أو الوزغ ، وسؤر الحائض والفأر والفرس والبغل والحمار والحيوان الجلاّل وآكل الميتة ، بل كلّ حيوان لا يؤكل لحمه .

ص: 136


1- وبعد الفراغ من الوضوء .
2- لا يبعد أن يكون أفضل أفراد غسل الوضوء هو الاكتفاء بالمرّة ، بل بالغرفة في الوجه ، وكلّ من اليدين ، وإنّما شرّعت الثانية لمكان ضعف الناس ، فاستحباب المرّتين محلّ إشكال بل منع .
3- غير معلوم .
فصل : في أفعال الوضوء

الأوّل : غسل الوجه ، وحدّه من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً ، وما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضاً ، والأنزع والأغمّ ومن خرج وجهه أو يده عن المتعارف(1) يرجع كلّ منهم إلى المتعارف ، فيلاحظ أنّ اليد المتعارفة في الوجه المتعارف إلى أيّ موضع تصل ، وأنّ الوجه المتعارف أين قصاصه فيغسل ذلك المقدار ، ويجب إجراء الماء ، فلا يكفي المسح به ، وحدّه أن يجري من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، ويجزي استيلاء الماء عليه وإن لم يجر ؛ إذا صدق الغسل ، ويجب الابتداء(2) بالأعلى والغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفاً ، ولا يجوز النكس ، ولا يجب غسل ما تحت الشعر ، بل يجب غسل ظاهره ؛ سواء شعر اللحية والشارب والحاجب ، بشرط صدق إحاطة الشعر على المحلّ ، وإلاّ لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله .

(مسألة 1) : يجب إدخال شيء من أطراف الحدّ من باب المقدّمة ، وكذا جزء من باطن الأنف ونحوه . وما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن ، فلا يجب غسله .

(مسألة 2) : الشعر الخارج عن الحدّ كمسترسل اللحية في الطول وما هو

ص: 137


1- أي يلاحظ تناسب الأعضاء ؛ فمن كان وجهه على خلاف المتعارف في الكبر مثلاً ويده أيضاً كذلك لكنّهما متناسبتان لا يرجع إلى غيره ، بل يجب غسل وجهه من قصاص شعره إلى ذقنه طولاً وما اشتمل عليه إبهامه ووسطاه عرضاً ، فالراجع إلى المتعارف هو غير متناسب الأعضاء كمن كان يده صغيرة دون وجهه وبالعكس .
2- على الأحوط .

خارج عن ما بين الإبهام والوسطى في العرض لا يجب غسله .

(مسألة 3) : إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل .

(مسألة 4) : لا يجب غسل باطن العين والأنف والفم ، إلاّ شيء منها من باب المقدّمة .

(مسألة 5) : فيما أحاط به الشعر لا يجزي غسل المحاط عن المحيط .

(مسألة 6) : الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها .

(مسألة 7) : إذا شكّ في أنّ الشعر محيط أم لا ، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة .

(مسألة 8) : إذا بقي ممّا في الحدّ ما لم يغسل ولو مقدار رأس إبرة لا يصحّ الوضوء ، فيجب أن يلاحظ أمآقه وأطراف عينه لا يكون عليها شيء من القيح أو الكحل المانع ، وكذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شيء من الوسخ ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع .

(مسألة 9) : إذا تيقّن وجود ما يشكّ في مانعيته ، يجب تحصيل اليقين بزواله ، أو وصول الماء إلى البشرة ، ولو شكّ في أصل وجوده يجب الفحص(1) أو المبالغة حتّى يحصل الاطمئنان بعدمه ، أو زواله أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده .

(مسألة 10) : الثقبة في الأنف - موضع الحلقة أو الخزامة - لا يجب غسل باطنها ، بل يكفي ظاهرها ؛ سواء كانت الحلقة فيها أو لا .

ص: 138


1- إذا كان له منشأ يعتني به العقلاء .

الثاني : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع مقدّماً لليمنى على اليسرى ، ويجب الابتداء بالمرفق والغسل منه إلى الأسفل عرفاً ، فلا يجزي النكس ، والمرفق مركّب من شيء من الذراع وشيء من العضد ويجب غسله بتمامه ، وشيء آخر من العضد من باب المقدّمة ، وكلّ ما هو في الحدّ يجب غسله وإن كان لحماً زائداً أو إصبعاً زائدة ، ويجب غسل الشعر مع البشرة ، ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد ، وإن كان أولى ، وكذا إن قطع تمام المرفق ، وإن قطعت ممّا دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي ، وإن قطعت من المرفق بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان(1) من العضد جزءاً من المرفق .

(مسألة 11) : إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضاً كاللحم الزائد ، وإن كانت فوقه ، فإن علم زيادتها لا يجب غسلها ، ويكفي غسل الأصلية ، وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما ، ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الاحتياط ، وإن كانتا أصليتين(2) يجب غسلهما أيضاً ، ويكفي المسح بإحداهما .

(مسألة 12) : الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا يجب إزالته ، إلاّ إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، فإنّ الأحوط(3) إزالته، وإن كان

ص: 139


1- على الأحوط .
2- كونهما أصليتين محلّ إشكال ومنع ، فحينئذٍ يجب غسلهما احتياطاً والمسح بهما كذلك .
3- بل الأقوى حينئذٍ مع كونه مانعاً .

زائداً على المتعارف وجبت إزالته(1) ، كما أ نّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه .

(مسألة 13) : ما هو المتعارف بين العوامّ من غسل اليدين إلى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفّين بالغسل المستحبّ قبل الوجه باطل .

(مسألة 14) : إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع ، ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل وإن كان اتّصاله بجلدة رقيقة ، ولا يجب قطعه أيضاً ليغسل ما تحت تلك الجلدة ، وإن كان أحوط لو عدّ ذلك اللحم شيئاً خارجياً ولم يحسب جزءاً من اليد .

(مسألة 15) : الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد ؛ إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء فيها ، وإلاّ فلا ، ومع الشكّ لا يجب عملاً بالاستصحاب ، وإن كان الأحوط الإيصال .

(مسألة 16) : ما يعلو البشرة مثل الجدريّ عند الاحتراق ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره وإن انخرق ، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة ، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض ، ولا يجب قطعه بتمامه ، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه ، لكن الجلدة متّصلة قد تلزق وقد لا تلزق ، يجب غسل ما تحتها ، وإن كانت لازقة يجب رفعها أو قطعها .

(مسألة 17) : ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه وإن حصل البرء ، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً ، وأمّا الدواء الذي

ص: 140


1- مع كونه معدوداً من الباطن لا تجب الإزالة ، ومع كونه معدوداً من الظاهر تجب مع المانعية ؛ كان متعارفاً أو لا .

انجمد عليه وصار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة(1) يكفي غسل ظاهره ، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب .

(مسألة 18) : الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئيّاً لا يجب إزالته ؛ وإن كان عند المسح بالكيس في الحمّام أو غيره يجتمع ويكون كثيراً ما دام يصدق عليه غسل البشرة ، وكذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ أو النورة إذا كان يصل الماء إلى ما تحته ويصدق معه غسل البشرة ، نعم لو شكّ في كونه حاجباً أم لا وجبت إزالته .

(مسألة 19) : الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل ، يرجع إلى المتعارف .

(مسألة 20) : إذا نفذت شوكة في اليد أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل لا يجب إخراجها ، إلاّ إذا كان محلّها على فرض الإخراج محسوباً من الظاهر .

(مسألة 21) : يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، لكن في اليد اليسرى لا بدّ أن يقصد الغسل حال الإخراج(2) من الماء ، حتّى لا يلزم المسح بالماء الجديد ، بل وكذا في اليد اليمنى ، إلاّ أن يبقى شيئاً من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى ، حتّى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء .

(مسألة 22) : يجوز الوضوء بماء المطر ، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله

ص: 141


1- يأتي حكمها .
2- على سبيل التدريج من الأعلى فالأعلى قاصداً حصول الغسل بآخر تماسّ الماء ؛ لئلاّ يلزم المسح بالماء الجديد ، والأحوط الأولى أن يدع جزءاً من اليد فيغسله بعد الخروج أو يغسل اليد غسلة ثانية بعده .

فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، وكذلك بالنسبة إلى يديه ، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه ولو لم ينو من الأوّل ، لكن بعد جريانه على جميع محالّ الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله ، وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضاً ، وكذا لو ارتمس في الماء ثمّ خرج وفعل ما ذكر .

(مسألة 23) : إذا شكّ في شيء أ نّه من الظاهر حتّى يجب غسله أو الباطن فلا ، فالأحوط غسله(1) ، إلاّ إذا كان سابقاً من الباطن وشكّ في أ نّه صار ظاهراً أم لا ، كما أ نّه يتعيّن غسله لو كان سابقاً من الظاهر ثمّ شكّ في أ نّه صار باطناً أم لا .

الثالث : مسح الرأس بما بقي من البلّة في اليد ، ويجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس فلا يجزي غيره . والأولى والأحوط الناصية(2) ، وهي ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة ، ويكفي المسمّى ولو بقدر عرض إصبع واحدة أو أقلّ ، والأفضل - بل الأحوط - أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع ، بل الأولى أن يكون بالثلاثة ، ومن طرف الطول أيضاً يكفي المسمّى ، وإن كان الأفضل أن يكون بطول إصبع ، وعلى هذا فلو أراد إدراك الأفضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية(3) ، ويمسح بمقدار إصبع من أعلى إلى الأسفل وإن كان لا يجب كونه كذلك فيجزي النكس ؛ وإن كان الأحوط(4) خلافه ، ولا يجب كونه على البشرة ، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدّم بشرط أن لا يتجاوز

ص: 142


1- وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
2- كون المسح عليها أولى وأحوط محلّ تأمّل ، ولعلّ الأولى والأحوط فوقها .
3- لا تكون الناصية بمقدار إصبع في النوع حتّى يمكن ما ذكره .
4- لا ينبغي تركه .

بمدّه عن حدّ الرأس ، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز وإن كان مجتمعاً في الناصية ، وكذا لا يجوز على النابت في غير المقدّم وإن كان واقعاً على المقدّم ، ولا يجوز المسح على الحائل من العمامة أو القناع أو غيرهما وإن كان شيئاً رقيقاً لم يمنع عن وصول الرطوبة إلى البشرة ، نعم في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع كالبرد أو إذا كان شيئاً لا يمكن رفعه ، ويجب أن يكون المسح بباطن الكفّ(1) ، والأحوط أن يكون باليمنى ، والأولى أن يكون بالأصابع .

(مسألة 24) : في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولاً أو عرضاً أو منحرفاً .

الرابع : مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما قبّتا القدمين على المشهور(2) ، والمفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم وهو الأحوط ، ويكفي المسمّى عرضاً ولو بعرض إصبع أو أقلّ ، والأفضل أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع ، وأفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم ويجزي الابتداء بالأصابع وبالكعبين ، والأحوط الأوّل ، كما أنّ الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى وإن كان الأقوى جواز مسحهما معاً ، نعم لا يقدّم اليسرى على اليمنى والأحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وإن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكلّ منهما ، وإن كان شعر على ظاهر القدمين فالأحوط الجمع بينه وبين البشرة في المسح ، ويجب إزالة الموانع والحواجب واليقين

ص: 143


1- غير معلوم ، بل جوازه بظاهره أقوى ، بل الجواز بالذراع أيضاً لا يخلو من وجه وإن كان خلاف الاحتياط ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، والأقوى عدم تعيّن اليمين .
2- وهو المنصور ، ولا ينبغي ترك الاحتياط .

بوصول الرطوبة إلى البشرة ، ولا يكفي الظنّ ، ومن قطع بعض قدمه مسح على الباقي ويسقط مع قطع تمامه(1) .

(مسألة 25) : لا إشكال في أ نّه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء ، فلا يجوز المسح بماء جديد ، والأحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكفّ ، فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على سائر أعضاء الوضوء ؛ لئلاّ يمتزج ما في الكفّ بما فيها ، لكن الأقوى جواز ذلك وكفاية كونه برطوبة الوضوء وإن كانت من سائر الأعضاء ، فلا يضرّ الامتزاج المزبور ، هذا إذا كانت البلّة باقية في اليد ، وأمّا لو جفّت فيجوز الأخذ من سائر الأعضاء بلا إشكال من غير ترتيب بينها على الأقوى ، وإن كان الأحوط تقديم اللحية والحواجب على غيرهما من سائر الأعضاء ، نعم الأحوط عدم أخذها ممّا خرج من اللحية عن حدّ الوجه كالمسترسل منها ، ولو كان في الكفّ ما يكفي الرأس فقط مسح به الرأس ، ثمّ يأخذ للرجلين من سائرها على الأحوط ، وإلاّ فقد عرفت(2) أنّ الأقوى جواز الأخذ مطلقاً .

(مسألة 26) : يشترط في المسح أن يتأثّر الممسوح برطوبة الماسح ، وأن يكون ذلك بواسطة الماسح لا بأمر آخر ، وإن كان على الممسوح رطوبة خارجة فإن كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح فلا بأس ، وإلاّ لا بدّ من تجفيفها ، والشكّ في التأثير كالظنّ لا يكفي ، بل لا بدّ من اليقين .

ص: 144


1- أي من قبّة القدم ؛ وإن كان الأحوط حينئذٍ مسح البقيّة إلى المفصل .
2- بل قد عرفت جواز المسح بظاهر الكفّ اختياراً ، بل لجوازه بالذراع وجه ، لكن لا يترك الاحتياط في الثاني .

(مسألة 27) : إذا كان على الماسح حاجب ولو وصلة رقيقة ، لا بدّ من رفعه ولو لم يكن مانعاً من تأثير رطوبته في الممسوح .

(مسألة 28) : إذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ يجزي(1) المسح بظاهرها ، وإن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه ، ثمّ يمسح به ، وإن تعذّر بالظاهر أيضاً مسح بذراعه ، ومع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع ، وإن كان عدم التمكّن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة وعدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء ، وكذا بالنسبة إلى ظاهر الكفّ ، فإنّه إذا كان عدم التمكّن من المسح به عدم الرطوبة وعدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع ، بل عليه أن يعيد .

(مسألة 29) : إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب(2) تقليلها ، بل يقصد المسح بإمرار اليد وإن حصل به الغسل والأولى تقليلها .

(مسألة 30) : يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح ، فلو عكس بطل ، نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضرّ بصدق المسح .

(مسألة 31) : لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح من جهة الحرّ في الهواء

ص: 145


1- مرّ جوازه اختياراً ، فتسقط الفروع المتفرّعة على عدمه ، والأحوط ما ذكره ، بل لا يترك في بعض الفروض .
2- إن كان بالمسح والإمرار حصل الغسل لا يترك الاحتياط بالتقليل ، بل لزومه لا يخلو من قوّة ، لكنّه مجرّد فرض ، وإن كان بعد رفع اليد يجري الماء على المحلّ ؛ بحيث يتحقّق أوّل مراتب الغسل ، لا يجب التقليل .

أو حرارة البدن أو نحو ذلك ولو باستعمال ماء كثير بحيث كلّما أعاد الوضوء لم ينفع ، فالأقوى جواز المسح بالماء الجديد ، والأحوط المسح باليد اليابسة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم أيضاً .

(مسألة 32) : لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ، ويمسح إلى الكعبين بالتدريج ، فيجوز أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل ، ويجرّها قليلاً بمقدار صدق المسح .

(مسألة 33) : يجوز المسح على الحائل كالقناع والخفّ والجورب ونحوها في حال الضرورة ؛ من تقيّة أو برد يخاف منه على رجله ، أو لا يمكن معه نزع الخفّ - مثلاً - وكذا لو خاف من سبع أو عدوّ أو نحو ذلك ممّا يصدق عليه الاضطرار ؛ من غير فرق بين مسح الرأس والرجلين ، ولو كان الحائل متعدّداً لا يجب نزع ما يمكن وإن كان أحوط ، وفي المسح على الحائل أيضاً لا بدّ من الرطوبة المؤثّرة في الماسح وكذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة .

(مسألة 34) : ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضاً مسوّغ للمسح عليه ، لكن لا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم أيضاً .

(مسألة 35) : إنّما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقيّة إذا لم يمكن رفعها ولم يكن بدّ من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت ، وأمّا في التقيّة فالأمر أوسع ، فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقيّة فيه وإن أمكن بلا مشقّة ، نعم لو أمكنه وهو في ذلك المكان ترك التقيّة وإراءتهم(1) المسح على الخفّ - مثلاً - فالأحوط بل الأقوى ذلك ، ولا يجب بذل المال لرفع التقيّة ،

ص: 146


1- مع العلم بعدم الكشف ، وإلاّ فلا يجوز .

بخلاف سائر الضرورات ، والأحوط في التقيّة أيضاً الحيلة(1) في رفعها مطلقاً .

(مسألة 36) : لوترك التقيّة في مقام وجوبها ومسح على البشرة ففي صحّة الوضوء إشكال(2) .

(مسألة 37) : إذا علم بعد دخول الوقت أ نّه لو أخّر الوضوء والصلاة يضطرّ إلى المسح على الحائل ، فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقيّة ، وإن كان متوضّئاً وعلم أ نّه لو أبطله يضطرّ إلى المسح على الحائل لا يجوز له الإبطال ، وإن كان ذلك قبل دخول الوقت ، فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم(3) ، وأمّا إذا كان الاضطرار بسبب التقيّة فالظاهر عدم وجوب المبادرة ، وكذا يجوز الإبطال وإن كان بعد دخول الوقت ؛ لما مرّ من الوسعة في أمر التقيّة ، لكنّ الأولى والأحوط فيها أيضاً المبادرة أو عدم الإبطال .

(مسألة 38) : لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين الوضوء الواجب والمندوب .

(مسألة 39) : إذا اعتقد التقيّة أو تحقّق إحدى الضرورات الاُخر فمسح على الحائل ، ثمّ بان أ نّه لم يكن موضع تقيّة أو ضرورة ، ففي صحّة وضوئه إشكال .

(مسألة 40) : إذا أمكنت التقيّة بغسل الرجل فالأحوط(4) تعيّنه ، وإن كان الأقوى جواز المسح على الحائل أيضاً .

ص: 147


1- مع العلم بعدم الكشف كما مرّ ، وإلاّ فلا يجوز .
2- الصحّة لا تخلو من قوّة وإن عصى بترك التقيّة ، والاحتياط سبيل النجاة .
3- لا يترك الاحتياط ، بل لزوم المبادرة وعدم جواز الإبطال لا يخلو من وجه .
4- بل التعيّن لا يخلو من رجحان .

(مسألة 41) : إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقيّة أو ضرورة(1) ، فإن كان بعد الوضوء فالأقوى عدم وجوب إعادته وإن كان قبل الصلاة ، إلاّ إذا كانت بلّة اليد باقية فيجب إعادة المسح(2) ، وإن كان في أثناء الوضوء فالأقوى الإعادة إذا لم تبق البلّة .

(مسألة 42) : إذا عمل في مقام التقيّة بخلاف مذهب من يتّقيه ففي صحّة وضوئه إشكال وإن كانت التقيّة ترتفع به ، كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما أو بالعكس ، كما أ نّه لو ترك المسح والغسل بالمرّة يبطل وضوؤه وإن ارتفعت التقيّة به أيضاً .

(مسألة 43) : يجوز في كلّ من الغسلات أن يصبّ على العضو عشر غرفات(3) بقصد غسلة واحدة ، فالمناط في تعدّد الغسل - المستحبّ ثانيه ، الحرام ثالثه - ليس تعدّد الصبّ ، بل تعدّد الغسل مع القصد .

ص: 148


1- مع التأخير إلى آخر الوقت .
2- على الأحوط .
3- إذا حصلت الغسلة الواحدة عرفاً بعشر غرفات - بحيث يحيط العشر مجموعاً بتمام العضو - فلا إشكال ، وأمّا إذا حصلت بدون العشر كالغرفة أو الغرفتين - بحيث أحاط الماء وجرى على جميع العضو مع قصد التوضّؤ بها - فالظاهر حصول الغسلة الواجبة ولا مدخلية للقصد في ذلك ، فالزائد عليها إلى إحاطة اُخرى وجريان آخر يعدّ غسلة ثانية مشروعة والزائد عليهما بدعة ، فوحدة الغسلة أمر خارجي عرفي لا دخل للقصد في تحقّقها ، نعم له أن يقصد الوضوء بأخيرة الغرفات أو الغسلات . هذا إذا كان بين الغسلات والغرفات فصل ، وأمّا مع عدم الفصل بحيث تعدّ عرفاً استمرار الغسلة الواحدة فلا إشكال ، لكن إذا كان الاتّصال بنحو يكون بنظر العرف - كالصبّ من الإبريق - مستمرّاً .

(مسألة 44) : يجب الابتداء في الغسل بالأعلى ، لكن لا يجب الصبّ على الأعلى ، فلو صبّ على الأسفل وغسل من الأعلى بإعانة اليد صحّ .

(مسألة 45) : الإسراف في ماء الوضوء مكروه ، لكنّ الإسباغ مستحبّ ، وقد مرّ أ نّه يستحبّ أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ ، والظاهر أنّ ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعاله ومقدّماته من المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين .

(مسألة 46) : يجوز الوضوء برمس الأعضاء كما مرّ ، ويجوز برمس أحدها وإتيان البقيّة على المتعارف ، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعاة الشروط المتقدّمة من البدأة بالأعلى وعدم كون المسح بماء جديد وغيرهما .

(مسألة 47) : يشكل صحّة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء ؛ من جهة لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الأوقات ، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلّة الكفّ دون رطوبة سائر الأعضاء يجيء الإشكال في مبالغته في إمرار اليد ؛ لأ نّه يوجب مزج رطوبة الكفّ برطوبة الذراع .

(مسألة 48) : في غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه أ نّه غسل واحد ، نعم بعد اليقين إذا صبّ عليها ماءً خارجياً يشكل وإن كان الغرض منه زيادة اليقين ؛ لعدّه في العرف غسلة اُخرى ، وإذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق مثلاً وزاد على مقدار الحاجة مع الاتّصال لا يضرّ ما دام يعدّ غسلة واحدة .

(مسألة 49) : يكفي في مسح الرجلين المسح بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين ؛ أيّها كانت حتّى الخنصر منها .

ص: 149

فصل : في شرائط الوضوء

الأوّل : إطلاق الماء ، فلا يصحّ بالمضاف ؛ ولو حصلت الإضافة بعد الصبّ على المحلّ من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه ، فاللازم كونه باقياً على الإطلاق إلى تمام الغسل .

الثاني : طهارته وكذا طهارة مواضع الوضوء ، ويكفي طهارة كلّ عضو قبل غسله ، ولا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالّه طاهراً ، فلو كانت نجسة ويغسل كلّ عضو بعد تطهيره كفى ، ولا يكفي غسل واحد بقصد الإزالة والوضوء ، وإن كان برمسه في الكرّ أو الجاري ، نعم لو قصد(1) الإزالة بالغمس والوضوء بإخراجه كفى ، ولا يضرّ تنجّس عضو بعد غسله وإن لم يتمّ الوضوء .

(مسألة 1) : لا بأس بالتوضّؤ بماء القليان ما لم يصر مضافاً .

(مسألة 2) : لا يضرّ في صحّة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن بعد كون محالّه طاهرة ، نعم الأحوط(2) عدم ترك الاستنجاء قبله .

(مسألة 3) : إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضرّه الماء ولا ينقطع دمه فليغمسه بالماء ، وليعصره قليلاً حتّى ينقطع الدم آناًما ، ثمّ ليحرّكه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الاُخر والمحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى ؛ بأن يقصد الوضوء بالإخراج من الماء .

الثالث : أن لا يكون على المحلّ حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة ، ولو

ص: 150


1- أي لم يقصد الغسل مع الإزالة ، وإلاّ فالإزالة لا تتوقّف على القصد .
2- الأولى .

شكّ في وجوده يجب الفحص(1) حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه ، ومع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله .

الرابع(2) : أن يكون الماء وظرفه ومكان الوضوء ومصبّ مائه مباحاً ، فلا يصحّ لو كان واحد منها غصباً ؛ من غير فرق بين صورة الانحصار وعدمه ، إذ مع فرض عدم الانحصار وإن لم يكن مأموراً بالتيمّم إلاّ أنّ وضوءه حرام ؛ من جهة كونه تصرّفاً أو مستلزماً للتصرّف في مال الغير ، فيكون باطلاً ، نعم لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثمّ توضّأ لا مانع منه ، وإن كان تصرّفه السابق على الوضوء حراماً ، ولا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار وعدمه ، إذ مع الانحصار وإن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأموراً بالتيمّم ؛ إلاّ أ نّه بعد هذا يصير واجداً للماء في الظرف المباح ، وقد لا يكون التفريغ أيضاً حراماً ، كما لو كان الماء مملوكاً له ، وكان إبقاؤه في ظرف الغير تصرّفاً فيه ، فيجب تفريغه حينئذٍ فيكون من الأوّل مأموراً بالوضوء ولو مع الانحصار .

(مسألة 4) : لا فرق في عدم صحّة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم والعمد والجهل أو النسيان ، وأمّا في الغصب فالبطلان

ص: 151


1- مع وجود منشأ يعتني به العقلاء ، ومعه يشكل الاكتفاء بالظنّ بعدمه .
2- الحكم في هذا الشرط في غير الماء مبنيّ على الاحتياط ، والصحّة في جميع فروض المسألة لا تخلو من وجه حتّى مع الانحصار والارتماس أو الصبّ ، فضلاً عن الاغتراف مع عدم الانحصار . والتعليل الذي في المتن وغيره ممّا ذكر في محلّه غير وجيه ، لكن الاحتياط بالإعادة خصوصاً فيما يكون تصرّفاً أو مستلزماً له لا ينبغي أن يترك ، بل لا يترك في الأخيرين .

مختصّ بصورة العلم والعمد ؛ سواء كان في الماء أو المكان أو المصبّ ، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان ، بل وكذا مع الجهل بالحكم أيضاً إذا كان قاصراً ، بل ومقصّراً أيضاً إذا حصل منه قصد القربة ؛ وإن كان الأحوط مع الجهل بالحكم خصوصاً في المقصّر الإعادة .

(مسألة 5) : إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء ، صحّ ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل المباح للباقي ، وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح ، هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده ويصحّ الوضوء أو لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل(1) ؛ لأنّ هذه النداوة لا تعدّ مالاً وليس ممّا يمكن ردّه إلى مالكه ، ولكنّ الأحوط الثاني ، وكذا إذا توضّأ بالماء المغصوب عمداً ثمّ أراد الإعادة ، هل يجب عليه تجفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتّى تجفّ أو لا ؟ قولان ، أقواهما الثاني وأحوطهما الأوّل ، وإذا قال المالك : أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرّف فيها ، لا يسمع منه بناءً على ما ذكرنا ، نعم لو فرض إمكان انتفاعه بها فله ذلك ، ولا يجوز المسح(2) بها حينئذٍ .

(مسألة 6) : مع الشكّ في رضا المالك(3) لا يجوز التصرّف ويجري عليه حكم الغصب ، فلا بدّ فيما إذا كان ملكاً للغير من الإذن في التصرّف فيه صريحاً أو فحوى ، أو شاهد حال قطعي .

ص: 152


1- لكن لا لما علّله ؛ لبقائه على ملكيته والاختصاص به ، خصوصاً إذا لم يكن مضموناً على المتلف ؛ لأجل عدم ماليته ، بل لكونه مقتضى القواعد وعدم الإجماع فيه .
2- لكن لو مسح بها يصحّ على الأقوى .
3- وعدم أصل محرز له .

(مسألة 7) : يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار ؛ سواء كانت قنوات أو منشقّة من شطّ ؛ وإن لم يعلم رضا المالكين ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين ، نعم مع نهيهم يشكل الجواز ، وإذا غصبها غاصب أيضاً يبقى جواز التصرّف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأوّل ، بل يمكن بقاؤه مطلقاً(1) وأمّا للغاصب فلا يجوز ، وكذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضيوفه ، وكلّ من يتصرّف فيها بتبعيته ، وكذلك الأراضي الوسيعة يجوز الوضوء فيها كغيره من بعض التصرّفات ، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك ولم يعلم كراهته ، بل مع الظنّ أيضاً الأحوط الترك ، ولكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال : ليس للمالك النهي أيضاً .

(مسألة 8) : الحياض الواقعة في المساجد والمدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها - من اختصاصها بمن يصلّي فيها أو الطلاّب الساكنين فيها ، أو عدم اختصاصها - لا يجوز لغيرهم الوضوء منها ، إلاّ مع جريان العادة بوضوء كلّ من يريد ، مع عدم منع من أحد ، فإنّ ذلك يكشف عن عموم الإذن ، وكذا الحال في غير المساجد والمدارس كالخانات ونحوها .

(مسألة 9) : إذا شقّ نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشقّ ، وإن كان المكان مباحاً أو مملوكاً له ، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشقّ وتوضّأ في مكان آخر ، وإن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة .

(مسألة 10) : إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه وإن لم يغصب الماء ، ففي

ص: 153


1- محلّ تأمّل .

بقاء حقّ الاستعمال الذي كان سابقاً من الوضوء والشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال ، وإن كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير ، وأمّا ما قبله وما بعده فلا إشكال .

(مسألة 11) : إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلّين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر ، ولو توضّأ بقصد الصلاة فيه ثمّ بدا له أن يصلّي في مكان آخر أو لم يتمكّن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه ، بل هو معلوم في الصورة الثانية ، كما أ نّه يصحّ لو توضّأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط ولا يجب عليه أن يصلّي فيه ؛ وإن كان أحوط ، بل لا يترك(1) في صورة التوضّؤ بقصد الصلاة فيه والتمكّن منها .

(مسألة 12) : إذا كان الماء في الحوض وأرضه وأطرافه مباحاً ، لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء(2) منه ، مثل الآنية إذا كان طرف منها غصباً .

(مسألة 13) : الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبياً مشكل ، بل لا يصحّ(3) ؛ لأنّ حركات يده تصرّف في مال الغير .

(مسألة 14) : إذا كان الوضوء مستلزماً لتحريك شيء مغصوب فهو باطل(4) .

(مسألة 15) : الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرّفاً فيها - كما

ص: 154


1- لا بأس بتركه .
2- إذا عدّ الوضوء تصرّفاً لا يجوز ، لكن لو عصى فتوضّأ فالأقوى صحّة وضوئه .
3- بل يصحّ ولو كان عاصياً بتصرّفه .
4- بل صحيح وعاصٍ مع تصرّفه .

في حال الحرّ والبرد المحتاج إليها - باطل(1) .

(مسألة 16) : إذا تعدّى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه .

(مسألة 17) : إذا اجتمع ماء مباح - كالجاري من المطر - في ملك الغير إن قصد المالك تملّكه كان له ، وإلاّ كان باقياً على إباحته ، فلو أخذه غيره وتملّكه ملك ، إلاّ أ نّه عصى من حيث التصرّف في ملك الغير ، وكذا الحال في غير الماء من المباحات ، مثل الصيد وما أطارته الريح من النباتات .

(مسألة 18) : إذا دخل المكان الغصبي غفلة وفي حال الخروج توضّأ بحيث لا ينافي فوريته ، فالظاهر صحّته لعدم حرمته حينئذٍ ، وكذا إذا دخل عصياناً ثمّ تاب وخرج بقصد التخلّص من الغصب ، وإن لم يتب ولم يكن بقصد التخلّص ، ففي صحّة وضوئه حال الخروج إشكال(2) .

(مسألة 19) : إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح فإن أمكن ردّه إلى مالكه وكان قابلاً لذلك لم يجز(3) التصرّف في ذلك الحوض ، وإن لم يمكن ردّه يمكن أن يقال بجواز التصرّف فيه ؛ لأنّ المغصوب محسوب تالفاً ، لكنّه مشكل من دون رضا مالكه .

الشرط الخامس : أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب(4) أو

ص: 155


1- بل صحيح .
2- والأقوى صحّته .
3- مع كونه تصرّفاً فيه .
4- تقدّم الكلام فيها .

الفضّة ، وإلاّ بطل ؛ سواء اغترف منه أو أداره على أعضائه ، وسواء انحصر فيه أم لا ، ومع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه في ظرف آخر ويتوضّأ به ، وإن لم يمكن التفريغ إلاّ بالتوضّؤ يجوز ذلك(1) ؛ حيث إنّ التفريغ واجب ، ولو توضّأ منه جهلاً أو نسياناً أو غفلة صحّ ، كما في الآنية الغصبية ، والمشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه كما يجوز سائر استعمالاته .

(مسألة 20) : إذا توضّأ من آنية باعتقاد غصبيتها أو كونها من الذهب أو الفضّة ، ثمّ تبيّن عدم كونها كذلك ، ففي صحّة الوضوء إشكال ، ولا يبعد الصحّة ، إذا حصل منه قصد القربة .

الشرط السادس : أن لا يكون ماء الوضوء مستعملاً في رفع الخبث ولو كان طاهراً مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدّمة ، ولا فرق بين الوضوء الواجب والمستحبّ على الأقوى حتّى مثل وضوء الحائض ؛ وأمّا المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا إشكال في جواز التوضّؤ منه ، والأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر وإن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر ، وأمّا المستعمل في الأغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضاً ، والمراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان ، وأمّا ما ينصبّ من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الإجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل ، وكذا ما يبقى في الإناء ، وكذا القطرات الواقعة في الإناء ولو من البدن ، ولو توضّأ من المستعمل في الخبث جهلاً أو نسياناً بطل ، ولو توضّأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة .

ص: 156


1- مشكل ، بل غير جائز ؛ لكونه استعمالاً ، لكن لو توضّأ يصحّ وضوؤه .

السابع : أن لا يكون مانع من استعمال الماء ؛ من مرض أو خوف عطش أو نحو ذلك ، وإلاّ فهو مأمور بالتيمّم ، ولو توضّأ والحال هذه بطل(1) ، ولو كان جاهلاً بالضرر صحّ وإن كان متحقّقاً في الواقع ، والأحوط(2) الإعادة أو التيمّم .

الثامن : أن يكون الوقت واسعاً للوضوء والصلاة ؛ بحيث لم يلزم من التوضّؤ وقوع صلاته ولو ركعة(3) منها خارج الوقت ، وإلاّ وجب التيمّم إلاّ أن يكون التيمّم أيضاً كذلك ، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر ؛ إذ حينئذٍ يتعيّن الوضوء ، ولو توضّأ في الصورة الاُولى بطل(4) إن كان قصده امتثال الأمر المتعلّق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد ، نعم لو توضّأ لغاية اُخرى أو بقصد القربة صحّ ، وكذا لوقصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد .

(مسألة 21) : في صورة كون استعمال الماء مضرّاً لو صبّ الماء على ذلك المحلّ الذي يتضرّر به ووقع في الضرر ثمّ توضّأ ، صحّ إذا لم يكن الوضوء موجباً لزيادته ، لكنّه عصى بفعله الأوّل .

التاسع : المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار ، فلو باشرها الغير أو أعانه في الغسل أو المسح بطل ، وأمّا المقدّمات للأفعال فهي أقسام : أحدها :

ص: 157


1- في المرض على الأحوط دون خوف العطش ، فإنّ الظاهر عدم بطلانه لو توضّأ ، خصوصاً بعض مراتبه .
2- لا يترك في الضرر .
3- أو أقلّ منها .
4- بل صحّ مطلقاً ، وتعليله غير وجيه ، ولا يتعلّق أمر من قبل الصلاة بالوضوء مطلقاً ، ولو تعلّق لم يكن ذلك الأمر ملاك عباديته ، بل ملاكها هو محبوبيته ورجحانه أو أمره الاستحبابي ، وهو بعباديته شرط للصلاة وغيرها ، ولو قصد التقرّب به ولو بتوهّم أمر آخر يقع صحيحاً ، والتقييد لغو إلاّ إذا فرض عدم قصد الامتثال والتقرّب رأساً .

المقدّمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك ، وهذه لا مانع من تصدّي الغير لها . الثاني : المقدّمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه ، وفي هذه يكره مباشرة الغير . الثالث : مثل صبّ الماء على أعضائه ، مع كونه هو المباشر لإجرائه وغسل أعضائه ، وفي هذه الصورة وإن كان لا يخلو تصدّي الغير عن إشكال ، إلاّ أنّ الظاهر صحّته ، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة ؛ بأن يكون الإجراء والغسل منهما معاً .

(مسألة 22) : إذا كان الماء جارياً من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صحّ ، ولا ينافي وجوب المباشرة ، بل يمكن أن يقال : إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضّأ به أحد وجعل هو يده أو وجهه تحته صحّ أيضاً ، ولا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضاً .

(مسألة 23) : إذا لم يتمكّن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب وإن توقّف على الاُجرة ، فيغسل الغير أعضاءه وينوي هو الوضوء ، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه - بأن يأخذ يده ويصبّ الماء فيها ويجريه بها - هل يجب أم لا ؟ الأحوط ذلك ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه ؛ لأنّ مناط المباشرة في الإجراء ، واليد آلة ، والمفروض أنّ فعل الإجراء من النائب ، نعم في المسح لا بدّ من كونه بيد المنوب عنه لا النائب ، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه ، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها ، ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعّض .

العاشر : الترتيب ؛ بتقديم الوجه ، ثمّ اليد اليمنى ، ثمّ اليد اليسرى ، ثمّ مسح الرأس ، ثمّ الرجلين ، ولا يجب الترتيب بين أجزاء كلّ عضو ، نعم يجب مراعاة

ص: 158

الأعلى فالأعلى كما مرّ ، ولو أخلّ بالترتيب ولو جهلاً أو نسياناً بطل إذا تذكّر بعد الفراغ وفوات الموالاة ، وكذا إن تذكّر في الأثناء ، لكن كانت نيّته فاسدة ؛ حيث نوى الوضوء على هذا الوجه ، وإن لم تكن نيّته فاسدة فيعود(1) على ما يحصل به الترتيب ، ولا فرق في وجوب الترتيب بين وضوء الترتيبي والارتماسي .

الحادي عشر : الموالاة : بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة ، فلو جفّ تمام ما سبق بطل ، بل لو جفّ العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستئناف(2) وإن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق ، واعتبار عدم الجفاف إنّما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء ، أو طول الزمان ، وأمّا إذا تابع في الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان ، فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفي وعدم الجفاف ، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع ، وإن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف ، ثمّ إنّه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق ، بل يكفي بقاؤها في الجملة ولو في بعض أجزاء ذلك العضو .

(مسألة 24) : إذا توضّأ وشرع في الصلاة ثمّ تذكّر أ نّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته ووضوؤه أيضاً إذا لم يبق الرطوبة في أعضائه ، وإلاّ أخذها ومسح بها واستأنف الصلاة .

(مسألة 25) : إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثمّ أتى بالمسحات لا بأس ،

ص: 159


1- ولو بعد الفراغ قبل فوات الموالاة .
2- وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

وكذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي ، ويجوز التوضّؤ ماشياً .

(مسألة 26) : إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوؤه ، مع فرض عدم التتابع العرفي أيضاً ، وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمّ تبيّن الخلاف .

(مسألة 27) : إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد ، لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية ، أو الأطراف الخارجة عن الحدّ ، ففي كفايتها إشكال .

الثاني عشر : النيّة ، وهي القصد إلى الفعل ، مع كون الداعي أمر اللّه تعالى ؛ إمّا لأ نّه تعالى أهل للطاعة وهو أعلى الوجوه(1) ، أو لدخول الجنّة والفرار من النار وهو أدناها، وما بينهما متوسّطات، ولا يلزم التلفّظ بالنيّة، بل ولا إخطارها بالبال، بل يكفي وجود الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضّأ - مثلاً - وأمّا لو كان غافلاً بحيث لو سئل بقي متحيّراً فلا يكفي وإن كان مسبوقاً بالعزم والقصد حين المقدّمات ، ويجب استمرار النيّة إلى آخر العمل ، فلو نوى الخلاف أو تردّد وأتى ببعض الأفعال بطل ، إلاّ أن يعود(2) إلى النيّة الاُولى قبل فوات الموالاة ، ولايجب نيّة الوجوب(3) والندب لاوصفاً ولاغاية ، ولانيّة وجه الوجوب والندب بأن يقول : أتوضّأ الوضوء الواجب أو المندوب ، أو لوجوبه أو ندبه ، أو أتوضّأ لما فيه من المصلحة ، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي اللّه ، بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع أو التقييد ، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفاً أو غاية ثمّ تبيّن عدم دخوله صحّ ؛ إذا

ص: 160


1- وأعلى منه مراتب اُخر تشير إلى بعضها ما وردت في صلاة المعراج .
2- ويعيد بما أتى كذلك .
3- بل لا معنى لها على ما هو الأقوى من عدم وجوبه الشرعي المقدّمي .

لم يكن على وجه التقييد، وإلاّ بطل(1)، كأن يقول: أتوضّأ لوجوبه وإلاّ فلا أتوضّأ.

(مسألة 28) : لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى ، ولا قصد الغاية التي اُمر لأجلها بالوضوء ، وكذا لا يجب قصد الموجب ؛ من بول أو نوم كما مرّ ، نعم قصد الغاية معتبر في تحقّق الامتثال ؛ بمعنى أ نّه لو قصدها يكون ممتثلاً للأمر الآتي من جهتها(2) ، وإن لم يقصدها يكون أداءً للمأمور به لا امتثالاً ، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحّة وإن كان معتبراً في تحقّق الامتثال ، نعم قد يكون الأداء موقوفاً على الامتثال ، فحينئذٍ لا يحصل الأداء أيضاً ، كما لو نذر أن يتوضّأ لغاية معيّنة ، فتوضّأ ولم يقصدها ، فإنّه لا يكون ممتثلاً للأمر النذري ، ولا يكون أداءً للمأمور به بالأمر النذري أيضاً ، وإن كان وضوؤه صحيحاً ؛ لأنّ أداءه فرع قصده ، نعم هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئي .

الثالث عشر : الخلوص ، فلو ضمّ إليه الرياء بطل ؛ سواء كانت القربة مستقلّة والرياء تبعاً أو بالعكس ، أو كان كلاهما مستقلاًّ ، وسواء كان الرياء في أصل العمل أو في كيفياته أو في أجزائه ، بل ولو كان جزءاً مستحبّياً على الأقوى ،

ص: 161


1- تقدّم ما هو الأقوى .
2- الوضوءات المأمور بها لأجل غايات مستحبّة كتلاوة القرآن ودخول المسجد سيأتي الكلام فيها ، وأمّا الوضوء لنحو الصلاة والطواف فالظاهر من الأوامر المتعلّقة به لأجله كقوله تعالى : )إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلَوةِ فَاغسِلُوا . . .(، هو الإرشاد إلى الشرطية ، أو هي مع تعليم الكيفية ، ولا يكون لمثلها امتثال وثواب ، والأمر الغيري مع كونه لا أصل له ليس له امتثال أيضاً على فرضه ، والوضوء بما هو عبادة جعل شرطاً للصلاة وملاك مقرّبيته وعباديته هو محبوبيته وأمره النفسي لا أمره المقدّمي المتوهّم .

وسواء نوى الرياء من أوّل العمل أو نوى في الأثناء ، وسواء تاب منه أم لا ، فالرياء في العمل بأيّ وجه كان مبطل له ؛ لقوله تعالى على ما في الأخبار : «أنا خير شريك من عمل لي ولغيري تركته لغيري» . هذا ولكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءاً من الداعي على العمل ولو على وجه التبعية ، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل كان مجرّد خطور في القلب من دون أن يكون جزءاً من الداعي فلا يكون مبطلاً ، وإذا شكّ حين العمل في أنّ داعيه محض القربة أو مركّب منها ومن الرياء فالعمل باطل(1) ؛ لعدم إحراز الخلوص الذي هو الشرط في الصحّة . وأمّا العجب ، فالمتأخّر منه لا يبطل العمل ، وكذا المقارن وإن كان الأحوط فيه الإعادة . وأمّا السمعة ، فإن كانت داعية على العمل أو كانت جزءاً من الداعي بطل ، وإلاّ فلا ، كما في الرياء ، فإذا كان الداعي له على العمل هو القربة إلاّ أ نّه يفرح إذا اطّلع عليه الناس من غير أن يكون داخلاً في قصده لا يكون باطلاً ، لكن ينبغي للإنسان أن يكون ملتفتاً ؛ فإنّ الشيطان غرور وعدوّ مبين . وأمّا سائر الضمائم ، فإن كانت راجحة - كما إذا كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير - فإن كان داعي القربة مستقلاًّ والضميمة تبعاً أو كانا مستقلّين صحّ ، وإن كانت القربة تبعاً أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل ، وإن كانت مباحة ، فالأقوى أ نّها أيضاً كذلك ، كضمّ التبرّد إلى القربة ، لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضاً الإعادة ، وإن كانت محرّمة غير الرياء والسمعة ، فهي في الإبطال مثل الرياء(2) ؛ لأنّ الفعل يصير محرّماً فيكون باطلاً ، نعم الفرق بينها وبين الرياء أ نّه لو لم يكن داعيه في

ص: 162


1- إلاّ إذا أحرز الخلوص بالأصل .
2- فيه منع ، ومجرّد صدق العنوان المحرّم عليه في الخارج لا يوجب البطلان ، لكن الاحتياط الشديد في أمثاله الإعادة أو التدارك مع الإمكان .

ابتداء العمل إلاّ القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختصّ البطلان بذلك الجزء ، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صحّ ، وكذا لو كان ذلك الجزء مستحبّاً وإن لم يتداركه ، بخلاف الرياء - على ما عرفت - فإنّ حاله حال الحدث في الإبطال .

(مسألة 29) : الرياء بعد العمل ليس بمبطل .

(مسألة 30) : إذا توضّأت المرأة في مكان يراها الأجنبيّ ، لا يبطل وضوؤها وإن كان من قصدها ذلك .

(مسألة 31) : لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعدّدة للوضوء ، كما إذا كان بعد الوقت وعليه القضاء أيضاً وكان ناذراً لمسّ المصحف وأراد قراءة القرآن وزيارة المشاهد ، كما لا إشكال في أ نّه إذا نوى الجميع وتوضّأ وضوءاً واحداً لها كفى ، وحصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع ، وأ نّه إذا نوى واحداً منها أيضاً كفى عن الجميع ، وكان أداءً بالنسبة إليها وإن لم يكن امتثالاً إلاّ بالنسبة إلى ما نواه ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدّد(1) حينئذٍ وإن قيل : إنّه لا يتعدّد وإنّما

ص: 163


1- ليس الأمر في الوضوء ولا المأمور به متعدّداً ، ولا يمكن تعلّق الأوامر المتعدّدة التأسيسية عليه ، بل الوضوء لا يقع إلاّ على وجه واحد ولا يكون إلاّ متعلّقاً لأمر واحد نفسي هو مناط عباديته كرجحانه ومحبوبيته ؛ لكونه طهوراً ونوراً ، وتعلّق الأمر لأجل الغايات إنّما هو لصيرورتها معه أكمل كما في بعضها ، أو لأجل كون التعظيم والأدب يقتضي أن يكون المكلّف متطهّراً عند إيجاد الغاية كالدخول في المساجد والمشاهد المشرّفة أو لغير ذلك ، والأجر والثواب على إتيان الغايات متطهّراً لا لنفس الوضوء ولا على الوضوء لأجل داعي امتثال الغايات ، فلو توضّأ لغاية ولم يأت بها لم يكن له ثواب إلاّ ثواب عبادية الوضوء وثواب الانقياد أو نيّة الخير على القول بالثواب لهما .

المتعدّد جهاته ، وإنّما الإشكال في أ نّه هل يكون المأمور به متعدّداً أيضاً ، وأنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا بل يتعدّد ؟ ذهب بعض العلماء إلى الأوّل وقال : إنّه حينئذٍ يجب عليه أن يعيّن أحدها وإلاّ بطل ؛ لأنّ التعيين شرط عند تعدّد المأمور به ، وذهب بعضهم إلى الثاني ، وإنّ التعدّد إنّما هو في الأمر أو في جهاته ، وبعضهم إلى أ نّه يتعدّد بالنذر(1) ولا يتعدّد بغيره ، وفي النذر أيضاً لا مطلقاً بل في بعض الصور ، مثلاً إذا نذر أن يتوضّأ لقراءة القرآن ونذر أيضاً أن يتوضّأ لدخول المسجد ، فحينئذٍ يتعدّد ولا يغني أحدهما عن الآخر ، فإذا لم ينو شيئاً منهما لم يقع امتثال أحدهما ولا أداؤه ، وإن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله وأداؤه ، ولا يكفي عن الآخر ، وعلى أيّ حال وضوؤه صحيح ؛ بمعنى أ نّه موجب لرفع الحدث ، وإذا نذر أن يقرأ القرآن متوضّئاً ونذر أيضاً أن يدخل المسجد متوضّئاً ، فلا يتعدّد حينئذٍ ويجزي وضوء واحد عنهما وإن لم ينو شيئاً منهما ولم يمتثل أحدهما ، ولو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالاً بالنسبة إليه ، وأداءً بالنسبة إلى الآخر ، وهذا القول قريب .

(مسألة 32) : إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت ، وفي أثنائه دخل ، لا إشكال في صحّته ، وأ نّه متّصف بالوجوب(2) باعتبار ما كان بعد الوقت من

ص: 164


1- تعدّده وعدمه تابع لكيفية تعلّق النذر ، وهو موقوف على كون المتعلّق راجحاً ، والوضوء لأجل الغاية وإن لم يكن راجحاً بنحو التقييد لكن لمّا كان راجحاً لنفسه لأجل طهوريته ، وتجديده ثانياً وثالثاً أيضاً راجح ، يكفي ذلك في انعقاد النذر أن تعلّق بإيجاده لغاية وإيجاده مستقلاًّ لغاية اُخرى ولو لا استحباب التجديد لكانت الصحّة مشكلة .
2- لا يتّصف بالوجوب ولو وقع جميعه في الوقت ، بل العقل يلزمنا بإتيان هذا المستحبّ لاشتراط الواجب به ، وكذا الكلام في الفرع الآتي .

أجزائه ، وبالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت ، فلو أراد نيّة الوجوب والندب نوى الأوّل بعد الوقت والثاني قبله .

(مسألة 33) : إذا كان عليه صلاة واجبة - أداءً أو قضاءً - ولم يكن عازماً على إتيانها فعلاً ، فتوضّأ لقراءة القرآن ، فهذا الوضوء متّصف بالوجوب وإن لم يكن الداعي عليه الأمر الوجوبي ، فلو أراد قصد الوجوب والندب لا بدّ أن يقصد الوجوب الوصفي والندب الغائي ؛ بأن يقول : أتوضّأ الوضوء الواجب امتثالاً للأمر به لقراءة القرآن ، هذا ، ولكنّ الأقوى أنّ هذا الوضوء متّصف بالوجوب والاستحباب معاً(1) ولا مانع من اجتماعهما .

(مسألة 34) : إذا كان استعمال الماء بأقلّ ما يجزي من الغسل غير مضرّ واستعمال الأزيد مضرّاً ، يجب عليه الوضوء كذلك ، ولو زاد عليه بطل إلاّ أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقّق الغسل بأقلّ المجزي ، وإذا زاد عليه جهلاً أو نسياناً لم يبطل(2) ، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّاً ، وتوضّأ جهلاً أو نسياناً ، فإنّه يمكن الحكم(3) ببطلانه ؛ لأ نّه مأمور واقعاً بالتيمّم هناك بخلاف ما نحن فيه .

(مسألة 35) : إذا توضّأ ثمّ ارتدّ لا يبطل وضوؤه ، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة ، وإن ارتدّ في أثنائه ثمّ تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستئناف ، نعم الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه

ص: 165


1- مرّ أ نّه لا يتّصف إلاّ بالاستحباب .
2- محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط .
3- بنحو الاحتياط الذي لا يترك .

حين الكفر ، وعلى هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى وقبل المسح ثمّ تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه .

(مسألة 36) : إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت إذا كان مفوّتاً لحقّه فتوضّأ ، يشكل الحكم بصحّته(1) ، وكذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوّتاً لحقّ الزوج ، والأجير مع منع المستأجر وأمثال ذلك .

(مسألة 37) : إذا شكّ في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء ، إلاّ إذا كان سبب شكّه خروج رطوبة مشتبهة بالبول ، ولم يكن مستبرئاً ، فإنّه حينئذٍ يبني على أ نّها بول وأ نّه محدث ، وإذا شكّ في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء الحدث ، والظنّ الغير المعتبر كالشكّ في المقامين ، وإن علم الأمرين وشكّ في المتأخّر منهما بنى على أ نّه محدث إذا جهل تأريخهما أو جهل تأريخ الوضوء ، وأمّا إذا جهل تأريخ الحدث وعلم تأريخ الوضوء بنى على بقائه(2) ولا يجري استصحاب الحدث حينئذٍ حتّى يعارضه ؛ لعدم اتّصال الشكّ باليقين به

ص: 166


1- الأقوى صحّته ، وكذا في الزوجة والأجير .
2- بل لا يبني في هذه الصورة أيضاً ، وبنى على أ نّه محدث . هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على اليقين بهما ، وإلاّ فالأقوى هو البناء على ضدّها ، فلو علم بالحدث قبل عروض الحالتين بنى على الطهارة ولو علم بالطهارة بنى على الحدث . هذا في مجهولي التأريخ ، وكذا إذا علم تأريخ ما هو ضدّ للحالة السابقة ، كما إذا علم بالطهارة في أوّل الظهر وعلم بحدوث حدث إمّا قبل الظهر أو بعده وعلم بمحدثيته قبل عروض الحالتين ، فحينئذٍ بنى على الطهارة ، ولو علم بمحدثيته أوّل الظهر وعلم بحصول وضوء إمّا قبل الظهر أو بعده وعلم بكونه طاهراً قبل عروض الحالتين بنى على المحدثية ، وأمّا إذا علم تأريخ ما هو مثل الحالة السابقة بنى على المحدثية مطلقاً ويتطهّر ، لكن الاحتياط في جميع الصور لا ينبغي أن يترك .

حتّى يحكم ببقائه ، والأمر في صورة جهلهما أو جهل تأريخ الوضوء وإن كان كذلك إلاّ أنّ مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه ، ولكنّ الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضاً .

(مسألة 38) : من كان مأموراً بالوضوء من جهة الشكّ فيه بعد الحدث إذا نسي وصلّى ، فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر ، فيجب عليه الإعادة إن تذكّر في الوقت ، والقضاء إن تذكّر بعد الوقت ، وأمّا إذا كان مأموراً به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه وصلّى ، يمكن أن يقال بصحّة صلاته من باب قاعدة الفراغ ، لكنّه مشكل(1) ، فالأحوط الإعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضاً ، وكذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين والشكّ في المتقدّم منهما .

(مسألة 39) : إذا كان متوضّئاً وتوضّأ للتجديد وصلّى ، ثمّ تيقّن بطلان أحد الوضوءين ولم يعلم أيّهما ، لا إشكال في صحّة صلاته ، ولا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضاً ، بناءً على ما هو الحقّ من أنّ التجديدي إذا صادف الحدث صحّ ، وأمّا إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين ثمّ تيقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة ، وأمّا الاُولى فالأحوط إعادتها ، وإن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها .

(مسألة 40) : إذا توضّأ وضوءين وصلّى بعدهما ، ثمّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما ، يجب الوضوء للصلوات الآتية ؛ لأ نّه يرجع إلى العلم بوضوء وحدث ، والشكّ في المتأخّر منهما ، وأمّا صلاته فيمكن الحكم بصحّتها من باب قاعدة الفراغ ، بل هو الأظهر .

ص: 167


1- بل الظاهر وجوب الإعادة والقضاء فيه وفيما بعده .

(مسألة 41) : إذا توضّأ وضوءين وصلّى بعد كلّ واحد صلاة ، ثمّ علم حدوث حدث بعد أحدهما(1) ، يجب الوضوء للصلوات الآتية وإعادة الصلاتين السابقتين إن كانتا مختلفتين في العدد ، وإلاّ يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة جهراً إذا كانتا جهريتين ، وإخفاتاً إذا كانتا إخفاتيتين ، ومخيّراً بين الجهر والإخفات إذا كانتا مختلفتين ، والأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما .

(مسألة 42) : إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين نافلة ، ثمّ علم حدوث حدث بعد أحدهما فالحال على منوال الواجبين ، لكن هنا يستحبّ الإعادة ؛ إذ الفرض كونهما نافلة ، وأمّا إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة والاُخرى نافلة ، فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة ، وعدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضاً ؛ لأ نّه لا يلزم من إجرائها فيهما طرح تكليف منجّز ، إلاّ أنّ الأقوى عدم جريانها للعلم الإجمالي ، فيجب إعادة الواجبة ، ويستحبّ إعادة النافلة .

(مسألة 43) : إذا كان متوضّئاً وحدث منه بعده صلاة وحدث ، ولا يعلم أيّهما المقدّم ، وأنّ المقدّم هي الصلاة حتّى تكون صحيحة أو الحدث حتّى تكون باطلة ، الأقوى صحّة الصلاة لقاعدة الفراغ ، خصوصاً إذا كان تأريخ الصلاة معلوماً لجريان استصحاب بقاء الطهارة أيضاً إلى ما بعد الصلاة .

(مسألة 44) : إذا تيقّن بعد الفراغ من الوضوء أ نّه ترك جزءاً منه ولا يدري أ نّه الجزء الوجوبي أو الجزء الاستحبابي ، فالظاهر الحكم بصحّة وضوئه لقاعدة

ص: 168


1- قبل إتيان الصلاة ، وإلاّ فلا يجب إعادة الصلاتين ؛ سواء علم بكونه بعد الصلاة أو احتمل .

الفراغ ، ولا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي ؛ لأ نّه لا أثر لها بالنسبة إليه ، ونظير ذلك ما إذا توضّأ وضوءاً لقراءة القرآن وتوضّأ في وقت آخر وضوءاً للصلاة الواجبة ، ثمّ علم ببطلان أحد الوضوءين ، فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحّة الصلاة ، ولا تعارض بجريانها في القراءة أيضاً ؛ لعدم أثر لها بالنسبة إليها .

(مسألة 45) : إذا تيقّن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء ، فإن لم تفت الموالاة رجع وتدارك وأتى بما بعده ، وأمّا إن شكّ في ذلك ، فإمّا أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء ، فإن كان في الأثناء رجع وأتى(1) به وبما بعده ؛ وإن كان الشكّ قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه - مثلاً - أو في جزء منه ، وإن كان بعد الفراغ في غير الجزء الأخير بنى على الصحّة لقاعدة الفراغ ، وكذا إن كان الشكّ في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر أو كان بعد ما جلس طويلاً أو كان بعد القيام(2) عن محلّ الوضوء ، وإن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة ، وإلاّ استأنف .

(مسألة 46) : لا اعتبار بشكّ كثير الشكّ ؛ سواء كان في الأجزاء أو في الشرائط أو الموانع .

(مسألة 47) : التيمّم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحق حكمه في الاعتناء

ص: 169


1- إن كان الشكّ في الجزء ، كما لو شكّ في غسل الوجه حين اشتغاله بغسل الذراع مثلاً ، وأمّا إن كان الشكّ في الشرائط فالأقوى هو البناء على الصحّة فلو شكّ في الغسل منكوساً لا يعتني به ، بل لو شكّ في إطلاق الماء ؛ بنى على الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية ، لكن يجب إحراز الإطلاق بالنسبة إلى الأجزاء الآتية ، وجزء الجزء جزء في الحكم لا شرط .
2- والانصراف عنه .

بالشكّ إذا كان في الأثناء ، وكذا الغسل والتيمّم بدله ، بل المناط فيها التجاوز عن محلّ المشكوك فيه وعدمه ، فمع التجاوز يجري قاعدة التجاوز ، وإن كان في الأثناء - مثلاً إذا شكّ بعد الشروع في مسح الجبهة في أ نّه ضرب بيديه على الأرض أم لا - يبني على أ نّه ضرب بهما ، وكذا إذا شكّ بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أ نّه غسل رأسه أم لا ، لا يعتني به ، لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضاً بالوضوء .

(مسألة 48) : إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أ نّه مسح على الحائل ، أو مسح في موضع الغسل ، أو غسل في موضع المسح ، ولكن شكّ في أ نّه هل كان هناك مسوّغ لذلك ؛ من جبيرة أو ضرورة أو تقيّة أو لا ، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي ؟ الظاهر الصحّة ، حملاً للفعل على الصحّة لقاعدة الفراغ أو غيرها ، وكذا لو علم أ نّه مسح بالماء الجديد ولم يعلم أ نّه من جهة وجود المسوّغ أو لا ، والأحوط(1) الإعادة في الجميع .

(مسألة 49) : إذا تيقّن أ نّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله ولكن شكّ في أ نّه أتمّه على الوجه الصحيح أو لا ، بل عدل عنه اختياراً أو اضطراراً ، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ ، فيجب الإتيان به ؛ لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانياً على إتمام العمل وعازماً عليه إلاّ أ نّه شاكّ في إتيان الجزء الفلاني أم لا ، وفي المفروض لا يعلم ذلك . وبعبارة اُخرى : مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد .

(مسألة 50) : إذا شكّ في وجود الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الأثناء ،

ص: 170


1- لا يترك .

وجب الفحص(1) حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه إن لم يكن مسبوقاً بالوجود ، وإلاّ وجب تحصيل اليقين ولا يكفي الظنّ ، وإن شكّ بعد الفراغ في أ نّه كان موجوداً أم لا ، بنى على عدمه ، ويصحّ وضوؤه ، وكذا إذا تيقّن أ نّه كان موجوداً وشكّ في أ نّه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا ، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل إذا علم أ نّه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ، ولكن شكّ في أ نّه وصل الماء تحته من باب الاتّفاق أم لا ، يشكل(2) جريان قاعدة الفراغ فيه ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة ، وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه وشكّ في كونه موجوداً حال الوضوء أو طرأ بعده ، فإنّه يبني على الصحّة ، إلاّ إذا علم أ نّه في حال الوضوء لم يكن ملتفتاً إليه ، فإنّ الأحوط الإعادة حينئذٍ .

(مسألة 51) : إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه وشكّ في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحّة ؛ لقاعدة الفراغ ، إلاّ إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء ، فالأحوط الإعادة حينئذٍ .

(مسألة 52) : إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجساً فتوضّأ وشكّ بعده في أ نّه طهّره ثمّ توضّأ أم لا ، بنى على بقاء النجاسة ، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال ، وأمّا وضوؤه فمحكوم بالصحّة عملاً بقاعدة الفراغ ، إلاّ مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة ، وكذا لو كان عالماً بنجاسة الماء الذي توضّأ منه سابقاً على الوضوء ويشكّ في أ نّه طهّره بالاتّصال بالكرّ أو بالمطر أم لا ، فإنّ

ص: 171


1- مع كون منشأ الاحتمال أمراً يعتني به العقلاء ، وحينئذٍ لا يكفي حصول الظنّ بعدمه ، بل لا بدّ من الاطمئنان وإن لم يكن مسبوقاً بالوجود .
2- بل الظاهر عدم الجريان .

وضوءه محكوم بالصحّة ، والماء محكوم بالنجاسة ، ويجب عليه غسل كلّ ما لاقاه ، وكذا في الفرض الأوّل يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين التوضّؤ ، أو لاقى محلّ الوضوء مع الرطوبة .

(مسألة 53) : إذا شكّ بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه ، بنى على صحّتها ، لكنّه محكوم ببقاء حدثه ، فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية ، ولو كان الشكّ في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء ، والأحوط الإتمام مع تلك الحالة ثمّ الإعادة بعد الوضوء .

(مسألة 54) : إذا تيقّن بعد الوضوء أ نّه ترك منه جزءاً أو شرطاً أو أوجد مانعاً ثمّ تبدّل يقينه بالشكّ ، يبني على الصحّة عملاً بقاعدة الفراغ ، ولا يضرّها اليقين بالبطلان بعد تبدّله بالشكّ ، ولو تيقّن بالصحّة ثمّ شكّ فيها فأولى بجريان القاعدة .

(مسألة 55) : إذا علم قبل تمام المسحات أ نّه ترك غسل اليد اليسرى ، أو شكّ في ذلك فأتى به وتمّم الوضوء ، ثمّ علم أ نّه كان غسله ، يحتمل الحكم ببطلان الوضوء من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد ، لكن الأقوى صحّته ؛ لأنّ الغسلة الثانية مستحبّة(1) على الأقوى حتّى في اليد اليسرى ، فهذه الغسلة كانت مأموراً بها في الواقع ، فهي محسوبة من الغسلة المستحبّة ولا يضرّها نيّة الوجوب ، لكن الأحوط إعادة الوضوء لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها ، هذا ، ولو كان آتياً بالغسلة الثانية المستحبّة وصارت هذه ثالثة تعيّن البطلان ؛ لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد .

ص: 172


1- في استحبابها إشكال ، بل لا يخلو عدمه من قوّة ، لكنّها مشروعة ويصحّ وضوؤه على الأقوى .
فصل : في أحكام الجبائر

وهي الألواح الموضوعة على الكسر والخرق ، والأدوية الموضوعة على الجروح والقروح والدماميل ، فالجرح ونحوه إمّا مكشوف أو مجبور ، وعلى التقديرين : إمّا في موضع الغسل أو في موضع المسح ، ثمّ إمّا على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء ، ثمّ إمّا يمكن غسل المحلّ أو مسحه أو لا يمكن ، فإن أمكن ذلك بلا مشقّة ولو بتكرار الماء عليه - حتّى يصل إليه لو كان عليه جبيرة - أو وضعه في الماء حتّى يصل إليه - بشرط أن يكون المحلّ والجبيرة طاهرين ، أو أمكن تطهيرهما - وجب ذلك ، وإن لم يمكن إمّا لضرر الماء أو للنجاسة وعدم إمكان التطهير ، أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة ولا رفعها ، فإن كان مكشوفاً ، يجب(1) غسل أطرافه ووضع خرقة طاهرة عليه والمسح عليها مع الرطوبة ، وإن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعيّن ذلك إن لم يمكن غسله كما هو المفروض ، وإن لم يمكن وضع الخرقة أيضاً اقتصر على غسل أطرافه ، لكنّ الأحوط ضمّ التيمّم إليه ، وإن كان في موضع المسح ولم يمكن المسح عليه كذلك ، يجب وضع(2) خرقة طاهرة والمسح عليها بنداوة ، وإن لم يمكن سقط(3) وضمّ إليه التيمّم ، وإن كان مجبوراً وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط والمسح على الجبيرة إن كانت طاهرة ، أو أمكن تطهيرها ؛ وإن كان في موضع

ص: 173


1- والأقوى جواز الاكتفاء بغسل أطرافه ، والأحوط وضع الخرقة والمسح عليها .
2- والأحوط الجمع بينه وبين التيمّم ، وإن لا يخلو ما ذكره من وجه .
3- الظاهر جواز الاكتفاء بالتيمّم ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

الغسل ، والظاهر عدم تعيّن(1) المسح حينئذٍ فيجوز الغسل أيضاً ، والأحوط إجراء الماء عليها مع الإمكان بإمرار اليد من دون قصد الغسل أو المسح ، ولا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل ، ويلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة ، ولا يكفي مجرّد النداوة ، نعم لا يلزم المداقّة بإيصال الماء إلى الخلل والفرج ، بل يكفي صدق الاستيعاب عرفاً . هذا كلّه إذا لم يمكن رفع الجبيرة والمسح على البشرة ، وإلاّ فالأحوط تعيّنه ، بل لا يخلو عن قوّة إذا لم يمكن غسله كما هو المفروض ، والأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة وعلى المحلّ أيضاً بعد رفعها ، وإن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر ، فإن أمكن وضع(2) خرقة طاهرة عليها ومسحها يجب ذلك ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً فالأحوط الجمع بين الإتمام بالاقتصار على غسل الأطراف والتيمّم .

(مسألة 1) : إذا كانت الجبيرة في موضع المسح ولم يمكن رفعها والمسح على البشرة لكن أمكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحلّ ، هل يتعيّن ذلك أو يتعيّن المسح على الجبيرة ؟ وجهان(3) ، ولا يترك الاحتياط بالجمع .

(مسألة 2) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء ، فالظاهر جريان الأحكام المذكورة ، وإن كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالإجراء

ص: 174


1- بل الظاهر تعيّنه ، والأحوط أن يمسح أوّلاً ثمّ يغسله ، لكن مع مراعاة عدم مسح الرأس والرجلين بالماء الجديد ، وأمّا ما في المتن من الاحتياط فخلاف الاحتياط ، إلاّ أن يمسح اليد ويجري أجزاء الماء وقطراته عقيبه وهو في الخرقة غير ممكن غالباً .
2- على نحو عدّت جزءاً منها ، وإلاّ فالأحوط ضمّ التيمّم .
3- أقربهما الثاني ، ولو أراد الجمع فليمسح أوّلاً .

مشكل(1) ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة والتيمّم .

(مسألة 3) : إذا كانت الجبيرة في الماسح(2) فمسح عليها بدلاً عن غسل المحلّ ، يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة ؛ أي الحاصلة من المسح على جبيرته .

(مسألة 4) : إنّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه ، وإلاّ فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة ، مثلاً لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها ، ولو كان من أحد الأصابع ولو الخنصر إلى المفصل مكشوفاً وجب المسح على ذلك(3) ، وإذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخطّ الطولي من الطرفين ، وعليها في محلّها .

(مسألة 5) : إذا كان في عضو واحد جبائر متعدّدة ، يجب الغسل أو المسح في فواصلها .

(مسألة 6) : إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة ، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها ، وإن كان أزيد من المقدار المتعارف ، فإن أمكن رفعها ، رفعها وغسل المقدار الصحيح ثمّ وضعها ومسح عليها(4) ، وإن لم يمكن ذلك

ص: 175


1- والأقوى عدم الجريان والانتقال إلى التيمّم ، بل الأقرب ذلك لو كانت الجبيرة على معظم الأعضاء ، فلو عمّت الوجه واليدين لكن يمكن المسح على الرجلين - مثلاً - لا يجري حكم الجبيرة وينتقل إلى التيمّم على الأقوى ، والأحوط في استيعاب العضو الواحد ضمّ التيمّم .
2- لكن مرّ أنّ الماسح لا يختصّ بباطن الكفّ .
3- مارّاً إلى قبّة القدم ، أو عليها إلى المفصل احتياطاً .
4- أي على الجبيرة بالمقدار المتعارف ، لا على غير المتعارف الذي غسل تحتها .

مسح عليها ، لكن الأحوط(1) ضمّ التيمّم أيضاً ، خصوصاً إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرّر القدر الصحيح أيضاً بالماء .

(مسألة 7) : في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه ومسحه ، يجب أوّلاً أن يغسل ما يمكن من أطرافه ، ثمّ وضعه .

(مسألة 8) : إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف ، يشكل كفاية المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد أن يضعها عليها ، فالأحوط غسل القدر الممكن والمسح على الجبيرة ثمّ التيمّم ، وأمّا المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر .

(مسألة 9) : إذا لم يكن جرح ولا قرح ولا كسر ، بل كان يضرّه استعمال الماء لمرض آخر ، فالحكم هو التيمّم(2) ، لكن الأحوط ضمّ الوضوء مع وضع خرقة والمسح عليها أيضاً مع الإمكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله .

(مسألة 10) : إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء ، لكن كان بحيث يضرّ استعمال الماء في مواضعه أيضاً ، فالمتعيّن التيمّم(3) .

(مسألة 11) : في الرمد يتعيّن التيمّم(4) إذا كان استعمال الماء مضرّاً مطلقاً ،

ص: 176


1- احتياطاً لا يترك .
2- إذا أضرّ استعمال الماء بعض العضو وأمكن غسل ما حوله لا يبعد الاكتفاء بغسله ، لكن الأحوط ضمّ التيمّم ، ولا يترك هذا الاحتياط ، وأحوط منه وضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم .
3- إذا كان الضرر على بعضه يأتي فيه الوجه في المسألة السابقة .
4- مع إمكان غسل ما حول العين يأتي الوجه المتقدّم .

أمّا إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر وإنّما كان يضرّ العين فقط ، فالأحوط الجمع بين الوضوء ؛ بغسل أطرافها ووضع خرقة عليها ومسحها ، وبين التيمّم .

(مسألة 12) : محلّ الفصد داخل في الجروح ، فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضرّاً يكفي المسح على الوصلة التي عليه إن لم يكن أزيد من المتعارف ، وإلاّ حلّها وغسل المقدار الزائد ثمّ شدّها ، كما أ نّه إن كان مكشوفاً(1) يضع عليه خرقة ويمسح عليها بعد غسل ما حوله ، وإن كانت أطرافه نجسة طهّرها ، وإن لم يمكن تطهيرها وكانت زائدة على القدر المتعارف جمع(2) بين الجبيرة والتيمّم .

(مسألة 13) : لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان(3) أم لا باختياره .

(مسألة 14) : إذا كان شيء لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ولم يمكن إزالته ، أو كان فيها حرج ومشقّة لا تتحمّل مثل القير ونحوه يجري عليه حكم الجبيرة ، والأحوط ضمّ التيمّم أيضاً .

(مسألة 15) : إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضرّه نجاسة باطنه .

(مسألة 16) : إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لايجوز المسح عليه

ص: 177


1- يكتفي بغسل ما حوله على الأقوى .
2- على الأحوط وإن كان الاكتفاء بالتيمّم غير بعيد .
3- أو غير العصيان .

بل يجب رفعه وتبديله ، وإن كان ظاهرها مباحاً وباطنها مغصوباً فإن لم يعدّ مسح الظاهر تصرّفاً فيه فلا يضرّ وإلاّ بطل(1) ، وإن لم يمكن نزعه أو كان مضرّاً ، فإن عدّ تالفاً يجوز المسح(2) عليه وعليه العوض لمالكه ، والأحوط استرضاء المالك أيضاً أوّلاً ، وإن لم يعدّ تالفاً وجب استرضاء المالك ولو بمثل شراء أو إجارة ، وإن لم يمكن فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه وبين التيمّم .

(مسألة 17) : لا يشترط في الجبيرة أن تكون ممّا يصحّ الصلاة فيه ،فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزء حيوان غير مأكول لم يضرّ بوضوئه ، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته .

(مسألة 18) : ما دام خوف الضرر باقياً يجري حكم الجبيرة وإن احتمل البرء ، ولا يجب الإعادة إذا تبيّن برؤه سابقاً ، نعم لو ظنّ البرء وزال الخوف وجب رفعها .

(مسألة 19) : إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحلّ ، لكن كان موجباً لفوات الوقت ، هل يجوز عمل الجبيرة ؟ فيه إشكال ، بل الأظهر عدمه والعدول إلى التيمّم .

(مسألة 20) : الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصارا كالشيء الواحد ولم يمكن رفعه بعد البرء ؛ بأن كان مستلزماً لجرح المحلّ

ص: 178


1- بل عصى وإن لم يبطل على الأقرب ، وكذا لو مسح على ما كان ظاهره مغصوباً ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه .
2- بل لا يجوز إلاّ مع الاسترضاء مطلقاً .

وخروج الدم ، فإن كان مستحيلاً(1) بحيث لا يصدق عليه الدم بل صار كالجلد ، فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة ، وإن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة ويمسح عليه .

(مسألة 21) : قد عرفت أ نّه يكفي في الغسل أقلّه ؛ بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، فلو وضع يده في الماء وأخرجها ومسح بما يبقى فيها من الرطوبة محلّ الغسل يكفي ، وفي كثير من الموارد هذا المقدار لا يضرّ ، خصوصاً إذا كان بالماء الحارّ ، وإذا أجرى الماء كثيراً يضرّ فيتعيّن هذا النحو من الغسل ، ولا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة ، فاللازم أن يكون الإنسان ملتفتاً لهذه الدقّة .

(مسألة 22) : إذا كان على الجبيرة دسومة ، لا يضرّ بالمسح عليها إن كانت طاهرة .

(مسألة 23) : إذا كان العضو صحيحاً ، لكن كان نجساً ولم يمكن تطهيره ، لا يجري عليه حكم الجرح ، بل يتعيّن التيمّم ، نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به ولم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة(2) ، والأحوط ضمّ التيمّم .

(مسألة 24) : لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على

ص: 179


1- هذا مجرّد فرض ، ومع ذلك لا ينفع مع تنجّس الدواء إلاّ إذا فرض استحالته أيضاً وهو مجرّد فرض آخر ، ومع تحقّق الفرضين لا يبعد جريان حكم الجرح المكشوف على إشكال ، فلا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم ، وأحوط منه وضع الخرقة والمسح عليها مع ذلك .
2- بنحو مرّ في الصاق شيء على المحلّ .

المتعارف ، كما أ نّه لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع عدم الحاجة ، إلاّ أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع .

(مسألة 25) : الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح .

(مسألة 26) : الفرق بين الجبيرة التي على محلّ الغسل والتي على محلّ المسح من وجوه(1) كما يستفاد ممّا تقدّم : أحدها : أنّ الاُولى بدل الغسل ، والثانية بدل عن المسح . الثاني : أنّ في الثانية يتعيّن المسح ، وفي الاُولى يجوز الغسل أيضاً على الأقوى . الثالث : أ نّه يتعيّن في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكفّ ، وبالكفّ ، وفي الاُولى يجوز المسح بأيّ شيء كان ، وبأيّ ماء ولو بالماء الخارجي . الرابع : أ نّه يتعيّن في الاُولى استيعاب المحلّ إلاّ ما بين الخيوط والفرج ، وفي الثانية يكفي المسمّى . الخامس : أنّ في الاُولى الأحسن أن يصير شبيهاً بالغسل في جريان الماء ، بخلاف الثانية ، فالأحسن فيها أن لا يصير شبيهاً بالغسل . السادس : أنّ في الاُولى لا يكفي مجرّد إيصال النداوة ، بخلاف الثانية ؛ حيث إنّ المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفي فيه هذا المقدار . السابع : أ نّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تجفيفها في الاُولى ، بخلاف الثانية . الثامن : أ نّه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الاُولى دون الثانية .

التاسع : أ نّه يتعيّن في الثانية إمرار الماسح على الممسوح ، بخلاف الاُولى ، فيكفي فيها بأيّ وجه كان .

(مسألة 27) : لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة والمستحبّة .

(مسألة 28) : حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء واجبة ومندوبة ،

ص: 180


1- مرّ الإشكال في بعضها .

وإنّما الكلام في أ نّه هل يتعيّن(1) حينئذٍ الغسل ترتيباً أو يجوز الارتماسي أيضاً ؟ وعلى الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب ؟ الأقوى جوازه وعدم وجوب المسح وإن كان الأحوط اختيار الترتيب ، وعلى فرض اختيار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء ، لكن جواز الارتماسي مشروط بعدم وجود مانع آخر ؛ من نجاسة العضو وسرايتها إلى بقيّة الأعضاء أو كونه مضرّاً من جهة وصول الماء إلى المحلّ .

(مسألة 29) : إذا كان على مواضع التيمّم جرح أو قرح أو نحوهما فالحال فيه حال الوضوء ؛ في الماسح كان أو في الممسوح .

(مسألة 30) : في جواز استئجار صاحب الجبيرة إشكال(2) ، بل لا يبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدّة مع ضيق الوقت عن الإتمام واشتراط المباشرة ، بل إتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجوّ الزوال ، وكذا يشكل كفاية تبرّعه عن الغير .

(مسألة 31) : إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلوات التي صلاّها مع وضوء الجبيرة وإن كان في الوقت بلا إشكال ، بل الأقوى جواز الصلوات الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلّفاً بالجبيرة ، وأمّا في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمّم ، فلا بدّ من الوضوء للأعمال الآتية ؛ لعدم معلومية صحّة وضوئه ، وإذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء

ص: 181


1- الأقوى تعيّنه والمسح عليها ، وطريق الاحتياط فيه ما مرّ في الوضوء .
2- والأقرب جواز الاستئجار وعدم الانفساخ وإتيان قضاء الصلوات عن نفسه والتبرّع عن غيره ؛ وإن كان الأحوط له أن يأتي بها بعد الجبيرة لحاجة نفسه كصلاته اليومية ، وأحوط منه ترك الاستئجار وتأخير القضاء وإقالة الإجارة برضا الطرفين .

وجب الاستئناف ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة .

(مسألة 32) : يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره ، ومع عدم اليأس الأحوط التأخير .

(مسألة 33) : إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة ثمّ تبيّن عدم الضرر في الواقع ، أو اعتقد عدم الضرر فغسل العضو ثمّ تبيّن أ نّه كان مضرّاً وكان وظيفته الجبيرة ، أو اعتقد الضرر ومع ذلك ترك الجبيرة ثمّ تبيّن عدم الضرر وأنّ وظيفته غسل البشرة ، أو اعتقد عدم الضرر ومع ذلك عمل بالجبيرة ثمّ تبيّن الضرر ، صحّ وضوؤه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين ، والأحوط الإعادة في الجميع(1) .

(مسألة 34) : في كلّ مورد يشكّ في أنّ وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمّم ، الأحوط(2) الجمع بينهما .

فصل : في حكم دائم الحدث

المسلوس والمبطون إمّا أن يكون لهما فترة تسع الصلاة والطهارة ولو بالاقتصار على خصوص الواجبات وترك جميع المستحبّات أم لا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة - مثلاً - أو هو متّصل ، ففي الصورة الاُولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة ؛ سواء كانت في

ص: 182


1- لا يترك في الصورة الثانية مطلقاً ، وفي الاُولى إذا تبيّن قبل العمل المشروط به ولا تجب إعادة ما عمل معه .
2- في بعض الموارد يمكن إحراز موضوع أحدهما بالأصل .

أوّل الوقت أو وسطه أو آخره ، وإن لم تسع إلاّ لإتيان الواجبات اقتصر عليها وترك جميع المستحبّات ، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت ، نعم لو اتّفق عدم الخروج والسلامة إلى آخر الصلاة صحّت إذا حصل منه قصد القربة ، وإذا وجب المبادرة لكون الفترة في أوّل الوقت فأخّر إلى الآخر عصى ، لكن صلاته صحيحة ، وأمّا الصورة الثانية وهي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلاّ أ نّه لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقّة في التوضّؤ في الأثناء والبناء ، يتوضّأ ويشتغل بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه ، فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنى على صلاته ؛ من غير فرق بين المسلوس(1) والمبطون ، لكن الأحوط أن يصلّي صلاة اُخرى بوضوء واحد ، خصوصاً في المسلوس ، بل مهما أمكن لا يترك هذا الاحتياط فيه ، وأمّا الصورة الثالثة وهي أن يكون الحدث متّصلاً بلا فترة أو فترات يسيرة ؛ بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدث وبنى لزم الحرج ، يكفي أن يتوضّأ لكلّ صلاة(2) ، ولا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد ، نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة ، هذا إن أمكن إتيان بعض كلّ صلاة بذلك الوضوء وأمّا إن لم يكن كذلك بل كان الحدث مستمرّاً بلا فترة يمكن إتيان شيء من الصلاة مع الطهارة ، فيجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات عديدة ، وهو بحكم المتطهّر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه ، أو خرج منه البول أو الغائط على

ص: 183


1- بل الاكتفاء بوضوء واحد فيه لكلّ صلاة مع عدم التجديد لا يخلو من قوّة .
2- لا يبعد عدم لزوم التجديد إذا لم يقطر منه بين الصلاتين ، فيجوز له إتيان صلاتين أو صلوات بوضوء واحد مع عدم التقاطر في فواصلها وإن تقاطر في الأثناء ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

المتعارف ، لكن الأحوط في هذه الصورة أيضاً الوضوء لكلّ صلاة ، والظاهر أنّ صاحب سلس الريح(1) أيضاً كذلك .

(مسألة 1) : يجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة .

(مسألة 2) : لا يجب على المسلوس والمبطون أن يتوضّئآ لقضاء التشهّد والسجدة المنسيّين ، بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها ، بل وكذا صلاة الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شكّ فيها ، وإن كان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطويل وعدم الاستدبار ، وأمّا النوافل(2) فلا يكفيها وضوء فريضتها ، بل يشترط الوضوء لكلّ ركعتين منها .

(مسألة 3) : يجب على المسلوس التحفّظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه ، والأحوط غسل الحشفة قبل كلّ صلاة ، وأمّا الكيس فلا يلزم تطهيره وإن كان أحوط ، والمبطون أيضاً إن أمكن تحفّظه بما يناسب يجب ، كما أنّ الأحوط تطهير المحلّ أيضاً إن أمكن من غير حرج .

(مسألة 4) : في لزوم معالجة السلس والبطن إشكال ، والأحوط المعالجة مع الإمكان بسهولة ، نعم لو أمكن(3) التحفّظ بكيفية خاصّة مقدار أداء الصلاة وجب ، وإن كان محتاجاً إلى بذل مال(4) .

(مسألة 5) : في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس والمبطون بعد الوضوء

ص: 184


1- بل إلحاقه بالمبطون أقوى إن لم يكن داخلاً فيه موضوعاً ، كما لا يبعد دخوله فيه .
2- لا يبعد جريان حكم الفريضة فيها .
3- بلا عسر وحرج .
4- على الأحوط .

للصلاة مع فرض دوام الحدث وخروجه بعده إشكال(1) ، حتّى حال الصلاة ، إلاّ أن يكون المسّ واجباً .

(مسألة 6) : مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر ، بل الأحوط الصبر إلى الفترة التي هي أخفّ - مع العلم بها بل مع احتمالها - لكن الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 7) : إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد عدم الفترة الواسعة وفي الأثناء تبيّن وجودها قطع الصلاة ، ولو تبيّن بعد الصلاة أعادها .

(مسألة 8) : ذكر بعضهم : أ نّه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية ولو بأن يقتصرا في كلّ ركعة على تسبيحة ويومئا للركوع والسجود - مثل صلاة الغريق - فالأحوط الجمع بينها وبين الكيفية السابقة، وهذا وإن كان حسناً، لكن وجوبه محلّ منع بل تكفي الكيفية السابقة.

(مسألة 9) : من أفراد دائم الحدث : المستحاضة ، وسيجيء حكمها .

(مسألة 10) : لا يجب على المسلوس والمبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات ، نعم إذا كان في الوقت وجبت الإعادة .

(مسألة 11) : من نذر أن يكون على الوضوء دائماً إذا صار مسلوساً أو مبطوناً الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج ، ويمكن(2) القول بانحلال النذر وهو الأظهر .

ص: 185


1- جوازه في حال الصلاة وفي غير حالها إذا لم يتقاطر بعدها لا يخلو من وجه ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- ويمكن القول بعدم لزوم الوضوء إلاّ إذا بال اختياراً حسب التعارف ، ولا يبعد أن يكون هذا أقرب .

فصل : في الأغسال

اشارة

والواجب منها سبعة(1) : غسل الجنابة ، والحيض ، والنفاس ، والاستحاضة ، ومسّ الميّت ، وغسل الأموات ، والغسل الذي وجب بنذر ونحوه ؛ كأن نذر غسل الجمعة أو غسل الزيارة(2) ، أو الزيارة مع الغسل ، والفرق بينهما أنّ في الأوّل إذا أراد الزيارة يجب أن يكون مع الغسل ، ولكن يجوز أن لا يزور أصلاً ، وفي الثاني يجب الزيارة فلا يجوز تركها ، وكذا إذا نذر الغسل لسائر الأعمال التي يستحبّ الغسل لها .

(مسألة 1) : النذر المتعلّق بغسل الزيارة ونحوها يتصوّر على وجوه : الأوّل : أن ينذر الزيارة مع الغسل فيجب عليه الغسل والزيارة وإذا ترك أحدهما وجبت الكفّارة . الثاني : أن ينذر الغسل للزيارة ؛ بمعنى أ نّه إذا أراد أن يزور لا يزور إلاّ مع الغسل ، فإذا ترك الزيارة لا كفّارة عليه ، وإذا زار بلا غسل وجبت عليه . الثالث : أن ينذر غسل الزيارة منجّزاً ، وحينئذٍ يجب عليه الزيارة(3) أيضاً وإن

ص: 186


1- غير غسل الأموات لا يجب شيء منها وجوباً شرعياً ، نعم ما عدا الواجب بالنذر ونحوه واجب شرطاً ، وأمّا في المنذور فالواجب - كما مرّ - هو عنوان الوفاء بالنذر لا عنوان الغسل أو الزيارة ، ويكون إتيان الغسل واجباً عقلياً .
2- إن نذر أن يغتسل للزيارة يجب مطلقاً، وإن نذر أنّ زيارته على فرضها تكون مع الغسل أو إذا زار تكون مع الغسل لا يجب أن يزور ، وعبارة المتن توهم الأوّل لكن مراده الثاني .
3- هذا إذا أراد به الغسل المتعقّب بالزيارة ؛ أي نذر كذلك ، فتجب الزيارة لتحصيل القيد ، وأمّا إذا نذر الغسل للزيارة وكان من عزمه الزيارة فاغتسل لأجلها ، فالظاهر عدم وجوبها ولا تكون الزيارة مقدّمة لحصول المنذور .

لم يكن منذوراً مستقلاًّ ، بل وجوبها من باب المقدّمة ، فلو تركهما وجبت كفّارة واحدة ، وكذا لو ترك أحدهما ، ولا يكفي في سقوطها الغسل فقط وإن كان من عزمه حينه أن يزور ، فلو تركها وجبت ؛ لأ نّه إذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة . الرابع : أن ينذر الغسل والزيارة ، فلو تركهما وجبت عليه كفّارتان ، ولو ترك أحدهما فعليه كفّارة واحدة(1) . الخامس : أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة ، والزيارة مع الغسل ، وعليه لو تركهما وجبت كفّارتان ، ولو ترك أحدهما فكذلك ؛ لأنّ المفروض تقييد كلّ بالآخر ، وكذا الحال في نذر الغسل لسائر الأعمال .

فصل : في غسل الجنابة

وهي تحصل بأمرين :

الأوّل : خروج المنيّ ، ولو في حال النوم أو الاضطرار وإن كان بمقدار رأس إبرة ؛ سواء كان بالوط ء أو بغيره ، مع الشهوة أو بدونها ، جامعاً للصفات أو فاقداً لها ، مع العلم بكونه منيّاً ، وفي حكمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء(2) بالبول ، ولا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره(3) ، والمعتبر خروجه إلى خارج البدن ، فلو تحرّك من محلّه ولم يخرج لم يوجب الجنابة ، وأن يكون منه ، فلو خرج من المرأة منيّ الرجل لا يوجب جنابتها إلاّ

ص: 187


1- هذا إذا نذر الغسل للزيارة ، وأمّا إذا نذر الغسل المتعقّب بها وترك الزيارة فعليه كفّارتان .
2- إذا كانت جنابته بالإنزال .
3- في إطلاقه إشكال ، فلو أدخل آلة من ظهره فأخرج بها منيّه ، ففي إيجابه الغسل إشكال ، بل منع ، وكذا نظائره .

مع العلم باختلاطه بمنيّها ، وإذا شكّ في خارج أ نّه منيّ أم لا اختبر بالصفات ؛ من الدفق والفتور والشهوة ، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منيّاً وإن لم يعلم بذلك ، ومع عدم اجتماعها ولو بفقد واحد منها لا يحكم به إلاّ إذا حصل العلم ، وفي المرأة والمريض يكفي اجتماع صفتين(1) ، وهما الشهوة والفتور .

الثاني : الجماع وإن لم ينزل ، ولو بإدخال الحشفة أو مقدارها(2) من مقطوعها ، في القبل أو الدبر ، من غير فرق بين الواطئ والموطوء ، والرجل والمرأة ، والصغير والكبير ، والحيّ والميّت ، والاختيار والاضطرار ؛ في النوم أو اليقظة ، حتّى لو أدخلت حشفة طفل رضيع فإنّهما يجنبان ، وكذا لو أدخلت ذكر ميّت أو أدخل في ميّت ، والأحوط في وط ء البهائم من غير إنزال الجمع بين الغسل والوضوء ، إن كان سابقاً محدثاً بالأصغر(3) ، والوط ء في دبر الخنثى موجب للجنابة دون قبلها إلاّ مع الإنزال ، فيجب الغسل عليه دونها إلاّ أن تنزل هي أيضاً ، ولو أدخلت الخنثى في الرجل أو الاُنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الواطئ ولا على الموطوء ، وإذا دخل الرجل بالخنثى(4) والخنثى بالاُنثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل والاُنثى(5) .

(مسألة 1) : إذا رأى في ثوبه منيّاً وعلم أ نّه منه ولم يغتسل بعده ، وجب عليه

ص: 188


1- الظاهر كفاية الشهوة فيهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط خصوصاً المرأة .
2- حصولها بالمسمّى فيه لا يخلو من قوّة .
3- ولو بحكم الأصل ، والغسل فقط - احتياطاً - لو كان متطهّراً .
4- أي قبلها .
5- إذا لم تكن جنابة واحد منهما موضوعة لأثر لصاحبه ، وإلاّ وجب على من كانت جنابة صاحبه موضوعة لأثر بالنسبة إليه .

الغسل وقضاء ما تيقّن من الصلوات التي صلاّها بعد خروجه ، وأمّا الصلوات التي يحتمل سبق الخروج عليها فلا يجب قضاؤها ، وإذا شكّ في أنّ هذا المنيّ منه أو من غيره لا يجب عليه(1) الغسل وإن كان أحوط ، خصوصاً إذا كان الثوب مختصّاً به ، وإذا علم أ نّه منه ولكن لم يعلم أ نّه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة اُخرى لم يغتسل لها ، لا يجب عليه الغسل أيضاً ، لكنّه أحوط .

(مسألة 2) : إذا علم بجنابة وغسل ولم يعلم السابق منهما وجب عليه الغسل ، إلاّ إذا علم(2) زمان الغسل دون الجنابة ، فيمكن استصحاب الطهارة حينئذٍ .

(مسألة 3) : في الجنابة الدائرة بين شخصين ، لا يجب(3) الغسل على واحد منهما ، والظنّ كالشكّ ، وإن كان الأحوط فيه مراعاة الاحتياط ، فلو ظنّ أحدهما أ نّه الجنب دون الآخر اغتسل وتوضّأ إن كان مسبوقاً بالأصغر .

(مسألة 4) : إذا دارت الجنابة بين شخصين ، لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر ؛ للعلم الإجمالي بجنابته أو جنابة إمامه ، ولو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد(4) أو الاثنين منهم الاقتداء بالثالث ، لعدم العلم حينئذٍ ، ولا يجوز لثالث علم إجمالاً بجنابة أحد الاثنين أو أحد الثلاثة الاقتداء بواحد منهما أو منهم ؛ إذا

ص: 189


1- إذا لم يكن لجنابة الغير أثر بالنسبة إليه ، وإلاّ وجب .
2- يجري في هذا الفرع ما مرّ من التفصيل في شرائط الوضوء في مسألة السابعة والثلاثين ، فراجع .
3- مع عدم كون جنابة صاحبه موضوعة لأثر بالنسبة إليه ، وإلاّ يجب كما مرّ .
4- بل لا يجوز على الأقوى .

كانا أو كانوا محلّ الابتلاء(1) له وكانوا عدولاً(2) عنده ، وإلاّ فلا مانع ، والمناط علم المقتدي بجنابة أحدهما لا علمهما ، فلو اعتقد كلّ منهما عدم جنابته وكون الجنب هو الآخر ، أو لا جنابة لواحد منهما ، وكان المقتدي عالماً كفى في عدم الجواز ، كما أ نّه لو لم يعلم المقتدي إجمالاً بجنابة أحدهما ، وكانا عالمين بذلك لا يضرّ باقتدائه .

(مسألة 5) : إذا خرج المنيّ بصورة الدم وجب الغسل أيضاً بعد العلم بكونه منيّاً .

(مسألة 6) : المرأة تحتلم كالرجل ، ولو خرج منها المنيّ حينئذٍ وجب عليها الغسل ، والقول بعدم احتلامهنّ ضعيف .

(مسألة 7) : إذا تحرّك المنيّ في النوم عن محلّه بالاحتلام ، ولم يخرج إلى خارج ، لا يجب الغسل كما مرّ ، فإذا كان بعد دخول الوقت ولم يكن عنده ماء للغسل ، هل يجب عليه حبسه عن الخروج أو لا ؟ الأقوى عدم(3) الوجوب وإن لم يتضرّر به ، بل مع التضرّر يحرم ذلك ، فبعد خروجه يتيمّم للصلاة ، نعم لو توقّف إتيان الصلاة في الوقت على حبسه - بأن لم يتمكّن من الغسل ولم يكن عنده ما يتيمّم به وكان على وضوء - بأن كان تحرّك المنيّ في حال اليقظة ولم يكن في حبسه ضرر عليه ، لا يبعد وجوبه ، فإنّه على التقادير المفروضة لو لم يحبسه لم يتمكّن من الصلاة في الوقت ، ولو حبسه يكون متمكّناً .

ص: 190


1- بل مطلقاً على الأقوى ، ولا تأثير للخروج عن محلّ الابتلاء .
2- إذا كان لجنابتهم أثر آخر أيضاً لا يجوز .
3- لا يخلو من إشكال .

(مسألة 8) : يجوز للشخص إجناب نفسه(1) ولو لم يقدر على الغسل وكان بعد دخول الوقت ، نعم إذا لم يتمكّن من التيمّم أيضاً لا يجوز ذلك ، وأمّا في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضّئاً ولم يتمكّن من الوضوء لو أحدث أن يبطل وضوءه ؛ إذا كان بعد دخول الوقت ، ففرق في ذلك بين الجنابة والحدث الأصغر ، والفارق النصّ .

(مسألة 9) : إذا شكّ في أ نّه هل حصل الدخول أم لا ؟ لم يجب عليه الغسل ، وكذا لو شكّ في أنّ المدخول فيه فرج أو دبر أو غيرهما ، فإنّه لا يجب عليه الغسل .

(مسألة 10) : لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجباً للجنابة بين أن يكون مجرّداً أو ملفوفاً بوصلة أو غيرها ، إلاّ أن يكون بمقدار لا يصدق عليه الجماع .

(مسألة 11) : في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل والوضوء ، الأولى أن ينقض الغسل بناقض من مثل البول ونحوه ثمّ يتوضّأ ؛ لأنّ الوضوء مع غسل الجنابة غير جائز والمفروض احتمال كون غسله غسل الجنابة .

فصل : فيما يتوقّف على الغسل من الجنابة

وهي اُمور :

الأوّل : الصلاة ؛ واجبة أو مستحبّة ، أداءً وقضاءً ، لها ولأجزائها المنسيّة ،

ص: 191


1- بإتيان أهله طلباً للّذّة أو خائفاً على نفسه ، وأمّا مطلقاً فلا يخلو من إشكال .

وصلاة الاحتياط ، بل وكذا سجدتا السهو(1) على الأحوط ، نعم لا يجب في صلاة الأموات ولا في سجدة الشكر والتلاوة .

الثاني : الطواف الواجب دون المندوب(2) ، لكن يحرم على الجنب دخول مسجد الحرام ، فتظهر الثمرة فيما لو دخله سهواً وطاف ، فإنّ طوافه محكوم بالصحّة ، نعم يشترط في صلاة الطواف الغسل ، ولو كان الطواف مندوباً .

الثالث : صوم شهر رمضان وقضاؤه ، بمعنى أ نّه لا يصحّ إذا أصبح جنباً ؛ متعمّداً أو ناسياً للجنابة ، وأمّا سائر الصيام ما عدا رمضان وقضائه فلا يبطل بالإصباح جنباً وإن كانت واجبة ، نعم الأحوط(3) في الواجبة منها ترك تعمّد الإصباح جنباً ، نعم الجنابة العمدية في أثناء النهار تبطل جميع الصيام حتّى المندوبة منها ، وأمّا الاحتلام فلا يضرّ بشيء منها حتّى صوم رمضان .

فصل : فيما يحرم على الجنب

وهي أيضاً اُمور :

الأوّل : مسّ خطّ المصحف على التفصيل الذي مرّ في الوضوء ، وكذا مسّ اسم اللّه تعالى وسائر أسمائه وصفاته المختصّة ، وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام ، على الأحوط .

الثاني : دخول مسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإن كان بنحو المرور .

الثالث : المكث في سائر المساجد ، بل مطلق الدخول فيها على غير وجه

ص: 192


1- الأقوى عدم اشتراطهما به .
2- محلّ تأمّل ، بل لا يبعد اشتراطه به .
3- لا يترك .

المرور ، وأمّا المرور فيها بأن يدخل من باب ويخرج من آخر فلا بأس به ، وكذا الدخول بقصد أخذ شيء منها ، فإنّه لا بأس به ، والمشاهد كالمساجد(1) في حرمة المكث فيها .

الرابع : الدخول في المساجد بقصد وضع شيء فيها ، بل مطلق الوضع فيها ، وإن كان من الخارج أو في حال العبور .

الخامس : قراءة سور العزائم ، وهي سورة : «اقرأ» ، و«النجم» ، و«الم تنزيل» ، و«حم السجدة» ، وإن كان بعض واحدة منها ، بل البسملة أو بعضها بقصد إحداها على الأحوط(2) ، لكن الأقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة منها .

(مسألة 1) : من نام في أحد المسجدين واحتلم ، أو أجنب فيهما ، أو في الخارج ودخل فيهما - عمداً أو سهواً أو جهلاً - وجب عليه التيمّم للخروج ، إلاّ أن يكون زمان الخروج أقصر(3) من المكث للتيمّم ، فيخرج من غير تيمّم ، أو كان زمان الغسل فيهما مساوياً(4) أو أقلّ من زمان التيمّم ، فيغتسل(5) حينئذٍ ، وكذا حال الحائض(6) والنفساء .

(مسألة 2) : لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها

ص: 193


1- على الأحوط .
2- بل الأقوى .
3- أو المساوي على الأقوى .
4- في صورة التساوي يتخيّر .
5- جواز الغسل في جميع الصور إنّما هو مع عدم محذور آخر ؛ من تلويث المسجد وغيره حتّى إفساد مائه .
6- لو كان الابتلاء بعد انقطاع الدم ، وكذا النفساء ، وإلاّ يجب عليهما الخروج فوراً ولا يشرع لهما التيمّم .

والخراب وإن لم يصلّ فيه أحد ، ولم يبق آثار مسجديته ، نعم في مساجد الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهب آثار المسجدية بالمرّة يمكن القول(1) بخروجها عنها ؛ لأ نّها تابعة لآثارها وبنائها .

(مسألة 3) : إذا عيّن الشخص في بيته مكاناً للصلاة وجعله مصلّى له ، لا يجري عليه حكم المسجد .

(مسألة 4) : كلّ ما شكّ في كونه جزءاً من المسجد من صحنه والحجرات التي فيه ومنارته وحيطانه ونحو ذلك لا يجري عليه الحكم ؛ وإن كان الأحوط الإجراء إلاّ إذا علم خروجه منه .

(مسألة 5) : الجنب إذا قرأ دعاء كميل ، الأولى والأحوط أن لا يقرأ منها )أَفَمَنْ كَانَ مُؤمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَستَوُونَ( ؛ لأ نّه جزء من سورة «حم السجدة»(2) ، وكذا الحائض ، والأقوى جوازه ؛ لما مرّ(3) من أنّ المحرّم قراءة آيات السجدة لا بقيّة السورة .

(مسألة 6) : الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد وإن كان صبيّاً أو مجنوناً أو جاهلاً بجنابة نفسه .

(مسألة 7) : لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال جنابته ، بل الإجارة فاسدة ، ولا يستحقّ اُجرة ، نعم لو استأجره مطلقاً ولكنّه كنس في حال جنابته وكان جاهلاً بأ نّه جنب أو ناسياً ، استحقّ الاُجرة بخلاف ما إذا كنس

ص: 194


1- فيه تردّد لا يترك الاحتياط .
2- بل «الم السجدة» .
3- قد مرّ أنّ الأقوى حرمتها .

عالماً ، فإنّه لا يستحقّ(1) ؛ لكونه حراماً ولا يجوز أخذ الاُجرة على العمل المحرّم ، وكذا الكلام في الحائض والنفساء ، ولو كان الأجير جاهلاً أو كلاهما جاهلين في الصورة الاُولى أيضاً يستحقّ الاُجرة ؛ لأنّ متعلّق الإجارة - وهو الكنس - لا يكون حراماً ، وإنّما الحرام الدخول والمكث ، فلا يكون من باب أخذ الاُجرة على المحرّم ، نعم لو استأجره على الدخول أو المكث كانت الإجارة فاسدة ، ولا يستحقّ الاُجرة ولو كانا جاهلين ؛ لأ نّهما محرّمان ولا يستحقّ الاُجرة على الحرام ، ومن ذلك ظهر : أ نّه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطواف المستحبّ كانت الإجارة فاسدة ولو مع الجهل ، وكذا لو استأجره لقراءة العزائم ، فإنّ المتعلّق فيهما هو نفس الفعل المحرّم ، بخلاف الإجارة للكنس ، فإنّه ليس حراماً ، وإنّما المحرّم شيء آخر وهو الدخول والمكث ، فليس نفس المتعلّق حراماً .

(مسألة 8) : إذا كان جنباً وكان الماء في المسجد(2) ، يجب عليه أن يتيمّم ويدخل المسجد لأخذ الماء أو الاغتسال فيه ، ولا يبطل تيمّمه لوجدان هذا الماء إلاّ بعد الخروج أو بعد الاغتسال ، ولكن لا يباح بهذا التيمّم إلاّ دخول المسجد واللبث فيه بمقدار الحاجة ، فلا يجوز له مسّ كتابة القرآن ولا قراءة العزائم إلاّ إذا كانا واجبين فوراً .

(مسألة 9) : إذا علم إجمالاً جنابة أحد الشخصين لا يجوز له استئجارهما ولا استئجار أحدهما لقراءة العزائم ، أو دخول المساجد أو نحو ذلك ممّا يحرم على الجنب .

ص: 195


1- بل يستحقّ بلا إشكال .
2- ولا يمكن تحصيله بغير الدخول .

(مسألة 10) : مع الشكّ في الجنابة لا يحرم شيء من المحرّمات المذكورة ، إلاّ إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة .

فصل : فيما يكره على الجنب

وهي اُمور : الأوّل : الأكل والشرب ، ويرتفع(1) كراهتهما بالوضوء ، أو غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق ، أو غسل اليدين فقط . الثاني : قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن ما عدا العزائم ، وقراءة ما زاد على السبعين أشدّ كراهة . الثالث : مسّ ما عدا خطّ المصحف ؛ من الجلد والأوراق والحواشي وما بين السطور . الرابع : النوم إلاّ أن يتوضّأ ، أو يتيمّم إن لم يكن له الماء بدلاً عن الغسل(2) . الخامس : الخضاب ؛ رجلاً كان أو امرأة ، وكذا يكره للمختضب قبل أن يأخذ اللون إجناب نفسه . السادس : التدهين . السابع : الجماع ، إذا كان جنابته بالاحتلام . الثامن : حمل المصحف . التاسع : تعليق المصحف .

فصل: في کیفیة غسل الجنابة

غسل الجنابة مستحبّ نفسي وواجب غيري(3) للغايات الواجبة ، ومستحبّ غيري للغايات المستحبّة ، والقول بوجوبه النفسي ضعيف ، ولا يجب فيه قصد الوجوب والندب ، بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل ، بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع وتحقّق منه قصد القربة ، فلو كان قبل الوقت واعتقد

ص: 196


1- ارتفاعها في غير الوضوء محلّ تأمّل ، نعم يوجب الاُمور المذكورة تخفيفها .
2- أو عن الوضوء ، وعن الغسل أفضل .
3- مرّ عدم وجوبه الشرعي ، وكذا لا يكون له استحباب غيري مقدّمي ، نعم له أقسام كثيرة تأتي في باب الأغسال المستحبّة .

دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلاً(1) ، وكذا العكس ، ومع الشكّ في دخوله يكفي الإتيان به بقصد القربة لاستحبابه النفسي ، أو بقصد إحدى غاياته المندوبة ، أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي ، والواجب فيه بعد النيّة غسل ظاهر تمام البدن دون البواطن منه ، فلا يجب غسل باطن العين والأنف والاُذن والفم ونحوها ، ولا يجب غسل الشعر(2) مثل اللحية ، بل يجب غسل ما تحته من البشرة ، ولا يجزي غسله عن غسلها ، نعم يجب غسل الشعور الدقاق الصغار المحسوبة جزءاً من البدن مع البشرة ، والثقبة التي في الاُذن أو الأنف للحلقة إن كانت ضيّقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها ، وإن كانت واسعة بحيث تعدّ من الظاهر وجب غسلها .

وله كيفيتان : الاُولى : الترتيب وهو أن يغسل الرأس والرقبة أوّلاً ، ثمّ الطرف الأيمن من البدن ، ثمّ الطرف الأيسر ، والأحوط أن يغسل النصف الأيمن من الرقبة ثانياً مع الأيمن ، والنصف الأيسر مع الأيسر ، والسرّة والعورة يغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن ، ونصفهما الأيسر مع الأيسر ، والأولى أن يغسل تمامهما مع كلّ من الطرفين ، والترتيب المذكور شرط واقعي ، فلو عكس - ولو جهلاً أو سهواً - بطل ، ولا يجب البدء بالأعلى في كلّ عضو ، ولا الأعلى فالأعلى ، ولا الموالاة العرفية ؛ بمعنى التتابع ولا بمعنى عدم الجفاف ، فلو غسل

ص: 197


1- لأنّ مناط صحّته هو رجحانه الذاتي وأمره الاستحبابي لا الأمر الغيري المتوهّم ، والمكلّف الملتفت بأنّ الغسل بما هو عبادة يكون شرطاً للصلاة يأتي به عبادة ومتقرّباً به إلى اللّه للتوصّل إلى حصول الواجب المشروط به ، لا أ نّه يأتي به لأجل الأمر الغيري متقرّباً إلى اللّه ، والتفصيل موكول إلى محلّه .
2- بل يجب على الأحوط - لو لم يكن أقوى - مع غسل ما تحته من البشرة .

رأسه ورقبته في أوّل النهار ، والأيمن في وسطه ، والأيسر في آخره صحّ ، وكذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد ، ولو تذكّر بعد الغسل ترك جزء من أحد الأعضاء رجع وغسل ذلك الجزء ، فإن كان في الأيسر كفاه ذلك ، وإن كان في الرأس أو الأيمن وجب غسل الباقي على الترتيب ، ولو اشتبه ذلك(1) الجزء وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب .

الثانية : الارتماس وهو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية(2) ، واللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد ؛ وإن كان غمسه على التدريج ، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر لم يكف ، كما إذا خرجت رجله ، أو دخلت في الطين قبل أن يدخل رأسه في الماء ، أو بالعكس ؛ بأن خرج رأسه من الماء قبل أن تدخل رجله ، ولا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء ، بل لو كان بعضه خارجاً فارتمس كفى ، بل لو كان تمام بدنه تحت الماء فنوى الغسل وحرّك بدنه كفى على الأقوى(3) ، ولو تيقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة ، ولا يكفي غسل ذلك الجزء فقط ، ويجب تخليل الشعر إذا شكّ في وصول الماء إلى البشرة التي تحته ، ولا فرق في كيفية الغسل بأحد النحوين بين غسل الجنابة وغيره من سائر الأغسال الواجبة والمندوبة ، نعم في غسل الجنابة لا يجب

ص: 198


1- إذا كان المشتبه لمعة من عضو واحد يجب غسل تمام المحتملات ، وأمّا إذا كان مردّداً بين لمعة من العضو المتقدّم والمتأخّر ، فوجوب غسل طرف الشبهة من العضو المتقدّم مبنيّ على الاحتياط .
2- على الأحوط .
3- وإن كان الأحوط خروج شيء من الجسد ، وأحوط منه خروج معظم الجسد .

الوضوء ، بل لا يشرع بخلاف سائر الأغسال ، كما سيأتي إن شاء اللّه .

(مسألة 1) : الغسل الترتيبي أفضل(1) من الارتماسي .

(مسألة 2) : قد يتعيّن الارتماسي ، كما إذا ضاق الوقت عن الترتيبي ، وقد يتعيّن الترتيبي ، كما في يوم الصوم الواجب وحال الإحرام ، وكذا إذا كان الماء للغير ولم يرض بالارتماس فيه .

(مسألة 3) : يجوز في الترتيبي أن يغسل كلّ عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس ، بل لو ارتمس في الماء ثلاث مرّات ؛ مرّة بقصد غسل الرأس ، ومرّة بقصد غسل الأيمن ، ومرّة بقصد الأيسر كفى ، وكذا لو حرّك بدنه تحت الماء ثلاث مرّات ، أو قصد بالارتماس غسل الرأس وحرّك بدنه تحت الماء بقصد الأيمن ، وخرج بقصد الأيسر ، ويجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس ، والبقيّة بالترتيب ، بل يجوز غسل بعض كلّ عضو بالارتماس ، وبعضه الآخر بإمرار اليد .

(مسألة 4) : الغسل الارتماسي يتصوّر على وجهين : أحدهما : أن يقصد الغسل بأوّل جزء دخل في الماء وهكذا إلى الآخر ، فيكون حاصلاً على وجه التدريج . والثاني : أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه ، وحينئذٍ يكون آنيّاً ، وكلاهما صحيح ويختلف باعتبار القصد ، ولو لم يقصد أحد الوجهين صحّ أيضاً ، وانصرف إلى التدريجي .

(مسألة 5) : يشترط في كلّ عضو أن يكون طاهراً حين غسله ، فلو كان نجساً طهّره أوّلاً ، ولا يكفي غسل واحد لرفع الخبث والحدث كما مرّ في الوضوء ،

ص: 199


1- لا يخلو من تأمّل .

ولا يلزم طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل وإن كان أحوط .

(مسألة 6) : يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء ، فلو كان حائل وجب رفعه ، ويجب اليقين بزواله مع سبق وجوده ، ومع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان(1) بعدمه بعد الفحص .

(مسألة 7) : إذا شكّ في شيء أ نّه من الظاهر أو الباطن يجب غسله(2) ، على خلاف ما مرّ في غسل النجاسات ؛ حيث قلنا بعدم وجوب غسله ، والفرق أنّ هناك الشكّ يرجع إلى الشكّ في تنجّسه ، بخلافه هنا ؛ حيث إنّ التكليف بالغسل معلوم فيجب تحصيل اليقين بالفراغ ، نعم لو كان ذلك الشيء باطناً سابقاً وشكّ في أ نّه صار ظاهراً أم لا ، فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملاً بالاستصحاب .

(مسألة 8) : ما مرّ من أ نّه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنّما هو فيما عدا غسل المستحاضة والمسلوس(3) والمبطون ، فإنّه يجب فيه المبادرة إليه وإلى الصلاة بعده ؛ من جهة خوف خروج الحدث .

(مسألة 9) : يجوز الغسل تحت المطر وتحت الميزاب ترتيباً لا ارتماساً ، نعم إذا كان نهر كبير جارياً من فوق على نحو الميزاب لا يبعد جواز الارتماس تحته

ص: 200


1- لزوم حصول الاطمئنان فيما إذا كان لاحتماله منشأ يعتني به العقلاء ، وإلاّ فلا يلزم حصول الظنّ فضلاً عن الاطمئنان .
2- على الأحوط ؛ وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة ، وما ذكره من الوجه غير وجيه كغيره .
3- إن كان لهما فترة تسع الطهارة والصلاة فقط ، بل مطلقاً على الأحوط .

أيضاً إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء .

(مسألة 10) : يجوز العدول(1) عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء ، وبالعكس ، لكن بمعنى رفع اليد عنه والاستئناف على النحو الآخر .

(مسألة 11) : إذا كان حوض أقلّ من الكرّ يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن ، لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، فبناءً على الإشكال فيه يشكل الوضوء والغسل منه بعد ذلك ، وكذا إذا قام فيه واغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فيه ، وأمّا إذا كان كرّاً أو أزيد فليس كذلك ، نعم لا يبعد صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكرّ لا أزيد واغتسل فيه مراراً عديدة ، لكن الأقوى كما مرّ جواز الاغتسال والوضوء من المستعمل .

(مسألة 12) : يشترط في صحّة الغسل ما مرّ من الشرائط في الوضوء من النيّة واستدامتها إلى الفراغ ، وإطلاق الماء وطهارته ، وعدم كونه ماء الغسالة ، وعدم الضرر في استعماله ، وإباحته ، وإباحة ظرفه(2) ، وعدم كونه من الذهب والفضّة ، وإباحة مكان الغسل ومصبّ مائه ، وطهارة البدن ، وعدم ضيق(3) الوقت ، والترتيب في الترتيبي ، وعدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه ، كيوم الصوم ،

ص: 201


1- الظاهر عدم جواز العدول من الترتيبي ، ولا أثر لرفع اليد عنه بعد الغسل ، نعم يجوز في العكس ، والأحوط عدم العدول فيه أيضاً إذا اشتغل بالغسل على النحو الأوّل من النحوين المتقدّمين في المسألة الرابعة .
2- على نحو ما مرّ في الوضوء ، ومرّ حكم أواني الذهب والفضّة في باب الأواني .
3- يأتي الكلام فيه في التيمّم ولو ضاق الوقت عن الترتيبي يتعيّن الارتماسي كما مرّ ، لكن لو تخلّف وأتى بالترتيبي يصحّ وإن عصى في تفويت الوقت .

وفي حال الإحرام ، والمباشرة في حال الاختيار ، وما عدا(1) الإباحة وعدم كون الظرف من الذهب والفضّة وعدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعي ؛ لا فرق فيها بين العمد والعلم والجهل والنسيان ، بخلاف المذكورات فإنّ شرطيتها مقصورة حال العمد والعلم .

(مسألة 13) : إذا خرج من بيته بقصد الحمّام والغسل فيه ، فاغتسل بالداعي الأوّل ، لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء : ما تفعل ؟ يقول : أغتسل ، فغسله صحيح ، وأمّا إذا كان غافلاً بالمرّة بحيث لو قيل له : ما تفعل ؟ يبقى متحيّراً فغسله ليس بصحيح .

(مسألة 14) : إذا ذهب إلى الحمّام ليغتسل ، وبعد ما خرج شكّ في أ نّه اغتسل أم لا ، يبني على العدم ، ولو علم أ نّه اغتسل لكن شكّ في أ نّه على الوجه الصحيح أم لا ، يبني على الصحّة .

(مسألة 15) : إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت ، فتبيّن ضيقه وأنّ وظيفته كانت هو التيمّم ، فإن كان على وجه الداعي يكون صحيحاً ، وإن كان على وجه التقييد يكون باطلاً(2) ، ولو تيمّم باعتقاد الضيق فتبيّن سعته ، ففي صحّته وصحّة صلاته إشكال(3) .

(مسألة 16) : إذا كان من قصده عدم إعطاء الاُجرة للحمّامي فغسله باطل ، وكذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضا الحمّامي بذلك وإن استرضاه

ص: 202


1- مرّ منه في الضرر ما ينافي ذلك ، ومرّ منّا الاحتياط .
2- الظاهر صحّته مع التقييد أيضاً ، إلاّ أن يرجع إلى عدم قصد الغسل الراجح في نفسه .
3- الأقوى بطلانهما .

بعد الغسل ، ولو كان بناؤهما على النسيئة ولكن كان بانياً على عدم إعطاء الاُجرة أو على إعطاء الفلوس الحرام ، ففي صحّته إشكال(1) .

(مسألة 17) : إذا كان ماء الحمّام مباحاً لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه ؛ لأنّ صاحب الحطب يستحقّ عوض حطبه ، ولا يصير شريكاً في الماء ولا صاحب حقّ فيه .

(مسألة 18) : الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل ، بل غير صحيح ، بل وكذا لأهله إلاّ إذا علم(2) عموم الوقفية أو الإباحة .

(مسألة 19) : الماء الذي يسبّلونه يشكل الوضوء والغسل منه ، إلاّ مع العلم بعموم الإذن .

(مسألة 20) : الغسل بالمئزر الغصبي باطل(3) .

(مسألة 21) : ماء غسل المرأة من الجنابة والحيض والنفاس وكذا اُجرة تسخينه إذا احتاج إليه على زوجها على الأظهر ؛ لأ نّه يعدّ جزءاً من نفقتها .

(مسألة 22) : إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره أو في حال الإحرام ارتماساً نسياناً ، لا يبطل صومه ولا غسله ، وإن كان متعمّداً بطلا معاً(4) ، ولكن لا يبطل إحرامه وإن كان آثماً ، وربّما يقال : لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صحّ غسله ، وهو في صوم رمضان مشكل ؛ لحرمة إتيان المفطر فيه بعد

ص: 203


1- الظاهر الصحّة فيهما ، بل في بعض فروض الفرضين المتقدّمين لا تخلو من وجه .
2- ولو من جهة تعارفه عند أهله .
3- بل صحيح .
4- في صوم شهر رمضان أو واجب معيّن ، وأمّا في غيرهما فلا يبطل غسله .

البطلان أيضاً ، فخروجه من الماء أيضاً حرام كمكثه تحت الماء ، بل يمكن أن يقال(1) : إنّ الارتماس فعل واحد مركّب من الغمس والخروج فكلّه حرام ، وعليه يشكل في غير شهر رمضان أيضاً ، نعم لو تاب ثمّ خرج بقصد الغسل صحّ .

فصل : في مستحبّات غسل الجنابة

وهي اُمور(2) : أحدها : الاستبراء من المنيّ بالبول قبل الغسل . الثاني : غسل اليدين ثلاثاً إلى المرفقين ، أو إلى نصف الذراع ، أو إلى الزندين ؛ من غير فرق بين الارتماس والترتيب . الثالث : المضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاث مرّات ، ويكفي مرّة أيضاً . الرابع : أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع ، وهو ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال . الخامس : إمرار اليد على الأعضاء لزيادة الاستظهار . السادس : تخليل الحاجب الغير المانع لزيادة الاستظهار . السابع : غسل كلّ من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً . الثامن : التسمية ؛ بأن يقول : بسم اللّه ، والأولى أن يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم . التاسع : الدعاء المأثور في حال الاشتغال ، وهو : «اللهمّ طهّر قلبي ، وتقبّل سعيي ، واجعل ما عندك خيراً لي ، اللهمّ اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهّرين» ، أو يقول : «اللهمّ طهّر قلبي واشرح صدري ، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك ، اللهمّ اجعله لي طهوراً وشفاءً ونوراً ، إنّك على كلّ شيء قدير» ، ولو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضاً كان أولى . العاشر : الموالاة والابتداء بالأعلى في كلّ من الأعضاء في الترتيبي .

ص: 204


1- لكنّه ضعيف .
2- بعضها محلّ تأمّل .

(مسألة 1) : يكره الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة على ما مرّ في الوضوء .

(مسألة 2) : الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطاً في صحّته ، وإنّما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمنيّ ، فلو لم يستبرئ واغتسل وصلّى ثمّ خرج منه المنيّ أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته ، ويجب عليه الغسل لما سيأتي .

(مسألة 3) : إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ، ثمّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنيّ ، فمع عدم الاستبراء قبل الغسل(1) بالبول يحكم عليها بأ نّها منيّ ، فيجب الغسل ، ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأ نّه بول ، فيوجب الوضوء ومع عدم الأمرين يجب الاحتياط بالجمع(2) بين الغسل والوضوء إن لم يحتمل غيرهما ، وإن احتمل كونها مذياً - مثلاً - بأن يدور الأمر بين البول والمنيّ والمذي فلا يجب عليه شيء ، وكذا حال الرطوبة الخارجة بدواً من غير سبق جنابة ، فإنّها مع دورانها بين المنيّ والبول يجب الاحتياط(3) بالوضوء والغسل ، ومع دورانها بين الثلاثة أو بين كونها منيّاً أو مذياً ، أو بولاً أو مذياً لا شيء عليه .

(مسألة 4) : إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل ، وشكّ في أ نّه

ص: 205


1- أو بعده .
2- إذا بال بعد الغسل واستبرأ بالخرطات ثمّ خرجت الرطوبة المشتبهة ، فالظاهر كفاية الوضوء خاصّة .
3- مع الجهل بالحالة السابقة أو كونها الطهارة ، وأمّا مع كونها الحدث الأصغر فالأقوى كفاية الوضوء .

استبرأ بالبول أم لا ، بنى على عدمه ، فيجب عليه الغسل ، والأحوط(1) ضمّ الوضوء أيضاً .

(مسألة 5) : لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار ، أو لأجل عدم إمكان الاختبار من جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك .

(مسألة 6) : الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها وإن كانت قبل استبرائها ، فيحكم عليها بعدم الناقضية وعدم النجاسة ، إلاّ إذا علم أ نّها إمّا بول(2) أو منيّ .

(مسألة 7) : لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئاً بالخرطات أم لا ، وربّما يقال : إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه ، وهو ضعيف .

(مسألة 8) : إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة ، الأقوى عدم بطلانه ، نعم يجب عليه الوضوء بعده ، لكن الأحوط إعادة الغسل بعد إتمامه والوضوء بعده ، أو الاستئناف(3) والوضوء بعده ، وكذا إذا أحدث في سائر الأغسال ، ولا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبياً أو ارتماسياً إذا كان على وجه التدريج ، وأمّا إذا كان على وجه الآنيّة فلا يتصوّر فيه حدوث الحدث في أثنائه .

ص: 206


1- مع احتمال البول أيضاً .
2- يأتي فيها التفصيل المتقدّم في المسألة الثالثة بالنسبة إلى الحدث .
3- لكن إذا أحدث في أثناء الترتيبي استأنف ترتيباً ، بل إذا كان في أثناء الارتماسي استئنافه ارتماساً أيضاً موافق للاحتياط .

(مسألة 9) : إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل ، فإن كان مماثلاً للحدث السابق كالجنابة في أثناء غسلها أو المسّ في أثناء غسله فلا إشكال في وجوب الاستئناف ، وإن كان مخالفاً له فالأقوى عدم بطلانه فيتمّه ويأتي بالآخر ، ويجوز الاستئناف(1) بغسل واحد لهما ويجب الوضوء بعده إن كانا غير الجنابة ، أو كان السابق هو الجنابة ، حتّى لو استأنف وجمعهما بنيّة واحدة على الأحوط ، وإن كان اللاحق جنابة فلا حاجة إلى الوضوء ؛ سواء أتمّه وأتى للجنابة بعده أو استأنف وجمعهما بنيّة واحدة .

(مسألة 10) : الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبّة أيضاً لا يكون مبطلاً لها ، نعم في الأغسال المستحبّة لإتيان فعل كغسل الزيارة والإحرام لا يبعد البطلان ، كما أنّ حدوثه بعده وقبل الإتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتي .

(مسألة 11) : إذا شكّ في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة أو في شرطه قبل الدخول في العضو الآخر رجع وأتى به ، وإن كان بعد الدخول فيه لم يعتن به ويبني على الإتيان على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء ولم يفرغ من الغسل كما في الوضوء ، نعم لو شكّ في غسل الأيسر أتى به وإن طال الزمان ؛ لعدم تحقّق الفراغ حينئذٍ ، لعدم اعتبار الموالاة فيه ، وإن كان يحتمل(2) عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة .

(مسألة 12) : إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثمّ شكّ في أ نّه كان ناوياً للغسل الارتماسي حتّى يكون فارغاً ، أو لغسل الرأس والرقبة في الترتيبي حتّى

ص: 207


1- مع مراعاة ما ذكرنا في المسألة السابقة .
2- لكنّه ضعيف .

يكون في الأثناء ويجب عليه الإتيان بالطرفين ، يجب عليه الاستئناف ، نعم يكفيه(1) غسل الطرفين بقصد الترتيبي ؛ لأ نّه إن كان بارتماسه قاصداً للغسل الارتماسي فقد فرغ ، وإن كان قاصداً للرأس والرقبة فبإتيان غسل الطرفين يتمّ الغسل الترتيبي .

(مسألة 13) : إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثمّ تبيّن له بقاء جزء من بدنه غير منغسل ، يجب عليه الإعادة ترتيباً أو ارتماساً(2) ، ولا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس والرقبة إن كان الجزء الغير المنغسل في الطرفين ، فيأتي بالطرفين الآخرين ؛ لأ نّه قصد به تمام الغسل ارتماساً لا خصوص الرأس والرقبة ، ولا يكفي نيّتهما في ضمن المجموع .

(مسألة 14) : إذا صلّى ثمّ شكّ في أ نّه اغتسل للجنابة أم لا ، يبني على صحّة صلاته ، ولكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية ، ولو كان الشكّ في أثناء الصلاة بطلت ، لكن الأحوط إتمامها ثمّ الإعادة .

(مسألة 15) : إذا اجتمع(3) عليه أغسال متعدّدة ؛ فإمّا أن يكون جميعها واجباً ، أو يكون جميعها مستحبّاً ، أو يكون بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً ، ثمّ إمّا

ص: 208


1- الأحوط الاقتصار على ذلك أو الاستئناف ترتيبياً لا ارتماسياً .
2- والأولى الأحوط إعادته ارتماسياً .
3- لا إشكال في كفاية الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة مطلقاً مع نيّة الجميع ، وأمّا مع عدم نيّة الجميع ففيها إشكال ، نعم لا يبعد كفاية نيّة الجنابة عن الأغسال الاُخر ، بل الاكتفاء بالواحد عن الجميع أيضاً لا يخلو من وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بنيّة الجميع ، أو نيّة الجنابة لو كان عليه غسلها ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة أيضاً بنيّة الجميع .

أن ينوي الجميع أو البعض ، فإن نوى الجميع بغسل واحد صحّ في الجميع وحصل امتثال أمر الجميع ، وكذا إن نوى رفع الحدث أو الاستباحة إذا كان جميعها أو بعضها لرفع الحدث والاستباحة ، وكذا لو نوى القربة ، وحينئذٍ فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء بعده أو قبله ، وإلاّ وجب الوضوء ، وإن نوى واحداً منها وكان واجباً كفى عن الجميع أيضاً على الأقوى ، وإن كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة وكان من جملتها ، لكن على هذا يكون امتثالاً بالنسبة إلى ما نوى ، وأداءً بالنسبة إلى البقيّة ، ولا حاجة إلى الوضوء إذا كان فيها الجنابة ، وإن كان الأحوط مع كون أحدها الجنابة أن ينوي غسل الجنابة ، وإن نوى بعض المستحبّات كفى أيضاً عن غيره من المستحبّات وأمّا كفايته عن الواجب ففيه إشكال وإن كان غير بعيد ، لكن لا يترك الاحتياط .

(مسألة 16) : الأقوى صحّة غسل الجمعة من الجنب والحائض ، بل لا يبعد إجزاؤه(1) عن غسل الجنابة ، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم .

(مسألة 17) : إذا كان يعلم إجمالاً أنّ عليه أغسالاً ، لكن لا يعلم بعضها بعينه ، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه ، كما يكفيه(2) أن يقصد البعض المعيّن ويكفي عن غير المعيّن ، بل إذا نوى غسلاً معيّناً ولا يعلم ولو إجمالاً غيره وكان عليه في الواقع كفى عنه(3) أيضاً وإن لم يحصل امتثال أمره ، نعم إذا نوى بعض الأغسال ونوى عدم تحقّق الآخر ، ففي كفايته عنه إشكال ، بل صحّته أيضاً لا تخلو عن

ص: 209


1- مرّ الإشكال فيه وإن كان له وجه .
2- بنحو ما مرّ ، ومرّ الإشكال في بعض وجوهه .
3- إذا كان المعيّن هو غسل الجنابة ، وفي غيره له وجه لا يخلو من إشكال .

إشكال(1) بعد كون حقيقة الأغسال واحدة ، ومن هذا يشكل البناء على عدم التداخل ؛ بأن يأتي بأغسال متعدّدة كلّ واحد بنيّة واحد منها ، لكن لا إشكال إذا أتى فيما عدا الأوّل برجاء الصحّة والمطلوبية .

فصل : في الحيض

وهو دم خلقه اللّه تعالى في الرحم لمصالح ، وفي الغالب أسود(2) أو أحمر غليظ طريّ حارّ يخرج بقوّة وحرقة ، كما أنّ دم الاستحاضة بعكس ذلك ، ويشترط أن يكون بعد البلوغ وقبل اليأس ، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض وإن كان بصفاته ، والبلوغ يحصل بإكمال تسع سنين ، واليأس ببلوغ ستّين سنة في القرشية وخمسين في غيرها ، والقرشية من انتسب إلى النضر بن كنانة ، ومن شكّ في كونها قرشية يلحقها حكم غيرها(3) ، والمشكوك البلوغ محكوم بعدمه ، والمشكوك يأسها كذلك .

(مسألة 1) : إذا خرج ممّن شكّ في بلوغها دم وكان بصفات الحيض ، يحكم بكونه(4) حيضاً ، ويجعل علامة على البلوغ ، بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض وخرج ممّن علم عدم بلوغها ، فإنّه لا يحكم بحيضيته ، وهذا هو المراد من شرطية البلوغ .

ص: 210


1- الأقوى صحّته .
2- أي أحمر يضرب إلى السواد .
3- فيه إشكال .
4- محلّ تأمّل وإشكال ، وكذا أماريته للبلوغ وإن لا يخلو من قرب إذا حصل الاطمئنان بحيضيته .

(مسألة 2) : لا فرق في كون اليأس بالستّين أو الخمسين بين الحرّة والأمة ، وحارّ المزاج وبارده ، وأهل مكان ومكان .

(مسألة 3) : لا إشكال في أنّ الحيض يجتمع مع الإرضاع ، وفي اجتماعه مع الحمل قولان ؛ الأقوى أ نّه يجتمع معه ؛ سواء كان قبل الاستبانة أو بعدها ، وسواء كان في العادة أو قبلها أو بعدها ، نعم فيما كان بعد العادة بعشرين يوماً الأحوط الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة .

(مسألة 4) : إذا انصبّ الدم من الرحم إلى فضاء الفرج وخرج منه شيء في الخارج ولو بمقدار رأس إبرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض ، وأمّا إذا انصبّ ولم يخرج بعد وإن كان يمكن إخراجه بإدخال قطنة أو إصبع ، ففي جريان أحكام الحيض إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر والحائض ، ولا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي أو العارضي .

(مسألة 5) : إذا شكّت في أنّ الخارج دم أو غير دم ، أو رأت دماً في ثوبها وشكّت في أ نّه من الرحم أو من غيره ، لا تجري أحكام الحيض ، وإن علمت بكونه دماً واشتبه عليها ، فإمّا أن يشتبه بدم الاستحاضة ، أو بدم البكارة ، أو بدم القرحة ، فإن اشتبه بدم الاستحاضة يرجع إلى الصفات(1) ، فإن كان بصفة الحيض يحكم بأ نّه حيض ، وإلاّ فإن كان في أيّام العادة فكذلك ، وإلاّ فيحكم بأ نّه استحاضة ، وإن اشتبه بدم البكارة يختبر بإدخال قطنة(2) في الفرج

ص: 211


1- يأتي التفصيل ، ويأتي أنّ الرجوع إلى الصفات متأخّر عن الرجوع إلى العادة .
2- وتركها مليّاً ، ثمّ إخراجها رقيقاً على الأحوط الأولى .

والصبر قليلاً ثمّ إخراجها ، فإن كانت مطوّقة بالدم فهو بكارة ، وإن كانت منغمسة به فهو حيض . والاختبار المذكور واجب ، فلو صلّت بدونه بطلت وإن تبيّن بعد ذلك عدم كونه حيضاً ، إلاّ إذا حصل منها قصد القربة ؛ بأن كانت جاهلة أو عالمة أيضاً إذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضاً ، وإذا تعذّر الاختبار ترجع إلى الحالة السابقة من طهر أو حيض ، وإلاّ فتبني على الطهارة ، لكن مراعاة الاحتياط أولى(1) . ولا يلحق بالبكارة في الحكم المذكور غيرها كالقرحة المحيطة بأطراف الفرج ، وإن اشتبه بدم القرحة فالمشهور(2) : أنّ الدم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيض ، وإلاّ فمن القرحة ، إلاّ أن يعلم أنّ القرحة في الطرف الأيسر ، لكن الحكم المذكور مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهرة والحائض ، ولو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية(3) إلاّ أن يكون الحالة السابقة هي الحيضية .

(مسألة 6) : أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة ، فإذا رأت يوماً أو يومين أو ثلاثة إلاّ ساعة - مثلاً - لا يكون حيضاً ، كما أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام ، وليس لأكثره حدّ ، ويكفي الثلاثة الملفّقة ، فإذا رأت في وسط اليوم الأوّل واستمرّ إلى

ص: 212


1- بل لازم .
2- لا يبعد وجوب الاختبار والعمل على القول المشهور ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ولو مع العلم بالحالة السابقة ، نعم لو تعذّر الاختبار تعمل على طبق الحالة السابقة ، ومع الجهل بها تجمع بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض .
3- مع العلم بأنّ الحالة السابقة الطهر ، وإلاّ فتجمع بين وظائف الطاهرة والحائض ، ومع العلم بحيضية الحالة السابقة تحكم بالحيضية .

وسط اليوم الرابع يكفي في الحكم بكونه حيضاً ، والمشهور(1) اعتبروا التوالي في الأيّام الثلاثة ، نعم بعد توالي الثلاثة في الأوّل لا يلزم التوالي في البقيّة ، فلو رأت ثلاثة متفرّقة في ضمن العشرة لا يكفي ، وهو محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض فيها ، وكذا اعتبروا استمرار الدم في الثلاثة ولو في فضاء الفرج ، والأقوى كفاية الاستمرار العرفي ، وعدم مضرّية الفترات اليسيرة في البين ، بشرط أن لا ينقص من ثلاثة ؛ بأن كان بين أوّل الدم وآخره ثلاثة أيّام ولو ملفّقة ، فلو لم تر في الأوّل مقدار نصف ساعة من أوّل النهار ومقدار نصف ساعة في آخر اليوم الثالث لا يحكم بحيضيته ؛ لأ نّه يصير ثلاثة إلاّ ساعة مثلاً ، والليالي المتوسّطة داخلة ، فيعتبر الاستمرار العرفي فيها أيضاً ، بخلاف ليلة اليوم الأوّل وليلة اليوم الرابع ، فلو رأت من أوّل نهار اليوم الأوّل إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى .

(مسألة 7) : قد عرفت أنّ أقلّ الطهر عشرة ، فلو رأت الدم يوم التاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليها بالحيضية ، وأمّا إذا رأت يوم الحادي عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيته إذا لم يكن مانع آخر ، والمشهور(2) على اعتبار هذا الشرط - أي مضيّ عشرة من الحيض السابق في حيضية الدم اللاحق مطلقاً - ولذا قالوا : لو رأت ثلاثة - مثلاً - ثمّ انقطع يوماً أو أزيد ثمّ رأت وانقطع على العشرة ، إنّ الطهر المتوسّط أيضاً حيض ، وإلاّ لزم كون الطهر أقلّ من

ص: 213


1- وهو المنصور ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . نعم ، لو رأت ثلاثة أيّام متواليات ثمّ انقطع وعاد قبل العشرة من حين رؤية الأوّل وانقطع عليها ، يكون من حينها إلى تمام العشرة محكوماً بالحيضية حتّى أيّام النقاء على الأقوى .
2- وهو الأقوى .

عشرة ، وما ذكروه محلّ إشكال ، بل المسلّم أ نّه لا يكون بين الحيضين أقلّ من عشرة ، وأمّا بين أيّام الحيض الواحد فلا ، فالأحوط مراعاة الاحتياط بالجمع في الطهر بين أيّام الحيض الواحد كما في الفرض المذكور .

(مسألة 8) : الحائض : إمّا ذات العادة أو غيرها ، والاُولى : إمّا وقتية وعددية ، أو وقتية فقط ، أو عددية فقط ، والثانية : إمّا مبتدئة ، وهي التي لم تر الدم سابقاً وهذا الدم أوّل ما رأت ، وإمّا مضطربة ، وهي التي رأت الدم مكرّراً لكن لم تستقرّ لها عادة ، وإمّا ناسية ، وهي التي نسيت عادتها ، ويطلق عليها المتحيّرة أيضاً ، وقد يطلق عليها المضطربة ويطلق المبتدئة على الأعمّ ممّن لم تر الدم سابقاً ومن لم تستقرّ لها عادة ، أي المضطربة بالمعنى الأوّل .

(مسألة 9) : تتحقّق العادة برؤية الدم مرّتين متماثلين ، فإن كانا متماثلين في الوقت والعدد فهي ذات العادة الوقتية والعددية ، كأن رأت في أوّل شهر خمسة أيّام ، وفي أوّل الشهر الآخر أيضاً خمسة أيّام ، وإن كانا متماثلين في الوقت دون العدد ، فهي ذات العادة الوقتية ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة ، وفي أوّل الشهر الآخر ستّة أو سبعة مثلاً ، وإن كانا متماثلين في العدد فقط ، فهي ذات العادة العددية ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة ، وبعد عشرة أيّام أو أزيد رأت خمسة اُخرى .

(مسألة 10) : صاحبة العادة إذا رأت الدم مرّتين متماثلتين على خلاف العادة الاُولى تنقلب عادتها إلى الثانية ، وإن رأت مرّتين على خلاف الاُولى لكن غير متماثلتين يبقى حكم الاُولى(1) ، نعم لو رأت على خلاف العادة الاُولى

ص: 214


1- فيه تأمّل .

مرّات عديدة مختلفة تبطل عادتها وتلحق بالمضطربة .

(مسألة 11) : لا يبعد تحقّق العادة المركّبة ، كما إذا رأت في الشهر الأوّل ثلاثة ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث ثلاثة ، وفي الرابع أربعة ، أو رأت شهرين متواليين ثلاثة ، وشهرين متواليين أربعة ، ثمّ شهرين متواليين ثلاثة ، وشهرين متواليين أربعة ، فتكون ذات عادة على النحو المزبور ، لكن لا يخلو عن إشكال ، خصوصاً في مثل الفرض الثاني ؛ حيث يمكن أن يقال : إنّ الشهرين المتواليين على خلاف السابقين يكونان ناسخين للعادة الاُولى ، فالعمل بالاحتياط أولى ، نعم إذا تكرّرت الكيفية المذكورة مراراً عديدة ؛ بحيث يصدق في العرف أنّ هذه الكيفية عادتها وأيّامها لا إشكال في اعتبارها ، فالإشكال إنّما هو في ثبوت العادة الشرعية بذلك ، وهي الرؤية كذلك مرّتين .

(مسألة 12) : قد تحصل العادة بالتمييز كما في المرأة المستمرّة الدم إذا رأت خمسة أيّام - مثلاً - بصفات الحيض في أوّل الشهر الأوّل ، ثمّ رأت بصفات الاستحاضة ، وكذلك رأت في أوّل الشهر الثاني خمسة أيّام بصفات الحيض ، ثمّ رأت بصفات الاستحاضة ، فحينئذٍ تصير ذات عادة عددية وقتية ، وإذا رأت في أوّل الشهر الأوّل خمسة بصفات الحيض ، وفي أوّل الشهر الثاني ستّة أو سبعة - مثلاً - فتصير حينئذٍ ذات عادة وقتية ، وإذا رأت في أوّل الشهر الأوّل خمسة - مثلاً - وفي العاشر من الشهر الثاني - مثلاً - خمسة بصفات الحيض ، فتصير ذات عادة عددية .

(مسألة 13) : إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء في البين ، فهل العادة أيّام الدم فقط ، أو مع أيّام النقاء ، أو خصوص ما قبل النقاء ؟

ص: 215

الأظهر الأوّل(1) ، مثلاً إذا رأت أربعة أيّام ثمّ طهرت في اليوم الخامس ، ثمّ رأت في السادس كذلك في الشهر الأوّل والثاني ، فعادتها خمسة أيّام لا ستّة ولا أربعة ، فإذا تجاوز دمها رجعت إلى خمسة متوالية وتجعلها حيضاً لا ستّة ، ولا بأن تجعل اليوم الخامس يوم النقاء ، والسادس أيضاً حيضاً ، ولا إلى الأربعة .

(مسألة 14) : يعتبر في تحقّق العادة العددية تساوي الحيضين وعدم زيادة إحداهما على الاُخرى ولو بنصف يوم أو أقلّ ، فلو رأت خمسة في الشهر الأوّل وخمسة وثلث أو ربع يوم في الشهر الثاني ، لا تتحقّق العادة من حيث العدد ، نعم لو كانت الزيادة يسيرة لا تضرّ ، وكذا في العادة الوقتية تفاوت الوقت ولو بثلث أو ربع يوم يضرّ ، وأمّا التفاوت اليسير فلا يضرّ ، لكن المسألة لا تخلو عن إشكال ، فالأولى مراعاة الاحتياط .

(مسألة 15) : صاحبة العادة الوقتية - سواء كانت عددية أيضاً أم لا - تترك العبادة بمجرّد رؤية الدم في العادة أو مع تقدّمه أو تأخّره - يوماً أو يومين أو أزيد - على وجه يصدق عليه تقدّم العادة أو تأخّرها ؛ ولو لم يكن الدم بالصفات ، وترتّب عليه جميع أحكام الحيض ، فإن علمت بعد ذلك عدم كونه حيضاً ؛ لانقطاعه قبل تمام ثلاثة أيّام ، تقضي ما تركته من العبادات . وأمّا غير ذات العادة المذكورة كذات العادة العددية فقط ، والمبتدئة والمضطربة والناسية فإنّها تترك العبادة ، وترتّب أحكام الحيض بمجرّد رؤيته إذا كان بالصفات ، وأمّا مع عدمها فتحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيّام ، فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضاً ، نعم لو علمت أ نّه يستمرّ إلى ثلاثة أيّام تركت العبادة بمجرّد الرؤية ، وإن تبيّن الخلاف تقضي ما تركته .

ص: 216


1- بل الثاني .

(مسألة 16) : صاحبة العادة المستقرّة في الوقت والعدد إذا رأت العدد في غير وقتها ولم تره في الوقت تجعله حيضاً ؛ سواء كان قبل الوقت أو بعده .

(مسألة 17) : إذا رأت قبل العادة وفيها ولم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضاً ، وكذا إذا رأت في العادة وبعدها ولم يتجاوز عن العشرة ، أو رأت قبلها وفيها وبعدها ، وإن تجاوز العشرة في الصور المذكورة ، فالحيض أيّام العادة فقط ، والبقيّة استحاضة .

(مسألة 18) : إذا رأت ثلاثة أيّام متواليات وانقطع ، ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو أزيد ، فإن كان مجموع الدمين والنقاء المتخلّل لا يزيد عن عشرة كان الطرفان حيضاً ، وفي النقاء المتخلّل تحتاط(1) بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة ، وإن تجاوز المجموع(2) عن العشرة ، فإن كان أحدهما في أيّام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً ، وإن لم يكن واحد منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجداً للصفات(3) ، وإن كانا متساويين في الصفات فالأحوط جعل أوّلهما(4) حيضاً ، وإن كان الأقوى التخيير ، وإن كان بعض أحدهما في العادة

ص: 217


1- النقاء المتخلّل محسوب من الحيض ، والظاهر أنّ لفظ المستحاضة من غلط النسخة ، إذ لا وجه لمراعاة أعمالها .
2- مفروض المسألة ما إذا كان كلّ واحد من الدمين وكذا النقاء المتخلّل أقلّ من العشرة .
3- إذا كانت ذات عادة عددية وكان أحد الدمين موافقاً لها دون الآخر تجعله حيضاً ويتقدّم على التميّز على الأقوى .
4- وتحتاط إلى تمام العشرة ، فلو رأت ثلاثة أيّام دماً وانقطع الدم ثلاثة أيّام ورأت ستّة أيّام ، جعلت الثلاثة الاُولى حيضاً وتحتاط في أيّام النقاء بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة ، وفي أيّام الدم إلى تمام العشرة بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة .

دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضاً ، وإن كان بعض كلّ واحد منهما في العادة ، فإن كان ما في الطرف الأوّل من العادة ثلاثة أيّام أو أزيد جعلت الطرفين من العادة حيضاً ، وتحتاط في النقاء(1) المتخلّل ، وما قبل الطرف الأوّل وما بعد الطرف الثاني استحاضة ، وإن كان ما في العادة في الطرف الأوّل أقلّ من ثلاثة تحتاط في جميع أيّام الدمين والنقاء بالجمع بين الوظيفتين .

(مسألة 19) : إذا تعارض الوقت والعدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدّم الوقت(2) ، كما إذا رأت في أيّام العادة أقلّ أو أكثر من عدد العادة ، ودماً آخر في غير أيّام العادة بعددها ، فتجعل ما في أيّام العادة حيضاً وإن كان متأخّراً ، وربّما يرجّح الأسبق ، فالأولى فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيّام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين .

(مسألة 20) : ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد ولم يتجاوز العشرة ، فالمجموع حيض ، وكذا ذات الوقت إذا رأت أزيد من الوقت(3) .

(مسألة 21) : إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة ، فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر وكانا بصفة الحيض فكلاهما حيض ؛ سواء كانت ذات عادة - وقتاً أو عدداً - أو لا ، وسواء كانا موافقين(4) للعدد والوقت ،أو يكون أحدهما مخالفاً .

ص: 218


1- بل هو من الحيض كما مرّ .
2- هذا وإن كان له نوع ترجيح لكن لعدم خلوّه من الإشكال لا يترك الاحتياط مطلقاً .
3- لعلّ مراده تقديم الوقت ، وإلاّ فلا معنى ظاهر للعبارة .
4- لا معنى لموافقتهما للوقت في شهر واحد .

(مسألة 22) : إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر ، فإن كانت إحداهما في العادة والاُخرى في غير وقت العادة ولم تكن الثانية بصفة الحيض تجعل ما في الوقت وإن لم يكن بصفة الحيض حيضاً وتحتاط في الاُخرى ، وإن كانتا معاً في غير الوقت ، فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض ، ومع كون إحداهما واجدة تجعلها حيضاً ، وتحتاط في الاُخرى ، ومع كونهما فاقدتين تجعل إحداهما حيضاً ، والأحوط كونها الاُولى وتحتاط في الاُخرى .

(مسألة 23) : إذا انقطع الدم قبل العشرة ، فإن علمت بالنقاء وعدم وجود الدم في الباطن اغتسلت وصلّت ولا حاجة إلى الاستبراء ، وإن احتملت بقاءه في الباطن وجب عليها الاستبراء واستعلام الحال بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هنيئة ، فإن خرجت نقيّة اغتسلت وصلّت ، وإن خرجت ملطّخة ولو بصفرة صبرت حتّى تنقى ، أو تنقضي عشرة أيّام ، إن لم تكن ذات عادة ، أو كانت عادتها عشرة ، وإن كانت ذات عادة أقلّ من عشرة فكذلك مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة ، وأمّا إذا احتملت التجاوز فعليها الاستظهار بترك العبادة استحباباً بيوم(1) أو يومين أو إلى العشرة مخيّرة بينها ، فإن انقطع الدم على العشرة أو أقلّ فالمجموع حيض في الجميع ، وإن تجاوز فسيجيء حكمه .

(مسألة 24) : إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة وعلمت أ نّه يتجاوز عن العشرة ، تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد ، ولا حاجة إلى الاستظهار .

(مسألة 25) : إذا انقطع الدم بالمرّة وجب الغسل والصلاة وإن احتملت العود

ص: 219


1- لا ينبغي ترك الاحتياط بالاستظهار بيوم أو يومين .

قبل العشرة ، بل وإن ظنّت ، بل وإن كانت معتادة(1) بذلك على إشكال ، نعم لو علمت العود فالأحوط(2) مراعاة الاحتياط في أيّام النقاء ؛ لما مرّ من أنّ في النقاء المتخلّل يجب الاحتياط.

(مسألة 26) : إذا تركت الاستبراء وصلّت بطلت وإن تبيّن بعد ذلك كونها طاهرة ، إلاّ إذا حصلت منها نيّة القربة .

(مسألة 27) : إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى ، فالأحوط(3) الغسل والصلاة إلى زمان حصول العلم بالنقاء ، فتعيد الغسل حينئذٍ ، وعليها قضاء ما صامت ، والأولى تجديد الغسل في كلّ وقت تحتمل النقاء .

فصل : في حكم تجاوز الدم عن العشرة

(مسألة 1) : من تجاوز دمها عن العشرة ؛ سواء استمرّ إلى شهر أو أقلّ أو أزيد : إمّا أن تكون ذات عادة ، أو مبتدئة ، أو مضطربة ، أو ناسية ، أمّا ذات العادة فتجعل عادتها حيضاً وإن لم تكن بصفات الحيض ، والبقيّة استحاضة وإن كانت بصفاته ، إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز(4) ؛ بأن يكون من العادة المتعارفة ، وإلاّ فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة بجعل ما بالصفة حيضاً دون ما في العادة الفاقدة ، وأمّا المبتدئة والمضطربة - بمعنى من لم تستقرّ لها عادة - فترجع

ص: 220


1- لا يترك الاحتياط فيما إذا كانت عادته الانقطاع والعود ؛ بالجمع بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض .
2- والأقوى لزوم ترك العبادة ؛ لما مرّ أنّ النقاء المتخلّل حيض .
3- فيه إشكال .
4- بل وإن حصلت منه .

إلى التمييز فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً ، وما كان بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط أن لا يكون أقلّ من ثلاثة ولا أزيد من العشرة ، وأن لا يعارضه دم آخر(1) واجد للصفات ، كما إذا رأت خمسة أيّام مثلاً دماً أسود ، وخمسة أيّام أصفر ، ثمّ خمسة أيّام أسود ، ومع فقد الشرطين(2) أو كون الدم لوناً واحداً ترجع إلى أقاربها(3) في عدد الأيّام ، بشرط اتّفاقها أو كون النادر كالمعدوم ، ولا يعتبر اتّحاد البلد ، ومع عدم الأقارب أو اختلافها ترجع إلى الروايات مخيّرة بين اختيار الثلاثة في كلّ شهر أو ستّة أو سبعة(4) ، وأمّا الناسية فترجع إلى التمييز ، ومع عدمه إلى الروايات ، ولا ترجع إلى أقاربها ، والأحوط أن تختار السبع .

(مسألة 2) : المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوماً ؛ وإن كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره .

(مسألة 3) : الأحوط أن تختار العدد في أوّل رؤية الدم ، إلاّ إذا كان مرجّح لغير الأوّل .

(مسألة 4) : يجب الموافقة بين الشهور ، فلو اختارت في الشهر الأوّل أوّله ففي الشهر الثاني أيضاً كذلك وهكذا .

ص: 221


1- مع كون الفصل بين الدمين الواجدين بالفاقد الذي هو أقلّ من العشرة ، كما في المثال .
2- إلقاء الأوصاف مطلقاً والحكم بكونها فاقدة التميّز محلّ إشكال ، بل لا يبعد لزوم الأخذ بالصفات في الدم الأوّل وتتميمه أو تنقيصه بما هو وظيفتها ؛ من الأخذ بعادة نسائها أو بالروايات .
3- والأحوط فيمن لم تستقرّ لها عادة وكانت عادة أقاربها أقلّ من سبعة أيّام أو أكثر ، أن تجمع في مقدار التفاوت بين وظيفتي الحائض والمستحاضة .
4- الأحوط - لو لم يكن الأقوى - التحيّض في كلّ شهر بالسبعة .

(مسألة 5) : إذا تبيّن بعد ذلك أنّ زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات ، وكذا إذا تبيّنت الزيادة(1) والنقيصة .

(مسألة 6) : صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة في العدد حالها حال المبتدئة في الرجوع(2) إلى الأقارب ، والرجوع إلى التخيير(3) المذكور مع فقدهم أو اختلافهم ، وإذا علمت كونه أزيد من الثلاثة ليس لها أن تختارها ، كما أ نّها لو علمت أ نّه أقلّ من السبعة ليس لها اختيارها .

(مسألة 7) : صاحبة العادة العددية ترجع في العدد إلى عادتها ، وأمّا في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة ، ومع فقد التمييز تجعل العدد في الأوّل على الأحوط(4) ، وإن كان الأقوى التخيير ، وإن كان هناك تمييز لكن لم يكن موافقاً للعدد فتأخذه وتزيد مع النقصان وتنقص مع الزيادة .

(مسألة 8) : لا فرق في الوصف بين الأسود والأحمر ، فلو رأت ثلاثة أيّام أسود وثلاثة أحمر ثمّ بصفة الاستحاضة ، تتحيّض بستّة .

(مسألة 9) : لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ثلاثة أيّام بصفة الاستحاضة ، ثمّ بصفة الحيض خمسة أيّام أو أزيد ، تجعل الحيض الثلاثة(5) الاُولى ، وأمّا لو رأت بعد الستّة الاُولى ثلاثة أيّام أو أربعة بصفة الحيض ، تجعل الحيض الدمين

ص: 222


1- مع زيادة أيّام الحيض عمّا اختارته وانطباق ما عدا الزيادة عليها - كما هو ظاهر المفروض - لا وجه للقضاء .
2- بعد فقدان التميّز ، وإلاّ فإن كان تميّز يمكن رعايته مع الوقت ، ترجع إليه .
3- بل إلى السبعة كما تقدّم .
4- إن لم يكن أقوى .
5- فيه إشكال ، بل لا يبعد إجراء حكم فاقدة التمييز ، وكذا الحال في الفرع التالي .

الأوّل والأخير ، وتحتاط في البين ممّا هو بصفة الاستحاضة ؛ لأ نّه كالنقاء المتخلّل بين الدمين .

(مسألة 10) : إذا تخلّل بين المتّصفين بصفة الحيض عشرة أيّام بصفة الاستحاضة جعلتهما حيضتين ، إذا لم يكن كلّ واحد منهما أقلّ من ثلاثة .

(مسألة 11) : إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرّقة في ضمن عشرة تحتاط(1) في جميع العشرة .

(مسألة 12) : لا بدّ في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة وبعضها بصفة الحيض ، فإذا كانت مختلفة في صفات الحيض فلا تمييز بالشدّة والضعف أو غيرهما ، كما إذا كان في أحدهما وصفان ، وفي الآخر وصف واحد ، بل مثل هذا فاقد التمييز ، ولا يعتبر اجتماع صفات الحيض ، بل يكفي(2) واحدة منها .

(مسألة 13) : ذكر بعض العلماء : الرجوع إلى الأقران مع فقد الأقارب ، ثمّ الرجوع إلى التخيير بين الأعداد ، ولا دليل عليه ، فترجع إلى التخيير بعد فقد الأقارب .

(مسألة 14) : المراد من الأقارب أعمّ من الأبويني والأبي أو الاُمّي فقط ولا يلزم في الرجوع إليهم حياتهم .

(مسألة 15) : في الموارد التي تتخيّر بين جعل الحيض أوّل الشهر أو غيره إذا

ص: 223


1- الظاهر أ نّها فاقدة التميّز .
2- إذا لم يعارضه بعض صفات الاستحاضة ، وإلاّ فهي من فاقدة التميّز أيضاً على الظاهر ، فإذا كان الدم أسود بارداً تكون فاقدة التميّز ، بخلاف ما لو كان أسود غير بارد ولا حارّ فتكون واجدة .

عارضها زوجها وكان مختارها منافياً لحقّه وجب عليها مراعاة حقّه ، وكذا في الأمة مع السيّد ، وإذا أرادت الاحتياط الاستحبابي فمنعها زوجها أو سيّدها يجب تقديم حقّهما ، نعم ليس لهما منعها عن الاحتياط الوجوبي .

(مسألة 16) : في كلّ مورد تحيّضت ؛ من أخذ عادة أو تمييز أو رجوع إلى الأقارب أو إلى التخيير بين الأعداد المذكورة ، فتبيّن بعد ذلك كونه خلاف الواقع يلزم عليها التدارك بالقضاء أو الإعادة .

فصل : في أحكام الحائض

وهي اُمور :

أحدها : يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة ، كالصلاة والصوم والطواف والاعتكاف .

الثانية : يحرم عليها مسّ اسم اللّه وصفاته الخاصّة ، بل غيرها أيضاً إذا كان المراد بها هو اللّه ، وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة علیهم السلام على الأحوط ، وكذا مسّ كتابة القرآن على التفصيل الذي مرّ في الوضوء .

الثالث : قراءة آيات السجدة ، بل سورها على الأحوط(1) .

الرابع : اللبث(2) في المساجد .

الخامس : وضع شيء فيها إذا استلزم(3) الدخول .

السادس : الاجتياز من المسجدين . والمشاهد المشرّفة كسائر المساجد دون

ص: 224


1- بل الأقوى .
2- بل مطلق الدخول غير الاجتياز كما يأتي .
3- بل وإن لم يستلزم .

الرواق منها وإن كان الأحوط إلحاقه بها ، هذا مع عدم لزوم الهتك وإلاّ حرم ، وإذا حاضت(1) في المسجدين تتيمّم وتخرج إلاّ إذا كان زمان الخروج أقلّ من زمان التيمّم أو مساوياً(2) .

(مسألة 1) : إذا حاضت في أثناء الصلاة ولو قبل السلام بطلت ، وإن شكّت في ذلك صحّت ، فإن تبيّن بعد ذلك ينكشف بطلانها ، ولا يجب عليها الفحص وكذا في سائر مبطلات الصلاة .

(مسألة 2) : يجوز للحائض سجدة الشكر ، ويجب عليها سجدة التلاوة إذا استمعت ، بل أو سمعت(3) آيتها ، ويجوز لها اجتياز غير المسجدين ، لكن يكره ، وكذا يجوز لها اجتياز المشاهد المشرّفة .

(مسألة 3) : لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز ، بل معه أيضاً في صورة استلزامه تلويثها(4) .

السابع : وطؤها في القبل حتّى بإدخال الحشفة من غير إنزال ، بل بعضها على الأحوط ، ويحرم عليها أيضاً ، ويجوز الاستمتاع بغير الوط ء من التقبيل والتفخيذ والضمّ ، نعم يكره الاستمتاع بما بين السرّة والركبة منها بالمباشرة ، وأمّا فوق اللباس فلا بأس ، وأمّا الوط ء في دبرها فجوازه محلّ إشكال(5) ، وإذا خرج دمها

ص: 225


1- بل إذا كان حيضها منقطعاً لا جارياً كما مرّ .
2- مرّ منه ما ينافي ذلك في الجنابة .
3- على الأحوط ، وإن كان الاستحباب لا يخلو من رجحان .
4- في صورة الاستلزام أيضاً يكون التلويث حراماً لا الدخول ، لكن مع الالتفات بحصول التلويث ولو قهراً لا تكون معذورة .
5- والأقوى جوازه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم ، بل الأقوى عدمه إذا كان من غير الدبر ، نعم لا يجوز الوط ء في فرجها الخالي عن الدم حينئذٍ .

(مسألة 4) : إذا أخبرت بأ نّها حائض يسمع منها ، كما لو أخبرت بأ نّها طاهر .

(مسألة 5) : لا فرق في حرمة وط ء الحائض بين الزوجة الدائمة والمتعة والحرّة والأمة والأجنبية والمملوكة ، كما لا فرق بين أن يكون الحيض قطعياً وجدانياً أو كان بالرجوع إلى التمييز أو نحوه ، بل يحرم أيضاً في زمان الاستظهار(1) إذا تحيّضت . وإذا حاضت في حال المقاربة يجب المبادرة بالإخراج .

الثامن : وجوب الكفّارة(2) بوطئها ، وهي دينار في أوّل الحيض ، ونصفه في وسطه ، وربعه في آخره ، إذا كانت زوجة ؛ من غير فرق بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة ، وإذا كانت مملوكة للواطئ فكفّارته ثلاثة أمداد من الطعام يتصدّق بها على ثلاثة مساكين ؛ لكلّ مسكين مدّ ؛ من غير فرق بين كونها قنّة أو مدبّرة أو مكاتبة أو اُمّ ولد ، نعم في المبعّضة والمشتركة والمزوّجة والمحلّلة إذا وطئها مالكها إشكال ، ولا يبعد إلحاقها(3) بالزوجة في لزوم الدينار أو نصفه أو ربعه ، والأحوط الجمع بين الدينار والأمداد ، ولا كفّارة على المرأة وإن كانت مطاوعة ، ويشترط في وجوبها : العلم والعمد والبلوغ والعقل ، فلا كفّارة على الصبيّ ولا المجنون ولا الناسي ولا الجاهل بكونها في الحيض ، بل إذا كان

ص: 226


1- على الأحوط .
2- على الأحوط .
3- محلّ تأمّل .

جاهلاً بالحكم أيضاً وهو الحرمة ، وإن كان أحوط(1) ، نعم مع الجهل بوجوب الكفّارة بعد العلم بالحرمة لا إشكال في الثبوت .

(مسألة 6) : المراد بأوّل الحيض ثلثه الأوّل ، وبوسطه ثلثه الثاني ، وبآخره الثلث الأخير ، فإن كان أيّام حيضها ستّة فكلّ ثلث يومان ، وإذا كانت سبعة فكلّ ثلث يومان وثلث يوم ، وهكذا .

(مسألة 7) : وجوب الكفّارة في الوط ء في دبر الحائض غير معلوم(2) لكنّه أحوط .

(مسألة 8) : إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة فالأحوط التكفير ، بل لا يخلو عن قوّة(3) .

(مسألة 9) : إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم ، فالظاهر وجوب الكفّارة ، بخلاف وطئها في محلّ الخروج .

(مسألة 10) : لا فرق(4) في وجوب الكفّارة بين كون المرأة حيّة أو ميّتة .

(مسألة 11) : إدخال بعض الحشفة كافٍ في ثبوت الكفّارة على الأحوط .

(مسألة 12) : إذا وطئها بتخيّل أ نّها أمته فبانت زوجته عليه كفّارة دينار ، وبالعكس كفّارة الأمداد ، كما أ نّه إذا اعتقد كونها في أوّل الحيض فبان الوسط أو الآخر أو العكس فالمناط الواقع .

ص: 227


1- لا يترك .
2- بل الظاهر عدمه .
3- لا قوّة فيه ، كما لا قوّة في غير الزنا .
4- لا يخلو من إشكال ، وإن لا يخلو من وجه .

(مسألة 13) : إذا وطئها بتخيّل أ نّها في الحيض فبان الخلاف ، لا شيء عليه .

(مسألة 14) : لا تسقط الكفّارة بالعجز عنها ، فمتى تيسّرت وجبت ، والأحوط(1) الاستغفار مع العجز بدلاً عنها ما دام العجز .

(مسألة 15) : إذا اتّفق حيضها حال المقاربة وتعمّد في عدم الإخراج وجبت الكفّارة(2) .

(مسألة 16) : إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها ، فإذا وطئها بعد إخبارها بالحيض وجبت الكفّارة ، إلاّ إذا علم كذبها ، بل لا يبعد سماع قولها في كونه أوّله أو وسطه أو آخره .

(مسألة 17) : يجوز إعطاء قيمة الدينار ، والمناط قيمة وقت الأداء .

(مسألة 18) : الأحوط إعطاء كفّارة الأمداد لثلاثة مساكين ، وأمّا كفّارة الدينار فيجوز إعطاؤها لمسكين واحد ، والأحوط(3) صرفها على ستّة أو سبعة مساكين .

(مسألة 19) : إذا وطئها في الثلث الأوّل والثاني والثالث فعليه الدينار ونصفه وربعه ، وإذا كرّر الوط ء في كلّ ثلث ، فإن كان بعد التكفير وجب التكرار ، وإلاّ فكذلك أيضاً على الأحوط .

ص: 228


1- والأولى أن تتصدّق على مسكين ، ومع العجز الاستغفار بدلاً .
2- محلّ تأمّل .
3- لم أجد وجهاً لإعطاء الستّة ، والوجه في السبعة ضعيف ، وإعطاء العشرة أوجه من السبعة ؛ وإن كان ضعيفاً في نفسه .

(مسألة 20) : ألحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفّارة ، ولا دليل عليه ، نعم لا إشكال في حرمة وطئها .

التاسع : بطلان طلاقها وظهارها إذا كانت مدخولة ولو دبراً وكان زوجها حاضراً أو في حكم الحاضر ولم تكن حاملاً ، فلو لم تكن مدخولاً بها أو كان زوجها غائباً أو في حكم الغائب - بأن لم يكن متمكّناً(1) من استعلام حالها - أو كانت حاملاً ، يصحّ طلاقها . والمراد بكونه في حكم الحاضر أن يكون مع غيبته متمكّناً(2) من استعلام حالها .

(مسألة 21) : إذا كان الزوج غائباً ووكّل حاضراً متمكّناً من استعلام حالها ، لا يجوز له طلاقها في حال الحيض .

(مسألة 22) : لو طلّقها باعتقاد أ نّها طاهرة فبانت حائضاً بطل ، وبالعكس صحّ .

(مسألة 23) : لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانياً أو بالرجوع إلى التمييز أو التخيير بين الأعداد المذكورة سابقاً ، ولو طلّقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيّض(3) بطل ، ولو

ص: 229


1- أو يكون متعسّراً عليه وخصوصيات المسألة موكولة إلى محلّها .
2- ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأقوى .
3- قد مرّ أنّ الأحوط - لو لم يكن أقوى - لزوم التحيّض أوّل رؤية الدم ، وكذلك الأحوط - لو لم يكن أقوى - لزوم التحيّض بالسبعة ، فليس لها على الأحوط - لو لا الأقوى - التحيّض في غير أوّل الرؤية ولا زائداً أو ناقصاً عن السبعة ، ولازم ذلك أ نّه لو طلّقها من أوّل الرؤية إلى السبعة يقع باطلاً ولو اختارت غيرها ، وفيما بعدها من أوّل الرؤية يقع صحيحاً ولو اختارت ، لكن المسألة لمّا كانت مشكلة لزم مراعاة الاحتياط فيها .

اختارت عدمه صحّ ، ولو ماتت قبل الاختيار بطل أيضاً .

(مسألة 24) : بطلان الطلاق والظهار وحرمة الوط ء ووجوب الكفّارة مختصّة بحال الحيض ، فلو طهرت ولم تغتسل لا تترتّب هذه الأحكام ، فيصحّ طلاقها وظهارها ، ويجوز وطؤها ولا كفّارة فيه ، وأمّا الأحكام الاُخر المذكورة فهي ثابتة ما لم تغتسل(1) .

العاشر : وجوب الغسل(2) بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة كالصلاة والطواف والصوم ، واستحبابه للأعمال التي يستحبّ لها الطهارة ، وشرطيته للأعمال الغير الواجبة التي يشترط فيها الطهارة .

(مسألة 25) : غسل الحيض كغسل الجنابة مستحبّ نفسي(3) وكيفيته مثل غسل الجنابة في الترتيب والارتماس وغيرهما ممّا مرّ ، والفرق أنّ غسل الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء بخلافه ، فإنّه يجب معه الوضوء قبله أو بعده أو بينه إذا كان ترتيبياً ، والأفضل في جميع الأغسال جعل الوضوء قبلها .

(مسألة 26) : إذا اغتسلت جاز لها كلّ ما حرم عليها بسبب الحيض وإن لم تتوضّأ ، فالوضوء ليس شرطاً في صحّة الغسل ، بل يجب لما يشترط به كالصلاة ونحوها .

(مسألة 27) : إذا تعذّر الغسل تتيمّم بدلاً عنه ، وإن تعذّر الوضوء أيضاً تتيمّم ، وإن كان الماء بقدر أحدهما تقدّم(4) الغسل .

ص: 230


1- الحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط .
2- مرّ عدم الوجوب الشرعي ، وكذا الاستحباب كذلك .
3- لأجل ترتّب الطهارة عليه .
4- على الأحوط .

(مسألة 28) : جواز وطئها لا يتوقّف على الغسل ، لكن يكره قبله ، ولا يجب غسل فرجها أيضاً قبل الوط ء وإن كان أحوط ، بل الأحوط ترك الوط ء قبل الغسل .

(مسألة 29) : ماء غسل الزوجة والأمة على الزوج والسيّد على الأقوى .

(مسألة 30) : إذا تيمّمت بدل الغسل ثمّ أحدثت بالأصغر لا يبطل تيمّمها ، بل هو باقٍ إلى أن تتمكّن من الغسل .

الحادي عشر : وجوب قضاء ما فات في حال الحيض ؛ من صوم شهر رمضان وغيره من الصيام الواجب ، وأمّا الصلوات اليومية فليس عليها قضاؤها ، بخلاف غير اليومية مثل الطواف والنذر المعيّن وصلاة الآيات ، فإنّه يجب قضاؤها على الأحوط بل الأقوى(1) .

(مسألة 31) : إذا حاضت بعد دخول الوقت ، فإن كان مضى منه مقدار أداء أقلّ الواجب(2) من صلاتها بحسب حالها من السرعة والبطوء والصحّة والمرض والسفر والحضر وتحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلي - من الوضوء أو الغسل أو التيمّم وغيرها من سائر الشرائط الغير الحاصلة - ولم تصلّ ، وجب عليها قضاء تلك الصلاة ، كما أ نّها لو علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة إلى الصلاة ، وفي مواطن التخيير يكفي سعة مقدار القصر ، ولو أدركت من الوقت أقلّ ممّا ذكرنا لا يجب عليها القضاء ؛ وإن كان الأحوط القضاء إذا

ص: 231


1- الأقوائية محلّ منع .
2- على الأحوط ؛ وإن كان عدم وجوب القضاء إذا لم تدرك مقدار الصلاة المتعارفة المشتملة على المستحبّات المتعارفة لا يخلو من وجه .

أدركت الصلاة مع الطهارة وإن لم تدرك سائر الشرائط ، بل ولو أدركت أكثر الصلاة ، بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقاً وإن لم تدرك شيئاً من الصلاة .

(مسألة 32) : إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت ، فإن أدركت من الوقت ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء ، وإن تركت وجب قضاؤها وإلاّ فلا ؛ وإن كان الأحوط القضاء إذا أدركت ركعة مع الطهارة وإن لم تدرك سائر الشرائط ، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقاً ، وإذا أدركت ركعة مع التيمّم لا يكفي في الوجوب إلاّ إذا كان وظيفتها التيمّم مع قطع النظر عن ضيق الوقت وإن كان الأحوط الإتيان مع التيمّم ، وتمامية الركعة بتمامية الذكر من السجدة الثانية لا برفع الرأس منها .

(مسألة 33) : إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت ، يكفي في وجوب المبادرة ووجوب القضاء مضيّ مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحيض ، فاعتبار مضيّ مقدار تحصيل الشرائط إنّما هو على تقدير عدم حصولها .

(مسألة 34) : إذا ظنّت ضيق الوقت عن إدراك الركعة فتركت ، ثمّ بان السعة وجب عليها القضاء .

(مسألة 35) : إذا شكّت في سعة الوقت وعدمها وجبت(1) المبادرة .

(مسألة 36) : إذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة ، بل

ص: 232


1- هذا إذا شكّت في مقدار الوقت ، وأمّا لو علمت مقداره وشكّت في سعته لعملها ، ففي وجوبها إشكال .

وإن شكّت على الأحوط(1)، وإن لم تبادر وجب عليها(2) القضاء إلاّ إذا تبيّن عدم السعة.

(مسألة 37) : إذا طهرت ولها وقت لإحدى الصلاتين صلّت الثانية ، وإذا كان بقدر خمس ركعات صلّتهما .

(مسألة 38) : في العشاءين إذا أدركت أربع ركعات صلّت العشاء فقط ، إلاّ إذا كانت مسافرة ولو في مواطن التخيير ، فليس لها أن تختار التمام وتترك المغرب .

(مسألة 39) : إذا اعتقدت السعة للصلاتين فتبيّن عدمها وأنّ وظيفتها إتيان الثانية وجب عليها قضاؤها ، وإذا قدّمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحّت ووجب عليها إتيان الاُولى بعدها ، وإن كان التبيّن بعد خروج الوقت وجب قضاؤها .

(مسألة 40) : إذا طهرت ولها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة والمفروض أنّ القبلة مشتبهة ، تأتي بها مخيّرة بين الجهات ، وإذا كان مقدار صلاتين تأتي بهما كذلك .

(مسألة 41) : يستحبّ للحائض أن تتنظّف(3) وتبدّل القطنة والخرقة ، وتتوضّأ في أوقات الصلوات اليومية ، بل كلّ صلاة موقّتة . وتقعد في مصلاّها(4)

ص: 233


1- وإن كان الأقوى عدم وجوبها .
2- في وجوبه مع الشكّ في السعة إشكال بل منع .
3- لعلّه وكذا تبديل الخرقة لاستحباب مطلق النظافة ، خصوصاً عند التهيئة لحضور اللّه تعالى .
4- أو غيره من محلّ نظيف .

مستقبلة مشغولة بالتسبيح والتهليل والتحميد والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقراءة القرآن ؛ وإن كانت مكروهة في غير هذا الوقت ، والأولى اختيار التسبيحات الأربع ، وإن لم تتمكّن من الوضوء تتيمّم بدلاً(1) عنه ، والأولى عدم الفصل بين الوضوء أو التيمّم وبين الاشتغال بالمذكورات ، ولا يبعد بدلية القيام(2) إن كانت تتمكّن من الجلوس ، والظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة .

(مسألة 42) : يكره للحائض الخضاب بالحنّاء أو غيرها ، وقراءة القرآن ولو أقلّ من سبع آيات ، وحمله ولمس هامشه وما بين سطوره إن لم تمسّ الخطّ ، وإلاّ حرم .

(مسألة 43) : يستحبّ لها الأغسال المندوبة كغسل الجمعة والإحرام والتوبة ونحوها ، وأمّا الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحّتها منها وعدم ارتفاع الحدث مع الحيض ، وكذا الوضوءات المندوبة ، وبعضهم قال بصحّة غسل الجنابة دون غيرها ، والأقوى(3) صحّة الجميع وارتفاع حدثها وإن كان حدث الحيض باقياً ، بل صحّة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث .

فصل : في الاستحاضة

دم الاستحاضة من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل إذا خرج إلى خارج الفرج ولو بمقدار رأس إبرة ، ويستمرّ حدثها ما دام في الباطن باقياً ، بل الأحوط

ص: 234


1- تأتي رجاءً .
2- بدليته غير معلومة ، لكن لا يبعد استحباب الذكر عليها قياماً بل في كلّ حال ؛ وإن كان في الجلوس أفضل .
3- لا يخلو من إشكال .

إجراء أحكامها إن خرج من العرق المسمّى بالعاذل إلى فضاء الفرج ، وإن لم يخرج إلى خارجه ، وهو في الأغلب أصفر بارد رقيق ، يخرج بغير قوّة ولذع وحرقة ، بعكس الحيض ، وقد يكون بصفة الحيض ، وليس لقليله ولا لكثيره حدّ ، وكلّ دم ليس من القرح أو الجرح ولم يحكم بحيضيته فهو محكوم(1) بالاستحاضة ، بل لو شكّ فيه ولم يعلم بالأمارات كونه من غيرها يحكم عليه بها على الأحوط .

(مسألة 1) : الاستحاضة ثلاثة أقسام : قليلة ومتوسّطة وكثيرة ، فالاُولى : أن تتلوّث القطنة بالدم من غير غمس(2) فيها ، وحكمها وجوب الوضوء لكلّ صلاة - فريضة كانت أو نافلة - وتبديل القطنة(3) أو تطهيرها . والثانية : أن يغمس الدم في القطنة ولا يسيل إلى خارجها من الخرقة ، ويكفي الغمس في بعض أطرافها ، وحكمها مضافاً إلى ما ذكر غسل قبل صلاة الغداة . والثالثة : أن يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة ، ويجب فيها مضافاً إلى ما ذكر وإلى تبديل الخرقة أو تطهيرها ، غسل آخر للظهرين تجمع بينهما ، وغسل للعشاءين تجمع بينهما ، والأولى كونه في آخر وقت فضيلة الاُولى حتّى يكون كلّ من الصلاتين في وقت الفضيلة ، ويجوز تفريق الصلوات والإتيان بخمسة أغسال ، ولا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد ، نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض ، لكن يجب لكلّ ركعتين منها وضوء .

ص: 235


1- في ثبوت هذه الكلّية تأمّل ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- الميزان في القليلة هو عدم الثقب والنفوذ إلى الجانب الآخر ، وفي المتوسّطة هو الثقب الكذائي .
3- التبديل أو التطهير مبنيّ على الاحتياط وإن لا يخلو من قوّة .

(مسألة 2) : إذا حدثت المتوسّطة بعد صلاة الفجر لا يجب الغسل لها ، وهل يجب الغسل للظهرين أم لا ؟ الأقوى وجوبه ، وإذا حدثت بعدهما فللعشاءين ، فالمتوسّطة توجب غسلاً واحداً ، فإن كانت قبل صلاة الفجر وجب لها وإن حدثت بعدها فللظهرين وإن حدثت بعدهما فللعشاءين ، كما أ نّه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصياناً أو نسياناً وجب للظهرين ؛ وإن انقطعت قبل وقتهما بل قبل الفجر أيضاً ، وإذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان ، وإن حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشاءين .

(مسألة 3) : إذا حدثت الكثيرة أو المتوسّطة قبل الفجر يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده ، فلا يجوز قبله إلاّ إذا أرادت صلاة الليل ، فيجوز لها أن تغتسل قبلها(1) .

(مسألة 4) : يجب على المستحاضة(2) اختبار حالها ، وأ نّها من أيّ قسم من الأقسام الثلاثة ؛ بإدخال قطنة والصبر قليلاً ثمّ إخراجها وملاحظتها ، لتعمل بمقتضى وظيفتها ، وإذا صلّت من غير اختبار بطلت ، إلاّ مع مطابقة الواقع وحصول قصد القربة ، كما في حال الغفلة ، وإذا لم تتمكّن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقّن إلاّ أن يكون لها حالة سابقة من القلّة أو التوسّط فتأخذ بها ، ولا يكفي الاختبار قبل الوقت إلاّ إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت .

(مسألة 5) : يجب على المستحاضة تجديد الوضوء لكلّ صلاة ولو نافلة ،

ص: 236


1- لكن تعيده بعد الفجر لصلاته على الأحوط .
2- على الأحوط .

وكذا تبديل القطنة أو تطهيرها ، وكذا الخرقة إذا تلوّثت ، وغسل ظاهر الفرج إذا أصابه الدم ، لكن لا يجب تجديد هذه الأعمال للأجزاء المنسيّة ، ولا لسجود السهو إذا أتى به متّصلاً بالصلاة ، بل ولا لركعات الاحتياط للشكوك ، بل يكفيها أعمالها لأصل الصلاة ، نعم لو أرادت إعادتها احتياطاً أو جماعة وجب تجديدها .

(مسألة 6) : إنّما يجب تجديد الوضوء والأعمال المذكورة إذا استمرّ الدم ، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر ، يجب الأعمال المذكورة لها فقط ، ولا تجب للعصر ولا للمغرب والعشاء ، وإن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط ، وهكذا ، بل إذا بقي وضوؤها للظهر إلى المغرب لا يجب تجديده أيضاً مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر .

(مسألة 7) : في كلّ مورد يجب عليها الغسل والوضوء يجوز لها تقديم كلّ منهما ، لكن الأولى تقديم الوضوء .

(مسألة 8) : قد عرفت أ نّه يجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلى الصلاة ، لكن لا ينافي ذلك إتيان الأذان والإقامة والأدعية المأثورة ، وكذا يجوز لها إتيان المستحبّات في الصلاة ، ولا يجب الاقتصار على الواجبات ، فإذا توضّأت واغتسلت أوّل الوقت وأخّرت الصلاة لا تصحّ صلاتها إلاّ إذا علمت بعدم خروج الدم ، وعدم كونه في فضاء الفرج أيضاً من حين الوضوء إلى ذلك الوقت ؛ بمعنى انقطاعه ولو كان انقطاع فترة .

(مسألة 9) : يجب عليها بعد الوضوء والغسل التحفّظ(1) من خروج الدم

ص: 237


1- مع عدم خوف الضرر .

بحشو الفرج بقطنة أو غيرها وشدّها بخرقة ، فإن احتبس الدم ، وإلاّ فبالاستثفار ؛ أي شدّ وسطها بتكّة - مثلاً - وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدّامها ، والاُخرى خلفها ، وتشدّهما بالتكّة أو غير ذلك ممّا يحبس الدم ، فلو قصّرت وخرج الدم أعادت الصلاة ، بل الأحوط(1) إعادة الغسل أيضاً ، والأحوط كون ذلك بعد الغسل(2) والمحافظة عليه بقدر الإمكان تمام النهار إذا كانت صائمة .

(مسألة 10) : إذا قدّمت غسل الفجر عليه لصلاة الليل ، فالأحوط(3) تأخيرها إلى قريب الفجر ، فتصلّي بلا فاصلة .

(مسألة 11) : إذا اغتسلت قبل الفجر لغاية اُخرى ، ثمّ دخل الوقت من غير فصل(4) ، يجوز لها الاكتفاء به للصلاة .

(مسألة 12) : يشترط في صحّة صوم المستحاضة - على الأحوط - إتيانها للأغسال النهارية ، فلو تركتها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضاً على الأحوط(5) ، وأمّا غسل العشاءين فلا يكون شرطاً في الصوم ، وإن كان الأحوط مراعاته أيضاً ، وأمّا الوضوءات فلا دخل لها بالصوم .

(مسألة 13) : إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك إلى آخر الوقت - انقطاع برء ، أو انقطاع فترة تسع الصلاة - وجب عليها تأخيرها إلى ذلك

ص: 238


1- لو لم يكن الأقوى ، وكذا إعادة الوضوء .
2- ومع استمرار السيلان تتقدّم الاحتشاء على الأحوط .
3- مرّ أنّ الأحوط إعادة الغسل بعد الفجر ، ومعه لا وجه لهذا الاحتياط .
4- بين الغسل ودخول الوقت تتبادر بالصلاة ، فإنّه كافٍ .
5- بل الأقوى ، والأحوط اعتبار أغسال الليلة الماضية .

الوقت ، فلو بادرت إلى الصلاة بطلت ، إلاّ إذا حصل منها قصد القربة وانكشف عدم الانقطاع ، بل يجب(1) التأخير مع رجاء الانقطاع بأحد الوجهين ، حتّى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصلاة ، لكنّ الأحوط إتمامها ثمّ الصبر إلى الانقطاع .

(مسألة 14) : إذا انقطع دمها ؛ فإمّا أن يكون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده ، أو تشكّ في كونه لبرء أو فترة ، وعلى التقادير : إمّا أن يكون قبل الشروع في الأعمال أو بعده أو بعد الصلاة ، فإن كان انقطاع برء وقبل الأعمال يجب عليها الوضوء فقط ، أو مع الغسل والإتيان بالصلاة ، وإن كان بعد الشروع استأنفت ، وإن كان بعد الصلاة أعادت(2) إلاّ إذا تبيّن كون الانقطاع قبل الشروع في الوضوء والغسل ، وإن كان انقطاع فترة واسعة فكذلك(3) على الأحوط ، وإن كانت شاكّة في سعتها أو في كون الانقطاع لبرء أم فترة لا يجب عليها(4) الاستئناف أو الإعادة ، إلاّ إذا تبيّن بعد ذلك سعتها أو كونه لبرء .

(مسألة 15) : إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى ، كما إذا انقلبت القليلة متوسّطة أو كثيرة أو المتوسّطة كثيرة ، فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال ، فتعمل عمل الأعلى ، وكذا إن كان بعد الصلاة فلا يجب إعادتها ، وأمّا

ص: 239


1- على الأحوط .
2- على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
3- ولا تجب الإعادة إن كان بعد الصلاة .
4- مع العلم بالسعة والشكّ في أ نّه للبرء وحصول الانقطاع قبل تمام الصلاة يجب الاستئناف وإعادة الطهارة على الأقوى مطلقاً ، ولا تجب الإعادة إن كان بعد العمل مطلقاً .

إن كان بعد الشروع قبل تمامها فعليها الاستئناف والعمل على الأعلى ، حتّى إذا كان الانتقال من المتوسّطة إلى الكثيرة فيما كانت المتوسّطة محتاجة إلى الغسل وأتت به أيضاً ، فيكون أعمالها حينئذٍ مثل أعمال الكثيرة ، لكن مع ذلك يجب الاستئناف ، وإن ضاق الوقت عن الغسل والوضوء أو أحدهما تتيمّم بدله ، وإن ضاق عن التيمّم أيضاً استمرّت على عملها ، لكن عليها القضاء على الأحوط ، وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى استمرّت على عملها لصلاة واحدة ، ثمّ تعمل عمل الأدنى ، فلو تبدّلت الكثيرة متوسّطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الكثيرة ، فتتوضّأ وتغتسل وتصلّي ، لكن للعصر والعشاءين يكفي الوضوء وإن أخّرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب ، نعم لو لم تغتسل للظهر عصياناً أو نسياناً يجب عليها للعصر إذا لم يبق إلاّ وقتها ، وإلاّ فيجب إعادة الظهر بعد الغسل ، وإن لم تغتسل لها فللمغرب ، وإن لم تغتسل لها فللعشاء إذا ضاق الوقت ، وبقي مقدار إتيان العشاء .

(مسألة 16) : يجب على المستحاضة المتوسّطة والكثيرة إذا انقطع عنها بالمرّة ، الغسل للانقطاع ، إلاّ إذا فرض عدم خروج الدم منها من حين الشروع في غسلها السابق للصلاة السابقة .

(مسألة 17) : المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد الوضوء لكلّ صلاة ما دامت مستمرّة ، كذلك يجب عليها تجديده لكلّ مشروط بالطهارة ، كالطواف الواجب ومسّ كتابة القرآن إن وجب ، وليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الأحوط ، وإن كان ذلك الوضوء للصلاة فيجب عليها تكراره بتكرارها ، حتّى في المسّ يجب عليها ذلك لكلّ مسّ على الأحوط ، نعم لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد والمكث فيها ، بل ولو تركت الوضوء للصلاة أيضاً .

ص: 240

(مسألة 18) : المستحاضة الكثيرة والمتوسّطة إذا عملت بما عليها جاز(1) لها جميع ما يشترط فيه الطهارة ، حتّى دخول(2) المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ومسّ كتابة القرآن ، ويجوز وطؤها ، وإذا أخلّت بشيء من الأعمال حتّى تغيير القطنة بطلت صلاتها ، وأمّا المذكورات سوى المسّ فتتوقّف على الغسل فقط ، فلو أخلّت بالأغسال الصلاتية لا يجوز لها الدخول والمكث والوط ء وقراءة العزائم على الأحوط ، ولا يجب لها الغسل مستقلاًّ بعد الأغسال الصلاتية وإن كان أحوط ، نعم إذا أرادت شيئاً من ذلك قبل الوقت وجب عليها الغسل مستقلاًّ على الأحوط ، وأمّا المسّ فيتوقّف على الوضوء والغسل ، ويكفيه الغسل للصلاة ، نعم إذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء والغسل على الأحوط ، بل الأحوط ترك المسّ لها مطلقاً .

(مسألة 19) : يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال لكلّ صلاة ، ويحتمل جواز اكتفائها بالغسل للصلوات الأدائية ، لكنّه مشكل ، والأحوط ترك القضاء إلى النقاء .

(مسألة 20) : المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات ، وتفعل لها كما تفعل لليومية ، ولا تجمع بينهما بغسل وإن اتّفقت في وقتها(3) .

(مسألة 21) : إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل لا يضرّ بغسلها على الأقوى ، لكن يجب عليها الوضوء بعده وإن توضّأت قبله .

ص: 241


1- والأحوط الإتيان بها مستقلّة .
2- الأقوى جواز الدخول في المسجدين ، والمكث في غيرهما بدون الاغتسال ، وكذا قراءة العزائم ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
3- على الأحوط .

(مسألة 22) : إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مسّت ميّتاً استأنفت(1) غسلاً واحداً لهما ، ويجوز لها إتمام غسلها واستئنافه لأحد الحدثين إذا لم يناف المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة ، وإذا حدثت الكبرى في أثناء غسل المتوسّطة استأنفت للكبرى .

(مسألة 23) : قد يجب على صاحبة الكثيرة بل المتوسّطة أيضاً خمسة أغسال كما إذا رأت أحد الدمين قبل صلاة الفجر ثمّ انقطع ، ثمّ رأته قبل صلاة الظهر ثمّ انقطع ، ثمّ رأته عند العصر ثمّ انقطع ، وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء ، ويقوم التيمّم مقامه إذا لم تتمكّن منه ، ففي الفرض المزبور عليها خمس تيمّمات ، وإن لم تتمكّن من الوضوء أيضاً فعشرة ، كما أنّ في غير هذه إذا كانت وظيفتها التيمّم ففي القليلة خمس تيمّمات ، وفي المتوسّطة ستّة ، وفي الكثيرة ثمانية إذا جمعت بين الصلاتين ، وإلاّ فعشرة .

فصل : في النفاس

وهو دم يخرج مع ظهور أوّل جزء من الولد أو بعده قبل انقضاء عشرة أيّام من حين الولادة ؛ سواء كان تامّ الخلقة أو لا ، كالسقط وإن لم تلج فيه الروح ، بل ولو كان مضغة أو علقة بشرط العلم بكونها مبدأ نشوء الإنسان ، ولو شهدت أربع قوابل بكونها مبدأ نشوء الإنسان كفى ، ولو شكّ في الولادة أو في كون الساقط مبدأ نشوء الإنسان لم يحكم بالنفاس ، ولا يلزم الفحص أيضاً ، وأمّا الدم الخارج قبل ظهور أوّل جزء من الولد فليس بنفاس ، نعم لو كان فيه شرائط الحيض

ص: 242


1- لكن إذا كان غسلها ترتيبياً استأنفت ترتيبياً ، بل الأولى استئناف الارتماسي إن أحدثت بينه .

- كأن يكون مستمرّاً من ثلاثة أيّام - فهو حيض ؛ وإن لم يفصل بينه وبين دم النفاس أقلّ الطهر على الأقوى ، خصوصاً إذا كان في عادة الحيض ، أو متّصلاً بالنفاس ، ولم يزد مجموعهما من عشرة أيّام ، كأن ترى قبل الولادة ثلاثة أيّام ، وبعدها سبعة مثلاً ، ولكن الأحوط مع عدم الفصل بأقلّ الطهر مراعاة الاحتياط ، خصوصاً في غير الصورتين ؛ من كونه في العادة أو متّصلاً بدم النفاس .

(مسألة 1) : ليس لأقلّ النفاس حدّ ، بل يمكن أن يكون مقدار لحظة بين العشرة ، ولو لم تر دماً فليس لها نفاس أصلاً ، وكذا لو رأته بعد العشرة من الولادة ، وأكثره عشرة أيّام ، وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط بعدها أو بعد العادة إلى ثمانية عشر يوماً من الولادة ، والليلة الأخيرة خارجة ، وأمّا الليلة الاُولى إن ولدت في الليل فهي جزء من النفاس ، وإن لم تكن محسوبة من العشرة ، ولو اتّفقت الولادة في وسط النهار يلفّق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته ، وابتداء الحساب بعد تمامية الولادة وإن طالت ، لا من حين الشروع وإن كان إجراء الأحكام من حين الشروع إذا رأت الدم إلى تمام العشرة من حين تمام الولادة .

(مسألة 2) : إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكلّ ما رأته نفاس ؛ سواء رأت تمام العشرة ، أو البعض الأوّل ، أو البعض الأخير ، أو الوسط ، أو الطرفين ، أو يوماً ويوماً لا ، وفي الطهر المتخلّل بين الدم تحتاط(1) بالجمع بين أعمال النفساء والطاهر ، ولا فرق في ذلك بين ذات العادة العشرة أو أقلّ ، وغير ذات العادة ، وإن لم تر دماً في العشرة(2) فلا نفاس لها ، وإن رأت في العشرة وتجاوزها ، فإن كانت

ص: 243


1- الأقوى أنّ النقاء المتخلّل محسوب من النفاس ، نعم قبل عود الدم تعمل بأعمال الطاهرة .
2- أي في تمامها .

ذات عادة في الحيض أخذت بعادتها ؛ سواء كانت عشرة أو أقلّ ، وعملت بعدها عمل المستحاضة ؛ وإن كان الأحوط الجمع إلى الثمانية عشر كما مرّ ، وإن لم تكن ذات عادة كالمبتدئة والمضطربة فنفاسها عشرة أيّام ، وتعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتياط المذكور .

(مسألة 3) : صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلاً ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها على الأقوى وإن كان الأحوط(1) الجمع إلى العشرة ، بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها ، وإن رأت بعض العادة ولم تر البعض من الطرف الأوّل وتجاوز العشرة أتمّها بما بعدها إلى العشرة دون ما بعدها ، فلو كانت عادتها سبعة ولم تر إلى اليوم الثامن فلا نفاس لها ، وإن لم تر اليوم الأوّل جعلت الثامن أيضاً نفاساً ، وإن لم تر اليوم الثاني أيضاً فنفاسها إلى التاسع ، وإن لم تر إلى الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلى العشرة ولا تأخذ التتمّة من الحادي عشر فصاعداً ، لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة إلى العشرة ، بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها .

(مسألة 4) : اعتبر مشهور العلماء فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدّم والنفاس ، وكذا بين النفاس والحيض المتأخّر ، فلا يحكم بحيضية الدم السابق على الولادة ، وإن كان بصفة الحيض أو في أيّام العادة ، إذا لم يفصل بينه وبين النفاس عشرة أيّام ، وكذا في الدم المتأخّر ، والأقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدّم كما مرّ ، نعم لا يبعد(2) ذلك في الحيض المتأخّر ، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط .

ص: 244


1- لا يترك إلى العشرة في جميع صور المسألة .
2- بل هو الأقوى .

(مسألة 5) : إذا خرج بعض الطفل وطالت المدّة إلى أن خرج تمامه ، فالنفاس من حين خروج ذلك البعض إذا كان معه دم وإن كان مبدأ العشرة من حين التمام كما مرّ ، بل وكذا لو خرج قطعة قطعة ، وإن طال إلى شهر أو أزيد فمجموع الشهر نفاس إذا استمرّ الدم ، وإن تخلّل نقاء فإن كان عشرة فطهر، وإن كان أقلّ تحتاط(1) بالجمع بين أحكام الطاهر والنفساء.

(مسألة 6) : إذا ولدت اثنين أو أزيد ، فلكلّ واحد منهما نفاس مستقلّ ، فإن فصل بينهما عشرة أيّام واستمرّ الدم فنفاسها عشرون يوماً ؛ لكلّ واحد عشرة أيّام ، وإن كان الفصل أقلّ من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض المدّة ، وإن فصل بينهما نقاء عشرة أيّام كان طهراً ، بل وكذا لو كان أقلّ من عشرة على الأقوى ؛ من عدم اعتبار العشرة بين النفاسين ، وإن كان الأحوط مراعاة الاحتياط في النقاء الأقلّ ، كما في قطعات الولد الواحد .

(مسألة 7) : إذا استمرّ الدم إلى شهر أو أزيد فبعد مضيّ أيّام العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة وإن كان في أيّام العادة ، إلاّ مع فصل أقلّ الطهر عشرة أيّام بين دم النفاس وذلك الدم ، وحينئذٍ فإن كان في العادة يحكم عليه بالحيضية ، وإن لم يكن فيها(2) فترجع إلى التمييز ، بناءً على ما عرفت من اعتبار أقلّ الطهر بين النفاس والحيض المتأخّر ، وعدم الحكم بالحيض مع عدمه وإن صادف أيّام العادة ، لكن قد عرفت أنّ مراعاة الاحتياط في هذه الصورة أولى .

ص: 245


1- بل النقاء المتخلّل محسوب من النفاس كما مرّ .
2- الرجوع إلى التميّز في غير ذات العادة ، فلا ترجع ذات العادة إذا لم تصادف عادته بعد العشرة إلى التميّز ، وعبارة المتن توهم الخلاف .

(مسألة 8) : يجب على النفساء إذا انقطع دمها في الظاهر الاستظهار بإدخال قطنة أو نحوها والصبر قليلاً وإخراجها وملاحظتها على نحو ما مرّ في الحيض .

(مسألة 9) : إذا استمرّ الدم إلى ما بعد العادة في الحيض يستحبّ(1) لها الاستظهار بترك العبادة يوماً أو يومين أو إلى العشرة على نحو ما مرّ في الحيض .

(مسألة 10) : النفساء كالحائض في وجوب الغسل بعد الانقطاع ، أو بعد العادة ، أو العشرة في غير ذات العادة ، ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، وعدم جواز وطئها وطلاقها ، ومسّ كتابة القرآن ، واسم اللّه وقراءة آيات السجدة(2) ودخول المساجد والمكث فيها ، وكذا في كراهة الوط ء بعد الانقطاع وقبل الغسل ، وكذا في كراهة الخضاب وقراءة القرآن ونحو ذلك ، وكذا في استحباب الوضوء في أوقات الصلوات ، والجلوس في المصلّى ، والاشتغال بذكر اللّه بقدر الصلاة ، وألحقها بعضهم بالحائض في وجوب الكفّارة إذا وطئها وهو أحوط(3) ، لكن الأقوى عدمه .

(مسألة 11) : كيفية غسلها كغسل الجنابة ، إلاّ أ نّه لا يغني عن الوضوء ، بل يجب قبله أو بعده كسائر الأغسال .

فصل : في غسل مسّ الميّت

يجب بمسّ ميّت الإنسان بعد برده وقبل غسله ، دون ميّت غير الإنسان ، أو هو قبل برده أو بعد غسله ، والمناط برد تمام جسده ، فلا يوجب برد بعضه ؛ ولو

ص: 246


1- لا ينبغي ترك الاحتياط بالاستظهار بيوم أو يومين .
2- بل سور العزائم وأبعاضها .
3- لا يترك .

كان هو الممسوس ، والمعتبر في الغسل تمام الأغسال الثلاثة فلو بقي من الغسل الثالث شيء لا يسقط الغسل بمسّه وإن كان الممسوس العضو المغسول منه ، ويكفي في سقوط الغسل إذا كانت الأغسال الثلاثة كلّها بالماء القراح لفقد السدر والكافور ، بل الأقوى كفاية التيمّم أو كون الغاسل هو الكافر بأمر المسلم لفقد المماثل ، لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما ، ولا فرق في الميّت بين المسلم والكافر والكبير والصغير حتّى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر ، بل الأحوط الغسل بمسّه ولو قبل تمام أربعة أشهر أيضاً ، وإن كان الأقوى عدمه .

(مسألة 1) : في الماسّ والممسوس لا فرق بين أن يكون ممّا تحلّه الحياة أو لا ، كالعظم والظفر ، وكذا لا فرق فيهما بين الباطن والظاهر ، نعم المسّ بالشعر لا يوجبه ، وكذا مسّ الشعر .

(مسألة 2) : مسّ القطعة المبانة من الميّت أو الحيّ إذا اشتملت على العظم يوجب الغسل دون المجرّد عنه ، وأمّا مسّ العظم المجرّد ففي إيجابه للغسل إشكال(1) ، والأحوط الغسل بمسّه ، خصوصاً إذا لم يمض عليه سنة ، كما أنّ الأحوط(2) في السنّ المنفصل من الميّت أيضاً الغسل ، بخلاف المنفصل من الحيّ إذا لم يكن معه لحم معتدّ به ، نعم اللحم الجزئي لا اعتناء به .

(مسألة 3) : إذا شكّ في تحقّق المسّ وعدمه ، أو شكّ في أنّ الممسوس كان إنساناً أو غيره ؛ أو كان ميّتاً أو حيّاً ، أو كان قبل برده أو بعده ، أو في أ نّه كان شهيداً أم غيره أو كان الممسوس بدنه أو لباسه ، أو كان شعره أو بدنه ، لا يجب الغسل

ص: 247


1- الأقوى عدم إيجابه إذا كان من الحيّ .
2- لو لم يكن أقوى .

في شيء من هذه الصور ، نعم إذا علم المسّ وشكّ في أ نّه كان بعد الغسل أو قبله وجب الغسل ، وعلى هذا يشكل(1) مسّ العظام المجرّدة المعلوم كونها من الإنسان في المقابر أو غيرها ، نعم لو كانت المقبرة للمسلمين يمكن الحمل على أ نّها مغسّلة .

(مسألة 4) : إذا كان هناك قطعتان يعلم إجمالاً أنّ أحدهما من ميّت الإنسان ، فإن مسّهما معاً وجب عليه الغسل ، وإن مسّ أحدهما ففي وجوبه إشكال(2) ، والأحوط الغسل .

(مسألة 5) : لا فرق بين كون المسّ اختيارياً أو اضطرارياً ؛ في اليقظة أو في النوم ، كان الماسّ صغيراً أو مجنوناً أو كبيراً عاقلاً ، فيجب على الصغير الغسل بعد البلوغ ، والأقوى صحّته قبله أيضاً ؛ إذا كان مميّزاً ، وعلى المجنون بعد الإفاقة .

(مسألة 6) : في وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الحيّ ، لا فرق بين أن يكون الماسّ نفسه أو غيره .

(مسألة 7) : ذكر بعضهم أنّ في إيجاب مسّ القطعة المبانة من الحيّ للغسل لا فرق بين أن يكون قبل بردها أو بعده ، وهو أحوط .

(مسألة 8) : في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل ميّت بمجرّد مماسّته لفرجها إشكال(3) . وكذا في العكس ، بأن تولّد الطفل من المرأة الميّتة ، فالأحوط

ص: 248


1- مع العلم بأ نّها من الميّت ، وأمّا مع احتمال كونها منفصلة من الحيّ فلا .
2- لا إشكال في عدم الوجوب .
3- بل لا يخلو من قوّة ، وكذا في العكس .

غسلها في الأوّل ، وغسله بعد البلوغ في الثاني .

(مسألة 9) : مسّ فضلات الميّت من الوسخ والعرق والدم ونحوها لا يوجب الغسل ؛ وإن كان أحوط .

(مسألة 10) : الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب الغسل ويتداخل مع الجنابة .

(مسألة 11) : مسّ المقتول بقصاص أو حدّ إذا اغتسل قبل القتل غسل الميّت لا يوجب الغسل .

(مسألة 12) : مسّ سرّة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل .

(مسألة 13) : إذا يبس عضو من أعضاء الحيّ وخرج منه الروح بالمرّة ، مسّه ما دام متّصلاً ببدنه لا يوجب الغسل ، وكذا إذا قطع عضو منه ، واتّصل ببدنه بجلدة مثلاً ، نعم بعد الانفصال إذا مسّه وجب الغسل بشرط أن يكون مشتملاً على العظم .

(مسألة 14) : مسّ الميّت ينقض(1) الوضوء ، فيجب الوضوء مع غسله .

(مسألة 15) : كيفية غسل المسّ مثل غسل الجنابة ، إلاّ أ نّه يفتقر إلى الوضوء أيضاً .

(مسألة 16) : يجب(2) هذا الغسل لكلّ واجب مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر ، ويشترط فيما يشترط فيه الطهارة .

(مسألة 17) : يجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد والمكث

ص: 249


1- على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .
2- وجوباً شرطياً على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .

فيها وقراءة العزائم ووطؤها إن كان امرأة ، فحال المسّ حال الحدث الأصغر إلاّ في إيجاب الغسل للصلاة ونحوها .

(مسألة 18) : الحدث الأصغر والأكبر في أثناء هذا الغسل لا يضرّ بصحّته ، نعم لو مسّ في أثنائه ميّتاً وجب استئنافه .

(مسألة 19) : تكرار المسّ لا يوجب تكرّر الغسل ، ولو كان الميّت متعدّداً كسائر الأحداث .

(مسألة 20) : لا فرق في إيجاب المسّ للغسل بين أن يكون مع الرطوبة أو لا ، نعم في إيجابه للنجاسة يشترط أن يكون مع الرطوبة على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاجتناب إذا مسّ مع اليبوسة ، خصوصاً في ميّت الإنسان ، ولا فرق في النجاسة مع الرطوبة بين أن يكون بعد البرد أو قبله ، وظهر من هذا أنّ مسّ الميّت قد يوجب الغَسل والغُسل ، كما إذا كان بعد البرد وقبل الغسل مع الرطوبة وقد لا يوجب شيئاً ، كما إذا كان بعد الغسل أو قبل البرد بلا رطوبة ، وقد يوجب الغُسل دون الغَسل ، كما إذا كان بعد البرد وقبل الغسل بلا رطوبة ، وقد يكون بالعكس كما إذا كان قبل البرد مع الرطوبة .

فصل : في أحكام الأموات

اعلم أنّ أهمّ الاُمور وأوجب الواجبات التوبة من المعاصي ، وحقيقتها الندم ، وهو من الاُمور القلبية ، ولا يكفي مجرّد قوله : «استغفر اللّه» بل لا حاجة إليه مع الندم القلبي وإن كان أحوط ، ويعتبر فيها العزم على ترك العود إليها ، والمرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين علیه السلام .

(مسألة 1) : يجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة ، وردّ

ص: 250

الودائع والأمانات التي عنده مع الإمكان(1) ، والوصيّة بها مع عدمه مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته .

(مسألة 2) : إذا كان عليه الواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة كالصلاة والصوم والحجّ ونحوها وجب الوصيّة بها إذا كان له مال ، بل مطلقاً(2) إذا احتمل وجود متبرّع ، وفيما على الوليّ كالصلاة والصوم التي فاتته لعذر(3) يجب إعلامه ، أو الوصيّة باستئجارها أيضاً .

(مسألة 3) : يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث ، لكن لا يجوز له تفويت شيء منه على الوارث بالإقرار كذباً ؛ لأنّ المال بعد موته يكون للوارث ، فإذا أقرّ به لغيره كذباً فوّت عليه ماله ، نعم إذا كان له مال مدفون في مكان لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب إعلامه ، لكنّه أيضاً مشكل ، وكذا إذا كان له دين على شخص ، والأحوط الإعلام ، وإذا عدّ عدم الإعلام تفويتاً فواجب يقيناً .

(مسألة 4) : لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله ، إلاّ إذا عدّ عدمه تضييعاً لهم أو لمالهم ، وعلى تقدير النصب يجب أن يكون أميناً ، وكذا إذا عيّن على أداء حقوقه الواجبة شخصاً يجب أن يكون أميناً ، نعم لو أوصى بثلثه في وجوه الخيرات الغير الواجبة لا يبعد(4) عدم وجوب كون الوصيّ عليها أميناً ، لكنّه أيضاً لا يخلو عن إشكال ، خصوصاً إذا كانت راجعة إلى الفقراء .

ص: 251


1- بل يتخيّر بينه وبين الإيصاء مع العلم أو الاطمئنان بإنجازها .
2- على الأحوط .
3- سيأتي - إن شاء اللّه - عدم الاختصاص بما فاتته لعذر .
4- إذا كانت الوصيّة عهدية ، وأمّا التمليكية فيجب .
فصل : في آداب المريض وما يستحبّ عليه

وهي اُمور(1) : الأوّل : الصبر والشكر للّه تعالى . الثاني : عدم الشكاية من مرضه إلى غير المؤمن ، وحدّ الشكاية أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد ، أو أصابني ما لم يصب أحداً ، وأمّا إذا قال : سهرت البارحة ، أو كنت محموماً ، فلا بأس به . الثالث : أن يخفي مرضه إلى ثلاثة أيّام . الرابع : أن يجدّد التوبة . الخامس : أن يوصي بالخيرات للفقراء من أرحامه وغيرهم . السادس : أن يُعلم المؤمنين بمرضه بعد ثلاثة أيّام . السابع : الإذن لهم في عيادته . الثامن : عدم التعجيل في شرب الدواء ومراجعة الطبيب إلاّ مع اليأس من البرء بدونهما . التاسع : أن يجتنب ما يحتمل الضرر . العاشر : أن يتصدّق هو وأقرباؤه بشيء ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «داووا مرضاكم بالصدقة» . الحادي عشر : أن يقرّ عند حضور المؤمنين بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد وسائر العقائد الحقّة . الثاني عشر : أن ينصب قيّماً أميناً على صغاره ويجعل عليه ناظراً . الثالث عشر : أن يوصي بثلث ماله إن كان موسراً . الرابع عشر : أن يهيّئ كفنه ، ومن أهمّ الاُمور إحكام أمر وصيّته وتوضيحه وإعلام الوصيّ والناظر بها . الخامس عشر : حسن الظنّ باللّه عند موته ، بل قيل بوجوبه في جميع الأحوال ، ويستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع .

فصل: في عيادة المريض

عيادة المريض من المستحبّات المؤكّدة ، وفي بعض الأخبار أنّ عيادته عيادة اللّه تعالى ، فإنّه حاضر عند المريض المؤمن ، ولا تتأكّد في وجع العين والضرس والدمل ، وكذا من اشتدّ مرضه أو طال ، ولا فرق بين أن تكون في الليل

ص: 252


1- لا بأس بالإتيان بها وبما يتلوها من الفصل الآتي رجاءً .

أو في النهار ، بل يستحبّ في الصباح والمساء ، ولا يشترط فيها الجلوس ، بل ولا السؤال عن حاله ، ولها آداب : أحدها : أن يجلس عنده ، ولكن لا يطيل الجلوس إلاّ إذا كان المريض طالباً . الثاني : أن يضع العائد إحدى يديه على الاُخرى أو على جبهته حال الجلوس عند المريض . الثالث : أن يضع يده على ذراع المريض عند الدعاء له أو مطلقاً . الرابع : أن يدعو له بالشفاء ، والأولى أن يقول : «اللهمّ اشفه بشفائك ، وداوه بدوائك ، وعافه من بلائك» . الخامس : أن يستصحب هديّة له من فاكهة أو نحوها ممّا يفرّحه ويريحه . السادس : أن يقرأ عليه «فاتحة الكتاب» سبعين ، أو أربعين مرّة ، أو سبع مرّات ، أو مرّة واحدة ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «لو قرأت الحمد على ميّت سبعين مرّة ثمّ ردّت فيه الروح ما كان عجباً» . وفي الحديث : «ما قرأ الحمد على وجع سبعين مرّة إلاّ سكن بإذن اللّه ، وإن شئتم فجرّبوا ولا تشكّوا» وقال الصادق علیه السلام : «من نالته علّة فليقرأ في جيبه الحمد سبع مرّات» وينبغي أن ينفض لباسه بعد قراءة «الحمد» عليه . السابع : أن لا يأكل عنده ما يضرّه ويشتهيه . الثامن : أن لا يفعل عنده ما يغيظه أو يضيق خلقه . التاسع : أن يلتمس منه الدعاء ، فإنّه ممّن يستجاب دعاؤه ، فعن الصادق - صلوات اللّه عليه - : «ثلاثة يستجاب دعاؤهم : الحاجّ والغازي والمريض» .

فصل : فيما يتعلّق بالمحتضر ممّا هو وظيفة الغير

وهي اُمور : الأوّل : توجيهه إلى القبلة ؛ بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه إلى القبلة ، ووجوبه لا يخلو عن قوّة ، بل لا يبعد وجوبه على المحتضر نفسه أيضاً ، وإن لم يمكن بالكيفية المذكورة فبالممكن(1) منها ، وإلاّ فبتوجيهه جالساً

ص: 253


1- يأتي به وبما بعده احتياطاً ورجاءً .

أو مضطجعاً على الأيمن ، أو على الأيسر مع تعذّر الجلوس ولا فرق بين الرجل والامرأة ، والصغير والكبير ، بشرط أن يكون مسلماً ، ويجب أن يكون(1) ذلك بإذن وليّه مع الإمكان وإلاّ فالأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي ، والأحوط مراعاة(2) الاستقبال بالكيفية المذكورة في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل وبعده ، فالأولى وضعه بنحو ما يوضع حين الصلاة عليه إلى حال الدفن ؛ بجعل رأسه إلى المغرب(3) ورجله إلى المشرق . الثاني : يستحبّ تلقينه الشهادتين ، والإقرار بالأئمّة الاثني عشر ، وسائر الاعتقادات الحقّة على وجه يفهم ، بل يستحبّ تكرارها إلى أن يموت ، ويناسب قراءة العديلة . الثالث : تلقينه كلمات الفرج ، وأيضاً هذا الدعاء : «اللهمّ اغفر لي الكثير من معاصيك ، واقبل منّي اليسير من طاعتك» ، وأيضاً : «يا من يقبل اليسير ، ويعفو عن الكثير ، اقبل منّي اليسير ، واعف عنّي الكثير ، إنّك أنت العفوّ الغفور» ، وأيضاً : «اللهمّ ارحمني فإنّك رحيم» . الرابع : نقله إلى مصلاّه إذا عسر عليه النزع ؛ بشرط أن لا يوجب أذاه . الخامس : قراءة سورة «يس» و«الصافات» لتعجيل راحته ، وكذا «آية الكرسي» إلى )هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( وآية السخرة وهي : )إنَّ رَبَّكُمُ اللّه ُ الَذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرضَ( إلى آخر الآية ، وثلاث آيات من آخر سورة «البقرة» : )للّه ِ مَا فِى السَّمَواتِ وَمَا فِى الأَرضِ( ، إلى آخر السورة ، ويقرأ سورة «الأحزاب» ، بل مطلق قراءة القرآن .

ص: 254


1- الأقوى عدم الوجوب ، نعم هو الأولى والأحوط .
2- وإن كان الأقوى عدم الوجوب ، نعم لا يترك ما لم ينقل عن محلّ الاحتضار .
3- بل منحرفاً في آفاقنا ؛ بحيث تقع جنبه اليمنى إلى القبلة .
فصل : في المستحبّات بعد الموت

وهي اُمور : الأوّل : تغميض عينيه وتطبيق فمه . الثاني : شدّ فكّيه . الثالث : مدّ يديه إلى جنبيه . الرابع : مدّ رجليه . الخامس : تغطيته بثوب . السادس : الإسراج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل . السابع : إعلام المؤمنين ليحضروا جنازته . الثامن : التعجيل في دفنه فلا ينتظرون الليل إن مات في النهار ، ولا النهار إن مات في الليل ، إلاّ إذا شكّ في موته فينتظر حتّى اليقين ، وإن كانت حاملاً مع حياة ولدها فإلى أن يشقّ جنبها الأيسر لإخراجه ثمّ خياطته .

فصل : في المكروهات بعد الموت

وهي اُمور : الأوّل : أن يمسّ في حال النزع ، فإنّه يوجب أذاه . الثاني : تثقيل بطنه بحديد أو غيره . الثالث : إبقاؤه وحده ، فإنّ الشيطان يعبث في جوفه . الرابع :

حضور الجنب والحائض عنده حالة الاحتضار . الخامس : التكلّم الزائد عنده . السادس : البكاء عنده . السابع : أن يحضره عملة الموتى . الثامن : أن يخلّى عنده النساء وحدهنّ ؛ خوفاً من صراخهنّ عنده .

فصل: فیما یستحبّ عند ظهور أمارات الموت

لا يحرم كراهة الموت ، نعم يستحبّ عند ظهور أماراته أن يحبّ لقاء اللّه تعالى ، ويكره تمنّي الموت ولو كان في شدّة وبليّة ، بل ينبغي أن يقول : «اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي» ، ويكره طول الأمل ، وأن يحسب الموت بعيداً عنه ، ويستحبّ ذكر الموت كثيراً ، ويجوز الفرار من الوباء والطاعون ، وما في بعض الأخبار من أنّ الفرار من الطاعون

ص: 255

كالفرار من الجهاد مختصّ بمن كان في ثغر من الثغور لحفظه ، نعم لو كان في المسجد ووقع الطاعون في أهله يكره الفرار منه .

فصل: في أنّ تجهیز المیّت واجب کفائي

الأعمال الواجبة المتعلّقة بتجهيز الميّت ؛ من التغسيل والتكفين والصلاة والدفن من الواجبات الكفائية ، فهي واجبة على جميع المكلّفين ، وتسقط بفعل البعض ، فلو تركوا أجمع أثموا أجمع ، ولو كان ممّا يقبل صدوره عن جماعة كالصلاة إذا قام به جماعة في زمان واحد اتّصف فعل كلّ منهم بالوجوب ، نعم يجب على غير الوليّ الاستئذان منه ، ولا ينافي وجوبه وجوبها على الكلّ لأنّ الاستئذان منه شرط صحّة الفعل ، لا شرط وجوبه ، وإذا امتنع الوليّ من المباشرة والإذن يسقط اعتبار إذنه ، نعم لو أمكن للحاكم الشرعي إجباره ، له أن يجبره على أحد الأمرين ، وإن لم يمكن يستأذن من الحاكم ، والأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخّرة أيضاً .

(مسألة 1) : الإذن أعمّ من الصريح والفحوى وشاهد الحال القطعي .

(مسألة 2) : إذا علم بمباشرة بعض المكلّفين يسقط وجوب المبادرة ، ولا يسقط أصل الوجوب إلاّ بعد إتيان الفعل منه أو من غيره ، فمع الشروع في الفعل أيضاً لا يسقط الوجوب ، فلو شرع بعض المكلّفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنيّة الوجوب ، نعم إذا أتمّ الأوّل يسقط الوجوب عن الثاني فيتمّها بنيّة الاستحباب .

(مسألة 3) : الظنّ بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة فضلاً عن الشكّ .

ص: 256

(مسألة 4) : إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه وإن شكّ في الصحّة ، بل وإن ظنّ البطلان فيحمل فعله على الصحّة ؛ سواء كان ذلك الغير عادلاً أو فاسقاً .

(مسألة 5) : كلّ ما لم يكن من تجهيز الميّت مشروطاً بقصد القربة كالتوجيه إلى القبلة والتكفين والدفن يكفي صدوره من كلّ من كان ؛ من البالغ العاقل أو الصبيّ أو المجنون . وكلّ ما يشترط فيه قصد القربة كالتغسيل والصلاة يجب صدوره من البالغ العاقل ، فلا يكفي صلاة الصبيّ عليه إن قلنا بعدم صحّة صلاته ، بل وإن قلنا بصحّتها كما هو الأقوى على الأحوط ، نعم إذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها ، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط .

فصل : في مراتب الأولياء

(مسألة 1) : الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها ؛ حرّة كانت أو أمة ، دائمة أو منقطعة ، وإن كان الأحوط في المنقطعة الاستئذان من المرتبة اللاحقة أيضاً ، ثمّ بعد الزوج المالك(1) أولى بعبده أو أمته من كلّ أحد ، وإذا كان متعدّداً اشتركوا في الولاية ، ثمّ بعد المالك طبقات الأرحام بترتيب الإرث ، فالطبقة الاُولى وهم الأبوان والأولاد مقدّمون على الثانية وهم الإخوة والأجداد ، والثانية مقدّمون على الثالثة وهم الأعمام والأخوال ، ثمّ بعد الأرحام المولى(2) المعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الحاكم الشرعي ، ثمّ عدول(3) المؤمنين .

ص: 257


1- الظاهر أنّ المالك أحقّ من كلّ أحد حتّى الزوج .
2- على الأحوط فيه وفي ضامن الجريرة ، بل وفي الحاكم الشرعي .
3- الظاهر عدم ولايتهم ولا يعتبر إذنهم .

(مسألة 2) : في كلّ طبقة الذكور(1) مقدّمون على الإناث ، والبالغون على غيرهم ومن متّ إلى الميّت بالأب والاُمّ أولى ممّن متّ بأحدهما ، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممّن انتسب إليه بالاُمّ ، وفي الطبقة الاُولى الأب مقدّم على الاُمّ والأولاد ، وهم مقدّمون على أولادهم ، وفي الطبقة الثانية الجدّ(2) مقدّم على الإخوة وهم مقدّمون على أولادهم ، وفي الطبقة الثالثة العمّ مقدّم على الخال ، وهما على أولادهما .

(مسألة 3) : إذا لم يكن في طبقة ذكور فالولاية للإناث ، وكذا إذا لم يكونوا بالغين أو كانوا غائبين ، لكنّ الأحوط(3) الاستئذان من الحاكم أيضاً في صورة كون الذكور غير بالغين أو غائبين .

(مسألة 4) : إذا كان للميّت اُمّ وأولاد ذكور ، فالاُمّ أولى(4) ، لكنّ الأحوط الاستئذان من الأولاد أيضاً .

(مسألة 5) : إذا لم يكن في بعض المراتب إلاّ الصبيّ أو المجنون أو الغائب ، فالأحوط الجمع(5) بين إذن الحاكم والمرتبة المتأخّرة ، لكن انتقال الولاية إلى المرتبة المتأخّرة لا يخلو عن قوّة ، وإذا كان للصبيّ وليّ فالأحوط الاستئذان منه أيضاً .

ص: 258


1- تقدّم الذكور وإن لا يخلو من وجه ، لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه .
2- فيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه .
3- لا يترك إذا كانوا غائبين ، بل لا يخلو من وجه .
4- محلّ إشكال لا يترك الاحتياط .
5- لا يترك في الغائب ، بل لا يخلو من وجه .

(مسألة 6) : إذا كان أهل مرتبة واحدة متعدّدين ، يشتركون في الولاية ، فلا بدّ من إذن الجميع ، ويحتمل تقدّم الأسنّ(1) .

(مسألة 7) : إذا أوصى الميّت في تجهيزه إلى غير الوليّ ، ذكر بعضهم عدم نفوذها إلاّ بإجازة الوليّ ، لكن الأقوى(2) صحّتها ووجوب العمل بها ، والأحوط إذنهما معاً ، ولا يجب قبول الوصيّة على ذلك الغير وإن كان أحوط .

(مسألة 8) : إذا رجع الوليّ عن إذنه في أثناء العمل لا يجوز للمأذون الإتمام ، وكذا إذا تبدّل الوليّ ؛ بأن صار غير البالغ بالغاً أو الغائب حاضراً أو جنّ الوليّ أو مات فانتقلت الولاية إلى غيره .

(مسألة 9) : إذا حضر الغائب أو بلغ الصبيّ أو أفاق المجنون بعد تمام العمل من الغسل أو الصلاة - مثلاً - ليس له الإلزام بالإعادة .

(مسألة 10) : إذا ادّعى شخص كونه وليّاً أو مأذوناً من قبله أو وصيّاً ، فالظاهر جواز الاكتفاء بقوله ما لم يعارضه غيره ، وإلاّ احتاج إلى البيّنة ومع عدمها لا بدّ من الاحتياط .

(مسألة 11) : إذا أكره الوليّ أو غيره(3) شخصاً على التغسيل أو الصلاة على الميّت ، فالظاهر صحّة العمل إذا حصل منه قصد القربة ؛ لأ نّه أيضاً مكلّف كالمكرِه .

ص: 259


1- مشكل .
2- الأقوائية ممنوعة ، والأحوط الاستئذان منهما .
3- مع إذنه من الوليّ لو كان .

(مسألة 12) : حاصل ترتيب(1) الأولياء : أنّ الزوج مقدّم على غيره ، ثمّ المالك ، ثمّ الأب ، ثمّ الاُمّ ، ثمّ الذكور من الأولاد البالغين ثمّ الإناث البالغات ، ثمّ أولاد الأولاد ، ثمّ الجدّ ، ثمّ الجدّة ، ثمّ الأخ ، ثمّ الاُخت ، ثمّ أولادهما ، ثمّ الأعمام ، ثمّ الأخوال ، ثمّ أولادهما ، ثمّ المولى المعتق ، ثمّ ضامن الجريرة ، ثمّ الحاكم ، ثمّ عدول المؤمنين .

فصل : في تغسيل الميّت

يجب كفاية تغسيل كلّ مسلم ؛ سواء كان اثني عشرياً أو غيره(2) ، لكن يجب أن يكون بطريق مذهب الاثني عشري ، ولا يجوز تغسيل الكافر(3) وتكفينه ودفنه بجميع أقسامه من الكتابي والمشرك والحربي والغالي والناصبي والخارجي والمرتدّ الفطري والملّي إذا مات بلا توبة ، وأطفال المسلمين بحكمهم وأطفال الكفّار بحكمهم ، وولد الزنا من المسلم بحكمه ومن الكافر بحكمه ، والمجنون إن وصف الإسلام بعد بلوغه مسلم ، وإن وصف الكفر كافر ، وإن اتّصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل في لحوقه بأبيه واُمّه ، والطفل الأسير تابع(4) لآسره إن لم يكن معه أبوه أو اُمّه ، بل أو جدّه أو جدّته ، ولقيط دار الإسلام بحكم المسلم ، وكذا لقيط دار الكفر(5) إن كان فيها مسلم يحتمل تولّده منه ، ولا فرق في وجوب تغسيل المسلم بين الصغير والكبير حتّى السقط إذا تمّ

ص: 260


1- مرّ الإشكال في بعضها .
2- على الأحوط ، كما أنّ الأحوط الجمع بين طريقتنا وطريقتهم .
3- مرّ تعيين الموضوع في النجاسات .
4- عدم التبعية لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط هاهنا التبعية .
5- على الأحوط .

له أربعة أشهر ، ويجب تكفينه ودفنه على المتعارف ، لكن لا يجب الصلاة عليه ، بل لا يستحبّ أيضاً ، وإذا كان للسقط أقلّ من أربعة أشهر لا يجب غسله بل يلفّ في خرقة ويدفن .

فصل: في کیفیة النیّة في غسل المیّت

يجب في الغسل نيّة القربة على نحو ما مرّ في الوضوء ، والأقوى كفاية نيّة واحدة للأغسال الثلاثة وإن كان الأحوط تجديدها(1) عند كلّ غسل ، ولو اشترك اثنان يجب على كلّ منهما النيّة ، ولو كان أحدهما معيناً والآخر مغسّلاً وجب على المغسّل النيّة ، وإن كان الأحوط نيّة المعين أيضاً ، ولا يلزم اتّحاد المغسّل ، فيجوز توزيع الثلاثة على ثلاثة ، بل يجوز في الغسل الواحد التوزيع مع مراعاة الترتيب ، ويجب حينئذٍ النيّة على كلّ منهم .

فصل: في وجوب المماثلة

يجب المماثلة بين الغاسل والميّت في الذكورية والاُنوثية ، فلا يجوز تغسيل الرجل للمرأة ولا العكس ؛ ولو كان من فوق اللباس ولم يلزم لمس أو نظر إلاّ في موارد :

أحدها : الطفل الذي لا يزيد سنّه عن ثلاث سنين ، فيجوز لكلّ منهما تغسيل مخالفه ولو مع التجرّد ومع وجود المماثل ، وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل .

الثاني : الزوج والزوجة ، فيجوز لكلّ منهما تغسيل الآخر ؛ ولو مع وجود

ص: 261


1- لا وقع لهذا الاحتياط بناءً على ما هو الأقوى ؛ من أنّ النيّة هي الداعي .

المماثل ومع التجرّد وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل ، وكونه من وراء الثياب ، ويجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر وإن كان يكره ، ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة بل والمطلّقة الرجعية(1) ، وإن كان الأحوط ترك تغسيل المطلّقة مع وجود المماثل، خصوصاً إذا كان بعد انقضاء العدّة، وخصوصاً إذا تزوّجت بغيره إن فرض بقاء الميّت بلا تغسيل إلى ذلك الوقت ، وأمّا المطلّقة بائناً ، فلا إشكال في عدم الجواز فيها .

الثالث : المحارم بنسب أو رضاع ، لكنّ الأحوط بل الأقوى اعتبار(2) فقد المماثل وكونه من وراء الثياب .

الرابع : المولى والأمة ، فيجوز للمولى تغسيل أمته إذا لم تكن مزوّجة ، ولا في عدّة الغير ، ولا مبعّضة ولا مكاتبة ، وأمّا تغسيل الأمة مولاها ففيه إشكال وإن جوّزه بعضهم بشرط إذن الورثة ، فالأحوط تركه ، بل الأحوط الترك في تغسيل المولى أمته أيضاً .

(مسألة 1) : الخنثى المشكل إذا لم يكن عمرها أزيد من ثلاث سنين فلا إشكال فيها ، وإلاّ فإن كان لها محرم أو أمة - بناءً على جواز تغسيل الأمة مولاها - فكذلك ، وإلاّ فالأحوط تغسيل كلّ من الرجل والمرأة إيّاها من وراء الثياب وإن كان لا يبعد الرجوع إلى القرعة(3) .

(مسألة 2) : إذا كان ميّت أو عضو من ميّت مشتبهاً بين الذكر والاُنثى فيغسّله

ص: 262


1- مع بقاء عدّة الطلاق ، وأمّا مع انقضائها فلا يترك الاحتياط ، بل عدم الجواز أقوى ، وأمّا بعد العدّتين فلا إشكال في عدم الجواز .
2- في الأقوائية تأمّل ، نعم لا يترك الاحتياط .
3- ليس أمثال المقام مصبّ القرعة ، فلا يترك الاحتياط المذكور .

كلّ من الرجل والمرأة من وراء الثياب .

(مسألة 3) : إذا انحصر المماثل في الكافر أو الكافرة من أهل الكتاب أمر المسلم المرأة الكتابية ، أو المسلمة الرجل الكتابي أن يغتسل أوّلاً ، ويغسّل الميّت بعده ، والآمر ينوي(1) النيّة ، وإن أمكن أن لا يمسّ الماء وبدن الميّت تعيّن(2) ، كما أ نّه لو أمكن التغسيل في الكرّ أو الجاري تعيّن(3) ، ولو وجد المماثل بعد ذلك أعاد(4) ، وإذا انحصر في المخالف فكذلك ، لكن لا يحتاج إلى اغتساله(5) قبل التغسيل ، وهو مقدّم على الكتابي على تقدير وجوده .

(مسألة 4) : إذا لم يكن مماثل حتّى الكتابي والكتابية سقط الغسل ، لكن الأحوط(6) تغسيل غير المماثل من غير لمس ونظر من وراء الثياب ، ثمّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال بقاء نجاسته .

(مسألة 5) : يشترط في المغسّل أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً اثني عشرياً ، فلا يجزي تغسيل الصبيّ وإن كان مميّزاً وقلنا بصحّة عباداته على الأحوط(7) ، وإن كان لا يبعد كفايته مع العلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، ولا تغسيل الكافر ،

ص: 263


1- مع عدم تمشّي النيّة من المباشر ، وإلاّ فالظاهر كفاية نيّته ، والأحوط الجمع بينهما مع الإمكان .
2- على الأحوط .
3- على الأحوط لو استلزم الغسل بالقليل التلويث .
4- على الأحوط .
5- ولا إلى عدم مسّ الماء وبدن الميّت ولا إلى الاغتسال بالكرّ والجاري .
6- لا يبعد أن يكون الأحوط ترك الغسل ودفنه بثيابه .
7- لا يترك .

إلاّ إذا كان كتابياً في الصورة المتقدّمة ، ويشترط أن يكون عارفاً بمسائل الغسل ، كما أ نّه يشترط المماثلة إلاّ في الصور المتقدّمة .

فصل: في منلایجب غسله

قد عرفت سابقاً وجوب تغسيل كلّ مسلم ، لكن يستثنى من ذلك طائفتان :

إحداهما : الشهيد المقتول في المعركة عند الجهاد مع الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ ، ويلحق به كلّ من قتل في حفظ بيضة الإسلام في حال الغيبة ؛ من غير فرق بين الحرّ والعبد ، والمقتول بالحديد أو غيره ، عمداً أو خطأً ، رجلاً كان أو امرأة أو صبيّاً أو مجنوناً إذا كان الجهاد واجباً عليهم(1) ، فلا يجب تغسيلهم ، بل يدفنون كذلك بثيابهم إلاّ إذا كانوا عراة فيكفّنون ويدفنون ، ويشترط(2) فيه أن يكون خروج روحه قبل إخراجه من المعركة ، أو بعد إخراجه مع بقاء الحرب وخروج روحه بعد الإخراج بلا فصل ، وأمّا إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب فيجب تغسيله وتكفينه .

الثانية : من وجب قتله برجم أو قصاص ، فإنّ الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ أو العامّ يأمره أن يغتسل غسل الميّت مرّة بماء السدر ، ومرّة بماء الكافور ، ومرّة بماء القراح ، ثمّ يكفّن كتكفين الميّت ، إلاّ أ نّه يلبس وصلتين(3) منه وهما المئزر والثوب قبل القتل واللفّافة بعده ، ويحنّط قبل القتل كحنوط الميّت ، ثمّ يقتل

ص: 264


1- في اعتبار وجوبه عليهم تأمّل .
2- يشترط خروج روحه في المعركة حال اشتعال الحرب ، أو في غيرها قبل إدراكه المسلمون حيّاً ، وأمّا لو عثروا عليه بعد الحرب في المعركة وبه رمق يجب غسله وكفنه على الأحوط إن خرج روحه فيها ، وأمّا إن خرج روحه خارجها فالظاهر وجوب غسله .
3- بل يلبس جميع الكفن ؛ وإن كان لما ذكره وجه غير معتدّ به .

فيصلّى عليه ويدفن بلا تغسيل ، ولا يلزم غسل الدم من كفنه، ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل ، ويلزم أن يكون موته بذلك السبب، فلو مات أو قتل بسبب آخر يلزم تغسيله ، ونيّة الغسل من الآمر(1) ولو نوى هو أيضاً صحّ ، كما أ نّه لو اغتسل من غير أمر الإمام علیه السلام أو نائبه كفى ، وإن كان الأحوط إعادته .

(مسألة 6) : سقوط الغسل عن الشهيد والمقتول بالرجم أو القصاص من باب العزيمة لا الرخصة ، وأمّا الكفن فإن كان الشهيد عارياً وجب تكفينه ، وإن كان عليه ثيابه فلا يبعد(2) جواز تكفينه فوق ثياب الشهادة ، ولا يجوز نزع ثيابه وتكفينه ، ويستثنى من عدم جواز نزع ما عليه ، أشياء يجوز نزعها ، كالخفّ والنعل والحزام إذا كان من الجلد وأسلحة الحرب ، واستثنى بعضهم الفرو ، ولا يخلو عن إشكال ، خصوصاً إذا أصابه دم ، واستثنى بعضهم مطلق الجلود ، وبعضهم استثنى الخاتم ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «ينزع من الشهيد الفرو والخفّ والقلنسوة والعمامة والحزام والسراويل» ، والمشهور لم يعملوا بتمام الخبر ، والمسألة محلّ إشكال ، والأحوط(3) عدم نزع ما يصدق عليه الثوب من المذكورات .

(مسألة 7) : إذا كان ثياب الشهيد للغير ولم يرض بإبقائها تنزع ، وكذا إذا كانت للميّت لكن كانت مرهونة(4) عند الغير ولم يرض بإبقائها عليه .

(مسألة 8) : إذا وجد في المعركة ميّت لم يعلم أ نّه قتل شهيداً أم لا ،

ص: 265


1- بل من المأمور ، والأحوط نيّة الآمر أيضاً .
2- فيه إشكال بل منع ، فلا يترك الاحتياط بتركه .
3- كما أنّ الأحوط نزع ما لا يصدق عليه ، بل لا يبعد وجوبه .
4- مع إمكان فكّ الرهن من ماله ، لا يبعد وجوبه وتدفينه بها .

فالأحوط(1) تغسيله وتكفينه ، خصوصاً إذا لم يكن فيه جراحة ، وإن كان لا يبعد إجراء حكم الشهيد عليه .

(مسألة 9) : من أطلق عليه الشهيد في الأخبار من المطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه ومن ماتت عند الطلق والمدافع عن أهله وماله لا يجري عليه حكم الشهيد ؛ إذ المراد التنزيل في الثواب .

(مسألة 10) : إذا اشتبه المسلم بالكافر ، فإن كان مع العلم الإجمالي بوجود مسلم في البين وجب(2) الاحتياط بالتغسيل والتكفين وغيرهما للجميع ، وإن لم يعلم ذلك لا يجب شيء من ذلك ، وفي رواية : «يميّز بين المسلم والكافر بصغر الآلة وكبرها» ، ولا بأس بالعمل بها في غير(3) صورة العلم الإجمالي ، والأحوط إجراء أحكام المسلم مطلقاً بعنوان الاحتمال وبرجاء كونه مسلماً .

(مسألة 11) : مسّ الشهيد ، والمقتول بالقصاص بعد العمل بالكيفية السابقة ، لا يوجب الغسل .

(مسألة 12) : القطعة المبانة من الميّت إن لم يكن فيها عظم لا يجب غسلها ولا غيره بل تلفّ(4) في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم وكان غير الصدر ، تغسّل وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ

ص: 266


1- مع عدم أمارات القتل كالجرح ، فالظاهر وجوب تغسيله وتكفينه ومعها لا يبعد إجراء حكم الشهيد عليه .
2- الظاهر أنّ مراده غير الشهيد ، وإلاّ فلا وجه للاحتياط بالتغسيل والتكفين ونحوهما ممّا يستثنى الشهيد منها .
3- لو جاز العمل بها لجاز في مورده أيضاً ، لكنّه محلّ تأمّل .
4- على الأحوط .

القطعات الثلاث ، وكذا إذا كان عظماً مجرّداً(1) وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسّل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر إذا كان مشتملاً على القلب(2) ، بل وكذا عظم الصدر وإن لم يكن معه لحم ، وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان بعض محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها(3) أيضاً .

(مسألة 13) : إذا بقي جميع عظام الميّت بلا لحم وجب إجراء جميع الأعمال .

(مسألة 14) : إذا كانت القطعة مشتبهة بين الذكر والاُنثى ، الأحوط أن يغسّلها كلّ من الرجل والمرأة .

فصل : في كيفية غسل الميّت

يجب تغسيله ثلاثة أغسال : الأوّل : بماء السدر . الثاني : بماء الكافور . الثالث : بالماء القراح . ويجب على هذا الترتيب ، ولو خولف اُعيد على وجه يحصل الترتيب ، وكيفية كلّ من الأغسال المذكورة كما ذكر في الجنابة ، فيجب أوّلاً غسل الرأس والرقبة ، وبعده الطرف الأيمن ، وبعده الأيسر ، والعورة تنصف أو تغسّل مع كلّ من الطرفين وكذا السرّة ، ولا يكفي الارتماس على الأحوط في الأغسال الثلاثة مع التمكّن من الترتيب ، نعم يجوز في كلّ غسل رمس كلّ من الأعضاء الثلاثة مع مراعاة الترتيب في الماء الكثير .

(مسألة 1) : الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل ،

ص: 267


1- في وجوبه إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .
2- بل ولو لم يشتمل عليه فعلاً وكان محلاًّ له .
3- مع بقاء بعض المحالّ .

وإن كان الأقوى كفاية إزالتها عن كلّ عضو قبل الشروع فيه .

(مسألة 2) : يعتبر في كلّ من السدر والكافور أن لا يكون في طرف الكثرة بمقدار يوجب إضافته وخروجه عن الإطلاق ، وفي طرف القلّة يعتبر أن يكون بمقدار يصدق أ نّه مخلوط بالسدر أو الكافور ، وفي الماء القراح يعتبر صدق الخلوص منهما ، وقدّر بعضهم السدر برطل ، والكافور بنصف مثقال تقريباً ، لكنّ المناط ما ذكرنا .

(مسألة 3) : لا يجب مع غسل الميّت الوضوء قبله أو بعده وإن كان مستحبّاً ، والأولى أن يكون قبله .

(مسألة 4) : ليس لماء غسل الميّت حدّ ، بل المناط كونه بمقدار يفي بالواجبات أو مع المستحبّات ، نعم في بعض الأخبار أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أوصى إلى أمير المؤمنين علیه السلام أن يغسّله بستّ قرب ، والتأسّي به صلی الله علیه و آله وسلم حسن مستحسن .

(مسألة 5) : إذا تعذّر أحد الخليطين سقط اعتباره ، واكتفى بالماء القراح بدله ، وإن تعذّر كلاهما سقطا ، وغسل بالقراح ثلاثة أغسال ، ونوى بالأوّل ما هو بدل السدر ، وبالثاني ما هو بدل الكافور .

(مسألة 6) : إذا تعذّر الماء يتيمّم ثلاث تيمّمات بدلاً عن الأغسال على الترتيب ، والأحوط(1) تيمّم آخر بقصد بدلية المجموع ، وإن نوى في التيمّم الثالث(2) ما في الذمّة من بدلية الجميع أو خصوص الماء القراح كفى في الاحتياط .

ص: 268


1- وإن كان الأقوى عدم لزومه .
2- أو أحد الأوّلين .

(مسألة 7) : إذا لم يكن عنده من الماء إلاّ بمقدار غسل واحد ، فإن لم يكن عنده الخليطان أو كان كلاهما أو السدر فقط ، صرف ذلك الماء في الغسل الأوّل ، ويأتي بالتيمّم بدلاً عن كلّ من الآخرين على الترتيب ، ويحتمل التخيير(1) في الصورتين الاُوليين في صرفه في كلّ من الثلاثة في الاُولى ، وفي كلّ من الأوّل والثاني في الثانية ، وإن كان عنده الكافور فقط فيحتمل(2) أن يكون الحكم كذلك ، ويحتمل أن يجب صرف ذلك الماء في الغسل الثاني مع الكافور ، ويأتي بالتيمّم بدل الأوّل والثالث فييمّمه أوّلاً ، ثمّ يغسّله بماء الكافور ، ثمّ ييمّمه بدل القراح .

(مسألة 8) : إذا كان الميّت مجروحاً أو محروقاً أو مجدوراً أو نحو ذلك ممّا يخاف معه تناثر جلده ييمّم - كما في صورة فقد الماء - ثلاثة تيمّمات .

(مسألة 9) : إذا كان الميّت محرماً لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني ، إلاّ أن يكون موته بعد طواف(3) الحجّ أو العمرة ، وكذلك لا يحنّط بالكافور ، بل لا يقرب إليه طيب آخر.

(مسألة 10) : إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين أو أحدهما بعد التيمّم أو بعد الغسل بالقراح قبل الدفن يجب الإعادة(4) ، وكذا بعد الدفن إذا اتّفق خروجه بعده على الأحوط .

ص: 269


1- لكنّه ضعيف .
2- صرفه في الغسل الأوّل هو الأقوى .
3- بل بعد السعي في الحجّ والتقصير في العمرة .
4- على الأحوط فيما إذا غسل بالقراح ، وعلى الأقوى فيما إذا تيمّم .

(مسألة 11) : يجب أن يكون التيمّم بيد الحيّ(1) لا بيد الميّت ، وإن كان الأحوط تيمّم آخر بيد الميّت إن أمكن ، والأقوى كفاية ضربة واحدة للوجه واليدين ، وإن كان الأحوط التعدّد .

(مسألة 12) : الميّت المغسّل بالقراح لفقد الخليطين أو أحدهما ، أو المتيمّم لفقد الماء أو نحوه من الأعذار ، لا يجب الغسل بمسّه وإن كان أحوط .

فصل : في شرائط الغسل

وهي اُمور : الأوّل : نيّة القربة على ما مرّ في باب الوضوء . الثاني : طهارة الماء . الثالث : إزالة النجاسة عن كلّ عضو قبل الشروع في غسله ، بل الأحوط إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في أصل الغسل كما مرّ سابقاً . الرابع : إزالة الحواجب والموانع عن وصول الماء إلى البشرة ، وتخليل الشعر ، والفحص عن المانع إذا شكّ في وجوده . الخامس(2) : إباحة الماء وظرفه ومصبّه ومجرى غسالته ومحلّ الغسل والسدّة والفضاء الذي فيه جسد الميّت ، وإباحة السدر والكافور ، وإذا جهل بغصبية أحد المذكورات أو نسيها وعلم بعد الغسل لا يجب إعادته ، بخلاف الشروط السابقة ، فإنّ فقدها يوجب الإعادة وإن لم يكن عن علم وعمد .

(مسألة 1) : يجوز تغسيل الميّت من وراء الثياب ، ولو كان المغسّل مماثلاً ،

ص: 270


1- فيه إشكال ، بل الأقرب جواز الاكتفاء بيد الميّت ، ولا يترك الاحتياط بالجمع .
2- مرّ ما هو الأقوى في الوضوء وغيره .

بل قيل : إنّه أفضل(1) ، ولكنّ الظاهر كما قيل : إنّ الأفضل التجرّد في غير العورة مع المماثلة .

(مسألة 2) : يجزي غسل الميّت عن الجنابة والحيض ؛ بمعنى أ نّه لو مات جنباً أو حائضاً لا يحتاج إلى غسلهما ، بل يجب غسل الميّت فقط ، بل ولا رجحان في ذلك وإن حكي عن العلاّمة رجحانه .

(مسألة 3) : لا يشترط في غسل الميّت أن يكون بعد برده وإن كان أحوط .

(مسألة 4) : النظر إلى عورة الميّت حرام ، لكن لا يوجب بطلان الغسل إذا كان في حاله .

(مسألة 5) : إذا دفن الميّت بلا غسل جاز بل وجب نبشه(2) لتغسيله أو تيمّمه ، وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً أو تبيّن بطلانها أو بطلان بعضها ، وكذا إذا دفن بلا تكفين أو مع الكفن الغصبي وأمّا إذا لم يصلّ عليه أو تبيّن بطلانها فلا يجوز نبشه لأجلها ، بل يصلّى على قبره .

(مسألة 6) : لا يجوز(3) أخذ الاُجرة على تغسيل الميّت ، بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الاُجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضاً ، نعم(4)

ص: 271


1- وهو غير بعيد .
2- إذا لم يكن في نبشه محذور كهتك حرمة الميّت بواسطة فساد جثّته ، أو الحرج على الأحياء بواسطة رائحته ، أو تجهيزه ، هذا في غير غصبية الكفن ، وأمّا فيها ففي مثل الفرض إشكال ، والأحوط للمغصوب منه أخذ قيمة الكفن ، نعم لو كان الميّت هو الغاصب فالظاهر جواز النبش مع هتكه أيضاً .
3- على الأحوط .
4- مراده تصحيحه بنحو الداعي على الداعي ولا يبعد ذلك .

لو كان داعيه هو القربة وكان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الاُجرة صحّ الغسل ، لكن مع ذلك أخذ الاُجرة حرام ، إلاّ إذا كان في قبال المقدّمات الغير الواجبة ، فإنّه لا بأس به حينئذٍ .

(مسألة 7) : إذا كان السدر أو الكافور قليلاً جدّاً ؛ بأن لم يكن بقدر الكفاية ، فالأحوط خلط المقدار الميسور ، وعدم سقوطه بالمعسور .

(مسألة 8) : إذا تنجّس بدن الميّت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسة أو نجاسة خارجة لا يجب معه إعادة الغسل ، بل وكذا لو خرج منه بول أو منيّ ؛ وإن كان الأحوط في صورة كونهما في الأثناء إعادته ، خصوصاً إذا كان في أثناء الغسل بالقراح ، نعم يجب إزالة تلك النجاسة عن جسده ولو كان بعد وضعه(1) في القبر ؛ إذا أمكن بلا مشقّة ولا هتك .

(مسألة 9) : اللوح أو السرير الذي يغسّل الميّت عليه لا يجب غسله بعد كلّ غسل من الأغسال الثلاثة ، نعم الأحوط غسله لميّت آخر ، وإن كان الأقوى طهارته بالتبع ، وكذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه ، فإنّها أيضاً تطهر بالتبع ، والأحوط غسلها .

فصل : في آداب غسل الميّت

وهي اُمور(2) : الأوّل : أن يجعل على مكان عالٍ من سرير أو دكّة أو غيرها ، والأولى وضعه على ساجة ، وهي السرير المتّخذ من شجر مخصوص في الهند ،

ص: 272


1- على الأحوط في هذه الصورة .
2- لمّا كان بعضها غير ثابت لا بأس بإتيانها رجاءً .

وبعده مطلق السرير وبعده المكان العالي مثل الدكّة ، وينبغي أن يكون مكان رأسه أعلى من مكان رجليه . الثاني : أن يوضع مستقبل القبلة كحالة الاحتضار ، بل هو أحوط . الثالث : أن ينزع قميصه من طرف رجليه ؛ وإن استلزم فتقه ، بشرط الإذن(1) من الوارث البالغ الرشيد ، والأولى أن يجعل هذا ساتراً لعورته . الرابع : أن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة ، والأولى الأوّل . الخامس : أن يحفر حفيرة لغسالته . السادس : أن يكون عارياً مستور العورة . السابع : ستر عورته وإن كان الغاسل والحاضرون ممّن يجوز لهم النظر إليها . الثامن : تليين أصابعه برفق ، بل وكذا جميع مفاصله إن لم يتعسّر ، وإلاّ تركت بحالها . التاسع : غسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع في كلّ غسل ثلاث مرّات ، والأولى أن يكون في الأوّل بماء السدر ، وفي الثاني بماء الكافور ، وفي الثالث بالقراح . العاشر : غسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي مع المحافظة على عدم دخوله في اُذنه أو أنفه . الحادي عشر : غسل فرجيه بالسدر أو الاُشنان ثلاث مرّات قبل التغسيل ، والأولى أن يلفّ(2) الغاسل على يده اليسرى خرقة ويغسل فرجه . الثاني عشر : مسح بطنه برفق في الغسلين الأوّلين إلاّ إذا كانت امرأة حاملاً مات ولدها في بطنها . الثالث عشر : أن يبدأ في كلّ من الأغسال الثلاثة بالطرف الأيمن من رأسه . الرابع عشر : أن يقف الغاسل إلى جانبه الأيمن . الخامس عشر : غسل الغاسل يديه إلى المرفقين ، بل إلى المنكبين ثلاث مرّات في كلّ من الأغسال الثلاثة . السادس عشر : أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده لزيادة الاستظهار ، إلاّ أن يخاف سقوط شيء من أجزاء بدنه فيكتفي بصبّ الماء عليه .

ص: 273


1- على الأحوط .
2- بل الأحوط لو لم يكن الأقوى لزومه .

السابع عشر : أن يكون ماء غسله ستّ قرب . الثامن عشر : تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف أو نحوه . التاسع عشر : أن يوضّأ قبل كلّ من الغسلين الأوّلين وضوء الصلاة ، مضافاً إلى غسل يديه إلى نصف الذراع . العشرون : أن يغسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة ثلاث مرّات . الحادي والعشرون : إن كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه إلى الركبتين . الثاني والعشرون : أن يكون الغاسل مشغولاً بذكر اللّه والاستغفار عند التغسيل ، والأولى أن يقول مكرّراً : «ربّ عفوك عفوك» أو يقول : «اللهمّ هذا بدن عبدك المؤمن ، وقد أخرجت روحه من بدنه ، وفرّقت بينهما ، فعفوك عفوك» ، خصوصاً في وقت تقليبه . الثالث والعشرون : أن لا يظهر عيباً في بدنه إذا رآه .

فصل : في مكروهات الغسل

الأوّل : إقعاده حال الغسل . الثاني : جعل الغاسل إيّاه بين رجليه . الثالث : حلق رأسه أو عانته . الرابع : نتف شعر إبطيه . الخامس : قصّ شاربه . السادس : قصّ أظفاره ، بل الأحوط(1) تركه وترك الثلاثة قبله . السابع : ترجيل شعره . الثامن : تخليل ظفره . التاسع : غسله بالماء الحارّ بالنار أو مطلقاً ، إلاّ مع الاضطرار . العاشر : التخطّي عليه حين التغسيل . الحادي عشر : إرسال غسالته إلى بيت الخلاء ، بل إلى البالوعة ، بل يستحبّ أن يحفر لها بالخصوص حفيرة كما مرّ . الثاني عشر : مسح بطنه إذا كانت حاملاً .

(مسألة 1) : إذا سقط من بدن الميّت شيء ؛ من جلد أو شعر أو ظفر أو سنّ يجعل معه في كفنه ويدفن ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب حفظ السنّ

ص: 274


1- لا يترك .

الساقط ليدفن معه ، كالخبر الذي ورد أنّ سنّاً من أسنان الباقر علیه السلام سقط فأخذه وقال : «الحمد للّه» ، ثمّ أعطاه للصادق علیه السلام وقال : «ادفنه معي في قبري» .

(مسألة 2) : إذا كان الميّت غير مختون لا يجوز(1) أن يختن بعد موته .

(مسألة 3) : لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور ، ولا جعله في ماء غسله كما مرّ ، إلاّ أن يكون موته بعد الطواف(2) للحجّ أو العمرة .

فصل : في تكفين الميّت

يجب تكفينه بالوجوب الكفائي ؛ رجلاً كان أو امرأة أو خنثى أو صغيراً بثلاث قطعات : الاُولى : المئزر ، ويجب أن يكون من السرّة إلى الركبة ، والأفضل من الصدر إلى القدم . الثانية : القميص ، ويجب أن يكون من المنكبين إلى نصف الساق(3) ، والأفضل(4) إلى القدم . الثالثة : الإزار ، ويجب أن يغطّي(5) تمام البدن ، والأحوط أن يكون في الطول بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه ، وفي العرض بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر ، والأحوط أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب على الصغار(6) من الورثة ، وإن أوصى به أن يحسب من الثلث ، وإن

ص: 275


1- على الأحوط .
2- مرّ أ نّه بعد السعي في الحجّ ، والتقصير في العمرة .
3- على الأحوط .
4- غير معلوم .
5- بل يجب أن يكون طوله زائداً على طول الجسد ، وعرضه بمقدار يمكن أن يوضع أحد جانبيه على الآخر ويلفّ عليه بحيث يستر جميع الجسد .
6- ويسترضي عن الكبار .

لم يتمكّن من ثلاث قطعات يكتفي بالمقدور ، وإن دار الأمر بين واحدة من الثلاث تجعل إزاراً ، وإن لم يمكن فثوباً(1) ، وإن لم يمكن إلاّ مقدار ستر العورة تعيّن ، وإن دار بين القبل والدبر يقدّم الأوّل .

(مسألة 1) : لا يعتبر في التكفين قصد القربة وإن كان أحوط .

(مسألة 2) : الأحوط في كلّ من القطعات أن يكون وحده ساتراً لما تحته ، فلا يكتفى بما يكون حاكياً له وإن حصل الستر بالمجموع ، نعم لا يبعد كفاية ما يكون ساتراً من جهة طليه بالنشاء ونحوه لا بنفسه ، وإن كان الأحوط كونه كذلك بنفسه .

(مسألة 3) : لا يجوز التكفين بجلد الميتة ولا بالمغصوب ولو في حال(2) الاضطرار ، ولو كفّن بالمغصوب وجب نزعه بعد الدفن أيضاً .

(مسألة 4) : لا يجوز اختياراً التكفين بالنجس ، حتّى لو كانت النجاسة بما عفي عنها في الصلاة على الأحوط(3) ، ولا بالحرير الخالص وإن كان الميّت طفلاً أو امرأة ، ولا بالمذهّب(4) ، ولا بما لا يؤكل لحمه ؛ جلداً كان أو شعراً أو وبراً ، والأحوط(5) أن لا يكون من جلد المأكول ، وأمّا من وبره وشعره فلا بأس ، وإن كان الأحوط فيهما أيضاً المنع ، وأمّا في حال الاضطرار فيجوز بالجميع .

ص: 276


1- أي قميصاً .
2- على الأحوط في جلد الميتة في تلك الحالة ؛ وإن كان الجواز فيها لا يخلو من قوّة .
3- بل الأقوى .
4- على الأحوط .
5- إذا عمل على نحو يصدق عليه الثوب لا بأس به على الأقوى .

(مسألة 5) : إذا دار الأمر في حال الاضطرار بين جلد المأكول(1) أو أحد المذكورات يقدّم الجلد على الجميع ، وإذا دار بين النجس والحرير أو بينه وبين أجزاء غير المأكول لا يبعد تقديم النجس(2) وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وإذا دار بين الحرير وغير المأكول يقدّم الحرير(3) ، وإن كان لا يخلو عن إشكال في صورة الدوران بين الحرير وجلد غير المأكول ، وإذا دار بين جلد غير المأكول وسائر أجزائه يقدّم سائر الأجزاء .

(مسألة 6) : يجوز التكفين بالحرير الغير الخالص بشرط أن يكون الخليط أزيد من الإبريسم على الأحوط .

(مسألة 7) : إذا تنجّس الكفن بنجاسة خارجة أو بالخروج من الميّت وجب إزالتها ، ولو بعد الوضع في القبر بغسل أو بقرض(4) إذا لم يفسد الكفن ، وإذا لم يمكن وجب تبديله مع الإمكان .

(مسألة 8) : كفن الزوجة على زوجها ولو مع يسارها ؛ من غير فرق بين كونها كبيرة أو صغيرة، أو مجنونة أو عاقلة، حرّة أو أمة ، مدخولة أو غير مدخولة ، دائمة أو منقطعة(5)، مطيعة أو ناشزة، بل وكذا المطلّقة الرجعية، دون البائنة، وكذا في الزوج لا فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون، فيعطي الوليّ من مال المولّى عليه.

ص: 277


1- إذا عمل على نحو لا يصدق عليه الثوب لا يقدّم على غيره لدى الدوران ، وإلاّ فيجوز حال الاختيار كما مرّ .
2- بلا إشكال فيه .
3- على الأحوط .
4- الأولى اختياره إذا وضع في القبر ، وقد يلزم لو لزم من الخروج الوهن .
5- فيها إشكال إذا كانت مدّتها قصيرة جدّاً .

(مسألة 9) : يشترط في كون كفن الزوجة على الزوج اُمور : أحدها : يساره ؛ بأن يكون له ما يفي به أو ببعضه زائداً عن مستثنيات الدين ، وإلاّ فهو أو البعض الباقي في مالها . الثاني : عدم تقارن موتهما . الثالث : عدم محجورية(1) الزوج قبل موتها بسبب الفلس . الرابع : أن لا يتعلّق به حقّ الغير ؛ من رهن أو غيره . الخامس : عدم تعيينها(2) الكفن بالوصيّة .

(مسألة 10) : كفن المحلّلة على سيّدها ، لا المحلّل له .

(مسألة 11) : إذا مات الزوج بعد الزوجة وكان له ما يساوي كفن أحدهما قدّم عليها ؛ حتّى لو كان وضع عليها ، فينزع منها إلاّ إذا كان بعد الدفن .

(مسألة 12) : إذا تبرّع بكفنها متبرّع سقط عن الزوج .

(مسألة 13) : كفن غير الزوجة من أقارب الشخص ليس عليه ، وإن كان ممّن يجب نفقته عليه ، بل في مال الميّت ، وإن لم يكن له مال يدفن عارياً .

(مسألة 14) : لا يخرج الكفن عن ملك الزوج بتكفين المرأة ، فلو أكلها السبع أو ذهب بها السيل وبقي الكفن ، رجع إليه ولو كان بعد دفنها .

(مسألة 15) : إذا كان الزوج معسراً كان كفنها في تركتها ، فلو أيسر بعد ذلك(3) ليس للورثة مطالبة قيمته .

ص: 278


1- في سقوطه بالمحجورية إشكال ، بل عدم السقوط والتكفين بإذن الحاكم لا يخلو من وجه .
2- مجرّد التعيين لا يوجب السقوط ، نعم لو عمل بالوصيّة يسقط بارتفاع الموضوع .
3- أي بعد الدفن ، وأمّا قبله فلهم الرجوع إلى عين مالهم .

(مسألة 16) : إذا كفّنها الزوج فسرقه سارق وجب عليه مرّة اُخرى ، بل وكذا إذا كان بعد الدفن على الأحوط .

(مسألة 17) : ما عدا الكفن من مؤن تجهيز الزوجة ليس على الزوج على الأقوى ؛ وإن كان أحوط .

(مسألة 18) : كفن المملوك على سيّده ، وكذا سائر مؤن تجهيزه ، إلاّ إذا كانت مملوكة مزوّجة فعلى زوجها(1) كما مرّ ، ولا فرق بين أقسام المملوك ، وفي المبعّض يبعّض ، وفي المشترك يشترك .

(مسألة 19) : القدر الواجب من الكفن يؤخذ من أصل التركة في غير الزوجة والمملوك مقدّماً على الديون والوصايا ، وكذا القدر الواجب من سائر المؤن ؛ من السدر والكافور وماء الغسل وقيمة الأرض ، بل وما يؤخذ من الدفن في الأرض المباحة ، واُجرة الحمّال والحفّار ونحوها في صورة الحاجة إلى المال ، وأمّا الزائد عن القدر الواجب في جميع ذلك فموقوف على إجازة الكبار من الورثة في حصّتهم ، إلاّ مع وصيّة الميّت بالزائد مع خروجه من الثلث ، أو وصيّته بالثلث من دون تعيين المصرف كلاًّ أو بعضاً ، فيجوز صرفه في الزائد من القدر الواجب .

(مسألة 20) : الأحوط(2) الاقتصار في القدر الواجب على ما هو أقلّ قيمة ،

ص: 279


1- ما على الزوج هو الكفن ، وغيره على المولى .
2- الظاهر خروج ما هو المتعارف اللائق بشأنه ؛ من الكفن وسائر التجهيزات من الأصل ؛ وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه في الزائد على الواجب مع التحفّظ على عدم الإهانة عليه .

فلو أرادوا ما هو أغلى قيمة يحتاج الزائد إلى إمضاء الكبار في حصّتهم ، وكذا في سائر المؤن ، فلو كان هناك مكان مباح لا يحتاج إلى بذل مال ، أو يحتاج إلى قليل ، لا يجوز اختيار الأرض التي مصرفها أزيد إلاّ بإمضائهم ، إلاّ أن يكون ما هو الأقلّ قيمة أو مصرفاً هتكاً لحرمة الميّت ، فحينئذٍ لا يبعد خروجه من أصل التركة وكذا بالنسبة إلى مستحبّات الكفن ، فلو فرضنا أنّ الاقتصار على أقلّ الواجب هتك لحرمة الميّت يؤخذ المستحبّات أيضاً من أصل التركة .

(مسألة 21) : إذا كان تركة الميّت متعلّقاً لحقّ الغير - مثل حقّ الغرماء في الفلس وحقّ الرهانة وحقّ الجناية - ففي تقديمه أو تقديم الكفن إشكال(1) ، فلا يترك مراعاة الاحتياط .

(مسألة 22) : إذا لم يكن للميّت تركة بمقدار الكفن ، فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين ؛ لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين ، لا إعطاء الكفن ، لكنّه أحوط ، وإذا كان هناك من سهم سبيل اللّه من الزكاة فالأحوط صرفه فيه ، والأولى - بل الأحوط - أن يعطى لورثته(2) حتّى يكفّنوه من مالهم إذا كان تكفين الغير لميّتهم صعباً عليهم .

(مسألة 23) : تكفين المحرم كغيره ، فلا بأس بتغطية رأسه ووجهه ، فليس حالهما حال الطيب في حرمة تقريبه إلى الميّت المحرم .

ص: 280


1- الظاهر تقديم الكفن في غير الأخير ، وأمّا فيه فمحلّ إشكال .
2- مع استحقاقهم للزكاة .
فصل : في مستحبّات الكفن

فصل : في مستحبّات الكفن(1) وهي اُمور : أحدها : العمامة للرجل ، ويكفي فيها المسمّى طولاً وعرضاً ، والأولى أن تكون بمقدار يدار على رأسه ، ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره ؛ الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن من الصدر . الثاني : المقنعة للامرأة بدل العمامة ، ويكفي فيها أيضاً المسمّى . الثالث : لفّافة لثدييها يشدّان بها إلى ظهرها . الرابع : خرقة يعصب بها وسطه ؛ رجلاً كان أو امرأة . الخامس : خرقة اُخرى للفخذين تلفّ عليهما ، والأولى أن يكون طولها ثلاثة أذرع ونصف ، وعرضها شبراً أو أزيد ، تشدّ من الحقوين ، ثمّ تلفّ على فخذيه لفّاً شديداً على وجه لا يظهر منهما شيء إلى الركبتين ، ثمّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن . السادس : لفّافة اُخرى فوق اللفّافة الواجبة ، والأولى كونها برداً يمانيّاً ، بل يستحبّ لفّافة ثالثة أيضاً خصوصاً في الامرأة . السابع : أن يجعل شيء من القطن أو نحوه بين رجليه ، بحيث يستر العورتين ويوضع عليه شيء من الحنوط ، وإن خيف خروج شيء من دبره يجعل فيه شيء من القطن ، وكذا لو خيف خروج الدم من منخريه ، وكذا بالنسبة إلى قبل الامرأة وكذا ما أشبه ذلك .

ص: 281


1- لمّا كان بعض ما في هذا الفصل والفصل التالي غير ثابت فيأتي بها رجاءً ، ثمّ الأولى بل الأحوط أنّ ما يكتب في كفنه من الآيات الكريمة والأسماء المحترمة أن يجتنب من الكتب في محالّ تكون مظانّ التنجّس والتلويث ، وأن يكتب في محالّ من الكفن لا تكون إهانة عرفاً ، بل معها لا يجوز .
فصل : في بقيّة المستحبّات

وهي اُمور : الأوّل : إجادة الكفن ، فإنّ الأموات يتباهون يوم القيامة بأكفانهم ، ويحشرون بها ، وقد كفّن موسى بن جعفر علیه السلام بكفن قيمته ألفا دينار ، وكان تمام القرآن مكتوباً عليه . الثاني : أن يكون من القطن . الثالث : أن يكون أبيض ، بل يكره المصبوغ ما عدا الحبرة ، ففي بعض الأخبار أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كفّن في حبرة حمراء . الرابع : أن يكون من خالص المال وطهوره ، لا من المشتبهات . الخامس : أن يكون من الثوب الذي أحرم فيه أو صلّى فيه . السادس : أن يلقى عليه شيء من الكافور والذريرة ، وهي على ما قيل حبّ يشبه حبّ الحنطة ، له ريح طيّب إذا دُقّ ، وتسمّى الآن «قمحة» ، ولعلّها كانت تسمّى بالذريرة سابقاً ، ولا يبعد استحباب التبرّك بتربة قبر الحسين علیه السلام ومسحه بالضريح المقدّس ، أو بضرائح سائر الأئمّة علیهم السلام بعد غسله بماء الفرات ، أو بماء زمزم . السابع : أن يجعل طرف الأيمن من اللفّافة على أيسر الميّت ، والأيسر منها على أيمنه . الثامن : أن يخاط الكفن بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة . التاسع : أن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث وإن كان هو الغاسل له ، فيستحبّ أن يغسل يديه إلى المرفقين بل المنكبين ثلاث مرّات ، ويغسل رجليه إلى الركبتين ، والأولى أن يغسل كلّ ما تنجّس من بدنه ، وأن يغتسل غسل المسّ قبل التكفين . العاشر : أن يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب والمستحبّ حتّى العمامة اسمه واسم أبيه ؛ بأن يكتب : «فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأنّ عليّاً والحسن والحسين وعليّاً ومحمّداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة القائم أولياء اللّه

ص: 282

وأوصياء رسول اللّه وأئمّتي ، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ» . الحادي عشر : أن يكتب على كفنه تمام القرآن ودعاء الجوشن الصغير ، والكبير ، ويستحبّ كتابة الأخير في جام بكافور أو مسك ثمّ غسله ورشّه على الكفن ، فعن أبي عبداللّه الحسين - صلوات اللّه عليه - «أنّ أبي أوصاني بحفظ هذا الدعاء ، وأن أكتبه على كفنه وأن اُعلّمه أهل بيتي » ويستحبّ أيضاً أن يكتب عليه البيتان اللذان كتبهما أمير المؤمنين علیه السلام على كفن سلمان وهما :

وفدت على الكريم بغير زاد *** من الحسنات والقلب السليم .

وحمل الزاد أقبح كلّ شيء *** إذا كان الوفود على الكريم .

ويناسب أيضاً كتابة السند المعروف المسمّى ب «سلسلة الذهب» وهو : حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يوسف بن عقيل ، عن إسحاق بن راهويه قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا علیه السلام نيشابور وأراد أن يرتحل إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا : يابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم تدخل علينا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك ؟ وقد كان قعد في العمارية ، فأطلع رأسه فقال علیه السلام : «سمعت أبي موسى بن جعفر علیه السلام يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد علیه السلام يقول : سمعت أبي محمّد بن علي علیه السلام يقول : سمعت أبي علي بن الحسين علیه السلام يقول : سمعت أبي الحسين بن علي علیه السلام يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يقول : سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : سمعت جبرائيل علیه السلام يقول : سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول : «لا إله إلاّ اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، فلمّا مرّت الراحلة نادى : «أمّا بشروطها ، وأنا من شروطها» . وإن كتب السند الآخر أيضاً فأحسن ، وهو حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبدالكريم بن محمّد الحسيني قال :

ص: 283

حدّثنا محمّد بن إبراهيم الرازي ، قال : حدّثنا عبداللّه بن يحيى الأهوازي قال : حدّثني أبو الحسن علي بن عمرو ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثني علي بن بلال ، عن علي بن موسى الرضا علیهما السلام عن موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن علي ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي علیهم السلام ، عن علي بن أبي طالب ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرائيل ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل علیهم السلام ، عن اللوح والقلم قال : يقول اللّه عزّ وجلّ : «ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من ناري» . وإذا كتب على فصّ الخاتم العقيق الشهادتان وأسماء الأئمّة علیهم السلام والإقرار بإمامتهم كان حسناً ، بل يحسن كتابة كلّ ما يرجى منه النفع من غير أن يقصد الورود ، والأولى أن يكتب الأدعية المذكورة بتربة قبر الحسين علیه السلام أو يجعل في المداد شيء منها أو بتربة سائر الأئمّة ، ويجوز أن يكتب بالطين والماء ، بل بالإصبع من غير مداد . الثاني عشر : أن يهيّئ كفنه قبل موته وكذا السدر والكافور ، ففي الحديث : «من هيّأ كفنه لم يكتب من الغافلين ، وكلّما نظر إليه كتبت له حسنة» . الثالث عشر : أن يجعل الميّت حال التكفين مستقبل القبلة مثل حال الاحتضار أو بنحو حال الصلاة .

تتمّة : إذا لم تكتب الأدعية المذكورة والقرآن على الكفن بل على وصلة اُخرى وجعلت على صدره أو فوق رأسه للأمن من التلويث كان أحسن .

فصل : في مكروهات الكفن

وهي اُمور : أحدها : قطعه بالحديد . الثاني : عمل الأكمام والزرور له إذا كان جديداً ، ولو كفّن في قميصه الملبوس له حال حياته قطع أزراره ولا بأس

ص: 284

بأكمامه . الثالث : بلّ الخيوط التي يخاط بها بريقه . الرابع : تبخيره بدخان الأشياء الطيّبة الريح ، بل تطييبه ولو بغير البخور ، نعم يستحبّ تطييبه بالكافور والذريرة كما مرّ . الخامس : كونه أسود . السادس : أن يكتب عليه بالسواد . السابع : كونه من الكتّان ولو ممزوجاً . الثامن : كونه ممزوجاً بالإبريسم ، بل الأحوط تركه إلاّ أن يكون خليطه أكثر . التاسع : المماكسة في شرائه . العاشر : جعل عمامته بلا حنك . الحادي عشر : كونه وسخاً غير نظيف . الثاني عشر : كونه مخيطاً ، بل يستحبّ كون كلّ قطعة منه وصلة واحدة بلا خياطة على ما ذكره بعض العلماء ، ولا بأس به .

فصل : في الحنوط

وهو مسح الكافور على بدن الميّت ، يجب مسحه على المساجد السبعة ، وهي الجبهة ، واليدان ، والركبتان ، وإبهاما الرجلين ، ويستحبّ إضافة طرف الأنف إليها أيضاً ، بل هو الأحوط ، والأحوط(1) أن يكون المسح باليد ، بل بالراحة ، ولا يبعد(2) استحباب مسح إبطيه ولبّته ومغابنه ومفاصله وباطن قدميه وكفّيه ، بل كلّ موضع من بدنه فيه رائحة كريهة ، ويشترط أن يكون بعد الغسل أو التيمّم ، فلا يجوز قبله ، نعم يجوز قبل التكفين وبعده وفي أثنائه ، والأولى أن يكون قبله ، ويشترط في الكافور أن يكون طاهراً مباحاً(3) جديداً ، فلا يجزي العتيق الذي زال ريحه ، وأن يكون مسحوقاً .

ص: 285


1- لا بأس بتركه .
2- يأتي به رجاءً ، والمراد من الكفّ ظاهرها ظاهراً ، فإنّ باطنها من المساجد ومسحه واجب .
3- اشتراط الإباحة ؛ بمعنى أ نّه لو عصى ومسحه يقع باطلاً ، غير معلوم .

(مسألة 1) : لا فرق في وجوب الحنوط بين الصغير والكبير ، والاُنثى والخنثى والذكر ، والحرّ والعبد ، نعم لا يجوز تحنيط المحرم قبل إتيانه بالطواف كما مرّ ، ولا يلحق به التي في العدّة ولا المعتكف ، وإن كان يحرم عليهما استعمال الطيب حال الحياة .

(مسألة 2) : لا يعتبر في التحنيط قصد القربة، فيجوز أن يباشره الصبيّ المميّز(1) أيضاً.

(مسألة 3) : يكفي في مقدار كافور الحنوط المسمّى ، والأفضل أن يكون ثلاثة عشر درهماً وثلث ؛ تصير بحسب المثاقيل الصيرفية سبع مثاقيل وحمّصتين(2) إلاّ خمس الحمّصة ، والأقوى أنّ هذا المقدار لخصوص الحنوط لا له وللغسل ، وأقلّ الفضل مثقال(3) شرعي ، والأفضل منه أربعة دراهم ، والأفضل منه أربعة مثاقيل شرعية .

(مسألة 4) : إذا لم يتمكّن من الكافور سقط وجوب الحنوط ، ولا يقوم مقامه طيب آخر ، نعم يجوز تطييبه بالذريرة ، لكنّها ليست من الحنوط ، وأمّا تطييبه بالمسك والعنبر والعود ونحوها ولو بمزجها بالكافور فمكروه ، بل الأحوط تركه .

(مسألة 5) : يكره إدخال الكافور في عين الميّت أو أنفه أو اُذنه .

(مسألة 6) : إذا زاد الكافور ، يوضع على صدره .

ص: 286


1- وغيره .
2- بل سبع مثاقيل بلا زيادة .
3- وأقلّ منه درهم .

(مسألة 7) : يستحبّ(1) سحق الكافور باليد لا بالهاون .

(مسألة 8) : يكره وضع الكافور على النعش .

(مسألة 9) : يستحبّ خلط الكافور بشيء من تربة قبر الحسين علیه السلام لكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام .

(مسألة 10) : يكره إتباع النعش بالمجمرة وكذا في حال الغسل .

(مسألة 11) : يبدأ(2) في التحنيط بالجبهة ، وفي سائر المساجد مخيّر .

(مسألة 12) : إذا دار الأمر بين وضع الكافور في ماء الغسل أو يصرف في التحنيط يقدّم الأوّل(3) ، وإذا دار في الحنوط بين الجبهة وسائر المواضع تقدّم الجبهة .

فصل : في الجريدتين

من المستحبّات الأكيدة عند الشيعة وضعهما مع الميّت ؛ صغيراً(4) أو كبيراً ، ذكراً أو اُنثى ، محسناً أو مسيئاً ، كان ممّن يخاف عليه من عذاب القبر أو لا ، ففي الخبر : «أنّ الجريدة تنفع المؤمن والكافر والمحسن والمسيء ، وما دامت رطبة يرفع عن الميّت عذاب القبر» ، وفي آخر : «أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم مرّ على قبر يعذّب صاحبه فطلب جريدة فشقّها نصفين ، فوضع أحدهما فوق رأسه ، والاُخرى عند

ص: 287


1- استحبابه غير ثابت .
2- بل مخيّر بين الابتداء بها وبغيرها ، نعم لا يبعد استحبابه .
3- على الأحوط فيه وفيما بعده .
4- يوضع معه رجاءً .

رجله ، وقال : يخفّف عنه العذاب ما داما رطبين» . وفي بعض الأخبار : «أنّ آدم علیه السلام أوصى بوضع جريدتين في كفنه لاُنسه ، وكان هذا معمولاً بين الأنبياء ، وترك في زمان الجاهلية فأحياه النبي صلی الله علیه و آله وسلم » .

(مسألة 1) : الأولى أن تكونا من النخل ، وإن لم يتيسّر فمن السدر ، وإلاّ فمن الخلاف أو الرمّان(1) ، وإلاّ فكلّ عود رطب .

(مسألة 2) : الجريدة اليابسة لا تكفي .

(مسألة 3) : الأولى أن تكون في الطول بمقدار الذراع ، وإن كان يجزي الأقلّ(2) والأكثر ، وفي الغلظ كلّما كان أغلظ أحسن من حيث بطوء يبسه .

(مسألة 4) : الأولى في كيفية وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة إلى ما بلغت ، ملصقة ببدنه ، والاُخرى في جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللفّافة إلى ما بلغت وفي بعض الأخبار : «أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن والاُخرى بين ركبتيه ، بحيث يكون نصفها يصل إلى الساق ، ونصفها إلى الفخذ» ، وفي بعض آخر : «يوضع كلتاهما في جنبه الأيمن» ، والظاهر تحقّق الاستحباب بمطلق الوضع معه في قبره .

(مسألة 5) : لو تركت الجريدة لنسيان ونحوه جعلت فوق(3) قبره .

(مسألة 6) : لو لم تكن إلاّ واحدة جعلت في جانبه الأيمن .

ص: 288


1- الأولى تأخيره عن الخلاف .
2- الأولى أن تكون في جانب القلّة إلى شبر ، وفي الكثرة إلى ذراع .
3- بأن تشقّ الجريدة نصفين ، ويجعل نصفها عند رأسه والآخر عند رجليه .

(مسألة7) : الأولى أن يكتب عليهما اسم الميّت، واسم أبيه، وأ نّه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأنّ الأئمّة من بعده أوصياؤه ، ويذكر أسماءهم واحداً بعد واحد .

فصل : في التشييع

يستحبّ لأولياء الميّت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته والصلاة عليه ، والاستغفار له ، ويستحبّ للمؤمنين المبادرة إلى ذلك ، وفي الخبر : «أ نّه لو دعي إلى وليمة وإلى حضور جنازة قدّم حضورها ؛ لأ نّه مذكّر للآخرة ، كما أنّ الوليمة مذكّرة للدنيا» ، وليس للتشييع حدّ معيّن ، والأولى أن يكون إلى الدفن ، ودونه إلى الصلاة عليه ، والأخبار في فضله كثيرة ، ففي بعضها : «أوّل تحفة للمؤمن في قبره غفرانه وغفران من شيّعه» . وفي بعضها : «من شيّع مؤمناً لكلّ قدم يكتب له مائة ألف حسنة ، ويمحى عنه مائة ألف سيّئة ويرفع له مائة ألف درجة ، وإن صلّى عليه يشيّعه حين موته مائة ألف ملك يستغفرون له ، إلى أن يبعث» ، وفي آخر : «من مشى مع جنازة حتّى صلّى عليها له قيراط من الأجر ، وإن صبر إلى دفنه له قيراطان ، والقيراط مقدار جبل أحد» ، وفي بعض الأخبار : «يؤجر بمقدار ما مشى معها» .

وأمّا آدابه فهي اُمور : أحدها : أن يقول إذا نظر إلى الجنازة : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، اللّه أكبر ، هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله ، اللهمّ زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد للّه الذي تعزّز بالقدرة وقهر العباد بالموت» . وهذا لا يختصّ بالمشيّع ، بل يستحبّ لكلّ من نظر إلى الجنازة ، كما أ نّه يستحبّ له مطلقاً أن يقول : «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم» . الثاني :

ص: 289

أن يقول حين حمل الجنازة «بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد ، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات» . الثالث : أن يمشي ، بل يكره الركوب إلاّ لعذر ، نعم لا يكره في الرجوع . الرابع : أن يحملوها على أكتافهم لا على الحيوان إلاّ لعذر كبعد المسافة . الخامس : أن يكون المشيّع خاشعاً متفكّراً متصوّراً أ نّه هو المحمول ويسأل الرجوع إلى الدنيا فاُجيب . السادس : أن يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ، ولا يمشي قدّامها ، والأوّل أفضل من الثاني ، والظاهر كراهة الثالث خصوصاً في جنازة غير المؤمن . السابع : أن يلقى عليها ثوب غير مزيّن . الثامن : أن يكون حاملوها أربعة . التاسع : تربيع الشخص الواحد ؛ بمعنى حمله جوانبها الأربعة ، والأولى الابتداء بيمين الميّت يضعه على عاتقه الأيمن ، ثمّ مؤخّرها الأيمن على عاتقه الأيمن ثمّ مؤخّرها الأيسر على عاتقه الأيسر ، ثمّ ينتقل إلى المقدّم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر يدورعليها. العاشر: أن يكون صاحب المصيبة حافياً واضعاً رداءه أو يغيّر زيّه على وجه آخر؛ بحيث يعلم أ نّه صاحب المصيبة .

ويكره اُمور : أحدها : الضحك واللعب واللهو . الثاني : وضع الرداء من غير صاحب المصيبة . الثالث : الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار ، حتّى ورد المنع عن السلام على المشيّع . الرابع : تشييع النساء الجنازة وإن كانت للنساء . الخامس : الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميّت ، سيّما إذا كان بالعدو ، بل ينبغي الوسط في المشي . السادس : ضرب اليد على الفخذ أو على الاُخرى . السابع : أن يقول المصاب أو غيره : ارفقوا به ، أو : استغفروا له ، أو : ترحّموا عليه ، وكذا قول : قفوا به . الثامن : إتباعها بالنار ولو مجمرة ، إلاّ في الليل ، فلا يكره المصباح . التاسع : القيام عند مرورها إن كان جالساً ، إلاّ إذا

ص: 290

كان الميّت كافراً ؛ لئلاّ يعلو على المسلم . العاشر : قيل : ينبغي أن يمنع الكافر والمنافق والفاسق من التشييع .

فصل : في الصلاة على الميّت

يجب الصلاة على كلّ مسلم ؛ من غير فرق بين العادل والفاسق والشهيد وغيرهم ، حتّى المرتكب للكبائر ، بل ولو قتل نفسه عمداً ، ولا يجوز على الكافر(1) بأقسامه حتّى المرتدّ فطرياً أو ملّياً مات بلا توبة ، ولا تجب على أطفال المسلمين إلاّ إذا بلغوا ستّ سنين ، نعم تستحبّ(2) على من كان عمره أقلّ من ستّ سنين ، وإن كان مات حين تولّده ، بشرط أن يتولّد حيّاً ، وإن تولّد ميّتاً فلا تستحبّ أيضاً ، ويلحق بالمسلم في وجوب الصلاة عليه من وجد ميّتاً في بلاد المسلمين ، وكذا لقيط دار الإسلام ، بل دار الكفر(3) إذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه .

(مسألة 1) : يشترط في صحّة الصلاة أن يكون المصلّي مؤمناً ، وأن يكون مأذوناً من الوليّ على التفصيل الذي مرّ سابقاً ، فلا تصحّ من غير إذنه ؛ جماعة كانت أو فرادى .

(مسألة 2) : الأقوى صحّة صلاة الصبيّ المميّز ، لكن في إجزائها عن المكلّفين إشكال .

(مسألة 3) : يشترط أن تكون بعد الغسل والتكفين ، فلا تجزي قبلهما ولو في

ص: 291


1- قد مرّ في النجاسات تعيينه .
2- فيه تأمّل .
3- على الأحوط .

أثناء التكفين ؛ عمداً كان أو جهلاً أو سهواً ، نعم لو تعذّر الغسل والتيمّم أو التكفين أو كلاهما لا تسقط الصلاة ، فإن كان مستور العورة فيصلّى عليه ، وإلاّ يوضع في القبر ويغطّى عورته بشيء من التراب أو غيره ويصلّى عليه ، ووضعه في القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة ، ثمّ بعد الصلاة يوضع على كيفية الدفن .

(مسألة 4) : إذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات من الغسل والتكفين والصلاة ، والحاصل : كلّ ما يتعذّر يسقط ، وكلّ ما يمكن يثبت ، فلو وجد في الفلاة ميّت ولم يمكن غسله ولا تكفينه ولا دفنه يصلّى عليه ويخلّى وإن أمكن دفنه يدفن .

(مسألة 5) : يجوز أن يصلّي على الميّت أشخاص متعدّدون فرادى في زمان واحد ، وكذا يجوز تعدّد الجماعة ، وينوي كلّ منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد ، وإلاّ نوى بالبقيّة الاستحباب ، ولكن لا يلزم قصد الوجوب والاستحباب ، بل يكفي قصد القربة مطلقاً .

(مسألة 6) : قد مرّ(1) سابقاً أ نّه إذا وجد بعض الميّت ، فإن كان مشتملاً على الصدر أو كان الصدر وحده ، بل أو كان بعض الصدر المشتمل على القلب ، أو كان عظم الصدر بلا لحم وجب الصلاة عليه وإلاّ فلا ، نعم الأحوط الصلاة على العضو التامّ من الميّت وإن كان عظماً كاليد والرجل ونحوهما وإن كان الأقوى خلافه ، وعلى هذا فإن وجد عضواً تامّاً وصلّى عليه ثمّ وجد آخر ، فالظاهر الاحتياط بالصلاة عليه أيضاً إن كان غير الصدر أو بعضه مع القلب وإلاّ وجبت .

(مسألة 7) : يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن .

ص: 292


1- مرّ الكلام فيه .

(مسألة 8) : إذا تعدّد الأولياء في مرتبة واحدة وجب الاستئذان من الجميع على الأحوط(1) ، ويجوز(2) لكلّ منهم الصلاة من غير الاستئذان عن الآخرين ، بل يجوز أن يقتدى بكلّ واحد منهم مع فرض أهليتهم جماعة .

(مسألة 9) : إذا كان الوليّ امرأة يجوز لها المباشرة ؛ من غير فرق بين أن يكون الميّت رجلاً أو امرأة ، ويجوز لها(3) الإذن للغير كالرجل من غير فرق .

(مسألة 10) : إذا أوصى الميّت بأن يصلّي عليه شخص معيّن ، فالظاهر(4) وجوب إذن الوليّ له ، والأحوط له الاستئذان من الوليّ ، ولا يسقط اعتبار إذنه بسبب الوصيّة وإن قلنا بنفوذها ووجوب العمل بها .

(مسألة 11) : يستحبّ إتيان الصلاة جماعة ، والأحوط(5) بل الأظهر اعتبار اجتماع شرائط الإمامة فيه ؛ من البلوغ والعقل والإيمان والعدالة وكونه رجلاً للرجال ، وأن لا يكون ولد زنا ، بل الأحوط اجتماع شرائط الجماعة أيضاً ؛ من عدم الحائل ، وعدم علوّ مكان الإمام ، وعدم كونه جالساً مع قيام المأمومين ، وعدم البعد بين المأمومين والإمام وبعضهم مع بعض .

(مسألة 12) : لا يتحمّل الإمام في الصلاة على الميّت شيئاً عن المأمومين .

ص: 293


1- بل الأقوى ، كما مرّ في الغسل .
2- الظاهر عدم الجواز من غير استئذان عن الجميع ، بل الظاهر كذلك في الائتمام أيضاً .
3- لكن ينبغي تقديم الرجال ، بل هو أحوط .
4- الأحوط أن يأذن الوليّ ويستأذن الوصيّ .
5- عدم اعتبارها وكذا عدم اعتبار شرائط الجماعة عدا ما هو دخيل في صدقها عرفاً - كعدم البعد المفرط والحائل الغليظ - غير بعيد .

(مسألة 13) : يجوز في الجماعة أن يقصد الإمام وكلّ واحد من المأمومين الوجوب ؛ لعدم سقوطه ما لم يتمّ واحد منهم .

(مسألة 14) : يجوز أن تؤمّ المرأة جماعة النساء ، والأولى بل الأحوط(1) أن تقوم في صفّهنّ ولا تتقدّم عليهنّ .

(مسألة 15) : يجوز صلاة العراة على الميّت فرادى وجماعة ، ومع الجماعة يقوم الإمام في الصفّ ، كما في جماعة النساء فلا يتقدّم ، ولا يتبرّز ، ويجب عليهم ستر عورتهم ولو بأيديهم ، وإذا لم يمكن يصلّون جلوساً .

(مسألة 16) : في الجماعة من غير النساء والعراة ، الأولى أن يتقدّم الإمام ، ويكون المأمومون خلفه ، بل يكره وقوفهم إلى جنبه ، ولو كان المأموم واحداً .

(مسألة 17) : إذا اقتدت المرأة بالرجل يستحبّ أن تقف خلفه ، وإذا كان هناك صفوف الرجال وقفت خلفهم ، وإذا كانت حائضاً بين النساء وقفت في صفّ وحدها .

(مسألة 18) : يجوز في صلاة الميّت العدول من إمام إلى إمام في الأثناء ، ويجوز قطعها أيضاً اختياراً ، كما يجوز العدول من الجماعة إلى الانفراد ، لكن بشرط أن لا يكون بعيداً عن الجنازة بما يضرّ ولا يكون بينه وبينها حائل ، ولا يخرج عن المحاذاة لها .

(مسألة 19) : إذا كبّر قبل الإمام في التكبير الأوّل له أن ينفرد وله أن يقطع ويجدّده مع الإمام ، وإذا كبّر قبله فيما عدا الأوّل له أن ينوي الانفراد وأن يصبر

ص: 294


1- لا يترك .

حتّى يكبّر الإمام فيقرأ معه الدعاء ، لكنّ الأحوط(1) إعادة التكبير بعد ما كبّر الإمام ؛ لأ نّه لا يبعد اشتراط تأخّر المأموم عن الإمام في كلّ تكبيرة أو مقارنته معه ، وبطلان الجماعة مع التقدّم وإن لم تبطل الصلاة .

(مسألة 20) : إذا حضر الشخص في أثناء صلاة الإمام له أن يدخل في الجماعة ، فيكبّر بعد تكبير الإمام الثاني أو الثالث - مثلاً - ويجعله أوّل صلاته وأوّل تكبيراته ، فيأتي بعده بالشهادتين . وهكذا على الترتيب بعد كلّ تكبير من الإمام يكبّر ، ويأتي بوظيفته من الدعاء ، وإذا فرغ الإمام يأتي بالبقيّة فرادى وإن كان مخفّفاً ، وإن لم يمهلوه أتى ببقيّة التكبيرات ولاء من غير دعاء ، ويجوز إتمامها خلف الجنازة إن أمكن الاستقبال وسائر الشرائط .

فصل : في كيفية صلاة الميّت

وهي أن يأتي بخمس تكبيرات ، يأتي بالشهادتين بعد الاُولى والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد الثانية ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة ، والدعاء للميّت بعد الرابعة ، ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف ، فيجزي أن يقول بعد نيّة القربة وتعيين الميّت ولو إجمالاً : اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، اللّه أكبر ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، اللّه أكبر ، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، اللّه أكبر ، اللهمّ اغفر لهذا الميّت ، اللّه أكبر ، والأولى أن يقول بعد التكبيرة الاُولى : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً حيّاً قيّوماً دائماً أبداً لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ، ولو كره المشركون ،

ص: 295


1- في غير صورة العمد ، ومعه لا يعيد على الأحوط ولا يضرّ ببقاء القدوة .

وبعد الثانية : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، أفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وصلّ على جميع الأنبياء والمرسلين ، وبعد الثالثة : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات ، إنّك على كلّ شيء قدير ، وبعد الرابعة : اللهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهمّ إنّك قبضت روحه إليك ، وقد احتاج إلى رحمتك ، وأنت غنيّ عن عذابه ، اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلاّ خيراً وأنت أعلم به منّا ، اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته ، واغفر لنا وله ، اللهمّ احشره مع من يتولاّه ويحبّه ، وابعده ممّن يتبرّأ منه ويبغضه ، اللهمّ ألحقه بنبيّك وعرّف بينه وبينه وارحمنا إذا توفّيتنا يا إله العالمين ، اللهمّ اكتبه عندك في أعلى علّيّين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، واجعله من رفقاء محمّد وآله الطاهرين ، وارحمه وإيّانا برحمتك يا أرحم الراحمين . والأولى أن يقول بعد الفراغ من الصلاة : ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار .

وإن كان الميّت امرأة يقول بدل قوله : «هذا المسجّى . . . » إلى آخره : هذه المسجّاة قدّامنا أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك ، وأتى بسائر الضمائر مؤنّثاً ، وإن كان الميّت مستضعفاً يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللهمّ اغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربّنا وأدخلهم جنّات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم إنّك أنت العزيز الحكيم ، وإن كان مجهول الحال يقول : اللهمّ إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن كان طفلاً يقول : اللهمّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً .

ص: 296

(مسألة 1) : لا يجوز أقلّ من خمسة تكبيرات إلاّ للتقيّة ، أو كون الميّت منافقاً ، وإن نقص سهواً بطلت ، ووجب الإعادة إذا فاتت الموالاة وإلاّ أتمّها .

(مسألة 2) : لا يلزم الاقتصار في الأدعية بين التكبيرات على المأثور ، بل يجوز كلّ دعاء بشرط اشتمال الأوّل على الشهادتين ، والثاني على الصلاة على محمّد وآله ، والثالث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالغفران ، وفي الرابع على الدعاء للميّت ، ويجوز قراءة آيات القرآن والأدعية الاُخر ما دامت صورة الصلاة محفوظة .

(مسألة 3) : يجب العربية في الأدعية بالقدر الواجب ، وفيما زاد عليه يجوز الدعاء بالفارسية ونحوها .

(مسألة 4) : ليس في صلاة الميّت أذان ولا إقامة ولا قراءة «الفاتحة» ولا الركوع والسجود والقنوت والتشهّد والسلام ولا التكبيرات الافتتاحية وأدعيتها ، وإن أتى بشيء من ذلك بعنوان التشريع كان بدعة وحراماً .

(مسألة 5) : إذا لم يعلم أنّ الميّت رجل أو امرأة يجوز أن يأتي بالضمائر مذكّرة بلحاظ الشخص والنعش والبدن وأن يأتي بها مؤنّثة بلحاظ الجثّة والجنازة ، بل مع المعلومية أيضاً يجوز ذلك ، ولو أتى بالضمائر على الخلاف جهلاً أو نسياناً لا باللحاظين المذكورين فالظاهر عدم بطلان الصلاة .

(مسألة 6) : إذا شكّ في التكبيرات بين الأقلّ والأكثر بنى على الأقلّ(1) نعم لو

ص: 297


1- الأحوط هو الإتيان بوظيفة الأقلّ والأكثر في الأدعية ، فإذا شكّ بين الاثنين والثلاث بنى على الأقلّ وأتى بالصلاة على النبي وآله صلى الله عليه و آله وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات ، وكبّر ودعا للمؤمنين والمؤمنات ودعا للميّت ، وكبّر ودعا للميّت وكبّر رجاءً .

كان مشغولاً بالدعاء بعد الثانية أو بعد الثالثة فشكّ في إتيان الاُولى في الأوّل أو الثانية في الثاني بنى على الإتيان ، وإن كان الاحتياط أولى .

(مسألة 7) : يجوز أن يقرأ الأدعية في الكتاب ، خصوصاً إذا لم يكن حافظاً لها .

فصل : في شرائط صلاة الميّت

وهي اُمور : الأوّل : أن يوضع الميّت مستلقياً . الثاني : أن يكون رأسه إلى يمين المصلّي ورجله إلى يساره . الثالث : أن يكون المصلّي خلفه محاذياً له ، لا أن يكون في أحد طرفيه إلاّ إذا طال صفّ المأمومين . الرابع : أن يكون الميّت حاضراً ، فلا تصحّ على الغائب وإن كان حاضراً في البلد . الخامس : أن لا يكون بينهما حائل كستر أو جدار ، ولا يضرّ كون الميّت في التابوت ونحوه . السادس : أن لا يكون بينهما بعد مفرط على وجه لا يصدق الوقوف عنده ، إلاّ في المأموم مع اتّصال الصفوف . السابع : أن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوّاً مفرطاً . الثامن : استقبال المصلّي القبلة . التاسع : أن يكون قائماً . العاشر : تعيين الميّت على وجه يرفع الإبهام ، ولو بأن ينوي الميّت الحاضر أو ما عيّنه الإمام . الحادي عشر : قصد القربة . الثاني عشر : إباحة المكان(1) . الثالث عشر : الموالاة بين التكبيرات والأدعية على وجه لا تمحو صورة الصلاة . الرابع عشر : الاستقرار ؛ بمعنى عدم الاضطراب على وجه لا يصدق معه القيام ، بل الأحوط كونه بمعنى ما يعتبر في قيام الصلوات الاُخر . الخامس عشر : أن تكون الصلاة بعد التغسيل والتكفين والحنوط كما مرّ سابقاً . السادس عشر : أن يكون مستور

ص: 298


1- اشتراطها غير معلوم .

العورة إن تعذّر الكفن ولو بنحو حجر أو لبنة . السابع عشر : إذن الوليّ .

(مسألة 1) : لا يعتبر في صلاة الميّت الطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس وستر العورة(1) ؛ وإن كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة حتّى صفات الساتر ؛ من عدم كونه حريراً أو ذهباً أو من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وكذا الأحوط مراعاة ترك الموانع للصلاة كالتكلّم والضحك والالتفات عن القبلة .

(مسألة 2) : إذا لم يتمكّن من الصلاة قائماً أصلاً يجوز أن يصلّي جالساً ، وإذا دار الأمر بين القيام بلا استقرار والجلوس مع الاستقرار يقدّم القيام ، وإذا دار بين الصلاة ماشياً أو جالساً يقدّم الجلوس إن خيف على الميّت من الفساد - مثلاً - وإلاّ فالأحوط الجمع .

(مسألة 3) : إذا لم يمكن الاستقبال أصلاً سقط ، وإن اشتبه صلّى إلى أربع جهات إلاّ إذا خيف عليه الفساد فيتخيّر ، وإن كان بعض الجهات مظنوناً صلّى إليه ، وإن كان الأحوط الأربع .

(مسألة 4) : إذا كان الميّت في مكان مغصوب والمصلّي في مكان مباح صحّت الصلاة .

(مسألة 5) : إذا صلّى على ميّتين بصلاة واحدة وكان مأذوناً من وليّ أحدهما دون الآخر ، أجزأ بالنسبة إلى المأذون فيه دون الآخر .

(مسألة 6) : إذا تبيّن بعد الصلاة أنّ الميّت كان مكبوباً ، وجب الإعادة بعد جعله مستلقياً على قفاه .

ص: 299


1- وكذا لا يعتبر سائر الشرائط وترك الموانع وإن كان الأحوط ذلك ، بل لا يترك في التكلّم والقهقهة والاستدبار .

(مسألة 7) : إذا لم يصلّ على الميّت حتّى دفن يصلّي على قبره ، وكذا إذا تبيّن بعد الدفن بطلان الصلاة من جهة من الجهات .

(مسألة 8) : إذا صلّى على القبر ثمّ خرج الميّت من قبره بوجه من الوجوه ، فالأحوط(1) إعادة الصلاة عليه .

(مسألة 9) : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة ؛ وإن تمكّن من الماء ، وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكّن من الوضوء أو الغسل، أو صورة خوف فوت الصلاة منه.

(مسألة 10) : الأحوط(2) ترك التكلّم في أثناء الصلاة على الميّت ، وإن كان لا يبعد عدم البطلان به .

(مسألة 11) : مع وجود من يقدر على الصلاة قائماً ، في إجزاء صلاة العاجز عن القيام جالساً إشكال ، بل صحّتها أيضاً محلّ إشكال .

(مسألة 12) : إذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالساً باعتقاد عدم وجود من يتمكّن من القيام ، ثمّ تبيّن وجوده ، فالظاهر وجوب الإعادة ، بل وكذا إذا لم يكن موجوداً من الأوّل لكن وجد بعد الفراغ(3) من الصلاة ، وكذا إذا عجز القادر القائم في أثناء الصلاة فتمّمها جالساً ، فإنّها لا تجزي عن القادر ، فيجب عليه الإتيان بها قائماً .

(مسألة 13) : إذا شكّ في أنّ غيره صلّى عليه أم لا ، بنى على عدمها ، وإن

ص: 300


1- وإن كان عدم لزومها لا يخلو من وجه .
2- لا يترك وإن لا يبعد ما ذكر .
3- الحكم مبنيّ على الاحتياط في هذا الفرع .

علم بها وشكّ في صحّتها وعدمها حمل على الصحّة وإن كان من صلّى عليه فاسقاً ، نعم لو علم بفسادها وجب الإعادة وإن كان المصلّي معتقداً للصحّة وقاطعاً بها .

(مسألة 14) : إذا صلّى أحد عليه معتقداً بصحّتها بحسب تقليده أو اجتهاده لا يجب(1) على من يعتقد فسادها بحسب تقليده أو اجتهاده ، نعم لو علم علماً قطعياً ببطلانها وجب عليه إتيانها ؛ وإن كان المصلّي أيضاً قاطعاً بصحّتها .

(مسألة 15) : المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الإنزال ، بل يصلّى عليه بعد ثلاثة أيّام بعد ما ينزل ، وكذا إذا لم يكن بحكم الشرع ، لكن يجب إنزاله فوراً والصلاة عليه ، ولو لم يمكن إنزاله يصلّى عليه وهو مصلوب مع مراعاة الشرائط بقدر الإمكان .

(مسألة 16) : يجوز تكرار الصلاة على الميّت ؛ سواء اتّحد المصلّي أو تعدّد ، لكنّه مكروه ، إلاّ إذا كان الميّت من أهل العلم والشرف والتقوى .

(مسألة 17) : يجب أن يكون الصلاة قبل الدفن ، فلا يجوز التأخير إلى ما بعده ، نعم لو دفن قبل الصلاة عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر أو تبيّن كونها فاسدة - ولو لكونه حال الصلاة عليه مقلوباً - لا يجوز نبشه لأجل الصلاة ، بل يصلّى على قبره مراعياً للشرائط من الاستقبال وغيره ، وإن كان بعد يوم وليلة ، بل وأزيد أيضاً ، إلاّ أن يكون بعد ما تلاشى ولم يصدق عليه الشخص الميّت ، فحينئذٍ يسقط الوجوب ، وإذا برز بعد الصلاة عليه بنبش أو غيره فالأحوط إعادة الصلاة عليه .

ص: 301


1- فيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة .

(مسألة 18) : الميّت المصلّى عليه قبل الدفن يجوز(1) الصلاة على قبره أيضاً ما لم يمض أزيد من يوم وليلة ، وإذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك .

(مسألة 19) : يجوز الصلاة على الميّت في جميع الأوقات بلا كراهة ، حتّى في الأوقات التي يكره النافلة فيها عند المشهور ؛ من غير فرق بين أن يكون الصلاة على الميّت واجبة أو مستحبّة .

(مسألة 20) : يستحبّ المبادرة إلى الصلاة على الميّت وإن كان في وقت فضيلة الفريضة ، ولكن لا يبعد(2) ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه ، كما أنّ الأولى تقديمها على النافلة وعلى قضاء الفريضة ، ويجب تقديمها على الفريضة ، فضلاً عن النافلة في سعة الوقت إذا خيف على الميّت من الفساد ، ويجب تأخيرها عن الفريضة مع ضيق وقتها وعدم الخوف على الميّت ، وإذا خيف عليه مع ضيق وقت الفريضة تقدّم الفريضة ويصلّى عليه بعد الدفن ، وإذا خيف عليه من تأخير الدفن مع ضيق وقت الفريضة يقدّم الدفن(3) وتقضى الفريضة ، وإن أمكن أن يصلّي الفريضة مومئاً صلّى ، ولكن لا يترك القضاء أيضاً .

(مسألة 21) : لا يجوز على الأحوط(4) إتيان صلاة الميّت في أثناء الفريضة وإن لم تكن ماحية لصورتها ، كما إذا اقتصر على التكبيرات وأقلّ الواجبات من الأدعية في حال القنوت مثلاً .

ص: 302


1- لمن لم يدرك الصلاة عليه قبل الدفن .
2- فيه تأمّل .
3- بل الأقوى تقديم الفريضة مقتصراً على أقلّ الواجب .
4- وإن كان الجواز غير بعيد .

(مسألة 22) : إذا كان هناك ميّتان يجوز أن يصلّي على كلّ واحد منهما منفرداً ، ويجوز التشريك بينهما في الصلاة ، فيصلّي صلاة واحدة عليهما ؛ وإن كانا مختلفين في الوجوب والاستحباب ، وبعد التكبير الرابع يأتي بضمير التثنية ، هذا إذا لم يخف عليهما أو على أحدهما من الفساد ، وإلاّ وجب التشريك أو تقديم من يخاف فساده .

(مسألة 23) : إذا حضر في أثناء الصلاة على الميّت ميّت آخر يتخيّر المصلّي بين وجوه : الأوّل : أن يتمّ الصلاة على الأوّل ثمّ يأتي بالصلاة على الثاني . الثاني : قطع الصلاة واستئنافها بنحو التشريك . الثالث : التشريك في التكبيرات الباقية وإتيان الدعاء لكلّ منهما بما يخصّه ، والإتيان ببقيّة الصلاة للثاني بعد تمام صلاة الأوّل ، مثلاً إذا حضر قبل التكبير الثالث يكبّر ويأتي بوظيفة صلاة الأوّل ، وهي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، وبالشهادتين لصلاة الميّت الثاني ، وبعد التكبير الرابع يأتي بالدعاء للميّت الأوّل ، وبالصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم للميّت الثاني ، وبعد الخامسة تتمّ صلاة الأوّل ، ويأتي للثاني بوظيفة التكبير الثالث ، وهكذا يتمّ بقيّة صلاته ، ويتخيّر في تقديم وظيفة الميّت الأوّل أو الثاني بعد كلّ تكبير مشترك ، هذا مع عدم الخوف على واحد منهما ، وأمّا إذا خيف على الأوّل يتعيّن الوجه الأوّل ، وإذا خيف على الثاني يتعيّن الوجه الثاني ، أو تقديم الصلاة على الثاني بعد القطع ، وإذا خيف عليهما معاً يلاحظ قلّة الزمان في القطع والتشريك بالنسبة إليهما إن أمكن ، وإلاّ فالأحوط عدم القطع .

ص: 303

فصل : في آداب الصلاة على الميّت

فصل : في آداب الصلاة على الميّت(1) وهي اُمور : الأوّل : أن يكون المصلّي على طهارة من الوضوء أو الغسل أو التيمّم ، وقد مرّ جواز التيمّم مع وجدان الماء أيضاً إن خاف فوت الصلاة لو أراد الوضوء ، بل مطلقاً . الثاني : أن يقف الإمام والمنفرد عند وسط الرجل بل مطلق الذكر ، وعند صدر المرأة بل مطلق الاُنثى ، ويتخيّر في الخنثى ، ولو شرّك بين الذكر والاُنثى في الصلاة جعل وسط الرجل في قبال صدر المرأة ليدرك الاستحباب بالنسبة إلى كلّ منهما . الثالث : أن يكون المصلّي حافياً ، بل يكره الصلاة بالحذاء ، دون مثل الخفّ والجورب . الرابع : رفع اليدين عند التكبير الأوّل ، بل عند الجميع على الأقوى . الخامس : أن يقف قريباً من الجنازة ؛ بحيث لو هبّت الريح وصل ثوبه إليها . السادس : أن يرفع الإمام صوته بالتكبيرات بل الأدعية أيضاً ، وأن يسرّ المأموم . السابع : اختيار المواضع المعتادة للصلاة التي هي مظانّ الاجتماع وكثرة المصلّين . الثامن : أن لا توقع في المساجد ، فإنّه مكروه عدا مسجد الحرام . التاسع : أن تكون بالجماعة وإن كان يكفي المنفرد ولو امرأة . العاشر : أن يقف المأموم خلف الإمام وإن كان واحداً بخلاف اليومية ؛ حيث يستحبّ وقوفه إن كان واحداً إلى جنبه . الحادي عشر : الاجتهاد في الدعاء للميّت والمؤمنين . الثاني عشر : أن يقول قبل الصلاة «الصلاة» ثلاث مرّات . الثالث عشر : أن تقف الحائض إذا كانت مع الجماعة في صفّ وحدها .الرابع عشر : رفع اليدين عند الدعاء على الميّت بعد التكبير الرابع على قول بعض العلماء ، لكنّه مشكل إن كان بقصد الخصوصية والورود .

ص: 304


1- لمّا كان بعضها غير ثابت لا بأس بإتيانها رجاءً .

(مسألة 1) : إذا اجتمعت جنازات فالأولى الصلاة على كلّ واحد منفرداً ، وإن أراد التشريك فهو على وجهين : الأوّل : أن يوضع الجميع قدّام المصلّي مع المحاذاة ، والأولى مع اجتماع الرجل والمرأة جعل الرجل أقرب إلى المصلّي ، حرّاً كان أو عبداً ، كما أ نّه لو اجتمع الحرّ والعبد جعل الحرّ أقرب إليه ، ولو اجتمع الطفل مع المرأة جعل الطفل أقرب إليه إذا كان ابن ستّ سنين وكان حرّاً ، ولو كانوا متساويين في الصفات لا بأس بالترجيح بالفضيلة ونحوها من الصفات الدينية ، ومع التساوي فالقرعة(1) ، وكلّ هذا على الأولوية لا الوجوب ، فيجوز بأيّ وجه اتّفق . الثاني(2) : أن يجعل الجميع صفّاً واحداً ، ويقوم المصلّي وسط الصفّ ؛ بأن يجعل رأس كلّ عند ألية الآخر شبه الدرج ، ويراعي في الدعاء لهم بعد التكبير الرابع تثنية الضمير أو جمعه وتذكيره وتأنيثه ، ويجوز التذكير في الجميع بلحاظ لفظ الميّت ، كما أ نّه يجوز التأنيث بلحاظ الجنازة .

فصل : في الدفن

يجب كفاية دفن الميّت ؛ بمعنى مواراته في الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع ومن إيذاء ريحه للناس ، ولا يجوز وضعه في بناء أو في تابوت ولو من حجر بحيث يؤمن من الأمرين مع القدرة على الدفن تحت الأرض ، نعم مع عدم الإمكان لا بأس بهما ، والأقوى كفاية مجرّد المواراة في الأرض بحيث يؤمن من الأمرين ؛ من جهة عدم وجود السباع أو عدم وجود الإنسان هناك ، لكن الأحوط كون الحفيرة على الوجه المذكور وإن كان الأمن حاصلاً بدونه .

ص: 305


1- ليس مثل المقام مصبّ القرعة .
2- الأحوط ترك هذه الكيفية والاقتصار على الاُولى .

(مسألة 1) : يجب كون الدفن مستقبل القبلة على جنبه الأيمن ؛ بحيث يكون رأسه إلى المغرب(1) ورجله إلى المشرق ، وكذا في الجسد بلا رأس ، بل في الرأس بلا جسد ، بل في الصدر وحده ، بل في كلّ جزء(2) يمكن فيه ذلك .

(مسألة 2) : إذا مات ميّت في السفينة فإن أمكن التأخير ليدفن في الأرض بلا عسر وجب ذلك ، وإن لم يمكن لخوف فساده أو لمنع مانع يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه ، ويوضع في خابية ويوكأ رأسها ويلقى في البحر مستقبل القبلة على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال ، أو يثقل الميّت بحجر أو نحوه بوضعه في رجله ويلقى في البحر كذلك ، والأحوط مع الإمكان اختيار الوجه الأوّل ، وكذا إذا خيف على الميّت من نبش العدوّ قبره وتمثيله .

(مسألة 3) : إذا ماتت كافرة - كتابية أو غير كتابية - ومات في بطنها ولد من مسلم بنكاح أو شبهة أو ملك يمين ، تدفن مستدبرة للقبلة على جانبها الأيسر ، على وجه يكون الولد في بطنها مستقبلاً ، والأحوط العمل بذلك في مطلق الجنين ولو لم تلج الروح فيه ، بل لا يخلو عن قوّة(3) .

(مسألة 4) : لا يعتبر في الدفن قصد القربة ، بل يكفي دفن الصبيّ إذا علم أ نّه أتى به بشرائطه ؛ ولو علم أ نّه ما قصد القربة .

(مسألة 5) : إذا خيف على الميّت من إخراج السبع إيّاه ، وجب إحكام القبر بما يوجب حفظه من القير والآجر ونحو ذلك ، كما أنّ في السفينة إذا اُريد

ص: 306


1- أي يمين مستقبل القبلة .
2- على الأحوط .
3- القوّة ممنوعة .

إلقاؤه في البحر لا بدّ من اختيار مكان مأمون من بلع حيوانات البحر إيّاه بمجرّد الإلقاء .

(مسألة 6) : مؤونة الإلقاء في البحر من الحجر أو الحديد الذي يثقل به أو الخابية التي يوضع فيها تخرج من أصل التركة ، وكذا في الآجر والقير والساروج في موضع الحاجة إليها .

(مسألة 7) : يشترط في الدفن أيضاً إذن الوليّ كالصلاة وغيرها .

(مسألة 8) : إذا اشتبهت القبلة يعمل بالظنّ(1) ، ومع عدمه أيضاً يسقط وجوب الاستقبال إن لم يمكن تحصيل العلم ولو بالتأخير على وجه لا يضرّ بالميّت ولا بالمباشرين .

(مسألة 9) : الأحوط إجراء أحكام المسلم على الطفل المتولّد من الزنا من الطرفين إذا كانا مسلمين ، أو كان أحدهما مسلماً ، وأمّا إذا كان الزنا من أحد الطرفين وكان الطرف الآخر مسلماً ، فلا إشكال في جريان أحكام المسلم عليه .

(مسألة 10) : لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفّار ، كما لا يجوز العكس أيضاً ، نعم إذا اشتبه المسلم والكافر يجوز دفنهما في مقبرة المسلمين ، وإذا دفن أحدهما في مقبرة الآخرين يجوز النبش(2) ؛ أمّا الكافر فلعدم الحرمة له ، وأمّا المسلم فلأنّ مقتضى احترامه عدم كونه مع الكفّار .

(مسألة 11) : لا يجوز دفن المسلم في مثل المزبلة والبالوعة ونحوهما ممّا هو هتك لحرمته .

ص: 307


1- مع عدم إمكان تحصيل العلم ولو بالتأخير المذكور في المتن .
2- بل قد يجب لو كان بقاء الكافر هتكاً على المسلمين أو بقاء المسلم هتكاً عليه .

(مسألة 12) : لا يجوز الدفن في المكان المغصوب ، وكذا في الأراضي الموقوفة لغير الدفن ، فلا يجوز الدفن في المساجد(1) والمدارس ونحوهما ، كما لا يجوز الدفن في قبر الغير(2) قبل اندراسه وميّته .

(مسألة 13) : يجب دفن الأجزاء المبانة من الميّت(3) حتّى الشعر والسنّ والظفر ، وأمّا السنّ أو الظفر من الحيّ فلا يجب دفنهما وإن كان معهما شيء يسير من اللحم ، نعم يستحبّ دفنهما ، بل يستحبّ حفظهما حتّى يدفنا معه كما يظهر من وصيّة مولانا الباقر للصادق علیهما السلام ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بدفن أربعة : الشعر والسنّ والظفر والدم» ، وعن عائشة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه أمر بدفن سبعة أشياء : الأربعة المذكورة ، والحيض ، والمشيمة ، والعلقة .

(مسألة 14) : إذا مات شخص في البئر ولم يمكن إخراجه يجب(4) أن يسدّ ويجعل قبراً له.

(مسألة 15) : إذا مات الجنين في بطن الحامل وخيف عليها من بقائه وجب التوصّل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق ؛ ولو بتقطيعه قطعة قطعة ، ويجب أن يكون المباشر النساء أو زوجها ، ومع عدمهما فالمحارم من الرجال ، فإن تعذّر فالأجانب حفظاً لنفسها المحترمة ، ولو ماتت الحامل وكان الجنين حيّاً وجب

ص: 308


1- على الأحوط ، إلاّ أن يضرّ بالمسلمين أو يزاحم المصلّين فلا يجوز .
2- فيه تأمّل مع عدم استلزام النبش ، ولا ينبغي ترك الاحتياط .
3- والأحوط - لو لم يكن الأقوى - إلحاقه بالميّت والدفن معه إن لم يستلزم النبش .
4- مع عدم محذور ، ككون البئر للغير .

إخراجه ولو بشقّ بطنها فيشقّ جنبها الأيسر(1) ، ويخرج الطفل ، ثمّ يخاط وتدفن ولا فرق في ذلك بين رجاء حياة الطفل بعد الإخراج وعدمه ، ولو خيف مع حياتهما على كلّ منهما انتظر حتّى يقضى .

فصل : في المستحبّات قبل الدفن وحينه وبعده

وهي اُمور :

الأوّل : أن يكون عمق القبر إلى الترقوة أو إلى قامة ، ويحتمل كراهة الأزيد .

الثاني : أن يجعل له لحد ممّا يلي القبلة في الأرض الصلبة ؛ بأن يحفر بقدر بدن الميّت في الطول والعرض ، وبمقدار ما يمكن جلوس الميّت فيه من العمق ، ويشقّ في الأرض الرخوة وسط القبر شبه النهر فيوضع فيه الميّت ويسقّف عليه .

الثالث : أن يدفن في المقبرة القريبة على ما ذكره بعض العلماء ، إلاّ أن يكون في البعيدة مزيّة ؛ بأن كانت مقبرة للصلحاء ، أو كان الزائرون هناك أزيد .

الرابع : أن يوضع الجنازة دون القبر بذراعين أو ثلاثة أو أزيد من ذلك ، ثمّ ينقل قليلاً ويوضع ثمّ ينقل قليلاً ويوضع ، ثمّ ينقل في الثالثة مترسّلاً ليأخذ الميّت اُهبته ، بل يكره أن يدخل في القبر دفعة ، فإنّ للقبر أهوالاً عظيمة .

الخامس : إن كان الميّت رجلاً يوضع في الدفعة الأخيرة بحيث يكون رأسه عند ما يلي رجلي الميّت في القبر ، ثمّ يدخل في القبر طولاً من طرف رأسه ؛ أي يدخل رأسه أوّلاً ، وإن كان امرأة توضع في طرف القبلة ، ثمّ تدخل عرضاً .

السادس : أن يغطّى القبر بثوب عند إدخال المرأة .

ص: 309


1- على الأحوط مع عدم الفرق بين جنبها الأيسر وغيرها ، وإلاّ فيشقّ الموضع الذي يكون الخروج أسلم .

السابع : أن يسلّ من نعشه سلاًّ فيرسل إلى القبر برفق .

الثامن : الدعاء عند السلّ من النعش ؛ بأن يقول : «بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، اللهمّ إلى رحمتك لا إلى عذابك ، اللهمّ افسح له في قبره ، ولقّنه في حجّته ، وثبّته بالقول الثابت ، وقنا وإيّاه عذاب القبر» ، وعند معاينة القبر : «اللهمّ اجعله روضة من رياض الجنّة ، ولا تجعله حفرة من حفر النار» ، وعند الوضع في القبر يقول : «اللهمّ عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، نزل بك وأنت خير منزول به» وبعد الوضع فيه يقول : «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، وصاعد عمله ولقّه منك رضواناً» وعند وضعه في اللحد يقول : «بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » ثمّ يقرأ «فاتحة الكتاب» و«آية الكرسي» و«المعوّذتين» و«قل هو اللّه أحد» ، ويقول : «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» ، وما دام مشتغلاً بالتشريج يقول : «اللهمّ صل وحدته وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإنّما رحمتك للظالمين» ، وعند الخروج من القبر يقول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، اللهمّ ارفع درجته في علّيّين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين» ، وعند إهالة التراب عليه يقول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد إليك بروحه ، ولقّه منك رضواناً ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» . وأيضاً يقول : «إيماناً بك ، وتصديقاً ببعثك ، هذا ما وعدنا اللّه ورسوله ، وصدق اللّه ورسوله اللهمّ زدنا إيماناً وتسليماً» .

التاسع : أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع في القبر ، ويبدأ من طرف الرأس .

العاشر : أن يحسر عن وجهه ، ويجعل خدّه على الأرض ، ويعمل له وسادة من تراب .

ص: 310

الحادي عشر : أن يسند ظهره بلبنة أو مدرة لئلاّ يستلقي على قفاه .

الثاني عشر : جعل مقدار لبنة من تربة الحسين علیه السلام تلقاء وجهه ، بحيث لا تصل إليها النجاسة بعد الانفجار .

الثالث عشر : تلقينه بعد الوضع في اللحد قبل الستر باللبن ؛ بأن يضرب بيده على منكبه الأيمن ، ويضع يده اليسرى على منكبه الأيسر بقوّة ، ويدني فمه إلى اُذنه ويحرّكه تحريكاً شديداً ، ثمّ يقول : «يا فلان بن فلان اسمع افهم - ثلاث مرّات - اللّه ربّك ، ومحمّد نبيّك ، والإسلام دينك ، والقرآن كتابك ، وعلي إمامك ، والحسن إمامك - إلى آخر الأئمّة - أفهمت يا فلان ؟» ويعيد عليه هذا التلقين ثلاث مرّات ، ثمّ يقول : «ثبّتك اللّه بالقول الثابت ، هداك اللّه إلى صراط مستقيم عرّف اللّه بينك وبين أوليائك في مستقرّ من رحمته ، اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد بروحه إليك ، ولقّه منك برهاناً ، اللهمّ عفوك عفوك» وأجمع كلمة في التلقين أن يقول : «اسمع افهم يا فلان بن فلان» ثلاث مرّات ذاكراً اسمه واسم أبيه ، ثمّ يقول : «هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم عبده ورسوله وسيّد النبيّين وخاتم المرسلين ، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين ، وإمام افترض اللّه طاعته على العالمين ، وأنّ الحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، والقائم الحجّة المهديّ - صلوات اللّه عليهم - أئمّة المؤمنين ، وحجج اللّه على الخلق أجمعين ، وأئمّتك أئمّة هدى ، أبرار ، يا فلان بن فلان إذا أتاك الملكان المقرّبان رسولين من عند اللّه تبارك وتعالى وسألاك عن ربّك وعن نبيّك وعن دينك وعن كتابك وعن قبلتك وعن أئمّتك فلا تخف

ص: 311

ولا تحزن وقل في جوابهما : اللّه ربّي ، ومحمّد صلی الله علیه و آله وسلم نبيّي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، والكعبة قبلتي ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمامي ، والحسن بن علي المجتبى إمامي ، والحسين بن علي الشهيد بكربلاء إمامي ، وعلي زين العابدين إمامي ومحمّد الباقر إمامي، وجعفر الصادق إمامي، وموسى الكاظم إمامي، وعلي الرضا إمامي، ومحمّد الجواد إمامي ، وعلي الهادي إمامي ، والحسن العسكري إمامي ، والحجّة المنتظر إمامي هؤلاء - صلوات اللّه عليهم أجمعين - أئمّتي وسادتي وقادتي وشفعائي ، بهم أتولّى ، ومن أعدائهم أتبرّأ في الدنيا والآخرة ، ثمّ اعلم يا فلان بن فلان أنّ اللّه تبارك وتعالى نعم الربّ ، وأنّ محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم نعم الرسول ، وأنّ علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين الأئمّة الاثني عشر نعم الأئمّة ، وأنّ ما جاء به محمّد صلی الله علیه و آله وسلم حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وسؤال منكر ونكير في القبر حقّ ، والبعث والنشور حقّ ، والصراط حقّ ، والميزان حقّ ، وتطائر الكتب حقّ ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور» . ثمّ يقول : «أفهمت يا فلان» وفي الحديث أ نّه يقول : «فهمت» ، ثمّ يقول : «ثبّتك اللّه بالقول الثابت ، وهداك اللّه إلى صراط مستقيم ، عرّف اللّه بينك وبين أوليائك في مستقرّ من رحمته» ثمّ يقول : «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد بروحه إليك ، ولقّه منك برهاناً ، اللهمّ عفوك عفوك» والأولى أن يلقّن بما ذكر من العربي وبلسان الميّت أيضاً إن كان غير عربي .

الرابع عشر : أن يسدّ اللحد باللبن لحفظ الميّت من وقوع التراب عليه ، والأولى الابتداء من طرف رأسه ، وإن اُحكمت اللبن بالطين كان أحسن .

الخامس عشر : أن يخرج المباشر من طرف الرجلين فإنّه باب القبر .

ص: 312

السادس عشر : أن يكون من يضعه في القبر على طهارة مكشوف الرأس ، نازعاً عمامته ورداءه ونعليه ، بل وخفّيه إلاّ لضرورة .

السابع عشر : أن يهيل غير ذي رحم ممّن حضر التراب عليه بظهر الكفّ قائلاً : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» على ما مرّ .

الثامن عشر : أن يكون المباشر لوضع المرأة في القبر محارمها أو زوجها ، ومع عدمهم فأرحامها ، وإلاّ فالأجانب ، ولا يبعد أن يكون الأولى بالنسبة إلى الرجل الأجانب .

التاسع عشر : رفع القبرعن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة أو مفرّجة .

العشرون : تربيع القبر ؛ بمعنى كونها ذا أربع زوايا قائمة ، وتسطيحه ، ويكره تسنيمه ، بل تركه أحوط .

الحادي والعشرون : أن يجعل على القبر علامة .

الثاني والعشرون : أن يرشّ عليه الماء ، والأولى أن يستقبل القبلة ويبتدأ بالرشّ من عند الرأس إلى الرجل ، ثمّ يدور به على القبر حتّى يرجع إلى الرأس ، ثمّ يرشّ على الوسط ما يفضل من الماء ، ولا يبعد استحباب الرشّ إلى أربعين يوماً أو أربعين شهراً .

الثالث والعشرون : أن يضع الحاضرون بعد الرشّ أصابعهم مفرّجات على القبر بحيث يبقى أثرها ، والأولى أن يكون مستقبل القبلة ، ومن طرف رأس الميّت ، واستحباب الوضع المذكور آكد بالنسبة إلى من لم يصلّ على الميّت ، وإذا كان الميّت هاشمياً فالأولى أن يكون الوضع على وجه يكون أثر الأصابع أزيد بأن يزيد في غمز اليد ، ويستحبّ أن يقول حين الوضع: «بسم اللّه ختمتك من الشيطان أن يدخلك»، وأيضاً يستحبّ أن يقرأ مستقبلاً للقبلة سبع مرّات «إنّا

ص: 313

أنزلناه» وأن يستغفر له ويقول: «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه، واصعد إليك روحه ، ولقّه منك رضواناً ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» أو يقول : «اللهمّ ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأفض عليه من رحمتك ، وأسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولاّه» ، ولا يختصّ هذه الكيفية بهذه الحالة ، بل يستحبّ عند زيارة كلّ مؤمن ؛ قراءة «إنّا أنزلناه» سبع مرّات ، وطلب المغفرة وقراءة الدعاء المذكور .

الرابع والعشرون : أن يلقّنه الوليّ أو من يأذن له تلقيناً آخر بعد تمام الدفن ورجوع الحاضرين بصوت عال بنحو ما ذكر ، فإنّ هذا التلقين يوجب عدم سؤال النكيرين منه ، فالتلقين يستحبّ في ثلاثة مواضع : حال الاحتضار ، وبعد الوضع في القبر ، وبعد الدفن ورجوع الحاضرين ، وبعضهم ذكر استحبابه بعد التكفين أيضاً ، ويستحبّ الاستقبال حال التلقين ، وينبغي في التلقين بعد الدفن وضع الفم عند الرأس ، وقبض القبر بالكفّين .

الخامس والعشرون : أن يكتب اسم الميّت على القبر ، أو على لوح أو حجر ، وينصب عند رأسه .

السادس والعشرون : أن يجعل في فمه فصّ عقيق مكتوب عليه : لا إله إلاّ اللّه ربّي ، محمّد نبيّي ، علي والحسن والحسين - إلى آخر الأئمّة - أئمّتي .

السابع والعشرون : أن يوضع على قبره شيء من الحصى على ما ذكره بعضهم ، والأولى كونها حمراً .

الثامن والعشرون : تعزية المصاب وتسليته قبل الدفن وبعده ، والثاني أفضل ، والمرجع فيها العرف ، ويكفي في ثوابها رؤية المصاب إيّاه ، ولا حدّ لزمانها ، ولو

ص: 314

أدّت إلى تجديد حزن قد نسي ، كان تركها أولى ، ويجوز الجلوس للتعزية ، ولا حدّ له أيضاً ، وحدّه بعضهم بيومين أو ثلاث وبعضهم على أنّ الأزيد من يوم مكروه ، ولكن إن كان الجلوس بقصد قراءة القرآن والدعاء لا يبعد رجحانه .

التاسع والعشرون : إرسال الطعام إلى أهل الميّت ثلاثة أيّام ، ويكره الأكل عندهم ، وفي خبر إنّه عمل أهل الجاهلية .

الثلاثون : شهادة أربعين أو خمسين من المؤمنين للميّت بخير بأن يقولوا : «اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلاّ خيراً ، وأنت أعلم به منّا» .

الواحد والثلاثون : البكاء على المؤمن .

الثاني والثلاثون : أن يسلّي صاحب المصيبة نفسه بتذكّر موت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فإنّه أعظم المصائب .

الثالث والثلاثون : الصبر على المصيبة والاحتساب والتأسّي بالأنبياء والأوصياء والصلحاء ، خصوصاً في موت الأولاد .

الرابع والثلاثون : قول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» كلّما تذكّر .

الخامس والثلاثون : زيارة قبور المؤمنين والسلام عليهم بقول : «السلام عليكم يا أهل الديار . . .» ، وقراءة القرآن وطلب الرحمة والمغفرة لهم ، ويتأكّد في يوم الاثنين والخميس ، خصوصاً عصره وصبيحة السبت للرجال والنساء بشرط عدم الجزع والصبر ، ويستحبّ أن يقول : «السلام على أهل الديار من المؤمنين رحم اللّه المتقدّمين منكم والمتأخّرين وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» . ويستحبّ للزائر أن يضع يده على القبر ، وأن يكون مستقبلاً ، وأن يقرأ «إنّا أنزلناه» سبع مرّات ، ويستحبّ أيضاً قراءة «الحمد» و«المعوّذتين» ، و«آية الكرسي» كلّ منها ثلاث مرّات ، والأولى أن يكون جالساً مستقبل القبلة ، ويجوز قائماً ، ويستحبّ

ص: 315

أيضاً قراءة «يس» ، ويستحبّ أيضاً أن يقول : «بسم اللّه الرحمن الرحيم ، السلام على أهل لا إله إلاّ اللّه ، من أهل لا إله إلاّ اللّه كيف وجدتم قول لا إله إلاّ اللّه ، من لا إله إلاّ اللّه يا لا إله إلاّ اللّه ، بحقّ لا إله إلاّ اللّه ، اغفر لمن قال لا إله إلاّ اللّه ، واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علي وليّ اللّه» .

السادس والثلاثون : طلب الحاجة عند قبر الوالدين .

السابع والثلاثون : إحكام بناء القبر .

الثامن والثلاثون : دفن الأقارب متقاربين .

التاسع والثلاثون : التحميد والاسترجاع وسؤال الخلف عند موت الولد .

الأربعون : صلاة الهديّة ليلة الدفن ، وهي على رواية ركعتان : يقرأ في الاُولى «الحمد» و«آية الكرسي» ، وفي الثانية «الحمد» و«القدر» عشر مرّات ، ويقول بعد الصلاة : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وابعث ثوابها إلى قبر فلان» ، وفي رواية اُخرى : في الركعة الاُولى «الحمد» و«قل هو اللّه أحد» مرّتين ، وفي الثانية «الحمد» و«التكاثر» عشر مرّات ، وإن أتى بالكيفيتين كان أولى وتكفي صلاة واحدة من شخص واحد ، وإتيان أربعين أولى ، لكن لا بقصد الورود والخصوصية ، كما أ نّه يجوز التعدّد من شخص واحد بقصد إهداء الثواب ، والأحوط قراءة «آية الكرسي» إلى )هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( والظاهر أنّ وقته تمام الليل ، وإن كان الأولى أوّله بعد العشاء ، ولو أتى بغير الكيفية المذكورة سهواً أعاد ، ولو كان بترك آية من «إنّا أنزلناه» ، أو آية من «آية الكرسي» ، ولو نسي من أخذ الاُجرة عليها فتركها أو ترك شيئاً منها وجب عليه ردّها إلى صاحبها ، وإن لم يعرفه تصدّق بها عن صاحبها وإن علم برضاه أتى بالصلاة في وقت آخر ، وأهدى ثوابها إلى الميّت لا بقصد الورود .

ص: 316

(مسألة 1) : إذا نقل الميّت إلى مكان آخر كالعتبات ، أو اُخّر الدفن إلى مدّة فصلاة ليلة الدفن تؤخّر إلى ليلة الدفن .

(مسألة 2) : لا فرق في استحباب التعزية لأهل المصيبة بين الرجال والنساء حتّى الشابّات منهنّ متحرّزاً عمّا تكون به الفتنة ، ولا بأس بتعزية أهل الذمّة مع الاحتراز عن الدعاء لهم بالأجر إلاّ مع مصلحة تقتضي ذلك .

(مسألة 3) : يستحبّ الوصيّة بمال لطعام مأتمه بعد موته .

فصل : في مكروهات الدفن

وهي أيضاً اُمور :

الأوّل : دفن ميّتين في قبر واحد ، بل قيل بحرمته مطلقاً ، وقيل بحرمته مع كون أحدهما امرأة أجنبية ، والأقوى الجواز مطلقاً مع الكراهة ، نعم الأحوط الترك إلاّ لضرورة ، ومعها الأولى جعل حائل بينهما ، وكذا يكره حمل جنازة الرجل والمرأة على سرير واحد ، والأحوط تركه أيضاً .

الثاني : فرش القبر بالساج ونحوه من الآجر والحجر إلاّ إذا كانت الأرض نديّة ، وأمّا فرش ظهر القبر بالآجر ونحوه فلا بأس به ، كما أنّ فرشه بمثل حصير وقطيفة لا بأس به ، وإن قيل بكراهته أيضاً .

الثالث : نزول الأب في قبر ولده ؛ خوفاً عن جزعه وفوات أجره ، بل إذا خيف من ذلك في سائر الأرحام أيضاً يكون مكروهاً ، بل قد يقال بكراهة نزول الأرحام مطلقاً إلاّ الزوج في قبر زوجته ، والمحرم في قبر محارمه .

الرابع : أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب ، فإنّه يورث قساوة القلب .

ص: 317

الخامس : سدّ القبر بتراب غير ترابه ، وكذا تطيينه بغير ترابه ، فإنّه ثقل على الميّت .

السادس : تجصيصه أو تطيينه لغير ضرورة ، وإمكان الإحكام المندوب بدونه ، والقدر المتيقّن من الكراهة إنّما هو بالنسبة إلى باطن القبر لا ظاهره ؛ وإن قيل بالإطلاق .

السابع : تجديد القبر بعد اندراسه ، إلاّ قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء .

الثامن : تسنيمه ، بل الأحوط تركه .

التاسع : البناء عليه عدا قبور من ذكر ، والظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء والسقف .

العاشر : اتّخاذ المقبرة مسجداً ، إلاّ مقبرة الأنبياء والأئمّة علیهم السلام والعلماء .

الحادي عشر : المقام على القبور ، إلاّ الأنبياء والأئمّة علیهم السلام .

الثاني عشر : الجلوس على القبر .

الثالث عشر : البول والغائط في المقابر .

الرابع عشر : الضحك في المقابر .

الخامس عشر : الدفن في الدور .

السادس عشر : تنجيس القبور وتكثيفها بما يوجب هتك(1) حرمة الميّت .

السابع عشر : المشي على القبر من غير ضرورة .

الثامن عشر : الاتّكاء على القبر .

التاسع عشر : إنزال الميّت في القبر بغتة من غير أن يوضع الجنازة قريباً

ص: 318


1- مع إيجاب الهتك مشكل ، بل غير جائز .

منه ، ثمّ رفعها ووضعها دفعات كما مرّ .

العشرون : رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرّجات .

الحادي والعشرون : نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر ، إلاّ إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المقدّسة ، والمواضع المحترمة ، كالنقل عن عرفات إلى مكّة ، والنقل إلى النجف فإنّ الدفن فيه يدفع عذاب القبر وسؤال الملكين ، وإلى كربلاء والكاظمية وسائر قبور الأئمّة ، بل إلى مقابر العلماء والصلحاء ، بل لا يبعد استحباب النقل من بعض المشاهد إلى آخر لبعض المرجّحات الشرعية ، والظاهر عدم الفرق في جواز النقل بين كونه قبل الدفن أو بعده ، ومن قال بحرمة الثاني مراده ما إذا استلزم النبش ، وإلاّ فلو فرض خروج الميّت عن قبره بعد دفنه بسبب من سبع أو ظالم أو صبيّ أو نحو ذلك لا مانع من جواز نقله إلى المشاهد مثلاً ، ثمّ لا يبعد جواز النقل إلى المشاهد المشرّفة ، وإن استلزم فساد(1) الميّت إذا لم يوجب أذيّة المسلمين ، فإنّ من تمسّك بهم فاز ، ومن أتاهم فقد نجا ، ومن لجأ إليهم أمن ، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم باللّه تعالى ، والمتوسّل بهم غير خائب ، صلوات اللّه عليهم أجمعين .

(مسألة 1) : يجوز البكاء على الميّت ولو كان مع الصوت، بل قد يكون راجحاً، كما إذا كان مسكّناً للحزن وحرقة القلب بشرط(2) أن لا يكون منافياً للرضا بقضاء اللّه ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مرّ استحباب البكاء على

ص: 319


1- محلّ إشكال ، بل الأحوط تركه .
2- إن كان شرطاً للجواز كما يظهر من ذيل كلامه فمحلّ إشكال بل منع ، نعم الرضا بقضاء اللّه من أشرف صفات المؤمنين باللّه وعدم الرضا بقضائه من نقص الإيمان بل العقل ، وأمّا الحرمة فغير ثابتة ، نعم يحرم القول المسخط للربّ .

المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضالّ . والخبر الذي ينقل من أن الميّت يعذّب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى : )وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى( ، وأمّا البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء اللّه ، نعم يوجب حبط الأجر ، ولا يبعد كراهته .

(مسألة 2) : يجوز النوح على الميّت بالنظم والنثر ما لم يتضمّن الكذب(1) ولم يكن مشتملاً على الويل والثبور(2) ، لكن يكره في الليل ، ويجوز أخذ الاُجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أوّلاً .

(مسألة 3) : لا يجوز اللطم والخدش وجزّ الشعر(3) ، بل والصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط ، وكذا لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ ، والأحوط تركه فيهما أيضاً .

(مسألة 4) : في جزّ المرأة شعرها في المصيبة كفّارة شهر رمضان ، وفي نتفه كفّارة اليمين ، وكذا في خدشها(4) وجهها .

(مسألة 5) : في شقّ الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفّارة اليمين ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة(5) .

(مسألة 6) : يحرم نبش قبر المؤمن وإن كان طفلاً أو مجنوناً ، إلاّ مع العلم

ص: 320


1- أو غيره من المحرّمات .
2- على الأحوط .
3- ونتفه .
4- إذا أدمت ، وإلاّ تجب على الأحوط .
5- وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام .

باندراسه وصيرورته تراباً ، ولا يكفي الظنّ به ، وإن بقي عظماً ، فإن كان صلباً ففي جواز نبشه إشكال ، وأمّا مع كونه مجرّد صورة بحيث يصير تراباً بأدنى حركة فالظاهر جوازه ، نعم لا يجوز(1) نبش قبور الشهداء والعلماء والصلحاء وأولاد الأئمّة علیهم السلام ، ولو بعد الاندراس وإن طالت المدّة ، سيّما المتّخذ منها مزاراً أو مستجاراً ، والظاهر توقّف صدق النبش على بروز جسد الميّت ، فلو أخرج بعض تراب القبر وحفر من دون أن يظهر جسده لا يكون من النبش المحرّم ، والأولى الإناطة بالعرف وهتك الحرمة(2) ، وكذا لا يصدق النبش إذا كان الميّت في سرداب وفتح بابه لوضع ميّت آخر ، خصوصاً إذا لم يظهر جسد الميّت ، وكذا إذا كان الميّت موضوعاً على وجه الأرض وبني عليه بناء لعدم إمكان الدفن ، أو باعتقاد جوازه أو عصياناً ، فإنّ إخراجه لا يكون من النبش وكذا إذا كان في تابوت من صخرة أو نحوها .

(مسألة 7) : يستثنى من حرمة النبش موارد :

الأوّل : إذا دفن في المكان المغصوب عدواناً أو جهلاً أو نسياناً ، فإنّه يجب نبشه مع عدم رضا المالك ببقائه وكذا إذا كان كفنه مغصوباً ، أو دفن معه مال مغصوب ، بل أو ماله المنتقل بعد موته إلى الوارث فيجوز نبشه لإخراجه ، نعم لو أوصى بدفن دعاء أو قرآن أو خاتم معه لا يجوز نبشه لأخذه ، بل لو ظهر بوجه من الوجوه لا يجوز أخذه ، كما لا يجوز(3) عدم العمل بوصيّته من الأوّل .

ص: 321


1- على الأحوط في غير المتّخذ مزاراً ومستجاراً .
2- هتك الحرمة عنوان مستقلّ غير النبش ، والنبش حرام هتكت به الحرمة أو لا ، والهتك حرام حصل بالنبش أو بغيره .
3- إذا لم يكن زائداً على الثلث ، وكذا في عدم جواز النبش .

الثاني : إذا كان مدفوناً بلا غسل أو بلا كفن ، أو تبيّن بطلان غسله ، أو كون كفنه على غير الوجه الشرعي ، كما إذا كان من جلد الميتة أو غير المأكول أو حريراً ، فيجوز نبشه لتدارك(1) ذلك ما لم يكن موجباً لهتكه ، وأمّا إذا دفن بالتيمّم(2) لفقد الماء فوجد الماء بعد دفنه أو كفّن بالحرير لتعذّر غيره ففي جواز نبشه إشكال ، وأمّا إذا دفن بلا صلاة أو تبيّن بطلانها فلا يجوز النبش لأجلها ، بل يصلّى على قبره ، ومثل ترك الغسل في جواز النبش ما لو وضع في القبر على غير القبلة ، ولو جهلاً أو نسياناً .

الثالث : إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على رؤية جسده .

الرابع : لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه ، لكن الأولى(3) دفنه معه على وجه لا يظهر جسده .

الخامس : إذا دفن في مقبرة لا يناسبه ، كما إذا دفن في مقبرة الكفّار ، أو دفن معه كافر ، أو دفن في مزبلة أو بالوعة أو نحو ذلك من الأمكنة الموجبة لهتك حرمته .

السادس : لنقله(4) إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المعظّمة على الأقوى ، وإن لم يوص بذلك ، وإن كان الأحوط الترك مع عدم الوصيّة .

ص: 322


1- هذا كلّه قبل فساد البدن وتلاشيه ، لا بعده .
2- عدم الجواز في هذه الصورة هو الأقوى ، وكذا في صورة التغسيل بالقراح لأجل تعذّر الخليطين .
3- بل الأحوط .
4- مع عدم الوصيّة أو الوصيّة بالنبش محلّ إشكال ، وأمّا لو أوصى بنقله قبل دفنه فخولف عمداً أو بغير عمد فالأقوى جوازه مع عدم فساد البدن وعدم صيرورته فاسداً إلى الدفن بما يوجب الهتك أو الإيذاء ، بل لا يبعد الوجوب في هذه الصورة .

السابع : إذا كان موضوعاً في تابوت ودفن كذلك ، فإنّه لا يصدق عليه(1) النبش حيث لا يظهر جسده ، والأولى مع إرادة النقل إلى المشاهد اختيار هذه الكيفية فإنّه خال عن الإشكال أو أقلّ إشكالاً .

الثامن : إذا دفن بغير إذن الوليّ(2) .

التاسع : إذا أوصى(3) بدفنه في مكان معيّن وخولف عصياناً أو جهلاً أو نسياناً .

العاشر : إذا دعت ضرورة إلى النبش أو عارضه أمر راجح أهمّ .

الحادي عشر : إذا خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ .

الثاني عشر : إذا أوصى بنبشه ونقله بعد مدّة إلى الأماكن المشرّفة ، بل يمكن أن يقال بجوازه في كلّ مورد(4) يكون هناك رجحان شرعي من جهة من الجهات ، ولم يكن موجباً لهتك حرمته ، أو لأذيّة الناس ، وذلك لعدم وجود دليل واضح على حرمة النبش إلاّ الإجماع ، وهو أمر لبّي ، والقدر المتيقّن منه غير هذه الموارد ، لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 8) : يجوز(5) تخريب آثار القبور التي علم اندراس ميّتها - ما عدا ما ذكر من قبور العلماء والصلحاء وأولاد الأئمّة علیهم السلام - سيّما إذا كانت في المقبرة الموقوفة للمسلمين مع حاجتهم ، وكذا في الأراضي المباحة ، ولكنّ الأحوط

ص: 323


1- محلّ منع ، فلا يجوز .
2- وكان للوليّ غرض عقلائي لدفنه في غير هذا المكان .
3- مرّ الإشكال فيه .
4- هذه الكلّية محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالاقتصار على ما تقدّم .
5- مع عدم محذور ، ككون الآثار ملكاً للباني ، أو الأرض مباحة حازها وليّ الميّت لقبره ، وبالجملة : الحكم حيثي ، نعم مع كون الأرض موقوفة مورد الاحتياج وزاحمه البناء يجوز لوليّ المسلمين الأمر بإزالته ، ومع عدم الحاكم يجوز للمسلمين الإزالة .

عدم التخريب مع عدم الحاجة ، خصوصاً في المباحة غير الموقوفة .

(مسألة 9) : إذا لم يعلم أ نّه قبر مؤمن أو كافر فالأحوط(1) عدم نبشه مع عدم العلم باندراسه ، أو كونه في مقبرة الكفّار .

(مسألة 10) : إذا دفن الميّت في ملك الغير بغير رضاه ، لا يجب عليه الرضا ببقائه ولو كان بالعوض ، وإن كان الدفن بغير العدوان من جهل أو نسيان فله أن يطالب النبش أو يباشره ، وكذا إذا دفن مال للغير مع الميّت ، لكنّ الأولى بل الأحوط(2) قبول العوض أو الإعراض .

(مسألة 11) : إذا أذن في دفن ميّت في ملكه لا يجوز له أن يرجع عن إذنه بعد الدفن ؛ سواء كان مع العوض أو بدونه ؛ لأ نّه المقدم على ذلك ، فيشمله دليل حرمة النبش ، وهذا بخلاف ما إذا أذن في الصلاة في داره ، فإنّه يجوز له الرجوع في أثناء الصلاة ويجب على المصلّي قطعها في سعة الوقت ، فإنّ حرمة القطع إنّما هي بالنسبة إلى المصلّي فقط ، بخلاف حرمة النبش ، فإنّه لا فرق فيه بين المباشر وغيره ، نعم له الرجوع عن إذنه بعد الوضع في القبر قبل أن يسدّ بالتراب ، هذا إذا لم يكن الإذن في عقد لازم ، وإلاّ ليس له الرجوع مطلقاً .

(مسألة 12) : إذا خرج الميّت المدفون في ملك الغير بإذنه بنبش نابش أو سيل أو سبع أو نحو ذلك ، لا يجب عليه الرضا والإذن بدفنه ثانياً في ذلك المكان ، بل له الرجوع عن إذنه إلاّ إذا كان لازماً عليه بعقد لازم .

(مسألة 13) : إذا دفن في مكان مباح فخرج بأحد المذكورات ، لا يجب دفنه

ص: 324


1- وإن كان الأقوى مع عدم الأمارة على كونه مسلماً الجواز .
2- إذا كان المال معتدّاً به فالأحوط النبش وإخراجه .

ثانياً في ذلك المكان ، بل يجوز أن يدفن في مكان آخر ، والأحوط(1) الاستئذان من الوليّ في الدفن الثاني أيضاً ، نعم إذا كان عظماً مجرّداً أو نحو ذلك ، لا يبعد عدم اعتبار إذنه ؛ وإن كان أحوط(2) مع إمكانه .

(مسألة 14) : يكره إخفاء موت إنسان من أولاده وأقربائه إلاّ إذا كانت هناك جهة رجحان فيه .

(مسألة 15) : من الأمكنة التي يستحبّ الدفن فيها ويجوز النقل إليها : الحرم ، ومكّة أرجح من سائر مواضعه وفي بعض الأخبار : أنّ الدفن في الحرم يوجب الأمن من الفزع الأكبر ، وفي بعضها استحباب نقل الميّت من عرفات إلى مكّة المعظّمة .

(مسألة 16) : ينبغي للمؤمن إعداد قبر لنفسه ؛ سواء كان في حال المرض أو الصحّة ، ويرجّح أن يدخل قبره ويقرأ القرآن فيه .

(مسألة 17) : يستحبّ بذل الأرض لدفن المؤمن ، كما يستحبّ بذل الكفن له ، وإن كان غنيّاً ، ففي الخبر : «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» .

(مسألة 18) : يستحبّ المباشرة لحفر قبر المؤمن ، ففي الخبر : «من حفر لمؤمن قبراً كان كمن بوّأه بيتاً موافقاً إلى يوم القيامة» .

(مسألة 19) : يستحبّ مباشرة غسل الميّت ، ففي الخبر : «كان فيما ناجى اللّه

ص: 325


1- بل الأقوى .
2- لا يترك .

به موسى علیه السلام ربّه قال : يا ربّ ما لمن غسل الموتى ؟ فقال : أغسله من ذنوبه كما ولدته اُمّه» .

(مسألة 20) : يستحبّ للإنسان إعداد الكفن ، وجعله في بيته ، وتكرار النظر إليه ، ففي الحديث قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا أعدّ الرجل كفنه كان مأجوراً كلّما نظر إليه» . وفي خبر آخر : «لم يكتب من الغافلين ، وكان مأجوراً كلّما نظر إليه» .

فصل : في الأغسال المندوبة

وهي كثيرة ، وعدّ بعضهم سبعاً وأربعين ، وبعضهم أنهاها إلى خمسين ، وبعضهم إلى أزيد من ستّين ، وبعضهم إلى سبع وثمانين ، وبعضهم إلى مائة ، وهي أقسام : زمانية ، ومكانية ، وفعلية : إمّا للفعل الذي يريد أن يفعل ، أو للفعل الذي فعله ، والمكانية أيضاً في الحقيقة فعلية ؛ لأ نّها إمّا للدخول في المكان ، أو للكون فيه .

أمّا الزمانية فأغسال :

أحدها : غسل الجمعة ، ورجحانه من الضروريات ، وكذا تأكّد استحبابه معلوم من الشرع ، والأخبار في الحثّ عليه كثيرة ، وفي بعضها : «أ نّه يكون طهارة له من الجمعة إلى الجمعة» ، وفي آخر : «غسل يوم الجمعة طهور ، وكفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة» ، وفي جملة منها التعبير بالوجوب ، ففي الخبر : «أ نّه واجب على كلّ ذكر أو اُنثى من حرّ أو عبد» وفي آخر عن غسل يوم الجمعة ، فقال علیه السلام : «واجب على كلّ ذكر واُنثى من حرّ أو عبد» . وفي ثالث : «الغسل واجب يوم الجمعة» ، وفي رابع : قال الراوي كيف صار غسل الجمعة واجباً ؟ فقال علیه السلام : «إنّ اللّه أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة - إلى أن قال - وأتمّ وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة» ، وفي خامس : «لا يتركه إلاّ فاسق» . وفي

ص: 326

سادس عمّن نسيه حتّى صلّى قال علیه السلام : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» . إلى غير ذلك ولذا ذهب جماعة إلى وجوبه ، منهم الكليني والصدوق وشيخنا البهائي على ما نقل عنهم ، لكنّ الأقوى استحبابه ، والوجوب في الأخبار منزّل على تأكّد الاستحباب وفيها قرائن كثيرة على إرادة هذا المعنى ، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه ، وإن كان الأحوط عدم تركه .

(مسألة 1) : وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال ، وبعده إلى آخر يوم السبت قضاءً ، لكنّ الأولى والأحوط فيما بعد الزوال إلى الغروب من يوم الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء ، كما أنّ الأولى(1) مع تركه إلى الغروب أن يأتي به بعنوان القضاء في نهار السبت لا في ليله ، وآخر وقت قضائه غروب يوم السبت ، واحتمل بعضهم جواز قضائه إلى آخر الاُسبوع ، لكنّه مشكل ، نعم لا بأس به لا بقصد الورود بل برجاء المطلوبية ؛ لعدم الدليل عليه إلاّ الرضوي الغير المعلوم كونه منه علیه السلام .

(مسألة 2) : يجوز تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ، بل وليلة الجمعة(2) إذا خاف إعواز الماء يومها ، أمّا تقديمه ليلة الخميس فمشكل ، نعم لا بأس به مع عدم قصد الورود ، لكن احتمل بعضهم جواز تقديمه حتّى من أوّل الاُسبوع أيضاً ، ولا دليل عليه ، وإذا قدّمه يوم الخميس ثمّ تمكّن منه يوم الجمعة يستحبّ(3) إعادته وإن تركه يستحبّ قضاؤه يوم السبت ، وأمّا إذا لم يتمكّن من

ص: 327


1- بل الأحوط الذي لا يترك .
2- الأحوط الإتيان فيها رجاءً .
3- قبل الزوال لا بعده ، وإن تركه يستحبّ القضاء بعده ويوم السبت .

أدائه يوم الجمعة فلا يستحبّ قضاؤه وإذا دار الأمر بين التقديم والقضاء فالأولى اختيار الأوّل .

(مسألة 3) : يستحبّ أن يقول حين الاغتسال : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهّرين» .

(مسألة 4) : لا فرق في استحباب غسل الجمعة بين الرجل والمرأة والحاضر والمسافر ، والحرّ والعبد ، ومن يصلّي الجمعة ومن يصلّي الظهر ، بل الأقوى استحبابه للصبيّ المميّز ، نعم يشترط في العبد إذن المولى إذا كان منافياً لحقّه ، بل الأحوط مطلقاً ، وبالنسبة إلى الرجال آكد ، بل في بعض الأخبار رخصة تركه للنساء .

(مسألة 5) : يستفاد من بعض الأخبار كراهة تركه ، بل في بعضها الأمر باستغفار التارك ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه قال في مقام التوبيخ لشخص : «واللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة ، فإنّه لا تزال في طهر إلى الجمعة الاُخرى» .

(مسألة 6) : إذا كان خوف فوت الغسل يوم الجمعة ، لا لإعواز الماء بل لأمر آخر كعدم التمكّن من استعماله ، أو لفقد عوض الماء مع وجوده ، فلا يبعد جواز تقديمه أيضاً يوم الخميس ، وإن كان الأولى عدم قصد الخصوصية والورود ، بل الإتيان به برجاء المطلوبية .

(مسألة 7) : إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن في الأثناء وجوده وتمكّنه منه يومها بطل غسله ، ولا يجوز

ص: 328

إتمامه بهذا العنوان والعدول منه إلى غسل آخر مستحبّ ، إلاّ إذا كان من الأوّل قاصداً للأمرين .

(مسألة 8) : الأولى إتيانه قريباً من الزوال ، وإن كان يجزي من طلوع الفجر إليه كما مرّ .

(مسألة 9) : ذكر بعض العلماء أنّ في القضاء كلّما كان أقرب إلى وقت الأداء كان أفضل ، فإتيانه في صبيحة السبت أولى من إتيانه عند الزوال منه أو بعده ، وكذا في التقديم ، فعصر يوم الخميس أولى من صبحه ، وهكذا ، ولا يخلو عن وجه وإن لم يكن واضحاً ، وأمّا أفضلية ما بعد الزوال من يوم الجمعة من يوم السبت فلا إشكال فيه ، وإن قلنا بكونه قضاء كما هو الأقوى .

(مسألة 10) : إذا نذر غسل الجمعة وجب عليه(1) ، ومع تركه عمداً تجب الكفّارة ، والأحوط قضاؤه يوم السبت ، وكذا إذا تركه سهواً أو لعدم التمكّن منه ، فإنّ الأحوط قضاؤه ، وأمّا الكفّارة فلا تجب إلاّ مع التعمّد .

(مسألة 11) : إذا اغتسل بتخيّل يوم الخميس بعنوان التقديم ، أو بتخيّل يوم السبت بعنوان القضاء فتبيّن كونه يوم الجمعة ، فلا يبعد الصحّة ، خصوصاً إذا قصد الأمر الواقعي وكان الاشتباه في التطبيق ، وكذا إذا اغتسل بقصد يوم الجمعة فتبيّن كونه يوم الخميس مع خوف الإعواز ، أو يوم السبت ، وأمّا لو قصد غسلاً آخر غير غسل الجمعة أو قصد الجمعة فتبيّن كونه مأموراً لغسل آخر ، ففي الصحّة إشكال(2) ، إلاّ إذا قصد الأمر الفعلي الواقعي وكان الاشتباه في التطبيق .

ص: 329


1- أداء النذر ، لا عنوان غسل الجمعة كما مرّ نظيره .
2- بل منع ، إلاّ في الصورة المذكورة .

(مسألة 12) : غسل الجمعة لا ينقض(1) بشيء من الحدث الأصغر والأكبر ؛ إذ المقصود إيجاده يوم الجمعة وقد حصل .

(مسألة 13) : الأقوى صحّة غسل الجمعة من الجنب والحائض ، بل لا يبعد(2) إجزاؤه عن غسل الجنابة ، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم .

(مسألة 14) : إذا لم يقدر على الغسل لفقد الماء أو غيره ، يصحّ(3) التيمّم ويجزي ، نعم لو تمكّن من الغسل قبل خروج الوقت فالأحوط الاغتسال لإدراك المستحبّ .

الثاني من الأغسال الزمانية : أغسال ليالي شهر رمضان : يستحبّ الغسل في ليالي الأفراد من شهر رمضان ، وتمام ليالي العشر الأخيرة ويستحبّ في ليلة الثالث والعشرين غسل آخر في آخر الليل ، وأيضاً يستحبّ الغسل في اليوم الأوّل منه ، فعلى هذا ، الأغسال المستحبّة فيه اثنان وعشرون ، وقيل باستحباب الغسل في جميع لياليه حتّى ليالي الأزواج ، وعليه يصير اثنان وثلاثون ، ولكن لا دليل عليه ، لكنّ الإتيان لاحتمال المطلوبية في ليالي الأزواج من العشرين الأوّلين لا بأس به ، والآكد منها ليالي القدر ، وليلة النصف ، وليلة سبعة عشر والخمس وعشرين ، والسبع وعشرين ، والتسع وعشرين منه .

(مسألة 15) : يستحبّ أن يكون الغسل في الليلة الاُولى واليوم الأوّل من

ص: 330


1- محلّ تأمّل ، ولكن لا تستحبّ إعادته .
2- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
3- محلّ إشكال ، فالأحوط إتيانه رجاءً .

شهر رمضان في الماء الجاري ، كما أ نّه يستحبّ أن يصبّ على رأسه قبل الغسل أو بعده ثلاثين كفّاً من الماء ليأمن من حكّة البدن ، ولكن لا دخل لهذا العمل بالغسل ، بل هو مستحبّ مستقلّ .

(مسألة 16) : وقت غسل الليالي تمام الليل ، وإن كان الأولى إتيانها أوّل الليل ، بل الأولى إتيانها قبل الغروب أو مقارناً له ليكون على غسل من أوّل الليل إلى آخره ، نعم لا يبعد في ليال العشر الأخيرة رجحان إتيانها بين المغرب والعشاء ، لما نقل من فعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقد مرّ أنّ الغسل الثاني في ليلة الثالثة والعشرين في آخره .

(مسألة 17) : إذا ترك الغسل الأوّل في الليلة الثالثة والعشرين في أوّل الليل لا يبعد كفاية الغسل الثاني عنه ، والأولى أن يأتي بهما آخر الليل برجاء المطلوبية خصوصاً مع الفصل بينهما ، ويجوز إتيان غسل واحد بعنوان التداخل وقصد الأمرين .

(مسألة 18) : لا تنقض(1) هذه الأغسال أيضاً بالحدث الأكبر والأصغر ، كما في غسل الجمعة .

الثالث : غسل يومي العيدين : الفطر ، والأضحى ، وهو من السنن المؤكّدة ، حتّى أ نّه ورد في بعض الأخبار : أ نّه لو نسي غسل يوم العيد حتّى صلّى ، إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته ، وفي خبر آخر عن غسل الأضحى ، فقال علیه السلام : «واجب إلاّ بمنى» وهو منزّل على تأكّد الاستحباب ، لصراحة جملة من الأخبار في عدم وجوبه ، ووقته بعد

ص: 331


1- محلّ تأمّل ، وإن لا تشرع إعادتها بعد الحدث .

الفجر إلى الزوال ، ويحتمل إلى الغروب ، والأولى عدم نيّة الورود إذا أتى به بعد الزوال ، كما أنّ الأولى إتيانه قبل صلاة العيد لتكون مع الغسل ، ويستحبّ في غسل عيد الفطر أن يكون في نهر ومع عدمه أن يباشر بنفسه الاستقاء بتخشّع ، وأن يغتسل تحت الظلال أو تحت حائط ، ويبالغ في التستّر ، وأن يقول عند إرادته : «اللهمّ إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، واتّباع سنّة نبيّك» ثمّ يقول : «بسم اللّه» ويغتسل ويقول بعد الغسل : «اللهمّ اجعله كفّارة لذنوبي ، وطهوراً لديني اللهمّ أذهب عنّي الدنس» والأولى إعمال هذه الآداب في غسل يوم الأضحى أيضاً ، لكن لا بقصد الورود لاختصاص النصّ بالفطر ، وكذا يستحبّ الغسل في ليلة الفطر ، ووقته من أوّلها إلى الفجر والأولى إتيانه أوّل الليل ، وفي بعض الأخبار : «إذا غربت الشمس فاغتسل» والأولى إتيانه ليلة الأضحى أيضاً ، لا بقصد الورود لاختصاص النصّ بليلة الفطر .

الرابع : غسل يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجّة ، ووقته تمام اليوم .

الخامس : غسل يوم عرفة ، وهو أيضاً ممتدّ إلى الغروب ، والأولى عند الزوال منه ، ولا فرق فيه بين من كان في عرفات أو سائر البلدان .

السادس : غسل أيّام من رجب ، وهي أوّله ووسطه وآخره ، ويوم السابع والعشرين منه ، وهو يوم المبعث ووقتها من الفجر إلى الغروب ، وعن الكفعمي والمجلسي استحبابه في ليلة المبعث أيضاً ، ولا بأس به لا بقصد الورود .

السابع : غسل يوم الغدير(1) ، والأولى إتيانه قبل الزوال منه .

الثامن : يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة على الأقوى ،

ص: 332


1- لا يبعد أن يقال باستحباب غسل ليوم الغدير - والأولى إتيانه صدر النهار - وغسل آخر لفعل صلاة قبل الزوال بنصف ساعة ، والثاني من الأغسال الفعلية .

وإن قيل : إنّه يوم الحادي والعشرين ، وقيل : هو يوم الخامس والعشرين ، وقيل : إنّه السابع والعشرين منه ، ولا بأس بالغسل في هذه الأيّام لا بقصد الورود .

التاسع(1) : يوم النصف من شعبان .

العاشر : يوم المولود(2) وهو السابع عشر من ربيع الأوّل .

الحادي عشر : يوم النيروز .

الثاني عشر : يوم التاسع من ربيع الأوّل .

الثالث عشر : يوم دحو الأرض وهو الخامس والعشرين من ذي القعدة .

الرابع عشر : كلّ ليلة من ليالي الجمعة على ما قيل ، بل في كلّ زمان شريف على ما قاله بعضهم ، ولا بأس بهما لا بقصد الورود .

(مسألة 19) : لا قضاء للأغسال الزمانية إذا جاز وقتها ، كما لا تتقدّم على زمانها مع خوف عدم التمكّن منها في وقتها إلاّ غسل الجمعة كما مرّ ، لكن عن المفيد استحباب قضاء غسل يوم عرفة في الأضحى ، وعن الشهيد استحباب قضائها أجمع ، وكذا تقديمها مع خوف عدم التمكّن منها في وقتها ، ووجه الأمرين غير واضح ، لكن لا بأس بهما لا بقصد الورود .

(مسألة 20) : ربما قيل بكون الغسل مستحبّاً نفسياً ، فيشرع الإتيان به في كلّ زمان من غير نظر إلى سبب أو غاية ، ووجهه غير واضح ، ولا بأس به لا بقصد الورود .

ص: 333


1- يأتي به رجاءً ، نعم يستحبّ ليلة النصف من شعبان .
2- يأتي رجاءً كيوم التاسع من ربيع الأوّل ويوم دحو الأرض .
فصل : في الأغسال المكانية

أي الذي يستحبّ عند إرادة الدخول في مكان ، وهي الغسل لدخول حرم مكّة ، وللدخول فيها ولدخول مسجدها وكعبتها ، ولدخول حرم المدينة ، وللدخول فيها ، ولدخول مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وكذا للدخول في سائر المشاهد(1) المشرّفة للأئمّة علیهم السلام ، ووقتها قبل الدخول عند إرادته ، ولا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها إذا لم يغتسل قبله ، كما لا يبعد كفاية غسل واحد في أوّل اليوم أو أوّل الليل للدخول إلى آخره ، بل لا يبعد عدم الحاجة إلى التكرار مع التكرّر ، كما أ نّه لا يبعد جواز التداخل أيضاً فيما لو أراد دخول الحرم ومكّة والمسجد والكعبة في ذلك اليوم ، فيغتسل غسلاً واحداً للجميع ، وكذا بالنسبة إلى المدينة وحرمها ومسجدها .

(مسألة 1) : حكي عن بعض العلماء : استحباب الغسل عند إرادة الدخول في كلّ مكان شريف ، ووجهه غير واضح ، ولا بأس به لا بقصد الورود .

فصل : في الأغسال الفعلية

فصل : في الأغسال الفعلية(2) وقد مرّ أ نّها قسمان :

القسم الأوّل : ما يكون مستحبّاً لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله ، وهي أغسال :

أحدها : للإحرام وعن بعض العلماء وجوبه . الثاني : للطواف ؛ سواء كان طواف الحجّ أو العمرة أو طواف النساء ، بل للطواف المندوب أيضاً . الثالث :

ص: 334


1- يأتي رجاءً .
2- في بعضها تأمّل والأمر سهل بعد جواز الإتيان رجاءً .

للوقوف بعرفات . الرابع : للوقوف بالمشعر . الخامس : للذبح والنحر . السادس : للحلق ، وعن بعضهم استحبابه لرمي الجمار أيضاً . السابع : لزيارة أحد المعصومين علیهم السلام من قريب أو بعيد . الثامن : لرؤية أحد الأئمّة علیهم السلام في المنام ، كما نقل عن موسى بن جعفر علیه السلام : أ نّه إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويناجيهم فيراهم في المنام . التاسع : لصلاة الحاجة ، بل لطلب الحاجة مطلقاً . العاشر : لصلاة الاستخارة ، بل للاستخارة مطلقاً ، ولو من غير صلاة . الحادي عشر : لعمل الاستفتاح المعروف بعمل اُمّ داود . الثاني عشر : لأخذ تربة قبر الحسين علیه السلام . الثالث عشر : لإرادة السفر خصوصاً لزيارة الحسين علیه السلام . الرابع عشر : لصلاة الاستسقاء بل له مطلقاً . الخامس عشر : للتوبة من الكفر الأصلي أو الارتدادي ، بل من الفسق ، بل من الصغيرة أيضاً على وجه . السادس عشر : للتظلّم والاشتكاء إلى اللّه من ظلم ظالم ، ففي الحديث عن الصادق علیه السلام ما مضمونه : إذا ظلمك أحد فلا تدع عليه ، فإنّ المظلوم قد يصير ظالماً بالدعاء على من ظلمه ، لكن اغتسل وصلّ ركعتين تحت السماء ، ثمّ قل : «اللهمّ إنّ فلان بن فلان ظلمني وليس لي أحد أصول به عليه غيرك ، فاستوف لي ظلامتي السّاعة السّاعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطرّ أجبته فكشفت ما به من ضرّ ، ومكّنت له في الأرض ، وجعلته خليفتك على خلقك فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تستوفي ظلامتي ، السّاعة السّاعة» فسترى ما تحبّ . السابع عشر : للأمن من الخوف من ظالم ، فيغتسل ويصلّي ركعتين ، ويحسر عن ركبتيه ، ويجعلهما قريباً من مصلاّه ، ويقول مائة مرّة : «يا حيّ ، يا قيّوم ، يا حيّ لا إله إلاّ أنت ، برحمتك أستغيث ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وأغثني السّاعة السّاعة» ثمّ يقول :

ص: 335

«أسأ لُك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تلطف بي وأن تغلب لي ، وأن تمكر لي ، وأن تخدع لي ، وأن تكفيني مؤونة فلان بن فلان بلا مؤونة» . وهذا دعاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، يوم اُحد . الثامن عشر : لدفع النازلة ، يصوم الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، وعند الزوال من الأخير فيغتسل . التاسع عشر : للمباهلة مع من يدّعي باطلاً . العشرون : لتحصيل النشاط للعبادة أو لخصوص صلاة الليل ، فعن «فلاح السائل» أنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان يغتسل في الليالي الباردة لأجل تحصيل النشاط لصلاة الليل . الحادي والعشرون : لصلاة الشكر . الثاني والعشرون : لتغسيل الميّت ولتكفينه . الثالث والعشرون : للحجامة على ما قيل ، ولكن قيل : إنّه لا دليل عليه ، ولعلّه مصحّف الجمعة . الرابع والعشرون : لإرادة العود إلى الجماع ، لما نقل عن الرسالة الذهبية أنّ الجماع بعد الجماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد ، لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة ، بل هو الظاهر . الخامس والعشرون : الغسل لكلّ عمل يتقرّب به إلى اللّه ، كما حكي عن ابن الجنيد ، ووجهه غير معلوم ، وإن كان الإتيان به لا بقصد الورود لا بأس به .

القسم الثاني : ما يكون مستحبّاً لأجل الفعل الذي فعله ، وهي أيضاً أغسال : أحدها : غسل التوبة ، على ما ذكره بعضهم من أ نّه من جهة المعاصي التي ارتكبها ، أو بناءً على أ نّه بعد الندم الذي هو حقيقة التوبة ، لكنّ الظاهر أ نّه من القسم الأوّل كما ذكر هناك ، وهذا هو الظاهر من الأخبار ومن كلمات العلماء ، ويمكن أن يقال إنّه ذو جهتين ؛ فمن حيث إنّه بعد المعاصي وبعد الندم يكون من القسم الثاني ، ومن حيث إنّ تمام التوبة بالاستغفار يكون من القسم الأوّل ، وخبر مسعدة بن زياد في خصوص استماع الغناء في الكنيف ، وقول الإمام علیه السلام له في

ص: 336

آخر الخبر : «قم فاغتسل فصلّ ما بدا لك» يمكن توجيهه بكلّ من الوجهين ، والأظهر أ نّه لسرعة قبول التوبة أو لكمالها . الثاني : الغسل لقتل الوزغ ، ويحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله ، حيث إنّه حيوان خبيث والأخبار في ذمّه من الطرفين كثيرة ، ففي النبوي : «اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة» وفي آخر : «من قتله فكأ نّما قتل شيطاناً» ويحتمل أن يكون لأجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله . الثالث : غسل المولود ، وعن الصدوق وابن حمزة وجوبه ، لكنّه ضعيف ، ووقته من حين الولادة حيناً عرفياً ، فالتأخير إلى يومين أو ثلاثة لا يضرّ ، وقد يقال : إلى سبعة أيّام ، وربما قيل ببقائه إلى آخر العمر . والأولى على تقدير التأخير عن الحين العرفي الإتيان به برجاء المطلوبية . الرابع : الغسل لرؤية المصلوب ، وقد ذكروا أنّ استحبابه مشروط بأمرين : أحدهما : أن يمشي لينظر إليه متعمّداً ، فلو اتّفق نظره أو كان مجبوراً لا يستحبّ ، الثاني : أن يكون بعد ثلاثة أيّام إذا كان مصلوباً بحقّ ، لا قبلها بخلاف ما إذا كان مصلوباً بظلم ، فإنّه يستحبّ معه مطلقاً ولو كان في اليومين الأوّلين ، لكنّ الدليل على الشرط الثاني غير معلوم إلاّ دعوى الانصراف وهي محلّ منع ، نعم الشرط الأوّل ظاهر الخبر ، وهو من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة ، وظاهره أنّ من مشى إليه لغرض صحيح كأداء الشهادة أو تحمّلها لا يثبت في حقّه الغسل . الخامس : غسل من فرّط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص ؛ أي تركها عمداً ، فإنّه يستحبّ أن يغتسل ويقضيها ، وحكم بعضهم بوجوبه ، والأقوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط عدم تركه ، والظاهر أ نّه مستحبّ نفسي بعد التفريط المذكور ، ولكن يحتمل أن يكون لأجل القضاء ، كما هو مذهب جماعة ، فالأولى الإتيان به بقصد القربة ، لا بملاحظة غاية أو سبب ، وإذا لم يكن الترك عن تفريط أو لم يكن

ص: 337

القرص محترقاً لا يكون مستحبّاً وإن قيل باستحبابه مع التعمّد مطلقاً ، وقيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقاً . السادس : غسل المرأة إذا تطيّبت لغير زوجها ، ففي الخبر : «أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها» واحتمال كون المراد : غسل الطيب من بدنها - كما عن صاحب الحدائق - بعيد ولا داعي إليه . السابع : غسل من شرب مسكراً فنام ، ففي الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ما مضمونه : «ما من أحد نام على سكر إلاّ وصار عروساً للشيطان إلى الفجر ، فعليه أن يغتسل غسل الجنابة» . الثامن : غسل من مسّ ميّتاً بعد غسله .

(مسألة 1) : حكي عن المفيد : استحباب الغسل لمن صبّ عليه ماء مظنون النجاسة ، ولا وجه له ، وربما يعدّ من الأغسال المسنونة غسل المجنون إذا أفاق ، ودليله غير معلوم ، وربما يقال : إنّه من جهة احتمال جنابته حال جنونه ، لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطية ، فلا وجه لعدّها منها ، كما لا وجه لعدّ إعادة الغسل لذوي الأعذار المغتسلين حال العذر غسلاً ناقصاً مثل الجبيرة ، وكذا عدّ غسل من رأى الجنابة في الثوب المشترك احتياطاً ، فإنّ هذه ليست من الأغسال المسنونة .

(مسألة 2) : وقت الأغسال المكانية - كما مرّ سابقاً - قبل الدخول فيها ، أو بعده لإرادة البقاء على وجه ، ويكفي الغسل في أوّل اليوم ليومه ، وفي أوّل الليل لليلته ، بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنهار وبالعكس من قوّة ، وإن كان دون الأوّل في الفضل ، وكذا القسم الأوّل من الأغسال الفعلية وقتها قبل الفعل على الوجه المذكور ، وأمّا القسم الثاني منها فوقتها بعد تحقّق الفعل إلى آخر العمر ، وإن كان الظاهر اعتبار إتيانها فوراً ففوراً .

ص: 338

(مسألة 3) : ينتقض الأغسال الفعلية من القسم الأوّل ، والمكانية بالحدث الأصغر من أيّ سبب كان ، حتّى من النوم على الأقوى ، ويحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب إعادتها كما عليه بعضهم ، لكنّ الظاهر ما ذكرنا .

(مسألة 4) : الأغسال المستحبّة لا تكفي عن الوضوء ، فلو كان محدثاً يجب أن يتوضّأ للصلاة ونحوها ؛ قبلها أو بعدها ، والأفضل قبلها ، ويجوز إتيانه في أثنائها إذا جيء بها ترتيبياً .

(مسألة 5) : إذا كان عليه أغسال متعدّدة زمانية أو مكانية أو فعلية أو مختلفة يكفي غسل واحد عن الجميع إذا نواها جميعاً ، بل لا يبعد(1) كون التداخل قهرياً ، لكن يشترط في الكفاية القهرية أن يكون ما قصده معلوم المطلوبية لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبية ؛ لعدم معلومية كونه غسلاً صحيحاً ، حتّى يكون مجزياً عمّا هو معلوم المطلوبية .

(مسألة 6) : نقل عن جماعة كالمفيد والمحقّق والعلاّمة والشهيد والمجلسي استحباب الغسل نفساً ، ولو لم يكن هناك غاية مستحبّة أو مكان أو زمان ، ونظرهم في ذلك إلى مثل قوله تعالى : )إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ( وقوله : «إن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل» ، وقوله : «أيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ وأيّ وضوء أنقى من الغسل ؟» . ومثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات من دون ذكر سبب أو غاية إلى غير ذلك ، لكن إثبات المطلب بمثلها مشكل .

(مسألة7) : يقوم التيمّم(2) مقام الغسل في جميع ما ذكر عند عدم التمكّن منه .

ص: 339


1- لا يخلو من شوب إشكال ، فالأولى نيّة الجميع ، ومع عدمها يأتي لغير المنويّ رجاءً .
2- تقدّم الإشكال فيه ، ولا بأس بإتيانه رجاءً .

فصل : في التيمّم

اشارة

ويسوّغه العجز عن استعمال الماء وهو يتحقّق باُمور :

أحدها : عدم وجدان الماء بقدر الكفاية ؛ للغسل أو الوضوء ، في سفر كان أو حضر ، ووجدان المقدار الغير الكافي كعدمه ، ويجب الفحص عنه إلى اليأس إذا كان في الحضر ، وفي البرّية يكفي الطلب غلوة سهم في الحزنة ، ولو لأجل الأشجار ، وغلوة سهمين في السهلة في الجوانب الأربع ، بشرط احتمال وجود الماء في الجميع ، ومع العلم بعدمه في بعضها يسقط فيه ، ومع العلم بعدمه في الجميع يسقط في الجميع ، كما أ نّه لو علم وجوده فوق المقدار وجب طلبه مع بقاء الوقت(1) ، وليس الظنّ به كالعلم في وجوب الأزيد وإن كان أحوط ، خصوصاً إذا كان بحدّ الاطمئنان ، بل لا يترك في هذه الصورة ، فيطلب إلى أن يزول ظنّه ولا عبرة بالاحتمال في الأزيد .

(مسألة 1) : إذا شهد عدلان بعدم الماء في جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب فيها أو فيه ، وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء ، وفي الاكتفاء بالعدل الواحد إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالطلب .

(مسألة 2) : الظاهر وجوب الطلب في الأزيد من المقدارين إذا شهد عدلان بوجوده في الأزيد ، ولا يترك الاحتياط في شهادة عدل واحد به .

(مسألة 3) : الظاهر كفاية(2) الاستنابة في الطلب ، وعدم وجوب المباشرة ، بل لا يبعد كفاية نائب واحد عن جماعة ، ولا يلزم كونه عادلاً بعد كونه أميناً موثّقاً .

ص: 340


1- وعدم العسر والمشقّة أو غيرهما من الأعذار .
2- كفايتها مع عدم حصول الاطمئنان من قوله مشكل .

(مسألة 4) : إذا احتمل وجود الماء في رحله أو في منزله أو في القافلة وجب الفحص حتّى يتيقّن العدم ، أو يحصل اليأس منه ، فكفاية المقدارين خاصّ بالبرّية .

(مسألة 5) : إذا طلب قبل دخول وقت الصلاة ولم يجد ففي كفايته بعد دخول الوقت - مع احتمال العثور عليه(1) لو أعاده - إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة ، وأمّا مع انتقاله عن ذلك المكان فلا إشكال في وجوبه مع الاحتمال المذكور .

(مسألة 6) : إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد ، يكفي لغيرها من الصلوات ، فلا يجب الإعادة عند كلّ صلاة ، إن لم يحتمل العثور مع الإعادة ، وإلاّ فالأحوط(2) الإعادة .

(مسألة 7) : المناط في السهم والرمي(3) والقوس والهواء والرامي هو المتعارف المعتدل الوسط في القوّة والضعف .

(مسألة 8) : يسقط(4) وجوب الطلب في ضيق الوقت .

(مسألة 9) : إذا ترك الطلب حتّى ضاق الوقت عصى ، لكن الأقوى صحّة

ص: 341


1- لأجل احتمال تجدّد الماء لا مطلقاً ، فإذا احتمل كون الماء موجوداً حين الطلب ولم يعثر عليه لغفلة واشتباه فالظاهر عدم وجوب الإعادة ، بل عدم وجوبها مطلقاً لا يخلو من وجه .
2- إذا احتمل التجدّد لا مطلقاً كما تقدّم ، وتقدّم أنّ لعدم الوجوب مطلقاً وجهاً .
3- المناط في الرمي هو أبعد ما يقدر عليه الرامي .
4- ويتقدّر بقدره ، فإذا ضاق عن مطلق الطلب يسقط مطلقاً ، وإذا ضاق عن تمام الطلب يسقط بمقداره .

صلاته حينئذٍ ، وإن علم أ نّه لو طلب لعثر ، لكن الأحوط القضاء خصوصاً في الفرض المذكور .

(مسألة 10) : إذا ترك الطلب في سعة الوقت وصلّى بطلت صلاته وإن تبيّن عدم وجود الماء ، نعم لو حصل منه قصد القربة مع تبيّن عدم الماء(1) فالأقوى صحّتها .

(مسألة 11) : إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمّم وصلّى ، ثمّ تبيّن وجوده في محلّ الطلب من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة صحّت صلاته ، ولا يجب القضاء أو الإعادة .

(مسألة 12) : إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمّم وصلّى ثمّ تبيّن سعة الوقت لا يبعد صحّة(2) صلاته وإن كان الأحوط الإعادة أو القضاء ، بل لا يترك الاحتياط بالإعادة ، وأمّا إذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبيّن وجوده ، وأ نّه لو طلب لعثر ، فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء .

(مسألة 13) : لا يجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول

ص: 342


1- أو عدم الاهتداء إليه لو طلبه .
2- بل الظاهر وجوب تجديد الطلب مع احتمال الماء إن كان في المكان الذي صلّى فيه وكان الوقت في الحال واسعاً ، ومع عدم السعة فالأحوط تجديد التيمّم وإعادة الصلاة ، ومع الانتقال عن ذلك المكان فإن علم عدم وجدانه لو طلب في المكان الأوّل فالظاهر صحّة صلاته ، وإن علم وجدانه فالأقوى إعادة الصلاة مع الطهارة المائية مع التمكّن منها ، وإلاّ فالأحوط تجديد الطهارة المائية أو التيمّم لإعادة الصلاة ، ومع الشكّ فيه فالأحوط إعادة الصلاة مع تجديد الطهارة المائية أو التيمّم ، والظاهر عدم الفرق فيما ذكر بين الإعادة والقضاء فيجب القضاء فيما تجب الإعادة ويحتاط به فيما يحتاط بها .

الوقت ؛ إذا علم(1) بعدم وجدان ماء آخر ، ولو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله إذا علم بعدم وجود الماء ، بل الأحوط(2) عدم الإراقة وعدم الإبطال قبل الوقت أيضاً مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت ، ولو عصى فأراق أو أبطل يصحّ تيمّمه وصلاته ؛ وإن كان الأحوط القضاء .

(مسألة 14) : يسقط وجوب الطلب إذا خاف على نفسه أو ماله(3) من لصّ أو سبع أو نحو ذلك كالتأخّر عن القافلة ، وكذا إذا كان فيه حرج ومشقّة لا تتحمّل .

(مسألة 15) : إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة وفي بعضها سهلة ، يلحق(4) كلاًّ حكمه من الغلوة والغلوتين .

الثاني : عدم الوصلة إلى الماء الموجود ؛ لعجز من كبر ، أو خوف من سبع أو لصّ ، أو لكونه في بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو والحبل ، وعدم إمكان إخراجه بوجه آخر ، ولو بإدخال ثوب(5) وإخراجه بعد جذبه الماء وعصره .

(مسألة 16) : إذا توقّف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما أو استئجارهما أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب ولو بأضعاف العوض ما لم يضرّ بحاله ، وأمّا إذا كان مضرّاً بحاله فلا ، كما أ نّه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو

ص: 343


1- أو قامت أمارة معتبرة عليه ، وكذا في الفرع الآتي ، والأحوط عدم الإراقة مع الاحتمال العقلائي لعدمه .
2- بل لا يخلو من قوّة ، ومع الاحتمال الأحوط تركه .
3- المعتدّ به .
4- ولو كان في كلّ جانب بعضه سهل وبعضه حزن لا تبعد ملاحظة النسبة ، لكن لا يترك الاحتياط بغلوة سهمين .
5- مع عدم فساده به .

عوضه مع العلم أو الظنّ بعدم إمكان الوفاء لم يجب ذلك .

(مسألة 17) : لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب ، كما أ نّه لو وهبه غيره بلا منّة ولا ذلّة وجب القبول .

الثالث : الخوف من استعماله على نفسه ، أو عضو من أعضائه بتلف أو عيب أو حدوث مرض أو شدّته أو طول مدّته أو بطوء برئه أو صعوبة علاجه أو نحو ذلك ممّا يعسر تحمّله عادة ، بل لو خاف من الشين الذي يكون تحمّله شاقّاً تيمّم ، والمراد به ما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ، أو الموجبة لتشقّق الجلد ، وخروج الدم ، ويكفي الظنّ بالمذكورات ، أو الاحتمال(1) الموجب للخوف ؛ سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره ، وإن كان فاسقاً أو كافراً ، ولا يكفي الاحتمال المجرّد من الخوف ، كما أ نّه لا يكفي الضرر اليسير الذي لا يعتني به العقلاء ، وإذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب ولم ينتقل إلى التيمّم .

(مسألة 18) : إذا تحمّل الضرر وتوضّأ أو اغتسل ، فإن كان الضرر في المقدّمات من تحصيل الماء ونحوه وجب الوضوء أو الغسل وصحّ ، وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل(2) ، وأمّا إذا لم يكن استعمال الماء مضرّاً بل كان موجباً للحرج والمشقّة - كتحمّل ألم البرد أو الشين مثلاً - فلا يبعد الصحّة وإن كان يجوز معه التيمّم ؛ لأنّ نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة(3) ، ولكن الأحوط ترك الاستعمال وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمّم أيضاً .

ص: 344


1- الناشئ من منشأ يعتني به العقلاء .
2- على الأحوط ، إلاّ إذا كان حرجاً فبطل على الأقرب .
3- محلّ إشكال لا يترك الاحتياط الآتي ، بل كونه عزيمة والبطلان لا يخلو من وجه قويّ .

(مسألة 19) : إذا تيمّم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه صحّ تيمّمه وصلاته ، نعم لو تبيّن قبل الدخول في الصلاة وجب الوضوء أو الغسل ، وإذا توضّأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثمّ تبيّن وجوده صحّ ، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين ، وأمّا إذا توضّأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصحّ(1) وإن تبيّن عدمه ، كما أ نّه إذا تيمّم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصحّ وإن تبيّن وجوده .

(مسألة 20) : إذا أجنب عمداً مع العلم بكون استعمال الماء مضرّاً وجب التيمّم وصحّ عمله ، لكن لمّا ذكر بعض العلماء وجوب الغسل في الصورة المفروضة وإن كان مضرّاً ، فالأولى(2) الجمع بينه وبين التيمّم ، بل الأولى مع ذلك إعادة الغسل والصلاة بعد زوال العذر .

(مسألة 21) : لا يجوز للمتطهّر بعد دخول الوقت إبطال وضوئه بالحدث الأصغر إذا لم يتمكّن من الوضوء بعده كما مرّ ، لكن يجوز له الجماع مع عدم إمكان الغسل ، والفارق وجود النصّ في الجماع ، ومع ذلك الأحوط تركه أيضاً .

الرابع : الحرج في تحصيل الماء أو في استعماله وإن لم يكن ضرر أو خوفه .

الخامس : الخوف من استعمال الماء على نفسه أو أولاده وعياله أو بعض متعلّقيه أو صديقه ، فعلاً أو بعد ذلك ، من التلف بالعطش أو حدوث مرض ، بل أو حرج أو مشقّة لا تتحمّل ، ولا يعتبر العلم بذلك ، بل ولا الظنّ ، بل يكفي

ص: 345


1- الظاهر الصحّة مع حصول نيّة القربة إن تبيّن عدمه ، وصحّة التيمّم إن تبيّن وجوده لو فرض حصول قصد القربة .
2- بل الأحوط - لو لم يكن الأقوى - ترك الغسل .

احتمال(1) يوجب الخوف حتّى إذا كان موهوماً ، فإنّه قد يحصل الخوف مع الوهم إذا كان المطلب عظيماً ، فيتيمّم حينئذٍ وكذا إذا خاف على دوابّه أو على نفس محترمة ، وإن لم تكن مرتبطة به(2) وأمّا الخوف على غير المحترم كالحربي والمرتدّ الفطري ومن وجب قتله في الشرع فلا يسوّغ التيمّم ، كما أنّ غير المحترم الذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور والخنزير والذئب ونحوها لا يوجبه ، وإن كان الظاهر جوازه(3) ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظ الماء وعدم استعماله ، كخوف تلف النفس أو الغير ممّن يجب حفظه وكخوف حدوث مرض ونحوه ، وفي بعضها يجوز حفظه ولا يجب مثل تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها وإن كان لا يجوز(4) قتلها أيضاً ، وفي بعضها يحرم حفظه ، بل يجب استعماله في الوضوء أو الغسل ، كما في النفوس التي يجب إتلافها ، ففي الصورة الثالثة لا يجوز التيمّم ، وفي الثانية يجوز(5) ويجوز الوضوء أو الغسل أيضاً ، وفي الاُولى يجب ولا يجوز الوضوء أو الغسل .

(مسألة 22) : إذا كان معه ماء طاهر يكفي لطهارته وماء نجس بقدر حاجته إلى شربه لا يكفي في عدم الانتقال إلى التيمّم ؛ لأنّ وجود الماء النجس - حيث

ص: 346


1- عقلائي يعتني به العقلاء ؛ ولو مع موهوميته لأجل أهمّية المحتمل .
2- لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من قوّة . هذا في غير الإنسان وبعض الحيوانات المحترمة الغالية القيمة التي لم تعدّ للذبح ، وأمّا فيهما فينتقل إلى التيمّم .
3- فيه تأمّل .
4- بل وإن جاز ولو بالذبح الشرعي .
5- إن كانت الثانية مثل الكلب العقور فقد تقدّم التأمّل فيه، ولا تخلو عبارته من نوع تشويش.

إنّه يحرم شربه - كالعدم ، فيجب التيمّم وحفظ الماء الطاهر لشربه ، نعم لو كان الخوف على دابّته لا على نفسه يجب عليه الوضوء أو الغسل وصرف الماء النجس في حفظ دابّته ، بل وكذا إذا خاف على طفل من العطش ، فإنّه لا دليل على حرمة إشرابه الماء المتنجّس ، وأمّا لو فرض شرب الطفل بنفسه فالأمر أسهل ، فيستعمل الماء الطاهر في الوضوء - مثلاً - ويحفظ الماء النجس ليشربه الطفل ، بل يمكن أن يقال : إذا خاف على رفيقه أيضاً يجوز التوضّؤ وإبقاء الماء النجس لشربه ؛ فإنّه لا دليل على وجوب رفع اضطرار الغير من شرب النجس ، نعم لو كان رفيقه عطشاناً فعلاً لا يجوز إعطاؤه(1) الماء النجس ليشرب مع وجود الماء الطاهر ، كما أ نّه لو باشر الشرب بنفسه لا يجب منعه(2) .

السادس : إذا عارض استعمال الماء في الوضوء أو الغسل واجب(3) أهمّ ، كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجساً ولم يكن عنده من الماء إلاّ بقدر أحد الأمرين من رفع الحدث أو الخبث ، ففي هذه الصورة يجب استعماله في رفع الخبث ويتيمّم ؛ لأنّ الوضوء له بدل وهو التيمّم ، بخلاف رفع الخبث ، مع أ نّه منصوص في بعض صوره ، والأولى أن يرفع الخبث أوّلاً ثمّ يتيمّم ؛ ليتحقّق كونه فاقداً للماء حال التيمّم ، وإذا توضّأ أو اغتسل حينئذٍ بطل ؛ لأ نّه مأمور بالتيمّم ولا أمر بالوضوء أو الغسل . نعم ، لو لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضاً يتعيّن صرفه في رفع الحدث ؛ لأنّ

ص: 347


1- بل يجوز عدم إعطائه الماء الطاهر حتّى يضطرّ بنفسه إلى شرب النجس ، ولا يجب عليه رفع اضطراره .
2- مع اضطراره إليه .
3- لا يبعد أن يكون مطلق المحذور الشرعي - من ترك واجب أو فعل محرّم أو ترك شرط أو إيجاد مانع - موجباً للانتقال إلى التيمّم ، لا لما ذكره ، بل لاستفادة ذلك من مجموع ما ورد في الانتقال إليه .

الأمر يدور بين الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب ، أو مع الحدث وفقد الطهورين ، فمراعاة رفع الحدث أهمّ ، مع أنّ الأقوى بطلان صلاة فاقد الطهورين فلا ينفعه رفع الخبث حينئذٍ .

(مسألة 23) : إذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه ؛ بحيث لو تيمّم أيضاً يلزم الصلاة مع النجاسة ، ففي تقديم رفع الخبث حينئذٍ على رفع الحدث إشكال ، بل لا يبعد(1) تقديم الثاني . نعم ، لو كان بدنه وثوبه كلاهما نجسان وكان معه من الماء ما يكفي لأحد الاُمور من الوضوء أو تطهير البدن أو الثوب ربما يقال(2) بتقديم تطهير البدن والتيمّم والصلاة مع نجاسة الثوب أو عرياناً على اختلاف القولين ، ولا يخلو ما ذكره من وجه .

(مسألة 24) : إذا دار أمره بين ترك الصلاة في الوقت أو شرب الماء النجس ، كما إذا كان معه ما يكفي لوضوئه من الماء الطاهر ، وكان معه ماء نجس بمقدار حاجته لشربه ، ومع ذلك لم يكن معه ما يتيمّم به ؛ بحيث لو شرب الماء الطاهر بقي فاقد الطهورين ، ففي تقديم أيّهما إشكال(3) .

(مسألة 25) : إذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الأمرين من ماء الوضوء أو الساتر ، لا يبعد ترجيح الساتر والانتقال إلى التيمّم ، لكن لا يخلو عن إشكال والأولى صرفه في تحصيل الساتر أوّلاً ليتحقّق كونه فاقد الماء ثمّ يتيمّم ، وإذا دار

ص: 348


1- الظاهر تقديم الأوّل .
2- وهو الأقوى ، وقد مرّ وجوب الصلاة عارياً .
3- لا إشكال في لزوم تقديم الصلاة .

الأمر بين تحصيل الماء أو القبلة ففي تقديم أيّهما إشكال(1) .

السابع : ضيق الوقت عن استعمال الماء بحيث لزم من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة ، ولو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت وربما يقال : إنّ المناط عدم إدراك ركعة منها في الوقت ، فلو دار الأمر بين التيمّم وإدراك تمام الوقت ، أو الوضوء وإدراك ركعة أو أزيد قدّم الثاني ؛ لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، لكنّ الأقوى ما ذكرنا ، والقاعدة مختصّة بما إذا لم يبق من الوقت فعلاً إلاّ مقدار ركعة ، فلا تشمل ما إذا بقي بمقدار تمام الصلاة ويؤخّرها إلى أن يبقى مقدار ركعة ، فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت ومراعاة الطهارة المائية ، والأوّل أهمّ ، ومن المعلوم أنّ الوقت معتبر في تمام أجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من أجزائها خارج الوقت لا يجوز تحصيلها ، بل ينتقل إلى التيمّم ، لكن الأحوط القضاء مع ذلك ، خصوصاً إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت .

(مسألة 26) : إذا كان واجداً للماء وأخّر الصلاة عمداً إلى أن ضاق الوقت عصى ، ولكن يجب عليه التيمّم والصلاة ، ولا يلزم القضاء وإن كان الأحوط احتياطاً شديداً .

(مسألة 27) : إذا شكّ في ضيق الوقت وسعته بنى على البقاء وتوضّأ أو اغتسل ، وأمّا إذا علم ضيقه وشكّ في كفايته لتحصيل الطهارة والصلاة وعدمها

ص: 349


1- لا إشكال في تقديم القبلة إذا كان الطرف استدبارها ، وفي غيره محلّ تأمّل وإن لا يبعد تقديم القبلة أيضاً إذا كان الطرف هو نقطة المشرق والمغرب ، وإذا كان الطرف بين المشرق والمغرب فالظاهر التخيير .

وخاف الفوت إذا حصّلها فلا يبعد الانتقال إلى التيمّم ، والفرق(1) بين الصورتين أنّ في الاُولى يحتمل سعة الوقت ، وفي الثانية يعلم ضيقه ، فيصدق خوف الفوت فيها دون الاُولى ، والحاصل : أنّ المجوّز للانتقال إلى التيمّم خوف الفوت الصادق في الصورة الثانية دون الاُولى .

(مسألة 28) : إذا لم يكن عنده الماء وضاق الوقت عن تحصيله مع قدرته عليه ؛ بحيث استلزم خروج الوقت ولو في بعض أجزاء الصلاة ، انتقل أيضاً إلى التيمّم ، وهذه الصورة أقلّ إشكالاً من الصورة السابقة ، وهي ضيقه عن استعماله مع وجوده ؛ لصدق عدم الوجدان في هذه الصورة ، بخلاف السابقة ، بل يمكن أن يقال بعدم الإشكال أصلاً ، فلا حاجة(2) إلى الاحتياط بالقضاء هنا .

(مسألة 29) : من كانت وظيفته التيمّم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء إذا خالف وتوضّأ أو اغتسل بطل(3) ؛ لأ نّه ليس مأموراً بالوضوء لأجل تلك الصلاة ، هذا إذا قصد الوضوء لأجل تلك الصلاة ، وأمّا إذا توضّأ بقصد غاية اُخرى من غاياته ، أو بقصد الكون على الطهارة صحّ على ما هو الأقوى ؛ من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه ، ولو كان جاهلاً بالضيق وأنّ وظيفته التيمّم فتوضّأ ، فالظاهر أ نّه كذلك ، فيصحّ إن كان قاصداً لإحدى الغايات الاُخر ، ويبطل إن قصد الأمر المتوجّه إليه من قبل تلك الصلاة .

(مسألة 30) : التيمّم لأجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح إلاّ الصلاة التي

ص: 350


1- لا فرق بينهما في حصول خوف الفوت ولزوم التيمّم .
2- لا يلزم الاحتياط ، لكن محلّه باقٍ لأجل بعض الاحتمالات .
3- الأقوى صحّتهما في جميع صور المسألة ؛ لما تقدّم من أنّ صحّتهما لا تتقوّم بالأمر الغيري ، بل هو غير دخيل فيها على فرض صحّته وتحقّقه ، مع أ نّه لا أصل له رأساً .

ضاق وقتها ، فلا ينفع لصلاة اُخرى غير تلك الصلاة ، ولو صار فاقداً للماء حينها ، بل لو فقد الماء في أثناء الصلاة الاُولى أيضاً لا تكفي لصلاة اُخرى ، بل لا بدّ من تجديد التيمّم لها ؛ وإن كان يحتمل(1) الكفاية في هذه الصورة .

(مسألة 31) : لا يستباح(2) بالتيمّم لأجل الضيق ، غير تلك الصلاة من الغايات الاُخر حتّى في حال الصلاة ، فلا يجوز له مسّ كتابة القرآن ولو في حال الصلاة ، وكذا لا يجوز له قراءة العزائم إن كان بدلاً عن الغسل ، فصحّته واستباحته مقصورة على خصوص تلك الصلاة .

(مسألة 32) : يشترط في الانتقال إلى التيمّم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقط ، فلو كان كافياً لها دون المستحبّات وجب الوضوء والاقتصار عليها ، بل لو لم يكف لقراءة السورة تركها وتوضّأ لسقوط وجوبها في ضيق الوقت .

(مسألة 33) : في جواز التيمّم لضيق الوقت عن المستحبّات الموقّتة إشكال ، فلو ضاق وقت صلاة الليل مع وجود الماء والتمكّن من استعماله يشكل الانتقال إلى التيمّم .

(مسألة 34) : إذا توضّأ باعتقاد سعة الوقت ، فبان ضيقه ، فقد مرّ(3) أ نّه إذا كان وضوؤه بقصد الأمر المتوجّه إليه من قبل تلك الصلاة بطل ؛ لعدم الأمر به ، وإذا أتى به بقصد غاية اُخرى أو الكون على الطهارة صحّ ، وكذا إذا قصد المجموع من الغايات التي يكون مأموراً بالوضوء فعلاً لأجلها ، وأمّا لو تيمّم باعتقاد الضيق

ص: 351


1- بل لا يبعد .
2- على الأحوط .
3- وقد مرّ الكلام فيه .

فبان سعته بعد الصلاة ، فالظاهر وجوب إعادتها ، وإن تبيّن قبل الشروع فيها وكان الوقت واسعاً توضّأ وجوباً ، وإن لم يكن واسعاً فعلاً بعد ما كان واسعاً أوّلاً وجب إعادة التيمّم .

الثامن : عدم إمكان استعمال الماء لمانع شرعي ، كما إذا كان الماء في آنية الذهب أو الفضّة ، وكان الظرف منحصراً فيها بحيث لا يتمكّن من تفريغه في ظرف آخر ، أو كان في إناء مغصوب كذلك ، فإنّه ينتقل إلى التيمّم ، وكذا إذا كان محرّم الاستعمال من جهة اُخرى .

(مسألة 35) : إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء وكان موجوداً في المسجد ، فإن أمكنه أخذ الماء بالمرور وجب ولم ينتقل إلى التيمّم ، وإن لم يكن له آنية لأخذ الماء أو كان عنده ولم يمكن أخذ الماء إلاّ بالمكث ، فإن أمكنه الاغتسال فيه بالمرور وجب ذلك ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً ، أو كان الماء في أحد المسجدين - أي المسجد الحرام أو مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم - فالظاهر وجوب التيمّم لأجل الدخول في المسجد ، وأخذ الماء أو الاغتسال فيه(1) ، وهذا التيمّم إنّما يبيح خصوص هذا الفعل ؛ أي الدخول والأخذ أو الدخول والاغتسال ، ولا يرد الإشكال بأ نّه يلزم من صحّته بطلانه ؛ حيث إ نّه يلزم منه كونه واجداً للماء فيبطل كما لا يخفى .

(مسألة 36) : لا يجوز التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء إلاّ في موضعين : أحدهما : لصلاة الجنازة ، فيجوز مع التمكّن من الوضوء أو الغسل على المشهور مطلقاً ، لكن القدر المتيقّن صورة خوف فوت الصلاة منه لو أراد أن يتوضّأ أو

ص: 352


1- إذا لم يلزم منه محذور ، وكذا في مثل الفرع .

يغتسل ، نعم لمّا كان الحكم استحبابياً يجوز أن يتيمّم مع عدم خوف الفوت أيضاً ، لكن برجاء المطلوبية لا بقصد الورود والمشروعية . الثاني : للنوم ، فإنّه يجوز أن يتيمّم مع إمكان الوضوء أو الغسل على المشهور أيضاً مطلقاً ، وخصّ بعضهم بخصوص الوضوء ، ولكن القدر المتيقّن من هذا أيضاً صورة خاصّة ، وهي ما إذا آوى إلى فراشه فتذكّر أ نّه ليس على وضوء فيتيمّم من دثاره ، لا أن يتيمّم قبل دخوله في فراشه متعمّداً مع إمكان الوضوء ، نعم هنا أيضاً لا بأس به لا بعنوان الورود ، بل برجاء المطلوبية ؛ حيث إنّ الحكم استحبابي . وذكر بعضهم موضعاً ثالثاً ، وهو ما لو احتلم في أحد المسجدين ، فإنّه يجب أن يتيمّم للخروج وإن أمكنه الغسل ، لكنّه مشكل ، بل المدار على أقلّية زمان التيمّم ، أو زمان الغسل ، أو زمان الخروج ؛ حيث إنّ الكون في المسجدين جنباً حرام ، فلا بدّ من اختيار ما هو أقلّ زماناً من الاُمور الثلاثة ، فإذا كان زمان التيمّم أقلّ من زمان الغسل يدخل تحت ما ذكرنا من مسوّغات التيمّم ؛ من أنّ من موارده ما إذا كان هناك مانع شرعي من استعمال الماء ، فإنّ زيادة الكون في المسجدين جنباً مانع شرعي من استعمال الماء .

(مسألة 37) : إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله ، وأمكن تتميمه بخلط شيء من الماء المضاف الذي لا يخرجه عن الإطلاق ، لا يبعد وجوبه وبعد الخلط يجب الوضوء أو الغسل ، وإن قلنا بعدم وجوب الخلط لصدق وجدان الماء حينئذٍ .

فصل : في بيان ما يصحّ التيمّم به

يجوز التيمّم على مطلق وجه الأرض على الأقوى ؛ سواء كان تراباً أو رملاً أو حجراً أو مدراً أو غير ذلك وإن كان حجر الجصّ والنورة قبل الإحراق ، وأمّا

ص: 353

بعده فلا يجوز على الأقوى(1) كما أنّ الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ(2) كالخزف والآجر وإن كان مسحوقاً مثل التراب ، ولا يجوز على المعادن كالملح والزرنيخ والذهب والفضّة والعقيق ونحوها ممّا خرج عن اسم الأرض ، ومع فقد ما ذكر من وجه الأرض يتيمّم بغبار الثوب(3) أو اللبد أو عرف الدابّة ونحوها ممّا فيه غبار إن لم يمكن جمعه تراباً بالنفض وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل ، والأحوط اختيار ما غباره أكثر ، ومع فقد الغبار يتيمّم بالطين إن لم يمكن تجفيفه ، وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل ، فما يتيمّم به له مراتب ثلاث : الاُولى : الأرض مطلقاً غير المعادن ، الثانية : الغبار ، الثالثة : الطين ، ومع فقد الجميع يكون فاقد الطهورين ، والأقوى فيه سقوط الأداء ووجوب القضاء(4) وإن كان الأحوط الأداء أيضاً ، وإذا وجد فاقد الطهورين ثلجاً أو جمداً ، قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل وإن لم يجر ، ومع عدم إمكانه حكم بوجوب التيمّم بهما ، ومراعاة هذا القول أحوط ، فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء ، والأحوط ضمّ الأداء أيضاً ، وأحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضاً . هذا كلّه إذا لم يمكن إذابة الثلج أو مسحه على وجه يجري(5) ، وإلاّ تعيّن الوضوء أو الغسل ولا يجوز معه التيمّم أيضاً .

ص: 354


1- بل الأحوط .
2- الجواز فيه لا يخلو من وجه ؛ وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك .
3- إذا كان على وجهها ، ولا يكفي الغبار الباطني ، وأن ينشر بالضرب ، ولو ضرب فينشر ثمّ ضرب على ذي الغبار يجوز ويقدّم على الطين .
4- ثبوت القضاء مبنيّ على الاحتياط .
5- أي أقلّ مراتب الجريان وحصول الغسل .

(مسألة 1) : وإن كان الأقوى - كما عرفت - جواز التيمّم بمطلق وجه الأرض إلاّ أنّ الأحوط مع وجود التراب عدم التعدّي عنه ، من غير فرق فيه بين أقسامه من الأبيض والأسود والأصفر والأحمر ، كما لا فرق في الحجر والمدر أيضاً بين أقسامهما ، ومع فقد التراب الأحوط الرمل ثمّ المدر ثمّ الحجر .

(مسألة 2) : لا يجوز(1) في حال الاختيار التيمّم على الجصّ المطبوخ والآجر والخزف والرماد وإن كان من الأرض ، لكن في حال الضرورة - بمعنى عدم وجدان التراب والمدر والحجر - الأحوط الجمع بين التيمّم بأحد المذكورات ، ما عدا رماد الحطب ونحوه ، وبالمرتبة المتأخّرة من الغبار أو الطين ومع عدم الغبار والطين الأحوط التيمّم بأحد المذكورات والصلاة ، ثمّ إعادتها أو قضاؤها .

(مسألة 3) : يجوز التيمّم حال الاختيار على الحائط المبنيّ بالطين واللبن والآجر(2) ؛ إذا طلي بالطين .

(مسألة 4) : يجوز التيمّم بطين الرأس ، وإن لم يسحق ، وكذا بحجر الرحى وحجر النار وحجر السن(3) ونحو ذلك ؛ لعدم كونها من المعادن الخارجة عن صدق الأرض ، وكذا يجوز التيمّم بطين الأرمني .

(مسألة 5) : يجوز التيمّم على الأرض السبخة إذا صدق كونها أرضاً ؛ بأن لم يكن علاها الملح .

ص: 355


1- على الأحوط ؛ وإن كان الجواز بالطين المطبوخ كالآجر لا يخلو من وجه كما مرّ .
2- مرّ الجواز به فلا يعتبر الطلي ؛ وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك .
3- بل وحجر المرمر على الأقوى .

(مسألة 6) : إذا تيمّم بالطين فلصق بيده يجب إزالته(1) أوّلاً ، ثمّ المسح بها ، وفي جواز إزالته بالغسل إشكال .

(مسألة 7) : لا يجوز التيمّم على التراب الممزوج بغيره من التبن أو الرماد أو نحو ذلك ، وكذا على الطين الممزوج بالتبن فيشترط فيما يتيمّم به عدم كونه مخلوطاً بما لا يجوز التيمّم به إلاّ إذا كان ذلك الغير مستهلكاً .

(مسألة 8) : إذا لم يكن عنده إلاّ الثلج أو الجمد وأمكن إذابته وجب كما مرّ ، كما أ نّه إذا لم يكن إلاّ الطين وأمكنه تجفيفه وجب .

(مسألة 9) : إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به وجب تحصيله ؛ ولو بالشراء أو نحوه .

(مسألة 10) : إذا كان وظيفته التيمّم بالغبار يقدّم(2) ما غباره أزيد كما مرّ .

(مسألة 11) : يجوز التيمّم اختياراً على الأرض النديّة والتراب النديّ وإن كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها .

(مسألة 12) : إذا تيمّم بما يعتقد جواز التيمّم به فبان خلافه بطل ، وإن صلّى به بطلت ووجبت الإعادة أو القضاء ، وكذا لو اعتقد أ نّه من المرتبة المتقدّمة فبان أ نّه من المتأخّرة مع كون المتقدّمة وظيفته .

(مسألة 13) : المناط في الطين الذي من المرتبة الثالثة كونه على وجه يلصق

ص: 356


1- عدم الوجوب أظهر ، نعم ينبغي أن يفرك الوحل كنفض التراب ، وأمّا الإزالة بالغسل فغير جائز .
2- على الأحوط .

باليد ، ولذا عبّر بعضهم عنه بالوحل ، فمع عدم لصوقه يكون من المرتبة الاُولى(1) ظاهراً وإن كان الأحوط تقديم اليابس والنديّ عليه .

فصل: في کیفیي التیمّم

يشترط فيما يتيمّم به أن يكون طاهراً ، فلو كان نجساً بطل وإن كان جاهلاً بنجاسته أو ناسياً ، وإن لم يكن عنده من المرتبة المتقدّمة إلاّ النجس ينتقل إلى اللاحقة ، وإن لم يكن من اللاحقة أيضاً إلاّ النجس كان فاقد الطهورين ، ويلحقه حكمه ، ويشترط أيضاً عدم خلطه بما لا يجوز التيمّم به كما مرّ ، ويشترط أيضاً إباحته وإباحة مكانه والفضاء الذي يتيمّم فيه ومكان المتيمّم ، فيبطل(2) مع غصبية أحد هذه مع العلم والعمد ، نعم لا يبطل مع الجهل والنسيان .

(مسألة 1) : إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضّة ، فتيمّم به مع العلم والعمد بطل(3) ؛ لأ نّه يعدّ استعمالاً لهما عرفاً .

(مسألة 2) : إذا كان عنده ترابان - مثلاً - أحدهما نجس ، يتيمّم بهما ، كما أ نّه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمّم بهما ، وأمّا إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب منهما ومع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاحقة ، ومع فقدها يكون فاقد الطهورين ، كما إذا انحصر في المغصوب المعيّن .

(مسألة 3) : إذا كان عنده ماء وتراب وعلم بغصبية أحدهما لا يجوز الوضوء

ص: 357


1- محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط .
2- على الأحوط فيما يتيمّم به ، وأمّا في غيره فالأقوى عدم الإبطال ، خصوصاً مقرّ المتيمّم إذا لم يكن مكان التيمّم .
3- الأقوى عدم البطلان .

ولا التيمّم ، ومع الانحصار يكون فاقد الطهورين ، وأمّا لو علم نجاسة أحدهما أو كون أحدهما مضافاً ، يجب عليه مع الانحصار الجمع(1) بين الوضوء والتيمّم ، وصحّت صلاته .

(مسألة 4) : التراب المشكوك كونه نجساً يجوز التيمّم به ، إلاّ مع كون حالته السابقة النجاسة .

(مسألة 5) : لا يجوز التيمّم بما يشكّ(2) في كونه تراباً أو غيره ممّا لا يتيمّم به كما مرّ ، فينتقل(3) إلى المرتبة اللاحقة إن كانت ، وإلاّ فالأحوط الجمع بين التيمّم به والصلاة ، ثمّ القضاء خارج الوقت أيضاً .

(مسألة 6) : المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه على إشكال ؛ لأنّ هذا المقدار لا يعدّ تصرّفاً زائداً ، بل لو توضّأ بالماء الذي فيه وكان ممّا لا قيمة له يمكن أن يقال بجوازه(4) ، والإشكال فيه أشدّ ، والأحوط(5) الجمع فيه بين الوضوء والتيمّم والصلاة ثمّ إعادتها أو قضاؤها بعد ذلك .

(مسألة 7) : إذا لم يكن عنده من التراب أو غيره ممّا يتيمّم به ما يكفي لكفّيه معاً ، يكرّر الضرب حتّى يتحقّق الضرب بتمام الكفّين عليه ، وإن لم يمكن يكتفي

ص: 358


1- مع تقديم التيمّم في الفرض الأوّل .
2- إلاّ مع العلم بترابيته سابقاً والشكّ في استحالته .
3- بل يحتاط بالجمع بين التيمّم به وبالمرتبة اللاحقة ، إلاّ إذا علم عدم ترابيته سابقاً وشكّ في صيرورته تراباً .
4- الظاهر عدم الجواز ، نعم لو توضّأ به لا يبعد القول بالصحّة ؛ حيث إنّها مقتضى القواعد ، والإجماع - على فرضه - لم يثبت في المقام .
5- بل الأحوط ترك الوضوء ويصلّي مع التيمّم وصحّت صلاته .

بما يمكن ويأتي بالمرتبة المتأخّرة أيضاً إن كانت ويصلّي ، وإن لم تكن فيكتفي به ويحتاط بالإعادة أو القضاء أيضاً .

(مسألة 8) : يستحبّ أن يكون على ما يتيمّم به غبار يعلّق باليد ، ويستحبّ أيضاً نفضها بعد الضرب .

(مسألة 9) : يستحبّ أن يكون ما يتيمّم به من ربى الأرض وعواليها لبعدها عن النجاسة .

(مسألة 10) : يكره التيمّم بالأرض السبخة إذا لم يكن يعلوها الملح ، وإلاّ فلا يجوز، وكذا يكره بالرمل، وكذا بمهابط الأرض، وكذا بتراب يوطأ، وبتراب الطريق.

فصل : في كيفية التيمّم

ويجب فيه اُمور :

الأوّل : ضرب باطن اليدين معاً دفعةً على الأرض ، فلا يكفي الوضع(1) بدون الضرب ، ولا الضرب بإحداهما ولا بهما على التعاقب ، ولا الضرب بظاهرهما حال الاختيار، نعم حال الاضطرار يكفي الوضع، ومع تعذّر ضرب إحداهما يضعها ويضرب بالاُخرى ، ومع تعذّر الباطن(2) فيهما أو في إحداهما ينتقل إلى الظاهر فيهما أو في إحداهما . ونجاسة الباطن لا تعدّ عذراً ، فلا ينتقل معها إلى الظاهر .

الثاني : مسح الجبهة بتمامها والجبينين بهما من قصاص الشعر إلى طرف

ص: 359


1- على الأحوط ، والكفاية لا تخلو من وجه .
2- مطلقاً ، وأمّا مع تعذّر البعض يحتاط بالجمع بين بعض الباطن الغير المتعذّر وتمام الظاهر ، والأحوط الجمع بين المسح بالظاهر وبالذراع ، بل تقديم الذراع لا يخلو من وجه .

الأنف الأعلى ، وإلى الحاجبين ، والأحوط مسحهما(1) أيضاً ، ويعتبر كون المسح بمجموع الكفّين على المجموع ، فلا يكفي المسح ببعض كلّ من اليدين ولا مسح بعض الجبهة والجبينين ، نعم يجزي التوزيع فلا يجب المسح بكلّ من اليدين على تمام أجزاء الممسوح .

الثالث : مسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى بباطن اليسرى ، ثمّ مسح تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى ؛ من الزند إلى أطراف الأصابع ، ويجب من باب المقدّمة إدخال شيء من الأطراف ، وليس ما بين الأصابع من الظاهر ، فلا يجب مسحها ؛ إذ المراد به ما يماسّه ظاهر بشرة الماسح ، بل الظاهر عدم اعتبار التعميق والتدقيق فيه ، بل المناط صدق مسح التمام عرفاً .

وأمّا شرائطه فهي أيضاً اُمور :

الأوّل : النيّة مقارنة لضرب اليدين على الوجه الذي مرّ في الوضوء ، ولا يعتبر فيها قصد رفع الحدث ، بل ولا الاستباحة .

الثاني : المباشرة حال الاختيار .

الثالث : الموالاة وإن كان بدلاً عن الغسل ، والمناط فيها عدم الفصل المخلّ بهيئته عرفاً بحيث تمحو صورته .

الرابع : الترتيب على الوجه المذكور .

الخامس : الابتداء بالأعلى ومنه إلى الأسفل في الجبهة واليدين .

السادس : عدم الحائل بين الماسح والممسوح .

السابع : طهارة الماسح والممسوح حال الاختيار .

(مسألة 1) : إذا بقي من الممسوح ما لم يمسح عليه - ولو كان جزءاً يسيراً -

ص: 360


1- لا يترك .

بطل ؛ عمداً كان أو سهواً أو جهلاً ، لكن قد مرّ أ نّه لا يلزم المداقّة والتعميق .

(مسألة 2) : إذا كان في محلّ المسح لحم زائد يجب مسحه أيضاً ، وإذا كانت يد زائدة فالحكم فيها كما مرّ في الوضوء .

(مسألة 3) : إذا كان على محلّ المسح شعر يكفي المسح عليه ؛ وإن كان في الجبهة بأن يكون منبته فيها ، وأمّا إذا كان واقعاً عليها من الرأس فيجب رفعه(1) ؛ لأ نّه من الحائل .

(مسألة 4) : إذا كان على الماسح أو الممسوح جبيرة يكفي المسح بها أو عليها.

(مسألة 5) : إذا خالف الترتيب بطل وإن كان لجهل أو نسيان .

(مسألة 6) : يجوز الاستنابة عند عدم إمكان المباشرة ، فيضرب النائب بيد المنوب عنه ، ويمسح بها وجهه ويديه ، وإن لم يمكن الضرب بيده فيضرب بيده نفسه .

(مسألة 7) : إذا كان باطن اليدين نجساً وجب تطهيره إن أمكن ؛ وإلاّ سقط اعتبار طهارته، ولا ينتقل إلى الظاهر إلاّ إذا كانت نجاسته مسرية إلى ما يتيمّم به ولم يمكن تجفيفه .

(مسألة 8) : الأقطع بإحدى اليدين يكتفي(2) بضرب الاُخرى ومسح

ص: 361


1- إذا عدّ حائلاً عرفاً ، لا مثل شعرة وشعرتين .
2- إن لم يكن له ذراع ، وإلاّ فليتيمّم بها وبالموجودة ، والأحوط مسح تمام الجبهة والجبينين بالموجودة أيضاً ، ومقطوع اليدين لو كان له ذراع يتيمّم بها وهو مقدّم على مسح الجبهة على الأرض وعلى الاستنابة ، بل الأحوط تنزيل الذراعين منزلة الكفّين في المسح على ظهرهما أيضاً .

الجبهة بها ، ثمّ مسح ظهرها بالأرض ، والأحوط الاستنابة لليد المقطوعة ، فيضرب بيده الموجودة مع يد واحدة للنائب ويمسح بهما جبهته ، ويمسح النائب ظهر يده الموجودة ، والأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضاً ، وأمّا أقطع اليدين فيمسح بجبهته على الأرض ، والأحوط مع الإمكان الجمع بينه وبين ضرب ذراعيه والمسح بهما وعليهما .

(مسألة 9) : إذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعدّ حائلاً ولم يمكن إزالتها ، فالأحوط الجمع بين الضرب به والمسح به ، والضرب بالظاهر والمسح به .

(مسألة 10) : الخاتم حائل ، فيجب نزعه حال التيمّم .

(مسألة 11) : لا يجب تعيين المبدل منه مع اتّحاد(1) ما عليه ، وأمّا مع التعدّد كالحائض والنفساء - مثلاً - فيجب تعيينه ولو بالإجمال .

(مسألة 12) : مع اتّحاد الغاية لا يجب تعيينها ، ومع التعدّد يجوز قصد الجميع ويجوز قصد ما في الذمّة ، كما يجوز قصد واحدة منها فيجزي عن الجميع .

(مسألة 13) : إذا قصد غاية فتبيّن عدمها بطل ، وإن تبيّن غيرها صحّ له إذا كان الاشتباه في التطبيق ، وبطل إن كان على وجه التقييد .

(مسألة 14) : إذا اعتقد كونه محدثاً بالحدث الأصغر فقصد البدلية عن الوضوء فتبيّن كونه محدثاً بالأكبر ، فإن كان على وجه التقييد بطل ، وإن أتى به من باب الاشتباه في التطبيق أو قصد ما في الذمّة صحّ ، وكذا إذا اعتقد كونه جنباً فبان عدمه وأ نّه ماسّ للميّت مثلاً .

ص: 362


1- مع قصد ما عليه يتعيّن إجمالاً إذا لم يكن عليه غيره .

(مسألة 15) : في مسح الجبهة واليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح فلا يكفي جرّ الممسوح تحت الماسح، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحاً.

(مسألة 16) : إذا رفع يده في أثناء المسح ثمّ وضعها بلا فصل وأتمّ ، فالظاهر كفايته ؛ وإن كان الأحوط الإعادة .

(مسألة 17) : إذا لم يعلم أ نّه محدث بالأصغر أو الأكبر وعلم بأحدهما إجمالاً ، يكفيه تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة .

(مسألة 18) : المشهور على أ نّه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين ، ويجب التعدّد فيما هو بدل عن الغسل ، والأقوى كفاية الواحدة فيما هو بدل الغسل أيضاً ، وإن كان الأحوط ما ذكروه ، وأحوط منه التعدّد فيما هو بدل الوضوء أيضاً ، والأولى أن يضرب بيديه ويمسح بهما جبهته ويديه ، ثمّ يضرب مرّة اُخرى ويمسح بها يديه ، وربّما يقال : غاية الاحتياط أن يضرب مع ذلك مرّة اُخرى يده اليسرى ويمسح بها ظهر اليمنى ، ثمّ يضرب اليمنى ويمسح بها ظهر اليسرى .

(مسألة 19) : إذا شكّ في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه لم يعتن به ، وبنى على الصحّة ، وكذا إذا شكّ في شرط من شروطه ، وإذا شكّ في أثنائه قبل الفراغ في جزء أو شرط فإن كان بعد تجاوز محلّه بنى على الصحّة ، وإن كان قبله أتى به وما بعده ، من غير فرق بين ما هو بدل عن الوضوء أو الغسل ، لكن الأحوط الاعتناء به مطلقاً وإن جاز محلّه ، أو كان بعد الفراغ ما لم يقم عن مكانه ، أو لم ينتقل إلى حالة اُخرى على ما مرّ في الوضوء ، خصوصاً فيما هو بدل عنه .

ص: 363

(مسألة 20) : إذا علم بعد الفراغ ترك جزء ، يكفيه العود إليه والإتيان به وبما بعده مع عدم فوت الموالاة ، ومع فوتها وجب الاستئناف ، وإن تذكّر بعد الصلاة وجب إعادتها أو قضاؤها ، وكذا إذا ترك شرطاً مطلقاً ما عدا الإباحة في الماء أو التراب ، فلا تجب إلاّ مع العلم والعمد كما مرّ .

فصل : في أحكام التيمّم

(مسألة 1) : لا يجوز التيمّم للصلاة قبل(1) دخول وقتها وإن كان بعنوان التهيّؤ ، نعم لو تيمّم بقصد غاية اُخرى - واجبة أو مندوبة - يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها ، كأن يتيمّم لصلاة القضاء أو للنافلة إذا كان وظيفته التيمّم .

(مسألة 2) : إذا تيمّم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات التي لم يدخل وقتها بعد دخوله ما لم يحدث أو يجد ماء ، فلو تيمّم لصلاة الصبح يجوز أن يصلّي به الظهر ، وكذا إذا تيمّم لغاية اُخرى غير الصلاة .

(مسألة 3) : الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت ، وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره ، بل أو ظنّ به ، نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر لكن التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع أحوط وإن كان موهوماً ، نعم مع العلم بعدمه وبقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم ، فتحصّل : أ نّه إمّا عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت ، أو عالم بارتفاعه قبل الآخر ، أو محتمل للأمرين ، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء ، ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع ، ومع الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصاً مع الظنّ بالبقاء ، والأحوط التأخير خصوصاً مع الظنّ بالارتفاع .

ص: 364


1- على الأحوط ، لكنّ الأحوط لمن يعلم بعدم التمكّن في الوقت إيجاده قبله لشيء من الغايات وعدم نقضه إلى أن يدخل الوقت فيصلّي ، بل لزومه لا يخلو من قوّة .

(مسألة 4) : إذا تيمّم لصلاة سابقة وصلّى ولم ينتقض تيمّمه حتّى دخل وقت صلاة اُخرى ، يجوز الإتيان بها في أوّل وقتها وإن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار ، بل وعلى القول بوجوب التأخير في الصلاة الاُولى عند بعضهم ، لكن الأحوط التأخير في الصلاة الثانية أيضاً ، وإن لم يكن مثل الاحتياط السابق ، بل أمره أسهل ، نعم لو علم بزوال العذر يجب التأخير كما في الصلاة السابقة .

(مسألة 5) : المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه أو يكون أحوط ، الآخر العرفي ، فلا يجب المداقّة فيه ولا الصبر(1) إلى زمان لا يبقى الوقت إلاّ بقدر الواجبات ، فيجوز التيمّم والإتيان بالصلاة مشتملة على المستحبّات أيضاً ، بل لا ينافي إتيان بعض المقدّمات القريبة بعد الإتيان بالتيمّم قبل الشروع في الصلاة ؛ بمعنى إبقاء الوقت بهذا المقدار .

(مسألة 6) : يجوز التيمّم لصلاة القضاء والإتيان بها معه ولا يجب التأخير إلى زوال العذر ، نعم مع العلم بزواله عمّا قريب(2) يشكل الإتيان بها قبله ، وكذا يجوز للنوافل الموقّتة حتّى في سعة وقتها ؛ بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره .

(مسألة 7) : إذا اعتقد عدم سعة الوقت(3) فتيمّم وصلّى ثمّ بان السعة ، فعلى المختار صحّت صلاته ، ويحتاط بالإعادة ، وعلى القول بوجوب التأخير تجب الإعادة .

ص: 365


1- مع العلم بارتفاع العذر فيآخر الوقت بمقدار إدراك الواجبات فقط فالأحوط وجوب التأخير ، نعم لو قلنا بوجوب التأخير مع رجاء الارتفاع فالأمر كما في المتن .
2- مع العلم بزواله مطلقاً يشكل الإتيان بها مع التيمّم ، إلاّ إذا بلغ حدّاً خاف الفوت .
3- في عذر غير ضيق الوقت .

(مسألة 8) : لا يجب إعادة الصلوات التي صلاّها بالتيمّم الصحيح بعد زوال العذر ؛ لا في الوقت ولا في خارجه مطلقاً ؛ نعم الأحوط استحباباً إعادتها في موارد : أحدها : من تعمّد الجنابة مع كونه خائفاً من استعمال الماء ، فإنّه يتيمّم ويصلّي ، لكنّ الأحوط إعادتها بعد زوال العذر ولو في خارج الوقت . الثاني : من تيمّم لصلاة الجمعة عند خوف فوتها لأجل الزحام(1) ومنعه . الثالث : من ترك طلب الماء عمداً إلى آخر الوقت وتيمّم وصلّى ثمّ تبيّن وجود الماء في محلّ الطلب . الرابع : من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظنّ بعدم وجوده بعد ذلك ، وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظنّ بعدم وجود الماء . الخامس : من أخّر الصلاة متعمّداً إلى أن ضاق وقته فتيمّم لأجل الضيق .

(مسألة 9) : إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر ما دام باقياً لم ينتقض وبقي عذره ، فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطهارة ، إلاّ إذا كان المسوّغ للتيمّم مختصّاً بتلك الغاية ، كالتيمّم لضيق الوقت ، فقد مرّ أ نّه لا يجوز له(2) مسّ كتابة القرآن ، ولا قراءة العزائم ، ولا الدخول في المساجد ، وكالتيمّم لصلاة الميّت ، أو للنوم مع وجود الماء .

(مسألة 10) : جميع غايات الوضوء والغسل غايات للتيمّم أيضاً ، فيجب لما

ص: 366


1- هذا على القول بالوجوب العيني لا يخلو من وجه وإن كان الأحوط الإعادة معه أيضاً ، وأمّا على القول بالوجوب التخييري فالأقوى وجوب الإعادة ، بل لا يبعد عدم جواز الدخول في الجمعة مع التيمّم حينئذٍ .
2- على الأحوط في التيمّم للضيق كما مرّ .

يجب لأجله الوضوء أو الغسل ، ويندب لما يندب له أحدهما ، فيصحّ بدلاً(1) عن الأغسال المندوبة والوضوءات المستحبّة حتّى وضوء الحائض والوضوء التجديدي مع وجود شرط صحّته من فقد الماء ونحوه ، نعم لا يكون بدلاً عن الوضوء التهيّئي كما مرّ ، كما أنّ كونه بدلاً عن الوضوء للكون على الطهارة محلّ إشكال ، نعم إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه ، لكن يشكل الاكتفاء به لما يشترط فيه الطهارة أو يستحبّ إتيانه مع الطهارة .

(مسألة 11) : التيمّم الذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء ، كما أنّ ما هو بدل عن سائر الأغسال يحتاج إلى الوضوء أو التيمّم بدله مثلها ، فلو تمكّن من الوضوء توضّأ مع التيمّم بدلها ، وإن لم يتمكّن تيمّم تيمّمين : أحدهما بدل عن الغسل ، والآخر عن الوضوء .

(مسألة 12) : ينتقض التيمّم بما ينتقض(2) به الوضوء والغسل من الأحداث ، كما أ نّه ينتقض بوجدان الماء أو زوال العذر ، ولا يجب عليه إعادة ما صلاّه كما مرّ ؛ وإن زال العذر في الوقت ، والأحوط الإعادة حينئذٍ ، بل والقضاء أيضاً في الصور الخمسة المتقدّمة .

(مسألة 13) : إذا وجد الماء(3) أو زال عذره قبل الصلاة لا يصحّ أن يصلّي به ، وإن فقد الماء أو تجدّد العذر ، فيجب أن يتيمّم ثانياً ، نعم إذا لم يسع زمان

ص: 367


1- في صحّته بدلاً عن الأغسال المستحبّة والوضوءات المستحبّة ممّا لا تكون رافعة للحدث إشكال ، فلا يأتي به بدلها إلاّ رجاءً .
2- أي نواقض المبدل منه نواقض البدل .
3- وتمكّن من استعماله شرعاً وعقلاً .

الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل - بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كافٍ لهما - لا يبعد عدم بطلانه ، وعدم وجوب تجديده ، لكن الأحوط التجديد مطلقاً ، وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت ، فإنّه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذٍ للصلاة التي ضاق وقتها .

(مسألة 14) : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ، فإن كان قبل الركوع من الركعة الاُولى بطل تيمّمه(1) وصلاته ، وإن كان بعده لم يبطل ويتمّ الصلاة ، لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام والإعادة مع الوضوء ، ولا فرق في التفصيل المذكور بين الفريضة والنافلة على الأقوى ، وإن كان الاحتياط بالإعادة في الفريضة آكد من النافلة .

(مسألة 15) : لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها ، بل يبطل مطلقاً ، وإن كان قبل الجزء الأخير منها ، فلو وجد في أثناء الطواف ولو في الشوط الأخير بطل ، وكذا لو وجد في أثناء صلاة الميّت بمقدار غسله بعد أن تيمّم لفقد الماء ، فيجب الغسل وإعادة الصلاة ، بل وكذا لو وجد قبل تمام الدفن(2) .

(مسألة 16) : إذا كان واجداً للماء وتيمّم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة ، هل يلحق(3) بوجدان الماء في التفصيل المذكور ؟ إشكال ،

ص: 368


1- لا يبعد عدم البطلان مع استحباب استئناف الصلاة مع الطهارة المائية ، لكنّ الاحتياط بالإتمام والإعادة مع سعة الوقت لا ينبغي تركه .
2- إعادة الصلاة في هذا الفرض مبنيّة على الاحتياط ، بل لا يبعد عدم لزومها .
3- الإلحاق غير بعيد ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط حتّى قبل الركوع .

فلا يترك الاحتياط بالإتمام والإعادة إذا كان بعد الركوع من الركعة الاُولى ، نعم لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمّها ، وكذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء ؛ بأن تجدّد العذر بلا فصل ، فإنّ الظاهر عدم بطلانه وإن كان الأحوط الإعادة .

(مسألة 17) : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمّ فقد في أثنائها أيضاً ، أو بعد الفراغ منها بلا فصل ، هل يكفي ذلك التيمّم لصلاة اُخرى أو لا ؟ فيه تفصيل : فإمّا أن يكون زمان الوجدان وافياً للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة أو لا ، فعلى الثاني الظاهر عدم بطلان ذلك التيمّم بالنسبة إلى الصلاة الاُخرى أيضاً ، وأمّا على الأوّل فالأحوط(1) عدم الاكتفاء به ، بل تجديده لها ؛ لأنّ القدر المعلوم من عدم بطلان التيمّم إذا كان الوجدان بعد الركوع ، إنّما هو بالنسبة إلى الصلاة التي هو مشغول بها لا مطلقاً .

(مسألة 18) : في جواز مسّ كتابة القرآن وقراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة التي وجد الماء فيها بعد الركوع إشكال(2) ؛ لما مرّ من أنّ القدر المتيقّن من بقاء التيمّم وصحّته إنّما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة ، نعم لو قلنا بصحّته إلى تمام الصلاة مطلقاً - كما قاله بعضهم - جاز المسّ وقراءة العزائم ما دام في تلك الصلاة ، وممّا ذكرنا ظهر الإشكال في جواز العدول من تلك الصلاة إلى الفائتة

ص: 369


1- وإن كان الأقوى الاكتفاء به إذا كان بعد الركوع ، بل لا يبعد إذا كان قبل الركوع أيضاً ، وما ذكر من التعليل غير وجيه . هذا بالنسبة إلى الفريضة . وأمّا النافلة ففي الاكتفاء به بل في مشروعية إتمامها لو وجد الماء في أثنائها تأمّل ، فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء ورفع اليد عن النافلة أو إتمامها رجاءً .
2- الجواز غير بعيد ، نعم جواز العدول محلّ إشكال .

التي هي مترتّبة عليها ، لاحتمال عدم بقاء التيمّم بالنسبة إليها .

(مسألة 19) : إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالركوع كما لو كان في السجود وشكّ في أ نّه ركع أم لا - حيث إنّه محكوم بأ نّه ركع - فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجداني أم لا ؟ إشكال ، فالاحتياط بالإتمام والإعادة لا يترك .

(مسألة 20) : الحكم بالصحّة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطاً بحرمة قطع الصلاة ، فمع جواز القطع أيضاً كذلك ما لم يقطع ، بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضاً إذا عصى ولم يقطع : الصحّة باقية ؛ بناءً على الأقوى من عدم بطلان الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه وأتمّ الصلاة .

(مسألة 21) : المجنب المتيمّم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقط لا يبطل تيمّمه ، وأمّا الحائض ونحوها - ممّن تيمّم بتيمّمين - إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيمّمه الذي هو بدل عنه ، وإذا وجد ما يكفي للغسل ولم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيمّمه الذي هو بدل عن الغسل ، وبقي تيمّمه الذي هو بدل عن الوضوء ؛ من حيث إنّه حينئذٍ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل ، فليس مأموراً بالوضوء ، وإذا وجد ما يكفي لأحدهما وأمكن صرفه في كلّ منهما بطل كلا التيمّمين ، ويحتمل(1) عدم بطلان ما هو بدل عن الوضوء من حيث إنّه حينئذٍ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل ، فليس مأموراً بالوضوء ، لكن الأقوى بطلانهما .

ص: 370


1- والأحوط صرفه في الغسل والتيمّم بدل الوضوء ؛ وإن كان عدم بطلان ما هو بدل الوضوء لا يخلو من وجه .

(مسألة 22) : إذا وجد جماعة متيمّمون ماء مباحاً لا يكفي إلاّ لأحدهم بطل تيمّمهم(1) أجمع إذا كان في سعة الوقت ، وإن كان في ضيقه بقي تيمّم الجميع ، وكذا إذا كان الماء المفروض للغير وأذن للكلّ في استعماله ، وأمّا إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمّم ذلك البعض فقط ، كما أ نّه إذا كان الماء المباح كافياً للبعض دون البعض الآخر ؛ لكونه جنباً ولم يكن بقدر الغسل ، لم يبطل تيمّم ذلك البعض .

(مسألة 23) : المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماء لا يكفي إلاّ لواحد من الوضوء أو الغسل قدّم الغسل(2) وتيمّم بدلاً عن الوضوء ، وإن لم يكف إلاّ للوضوء فقط توضّأ وتيمّم بدل الغسل .

(مسألة 24) : لا يبطل التيمّم الذي هو بدل عن الغسل من جنابة أو غيرها بالحدث الأصغر ، فما دام عذره عن الغسل باقياً تيمّمه بمنزلته ، فإن كان عنده ماء بقدر الوضوء توضّأ وإلاّ تيمّم بدلاً عنه ، وإذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل ، فإن كان عن جنابة لا حاجة معه إلى الوضوء ، وإلاّ توضّأ . هذا ، ولكن الأحوط(3) إعادة التيمّم أيضاً ، فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمّم بدلاً عن الغسل وتوضّأ ، وإن لم يكن تيمّم مرّتين : مرّة عن الغسل ، ومرّة عن الوضوء . هذا إن كان غير غسل الجنابة، وإلاّ يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة.

(مسألة 25) : حكم التداخل(4) - الذي مرّ سابقاً في الأغسال - يجري في

ص: 371


1- مع إمكان تصرّف كلّ منهم شرعاً وعقلاً ، وإلاّ بطل وضوء من يمكن تصرّفه كذلك .
2- على الأحوط ، بل لا يخلو من وجه .
3- لا يترك .
4- فيه إشكال .

التيمّم أيضاً ، فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمّم واحد عن الجميع ، وحينئذٍ فإن كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلى الوضوء أو التيمّم بدلاً عنه ، وإلاّ وجب الوضوء أو تيمّم آخر بدلاً عنه .

(مسألة 26) : إذا تيمّم بدلاً عن أغسال عديدة فتبيّن عدم بعضها ، صحّ(1) بالنسبة إلى الباقي ، وأمّا لو قصد معيّناً فتبيّن أنّ الواقع غيره فصحّته مبنيّة على أن يكون من باب الاشتباه في التطبيق لا التقييد ، كما مرّ نظائره مراراً .

(مسألة 27) : إذا اجتمع جنب وميّت ومحدث بالأصغر ، وكان هناك ماء لا يكفي إلاّ لأحدهم ، فإن كان مملوكاً لأحدهم تعيّن صرفه(2) لنفسه ، وكذا إن كان للغير وأذن لواحد منهم ، وأمّا إن كان مباحاً أو كان للغير وأذن للكلّ فيتعيّن للجنب(3) فيغتسل ويتيمّم الميّت ويتيمّم المحدث بالأصغر أيضاً .

(مسألة 28) : إذا نذر نافلة مطلقة أو موقّتة في زمان معيّن ، ولم يتمكّن من الوضوء في ذلك الزمان ، تيمّم بدلاً عنه وصلّى ، وأمّا إذا نذر مطلقاً لا مقيّداً بزمان معيّن فالظاهر وجوب الصبر(4) إلى زمان إمكان الوضوء .

(مسألة 29) : لا يجوز(5) الاستئجار لصلاة الميّت ممّن وظيفته التيمّم مع وجود من يقدر على الوضوء ، بل لو استأجر من كان قادراً ثمّ عجز عنه ، يشكل

ص: 372


1- بناءً على التداخل ، لكن مرّ الإشكال فيه .
2- على الأحوط .
3- على الأحوط .
4- مع العلم بزوال العذر .
5- على الأحوط .

جواز الإتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمّم ، فعليه التأخير إلى التمكّن مع سعة الوقت ، بل مع ضيقه أيضاً يشكل كفايته ، فلا يترك مراعاة الاحتياط .

(مسألة 30) : المجنب المتيمّم إذا وجد الماء في المسجد وتوقّف غسله على دخوله والمكث فيه ، لا يبطل تيمّمه بالنسبة إلى حرمة المكث وإن بطل بالنسبة إلى الغايات الاُخر ، فلا يجوز له قراءة العزائم ، ولا مسّ كتابة القرآن ، كما أ نّه لو كان جنباً وكان الماء منحصراً في المسجد ولم يمكن أخذه إلاّ بالمكث وجب أن يتيمّم للدخول والأخذ - كما مرّ سابقاً - ولا يستباح له بهذا التيمّم إلاّ المكث ، فلا يجوز له المسّ وقراءة العزائم .

(مسألة 31) : قد مرّ سابقاً : أ نّه لو كان عنده من الماء ما يكفي لأحد الأمرين من رفع الخبث عن ثوبه أو بدنه ، ورفع الحدث ، قدّم رفع الخبث ، ويتيمّم للحدث ، لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث وإلاّ تعيّن ذلك ، وكذا الحال(1) في مسألة اجتماع الجنب والميّت والمحدث بالأصغر ، بل في سائر الدورانات .

(مسألة 32) : إذا علم قبل الوقت أ نّه لو أخّر التيمّم إلى ما بعد دخوله لا يتمكّن من تحصيل ما يتيمّم به ، فالأحوط(2) أن يتيمّم قبل الوقت لغاية اُخرى غير الصلاة في الوقت ، ويبقى تيمّمه إلى ما بعد الدخول فيصلّي به ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضوء إذا أمكنه قبل الوقت وعلم بعدم تمكّنه بعده ، فيتوضّأ

ص: 373


1- فيه تأمّل ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- بل لزومه لا يخلو من قوّة ، وكذا الحال في الوضوء ، بل الوضوء قبل الوقت لأجل الصلاة في الوقت لا مانع منه .

على الأحوط لغاية اُخرى ، أو للكون على الطهارة .

(مسألة 33) : يجب التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب ، كما أ نّه يستحبّ(1) إذا كان مستحبّاً ، ولكن لا يشرع إذا كان مباحاً ، نعم له أن يتيمّم لغاية اُخرى ثمّ يمسح المسح المباح .

(مسألة 34) : إذا وصل شعر الرأس إلى الجبهة ، فإن كان زائداً على المتعارف وجب رفعه للتيمّم ومسح البشرة ، وإن كان على المتعارف لا يبعد كفاية مسح ظاهره عن البشرة ، والأحوط مسح كليهما .

(مسألة 35) : إذا شكّ في وجود حاجب في بعض مواضع التيمّم حاله حال الوضوء والغسل في وجوب الفحص(2) حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بالعدم .

(مسألة 36) : في الموارد التي يجب عليه التيمّم بدلاً عن الغسل وعن الوضوء كالحائض والنفساء وماسّ الميّت ، الأحوط(3) تيمّم ثالث بقصد الاستباحة من غير نظر إلى بدليته عن الوضوء أو الغسل - بأن يكون بدلاً عنهما - لاحتمال كون المطلوب تيمّماً واحداً من باب التداخل ولو عيّن أحدهما في التيمّم الأوّل وقصد بالثاني ما في الذمّة أغنى عن الثالث .

(مسألة 37) : إذا كان بعض أعضائه منقوشاً باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى أو آية من القرآن ، فالأحوط محوه ؛ حذراً من وجوده على بدنه في حال الجنابة أو غيرها من الأحداث ، لمناط حرمة المسّ على المحدث ، وإن لم يمكن

ص: 374


1- فيه إشكال .
2- مع كون المنشأ احتمالاً يعتني به العقلاء ، ومعه يشكل الاكتفاء بالظنّ بالعدم .
3- الأولى .

محوه أو قلنا بعدم وجوبه(1) فيحرم إمرار اليد عليه حال الوضوء أو الغسل ، بل يجب إجراء الماء عليه من غير مسّ أو الغسل ارتماساً أو لفّ خرقة بيده والمسّ بها ، وإذا فرض عدم إمكان الوضوء أو الغسل إلاّ بمسّه ، فيدور الأمر بين سقوط حرمة المسّ أو سقوط وجوب المائية والانتقال إلى التيمّم ، والظاهر(2) سقوط حرمة المسّ ، بل ينبغي القطع به إذا كان في محلّ التيمّم ؛ لأنّ الأمر حينئذٍ دائر بين ترك الصلاة وارتكاب المسّ ، ومن المعلوم أهمّية وجوب الصلاة فيتوضّأ أو يغتسل في الفرض الأوّل وإن استلزم المسّ ، لكن الأحوط مع ذلك الجبيرة أيضاً ؛ بوضع شيء عليه والمسح عليه باليد المبلّلة ، وأحوط من ذلك أن يجمع بين ما ذكر والاستنابة أيضاً ؛ بأن يستنيب متطهّراً يباشر غسل هذا الموضع ، بل وأن يتيمّم مع ذلك أيضاً إن لم يكن في مواضع التيمّم ، وإذا كان ممّن وظيفته التيمّم وكان في بعض مواضعه وأراد الاحتياط جمع بين مسحه بنفسه والجبيرة والاستنابة ، لكن الأقوى كما عرفت كفاية مسحه وسقوط حرمة المسّ حينئذٍ .

ص: 375


1- كما هو الأقوى .
2- بل الظاهر الانتقال إلى التيمّم لو كان على غير موضعه ، ويمكن أن يقال بلزوم التيمّم لأجل هذا المسّ الواجب ويستباح به المسّ للغسل أو الوضوء فقط ، وإذا لم يكن في موضعه فالظاهر سقوط الحرمة وإن كان مراعاة الاحتياط أولى .

كتاب الصلاة

مقدّمة : في فضل الصلوات اليومية وأ نّها أفضل الأعمال الدينية

اعلم أنّ الصلاة أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى ، وهي آخر وصايا الأنبياء علیهم السلام وهي عمود الدين ، إذا قبلت قبل ما سواها ، وإن ردّت ردّ ما سواها ، وهي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فإن صحّت نظر في عمله ، وإن لم تصحّ لم ينظر في بقيّة عمله ، ومثلها كمثل النهر الجاري ، فكما أنّ من اغتسل فيه كلّ يوم خمس مرّات لم يبق في بدنه شيء من الدرن ، كذلك كلّما صلّى صلاة كفّر ما بينهما من الذنوب ، وليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلاّ أن يترك الصلاة ، وإذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد ، فأوّل شيء يسأل عنه الصلاة ، فإذا جاء بها تامّة وإلاّ ذُخّ في النار ، وفي الصحيح قال مولانا الصادق علیه السلام : «ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم علیه السلام قال : )وَأَوْصَانِى بِالصَّلوةِ وَالزَّكوةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً(» ، وروى الشيخ في حديث عنه علیه السلام قال : «وصلاة فريضة تعدل عند اللّه ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبّلات» . وقد استفاضت الروايات في الحثّ على المحافظة عليها في أوائل الأوقات ، وأنّ من استخفّ بها كان في حكم التارك لها ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «ليس منّي من

ص: 376

استخفّ بصلاته» ، وقال : «لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته» ، وقال : «لا تضيّعوا صلاتكم ، فإنّ من ضيّع صلاته حشر مع قارون وهامان ، وكان حقّاً على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين» ، وورد : بينا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلّى ، فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : «نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» ، وعن أبي بصير قال : دخلت على اُمّ حميدة اُعزّيها بأبي عبداللّه علیه السلام ، فبكت وبكيت لبكائها ، ثمّ قالت : يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبداللّه عند الموت لرأيت عجباً ؛ فتح عينيه ثمّ قال : «اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة» ، قالت : فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه ، فنظر إليهم ثمّ قال : «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة» . وبالجملة : ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى ، وللّه درّ صاحب «الدرّة» حيث قال :

تنهى عن المنكر والفحشاء *** أقصر فهذا منتهى الثناء .

فصل : في أعداد الفرائض ونوافلها

الصلوات الواجبة ستّة : اليومية - ومنها الجمعة - والآيات ، والطواف الواجب ، والملتزم بنذر(1) أو عهد أو يمين أو إجارة ، وصلاة الوالدين على الولد الأكبر ، وصلاة الأموات .

أمّا اليومية : فخمس فرائض : الظهر أربع ركعات ، والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان ، وتسقط في السفر من الرباعيات ركعتان ، كما أنّ صلاة الجمعة أيضاً ركعتان .

وأمّا النوافل : فكثيرة ، آكدها الرواتب اليومية ، وهي في غير يوم الجمعة أربع

ص: 377


1- في عدّ الملتزم بالنذر وشبهه منها مسامحة ؛ لما مرّ من عدم صيرورة المنذور واجباً .

وثلاثون ركعة : ثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان ركعات قبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء من جلوس تعدّان بركعة ، ويجوز فيهما القيام ، بل هو الأفضل ، وإن كان الجلوس أحوط ، وتسمّى ب «الوتيرة» ، وركعتان قبل صلاة الفجر ، وإحدى عشر ركعة صلاة الليل ، وهي ثمان ركعات ، والشفع ركعتان ، والوتر ركعة واحدة ، وأمّا في يوم الجمعة فيزاد على الستّ عشر أربع ركعات ، فعدد الفرائض سبعة عشر ركعة ، وعدد النوافل ضعفها بعد عدّ الوتيرة ركعة ، وعدد مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ، هذا ويسقط في السفر نوافل الظهرين والوتيرة على الأقوى(1) .

(مسألة 1) : يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين إلاّ الوتر ، فإنّها ركعة ، ويستحبّ في جميعها القنوت حتّى الشفع على الأقوى في الركعة الثانية ، وكذا يستحبّ في مفردة الوتر .

(مسألة 2) : الأقوى استحباب الغفيلة ، وهي ركعتان بين المغرب والعشاء(2) ولكنّها ليست من الرواتب ، يقرأ فيها في الركعة الاُولى بعد «الحمد» : )وَذَا النُّونِ إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فظَنَّ أن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادى فِى الظُّلماتِ أن لاَ إلهَ إِلاّ أنتَ سُبحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاستَجَبنا لَهُ وَنجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وكَذلِكَ نُنجِى المُؤمِنين( ، وفي الثانية بعد «الحمد» : )وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إلاّ هُو وَيَعلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاّ يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إلاّ فِى كتابٍ مُبينٍ( ، ويستحبّ أيضاً بين

ص: 378


1- الأحوط إتيانها رجاءً .
2- بل بين صلاة المغرب وسقوط الشفق الغربي على الأقوى .

المغرب والعشاء صلاة الوصيّة(1) ، وهي أيضاً ركعتان ، يقرأ في اُولاهما بعد «الحمد» ثلاثة عشر مرّة سورة «إذا زلزلت الأرض» ، وفي الثانية بعد «الحمد» سورة «التوحيد» خمسة عشر مرّة .

(مسألة 3) : الظاهر أنّ صلاة الوسطى التي تتأكّد المحافظة عليها هي الظهر ، فلو نذر أن يأتي بالصلاة الوسطى في المسجد أو في أوّل وقتها مثلاً أتى بالظهر .

(مسألة 4) : النوافل المرتّبة وغيرها يجوز إتيانها جالساً ولو في حال الاختيار ، والأولى حينئذٍ عدّ كلّ ركعتين بركعة ، فيأتي بنافلة الظهر - مثلاً - ستّ عشرة ركعة ، وهكذا في نافلة العصر ، وعلى هذا يأتي بالوتر مرّتين كلّ مرّة ركعة .

فصل : في أوقات اليومية ونوافلها

وقت الظهرين ما بين الزوال والمغرب ، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله ، ويختصّ العصر بآخره كذلك ، وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب والعشاء ، ويختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائه والعشاء بآخره كذلك . هذا للمختار ، وأمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من أحوال الاضطرار فيمتدّ وقتهما(2) إلى طلوع الفجر ، ويختصّ العشاء من آخره بمقدار أدائها دون المغرب من أوّله ؛ أي ما بعد نصف الليل ، والأقوى أنّ العامد في التأخير إلى نصف الليل أيضاً كذلك ؛ أي يمتدّ وقته إلى الفجر وإن كان آثماً بالتأخير ، لكن

ص: 379


1- يأتي بها رجاءً .
2- فيه إشكال ، وكذا في العامد ، فلا يترك الاحتياط بالإتيان بعده بقصد ما في الذمّة .

الأحوط أن لا ينوي الأداء والقضاء ، بل الأولى ذلك في المضطرّ أيضاً ، وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ، ووقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظلّ مثل الشاخص(1) ، فإن أخّرها عن ذلك مضى وقته ، ووجب عليه الإتيان بالظهر ، ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث بعد الانعدام ، أو بعد الانتهاء مثل الشاخص ، ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور ، ولكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما(2) ، ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق ؛ أي الحمرة المغربية ، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ، فيكون لها وقتا إجزاء : قبل ذهاب الشفق ، وبعد الثلث إلى النصف ، ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق(3) .

(مسألة 1) : يعرف الزوال بحدوث ظلّ الشاخص المنصوب معتدلاً في أرض مسطّحة بعد انعدامه ، كما في البلدان التي تمرّ الشمس على سمت الرأس كمكّة في بعض الأوقات ، أو زيادته بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلدان ومكّة في غالب الأوقات ، ويعرف أيضاً بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب ، وهذا التحديد تقريبي كما لا يخفى ، ويعرف أيضاً بالدائرة الهندية ، وهي أضبط وأمتن ، ويعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية عن سمت

ص: 380


1- فيه إشكال ، فالأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية للزوال ، وإذا اُخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر .
2- بعد مقدار أداء الظهر ، وهذا وإن كان غير بعيد ، لكن الأظهر أنّ مبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام ؛ أي أربعة أسباع الشاخص .
3- ولعلّ حدوث تلك الحمرة مساوق لزمان التجلّل والإسفار وتنوّر الصبح المنصوص بها.

الرأس(1) ، والأحوط زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق ، ويعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أوّل الغروب إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب ، وعلى هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها ، لكنّه لا يخلو عن إشكال ؛ لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب وطلوع الفجر ، كما عليه جماعة ، والأحوط مراعاة(2) الاحتياط هنا وفي صلاة الليل التي أوّل وقتها بعد نصف الليل ، ويعرف طلوع الفجر باعتراض البياض الحادث في الاُفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان ، ويسمّى بالفجر الكاذب ، وانتشاره على الاُفق وصيرورته كالقبطية البيضاء وكنهر سوريّ بحيث كلّما زدته نظراً أصدقك بزيادة حسنه ، وبعبارة اُخرى : انتشار البياض على الاُفق بعد كونه متصاعداً في السماء .

(مسألة 2) : المراد باختصاص أوّل الوقت بالظهر وآخره بالعصر ، وهكذا في المغرب والعشاء : عدم صحّة الشريكة في ذلك الوقت ، مع عدم أداء صاحبته ، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه ، كما إذا أتى بقضاء الصبح أو غيره من الفوائت في أوّل الزوال ، أو في آخر الوقت ، وكذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدّى صاحبة الوقت ، فلو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت فدخل

ص: 381


1- بل يعرف بزوال الحمرة المشرقية ، وأمّا الذهاب عن سمت الرأس فلا ؛ لأ نّها لا تمرّ عن سمت الرأس بل تزول عن جانب المشرق بعد ارتفاعها مقداراً وتحدث حمرة اُخرى مغربية محاذية لمكان ارتفاع المشرقية تقريباً ، ولا تزال تنخفض عكس المشرقية فالحمرة المشرقية لا تزول عن سمت الرأس إلى المغرب ، ومرسلة ابن أبي عمير لا تخلو من إجمال ويمكن تطبيقها على ذلك .
2- لا يترك .

الوقت في أثنائها ولو قبل السلام - حيث إنّ صلاته صحيحة - لا مانع من إتيان العصر أوّل الزوال ، وكذا إذا قدّم العصر على الظهر سهواً وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت ، ولا تكون قضاءً وإن كان الأحوط عدم التعرّض للأداء والقضاء ، بل عدم التعرّض لكون ما يأتي به ظهراً أو عصراً ، لاحتمال(1) احتساب العصر المقدّم ظهراً ، وكون هذه الصلاة عصراً .

(مسألة 3) : يجب تأخير العصر عن الظهر ، والعشاء عن المغرب ، فلو قدّم إحداهما على سابقتها عمداً بطلت ؛ سواء كان في الوقت المختصّ(2) أو المشترك ، ولو قدّم سهواً فالمشهور(3) على أ نّه إن كان في الوقت المختصّ بطلت ، وإن كان في الوقت المشترك ، فإن كان التذكّر بعد الفراغ صحّت ، وإن كان في الأثناء عدل بنيّته إلى السابقة إذا بقي محلّ العدول ، وإلاّ كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء بطلت ؛ وإن كان الأحوط الإتمام(4) والإعادة بعد الإتيان بالمغرب ، وعندي فيما ذكروه إشكال ، بل الأظهر في العصر المقدّم على الظهر سهواً صحّتها واحتسابها ظهراً إن كان التذكّر بعد الفراغ ؛ لقوله علیه السلام : «إنّما

ص: 382


1- هذا الاحتمال غير معتمد عليه .
2- أي المختصّ بالاُولى .
3- الأقوى هو صحّة الصلاة ولو وقعت في الوقت المختصّ وتحسب عصراً وعشاءً لو تذكّر بعد الفراغ ، فيصلّي الظهر والمغرب ويسقط الترتيب ، لكن الأحوط الذي لا ينبغي تركه بل لا يترك فيما إذا وقعت في الوقت المختصّ بجميعها ولم تقع كلاًّ أو بعضاً في الوقت المشترك معاملة بطلان العصر والعشاء ، فيأتي بهما بعد إتيان الظهر والمغرب .
4- لا ينبغي ترك هذا الاحتياط وإن كانت الصحّة لا تخلو من وجه .

هي أربع مكان أربع» في النصّ الصحيح(1) ، لكن الأحوط الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة من دون تعيين أ نّها ظهر أو عصر ، وإن كان في الأثناء عدل ؛ من غير فرق في الصورتين بين كونه في الوقت المشترك أو المختصّ ، وكذا في العشاء إن كان بعد الفراغ صحّت ، وإن كان في الأثناء عدل مع بقاء محلّ العدول على ما ذكروه ، لكن من غير فرق بين الوقت المختصّ والمشترك أيضاً ، وعلى ما ذكرنا يظهر فائدة الاختصاص فيما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أربع ركعات فحاضت المرأة ، فإنّ اللازم حينئذٍ قضاء خصوص الظهر ، وكذا إذا طهرت من الحيض ولم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات ، فإنّ اللازم حينئذٍ إتيان العصر فقط ، وكذا إذا بلغ الصبيّ ولم يبق إلاّ مقدار أربع ركعات ، فإنّ الواجب عليه خصوص العصر فقط ، وأمّا إذا فرضنا عدم زيادة الوقت المشترك عن أربع ركعات فلا يختصّ بأحدهما ، بل يمكن أن يقال بالتخيير بينهما(2) كما إذا أفاق المجنون الأدواري في الوقت المشترك مقدار أربع ركعات ، أو بلغ الصبيّ في الوقت المشترك ثمّ جنّ أو مات بعد مضيّ مقدار أربع ركعات ونحو ذلك .

(مسألة 4) : إذا بقي مقدار خمس ركعات إلى الغروب قدّم الظهر ، وإذا بقي أربع ركعات أو أقلّ قدّم العصر ، وفي السفر إذا بقي ثلاث ركعات قدّم الظهر ، وإذا بقي ركعتان قدّم العصر ، وإذا بقي إلى نصف الليل خمس ركعات قدّم المغرب ، وإذا بقي أربع أو أقلّ قدّم العشاء ، وفي السفر إذا بقي أربع ركعات قدّم المغرب ، وإذا بقي أقلّ قدّم العشاء ، ويجب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء

ص: 383


1- لكن لا يمكن الاتّكال عليها بعد الإعراض عنها .
2- الأقوى هو لزوم الإتيان بالاُولى .

إذا بقي بعدها ركعة أو أزيد ، والظاهر أ نّها حينئذٍ أداء وإن كان الأحوط عدم نيّة الأداء والقضاء .

(مسألة 5) : لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة ، ويجوز العكس ،فلو دخل في الصلاة بنيّة الظهر ثمّ تبيّن له في الأثناء أ نّه صلاّها لا يجوز له العدول إلى العصر ، بل يقطع ويشرع في العصر ، بخلاف ما إذا تخيّل أ نّه صلّى الظهر فدخل في العصر ، ثمّ تذكّر أ نّه ما صلّى الظهر ، فإنّه يعدل إليها(1) .

(مسألة 6) : إذا كان مسافراً وقد بقي من الوقت أربع ركعات فدخل في الظهر بنيّة القصر، ثمّ بدا له الإقامة فنوى(2) الإقامة بطلت صلاته ، ولا يجوز له العدول إلى العصر ، فيقطعها ويصلّي العصر ، وإذا كان في الفرض ناوياً للإقامة فشرع بنيّة العصر لوجوب تقديمها حينئذٍ ثمّ بدا له فعزم على عدم الإقامة ، فالظاهر أ نّه يعدل بها(3) إلى الظهر قصراً .

(مسألة 7) : يستحبّ التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشاءين ، ويكفي مسمّاه(4) ، وفي الاكتفاء به بمجرّد فعل النافلة وجه ، إلاّ أ نّه لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 8) : قد عرفت أنّ للعشاء وقت فضيلة ، وهو من ذهاب الشفق إلى

ص: 384


1- فيما إذا بقي من الوقت بمقدار يمكن إدراك ركعة من العصر منه ، وإلاّ فلا يجوز .
2- لكن في جواز هذه النيّة إشكال .
3- فيه إشكال لا يترك الاحتياط بقطعها وإتيان الصلاتين إن بقي من الوقت مقدار ثلاث ركعات ، وإلاّ فيأتي بها عصراً .
4- فيه تأمّل .

ثلث الليل ، ووقتا إجزاء من الطرفين ، وذكروا أنّ العصر أيضاً كذلك ، فله وقت فضيلة وهو من المثل إلى المثلين ، ووقتا إجزاء من الطرفين ، لكن عرفت نفي البعد في كون ابتداء وقت فضيلته هو الزوال(1) ، نعم الأحوط في إدراك الفضيلة الصبر إلى المثل .

(مسألة 9) : يستحبّ التعجيل في الصلاة في وقت الفضيلة ، وفي وقت الإجزاء ، بل كلّما هو أقرب إلى الأوّل يكون أفضل ، إلاّ إذا كان هناك معارض كانتظار الجماعة أو نحوه .

(مسألة10) : يستحبّ الغلس بصلاة الصبح ؛ أي الإتيان بها قبل الإسفار في حال الظلمة .

(مسألة 11) : كلّ صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء ، ويجب الإتيان به، فإنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، لكن لا يجوز التعمّد في التأخير إلى ذلك .

فصل : في أوقات الرواتب

(مسألة 1) : وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع ، والعصر إلى الذراعين ؛ أي سبعي الشاخص وأربعة أسباعه ، بل إلى آخر وقت إجزاء الفريضتين على الأقوى(2) ، وإن كان الأولى بعد الذراع تقديم الظهر ، وبعد الذراعين تقديم العصر ، والإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين ، فالحدّان الأوّلان للأفضلية ، ومع ذلك

ص: 385


1- تقدّم الكلام فيه .
2- الأقوائية ممنوعة ، بل لا يبعد كون الأوّل أقوى .

الأحوط بعد الذراع والذراعين عدم التعرّض لنيّة الأداء والقضاء في النافلتين .

(مسألة 2) : المشهور : عدم جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر في غير يوم الجمعة على الزوال ، وإن علم بعدم التمكّن من إتيانهما بعده ، لكن الأقوى(1) جوازه فيهما ، خصوصاً في الصورة المذكورة .

(مسألة 3) : نافلة يوم الجمعة عشرون ركعة ، والأولى تفريقها بأن يأتي ستّاً عند انبساط الشمس ، وستّاً عند ارتفاعها ، وستّاً قبل الزوال ، وركعتين عنده .

(مسألة 4) : وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى زوال الحمرة المغربية .

(مسألة 5) : وقت نافلة العشاء وهي الوتيرة يمتدّ بامتداد وقتها ، والأولى كونها عقيبها من غير فصل معتدّ به ، وإذا أراد فعل بعض الصلوات الموظّفة في بعض الليالي بعد العشاء جعل الوتيرة خاتمتها .

(مسألة 6) : وقت نافلة الصبح بين الفجر الأوّل(2) وطلوع الحمرة المشرقية ، ويجوز دسّها في صلاة الليل قبل الفجر ، ولو عند النصف ، بل ولو قبله إذا قدّم صلاة الليل عليه ، إلاّ أنّ الأفضل إعادتها في وقتها .

(مسألة 7) : إذا صلّى نافلة الفجر في وقتها أو قبله ونام بعدها ، يستحبّ إعادتها .

ص: 386


1- الأحوط إتيانها رجاءً .
2- لا يبعد أن يكون وقتهما بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها ، لكن الأحوط عدم الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل إلاّ بالدسّ في صلاة الليل .

(مسألة 8) : وقت نافلة الليل ما بين نصفه والفجر الثاني ، والأفضل إتيانها في وقت السحر ؛ وهو الثلث الأخير من الليل ، وأفضله القريب من الفجر(1) .

(مسألة 9) : يجوز للمسافر والشابّ الذي يصعب عليه نافلة الليل في وقتها تقديمها على النصف ، وكذا كلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام والمريض ، وينبغي لهم نيّة التعجيل لا الأداء .

(مسألة 10) : إذا دار الأمر بين تقديم صلاة الليل على وقتها أو قضائها ، فالأرجح القضاء.

(مسألة 11) : إذا قدّمها ثمّ انتبه في وقتها ليس عليه الإعادة .

(مسألة 12) : إذا طلع الفجر وقد صلّى من صلاة الليل أربع ركعات أو أزيد أتمّها مخفّفة(2) ، وإن لم يتلبّس بها قدّم ركعتي الفجر ، ثمّ فريضته وقضاها ، ولو اشتغل بها أتمّ ما في يده ثمّ أتى بركعتي الفجر وفريضته وقضى البقيّة بعد ذلك .

(مسألة 13) : قد مرّ أنّ الأفضل في كلّ صلاة تعجيلها ، فنقول : يستثنى من ذلك موارد : الأوّل : الظهر والعصر لمن أراد الإتيان بنافلتهما ، وكذا الفجر إذا لم يقدّم نافلتها قبل دخول الوقت . الثاني : مطلق الحاضرة لمن عليه فائتة وأراد إتيانها . الثالث : في المتيمّم مع احتمال زوال العذر أو رجائه ، وأمّا في غيره من الأعذار فالأقوى(3) وجوب التأخير وعدم جواز البدار . الرابع : لمدافعة الأخبثين ونحوهما فيؤخّر لدفعهما . الخامس : إذا لم يكن له إقبال فيؤخّر إلى حصوله .

ص: 387


1- وأفضله التفريق ، كما كان يصنعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .
2- على الأولى ، وكذا فيما بعده من الفروع .
3- بل الأحوط .

السادس : لانتظار الجماعة إذا لم يفض إلى الإفراط في التأخير ، وكذا لتحصيل كمال آخر كحضور المسجد أو كثرة المقتدين أو نحو ذلك . السابع : تأخير الفجر عند مزاحمة صلاة الليل إذا صلّى منها أربع ركعات . الثامن : المسافر المستعجل . التاسع : المربّية للصبيّ تؤخّر الظهرين لتجعلهما مع العشاءين بغسل واحد لثوبها . العاشر : المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما(1) لتجمع بين الاُولى والعصر ، وبين الثانية والعشاء بغسل واحد . الحادي عشر : العشاء تؤخّر إلى وقت فضيلتها ، وهو بعد ذهاب الشفق ، بل الأولى تأخير العصر إلى المثل وإن كان ابتداء وقت فضيلتها من الزوال . الثاني عشر : المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر ، فإنّه يؤخّرهما ولو إلى ربع الليل ، بل ولو إلى ثلثه . الثالث عشر : من خشي الحرّ يؤخّر الظهر إلى المثل ليبرد بها . الرابع عشر : صلاة المغرب في حقّ من تتوق نفسه إلى الإفطار أو ينتظره أحد .

(مسألة 14) : يستحبّ التعجيل في قضاء الفرائض وتقديمها على الحواضر ، وكذا يستحبّ التعجيل في قضاء النوافل إذا فاتت في أوقاتها الموظّفة ، والأفضل قضاء الليلية في الليل ، والنهارية في النهار .

(مسألة 15) : يجب(2) تأخير الصلاة عن أوّل وقتها لذوي الأعذار ، مع رجاء زوالها أو احتماله في آخر الوقت ، ما عدا التيمّم كما مرّ هنا وفي بابه ، وكذا يجب التأخير(3) لتحصيل المقدّمات الغير الحاصلة كالطهارة والستر وغيرهما ، وكذا

ص: 388


1- مرّ الكلام فيه .
2- على الأحوط كما مرّ .
3- الوجوب في تلك الموارد على فرضه ليس شرعياً ، بل إلزام عقلي محض لتحصيل الفراغ أو عدم الابتلاء بالمحرّم أو ترك الواجب المضيّق أو الأهمّ .

لتعلّم(1) أجزاء الصلاة وشرائطها ، بل وكذا لتعلّم أحكام الطوارئ من الشكّ والسهو ونحوهما مع غلبة الاتّفاق(2) ، بل قد يقال مطلقاً ، لكن لا وجه له ، وإذا دخل في الصلاة مع عدم تعلّمها بطلت إذا كان(3) متزلزلاً وإن لم يتّفق ، وأمّا مع عدم التزلزل بحيث تحقّق منه قصد الصلاة وقصد امتثال أمر اللّه تعالى فالأقوى الصحّة ، نعم إذا اتّفق شكّ أو سهو لا يعلم حكمه بطلت صلاته(4) لكن له أن يبني على أحد الوجهين أو الوجوه بقصد السؤال بعد الفراغ ، والإعادة إذا خالف الواقع ، وأيضاً يجب التأخير إذا زاحمها واجب آخر مضيّق كإزالة النجاسة عن المسجد ، أو أداء الدين المطالب به مع القدرة على أدائه ، أو حفظ النفس المحترمة أو نحو ذلك ، وإذا خالف واشتغل بالصلاة عصى في ترك ذلك الواجب ، لكن صلاته صحيحة على الأقوى وإن كان الأحوط الإعادة .

(مسألة 16) : يجوز الإتيان بالنافلة ولو المبتدئة في وقت الفريضة ما لم تتضيّق ، ولمن عليه فائتة على الأقوى ، والأحوط الترك بمعنى تقديم الفريضة وقضاؤها .

(مسألة 17) : إذا نذر النافلة لا مانع من إتيانها في وقت الفريضة ، ولو على

ص: 389


1- لا يجب التأخير للتعلّم، بل يجوز الدخول في الصلاة وتعلّم الأجزاء بالتدريج شيئاً فشيئاً.
2- بحيث يطمئنّ باتّفاقها ، لكن الأحوط التعلّم مطلقاً حتّى مع عدم الغلبة .
3- محلّ إشكال بل منع مع إتيانها بقصد القربة ورجاء المطلوبية ، وعدم الجزم بالنيّة المعبّر عنه بالتزلزل غير قصد التقرّب وقصد الصلاة ، ولا منافاة بين التزلزل وقصدهما .
4- بل لم تبطل مع موافقتها للواقع أو الحجّة ، نعم لا يجوز الاكتفاء بها إلاّ مع السؤال والعلم بموافقتها للحجّة .

القول بالمنع(1) . هذا إذا أطلق في نذره ، وأمّا إذا قيّده بوقت الفريضة فإشكال على القول بالمنع ، وإن أمكن القول بالصحّة ؛ لأنّ المانع إنّما هو وصف النفل ، وبالنذر يخرج عن هذا الوصف ، ويرتفع المانع ، ولا يرد : أنّ متعلّق النذر لا بدّ أن يكون راجحاً ، وعلى القول بالمنع لا رجحان فيه ، فلا ينعقد نذره ، وذلك لأنّ الصلاة من حيث هي راجحة ومرجوحيتها مقيّدة بقيد يرتفع بنفس النذر ، ولا يعتبر في متعلّق النذر الرجحان قبله ومع قطع النظر عنه حتّى يقال بعدم تحقّقه في المقام .

(مسألة 18) : النافلة تنقسم إلى مرتّبة وغيرها : الاُولى : هي النوافل اليومية التي مرّ بيان أوقاتها . والثانية : إمّا ذات السبب ، كصلاة الزيارة والاستخارة والصلوات المستحبّة في الأيّام والليالي المخصوصة ، وإمّا غير ذات السبب وتسمّى بالمبتدئة ، لا إشكال في عدم كراهة المرتّبة في أوقاتها وإن كان بعد صلاة العصر(2) أو الصبح ، وكذا لا إشكال في عدم كراهة قضائها في وقت من الأوقات وكذا في الصلوات ذوات الأسباب ، وأمّا النوافل المبتدئة التي لم يرد فيها نصّ بالخصوص - وإنّما يستحبّ الإتيان بها لأنّ الصلاة خير موضوع ،

ص: 390


1- الأقوى على القول به البطلان ؛ لأنّ وصف النفل لا يرتفع بالنذر ، بل متعلّق الوجوب في النذر وأشباهه هو الوفاء بها ، وصلاة النفل في وجودها الخارجي مصداق الوفاء بالنذر ، فالصلاة الخارجية مصداق للنافلة وللوفاء بالنذر من غير أن ينقلب عنوان النافلة عمّا هو عليه ، والتفصيل موكول إلى محلّه . وما ذكره في المتن غير وجيه خصوصاً في الفرض الذي تعرّض له وعلّله ، وتوهّم رجحان النفل المطلق بلا قيد وقت الفريضة مدفوع ، بأنّ النفل وقت الفريضة إذا كان حراماً لا يعقل أن يكون المطلق القابل للانطباق عليه راجحاً ، فيصير النفل قسمين راجحاً وحراماً .
2- ليس بعدهما وقت لشيء من النوافل اليومية ، بل ولا الثلاثة التي بعدهما من الصور الخمس .

وقربان كلّ تقيّ ، ومعراج المؤمن - فذكر جماعة أ نّه يكره الشروع فيها في خمسة أوقات : أحدها : بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس . الثاني : بعد صلاة العصر حتّى تغرب الشمس . الثالث : عند طلوع الشمس حتّى تنبسط . الرابع : عند قيام الشمس حتّى تزول . الخامس : عند غروب الشمس ؛ أي قبيل الغروب ، وأمّا إذا شرع فيها قبل ذلك فدخل أحد هذه الأوقات وهو فيها فلا يكره إتمامها ، وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال .

فصل : في أحكام الأوقات

(مسألة 1) : لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت ، فلو صلّى بطل وإن كان جزء منه قبل الوقت ، ويجب العلم بدخوله حين الشروع فيها ، ولا يكفي الظنّ لغير ذوي الأعذار(1) ، نعم يجوز الاعتماد على شهادة العدلين على الأقوى ، وكذا على أذان العارف(2) العدل ، وأمّا كفاية شهادة العدل الواحد فمحلّ إشكال ، وإذا صلّى مع عدم اليقين بدخوله ولا شهادة العدلين أو أذان العدل بطلت ، إلاّ إذا تبيّن بعد ذلك كونها بتمامها في الوقت مع فرض حصول قصد القربة منه .

(مسألة 2) : إذا كان غافلاً عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه فصلّى ثمّ تبيّن وقوعها في الوقت بتمامها صحّت ، كما أ نّه لو تبيّن وقوعها قبل الوقت بتمامها بطلت ، وكذا لو لم يتبيّن الحال ، وأمّا لو تبيّن دخول الوقت في أثنائها ففي

ص: 391


1- إذا كانت الأعذار من الأعذار العامّة كالغيم ونحوه يجوز التعويل على الظنّ ، دون الأعذار الخاصّة كالعمى والحبس ، فإنّ الأحوط فيها التأخير إلى حصول العلم بدخول الوقت .
2- الأحوط عدم الاعتماد عليه .

الصحّة إشكال(1) ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة .

(مسألة 3) : إذا تيقّن دخول الوقت فصلّى أو عمل بالظنّ المعتبر كشهادة العدلين ، وأذان العدل(2) العارف ، فإن تبيّن وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بطلت ، ووجب الإعادة ، وإن تبيّن دخول الوقت في أثنائها ولو قبل السلام صحّت ، وأمّا إذا عمل بالظنّ الغير المعتبر فلا تصحّ وإن دخل الوقت في أثنائها ، وكذا إذا كان غافلاً على الأحوط كما مرّ(3) ، ولا فرق في الصحّة في الصورة الاُولى بين أن يتبيّن دخول الوقت في الأثناء ، بعد الفراغ أو في الأثناء ، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلاً حين التبيّن ، وأمّا إذا تبيّن أنّ الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة فلا ينفع شيئاً .

(مسألة 4) : إذا لم يتمكّن من تحصيل العلم أو ما بحكمه لمانع في السماء ؛ من غيم أو غبار أو لمانع في نفسه من عمى أو حبس أو نحو ذلك ، فلا يبعد كفاية الظنّ(4) لكن الأحوط التأخير حتّى يحصل اليقين ، بل لا يترك هذا الاحتياط .

(مسألة 5) : إذا اعتقد دخول الوقت فشرع ، وفي أثناء الصلاة تبدّل يقينه بالشكّ لا يكفي في الحكم بالصحّة ، إلاّ إذا كان حين الشكّ عالماً بدخول الوقت ؛ إذ لا أقلّ من أ نّه يدخل تحت المسألة المتقدّمة من الصحّة مع دخول الوقت في الأثناء .

ص: 392


1- الأقوى عدم الصحّة .
2- مرّ الإشكال في اعتباره .
3- مرّ الكلام فيه .
4- مرّ التفصيل في المسألة الاُولى .

(مسألة 6) : إذا شكّ بعد الدخول في الصلاة في أ نّه راعى الوقت وأحرز دخوله أم لا ، فإن كان حين شكّه عالماً بالدخول فلا يبعد الحكم بالصحّة(1) ، وإلاّ وجبت الإعادة بعد الإحراز .

(مسألة 7) : إذا شكّ بعد الفراغ من الصلاة في أ نّها وقعت في الوقت أو لا ، فإن علم عدم الالتفات إلى الوقت حين الشروع وجبت الإعادة ، وإن علم أ نّه كان ملتفتاً ومراعياً له ومع ذلك شكّ في أ نّه كان داخلاً أم لا ، بنى على الصحّة ، وكذا إن كان شاكّاً في أ نّه كان ملتفتاً أم لا . هذا كلّه إذا كان حين الشكّ عالماً بالدخول ، وإلاّ لا يحكم بالصحّة(2) مطلقاً ، ولا تجري قاعدة الفراغ ؛ لأ نّه لا يجوز له حين الشكّ الشروع في الصلاة ، فكيف يحكم بصحّة ما مضى مع هذه الحالة .

(مسألة 8) : يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر(3) ، وبين العشاءين بتقديم المغرب ، فلو عكس عمداً بطل ، وكذا لو كان جاهلاً بالحكم ، وأمّا لو شرع في الثانية قبل الاُولى غافلاً أو معتقداً لإتيانها عدل بعد التذكّر ، إن كان محلّ العدول باقياً وإن كان في الوقت المختصّ بالاُولى على الأقوى كما مرّ ، لكن الأحوط الإعادة في هذه الصورة ، وإن تذكّر بعد الفراغ صحّ

ص: 393


1- إلاّ إذا علم بوقوع بعض صلاته خارج الوقت ، فإنّ الأقوى عدم الصحّة فيه .
2- بل يحكم بها وإن وجب إحراز الوقت للصلاة الاُخرى ، وتعليله لعدم جريان القاعدة ، واستبعاده في غير المحلّ .
3- بل بتأخير العصر والعشاء ، فإنّ الترتيب شرط للمتأخّر ، والفرق أ نّه لو صلّى الظهر والمغرب ولم يصلّ العصر والعشاء عمداً وقعتا صحيحتين مع عدم تحقّق التقديم ؛ لعدم إمكانه قبل الوجود .

وبنى على أ نّها الاُولى(1) في متساوي العدد كالظهرين تماماً أو قصراً وإن كان في الوقت المختصّ(2) على الأقوى ، وقد مرّ أنّ الأحوط أن يأتي بأربع ركعات أو ركعتين بقصد ما في الذمّة ، وأمّا في غير المتساوي كما إذا أتى بالعشاء قبل المغرب وتذكّر بعد الفراغ فيحكم بالصحّة ، ويأتي بالاُولى ، وإن وقع العشاء في الوقت المختصّ بالمغرب ، لكن الأحوط في هذه الصورة الإعادة .

(مسألة 9) : إذا ترك المغرب ودخل في العشاء غفلة أو نسياناً أو معتقداً لإتيانها ، فتذكّر في الأثناء عدل ، إلاّ إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة ، فإنّ الأحوط(3) حينئذٍ إتمامها عشاءً ، ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب .

(مسألة 10) : يجوز العدول في قضاء الفوائت أيضاً من اللاحقة إلى السابقة ، بشرط أن يكون فوت المعدول عنه معلوماً ، وأمّا إذا كان احتياطياً فلا يكفي العدول في البراءة من السابقة ، وإن كانت احتياطية أيضاً ؛ لاحتمال اشتغال الذمّة واقعاً بالسابقة دون اللاحقة ، فلم يتحقّق العدول من صلاة إلى اُخرى ، وكذا الكلام في العدول من حاضرة إلى سابقتها ، فإنّ اللازم أن لا يكون الإتيان باللاحقة من باب الاحتياط ، وإلاّ لم يحصل اليقين بالبراءة من السابقة بالعدول لما مرّ .

ص: 394


1- بل تقع الثانية وسقط الترتيب ووجب الإتيان بالاُولى .
2- لا ينبغي ترك الاحتياط لو وقعت الشريكة بجميعها في الوقت المختصّ ، بل لا يترك حتّى الإمكان وإن كان الوجه ما ذكره .
3- وإن لا يبعد صحّتها عشاءً ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

(مسألة 11) : لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة في الحواضر ولا في الفوائت ، ولا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة ، وكذا من النافلة إلى الفريضة ، ولا من الفريضة إلى النافلة إلاّ في مسألة إدراك الجماعة وكذا من فريضة إلى اُخرى إذا لم يكن بينهما ترتيب ، ويجوز من الحاضرة إلى الفائتة ، بل يستحبّ في سعة وقت الحاضرة .

(مسألة 12) : إذا اعتقد في أثناء العصر أ نّه ترك الظهر فعدل إليها ، ثمّ تبيّن أ نّه كان آتياً بها ، فالظاهر جواز(1) العدول منها إلى العصر ثانياً ، لكن لا يخلو عن إشكال ، فالأحوط بعد الإتمام الإعادة أيضاً .

(مسألة 13) : المراد بالعدول : أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة بالنسبة إلى ما مضى منها وما سيأتي .

(مسألة 14) : إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة بحسب حاله في ذلك الوقت ؛ من السفر والحضر والتيمّم والوضوء والمرض والصحّة ونحو ذلك ، ثمّ حصل أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة كالجنون والحيض والإغماء وجب عليه القضاء ، وإلاّ لم يجب ، وإن علم بحدوث العذر قبله ، وكان له هذا المقدار ، وجبت المبادرة إلى الصلاة ، وعلى ما ذكرنا فإن كان تمام المقدّمات حاصلة في أوّل الوقت يكفي مضيّ مقدار أربع ركعات

ص: 395


1- إذا لم يدخل في ركن بقصد الثانية ، ولكن لا بدّ حينئذٍ من إعادة الذكر الواجب الآتي بعنوان الثانية ؛ أي المعدول إليه ، فلو تبيّن بعد إتيان القراءة - مثلاً - بعنوان الظهر عدل إلى العصر وأتى بالقراءة للعصر تمّت صلاته ، بخلاف ما لو دخل في الركوع فتبيّن ، فإنّ الظاهر بطلان صلاته .

للظهر وثمانية للظهرين ، وفي السفر يكفي مضيّ مقدار ركعتين للظهر ، وأربعة للظهرين ، وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء ، وإن لم تكن المقدّمات أو بعضها حاصلة ، لا بدّ من مضيّ مقدار الصلاة وتحصيل تلك المقدّمات ، وذهب بعضهم إلى كفاية مضيّ مقدار الطهارة والصلاة في الوجوب ، وإن لم يكن سائر المقدّمات حاصلة ، والأقوى الأوّل ، وإن كان هذا القول أحوط .

(مسألة 15) : إذا ارتفع العذر المانع من التكليف في آخر الوقت ، فإن وسع للصلاتين(1) وجبتا ، وإن وسع لصلاة واحدة أتى بها ، وإن لم يبق إلاّ مقدار ركعة وجبت الثانية فقط ، وإن زاد على الثانية بمقدار ركعة وجبتا معاً ، كما إذا بقي إلى الغروب في الحضر مقدار خمس ركعات ، وفي السفر مقدار ثلاث ركعات ، أو إلى نصف الليل مقدار خمس ركعات في الحضر ، وأربع ركعات في السفر ، ومنتهى الركعة تمام الذكر الواجب من السجدة الثانية ، وإذا كان ذات الوقت واحدة كما في الفجر يكفي بقاء مقدار ركعة .

(مسألة 16) : إذا ارتفع العذر في أثناء الوقت المشترك بمقدار صلاة واحدة ثمّ حدث ثانياً - كما في الإغماء والجنون الأدواري - فهل يجب الإتيان بالاُولى أو الثانية أو يتخيّر ، وجوه(2) .

(مسألة 17) : إذا بلغ الصبيّ في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة ؛ إذا أدرك

ص: 396


1- مع تحصيل الطهارة ولو الترابية ، وكذا في الصلاة الواحدة والفروع الآتية .
2- أوجهها أوّلها كما تقدّم .

مقدار ركعة(1) أو أزيد ، ولو صلّى قبل البلوغ ثمّ بلغ في أثناء الوقت فالأقوى كفايتها وعدم وجوب إعادتها وإن كان أحوط ، وكذا الحال لو بلغ في أثناء الصلاة .

(مسألة 18) : يجب في ضيق الوقت الاقتصار على أقلّ الواجب ؛ إذا استلزم الإتيان بالمستحبّات وقوع بعض الصلاة خارج الوقت ، فلو أتى بالمستحبّات مع العلم بذلك يشكل صحّة صلاته ، بل تبطل على الأقوى(2) .

(مسألة 19) : إذا أدرك من الوقت ركعة أو أزيد، يجب ترك المستحبّات محافظة على الوقت بقدر الإمكان ، نعم في المقدار الذي لا بدّ من وقوعه خارج الوقت لا بأس بإتيان المستحبّات .

(مسألة 20) : إذا شكّ في أثناء العصر في أ نّه أتى بالظهر أم لا ، بنى على عدم الإتيان ، وعدل إليها إن كان في الوقت المشترك ، ولا تجري قاعدة التجاوز ، نعم لو كان في الوقت المختصّ بالعصر يمكن البناء على الإتيان ؛ باعتبار كونه من الشكّ بعد الوقت .

فصل : في القبلة

وهي المكان الذي وقع فيه البيت - شرّفه اللّه تعالى - من تخوم الأرض إلى عنان السماء للناس كافّة ؛ القريب والبعيد لا خصوص البنية ، ولا يدخل فيه شيء من حجر إسماعيل وإن وجب إدخاله في الطواف ، ويجب استقبال عينها لا

ص: 397


1- مع الطهارة ولو ترابية .
2- بل الأقوى صحّتها مع إدراك ركعة من الوقت ، بل لا يبعد صحّتها مطلقاً وإن عصى بتفويت الوقت ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه .

المسجد أو الحرم ولو للبعيد(1) ، ولا يعتبر اتّصال الخطّ من موقف كلّ مصلّ بها ، بل المحاذاة العرفية كافية ، غاية الأمر أنّ المحاذاة تتّسع مع البعد ، وكلّما ازداد بعداً ازدادت سعة المحاذاة ، كما يعلم ذلك بملاحظة الأجرام البعيدة كالأنجم ونحوها ، فلا يقدح زيادة عرض الصفّ المستطيل عن الكعبة في صدق

ص: 398


1- وإن كان الواجب استقبال عين الكعبة مطلقاً ، لكن إذا بعد المصلّي عن مكّة المعظّمة مقداراً معتدّاً به لا ينفكّ استقبال العين عن استقبال المسجد عرفاً وحسّاً ، وإذا بعد عنها جدّاً لا ينفكّ استقبالهما عن استقبال الحرم كذلك ، ولعلّ أهل العراق وإيران يكونون في استقبالهم لمكّة المعظّمة مستقبلين لجميع الحجاز عرفاً ، ألا ترى أنّ استقبالنا للشمس استقبال لجميعها مع أنّ جميع الأرض ليس له قدر محسوس في مقابلها ، وذلك لبعدها وأنّ كلّما ازداد الأشياء بعداً ازدادت صغراً بحسب الحسّ وكلّما صارت الزاوية الحادثة من خروج الشعاع المنطبق على المرئيّ أو دخول النور الوارد على الباصرة أحدّ يصير المرئيّ أصغر ، وكلّما صارت أفرج يصير أكبر ، ولا يرى الشيء على ما هو عليه إلاّ بزاوية قائمة ولا ريب في زيادة اتّساع المحاذاة عرفاً بزيادة البعد بهذا المعنى . وأيضاً لمّا كان وضع العينين خلقة على سطح محدّب تقريباً يكون خروج الشعاع أو دخول نور المرئيّ في العين على خطوط غير موازية ، ولأجل ذلك أيضاً تزداد السعة بازدياد البعد عرفاً وحسّاً . وأمّا عدم انحراف الصفّ المستطيل فلأنّ كلّ مصلّ بواسطة جاذبة الأرض وكرويتها تكون قدمه محاذية لمركز الأرض ؛ بحيث إذا خرج خطّ مستقيم من مركزها مارّاً على ما بين قدمه يمرّ على اُمّ رأسه . وبعبارة اُخرى : إنّ كلّ مصلّ قائم على قطر من أقطار الأرض ، فإذا راعى محاذاة الكعبة يكون الخطّ الخارج من عينه مثلاً غير مواز للخطّ الخارج من عين الآخر ، وكذا الخطّ المفروض خارجاً من جبهته غير مواز لما خرج من جبهة غيره ممّن يليه في الصفّ ، كما أنّ القطر الذي قام عليه غير مواز للقطر الذي قام عليه الآخر ، ولأجل ذلك وذاك لو فرض صفّ بمقدار نصف دائرة الأرض أو تمامها يكون كلّ منهم محاذياً للقبلة من غير لزوم انحناء في الصفّ إلاّ الانحناء القهري الذي يكون بتبع كروية الأرض ، والتفصيل لا يسعه المقام .

محاذاتها ، كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى الأجرام البعيدة والقول بأنّ القبلة للبعيد سمت الكعبة وجهتها راجع(1) في الحقيقة إلى ما ذكرنا ، وإن كان مرادهم الجهة العرفية المسامحية فلا وجه له ، ويعتبر العلم بالمحاذاة مع الإمكان ، ومع عدمه يرجع إلى العلامات والأمارات المفيدة للظنّ ، وفي كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال(2) ، ومع عدمه لا بأس بالتعويل عليها إن لم يكن اجتهاده على خلافها ، وإلاّ فالأحوط تكرار الصلاة ، ومع عدم إمكان تحصيل الظنّ يصلّي إلى أربع جهات إن وسع الوقت ، وإلاّ فيتخيّر بينها .

(مسألة 1) : الأمارات المحصّلة للظنّ - التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم كما هو الغالب - بالنسبة إلى البعيد كثيرة :

منها : الجدي ، الذي هو المنصوص في الجملة بجعله في أواسط العراق كالكوفة والنجف وبغداد ونحوها خلف المنكب الأيمن ، والأحوط أن يكون ذلك في غاية ارتفاعه أو انخفاضه ، والمنكب ما بين الكتف والعنق ، والأولى وضعه خلف الاُذن ، وفي البصرة(3) وغيرها من البلاد الشرقية في الاُذن اليمنى ، وفي موصل ونحوها من البلاد الغربية بين الكتفين ، وفي الشام خلف الكتف الأيسر ،

ص: 399


1- ولعلّه راجع إلى ما ذكرنا من أنّ استقبال البعيد لسمت الكعبة وجهتها عين استقبال الكعبة ، ولو لم يرجع ما ذكروه إليه وأرادوا به السمت - ولو لم يستقبل الكعبة عرفاً - فهو ضعيف .
2- لا يبعد الكفاية مع كون إخبارهما عن المبادئ الحسّية ، ويقدّم البيّنة على اجتهاده الظنّي ، ولا يبعد جواز التعويل على قول أهل الخبرة مع عدم مخالفته لاجتهاده العلمي ؛ وإن خالف ظنّه المطلق .
3- فيما ذكره بالنسبة إلى البصرة ، بل في كثير منها إشكال ، لا بدّ من الرجوع إلى القواعد أو إلى أهل الفنّ .

وفي عدن بين العينين ، وفي صنعاء على الاُذن اليمنى ، وفي الحبشة والنوبة صفحة الخدّ الأيسر .

ومنها : سهيل ، وهو عكس الجدي .

ومنها : الشمس(1) لأهل العراق إذا زالت عن الأنف إلى الحاجب الأيمن عند مواجهتهم نقطة الجنوب .

ومنها : جعل المغرب(2) على اليمين والمشرق على الشمال لأهل العراق أيضاً في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كموصل .

ومنها : الثريّا والعيّوق لأهل المغرب ؛ يضعون الأوّل عند طلوعه على الأيمن ، والثاني على الأيسر .

ومنها : محراب صلّى فيه معصوم ، فإن علم أ نّه صلّى فيه من غير تيامن ولا تياسر كان مفيداً للعلم ، وإلاّ فيفيد الظنّ .

ومنها : قبر المعصوم ، فإذا علم عدم تغيّره ، وأنّ ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم ، وإلاّ فيفيد الظنّ .

ومنها : قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها

ص: 400


1- لعلّ هذه العبارة للتنبيه على الخلل الذي في بعض الكتب من جعل الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن ؛ لأنّ لازمه الانحراف إلى المشرق ، وهو خلاف الواقع وخلاف العلامة الاُولى ، فأصلح الماتن رحمه الله ذلك بأنّ العلامة زوال الشمس إلى الحاجب الأيمن عند المواجهة إلى نقطة الجنوب ، ولا يمكن ذلك إلاّ بانحراف قبلتهم من الجنوب إلى المغرب ، وهي موافقة للواقع بالنسبة إلى أواسط العراق ، وموافقة للعلامة الاُولى مع وضوح العبارة .
2- أي الاعتدالي منه ومن المشرق .

على الغلط ، إلى غير ذلك كقواعد الهيئة(1) ، وقول أهل خبرتها .

(مسألة 2) : عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة ، يجب الاجتهاد في تحصيل الظنّ ولا يجوز الاكتفاء بالظنّ الضعيف مع إمكان القويّ ، كما لا يجوز الاكتفاء به مع إمكان الأقوى ، ولا فرق بين أسباب حصول الظنّ ، فالمدار على الأقوى فالأقوى ؛ سواء حصل من الأمارات المذكورة أو من غيرها ، ولو من قول فاسق ، بل ولو كافر ، فلو أخبر عدل ولم يحصل الظنّ بقوله وأخبر فاسق أو كافر بخلافه وحصل منه الظنّ من جهة كونه من أهل الخبرة(2) يعمل به .

(مسألة 3) : لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الأعمى والبصير ، غاية الأمر أنّ اجتهاد الأعمى هو الرجوع إلى الغير في بيان الأمارات أو في تعيين القبلة .

(مسألة 4) : لا يعتبر إخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظنّ ، ولا يكتفى بالظنّ الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الأقوى .

(مسألة 5) : إذا كان اجتهاده مخالفاً لقبلة بلد المسلمين في محاريبهم ومذابحهم وقبورهم ، فالأحوط تكرار الصلاة ، إلاّ إذا علم بكونها مبنيّة على الغلط .

(مسألة 6) : إذا حصر القبلة في جهتين ؛ بأن علم أ نّها لا تخرج عن إحداهما وجب عليه تكرير الصلاة ، إلاّ إذا كانت إحداهما مظنونة ، والاُخرى موهومة ، فيكتفي بالاُولى ، وإذا حصر فيهما ظنّاً فكذلك يكرّر فيهما ، لكن الأحوط إجراء

ص: 401


1- بعض قواعدها يفيد العلم إن أتقنت مقدّماته .
2- بل لا يبعد جواز الرجوع إلى أهل الخبرة ولو لم يحصل منه الظنّ ، بل تقدّم قوله على الظنّ المطلق لا يخلو من وجه .

حكم المتحيّر فيه بتكرارها إلى أربع جهات .

(مسألة 7) : إذا اجتهد لصلاة وحصل له الظنّ ، لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة اُخرى ما دام الظنّ باقياً .

(مسألة 8) : إذا ظنّ بعد الاجتهاد أ نّها في جهة فصلّى الظهر مثلاً إليها ، ثمّ تبدّل ظنّه إلى جهة اُخرى وجب عليه إتيان العصر إلى الجهة الثانية ، وهل يجب إعادة الظهر أو لا ؟ الأقوى وجوبها إذا كان مقتضى ظنّه الثاني وقوع الاُولى مستدبراً ، أو إلى اليمين أو اليسار ، وإذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين واليسار لا تجب الإعادة .

(مسألة 9) : إذا انقلب ظنّه في أثناء الصلاة إلى جهة اُخرى انقلب إلى ما ظنّه ، إلاّ إذا كان الأوّل إلى الاستدبار أو اليمين واليسار بمقتضى ظنّه الثاني فيعيد .

(مسألة 10) : يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان اختلافهما يسيراً ، بحيث لا يضرّ بهيئة الجماعة ، ولا يكون بحدّ الاستدبار أو اليمين واليسار .

(مسألة 11) : إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظنّ بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت ، وإلاّ فبقدر ما وسع ، ويشترط أن يكون التكرار على وجه يحصل معه اليقين بالاستقبال في إحداها ، أو على وجه لا يبلغ الانحراف إلى حدّ اليمين واليسار ، والأولى(1) أن يكون على خطوط متقابلات .

ص: 402


1- بل الظاهر لزوم كونه على الخطوط المتقابلة عرفاً ، ومعه لا يبلغ الانحراف إلى حدّ اليمين واليسار .

(مسألة 12) : لو كان عليه صلاتان ، فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاُولى .

(مسألة 13) : من كان وظيفته تكرار الصلاة إلى أربع جهات أو أقلّ ، وكان عليه صلاتان يجوز له أن يتمّم جهات الاُولى ثمّ يشرع في الثانية ، ويجوز أن يأتي بالثانية في كلّ جهة صلّى إليها الاُولى إلى أن تتمّ ، والأحوط اختيار الأوّل ، ولا يجوز أن يصلّي الثانية إلى غير الجهة التي صلّى إليها الاُولى ، نعم إذا اختار الوجه الأوّل لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الاُولى .

(مسألة 14) : من عليه صلاتان كالظهرين - مثلاً - مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من الوقت مقدار ثمان صلوات ، بل كان مقدار خمسة أو ستّة أو سبعة ، فهل يجب إتمام جهات الاُولى وصرف بقيّة الوقت في الثانية ، أو يجب إتمام جهات الثانية وإيراد النقص على الاُولى ؟ الأظهر الوجه الأوّل ، ويحتمل وجه ثالث وهو التخيير ، وإن لم يكن له إلاّ مقدار أربعة أو ثلاثة فقد يقال بتعيّن الإتيان بجهات الثانية ، ويكون الاُولى قضاء ، لكن الأظهر وجوب الإتيان بالصلاتين ، وإيراد النقص على الثانية ، كما في الفرض الأوّل ، وكذا الحال في العشاءين ، ولكن في الظهرين يمكن الاحتياط بأن يأتي بما يتمكّن من الصلوات بقصد ما في الذمّة(1) فعلاً ، بخلاف العشاءين ، لاختلافهما في عدد الركعات .

(مسألة 15) : من وظيفته التكرار إلى الجهات إذا علم أو ظنّ بعد الصلاة إلى جهة أ نّها القبلة لا يجب عليه الإعادة ، ولا إتيان البقيّة ، ولو علم أو ظنّ بعد الصلاة إلى جهتين أو ثلاث أنّ كلّها إلى غير القبلة ، فإن كان فيها ما هو ما بين

ص: 403


1- أي ما عليه من الصلاة الاحتياطية ، لكن في الأخيرة يتعيّن عليه نيّة العصر .

اليمين واليسار كفى ، وإلاّ وجبت الإعادة(1) .

(مسألة 16) : الظاهر جريان حكم العمل بالظنّ مع عدم إمكان العلم ، والتكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظنّ في سائر الصلوات غير اليومية ، بل غيرها ممّا يمكن فيه التكرار ، كصلاة الآيات ، وصلاة الأموات ، وقضاء الأجزاء المنسيّة وسجدتي السهو ، وإن قيل(2) في صلاة الأموات بكفاية الواحدة عند عدم الظنّ مخيّراً بين الجهات ، أو التعيين بالقرعة ، وأمّا فيما لا يمكن فيه التكرار كحال الاحتضار والدفن والذبح والنحر، فمع عدم الظنّ يتخيّر، والأحوط القرعة.

(مسألة 17) : إذا صلّى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة - غفلة أو مسامحة - يجب إعادتها إلاّ إذا تبيّن كونها القبلة(3) مع حصول قصد القربة منه .

فصل : فيما يستقبل له

يجب الاستقبال في مواضع :

أحدها : الصلوات اليومية أداءً وقضاءً ، وتوابعها من صلاة الاحتياط للشكوك ، وقضاء الأجزاء المنسيّة ، بل وسجدتي السهو(4) ، وكذا فيما لو صارت مستحبّة بالعارض كالمعادة جماعة أو احتياطاً(5) ، وكذا في سائر الصلوات الواجبة

ص: 404


1- أي الإتيان ببقيّة المحتملات لا جميعها .
2- وهو ضعيف كالتعيين بالقرعة ، كما أنّ الاحتياط بالقرعة احتياط ضعيف ؛ لعدم كون أمثال المقام مصبّاً لها .
3- أو كان منحرفاً إلى دون المشرق والمغرب في صورة الغفلة لا المسامحة .
4- على الأحوط وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
5- المعادة احتياطاً ليست مستحبّة شرعاً .

كالآيات ، بل وكذا في صلاة الأموات ، ويشترط في صلاة النافلة في حال الاستقرار لا في حال المشي أو الركوب ، ولا يجب فيها الاستقرار والاستقبال وإن صارت واجبة(1) بالعرض بنذر ونحوه .

(مسألة 1) : كيفية الاستقبال في الصلاة قائماً أن يكون وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة حتّى أصابع رجليه(2) على الأحوط ، والمدار على الصدق العرفي ، وفي الصلاة جالساً أن يكون رأس ركبتيه إليها مع وجهه وصدره وبطنه ، وإن جلس على قدميه لا بدّ أن يكون وضعهما على وجه يعدّ مقابلاً لها ، وإن صلّى مضطجعاً يجب أن يكون كهيئة المدفون(3) ، وإن صلّى مستلقياً فكهيئة المحتضر .

الثاني : في حال الاحتضار وقد مرّ كيفيته .

الثالث : حال الصلاة على الميّت يجب أن يجعل على وجه يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق .

الرابع : وضعه حال الدفن على كيفية مرّت .

الخامس : الذبح والنحر ؛ بأن يكون المذبح والمنحر ومقاديم بدن الحيوان إلى القبلة ، والأحوط كون الذابح أيضاً مستقبلاً ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 2) : يحرم الاستقبال حال التخلّي بالبول أو الغائط ، والأحوط(4)

ص: 405


1- مرّ عدم صيرورتها واجبة به ونحوه .
2- الأقوى عدم وجوب استقبالها ، بل الميزان هو الاستقبال العرفي للمصلّي ، وهو لا يتوقّف على استقبال ظهر اليد وأصابع الرجل بل والركبتين حال الجلوس ، فلو صلّى مع انحرافها لا بأس عليه ، لكن الأحوط مراعاة الاستقبال فيها خصوصاً في الأخير .
3- إن أمكن الاضطجاع على اليمين ، وإلاّ يصلّي مضطجعاً عكس المدفون ؛ أي يجعل رأسه مكان رجليه ويستقبل .
4- مرّ الكلام فيه .

تركه حال الاستبراء والاستنجاء كما مرّ .

(مسألة 3) : يستحبّ الاستقبال في مواضع : حال الدعاء ، وحال قراءة القرآن ، وحال الذكر ، وحال التعقيب ، وحال المرافعة عند الحاكم ، وحال سجدة الشكر وسجدة التلاوة ، بل حال الجلوس مطلقاً .

(مسألة 4) : يكره الاستقبال حال الجماع ، وحال لبس السراويل ، بل كلّ حالة ينافي التعظيم .

فصل : في أحكام الخلل في القبلة

(مسألة 1) : لو أخلّ بالاستقبال عالماً عامداً بطلت صلاته مطلقاً ، وإن أخلّ بها جاهلاً(1) أو ناسياً أو غافلاً أو مخطئاً في اعتقاده أو في ضيق الوقت ، فإن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين واليسار صحّت صلاته ، ولو كان في الأثناء مضى ما تقدّم واستقام في الباقي ؛ من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه ، لكن الأحوط الإعادة في غير المخطئ في اجتهاده مطلقاً ، وإن كان منحرفاً إلى اليمين واليسار أو إلى الاستدبار ، فإن كان مجتهداً مخطئاً أعاد في الوقت دون خارجه ، وإن كان الأحوط الإعادة مطلقاً ، سيّما في صورة الاستدبار ، بل لا ينبغي أن يترك في هذه الصورة ، وكذا إن كان في الأثناء(2) ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً أو غافلاً فالظاهر

ص: 406


1- بالموضوع لا بالحكم ، وكذا في النسيان والغفلة .
2- إن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بين اليمين والشمال ، فإن وسع الوقت لإدراك ركعة فما فوقها قطع الصلاة وأعادها مستقبلاً ، وإلاّ استقام للباقي وتصحّ صلاته على الأقوى ولو مع الاستدبار ؛ وإن كان الأحوط قضاءها أيضاً .

وجوب(1) الإعادة في الوقت وخارجه .

(مسألة 2) : إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالماً عامداً حرم المذبوح والمنحور ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو لم يعرف جهة القبلة لا يكون حراماً ، وكذا لو تعذّر استقباله ، كأن يكون عاصياً أو واقعاً في بئر أو نحوه ممّا لا يمكن استقباله فإنّه يذبحه وإن كان إلى غير القبلة .

(مسألة 3) : لو ترك استقبال الميّت وجب نبشه ما لم يتلاش ولم يوجب هتك حرمته ؛ سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان كما مرّ سابقاً .

فصل : في الستر والساتر

اعلم أنّ الستر قسمان : ستر يلزم في نفسه ، وستر مخصوص بحالة الصلاة ، فالأوّل يجب ستر العورتين - القبل والدبر - عن كلّ مكلّف من الرجل والمرأة عن كلّ أحد ؛ من ذكر أو اُنثى ولو كان مماثلاً ، محرماً أو غير محرم ، ويحرم على كلّ منهما أيضاً النظر إلى عورة الآخر ، ولا يستثنى من الحكمين إلاّ الزوج والزوجة ، والسيّد والأمة إذا لم تكن مزوّجة ولا محلّلة ، بل يجب الستر عن الطفل المميّز ، خصوصاً المراهق ، كما أ نّه يحرم النظر إلى عورة المراهق ، بل الأحوط ترك النظر إلى عورة المميّز ، ويجب ستر المرأة تمام بدنها عمّن عدا الزوج والمحارم إلاّ الوجه والكفّين مع عدم التلذّذ والريبة ، وأمّا معهما فيجب الستر ، ويحرم النظر حتّى بالنسبة إلى المحارم ، وبالنسبة إلى الوجه والكفّين ، والأحوط سترها عن المحارم من السرّة إلى الركبة مطلقاً ، كما

ص: 407


1- بل الظاهر عدم وجوبها خارج الوقت ؛ وإن كان الأحوط الإعادة .

أنّ الأحوط ستر الوجه والكفّين عن غير المحارم مطلقاً .

(مسألة 1) : الظاهر وجوب(1) ستر الشعر الموصول بالشعر ؛ سواء كان من الرجل أو المرأة وحرمة النظر إليه ، وأمّا القرامل من غير الشعر وكذا الحلي ، ففي وجوب سترهما وحرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال وإن كان أحوط .

(مسألة 2) : الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة والماء الصافي مع عدم التلذّذ ، وأمّا معه فلا إشكال في حرمته .

(مسألة 3) : لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص ولا كيفية خاصّة ، بل المناط مجرّد الستر ولو كان باليد وطلي الطين ونحوهما .

وأمّا الثاني - أي الستر في حال الصلاة - فله كيفية خاصّة ، ويشترط فيه ساتر خاصّ ويجب مطلقاً ؛ سواء كان هناك ناظر محترم أو غيره أم لا ، ويتفاوت بالنسبة إلى الرجل والمرأة ، أمّا الرجل فيجب عليه ستر العورتين ؛ أي القبل من القضيب والبيضتين ، وحلقة الدبر لا غير وإن كان الأحوط ستر العجان ، أي ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب ، وأحوط من ذلك ستر ما بين السرّة والركبة ، والواجب ستر لون البشرة ، والأحوط ستر الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تميّز للونه ، وأمّا الحجم أي الشكل فلا يجب ستره ، وأمّا المرأة فيجب عليها ستر جميع بدنها حتّى الرأس والشعر إلاّ الوجه - المقدار الذي يغسل في الوضوء - وإلاّ اليدين إلى الزندين ، والقدمين إلى الساقين ظاهرهما وباطنهما ، ويجب ستر شيء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدّمة .

(مسألة 4) : لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من

ص: 408


1- بل الأحوط وجوبه ، وكذا في القرامل والحلي .

الأسنان واللسان ، ولا ما على الوجه من الزينة كالكحل والحمرة والسواد والحلي ، ولا الشعر الموصول بشعرها والقرامل وغير ذلك ، وإن قلنا بوجوب سترها عن الناظر .

(مسألة 5) : إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفّيها أو قدميها يجب عليها سترها ، لكن لا من حيث الصلاة ، فإن أثمت ولم تسترها لم تبطل الصلاة ، وكذا بالنسبة إلى حليّها وما على وجهها من الزينة ، وكذا بالنسبة إلى الشعر الموصول والقرامل في صورة حرمة النظر إليها .

(مسألة 6) : يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة ، وكذا تحت ذقنها ، حتّى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط .

(مسألة 7) : الأمة كالحرّة في جميع ما ذكر من المستثنى والمستثنى منه ، ولكن لا يجب عليها ستر رأسها ولا شعرها ولا عنقها ؛ من غير فرق بين أقسامها من القنّة والمدبّرة والمكاتبة والمستولدة ، وأمّا المبعّضة فكالحرّة مطلقاً ، ولو اُعتقت في أثناء الصلاة وعلمت به ولم يتخلّل بين عتقها وستر رأسها زمان صحّت صلاتها ، بل وإن تخلّل(1) زمان إذا بادرت إلى ستر رأسها للباقي من صلاتها بلا فعل مناف ، وأمّا إذا تركت سترها حينئذٍ بطلت ، وكذا إذا لم تتمكّن من الستر إلاّ بفعل المنافي ولكن الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة ، نعم لو لم تعلم بالعتق حتّى فرغت صحّت صلاتها على الأقوى ، بل وكذا لو علمت لكن لم يكن عندها(2) ساتر أو كان الوقت ضيّقاً ، وأمّا إذا علمت عتقها لكن كانت جاهلة

ص: 409


1- لا يخلو من إشكال .
2- إذا كانت فاقدة له في تمام الوقت ، وإلاّ فالظاهر لزوم الإعادة .

بالحكم وهو وجوب الستر فالأحوط(1) إعادتها .

(مسألة 8) : الصبيّة الغير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها ورقبتها ، بناءً على المختار من صحّة صلاتها وشرعيتها ، وإذا بلغت في أثناء الصلاة فحالها حال الأمة المعتقة في الأثناء في وجوب المبادرة إلى الستر ، والبطلان مع عدمها إذا كانت عالمة بالبلوغ .

(مسألة 9) : لا فرق في وجوب الستر وشرطيته بين أنواع الصلوات الواجبة والمستحبّة ، ويجب أيضاً في توابع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسيّة ، بل سجدتي السهو على الأحوط ، نعم لا يجب في صلاة الجنازة وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً ، وكذا لا يجب في سجدة التلاوة وسجدة الشكر .

(مسألة 10) : يشترط ستر العورة في الطواف(2) أيضاً .

(مسألة 11) : إذا بدت العورة كلاًّ أو بعضاً - لريح أو غفلة - لم تبطل الصلاة ، ولكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها وصحّت أيضاً ، وإن كان الأحوط(3) الإعادة بعد الإتمام، خصوصاً إذا احتاج سترها إلى زمان معتدّ به.

(مسألة 12) : إذا نسي ستر العورة ابتداء أو بعد التكشّف في الأثناء ، فالأقوى صحّة الصلاة ، وإن كان الأحوط الإعادة ، وكذا لو تركه من أوّل الصلاة أو في الأثناء غفلة ، والجاهل بالحكم كالعامد على الأحوط .

ص: 410


1- بل الأقوى .
2- وجوب سترها فيه على نحو ما وجب في الصلاة محلّ إشكال ، لكن لا يترك الاحتياط فيه .
3- لا ينبغي تركه خصوصاً في الصورة الثانية ، بل لا يترك فيها .

(مسألة 13) : يجب الستر من جميع الجوانب ؛ بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها إلاّ من جهة التحت فلا يجب ، نعم إذا كان واقفاً على طرف سطح(1) أو على شبّاك بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر ، فالأقوى والأحوط وجوب الستر من تحت أيضاً ، بخلاف ما إذا كان واقفاً على طرف بئر ، والفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفاً ، وأمّا الواقف على طرف السطح لا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى ، فلو لم يستر من جهة التحت بطلت صلاته ، وإن لم يكن هناك ناظر ، فالمدار على الصدق العرفي ومقتضاه ما ذكرنا .

(مسألة 14) : هل يجب الستر عن نفسه ؛ بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضاً ، أم المدار على الغير ؟ قولان ، الأحوط الأوّل ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوّة ، فلو صلّى في ثوب واسع الجيب بحيث يرى عورة نفسه عند الركوع لم تبطل على ما ذكرنا ، والأحوط البطلان . هذا إذا لم يكن بحيث قد يراها غيره أيضاً ، وإلاّ فلا إشكال في البطلان .

(مسألة 15) : هل اللازم أن يكون ساتريته في جميع الأحوال حاصلاً من أوّل الصلاة إلى آخرها ، أو يكفي الستر بالنسبة إلى كلّ حالة عند تحقّقها ، مثلاً إذا كان ثوبه ممّا يستر حال القيام لا حال الركوع فهل تبطل الصلاة فيه، وإن كان في حال الركوع يجعله على وجه يكون ساتراً أو يتستّر عنده بساتر آخر أو لا تبطل ؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، وأحوطهما الأوّل ، وعلى ما ذكرنا فلو كان ثوبه مخرقاً بحيث تنكشف عورته في بعض الأحوال لم يضرّ ، إذا سدّ ذلك

ص: 411


1- يتوقّع وجود الناظر تحتها ولو لم يكن فعلاً .

الخرق في تلك الحالة بجمعه أو بنحو آخر ولو بيده ، على إشكال في الستر بها .

(مسألة 16) : الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ، ولو كان بيده أو يد زوجته أو أمته ، كما أ نّه يكفي ستر الدبر بالأليتين ، وأمّا الستر الصلاتي فلا يكفي فيه ذلك ولو حال الاضطرار ، بل لا يجزي الستر بالطلي بالطين أيضاً حال الاختيار ، نعم يجزي حال الاضطرار(1) على الأقوى وإن كان الأحوط خلافه ، وأمّا الستر بالورق والحشيش فالأقوى جوازه حتّى حال الاختيار ، لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار ، وكذا يجزي مثل القطن والصوف الغير المنسوجين ، وإن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما ممّا يكون من الألبسة المتعارفة .

فصل : في شرائط لباس المصلّي

وهي اُمور :

الأوّل : الطهارة في جميع لباسه ، عدا ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً ، بل وكذا في محموله(2) على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة .

الثاني : الإباحة ، وهي أيضاً شرط في جميع لباسه(3) ؛ من غير فرق بين الساتر وغيره ، وكذا في محموله(4) ، فلو صلّى في المغصوب ولو كان خيطاً منه ،

ص: 412


1- بل لا يجزي على الأقوى ، فالأقوى لمن لا يجد ما يصلّي فيه ولو مثل الحشيش والورق إتيان صلاة فاقد الساتر .
2- مرّ الكلام فيه .
3- على الأحوط .
4- محلّ إشكال بل منع .

عالماً بالحرمة عامداً ، بطلت وإن كان جاهلاً بكونه مفسداً ، بل الأحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضاً ، وإن كان الحكم بالصحّة لا يخلو عن قوّة ، وأمّا مع النسيان أو الجهل بالغصبية فصحيحة ، والظاهر عدم الفرق بين كون المصلّي الناسي هو الغاصب أو غيره ، لكن الأحوط الإعادة بالنسبة إلى الغاصب ، خصوصاً إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكّره أيضاً .

(مسألة 1) : لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له ، بل وكذا لو تعلّق به حقّ الغير ؛ بأن يكون مرهوناً .

(مسألة 2) : إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب ، فالظاهر أ نّه لا يجري عليه حكم المغصوب ؛ لأنّ الصبغ يعدّ تالفاً ، فلا يكون اللون لمالكه ، لكن لا يخلو عن إشكال(1) أيضاً ، نعم لو كان الصبغ أيضاً مباحاً لكن أجبر شخصاً على عمله ولم يعط اُجرته لا إشكال فيه ، بل وكذا لو أجبر على خياطة ثوب أو استأجر ولم يعط اُجرته إذا كان الخيط له أيضاً ، وأمّا إذا كان للغير فمشكل ، وإن كان يمكن أن يقال : إنّه يعدّ تالفاً فيستحقّ مالكه قيمته ، خصوصاً إذا لم يمكن ردّه بفتقه ، لكن الأحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط ، خصوصاً إذا أمكن ردّه بالفتق صحيحاً ، بل لا يترك في هذه الصورة(2) .

(مسألة 3) : إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب فلا إشكال في جواز الصلاة فيه بعد الجفاف ، غاية الأمر أنّ ذمّته تشتغل بعوض الماء ، وأمّا مع رطوبته فالظاهر أ نّه كذلك أيضاً ، وإن كان الأولى تركها حتّى يجفّ .

ص: 413


1- غير معتدّ به .
2- بل مطلقاً وإن كان للصحّة مطلقاً وجه غير ما في المتن ، فإنّه ضعيف .

(مسألة 4) : إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبية صحّت ، خصوصاً بالنسبة إلى غير الغاصب ، وإن أطلق الإذن ففي جوازه بالنسبة إلى الغاصب إشكال ، لانصراف الإذن إلى غيره ، نعم مع الظهور في العموم لا إشكال .

(مسألة 5) : المحمول المغصوب إذا تحرّك بحركات الصلاة يوجب البطلان(1) ؛ وإن كان شيئاً يسيراً .

(مسألة 6) : إذا اضطرّ إلى لبس المغصوب لحفظ نفسه أو لحفظ المغصوب(2) عن التلف صحّت صلاته فيه .

(مسألة 7) : إذا جهل أو نسي الغصبية وعلم أو تذكّر في أثناء الصلاة ، فإن أمكن نزعه فوراً(3) وكان له ساتر غيره صحّت الصلاة ، وإلاّ ففي سعة الوقت ولو بإدراك ركعة يقطع الصلاة ، وإلاّ فيشتغل بها في حال النزع .

(مسألة 8) : إذا استقرض ثوباً وكان من نيّته عدم أداء عوضه(4) ، أو كان من نيّته الأداء من الحرام ؛ فعن بعض العلماء : أ نّه يكون من المغصوب ، بل عن بعضهم : أ نّه لو لم ينو الأداء أصلاً لا من الحلال ولا من الحرام أيضاً كذلك ، ولا يبعد ما ذكراه ، ولا يختصّ بالقرض ولا بالثوب ، بل لو اشترى أو استأجر أو نحو ذلك وكان من نيّته عدم أداء العوض أيضاً كذلك .

ص: 414


1- محلّ إشكال ، بل عدم إيجابه لا يخلو من قوّة .
2- إذا كان غاصباً وحفظه لنفسه ففيه إشكال ؛ وإن كانت الصحّة أقرب .
3- قبل فوت الموالاة بين الأجزاء .
4- من أوّل الأمر ، وأمّا إذا بدا له فلا إشكال في الصحّة ، وكذا في الأداء عن مال الغير .

(مسألة 9) : إذا اشترى ثوباً بعين مال تعلّق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما من مال آخر ، حكمه حكم المغصوب .

الثالث : أن لا يكون من أجزاء الميتة ؛ سواء كان حيوانه محلّل اللحم أو محرّمه ، بل لا فرق بين أن يكون ممّا ميتته نجسة أو لا ، كميتة السمك ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة على الأحوط ، وكذا لا فرق بين أن يكون مدبوغاً أو لا ، والمأخوذ من يد المسلم وما عليه أثر استعماله بحكم المذكّى ، بل وكذا المطروح في أرضهم وسوقهم وكان عليه أثر الاستعمال ، وإن كان الأحوط اجتنابه ، كما أنّ الأحوط اجتناب ما في يد المسلم المستحلّ للميتة بالدبغ ، ويستثنى من الميتة صوفها وشعرها ووبرها وغير ذلك ممّا مرّ في بحث النجاسات .

(مسألة 10) : اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر أو المطروح(1) في بلاد الكفّار أو المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال محكوم بعدم التذكية ، ولا يجوز الصلاة فيه ، بل وكذا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أ نّه أخذه من يد الكافر(2) مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكّى .

(مسألة 11) : استصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها(3) ؛ وإن لم يكن ملبوساً .

ص: 415


1- على الأحوط .
2- الأحوط في المسبوق بيد الكافر الاجتناب ، إلاّ إذا عمل المسلم معه معاملة المذكّى .
3- على الأحوط .

(مسألة 12) : إذا صلّى في الميتة جهلاً(1) لم تجب الإعادة ، نعم مع الالتفات والشكّ(2) لا تجوز ولا تجزي ، وأمّا إذا صلّى فيها نسياناً ، فإن كانت ميتة ذي النفس أعاد في الوقت وخارجه ، وإن كان من ميتة ما لا نفس له فلا تجب الإعادة .

(مسألة 13) : المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من غيره ، لا مانع من الصلاة فيه .

الرابع : أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وإن كان مذكّى أو حيّاً ؛ جلداً كان أو غيره ، فلا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول ولا شعره وصوفه وريشه ووبره ، ولا في شيء من فضلاته ؛ سواء كان ملبوساً أو مخلوطاً به أو محمولاً حتّى شعرة واقعة على لباسه ، بل حتّى عرقه وريقه وإن كان طاهراً ما دام رطباً ، بل ويابساً إذا كان له عين ، ولا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس أو لا كالسمك الحرام أكله .

(مسألة 14) : لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممتزج ودم البقّ والقمّل والبرغوث ونحوها من فضلات أمثال هذه الحيوانات ممّا لا لحم لها وكذا الصدف لعدم معلومية كونه جزءاً من الحيوان ، وعلى تقديره لم يعلم كونه ذا لحم ، وأمّا اللؤلؤ فلا إشكال فيه أصلاً ، لعدم كونه جزءاً من الحيوان .

(مسألة 15) : لا بأس بفضلات الإنسان ولو لغيره ، كعرقه ووسخه وشعره وريقه ولبنه ، فعلى هذا لا مانع في الشعر الموصول بالشعر ؛ سواء كان من الرجل

ص: 416


1- بالموضوع .
2- في أ نّه ميتة أو مذكّى مع عدم أمارة على التذكية لا يجوز على الأحوط .

أو المرأة ، نعم لو اتّخذ لباساً من شعر الإنسان فيه إشكال ؛ سواء كان ساتراً(1) أو غيره ، بل المنع قويّ خصوصاً الساتر .

(مسألة 16) : لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوساً أو جزءاً منه ، أو واقعاً عليه أو كان في جيبه ، بل ولو في حقّة هي في جيبه .

(مسألة 17) : يستثنى ممّا لا يؤكل الخزّ الخالص الغير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ، وكذا السنجاب(2) . وأمّا السمور والقاقم والفنك والحواصل فلا يجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى(3) .

(مسألة 18) : الأقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول أو من غيره ، فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الماهوت وأمّا إذا شكّ في كون شيء من أجزاء الحيوان أو من غير الحيوان فلا إشكال فيه .

(مسألة 19) : إذا صلّى في غير المأكول جاهلاً أو ناسياً(4) فالأقوى صحّة صلاته .

(مسألة 20) : الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم أكله بالأصالة أو بالعرض كالموطوء والجلاّل ، وإن كان لا يخلو عن إشكال .

الخامس : أن لا يكون من الذهب للرجال ، ولا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً ، ولا فرق بين أن يكون خالصاً أو ممزوجاً ، بل الأقوى اجتناب الملحّم به ،

ص: 417


1- الظاهر عدم المنع في غير الساتر ، والأحوط ترك اتّخاذه ساتراً .
2- لا ينبغي ترك الاحتياط فيه ؛ وإن كان الأقوى الاستثناء .
3- الأقوائية بالنسبة إلى بعضها لا تخلو من تأمّل .
4- الصحّة في الناسي محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة .

والمذهّب بالتمويه والطلي إذا صدق عليه(1) لبس الذهب ، ولا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة ، وما لا تتمّ ، كالخاتم والزر ونحوهما ، نعم لا بأس بالمحمول منه مسكوكاً أو غيره، كما لا بأس بشدّ الأسنان به ، بل الأقوى أ نّه لا بأس بالصلاة فيما جاز فعله فيه من السلاح كالسيف والخنجر ونحوهما وإن أطلق عليهما اسم اللبس ، لكن الأحوط اجتنابه ، وأمّا النساء فلا إشكال في جواز لبسهنّ وصلاتهنّ فيه ، وأمّا الصبيّ المميّز فلا يحرم عليه لبسه ، ولكن الأحوط له عدم الصلاة فيه .

(مسألة 21) : لا بأس بالمشكوك كونه ذهباً في الصلاة وغيرها .

(مسألة 22) : إذا صلّى في الذهب جاهلاً أو ناسياً فالظاهر صحّتها .

(مسألة 23) : لا بأس بكون قاب الساعة من الذهب ؛ إذ لا يصدق عليه الآنية ، ولا بأس باستصحابها أيضاً في الصلاة إذا كان في جيبه ؛ حيث إنّه يعدّ من المحمول ، نعم إذا كان زنجير الساعة من الذهب وعلّقه على رقبته أو وضعه في جيبه ، لكن علّق رأس الزنجير يحرم ؛ لأ نّه تزيين بالذهب ولا تصحّ الصلاة فيه أيضاً .

(مسألة 24) : لا فرق في حرمة لبس الذهب بين أن يكون ظاهراً مرئيّاً أو لم يكن ظاهراً .

(مسألة 25) : لا بأس بافتراش الذهب ويشكل التدثّر به(2) .

السادس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال ؛ سواء كان ساتراً للعورة أو كان

ص: 418


1- لكن الصدق في بعضها محلّ إشكال .
2- لا بأس بالدثار الذي يتغطّى به النائم ، وأمّا الدثار - أي الثوب الذي يستدفأ به فوق الشعار - فلا إشكال في حرمته .

الساتر غيره ، وسواء كان ممّا تتمّ فيه الصلاة أو لا على الأقوى ، كالتكّة والقلنسوة ونحوهما ، بل يحرم لبسه في غير حال الصلاة أيضاً إلاّ مع الضرورة لبرد أو مرض ، وفي حال الحرب ، وحينئذٍ تجوز الصلاة فيه(1) أيضاً وإن كان الأحوط أن يجعل ساتره من غير الحرير ، ولا بأس به للنساء ، بل تجوز صلاتهنّ فيه أيضاً على الأقوى ، بل وكذا الخنثى المشكل(2) ، وكذا لا بأس بالممتزج بغيره من قطن أو غيره ممّا يخرجه عن صدق الخلوص والمحوضة ، وكذا لا بأس بالكفّ به(3) وإن زاد على أربع أصابع ، وإن كان الأحوط ترك ما زاد عليها ، ولا بأس بالمحمول منه أيضاً ، وإن كان ممّا تتمّ فيه الصلاة .

(مسألة 26) : لا بأس بغير الملبوس من الحرير ، كالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ونحو ذلك في حال الصلاة وغيرها ، ولا بزرّ الثياب وأعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها وإن تعدّدت وكثرت .

(مسألة 27) : لا يجوز جعل البطانة من الحرير لقميص وغيره وإن كان إلى نصفه ، وكذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير ، وكذا إذا كان طرف العمامة منه إذا كان زائداً على مقدار الكفّ(4) ، بل على أربعة أصابع على الأحوط .

(مسألة 28) : لا بأس بما يرقّع به الثوب من الحرير إذا لم يزد على مقدار

ص: 419


1- في جوازها في حال الحرب تأمّل .
2- أمرها مشكل .
3- مع عدم صدق الصلاة فيه .
4- على الأحوط .

الكفّ ؛ وكذا الثوب المنسوج طرائق ؛ بعضها حرير وبعضها غير حرير ، إذا لم يزد عرض الطرائق من الحرير على مقدار الكفّ ، وكذا لا بأس بالثوب الملفّق من قطع بعضها حرير وبعضها غيره بالشرط المذكور .

(مسألة 29) : لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته وبطانته عوض القطن ونحوه ، وأمّا إذا جعل وصلة(1) من الحرير بينهما فلا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه .

(مسألة 30) : لا بأس بعصابة الجروح والقروح وخرق الجبيرة وحفيظة المسلوس والمبطون إذا كانت من الحرير .

(مسألة 31) : يجوز لبس الحرير لمن كان قملاً على خلاف العادة لدفعه ، والظاهر جواز الصلاة فيه حينئذٍ .

(مسألة 32) : إذا صلّى في الحرير جهلاً أو نسياناً فالأقوى عدم وجوب الإعادة ؛ وإن كان أحوط .

(مسألة 33) : يشترط في الخليط أن يكون ممّا تصحّ فيه الصلاة ، كالقطن والصوف ممّا يؤكل لحمه ، فلو كان من صوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه لم يكفِ في صحّة الصلاة ، وإن كان كافياً في رفع الحرمة ، ويشترط أن يكون بمقدار يخرجه عن صدق المحوضة ، فإذا كان يسيراً مستهلكاً بحيث يصدق عليه الحرير المحض لم يجز لبسه ولا الصلاة فيه ، ولا يبعد كفاية العشر في الإخراج عن الصدق .

(مسألة 34) : الثوب الممتزج إذا ذهب جميع ما فيه من غير الإبريسم - من

ص: 420


1- بحيث يصدق الصلاة فيها .

القطن أو الصوف لكثرة الاستعمال - وبقي الإبريسم محضاً، لا يجوز لبسه بعد ذلك.

(مسألة 35) : إذا شكّ في ثوب أنّ خليطه من صوف ما يؤكل لحمه أو ممّا لا يؤكل ، فالأقوى جواز الصلاة فيه ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه .

(مسألة 36) : إذا شكّ في ثوب أ نّه حرير محض أو مخلوط جاز لبسه والصلاة فيه على الأقوى .

(مسألة 37) : الثوب من الإبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه .

(مسألة 38) : إذا انحصر ثوبه في الحرير ، فإن كان مضطرّاً إلى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه ، وإلاّ لزم نزعه ، وإن لم يكن له ساتر غيره فيصلّ حينئذٍ عارياً ، وكذا إذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب ، وكذا إذا انحصر في غير المأكول ، وأمّا إذا انحصر في النجس فالأقوى(1) جواز الصلاة فيه ، وإن لم يكن مضطرّاً إلى لبسه ، والأحوط تكرار الصلاة ، بل وكذا في صورة(2) الانحصار في غير المأكول ، فيصلّي فيه ثمّ يصلّي عارياً .

(مسألة 39) : إذا اضطرّ إلى لبس أحد الممنوعات من النجس وغير المأكول والحرير والذهب والميتة والمغصوب قدّم النجس(3) على الجميع، ثمّ غير المأكول، ثمّ الذهب والحرير ويتخيّر بينهما ، ثمّ الميتة(4) فيتأخّر المغصوب عن الجميع .

ص: 421


1- بل الأقوى هو الصلاة عارياً مع عدم الاضطرار إلى لبسه .
2- لا يترك الاحتياط في هذه الصورة .
3- تقديم النجس على غير المأكول مبنيّ على الاحتياط .
4- إن كانت نجسة ، وإلاّ فتأخّرها عن الذهب والحرير غير معلوم .

(مسألة 40) : لا بأس بلبس الصبيّ الحرير ، فلا يحرم على الوليّ إلباسه إيّاه ، وتصحّ(1) صلاته فيه بناءً على المختار من كون عباداته شرعية .

(مسألة 41) : يجب تحصيل الساتر للصلاة ولو بإجارة أو شراء ولو كان بأزيد من عوض المثل ما لم يجحف بماله ولم يضرّ بحاله ، ويجب قبول الهبة أو العارية ما لم يكن فيه حرج ، بل يجب الاستعارة والاستيهاب كذلك .

(مسألة 42) : يحرم لبس لباس الشهرة(2) ؛ بأن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه ، أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلاً ، وكذا يحرم على الأحوط لبس الرجال ما يختصّ بالنساء وبالعكس ، والأحوط ترك الصلاة فيهما وإن كان الأقوى عدم البطلان .

(مسألة 43) : إذا لم يجد(3) المصلّي ساتراً حتّى ورق الأشجار والحشيش ، فإن وجد الطين أو الوحل أو الماء الكدر أو حفرة يلج فيها ويتستّر بها أو نحو ذلك ممّا يحصل به ستر العورة صلّى صلاة المختار قائماً مع الركوع والسجود ، وإن لم يجد ما يستر به العورة أصلاً ، فإن أمن من الناظر ؛ بأن لم يكن هناك ناظر أصلاً ، أو كان وكان أعمى أو في ظلمة أو علم بعدم نظره أصلاً أو كان ممّن لا يحرم نظره إليه كزوجته أو أمته ، فالأحوط تكرار الصلاة بأن يصلّي صلاة

ص: 422


1- محلّ إشكال .
2- على الأحوط .
3- الأقوى أ نّه إذا لم يجد ساتراً حتّى مثل الحشيش يصلّي عرياناً قائماً مع الأمن من الناظر ، وجالساً مع عدمه ، وفي الحالين يومئ للركوع والسجود ويجعل إيماءه للسجود أخفض ، وإذا صلّى قائماً يستر قبله بيده ، وإذا صلّى جالساً يستره بفخذه .

المختار تارةً ، ومومئاً للركوع والسجود اُخرى قائماً ، وإن لم يأمن من الناظر المحترم صلّى جالساً ، وينحني للركوع والسجود بمقدار لا يبدو عورته ، وإن لم يمكن فيومئ برأسه ، وإلاّ فبعينيه ، ويجعل الانحناء أو الإيماء للسجود أزيد من الركوع ويرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه وفي صورة القيام يجعل يده على قبله على الأحوط .

(مسألة 44) : إذا وجد ساتراً لإحدى عورتيه ، ففي وجوب تقديم القبل أو الدبر أو التخيير بينهما وجوه(1) ، أوجهها الوسط .

(مسألة 45) : يجوز للعراة الصلاة متفرّقين ، ويجوز بل يستحبّ لهم الجماعة وإن استلزمت للصلاة جلوساً وأمكنهم الصلاة مع الانفراد قياماً فيجلسون ويجلس الإمام وسط الصفّ ويتقدّمهم بركبتيه ، ويومئون(2) للركوع والسجود ، إلاّ إذا كانوا في ظلمة آمنين من نظر بعضهم إلى بعض ، فيصلّون قائمين صلاة المختار تارةً ، ومع الإيماء اُخرى على الأحوط .

(مسألة 46) : الأحوط بل الأقوى(3) تأخير الصلاة عن أوّل الوقت ؛ إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخر الوقت .

ص: 423


1- بل الظاهر تعيّن ما هو أحفظ بحسب حالات الصلاة ، فإن كان حافظاً للدبر في جميع الحالات وللقبل في بعضها يستر به الدبر ، وإذا كان بالعكس يستر القبل ، ومع التساوي فالأحوط ستر الدبر .
2- بل يركعون ويسجدون على وجوههم إلاّ أن يكون هناك ناظر محترم غيرهم ، والأحوط أن يصطفّون صفّاً واحداً ، ومع عدم إمكان الصفّ الواحد يومئون ، إلاّ من في الصفّ الأخير ، فإنّهم يركعون ويسجدون .
3- في القوّة إشكال .

(مسألة 47) : إذا كان عنده ثوبان يعلم أنّ أحدهما حرير أو ذهب أو مغصوب ، والآخر ممّا تصحّ فيه الصلاة ، لا تجوز الصلاة في واحد منهما ، بل يصلّي عارياً ، وإن علم أنّ أحدهما من غير المأكول والآخر من المأكول أو أنّ أحدهما نجس والآخر طاهر صلّى صلاتين ، وإذا ضاق الوقت ولم يكن إلاّ مقدار صلاة واحدة يصلّي عارياً في الصورة الاُولى ويتخيّر(1) بينهما في الثانية .

(مسألة 48) : المصلّي مستلقياً أو مضطجعاً لا بأس بكون فراشه أو لحافه نجساً أو حريراً أو من غير المأكول إذا كان له ساتر غيرهما ، وإن كان يتستّر بهما أو باللحاف فقط ، فالأحوط كونهما ممّا تصحّ فيه الصلاة .

(مسألة 49) : إذا لبس ثوباً طويلاً جدّاً ، وكان طرفه الواقع على الأرض الغير المتحرّك بحركات الصلاة نجساً أو حريراً أو مغصوباً(2) أو ممّا لا يؤكل ، فالظاهر عدم صحّة الصلاة ما دام يصدق أ نّه لابس ثوباً كذائياً ، نعم لو كان بحيث لا يصدق لبسه بل يقال : لبس هذا الطرف منه ، كما إذا كان طوله عشرين ذراعاً ، ولبس بمقدار ذراعين منه أو ثلاثة وكان الطرف الآخر ممّا لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس به .

(مسألة 50) : الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا يغطّي الساق ، كالجورب ونحوه .

ص: 424


1- بل يصلّي عارياً في الثانية أيضاً .
2- الحكم في المغصوب إذا كانت الصلاة في أحد الأطراف المباحة موجبة للتصرّف فيه مبنيّ على الاحتياط ؛ وإن كانت الصحّة معه أيضاً لا تخلو من وجه .

فصل : فيما يكره من اللباس حال الصلاة

وهي اُمور :

أحدها : الثوب الأسود حتّى للنساء ، عدا الخفّ والعمامة والكساء ، ومنه العباء والمشبع منه أشدّ كراهة ، وكذا المصبوغ بالزعفران أو العصفر ، بل الأولى اجتناب مطلق المصبوغ . الثاني : الساتر الواحد الرقيق . الثالث : الصلاة في السروال وحده وإن لم يكن رقيقاً ، كما أ نّه يكره للنساء الصلاة في ثوب واحد وإن لم يكن رقيقاً . الرابع : الاتّزار فوق القميص . الخامس : التوشّح ، وتتأكّد كراهته للإمام وهو إدخال الثوب تحت اليد اليمنى ، وإلقاؤه على المنكب الأيسر ، بل أو الأيمن . السادس : في العمامة المجرّدة عن السدل وعن التحنّك ؛ أي التلحّي ، ويكفي في حصوله ميل المسدول إلى جهة الذقن ، ولا يعتبر إدارته تحت الذقن وغرزه في الطرف الآخر وإن كان هذا أيضاً أحد الكيفيات له . السابع : اشتمال الصمّاء ؛ بأن يجعل الرداء على كتفه ، وإدارة طرفه تحت إبطه وإلقاؤه على الكتف . الثامن : التحزّم للرجل . التاسع : النقاب للمرأة إذا لم يمنع من القراءة وإلاّ أبطل . العاشر : اللثام للرجل إذا لم يمنع من القراءة . الحادي عشر : الخاتم الذي عليه صورة . الثاني عشر : استصحاب الحديد البارز . الثالث عشر : لبس النساء الخلخال الذي له صوت . الرابع عشر : القباء المشدود بالزرور الكثيرة أو بالحزام . الخامس عشر : الصلاة محلول الأزرار . السادس عشر : لباس الشهرة إذا لم يصل إلى حدّ الحرمة ، أو قلنا بعدم حرمته . السابع عشر : ثوب من لا يتوقّى من النجاسة ، خصوصاً شارب الخمر ، وكذا المتّهم بالغصب . الثامن عشر : ثوب ذو تماثيل . التاسع عشر : الثوب الممتزج بالإبريسم . العشرون : ألبسة الكفّار وأعداء الدين . الحادي والعشرون :

ص: 425

الثوب الوسخ . الثاني والعشرون : السنجاب . الثالث والعشرون : ما يستر ظهر القدم من غير أن يغطّي الساق . الرابع والعشرون : الثوب الذي يوجب التكبّر . الخامس والعشرون : لبس الشائب ما يلبسه الشبّان . السادس والعشرون : الجلد المأخوذ ممّن يستحلّ الميتة بالدباغ . السابع والعشرون : الصلاة في النعل من جلد الحمار . الثامن والعشرون : الثوب الضيّق اللاصق بالجلد . التاسع والعشرون : الصلاة مع الخضاب قبل أن يغسل . الثلاثون : استصحاب الدرهم الذي عليه صورة . الواحد والثلاثون : إدخال اليد تحت الثوب إذا لاصقت البدن . الثاني والثلاثون : الصلاة مع نجاسة ما لا تتمّ فيه الصلاة كالخاتم والتكّة والقلنسوة ونحوها . الثالث والثلاثون : الصلاة في ثوب لاصق وبر الأرانب أو جلده مع احتمال لصوق الوبر به .

فصل : فيما يستحبّ من اللباس

وهي أيضاً اُمور :

أحدها : العمامة مع التحنّك . الثاني : الرداء خصوصاً للإمام ، بل يكره له تركه . الثالث : تعدّد الثياب ، بل يكره في الثوب الواحد للمرأة كما مرّ . الرابع : لبس السراويل . الخامس : أن يكون اللباس من القطن أو الكتّان . السادس : أن يكون أبيض . السابع : لبس الخاتم من العقيق . الثامن : لبس النعل العربية . التاسع : ستر القدمين للمرأة . العاشر : ستر الرأس في الأمة والصبيّة ، وأمّا غيرهما من الإناث فيجب كما مرّ . الحادي عشر : لبس أنظف ثيابه . الثاني عشر : استعمال الطيب ، ففي الخبر ما مضمونه : الصلاة مع الطيب تعادل سبعين صلاة. الثالث عشر : ستر ما بين السرّة والركبة . الرابع عشر : لبس المرأة قلاّدتها.

ص: 426

فصل : في مكان المصلّي

والمراد به ما استقرّ عليه - ولو بوسائط(1) - وما شغله من الفضاء في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ونحوها ، ويشترط فيه اُمور :

أحدها : إباحته ، فالصلاة في المكان المغصوب باطلة ؛ سواء تعلّق الغصب بعينه أو بمنافعه ، كما إذا كان مستأجراً وصلّى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذوناً من قبل المالك ، أو تعلّق به حقّ كحقّ الرهن ، وحقّ غرماء الميّت ، وحقّ الميّت إذا أوصى بثلثه ولم يفرز بعد ولم يخرج منه ، وحقّ السبق كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الأقوى(2) ونحو ذلك ، وإنّما تبطل الصلاة إذا كان عالماً عامداً ، وأمّا إذا كان غافلاً أو جاهلاً أو ناسياً(3) فلا تبطل ، نعم لا يعتبر العلم بالفساد ، فلو كان جاهلاً بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان ، ولا فرق بين النافلة والفريضة في ذلك على الأصحّ .

(مسألة 1) : إذا كان المكان مباحاً ، ولكن فرش عليه فرش مغصوب فصلّى على ذلك الفرش بطلت صلاته ، وكذا العكس .

(مسألة 2) : إذا صلّى على سقف مباح وكان ما تحته من الأرض مغصوباً ،

ص: 427


1- محلّ تأمّل ، بل منع .
2- لا قوّة فيه .
3- الأحوط مع كون الناسي هو الغاصب البطلان؛ وإن كان عدم البطلان مطلقاً لا يخلو من قوّة.

فإن كان السقف معتمداً على تلك الأرض تبطل(1) الصلاة عليه وإلاّ فلا ، لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً ، أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلّي مغصوباً ، بطلت(2) في الصورتين .

(مسألة 3) : إذا كان(3) المكان مباحاً وكان عليه سقف مغصوب ، فإن كان التصرّف في ذلك المكان يعدّ تصرّفاً في السقف بطلت الصلاة فيه وإلاّ فلا ، فلو صلّى في قبّة سقفها أو جدرانها مغصوب وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار ، أو كان عسراً وحرجاً كما في شدّة الحرّ أو شدّة البرد بطلت الصلاة ، وإن لم يعدّ تصرّفاً فيه فلا ، وممّا ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة فإنّها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة ، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب ؛ إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها وإلاّ فلا .

(مسألة 4) : تبطل(4) الصلاة على الدابّة المغصوبة ، بل وكذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصباً ، بل ولو كان المغصوب نعلها .

(مسألة 5) : قد يقال ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب ولو بفصل عشرين ذراعاً ، وعدم بطلانها إذا كان شيء آخر مدفوناً فيها ، والفرق بين الصورتين مشكل ، وكذا الحكم بالبطلان ؛ لعدم صدق التصرّف في ذلك

ص: 428


1- بل لا تبطل .
2- إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً ولم يكن السقف وما فوقه مغصوباً فالأقوى عدم البطلان .
3- الأقوى صحّة الصلاة في جميع فروض المسألة حتّى مع عدّ الصلاة تصرّفاً فيها ؛ وإن كان الأحوط في هذه الصورة هو البطلان ، مع أنّ شيئاً ممّا ذكر لا يعدّ تصرّفاً .
4- على الأحوط ، وإن كان الأقوى في مثل كون النعل مغصوباً الصحّة .

التراب أو الشيء المدفون ، نعم لو توقّف الاستقرار والوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرّف ويوجب البطلان(1) .

(مسألة 6) : إذا صلّى في سفينة مغصوبة بطلت وقد يقال(2) بالبطلان إذا كان لوح منها غصباً وهو مشكل على إطلاقه ، بل يختصّ البطلان بما إذا توقّف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح .

(مسألة 7) : ربما يقال(3) ببطلان الصلاة على دابّة خيط جرحها بخيط مغصوب ، وهذا أيضاً مشكل ؛ لأنّ الخيط يعدّ تالفاً ، ويشتغل ذمّة الغاصب بالعوض ، إلاّ إذا أمكن ردّ الخيط إلى مالكه مع بقاء ماليته .

(مسألة 8) : المحبوس في المكان المغصوب يصلّي فيه قائماً مع الركوع والسجود إذا لم يستلزم تصرّفاً زائداً على الكون فيه على الوجه المتعارف ، كما هو الغالب ، وأمّا إذا استلزم تصرّفاً زائداً فيترك ذلك الزائد ، ويصلّي بما أمكن من غير استلزام ، وأمّا المضطرّ إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحّة صلاته .

(مسألة 9) : إذا اعتقد الغصبية وصلّى فتبيّن الخلاف ، فإن لم يحصل منه قصد القربة بطلت ، وإلاّ صحّت وأمّا إذا اعتقد الإباحة فتبيّن الغصبية فهي صحيحة من غير إشكال .

(مسألة 10) : الأقوى صحّة صلاة الجاهل بالحكم الشرعي وهي الحرمة ،

ص: 429


1- محلّ إشكال .
2- وهو ضعيف ، إلاّ إذا صلّى على اللوح المغصوب .
3- وهو ضعيف ؛ سواء أمكن ردّ الخيط أو لا ، وفي تعليله إشكال .

وإن كان الأحوط(1) البطلان خصوصاً في الجاهل المقصّر .

(مسألة 11) : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرّف فيها ولو بالصلاة ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، وكذا إذا غصب آلات وأدوات من الآجر ونحوه وعمّر بها داراً أو غيرها ثمّ جهل المالك ، فإنّه لا يجوز التصرّف ، ويجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي .

(مسألة 12) : الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرّف فيها إلاّ بإذن الباقين .

(مسألة 13) : إذا اشترى داراً من المال الغير المزكّى أو الغير المخمّس يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضولياً فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين من الفقراء والسادات يكون لهم ، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم ، وإذا لم يمض بطل ، وتكون باقية على ملك المالك الأوّل .

(مسألة 14) : من مات وعليه من حقوق الناس كالمظالم أو الزكاة أو الخمس لا يجوز(2) لورثته التصرّف في تركته ولو بالصلاة في داره قبل أداء ما عليه من الحقوق .

(مسألة 15) : إذا مات وعليه دين مستغرق للتركة ، لا يجوز(3) للورثة ولا

ص: 430


1- لا يترك في المقصّر .
2- محلّ إشكال مع بنائهم على الأداء وعدم المسامحة فيه .
3- محلّ تأمّل في التصرّفات الجزئية المتعارفة في أمر التجهيز ولوازمه المتداولة المعمولة ، وأولى بذلك الدين الغير المستغرق ، بل لا يبعد جواز التصرّفات الغير الناقلة أو المعدمة لمحلّ الحقّ مع بنائهم على أداء الدين ، وعدم تسامحهم فيه في غير المستغرق .

لغيرهم التصرّف في تركته قبل أداء الدين ، بل وكذا في الدين الغير المستغرق ، إلاّ إذا علم رضا الديّان ؛ بأن كان الدين قليلاً والتركة كثيرة والورثة بانين على أداء الدين غير متسامحين ، وإلاّ فيشكل حتّى الصلاة في داره ، ولا فرق في ذلك بين الورثة وغيرهم ، وكذا إذا لم يكن عليه دين ولكن كان بعض الورثة قصيراً(1) أو غائباً أو نحو ذلك .

(مسألة 16) : لا يجوز التصرّف حتّى الصلاة في ملك الغير ، إلاّ بإذنه الصريح أو الفحوى أو شاهد الحال ، والأوّل : كأن يقول : أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة فقط ، أو بالصلاة وغيرها ، والظاهر عدم اشتراط حصول العلم برضاه ، بل يكفي الظنّ(2) الحاصل بالقول المزبور ؛ لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء . والثاني : كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله ، ففي الصلاة بالأولى(3) يكون راضياً ، وهذا أيضاً يكفي فيه الظنّ على الظاهر ؛ لأ نّه مستند إلى ظاهر اللفظ إذا استفيد منه عرفاً ، وإلاّ فلا بدّ من العلم بالرضا ، بل الأحوط اعتبار العلم مطلقاً . والثالث : كأن يكون هناك قرائن وشواهد تدلّ على رضاه ، كالمضائف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك ، ولا بدّ في هذا القسم(4) من حصول القطع بالرضا ؛ لعدم استناد الإذن في هذا القسم إلى

ص: 431


1- لا يبعد الجواز في التصرّفات اللازمة بحسب التعارف لتجهيز الميّت من الورثة بل وغيرهم .
2- بل يكفي الظهور العرفي ولو لم يحصل الظنّ .
3- الأولوية الظنّية غير كافية ، نعم لو كان للكلام إطلاق ، أو كان الكلام الملقى بحيث يفهم العرف منه بإلقاء الخصوصية الإذن فيها لا إشكال فيه .
4- لا يبعد اعتبار الظهور الفعلي كالقولي ، لكن الأحوط ترك التصرّف إلاّ مع حصول الوثوق والاطمئنان .

اللفظ ، ولا دليل على حجّية الظنّ الغير الحاصل منه .

(مسألة 17) : يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة اتّساعاً عظيماً(1) ؛ بحيث يتعذّر أو يتعسّر على الناس اجتنابها ، وإن لم يكن إذن من مُلاّكها ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين ، بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملاّك ، وإن كان الأحوط التجنّب حينئذٍ مع الإمكان .

(مسألة 18) : يجوز الصلاة في بيوت من تضمّنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن ، مع عدم العلم بالكراهة ، كالأب والاُمّ والأخ والعمّ والخال والعمّة والخالة ، ومن ملك الشخص مفتاح بيته ، والصديق ، وأمّا مع العلم بالكراهة فلا يجوز ، بل يشكل(2) مع ظنّها أيضاً .

(مسألة 19) : يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب ، وإن اشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب قطعها ، وإن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها حال الخروج مع الإيماء للركوع والسجود ، ولكن يجب عليه قضاؤها(3)

ص: 432


1- كالصحاري البعيدة عن القرى ممّا هي من توابعها ومراتعها ومرافقها ، فإنّه يجوز التصرّف فيها بمثل الجلوس والمشي والصلاة وأمثالها حتّى مع النهي على الأقوى ، وأمّا الأراضي القريبة المعدّة للزرع وغيره فيجوز مع عدم ظهور الكراهة والمنع ولو مع احتمالهما وإن كان في الملاّك الصغار والمجانين ، وأمّا مع المنع وظهور الكراهة فيشكل جوازه ، فالأحوط الاجتناب ، بل لا يخلو وجوبه من قوّة .
2- الأقوى جواز الأكل منها ولو مع الظنّ بالكراهة ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، وأمّا الصلاة فيها فلا تخلو من إشكال ، فالأحوط فيها الاقتصار على صورة شهادة الحال بالرضا ؛ وإن كان الجواز مطلقاً لا يخلو من قرب .
3- على الأحوط .

أيضاً ؛ إذا لم يكن الخروج عن توبة وندم ، بل الأحوط القضاء وإن كان من ندم وبقصد التفريغ للمالك .

(مسألة 20) : إذا دخل في المكان المغصوب جهلاً أو نسياناً أو بتخيّل الإذن ثمّ التفت وبان الخلاف ، فإن كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة ، وإن كان مشتغلاً بها وجب القطع والخروج ، وإن كان في ضيق الوقت اشتغل بها حال الخروج ؛ سالكاً أقرب الطرق ، مراعياً للاستقبال بقدر الإمكان ، ولا يجب قضاؤها وإن كان أحوط ، لكن هذا إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة ، وإلاّ فيصلّي ثمّ يخرج ، وكذا الحال إذا كان مأذوناً من المالك في الدخول ، ثمّ ارتفع الإذن برجوعه عن إذنه أو بموته والانتقال إلى غيره .

(مسألة 21) : إذا أذن المالك بالصلاة خصوصاً أو عموماً ثمّ رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت ، وفي الضيق يصلّي حال الخروج على ما مرّ ، وإن كان ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقرّاً ، وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت ، إلاّ إذا كان موجباً لضرر عظيم على المالك لكنّه مشكل ، بل الأقوى وجوب القطع في السعة والتشاغل بها خارجاً في الضيق، خصوصاً في فرض الضرر على المالك .

(مسألة 22) : إذا أذن المالك في الصلاة ولكن هناك قرائن تدلّ على عدم رضاه وأنّ إذنه من باب الخوف أو غيره لا يجوز أن يصلّي ، كما أنّ العكس بالعكس .

(مسألة 23) : إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت ، أو الصلاة بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، فالظاهر وجوب

ص: 433

الصلاة في حال الخروج ؛ لأنّ مراعاة الوقت أولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريّين .

الثاني من شروط المكان : كونه قارّاً ، فلا يجوز الصلاة على الدابّة أو الاُرجوحة أو في السفينة ونحوها ممّا يفوت معه استقرار المصلّي ، نعم مع الاضطرار ولو لضيق الوقت عن الخروج من السفينة مثلاً لا مانع ، ويجب عليه حينئذٍ مراعاة الاستقبال والاستقرار بقدر الإمكان ، فيدور حيثما دارت الدابّة أو السفينة ، وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة والأذكار ، والسكوت خلالها حين الاضطراب ، وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة ، وإلاّ فهو مشكل(1) .

(مسألة 24) : يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة أو على الدابّة الواقفتين ، مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار والاستقبال ونحوهما ، بل الأقوى جوازها مع كونهما سائرتين إذا أمكن مراعاة الشروط ، ولو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة والذكر مع الشروط المتقدّم ويدور إلى القبلة إذا انحرفتا عنها ، ولا تضرّ الحركة التبعية بتحرّكهما ، وإن كان الأحوط القصر على حال الضيق والاضطرار .

(مسألة 25) : لا تجوز الصلاة على صبرة الحنطة وبيدر التبن وكومة الرمل مع عدم الاستقرار ، وكذا ما كان مثلها .

الثالث : أن لا يكون معرضاً لعدم إمكان الإتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة ، كالصلاة في الزحام المعرض لإبطال صلاته ، وكذا في معرض الريح أو

ص: 434


1- لا إشكال في بطلانها مع محو الصورة ، بل يجب التشاغل لئلاّ تمحو .

المطر الشديد أو نحوها ، فمع عدم الاطمئنان بإمكان الإتمام لا يجوز الشروع فيها(1) على الأحوط ، نعم لا يضرّ مجرّد احتمال عروض المبطل .

الرابع(2) : أن لا يكون ممّا يحرم البقاء فيه ، كما بين الصفّين من القتال ، أو تحت السقف أو الحائط المنهدم ، أو في المسبعة ، أو نحو ذلك ممّا هو محلّ للخطر على النفس .

الخامس : أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف والقيام والقعود عليه ، كما إذا كتب عليه القرآن ، وكذا على قبر المعصوم علیه السلام ، أو غيره ممّن يكون الوقوف عليه هتكاً لحرمته .

السادس : أن يكون ممّا يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلّي ، فلا يجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب ، أو بيت يكون ضيّقاً لا يمكن فيه الركوع والسجود على الوجه المعتبر ، نعم في الضيق والاضطرار يجوز ، ويجب مراعاتها بقدر الإمكان ولو دار الأمر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام ، لكن لا يقدر على الركوع والسجود إلاّ مومئاً ، وفي الآخر لا يقدر عليه ويقدر عليهما جالساً ، فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة ، وفي الضيق لا يبعد التخيير(3) .

السابع : أن لا يكون مقدّماً على قبر معصوم ، ولا مساوياً له(4) مع عدم الحائل

ص: 435


1- الظاهر جوازه رجاءً ، ومع إتمامها على النهج الشرعي تصحّ .
2- الأقوى صحّة صلاته وإن كان البقاء محرّماً عليه ، وكذا الحال في الخامس ، وفي عدّ السادس من شرائط المكان تسامح .
3- الأحوط اختيار الجلوس وإتمام الركوع والسجود جالساً .
4- لا بأس بالمساواة والتقدّم من سوء الأدب ، وأمّا اشتراط عدمه فغير ظاهر .

المانع الرافع لسوء الأدب على الأحوط ، ولا يكفي في الحائل الشبابيك والصندوق الشريف وثوبه .

الثامن : أن لا يكون نجساً نجاسة متعدّية(1) إلى الثوب أو البدن ، وأمّا إذا لم تكن متعدّية فلا مانع إلاّ مكان الجبهة ، فإنّه يجب طهارته وإن لم تكن نجاسته متعدّية ، لكن الأحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضاً مطلقاً ، خصوصاً إذا كانت عليه عين النجاسة .

التاسع : أن لا يكون محلّ السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجيء في باب السجدة .

العاشر : أن لا يصلّي الرجل والمرأة في مكان واحد ، بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له ، إلاّ مع الحائل أو البعد عشرة أذرع بذراع اليد على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى كراهته إلاّ مع أحد الأمرين ، والمدار على الصلاة الصحيحة لو لا المحاذاة أو التقدّم ، دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع ، والأولى في الحائل كونه مانعاً عن المشاهدة ، وإن كان لا يبعد كفايته(2) مطلقاً ، كما أنّ الكراهة أو الحرمة مختصّة بمن شرع في الصلاة لاحقاً ؛ إذا كانا مختلفين في الشروع ، ومع تقارنهما تعمّهما ، وترتفع أيضاً بتأخّر المرأة مكاناً بمجرّد الصدق ؛ وإن كان الأولى تأخّرها عنه في جميع حالات الصلاة ؛ بأن يكون مسجدها وراء موقفه ، كما أنّ الظاهر ارتفاعها أيضاً ؛ بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدّم أو المحاذاة ، وإن لم يبلغ عشرة أذرع .

(مسألة 26) : لا فرق في الحكم المذكور - كراهة أو حرمة - بين المحارم

ص: 436


1- غير معفوّ عنها ، وفي عدّ ما ذكر من شروط المكان كبعض ما تقدّم مسامحة .
2- محلّ تأمّل .

وغيرهم ، والزوج والزوجة وغيرهما ، وكونهما بالغين أو غير بالغين ، أو مختلفين ، بناءً على المختار من صحّة عبادات الصبيّ والصبيّة .

(مسألة 27) : الظاهر عدم الفرق أيضاً بين النافلة والفريضة .

(مسألة 28) : الحكم المذكور مختصّ بحال الاختيار ، ففي الضيق والاضطرار لا مانع ولا كراهة(1) ، نعم إذا كان الوقت واسعاً يؤخّر أحدهما صلاته ، والأولى تأخير المرأة صلاتها .

(مسألة 29) : إذا كان الرجل يصلّي وبحذائه أو قدّامه امرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة لا كراهة ولا إشكال ، وكذا العكس ، فالاحتياط أو الكراهة مختصّ بصورة اشتغالهما بالصلاة .

(مسألة 30) : الأحوط(2) ترك الفريضة على سطح الكعبة وفي جوفها اختياراً ، ولا بأس بالنافلة ، بل يستحبّ أن يصلّي فيها قبال كلّ ركن ركعتين ، وكذا لا بأس بالفريضة في حال الضرورة ، وإذا صلّى على سطحها فاللازم أن يكون قباله في جميع حالاته شيء من فضائها ، ويصلّي قائماً ، والقول بأ نّه يصلّي مستلقياً متوجّهاً إلى بيت المعمور ، أو يصلّي مضطجعاً ضعيف .

فصل : في مسجد الجبهة من مكان المصلّي

يشترط فيه - مضافاً إلى طهارته - : أن يكون من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول والملبوس ، نعم يجوز على القرطاس أيضاً ، فلا يصحّ على ما خرج عن

ص: 437


1- فيه تأمّل .
2- وإن كان الأقوى جوازها عليه ، وفي جوفها على كراهية .

اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب والفضّة والعقيق والفيروزج والقير والزفت ونحوها ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم(1) ونحوهما ، ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتّان ونحوها ، ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن(2) .

(مسألة 1) : لا يجوز(3) السجود في حال الاختيار على الخزف والآجر والنورة والجصّ المطبوخين ، وقبل الطبخ لا بأس به .

(مسألة 2) : لا يجوز السجود على البلّور والزجاجة .

(مسألة 3) : يجوز على الطين الأرمني والمختوم .

(مسألة 4) : في جواز السجدة على العقاقير والأدوية مثل لسان الثور وعنب الثعلب والخبّة وأصل السوس وأصل الهندباء إشكال ، بل المنع لا يخلو عن قوّة ، نعم لا بأس بما لا يؤكل منها شائعاً ولو في حال المرض ، وإن كان يؤكل نادراً عند المخمصة أو مثلها .

(مسألة 5) : لا بأس بالسجدة على مأكولات الحيوانات كالتبن والعلف .

(مسألة 6) : لا يجوز السجدة على ورق الچاي ولا على القهوة ، وفي جوازها على الترياك إشكال(4) .

(مسألة 7) : لا يجوز على الجوز واللوز ، نعم يجوز على قشرهما بعد

ص: 438


1- على الأحوط ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .
2- إذا كانت خارجة من مسمّى الأرض .
3- الأقرب جوازه على جميعها .
4- بل منع .

الانفصال ، وكذا نوى المشمش والبندق والفستق .

(مسألة 8) : يجوز(1) على نخالة الحنطة والشعير وقشر الأرز .

(مسألة 9) : لا بأس بالسجدة على نوى التمر(2) ، وكذا على ورق الأشجار وقشورها ، وكذا سعف النخل .

(مسألة 10) : لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس ، وقبله مشكل .

(مسألة 11) : الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً ، وكذا إذا كان مأكولاً في بعض البلدان دون بعض .

(مسألة 12) : يجوز السجود على الأوراد الغير المأكولة .

(مسألة 13) : لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها .

(مسألة 14) : يجوز السجود على الثمار الغير المأكولة أصلاً كالحنظل ونحوه .

(مسألة 15) : لا بأس بالسجود على التنباك .

(مسألة 16) : لا يجوز(3) على النبات الذي ينبت على وجه الماء .

(مسألة 17) : يجوز السجود على القبقاب والنعل المتّخذ من الخشب ممّا ليس من الملابس المتعارفة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا الثوب المتّخذ من الخوص .

ص: 439


1- فيه إشكال لا يترك الاحتياط في نخالتهما ، وأمّا على قشر الأرز بعد الانفصال فلا يبعد جوازه .
2- لا يخلو الجواز فيه من إشكال .
3- على الأحوط .

(مسألة 18) : الأحوط ترك السجود على القنّب .

(مسألة 19) : لا يجوز السجود على القطن ، لكن يجوز على خشبه وورقه .

(مسألة 20) : لا بأس بالسجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب وإن كانا ملبوسين ؛ لعدم كونهما من الملابس المتعارفة .

(مسألة 21) : يجوز السجود على قشر البطّيخ والرقّي والرمّان بعد الانفصال على إشكال(1) ، ولا يجوز على قشر الخيار والتفّاح ونحوهما .

(مسألة 22) : يجوز السجود على القرطاس وإن كان متّخذاً من القطن أو الصوف أو الإبريسم والحرير ، وكان فيه شيء من النورة ؛ سواء كان أبيض أو مصبوغاً بلون أحمر أو أصفر أو أزرق أو مكتوباً عليه ؛ إن لم يكن ممّا له جرم حائل ممّا لا يجوز السجود عليه ، كالمداد المتّخذ من الدخان ونحوه ، وكذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل .

(مسألة 23) : إذا لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه من الأرض أو نباتها أو القرطاس ، أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لحرّ أو برد أو تقيّة أو غيرها ، سجد على ثوبه القطن أو الكتّان ، وإن لم يكن(2) سجد على المعادن أو ظهر كفّه ، والأحوط تقديم الأوّل .

(مسألة 24) : يشترط أن يكون ما يسجد عليه ممّا يمكن تمكين الجبهة عليه ، فلا يصحّ على الوحل والطين أو التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه ،

ص: 440


1- لا يترك الاحتياط في الأوّلين ، ولا بأس بالثالث .
2- في صورة فقدان ثوبهما يسجد على ثوبه من غير جنسهما مع الإمكان ، ومع فقدانه يسجد على ظهر كفّه ثمّ على المعادن .

ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين ، ولكن إن لصق بجبهته يجب إزالته(1) للسجدة الثانية ، وكذا إذا سجد على التراب ولصق بجبهته يجب إزالته لها ، ولو لم يجد إلاّ الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد .

(مسألة 25) : إذا كان في الأرض ذات الطين ؛ بحيث يتلطّخ به بدنه وثيابه في حال الجلوس للسجود والتشهّد ، جاز له الصلاة مومئاً للسجود ، ولا يجب الجلوس للتشهّد ، لكن الأحوط(2) مع عدم الحرج الجلوس لهما وإن تلطّخ بدنه وثيابه ، ومع الحرج أيضاً إذا تحمّله صحّت صلاته .

(مسألة 26) : السجود على الأرض أفضل من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فإنّها تخرق الحجب السبع ، وتستنير إلى الأرضين السبع .

(مسألة 27) : إذا اشتغل بالصلاة وفي أثناءها فقد ما يصحّ السجود عليه قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكفّ على الترتيب(3) .

(مسألة 28) : إذا سجد على ما لا يجوز باعتقاد أ نّه ممّا يجوز ، فإن كان بعد رفع الرأس مضى ولا شيء عليه وإن كان قبله جرّ جبهته إن أمكن ، وإلاّ قطع الصلاة في السعة ، وفي الضيق أتمّ على ما تقدّم إن أمكن ، وإلاّ اكتفى به .

ص: 441


1- مع صيرورته حائلاً عن وصول الجبهة ، وكذا في التراب .
2- في كونه أحوط إشكال ، بل لا يبعد أن يكون الإيماء والتشهّد قائماً أحوط .
3- بل على ما مرّ من الترتيب .

فصل : في الأمكنة المكروهة

فصل : في الأمكنة المكروهة(1) وهي مواضع : أحدها : الحمّام ؛ وإن كان نظيفاً حتّى المسلخ منه عند بعضهم ، ولا بأس بالصلاة على سطحه . الثاني : المزبلة . الثالث : المكان المتّخذ للكنيف ولو سطحاً متّخذاً لذلك . الرابع : المكان الكثيف الذي يتنفّر منه الطبع . الخامس :

المكان الذي يذبح فيه الحيوانات أو ينحر . السادس : بيت المسكر . السابع : المطبخ وبيت النار . الثامن : دور المجوس ، إلاّ إذا رشّها ثمّ صلّى فيها بعد الجفاف . التاسع : الأرض السبخة . العاشر : كلّ أرض نزل فيها عذاب أو خسف . الحادي عشر : أعطان الإبل وإن كنست ورشّت . الثاني عشر : مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم . الثالث عشر : على الثلج والجمد . الرابع عشر : قرى النمل وأوديتها وإن لم يكن فيها نمل ظاهر حال الصلاة . الخامس عشر : مجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلاً ، نعم لا بأس بالصلاة على ساباط تحته نهر أو ساقية ، ولا في محلّ الماء الواقف . السادس عشر : الطرق وإن كانت في البلاد ، ما لم تضرّ بالمارّة وإلاّ حرمت وبطلت(2) . السابع عشر : في مكان يكون مقابلاً لنار مضرمة أو سراج . الثامن عشر : في مكان يكون مقابله تمثال ذي الروح ؛ من غير فرق بين المجسّم وغيره ولو كان ناقصاً نقصاً لا يخرجه عن صدق الصورة والتمثال ، وتزول الكراهة بالتغطية . التاسع عشر : بيت فيه تمثال وإن لم يكن مقابلاً له . العشرون : مكان قبلته حائط

ص: 442


1- ثبوت الكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر والأمر سهل .
2- بطلانها محلّ إشكال بل منع .

ينزّ من بالوعة يبال فيها أو كنيف ، وترتفع بستره ، وكذا إذا كان قدّامه عذرة . الحادي والعشرون : إذا كان قدّامه مصحف أو كتاب مفتوح أو نقش شاغل ، بل كلّ شيء شاغل . الثاني والعشرون : إذا كان قدّامه إنسان مواجه له . الثالث والعشرون : إذا كان مقابله باب مفتوح . الرابع والعشرون : المقابر . الخامس والعشرون : على القبر . السادس والعشرون : إذا كان القبر في قبلته ، وترتفع بالحائل . السابع والعشرون : بين القبرين من غير حائل ، ويكفي حائل واحد من أحد الطرفين ، وإذا كان بين قبور أربعة يكفي حائلان أحدهما في جهة اليمين أو اليسار والآخر في جهة الخلف أو الأمام ، وترتفع أيضاً ببعد عشرة أذرع من كلّ جهة فيها القبر . الثامن والعشرون : بيت فيه كلب غير كلب الصيد . التاسع والعشرون : بيت فيه جنب . الثلاثون : إذا كان قدّامه حديد ؛ من أسلحة أو غيرها . الواحد والثلاثون : إذا كان قدّامه ورد عند بعضهم . الثاني والثلاثون : إذا كان قدّامه بيدر حنطة أو شعير .

(مسألة 1) : لا بأس بالصلاة في البيع والكنائس وإن لم ترشّ ؛ وإن كان من غير إذن من أهلها كسائر مساجد المسلمين .

(مسألة 2) : لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة علیهم السلام ولا على يمينها وشمالها وإن كان الأولى الصلاة عند جهة الرأس على وجه لا يساوي الإمام علیه السلام .

(مسألة 3) : يستحبّ أن يجعل المصلّي بين يديه سترة إذا لم يكن قدّامه حائط أو صفّ ؛ للحيلولة بينه وبين من يمرّ بين يديه ، إذا كان في معرض المرور وإن علم بعدم المرور فعلاً ، وكذا إذا كان هناك شخص حاضر ، ويكفي فيها عود أو حبل أو كومة تراب ، بل يكفي الخطّ ولا يشترط فيها الحلّية

ص: 443

والطهارة ، وهي نوع تعظيم وتوقير للصلاة ، وفيها إشارة إلى الانقطاع عن الخلق ، والتوجّه إلى الخالق .

(مسألة 4) : يستحبّ الصلاة في المساجد ، وأفضلها مسجد الحرام ، فالصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة ، ثمّ مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف ، ومسجد الكوفة وفيه تعدل ألف صلاة والمسجد الأقصى وفيه تعدل ألف صلاة أيضاً ، ثمّ مسجد الجامع وفيه تعدل مائة ، ومسجد القبيلة وفيه تعدل خمساً وعشرين ، ومسجد السوق وفيه تعدل اثني عشر ، ويستحبّ أن يجعل في بيته مسجداً ؛ أي مكاناً معدّاً للصلاة فيه ، وإن كان لا يجري عليه أحكام المسجد ، والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ ، وأفضل البيوت بيت المخدع ، أي بيت الخزانة في البيت .

(مسألة 5) : يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة علیهم السلام ، وهي البيوت التي أمر اللّه تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، بل هي أفضل من المساجد ، بل قد ورد في الخبر : «أنّ الصلاة عند علي علیه السلام بمائتي ألف صلاة» وكذا يستحبّ في روضات الأنبياء ، ومقام الأولياء والصلحاء والعلماء والعبّاد ، بل الأحياء منهم أيضاً .

(مسألة 6) : يستحبّ تفريق الصلاة في أماكن متعدّدة ، لتشهد له يوم القيامة ، ففي الخبر سأل الراوي أبا عبداللّه علیه السلام : يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها ؟ قال علیه السلام : «لا ، بل هاهنا وهاهنا ، فإنّها تشهد له يوم القيامة» ، وعنه علیه السلام : «صلّوا من المساجد في بقاع مختلفة ، فإنّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة» .

ص: 444

(مسألة 7) : يكره لجار المسجد أن يصلّي في غيره لغير علّة كالمطر ، قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في مسجده» ، ويستحبّ ترك مؤاكلة من لا يحضر المسجد ، وترك مشاربته ومشاورته ومناكحته ومجاورته .

(مسألة 8) : يستحبّ الصلاة في المسجد الذي لا يصلّى فيه ، ويكره تعطيله ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «ثلاثة يشكون إلى اللّه عزّ وجلّ : مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله ، وعالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه» .

(مسألة 9) : يستحبّ كثرة التردّد إلى المساجد ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات» .

(مسألة 10) : يستحبّ بناء المسجد وفيه أجر عظيم ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (1) : «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ولؤلؤ وزبرجد» . وعن الصادق علیه السلام : «من بنى مسجداً بنى اللّه له بيتاً في الجنّة» .

(مسألة 11) : الأحوط إجراء صيغة الوقف بقصد القربة في صيرورته مسجداً ؛ بأن يقول : وقفته قربة إلى اللّه تعالى ، لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً مع صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني ، فيجري عليه حينئذٍ حكم المسجدية وإن لم يجر الصيغة .

ص: 445


1- والرواية على ما رأيتها : أ نّه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه - أو قال بكلّ ذراع منه - مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزمرّد وزبرجد ولؤلؤ. . . » الحديث .

(مسألة 12) : الظاهر أ نّه يجوز أن يجعل الأرض فقط مسجداً دون البناء والسطح ، وكذا يجوز أن يجعل السطح فقط مسجداً ، أو يجعل بعض الغرفات أو القباب أو نحو ذلك خارجاً ، فالحكم تابع لجعل الواقف والباني في التعميم والتخصيص ، كما أ نّه كذلك بالنسبة إلى عموم المسلمين أو طائفة دون اُخرى على الأقوى(1) .

(مسألة 13) : يستحبّ تعمير المسجد إذا أشرف على الخراب ، وإذا لم ينفع يجوز تخريبه وتجديد بنائه ، بل الأقوى جواز تخريبه مع استحكامه لإرادة توسيعه من جهة حاجة الناس .

فصل : في بعض أحكام المسجد

الأوّل : يحرم زخرفته(2) ، أي تزيينه بالذهب ، بل الأحوط ترك نقشه بالصور .

الثاني : لا يجوز بيعه ولا بيع آلاته وإن صار خراباً ولم يبق آثار مسجديته ، ولا إدخاله في الملك ولا في الطريق ، فلا يخرج عن المسجدية أبداً(3) ، ويبقى الأحكام من حرمة تنجيسه ووجوب احترامه ، وتصرف آلاته في تعميره ، وإن لم يكن معمّراً تصرف في مسجد آخر ، وإن لم يمكن الانتفاع بها أصلاً يجوز بيعها وصرف القيمة في تعميره أو تعمير مسجد آخر .

ص: 446


1- في صيرورة ما جعله لطائفة من المسلمين دون اُخرى مسجداً يترتّب عليه الأحكام المعهودة - من حرمة التنجيس وصحّة الاعتكاف فيه - إشكال ، نعم لا إشكال في صحّة الوقف كذلك وصيرورته مختصّاً بمن اختصّ به من الطوائف لمطلق العبادة أو لعبادة خاصّة .
2- على الأحوط .
3- في إطلاقه تأمّل .

الثالث : يحرم تنجيسه ، وإذا تنجّس يجب إزالتها فوراً وإن كان في وقت الصلاة مع سعته ، نعم مع ضيقه تقدّم الصلاة ، ولو صلّى مع السعة أثم ، لكن الأقوى صحّة صلاته ، ولو علم بالنجاسة أو تنجّس في أثناء الصلاة لا يجب القطع للإزالة ، وإن كان في سعة الوقت ، بل يشكل جوازه(1) ، ولا بأس بإدخال النجاسة الغير المتعدّية إلاّ إذا كان موجباً للهتك ، كالكثيرة من العذرة اليابسة مثلاً ، وإذا لم يتمكّن من الإزالة بأن احتاجت إلى معين ولم يكن سقط وجوبها ، والأحوط إعلام الغير(2) إذا لم يتمكّن ، وإذا كان جنباً وتوقّفت الإزالة على المكث فيه فالظاهر عدم وجوب المبادرة إليها بل يؤخّرها إلى ما بعد الغسل ، ويحتمل وجوب التيمّم والمبادرة إلى الإزالة .

(مسألة 1) : يجوز أن يتّخذ الكنيف ونحوه من الأمكنة التي عليها البول والعذرة ونحوهما مسجداً ، بأن يطمّ ويلقى عليها التراب النظيف ، ولا تضرّ نجاسة الباطن في هذه الصورة ، وإن كان لا يجوز تنجيسه في سائر المقامات ، لكن الأحوط(3) إزالة النجاسة أوّلاً ، أو جعل المسجد خصوص المقدار الطاهر من الظاهر .

الرابع : لا يجوز إخراج الحصى(4) منه ، وإن فعل ردّه إلى ذلك المسجد أو مسجد آخر ، نعم لا بأس بإخراج التراب الزائد المجتمع بالكنس أو نحوه .

ص: 447


1- لا يبعد جوازه بل وجوبه ، إلاّ إذا لم يكن الإتمام مخلاًّ بالفورية العرفية .
2- إذا كان موجباً للهتك ، وإلاّ فالأقوى عدم وجوبه .
3- لا يترك .
4- على الأحوط ، ومع الإخراج ردّه إلى ذلك المسجد على الأحوط ، ومع عدم الإمكان فإلى مسجد آخر .

الخامس : لا يجوز دفن الميّت في المسجد إذا لم يكن مأموناً من التلويث ، بل مطلقاً على الأحوط .

السادس : يستحبّ سبق الناس في الدخول إلى المساجد ، والتأخّر عنهم في الخروج منها.

السابع : يستحبّ الإسراج فيه وكنسه ، والابتداء في دخوله بالرجل اليمنى ، وفي الخروج باليسرى ، وأن يتعاهد نعله تحفّظاً عن تنجيسه ، وأن يستقبل القبلة ويدعو ويحمد اللّه ، ويصلّي على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وأن يكون على طهارة .

الثامن : يستحبّ صلاة التحيّة بعد الدخول ، وهي ركعتان ، ويجزي عنها الصلوات الواجبة أو المستحبّة .

التاسع : يستحبّ التطيّب ولبس الثياب الفاخرة عند التوجّه إلى المسجد .

العاشر : يستحبّ جعل المطهرة على باب المسجد .

الحادي عشر : يكره تعلية جدران المساجد ورفع المنارة عن السطح ، ونقشها بالصور غير ذوات الأرواح ، وأن يجعل لجدرانها شرفاً ، وأن يجعل لها محاريب داخلة .

الثاني عشر : يكره استطراق المساجد إلاّ أن يصلّي فيها ركعتين ، وكذا إلقاء النخامة والنخاعة والنوم إلاّ لضرورة ، ورفع الصوت إلاّ في الأذان ونحوه ، وإنشاد الضالّة ، وخذف الحصى ، وقراءة الأشعار غير المواعظ ونحوها ، والبيع والشراء ، والتكلّم في اُمور الدنيا ، وقتل القمّل ، وإقامة الحدود ، واتّخاذها محلاًّ للقضاء والمرافعة ، وسلّ السيف وتعليقه في القبلة ، ودخول من أكل البصل والثوم ونحوهما ممّا له رائحة تؤذي الناس ، وتمكين الأطفال والمجانين من الدخول فيها ، وعمل الصنائع ، وكشف العورة والسرّة والفخذ والركبة ، وإخراج الريح .

ص: 448

(مسألة 2) : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .

(مسألة 3) : الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل(1) ، والفرائض في المساجد .

فصل : في الأذان والإقامة

لا إشكال في تأكّد رجحانهما في الفرائض اليومية؛ أداءً وقضاءً ، جماعة وفرادى ، حضراً وسفراً ، للرجال والنساء ، وذهب بعض العلماء إلى وجوبهما ، وخصّه بعضهم بصلاة المغرب والصبح ، وبعضهم بصلاة الجماعة وجعلهما شرطاً في صحّتها ، وبعضهم جعلهما شرطاً في حصول ثواب الجماعة ، والأقوى استحباب الأذان مطلقاً ، والأحوط عدم ترك(2) الإقامة للرجال في غير موارد السقوط ، وغير حال الاستعجال والسفر وضيق الوقت ، وهما مختصّان بالفرائض اليومية ، وأمّا في سائر الصلوات الواجبة فيقال : «الصلاة» ثلاث مرّات(3) ، نعم يستحبّ الأذان في الاُذن اليمنى من المولود ، والإقامة في اُذنه اليسرى يوم تولّده ، أو قبل أن تسقط سرّته ، وكذا يستحبّ الأذان في الفلوات عند الوحشة من الغول وسحرة الجنّ ، وكذا يستحبّ الأذان في اُذن من ترك اللحم أربعين يوماً ، وكذا كلّ من ساء خلقه ، والأولى أن يكون في اُذنه اليمنى ، وكذا الدابّة إذا ساء خلقها .

ص: 449


1- في إطلاقه إشكال ، بل أصله لا يخلو من كلام .
2- والأقوى استحبابها ، ولكن في تركها بل في ترك الأذان أيضاً حرمان عن ثواب جزيل .
3- يأتي بها في غير العيدين رجاءً .

ثمّ إنّ الأذان قسمان : أذان الإعلام ، وأذان الصلاة ، ويشترط في أذان الصلاة كالإقامة قصد القربة ، بخلاف أذان الإعلام ، فإنّه لا يعتبر فيه ، ويعتبر أن يكون أوّل الوقت ، وأمّا أذان الصلاة فيتّصل بها وإن كان في آخر الوقت .

وفصول الأذان ثمانية عشر : اللّه أكبر ، أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، وحيّ على الصلاة ، وحيّ على الفلاح ، وحيّ على خير العمل ، واللّه أكبر ، ولا إله إلاّ اللّه ، كلّ واحد مرّتان . وفصول الإقامة سبعة عشر : اللّه أكبر ، في أوّلها مرّتان ، ويزيد بعد حيّ على خير العمل : قد قامت الصلاة مرّتين ، وينقص من لا إله إلاّ اللّه في آخرها مرّة ، ويستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه ، وأمّا الشهادة لعلي علیه السلام بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءاً منهما ، ولا بأس بالتكرير(1) في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح للمبالغة في اجتماع الناس ، ولكن الزائد ليس جزءاً من الأذان ، ويجوز للمرأة الاجتزاء عن الأذان بالتكبير والشهادتين ، بل بالشهادتين ، وعن الإقامة بالتكبير(2) وشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، ويجوز للمسافر والمستعجل(3) الإتيان بواحد من كلّ فصل منهما ، كما يجوز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة ، بل الاكتفاء بالأذان فقط ، ويكره الترجيع على نحو لا يكون غناء ، وإلاّ فيحرم ، وتكرار الشهادتين جهراً(4) بعد قولهما سرّاً أو جهراً ، بل

ص: 450


1- وكذا في الشهادتين أيضاً لهذا الغرض .
2- والظاهر الاجتزاء بالشهادتين أيضاً إذا سمعت أذان القبيلة ، والأذان والإقامة لها أفضل .
3- يأتي رجاءً .
4- فيه تأمّل .

لا يبعد كراهة مطلق تكرار واحد من الفصول إلاّ للإعلام .

(مسألة 1) : يسقط الأذان في موارد : أحدها : أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الظهر ، وأمّا مع التفريق فلا يسقط . الثاني : أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق . الثالث : أذان العشاء في ليلة المزدلفة مع الجمع أيضاً لا مع التفريق . الرابع : العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب . الخامس : المسلوس ونحوه في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين ، كما إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد ، ويتحقّق التفريق بطول الزمان بين الصلاتين ، لا بمجرّد قراءة تسبيح الزهراءI أو التعقيب ، والفصل القليل ، بل لا يحصل(1) بمجرّد فعل النافلة مع عدم طول الفصل ، والأقوى أنّ السقوط في الموارد المذكورة رخصة لا عزيمة ، وإن كان الأحوط الترك(2) خصوصاً في الثلاثة الاُولى .

(مسألة 2) : لا يتأكّد(3) الأذان لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد ، لما عدا الصلاة الاُولى ، فله أن يؤذّن للاُولى منها ، ويأتي بالبواقي بالإقامة وحدها لكلّ صلاة .

(مسألة 3) : يسقط الأذان والإقامة في موارد :

أحدها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها وأقاموا وإن لم يسمعهما ولم يكن

ص: 451


1- حصوله غير بعيد بفعل النافلة الموظّفة .
2- لا يترك في مطلق الجمع ، بل الأقوى أ نّه عزيمة في عصر يوم عرفة ، وعشاء ليلة العيد بمزدلفة .
3- الأحوط ترك الأذان في غير الاُولى .

حاضراً حينهما وكان مسبوقاً ، بل مشروعية الإتيان بهما في هذه الصورة لا تخلو عن إشكال(1) .

الثاني : الداخل في المسجد للصلاة منفرداً أو جماعة وقد اُقيمت الجماعة حال اشتغالهم ولم يدخل معهم أو بعد فراغهم مع عدم تفرّق الصفوف ، فإنّهما يسقطان ، لكن على وجه الرخصة لا العزيمة(2) على الأقوى ؛ سواء صلّى جماعةً - إماماً أو مأموماً - أو منفرداً ، ويشترط في السقوط اُمور(3) : أحدها : كون صلاته وصلاة الجماعة كلاهما أدائية ، فمع كون إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو عن الغير على وجه التبرّع أو الإجارة لا يجري الحكم . الثاني : اشتراكهما في الوقت ، فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان . الثالث : اتّحادهما في المكان عرفاً ، فمع كون إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه يشكل السقوط ، وكذا مع البعد كثيراً . الرابع : أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة ، فلو كانوا تاركين ، لا يسقطان عن الداخلين ، وإن كان تركهم من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير . الخامس : أن تكون صلاتهم صحيحة ، فلو كان الإمام فاسقاً مع علم المأمومين لا يجري الحكم ، وكذا لو كان البطلان من جهة اُخرى . السادس : أن يكون في المسجد ، فجريان الحكم في الأمكنة الاُخرى محلّ إشكال ، وحيث إنّ الأقوى كون

ص: 452


1- بل الأقوى عدم المشروعية .
2- فيه تأمّل ، بل لا يبعد كونه على وجه العزيمة .
3- في اشتراط الأوّل والثاني والسادس إشكال ، بل عدم اشتراط الأخير لا يخلو من قوّة ، ولا يبعد أن يكون السقوط لمريد هذه الجماعة لأجل بقاء حكم الداخل فيها من الاكتفاء بأذانهم وإقامتهم .

السقوط على وجه الرخصة فكلّ مورد شكّ في شمول الحكم له الأحوط أن يأتي بهما(1) ، كما لو شكّ في صدق التفرّق وعدمه ، أو صدق اتّحاد المكان وعدمه ، أو كون صلاة الجماعة أدائية أو لا ، أو أ نّهم أذّنوا وأقاموا لصلاتهم أم لا ، نعم لو شكّ في صحّة صلاتهم حمل على الصحّة .

الثالث من موارد سقوطهما : إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته ، فإنّه يسقط عنه سقوطاً على وجه الرخصة ؛ بمعنى أ نّه يجوز له أن يكتفي بما سمع - إماماً كان الآتي بهما أو مأموماً أو منفرداً - وكذا في السامع ، لكن بشرط أن لا يكون ناقصاً ، وأن يسمع تمام الفصول ، ومع فرض النقصان يجوز له أن يتمّ ما نقصه القائل ، ويكتفي به ، وكذا إذا لم يسمع التمام يجوز له أن يأتي بالبقيّة ، ويكتفي به ، لكن بشرط مراعاة الترتيب ، ولو سمع أحدهما لم يجز للآخر ، والظاهر أ نّه لو سمع الإقامة فقط فأتى بالأذان لا يكتفي بسماع الإقامة ؛ لفوات الترتيب حينئذٍ بين الأذان والإقامة .

الرابع : إذا حكى أذان الغير أو إقامته ، فإنّ له أن يكتفي بحكايتهما .

(مسألة 4) : يستحبّ حكاية الأذان عند سماعه ؛ سواء كان أذان الإعلام أو أذان الإعظام ؛ أي أذان الصلاة جماعة أو فرادى ، مكروهاً كان أو مستحبّاً ، نعم لا يستحبّ(2) حكاية الأذان المحرّم . والمراد بالحكاية أن يقول مثل ما قال المؤذّن عند السماع من غير فصل معتدّ به ، وكذا يستحبّ حكاية الإقامة(3) أيضاً ، لكن ينبغي إذا قال المقيم : «قد قامت الصلاة» أن يقول هو : «اللهمّ أقمها وأدمها ،

ص: 453


1- بل الإتيان بهما رجاءً في موارد الإشكال لا بأس به ، حتّى على القول بالعزيمة .
2- غير معلوم .
3- لكن يأتي بالحيّعلات رجاءً .

واجعلني من خير صالحي أهلها» والأولى تبديل الحيّعلات بالحولقة ، بأن يقول :

«لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» .

(مسألة 5) : يجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة ، لكنّ الأقوى حينئذٍ تبديل الحيّعلات بالحولقة .

(مسألة 6) : يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل بينه وبين الصلاة .

(مسألة 7) : الظاهر عدم الفرق بين السماع والاستماع .

(مسألة 8) : القدر المتيقّن من الأذان ، الأذان المتعلّق بالصلاة ، فلو سمع الأذان الذي يقال في اُذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه إلى السفر لا يجزيه .

(مسألة 9) : الظاهر(1) عدم الفرق بين أذان الرجل والمرأة ، إلاّ إذا كان سماعه على الوجه المحرّم ، أو كان أذان المرأة على الوجه المحرّم .

(مسألة 10) : قد يقال : يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأوّل قاصداً للصلاة ، فلو لم يكن قاصداً وبعد السماع بنى على الصلاة لم يكفِ في السقوط ، وله وجه .

فصل: في شرائط في الأذان والإقامة

يشترط في الأذان والإقامة اُمور :

الأوّل : النيّة ؛ ابتداء واستدامة على نحو سائر العبادات ، فلو أذّن أو أقام لا بقصد القربة لم يصحّ ، وكذا لو تركها في الأثناء ، نعم لو رجع إليها وأعاد ما أتى به

ص: 454


1- فيه تأمّل .

من الفصول لا مع القربة معها صحّ(1) ، ولا يجب الاستئناف . هذا في أذان الصلاة ، وأمّا أذان الإعلام فلا يعتبر فيه القربة - كما مرّ - ويعتبر أيضاً تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك ، فلو لم يعيّن لم يكف ، كما أ نّه لو قصد بهما صلاة لا يكفي لاُخرى ، بل يعتبر الإعادة والاستئناف.

الثاني : العقل والإيمان ، وأمّا البلوغ فالأقوى عدم اعتباره خصوصاً في الأذان ، وخصوصاً في الإعلامي ، فيجزي أذان المميّز وإقامته إذا سمعه أو حكاه ، أو فيما لو أتى بهما للجماعة ، وأمّا إجزاؤهما لصلاة نفسه فلا إشكال فيه ، وأمّا الذكورية فتعتبر في أذان الإعلام والأذان والإقامة لجماعة الرجال غير المحارم ، ويجزيان لجماعة النساء والمحارم على إشكال في الأخير ، والأحوط عدم الاعتداد ، نعم الظاهر إجزاء سماع أذانهنّ بشرط عدم الحرمة - كما مرّ - وكذا إقامتهنّ .

الثالث : الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة ، وكذا بين فصول كلّ منهما ، فلو قدّم الإقامة عمداً أو جهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان ، وكذا لو خالف الترتيب فيما بين فصولهما ، فإنّه يرجع إلى موضع المخالفة ، ويأتي على الترتيب إلى الآخر ، وإذا حصل الفصل الطويل المخلّ بالموالاة يعيد من الأوّل ؛ من غير فرق أيضاً بين العمد وغيره .

الرابع : الموالاة بين الفصول من كلّ منهما على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرّعة ، وكذا بين الأذان والإقامة ، وبينهما وبين الصلاة ، فالفصل الطويل المخلّ بحسب عرف المتشرّعة بينهما ، أو بينهما وبين الصلاة مبطل .

ص: 455


1- الصحّة مع الإتيان رياءً محلّ تأمّل .

الخامس : الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية ، فلا يجزي ترجمتهما ، ولا مع تبديل حرف بحرف .

السادس: دخول الوقت ، فلو أتى بهما قبله ، ولو لا عن عمد لم يجتز بهما وإن دخل الوقت في الأثناء ، نعم لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام وإن كان الأحوط إعادته بعده .

السابع : الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوّة، بخلاف الأذان .

(مسألة 1) : إذا شكّ في الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة لم يعتن به ، وكذا لو شكّ في فصل من أحدهما بعد الدخول في الفصل اللاحق، ولو شكّ قبل التجاوز أتى بما شكّ فيه.

فصل: في مستحبات في شرائط في الأذان والإقامة

يستحبّ فيهما اُمور : الأوّل : الاستقبال . الثاني : القيام . الثالث : الطهارة في الأذان ، وأمّا الإقامة فقد عرفت أنّ الأحوط - بل لا يخلو عن قوّة - اعتبارها فيها ، بل الأحوط اعتبار الاستقبال والقيام أيضاً فيها ، وإن كان الأقوى الاستحباب . الرابع : عدم التكلّم في أثنائهما ، بل يكره بعد «قد قامت الصلاة» للمقيم ، بل لغيره أيضاً في صلاة الجماعة ، إلاّ في تقديم إمام ، بل مطلق ما يتعلّق بالصلاة ، كتسوية صفّ ونحوه ، بل يستحبّ له إعادتها حينئذٍ . الخامس : الاستقرار في الإقامة . السادس : الجزم في أواخر فصولهما مع التأ نّي في الأذان والحدر في الإقامة على وجه لا ينافي قاعدة الوقف . السابع : الإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة في آخر كلّ فصل هو فيه . الثامن : وضع الإصبعين في

ص: 456

الاُذنين في الأذان . التاسع : مدّ الصوت في الأذان ورفعه ، ويستحبّ الرفع في الإقامة أيضاً ، إلاّ أ نّه دون الأذان . العاشر : الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين(1) أو خطوة أو قعدة أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سكوت ، بل أو تكلّم لكن في غير(2) الغداة ، بل لا يبعد كراهته فيها .

(مسألة 1) : لو اختار السجدة ، يستحبّ أن يقول في سجوده : «ربّ سجدت لك خاضعاً خاشعاً» أو يقول : «لا إله إلاّ أنت سجدتُ لك خاضعاً خاشعاً» ولو اختار القعدة يستحبّ أن يقول : «اللهمّ اجعل قلبي بارّاً ورزقي دارّاً وعملي سارّاً واجعل لي عند قبر نبيّك قراراً ومستقرّاً» ولو اختار الخطوة أن يقول : «باللّه أستفتح وبمحمّد صلی الله علیه و آله وسلم أستنجح وأتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين» .

(مسألة 2) : يستحبّ لمن سمع المؤذّن يقول : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه» أن يقول : «وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أكتفي بها عن كلّ من أبى وجحد ، وأعين بها من أقرّ وشهد» .

(مسألة 3) : يستحبّ في المنصوب للأذان أن يكون عدلاً رفيع الصوت ، مبصراً بصيراً بمعرفة الأوقات ، وأن يكون على مرتفع منارة أو غيرها .

(مسألة 4) : من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمداً حتّى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركهما ، نعم إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع ؛

ص: 457


1- يأتي بهما في صلاة المغرب رجاءً ، والأولى الفصل فيها بغيرهما .
2- استدراك عن التكلّم .

منفرداً كان أو غيره ، حال الذكر(1) لا ما إذا عزم على الترك زماناً معتدّاً به ثمّ أراد الرجوع ، بل وكذا لو بقي على التردّد كذلك ، وكذا لا يرجع لو نسي أحدهما(2) أو نسي بعض فصولهما بل أو شرائطهما على الأحوط .

(مسألة 5) : يجوز للمصلّي فيما إذا جاز له ترك الإقامة ، تعمّد الاكتفاء بأحدهما ، لكن لو بنى على ترك الأذان ، فأقام ثمّ بدا له فعله أعادها بعده .

(مسألة 6) : لو نام في خلال أحدهما أو جنّ أو اُغمي عليه أو سكر ثمّ أفاق ، جاز له البناء ما لم تفت الموالاة ؛ مراعياً لشرطية الطهارة في الإقامة ، لكن الأحوط الإعادة فيها مطلقاً ، خصوصاً في النوم ، وكذا لو ارتدّ عن ملّة(3) ثمّ تاب .

(مسألة 7) : لو أذّن منفرداً وأقام ثمّ بدا له الإمامة(4) يستحبّ له إعادتهما .

(مسألة 8) : لو أحدث في أثناء الإقامة أعادها(5) بعد الطهارة ، بخلاف الأذان ، نعم يستحبّ فيه أيضاً الإعادة بعد الطهارة .

(مسألة 9) : لا يجوز أخذ الاُجرة على أذان الصلاة ، ولو أتى به بقصدها بطل ، وأمّا أذان الإعلام فقد يقال(6) بجواز أخذها عليه ، لكنّه مشكل ، نعم لا بأس بالارتزاق من بيت المال .

(مسألة 10) : قد يقال : إنّ اللحن في أذان الإعلام لا يضرّ ، وهو ممنوع .

ص: 458


1- بل مطلقاً على الأقوى ، والأحوط ما في المتن .
2- جواز الرجوع في نسيان الإقامة لا يخلو من قوّة ، خصوصاً قبل القراءة .
3- بل مطلقاً .
4- أو المأمومية .
5- رجاءً ، وكذا في الأذان .
6- وهو الأقوى .

فصل في إقبال القلب علی العمل

ينبغي للمصلّي بعد إحراز شرائط صحّة الصلاة ورفع موانعها السعي في تحصيل شرائط قبولها ورفع موانعه ، فإنّ الصحّة والإجزاء غير القبول ، فقد يكون العمل صحيحاً ولا يعدّ فاعله تاركاً بحيث يستحقّ العقاب على الترك ، لكن لا يكون مقبولاً للمولى ، وعمدة شرائط القبول إقبال القلب على العمل ، فإنّه روحه ، وهو بمنزلة الجسد ، فإن كان حاصلاً في جميعه فتمامه مقبول ، وإلاّ فبمقداره ، فقد يكون نصفه مقبولاً ، وقد يكون ثلثه مقبولاً ، وقد يكون ربعه ، وهكذا ، ومعنى الإقبال أن يحضر قلبه ويتفهّم ما يقول ، ويتذكّر عظمة اللّه تعالى ، وأ نّه ليس كسائر من يخاطب ويتكلّم معه ، بحيث يحصل في قلبه هيبة منه ، وبملاحظة أ نّه مقصّر في أداء حقّه يحصل له حالة حياء ، وحالة بين الخوف والرجاء بملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى ، وللإقبال وحضور القلب مراتب ودرجات ، وأعلاها ما كان لأمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه - حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة ولا يحسّ به ، وينبغي له أن يكون مع الخضوع والخشوع والوقار والسكينة ، وأن يصلّي صلاة مودّع ، وأن يجدّد التوبة والإنابة والاستغفار ، وأن يكون صادقاً في أقواله ، كقوله : )إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ(وفي سائر مقالاته وأن يلتفت أ نّه لمن يناجي وممّن يسأل ولمن يسأل ، وينبغي أيضاً أن يبذل جهده في الحذر عن مكائد الشيطان وحبائله ومصائده التي منها إدخال العجب في نفس العابد ، وهو من موانع قبول العمل ، ومن موانع القبول أيضاً حبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة ، ومنها الحسد

ص: 459

والكبر والغيبة ، ومنها أكل الحرام وشرب المسكر ، ومنها النشوز والإباق ، بل مقتضى قوله تعالى : )إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ المُتَّقِينَ( عدم قبول الصلاة وغيرها من كلّ عاص وفاسق ، وينبغي أيضاً أن يجتنب ما يوجب قلّة الثواب والأجر على الصلاة ، كأن يقوم إليها كسلاً ثقيلاً في سكرة النوم أو الغفلة ، أو كان لاهياً فيها أو مستعجلاً أو مدافعاً للبول أو الغائط أو الريح ، أو طامحاً ببصره إلى السماء ، بل ينبغي أن يخشع ببصره شبه المغمّض للعين ، بل ينبغي أن يجتنب كلّ ما ينافي الخشوع ، وكلّ ما ينافي الصلاة في العرف والعادة ، وكلّ ما يشعر بالتكبّر أو الغفلة ، وينبغي أيضاً أن يستعمل ما يوجب زيادة الأجر وارتفاع الدرجة كاستعمال الطيب ، ولبس أنظف الثياب ، والخاتم من عقيق ، والتمشّط ، والاستياك ونحو ذلك .

فصل في واجبات الصلاة

اشارة

واجبات الصلاة أحد عشر : النيّة ، والقيام ، وتكبيرة الإحرام ، والركوع ، والسجود ، والقراءة ، والذكر ، والتشهّد ، والسلام ، والترتيب ، والموالاة .

والخمسة الاُولى أركان(1) ؛ بمعنى أنّ زيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً موجبة للبطلان ، لكن لا يتصوّر الزيادة في النيّة بناءً على الداعي ، وبناءً على الإخطار غير قادحة ، والبقيّة واجبات غير ركنية ، فزيادتها ونقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً .

ص: 460


1- القيام ركن في الجملة كما يأتي ، كما أنّ السجدتين ركن .
فصل : في النيّة

وهي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال والقربة ، ويكفي فيها الداعي القلبي ، ولا يعتبر فيها الإخطار بالبال ولا التلفّظ ، فحال الصلاة وسائر العبادات حال سائر الأعمال والأفعال الاختيارية ، كالأكل والشرب والقيام والقعود ونحوها من حيث النيّة . نعم ، تزيد عليها باعتبار القربة فيها ؛ بأن يكون الداعي والمحرّك هو الامتثال والقربة ، ولغايات الامتثال درجات : أحدها - وهو أعلاها -(1) : أن يقصد امتثال أمر اللّه ؛ لأ نّه تعالى أهل للعبادة والطاعة ، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام بقوله : «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنّتك ، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك» . الثاني : أن يقصد شكر نعمه التي لا تحصى . الثالث : أن يقصد به تحصيل رضاه ، والفرار من سخطه . الرابع : أن يقصد به حصول القرب إليه . الخامس : أن يقصد به الثواب ورفع العقاب ؛ بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه وتخليصه من النار ، وأمّا إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحّته ، وما ورد من صلاة الاستسقاء وصلاة الحاجة إنّما يصحّ إذا كان على الوجه الأوّل .

(مسألة 1) : يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلاً متعدّداً ، ولكن يكفي التعيين الإجمالي ؛ كأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً من الصلاتين مثلاً ، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً ، ولا يجب(2) مع الاتّحاد .

ص: 461


1- وأعلى منه درجات اُخر ؛ أشارت إلى بعضها ما وردت في صلاة المعراج و«مصباح الشريعة» .
2- بل يجب معه أيضاً ؛ وإن حصل إجمالاً بقصد ما في الذمّة .

(مسألة 2) : لا يجب قصد الأداء والقضاء ولا القصر والتمام ، ولا الوجوب والندب إلاّ مع توقّف التعيين على قصد أحدهما ، بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق ، كأن قصد امتثال الأمر المتعلّق به فعلاً ، وتخيّل أ نّه أمر أدائي فبان قضائياً ، أو بالعكس ، أو تخيّل أ نّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس ، وكذا القصر والتمام ، وأمّا إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحاً ، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلاّ ، أو الأمر الوجوبي ليس إلاّ ، فبان الخلاف ، فإنّه باطل(1) .

(مسألة 3) : إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول ، بل لو نوى أحدهما وأتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحّة ، ولا يجب التعيين حين الشروع أيضاً ، نعم لو نوى القصر فشكّ بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول(2) إلى التمام والبناء على الثلاث وإن كان لا يخلو من وجه ، بل قد يقال بتعيّنه ، والأحوط العدول والإتمام مع صلاة الاحتياط والإعادة .

(مسألة 4) : لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلاً ، بل يكفي الإجمال ، نعم يجب نيّة المجموع من الأفعال جملة ، أو الأجزاء على وجه يرجع إليها ، ولا يجوز(3) تفريق النيّة على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة ؛ كأن يقصد كلاًّ منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية .

ص: 462


1- غير معلوم ؛ إذا قصد امتثال الأمر الشخصي مع التقييد خطأ .
2- الظاهر وجوب العمل بالشكّ من غير لزوم قصد العدول ، والأحوط الإعادة أيضاً .
3- بل في إمكانه إشكال مع قصد امتثال أمر الصلاة .

(مسألة 5) : لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة ، ولا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة ، ولا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها .

(مسألة 6) : الأحوط ترك التلفّظ بالنيّة في الصلاة ، خصوصاً في صلاة الاحتياط(1) للشكوك ، وإن كان الأقوى معه الصحّة .

(مسألة 7) : من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه ، فيأتي بها جزءاً فجزءاً ، ويجب عليه أن ينويها أوّلاً على الإجمال .

(مسألة 8) : يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء ، فلو نوى بها الرياء بطلت ، بل هو من المعاصي الكبيرة ؛ لأ نّه شرك باللّه تعالى ، ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه : أحدها : أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّه تعالى ، وهذا باطل بلا إشكال ؛ لأ نّه فاقد لقصد القربة أيضاً . الثاني : أن يكون داعيه ومحرّكه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً ، وهذا أيضاً باطل ؛ سواء كانا مستقلّين ، أو كان أحدهما تبعاً والآخر مستقلاًّ ، أو كانا معاً ومنضمّاً محرّكاً وداعياً . الثالث : أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء ، وهذا أيضاً باطل ، وإن كان محلّ التدارك باقياً ، نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن والأذان والإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختصّ البطلان به ، فلو تدارك بالإعادة صحّ(2) . الرابع : أن يقصد ببعض الأجزاء

ص: 463


1- لا يترك الاحتياط فيها ، بل البطلان لا يخلو من وجه .
2- في صحّة الأذان والإقامة تأمّل .

المستحبّة الرياء ، كالقنوت في الصلاة ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى . الخامس : أن يكون أصل العمل للّه ، لكن أتى به في مكان وقصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياءً ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى ، وكذا إذا كان وقوفه في الصفّ الأوّل من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء . السادس : أن يكون الرياء من حيث الزمان كالصلاة في أوّل الوقت رياء ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى . السابع : أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل كالإتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأ نّي أو بالخشوع أو نحو ذلك ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى . الثامن : أن يكون في مقدّمات العمل ، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد ، والظاهر عدم البطلان في هذه الصورة . التاسع : أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة ، كالتحنّك حال الصلاة وهذا لا يكون مبطلاً إلاّ إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً . العاشر : أن يكون العمل خالصاً للّه ، لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس ، والظاهر عدم بطلانه أيضاً ، كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ ، خصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور ، وكذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد(1) .

(مسألة 9) : الرياء المتأخّر لا يوجب البطلان ؛ بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ، ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره ، أو عمل عملاً يدلّ على أ نّه فعل كذا .

(مسألة 10) : العجب المتأخّر لا يكون مبطلاً ، بخلاف المقارن . فإنّه مبطل على الأحوط ، وإن كان الأقوى خلافه .

ص: 464


1- فيه إشكال ، بل كونه مضرّاً لا يخلو من وجه .

(مسألة 11) : غير الرياء من الضمائم : إمّا حرام أو مباح أو راجح ، فإن كان حراماً وكان متّحداً(1) مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء ، وإن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلاً ، وإن كان مباحاً أو راجحاً ، فإن كان تبعاً وكان داعي القربة مستقلاًّ فلا إشكال في الصحّة(2) ، وإن كان مستقلاًّ وكان داعي القربة تبعاً بطل ، وكذا إذا كانا معاً منضمّين محرّكاً وداعياً على العمل ، وإن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة(3)، وإن كان الأحوط الإعادة.

(مسألة 12) : إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة وغيرها ، كأن قصد بركوعه تعظيم الغير والركوع الصلاتي ، أو بسلامه سلام التحيّة وسلام الصلاة بطل(4) ، إن كان من الأجزاء الواجبة ؛ قليلاً كان أم كثيراً ، أمكن تداركه أم لا ، وكذا في الأجزاء المستحبّة غير القرآن والذكر على الأحوط(5) ، وأمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلاً ، إلاّ إذا كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة ، أو كان كثيراً .

(مسألة 13) : إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم يبطل ، إلاّ إذا كان قصد الجزئية تبعاً وكان من الأذكار الواجبة ، ولو قال : «اللّه أكبر» مثلاً

ص: 465


1- مجرّد اتّحاده مع العمل أو جزئه لا يوجب الإبطال على الأقوى .
2- إن كانت الضميمة جزءاً للداعي عند الاجتماع مع الداعي الاستقلالي ، فلا يبعد القول بالبطلان .
3- بل الأقوى البطلان مع اجتماعهما على التحريك في غير الراجح ، والأحوط فيه البطلان أيضاً .
4- أي بطلت الصلاة مطلقاً إذا كان الإتيان عمداً ، وفي الأركان ولو سهواً .
5- بل مطلقاً على الأحوط .

بقصد الذكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل(1) ، مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية .

(مسألة 14) : وقت النيّة ابتداء الصلاة وهو حال تكبيرة الإحرام وأمره سهل بناءً على الداعي ، وعلى الإخطار اللازم اتّصال آخر النيّة المخطرة بأوّل التكبير وهو أيضاً سهل .

(مسألة 15) : يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة ؛ بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة ، بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له : ما تفعل ؟ يبقى متحيّراً ، وأمّا مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة ، ولا يلزم الاستحضار الفعلي .

(مسألة 16) : لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلاً أو بعد ذلك ، أو نوى القاطع(2) والمنافي فعلاً أو بعد ذلك ، فإن أتمّ مع ذلك بطل ، وكذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمّ عاد إلى النيّة الاُولى ، وأمّا لو عاد إلى النيّة الاُولى قبل أن يأتي بشيء لم يبطل ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة ، ولو نوى القطع أو القاطع وأتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمّ عاد إلى النيّة الاُولى ، فالبطلان موقوف على كونه فعلاً كثيراً(3) ، فإن كان قليلاً لم يبطل ، خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة أيضاً .

ص: 466


1- إذا كان أصل الإتيان بقصد الصلاة ورفع الصوت بقصد الإعلان ، وأمّا مع التشريك في أصل الإتيان مشكل أو مبطل ، حتّى مع كون الإعلان تبعاً .
2- مع الالتفات إلى منافاته للصلاة ، وإلاّ فالأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان بالأجزاء على هذه الحالة .
3- ماحياً للصورة .

(مسألة 17) : لو قام لصلاة ونواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها ، ولا يضرّ(1) سبق اللسان ولا الخطور الخيالي .

(مسألة 18) : لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أ نّها نافلة غفلة أو بالعكس ، صحّت على ما افتتحت عليه .

(مسألة 19) : لو شكّ فيما في يده أ نّه عيّنها ظهراً أو عصراً - مثلاً - قيل : بنى على التي قام إليها ، وهو مشكل(2) ، فالأحوط الإتمام والإعادة ، نعم لو رأى نفسه في صلاة معيّنة وشكّ في أ نّه من الأوّل نواها أو نوى غيرها بنى على أ نّه نواها وإن لم يكن ممّا قام إليه ؛ لأ نّه يرجع إلى الشكّ بعد تجاوز المحلّ .

(مسألة 20) : لا يجوز العدول من صلاة إلى اُخرى إلاّ في موارد خاصّة :

أحدها : في الصلاتين المرتّبتين كالظهرين والعشاءين إذا دخل في الثانية قبل الاُولى ، عدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول ، وأمّا إذا

ص: 467


1- إذا كان الباعث له هو داعي ما قام عليه .
2- بل ممنوع ، وللمسألة صور كثيرة ، والأقوى فيما إذا لم يصلّ العصر أو شكّ في إتيانه وكان في الوقت المشترك العدول إلى الظهر ، وكذا في الوقت المختصّ بالعصر إذا كان الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر وإدراك ركعة من العصر ، ومع عدم السعة ، فإن كان واسعاً لإدراك ركعة من العصر ترك ما في يده وصلّى العصر ويقضي الظهر مع العلم بعدم الإتيان ، ومع الشكّ لا يعتني به على الأقوى ، والأحوط القضاء ، ومع عدم السعة لإدراك ركعة أيضاً فالأحوط إتمامه عصراً وقضاء الظهر والعصر خارج الوقت مع العلم بعدم إتيان الظهر ، وإلاّ فيقضي العصر والأحوط قضاء الظهر أيضاً ، ولا يبعد جواز رفع اليد عمّا بيده في هذه الصورة وقضاؤهما في صورة العلم بتركهما وقضاء العصر فقط مع الشكّ في إتيانهما ، والأحوط قضاء الظهر أيضاً .

تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب ، فإنّه لا يجوز العدول لعدم بقاء محلّه فيتمّها عشاء ثمّ يصلّي المغرب ويعيد العشاء(1) أيضاً احتياطاً ، وأمّا إذا دخل في قيام الرابعة ولم يركع بعد ، فالظاهر بقاء محلّ العدول ، فيهدم القيام ويتمّها بنيّة المغرب .

الثاني : إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء ، فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محلّ العدول ، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكّر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر والعصر ، وأمّا إذا تجاوز أتمّ ما بيده على الأحوط ، ويأتي بالسابقة ويعيد اللاحقة كما مرّ في الأدائيّتين ، وكذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة ، فإنّه يعدل .

الثالث : إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاء ، فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محلّ العدول ، والعدول في هذه الصورة على وجه الجواز بل الاستحباب(2) ، بخلاف الصورتين الأوّلتين فإنّه على وجه الوجوب(3) .

الرابع : العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة «الجمعة» وقرأ سورة اُخرى من «التوحيد» أو غيرها وبلغ النصف أو تجاوز ، وأمّا إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة ولو كانت هي «التوحيد» ، إلى سورة «الجمعة» فيقطعها ويستأنف سورة «الجمعة» .

ص: 468


1- لا ينبغي ترك الاحتياط وإن كانت الصحّة عشاء لا تخلو من قوّة ، وكذا في الفرع الآتي .
2- في استحباب العدول مع خوف فوت وقت فضيلة ما بيده تأمّل ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .
3- في غير المترتّبتين من القضائيّتين مبنيّ على الاحتياط ؛ وإن لا يخلو الوجوب من وجه.

الخامس : العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة ؛ إذا دخل فيها واُقيمت الجماعة وخاف السبق ، بشرط عدم تجاوز محلّ العدول؛ بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

السادس(1) : العدول من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى .

السابع : العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض .

الثامن : العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيّام .

التاسع : العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها .

العاشر : العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير .

(مسألة 21) : لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة ، فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها واستأنف ، ولا يجوز العدول على الأقوى .

(مسألة 22) : لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض ، ولا من النفل إلى النفل ، حتّى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت والسبق واللحوق .

(مسألة 23) : إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا(2) كما لو نوى بالظهر العصر وأتمّها على نيّة العصر .

(مسألة 24) : لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أ نّه

ص: 469


1- هذا وما بعده ليس من أقسام المقسم المذكور ، إلاّ على بعض المباني الفاسدة ، لكن لا في جميعها .
2- إذا تذكّر بعد الدخول في الركن ، وإلاّ فيمكن القول بصحّة المعدول عنه ، وعليه جبران ما نقص عنه .

قد فعلها ، لم يصحّ له العدول إلى العصر .

(مسألة 25) : لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء ، لا يبعد صحّتها على النيّة الاُولى ، كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمّ بان أ نّه صلاّها ، فإنّها تصحّ عصراً لكن الأحوط(1) الإعادة .

(مسألة 26) : لا بأس(2) بترامي العدول ، كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها ، فإنّه يعدل منها إليها وهكذا .

(مسألة 27) : لا يجوز العدول بعد الفراغ إلاّ في الظهرين(3) إذا أتى بنيّة العصر بتخيّل أ نّه صلّى الظهر فبان أ نّه لم يصلّها ، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة أ نّه يجعلها ظهراً وقد مرّ سابقاً .

(مسألة 28) : يكفي في العدول مجرّد النيّة من غير حاجة(4) إلى ما ذكر في ابتداء النيّة .

(مسألة 29) : إذا شرع في السفر وكان في السفينة أو الكاري - مثلاً - فشرع في الصلاة بنيّة التمام(5) قبل الوصول إلى حدّ الترخّص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخّص ، فإن لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أ نّه يعدل إلى القصر ، وإن دخل

ص: 470


1- لا يترك إلاّ في مثل ما تقدّم في التعليقة الآنفة .
2- فيه تأمّل .
3- حتّى فيهما .
4- لحصول ما ذكر ، وإلاّ فيحتاج إليه .
5- بتخيّل عدم الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الإتمام ، وإلاّ فصحّة صلاته في بعض فروض المسألة محلّ إشكال بل منع .

في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام والإعادة قصراً ، وإن كان في السفر ودخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخّص يعدل إلى التمام .

(مسألة 30) : إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلاً وتخيّل أ نّها الظهر - مثلاً - ثمّ تبيّن أنّ ما في ذمّته هي العصر أو بالعكس ، فالظاهر الصحّة ؛ لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق .

(مسألة 31) : إذا تخيّل أ نّه أتى بركعتين من نافلة الليل - مثلاً - فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك ، فبان أ نّه لم يصلّ الأوّلتين صحّت وحسبت له الأوّلتان ، وكذا في نوافل الظهرين ، وكذا إذا تبيّن بطلان الأوّلتين ، وليس هذا من باب العدول ، بل من جهة أ نّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين ، فتحسب على ما هو الواقع ، نظير ركعات الصلاة ؛ حيث إنّه لو تخيّل أنّ ما بيده من الركعة ثانية - مثلاً - فبان أ نّها الاُولى أو العكس أو نحو ذلك لا يضرّ ، ويحسب على ما هو الواقع .

فصل : في تكبيرة الإحرام

وتسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً ، وهي أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة ، بناءً على كون النيّة شرطاً ، وبها يحرم على المصلّي المنافيات ، وما لم يتمّها يجوز له قطعها ، وتركها عمداً وسهواً مبطل ، كما أنّ زيادتها أيضاً كذلك ، فلو كبّر بقصد الافتتاح وأتى بها على الوجه الصحيح ثمّ كبّر بهذا القصد ثانياً بطلت ، واحتاج إلى ثالثة ، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى خامسة ، وهكذا تبطل بالشفع وتصحّ بالوتر ، ولو كان في أثناء صلاة فنسي وكبّر

ص: 471

لصلاة اُخرى فالأحوط إتمام(1) الاُولى وإعادتها .

وصورتها : «اللّه أكبر» من غير تغيير ولا تبديل ، ولا يجزي مرادفها ولا ترجمتها بالعجمية أو غيرها ، والأحوط عدم(2) وصلها بما سبقها من الدعاء أو لفظ النيّة ، وإن كان الأقوى جوازه ويحذف الهمزة من اللّه حينئذٍ كما أنّ الأقوى جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما ، ويجب حينئذٍ إعراب راء أكبر ، لكنّ الأحوط عدم الوصل ، ويجب إخراج حروفها من مخارجها والموالاة بينها وبين الكلمتين .

(مسألة 1) : لو قال : اللّه تعالى أكبر ، لم يصحّ ، ولو قال : اللّه أكبر من أن يوصف أو من كلّ شيء ، فالأحوط الإتمام والإعادة وإن كان الأقوى الصحّة إذا لم يكن بقصد التشريع .

(مسألة 2) : لو قال : اللّه أكبار ، بإشباع فتحة الباء حتّى تولّد الألف بطل ، كما أ نّه لو شدّد راء أكبر بطل أيضاً .

(مسألة 3) : الأحوط تفخيم اللام من اللّه ، والراء من أكبر ، ولكن الأقوى الصحّة مع تركه أيضاً .

(مسألة 4) : يجب فيها القيام والاستقرار ، فلو ترك أحدهما بطل ؛ عمداً كان أو سهواً(3) .

ص: 472


1- وإن كان الأقوى صحّة الاُولى .
2- لا يترك .
3- على الأحوط في ترك الاستقرار ، فلو تركه سهواً فالأحوط الإتيان بالمنافي ثمّ التكبير ، وأحوط منه إتمام الصلاة ثمّ الإعادة .

(مسألة 5) : يعتبر في صدق التلفّظ بها - بل وبغيرها من الأذكار والأدعية والقرآن - أن يكون بحيث يسمع نفسه ؛ تحقيقاً أو تقديراً ، فلو تكلّم بدون ذلك لم يصحّ .

(مسألة 6) : من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم ، ولا يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلّم إلاّ إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة ، وإن لم يقدر فترجمتها من غير العربية ولا يلزم أن يكون بلغته وإن كان أحوط ، ولا يجزي عن الترجمة غيرها من الأذكار والأدعية وإن كانت بالعربية ، وإن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفاً فحرفاً(1) قدّم على الملحون والترجمة .

(مسألة 7) : الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ، وإن عجز عن النطق أصلاً أخطرها بقلبه وأشار إليها مع تحريك لسانه إن أمكنه .

(مسألة 8) : حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتّى في إشارة الأخرس .

(مسألة 9) : إذا ترك التعلّم في سعة الوقت حتّى ضاق أثم ، وصحّت صلاته على الأقوى ، والأحوط القضاء بعد التعلّم .

(مسألة 10) : يستحبّ الإتيان بستّ تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام ، فيكون المجموع سبعة ، وتسمّى بالتكبيرات الافتتاحية ، ويجوز الاقتصار على الخمس وعلى الثلاث ولا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء ، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً ، لكن الأحوط اختيار الأخيرة ، ولا يكفي

ص: 473


1- مع مراعاة الموالاة العرفية .

قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين ، والظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية ، بل تستحبّ في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة ، وربما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع وهي كلّ صلاة واجبة ، وأوّل ركعة من صلاة الليل ، ومفردة الوتر ، وأوّل ركعة من نافلة الظهر ، وأوّل ركعة من نافلة المغرب ، وأوّل ركعة من صلاة الإحرام والوتيرة ، ولعلّ القائل أراد تأكّدها في هذه المواضع .

(مسألة 11) : لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات بل أقوال : تعيين الأوّل ، وتعيين الأخير ، والتخيير ، والجميع ، فالأقوى لمن أراد إحراز جميع(1) الاحتمالات ، ومراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أ نّه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا ، ويعيّن في قلبه ما شاء ، وإلاّ فهو ما عند اللّه من الأوّل أو الأخير أو الجميع .

(مسألة 12) : يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ، لكنّ الأفضل أن يأتي بالثلاث ثمّ يقول : «اللهمّ أنت الملك الحقّ لا إله إلاّ أنت ، سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت» ، ثمّ يأتي باثنتين ويقول : «لبّيك وسعديك والخير في يديك ، والشرّ ليس إليك ، والمهديّ من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك

ص: 474


1- لا يمكن إحراز جميعها والاحتياط التامّ ، فالأحوط هو الاكتفاء بتكبيرة واحدة وما ذكره في المتن يرجع إلى التعليق في النيّة وهو محلّ إشكال ومخالف للاحتياط ، نعم لا بأس بإتيان ستّ تكبيرات بقصد القربة المطلقة ثمّ الاستفتاح ، أو بالعكس .

ربّ البيت» ، ثمّ يأتي باثنتين ويقول : «وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين» ثمّ يشرع في الاستعاذة وسورة «الحمد» ، ويستحبّ أيضاً أن يقول قبل(1) التكبيرات : «اللهمّ إليك توجّهت ، ومرضاتك ابتغيت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وافتح قلبي لذكرك ، وثبّتني على دينك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب» ويستحبّ أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام : «اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة ، والصلاة القائمة ، بلّغ محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، باللّه أستفتح ، وباللّه أستنجح وبمحمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين» وأن يقول بعد تكبيرة الإحرام : «يا محسن قد أتاك المسيء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء أنت المحسن وأنا المسيء ، بحقّ محمّد وآل محمّد ، صلّ على محمّد وآل محمّد وتجاوز عن قبيح ما تعلم منّي» .

(مسألة 13) : يستحبّ للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه دون الستّ ، فإنّه يستحبّ الإخفات بها .

(مسألة 14) : يستحبّ رفع اليدين بالتكبير إلى الاُذنين ، أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر مبتدئاً بابتدائه ومنتهياً بانتهائه ، فإذا انتهى التكبير والرفع أرسلهما ،

ص: 475


1- الدعاء منقول باختلاف يسير مع ما في المتن ، كما أنّ دعاء «يا محسن قد أتاك المسيء» منقول عن أمير المؤمنين عليه السلام قبل أن يحرم ويكبّر .

ولا فرق بين الواجب منه والمستحبّ في ذلك ، والأولى أن لا يتجاوز بهما الاُذنين ، نعم ينبغي ضمّ أصابعهما حتّى الإبهام والخنصر والاستقبال بباطنهما القبلة ، ويجوز التكبير من غير رفع اليدين ، بل لا يبعد جواز العكس(1) .

(مسألة 15) : ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية ، وإلاّ فيكفي مطلق الرفع ، بل لا يبعد(2) جواز رفع إحدى اليدين دون الاُخرى .

(مسألة 16) : إذا شكّ في تكبيرة الإحرام ، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ، وإن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان ، وإن شكّ بعد إتمامها أ نّه أتى بها صحيحة أو لا ، بنى على العدم(3) ، لكنّ الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثمّ استئنافها ، وإن شكّ في الصحّة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحّة، وإذا كبّر ثمّ شكّ(4) في كونه تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الركوع بنى على أ نّه للإحرام.

فصل : في القيام

وهو أقسام :

إمّا ركن ، وهو القيام حال تكبيرة الإحرام ، والقيام المتّصل بالركوع ؛ بمعنى أن يكون الركوع عن قيام فلو كبّر للإحرام جالساً أو في حال النهوض بطل ولو كان سهواً ، وكذا لو ركع لا عن قيام ؛ بأن قرأ جالساً ثمّ ركع ، أو جلس بعد القراءة أو

ص: 476


1- الظاهر أنّ رفع اليدين من آداب التكبير .
2- غير معلوم .
3- الأقوى هو البناء على الصحّة .
4- وهو قائم .

في أثنائها وركع ؛ بأن نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي ، وكذا لو جلس ثمّ قام متقوّساً من غير أن ينتصب ثمّ يركع ولو كان ذلك كلّه سهواً . وواجب غير ركن ، وهو القيام حال القراءة وبعد الركوع . ومستحبّ وهو القيام حال القنوت ، وحال تكبير الركوع . وقد يكون مباحاً ، وهو القيام بعد القراءة أو التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشيء ، وذلك في غير المتّصل بالركوع وغير الطويل الماحي للصورة .

(مسألة 1) : يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها ، بل يجب من باب المقدّمة قبلها وبعدها ، فلو كان جالساً وقام للدخول في الصلاة وكان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقّق القيام بطل ، كما أ نّه لو كبّر المأموم وكان الراء من أكبر حال الهويّ للركوع كان باطلاً ، بل يجب أن يستقرّ قائماً ثمّ يكبّر ويكون مستقرّاً بعد التكبير ثمّ يركع .

(مسألة 2) : هل القيام حال القراءة وحال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما ؟ وجهان ، الأحوط الأوّل والأظهر الثاني ، فلو قرأ جالساً نسياناً ثمّ تذكّر بعدها أو في أثنائها صحّت قراءته ، وفات محلّ القيام ولا يجب استئناف القراءة ، لكن الأحوط(1) الاستئناف قائماً .

(مسألة 3) : المراد من كون القيام مستحبّاً حال القنوت أ نّه يجوز تركه بتركه ، لا أ نّه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً ، لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالساً ، وأنّ القيام مستحبّ فيه لا شرط ، وعلى ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأتِ بوظيفة القنوت ، بل تبطل صلاته للزيادة .

ص: 477


1- لا يترك الاحتياط بقصد ما في الذمّة .

(مسألة 4) : لو نسي القيام حال القراءة ، وتذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحّت صلاته(1) ، ولو تذكّر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مرّ(2) .

(مسألة 5) : لو نسي القراءة أو بعضها وتذكّر بعد الركوع ، صحّت صلاته إن ركع عن قيام ، فليس المراد من كون القيام المتّصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة .

(مسألة 6) : إذا زاد القيام ، كما لو قام في محلّ القعود سهواً لا تبطل صلاته ، وكذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً ، وأمّا زيادة القيام الركني فغير متصوّرة من دون زيادة ركن آخر ، فإنّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلاّ بزيادتها ، وكذا القيام المتّصل بالركوع لا يزاد إلاّ بزيادته ، وإلاّ فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع وتذكّر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع وأتى بما نسي ، ثمّ ركع وصحّت صلاته ، ولا يكون القيام السابق على الهويّ الأوّل متّصلاً بالركوع ، حتّى يلزم زيادته إذا لم يتحقّق الركوع بعده فلم يكن متّصلاً به ، وكذا إذا انحنى للركوع فتذكّر قبل أن يصل إلى حدّه أ نّه أتى به ، فإنّه يجلس للسجدة ، ولا يكون قيامه قبل الانحناء متّصلاً بالركوع ليلزم الزيادة .

(مسألة 7) : إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ، أو في القيام المتّصل بالركوع بعد الوصول إلى حدّه ، أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود ولو قبل الدخول فيه ، لم يعتن به وبنى على الإتيان .

ص: 478


1- إذا ركع عن قيام .
2- بنحو ما مرّ .

(مسألة 8) : يعتبر في القيام : الانتصاب والاستقرار والاستقلال حال الاختيار ، فلو انحنى قليلاً أو مال إلى أحد الجانبين بطل ، وكذا إذا لم يكن مستقرّاً أو كان مستنداً على شيء ؛ من إنسان أو جدار أو خشبة أو نحوها ، نعم لا بأس بشيء منها حال الاضطرار ، وكذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً بحيث يخرج عن صدق القيام(1) ، وأمّا إذا كان بغير الفاحش فلا بأس ، والأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع وأصل القدمين ، وإن كان الأقوى كفايتهما(2) أيضاً ، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة .

(مسألة 9) : الأحوط انتصاب العنق أيضاً ، وإن كان الأقوى جواز الإطراق .

(مسألة 10) : إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته ، وإن كان ذلك في القيام الركني ، لكن الأحوط فيه(3) الإعادة .

(مسألة 11) : لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد ، فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما ولو على القول بوجوب الوقوف عليهما .

(مسألة 12) : لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة ، ولا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدّة لمشيه ، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات .

(مسألة 13) : يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار ، أو استئجاره مع التوقّف عليهما .

ص: 479


1- بل يعتبر عدم التفريج الغير المتعارف ؛ وإن صدق عليه القيام .
2- لا يترك الاحتياط بالوقوف على القدمين ، والأقوى عدم إجزاء الوقوف على الواحدة .
3- لا يترك .

(مسألة 14) : القيام الاضطراري بأقسامه - من كونه مع الانحناء ، أو الميل إلى أحد الجانبين ، أو مع الاعتماد ، أو مع عدم الاستقرار ، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين - مقدّم على الجلوس ، ولو دار الأمر بين التفريج الفاحش(1) والاعتماد ، أو بينه وبين ترك الاستقرار قدّما عليه ، أو بينه وبين الانحناء ، أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام(2) ولو دار الأمر بين ترك الانتصاب وترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً ، وكذا لو دار بين ترك الانتصاب وترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار ، ولو دار بين ترك الاستقلال وترك الاستقرار قدّم الأوّل ، فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال والاستقرار ، ومراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال .

(مسألة 15) : إذا لم يقدر على القيام - كلاًّ ولا بعضاً - مطلقاً حتّى ما كان منه بصورة الركوع صلّى من جلوس ، وكان الانتصاب جالساً بدلاً عن القيام ، فيجري فيه حينئذٍ جميع ما ذكر فيه حتّى الاعتماد وغيره ، ومع تعذّره صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كهيئة المدفون ، فإن تعذّر فعلى الأيسر عكس الأوّل ، فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر ، ويجب الانحناء للركوع والسجود بما أمكن ، ومع عدم إمكانه يومئ برأسه ، ومع تعذّره فبالعينين بتغميضهما ، وليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه ، ويزيد في غمض(3) العين للسجود

ص: 480


1- المانع عن صدق القيام ، وأمّا غير المتعارف منه مع صدقه فمقدّم على الجميع لدى الدوران .
2- بنظر العرف ، وما ذكره في المتن من الترجيح في الدوران وإن لا يخلو من وجه ، لكن لا يترك الاحتياط في جميع الموارد بالجمع بتكرار الصلاة .
3- على الأحوط وإن كان الأقوى عدم لزومه .

على غمضها للركوع ، والأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على الجبهة والإيماء بالمساجد(1) الاُخر أيضاً ، وليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظّف فيصلّي كيفما قدر ، وليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار ، وإلاّ فالأقرب إلى صلاة المضطرّ على الأحوط .

(مسألة 16) : إذا تمكّن من القيام لكن لم يتمكّن من الركوع قائماً جلس وركع جالساً ، وإن لم يتمكّن من الركوع والسجود صلّى قائماً وأومأ للركوع والسجود وانحنى لهما(2) بقدر الإمكان ، وإن تمكّن من الجلوس جلس لإيماء السجود(3) ، والأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن .

(مسألة 17) : لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع والسجود ، فالأحوط تكرار(4) الصلاة ، وفي الضيق يتخيّر بين الأمرين .

(مسألة 18) : لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً ، فالأحوط التكرار(5) أيضاً .

(مسألة 19) : لو كان وظيفته الصلاة جالساً ، وأمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك .

ص: 481


1- لا يجب ذلك .
2- لا يجب ذلك للسجود .
3- ولو أمكنه إيجاد مسمّى السجود الاضطراري يقدّم على الإيماء .
4- وإن لا يبعد لزوم اختيار الأوّل في السعة ، فضلاً عن الضيق ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالتكرار في السعة ، واختيار الأوّل في الضيق والقضاء جالساً ، بل لا يترك في الفرضين .
5- ولا يبعد لزوم اختيار الجلوس ، لكن لا يترك الاحتياط المذكور في السعة ، وفي الضيق يختار الجلوس ويقضي ماشياً .

(مسألة 20) : إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ، وجب أن يقوم إلى أن يتجدّد العجز ، وكذا إذا تمكّن منه في بعض الركعة لا في تمامها ، نعم لو علم من حاله أ نّه لو قام أوّل الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلاّ ركعة أو بعضها ، وإذا جلس أوّلاً يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد - مثلاً - لا يبعد(1) وجوب تقديم الجلوس ، لكن لا يترك الاحتياط حينئذٍ بتكرار الصلاة ، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أوّل الركعة قائماً والعجز حال الركوع أو العكس أيضاً تكرار الصلاة .

(مسألة 21) : إذا عجز عن القيام ودار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكباً قدّم المشي(2) على الركوب .

(مسألة 22) : إذا ظنّ التمكّن من القيام في آخر الوقت وجب(3) التأخير ، بل وكذا مع الاحتمال .

(مسألة 23) : إذا تمكّن من القيام ، لكن خاف حدوث مرض أو بطوء برئه جاز له الجلوس ، وكذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع ، وكذا إذا خاف من لصّ أو عدوّ أو سبع أو نحو ذلك .

(مسألة 24) : إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأوّل(4) .

ص: 482


1- بل لا يبعد تقديم القيام ، وكذا في الفرع الآتي ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- لا يترك الاحتياط بالجمع ، وفي الضيق يختار أحدهما ويقضي مع الآخر .
3- على الأحوط ؛ وإن كان جواز البدار خصوصاً مع الاحتمال لا يخلو من قوّة .
4- في غير ما بين المشرق والمغرب ، وأمّا فيه فلا يبعد لزوم مراعاة الثاني .

(مسألة 25) : لو تجدّد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ولو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع ، ولو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء ، ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقرّ .

(مسألة 26) : لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه وكذا لو تجدّد للمضطجع القدرة على الجلوس ، أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع ، ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال .

(مسألة 27) : إذا تجدّدت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ، وليس عليه إعادة القراءة ، وكذا لو تجدّدت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها ، ولو تجدّدت بعد الركوع ، فإن كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع منه ، وإن كان قبل إتمامه ارتفع منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي ، ولا يجوز له الانتصاب ثمّ الركوع ، ولو تجدّدت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود ؛ لكون انتصابه الجلوسي بدلاً عن الانتصاب القيامي ويجزي عنه ، لكنّ الأحوط(1) القيام للسجود عنه .

(مسألة 28) : لو ركع قائماً ثمّ عجز عن القيام ، فإن كان بعد تمام الذكر جلس منتصباً ثمّ سجد ، وإن كان قبل الذكر هوى متقوّساً إلى حدّ الركوع الجلوسي ثمّ أتى بالذكر .

(مسألة 29) : يجب الاستقرار حال القراءة والتسبيحات ، وحال ذكر الركوع والسجود ، بل في جميع أفعال الصلاة وأذكارها ، بل في حال القنوت(2) والأذكار

ص: 483


1- لا يترك .
2- على الأحوط فيه وفي الأذكار المستحبّة .

المستحبّة كتكبيرة الركوع والسجود ، نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به ، وكذا لو سبّح أو هلّل ، فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهويّ له أو للسجود كذلك ، أو في حال النهوض يشكل صحّته فالأولى لمن يكبّر كذلك أن يقصد الذكر المطلق ، نعم محلّ قوله : «بحول اللّه وقوّته . . .» حال النهوض للقيام .

(مسألة 30) : من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه ، وإلاّ وضع(1) ما يصحّ السجود عليه على جبهته كما مرّ .

(مسألة 31) : من يصلّي جالساً يتخيّر بين أنحاء الجلوس ، نعم يستحبّ له أن يجلس جلوس القرفصاء ، وهو أن يرفع فخذيه وساقيه ، وإذا أراد أن يركع ثنّى رجليه ، وأمّا بين السجدتين وحال التشهّد فيستحبّ أن يتورّك .

(مسألة 32) : يستحبّ في حال القيام اُمور : أحدها : إسدال المنكبين . الثاني : إرسال اليدين . الثالث : وضع الكفّين على الفخذين قبال الركبتين ؛ اليمنى على الأيمن ، واليسرى على الأيسر . الرابع : ضمّ جميع أصابع الكفّين . الخامس : أن يكون نظره إلى موضع سجوده . السادس : أن ينصب فقار ظهره ونحره . السابع : أن يصفّ قدميه مستقبلاً بهما متحاذيتين ؛ بحيث لا يزيد إحداهما على الاُخرى ولا تنقص عنها . الثامن : التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرّجات أو أزيد إلى الشبر . التاسع : التسوية بينهما في الاعتماد . العاشر : أن يكون مع الخضوع والخشوع ، كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل .

ص: 484


1- بل أومأ للسجود ، ووضع ذلك حينه على الأحوط .
فصل : في القراءة

يجب في صلاة الصبح والركعتين الأوّلتين من سائر الفرائض قراءة سورة «الحمد» وسورة كاملة غيرها بعدها ، إلاّ في المرض والاستعجال ، فيجوز الاقتصار على «الحمد» ، وإلاّ في ضيق الوقت أو الخوف ونحوهما من أفراد الضرورة ، فيجب الاقتصار عليها وترك السورة ، ولا يجوز تقديمها عليه ، فلو قدّمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً ، وعكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها ، ولو قدّمها سهواً وتذكّر قبل الركوع أعادها بعد «الحمد» ، أو أعاد غيرها ، ولا يجب عليه إعادة «الحمد» إذا كان قد قرأها .

(مسألة 1) : القراءة ليست ركناً ، فلو تركها وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحّت الصلاة ، وسجد(1) سجدتي السهو مرّتين ؛ مرّة للحمد ، ومرّة للسورة ، وكذا إن ترك إحداهما وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحّت الصلاة وسجد سجدتي السهو ، ولو تركهما أو إحداهما وتذكّر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حدّ الركوع رجع وتدارك ، وكذا لو ترك «الحمد» وتذكّر بعد الدخول في السورة رجع وأتى بها ثمّ بالسورة .

(مسألة 2) : لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ، فإن قرأه عامداً بطلت صلاته(2) وإن لم يتمّه ؛ إذا كان من نيّته الإتمام حين الشروع ، وأمّا إذا كان ساهياً فإن تذكّر بعد الفراغ أتمّ الصلاة وصحّت ، وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً ولا يحتاج إلى إعادة سورة اُخرى ، وإن

ص: 485


1- على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب في ترك «الحمد» والسورة .
2- على إشكالٍ .

تذكّر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت(1) ، وإلاّ تركها وركع(2) وصحّت الصلاة .

(مسألة 3) : لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ، فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة وإن لم يكن قرأ إلاّ البعض ولو البسملة أو شيئاً منها ؛ إذا كان من نيّته حين الشروع الإتمام أو القراءة(3) إلى ما بعد آية السجدة ، وأمّا لو قرأها ساهياً ، فإن تذكّر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة اُخرى وإن كان قد تجاوز النصف ، وإن تذكّر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام ، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها(4) إن كان في أثنائها وقراءة سورة غيرها بنيّة القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة أو الإتيان بها وهو في الفريضة ثمّ إتمامها وإعادتها من رأس ، وإن كان بعد الدخول في الركوع ولم يكن سجد للتلاوة فكذلك ، أومأ إليها أو سجد وهو في الصلاة ، ثمّ أتمّها وأعادها ، وإن كان سجد لها نسياناً أيضاً فالظاهر صحّة صلاته ولا شيء عليه ، وكذا لو تذكّر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسياناً ، فإنّه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذٍ .

ص: 486


1- ولو لإدراك ركعة مع العدول .
2- إن لم يدرك بتركها ركعة من الوقت ، فلا يبعد لزوم إتيان سورة تامّة وإتمام الصلاة وتكون قضاء .
3- بل إذا أتى بقصد الجزئية استأنفها على الأحوط ولو لم ينو الإتمام أو القراءة إلى تمام آية السجدة ، وأمّا مع عدم قصدها فيشكل الإبطال قبل إتيان السجدة .
4- والأقوى جواز الاجتزاء بهذه السورة والاكتفاء بالإيماء من دون إعادة الصلاة ، وكذا في الفرع الآتي .

(مسألة 4) : لو لم يقرأ سورة العزيمة ، لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته(1) ، ولو قرأها نسياناً أو استمعها من غيره أو سمعها فالحكم كما مرّ(2) ؛ من أنّ الأحوط الإيماء إلى السجدة ، أو السجدة وهو في الصلاة وإتمامها وإعادتها .

(مسألة 5) : لا يجب في النوافل قراءة السورة وإن وجبت بالنذر أو نحوه ، فيجوز الاقتصار على «الحمد» أو مع قراءة بعض السورة ، نعم النوافل التي تستحبّ بالسور المعيّنة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة ، لكن في الغالب(3) يكون تعيين السور من باب المستحبّ في المستحبّ على وجه تعدّد المطلوب لا التقييد .

(مسألة 6) : يجوز قراءة العزائم في النوافل وإن وجبت بالعارض ، فيسجد بعد قراءة آيتها وهو في الصلاة ثمّ يتمّها .

(مسألة 7) : سور العزائم أربع : «الم السجدة» ، و«حم السجدة» ، و«النجم» ، و«اقرأ باسم» .

(مسألة 8) : البسملة جزء من كلّ سورة فيجب قراءتها عدا سورة براءة .

(مسألة 9) : الأقوى اتّحاد سورة «الفيل» و«لإيلاف» ، وكذا و«الضحى» و«ألم نشرح» ، فلا يجزي في الصلاة إلاّ جمعهما مرتّبتين مع البسملة بينهما .

(مسألة 10) : الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ، والأحوط تركه ، وأمّا في النافلة فلا كراهة .

ص: 487


1- غير معلوم مع عدم قصد الجزئية .
2- وقد مرّ .
3- يحتاج إلى زيادة فحص .

(مسألة 11) : الأقوى عدم(1) وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ، وإن كان هو الأحوط ، نعم لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها ، فلو عدل عنها وجبت إعادة البسملة .

(مسألة 12) : إذا عيّن البسملة لسورة ثمّ نسيها فلم يدر ما عيّن ، وجبت إعادة البسملة لأيّ سورة أراد ، ولو علم أ نّه عيّنها لإحدى السورتين من «الجحد» و«التوحيد» ولم يدر أ نّه لأيّتهما ، أعاد البسملة(2) ، وقرأ إحداهما ولا يجوز قراءة غيرهما .

(مسألة 13) : إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ(3) ما شاء ، ولو شكّ في أ نّه عيّنها لسورة معيّنة أو لا فكذلك ، لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها ، بل الأحوط إعادتها مطلقاً ؛ لما مرّ من الاحتياط في التعيين .

(مسألة 14) : لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أوّل الركعة أن يقرأ سورة معيّنة فنسي وقرأ غيرها كفى ، ولم يجب إعادة السورة ، وكذا لو كانت عادته سورة معيّنة فقرأ غيرها .

(مسألة 15) : إذا شكّ في أثناء سورة أ نّه هل عيّن البسملة لها ، أو لغيرها وقرأها نسياناً ؟ بنى على أ نّه لم يعيّن غيرها .

(مسألة 16) : يجوز العدول من سورة إلى اُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف ،

ص: 488


1- بل الأقوى وجوب تعيينها .
2- الأحوط قراءة إحداهما مع هذه البسملة ، ثمّ قراءة الاُخرى مع بسملة لها احتياطاً ورجاءً .
3- مرّ أنّ الأقوى لزوم التعيين ، وكذا لزم في صورة الشكّ فيه .

إلاّ من «الجحد» و«التوحيد» ، فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما ، بل من إحداهما إلى الاُخرى بمجرّد الشروع فيهما ولو بالبسملة ، نعم يجوز العدول منهما إلى «الجمعة» و«المنافقين» في خصوص يوم الجمعة ؛ حيث إنّه يستحبّ في الظهر أو الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الاُولى «الجمعة» ، وفي الثانية «المنافقين» ، فإذا نسي وقرأ غيرهما حتّى «الجحد» و«التوحيد» يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف ، وأمّا إذا شرع في «الجحد» أو «التوحيد» عمداً فلا يجوز العدول إليهما أيضاً على الأحوط.

(مسألة 17) : الأحوط عدم العدول من «الجمعة» و«المنافقين» إلى غيرهما في يوم الجمعة ، وإن لم يبلغ النصف .

(مسألة 18) : يجوز(1) العدول من سورة إلى اُخرى في النوافل مطلقاً وإن بلغ النصف .

(مسألة 19) : يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتّى في «الجحد» و«التوحيد» ، كما إذا نسي بعض السورة أو خاف فوت الوقت بإتمامها أو كان هناك مانع آخر ، ومن ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معيّنة في صلاته فنسي وقرأ غيرها ، فإنّ الظاهر جواز العدول وإن كان بعد بلوغ النصف أو كان ما شرع فيه «الجحد»(2) أو «التوحيد» .

ص: 489


1- الأحوط الأولى عدم العدول من «التوحيد» و«الجحد» فيها أيضاً .
2- في جواز العدول منهما إشكال ، فالأحوط الإتيان بهما رجاءً ثمّ الإتيان بالمنذور كذلك ، بل لا يبعد القول بعدم الجواز وإن وجب عليه العمل بالنذر بإتيان السورة المنذورة أيضاً . هذا إن رجع نذره إلى إتيان سورة معيّنة في الصلاة ، وأمّا إن رجع إلى ترك سائر السور ففي صحّة النذر إشكال .

(مسألة 20) : يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح والركعتين الأوّلتين من المغرب والعشاء ، ويجب الإخفات في الظهر والعصر في غير يوم الجمعة ، وأمّا فيه فيستحبّ الجهر في صلاة الجمعة ، بل في الظهر(1) أيضاً على الأقوى .

(مسألة 21) : يستحبّ الجهر بالبسملة في الظهرين ل «الحمد» والسورة .

(مسألة 22) : إذا جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً ولو بالحكم صحّت ؛ سواء كان الجاهل بالحكم متنبّهاً للسؤال ولم يسأل أم لا ، لكنّ الشرط حصول قصد القربة منه ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة .

(مسألة 23) : إذا تذكّر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة ، بل وكذا لو تذكّر في أثناء القراءة ، حتّى لو قرأ آية لا يجب إعادتها ، لكنّ الأحوط الإعادة ، خصوصاً إذا كان في الأثناء .

(مسألة 24) : لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر والإخفات بين أن يكون جاهلاً بوجوبهما أو جاهلاً بمحلّهما ؛ بأن علم إجمالاً أ نّه يجب في بعض الصلوات الجهر وفي بعضها الإخفات ، إلاّ أ نّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلاً جهرية والظهر إخفاتية ، بل تخيّل العكس ، أو كان جاهلاً بمعنى الجهر والإخفات ، فالأقوى معذوريته في الصورتين ، كما أنّ الأقوى معذوريته إذا كان جاهلاً بأنّ المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه ، وإن كانت الصلاة جهرية فجهر ، لكنّ الأحوط فيه وفي الصورتين الأوّلتين الإعادة .

ص: 490


1- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات فيها .

(مسألة 25) : لا يجب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية ، بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم سماع الأجنبيّ ، وأمّا معه فالأحوط إخفاتهنّ ، وأمّا في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال ، ويعذرن فيما يعذرون فيه .

(مسألة 26) : مناط الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه ، فيتحقّق الإخفات بعدم ظهور جوهره وإن سمعه من بجانبه قريباً أو بعيداً .

(مسألة 27) : المناط في صدق القراءة - قرآناً كان أو ذكراً أو دعاءً - ما مرّ في تكبيرة الإحرام ؛ من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقاً ، أو تقديراً ؛ بأن كان أصمّ أو كان هناك مانع من سماعه ، ولا يكفي سماع الغير الذي هو أقرب إليه من سمعه .

(مسألة 28) : لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجاً عن المعتاد كالصياح ، فإن فعل فالظاهر البطلان .

(مسألة 29) : من لا يكون حافظاً ل «الحمد» والسورة يجوز أن يقرأ في المصحف ، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى ، كما يجوز له اتّباع من يلقّنه آية فآية ، لكنّ الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ وعلى الائتمام .

(مسألة 30) : إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفّظ يقرأ في نفسه ولو توهّماً ، والأحوط تحريك لسانه(1) بما يتوهّمه .

(مسألة 31) : الأخرس يحرّك لسانه ويشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها .

(مسألة 32) : من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلّم وإن كان متمكّناً من

ص: 491


1- وإشارة إصبعه .

الائتمام ، وكذا يجب تعلّم سائر أجزاء الصلاة ، فإن ضاق الوقت مع كونه قادراً على التعلّم فالأحوط الائتمام إن تمكّن منه .

(مسألة 33) : من لا يقدر إلاّ على الملحون أو تبديل بعض الحروف ، ولا يستطيع أن يتعلّم، أجزأه ذلك ، ولا يجب عليه الائتمام ، وإن كان أحوط وكذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام .

(مسألة 34) : القادر على التعلّم إذا ضاق وقته قرأ من «الفاتحة» ما تعلّم ، وقرأ من سائر القرآن عوض البقيّة(1) ، والأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقيّة ، وإذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر القرآن بعدد آيات «الفاتحة» بمقدار حروفها ، وإن لم يعلم شيئاً من القرآن سبّح وكبّر وذكر بقدرها ، والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربعة بقدرها ويجب تعلّم السورة أيضاً ، ولكن الظاهر عدم وجوب البدل لها في ضيق الوقت وإن كان أحوط .

(مسألة 35) : لا يجوز(2) أخذ الاُجرة على تعليم «الحمد» والسورة ، بل وكذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة ، والظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبّات .

(مسألة 36) : يجب الترتيب بين آيات «الحمد» والسورة وبين كلماتها وحروفها ، وكذا الموالاة ، فلو أخلّ بشيء من ذلك عمداً بطلت صلاته .

(مسألة 37) : لو أخلّ بشيء من الكلمات أو الحروف ، أو بدّل حرفاً بحرف حتّى الضاد بالظاء أو العكس بطلت ، وكذا لو أخلّ بحركة بناء أو إعراب أو مدّ

ص: 492


1- على الأحوط .
2- على الأحوط فيه وفيما بعده .

واجب(1) أو تشديد أو سكون لازم ، وكذا لو أخرج حرفاً من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب .

(مسألة 38) : يجب(2) حذف همزة الوصل في الدرج ، مثل همزة اللّه والرحمن والرحيم واهدنا ونحو ذلك ، فلو أثبتها بطلت ، وكذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة أنعمت ، فلو حذفها حين الوصل بطلت .

(مسألة 39) : الأحوط(3) ترك الوقف بالحركة والوصل بالسكون .

(مسألة 40) : يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها ، مثلاً إذا أراد أن لا يقف على العالمين ويصلها بقوله : الرحمن الرحيم ، يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح وهكذا ، نعم إذا كان يقف على كلّ آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة .

(مسألة 41) : لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد ، بل يكفي إخراجها منها وإن لم يلتفت إليها ، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج ، بل المدار صدق التلفّظ بذلك الحرف ، وإن خرج من غير المخرج الذي عيّنوه ، مثلاً إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن أو الأيسر على الأضراس العليا صحّ ، فالمناط الصدق في عرف العرب ، وهكذا في سائر الحروف ، فما ذكره علماء التجويد مبنيّ على الغالب .

ص: 493


1- على الأحوط وإن كان الأقوى عدم لزوم مراعاته .
2- على الأحوط ، ولو أثبتها عمداً فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة .
3- وإن كان الأقوى عدم لزوم مراعاتهما .

(مسألة 42) : المدّ الواجب(1) هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المدّ - وهي الواو المضموم ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها ، والألف المفتوح ما قبلها - همزة مثل جاء وسوء ، وجيء، أو كان بعد أحدها سكون لازم خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل الضالّين .

(مسألة 43) : إذا مدّ في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل ، إلاّ إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة .

(مسألة 44) : يكفي في المدّ مقدار ألفين وأكمله إلى أربع ألفات ، ولا يضرّ الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق .

(مسألة 45) : إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة - اختياراً أو اضطراراً - بحيث خرجت عن الصدق بطلت ، ومع العمد أبطلت .

(مسألة 46) : إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه فحصل الوقف بالحركة فالأحوط(2) إعادتها ، وإن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها .

(مسألة 47) : إذا انقطع نفسه في مثل الصراط المستقيم بعد الوصل بالألف واللام وحذف الألف هل يجب إعادة الألف واللام بأن يقول : المستقيم ، أو يكفي قوله : مستقيم ؟ الأحوط الأوّل ، وأحوط منه إعادة الصراط أيضاً ، وكذا إذا صار مدخول الألف واللام غلطاً كأن صار مستقيم غلطاً ، فإذا أراد أن يعيده فالأحوط

ص: 494


1- وهو على ما ذكره علماء التجويد ما كان حرفه وسبباه - أي الهمزة والسكون - في كلمة واحدة ، وقد مرّ عدم لزوم مراعاته .
2- وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة ، بل عدم لزوم مراعاة الوقف بالحركة والوصل بالسكون لا يخلو من قوّة .

أن يعيد الألف واللام أيضاً بأن يقول : المستقيم ولا يكتفي بقوله : مستقيم ، وكذا إذا لم يصحّ المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف فإذا لم يصحّ لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً .

(مسألة 48) : الإدغام في مثل مدّ وردّ ممّا اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب ؛ سواء كانا متحرّكين كالمذكورين ، أو ساكنين كمصدرهما .

(مسألة 49) : الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف «يرملون» مع الغنّة فيما عدا اللام والراء ولا معها فيهما ، لكن الأقوى عدم وجوبه .

(مسألة 50) : الأحوط(1) القراءة بإحدى القراءات السبعة وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، بل يكفي القراءة على النهج العربي وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنيّة أو إعراب .

(مسألة 51) : يجب إدغام اللام من الألف واللام في أربعة عشر حرفاً ، وهي التاء والثاء والدال والذال والراء والزاء والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون ، وإظهارها في بقيّة الحروف فيقول في «اللّه» و«الرّحمن» و«الرّحيم» و«الصّراط» و«الضّالّين» - مثلاً - بالإدغام ، وفي «الحمد» و«العالمين» و«المستقيم» ونحوها بالإظهار .

(مسألة 52) : الأحوط الإدغام في مثل : «اذهب بكتابي» و« ويدرككم» ممّا اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأوّل ساكناً ، لكن الأقوى عدم وجوبه .

ص: 495


1- لا يترك .

(مسألة 53) : لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسّنات ، كالإمالة والإشباع والتفخيم والترقيق ونحو ذلك ، بل والإدغام غير ما ذكرنا ، وإن كان متابعتهم أحسن(1) .

(مسألة 54) : ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين والنون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق ، وقلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء وإدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون ، وإخفائهما إذا كان بعدهما بقيّة الحروف ، لكن لا يجب شيء من ذلك حتّى الإدغام في يرملون كما مرّ .

(مسألة 55) : ينبغي أن يميّز بين الكلمات ولا يقرأ بحيث يتولّد بين الكلمتين كلمة مهملة ، كما إذا قرأ الحمد للّه بحيث يتولّد لفظ دلل ، أو تولّد من للّه ربّ لفظ هرب ، وهكذا في مالك يوم الدين تولّد كيو ، وهكذا في بقيّة الكلمات ، وهذا ما يقولون : إنّ في الحمد سبع كلمات مهملات ، وهي دلل ، وهرب ، وكيو ، وكنع ، وكنس ، وتع ، وبع .

(مسألة 56) : إذا لم يقف على «أحد» في «قل هو اللّه أحد» ، ووصله ب «اللّه الصمد» ، يجوز أن يقول : «أحد اللّه الصمد» ، بحذف التنوين(2) من أحد ، وأن يقول : «أحدن اللّه الصمد» ، بأن يكسر نون التنوين ، وعليه ينبغي أن يرقّق اللام من «اللّه» ، وأمّا على الأوّل فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلّية ؛ من تفخيمه إذا

ص: 496


1- في إطلاقه إشكال ، بل الأحوط ترك متابعتهم في مثل الإدغام الكبير ، وهو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين ، كإدغام ميم «الرحيم» في «مالك» أو في مقارب له ولو في كلمة واحدة كإدغام القاف في الكاف في «يرزقكم» .
2- الأحوط ترك هذه القراءة .

كان قبله مفتوحاً أو مضموماً ، وترقيقه إذا كان مكسوراً .

(مسألة 57) : يجوز قراءة مالك وملك يوم الدين ، ويجوز في الصراط بالصاد(1) والسين ؛ بأن يقول : السراط المستقيم ، وسراط الذين .

(مسألة 58) : يجوز في كفواً أحد أربعة وجوه : كفُؤاً بضمّ الفاء وبالهمزة ، وكفْؤاً بسكون الفاء وبالهمزة ، وكفُواً بضمّ الفاء وبالواو ، وكفْواً بسكون الفاء وبالواو ، وإن كان الأحوط ترك الأخيرة .

(مسألة 59) : إذا لم يدر إعراب(2) كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أ نّه الصاد - مثلاً - أو السين أو نحو ذلك ، يجب عليه أن يتعلّم ، ولا يجوز له أن يكرّرها بالوجهين ؛ لأنّ الغلط من الوجهين ملحق بكلام الآدميّين .

(مسألة 60) : إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي - من حيث الإعراب أو البناء أو مخرج الحرف - فصلّى مدّة على تلك الكيفية ، ثمّ تبيّن له كونه غلطاً فالأحوط الإعادة أو القضاء ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب .

فصل: فیما یجب من القرءاة في غیر الاولیین

في الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء ، يتخيّر بين قراءة «الحمد» أو التسبيحات الأربعة ، وهي : «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ

ص: 497


1- الأحوط القراءة بالصاد وإن لا يبعد جواز ما ذكر ، والأولى الأحوط قراءة «الحمد» و«التوحيد» على النحو المعروف بين عامّة الناس والمكتوب في المصحف .
2- مرّ في إعراب آخر الكلمة أنّ وجوب التعلّم فيما إذا أراد الوصل ، نعم يجب ذلك فيما يجب الوصل وكان تركه ملحقاً بالملحون .

اللّه واللّه أكبر» ، والأقوى إجزاء المرّة والأحوط الثلاث والأولى إضافة الاستغفار إليها ، ولو بأن يقول : «اللهمّ اغفر لي» ومن لا يستطيع يأتي بالممكن منها ، وإلاّ أتى بالذكر المطلق ، وإن كان قادراً على قراءة «الحمد» تعيّنت حينئذٍ .

(مسألة 1) : إذا نسي «الحمد» في الركعتين الاُوليين فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين ، لكنّ الأقوى بقاء التخيير بينه وبين التسبيحات .

(مسألة 2) : الأقوى(1) كون التسبيحات أفضل من قراءة «الحمد» في الأخيرتين ؛ سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً .

(مسألة 3) : يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين «الحمد» ، وفي الاُخرى التسبيحات ، فلا يلزم اتّحادهما في ذلك .

(مسألة 4) : يجب فيهما الإخفات ؛ سواء قرأ «الحمد» أو التسبيحات ، نعم إذا قرأ «الحمد» يستحبّ الجهر بالبسملة على الأقوى وإن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط(2) .

(مسألة 5) : إذا أجهر عمداً بطلت صلاته ، وأمّا إذا أجهر جهلاً أو نسياناً صحّت ، ولا يجب الإعادة وإن تذكّر قبل الركوع .

(مسألة 6) : إذا كان عازماً من أوّل الصلاة على قراءة «الحمد» يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات ، وكذا العكس ، بل يجوز العدول في أثناء أحدهما إلى الآخر وإن كان الأحوط(3) عدمه .

ص: 498


1- لا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة ، وللمأموم التسبيح ، وهما للمنفرد سواء .
2- لا يترك .
3- لا يترك .

(مسألة 7) : لو قصد «الحمد» فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط(1) عدم الاجتزاء به ، وكذا العكس ، نعم لو فعل ذلك غافلاً من غير قصد إلى أحدهما فالأقوى الاجتزاء به ، وإن كان من عادته خلافه .

(مسألة 8) : إذا قرأ «الحمد» بتخيّل أ نّه في إحدى الأوّلتين ، فذكر أ نّه في إحدى الأخيرتين فالظاهر الاجتزاء به ، ولا يلزم الإعادة أو قراءة التسبيحات وإن كان قبل الركوع ، كما أنّ الظاهر أنّ العكس كذلك ، فإذا قرأ «الحمد» بتخيّل أ نّه في إحدى الأخيرتين ثمّ تبيّن أ نّه في إحدى الأوّلتين لا يجب عليه الإعادة ، نعم لو قرأ التسبيحات ثمّ تذكّر قبل الركوع أ نّه في إحدى الأوّلتين يجب عليه قراءة «الحمد» وسجود السهو(2) بعد الصلاة لزيادة التسبيحات .

(مسألة 9) : لو نسي القراءة والتسبيحات وتذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحّت صلاته ، وعليه(3) سجدتا السهو للنقيصة ، ولو تذكّر قبل ذلك وجب الرجوع .

(مسألة 10) : لو شكّ في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن وإن كان قبل الوصول إلى حدّه ، وكذا لو دخل في الاستغفار .

(مسألة 11) : لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود ، بل كان بقصد الذكر المطلق .

ص: 499


1- بل الأقوى إن لم يتحقّق القصد منه ولو ارتكازاً إلى عنوان التسبيحات ، وإلاّ فالأقوى هو الصحّة ، وكذا في العكس وفي الفرع الآتي .
2- لا يجب لزيادتها ، وكذا لنقيصتها في المسألة الآتية .
3- مرّ عدم الوجوب .

(مسألة 12) : إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرّات ، فالأحوط أن يقصد القربة ، ولا يقصد الوجوب والندب ؛ حيث إنّه يحتمل أن يكون الاُولى واجبة والأخيرتين على وجه الاستحباب ، ويحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً ، فيكون من باب التخيير بين الإتيان بالواحدة والثلاث ، ويحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث ، فحيث إنّ الوجوه متعدّدة(1) فالأحوط الاقتصار على قصد القربة ، نعم لو اقتصر على المرّة له أن يقصد الوجوب .

فصل : في مستحبّات القراءة

وهي اُمور : الأوّل : الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الاُولى ؛ بأن يقول : «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» أو يقول : «أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» وينبغي أن يكون بالإخفات . الثاني : الجهر بالبسملة في الإخفاتية ، وكذا في الركعتين الأخيرتين(2) إن قرأ «الحمد» ، بل وكذا في القراءة خلف الإمام(3) حتّى في الجهرية ، وأمّا في الجهرية فيجب الإجهار بها على الإمام والمنفرد . الثالث : الترتيل أي التأ نّي في القراءة وتبيين الحروف على وجه يتمكّن السامع من عدّها . الرابع : تحسين الصوت بلا غناء . الخامس : الوقف على فواصل الآيات . السادس : ملاحظة معاني ما يقرأ والاتّعاظ بها .

ص: 500


1- الأقوى هو الوجه الأوّل ، وأمّا الوجه الأخير فضعيف غايته ، والوجه الثاني فغير صحيح على احتمال وبعيد على آخر .
2- مرّ الاحتياط فيهما بالإخفات .
3- محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط .

السابع : أن يسأل اللّه عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلاًّ منهما . الثامن : السكتة بين «الحمد» والسورة ، وكذا بعد الفراغ منها بينها وبين القنوت أو تكبير الركوع . التاسع : أن يقول بعد قراءة سورة «التوحيد» : «كذلك اللّه ربّي» مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ، أو «كذلك اللّه ربّنا» ثلاثاً وأن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة «الحمد» إذا كان مأموماً : «الحمد للّه ربّ العالمين» بل وكذا بعد فراغ نفسه إن كان منفرداً . العاشر : قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات ، كقراءة «عمّ يتساءلون» ، و«هل أتى» ، و«هل أتاك» ، و«لا اُقسم» ، وأشباهها في صلاة الصبح ، وقراءة «سبّح اسم» ، و«الشمس» ونحوهما في الظهر والعشاء ، وقراءة «إذا جاء نصر اللّه» ، و«ألهاكم التكاثر» في العصر والمغرب ، وقراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاُولى و«المنافقين» في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة ، وكذا في صبح يوم الجمعة ، أو يقرأ فيها في الاُولى «الجمعة» و«التوحيد» في الثانية ، وكذا في العشاء في ليلة الجمعة(1) يقرأ في الاُولى «الجمعة» وفي الثانية «المنافقين» وفي مغربها «الجمعة» في الاُولى و«التوحيد» في الثانية ، ويستحبّ في كلّ صلاة قراءة «إنّا أنزلناه» في الاُولى ، و«التوحيد» في الثانية ، بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل اُعطي أجر السورة التي عدل عنها ، مضافاً إلى أجرهما ، بل ورد أ نّه لا تزكو صلاة إلاّ بهما ، ويستحبّ في صلاة الصبح من الاثنين والخميس سورة «هل أتى» في الاُولى ، و«هل أتاك» في الثانية .

(مسألة 1) : يكره ترك سورة «التوحيد» في جميع الفرائض الخمسة .

ص: 501


1- الأولى اختيار «الجمعة» في الاُولى من العشاءين و«الأعلى» في الثانية منهما .

(مسألة 2) : يكره قراءة «التوحيد» بنفس واحد ، وكذا قراءة «الحمد» والسورة(1) بنفس واحد.

(مسألة 3) : يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلاّ سورة «التوحيد» .

(مسألة 4) : يجوز تكرار الآية في الفريضة وغيرها ، والبكاء ، ففي الخبر كان علي بن الحسين علیهما السلام إذا قرأ «مالك يوم الدين» يكرّرها حتّى يكاد أن يموت ، وفي آخر عن موسى بن جعفر علیهما السلام عن الرجل يصلّي ، له أن يقرأ في الفريضة فتمرّ الآية فيها التخويف فيبكي ويردّد الآية ؟ قال علیه السلام : «يردّد القرآن ما شاء ، وإن جاءه البكاء فلا بأس» .

(مسألة 5) : يستحبّ إعادة الجمعة(2) أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلاّهما فقرأ غير «الجمعة» و«المنافقين» ، أو نقل النيّة إلى النفل إذا كان في الأثناء وإتمام ركعتين ثمّ استئناف الفرض بالسورتين .

(مسألة 6) : يجوز قراءة المعوّذتين في الصلاة ، وهما من القرآن .

(مسألة 7) : «الحمد» سبع آيات ، و«التوحيد» أربع آيات .

(مسألة 8) : الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقوله : «إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» ، إذا قصد القرآنية أيضاً ، بأن يكون قاصداً للخطاب بالقرآن ، بل وكذا في سائر الآيات ، فيجوز إنشاء الحمد بقوله : «الحمد للّه ربّ العالمين» ، وإنشاء المدح في «الرحمن الرحيم» ، وإنشاء طلب الهداية في «إهدنا الصراط

ص: 502


1- ولا تبعد كراهة قراءة «الحمد» أيضاً بنفس واحدة .
2- الحكم في الجمعة محلّ تأمّل .

المستقيم» ، ولا ينافي قصد القرآنية مع ذلك .

(مسألة 9) : قد مرّ أ نّه يجب كون القراءة وسائر الأذكار حال الاستقرار ، فلو أراد حال القراءة التقدّم أو التأخّر قليلاً أو الحركة إلى أحد الجانبين أو أن ينحني لأخذ شيء من الأرض أو نحو ذلك يجب أن يسكت حال الحركة ، وبعد الاستقرار يشرع في قراءته ، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين لا يضرّ ، وإن كان الأولى بل الأحوط تركه أيضاً .

(مسألة 10) : إذا سمع اسم النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أثناء القراءة يجوز بل يستحبّ أن يصلّي عليه ، ولا ينافي الموالاة كما في سائر مواضع الصلاة ، كما أ نّه إذا سلّم عليه من يجب ردّ سلامه يجب ولا ينافي .

(مسألة 11) : إذا تحرّك حال القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار ، فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة .

(مسألة 12) : إذا شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة ، يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ، ويجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز ، ولا بأس بتكرارها مع تكرّر الشكّ ما لم يكن عن وسوسة ، ومعه يشكل الصحّة إذا أعاد .

(مسألة 13) : في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرّة في التسبيحات الأربعة .

(مسألة 14) : يجوز في «إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» القراءة في إشباع كسر الهمزة بلا إشباعه .

(مسألة 15) : إذا شكّ في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما ، بل مع الشكّ أيضاً - كما مرّ - لكن لو

ص: 503

اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان باطلاً لا بأس به .

(مسألة 16) : الأحوط فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات حتّى أواخر الآيات ، بل جميع حروفها ، وإن كان لا يبعد(1) اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة من الآية ، فضلاً عن حرف آخرها .

فصل : في الركوع

يجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل ركوع واحد ، إلاّ في صلاة الآيات ، ففي كلّ من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي ، وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً كان أو سهواً ، وكذا بزيادته في الفريضة ، إلاّ في صلاة الجماعة(2) ، فلا تضرّ بقصد المتابعة ، وواجباته اُمور :

أحدها : الانحناء على الوجه المتعارف بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه وصولاً لو أراد وضع شيء منهما عليهما لوضعه ، ويكفي وصول مجموع أطراف الأصابع التي منها الإبهام على الوجه المذكور ، والأحوط الانحناء بمقدار إمكان وصول الراحة إليها ، فلا يكفي مسمّى الانحناء ولا الانحناء على الغير الوجه المتعارف ؛ بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفليه ويرفع ركبتيه ونحو ذلك ، وغير المستوي الخلقة كطويل اليدين أو قصيرهما يرجع إلى المستوي ، ولا بأس باختلاف أفراد المستوين خلقة ، فلكلّ حكم نفسه بالنسبة إلى يديه وركبتيه .

ص: 504


1- الأقوى عدم الاغتفار في الكلمة ، والأحوط بل الأقوى عدمه في الحرف أيضاً عند الوصل ، نعم لا يخلو الاغتفار في أواخر الكلمات عند الوقف من وجه .
2- بتفصيل يأتي في محلّه .

الثاني : الذكر ، والأحوط اختيار التسبيح من أفراده مخيّراً بين الثلاث من الصغرى ، وهي «سبحان اللّه» ، وبين التسبيحة الكبرى ، وهي «سبحان ربّي العظيم وبحمده» ، وإن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبير ، بل وغيرها بشرط أن يكون بقدر(1) الثلاث الصغريات فيجزي أن يقول : «الحمد للّه» ثلاثاً ، أو «اللّه أكبر» كذلك ، أو نحو ذلك .

الثالث : الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب ، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً إذا جاء به بقصد الخصوصية ، فلو تركها عمداً بطلت صلاته ، بخلاف السهو على الأصحّ وإن كان الأحوط الاستئناف إذا تركها فيه أصلاً ولو سهواً ، بل وكذلك إذا تركها في الذكر الواجب .

الرابع : رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً ، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت الصلاة .

الخامس : الطمأنينة حال القيام بعد الرفع فتركها عمداً مبطل للصلاة .

(مسألة 1) : لا يجب(2) وضع اليدين على الركبتين حال الركوع ، بل يكفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع كما مرّ .

(مسألة 2) : إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المذكور ولو بالاعتماد على شيء أتى بالقدر الممكن ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن من الركوع منه ، وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلاً وتمكّن منه جالساً أتى به جالساً ، والأحوط صلاة اُخرى بالإيماء قائماً ، وإن لم يتمكّن منه جالساً أيضاً أومأ له وهو قائم

ص: 505


1- على الأحوط ، أو بقدر التسبيحة الكبرى على الأحوط أيضاً .
2- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بوضعهما عليهما .

برأسه إن أمكن ، وإلاّ فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرفع منه ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً نواه بقلبه وأتى بالذكر الواجب .

(مسألة 3) : إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة وقائماً مومئاً ، لا يبعد تقديم الثاني والأحوط تكرار الصلاة .

(مسألة 4) : لو أتى بالركوع جالساً ورفع رأسه منه ثمّ حصل له التمكّن من القيام لا يجب ، بل لا يجوز له إعادته قائماً ، بل لا يجب عليه القيام للسجود خصوصاً إذا كان بعد السمعلة وإن كان أحوط(1) ، وكذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء الغير التامّ ، وأمّا لو حصل له التمكّن في أثناء الركوع جالساً ، فإن كان بعد تمام الذكر الواجب يجتزئ به ، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع ، وإن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر يجب عليه أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي ، ثمّ إتمام الذكر والقيام بعده ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة ، وإن حصل في أثناء الركوع بالانحناء الغير التامّ أو في أثناء الركوع الإيمائي ، فالأحوط الانحناء إلى حدّ الركوع وإعادة الصلاة .

(مسألة 5) : زيادة الركوع الجلوسي والإيمائي مبطلة ولو سهواً كنقيصته .

(مسألة 6) : إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض ، فإن تمكّن من الانتصاب ولو بالاعتماد على شيء وجب عليه ذلك لتحصيل القيام الواجب حال القراءة وللركوع ، وإلاّ فللركوع فقط فيقوم وينحني ، وإن لم يتمكّن من ذلك لكن تمكّن من الانتصاب في الجملة فكذلك ، وإن لم يتمكّن أصلاً ، فإن تمكّن من الانحناء

ص: 506


1- لا يترك .

أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج من حدّ الركوع وجب ، وإن لم يتمكّن من الزيادة أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث لو انحنى أزيد خرج عن حدّه ، فالأحوط له الإيماء بالرأس ، وإن لم يمكن فبالعينين له تغميضاً وللرفع منه فتحاً ، وإلاّ فينوي به قلباً ويأتي بالذكر .

(مسألة 7) : يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ولو إجمالاً بالبقاء على نيّته في أوّل الصلاة ؛ بأن لا ينوي الخلاف ، فلو انحنى بقصد وضع شيء على الأرض أو رفعه أو قتل عقرب أو حيّة أو نحو ذلك ، لا يكفي في جعله ركوعاً ، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء للركوع ، ولا يلزم منه زيادة الركن .

(مسألة 8) : إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمّ ركع ، ولا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب ، وكذا لو تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الاُولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى ، وإن كان الأحوط(1) في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها ، وإتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة.

(مسألة 9) : لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء وهوى إلى السجود ، فإن كان النسيان قبل الوصول إلى حدّ الركوع انتصب قائماً ثمّ ركع ، ولا يكفي الانتصاب إلى الحدّ الذي عرض له النسيان ، ثمّ الركوع وإن كان بعد الوصول إلى حدّه ، فإن لم يخرج عن حدّه وجب عليه البقاء مطمئنّاً والإتيان بالذكر ، وإن خرج عن حدّه فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين ؛ من العود إلى القيام ثمّ الهويّ للركوع ، أو القيام بقصد الرفع منه ثمّ الهويّ للسجود ، وذلك

ص: 507


1- لا يترك .

لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع فيتعيّن الأوّل ، ويحتمل كونه من باب نسيان الذكر والطمأنينة في الركوع بعد تحقّقه ، وعليه فيتعيّن الثاني ، فالأحوط أن يتمّها بأحد الوجهين(1) ثمّ يعيدها .

(مسألة 10) : ذكر بعض العلماء : أ نّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها ، بل قيل باستحباب ذلك ، والأحوط كونها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء ، نعم الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء لئلاّ ترتفع عجيزتها .

(مسألة 11) : يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرّة واحدة كما مرّ ، وأمّا الصغرى - إذا اختارها - فالأقوى(2) وجوب تكرارها ثلاثاً ، بل الأحوط والأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً ، كما أنّ الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث ؛ وإن كان كلّ واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى ، ويجوز الزيادة على الثلاث ولو بقصد الخصوصية والجزئية والأولى أن يختم على وتر كالثلاث والخمس والسبع وهكذا ، وقد سمع من الصادق - صلوات اللّه عليه - ستّون تسبيحة في ركوعه وسجوده .

(مسألة 12) : إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب تعيين(3) الواجب منه ، بل

ص: 508


1- وهنا وجه ثالث وهو العود إلى حدّ الركوع والإتيان بالذكر مطمئنّاً ، ووجه رابع هو السجود بلا انتصاب ، والأقوى هو الوجه الرابع إذا عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناًما بلا احتياج إلى الإعادة وإن كانت أحوط ، وأمّا مع عدم الوقوف فلا يترك الاحتياط برفع الرأس ثمّ الهويّ إلى السجود وإتمام الصلاة وإعادتها .
2- بل الأحوط .
3- الظاهر أنّ الواجب هو أوّل المصداق .

الأحوط عدمه ، خصوصاً إذا عيّنه في غير الأوّل ؛ لاحتمال كون الواجب هو الأوّل مطلقاً ، بل احتمال كون الواجب هو المجموع ، فيكون من باب التخيير بين المرّة والثلاث والخمس مثلاً .

(مسألة 13) : يجوز في حال الضرورة وضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرّة واحدة ، فيجزي «سبحان اللّه» مرّة .

(مسألة 14) : لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع ، وكذا بعد الوصول وقبل الاطمئنان والاستقرار ، ولا النهوض قبل تمامه ، والإتمام حال الحركة للنهوض ، فلو أتى به كذلك بطل ، وإن كان بحرف واحد منه ، ويجب إعادته إن كان سهواً ولم يخرج عن حدّ الركوع ، وبطلت الصلاة مع العمد وإن أتى به ثانياً مع الاستقرار ، إلاّ إذا لم يكن ما أتى به حال عدم الاستقرار بقصد الجزئية ، بل بقصد الذكر المطلق .

(مسألة 15) : لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت ، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع وإذا لم يتمكّن من البقاء في حدّ الركوع إلى تمام الذكر ، يجوز له(1) الشروع قبل الوصول ، أو الإتمام حال النهوض .

(مسألة 16) : لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلاً ؛ بأن لم يبق في حدّه ، بل رفع رأسه بمجرّد الوصول سهواً ، فالأحوط إعادة الصلاة ؛ لاحتمال توقّف صدق الركوع على الطمأنينة في الجملة ، لكنّ الأقوى الصحّة .

ص: 509


1- فيه تأمّل والأحوط الإتمام حال النهوض بقصد القربة المطلقة والرجاء .

(مسألة 17) : يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى والصغرى ، وكذا بينهما وبين غيرهما من الأذكار .

(مسألة 18) : إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى ، مثلاً إذا قال : «سبحان» بقصد أن يقول : «سبحان اللّه» فعدل وذكر بعده «ربّي العظيم» جاز وكذا العكس ، وكذا إذا قال : «سبحان اللّه» بقصد الصغرى ، ثمّ ضمّ إليه «والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر» وبالعكس .

(مسألة 19) : يشترط في ذكر الركوع : العربية ، والموالاة ، وأداء الحروف من مخارجها الطبيعية ، وعدم المخالفة في الحركات الإعرابية والبنائية .

(مسألة 20) : يجوز في لفظة «ربّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر الباء من ربّي ، وعدم إشباعه .

(مسألة 21) : إذا تحرّك في حال الذكر الواجب بسبب قهري ؛ بحيث خرج عن الاستقرار ، وجب(1) إعادته ، بخلاف الذكر المندوب .

(مسألة 22) : لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار ، وكذا بحركة أصابع اليد أو الرجل بعد كون البدن مستقرّاً .

(مسألة 23) : إذا وصل في الانحناء إلى أوّل حدّ الركوع فاستقرّ وأتى بالذكر أو لم يأت به ثمّ انحنى أزيد بحيث وصل إلى آخر الحدّ لا بأس به ، وكذا العكس ، ولا يعدّ من زيادة الركوع ، بخلاف ما إذا وصل إلى أقصى الحدّ ثمّ نزل أزيد ثمّ رجع ، فإنّه يوجب زيادته ، فما دام في حدّه يعدّ ركوعاً واحداً وإن تبدّلت الدرجات منه .

ص: 510


1- على الأحوط .

(مسألة 24) : إذا شكّ في لفظ «العظيم» مثلاً ، أ نّه بالضاد أو بالظاء ، يجب عليه ترك الكبرى والإتيان بالصغرى ثلاثاً ، أو غيرها من الأذكار ، ولا يجوز له أن يقرأ بالوجهين ، وإذا شكّ في أنّ العظيم بالكسر أو بالفتح يتعيّن عليه أن يقف عليه ، ولا يبعد عليه جواز قراءته وصلاً بالوجهين ؛ لإمكان أن يجعل العظيم مفعولاً لأعني مقدّراً .

(مسألة 25) : يشترط في تحقّق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه ، والأفضل الزيادة على ذلك بحيث يساوي مسجده ، ولا يجب فيه - على الأصحّ - الانتصاب على الركبتين شبه القائم ثمّ الانحناء وإن كان هو الأحوط .

(مسألة 26) : مستحبّات الركوع اُمور : أحدها : التكبير له وهو قائم منتصب ، والأحوط عدم تركه ، كما أنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبّر في حال الهويّ ، أو مع عدم الاستقرار . الثاني : رفع اليدين حال التكبير على نحو ما مرّ في تكبيرة الإحرام . الثالث : وضع الكفّين على الركبتين مفرّجات الأصابع ممكّناً لهما من عينيهما واضعاً اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى . الرابع : ردّ الركبتين إلى الخلف . الخامس : تسوية الظهر بحيث لو صبّ عليه قطرة من الماء استقرّ في مكانه لم يزل . السادس : مدّ العنق موازياً للظهر . السابع : أن يكون نظره بين قدميه . الثامن : التجنيح بالمرفقين . التاسع : وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى . العاشر : أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين . الحادي عشر : تكرار التسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً ، بل أزيد . الثاني عشر : أن يختم الذكر على وتر . الثالث عشر : أن يقول قبل قوله : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» : «اللهمّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربّي ، خشع

ص: 511

لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّت قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر» . الرابع عشر : أن يقول بعد الانتصاب : «سمع اللّه لمن حمده» ، بل يستحبّ أن يضمّ إليه قوله : «الحمد للّه ربّ العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة ، الحمد للّه ربّ العالمين» ؛ إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً . الخامس عشر : رفع اليدين للانتصاب منه ، وهذا غير رفع اليدين حال التكبير للسجود . السادس عشر : أن يصلّي على النبي وآله بعد الذكر أو قبله .

(مسألة 27) : يكره في الركوع اُمور : أحدها : أن يُطَأطِئ رأسه بحيث لا يساوي ظهره ، أو يرفعه إلى فوق كذلك . الثاني : أن يضمّ يديه إلى جنبيه . الثالث : أن يضع إحدى الكفّين على الاُخرى ويدخلهما بين ركبتيه ، بل الأحوط اجتنابه . الرابع : قراءة القرآن فيه . الخامس : أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده .

(مسألة 28) : لا فرق بين الفريضة والنافلة في واجبات الركوع ومستحبّاته ومكروهاته وكون نقصانه موجباً للبطلان(1) ، نعم الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهواً .

فصل : في السجود

وحقيقته : وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم . وهو أقسام : السجود للصلاة - ومنه قضاء السجدة المنسيّة - وللسهو وللتلاوة وللشكر وللتذلّل والتعظيم . أمّا سجود الصلاة فيجب في كلّ ركعة من الفريضة والنافلة سجدتان ،

ص: 512


1- بطلانها بنقصانه مبنيّ على الاحتياط .

وهما معاً من الأركان ، فتبطل بالإخلال بهما معاً ، وكذا بزيادتهما معاً في الفريضة ؛ عمداً كان أو سهواً أو جهلاً ، كما أ نّها تبطل بالإخلال بإحداهما عمداً ، وكذا بزيادتها ، ولا تبطل - على الأقوى - بنقصان واحدة ولا بزيادتها سهواً .

وواجباته اُمور : أحدها : وضع المساجد السبعة على الأرض ، وهي الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان من الرجلين ، والركنية تدور مدار وضع الجبهة ، فتحصل الزيادة والنقيصة به دون سائر المساجد ، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة ، كما أ نّه لو وضع سائرها ولم يضعها يصدق تركه . الثاني : الذكر ، والأقوى كفاية مطلقه وإن كان الأحوط اختيار التسبيح على نحو ما مرّ في الركوع إلاّ أنّ في التسبيحة الكبرى يبدّل العظيم بالأعلى . الثالث : الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب بل المستحبّ أيضاً إذا أتى به بقصد الخصوصية ، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل وأبطل ، وإن كان سهواً وجب التدارك(1) إن تذكّر قبل رفع الرأس ، وكذا لو أتى به حال الرفع أو بعده ، ولو كان بحرف واحد منه ، فإنّه مبطل إن كان عمداً ، ولا يمكن التدارك إن كان سهواً ؛ إلاّ إذا ترك الاستقرار وتذكّر قبل رفع الرأس . الرابع : رفع الرأس منه . الخامس : الجلوس بعده مطمئنّاً ثمّ الانحناء للسجدة الثانية . السادس : كون المساجد السبعة في محالّها إلى تمام الذكر ، فلو رفع بعضها بطل وأبطل إن كان عمداً ، ويجب تداركه إن كان سهواً ، نعم لا مانع من رفع ما عدا الجبهة في غير حال الذكر ثمّ وضعه عمداً كان أو سهواً ، من غير فرق بين كونه لغرض كحكّ الجسد ونحوه أو بدونه . السابع : مساواة موضع الجبهة للموقف ؛ بمعنى عدم علوّه أو

ص: 513


1- الحكم في الاستقرار مبنيّ على الاحتياط .

انخفاضه أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها ، أو أربع أصابع مضمومات ، ولا بأس بالمقدار المذكور ، ولا فرق في ذلك بين الانحدار والتسنيم ، نعم الانحدار اليسير(1) لا اعتبار به فلا يضرّ معه الزيادة على المقدار المذكور ، والأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد لا بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه . الثامن : وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه من الأرض وما نبت منها غير المأكول والملبوس على ما مرّ في بحث المكان . التاسع : طهارة محلّ وضع الجبهة . العاشر : المحافظة على العربية والترتيب والموالاة في الذكر .

(مسألة 1) : الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً ، وما بين الجبينين عرضاً ، ولا يجب فيها الاستيعاب ، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها ، ويتحقّق المسمّى بمقدار الدرهم(2) قطعاً ، والأحوط عدم الأنقص ، ولا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعاً ، بل يكفي وإن كان متفرّقاً مع الصدق ، فيجوز السجود على السبحة الغير المطبوخة إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم .

(مسألة 2) : يشترط مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه ، فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه ، حتّى مثل الوسخ(3) الذي على التربة إذا كان مستوعباً لها بحيث لم يبق مقدار الدرهم منها ولو متفرّقاً خالياً عنه ، وكذا

ص: 514


1- الأحوط مراعاة المقدار المذكور فيه أيضاً .
2- بل أنقص منه ، حتّى بمقدار رأس الأنملة .
3- إذا كان له جسمية عرفاً ، لا مثل اللون .

بالنسبة إلى شعر المرأة الواقع على جبهتها فيجب رفعه بالمقدار الواجب ، بل الأحوط إزالة الطين اللاصق بالجبهة في السجدة الاُولى ، وكذا إذا لصقت التربة بالجبهة ، فإنّ الأحوط رفعها ، بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقّف صدق السجود(1) على الأرض أو نحوها عليه ، وأمّا إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به ، وأمّا سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض .

(مسألة 3) : يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار ، ومع الضرورة يجزي الظاهر ، كما أ نّه مع عدم إمكانه ؛ لكونه مقطوع الكفّ أو لغير ذلك ، ينتقل إلى الأقرب من الكفّ ، فالأقرب من الذراع والعضد .

(مسألة 4) : لا يجب استيعاب(2) باطن الكفّين أو ظاهرهما ، بل يكفي المسمّى ولو بالأصابع فقط أو بعضها ، نعم لا يجزي وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار ، كما لا يجزي لو ضمّ أصابعه وسجد عليها مع الاختيار .

(مسألة 5) : في الركبتين أيضاً يجزي وضع المسمّى منهما ، ولا يجب الاستيعاب ، ويعتبر ظاهرهما دون الباطن ، والركبة مجمع عظمي الساق والفخذ ، فهي بمنزلة المرفق من اليد .

(مسألة 6) : الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كلّ منهما ، دون الظاهر أو الباطن منهما ، ومن قطع إبهامه يضع ما بقي منه ، وإن لم يبق منه شيء أو كان

ص: 515


1- أو توقّف حدوث وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه .
2- بل يجب على الأحوط الاستيعاب العرفي ، ومع التعذّر عنه ينتقل إلى مسمّى الباطن ، ولو لم يقدر إلاّ على ضمّ الأصابع إلى الكفّ والسجود عليها يجتزئ به ، ومع تعذّر ذلك كلّه ينتقل إلى الظاهر ، ويجب على الأحوط فيه الاستيعاب العرفي ثمّ المسمّى .

قصيراً يضع سائر أصابعه ، ولو قطعت جميعها يسجد على ما بقي من قدميه ، والأولى والأحوط ملاحظة محلّ الإبهام .

(مسألة 7) : الأحوط(1) الاعتماد على الأعضاء السبعة ؛ بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها ، وإن كان الأقوى عدم وجوب أزيد من المقدار الذي يتحقّق معه صدق السجود ، ولا يجب مساواتها في إلقاء الثقل ، ولا عدم مشاركة غيرها معها من سائر الأعضاء كالذراع وباقي أصابع الرجلين .

(مسألة 8) : الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة ، وإن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأيّ هيئة كان ما دام يصدق السجود ، كما إذا ألصق صدره وبطنه بالأرض ، بل ومدّ رجله(2) أيضاً ، بل ولو انكبّ على وجهه لاصقاً بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور ، لكن قد يقال بعدم الصدق وأ نّه من النوم على وجهه .

(مسألة 9) : لو وضع(3) جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات ، فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً جاز رفعها ووضعها ثانياً ، كما يجوز جرّها ، وإن كان بمقدار يصدق معه السجدة عرفاً ، فالأحوط الجرّ لصدق زيادة السجدة مع الرفع ، ولو لم يمكن الجرّ فالأحوط الإتمام والإعادة .

ص: 516


1- لا يترك الاحتياط باعتمادٍ ما عليها ، وترك مجرّد المماسّة .
2- لا يترك الاحتياط بتركه ، كما أنّ الظاهر عدم صدق السجود على الانكباب على الوجه .
3- من غير عمد في هذه المسألة والمسألة الآتية ، وإن كان الوضع العمدي في الشقّ الأوّل من هذه المسألة غير مضرّ إذا لم يكن بعنوان الصلاة .

(مسألة 10) : لو وضع جبهته على ما لا يصحّ السجود عليه ، يجب عليه الجرّ ، ولا يجوز رفعها ؛ لاستلزامه زيادة السجدة ، ولا يلزم من الجرّ ذلك ، ومن هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصحّ أيضاً لطلب الأفضل أو الأسهل ونحو ذلك ، وإذا لم يمكن إلاّ الرفع ، فإن كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر ، فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة ، وإن كان بعد تمامه ، فالاكتفاء به قويّ ، كما لو التفت بعد رفع الرأس وإن كان الأحوط(1) الإعادة أيضاً .

(مسألة 11) : من كان بجبهته دمل أو غيره ، فإن لم يستوعبها وأمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه ، وإلاّ حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض ، وإن استوعبها أو لم يمكن بحفر الحفيرة أيضاً سجد على أحد الجبينين من غير ترتيب وإن كان الأولى والأحوط تقديم الأيمن على الأيسر ، وإن تعذّر سجد على ذقنه ، فإن تعذّر اقتصر على الانحناء(2) الممكن .

(مسألة 12) : إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد(3) إلى جبهته ووضع سائر المساجد في محالّها ، وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلاً أومأ برأسه ، وإن لم يتمكّن فبالعينين ، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه ، وكذا الأحوط(4) وضع ما يتمكّن من

ص: 517


1- لا يترك فيما إذا كان بعد تمامه قبل رفع الرأس .
2- الأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض الوجه أو مقدّم الرأس على الأرض ، ومع التعذّر تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته .
3- واضعاً للجبهة عليه باعتماد ؛ محافظاً على ما وجب من الذكر والطمأنينة وغيرهما .
4- لا بأس بتركه إذا لم يمكن له تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجود ، ومع إمكانه يجب وضع ما يتمكّن من المساجد في محالّها على الأقوى .

سائر المساجد في محالّها ، وإن لم يتمكّن من الجلوس ، أومأ برأسه ، وإلاّ فبالعينين ، وإن لم يتمكّن من جميع ذلك ينوي بقلبه جالساً ، أو قائماً إن لم يتمكّن من الجلوس ، والأحوط الإشارة باليد ونحوها مع ذلك .

(مسألة 13) : إذا حرّك إبهامه في حال الذكر عمداً ، أعاد الصلاة احتياطاً ، وإن كان سهواً أعاد الذكر(1) إن لم يرفع رأسه ، وكذا لو حرّك سائر المساجد ، وأمّا لو حرّك أصابع يده مع وضع الكفّ بتمامها ، فالظاهر عدم البأس به ؛ لكفاية اطمئنان بقيّة الكفّ ، نعم لو سجد على خصوص الأصابع(2) كان تحريكها كتحريك إبهام الرجل .

(مسألة 14) : إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذكر ، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانياً حسبت سجدة ، فيجلس ويأتي بالاُخرى إن كانت الاُولى ، ويكتفي بها إن كانت الثانية ، وإن عادت إلى الأرض قهراً فالمجموع سجدة واحدة فيأتي بالذكر وإن كان بعد الإتيان به اكتفى به .

(مسألة 15) : لا بأس بالسجود على غير الأرض ونحوها ، مثل الفراش في حال التقيّة ، ولا يجب التفصّي عنها بالذهاب إلى مكان آخر ، نعم لو كان في ذلك المكان مندوحة - بأن يصلّي على البارية ، أو نحوها ممّا يصحّ السجود عليه - وجب اختيارها .

(مسألة 16) : إذا نسي السجدتين أو إحداهما ، وتذكّر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها ، وإن كان بعد الركوع مضى إن كان المنسيّ واحدة ، وقضاها بعد

ص: 518


1- احتياطاً ورجاءً .
2- فيما إذا كان تكليفه وضع خصوصها ، وأمّا في حال الاختيار فقد مرّ الاحتياط .

السلام(1) وتبطل الصلاة إن كان اثنتين ، وإن كان في الركعة الأخيرة يرجع ما لم يسلّم ، وإن تذكّر بعد السلام بطلت الصلاة(2) إن كان المنسيّ اثنتين ، وإن كان واحدة قضاها(3) .

(مسألة 17) : لا يجوز الصلاة على ما لا تستقرّ(4) المساجد عليه كالقطن المندوف ، والمخدّة من الريش ، والكومة من التراب الناعم ، أو كدائس الحنطة ونحوها .

(مسألة 18) : إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التامّ للسجدة بين وضع اليدين على الأرض، وبين رفع ما يصحّ السجود عليه ووضعه على الجبهة ، فالظاهر تقديم الثاني(5) ، فيرفع يديه أو إحداهما عن الأرض ؛ ليضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته ، ويحتمل التخيير .

فصل: في مستحبّات السجود

وهي اُمور : الأوّل : التكبير حال الانتصاب من الركوع قائماً أو قاعداً . الثاني : رفع اليدين حال التكبير . الثالث : السبق باليدين

ص: 519


1- وسجد سجدتي السهو .
2- الأحوط قبل صدور المنافي - عمداً وسهواً - الرجوع وتدارك السجدتين ، ثمّ التشهّد والتسليم ، ثمّ إعادة الصلاة .
3- وسجد سجدتي السهو .
4- ولم تستقرّ بالوضع .
5- مع كون الدوران بين السجدة الناقصة بوضع الجبهة على الأرض المرتفعة زائداً على التحديد الشرعي ، وأمّا مع العذر عن السجدة ولو ببعض مراتبها الميسورة ، فقد مرّ عدم لزوم وضع سائر المساجد، والاجتزاء بالإيماء، وأنّ الأحوط ضمّ الوضع على الجبهة إليه.

إلى الأرض عند الهويّ إلى السجود . الرابع : استيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، بل استيعاب(1) جميع المساجد . الخامس : الإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه . السادس : بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الاُذنين ؛ متوجّهاً بهما إلى القبلة . السابع : شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود . الثامن : الدعاء قبل الشروع في الذكر ؛ بأن يقول : «اللهمّ لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربّي ، سجد وجهي للذي خلقه ، وشقّ سمعه وبصره ، والحمد للّه ربّ العالمين ، تبارك اللّه أحسن الخالقين» . التاسع : تكرار الذكر . العاشر : الختم على الوتر . الحادي عشر : اختيار التسبيح من الذكر ، والكبرى من التسبيح ، وتثليثها أو تخميسها أو تسبيعها . الثاني عشر : أن يسجد على الأرض ، بل التراب دون مثل الحجر والخشب . الثالث عشر : مساواة موضع الجبهة مع الموقف ، بل مساواة جميع المساجد . الرابع عشر : الدعاء في السجود أو الأخير بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة ، وخصوص طلب الرزق الحلال بأن يقول : «يا خير المسؤولين ، ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك فإنّك ذو الفضل العظيم» . الخامس عشر : التورّك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما ، وهو أن يجلس على فخذه الأيسر جاعلاً ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى . السادس عشر : أن يقول في الجلوس بين السجدتين : «أستغفر اللّه ربّي وأتوب إليه» . السابع عشر : التكبير بعد الرفع من السجدة الاُولى بعد الجلوس مطمئنّاً ، والتكبير للسجدة الثانية وهو قاعد . الثامن عشر : التكبير بعد الرفع من الثانية كذلك . التاسع عشر : رفع اليدين حال

ص: 520


1- مرّ الاحتياط في استيعاب الكفّين ، وأمّا استحباب استيعاب الإبهامين والركبتين فغير ظاهر .

التكبيرات . العشرون : وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس ؛ اليمنى على اليمنى ، واليسرى على اليسرى . الحادي والعشرون : التجافي حال السجود ؛ بمعنى رفع البطن عن الأرض . الثاني والعشرون : التجنّح ؛ بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود ؛ بأن يرفع مرفقيه عن الأرض مفرّجاً بين عضديه وجنبيه ، ومبعّداً يديه عن بدنه جاعلاً يديه كالجناحين . الثالث والعشرون : أن يصلّي على النبي وآله في السجدتين . الرابع والعشرون : أن يقوم سابقاً برفع ركبتيه قبل يديه . الخامس والعشرون : أن يقول بين السجدتين : «اللهمّ اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع عنّي فإنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير تبارك اللّه ربّ العالمين» . السادس والعشرون : أن يقول عند النهوض للقيام : «بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد» أو يقول :

«اللهمّ بحولك وقوّتك أقوم وأقعد» . السابع والعشرون : أن لا يعجن بيديه عند إرادة النهوض ؛ أي لا يقبضهما ، بل يبسطهما على الأرض معتمداً عليهما للنهوض . الثامن والعشرون : وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة - عكس الرجل - عند الهويّ للسجود ، وكذا يستحبّ عدم تجافيها حاله ، بل تفترش ذراعيها وتلصق بطنها بالأرض ، وتضمّ أعضاءها ، وكذا عدم رفع عجيزتها حال النهوض للقيام ، بل تنهض وتنتصب عدلاً . التاسع والعشرون : إطالة السجود والإكثار فيه من التسبيح والذكر . الثلاثون : مباشرة الأرض بالكفّين . الواحد والثلاثون : زيادة تمكين الجبهة وسائر المساجد في السجود .

(مسألة 1) : يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين ، بل بعدهما أيضاً ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه كما فسّره به الفقهاء ، بل بالمعنى الآخر المنسوب إلى اللغويّين أيضاً ، وهو أن يجلس على أليتيه وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره كإقعاء الكلب .

ص: 521

(مسألة 2) : يكره نفخ موضع السجود إذا لم يتولّد حرفان ، وإلاّ فلا يجوز ، بل مبطل للصلاة ، وكذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين .

(مسألة 3) : يكره قراءة القرآن في السجود ، كما كان يكره في الركوع .

(مسألة 4) : الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ، وهي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الاُولى ، والثالثة ممّا لا تشهّد فيه ، بل وجوبها لا يخلو عن قوّة(1) .

(مسألة 5) : لو نسيها رجع إليها(2) ما لم يدخل في الركوع .

فصل : في سائر أقسام السجود

(مسألة 1) : يجب السجود للسهو كما سيأتي مفصّلاً في أحكام الخلل .

(مسألة 2) : يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع ، وهي : «الم تنزيل» عند قوله : )وَهُم لاَ يَسْتَكْبِرُونَ( . و«حم فصّلت» عند قوله : )تَعْبُدُونَ( ، و«النجم» ، و«العلق» - وهي سورة «اقرأ باسم» - عند ختمهما ، وكذا يجب على المستمع لها بل السامع على الأظهر(3) ، ويستحبّ في أحد عشر موضعاً : في «الأعراف» عند قوله : )وَلَهُ يَسْجُدُونَ( ، وفي «الرعد» عند قوله : )وَظِلالُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ( ، وفي «النحل» عند قوله : )وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ( ، وفي «بني إسرائيل» عند قوله : )وَيَزِيدُهُم خُشُوعاً( ، وفي «مريم»

ص: 522


1- في القوّة إشكال ، بل عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
2- الأقوى عدم وجوب الرجوع .
3- بل الأظهر في السماع عدم الوجوب ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

عند قوله : )خَرُّوا سُجَّدَاً وَبُكِيّاً( ، وفي سورة «الحجّ» في موضعين عند قوله : )يَفْعَلُ مَا يَشَآء( ، وعند قوله : )وَافعَلُوا الخَيْرَ . . .( ، وفي «الفرقان» عند قوله : )وَزَادَهُمْ نُفُوراً( ، وفي «النمل» عند قوله : )رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ( ، وفي «ص» عند قوله : )وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَ نَابَ( ، وفي «الانشقاق» عند قوله : )وَإذَا قُرِئَ( ، بل الأحوط الأولى السجود عند كلّ آية فيها أمر بالسجود .

(مسألة 3) : يختصّ الوجوب والاستحباب بالقارئ والمستمع والسامع للآيات، فلا يجب على من كتبها أو تصوّرها أو شاهدها مكتوبة أو أخطرها بالبال .

(مسألة 4) : السبب مجموع الآية، فلا يجب بقراءة بعضها ولو لفظ السجدة منها.

(مسألة 5) : وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير ، نعم لو نسيها أتى بها إذا تذكّر ، بل وكذلك لو تركها عصياناً .

(مسألة 6) : لو قرأ بعض الآية وسمع بعضها الآخر ، فالأحوط الإتيان بالسجدة .

(مسألة 7) : إذا قرأها غلطاً أو سمعها ممّن قرأها غلطاً فالأحوط السجدة أيضاً.

(مسألة 8) : يتكرّر السجود مع تكرّر القراءة أو السماع أو الاختلاف ، بل وإن كان في زمان واحد ؛ بأن قرأها جماعة أو قرأها شخص حين قراءته على الأحوط(1) .

(مسألة 9) : لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره ، كالصغير والمجنون ؛ إذا كان قصدهما قراءة القرآن .

ص: 523


1- عدم التكرّر مع الاستماع دفعة من جماعة لا يخلو من قوّة ، كما أنّ الأقوى في الفرض الأخير هو التكرّر .

(مسألة 10) : لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود(1) وسجد بعد الصلاة وأعادها .

(مسألة 11) : إذا سمعها أو قرأها في حال السجود ، يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع ، ولا يكفي البقاء بقصده ، بل ولا الجرّ إلى مكان آخر .

(مسألة 12) : الظاهر عدم وجوب نيّته حال الجلوس أو القيام ليكون الهويّ إليه بنيّته ، بل يكفي نيّته قبل وضع الجبهة بل مقارناً(2) له .

(مسألة 13) : الظاهر أ نّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية ، فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه ، وكذا لو سمعها ممّن قرأها حال النوم أو سمعها من صبيّ غير مميّز ، بل وكذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت ، وإن كان الأحوط السجود في الجميع .

(مسألة 14) : يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات ، فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود وإن كان أحوط .

(مسألة 15): لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها؛ وإن كان المقصود ترجمة الآية.

(مسألة 16) : يعتبر(3) في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه - مضافاً إلى النيّة -

ص: 524


1- تقدّم في القراءة ما هو الأقوى .
2- لا تكفي المقارنة على الأقوى .
3- الأقوى عدم اعتبار شيء ممّا ذكر غير ما يتحقّق به مسمّاه والنيّة ، نعم الأحوط ترك السجدة على المأكول والملبوس ، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيما ذكر .

إباحة المكان ، وعدم علوّ المسجد بما يزيد على أربعة أصابع ، والأحوط وضع سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، ولا يعتبر فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث ، فتسجد الحائض وجوباً عند سببه ، وندباً عند سبب الندب ، وكذا الجنب ، وكذا لا يعتبر فيه الاستقبال ولا طهارة موضع الجبهة ، ولا ستر العورة ، فضلاً عن صفات الساتر ؛ من الطهارة وعدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة ، نعم يعتبر(1) أن لا يكون لباسه مغصوباً إذا كان السجود يعدّ تصرّفاً فيه .

(مسألة 17) : ليس في هذا السجود تشهّد ولا تسليم ولا تكبير افتتاح ، نعم يستحبّ التكبير للرفع منه ، بل الأحوط عدم تركه .

(مسألة 18) : يكفي فيه مجرّد السجود ، فلا يجب فيه الذكر وإن كان يستحبّ ، ويكفي في وظيفة الاستحباب كلّ ما كان ، ولكنّ الأولى أن يقول : «سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً ، لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنكفاً ولا مستعظماً ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» أو يقول : «لا إله إلاّ اللّه حقّاً حقّاً ، لا إله إلاّ اللّه إيماناً وتصديقاً ، لا إله إلاّ اللّه عبودية ورقّاً ، سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً ، لا مستنكفاً ولا مستكبراً ، بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير» أو يقول : «إلهي آمنّا بما كفروا ، وعرفنا منك ما أنكروا ، وأجبناك إلى ما دعوا ، إلهي فالعفو العفو» أو يقول ما قاله النبي صلی الله علیه و آله وسلم في سجود سورة «العلق» وهو : «أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك عن عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا اُحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» .

ص: 525


1- على الأحوط وإن كان الأقوى عدم الاعتبار .

(مسألة 19) : إذا سمع القراءة مكرّراً وشكّ بين الأقلّ والأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقلّ ، نعم لو علم العدد وشكّ في الإتيان بين الأقلّ والأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقلّ أيضاً .

(مسألة 20) : في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدّد رفع الجبهة عن الأرض ، ثمّ الوضع للسجدة الاُخرى ، ولا يعتبر الجلوس ثمّ الوضع ، بل ولا يعتبر رفع سائر المساجد وإن كان أحوط .

(مسألة 21) : يستحبّ السجود للشكر لتجدّد نعمة أو دفع نقمة أو تذكّرهما ممّا كان سابقاً ، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير ولو مثل الصلح بين اثنين ، فقد روي عن بعض الأئمّة علیهم السلام أ نّه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر ، ويكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة ، نعم يعتبر فيه إباحة المكان(1) ، ولا يشترط فيه الذكر وإن كان يستحبّ أن يقول : «شكراً للّه» أو «شكراً شكراً» و«عفواً عفواً» مائة مرّة ، أو ثلاث مرّات ، ويكفي مرّة واحدة أيضاً ، ويجوز الاقتصار على سجدة واحدة ، ويستحبّ مرّتان ، ويتحقّق التعدّد بالفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً للأيمن منهما على الأيسر ، ثمّ وضع الجبهة ثانياً ، ويستحبّ فيه افتراش الذراعين ، وإلصاق الجؤجؤوالصدر والبطن بالأرض ويستحبّ أيضاً أن يمسح موضع سجوده بيده ، ثمّ إمرارها على وجهه ومقاديم بدنه ، ويستحبّ أن يقرأ في سجوده ما ورد في حسنة عبداللّه بن جندب عن موسى بن جعفر علیهما السلام : ما أقول في سجدة الشكر ،

ص: 526


1- الأقوى عدم اعتبارها ، وعدم اعتبار شيء ممّا يعتبر في السجود الصلاتي بعد تحقّق مسمّاه مضافاً إلى النيّة ، ولكنّه أحوط . نعم ، يعتبر على الأحوط ترك السجود على المأكول والملبوس ، بل لا يخلو من قوّة كما تقدّم .

فقد اختلف أصحابنا فيه ؟ فقال علیه السلام : «قل وأنت ساجد : اللهمّ إنّي اُشهدك واُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أ نّك أنت اللّه ربّي ، والإسلام ديني ، ومحمّداً نبيّي ، وعلياً والحسن والحسين - إلى آخرهم - أئمّتي ، بهم أتولّى ، ومن أعدائهم أتبرّأ ، اللهمّ إنّي أنشدك دم المظلوم - ثلاثاً - اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك وعدوّهم أن تصلّي على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد - ثلاثاً - اللهمّ إنّي أسأ لُك اليسر بعد العسر - ثلاثاً - ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت ، يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيّاً ، صلّ على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ، ثمّ تضع خدّك الأيسر وتقول : يا مذلّ كلّ جبّار ، ويا معزّ كلّ ذليل ، قد وعزّتك بلغ مجهودي - ثلاثاً - ثمّ تقول : يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة : شكراً شكراً ، ثمّ تسأل حاجتك إن شاء اللّه» ، والأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضاً على ما يصحّ السجود عليه ، ووضع سائر المساجد على الأرض ولا بأس بالتكبير قبلها وبعدها لا بقصد الخصوصية والورود .

(مسألة 22) : إذا وجد سبب سجود الشكر وكان له مانع من السجود على الأرض فليومئ برأسه ، ويضع خدّه على كفّه ، فعن الصادق علیه السلام إذا ذكر أحدكم نعمة اللّه عزّ وجلّ فليضع خدّه على التراب شكراً للّه ، وإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب ، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خدّه على قربوسه ، فإن لم يقدر فليضع خدّه على كفّه ، ثمّ ليحمد اللّه على ما أنعم عليه ، ويظهر من هذا الخبر تحقّق السجود بوضع الخدّ فقط من دون الجبهة .

ص: 527

(مسألة 23) : يستحبّ السجود بقصد التذلّل أو التعظيم للّه تعالى ، بل من حيث هو راجح وعبادة ، بل من أعظم العبادات وآكدها ، بل ما عبداللّه بمثله ، وما من عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً ؛ لأ نّه اُمر بالسجود فعصى ، وهذا اُمر به فأطاع ونجا ، وأقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد ، وأ نّه سنّة الأوّابين ، ويستحبّ إطالته ، فقد سجد آدم ثلاثة أيّام بلياليها ، وسجد علي بن الحسين علیهما السلام على حجارة خشنة حتّى اُحصي عليه ألف مرّة : لا إله إلاّ اللّه حقّاً حقّاً ، لا إله إلاّ اللّه تعبّداً ورقّاً ، لا إله إلاّ اللّه إيماناً وتصديقاً ، وكان الصادق علیه السلام يسجد السجدة حتّى يقال : إنّه راقد ، وكان موسى بن جعفر علیهما السلام يسجد كلّ يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال .

(مسألة 24) : يحرم السجود لغير اللّه تعالى ، فإنّه غاية الخضوع فيختصّ بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة ، وسجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم ، كما أنّ سجدة يعقوب وولده لم تكن ليوسف بل للّه تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه اللّه من الملك ، فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمّة علیهم السلام مشكل ، إلاّ أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق اللّه تعالى لهم لإدراك الزيارة ، نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة .

فصل : في التشهّد

وهو واجب في الثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية ، وفي الثلاثية والرباعية مرّتين : الاُولى كما ذكر ، والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة ، وهو واجب غير ركن ، فلو تركه عمداً بطلت الصلاة ، وسهواً أتى به ما لم يركع ، وقضاه بعد الصلاة إن

ص: 528

تذكّر بعد الدخول في الركوع مع سجدتي السهو(1) .

وواجباته سبعة : الأوّل : الشهادتان . الثاني : الصلاة على محمّد وآل محمّد فيقول : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ويجزي على الأقوى(2) أن يقول : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» . الثالث : الجلوس بمقدار الذكر المذكور . الرابع : الطمأنينة فيه . الخامس :

الترتيب بتقديم الشهادة الاُولى على الثانية ، وهما على الصلاة على محمّد وآل محمّد كما ذكر . السادس : الموالاة بين الفقرات والكلمات والحروف بحيث لا يخرج عن الصدق . السابع : المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات والسكنات وأداء الحروف والكلمات .

(مسألة 1) : لا بدّ من ذكر الشهادتين والصلاة بألفاظها المتعارفة ، فلا يجزي غيرها وإن أفاد معناها ، مثل ما إذا قال بدل أشهد : أعلم أو أقرّ أو أعترف ، وهكذا في غيره .

(مسألة 2) : يجزي الجلوس فيه بأيّ كيفية كان ولو إقعاء ؛ وإن كان الأحوط تركه .

(مسألة 3) : من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلّم ، وقبله يتّبع غيره فيلقّنه ، ولو عجز ولم يكن من يلقّنه أو كان الوقت ضيقاً أتى بما يقدر(3) ويترجم الباقي(4) ،

ص: 529


1- على الأحوط .
2- الأقوى هو تعيّن الكيفية الاُولى .
3- ولو ملحوناً ، والإتيان ملحوناً مقدّم على الترجمة .
4- على الأحوط فيه وفيما بعده .

وإن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكلّ ، وإن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره ، والأولى التحميد إن كان يحسنه ، وإلاّ فالأحوط الجلوس قدره مع الإخطار بالبال إن أمكن .

(مسألة 4) : يستحبّ في التشهّد اُمور : الأوّل : أن يجلس الرجل متورّكاً على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين . الثاني : أن يقول قبل الشروع في الذكر «الحمد للّه» ، أو يقول : «بسم اللّه وباللّه والحمد للّه وخير الأسماء للّه ، أو الأسماء الحسنى كلّها للّه» . الثالث : أن يجعل يديه على فخذيه منضمّة الأصابع . الرابع :

أن يكون نظره إلى حجره . الخامس : أن يقول بعد قوله : «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله» : «أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ ربّي نعم الربّ وأنّ محمّداً نعم الرسول» ، ثمّ يقول : «اللهمّ صلّ . . .» إلى آخره . السادس : أن يقول بعد الصلاة : «وتقبّل شفاعته وارفع درجته» في التشهّد الأوّل ، بل في الثاني أيضاً ، وإن كان الأولى(1) عدم قصد الخصوصية في الثاني . السابع : أن يقول في التشهّد الأوّل والثاني ما في موثّقة أبي بصير ، وهي قوله علیه السلام : «إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم اللّه وباللّه ، والحمد للّه وخير الأسماء للّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أ نّك نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتقبّل شفاعته في اُمّته وارفع درجته ، ثمّ تحمد اللّه مرّتين أو ثلاثاً ثمّ تقوم ، فإذا جلست في الرابعة قلت : بسم اللّه وباللّه والحمد للّه وخير الأسماء للّه أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ،

ص: 530


1- الأحوط عدم قصدها فيه .

وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أ نّك نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، التحيّات للّه ، والصلوات الطاهرات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات ما طاب وزكا وطهر وخلص وصفا فللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، الحمد للّه الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه ، الحمد للّه ربّ العالمين ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وسلّم على محمّد وآل محمّد ، وترحّم على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ، ربّنا إنّك رؤوف رحيم ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وامنن عليّ بالجنّة وعافني من النار ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً ، ثمّ قل : السلام عليك أيّها النبي ورحمة اللّه وبركاته ، السلام على أنبياء اللّه ورسله ، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين ، السلام على محمّد بن عبداللّه خاتم النبيّين ، لا نبي بعده ، والسلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، ثمّ تسلّم» . الثامن : أن يسبّح سبعاً بعد التشهّد الأوّل ؛ بأن يقول : «سبحان اللّه سبحان اللّه» سبعاً ، ثمّ يقوم . التاسع : أن يقول : «بحول اللّه وقوّته . . .» إلى آخره ، حين القيام عن التشهّد الأوّل . العاشر : أن تضمّ المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهّد .

ص: 531

(مسألة 5) : يكره الإقعاء حال التشهّد على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين ، بل الأحوط تركه كما عرفت .

فصل : في التسليم

وهو واجب على الأقوى ، وجزء من الصلاة فيجب فيه جميع ما يشترط فيها من الاستقبال وستر العورة والطهارة وغيرها ، ومخرج منها ومحلّل للمنافيات المحرّمة بتكبيرة الإحرام ، وليس ركناً فتركه عمداً مبطل لا سهواً ، فلو سها عنه وتذكّر بعد إتيان شيء من المنافيات عمداً وسهواً أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه(1) ، نعم عليه سجدتا السهو للنقصان بتركه ، وإن تذكّر قبل ذلك أتى به ولا شيء عليه ، إلاّ إذا تكلّم ، فيجب عليه سجدتا السهو ، ويجب فيه الجلوس ، وكونه مطمئنّاً وله صيغتان ، هما : «السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين» و «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته» . والواجب إحداهما ، فإن قدّم الصيغة الاُولى كانت الثانية مستحبّة ؛ بمعنى كونها جزءاً مستحبّياً لا خارجاً ، وإن قدّم الثانية اقتصر عليها ، وأمّا «السلام عليك أيّها النبي . . .» فليس من صيغ السلام ، بل هو من توابع التشهّد ، وليس واجباً ، بل هو مستحبّ ، وإن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه ، ويكفي في الصيغة الثانية : «السلام عليكم» بحذف قوله : «ورحمة اللّه وبركاته» ، وإن كان الأحوط ذكره ، بل الأحوط الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور ، ويجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصحيح مع العربية

ص: 532


1- لا يترك الاحتياط بإعادتها لو أتى بالمنافيات قبل فوات الموالاة ، وإن كان عدم وجوبها وصحّة صلاته مطلقاً لا يخلو من قوّة ، والأقوى عدم وجوب سجدتي السهو لتركه .

والموالاة ، والأقوى عدم كفاية قوله : «سلام عليكم» ؛ بحذف الألف واللام .

(مسألة 1) : لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الاُخر قبل السلام بطلت الصلاة ، نعم لو كان ذلك بعد نسيانه ؛ بأن اعتقد خروجه من الصلاة لم تبطل(1) ، والفرق أنّ مع الأوّل يصدق الحدث في الأثناء ، ومع الثاني لا يصدق ؛ لأنّ المفروض أ نّه ترك نسياناً جزءاً غير ركني ، فيكون الحدث خارج الصلاة .

(مسألة 2) : لا يشترط فيه نيّة الخروج من الصلاة ، بل هو مخرج قهراً ، وإن قصد عدم الخروج ، لكن الأحوط عدم قصد عدم الخروج ، بل لو قصد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة .

(مسألة 3) : يجب تعلّم السلام على نحو ما مرّ في التشهّد ، وقبله يجب متابعة الملقّن إن كان ، وإلاّ اكتفى(2) بالترجمة ، وإن عجز فبالقلب ينويه مع الإشارة باليد على الأحوط ، والأخرس يخطر ألفاظه بالبال ، ويشير إليها باليد أو غيرها .

(مسألة 4) : يستحبّ التورّك في الجلوس حاله على نحو ما مرّ ، ووضع اليدين على الفخذين ، ويكره الإقعاء .

(مسألة 5) : الأحوط أن لا يقصد(3) بالتسليم التحيّة حقيقة ؛ بأن يقصد السلام على الإمام أو المأمومين أو الملكين ، نعم لا بأس بإخطار ذلك بالبال ، فالمنفرد يخطر بباله الملكين الكاتبين حين السلام الثاني ، والإمام يخطرهما مع

ص: 533


1- لكن مرّ الاحتياط .
2- على الأحوط .
3- وكذا لا يجرّده عن التحيّة ، بل يأتي به بقصد ما هو المطلوب شرعاً ولو ارتكازاً ، كما هو المتعارف عند عامّة المكلّفين .

المأمومين ، والمأموم يخطرهم مع الإمام ، وفي «السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين» يخطر بباله الأنبياء والأئمّة والحفظة.

(مسألة 6) : يستحبّ(1) للمنفرد والإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه بمؤخّر عينه أو بأنفه أو غيرهما على وجه لا ينافي الاستقبال ، وأمّا المأموم فإن لم يكن على يساره أحد فكذلك ، وإن كان على يساره بعض المأمومين فيأتي بتسليمة اُخرى مومئاً إلى يساره ، ويحتمل استحباب تسليم آخر للمأموم بقصد الإمام فيكون ثلاث مرّات .

(مسألة 7) : قد مرّ سابقاً في الأوقات : أ نّه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت ودخل عليه وهو في الصلاة صحّت صلاته وإن كان قبل السلام أو في أثنائه ، فإذا أتى بالسلام الأوّل ودخل عليه الوقت في أثنائه تصحّ صلاته ، وأمّا إذا دخل بعده قبل السلام الثاني أو في أثنائه ففيه إشكال ، وإن كان يمكن القول بالصحّة ؛ لأ نّه وإن كان يكفي الأوّل في الخروج عن الصلاة ، لكن على فرض الإتيان بالصيغتين يكون الثاني أيضاً جزءاً فيصدق دخول الوقت في الأثناء ، فالأحوط(2) إعادة الصلاة مع ذلك .

فصل : في الترتيب

يجب الإتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب ؛ بأن يقدّم تكبيرة الإحرام على القراءة والقراءة على الركوع وهكذا ، فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدّماً ، وأبطل من جهة لزوم الزيادة ؛ سواء كان ذلك في الأفعال أو

ص: 534


1- الأولى الإتيان بالكيفية المذكورة رجاءً .
2- لا يترك .

الأقوال ، وفي الأركان أو غيرها ، وإن كان سهواً ، فإن كان في الأركان ، بأن قدّم ركناً على ركن ، كما إذا قدّم السجدتين على الركوع فكذلك ، وإن قدّم ركناً على غير الركن كما إذا قدّم الركوع على القراءة أو قدّم غير الركن على الركن كما إذا قدّم التشهّد على السجدتين ، أو قدّم غير الأركان بعضها على بعض ، كما إذا قدّم السورة - مثلاً - على «الحمد» فلا تبطل الصلاة إذا كان ذلك سهواً ، وحينئذٍ فإن أمكن التدارك بالعود ؛ بأن لم يستلزم زيادة ركن وجب وإلاّ فلا ، نعم يجب عليه سجدتان(1) لكلّ زيادة أو نقيصة تلزم من ذلك .

(مسألة 1) : إذا خالف الترتيب في الركعات سهواً ، كأن أتى بالركعة الثالثة في محلّ الثانية ؛ بأن تخيّل بعد الركعة الاُولى أنّ ما قام إليه ثالثة فأتى بالتسبيحات الأربعة وركع وسجد وقام إلى الثالثة ، وتخيّل أ نّها ثانية فأتى بالقراءة والقنوت لم تبطل صلاته ، بل يكون ما قصده ثالثة ثانية وما قصده ثانية ثالثة قهراً ، وكذا لو سجد الاُولى بقصد الثانية والثانية بقصد الاُولى .

فصل : في الموالاة

قد عرفت سابقاً وجوب الموالاة في كلّ من القراءة والتكبير والتسبيح والأذكار بالنسبة إلى الآيات والكلمات والحروف ، وأ نّه لو تركها عمداً على وجه يوجب محو الاسم بطلت الصلاة بخلاف ما إذا كان سهواً ، فإنّه لا تبطل الصلاة ، وإن بطلت تلك الآية أو الكلمة فيجب إعادتها ، نعم إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة بطلت ، وكذا إذا كان ذلك في تكبيرة الإحرام ، فإنّ فوات

ص: 535


1- وجوبهما إنّما هو في بعض الموارد لا في كلّ زيادة ونقيصة على الأقوى ، كما يأتي في محلّه .

الموالاة فيها سهواً بمنزلة نسيانها ، وكذا في السلام فإنّه بمنزلة عدم الإتيان به ، فإذا تذكّر ذلك ومع ذلك أتى بالمنافي بطلت صلاته ، بخلاف ما إذا أتى به قبل التذكّر(1) فإنّه كالإتيان به بعد نسيانه ، وكما يجب الموالاة في المذكورات ، تجب في أفعال الصلاة ؛ بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة ؛ سواء كان عمداً أو سهواً مع حصول المحو المذكور ، بخلاف ما إذا لم يحصل المحو المذكور ، فإنّه لا يوجب البطلان .

(مسألة 1) : تطويل الركوع أو السجود أو إكثار الأذكار أو قراءة السور الطوال لا تعدّ من المحو ، فلا إشكال فيها .

(مسألة 2) : الأحوط(2) مراعاة الموالاة العرفية ؛ بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل ، وإن لم يمح معه صورة الصلاة ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، وكذا في القراءة والأذكار .

(مسألة 3) : لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور، فالظاهر انعقاد(3) نذره لرجحانها ولو من باب الاحتياط، فلو خالف عمداً عصى، لكن الأظهر عدم بطلان(4) صلاته.

فصل : في القنوت

وهو مستحبّ في جميع الفرائض اليومية ونوافلها ، بل جميع النوافل حتّى صلاة الشفع على الأقوى ويتأكّد في الجهرية من الفرائض ، خصوصاً في الصبح

ص: 536


1- مرّ الاحتياط فيه .
2- لا يترك .
3- محلّ تأمّل .
4- الأحوط إعادة الصلاة .

والوتر والجمعة(1) ، بل الأحوط عدم تركه في الجهرية ، بل في مطلق الفرائض ، والقول بوجوبه في الفرائض أو في خصوص الجهرية منها ضعيف ، وهو في كلّ صلاة مرّة قبل الركوع من الركعة الثانية وقبل الركوع في صلاة الوتر إلاّ في صلاة العيدين ، ففيها في الركعة الاُولى خمس مرّات ، وفي الثانية أربع مرّات ، وإلاّ في صلاة الآيات ففيها مرّتان : مرّة قبل الركوع الخامس ، ومرّة قبل الركوع العاشر ، بل لا يبعد(2) استحباب خمس قنوتات فيها في كلّ زوج من الركوعات ، وإلاّ في الجمعة ففيها قنوتان في الركعة الاُولى قبل الركوع وفي الثانية بعده . ولا يشترط فيه(3) رفع اليدين ولا ذكر مخصوص ، بل يجوز ما يجري على لسانه من الذكر والدعاء والمناجاة وطلب الحاجات ، وأقلّه «سبحان اللّه» خمس مرّات ، أو ثلاث مرّات ، أو «بسم اللّه الرحمن الرحيم» ثلاث مرّات ، أو «الحمد للّه» ثلاث مرّات ، بل يجزي «سبحان اللّه» أو سائر ما ذكر مرّة واحدة ، كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم ، ومثل قوله : «اللهمّ اغفر لي» ، ونحو ذلك ، والأولى أن يكون جامعاً للثناء على اللّه تعالى ، والصلاة على محمّد وآله ، وطلب المغفرة له وللمؤمنين والمؤمنات .

(مسألة 1) : يجوز قراءة القرآن في القنوت خصوصاً الآيات المشتملة على الدعاء كقوله تعالى : )رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهّابُ( ونحو ذلك .

ص: 537


1- والمغرب .
2- وهو الأقوى وأمّا استحبابه قبل الركوع الخامس فغير معلوم .
3- لا يخلو من إشكال ، فالأحوط عدم تركه .

(مسألة 2) : يجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدعاء والمناجاة مثل قوله :

إلهي عبدك العاصي أتاكا *** مقرّاً بالذنوب وقد دعاكا .

ونحوه .

(مسألة 3) : يجوز الدعاء فيه بالفارسية ونحوها من اللغات غير العربية ، وإن كان لا يتحقّق(1) وظيفة القنوت إلاّ بالعربي ، وكذا في سائر أحوال الصلاة وأذكارها ، نعم الأذكار المخصوصة لا يجوز إتيانها بغير العربي .

(مسألة 4) : الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - والأفضل كلمات الفرج وهي : «لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلاّ اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع ، وربّ الأرضين السبع ، وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد للّه ربّ العالمين» ويجوز أن يزيد بعد قوله : «وما بينهنّ» : «وما فوقهنّ وما تحتهنّ» ، كما يجوز أن يزيد(2) بعد قوله : «العرش العظيم» : «وسلام على المرسلين» ، والأحسن أن يقول بعد كلمات الفرج : «اللهمّ اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنّا إنّك على كلّ شيء قدير» .

(مسألة 5) : الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمّد وآله ، بل الابتداء بها أيضاً أو الابتداء في طلب المغفرة أو قضاء الحوائج بها ، فقد روي : «أنّ اللّه سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء للنبي صلی الله علیه و آله وسلم بالصلاة ، وبعيد من رحمته أن يستجيب الأوّل والآخر ولا يستجيب الوسط» فينبغي أن يكون طلب المغفرة والحاجات بين الدعاءين للصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله .

ص: 538


1- فيه تأمّل .
2- الأولى تركه ، أو إتيانه بقصد القرآنية .

(مسألة 6) : من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج على ما ذكره بعض العلماء أن يقول : «سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية ، سبحان من تفرّد بالوحدانية ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم ، اللهمّ اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات واقض حوائجي وحوائجهم بحقّ حبيبك محمّد وآله الطاهرين ، صلّى اللّه عليه وآله أجمعين» .

(مسألة 7) : يجوز في القنوت الدعاء الملحون مادّة أو إعراباً ؛ إذا لم يكن لحنه فاحشاً ولا مغيّراً للمعنى ، لكنّ الأحوط الترك .

(مسألة 8) : يجوز في القنوت الدعاء على العدوّ بغير ظلم وتسميته ، كما يجوز الدعاء لشخص خاصّ مع ذكر اسمه .

(مسألة 9) : لا يجوز الدعاء لطلب الحرام .

(مسألة 10) : يستحبّ إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر ، فعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أطولكم قنوتاً في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف» ، وفي بعض الروايات قال صلی الله علیه و آله وسلم : «أطولكم قنوتاً في الوتر في دار الدنيا . . .» إلى آخره ، ويظهر من بعض الأخبار : أنّ إطالة الدعاء في الصلاة أفضل من إطالة القراءة .

(مسألة 11) : يستحبّ التكبير قبل القنوت ، ورفع اليدين حال التكبير ووضعهما ، ثمّ رفعهما حيال الوجه وبسطهما ، جاعلاً باطنهما نحو السماء ، وظاهرهما نحو الأرض ، وأن يكونا(1) منضمّتين مضمومتي الأصابع إلاّ الإبهامين ، وأن يكون نظره إلى كفّيه ، ويكره أن يجاوز بهما الرأس ، وكذا

ص: 539


1- يأتي بذلك وبما بعده رجاءً .

يكره(1) أن يمرّ بهما على وجهه وصدره عند الوضع .

(مسألة 12) : يستحبّ الجهر بالقنوت ؛ سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية ، وسواء كان إماماً أو منفرداً ، بل أو مأموماً إذا لم يسمع الإمام صوته .

(مسألة 13) : إذا نذر القنوت في كلّ صلاة أو صلاة خاصّة وجب(2) ، لكن لا تبطل الصلاة بتركه سهواً ، بل ولا بتركه عمداً أيضاً على الأقوى .

(مسألة 14) : لو نسي القنوت ، فإن تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام وأتى به ، وإن تذكّر بعد الدخول في الركوع قضاه بعد الرفع منه ، وكذا لو تذكّر بعد الهويّ للسجود قبل وضع الجبهة ، وإن كان الأحوط ترك العود إليه ، وإن تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد الصلاة قضاه بعد الصلاة وإن طالت المدّة ، والأولى الإتيان به إذا كان بعد الصلاة جالساً مستقبلاً ، وإن تركه عمداً في محلّه أو بعد الركوع فلا قضاء .

(مسألة 15) : الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكّن منه ، إلاّ إذا كانت الصلاة من جلوس أو كانت نافلة ؛ حيث يجوز الجلوس في أثنائها ، كما يجوز في ابتدائها اختياراً .

(مسألة 16) : صلاة المرأة كالرجل في الواجبات والمستحبّات ، إلاّ في اُمور قد مرّ كثير منها في تضاعيف ما قدّمنا من المسائل ، وجملتها : أ نّه يستحبّ لها الزينة حال الصلاة بالحلي والخضاب ، والإخفات في الأقوال ، والجمع بين

ص: 540


1- الظاهر أنّ هذه الكراهة مختصّة بالفرائض .
2- تكرّر منّا أنّ الأقوى عدم صيرورة المنذور وما بحكمه واجباً .

قدميها حال القيام ، وضمّ ثدييها إلى صدرها بيديها حاله أيضاً ، ووضع يديها على فخذيها حال الركوع ، وأن لا تردّ ركبتيها حاله إلى وراء ، وأن تبدأ بالقعود للسجود ، وأن تجلس معتدلة ، ثمّ تسجد ، وأن تجتمع وتضمّ أعضاءها حال السجود ، وأن تلتصق بالأرض بلا تجاف وتفترش ذراعيها ، وأن تنسل انسلالاً إذا أرادت القيام ، أي تنهض بتأنٍّ وتدريج عدلاً لئلاّ تبدو عجيزتها ، وأن تجلس على أليتيها إذا جلست رافعة ركبتيها ضامّة لهما .

(مسألة 17) : صلاة الصبيّ كالرجل ، والصبيّة كالمرأة .

(مسألة 18) : قد مرّ في المسائل المتقدّمة متفرّقة حكم النظر واليدين حال الصلاة ، ولا بأس بإعادته جملة : فشغل النظر حال القيام أن يكون على موضع السجود ، وحال الركوع بين القدمين ، وحال السجود إلى طرف الأنف ، وحال الجلوس إلى حجره ، وأمّا اليدان فيرسلهما حال القيام ، ويضعهما على الفخذين ، وحال الركوع على الركبتين مفرّجة الأصابع ، وحال السجود على الأرض مبسوطتين مستقبلاً بأصابعهما ، منضمّة حذاء الاُذنين ، وحال الجلوس على الفخذين ، وحال القنوت تلقاء وجهه .

فصل : في التعقيب

وهو الاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة ، مثل التفكّر في عظمة اللّه ونحوه ، ومثل البكاء لخشية اللّه أو للرغبة إليه وغير ذلك ، وهو من السنن الأكيدة ومنافعه في الدين والدنيا كثيرة ، وفي رواية : «من عقّب في صلاته فهو في صلاة» وفي خبر : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» والظاهر استحبابه بعد النوافل أيضاً ، وإن كان بعد

ص: 541

الفرائض آكد ، ويعتبر أن يكون متّصلاً بالفراغ منها ، غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه الذي يختلف بحسب المقامات من السفر والحضر والاضطرار والاختيار ، ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضاً ، كحال الاضطرار ، والمدار على بقاء الصدق والهيئة في نظر المتشرّعة ، والقدر المتيقّن في الحضر الجلوس مشتغلاً بما ذكر من الدعاء ونحوه ، والظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء أو الدعاء بلا جلوس ، إلاّ في مثل ما مرّ ، والأولى فيه الاستقبال والطهارة ، والكون في المصلّى ، ولا يعتبر فيه كون الأذكار والدعاء بالعربية وإن كان هو الأفضل ، كما أنّ الأفضل الأذكار والأدعية المأثورة المذكورة في كتب العلماء ، ونذكر جملة منها تيمّناً :

أحدها : أن يكبّر ثلاثاً بعد التسليم ، رافعاً يديه على هيئة غيره من التكبيرات .

الثاني : تسبيح الزهراء - صلوات اللّه عليها - وهو أفضلها على ما ذكره جملة من العلماء ، ففي الخبر : «ما عبد اللّه بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمةI ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاطمةI» وفي رواية : «تسبيح فاطمة الزهراءIالذكر الكثير الذي قال اللّه تعالى : اذكروا اللّه ذكراً كثيراً» وفي اُخرى عن الصادق علیه السلام : «تسبيح فاطمة كلّ يوم في دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» ، والظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضاً ، بل في نفسه ، نعم هو مؤكّد فيه ، وعند إرادة النوم لدفع الرؤيا السيّئة ، كما أنّ الظاهر عدم اختصاصه بالفرائض ، بل هو مستحبّ عقيب كلّ صلاة ، وكيفيته : «اللّه أكبر» أربع وثلاثون مرّة ، ثمّ «الحمد للّه» ثلاث وثلاثون ، ثمّ «سبحان اللّه» كذلك ، فمجموعها مائة ، ويجوز تقديم التسبيح على التحميد وإن كان الأولى الأوّل .

ص: 542

(مسألة 19) : يستحبّ أن يكون السبحة بطين قبر الحسين - صلوات اللّه عليه - وفي الخبر : «أ نّها تسبّح إذا كانت بيد الرجل من غير أن يسبّح ، ويكتب له ذلك التسبيح وإن كان غافلاً» .

(مسألة 20) : إذا شكّ في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات ، بنى على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ ، وإلاّ بنى على الإتيان به ، وإن زاد على الأعداد بنى عليها ، ورفع اليد عن الزائد .

الثالث : «لا إله إلاّ اللّه وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير» .

الرابع : «اللهمّ اهدني من عندك ، وأفض عليّ من فضلك ، وانشر عليّ من رحمتك ، وأنزل عليّ من بركاتك» .

الخامس: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر»، مائة مرّة أو أربعين أو ثلاثين.

السادس : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأجرني من النار ، وارزقني الجنّة ، وزوّجني من الحور العين» .

السابع : «أعوذ بوجهك الكريم ، وعزّتك التي لا ترام ، وقدرتك التي لا يمتنع منها شيء من شرّ الدنيا والآخرة . ومن شرّ الأوجاع كلّها ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم» .

الثامن : قراءة «الحمد» و«آية الكرسي» ، وآية )شَهِدَ اللّه ُ أَ نَّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ . . .( إلى آخرها ، وآية الملك.

التاسع : «اللهمّ إنّي أسأ لُك من كلّ خير أحاط به علمك ، وأعوذ بك من كلّ شرّ

ص: 543

أحاط به علمك ، اللهمّ إنّي أسأ لُك عافيتك في اُموري كلّها ، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة» .

العاشر : «اُعيذ نفسي وما رزقني ربّي باللّه الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، واُعيذ نفسي وما رزقني ربّي بربّ الفلق ، من شرّ ما خلق إلى آخر السورة ، واُعيذ نفسي وما رزقني ربّي بربّ الناس ملك الناس إلى آخر السورة» .

الحادي عشر : أن يقرأ «قل هو اللّه أحد» اثنا عشر مرّة ، ثمّ يبسط يديه ويرفعهما إلى السماء ، ويقول : «اللهمّ إنّي أسأ لُك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك ، وأسأ لُك باسمك العظيم ، وسلطانك القديم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، يا واهب العطايا يا مطلق الاُسارى ، يا فكّاك الرقاب من النار ، أسأ لُك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وتخرجني من الدنيا آمناً ، وتدخلني الجنّة سالماً ، وأن تجعل دعائي أوّله فلاحاً ، وأوسطه نجاحاً ، وآخره صلاحاً ، إنّك أنت علاّم الغيوب» .

الثاني عشر : الشهادتان والإقرار بالأئمّة علیهم السلام .

الثالث عشر : قبل أن يثني رجليه يقول ثلاث مرّات : «أستغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم ، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه» .

الرابع عشر : دعاء الحفظ من النسيان وهو : «سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يأخذ أهل الأرض بألوان العذاب، سبحان الرؤوف الرحيم، اللهمّ اجعل لي في قلبي نوراً وبصراً وفهماً وعلماً إنّك على كلّ شيءٍ قدير» .

(مسألة 21) : يستحبّ في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاّه إلى طلوع الشمس مشتغلاً بذكر اللّه .

ص: 544

(مسألة 22) : الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلاً ، وكذا الدعاء بعد الفريضة أفضل من الدعاء بعد النافلة .

(مسألة 23) : يستحبّ سجود الشكر بعد كلّ صلاة ؛ فريضة كانت أو نافلة ، وقد مرّ كيفيته سابقاً .

فصل: في الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم حيث ما ذكر

يستحبّ الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم حيث ما ذكر أو ذكر عنده ، ولو كان في الصلاة ، وفي أثناء القراءة ، بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها ، ولا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العلمي كمحمّد وأحمد أو بالكنية واللقب كأبي القاسم والمصطفى والرسول والنبي ، أو بالضمير ، وفي الخبر الصحيح : وصلّ على النبي كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في الأذان أو غيره ، وفي رواية : «من ذكرت عنده ونسي أن يصلّي عليّ خطأ اللّه به طريق الجنّة» .

(مسألة 1) : إذا ذكر اسمه صلی الله علیه و آله وسلم مكرّراً يستحبّ تكرارها ، وعلى القول بالوجوب يجب ، نعم ذكر بعض القائلين بالوجوب يكفي مرّة إلاّ إذا ذكر بعدها فيجب إعادتها ، وبعضهم على أ نّه يجب في كلّ مجلس مرّة .

(مسألة 2) : إذا كان في أثناء التشهّد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهّد ، نعم ذكره في ضمن قوله : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» لا يوجب تكرارها وإلاّ لزم التسلسل .

(مسألة 3) : الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره والصلاة عليه بناءً على الوجوب ، وكذا بناءً على الاستحباب في إدراك فضلها ، وامتثال الأمر الندبي ،

ص: 545

فلو ذكره أو سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخّر إلى آخرها إلاّ إذا كان في أواخرها .

(مسألة 4) : لا يعتبر كيفية خاصّة في الصلاة ، بل يكفي في الصلاة عليه كلّ ما يدلّ عليها ، مثل «صلّى اللّه عليه» ، و«اللهمّ صلّ عليه» والأولى ضمّ الآل إليه .

(مسألة 5) : إذا كتب اسمه صلی الله علیه و آله وسلم يستحبّ أن يكتب الصلاة عليه صلی الله علیه و آله وسلم .

(مسألة 6) : إذا تذكّره بقلبه فالأولى أن يصلّي عليه ؛ لاحتمال شمول قوله علیه السلام : «كلّما ذكرته . . .» إلى آخره ، لكنّ الظاهر إرادة الذكر اللساني دون القلبي .

(مسألة 7) : يستحبّ عند ذكر سائر الأنبياء والأئمّة أيضاً ذلك ، نعم إذا أراد أن يصلّي على الأنبياء أوّلاً يصلّي على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ عليهم إلاّ في ذكر إبراهيم علیه السلام ، ففي الخبر عن معاوية بن عمّار قال : ذكرت عند أبي عبداللّه الصادق علیه السلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه ، فقال علیه السلام : «إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمّد وآله ثمّ عليه» .

فصل : في مبطلات الصلاة

وهي اُمور :

أحدها : فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة ، كالستر وإباحة المكان واللباس ونحو ذلك ممّا مرّ في المسائل المتقدّمة .

الثاني : الحدث الأكبر أو الأصغر ، فإنّه مبطل أينما وقع فيها ، ولو قبل الآخر بحرف ، من غير فرق بين أن يكون عمداً أو سهواً أو اضطراراً ، عدا ما مرّ في

ص: 546

حكم المسلوس والمبطون والمستحاضة ، نعم لو نسي السلام(1) ثمّ أحدث ، فالأقوى عدم البطلان وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً .

الثالث : التكفير ؛ بمعنى وضع إحدى اليدين على الاُخرى على النحو الذي يصنعه غيرنا إن كان عمداً لغير ضرورة ، فلا بأس به سهواً ، وإن كان الأحوط الإعادة معه أيضاً ، وكذا لا بأس به مع الضرورة ، بل لو تركه حالها أشكلت الصحّة ، وإن كانت أقوى والأحوط عدم وضع إحدى اليدين على الاُخرى بأيّ وجه كان في أيّ حالة من حالات الصلاة وإن لم يكن متعارفاً بينهم ، لكن بشرط أن يكون بعنوان الخضوع والتأدّب ، وأمّا إذا كان لغرض آخر كالحكّ ونحوه فلا بأس به مطلقاً ، حتّى على الوضع المتعارف .

الرابع : تعمّد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف أو إلى اليمين أو اليسار ، بل وإلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال ، وإن لم يصل إلى حدّهما ، وإن لم يكن الالتفات حال القراءة أو الذكر ، بل الأقوى ذلك في الالتفات بالوجه إلى الخلف مع فرض إمكانه ولو بميل البدن على وجه لا يخرج عن الاستقبال، وأمّا الالتفات بالوجه يميناً ويساراً مع بقاء البدن مستقبلاً ، فالأقوى كراهته مع عدم كونه فاحشاً وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً ، خصوصاً إذا كان طويلاً ، وسيّما إذا كان مقارناً لبعض أفعال الصلاة خصوصاً الأركان ، سيّما تكبيرة الإحرام ، وأمّا إذا كان فاحشاً ففيه إشكال(2) ، فلايترك الاحتياط حينئذٍ . وكذا تبطل مع الالتفات

ص: 547


1- تقدّم الكلام فيه .
2- الالتفات الفاحش - أي جعل صفحة الوجه بحذاء يمين القبلة أو شمالها - مبطل على الأقوى .

سهواً(1) فيما كان عمده مبطلاً ، إلاّ إذا لم يصل إلى حدّ اليمين واليسار ، بل كان فيما بينهما ، فإنّه غير مبطل إذا كان سهواً وإن كان بكلّ البدن .

الخامس : تعمّد الكلام بحرفين ولو مهملين(2) غير مفهمين للمعنى أو بحرف واحد بشرط كونه مفهماً للمعنى نحو : قِ - فعل أمر من وقى - بشرط أن يكون عالماً بمعناه وقاصداً له ، بل أو غير قاصد أيضاً مع التفاته إلى معناه على الأحوط .

(مسألة 1) : لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأوّل بطلت(3) ، بخلاف ما لو لم يصل الإشباع إلى حدّ حصول حرف آخر .

(مسألة 2) : إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب كأن يقول : «ب ب» مثلاً ففي كونه مبطلاً أو لا ، وجهان ، والأحوط(4) الأوّل .

(مسألة 3) : إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى

ص: 548


1- إذا كان الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق والمغرب ، وإذا كان الالتفات فاحشاً على الأحوط .
2- إذا استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه وصنفه يكون مبطلاً على الأقوى ، وإلاّ فكذلك على الأحوط ، وكذا الحرف الواحد المستعمل كذلك كقوله : «ب» مثلاً ، رمزاً إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه ، كما هو المتعارف على الأحوط ، بل لا يخلو إبطاله من قوّة فالحرف المفهم مطلقاً وإن لم يكن موضوعاً إذا تلفّظ به بقصد الحكاية لا تخلو مبطليته من قوّة ، كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية وكان حرفاً واحداً فالأقوى عدم مبطليته ، وإن كان حرفين فصاعداً فالأحوط مبطليته ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة ، وإلاّ فالأقوى مبطليته .
3- بتفصيل تقدّم آنفاً .
4- إذا لم يستعمل واحد منهما في معنىً ، وإلاّ فلا يخلو الإبطال من قوّة .

كلمات القراءة أو الأذكار ، أبطل من حيث إفساد تلك الكلمة إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها .

(مسألة 4) : لا تبطل بمدّ حرف المدّ واللين وإن زاد فيه بمقدار حرف آخر ، فإنّه محسوب حرفاً واحداً .

(مسألة 5) : الظاهر عدم البطلان(1) بحروف المعاني مثل «ل» حيث إنّه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما ، وكذا مثل «و» حيث يفيد معنى العطف أو القسم ومثل«ب» فإنّه حرف جرّ وله معان ، وإن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني ، وفرق واضح بينها وبين حروف المباني .

(مسألة 6) : لا تبطل بصوت التنحنح ولا بصوت النفخ والأنين والتأوّه ونحوها ، نعم تبطل بحكاية أسماء هذه الأصوات مثل اُح وپف وأوه .

(مسألة 7) : إذا قال : آه من ذنوبي ، أو آه من نار جهنّم ، لا تبطل الصلاة قطعاً إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة ، وأمّا إذا قال : آه ، من غير ذكر المتعلّق فإن قدّره فكذلك ، وإلاّ فالأحوط اجتنابه ، وإن كان الأقوى عدم البطلان إذا كان في مقام الخوف من اللّه (2) .

(مسألة 8) : لا فرق في البطلان بالتكلّم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا ، وكذا لا فرق بين أن يكون مضطرّاً(3) في التكلّم أو مختاراً ، نعم التكلّم سهواً ليس مبطلاً ، ولو كان بتخيّل الفراغ من الصلاة .

ص: 549


1- إذا استعملت في معانيها لا يخلو الإبطال من قوّة كما تقدّم .
2- والشكوى إليه .
3- على الأحوط .

(مسألة 9) : لا بأس بالذكر والدعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم ، وكذا بقراءة القرآن غير ما يوجب السجود ، وأمّا الدعاء بالمحرّم ، كالدعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز ، بل هو مبطل(1) للصلاة وإن كان جاهلاً بحرمته ، نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أ نّه مسلم .

(مسألة 10) : لا بأس بالذكر والدعاء بغير العربي أيضاً ، وإن كان الأحوط العربية .

(مسألة 11) : يعتبر في القرآن قصد القرآنية ، فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن وغيره لا بقصد القرآنية ولم يكن دعاء أيضاً أبطل ، بل الآية المختصّة بالقرآن أيضاً إذا قصد بها غير القرآن أبطلت ، وكذا لو لم يعلم أ نّها قرآن .

(مسألة 12) : إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير والدلالة على أمر من الاُمور ، فإن قصد به الذكر وقصد التنبيه برفع الصوت - مثلاً - فلا إشكال في الصحّة ، وإن قصد به التنبيه من دون قصد الذكر أصلاً ؛ بأن استعمله في التنبيه والدلالة ، فلا إشكال في كونه مبطلاً ، وكذا إن قصد الأمرين معاً على أن يكون له مدلولان واستعمله فيهما ، وأمّا إذا قصد الذكر وكان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحّة .

(مسألة 13) : لا بأس(2) بالدعاء مع مخاطبة الغير ؛ بأن يقول : غفر اللّه لك ، فهو مثل قوله : اللهمّ اغفر لي أو لفلان .

(مسألة 14) : لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً أو من باب الاحتياط ، نعم

ص: 550


1- محلّ إشكال .
2- الأقوى مبطلية مطلق مخاطبة غير اللّه تعالى .

إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز ، بل لا يبعد(1) بطلان الصلاة به .

(مسألة 15) : لا يجوز ابتداء السلام للمصلّي ، وكذا سائر التحيّات مثل صبّحك اللّه بالخير ، أو مسّاك اللّه بالخير ، أو في أمان اللّه ، أو ادخلوها بسلام ؛ إذا قصد مجرّد التحيّة ، وأمّا إذا قصد الدعاء بالسلامة أو الإصباح والإمساء بالخير ونحو ذلك ، فلا بأس به(2) ، وكذا إذا قصد القرآنية من نحو قوله : سلام عليكم ، أو ادخلوها بسلام ، وإن كان الغرض منه السلام ، أو بيان المطلب ؛ بأن يكون من باب الداعي على الدعاء أو قراءة القرآن .

(مسألة 16) : يجوز ردّ سلام التحيّة في أثناء الصلاة ، بل يجب وإن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة القرآنية ، ولو عصى ولم يرد الجواب واشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الردّ لم تبطل على الأقوى .

(مسألة 17) : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم(3) ، فلو قال : سلام عليكم ، يجب أن يقول في الجواب : سلام عليكم - مثلاً - بل الأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع ، فلا يقول : سلام عليكم ، في جواب السلام عليكم ، أو في جواب سلام عليك - مثلاً - وبالعكس وإن كان لا يخلو من منع ، نعم لو قصد القرآنية في الجواب ، فلا بأس بعدم المماثلة .

ص: 551


1- غير معلوم .
2- مرّ الكلام فيه .
3- المماثلة الواجبة هي في تقديم السلام على الظرف لا غير ، بل لو قدّم المسلّم الظرف قدّم المجيب السلام على الأقوى ، وأمّا قصد القرآنية ينافي ردّ السلام المتقوّم بالمخاطبة مع المسلّم .

(مسألة 18) : لو قال المسلّم : عليكم السلام ، فالأحوط(1) في الجواب أن يقول : سلام عليكم ، بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء .

(مسألة 19) : لو سلّم بالملحون وجب الجواب(2) صحيحاً والأحوط قصد الدعاء أو القرآن.

(مسألة 20) : لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً أو نحوه أو امرأة أجنبيّة أو رجلاً أجنبيّاً على امرأة تصلّي ، فلا يبعد - بل الأقوى - جواز الردّ(3) بعنوان ردّ التحيّة ، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 21) : لو سلّم على جماعة منهم المصلّي ، فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ ، نعم لو ردّه صبيّ مميّز ففي كفايته إشكال(4) ، والأحوط ردّ المصلّي بقصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 22) : إذا قال : سلام ، بدون عليكم ، وجب الجواب في الصلاة إمّا بمثله ويقدّر عليكم وإمّا بقوله : سلام عليكم ، والأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 23) : إذا سلّم مرّات عديدة يكفي الجواب مرّة ، نعم لو أجاب ثمّ سلّم يجب جواب الثاني أيضاً وهكذا ، إلاّ إذا خرج عن المتعارف فلا يجب الجواب حينئذٍ .

ص: 552


1- قد مرّ أنّ الأقوى تقديم السلام وعدم قصد القرآنية ، وما في المتن مع كونه ضعيفاً خلاف الاحتياط من وجه .
2- ويقصد به التحيّة وقد مرّ ما في الاحتياط ، نعم لو كان اللحن بحيث يخرجه عن الصدق لا يجب الجواب .
3- بل الأقوى وجوبه بعنوان التحيّة وعدم قصد الدعاء والقرآنية .
4- الأقوى كفايته ومرّ ما في الاحتياط .

(مسألة 24) : إذا كان المصلّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم وشكّ المصلّي في أنّ المسلّم قصده أيضاً أم لا ، لا يجوز(1) له الجواب ، نعم لا بأس به بقصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 25) : يجب جواب السلام فوراً ، فلو أخّر عصياناً أو نسياناً بحيث خرج عن صدق الجواب لم يجب ، وإن كان في الصلاة لم يجز ، وإن شكّ في الخروج عن الصدق وجب(2) وإن كان في الصلاة ، لكن الأحوط حينئذٍ قصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 26) : يجب إسماع الردّ ؛ سواء كان في الصلاة أو لا ، إلاّ إذا سلّم ومشى سريعاً(3)، أو كان المسلّم أصمّ ، فيكفي الجواب على المتعارف بحيث لو لم يبعد أو لم يكن أصمّ كان يسمع .

(مسألة 27) : لو كانت التحيّة بغير لفظ السلام كقوله : صبّحك اللّه بالخير ، أو مسّاك اللّه بالخير ، لم يجب الردّ ، وإن كان هو الأحوط ، ولو كان في الصلاة فالأحوط الردّ بقصد الدعاء(4) .

ص: 553


1- على الأحوط ، وقد مرّ أنّ الأقوى مبطلية مخاطبة غير اللّه ولو بالدعاء ، وأمّا قراءة القرآن فلا بأس بها ، لكن لا تصير جواباً ولا تكون احتياطاً كما مرّ .
2- الأقوى عدم الوجوب ولو في غير الصلاة ، ومرّ الكلام في الاحتياط .
3- إن كان المسلّم بعيداً بحيث لا يمكن إسماعه الجواب ، فالظاهر عدم وجوبه ، فلا يجوز الردّ في الصلاة فتبطل به ، وإن كان بعيداً بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب إلاّ مع حرجيته، وإن كان في الصلاة ففي وجوب رفعه وإسماعه مع عدم الحرجية وعدمه تردّد.
4- قد مرّ أنّ الأقوى مبطلية مخاطبة غير اللّه مطلقاً ، فلا يردّ الجواب في الصلاة .

(مسألة 28) : لو شكّ المصلّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة ، فالأحوط(1) أن يردّ بقوله : سلام عليكم بقصد القرآن أو الدعاء .

(مسألة 29) : يكره السلام على المصلّي .

(مسألة 30) : ردّ السلام واجب كفائي ، فلو كان المسلّم عليهم جماعة يكفي ردّ أحدهم ، ولكنّ الظاهر عدم سقوط(2) الاستحباب بالنسبة إلى الباقين ، بل الأحوط ردّ كلّ من قصد به ، ولا يسقط بردّ من لم يكن داخلاً في تلك الجماعة ، أو لم يكن مقصوداً ، والظاهر عدم كفاية(3) ردّ الصبيّ المميّز أيضاً ، والمشهور على أنّ الابتداء بالسلام أيضاً من المستحبّات الكفائية ، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم ، ولا يبعد بقاء(4) الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضاً ، وإن لم يكن مؤكّداً .

(مسألة 31) : يجوز سلام الأجنبيّ على الأجنبيّة ، وبالعكس على الأقوى ؛ إذا لم يكن هناك ريبة أو خوف فتنة ، حيث إنّ صوت المرأة من حيث هو ليس عورة .

(مسألة 32) : مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلاّ لضرورة ، لكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة ، وإن سلّم الذمّي على مسلم فالأحوط(5) الردّ بقوله : عليك ، أو بقوله : سلام ، من دون عليك .

ص: 554


1- بل الأقوى وجوب ردّه بتقديم السلام بقصد التحيّة ، ومرّ ما في الاحتياط .
2- يردّ الباقون رجاءً في غير الصلاة ولا يردّ المصلّي .
3- بل الظاهر كفايته كما مرّ .
4- يأتي الباقون به رجاءً .
5- الأحوط الاقتصار على الأوّل ، وإن كان جواز الثاني لأجل تأليف قلوبهم لا يخلو من وجه .

(مسألة 33) : المستفاد من بعض الأخبار أ نّه يستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الكثيرة ، والصغير على الكبير ، ومن المعلوم أنّ هذا مستحبّ في مستحبّ(1) وإلاّ فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً .

(مسألة 34) : إذا سلّم سخرية أو مزاحاً ، فالظاهر عدم وجوب ردّه .

(مسألة 35) : إذا سلّم على أحد شخصين ولم يعلم أ نّه أيّهما أراد ، لا يجب الردّ على واحد منهما ؛ وإن كان الأحوط في غير حال الصلاة الردّ من كلّ منهما .

(مسألة 36) : إذا تقارن سلام شخصين كلّ على الآخر وجب على كلّ منهما الجواب ، ولا يكفي سلامه الأوّل ؛ لأ نّه لم يقصد الردّ بل الابتداء بالسلام .

(مسألة 37) : يجب جواب سلام قارئ(2) التعزية والواعظ ونحوهما من أهل المنبر ، ويكفي ردّ أحد المستمعين .

(مسألة 38) : يستحبّ الردّ بالأحسن في غير حال الصلاة ؛ بأن يقول في جواب سلام عليكم : سلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، بل يحتمل ذلك فيها أيضاً ، وإن كان الأحوط الردّ بالمثل .

(مسألة 39) : يستحبّ للعاطس ولمن سمع عطسة الغير وإن كان في الصلاة أن يقول : «الحمد للّه» أو يقول : «الحمد للّه وصلّى اللّه على محمّد وآله» بعد

ص: 555


1- ليس من قبيله كما لا يخفى ، بل من قبيل آكدية الاستحباب .
2- إذا سلّم تحيّة لأهل المجلس .

أن يضع(1) إصبعه على أنفه ، وكذا يستحبّ تسميت العاطس ؛ بأن يقول له : «يرحمك اللّه» أو «يرحمكم اللّه» وإن كان في الصلاة ، وإن كان الأحوط الترك(2) حينئذٍ ، ويستحبّ للعاطس كذلك أن يردّ التسميت بقوله : «يغفر اللّه لكم» .

السادس : تعمّد القهقهة ولو اضطراراً ، وهي الضحك المشتمل على الصوت والمدّ والترجيع ، بل مطلق الصوت على الأحوط ، ولا بأس بالتبسّم ولا بالقهقهة سهواً ، نعم الضحك المشتمل على الصوت تقديراً ، كما لو امتلأ جوفه ضحكاً واحمرّ وجهه لكن منع نفسه من إظهار الصوت ، حكمه حكم القهقهة(3) .

السابع : تعمّد البكاء المشتمل على الصوت - بل وغير المشتمل عليه(4) على الأحوط - لاُمور الدنيا ، وأمّا البكاء للخوف من اللّه ولاُمور الآخرة فلا بأس به ، بل هو من أفضل الأعمال ، والظاهر أنّ البكاء اضطراراً أيضاً مبطل ، نعم لا بأس به إذا كان سهواً ، بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من اللّه فيبكي تذلّلاً له تعالى ليقضي حاجته .

الثامن : كلّ فعل ماح لصورة الصلاة ؛ قليلاً كان أو كثيراً ، كالوثبة(5) والرقص والتصفيق ونحو ذلك ممّا هو مناف للصلاة ، ولا فرق بين العمد والسهو وكذا السكوت الطويل الماحي ، وأمّا الفعل القليل الغير الماحي بل الكثير الغير الماحي فلا بأس به ، مثل الإشارة باليد لبيان مطلب ، وقتل الحيّة والعقرب ، وحمل الطفل

ص: 556


1- أي العاطس .
2- لا يترك .
3- الأقوى عدم الإلحاق بها إلاّ مع محو الصورة ، وكذا في السهوية .
4- عدم إبطاله لا يخلو من قوّة .
5- الميزان ما هو الماحي للصورة عند المتشرّعة ، وفي إطلاق بعض الأمثلة مناقشة .

وضمّه وإرضاعه عند بكائه ، وعدّ الركعات بالحصى ، وعدّ الاستغفار في الوتر بالسبحة ونحوها ممّا هو مذكور في النصوص ، وأمّا الفعل الكثير أو السكوت الطويل المفوّت للموالاة - بمعنى المتابعة العرفية - إذا لم يكن ماحياً للصورة فسهوه لا يضرّ ، والأحوط الاجتناب عنه عمداً .

التاسع : الأكل والشرب(1) الماحيان للصورة ، فتبطل الصلاة بهما عمداً كانا أو سهواً ، والأحوط الاجتناب عمّا كان منهما مفوّتاً للموالاة العرفية عمداً ، نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم أو بين الأسنان ، وكذا بابتلاع قليل(2) من السكّر الذي يذوب وينزل شيئاً فشيئاً ، ويستثنى أيضاً ما ورد في النصّ بالخصوص ؛ من جواز شرب الماء لمن كان مشغولاً بالدعاء في صلاة الوتر وكان عازماً على الصوم في ذلك اليوم ويخشى مفاجأة الفجر وهو عطشان والماء أمامه ومحتاج إلى خطوتين أو ثلاثة ، فإنّه يجوز له التخطّي والشرب حتّى يروي وإن طال زمانه إذا لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة ، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلاّ يستدبر القبلة ، والأحوط الاقتصار على الوتر المندوب ، وكذا على خصوص شرب الماء ، فلا يلحق به الأكل وغيره ، نعم الأقوى عدم الاقتصار(3) على الوتر ولا على حال الدعاء فيلحق به مطلق النافلة

ص: 557


1- الأحوط الاجتناب منهما مطلقاً .
2- الأحوط الاجتناب عنه ، نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام التي بين الأسنان ، وأمّا ابتلاع اللقمة الباقية فالأحوط الاجتناب عنه .
3- الأحوط الاقتصار على الوتر ولا تلحق به سائر النوافل ، وينبغي الاقتصار على العطش الحادث بين الاشتغال بالوتر ، بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشاناً فترك الشرب ودخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قبيل الفجر .

وغير حال الدعاء وإن كان الأحوط الاقتصار .

العاشر : تعمّد قول «آمين» بعد تمام «الفاتحة» لغير ضرورة ؛ من غير فرق بين الإجهار به والإسرار ، للإمام والمأموم والمنفرد ، ولا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء ، كما لا بأس به مع السهو وفي حال الضرورة ، بل قد يجب معها ولو تركها أثم لكن تصحّ صلاته على الأقوى .

الحادي عشر : الشكّ في ركعات الثنائية والثلاثية والاُوليين من الرباعية على ما سيأتي .

الثاني عشر : زيادة جزء أو نقصانه عمداً إن لم يكن ركناً، ومطلقاً إن كان ركناً.

(مسألة 40) : لو شكّ بعد السلام في أ نّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا ؟ بنى على العدم والصحّة .

(مسألة 41) : لو علم بأ نّه نام اختياراً وشكّ في أ نّه هل أتمّ الصلاة ثمّ نام أو نام في أثنائها ، بنى على أ نّه أتمّ ثمّ نام ، وأمّا إذا علم بأ نّه غلبه النوم قهراً وشكّ في أ نّه كان في أثناء الصلاة أو بعدها وجب عليه الإعادة(1) ، وكذا إذا رأى نفسه نائماً في السجدة وشكّ في أ نّها السجدة الأخيرة من الصلاة أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة ، ولا يجري قاعدة الفراغ في المقام .

(مسألة 42) : إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه ، فإن كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة أتمّها(2) ثمّ أزال النجاسة ، وإن أمكنت

ص: 558


1- على الأحوط ، وإن كان عدم الوجوب فيما إذا كان الفراغ وجدانياً وشكّ في أنّ النوم القهري كان في أثنائها لا يخلو من قوّة .
2- لا يبعد جواز قطعها - بل وجوبه - مع سعة الوقت ، إلاّ إذا لم يكن الإتمام مخلاًّ بالفورية العرفية ، فلا يجوز القطع ويتمّها مقتصراً على الواجبات .

بدونه ؛ بأن لم يستلزم الاستدبار ولم يكن فعلاً كثيراً موجباً لمحو الصورة ، وجبت الإزالة ثمّ البناء على صلاته .

(مسألة 43) : ربما يقال بجواز البكاء على سيّد الشهداء - أرواحنا فداه - في حال الصلاة وهو مشكل .

(مسألة 44) : إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل وشكّ في بقاء صورة الصلاة ومحوها معه ، فلا يبعد البناء على البقاء ، لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام .

فصل : في المكروهات في الصلاة

وهي اُمور : الأوّل : الالتفات بالوجه قليلاً ، بل وبالعين وبالقلب . الثاني : العبث باللحية أو بغيرها كاليد ونحوها . الثالث : القران بين السورتين على الأقوى ، وإن كان الأحوط الترك . الرابع : عقص الرجل شعره ، وهو جمعه وجعله في وسط الرأس وشدّه أو ليّه ، وإدخال أطرافه في اُصوله ، أو ظفره وليّه على الرأس ، أو ظفره وجعله كالكبّة في مقدّم الرأس على الجبهة ، والأحوط ترك الكلّ ، بل يجب ترك الأخير في ظفر الشعر حال السجدة . الخامس : نفخ موضع السجود . السادس : البصاق . السابع : فرقعة الأصابع أي نقضها . الثامن : التمطّي . التاسع : التثاؤب . العاشر : الأنين . الحادي عشر : التأوّه . الثاني عشر : مدافعة البول والغائط ، بل والريح . الثالث عشر : مدافعة النوم ، ففي الصحيح : «لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً» . الرابع عشر : الامتخاط . الخامس عشر : الصفد في القيام ؛ أي الإقران بين القدمين معاً كأ نّهما في قيد . السادس عشر : وضع اليد على الخاصرة . السابع عشر : تشبيك الأصابع . الثامن عشر :

ص: 559

تغميض البصر . التاسع عشر : لبس الخفّ أو الجورب الضيّق الذي يضغطه . العشرون : حديث النفس . الحادي والعشرون : قصّ الظفر والأخذ من الشعر والعضّ عليه . الثاني والعشرون : النظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب وقراءته . الثالث والعشرون : التورّك ، بمعنى وضع اليد على الورك معتمداً عليه حال القيام . الرابع والعشرون : الإنصات في أثناء القراءة أو الذكر ليسمع ما يقوله القائل . الخامس والعشرون : كلّ ما ينافي الخشوع المطلوب في الصلاة .

(مسألة 1) : لا بدّ للمصلّي من اجتناب موانع قبول الصلاة كالعجب والدلال ، ومنع الزكاة والنشوز والإباق ، والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر ، بل جميع المعاصي لقوله تعالى : )إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنَ المُتَّقِينَ( .

(مسألة 2) : قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال في الصلاة ، وأ نّها لا تبطل بها ، لكن من المعلوم أنّ الأولى الاقتصار على صورة الحاجة والضرورة ولو العرفية ، وهي : عدّ الصلاة بالخاتم والحصى بأخذها بيده ، وتسوية الحصى في موضع السجود ، ومسح التراب عن الجبهة ، ونفخ موضع السجود إذا لم يظهر منه حرفان ، وضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير ، أو إيقاظ النائم ، وصفق اليدين لإعلام الغير ، والإيماء لذلك ، ورمي الكلب وغيره بالحجر ، ومناولة العصا للغير ، وحمل الصبيّ وإرضاعه ، وحكّ الجسد ، والتقدّم بخطوة أو خطوتين ، وقتل الحيّة والعقرب والبرغوث والبقّة والقمّلة ودفنها في الحصى ، وحكّ خرء الطير من الثوب ، وقطع الثآليل ، ومسح الدماميل ، ومسّ الفرج ، ونزع السنّ المتحرّك ، ورفع القلنسوة ووضعها ، ورفع اليدين من الركوع أو السجود لحكّ الجسد ، وإدارة السبحة ، ورفع الطرف إلى السماء ، وحكّ النخامة من المسجد ، وغسل الثوب أو البدن من القيء والرعاف .

ص: 560

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً ، والأحوط عدم قطع النافلة أيضاً ، وإن كان الأقوى جوازه ، ويجوز قطع الفريضة لحفظ مال ، ولدفع ضرر مالي أو بدني ، كالقطع لأخذ العبد من الإباق ، أو الغريم من الفرار ، أو الدابّة من الشراد ونحو ذلك ، وقد يجب(1) ، كما إذا توقّف حفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة أو حفظ مال يجب حفظه شرعاً عليه ، وقد يستحبّ كما إذا توقّف حفظ مال مستحبّ الحفظ عليه ، وكقطعها عند نسيان الأذان والإقامة إذا تذكّر قبل الركوع ، وقد يجوز(2) كدفع الضرر المالي الذي لا يضرّه تلفه ، ولا يبعد كراهته لدفع ضرر مالي يسير ، وعلى هذا فينقسم إلى الأقسام الخمسة .

(مسألة 1) : الأحوط(3) عدم قطع النافلة المنذورة إذا لم تكن منذورة بالخصوص ؛ بأن نذر إتيان نافلة فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر ، وأمّا إذا نذر نافلة مخصوصة فلا يجوز(4) قطعها قطعاً .

(مسألة 2) : إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم(5) جواز قطع الصلاة لإزالتها ؛ لأنّ دليل فورية الإزالة قاصر

ص: 561


1- وجوبه الشرعي في أمثال ما ذكر ممنوع ، وكذا الاستحباب فيما ذكر .
2- لا يبعد جوازه في مطلق الحاجات العرفية؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على الضرورات.
3- والأقوى جوازه ، وقد مرّ عدم صيرورة النافلة واجبة بالنذر وشبهه .
4- في صورة ضيق الوقت لا يجوز عقلاً قطعها ، لا شرعاً .
5- مرّ الكلام في هذه المسألة آنفاً .

الشمول عن مثل المقام . هذا في سعة الوقت ، وأمّا في الضيق فلا إشكال ، نعم لو كان الوقت موسّعاً ، وكان بحيث لو لا المبادرة إلى الإزالة فاتت القدرة عليها فالظاهر وجوب القطع .

(مسألة 3) : إذا توقّف أداء الدين المطالب به على قطعها ، فالظاهر وجوبه في سعة الوقت ، لا في الضيق ، ويحتمل في الضيق وجوب الإقدام على الأداء متشاغلاً(1) بالصلاة .

(مسألة 4) : في موارد وجوب القطع إذا تركه واشتغل بها ، فالظاهر الصحّة وإن كان آثماً في ترك(2) الواجب ، لكن الأحوط الإعادة ، خصوصاً في صورة توقّف دفع الضرر الواجب عليه .

(مسألة 5) : يستحبّ(3) أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة أو الوجوب : «السلام عليك أيّها النبي ورحمة اللّه وبركاته» .

فصل : في صلاة الآيات

وهي واجبة على الرجال والنساء والخناثي ، وسببها اُمور :

الأوّل والثاني : كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما ، وإن لم يحصل منهما خوف .

الثالث : الزلزلة ، وهي أيضاً سبب لها مطلقاً ، وإن لم يحصل بها خوف على الأقوى .

ص: 562


1- مع عدم كونه منافياً للصلاة .
2- في الموارد المذكورة لا يكون آثماً بترك القطع ، بل آثم بترك ما هو واجب عليه كحفظ النفس وأشباهه .
3- لم يتّضح وجهه .

الرابع : كلّ مخوّف سماوي أو أرضي(1)، كالريح الأسود أو الأحمر أو الأصفر ، والظلمة الشديدة ، والصاعقة ، والصيحة ، والهدّة ، والنار التي تظهر في السماء ، والخسف وغير ذلك من الآيات المخوّفة عند غالب الناس ، ولا عبرة بغير المخوّف من هذه المذكورات ، ولا بخوف النادر ، ولا بانكساف أحد النيّرين ببعض الكواكب الذي لا يظهر إلاّ للأوحديّ(2) من الناس ، وكذا بانكساف بعض الكواكب ببعض إذا لم يكن مخوّفاً للغالب من الناس .

وأمّا وقتها : ففي الكسوفين هو من حين الأخذ إلى تمام الانجلاء على الأقوى ، فتجب المبادرة إليها ؛ بمعنى عدم التأخير إلى تمام الانجلاء ، وتكون أداء في الوقت المذكور ، والأحوط عدم التأخير(3) عن الشروع في الانجلاء ، وعدم نيّة الأداء والقضاء على فرض التأخير ، وأمّا في الزلزلة وسائر الآيات المخوّفة فلا وقت لها ، بل يجب المبادرة إلى الإتيان بها بمجرّد حصولها ، وإن عصى فبعده إلى آخر العمر ، وتكون أداءً مهما أتى بها إلى آخره .

وأمّا كيفيتها : فهي ركعتان ، في كلّ منهما خمس ركوعات ، وسجدتان بعد الخامس من كلّ منهما ، فيكون المجموع عشر ركوعات ، وسجدتان بعد الخامس ، وسجدتان بعد العاشر ، وتفصيل ذلك ؛ بأن يكبّر للإحرام مقارناً للنيّة ، ثمّ يقرأ «الحمد» وسورة ، ثمّ يركع ، ثمّ يرفع رأسه ، ويقرأ «الحمد» وسورة ، ثمّ يركع وهكذا حتّى يتمّ خمساً فيسجد بعد الخامس سجدتين ، ثمّ يقوم للركعة

ص: 563


1- على الأحوط .
2- ولا فيما إذا كان سريع الزوال ، كمرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما بحيث ينطمس نورهما عن البصر لكن زال انطماسه سريعاً .
3- لا يترك .

الثانية فيقرأ «الحمد» وسورة ، ثمّ يركع ، وهكذا إلى العاشر فيسجد بعده سجدتين ثمّ يتشهّد ويسلّم ، ولا فرق بين اتّحاد السورة في الجميع أو تغايرها ، ويجوز تفريق سورة واحدة على الركوعات ، فيقرأ في القيام الأوّل من الركعة الاُولى «الفاتحة» ، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر ، ثمّ يركع ويرفع رأسه ويقرأ بعضاً آخر من تلك السورة ويركع ، ثمّ يرفع ويقرأ بعضاً آخر ، وهكذا إلى الخامس حتّى يتمّ سورة ثمّ يركع ، ثمّ يسجد بعده سجدتين ، ثمّ يقوم إلى الركعة الثانية ، فيقرأ في القيام الأوّل «الفاتحة» وبعض السورة ، ثمّ يركع ويقوم ويصنع كما صنع في الركعة الاُولى إلى العاشر فيسجد بعده سجدتين ، ويتشهّد ويسلّم ، فيكون في كلّ ركعة «الفاتحة» مرّة ، وسورة تامّة مفرّقة على الركوعات الخمسة مرّة ، ويجب إتمام سورة في كلّ ركعة وإن زاد عليها فلا بأس ، والأحوط الأقوى وجوب القراءة عليه من حيث قطع ، كما أنّ الأحوط والأقوى عدم مشروعية «الفاتحة» حينئذٍ إلاّ إذا أكمل السورة ، فإنّه لو أكملها وجب عليه في القيام بعد الركوع قراءة «الفاتحة» ، وهكذا كلّما ركع عن تمام سورة وجبت «الفاتحة» في القيام بعده ، بخلاف ما إذا لم يركع عن تمام سورة ، بل ركع عن بعضها ، فإنّه يقرأ من حيث قطع ولا يعيد «الحمد» كما عرفت ، نعم لو ركع الركوع الخامس عن بعض(1) سورة فسجد فالأقوى وجوب «الحمد» بعد القيام للركعة الثانية، ثمّ القراءة من حيث قطع، وفي صورة التفريق يجوز قراءة أزيد من سورة في كلّ ركعة مع إعادة «الفاتحة» بعد إتمام السورة في القيام اللاحق .

ص: 564


1- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بركوع الخامسة عن آخر السورة وافتتاح السورة في الثانية بعد «الحمد» .

(مسألة 1) : لكيفية صلاة الآيات كما استفيد ممّا ذكرنا صور : الاُولى : أن يقرأ في كلّ قيام قبل كلّ ركوع ب «فاتحة الكتاب» وسورة تامّة في كلّ من الركعتين ، فيكون كلّ من «الفاتحة» والسورة عشر مرّات ويسجد بعد الركوع الخامس والعاشر سجدتين . الثانية : أن يفرّق سورة واحدة على الركوعات الخمسة في كلّ من الركعتين ، فيكون «الفاتحة» مرّتان : مرّة في القيام الأوّل من الركعة الاُولى ، ومرّة في القيام الأوّل من الثانية ، والسورة أيضاً مرّتان . الثالثة : أن يأتي بالركعة الاُولى كما في الصورة الاُولى ، وبالركعة الثانية كما في الصورة الثانية . الرابعة : عكس هذه الصورة . الخامسة : أن يأتي في كلّ من الركعتين بأزيد من سورة فيجمع بين إتمام السورة في بعض القيامات وتفريقها في البعض ، فيكون «الفاتحة» في كلّ ركعة أزيد من مرّة ؛ حيث إنّه إذا أتمّ السورة وجب في القيام اللاحق قراءتها . السادسة : أن يأتي بالركعة الاُولى كما في الصورة الاُولى ، وبالثانية كما في الخامسة . السابعة : عكس ذلك . الثامنة : أن يأتي بالركعة الاُولى كما في الصورة الثانية ، وبالثانية كما في الخامسة . التاسعة : عكس ذلك والأولى اختيار الصورة الاُولى .

(مسألة 2) : يعتبر في هذه الصلاة ما يعتبر في اليومية من الأجزاء والشرائط والأذكار الواجبة والمندوبة .

(مسألة 3) : يستحبّ في كلّ قيام ثان بعد القراءة قبل الركوع قنوت ، فيكون في مجموع الركعتين خمس قنوتات ، ويجوز الاجتزاء بقنوتين أحدهما قبل(1) الركوع الخامس والثاني قبل العاشر ، ويجوز الاقتصار على الأخير منهما .

ص: 565


1- يأتي به رجاءً .

(مسألة 4) : يستحبّ أن يكبّر عند كلّ هويّ للركوع وكلّ رفع(1) منه .

(مسألة 5) : يستحبّ أن يقول : «سمع اللّه لمن حمده» بعد الرفع من الركوع الخامس والعاشر .

(مسألة 6) : هذه الصلاة حيث إنّها ركعتان حكمها حكم الصلاة الثنائية في البطلان إذا شكّ في أ نّه في الاُولى أو الثانية ، وإن اشتملت على خمس ركوعات في كلّ ركعة ، نعم إذا شكّ في عدد الركوعات كان حكمها حكم أجزاء اليومية في أ نّه يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ ، وعلى الإتيان إن تجاوز ولا تبطل صلاته بالشكّ فيها ، نعم لو شكّ في أ نّه الخامس فيكون آخر الركعة الاُولى أو السادس فيكون أوّل الثانية بطلت الصلاة من حيث رجوعه إلى الشكّ في الركعات .

(مسألة 7) : الركوعات في هذه الصلاة أركان تبطل بزيادتها ونقصها عمداً وسهواً كاليومية .

(مسألة 8) : إذا أدرك من وقت الكسوفين ركعة فقد أدرك الوقت والصلاة أداءً ، بل وكذلك إذا لم يسع(2) وقتهما إلاّ بقدر الركعة ، بل وكذا إذا قصر عن أداء الركعة أيضاً .

(مسألة 9) : إذا علم بالكسوف أو الخسوف وأهمل حتّى مضى الوقت عصى ووجب القضاء ، وكذا إذا علم ثمّ نسي وجب القضاء ، وأمّا إذا لم يعلم بهما حتّى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء ، فإن كان القرص محترقاً وجب القضاء ،

ص: 566


1- إلاّ الرفع من الخامس والعاشر ، فيقول فيهما : «سمع اللّه لمن حمده» .
2- على الأحوط فيه وفيما بعده .

وإن لم يحترق كلّه لم يجب ، وأمّا في سائر الآيات فمع تعمّد التأخير يجب الإتيان بها ما دام العمر ، وكذا إذا علم ونسي ، وأمّا إذا لم يعلم بها حتّى مضى الوقت أو حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية ، ففي الوجوب بعد العلم إشكال(1) ، لكن لا يترك الاحتياط بالإتيان بها ما دام العمر فوراً ففوراً .

(مسألة 10) : إذا علم بالآية وصلّى ، ثمّ بعد خروج الوقت أو بعد زمان الاتّصال بالآية تبيّن له فساد صلاته وجب القضاء أو الإعادة .

(مسألة 11) : إذا حصلت الآية في وقت الفريضة اليومية فمع سعة وقتهما مخيّر بين تقديم أيّهما شاء ، وإن كان الأحوط تقديم اليومية ، وإن ضاق وقت إحداهما دون الاُخرى قدّمها ، وإن ضاق وقتهما معاً قدّم اليومية .

(مسألة 12) : لو شرع في اليومية ثمّ ظهر له ضيق وقت صلاة الآية قطعها مع سعة وقتها ، واشتغل بصلاة الآية ، ولو اشتغل بصلاة الآية فظهر له في الأثناء ضيق وقت الإجزاء لليومية قطعها واشتغل بها وأتمّها ثمّ عاد إلى صلاة الآية من محلّ القطع ؛ إذا لم يقع منه منافٍ غير الفصل المزبور ، بل الأقوى جواز قطع صلاة الآية والاشتغال باليومية إذا ضاق وقت فضيلتها ، فضلاً عن الإجزاء ، ثمّ العود إلى صلاة الآية من محلّ القطع ، لكنّ الأحوط(2) خلافه .

(مسألة 13) : يستحبّ في هذه الصلاة اُمور : الأوّل والثاني والثالث : القنوت ، والتكبير قبل الركوع وبعده ، والسمعلة على ما مرّ . الرابع : إتيانها بالجماعة ؛ أداءً كانت أو قضاءً ، مع احتراق القرص وعدمه ، والقول بعدم جواز الجماعة مع عدم

ص: 567


1- عدم وجوبها لا يخلو من قوّة .
2- لا يترك .

احتراق القرص ضعيف ، ويتحمّل الإمام فيها عن المأموم القراءة خاصّة ، كما في اليومية ، دون غيرها من الأفعال والأقوال . الخامس : التطويل فيها خصوصاً في كسوف الشمس . السادس : إذا فرغ قبل تمام الانجلاء يجلس في مصلاّه مشتغلاً بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء أو يعيد الصلاة . السابع : قراءة السور الطوال ك «يس» و«النور» و«الروم» و«الكهف» ونحوها . الثامن : إكمال السورة في كلّ قيام . التاسع : أن يكون كلّ من القنوت والركوع والسجود بقدر القراءة في التطويل تقريباً . العاشر : الجهر بالقراءة فيها ليلاً أو نهاراً ، حتّى في كسوف الشمس على الأصحّ . الحادي عشر : كونها تحت السماء . الثاني عشر : كونها في المساجد ، بل في رحبها .

(مسألة 14) : لا يبعد استحباب التطويل حتّى للإمام وإن كان يستحبّ له التخفيف في اليومية مراعاة لأضعف المأمومين .

(مسألة 15) : يجوز الدخول في الجماعة إذا أدرك الإمام قبل الركوع الأوّل ، أو فيه من الركعة الاُولى أو الثانية ، وأمّا إذا أدركه بعد الركوع الأوّل من الاُولى ، أو بعد الركوع من الثانية ، فيشكل الدخول لاختلال النظم حينئذٍ بين صلاة الإمام والمأموم .

(مسألة 16) : إذا حصل أحد موجبات سجود السهو في هذه الصلاة فالظاهر وجوب الإتيان به بعدها كما في اليومية .

(مسألة 17) : يجري في هذه الصلاة قاعدة التجاوز عن المحلّ ، وعدم التجاوز عند الشكّ في جزء أو شرط كما في اليومية .

(مسألة 18) : يثبت الكسوف والخسوف وسائر الآيات بالعلم وشهادة

ص: 568

العدلين(1) وإخبار الرصدي إذا حصل الاطمئنان بصدقه ، على إشكال في الأخير ، لكن لا يترك معه الاحتياط ، وكذا في وقتها ومقدار مكثها .

(مسألة 19) : يختصّ وجوب الصلاة بمن في بلد الآية ، فلا يجب على غيره ، نعم يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد .

(مسألة 20) : تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف ، إلاّ الحائض والنفساء ، فيسقط عنهما أداؤها ، والأحوط(2) قضاؤها بعد الطهر والطهارة .

(مسألة 21) : إذا تعدّد السبب دفعة أو تدريجاً تعدّد وجوب الصلاة .

(مسألة 22) : مع تعدّد ما عليه من سبب واحد لا يلزم التعيين ، ومع تعدّد السبب نوعاً كالكسوف والخسوف والزلزلة الأحوط التعيين ولو إجمالاً ، نعم مع تعدّد ما عدا هذه الثلاثة من سائر المخوّفات لا يجب التعيين وإن كان أحوط أيضاً .

(مسألة 23) : المناط في وجوب القضاء في الكسوفين في صورة الجهل احتراق القرص بتمامه ، فلو لم يحترق التمام ولكن ذهب ضوء البقيّة باحتراق البعض، لم يجب القضاء مع الجهل، وإن كان أحوط، خصوصاً مع الصدق(3) العرفي.

(مسألة 24) : إذا أخبره جماعة بحدوث الكسوف - مثلاً - ولم يحصل له العلم

ص: 569


1- والعدل الواحد على الأحوط .
2- وإن كان الأقوى عدم وجوبه . هذا في الحيض أو النفاس المستوعبين ، وأمّا في غيره ففيه تفصيل .
3- مع الصدق العرفي حقيقة في مقابل عدم الصدق ، كما إذا رصد بالآلات فالأقوى وجوبه ، ومع الصدق المسامحي لا يجب ، والاحتياط ضعيف .

بقولهم ، ثمّ بعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم ، فالظاهر إلحاقه بالجهل ، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق القرص ، وكذا لو أخبره شاهدان لم يعلم عدالتهما ، ثمّ بعد مضيّ الوقت تبيّن عدالتهما ، لكن الأحوط القضاء في الصورتين(1) .

فصل : في صلاة القضاء

يجب قضاء اليومية(2) الفائتة ، عمداً أو سهواً أو جهلاً أو لأجل النوم المستوعب للوقت أو للمرض ونحوه ، وكذا إذا أتى بها باطلاً لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان ؛ بأن كان على وجه العمد أو كان من الأركان ، ولا يجب على الصبيّ إذا لم يبلغ في أثناء الوقت ، ولا على المجنون في تمامه مطبقاً كان أو أدوارياً ، ولا على المغمى عليه في تمامه ، ولا على الكافر الأصلي إذا أسلم بعد خروج الوقت بالنسبة إلى ما فات منه حال كفره ، ولا على الحائض والنفساء مع استيعاب الوقت .

(مسألة 1) : إذا بلغ الصبيّ أو أفاق المجنون أو المغمى عليه قبل خروج الوقت وجب عليهم الأداء ، وإن لم يدركوا إلاّ مقدار ركعة(3) من الوقت ، ومع الترك يجب عليهم القضاء ، وكذا الحائض والنفساء إذا زال عذرهما قبل خروج الوقت ولو بمقدار ركعة ، كما أ نّه إذا طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار بحسب حالهم - من السفر والحضر والوضوء أو

ص: 570


1- بل لا يترك في الثانية .
2- عدا الجمعة كما يأتي .
3- مع تحصيل الطهارة ولو ترابية ، كما مرّ في الأوقات ، وكذا الحال في سائر فروع إدراك الوقت .

التيمّم - ولم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء ، كما تقدّم في المواقيت .

(مسألة 2) : إذا أسلم الكافر قبل خروج الوقت ولو بمقدار ركعة ولم يصلّ ، وجب عليه قضاؤها .

(مسألة 3) : لا فرق في سقوط القضاء عن المجنون والحائض والنفساء بين أن يكون العذر قهرياً أو حاصلاً من فعلهم وباختيارهم ، بل وكذا في المغمى عليه ، وإن كان الأحوط(1) القضاء عليه إذا كان من فعله ، خصوصاً إذا كان على وجه المعصية ، بل الأحوط قضاء جميع ما فاته مطلقاً .

(مسألة 4) : المرتدّ يجب عليه قضاء ما فات منه أيّام ردّته بعد عوده إلى الإسلام ؛ سواء كان عن ملّة أو فطرة ، وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصحّ .

(مسألة 5) : يجب على المخالف قضاء ما فات منه أو أتى به على وجه يخالف مذهبه ، بل وإن كان على وفق مذهبنا أيضاً على الأحوط ، وأمّا إذا أتى به على وفق مذهبه فلا قضاء عليه ، نعم إذا كان الوقت باقياً فإنّه يجب عليه الأداء حينئذٍ ، ولو تركه وجب عليه القضاء ، ولو استبصر ثمّ خالف ثمّ استبصر فالأحوط القضاء وإن أتى به بعد العود إلى الخلاف على وفق مذهبه .

(مسألة 6) : يجب القضاء على شارب المسكر ؛ سواء كان مع العلم أو الجهل ، ومع الاختيار على وجه العصيان أو للضرورة أو الإكراه .

(مسألة 7) : فاقد الطهورين يجب عليه القضاء ، ويسقط عنه الأداء وإن كان الأحوط الجمع بينهما .

ص: 571


1- لا يترك .

(مسألة 8) : من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتّى مضى وقتها أتى بالظهر إن بقي الوقت ، وإن تركها أيضاً وجب عليه قضاؤها لا قضاء الجمعة .

(مسألة 9) : يجب قضاء غير اليومية سوى العيدين(1) حتّى النافلة المنذورة في وقت معيّن .

(مسألة 10) : يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت - من ليل أو نهار أو سفر أو حضر - ويصلّي في السفر ما فات في الحضر تماماً ، كما أ نّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصراً .

(مسألة 11) : إذا فاتت الصلاة في أماكن التخيير ، فالأحوط قضاؤها قصراً مطلقاً ؛ سواء قضاها في السفر أو في الحضر ، في تلك الأماكن أو غيرها ، وإن كان لا يبعد جواز الإتمام أيضاً إذا قضاها في تلك الأماكن ، خصوصاً إذا لم يخرج عنها بعد وأراد القضاء .

(مسألة 12) : إذا فاتته الصلاة في السفر الذي يجب فيه الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام ، فالقضاء كذلك .

(مسألة 13) : إذا فاتت الصلاة وكان في أوّل الوقت حاضراً وفي آخر الوقت مسافراً أو بالعكس لا يبعد التخيير(2) في القضاء بين القصر والتمام ، والأحوط اختيار ما كان واجباً في آخر الوقت ، وأحوط منه الجمع بين القصر والتمام .

(مسألة 14) : يستحبّ(3) قضاء النوافل الرواتب استحباباً مؤكّداً ، بل لا يبعد

ص: 572


1- وسوى بعض صور صلاة الآيات .
2- الأقوى أنّ العبرة بحال الفوت ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع .
3- وتتأكّد كراهة تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا .

استحباب قضاء غير الرواتب من النوافل الموقّتة دون غيرها ، والأولى قضاء غير الرواتب من الموقّتات بعنوان احتمال المطلوبية ، ولا يتأكّد قضاء ما فات حال المرض ، ومن عجز عن قضاء الرواتب استحبّ له الصدقة عن كلّ ركعتين بمدّ ، وإن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ ، وإن لم يتمكّن فمدّ لصلاة الليل ، ومدّ لصلاة النهار ، وإن لم يتمكّن فلا يبعد مدّ لكلّ يوم وليلة ، ولا فرق في قضاء النوافل أيضاً بين الأوقات .

(مسألة 15) : لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت من غير اليومية لا بالنسبة إليها ولا إلى بعضها مع البعض الآخر ، فلو كان عليه قضاء الآيات وقضاء اليومية يجوز تقديم أيّهما شاء تقدّم في الفوات أو تأخّر ، وكذا لو كان عليه كسوف وخسوف يجوز تقديم كلّ منهما وإن تأخّر في الفوات .

(مسألة 16) : يجب الترتيب في الفوائت اليومية ؛ بمعنى قضاء السابق في الفوات على اللاحق وهكذا ، ولو جهل الترتيب وجب التكرار(1) إلاّ أن يكون مستلزماً للمشقّة التي لا تتحمّل من جهة كثرتها ، فلو فاتته ظهر ومغرب ولم يعرف السابق صلّى ظهراً بين مغربين ، أو مغرباً بين ظهرين ، وكذا لو فاتته صبح وظهر أو مغرب وعشاء من يومين أو صبح وعشاء أو صبح ومغرب ونحوهما ممّا يكونان مختلفين في عدد الركعات ، وأمّا إذا فاتته ظهر وعشاء أو عصر وعشاء أو ظهر وعصر من يومين ممّا يكونان متّحدين في عدد الركعات فيكفي الإتيان بصلاتين بنيّة الاُولى في الفوات والثانية فيه ، وكذا لو كانت أكثر من صلاتين فيأتي بعدد الفائتة بنيّة الاُولى فالاُولى .

ص: 573


1- على الأحوط ؛ وإن كان عدم وجوب الترتيب مع الجهل لا يخلو من قوّة ، فتسقط الفروع الآتية .

(مسألة 17) : لو فاتته الصلوات الخمس غير مرتّبة ولم يعلم السابق من اللاحق يحصل العلم بالترتيب ؛ بأن يصلّي خمسة أيّام ، ولو زادت فريضة اُخرى يصلّي ستّة أيّام ، وهكذا كلّما زادت فريضة زاد يوماً .

(مسألة 18) : لو فاتته صلوات معلومة سفراً وحضراً ولم يعلم الترتيب ، صلّى بعددها من الأيّام ، لكن يكرّر الرباعيات من كلّ يوم بالقصر والتمام .

(مسألة 19) : إذا علم أنّ عليه صلاة واحدة لكن لا يعلم أ نّها ظهر أو عصر يكفيه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة .

(مسألة 20) : لو تيقّن فوت إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر لا على التعيين واحتمل فوت كلتيهما ؛ بمعنى أن يكون المتيقّن إحداهما لا على التعيين ولكن يحتمل فوتهما معاً ، فالأحوط الإتيان بالصلاتين ، ولا يكفي الاقتصار على واحدة بقصد ما في الذمّة ؛ لأنّ المفروض احتمال تعدّده إلاّ أن ينوي ما اشتغلت به ذمّته أوّلاً فإنّه على هذا التقدير يتيقّن إتيان واحدة صحيحة ، والمفروض أ نّه القدر المعلوم اللازم إتيانه .

(مسألة 21) : لو علم أنّ عليه إحدى صلوات الخمس ، يكفيه صبح ومغرب وأربع ركعات بقصد ما في الذمّة مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ؛ مخيّراً فيها بين الجهر والإخفات ، وإذا كان مسافراً يكفيه مغرب وركعتان مردّدة بين الأربع ، وإن لم يعلم أ نّه كان مسافراً أو حاضراً يأتي بركعتين مردّدتين بين الأربع ، وأربع ركعات مردّدة بين الثلاثة ، ومغرب .

(مسألة 22) : إذا علم أنّ عليه اثنتين من الخمس مردّدتين في الخمس من يوم ، وجب عليه الإتيان بأربع صلوات ، فيأتي بصبح إن كان أوّل يومه الصبح ، ثمّ

ص: 574

أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر، ثمّ مغرب ثمّ أربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء ، وإن كان أوّل يومه الظهر أتى بأربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، ثمّ بالمغرب ثمّ بأربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء ، ثمّ بركعتين للصبح، وإن كان مسافراً يكفيه ثلاث صلوات؛ ركعتان مردّدتان بين الصبح والظهر والعصر ، ومغرب ، ثمّ ركعتان مردّدتان بين الظهر والعصر والعشاء إن كان أوّل يومه الصبح ، وإن كان أوّل يومه الظهر يكون الركعتان الأوّلتان مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، والأخيرتان مردّدتان بين العصر والعشاء والصبح ، وإن لم يعلم أ نّه كان مسافراً أو حاضراً أتى بخمس صلوات ، فيأتي في الفرض الأوّل بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر ، ثمّ المغرب، ثمّ ركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء ، وإن كان أوّل يومه الظهر فيأتي بركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر وأربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ثمّ المغرب ، ثمّ ركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء والصبح ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء .

(مسألة 23) : إذا علم أنّ عليه ثلاثة من الخمس ، وجب عليه الإتيان بالخمس على الترتيب ، وإن كان في السفر يكفيه أربع صلوات : ركعتان مردّدتان بين الصبح والظهر ، وركعتان مردّدتان بين الظهر والعصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ ركعتان مردّدتان بين العصر والعشاء ، وإذا لم يعلم أ نّه كان حاضراً أو مسافراً يصلّي سبع صلوات : ركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر ، ثمّ الظهر والعصر تامّتين ثمّ ركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ ركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء ، ثمّ العشاء بتمامه ، ويعلم ممّا ذكرنا حال ما إذا كان أوّل يومه الظهر بل وغيرها .

ص: 575

(مسألة 24) : إذا علم أنّ عليه أربعة من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس على الترتيب ، وإن كان مسافراً فكذلك قصراً ، وإن لم يدر أ نّه كان مسافراً أو حاضراً أتى بثمان صلوات ، مثل ما إذا علم أنّ عليه خمسة ولم يدر أ نّه كان حاضراً أو مسافراً .

(مسألة 25) : إذا علم(1) أنّ عليه خمس صلوات مرتّبة ولا يعلم أنّ أوّلها أيّة صلاة من الخمس ، أتى بتسع صلوات على الترتيب ، وإن علم أنّ عليه ستّة كذلك أتى بعشرة ، وإن علم أنّ عليه سبعة كذلك أتى بإحدى عشرة صلوات وهكذا ، ولا فرق بين أن يبدأ بأيّ من الخمس شاء ، إلاّ أ نّه يجب عليه الترتيب على حسب الصلوات الخمس إلى آخر العدد ، والميزان أن يأتي بخمس ، ولا يحسب منها إلاّ واحدة ، فلو كان عليه أيّام أو شهر أو سنة ولا يدري أوّل ما فات إذا أتى بخمس ولم يحسب أربعة منها يتيقّن أ نّه بدأ بأوّل ما فات .

(مسألة 26) : إذا علم فوت صلاة معيّنة كالصبح أو الظهر مثلاً مرّات ولم يعلم عددها يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى ، ولكن الأحوط التكرار بمقدار يحصل منه العلم بالفراغ ، خصوصاً مع سبق العلم بالمقدار وحصول النسيان بعده ، وكذا لو علم بفوت صلوات مختلفة ولم يعلم مقدارها ، لكن يجب(2) تحصيل الترتيب بالتكرار في القدر المعلوم ، بل وكذا في صورة إرادة الاحتياط بتحصيل التفريغ القطعي .

ص: 576


1- هذه المسألة مبنيّة على وجوب الترتيب مع الجهل به ، وقد مرّ عدم وجوبه فيسقط ما فرّع عليه ، نعم يحسن الاحتياط .
2- مرّ أنّ عدم الوجوب مع الجهل لا يخلو من قوّة .

(مسألة 27) : لا يجب الفور في القضاء ، بل هو موسّع ما دام العمر ؛ إذا لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به .

(مسألة 28) : لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة ، فيجوز الاشتغال بالحاضرة في سعة الوقت لمن عليه قضاء ، وإن كان الأحوط تقديمها عليها ، خصوصاً في فائتة ذلك اليوم ، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحبّ له العدول منها إليها إذا لم يتجاوز محلّ العدول .

(مسألة 29) : إذا كانت عليه فوائت أيّام وفاتت منه صلاة ذلك اليوم أيضاً ، ولم يتمكّن من إتيان جميعها أو لم يكن بانياً على إتيانها ، فالأحوط استحباباً أن يأتي بفائتة اليوم قبل الأدائية ، ولكن لا يكتفي بها ، بل بعد الإتيان بالفوائت يعيدها(1) أيضاً مرتّبة عليها .

(مسألة 30) : إذا احتمل اشتغال ذمّته بفائتة أو فوائت يستحبّ له تحصيل التفريغ بإتيانها احتياطاً ، وكذا لو احتمل خللاً فيها وإن علم بإتيانها .

(مسألة 31) : يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى ، كما يجوز الإتيان بها بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة كما مرّ سابقاً .

(مسألة 32) : لا يجوز الاستنابة في قضاء الفوائت ما دام حيّاً ، وإن كان عاجزاً عن إتيانها أصلاً .

(مسألة 33) : يجوز إتيان القضاء جماعة ؛ سواء كان الإمام قاضياً أيضاً أو مؤدّياً ، بل يستحبّ ذلك ، ولا يجب اتّحاد صلاة الإمام والمأموم ، بل

ص: 577


1- مع العلم بالترتيب فيما فات منه سابقاً ، وإلاّ ففيه إشكال .

يجوز الاقتداء من كلّ من الخمس بكلّ منها .

(مسألة 34) : الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر ، إلاّ إذا علم بعدم ارتفاعه إلى آخر العمر أو خاف مفاجأة الموت(1) .

(مسألة 35) : يستحبّ تمرين المميّز من الأطفال على قضاء ما فات منه من الصلاة ، كما يستحبّ تمرينه على أدائها ؛ سواء الفرائض والنوافل ، بل يستحبّ تمرينه على كلّ عبادة ، والأقوى مشروعية عباداته .

(مسألة 36) : يجب على الوليّ منع الأطفال عن كلّ ما فيه ضرر عليهم أو على غيرهم من الناس، وعن كلّ ما علم من الشرع إرادة عدم وجوده في الخارج لما فيه من الفساد ، كالزنا واللواط والغيبة ، بل والغناء(2) على الظاهر ، وكذا عن أكل الأعيان النجسة(3) وشربها ممّا فيه ضرر عليهم ، وأمّا المتنجّسة فلا يجب منعهم عنها ، بل حرمة مناولتها لهم غير معلومة ، وأمّا لبس الحرير والذهب ونحوهما ممّا يحرم على البالغين فالأقوى عدم وجوب منع المميّزين منها فضلاً عن غيرهم، بل لا بأس بإلباسهم إيّاها، وإن كان الأولى تركه بل منعهم عن لبسها.

فصل : في صلاة الاستئجار

يجوز الاستئجار للصلاة ، بل ولسائر العبادات عن الأموات إذا فاتت منهم وتفرغ ذمّتهم بفعل الأجير ، وكذا يجوز التبرّع عنهم ، ولا يجوز الاستئجار ولا

ص: 578


1- بظهور بعض أماراته .
2- على الأحوط .
3- كون جميع الأعيان النجسة ممّا فيه ضرر ممنوع ، لكن الأحوط منعهم عنها ؛ وإن كان وجوبه ولو مع الضرر الغير المعتدّ به غير معلوم .

التبرّع عن الأحياء في الواجبات وإن كانوا عاجزين عن المباشرة ، إلاّ الحجّ إذا كان مستطيعاً وكان عاجزاً عن المباشرة . نعم ، يجوز إتيان المستحبّات وإهداء ثوابها للأحياء ، كما يجوز ذلك للأموات ويجوز النيابة عن الأحياء في بعض المستحبّات .

(مسألة 1) : لا يكفي في تفريغ ذمّة الميّت إتيان العمل وإهداء ثوابه ، بل لا بدّ إمّا من النيابة عنه بجعل نفسه نازلاً منزلته ، أو بقصد إتيان(1) ما عليه له ، ولو لم ينزّل نفسه منزلته ، نظير أداء دين الغير ، فالمتبرّع بتفريغ ذمّة الميّت له أن ينزّل نفسه منزلته ، وله أن يتبرّع بأداء دينه من غير تنزيل ، بل الأجير أيضاً يتصوّر فيه الوجهان ، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائباً ، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميّت وأداء دينه الذي للّه .

(مسألة 2) : يعتبر في صحّة عمل الأجير والمتبرّع قصد القربة ، وتحقّقه في المتبرّع لا إشكال فيه ، وأمّا بالنسبة إلى الأجير الذي من نيّته أخذ العوض فربما يستشكل فيه ، بل ربما يقال من هذه الجهة : أ نّه لا يعتبر فيه قصد القربة ، بل يكفي الإتيان بصورة العمل عنه ، لكنّ التحقيق(2) أنّ أخذ الاُجرة داع لداعي

ص: 579


1- هذا محلّ إشكال وتنظيره بأداء الدين غير تامّ ، وكذا الحال في الأجير .
2- بل التحقيق : أنّ النائب إذا نزّل نفسه منزلة المنوب عنه يكون في اعتبار العقلاء - المؤيّد بالشرع - فعله فعل المنوب عنه وقربه قربه لا قرب نفسه ، فهو يأخذ الاُجرة لتحصيل قرب الغير لا قرب نفسه حتّى يقال : إنّ أخذ الاُجرة منافٍ لقصد اللّه ، نعم لو كان إعطاء الاُجرة لتحصيل العمل القربي أيضاً منافياً للخلوص المعتبر في العبادة لكان للإشكال وجه ، لكنّه ممنوع . وأمّا الوجهان المذكوران خصوصاً الثاني منهما فغير تامّ ، بل الظاهر أ نّهما مبنيّان على حصول القرب للمؤجر ، مع أ نّه في غير محلّه إشكالاً وجواباً .

القربة ، كما في صلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء ؛ حيث إنّ الحاجة ونزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة ، ويمكن أن يقال : إنّما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة ، ودعوى أنّ الأمر الإجاري ليس عبادياً بل هو توصّلي ، مدفوعة بأ نّه تابع للعمل المستأجر عليه فهو مشترك بين التوصّلية والتعبّدية .

(مسألة 3) : يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به ، خصوصاً مثل الزكاة والخمس والمظالم والكفّارات من الواجبات المالية ، ويجب على الوصيّ إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية ومنها الحجّ الواجب ولو بنذر ونحوه ، بل وجوب إخراج الصوم والصلاة من الواجبات البدنية أيضاً من الأصل لا يخلو عن قوّة(1) ؛ لأ نّها دين اللّه ودين اللّه أحقّ أن يقضى .

(مسألة 4) : إذا علم أنّ عليه شيئاً من الواجبات المذكورة(2) وجب إخراجها من تركته ، وإن لم يوص به ، والظاهر أنّ إخباره بكونها عليه يكفي(3) في وجوب الإخراج من التركة .

(مسألة 5) : إذا أوصى بالصلاة أو الصوم ونحوهما ولم يكن له تركة لا يجب على الوصيّ أو الوارث إخراجه من ماله ولا المباشرة إلاّ ما فات منه لعذر من الصلاة والصوم ؛ حيث يجب على الوليّ وإن لم يوص بهما ، نعم

ص: 580


1- الأقوى هو الخروج من الثلث .
2- إذا كان مالية ، ويلحق بها الحجّ .
3- لا يخلو من إشكال بالنسبة إلى الحجّ ؛ وإن لا يخلو من وجه .

الأحوط(1) مباشرة الولد ذكراً كان أو اُنثى مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما ، وإن لم يكن ممّا يجب على الوليّ ، أو أوصى إلى غير الوليّ بشرط أن لا يكون مستلزماً للحرج من جهة كثرته ، وأمّا غير الولد ممّن لا يجب عليه إطاعته فلا يجب عليه ، كما لا يجب على الولد أيضاً استئجاره إذا لم يتمكّن من المباشرة ، أو كان أوصى بالاستئجار عنه لا بمباشرته .

(مسألة 6) : لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه من الأصل(2) أيضاً ، وأمّا لو أوصى بما يستحبّ عليه من باب الاحتياط وجب العمل به ، لكن يخرج من الثلث ، وكذا لو أوصى بالاستئجار عنه أزيد من عمره ، فإنّه يجب العمل به والإخراج من الثلث ؛ لأ نّه يحتمل أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الأجير ، وأمّا لو علم فراغ ذمّته علماً قطعياً فلا يجب وإن أوصى به ، بل جوازه أيضاً محلّ إشكال .

(مسألة 7) : إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به ، فإن اشترط المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه ، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه ، فيخرج من تركته ، وإن لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته إن كان له تركة ، وإلاّ فلا يجب على الورثة كما في سائر الديون إذا لم يكن له تركة ، نعم يجوز تفريغ ذمّته من باب الزكاة أو نحوها أو تبرّعاً .

(مسألة 8) : إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري ومع ذلك كان عليه

ص: 581


1- لا يترك مع الشرط المذكور .
2- في الحجّ والمالية كما مرّ .

فوائت من نفسه ، فإن وفت التركة بهما فهو ، وإلاّ قدّم الاستئجاري ؛ لأ نّه من قبيل دين الناس .

(مسألة 9) : يشترط(1) في الأجير أن يكون عارفاً بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل عن اجتهاد أو تقليد صحيح .

(مسألة 10) : الأحوط اشتراط عدالة الأجير وإن كان الأقوى كفاية الاطمئنان بإتيانه على الوجه الصحيح(2) وإن لم يكن عادلاً .

(مسألة 11) : في كفاية استئجار غير البالغ ولو بإذن وليّه إشكال ، وإن قلنا بكون عباداته شرعية ، والعلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، وإن كان لا يبعد ذلك مع العلم المذكور ، وكذا لو تبرّع عنه مع العلم المذكور .

(مسألة 12) : لا يجوز استئجار ذوي الأعذار ، خصوصاً من كان صلاته بالإيماء ، أو كان عاجزاً عن القيام ويأتي بالصلاة جالساً ونحوه ، وإن كان ما فات من الميّت أيضاً كان كذلك ، ولو استأجر القادر فصار عاجزاً وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر ، وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة .

(مسألة 13) : لو تبرّع العاجز عن القيام - مثلاً - عن الميّت ، ففي سقوطه عنه إشكال .

ص: 582


1- بل يشترط أن يكون ممّن يعمل عملاً صحيحاً ولو بالاحتياط أو العلم بعدم عروض الخلل على عمله ، نعم لو كان جاهلاً وشكّ في إتيان العمل صحيحاً لا يحكم بالصحّة ، فالشرط المذكور مصحّح جريان أصالة الصحّة في عمله مع الشكّ .
2- لا يلزم الاطمئنان بصحّة عمله ، فلو اطمأنّ بإتيانه وشكّ في صحّة عمله وفساده ، فالظاهر جواز استئجاره .

(مسألة 14) : لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بأحكامه على وفق تقليده أو اجتهاده ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة .

(مسألة 15) : يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميّت(1) اجتهاداً أو تقليداً ، ولا يكفي الإتيان بها على مقتضى تكليف نفسه ، فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الأربع ثلاثاً أو جلسة الاستراحة اجتهاداً أو تقليداً وكان في مذهب الأجير عدم وجوبها ، يجب عليه الإتيان بها ، وأمّا لو انعكس فالأحوط الإتيان بها أيضاً ؛ لعدم الصحّة عند الأجير على فرض الترك ، ويحتمل الصحّة إذا رضي المستأجر بتركها ، ولا ينافي ذلك البطلان في مذهب الأجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنّية ؛ لعدم العلم بالبطلان ، فيمكن قصد القربة الاحتمالية ، نعم لو علم علماً وجدانياً بالبطلان لم يكف ؛ لعدم إمكان قصد القربة حينئذٍ ، ومع ذلك لا يترك الاحتياط .

(مسألة 16) : يجوز استئجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر ، وفي الجهر والإخفات يراعى حال المباشر ، فالرجل يجهر في الجهرية وإن كان نائباً عن المرأة ، والمرأة مخيّرة وإن كانت نائبة عن الرجل .

(مسألة 17) : يجوز مع عدم اشتراط الانفراد الإتيان بالصلاة الاستئجارية جماعة ؛ إماماً كان الأجير أو مأموماً ، لكن يشكل الاقتداء بمن يصلّي

ص: 583


1- إذا صار أجيراً لإتيان العمل الصحيح يجب الإتيان بما يصحّ عنده ، والأحوط ترك إجارة نفسه لعمل يراه باطلاً - ولو اجتهاداً أو تقليداً - ولو كان بحسب رأي الميّت صحيحاً.

الاستئجاري إلاّ إذا علم اشتغال ذمّة من ينوب عنه بتلك الصلاة ، وذلك لغلبة كون الصلاة الاستئجارية احتياطية .

(مسألة 18) : يجب على القاضي عن الميّت أيضاً مراعاة الترتيب في فوائته مع العلم به(1) ، ومع الجهل يجب اشتراط التكرار المحصّل له ، خصوصاً إذا علم أنّ الميّت كان عالماً بالترتيب .

(مسألة 19) : إذا استؤجر لفوائت الميّت جماعة ، يجب(2) أن يعيّن الوقت لكلّ منهم ليحصل الترتيب الواجب ، وأن يعيّن لكلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية مثل الظهر ، وأن يتمّم اليوم والليلة في دوره وأ نّه إن لم يتمّم اليوم والليلة - بل مضى وقته وهو في الأثناء - أن لا يحسب ما أتى به ، وإلاّ لاختلّ الترتيب ، مثلاً إذا صلّى الظهر والعصر فمضى وقته أو ترك البقيّة مع بقاء الوقت ، ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر ، ولا يحسب ما أتى به من الصلاتين .

(مسألة 20) : لا تفرغ ذمّة الميّت بمجرّد الاستئجار ، بل يتوقّف على الإتيان بالعمل صحيحاً ، فلو علم عدم إتيان الأجير أو أ نّه أتى به باطلاً ، وجب الاستئجار ثانياً ، ويقبل قول الأجير بالإتيان به صحيحاً ، بل الظاهر جواز الاكتفاء ما لم يعلم عدمه ؛ حملاً لفعله على الصحّة إذا انقضى

ص: 584


1- الظاهر أنّ الميزان في وجوب مراعاة الترتيب علم الميّت لا القاضي ، فلو جهل الميّت لا يجب ولو مع علم القاضي ، ولو علم الميّت يجب تحصيل الترتيب بالتكرار مع استئجاره لتفريغ ذمّته ، ومع الجهل بحال الميّت لا يجب التكرار .
2- مع العلم بأنّ الميّت كان عالماً بالواقعة ، ولا يجب مع الشكّ فيه ، فضلاً عن العلم بعدم علمه .

وقته(1) وأمّا إذا مات قبل انقضاء المدّة فيشكل الحال ، والأحوط تجديد استئجار مقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل .

(مسألة 21) : لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل ، إلاّ مع إذن المستأجر أو كون الإجارة واقعة على تحصيل العمل أعمّ من المباشرة والتسبيب ، وحينئذٍ فلا يجوز(2) أن يستأجر بأقلّ من الاُجرة المجعولة له إلاّ أن يكون آتياً ببعض العمل ولو قليلاً .

(مسألة 22) : إذا تبرّع متبرّع عن الميّت قبل عمل الأجير ففرغت ذمّة الميّت انفسخت الإجارة ، فيرجع(3) المؤجر بالاُجرة أو ببقيّتها إن أتى ببعض العمل ، نعم لو تبرّع متبرّع عن الأجير ملك الاُجرة(4) .

(مسألة 23) : إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحقّ الأجير اُجرة المثل بعمله ، وكذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن لأحد الطرفين .

(مسألة 24) : إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معيّن إلى الغروب ، فأخّر حتّى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ولم يصلّ صلاة عصر ذلك اليوم ، ففي وجوب صرف الوقت في صلاة نفسه أو الصلاة الاستئجارية إشكال(5)؛

ص: 585


1- مع الشكّ في إتيان أصل العمل لا يحكم بإتيانه ولو انقضى الوقت ، ومع الاطمئنان بإتيانه يحكم بصحّته مع الشكّ فيها ولو قبل الانقضاء .
2- على الأحوط .
3- المستأجر على المؤجر .
4- مع عدم شرط المباشرة .
5- الأقوى وجوب صلاة الوقت وانفساخ الإجارة .

من أهمّية صلاة الوقت ، ومن كون صلاة الغير من قبيل حقّ الناس المقدّم على حقّ اللّه .

(مسألة 25) : إذا انقضى الوقت المضروب للصلاة الاستئجارية ولم يأت بها أو بقي منها بقيّة ، لا يجوز له أن يأتي بها بعد الوقت إلاّ بإذن جديد من المستأجر .

(مسألة 26) : يجب تعيين الميّت المنوب عنه ، ويكفي الإجمالي ، فلا يجب ذكر اسمه عند العمل ، بل يكفي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك .

(مسألة 27) : إذا لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبّات ، يجب الإتيان على الوجه المتعارف .

(مسألة 28) : إذا نسي بعض المستحبّات التي اشترطت عليه أو بعض الواجبات ممّا عدا الأركان فالظاهر نقصان الاُجرة(1) بالنسبة ، إلاّ إذا كان المقصود تفريغ الذمّة على الوجه الصحيح .

(مسألة 29) : لو آجر نفسه لصلاة شهر - مثلاً - فشكّ في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر ولم يمكن الاستعلام من المؤجر أيضاً ، فالظاهر وجوب الاحتياط بالجمع ، وكذا لو آجر نفسه لصلاة وشكّ في أ نّها الصبح أو الظهر - مثلاً - وجب الإتيان بهما .

(مسألة 30) : إذا علم أ نّه كان على الميّت فوائت ، ولم يعلم أ نّه أتى بها قبل موته أو لا ، فالأحوط الاستئجار عنه .

ص: 586


1- بل الظاهر فيما اشترط عليه خيار تخلّف الشرط ، ومع الفسخ يكون عليه اُجرة مثل الناقص ، وفي الفرع الثاني مع الشرط كذلك ، ومع عدم الاشتراط إن وقعت الإجارة على الصلاة التامّة يقسّط الاُجرة ومع وقوعها على تفريغ الذمّة عليه الاُجرة .

فصل : في قضاء الوليّ

يجب على وليّ الميّت - رجلاً كان الميّت أو امرأة على الأصحّ(1) حرّاً كان أو عبداً - أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة لعذر(2) ؛ من مرض(3) أو سفر أو حيض ، فيما يجب فيه القضاء ولم يتمكّن من قضائه ؛ وإن كان الأحوط(4) قضاء جميع ما عليه ، وكذا في الصوم لمرض تمكّن من قضائه وأهمل به ، بل وكذا لو فاته من غير المرض ؛ من سفر ونحوه وإن لم يتمكّن(5) من قضائه . والمراد به الولد الأكبر ، فلا يجب على البنت وإن لم يكن هناك ولد ذكر ، ولا على غير الأكبر من الذكور ، ولا على غير الولد من الأب والأخ والعمّ والخال ونحوهم من الأقارب ، وإن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات ، وأحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر من الذكور ، ثمّ الإناث في كلّ طبقة حتّى الزوجين والمعتق وضامن الجريرة .

(مسألة 1) : إنّما يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الأبوين(6) من صلاة نفسهما ، فلا يجب عليه ما وجب عليهما بالاستئجار ، أو على الأب من صلاة أبويه من جهة كونه وليّاً .

ص: 587


1- بل الأصحّ خلافه ، فلا يجب عليه ما فات عن والدته .
2- الأقوى عدم الفرق بين العمد وغيره ، بل يجب قضاء ما تركه عصياناً وطغياناً على الأحوط .
3- ليس المرض والسفر عذراً يسوغ به ترك الصلاة ، ولا يجب القضاء على الحائض .
4- لا يترك .
5- على الأحوط في السفر ، وأمّا غيره فالظاهر أنّ التمكّن معتبر فيه في وجوب القضاء .
6- بل عن الأب كما مرّ .

(مسألة 2) : لا يجب على ولد الولد القضاء عن الميّت إذا كان هو الأكبر حال الموت وإن كان أحوط ، خصوصاً إذا لم يكن للميّت ولد .

(مسألة 3) : إذا مات أكبر الذكور بعد أحد أبويه ، لا يجب على غيره من إخوته الأكبر فالأكبر .

(مسألة 4) : لا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغاً عاقلاً عند الموت ، فيجب على الطفل إذا بلغ ، وعلى المجنون إذا عقل ، وإذا مات غير البالغ قبل البلوغ أو المجنون قبل الإفاقة لا يجب على الأكبر بعدهما .

(مسألة 5) : إذا كان أحد الأولاد أكبر بالسنّ والآخر بالبلوغ فالوليّ هو الأوّل .

(مسألة 6) : لا يعتبر في الوليّ كونه وارثاً ، فيجب على الممنوع من الإرث بالقتل أو الرقّ أو الكفر .

(مسألة 7) : إذا كان الأكبر خنثى مشكلاً ، فالوليّ غيره(1) من الذكور وإن كان أصغر ، ولو انحصر في الخنثى لم يجب عليه .

(مسألة 8) : لو اشتبه الأكبر بين الاثنين أو الأزيد ، لم يجب على واحد منهم ؛ وإن كان الأحوط التوزيع أو القرعة .

(مسألة 9) : لو تساوى الولدان في السنّ قسّط القضاء عليهما ، ويكلّف بالكسر - أي ما لا يكون قابلاً للقسمة والتقسيط كصلاة واحدة ، وصوم يوم واحد - كلّ منهما على الكفاية ، فلهما أن يوقعاه دفعة ، ويحكم بصحّة كلّ منهما وإن كان متّحداً في ذمّة الميّت ، ولو كان صوماً من قضاء شهر رمضان لا يجوز

ص: 588


1- محلّ تأمّل .

لهما(1) الإفطار بعد الزوال ، والأحوط الكفّارة على كلّ منهما مع الإفطار بعده ، بناءً على وجوبها في القضاء عن الغير أيضاً ، كما في قضاء نفسه .

(مسألة 10) : إذا أوصى الميّت بالاستئجار عنه ، سقط عن الوليّ بشرط الإتيان من الأجير صحيحاً .

(مسألة 11) : يجوز للوليّ أن يستأجر ما عليه من القضاء عن الميّت .

(مسألة 12) : إذا تبرّع بالقضاء عن الميّت متبرّع ، سقط عن الوليّ .

(مسألة 13) : يجب(2) على الوليّ مراعاة الترتيب في قضاء الصلاة ، وإن جهله وجب عليه الاحتياط بالتكرار .

(مسألة 14) : المناط في الجهر والإخفات على حال الوليّ المباشر لا الميّت ، فيجهر في الجهرية وإن كان القضاء عن الاُمّ .

(مسألة 15) : في أحكام الشكّ والسهو يراعي الوليّ تكليف نفسه - اجتهاداً أو تقليداً - لا تكليف الميّت ، بخلاف أجزاء الصلاة وشرائطها ، فإنّه يراعي تكليف الميّت(3) ، وكذا في أصل وجوب القضاء ، فلو كان مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده وجوب القضاء عليه ، يجب على الوليّ الإتيان به وإن كان مقتضى مذهبه عدم الوجوب ، وإن كان مقتضى مذهب الميّت عدم الوجوب ، لا يجب عليه وإن كان واجباً بمقتضى مذهبه ، إلاّ إذا علم علماً وجدانياً قطعياً ببطلان مذهب الميّت ، فيراعي حينئذٍ تكليف نفسه .

ص: 589


1- على الأحوط .
2- مع علم الميّت ، ومع جهله أو الشكّ في حاله لا يجب ، فلا يجب التكرار .
3- بل يراعي تكليف نفسه ، وكذا في أصل وجوب القضاء .

(مسألة 16) : إذا علم الوليّ أنّ على الميّت فوائت ، ولكن لا يدري أ نّها فاتت لعذر(1) ؛ من مرض أو نحوه أو لا لعذر ، لا يجب عليه القضاء ، وكذا إذا شكّ في أصل الفوت وعدمه .

(مسألة 17) : المدار في الأكبرية على التولّد لا على انعقاد النطفة ، فلو كان أحد الولدين أسبق انعقاداً والآخر أسبق تولّداً فالوليّ هو الثاني ، ففي التوأمين الأكبر أوّلهما تولّداً .

(مسألة 18) : الظاهر عدم اختصاص ما يجب على الوليّ بالفوائت اليومية ، فلو وجب عليه صلاة بالنذر الموقّت وفاتت منه لعذر ، وجب على الوليّ قضاؤها .

(مسألة 19) : الظاهر أ نّه يكفي(2) في الوجوب على الوليّ إخبار الميّت بأنّ عليه قضاء ما فات لعذر .

(مسألة 20) : إذا مات في أثناء الوقت بعد مضيّ مقدار الصلاة بحسب حاله قبل أن يصلّي ، وجب على الوليّ قضاؤها .

(مسألة 21) : لو لم يكن وليّ أو كان ومات قبل أن يقضي عن الميّت ، وجب الاستئجار(3) من تركته وكذا لو تبيّن بطلان ما أتى به .

(مسألة 22) : لا يمنع من الوجوب على الوليّ اشتغال ذمّته بفوائت نفسه ، ويتخيّر في تقديم أيّهما شاء .

ص: 590


1- مرّ عدم الفرق بين الفوت لعذر وغيره .
2- لا يخلو من إشكال ، نعم هو الأحوط .
3- قد مرّ أنّ الأقوى عدم الوجوب ، ومع الإيصاء يخرج من الثلث .

(مسألة 23) : لا يجب عليه الفور في القضاء عن الميّت وإن كان أولى وأحوط .

(مسألة 24) : إذا مات الوليّ بعد الميّت قبل أن يتمكّن من القضاء ففي الانتقال إلى الأكبر بعده إشكال .

(مسألة 25) : إذا استأجر الوليّ غيره لما عليه من صلاة الميّت ، فالظاهر أنّ الأجير يقصد النيابة عن الميّت لا عنه .

فصل : في الجماعة

اشارة

وهي من المستحبّات الأكيدة في جميع الفرائض ، خصوصاً اليومية منها وخصوصاً في الأدائية ، ولا سيّما في الصبح والعشاءين ، وخصوصاً لجيران المسجد أو من يسمع النداء ، وقد ورد في فضلها وذمّ تاركها من ضروب التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات ، ففي الصحيح : «الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ - أي الفرد - بأربع وعشرين درجة» ، وفي رواية زرارة : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين ، فقال علیه السلام : «صدقوا» فقلت : الرجلان يكونان جماعة ؟ قال علیه السلام : «نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الإمام» . وفي رواية محمّد بن عمارة : قال : أرسلت إلى الرضا علیه السلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته مع جماعة ؟ فقال علیه السلام : «الصلاة في جماعة أفضل» . مع أ نّه ورد : «أنّ الصلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة» ، وفي بعض الأخبار : «ألفين» ، بل في خبر قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أتاني جبرائيل مع سبعين ألف ملك

ص: 591

بعد صلاة الظهر ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ، وأهدى إليك هديّتين ، قلت : ما تلك الهديّتان ؟ قال : الوتر ثلاث ركعات ، والصلاة الخمس في جماعة ، قلت : يا جبرائيل ما لاُمّتي في الجماعة ؟ قال : يا محمّد ، إذا كانا اثنين كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ستّمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب اللّه لكلّ واحد ألفاً ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستّة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف وستّمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ثمانية وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وسبعين ألفاً وثمانمائة صلاة ، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها قرطاساً والبحار مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان مع الملائكة كتّاباً ، لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة ، يا محمّد ، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة وعمرة ، وخير من الدنيا وما فيها بسبعين ألف مرّة ، وركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة» . وعن الصادق علیه السلام : «الصلاة خلف العالم بألف ركعة ، وخلف القرشي بمائة» . ولا يخفى أ نّه إذا تعدّد جهات الفضل تضاعف الأجر ، فإذا كانت في مسجد السوق - الذي تكون الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة - يتضاعف بمقداره ، وإذا كانت في مسجد القبيلة - الذي

ص: 592

تكون الصلاة فيه بخمسة وعشرين - فكذلك ، وإذا كانت في المسجد الجامع الذي تكون الصلاة فيه بمائة يتضاعف بقدره ، وكذا إذا كانت في مسجد الكوفة الذي بألف أو كانت عند علي علیه السلام الذي فيه بمائتي ألف ، وإذا كانت خلف العالم أو السيّد فأفضل ، وإن كانت خلف العالم السيّد فأفضل وكلّما كان الإمام أوثق وأورع وأفضل فأفضل ، وإذا كان المأمومون ذوي فضل فتكون أفضل ، وكلّما كان المأمومون أكثر كان الأجر أزيد ، ولا يجوز تركها رغبة عنها أو استخفافاً بها ، ففي الخبر : «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد إلاّ من علّة ، ولا غيبة لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره ، فإن حضر جماعة المسلمين وإلاّ اُحرق عليه بيته» . وفي آخر : «أنّ أمير المؤمنين علیه السلام بلغه أنّ قوماً لا يحضرون الصلاة في المسجد فخطب فقال : إنّ قوماً لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا ، أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة ، وإنّي لأوشك بنار تشعل في دورهم فاُحرقها عليهم أو ينتهون ، قال : فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتّى حضروا لجماعة المسلمين» ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، فمقتضى الإيمان عدم الترك من غير عذر سيّما مع الاستمرار عليه ، فإنّه كما ورد : لا يمنع الشيطان من شيء من العبادات منعها ، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها ؛ لأنّ فضلها من ضروريات الدين .

(مسألة 1) : تجب الجماعة في الجمعة وتشترط في صحّتها ، وكذا العيدين

ص: 593

مع اجتماع شرائط الوجوب ، وكذا إذا ضاق الوقت عن تعلّم القراءة(1) لمن لا يحسنها مع قدرته على التعلّم ، وأمّا إذا كان عاجزاً عنه أصلاً ، فلا يجب عليه حضور الجماعة وإن كان أحوط ، وقد تجب بالنذر(2) والعهد واليمين ، ولكن لو خالف صحّت الصلاة وإن كان متعمّداً ، ووجبت حينئذٍ عليه الكفّارة ، والظاهر وجوبها(3) أيضاً إذا كان ترك الوسواس موقوفاً عليها ، وكذا إذا ضاق الوقت عن إدراك الركعة ؛ بأن كان هناك إمام في حال الركوع ، بل وكذا إذا كان بطيئاً في القراءة في ضيق الوقت ، بل لا يبعد وجوبها بأمر أحد الوالدين(4) .

(مسألة 2) : لا تشرع الجماعة في شيء من النوافل الأصلية وإن وجبت بالعارض بنذر أو نحوه حتّى صلاة الغدير على الأقوى ، إلاّ في صلاة الاستسقاء ، نعم لا بأس بها فيما صار نفلاً بالعارض ، كصلاة العيدين(5) مع عدم اجتماع شرائط الوجوب ، والصلاة المعادة جماعة ، والفريضة المتبرّع بها(6) عن الغير ، والمأتيّ بها من جهة الاحتياط الاستحبابي .

ص: 594


1- على الأحوط .
2- قد مرّ أنّ عنوان المنذور لا يجب بالنذر وكذا في أخويه .
3- الظاهر عدم وجوبها شرعاً ، بل هو إلزام عقلي ، وكذا في ضيق الوقت عن إدراك ركعة .
4- وجوب طاعة الوالدين في مثله محلّ تأمّل وإن كان أحوط ، لكن وجوب عنوان الجماعة مع فرض وجوب طاعتهما محلّ منع كما مرّ في مثل النذر ، بل الواجب هو طاعتهما ويتّحد في الخارج مصداق الطاعة والجماعة .
5- الأحوط إتيان صلاتهما في زمن الغيبة فرادى .
6- في هذا المثال بل المثال الآتي مناقشة .

(مسألة 3) : يجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمن يصلّي الاُخرى ؛ أيّاً منها كانت ، وإن اختلفا في الجهر والإخفات ، والأداء والقضاء ، والقصر والتمام ، بل الوجوب والندب ، فيجوز اقتداء مصلّي الصبح أو المغرب أو العشاء بمصلّي الظهر أو العصر ، وكذا العكس ، ويجوز اقتداء المؤدّي بالقاضي والعكس ، والمسافر بالحاضر والعكس ، والمعيد صلاته بمن لم يصلّ والعكس ، والذي يعيد صلاته احتياطاً استحبابياً أو وجوبياً بمن يصلّي وجوباً ، نعم يشكل اقتداء من يصلّي وجوباً بمن يعيد احتياطاً ولو كان وجوبياً ، بل يشكل اقتداء المحتاط بالمحتاط ، إلاّ إذا كان احتياطهما من جهة واحدة .

(مسألة 4) : يجوز(1) الاقتداء في اليومية - أيّاً منها كانت ، أداءً أو قضاءً - بصلاة الطواف ، كما يجوز العكس .

(مسألة 5) : لا يجوز الاقتداء في اليومية بصلاة الاحتياط في الشكوك ، والأحوط(2) ترك العكس أيضاً وإن كان لا يبعد الجواز ، بل الأحوط ترك الاقتداء فيها ولو بمثلها من صلاة الاحتياط ، حتّى إذا كان جهة الاحتياط متّحدة ، وإن كان لا يبعد الجواز في خصوص صورة الاتّحاد ، كما إذا كان الشكّ الموجب للاحتياط مشتركاً بين الإمام والمأموم .

(مسألة 6) : لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية أو الطواف بمصلّي الآيات أو العيدين أو صلاة الأموات ، وكذا لا يجوز العكس ، كما أ نّه لا يجوز اقتداء كلّ من الثلاثة بالآخر .

ص: 595


1- محلّ إشكال أصلاً وعكساً ، بل مشروعية الجماعة في صلاة الطواف محلّ إشكال .
2- لا يترك فيه وفيما بعده .

(مسألة 7) : الأحوط عدم اقتداء مصلّي العيدين بمصلّي الاستسقاء ، وكذا العكس وإن اتّفقا في النظم .

(مسألة 8) : أقلّ عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان ، أحدهما الإمام ؛ سواء كان المأموم رجلاً أو امرأة ، بل وصبيّاً مميّزاً على الأقوى ، وأمّا في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلاّ بخمسة أحدهم الإمام .

(مسألة 9) : لا يشترط في انعقاد الجماعة في غير الجمعة والعيدين(1) نيّة الإمام الجماعة والإمامة ، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحقّقت الجماعة ؛ سواء كان الإمام ملتفتاً لاقتداء الغير به أم لا ، نعم حصول الثواب في حقّه موقوف على نيّة الإمامة ، وأمّا المأموم فلا بدّ له من نيّة الائتمام ، فلو لم ينوه لم تتحقّق الجماعة في حقّه وإن تابعه في الأقوال والأفعال ، وحينئذٍ فإن أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحّت صلاته وإلاّ فلا ، وكذا يجب وحدة الإمام ، فلو نوى الاقتداء باثنين ولو كانا متقارنين في الأقوال والأفعال لم تصحّ جماعة ، وتصحّ فرادى إن أتى بما يجب على المنفرد ولم يقصد التشريع(2) ، ويجب عليه تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية ، فيكفي التعيين الإجمالي كنيّة الاقتداء بهذا الحاضر ، أو بمن يجهر في صلاته - مثلاً - من الأئمّة الموجودين أو نحو ذلك ، ولو نوى الاقتداء بأحد هذين أو أحد هذه الجماعة لم تصحّ جماعة ، وإن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك في الأثناء أو بعد الفراغ .

ص: 596


1- وبعض فروض المعادة بناءً على مشروعيتها .
2- بل ولو قصده على الأقوى .

(مسألة 10) : لا يجوز الاقتداء بالمأموم ، فيشترط أن لا يكون إمامه مأموماً لغيره .

(مسألة 11) : لو شكّ في أ نّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم ، وأتمّ منفرداً وإن علم أ نّه قام بنيّة الدخول في الجماعة ، نعم لو ظهر عليه أحوال الائتمام كالإنصات(1) ونحوه فالأقوى عدم الالتفات ولحوق أحكام الجماعة ، وإن كان الأحوط الإتمام منفرداً ، وأمّا إذا كان ناوياً للجماعة ورأى نفسه مقتدياً وشكّ في أ نّه من أوّل الصلاة نوى الانفراد أو الجماعة فالأمر أسهل .

(مسألة 12) : إذا نوى الاقتداء بشخص على أ نّه زيد ، فبان أ نّه عمرو ، فإن لم يكن عمرو عادلاً بطلت جماعته وصلاته(2) أيضاً ، إذا ترك القراءة أو أتى بما يخالف صلاة المنفرد ، وإلاّ صحّت على الأقوى ، وإن التفت في الأثناء ولم يقع منه ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفرداً ، وإن كان عمرو أيضاً عادلاً ففي المسألة صورتان(3) : إحداهما : أن يكون قصده الاقتداء بزيد وتخيّل أنّ الحاضر هو زيد ، وفي هذه الصورة تبطل جماعته وصلاته أيضاً إن خالفت صلاة المنفرد ، الثانية : أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر ، ولكن تخيّل أ نّه زيد فبان أ نّه عمرو ، وفي هذه الصورة الأقوى صحّة جماعته وصلاته ، فالمناط ما قصده لا ما تخيّله من باب الاشتباه في التطبيق .

(مسألة 13) : إذا صلّى اثنان وبعد الفراغ علم أنّ نيّة كلّ منهما الإمامة للآخر

ص: 597


1- بعنوان المأمومية ، وإلاّ فمحلّ إشكال .
2- صحّة صلاته لا تخلو من قوّة إذا لم يزد ركناً .
3- الأقوى صحّة صلاته وجماعته في الصورتين .

صحّت صلاتهما ، أمّا لو علم أنّ نيّة كلّ منهما الائتمام بالآخر استأنف كلّ منهما الصلاة إذا كانت(1) مخالفة لصلاة المنفرد ، ولو شكّا فيما أضمراه فالأحوط الاستئناف ، وإن كان الأقوى الصحّة إذا كان الشكّ بعد الفراغ أو قبله مع نيّة الانفراد(2) بعد الشكّ .

(مسألة 14) : الأقوى(3) والأحوط عدم نقل نيّته من إمام إلى إمام آخر اختياراً ، وإن كان الآخر أفضل وأرجح ، نعم لو عرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته - من موت أو جنون أو إغماء أو صدور حدث ، بل ولو لتذكّر حدث سابق - جاز للمأمومين تقديم إمام آخر وإتمام الصلاة معه ، بل الأقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه من إتمامها مختاراً ، كما لو صار فرضه الجلوس ؛ حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به لما يأتي من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد .

(مسألة 15) : لا يجوز(4) للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء .

(مسألة 16) : يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد ولو اختياراً في جميع أحوال الصلاة على الأقوى ، وإن كان ذلك من نيّته في أوّل الصلاة ، لكن الأحوط(5) عدم العدول إلاّ لضرورة - ولو دنيوية - خصوصاً في الصورة الثانية .

(مسألة 17) : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في الركوع

ص: 598


1- بل مطلقاً على الأحوط .
2- وعدم زيادة ركن .
3- لا تخلو القوّة من تأمّل .
4- على الأحوط .
5- لا يترك ، وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الصورة الاُولى .

لا يجب عليه القراءة ، بل لو كان في أثناء القراءة يكفيه بعد نيّة الانفراد قراءة ما بقي منها ، وإن كان الأحوط استئنافها ، خصوصاً إذا كان في الأثناء .

(مسألة 18) : إذا أدرك الإمام راكعاً يجوز له الائتمام والركوع معه ، ثمّ العدول إلى الانفراد اختياراً ، وإن كان الأحوط ترك العدول حينئذٍ ، خصوصاً إذا كان ذلك من نيّته أوّلاً .

(مسألة 19) : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام وتمّ صلاته ، فنوى الاقتداء به في صلاة اُخرى قبل أن يركع الإمام في تلك الركعة أو حال كونه في الركوع من تلك الركعة جاز ، ولكنّه خلاف الاحتياط .

(مسألة 20) : لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له(1) العود إلى الائتمام ، نعم لو تردّد في الانفراد وعدمه ثمّ عزم على عدم الانفراد صحّ ، بل لا يبعد جواز العود إذا كان بعد نيّة الانفراد بلا فصل ، وإن كان الأحوط(2) عدم العود مطلقاً .

(مسألة 21) : لو شكّ في أ نّه عدل إلى الانفراد أم لا ، بنى على عدمه .

(مسألة 22) : لا يعتبر في صحّة الجماعة قصد القربة من حيث الجماعة ، بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة ، فلو كان قصد الإمام من الجماعة الجاه أو مطلب آخر دنيوي ولكن كان قاصداً للقربة في أصل الصلاة صحّ(3) ، وكذا إذا كان

ص: 599


1- على الأحوط .
2- لا يترك .
3- الظاهر صحّة صلاته ، وأمّا صحّتها جماعة فمحلّ إشكال ، وكذا في المأموم فلو لم يأت مع ذلك بوظيفة المنفرد فصحّة صلاته أيضاً مشكلة .

قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر عليه أو الفرار من الوسوسة أو الشكّ أو من تعب تعلّم القراءة أو نحو ذلك من الأغراض الدنيوية ، صحّت صلاته مع كونه قاصداً للقربة فيها ، نعم لا يترتّب ثواب الجماعة إلاّ بقصد القربة فيها .

(مسألة 23) : إذا نوى الاقتداء بمن يصلّي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهواً أو جهلاً ، كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلاً ، فإن تذكّر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل(1) إلى الانفراد وصحّت ، وكذا تصحّ إذا تذكّر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد وإلاّ بطلت(2) .

(مسألة 24) : إذا لم يدرك الإمام إلاّ في الركوع ، أو أدركه في أوّل الركعة أو في أثنائها أو قبل الركوع فلم يدخل في الصلاة إلى أن ركع جاز له الدخول معه ، وتحسب له ركعة ، وهو منتهى ما تدرك به الركعة في ابتداء الجماعة على الأقوى ، بشرط أن يصل إلى حدّ الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، وإن كان بعد فراغه من الذكر على الأقوى ، فلا يدركها إذا أدركه بعد رفع رأسه ، بل وكذا لو وصل المأموم إلى الركوع بعد شروع الإمام في رفع الرأس ، وإن لم يخرج بعد عن حدّه على الأحوط . وبالجملة : إدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه ، وأمّا في الركعات الاُخر فلا يضرّ(3) عدم إدراك الركوع مع الإمام بأن ركع بعد رفع رأسه ، بل بعد دخوله في السجود أيضاً . هذا إذا دخل في الجماعة بعد ركوع الإمام ، وأمّا إذا دخل فيها

ص: 600


1- بل صحّت بلا احتياج إلى العدول .
2- بل صحّت ، إلاّ إذا زاد ركناً ، وترك «الحمد» لا يضرّ .
3- إذا أدرك بعض الركعة قبل الركوع ، وإلاّ ففيه إشكال .

من أوّل الركعة أو أثنائها واتّفق أ نّه تأخّر عن الإمام في الركوع فالظاهر صحّة صلاته وجماعته ، فما هو المشهور من أ نّه لا بدّ من إدراك ركوع الإمام في الركعة الاُولى للمأموم في ابتداء الجماعة وإلاّ لم تحسب له ركعة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة لا فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثنائها ، وإن صرّح بعضهم بالتعميم ، ولكن الأحوط الإتمام حينئذٍ والإعادة .

(مسألة 25) : لو ركع بتخيّل إدراك الإمام راكعاً ولم يدرك بطلت(1) صلاته ، بل وكذا لو شكّ في إدراكه وعدمه ، والأحوط في صورة الشكّ الإتمام والإعادة ، أو العدول إلى النافلة والإتمام ثمّ اللحوق في الركعة الاُخرى .

(مسألة 26) : الأحوط عدم الدخول إلاّ مع الاطمئنان بإدراك ركوع الإمام ، وإن كان الأقوى جوازه مع الاحتمال ، وحينئذٍ فإن أدرك صحّت ، وإلاّ بطلت .

(مسألة 27) : لو نوى وكبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع أو قبل أن يصل إلى حدّ الركوع لزمه الانفراد ، أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاُخرى ، فيجعلها الاُولى له ، إلاّ إذا أبطأ الإمام بحيث يلزم الخروج عن صدق الاقتداء ، ولو علم قبل أن يكبّر للإحرام عدم إدراك ركوع الإمام لا يبعد جواز دخوله وانتظاره إلى قيام الإمام للركعة الثانية مع عدم فصل يوجب فوات صدق القدوة ، وإن كان الأحوط عدمه .

(مسألة 28) : إذا أدرك الإمام وهو في التشهّد الأخير ، يجوز له الدخول معه ؛

ص: 601


1- الظاهر صحّتها فرادى في الفرضين ، لكنّ الاحتياط فيهما حسن .

بأن ينوي ويكبّر ثمّ يجلس معه ويتشهّد ، فإذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي من غير استئناف للنيّة والتكبير ، ويحصل له بذلك فضل الجماعة ، وإن لم يحصل له ركعة .

(مسألة 29) : إذا أدرك الإمام في السجدة الاُولى أو الثانية من الركعة الأخيرة وأراد إدراك فضل الجماعة نوى وكبّر وسجد معه السجدة أو السجدتين وتشهّد ، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام ويستأنف الصلاة ولا يكتفي بتلك النيّة والتكبير ، ولكن الأحوط(1) إتمام الاُولى بالتكبير الأوّل ، ثمّ الاستئناف بالإعادة .

(مسألة 30) : إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الإمام راكعاً وخاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصفّ ، نوى وكبّر في موضعه وركع ، ثمّ مشى في ركوعه أو بعده أو في سجوده أو بعده ، أو بين السجدتين أو بعدهما ، أو حال القيام للثانية إلى الصفّ ؛ سواء كان لطلب المكان الأفضل أو للفرار عن كراهة الوقوف في صفّ وحده أو لغير ذلك ، وسواء كان المشي إلى الأمام أو الخلف أو أحد الجانبين بشرط أن لا يستلزم الانحراف عن القبلة ، وأن لا يكون هناك مانع آخر من حائل أو علوّ أو نحو ذلك ، نعم لا يضرّ البعد الذي لا يغتفر حال الاختيار على الأقوى إذا صدق معه القدوة ، وإن كان الأحوط اعتبار عدمه أيضاً ، والأقوى عدم وجوب جرّ الرجلين حال المشي ، بل له المشي متخطّياً على وجه لا تنمحي صورة الصلاة ، والأحوط ترك الاشتغال بالقراءة والذكر الواجب أو غيرهما ممّا يعتبر فيه الطمأنينة حاله ، ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره .

ص: 602


1- الأولى عدم الدخول في هذه الجماعة ، فإن نوى لا يترك هذا الاحتياط ؛ وإن كان الاكتفاء بالنيّة والتكبير وإلقاء ما زاد تبعاً للإمام وعدم إبطاله للصلاة لا تخلو من وجه .
فصل: في سائر الشرائط الجماعة

يشترط في الجماعة مضافاً إلى ما مرّ في المسائل المتقدّمة اُمور :

أحدها : أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع عن مشاهدته ، وكذا بين بعض المأمومين مع الآخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام ، كمن في صفّه من طرف الإمام أو قدّامه ؛ إذا لم يكن في صفّه من يتّصل بالإمام ، فلو كان حائل ولو في بعض أحوال الصلاة من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود بطلت الجماعة ؛ من غير فرق في الحائل بين كونه جداراً أو غيره ولو شخص إنسان لم يكن مأموماً ، نعم إنّما يعتبر ذلك إذا كان المأموم رجلاً ، أمّا المرأة فلا بأس بالحائل بينها وبين الإمام أو غيره من المأمومين(1) مع كون الإمام رجلاً ، بشرط أن تتمكّن من المتابعة ؛ بأن تكون عالمة بأحوال الإمام من القيام والركوع والسجود ونحوها ، مع أنّ الأحوط فيها أيضاً عدم الحائل . هذا ، وأمّا إذا كان الإمام امرأة أيضاً فالحكم كما في الرجل .

الثاني : أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين علوّاً معتدّاً به دفعياً كالأبنية ونحوها ، لا انحدارياً على الأصحّ ، من غير فرق بين المأموم الأعمى والبصير والرجل والمرأة ، ولا بأس بغير المعتدّ به ممّا هو دون الشبر(2) ولا بالعلوّ الانحداري حيث يكون العلوّ فيه تدريجياً على وجه لا ينافي صدق انبساط الأرض ، وأمّا إذا كان مثل الجبل فالأحوط ملاحظة قدر

ص: 603


1- إذا كانوا رجالاً ، وأمّا الحائل بين صفوف النساء بعضها مع بعض فمحلّ إشكال .
2- الأحوط الاقتصار على مقدار يسير لا يرى العرف أ نّه أرفع منهم .

الشبر(1) فيه ، ولا بأس بعلوّ المأموم على الإمام ولو بكثير(2) .

الثالث : أن لا يتباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة ، إلاّ إذا كان في صفّ متّصل بعضه ببعض ، حتّى ينتهي إلى القريب ، أو كان في صفّ ليس بينه وبين الصفّ المتقدّم البعد المزبور ، وهكذا حتّى ينتهي إلى القريب ، والأحوط - احتياطاً لا يترك - أن لا يكون بين موقف الإمام ومسجد المأموم أو بين موقف السابق ومسجد اللاحق أزيد من مقدار الخطوة التي تملأ الفرج ، وأحوط من ذلك مراعاة الخطوة المتعارفة ، والأفضل بل الأحوط أيضاً أن لا يكون بين الموقفين أزيد من مقدار جسد الإنسان إذا سجد ، بأن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل .

الرابع : أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف ، فلو تقدّم في الابتداء أو الأثناء بطلت صلاته(3) إن بقي على نيّة الائتمام ، والأحوط تأخّره عنه(4) وإن كان الأقوى جواز المساواة ، ولا بأس بعد تقدّم الإمام في الموقف أو المساواة معه بزيادة المأموم على الإمام في ركوعه وسجوده لطول قامته ونحوه ، وإن كان الأحوط مراعاة عدم التقدّم في جميع الأحوال حتّى في الركوع والسجود والجلوس ، والمدار على الصدق العرفي .

(مسألة 1) : لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع من المشاهدة في أحوال

ص: 604


1- بل القدر الغير المعتدّ به .
2- كثرة متعارفة كسطح الدكّان والبيت ، لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر .
3- جماعة دون فرادى ، إلاّ مع زيادة ركن أو ترك القراءة عمداً .
4- لا يترك تأخّره يسيراً .

الصلاة وإن كان مانعاً منها حال السجود كمقدار الشبر بل أزيد أيضاً ، نعم إذا كان مانعاً حال الجلوس فيه إشكال لا يترك معه الاحتياط .

(مسألة 2) : إذا كان الحائل ممّا يتحقّق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه - مثلاً - أو حال القيام لثقب في أعلاه ، أو حال الهويّ إلى السجود لثقب في أسفله ، فالأحوط والأقوى فيه عدم الجواز ، بل وكذا لو كان في الجميع لصدق الحائل معه أيضاً .

(مسألة 3) : إذا كان الحائل زجاجاً يحكي من ورائه ، فالأقوى(1) عدم جوازه للصدق .

(مسألة 4) : لا بأس بالظلمة والغبار ونحوهما ، ولا تعدّ من الحائل وكذا النهر والطريق إذا لم يكن فيهما بعد ممنوع في الجماعة .

(مسألة 5) : الشبّاك لا يعدّ من الحائل ، وإن كان الأحوط الاجتناب معه ، خصوصاً مع ضيق الثقب ، بل المنع في هذه الصورة لا يخلو عن قوّة ؛ لصدق الحائل معه .

(مسألة 6) : لا يقدح حيلولة المأمومين بعضهم لبعض ، وإن كان أهل الصفّ المتقدّم الحائل لم يدخلوا في الصلاة ؛ إذا كانوا متهيّئين(2) لها .

(مسألة 7) : لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثره للإمام إذا كان ذلك من جهة استطالة الصفّ ، ولا أطولية الصفّ الثاني - مثلاً - من الأوّل .

ص: 605


1- فيه إشكال ، بل الجواز لا يخلو من قرب .
2- تهيّؤاً قريباً من الدخول في الجماعة .

(مسألة 8) : لو كان الإمام في محراب داخل في جدار ونحوه لا يصحّ اقتداء من على اليمين أو اليسار ممّن يحول الحائط بينه وبين الإمام ، ويصحّ اقتداء من يكون مقابلاً للباب لعدم الحائل بالنسبة إليه ، بل وكذا من على جانبيه(1) ممّن لا يرى الإمام ، لكن مع اتّصال الصفّ على الأقوى وإن كان الأحوط العدم ، وكذا الحال إذا زادت الصفوف إلى باب المسجد فاقتدى من في خارج المسجد مقابلاً للباب ووقف الصفّ من جانبيه ، فإنّ الأقوى صحّة صلاة الجميع وإن كان الأحوط العدم بالنسبة إلى الجانبين .

(مسألة 9) : لا يصحّ اقتداء من بين الاُسطوانات مع وجود الحائل بينه وبين من تقدّمه إلاّ إذا كان متّصلاً(2) بمن لم تحل الاُسطوانة بينهم ، كما أ نّه يصحّ إذا لم يتّصل بمن لا حائل له ، لكن لم يكن بينه وبين من تقدّمه حائل مانع .

(مسألة 10) : لو تجدّد الحائل في الأثناء ، فالأقوى بطلان الجماعة ويصير منفرداً .

(مسألة 11) : لو دخل في الصلاة مع وجود الحائل جاهلاً به لعمى أو نحوه لم تصحّ جماعة ، فإن التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفرداً وإلاّ بطلت(3) .

(مسألة 12) : لا بأس بالحائل الغير المستقرّ ، كمرور شخص من إنسان أو

ص: 606


1- الأحوط بطلان صلاة من على جانبيه ممّن كان بينهم وبين الإمام أو الصفّ المتقدّم حائل في الفرعين ، بل البطلان لا يخلو من قوّة ، نعم تصحّ صلاة الصفوف المتأخّرة أجمع مع عدم الحيلولة بينها وبين من بحيال الباب .
2- كفاية مجرّد الاتّصال من الجانبين محلّ إشكال .
3- بل صحّت إذا لم يزد ركناً .

حيوان أو غير ذلك ، نعم إذا اتّصلت المارّة لا يجوز ، وإن كانوا غير مستقرّين ؛ لاستقرار المنع حينئذٍ .

(مسألة 13) : لو شكّ في حدوث الحائل في الأثناء بنى على عدمه ، وكذا لو شكّ قبل الدخول في الصلاة في حدوثه بعد سبق عدمه ، وأمّا لو شكّ في وجوده وعدمه مع عدم سبق العدم ، فالظاهر عدم جواز الدخول إلاّ مع الاطمئنان بعدمه .

(مسألة 14) : إذا كان الحائل ممّا لا يمنع عن المشاهدة حال القيام ، ولكن يمنع عنها حال الركوع أو حال الجلوس - والمفروض زواله حال الركوع أو الجلوس - هل يجوز معه الدخول في الصلاة ؟ فيه وجهان ، والأحوط كونه مانعاً من الأوّل ، وكذا العكس ؛ لصدق وجود الحائل بينه وبين الإمام .

(مسألة 15) : إذا تمّت صلاة الصفّ المتقدّم وكانوا جالسين في مكانهم أشكل بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر ؛ لكونهم حينئذٍ حائلين غير مصلّين ، نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة اُخرى لا يبعد بقاء قدوة المتأخّرين .

(مسألة 16) : الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز(1) معه الاقتداء .

(مسألة 17) : إذا كان أهل الصفوف اللاحقة غير الصفّ الأوّل متفرّقين ؛ بأن كان بين بعضهم مع البعض فصل أزيد من الخطوة التي تملأ الفرج ، فإن لم يكن قدّامهم من ليس بينهم وبينه البعد المانع ولم يكن إلى جانبهم أيضاً متّصلاً بهم من

ص: 607


1- على الأحوط .

ليس بينه وبين من تقدّمه البعد المانع ، لم يصحّ اقتداؤهم وإلاّ صحّ ، وأمّا الصفّ الأوّل فلا بدّ فيه من عدم الفصل بين أهله ، فمعه لا يصحّ اقتداء من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع .

(مسألة 18) : لو تجدّد البعد في أثناء الصلاة بطلت الجماعة وصار منفرداً ، وإن لم يلتفت وبقي على نيّة الاقتداء ، فإن أتى بما ينافي صلاة المنفرد من زيادة ركوع(1) - مثلاً - للمتابعة أو نحو ذلك بطلت صلاته وإلاّ صحّت .

(مسألة 19) : إذا انتهت صلاة الصفّ المتقدّم من جهة كونهم مقصّرين أو عدلوا إلى الانفراد ، فالأقوى بطلان اقتداء المتأخّر للبعد ، إلاّ إذا عاد المتقدّم إلى الجماعة بلا فصل ، كما أنّ الأمر كذلك من جهة الحيلولة أيضاً على ما مرّ .

(مسألة 20) : الفصل لعدم دخول الصفّ المتقدّم في الصلاة لا يضرّ بعد كونهم متهيّئين(2) للجماعة ، فيجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل إحرام المتقدّم ، وإن كان الأحوط خلافه ، كما أنّ الأمر كذلك من حيث الحيلولة على ما سبق .

(مسألة 21) : إذا علم بطلان صلاة الصفّ المتقدّم تبطل جماعة المتأخّر من جهة الفصل أو الحيلولة ، وإن كانوا غير ملتفتين للبطلان ، نعم مع الجهل بحالهم تحمل على الصحّة ولا يضرّ ، كما لا يضرّ(3) فصلهم إذا كانت صلاتهم صحيحة بحسب تقليدهم وإن كانت باطلة بحسب تقليد الصفّ المتأخّر .

(مسألة 22) : لا يضرّ الفصل بالصبيّ المميّز ما لم يعلم بطلان صلاته .

ص: 608


1- لا نقصان «الحمد» فإنّه غير مضرّ .
2- تهيّؤاً قريباً من الدخول كما مرّ .
3- محلّ إشكال .

(مسألة 23) : إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه ، وإن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه ، إلاّ أن يكون مسبوقاً بالقرب ، كما إذا كان قريباً من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به ، فشكّ في أ نّه تقدّم عن مكانه أم لا .

(مسألة 24) : إذا تقدّم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة سهواً أو جهلاً أو اضطراراً صار منفرداً ، ولا يجوز له تجديد الاقتداء ، نعم لو عاد بلا فصل لا يبعد بقاء قدوته .

(مسألة 25) : يجوز(1) على الأقوى الجماعة بالاستدارة حول الكعبة ، والأحوط عدم تقدّم المأموم على الإمام بحسب الدائرة ، وأحوط منه عدم أقربيته مع ذلك إلى الكعبة ، وأحوط من ذلك تقدّم الإمام بحسب الدائرة وأقربيته مع ذلك إلى الكعبة .

فصل : في أحكام الجماعة

(مسألة 1) : الأحوط ترك(2) المأموم القراءة في الركعتين الاُوليين من الإخفاتية إذا كان فيهما مع الإمام ، وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة ، ويستحبّ مع الترك أن يشتغل بالتسبيح والتحميد والصلاة على محمّد وآله ، وأمّا في الاُوليين من الجهرية ، فإن سمع صوت الإمام ولو همهمته وجب عليه ترك القراءة ، بل الأحوط والأولى الإنصات وإن كان الأقوى جواز الاشتغال بالذكر ونحوه ، وأمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة جاز له القراءة ، بل الاستحباب قويّ ، لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنيّة الجزئية ، وإن كان الأقوى

ص: 609


1- لا يخلو من إشكال .
2- بل الأقوى وجوبه .

الجواز بقصد الجزئية أيضاً ، وأمّا في الأخيرتين من الإخفاتية أو الجهرية فهو كالمنفرد(1) في وجوب القراءة أو التسبيحات مخيّراً بينهما ؛ سواء قرأ الإمام فيهما أو أتى بالتسبيحات ، سمع قراءته أو لم يسمع .

(مسألة 2) : لا فرق في عدم السماع بين أن يكون من جهة البعد أو من جهة كون المأموم أصمّ ، أو من جهة كثرة الأصوات أو نحو ذلك .

(مسألة 3) : إذا سمع بعض قراءة الإمام فالأحوط الترك مطلقاً .

(مسألة 4) : إذا قرأ بتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام ، ثمّ تبيّن أ نّه صوته لا تبطل صلاته وكذا إذا قرأ سهواً في الجهرية .

(مسألة 5) : إذا شكّ في السماع وعدمه أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط الترك ، وإن كان الأقوى الجواز .

(مسألة 6) : لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام ، وإن كان الأحوط ذلك ، وكذا لا يجب المبادرة إلى القيام حال قراءته ، فيجوز أن يطيل(2) سجوده ويقوم بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض «الحمد» .

(مسألة 7) : لا يجوز أن يتقدّم المأموم على الإمام في الأفعال ، بل يجب متابعته ؛ بمعنى مقارنته أو تأخّره عنه تأخّراً غير فاحش ، ولا يجوز التأخّر الفاحش .

(مسألة 8) : وجوب المتابعة تعبّدي وليس شرطاً في الصحّة ، فلو تقدّم أو

ص: 610


1- الأحوط ترك القراءة في الأخيرتين مع سماع قراءة الإمام .
2- إذا لم ينجرّ إلى التأخّر الفاحش .

تأخّر فاحشاً عمداً أثم ، ولكن صلاته صحيحة وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة ، خصوصاً إذا كان التخلّف في ركنين(1) ، بل في ركن ، نعم لو تقدّم أو تأخّر على وجه تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته .

(مسألة 9) : إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع الإمام رأسه ، وجب عليه العود والمتابعة ، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ ؛ لأ نّها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك ، وإن لم يعد أثم وصحّت صلاته ، لكنّ الأحوط إعادتها بعد الإتمام ، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها ولو ترك المتابعة حينئذٍ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا يجب الإعادة ، وإن كان الرفع قبل الذكر . هذا ، ولو رفع رأسه عامداً لم يجز له المتابعة ، وإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية ، ولو تابع سهواً فكذلك إذا كان ركوعاً أو في كلّ من السجدتين ، وأمّا في السجدة الواحدة فلا .

(مسألة 10) : لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً ، ثمّ عاد إليه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع ، فالظاهر بطلان الصلاة ؛ لزيادة الركن من غير أن يكون للمتابعة ، واغتفار مثله غير معلوم ، وأمّا في السجدة الواحدة إذا عاد إليها ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان ؛ لعدم كونه زيادة ركن ولا عمدية ، لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام .

(مسألة 11) : لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة ، فتخيّل أ نّها الاُولى فعاد إليها بقصد المتابعة ، فبان كونها الثانية حسبت ثانية(2) ، وإن تخيّل

ص: 611


1- لا يترك في تخلّف ركنين - مثل الركوع والسجدتين - إذا كان التخلّف متوالياً متّصلاً .
2- لا يخلو من إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيه .

أ نّها الثانية فسجد اُخرى بقصد الثانية فبان أ نّها الاُولى حسبت متابعة(1) ، والأحوط إعادة الصلاة في الصورتين بعد الإتمام .

(مسألة 12) : إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة ؛ لاستلزامه الزيادة العمدية ، وأمّا إذا كانت سهواً وجبت(2) المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود معه ، والأحوط الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين ؛ بأن يأتي بالذكر ثمّ يتابع ، وبعد المتابعة أيضاً يأتي به ، ولو ترك المتابعة عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته وإن أثم في صورة العمد ، نعم لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته فالأحوط البطلان مع ترك المتابعة ، كما أ نّه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الإمام عمداً في حال قراءته لكن البطلان حينئذٍ إنّما هو من جهة ترك القراءة وترك بدلها وهو قراءة الإمام ، كما أ نّه لو رفع رأسه عامداً قبل الإمام وقبل الذكر الواجب بطلت صلاته ، من جهة ترك الذكر .

(مسألة 13) : لا يجب تأخّر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال ، فلا تجب فيها المتابعة ؛ سواء الواجب منها والمندوب ، والمسموع منها من الإمام وغير المسموع ، وإن كان الأحوط التأخّر خصوصاً مع السماع ، وخصوصاً في التسليم ، وعلى أيّ حال لو تعمّد فسلّم قبل الإمام لم تبطل صلاته ، ولو كان سهواً لا يجب إعادته بعد تسليم الإمام ، هذا كلّه في غير تكبيرة الإحرام ، وأمّا فيها

ص: 612


1- بل حسبت ثانية ، فله قصد الانفراد وإتمام الصلاة ، ولا يبعد جواز المتابعة في السجدة الثانية وجواز الاستمرار إلى اللحوق بالإمام ، والأوّل أحوط ، كما أنّ إعادة الصلاة مع المتابعة أحوط .
2- وجوبها محلّ إشكال ؛ وإن لا يخلو من وجه .

فلا يجوز التقدّم على الإمام ، بل الأحوط(1) تأخّره عنه ؛ بمعنى أن لا يشرع فيها إلاّ بعد فراغ الإمام منها وإن كان في وجوبه تأمّل .

(مسألة 14) : لو أحرم قبل الإمام سهواً ، أو بزعم أ نّه كبّر ، كان منفرداً ، فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة وأتمّها أو قطعها .

(مسألة 15) : يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع والسجود أزيد من الإمام ، وكذا إذا ترك بعض الأذكار المستحبّة ، يجوز له الإتيان بها ، مثل تكبير الركوع والسجود و«بحول اللّه وقوّته . . .» ونحو ذلك .

(مسألة 16) : إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده ، لا يجوز للمأموم الذي يقلّد من يوجبها أو يقول بالاحتياط الوجوبي أن يتركها ، وكذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرّة مع كون المأموم مقلّداً لمن يوجب الثلاث وهكذا .

(مسألة 17) : إذا ركع المأموم ثمّ رأى الإمام يقنت في ركعة لا قنوت فيها يجب عليه العود إلى القيام ، لكن يترك القنوت وكذا لو رآه جالساً يتشهّد في غير محلّه وجب عليه الجلوس معه ، لكن لا يتشهّد معه ، وهكذا في نظائر ذلك .

(مسألة 18) : لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة غير القراءة في الأوّلتين إذا ائتمّ به فيهما ، وأمّا في الأخيرتين فلا يتحمّل عنه ، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ(2) «الحمد» أو يأتي بالتسبيحات وإن قرأ الإمام فيهما وسمع قراءته ، وإذا لم يدرك الأوّلتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما ؛ لأ نّهما أوّلتا

ص: 613


1- لا يترك .
2- قد مرّ أنّ الأحوط ترك القراءة في الجهرية مع سماع قراءة الإمام في الأوّلتين .

صلاته ، وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على «الحمد» وترك السورة وركع معه ، وأمّا إذا أعجله عن «الحمد» أيضاً فالأحوط(1) إتمامها واللحوق به في السجود أو قصد الانفراد ، ويجوز له قطع «الحمد» والركوع معه ، لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة .

(مسألة 19) : إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها ، ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له ، ويتابعه في القنوت في الاُولى منه وفي التشهّد ، والأحوط التجافي فيه ، كما أنّ الأحوط التسبيح عوض التشهّد وإن كان الأقوى جواز التشهّد ، بل استحبابه أيضاً ، وإذا أمهله الإمام في الثانية له ل «الفاتحة» والسورة والقنوت أتى بها ، وإن لم يمهله ترك القنوت وإن لم يمهله للسورة تركها ، وإن لم يمهله لإتمام «الفاتحة» أيضاً ، فالحال كالمسألة المتقدّمة ؛ من أ نّه يتمّها(2) ويلحق الإمام في السجدة ، أو ينوي الانفراد ، أو يقطعها ويركع مع الإمام ويتمّ الصلاة ويعيدها .

(مسألة 20) : المراد بعدم إمهال الإمام المجوّز لترك السورة ركوعه قبل شروع المأموم فيها ، أو قبل إتمامها وإن أمكنه إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع ، فيجوز تركها بمجرّد دخوله في الركوع ولا يجب الصبر إلى أواخره ، وإن كان الأحوط(3) قراءتها ما لم يخف فوت اللحوق في الركوع ، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا يتركها ولا يقطعها .

ص: 614


1- الأقوى جواز إتمامها واللحوق بالسجود ؛ وإن كان قصد الانفراد جائزاً .
2- تقدّم أ نّه الأقوى .
3- لا يترك .

(مسألة 21) : إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته فقرأها ولم يدرك ركوعه لا تبطل صلاته ، بل الظاهر عدم البطلان إذا تعمّد ذلك ، بل إذا تعمّد الإتيان بالقنوت مع علمه بعدم درك ركوع الإمام فالظاهر عدم البطلان .

(مسألة 22) : يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام ، وإن كانت الصلاة جهرية ؛ سواء كان في القراءة الاستحبابية ، كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام ، أو الوجوبية ، كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين ، ولو جهر جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته ، نعم لا يبعد(1) استحباب الجهر بالبسملة كما في سائر موارد وجوب الإخفات .

(مسألة 23) : المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهّد في الثانية منه الثالثة للإمام ، فيتخلّف عن الإمام ويتشهّد ثمّ يلحقه في القيام أو في الركوع إذا لم يمهله للتسبيحات ، فيأتي بها ويكتفي بالمرّة ، ويلحقه في الركوع أو السجود ، وكذا يجب عليه التخلّف عنه في كلّ فعل وجب عليه دون الإمام من ركوع أو سجود أو نحوهما فيفعله ، ثمّ يلحقه ، إلاّ ما عرفت(2) من القراءة في الاُوليين .

(مسألة 24) : إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه وجب عليه قراءة «الفاتحة» والسورة إذا أمهله لهما ، وإلاّ كفته «الفاتحة» على ما مرّ ، ولو علم أ نّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام «الفاتحة» أيضاً ، فالأحوط عدم الإحرام إلاّ بعد ركوعه ، فيحرم حينئذٍ ويركع معه وليس عليه «الفاتحة» حينئذٍ .

ص: 615


1- محلّ إشكال .
2- مرّ الكلام فيه .

(مسألة 25) : إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدر أنّ الإمام في الاُوليين أو الأخيرتين قرأ «الحمد» والسورة بقصد القربة ، فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت في محلّها ، وإن تبيّن كونه في الاُوليين لا يضرّه ذلك .

(مسألة 26) : إذا تخيّل أنّ الإمام في الاُوليين فترك القراءة ثمّ تبيّن أ نّه في الأخيرتين ، فإن كان التبيّن قبل الركوع قرأ - ولو الحمد فقط - ولحقه ، وإن كانت بعده صحّت صلاته ، وإذا تخيّل أ نّه في إحدى الأخيرتين فقرأ ، ثمّ تبيّن كونه في الاُوليين فلا بأس ، ولو تبيّن في أثنائها لا يجب(1) إتمامها .

(مسألة 27) : إذا كان مشتغلاً بالنافلة فاُقيمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ولو كان بفوت الركعة الاُولى منها ، جاز له قطعها ، بل استحبّ له ذلك ولو قبل إحرام الإمام للصلاة ، ولو كان مشتغلاً بالفريضة منفرداً وخاف من إتمامها فوت الجماعة ، استحبّ له العدول بها إلى النافلة وإتمامها ركعتين إذا لم يتجاوز محلّ العدول ؛ بأن دخل في ركوع الثالثة ، بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة ، وإن لم يدخل في ركوعها ، ولو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة ولو الركعة الاُولى منها ، جاز له القطع بعد العدول إلى النافلة على الأقوى ، وإن كان الأحوط عدم قطعها بل إتمامها ركعتين ، وإن استلزم ذلك عدم إدراك الجماعة في ركعة أو ركعتين ، بل لو علم عدم إدراكها أصلاً إذا عدل إلى النافلة وأتمّها فالأولى والأحوط عدم العدول وإتمام الفريضة ، ثمّ إعادتها جماعة إن أراد وأمكن .

(مسألة 28): الظاهر عدم الفرق في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة

ص: 616


1- بل لا يجوز في بعض الأحيان كما مرّ .

لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائية أو غيرها ، ولكن قيل بالاختصاص بغير الثنائية .

(مسألة 29) : لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة - مثلاً - فذكر أ نّه ترك من الركعة السابقة سجدة أو سجدتين أو تشهّداً أو نحو ذلك وجب عليه العود للتدارك ، وحينئذٍ فإن لم يخرج عن صدق الاقتداء وهيئة الجماعة عرفاً ، فيبقى على نيّة الاقتداء وإلاّ فينوي الانفراد .

(مسألة 30) : يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الستّ الافتتاحية قبل تحريم الإمام ، ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه ، وإن كان الإمام تاركاً لها .

(مسألة 31) : يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنّية المتعلّقة بالصلاة ؛ إذا لم يستعملا محلّ الخلاف واتّحدا في العمل ، مثلاً إذا كان رأى أحدهما اجتهاداً أو تقليداً وجوب السورة ، ورأى الآخر عدم وجوبها ، يجوز اقتداء الأوّل بالثاني إذا قرأها وإن لم يوجبها ، وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع ، أو جلسة الاستراحة ، أو ثلاث مرّات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين ، يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها ، لكن يأتي بها بعنوان الندب ، بل وكذا يجوز مع المخالفة(1) في العمل أيضاً فيما عدا ما يتعلّق بالقراءة في الركعتين الاُوليين التي يتحمّلها الإمام عن المأموم ، فيعمل كلّ على وفق رأيه ، نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شيء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً له ؛ لأنّ المأموم حينئذٍ

ص: 617


1- مخالفة لا تكون موجبة لبطلان عمله لدى المأموم ؛ علماً أو اجتهاداً أو تقليداً .

عالم ببطلان(1) صلاة الإمام ، فلا يجوز له الاقتداء به ، بخلاف المسائل الظنّية ؛ حيث إنّ معتقد كلّ منهما حكم شرعي ظاهري في حقّه ، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر ، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعياً ، وأمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم وضمانه له ، فمشكل ؛ لأنّ الضامن حينئذٍ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه ، مثلاً إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة والمفروض أ نّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به ، وكذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم ؛ من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك ، نعم يمكن أن يقال(2) بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه ، كأن قرأ السورة في الفرض الأوّل ، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً ، بل يحتمل أن يقال : إنّ القراءة في عهدة الإمام ، ويكفي خروجه عنها باعتقاده ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء .

(مسألة 32) : إذا علم(3) المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات ككونه على غير وضوء أو تاركاً لركن أو نحو ذلك ، لا يجوز له الاقتداء به ؛ وإن كان الإمام معتقداً صحّتها من جهة الجهل أو السهو أو نحو ذلك .

(مسألة 33) : إذا رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها

ص: 618


1- لا ملازمة بين العلم بوجوب شيء والعلم ببطلان صلاة تاركه لعذر ، ولا فرق فيما يوجب تركه بطلانها - ولو لعذر - بين العلم الوجداني والطرق الاجتهادية ، وما ذكره الماتن مبنيّ على مبنىً غير وجيه .
2- هذا وما بعده ضعيف .
3- ولو بالطرق الاجتهادية .

لا يعلم بها الإمام لا يجب عليه إعلامه ، وحينئذٍ فإن علم أ نّه كان سابقاً عالماً بها ثمّ نسيها لا يجوز له الاقتداء به ؛ لأنّ صلاته حينئذٍ باطلة واقعاً ، ولذا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا تذكّر بعد ذلك ، وإن علم كونه جاهلاً بها يجوز الاقتداء ؛ لأ نّها حينئذٍ صحيحة ، ولذا لا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ ، بل لا يبعد(1) جوازه إذا لم يعلم المأموم أنّ الإمام جاهل أو ناس ، وإن كان الأحوط الترك في هذه الصورة . هذا ، ولو رأى شيئاً هو نجس في اعتقاد المأموم بالظنّ الاجتهادي وليس بنجس عند الإمام ، أو شكّ في أ نّه نجس عند الإمام أم لا ؛ بأن كان من المسائل الخلافية ، فالظاهر جواز الاقتداء مطلقاً ؛ سواء كان الإمام جاهلاً أو ناسياً(2) أو عالماً .

(مسألة 34) : إذا تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقاً ، أو كافراً ، أو غير متطهّر ، أو تاركاً لركن مع عدم ترك المأموم له ، أو ناسياً لنجاسة غير معفوّ عنها في بدنه أو ثوبه ، انكشف بطلان الجماعة(3) لكن صلاة المأموم صحيحة إذا لم يزد ركناً أو نحوه ممّا يخلّ بصلاة المنفرد للمتابعة ، وإذا تبيّن ذلك في الأثناء نوى الانفراد ووجب عليه(4) القراءة مع بقاء محلّها ، وكذا لو تبيّن كونه امرأة ونحوها ممّن لا يجوز إمامته للرجال خاصّة أو مطلقاً كالمجنون وغير

ص: 619


1- فيه إشكال ، إلاّ إذا علم بعروض النجاسة وكان الإمام في زمان جاهلاً به ، وشكّ في عروض العلم والنسيان له .
2- في صورة النسيان مع الشكّ في رأي الإمام إشكال .
3- هذا ممنوع ، والأقوى صحّة صلاته جماعة ، فيغتفر فيها ما يغتفر في الجماعة .
4- لو تبيّن قبل القراءة لا بعدها ، وإلاّ فلا يبعد عدم وجوبها ، وإن تبيّن في أثنائها لا يبعد عدم وجوب غير البقيّة ، لكنّ الأحوط القراءة في الصورتين بقصد الرجاء .

البالغ إن قلنا بعدم صحّة إمامته ، لكن الأحوط إعادة الصلاة في هذا الفرض ، بل في الفرض الأوّل ، وهو كونه فاسقاً أو كافراً . . . إلى آخره .

(مسألة 35) : إذا نسي الإمام شيئاً من واجبات الصلاة ولم يعلم به المأموم صحّت صلاته(1) ، حتّى لو كان المنسيّ ركناً إذا لم يشاركه في نسيان ما تبطل به الصلاة ، وأمّا إذا علم به المأموم نبّهه عليه ليتدارك إن بقي محلّه ، وإن لم يمكن أو لم يتنبّه أو ترك تنبيهه - حيث إنّه غير واجب عليه - وجب عليه نيّة الانفراد إن كان المنسيّ ركناً أو قراءة في مورد تحمّل الإمام مع بقاء محلّها ؛ بأن كان قبل الركوع ، وإن لم يكن ركناً ولا قراءة ، أو كانت قراءة وكان التفات المأموم بعد فوت محلّ تداركها ، كما بعد الدخول في الركوع ، فالأقوى جواز بقائه على الائتمام ، وإن كان الأحوط الانفراد أو الإعادة بعد الإتمام .

(مسألة 36) : إذا تبيّن للإمام بطلان صلاته ؛ من جهة كونه محدثاً أو تاركاً لشرط أو جزء ركن أو غير ذلك ، فإن كان بعد الفراغ لا يجب عليه إعلام المأمومين ، وإن كان في الأثناء فالظاهر وجوبه(2) .

(مسألة 37) : لا يجوز الاقتداء بإمام يرى نفسه مجتهداً وليس بمجتهد مع كونه عاملاً برأيه ، وكذا لا يجوز الاقتداء بمقلّد لمن ليس أهلاً للتقليد إذا كانا مقصّرين في ذلك ، بل مطلقاً على الأحوط إلاّ إذا علم أنّ صلاته موافقة للواقع(3) ؛ من حيث إنّه يأتي بكلّ ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء والشرائط ، ويترك كلّ ما هو محتمل المانعية ، لكنّه فرض بعيد ؛ لكثرة ما يتعلّق بالصلاة من

ص: 620


1- إذا لم يزد ركناً متابعة بعد نسيان الإمام فيما إذا كان المنسيّ ركناً ؛ لعدم الاغتفار حينئذٍ .
2- بل الظاهر عدم وجوبه ، لكن لا يجوز له البقاء على الإمامة .
3- أو لرأي من يتّبع رأيه مع عدم التقصير في الفرضين .

المقدّمات والشرائط والكيفيات ، وإن كان آتياً بجميع أفعالها وأجزائها ، ويشكل حمل فعله على الصحّة مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقليده .

(مسألة 38) : إذا دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت والمأموم معتقد عدمه أو شاكّ فيه ، لا يجوز له الائتمام في الصلاة ، نعم إذا علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام به ، نعم لو دخل الإمام نسياناً من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر ، لا يجوز الائتمام به ، وإن علم المأموم بالدخول في الأثناء ؛ لبطلان صلاة الإمام حينئذٍ واقعاً ، ولا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة ؛ لأ نّه مختصّ بما إذا كان عالماً أو ظانّاً بالظنّ المعتبر .

فصل : في شرائط إمام الجماعة

يشترط فيه اُمور : البلوغ ، والعقل ، والإيمان ، والعدالة ، وأن لا يكون ابن زنا ، والذكورة إذا كان المأمومون(1) أو بعضهم رجالاً ، وأن لا يكون قاعداً للقائمين ، ولا مضطجعاً للقاعدين ، ولا من لا يحسن القراءة ؛ بعدم إخراج الحرف من مخرجه ، أو إبداله بآخر ، أو حذفه ، أو نحو ذلك ، حتّى اللحن في الإعراب ، وإن كان لعدم استطاعته غير ذلك .

(مسألة 1) : لا بأس(2) بإمامة القاعد للقاعدين ، والمضطجع لمثله ، والجالس للمضطجع.

ص: 621


1- لكنّ الأحوط اعتبارها مطلقاً .
2- الاقتداء بالمعذور في غير إمامة القاعد للقاعد والمتيمّم للمتوضّئ وذي الجبيرة لغيره مشكل ، لا يترك الاحتياط بتركه ؛ وإن كانت إمامة المعذور لمثله ، أو لمن هو متأخّر عنه رتبة - كالقاعد للمضطجع - لا يخلو من وجه .

(مسألة 2) : لا بأس(1) بإمامة المتيمّم للمتوضّئ ، وذي الجبيرة لغيره ، ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره ، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس والمبطون لغيرهما فضلاً عن مثلهما ، وكذا إمامة المستحاضة للطاهرة .

(مسألة 3) : لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن(2) القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم ، كالركعتين الأخيرتين على الأقوى ، وكذا لا بأس بالائتمام بمن لا يحسن ما عدا القراءة من الأذكار الواجبة والمستحبّة التي لا يتحمّلها الإمام عن المأموم ؛ إذا كان ذلك لعدم استطاعته غير ذلك .

(مسألة 4) : لا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله إذا اختلفا في المحلّ الذي لم يحسناه ، وأمّا إذا اتّحدا في المحلّ ، فلا يبعد الجواز وإن كان الأحوط(3) العدم ، بل لا يترك الاحتياط مع وجود الإمام المحسن ، وكذا لا يبعد جواز إمامة غير المحسن لمثله مع اختلاف المحلّ أيضاً إذا نوى الانفراد عند محلّ الاختلاف ، فيقرأ لنفسه بقيّة القراءة ، لكن الأحوط العدم ، بل لا يترك مع وجود المحسن في هذه الصورة أيضاً .

(مسألة 5) : يجوز الاقتداء بمن لا يتمكّن من كمال الإفصاح بالحروف أو كمال التأدية ، إذا كان متمكّناً من القدر الواجب فيها ، وإن كان المأموم أفصح منه .

(مسألة 6) : لا يجب على غير المحسن الائتمام بمن هو محسن وإن كان هو

ص: 622


1- مرّ الكلام فيه آنفاً .
2- فيه إشكال .
3- لا يترك فيه وفيما بعده .

الأحوط ، نعم يجب(1) ذلك على القادر على التعلّم إذا ضاق الوقت عنه كما مرّ سابقاً .

(مسألة 7) : لا يجوز إمامة الأخرس لغيره وإن كان ممّن لا يحسن، نعم يجوز إمامته لمثله وإن كان الأحوط(2) الترك، خصوصاً مع وجود غيره، بل لا يترك الاحتياط في هذه الصورة.

(مسألة 8) : يجوز إمامة المرأة لمثلها ، ولا يجوز للرجل ولا للخنثى .

(مسألة 9) : يجوز إمامة الخنثى للاُنثى دون الرجل ، بل ودون الخنثى .

(مسألة 10) : يجوز(3) إمامة غير البالغ لغير البالغ .

(مسألة 11) : الأحوط(4) عدم إمامة الأجذم والأبرص ، والمحدود بالحدّ الشرعي بعد التوبة ، والأعرابي إلاّ لأمثالهم ، بل مطلقاً ، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقاً .

(مسألة 12) : العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر ، وعن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين ، ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً(5) عن تلك الملكة .

(مسألة 13) : المعصية الكبيرة هي كلّ معصية ورد النصّ بكونها كبيرة ،

ص: 623


1- على الأحوط .
2- لا يترك .
3- محلّ إشكال ، بل عدم الجواز لا يخلو من قرب .
4- لا يترك .
5- حسن الظاهر كاشف تعبّدي عنها ؛ حصل الظنّ منه أو لا .

كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها ، أو ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب أو السنّة صريحاً أو ضمناً ، أو ورد في الكتاب أو السنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار(1) ، أو كان عظيماً في أنفس أهل الشرع .

(مسألة 14) : إذا شهد عدلان بعدالة شخص كفى في ثبوتها ؛ إذا لم يكن معارضاً بشهادة عدلين آخرين ، بل وشهادة عدل واحد(2) بعدمها .

(مسألة 15) : إذا أخبر جماعة غير معلومين بالعدالة بعدالته وحصل الاطمئنان كفى ، بل يكفي الاطمئنان إذا حصل من شهادة عدل واحد ، وكذا إذا حصل من اقتداء عدلين به ، أو من اقتداء جماعة مجهولين به . والحاصل : أ نّه يكفي الوثوق والاطمئنان للشخص من أيّ وجه حصل ، بشرط كونه من أهل الفهم والخبرة والبصيرة والمعرفة بالمسائل ، لا من الجهّال ، ولا ممّن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شيء كغالب الناس .

(مسألة 16) : الأحوط أن لا يتصدّى للإمامة من يعرف نفسه بعدم العدالة ؛ وإن كان الأقوى جوازه .

(مسألة 17) : الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره ، وإن كان غيره أفضل منه ، لكن الأولى له تقديم الأفضل ، وكذا صاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة ، وإلاّ فلا يجوز بدون إذنه ، والأولى أيضاً تقديم الأفضل ، وكذا الهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات .

ص: 624


1- أو بالعقاب ، أو شدّد عليه تشديداً عظيماً .
2- فيه إشكال ، بل منع .

(مسألة 18) : إذا تشاحّ(1) الأئمّة رغبة في ثواب الإمامة لا لغرض دنيوي رجّح من قدّمه المأمومون جميعهم تقديماً ناشئاً عن ترجيح شرعي ، لا لأغراض دنيوية ، وإن اختلفوا فأراد كلّ منهم تقديم شخص فالأولى ترجيح الفقيه الجامع للشرائط ، خصوصاً إذا انضمّ إليه شدّة التقوى والورع ، فإن لم يكن أو تعدّد فالأقوى تقديم الأجود قراءة ، ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة ، ومع التساوي فيها فالأفقه في سائر الأحكام غير ما للصلاة ، ثمّ الأسنّ في الإسلام ، ثمّ من كان أرجح في سائر الجهات الشرعية ، والظاهر أنّ الحال كذلك إذا كان هناك أئمّة متعدّدون ، فالأولى للمأموم اختيار الأرجح بالترتيب المذكور ، لكن إذا تعدّد المرجّح في بعض كان أولى ممّن له ترجيح من جهة واحدة ، والمرجّحات الشرعية مضافاً إلى ما ذكر كثيرة لا بدّ من ملاحظتها في تحصيل الأولى ، وربما يوجب ذلك خلاف الترتيب المذكور ، مع أ نّه يحتمل اختصاص(2) الترتيب المذكور بصورة التشاحّ بين الأئمّة أو بين المأمومين لا مطلقاً ، فالأولى للمأموم مع تعدّد الجماعة ملاحظة جميع الجهات في تلك الجماعة ؛ من حيث الإمام ، ومن حيث أهل الجماعة ؛ من حيث تقواهم وفضلهم وكثرتهم وغير ذلك ، ثمّ اختيار الأرجح فالأرجح .

(مسألة 19) : الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية والاستحباب ، لا على وجه اللزوم والإيجاب ، حتّى في أولوية الإمام الراتب الذي هو صاحب

ص: 625


1- الأحوط الأولى ترك الصلاة خلف جميعهم ، نعم إذا تشاحّوا في تقديم صاحبهم وكلّ يقول : تقدّم يا فلان ، ينبغي للقوم ملاحظة المرجّحات وينبغي للأئمّة أيضاً ذلك .
2- غير معلوم ، بل الظاهر عدم الاختصاص بها .

المسجد ، فلا يحرم(1) مزاحمة الغير له وإن كان مفضولاً من سائر الجهات أيضاً إذا كان المسجد وقفاً لا ملكاً له ولا لمن لم يأذن لغيره في الإمامة .

(مسألة 20) : يكره(2) إمامة الأجذم والأبرص والأغلف المعذور في ترك الختان ، والمحدود بحدّ شرعي بعد توبته ، ومن يكره المأمومون إمامته ، والمتيمّم للمتطهّر والحائك والحجّام والدبّاغ إلاّ لأمثالهم(3) ، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص للكامل ، وكلّ كامل للأكمل .

فصل : في مستحبّات الجماعة ومكروهاتها

أمّا المستحبّات فاُمور :

أحدها : أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً واحداً ، وخلفه إن كانوا أكثر ، ولو كان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام على الجانب الأيمن ؛ بحيث يكون سجودها محاذياً لركبة الإمام أو قدمه ، ولو كنّ أزيد وقفن خلفه ، ولو كان رجلاً واحداً وامرأة واحدة ، أو أكثر وقف الرجل عن يمين الإمام والامرأة خلفه ، ولو كانوا رجالاً ونساءً اصطفّوا خلفه ، واصطفّت النساء خلفهم ، بل الأحوط مراعاة المذكورات . هذا إذا كان الإمام رجلاً ، وأمّا في جماعة النساء فالأولى وقوفهنّ صفّاً واحداً أو أزيد من غير أن تبرز إمامهنّ(4) من بينهنّ .

الثاني : أن يقف الإمام في وسط الصفّ .

ص: 626


1- لكنّها قبيحة ، بل ربما تكون مخالفة للمروّة .
2- لا يترك الاحتياط في الأوّلين والمحدود .
3- بل مطلقاً في بعضهم .
4- والأحوط تقدّم الإمام يسيراً .

الثالث : أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل ممّن له مزيّة في العلم والكمال والعقل والورع والتقوى ، وأن يكون يمينه لأفضلهم في الصفّ الأوّل ، فإنّه أفضل الصفوف .

الرابع : الوقوف في القرب من الإمام .

الخامس : الوقوف في ميامن الصفوف فإنّها أفضل من مياسرها . هذا في غير صلاة الجنازة(1) ، وأمّا فيها فأفضل الصفوف آخرها .

السادس : إقامة الصفوف واعتدالها ، وسدّ الفرج الواقعة فيها ، والمحاذاة بين المناكب .

السابع : تقارب الصفوف بعضها من بعض ؛ بأن لا يكون ما بينها أزيد من مقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد .

الثامن : أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه ؛ بأن لا يطيل(2) في أفعال الصلاة من القنوت والركوع والسجود إلاّ إذا علم حبّ التطويل من جميع المأمومين .

التاسع : أن يشتغل المأموم المسبوق بتمجيد اللّه تعالى بالتسبيح والتهليل والتحميد والثناء ؛ إذا أكمل القراءة قبل ركوع الإمام ، ويبقي آية(3) من قراءته ليركع بها .

العاشر : أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم ، بل يبقى على هيئة المصلّي حتّى يتمّ من خلفه صلاته من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافراً ، بل

ص: 627


1- لا يخفى ما في الاستثناء .
2- وبأن لا يعجل بحيث يشقّ على الضعفاء الوصول إليه .
3- أو يتمّها ويشتغل بما ذكر .

هو الأحوط ، ويستحبّ له أن يستنيب من يتمّ بهم الصلاة عند مفارقته لهم ، ويكره استنابة المسبوق بركعة أو أزيد ، بل الأولى عدم استنابة من لم يشهد الإقامة .

الحادي عشر : أن يسمع الإمام من خلفه القراءة الجهرية والأذكار ؛ ما لم يبلغ العلوّ المفرط .

الثاني عشر : أن يطيل ركوعه إذا أحسّ بدخول شخص ضعف ما كان يركع ؛ انتظاراً للداخلين ، ثمّ يرفع رأسه وإن أحسّ بداخل .

الثالث عشر : أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من «الفاتحة» : «الحمد للّه ربّ العالمين» .

الرابع عشر : قيام المأمومين عند قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» .

وأمّا المكروهات : فاُمور أيضاً :

أحدها : وقوف المأموم وحده في صفّ وحده مع وجود موضع في الصفوف ، ومع امتلائها فليقف آخر الصفوف أو حذاء الإمام .

الثاني : التنفّل بعد قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» بل عند الشروع في الإقامة .

الثالث : أن لا يخصّ الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه ، وأمّا إذا قرأ بعض الأدعية المأثورة فلا .

الرابع : التكلّم بعد قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» بل يكره في غير الجماعة أيضاً كما مرّ ، إلاّ أنّ الكراهة فيها أشدّ ، إلاّ أن يكون المأمومون اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان .

الخامس : إسماع المأموم الإمام ما يقوله ؛ بعضاً أو كلاًّ .

السادس : ائتمام الحاضر بالمسافر والعكس مع اختلاف صلاتهما قصراً وتماماً ، وأمّا مع عدم الاختلاف كالائتمام في الصبح والمغرب فلا كراهة ، وكذا

ص: 628

في غيرهما أيضاً مع عدم الاختلاف ، كما لو ائتمّ القاضي بالمؤدّي أو العكس ، وكما في مواطن التخيير إذا اختار المسافر التمام ، ولا يلحق نقصان الفرضين بغير القصر والتمام بهما في الكراهة ، كما إذا ائتمّ الصبح بالظهر أو المغرب ، أو هي بالعشاء أو العكس .

(مسألة 1) : يجوز لكلّ من الإمام والمأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر - بأن كان مقصّراً والآخر متمّاً ، أو كان المأموم مسبوقاً - أن لا يسلّم وينتظر الآخر حتّى يتمّ صلاته ويصل إلى التسليم فيسلّم معه ، خصوصاً للمأموم إذا اشتغل بالذكر والحمد ونحوهما إلى أن يصل الإمام ، والأحوط الاقتصار(1) على صورة لا تفوت الموالاة ، وأمّا مع فواتها ففيه إشكال ؛ من غير فرق بين كون المنتظر هو الإمام أو المأموم .

(مسألة 2) : إذا شكّ المأموم بعد السجدة الثانية من الإمام أ نّه سجد معه السجدتين أو واحدة ، يجب عليه الإتيان باُخرى إذا لم يتجاوز المحلّ .

(مسألة 3) : إذا اقتدى المغرب بعشاء الإمام وشكّ في حال القيام أ نّه الرابعة أو الثالثة ، ينتظر حتّى يأتي الإمام بالركوع والسجدتين حتّى يتبيّن له الحال ، فإن كان في الثالثة أتى بالبقيّة وصحّت الصلاة ، وإن كان في الرابعة يجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي(2) السهو لكلّ واحد من الزيادات ؛ من قوله : بحول اللّه ، وللقيام ، وللتسبيحات إن أتى بها أو ببعضها .

ص: 629


1- لا يترك .
2- على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب فيها ، نعم لا ينبغي ترك الاحتياط لقيامه .

(مسألة 4) : إذا رأى من عادل كبيرة(1) لا يجوز الصلاة خلفه ، إلاّ أن يتوب مع فرض بقاء الملكة فيه ، فيخرج عن العدالة بالمعصية ، ويعود إليها بمجرّد التوبة .

(مسألة 5) : إذا رأى الإمام يصلّي ولم يعلم أ نّها من اليومية أو من النوافل لا يصحّ الاقتداء به ، وكذا إذا احتمل أ نّها من الفرائض التي لا يصحّ اقتداء اليومية بها ، وإن علم أ نّها من اليومية ، لكن لم يدر أ نّها أيّة صلاة من الخمس ، أو أ نّها أداء أو قضاء ، أو أ نّها قصر أو تمام ، لا بأس بالاقتداء ، ولا يجب إحراز ذلك قبل الدخول ، كما لا يجب إحراز أ نّه في أيّ ركعة كما مرّ .

(مسألة 6) : القدر المتيقّن من اغتفار زيادة الركوع للمتابعة سهواً زيادته مرّة واحدة في كلّ ركعة ، وأمّا إذا زاد في ركعة واحدة أزيد من مرّة - كأن رفع رأسه قبل الإمام سهواً ثمّ عاد للمتابعة ثمّ رفع أيضاً سهواً ثمّ عاد - فيشكل الاغتفار ، فلا يترك الاحتياط حينئذٍ بإعادة الصلاة بعد الإتمام ، وكذا في زيادة السجدة القدر المتيقّن اغتفار زيادة سجدتين في ركعة(2) ، وأمّا إذا زاد أربع فمشكل .

(مسألة 7) : إذا كان الإمام يصلّي أداءً أو قضاءً يقينياً ، والمأموم منحصراً بمن يصلّي احتياطاً ، يشكل(3) إجراء حكم الجماعة من اغتفار زيادة الركن ورجوع الشاكّ منهما إلى الآخر ونحوه ؛ لعدم إحراز كونها صلاة ، نعم لو كان الإمام أو المأموم أو كلاهما يصلّي باستصحاب الطهارة ، لا بأس بجريان حكم الجماعة ؛ لأ نّه وإن كان لم يحرز كونها صلاة واقعية لاحتمال كون الاستصحاب مخالفاً

ص: 630


1- ولا محمل صحيح لارتكابها .
2- في كلّ سجدة سجدة ، وأمّا زيادة سجدتين في سجدة فمحلّ إشكال أيضاً .
3- لا بأس برجوع المأموم إلى الإمام ، كما أ نّه لا بأس بزيادة الركن متابعة للإمام .

للواقع ، إلاّ أ نّه حكم شرعي ظاهري ، بخلاف الاحتياط فإنّه إرشادي وليس حكماً ظاهرياً ، وكذا لو شكّ أحدهما في الإتيان بركن بعد تجاوز المحلّ فإنّه حينئذٍ وإن لم يحرز بحسب الواقع كونها صلاة ، لكن مفاد قاعدة التجاوز(1) أيضاً حكم شرعي فهي في ظاهر الشرع صلاة .

(مسألة 8) : إذا فرغ الإمام من الصلاة والمأموم في التشهّد ، أو في السلام الأوّل ، لا يلزم عليه نيّة الانفراد ، بل هو باقٍ على الاقتداء عرفاً .

(مسألة 9) : يجوز للمأموم المسبوق بركعة أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته وينفرد ، ولكن يستحبّ له أن يتابعه في التشهّد متجافياً إلى أن يسلّم ثمّ يقوم إلى الرابعة .

(مسألة 10) : لا يجب على المأموم الإصغاء إلى قراءة الإمام في الركعتين الاُوليين من الجهرية إذا سمع صوته ، لكنّه أحوط .

(مسألة 11) : إذا عرف الإمام بالعدالة ثمّ شكّ في حدوث فسقه ، جاز له الاقتداء به عملاً بالاستصحاب ، وكذا لو رأى منه شيئاً وشكّ في أ نّه(2) موجب للفسق أم لا .

(مسألة 12) : يجوز(3) للمأموم مع ضيق الصفّ أن يتقدّم إلى الصفّ السابق ، أو

ص: 631


1- لا بأس بالأخذ بها في الصلوات الاحتياطية أيضاً وإن لم يحرز كونها صلاة في ظاهر الشرع ؛ لأ نّها إمّا صلاة واقعاً تجري فيها القاعدة أو ليست بصلاة ، فلا يحتاج المكلّف إلى تصحيحها لصحّة صلاته السابقة .
2- مع كون الشبهة موضوعية ، وفي الحكمية تفصيل مع أنّ الحكمية مربوطة بالمجتهد .
3- الأحوط أن يكون ذلك في غير حال قراءة الإمام .

يتأخّر إلى اللاحق إذا رأى خللاً فيهما ، لكن على وجه لا ينحرف عن القبلة فيمشي القهقرى .

(مسألة 13) : يستحبّ انتظار الجماعة إماماً أو مأموماً ، وهو أفضل من الصلاة في أوّل الوقت منفرداً ، وكذا يستحبّ اختيار الجماعة مع التخفيف على الصلاة فرادى مع الإطالة .

(مسألة 14) : يستحبّ الجماعة في السفينة الواحدة وفي السفن المتعدّدة للرجال والنساء ، ولكن تكره الجماعة في بطون الأودية .

(مسألة 15) : يستحبّ اختيار الإمامة على الاقتداء ، فللإمام إذا أحسن بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده مثل أجر من صلّى مقتدياً به ، ولا ينقص من أجرهم شيء .

(مسألة 16) : لا بأس بالاقتداء بالعبد إذا كان عارفاً بالصلاة وأحكامها .

(مسألة 17) : الأحوط(1) ترك القراءة في الاُوليين من الإخفاتية ؛ وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة كما مرّ .

(مسألة 18) : يكره تمكين الصبيان من الصفّ الأوّل على ما ذكره المشهور وإن كانوا مميّزين .

(مسألة 19) : إذا صلّى منفرداً أو جماعة واحتمل فيها خللاً في الواقع - وإن كان صحيحة في ظاهر الشرع - يجوز بل يستحبّ أن يعيدها منفرداً أو جماعة ، وأمّا إذا لم يحتمل فيها خللاً ، فإن صلّى منفرداً ثمّ وجد من يصلّي تلك الصلاة

ص: 632


1- مرّ أنّ الأقوى وجوب تركها .

جماعة يستحبّ له أن يعيدها جماعة ؛ إماماً كان أو مأموماً ، بل لا يبعد جواز إعادتها جماعة إذا وجد من يصلّي غير تلك الصلاة ، كما إذا صلّى الظهر فوجد من يصلّي العصر جماعة ، لكن القدر المتيقّن الصورة الاُولى ، وأمّا إذا صلّى جماعة إماماً أو مأموماً فيشكل استحباب(1) إعادتها ، وكذا يشكل إذا صلّى اثنان منفرداً ثمّ أرادا الجماعة فاقتدى أحدهما بالآخر من غير أن يكون هناك من لم يصلّ .

(مسألة 20) : إذا ظهر بعد إعادة الصلاة جماعة : أنّ الصلاة الاُولى كانت باطلة ، يجتزئ بالمعادة .

(مسألة 21) : في المعادة إذا أراد نيّة الوجه ينوي الندب لا الوجوب على الأقوى .

فصل : في الخلل الواقع في الصلاة

اشارة

أي الإخلال بشيء ممّا يعتبر فيها وجوداً أو عدماً .

(مسألة 1) : الخلل : إمّا أن يكون عن عمد أو عن جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكّ ، ثمّ إمّا أن يكون بزيادة أو نقيصة ، والزيادة : إمّا بركن أو غيره ولو بجزء مستحبّ كالقنوت في غير الركعة الثانية أو فيها في غير محلّها ، أو بركعة ، والنقيصة : إمّا بشرط ركن كالطهارة من الحدث والقبلة أو بشرط غير ركن ، أو بجزء ركن ، أو غير ركن ، أو بكيفية كالجهر والإخفات والترتيب والموالاة ، أو بركعة .

ص: 633


1- لا يبعد استحبابها في غير تلك الجماعة .

(مسألة 2) : الخلل العمدي موجب لبطلان الصلاة بأقسامه ؛ من الزيادة والنقيصة ، حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية أو بين بعض الأفعال مع بعض ، وكذا إذا فاتت الموالاة سهواً أو اضطراراً لسعال أو غيره ولم يتدارك بالتكرار متعمّداً .

(مسألة 3) : إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلاً بالحكم، فإن كان بترك شرط ركن كالإخلال بالطهارة الحدثية ، أو بالقبلة ؛ بأن صلّى مستدبراً أو إلى اليمين أو إلى اليسار ، أو بالوقت ؛ بأن صلّى قبل دخوله ، أو بنقصان ركعة ، أو ركوع ، أو غيرهما من الأجزاء الركنية ، أو بزيادة ركن بطلت الصلاة ، وإن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو نقصاناً ، فالأحوط(1) الإلحاق بالعمد في البطلان ، لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه .

(مسألة 4) : لا فرق في البطلان بالزيادة العمدية بين أن يكون في ابتداء النيّة أو في الأثناء ولا بين الفعل(2) والقول ، ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها ، ولا بين قصد الوجوب بها والندب ، نعم لا بأس بما يأتي به من القراءة والذكر في الأثناء لا بعنوان أ نّه منها ما لم يحصل به المحو للصورة ، وكذا لا بأس بإتيان غير المبطلات من الأفعال(3) الخارجية المباحة كحكّ الجسد ونحوه إذا لم يكن ماحياً للصورة .

(مسألة 5) : إذا أخلّ بالطهارة الحدثية ساهياً ؛ بأن ترك الوضوء أو الغسل أو

ص: 634


1- لا يترك هذا الاحتياط .
2- إذا أتى بعنوان أ نّه منها ، وكذا في سائر الزيادات .
3- إذا أتى بها لا بعنوان أ نّها منها .

التيمّم بطلت صلاته وإن تذكّر في الأثناء ، وكذا لوتبيّن بطلان أحد هذه من جهة ترك جزء أو شرط .

(مسألة 6) : إذا صلّى قبل دخول الوقت ساهياً بطلت ، وكذا لو صلّى إلى اليمين أو اليسار أو مستدبراً ، فيجب عليه الإعادة أو القضاء .

(مسألة 7) : إذا أخلّ بالطهارة الخبثية في البدن أو اللباس ساهياً بطلت ، وكذا إن كان جاهلاً بالحكم أو كان جاهلاً بالموضوع وعلم في الأثناء مع سعة الوقت ، وإن علم بعد الفراغ صحّت ، وقد مرّ التفصيل سابقاً .

(مسألة 8) : إذا أخلّ بستر العورة سهواً ، فالأقوى عدم البطلان وإن كان هو الأحوط ، وكذا لو أخلّ بشرائط الساتر - عدا الطهارة - من المأكولية(1) وعدم كونه حريراً أو ذهباً ونحو ذلك .

(مسألة 9) : إذا أخلّ بشرائط المكان سهواً فالأقوى عدم البطلان ، وإن كان أحوط فيما عدا الإباحة ، بل فيها أيضاً إذا كان هو الغاصب .

(مسألة 10) : إذا سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهواً ؛ إمّا لنجاسته أو كونه من المأكول أو الملبوس لم تبطل الصلاة ، وإن كان هو الأحوط ، وقد مرّت هذه المسائل في مطاوي الفصول السابقة .

(مسألة 11) : إذا زاد ركعة أو ركوعاً أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً بطلت الصلاة ، نعم يستثنى من ذلك زيادة الركوع أو السجدتين في الجماعة ، وأمّا إذا زاد ما عدا هذه من الأجزاء غير الأركان كسجدة واحدة

ص: 635


1- مرّ الإشكال في نسيانها .

أو تشهّد أو نحو ذلك ممّا ليس بركن فلا تبطل ، بل عليه سجدتا السهو(1) ، وأمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقّق إلاّ بزيادة الركوع أو بزيادة تكبيرة الإحرام ، كما أ نّه لا تتصوّر زيادة النيّة ، بناءً على أ نّها الداعي ، بل على القول بالإخطار لا تضرّ زيادتها .

(مسألة 12) : يستثنى من بطلان الصلاة بزيادة الركعة ما إذا نسي المسافر سفره ، أو نسي أنّ حكمه القصر ؛ فإنّه لا يجب القضاء إذا تذكّر خارج الوقت ، ولكن يجب الإعادة إذا تذكّر في الوقت كما سيأتي إن شاء اللّه .

(مسألة 13) : لا فرق في بطلان الصلاة بزيادة ركعة بين أن يكون قد تشهّد في الرابعة ثمّ قام إلى الخامسة أو جلس بمقدارها كذلك أو لا ، وإن كان الأحوط في هاتين الصورتين إتمام الصلاة لو تذكّر قبل الفراغ ، ثمّ إعادتها .

(مسألة 14) : إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته ، وإن تذكّر قبل الدخول فيها رجع وأتى به وصحّت صلاته ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ، ولكن الأحوط(2) مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى .

(مسألة 15) : لو نسي السجدتين ولم يتذكّر إلاّ بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته ، ولو تذكّر قبل ذلك رجع وأتى بهما وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مرتّب عليهما بعدهما ، وكذا تبطل الصلاة لو نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم وأتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً ، كالحدث والاستدبار ،

ص: 636


1- يأتي موارد لزومهما وعدمه في محلّهما .
2- لا يترك ، ويأتي محلّ لزوم سجدتي السهو .

وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضاً البطلان ، لكن الأحوط(1) التدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليهما ، ثمّ إعادة الصلاة ، وإن تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم وصحّت صلاته ، وعليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد(2) أو بعضه ، وللتسليم المستحبّ .

(مسألة 16) : لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته ؛ سواء تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ فيجب الاستئناف ، وكذا لو نسي القيام حال تكبيرة الإحرام ، وكذا لو نسي القيام المتّصل بالركوع ؛ بأن ركع لا عن قيام .

(مسألة 17) : لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم ، قام وأتى بها ، ولو ذكرها بعد التسليم الواجب قبل فعل ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً ، قام وأتمّ ، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس ؛ من غير فرق بين الرباعية وغيرها ، وكذا لو نسي أزيد من ركعة .

(مسألة 18) : لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته ، وحينئذٍ فإن لم يبق محلّ التدارك وجب عليه(3) سجدتا السهو للنقيصة ، وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة قبل سجدتي السهو ، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك ، ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً ، وسجدتا السهو لكلّ زيادة . وفوت محلّ التدارك : إمّا

ص: 637


1- لا يترك وإن كان القول بوجوب التدارك وإعادة التشهّد والتسليم وصحّة الصلاة لا يخلو من وجه .
2- على الأحوط ، ويأتي موارد لزومهما .
3- لا تجب السجدة لكلّ زيادة ونقيصة على الأقوى ، وإنّما تجب في موارد تأتي في فصلها .

بالدخول في ركن بعده على وجه لو تدارك المنسيّ لزم زيادة الركن(1) ، وإمّا بكون محلّه في فعل خاصّ جاز محلّ ذلك الفعل ، كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما ، وإمّا بالتذكّر بعد السلام(2) الواجب ، فلو نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما أو إعرابهما أو القيام فيهما أو الطمأنينة فيه ، وذكر بعد الدخول في الركوع فات محلّ التدارك فيتمّ الصلاة ، ويسجد سجدتي السهو للنقصان إذا كان المنسيّ من الأجزاء ، لا لمثل الترتيب والطمأنينة ممّا ليس بجزء ، وإن تذكّر قبل الدخول في الركوع رجع وتدارك وأتى بما بعده وسجد سجدتي السهو لزيادة ما أتى به من الأجزاء ، نعم في نسيان القيام حال القراءة أو الذكر ونسيان الطمأنينة فيه لا يبعد فوت محلّهما قبل الدخول في الركوع أيضاً ؛ لاحتمال كون القيام واجباً حال القراءة لا شرطاً فيها ، وكذا كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطاً فيه ، وكذا الحال في الطمأنينة حال التشهّد وسائر الأذكار ، فالأحوط العود(3) والإتيان بقصد الاحتياط والقربة ، لا بقصد الجزئية ، ولو نسي الذكر في الركوع أو السجود أو الطمأنينة حاله وذكر بعد رفع الرأس منهما فات محلّهما ، ولو تذكّر قبل الرفع أو قبل الخروج عن مسمّى الركوع وجب الإتيان بالذكر ، ولو كان المنسيّ الطمأنينة حال الذكر فالأحوط إعادته بقصد الاحتياط والقربة ، وكذا لو نسي

ص: 638


1- مرّ الاحتياط فيما إذا ترك الركوع ودخل في السجدة الاُولى .
2- مرّ الاحتياط في ترك السجدتين والتذكّر بعد السلام قبل فعل المنافي وإن كان عدم فوت محلّ تداركهما بالسلام لا يخلو من وجه ، وأمّا السجدة الواحدة والتشهّد فالأقوى فوت محلّهما بالسلام ، كما يأتي في المتن .
3- لا يترك الإتيان بقصد القربة والاحتياط .

وضع(1) أحد المساجد حال السجود ، ولو نسي الانتصاب من الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية فات محلّه ، وأمّا لو تذكّر قبله فلا يبعد(2) وجوب العود إليه ؛ لعدم استلزامه إلاّ زيادة سجدة واحدة ، وليست بركن ، كما أ نّه كذلك لو نسي الانتصاب من السجدة الاُولى وتذكّر بعد الدخول في الثانية ، لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة ، ولو نسي الطمأنينة حال أحد الانتصابين احتمل فوت المحلّ(3) وإن لم يدخل في السجدة كما مرّ نظيره، ولو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد وذكر بعد الدخول في الركوع أو بعد السلام فات محلّهما ، ولو ذكر قبل ذلك تداركهما ، ولو نسي الطمأنينة في التشهّد فالحال كما مرّ ؛ من أنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة والاحتياط ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضاً ؛ لاحتمال كون التشهّد زيادة عمدية حينئذٍ ، خصوصاً إذا تذكّر نسيان الطمأنينة فيه بعد القيام .

(مسألة 19) : لو كان المنسيّ الجهر أو الإخفات ، لم يجب التدارك بإعادة القراءة أو الذكر على الأقوى ؛ وإن كان أحوط(4) إذا لم يدخل في الركوع .

فصل : في الشكّ

وهو إمّا في أصل الصلاة وأ نّه هل أتى بها أم لا ؟ وإمّا في شرائطها ، وإمّا في أجزائها ، وإمّا في ركعاتها .

ص: 639


1- أي لو نسي وضعه حال الذكر ، فمع عدم رفع الرأس يضعه وأتى بالذكر بقصد القربة.
2- بعيد ، بل فات محلّه ، وكذا الحال في نسيان الانتصاب من السجدة الاُولى أو الطمأنينة فيه وذكر بعد الدخول في السجدة الثانية .
3- لكن الأحوط الانتصاب مطمئنّاً بقصد الرجاء قبل الدخول في السجدة .
4- خصوصاً لو تذكّر في أثناء القراءة ، فإنّه لا ينبغي ترك الاحتياط فيه .

(مسألة 1) : إذا شكّ في أ نّه هل صلّى أم لا ، فإن كان بعد مضيّ الوقت لم يلتفت وبنى على أ نّه صلّى ؛ سواء كان الشكّ في صلاة واحدة ، أو في الصلاتين ، وإن كان في الوقت وجب الإتيان بها ، كأن شكّ في أ نّه صلّى صلاة الصبح أم لا ، أو هل صلّى الظهرين أم لا ؟ أو هل صلّى العصر بعد العلم بأ نّه صلّى الظهر أم لا ؟ ولو علم أ نّه صلّى العصر ولم يدر أ نّه صلّى الظهر أو لا ، فيحتمل جواز البناء على أ نّه صلاّها ، لكن الأحوط الإتيان بها ، بل لا يخلو عن قوّة ، بل وكذلك لو لم يبق إلاّ مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أ نّه أتى بها وشكّ في أ نّه أتى بالظهر أيضاً أم لا ، فإنّ الأحوط(1) الإتيان بها ؛ وإن كان احتمال البناء على الإتيان بها وإجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت هنا أقوى من السابق ، نعم لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر وعلم بعدم الإتيان بها أو شكّ فيه وكان شاكّاً في الإتيان بالظهر ، وجب الإتيان بالعصر ، ويجري حكم الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر ، لكن الأحوط(2) قضاء الظهر أيضاً .

(مسألة 2) : إذا شكّ في فعل الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزل منزلة تمام الوقت أو لا ؟ وجهان ؛ أقواهما الأوّل ، أمّا لو بقي أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج .

(مسألة 3) : لو ظنّ فعل الصلاة ، فالظاهر أنّ حكمه حكم الشكّ في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه ، وكذا لو ظنّ عدم فعلها .

(مسألة 4) : إذا شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء .

ص: 640


1- بل الأقوى .
2- لا يترك مع الشكّ في إتيان العصر .

(مسألة 5) : لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أ نّه صلّى الظهر أم لا ، فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر بنى على الإتيان بها ، وإن كان في الوقت المشترك عدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها .

(مسألة 6) : إذا علم أ نّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ولم يدر المعيّن منهما يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ؛ سواء كان في الوقت أو في خارجه ، نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء(1) على أنّ ما أتى به هو الظهر ، فينوي فيما يأتي به العصر ، ولو علم أ نّه صلّى إحدى العشاءين ولم يدر المعيّن منهما وجب الإتيان بهما ؛ سواء كان في الوقت أو في خارجه ، وهنا أيضاً لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بنى على أنّ ما أتى به هو المغرب ، وأنّ الباقي هو العشاء .

(مسألة 7) : إذا شكّ في الصلاة في أثناء الوقت ونسي الإتيان بها وجب عليه القضاء إذا تذكّر خارج الوقت ، وكذا إذا شكّ واعتقد أ نّه خارج الوقت ، ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت ، وأمّا إذا شكّ واعتقد أ نّه في الوقت فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء .

(مسألة 8) : حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره ، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه ، وأمّا الوسواسي فالظاهر أ نّه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت .

(مسألة 9) : إذا شكّ في بعض شرائط الصلاة ، فإمّا أن يكون قبل الشروع فيها ، أو في أثنائها ، أو بعد الفراغ منها ، فإن كان قبل الشروع فلا بدّ من إحراز ذلك

ص: 641


1- الأحوط قضاء الظهر ، وكذا المغرب في الفرع الآتي .

الشرط ولو بالاستصحاب ونحوه من الاُصول ، وكذا إذا كان في الأثناء ، وإن كان بعد الفراغ منها حكم بصحّتها وإن كان يجب إحرازه للصلاة الاُخرى ، وقد مرّ التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة .

(مسألة 10) : إذا شكّ في شيء من أفعال الصلاة ، فإمّا أن يكون قبل الدخول في الغير المرتّب عليه ، وإمّا أن يكون بعده ، فإن كان قبله وجب الإتيان ، كما إذا شكّ في الركوع وهو قائم ، أو شكّ في السجدتين أو السجدة الواحدة ولم يدخل في القيام أو التشهّد ، وهكذا لو شكّ في تكبيرة الإحرام ولم يدخل فيما بعدها ، أو شكّ في «الحمد» ولم يدخل في السورة ، أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت ، وإن كان بعده لم يلتفت وبنى على أ نّه أتى به ؛ من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين على الأصحّ ، والمراد بالغير : مطلق الغير المترتّب على الأوّل ، كالسورة بالنسبة إلى «الفاتحة» ، فلا يلتفت إلى الشكّ فيها وهو آخذ في السورة ، بل ولا إلى أوّل «الفاتحة» أو السورة وهو في آخرهما ، بل ولا إلى الآية وهو في الآية المتأخّرة ، بل ولا إلى أوّل الآية وهو في آخرها ، ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءاً واجباً أو مستحبّاً ، كالقنوت بالنسبة إلى الشكّ في السورة ، والاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام ، والاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربعة ، فلو شكّ في شيء من المذكورات بعد الدخول في أحد المذكورات لم يلتفت ، كما أ نّه لا فرق في المشكوك فيه أيضاً بين الواجب والمستحبّ ، والظاهر عدم الفرق بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدّماتها ، فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهويّ للسجود لم يلتفت ، نعم لو شكّ في السجود وهو آخذ في القيام وجب عليه العود ، وفي إلحاق التشهّد به في ذلك وجه ، إلاّ أنّ الأقوى خلافه ، فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت ، والفارق النصّ الدالّ

ص: 642

على العود في السجود ، فيقتصر على مورده ويعمل بالقاعدة في غيره .

(مسألة 11) : الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار ، فمن كان فرضه الجلوس مثلاً وقد شكّ في أ نّه هل سجد أم لا ؟ وهو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام لم يلتفت(1) وكذا إذا شكّ في التشهّد ، نعم لو لم يعلم أ نّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهّد وجب التدارك لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذٍ .

(مسألة 12) : لو شكّ في صحّة ما أتى به وفساده لا في أصل الإتيان ، فإن كان بعد الدخول في الغير فلا إشكال في عدم الالتفات ، وإن كان قبله فالأقوى عدم الالتفات أيضاً ؛ وإن كان الأحوط الإتمام والاستئناف إن كان من الأفعال ، والتدارك إن كان من القراءة أو الأذكار ما عدا تكبيرة الإحرام .

(مسألة 13) : إذا شكّ في فعل قبل دخوله في الغير فأتى به ثمّ تبيّن بعد ذلك أ نّه كان آتياً به ، فإن كان ركناً بطلت الصلاة ، وإلاّ فلا ، نعم يجب(2) عليه سجدتا السهو للزيادة ، وإذا شكّ بعد الدخول في الغير فلم يلتفت ثمّ تبيّن عدم الإتيان به ، فإن كان محلّ تدارك المنسيّ باقياً ؛ بأن لم يدخل في ركن بعده تداركه ، وإلاّ فإن كان ركناً بطلت الصلاة ، وإلاّ فلا ، ويجب عليه سجدتا السهو للنقيصة(3) .

(مسألة 14) : إذا شكّ في التسليم ، فإن كان بعد الدخول في صلاة اُخرى أو في التعقيب أو بعد الإتيان بالمنافيات لم يلتفت ، وإن كان قبل ذلك أتى به .

ص: 643


1- فيه وفيما بعده إشكال .
2- بل لا يجب على الأقوى ، لكنّه أحوط .
3- إذا كانت السجدة الواحدة أو التشهّد على الأحوط .

(مسألة 15) : إذا شكّ المأموم في أ نّه كبّر للإحرام أم لا ، فإن كان بهيئة المصلّي(1) جماعة ؛ من الإنصات ووضع اليدين على الفخذين ونحو ذلك ، لم يلتفت على الأقوى وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة .

(مسألة 16) : إذا شكّ وهو في فعل في أ نّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة أم لا ؟ لم يلتفت وكذا لو شكّ في أ نّه هل سها أم لا ؟ وقد جاز محلّ ذلك الشيء الذي شكّ في أ نّه سها عنه أو لا ، نعم لو شكّ في السهو وعدمه وهو في محلّ يتلافى فيه المشكوك فيه ، أتى به على الأصحّ .

فصل : في الشكّ في الركعات

(مسألة 1) : الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة ثمانية :

أحدها : الشكّ في الصلاة الثنائية ، كالصبح وصلاة السفر .

الثاني : الشكّ في الثلاثية كالمغرب .

الثالث : الشكّ بين الواحدة والأزيد .

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والأزيد قبل إكمال السجدتين .

الخامس : الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأزيد وإن كان بعد الإكمال .

السادس : الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد .

السابع : الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد .

الثامن : الشكّ بين الركعات ؛ بحيث لم يدر كم صلّى .

(مسألة 2) : الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية :

ص: 644


1- مجرّد كونه بهيئته لا يكفي ، بل يعتبر الاشتغال بفعل مترتّب على التكبير ولو مثل الإنصات المستحبّ في الجماعة ونحوه .

أحدها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين ، فإنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ، والأحوط اختيار الركعة من قيام ، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام ، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك ، ويتحقّق إكمال السجدتين بإتمام الذكر(1) الواجب من السجدة الثانية على الأقوى وإن كان الأحوط إذا كان قبل رفع الرأس البناء ثمّ الإعادة ، وكذا في كلّ مورد يعتبر إكمال السجدتين .

الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان ، وحكمه كالأوّل ، إلاّ أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس ، ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام .

الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال ، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام .

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال ، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام ، وركعتين من جلوس ، والأحوط تأخير(2) الركعتين من جلوس .

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، فيبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو .

السادس : الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم ويجلس ،

ص: 645


1- بل برفع الرأس من الأخيرة ، وإذا كان قبل رفعه فالأقوى الإعادة ؛ وإن كان الأحوط البناء ثمّ الإعادة ، بل لا ينبغي تركه .
2- بل الأقوى لزومه .

ويرجع(1) شكّه إلى ما بين الثلاث والأربع ، فيتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام .

السابع : الشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم القيام ويرجع شكّه إلى ما بين الاثنتين والأربع ، فيبني على الأربع ويعمل عمله .

الثامن : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، فيهدم القيام ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيتمّ صلاته ويعمل عمله .

التاسع : الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، فإنّه يهدم القيام فيرجع شكّه إلى ما بين الأربع والخمس ، فيتمّ ويسجد سجدتي السهو مرّتين(2) إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات ، وإلاّ فثلاث مرّات ، وإن قال : بحول اللّه ، فأربع مرّات ، مرّة للشكّ بين الأربع والخمس ، وثلاث مرّات لكلّ من الزيادات من قوله : بحول اللّه ، والقيام ، والقراءة أو التسبيحات ، والأحوط في الأربعة المتأخّرة بعد البناء وعمل الشكّ إعادة الصلاة أيضاً ، كما أنّ الأحوط في الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس العمل بموجب الشكّين ثمّ الاستئناف .

ص: 646


1- في جميع صور الهدم يثبت عمل الشكّ ؛ لكونه مندرجاً في الموضوع حال القيام ، فيجب الهدم للعمل بالشكّ لا لانقلاب شكّه ، فإنّ المناط في أحكام الشكوك على الشكّ الحادث لا المنقلب ، ففي الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام يصدق أ نّه لم يدر ثلاثاً صلّى أو أربعاً ، فيجب عليه التسليم والانصراف وصلاة الاحتياط ركعتين جالساً أو ركعة قائماً ، فيجب عليه الهدم مقدّمة للتسليم ، وكذا الحال في بقيّة الصور الهدمية .
2- مرّة وجوباً للشكّ بين الأربع والخمس ، ومرّة احتياطاً لزيادة القيام ؛ وإن كان عدم وجوب الثانية لا يخلو من قوّة ، كما أنّ الأقوى عدم الوجوب للزيادات الاُخر ؛ من القراءة والتسبيحات وغيرهما .

(مسألة 3) : الشكّ في الركعات ما عدا هذه الصور التسعة موجب للبطلان كما عرفت ، لكنّ الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً والأكثر باطلاً - كالثلاث والخمس ، والأربع والستّ ونحو ذلك - البناء على الأقلّ والإتمام ثمّ الإعادة ، وفي مثل الشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يجوز البناء على الأكثر(1) الصحيح وهو الأربع ، والإتمام ، وعمل الشكّ بين الثلاث والأربع ، ثمّ الإعادة أو البناء على الأقلّ وهو الثلاث ، ثمّ الإتمام ثمّ الإعادة .

(مسألة 4) : لا يجوز العمل بحكم الشكّ - من البطلان أو البناء - بمجرّد حدوثه ، بل لا بدّ من التروّي والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين أو يستقرّ الشكّ ، بل الأحوط في الشكوك الغير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة ، أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ .

(مسألة 5) : المراد بالشكّ في الركعات : تساوي الطرفين ، لا ما يشتمل الظنّ ، فإنّه في الركعات بحكم اليقين ؛ سواء في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين .

(مسألة 6) : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين - كالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع ، والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع - إذا شكّ مع ذلك في إتيان السجدتين أو إحداهما وعدمه ، إن كان ذلك حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت الصلاة ؛ لأ نّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال ، وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهّد

ص: 647


1- الأولى الأحوط اتّخاذ هذا الشقّ لا الشقّ الثاني ، لكن بعد العمل على الشكّ بين الثلاث والأربع يعمل عمل الشكّ بين الأربع والزيادة .

لم تبطل(1) ؛ لأ نّه محكوم بالإتيان شرعاً فيكون بعد الإكمال ، ولا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر ، والأحوط الإتمام والإعادة ، خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة .

(مسألة 7) : في الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس إذا علم حال القيام أ نّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة السابقة بطلت الصلاة(2) ؛ لأ نّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسيّة ، فيرجع شكّه إلى ما قبل الإكمال ، ولا فرق بين أن يكون تذكّره للنسيان قبل البناء على الأربع أو بعده .

(مسألة 8) : إذا شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - فبنى على الأربع ، ثمّ بعد ذلك انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه ، ولو ظنّ الثلاث ثمّ انقلب شكّاً عمل بمقتضى الشكّ ، ولو انقلب شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير ، فلو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ، فلمّا رفع رأسه من السجود شكّ بين الاثنتين والأربع ، عمل عمل الشكّ الثاني ، وكذا العكس(3) فإنّه يعمل بالأخير .

(مسألة 9) : لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ - كما يتّفق كثيراً لبعض الناس - كان ذلك شكّاً(4) ، وكذا لو حصل له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أ نّه كان شكّاً أو ظنّاً ، بنى على أ نّه كان شكّاً ، إن كان فعلاً

ص: 648


1- فيه إشكال ، لا يترك الاحتياط بالإتمام بعد البناء والإعادة .
2- لا لما في المتن ، بل لعدم إحراز الركعتين الأوّلتين اللتين لا يقع فيهما الوهم حال القيام ، فلا يجب الهدم بل تبطل حال حدوث الشكّ .
3- بل تبطل صلاته بأوّل الشكّين .
4- فيه إشكال لا بدّ من الاحتياط .

شاكّاً ، وبنى على(1) أ نّه كان ظنّاً إن كان فعلاً ظانّاً ؛ مثلاً لو علم أ نّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ولم يدر أ نّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه ، أو بنى عليه من باب الشكّ ، يبني على الحالة الفعلية ، وإن علم بعد الفراغ من الصلاة : أ نّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث وأ نّه بنى على الثلاث وشكّ في أ نّه حصل له الظنّ به أو كان من باب البناء في الشكّ ، فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه وإن كان أحوط(2) .

(مسألة 10) : لو شكّ في أنّ شكّه السابق كان موجباً للبطلان أو للبناء ، بنى على الثاني(3) ؛ مثلاً لو علم أ نّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث وبعد أن دخل في فعل آخر أو ركعة اُخرى شكّ في أ نّه كان قبل إكمال السجدتين حتّى يكون باطلاً ، أو بعده حتّى يكون صحيحاً ، بنى على أ نّه كان بعد الإكمال ، وكذا إذا كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة .

(مسألة 11) : لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه هل كان موجباً للركعة بأن كان بين الثلاث والأربع مثلاً ، أو موجباً للركعتين بأن كان بين الاثنتين والأربع ، فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 12) : لو علم بعد الفراغ من الصلاة أ نّه طرأ له الشكّ في الأثناء ، لكن لم يدر كيفيته من رأس ، فإن انحصر في الوجوه الصحيحة ، أتى بموجب الجميع

ص: 649


1- بل يعمل على طبق الشكّ والظنّ الفعليين ، من غير بناء على كون الحالة السابقة شكّاً أو ظنّاً .
2- لا يترك .
3- فيه وفيما بعده إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالبناء والإعادة ، نعم لو طرأ الشكّ بعد الركعة المفصولة لا يعتني به وبنى على الصحّة .

وهو ركعتان من قيام وركعتان من جلوس وسجود السهو ، ثمّ الإعادة ، وإن لم ينحصر في الصحيح ، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة استأنف(1) الصلاة ؛ لأ نّه لم يدر كم صلّى .

(مسألة 13) : إذا علم في أثناء الصلاة أ نّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث - مثلاً - وشكّ في أ نّه هل حصل له الظنّ بالاثنتين فبنى على الاثنتين ، أو لم يحصل له الظنّ فبنى على الثلاث ؟ يرجع إلى حالته الفعلية ، فإن دخل في الركعة الاُخرى يكون فعلاً شاكّاً بين الثلاث والأربع ، وإن لم يدخل فيها يكون شاكّاً بين الاثنتين والثلاث .

(مسألة 14) : إذا عرض له أحد الشكوك ولم يعلم حكمه من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها ، فإن ترجّح له أحد الاحتمالين عمل عليه(2) وإن لم يترجّح أخذ بأحد الاحتمالين مخيّراً ، ثمّ بعد الفراغ رجع إلى المجتهد ، فإن كان موافقاً فهو ، وإلاّ أعاد الصلاة ، والأحوط الإعادة في صورة الموافقة أيضاً .

(مسألة 15) : لو انقلب شكّه بعد الفراغ من الصلاة إلى شكّ آخر ، فالأقوى عدم وجوب شيء عليه ؛ لأنّ الشكّ الأوّل قد زال ، والشكّ الثاني بعد الصلاة ، فلا يلتفت إليه ؛ سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، لكن الأحوط عمل الشكّ الثاني ثمّ إعادة(3) الصلاة ، لكن هذا إذا

ص: 650


1- الأحوط في هذه الصورة أيضاً العمل بموجب الشكوك ثمّ الإعادة .
2- رجاءً ، وكذا في الفرع الآتي ، ويجوز له مع سعة الوقت رفع اليد عن هذا العمل والتعلّم ، ثمّ الإعادة .
3- لا وجه لها .

لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع(1) أو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع - مثلاً - ثمّ انقلب إلى الثلاث والأربع أو عكس الصورتين ، وأمّا إذا شكّ بين الاثنتين والأربع - مثلاً - ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الاثنتين والثلاث ، فاللازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة ، لتبيّن كونه في الصلاة وكون السلام في غير محلّه ، ففي الصورة المفروضة يبني على الثلاث ويتمّ ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد سجدتي السهو للسلام في غير محلّه ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة .

(مسألة 16) : إذا شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الاثنتين والأربع ، ثمّ بعد الفراغ انقلب شكّه إلى الثلاث والخمس والاثنتين والخمس وجب عليه الإعادة ؛ للعلم الإجمالي(2) إمّا بالنقصان ، أو بالزيادة .

(مسألة 17) : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ، ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي والأربع ، فهل يجري عليه حكم الشكّين ، أو حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ؟ وجهان ، أقواهما الثاني .

(مسألة 18) : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، ثمّ ظنّ(3) عدم الأربع ، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، ولو ظنّ عدم الاثنتين ، يجري

ص: 651


1- لا يبعد لزوم الإتيان بركعة متّصلة في الفرض الأوّل ، ولزوم عمل الشكّ الثاني في الفرض الثاني ، ولزوم الركعتين المتّصلتين وعمل الشكّ الثاني في عكسهما ، ويأتي بسجدتي السهو في الفرض الأوّل ، وعكسه للسلام في غير محلّه .
2- في التعليل إشكال .
3- بين الصلاة .

عليه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولو ظنّ عدم الثلاث ، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع .

(مسألة 19) : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتى بالرابعة فتيقّن عدم الثلاث ، وشكّ بين الواحدة والاثنتين بالنسبة إلى ما سبق ، يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي بين الاثنتين والثلاث ، فيجري حكمه .

(مسألة 20) : إذا عرض أحد الشكوك الصحيحة للمصلّي جالساً من جهة العجز عن القيام ، فهل الحكم كما في الصلاة قائماً فيتخيّر - في موضع التخيير بين ركعة قائماً وركعتين جالساً - بين ركعة جالساً بدلاً عن الركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً من حيث إنّه أحد الفردين المخيّر بينهما ، أو يتعيّن هنا اختيار الركعتين جالساً ، أو يتعيّن تتميم ما نقص ، ففي الفرض المذكور يتعيّن ركعة جالساً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعة جالساً وركعتان جالساً ؟ وجوه ، أقواها الأوّل(1) ، ففي الشكّ بين الاثنتين والثلاث يتخيّر بين ركعة جالساً أو ركعتين جالساً ، وكذا في الشكّ بين الثلاث والأربع ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً ، وركعتان أيضاً جالساً من حيث كونهما أحد الفردين ، وكذا الحال لو صلّى قائماً ثمّ حصل العجز عن القيام في صلاة الاحتياط ، وأمّا لو صلّى جالساً ثمّ تمكّن من القيام حال صلاة الاحتياط ، فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائماً ، والأحوط في جميع الصور المذكورة إعادة الصلاة بعد العمل المذكور .

ص: 652


1- بل الأوسط ، فيتعيّن عليه الجلوسية التي تكون إحدى طرفي التخيير .

(مسألة 21) : لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة واستئنافها ، بل يجب العمل على التفصيل المذكور والإتيان بصلاة الاحتياط ، كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة والاكتفاء بالاستئناف ، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان ، نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة وإن كان آثماً في الإبطال ، ولو استأنف بعد التمام قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط لم يكف وإن أتى بالمنافي(1) أيضاً ، وحينئذٍ فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضاً ولو بعد حين .

(مسألة 22) : في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه وأتمّ الصلاة ، ثمّ تبيّن له الموافقة للواقع ، ففي الصحّة وجهان(2) .

(مسألة 23) : إذا شكّ بين الواحدة والاثنتين - مثلاً - وهو في حال القيام أو الركوع أو في السجدة الاُولى - مثلاً - وعلم أ نّه إذا انتقل إلى الحالة الاُخرى من ركوع أو سجود أو رفع الرأس من السجدة يتبيّن له الحال ، فالظاهر الصحّة وجواز البقاء على الاشتغال إلى أن يتبيّن الحال .

(مسألة 24) : قد مرّ سابقاً : أ نّه إذا عرض له الشكّ يجب عليه التروّي حتّى يستقرّ أو يحصل له ترجيح أحد الطرفين ، لكن الظاهر أ نّه إذا كان في السجدة - مثلاً - وعلم أ نّه إذا رفع رأسه لا يفوت عنه الأمارات الدالّة على أحد الطرفين جاز له التأخير إلى رفع الرأس ، بل وكذا إذا كان في السجدة الاُولى - مثلاً - يجوز له التأخير إلى رفع الرأس من السجدة الثانية ، وإن كان الشكّ بين الواحدة

ص: 653


1- مع الإتيان بالمنافي تصحّ الصلاة المستأنفة على الأقوى ، ولا يبقى مجال للاحتياط .
2- أوجههما الصحّة في غير الشكّ في الاُوليين ، وفي الشكّ فيهما الأحوط الإعادة .

والاثنتين ونحوه من الشكوك الباطلة ، نعم لو كان بحيث لو أخّر التروّي يفوت عنه الأمارات ، يشكل جوازه ، خصوصاً في الشكوك الباطلة .

(مسألة 25) : لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى بصلاته القصر وشكّ في الركعات بطلت ، وليس له العدول إلى التمام والبناء على الأكثر ، مثلاً إذا كان بعد إتمام السجدتين وشكّ بين الاثنتين والثلاث لا يجوز له(1) العدول إلى التمام والبناء على الثلاث على الأقوى، نعم لو عدل إلى التمام ثمّ شكّ صحّ البناء.

(مسألة 26) : لو شكّ أحد الشكوك الصحيحة فبنى على ما هو وظيفته وأتمّ الصلاة ثمّ مات قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فالظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عنه ، لكن الأحوط قضاء صلاة الاحتياط أوّلاً ثمّ قضاء أصل الصلاة ، بل لا يترك(2) هذا الاحتياط ، نعم إذا مات قبل قضاء الأجزاء المنسيّة التي يجب قضاؤها كالتشهّد والسجدة الواحدة ، فالظاهر كفاية قضائها وعدم وجوب قضاء أصل الصلاة وإن كان أحوط ، وكذا إذا مات قبل الإتيان بسجدة السهو الواجبة عليه ، فإنّه يجب قضاؤها(3) دون أصل الصلاة .

فصل : في كيفية صلاة الاحتياط

وجملة من أحكامها مضافاً إلى ما تقدّم في المسائل السابقة (مسألة 1) : يعتبر في صلاة الاحتياط جميع ما يعتبر في سائر الصلوات من

ص: 654


1- الظاهر جواز البناء من غير حاجة إلى العدول ، بل يتعيّن عليه العمل بحكم الشكّ على الأقوى ، والأحوط إعادة الصلاة بعده .
2- لا بأس بتركه .
3- على الأحوط .

الشرائط ، وبعد إحرازها ينوي ويكبّر للإحرام ويقرأ «فاتحة الكتاب» ، ويركع ويسجد سجدتين ويتشهّد ويسلّم ، وإن كانت ركعتين فيتشهّد ويسلّم بعد الركعة الثانية ، وليس فيها أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت ، ويجب فيها(1) الإخفات في القراءة وإن كانت الصلاة جهرية ، حتّى في البسملة على الأحوط(2) وإن كان الأقوى جواز الجهر بها ، بل استحبابه .

(مسألة 2) : حيث إنّ هذه الصلاة مردّدة بين كونها نافلة أو جزءاً أو بمنزلة الجزء فيراعى فيها جهة الاستقلال والجزئية ، فبملاحظة جهة الاستقلال يعتبر فيها النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة «الفاتحة» دون التسبيحات الأربعة ، وبلحاظ جهة الجزئية يجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة ، وعدم الإتيان بالمنافيات بينها وبين الصلاة ، ولو أتى ببعض المنافيات فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة ، ولو تكلّم سهواً فالأحوط الإتيان بسجدتي السهو ، والأحوط ترك(3) الاقتداء فيها ولو بصلاة احتياط ، خصوصاً مع اختلاف سبب احتياط الإمام والمأموم ، وإن كان لا يبعد جواز الاقتداء مع اتّحاد السبب وكون المأموم مقتدياً بذلك الإمام في أصل الصلاة .

(مسألة 3) : إذا أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ، ثمّ تبيّن له تمامية الصلاة لا يجب إعادتها .

(مسألة 4) : إذا تبيّن قبل صلاة الاحتياط تمامية الصلاة ، لا يجب الإتيان بالاحتياط .

ص: 655


1- على الأحوط .
2- لا يترك .
3- لا يترك .

(مسألة 5) : إذا تبيّن بعد الإتيان بصلاة الاحتياط تمامية الصلاة ، تحسب صلاة الاحتياط نافلة ، وإن تبيّن التمامية في أثناء صلاة الاحتياط جاز قطعها ويجوز إتمامها نافلة ، وإن كانت ركعة واحدة ضمّ إليها(1) ركعة اُخرى .

(مسألة 6) : إذا تبيّن بعد إتمام الصلاة قبل الاحتياط أو بعدها أو في أثنائها زيادة ركعة ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع والخمس فبنى على الأربع ، ثمّ تبيّن كونها خمساً يجب إعادتها مطلقاً .

(مسألة 7) : إذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصلاة ، فالظاهر عدم وجوب إعادتها وكون صلاة الاحتياط جابرة ؛ مثلاً إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ثمّ بعد صلاة الاحتياط تبيّن كونها ثلاثاً ، صحّت وكانت الركعة عن قيام أو الركعتان من جلوس عوضاً عن الركعة الناقصة .

(مسألة 8) : لو تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقص الصلاة أزيد ممّا كان محتملاً ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط ، فتبيّن كونها ركعتين وأنّ الناقص ركعتان، فالظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط، بل يجب عليه(2) إعادة الصلاة ، وكذا لو تبيّنت الزيادة عمّا كان محتملاً ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعتين للاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات . والحاصل : أنّ صلاة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي شكّه، وأمّا إذا تبيّن كون الواقع بخلاف كلّ من طرفي شكّه فلا تكون جابرة.

ص: 656


1- على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى جواز إتمامها ركعة .
2- بعد تتميم النقص متّصلاً على الأحوط ، إن كان التبيّن قبل فعل المنافي ، وكذا في الفرع الآتي .

(مسألة 9) : إذا تبيّن قبل الشروع في صلاة الاحتياط نقصان صلاته لا تكفي صلاة الاحتياط ، بل اللازم حينئذٍ إتمام ما نقص ، وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه إذا لم يأت بالمنافي ، وإلاّ فاللازم إعادة الصلاة ، فحكمه حكم من نقص من صلاته ركعة أو ركعتين على ما مرّ سابقاً .

(مسألة 10) : إذا تبيّن نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط ؛ فإمّا أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط موافقاً لما نقص من الصلاة في الكمّ والكيف كما في الشكّ بين الثلاث والأربع إذا اشتغل بركعة قائماً وتذكّر في أثنائها كون صلاته ثلاثاً ، وإمّا أن يكون مخالفاً له في الكمّ والكيف ، كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً فتذكّر كونها ثلاثاً ، وإمّا أن يكون موافقاً له في الكيف دون الكمّ ، كما في الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا تذكّر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وإمّا أن يكون بالعكس ، كما إذا اشتغل في الشكّ المفروض بركعتين جالساً بناءً على جواز تقديمهما وتذكّر كون صلاته ركعتين ، فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور ، والرجوع إلى حكم تذكّر نقص الركعة ، ويحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة الاحتياط في جميعها ، ويحتمل وجوب إعادة الصلاة في الجميع ، ويحتمل التفصيل بين الصور المذكورة ، والمسألة محلّ إشكال(1) ، فالأحوط الجمع بين المذكورات بإتمام ما

ص: 657


1- وإن كان الأقوى الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً ولو كان مخالفاً له في الكمّ والكيف ، فمن شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع وشرع في الركعتين جالساً فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات أتمّهما ويكتفي بهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة مطلقاً ، خصوصاً في صورة المخالفة ، وأمّا في غير ما جعله جبراً كما لو شكّ بين الثلاث والأربع واشتغل بركعتين جالساً فتبيّن كونها اثنتين ، فالأحوط قطعها وجبر الصلاة بالركعتين الموصولتين ، ثمّ إعادة الصلاة .

نقص ، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ، ثمّ إعادة الصلاة ، نعم إذا تذكّر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعدّدها مع فرض كون ما أتى به موافقاً لما نقص في الكمّ والكيف لا يبعد(1) الاكتفاء به ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع وبعد الإتيان بركعتين قائماً تبيّن كون صلاته ركعتين .

(مسألة 11) : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط بعد العلم بوجوبها عليه ، فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه ويبني على الإتيان، وإن كان جالساً في مكان الصلاة ولم يأت بالمنافي ولم يدخل في فعل آخر بنى على عدم الإتيان ، وإن دخل في فعل آخر أو أتى بالمنافي أو حصل الفصل الطويل مع بقاء الوقت ، فللبناء على الإتيان بها وجه ، والأحوط البناء على العدم والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 12) : لو زاد فيها ركعة أو ركناً ولو سهواً ، بطلت ووجب عليه إعادتها ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 13) : لو شكّ في فعل من أفعالها ، فإن كان في محلّه أتى به ، وإن دخل في فعل مرتّب بعده بنى على أ نّه أتى به كأصل الصلاة .

(مسألة 14) : لو شكّ في أ نّه هل شكّ شكّاً يوجب صلاة الاحتياط أم لا ؟ بنى على عدمه .

(مسألة 15) : لو شكّ في عدد ركعاتها ، فهل يبني على الأكثر إلاّ أن يكون مبطلاً فيبني على الأقلّ ، أو يبني على الأقلّ مطلقاً ؟ وجهان(2) ، والأحوط البناء

ص: 658


1- بل لا إشكال فيه .
2- أوجههما البناء على الأكثر ، ومع كونه مبطلاً فالظاهر وجوب إعادة أصل الصلاة ؛ وإن كان الأحوط البناء على الأقلّ ثمّ الإعادة .

على أحد الوجهين ثمّ إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة .

(مسألة 16) : لو زاد فيها فعلاً من غير الأركان أو نقص ، فهل عليه سجدتا السهو أو لا ؟ وجهان(1) ، والأحوط الإتيان بهما .

(مسألة 17) : لو شكّ في شرط أو جزء منها بعد السلام لم يلتفت .

(مسألة 18) : إذا نسيها وشرع في نافلة أو قضاء فريضة أو نحو ذلك فتذكّر في أثنائها قطعها وأتى بها ، ثمّ أعاد الصلاة على الأحوط ، وأمّا إذا شرع في صلاة فريضة مرتّبة على الصلاة التي شكّ فيها كما إذا شرع في العصر فتذكّر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر فإن جاز عن محلّ العدول قطعها كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة ، أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين ، وإن لم يجز عن محلّ العدول فيحتمل العدول إليها ، لكن الأحوط القطع والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة .

(مسألة 19) : إذا نسي سجدة واحدة أو تشهّداً فيها ، قضاهما بعدها على الأحوط(2) .

فصل : في حكم قضاء الأجزاء المنسيّة

(مسألة 1) : قد عرفت سابقاً : أ نّه إذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكّر إلاّ بعد الوصول إلى حدّ الركوع ، يجب قضاؤها بعد الصلاة ، بل وكذا إذا نسي السجدة

ص: 659


1- الأقوى عدم وجوبهما فيما لا يجب في أصل الصلاة ، والأحوط الإتيان بهما فيما وجب في أصلها ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب مطلقاً .
2- وإن كان الأقوى عدم الوجوب .

الواحدة من الركعة الأخيرة ولم يتذكّر إلاّ بعد السلام على الأقوى ، وكذا إذا نسي التشهّد(1) أو أبعاضها ولم يتذكّر إلاّ بعد الدخول في الركوع ، بل أو التشهّد الأخير ولم يتذكّر إلاّ بعد السلام على الأقوى ، ويجب مضافاً إلى القضاء سجدتا السهو أيضاً ، لنسيان كلّ من السجدة والتشهّد(2) .

(مسألة 2) : يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها من الطهارة والاستقبال وستر العورة ونحوها ، وكذا الذكر والشهادتان والصلاة على محمّد وآل محمّد ، ولو نسي بعض أجزاء التشهّد وجب(3) قضاؤه فقط ، نعم لو نسي الصلاة على آل محمّد ، فالأحوط إعادة الصلاة على محمّد ؛ بأن يقول : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ، ولا يقتصر على قوله : «وآل محمّد» وإن كان هو المنسيّ فقط ، ويجب فيهما نيّة البدلية عن المنسيّ ، ولا يجوز الفصل(4) بينهما وبين الصلاة بالمنافي، كالأجزاء في الصلاة، أمّا الدعاء والذكر والفعل القليل ونحو ذلك ممّا كان جائزاً في أثناء الصلاة فالأقوى جوازه والأحوط تركه ، ويجب المبادرة(5) إليهما بعد السلام ، ولا يجوز تأخيرهما عن التعقيب ونحوه .

(مسألة 3) : لو فصّل بينهما وبين الصلاة بالمنافي عمداً وسهواً ، كالحدث والاستدبار ، فالأحوط استئناف الصلاة بعد إتيانهما ، وإن كان الأقوى جواز

ص: 660


1- على الأحوط فيه ، وأمّا أبعاضه حتّى الصلاة على النبي وآله ، فالأقوى عدم وجوب قضائها وإن كان أحوط .
2- على الأحوط .
3- مرّ عدم الوجوب .
4- على الأحوط .
5- على الأحوط .

الاكتفاء بإتيانهما ، وكذا لو تخلّل ما ينافي عمداً لا سهواً إذا كان عمداً ، أمّا إذا وقع سهواً فلا بأس .

(مسألة 4) : لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله(1) بعدهما .

(مسألة 5) : إذا نسي الذكر أو غيره ممّا يجب - ما عدا وضع الجبهة في سجود الصلاة - لا يجب قضاؤه .

(مسألة 6) : إذا نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي وأمكن تداركه فعله ، وأمّا إذا لم يمكن ، كما إذا تذكّره بعد تخلّل المنافي عمداً وسهواً ، فالأحوط إعادته ثمّ إعادة الصلاة ، وإن كان الأقوى كفاية إعادته .

(مسألة 7) : لو تعدّد نسيان السجدة أو التشهّد أتى بهما واحدة بعد واحدة ، ولا يشترط التعيين على الأقوى ، وإن كان أحوط ، والأحوط ملاحظة الترتيب معه .

(مسألة 8) : لو كان عليه قضاء سجدة وقضاء تشهّد ، فالأحوط تقديم السابق منهما في الفوات على اللاحق ، ولو قدّم أحدهما بتخيّل أ نّه السابق فظهر كونه لاحقاً ، فالأحوط الإعادة على ما يحصل معه الترتيب ، ولا يجب إعادة الصلاة معه ، وإن كان أحوط .

(مسألة 9) : لو كان عليه قضاؤهما وشكّ في السابق واللاحق احتاط بالتكرار ، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً ، ولا يجب معه إعادة الصلاة وإن كان

ص: 661


1- والأقوى عدم الوجوب .

أحوط ، وكذا الحال(1) لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعيّن منهما .

(مسألة 10) : إذا شكّ في أ نّه نسي أحدهما أم لا ، لم يلتفت ولا شيء عليه ، أمّا إذا علم أ نّه نسي أحدهما وشكّ في أ نّه هل تذكّر قبل الدخول في الركوع أو قبل السلام وتداركه أم لا ؟ فالأحوط القضاء .

(مسألة 11) : لو كان عليه صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهّد ، فالأحوط(2) تقديم الاحتياط وإن كان فوتهما مقدّماً على موجبه ، لكن الأقوى التخيير ، وأمّا مع سجود السهو فالأقوى تأخيره عن قضائهما ، كما يجب تأخيره عن الاحتياط أيضاً .

(مسألة 12) : إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ، ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء ، فالظاهر عدم وجوب إعادتها وإن كان أحوط .

(مسألة 13) : لا يجب الإتيان بالسلام في التشهّد القضائي ، وإن كان الأحوط في نسيان التشهّد الأخير إتيانه بقصد القربة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده ، كما أنّ الأحوط في نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أيضاً الإتيان بها بقصد القربة مع الإتيان بالتشهّد والتسليم ؛ لاحتمال(3) كون السلام في غير محلّه ووجوب تداركهما بعنوان الجزئية للصلاة ، وحينئذٍ فالأحوط سجود السهو أيضاً في الصورتين لأجل السلام في غير محلّه .

(مسألة 14) : لا فرق في وجوب قضاء السجدة وكفايته عن إعادة الصلاة بين

ص: 662


1- يأتي بهما من غير لزوم التكرار .
2- بل الأقوى .
3- هذا الاحتمال مرجوح ، ولا بأس بترك الاحتياط في الفرعين .

كونها من الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، لكن الأحوط إذا كانت من الأوّلتين إعادة الصلاة أيضاً ، كما أنّ في نسيان سائر الأجزاء الواجبة منهما أيضاً الأحوط استحباباً بعد إتمام الصلاة إعادتها وإن لم يكن ذلك الجزء من الأركان ؛ لاحتمال اختصاص اغتفار السهو عمّا عدا الأركان بالركعتين الأخيرتين ، كما هو مذهب بعض العلماء، وإن كان الأقوى كما عرفت عدم الفرق.

(مسألة 15) : لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوت محلّ تداركهما ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده شكّاً ، فالظاهر عدم وجوب القضاء .

(مسألة 16) : لو كان عليه قضاء أحدهما وشكّ في إتيانه وعدمه ، وجب عليه الإتيان به ما دام في وقت الصلاة ، بل الأحوط(1) استحباباً ذلك بعد خروج الوقت أيضاً .

(مسألة 17) : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين ، بنى على الاتّحاد .

(مسألة 18) : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها وليست ركناً أيضاً ، لم يجب عليه القضاء ، بل يكفيه سجود السهو(2) .

(مسألة 19) : لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد وتذكّر بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها والإتيان به ، بل هو الأحوط ، بل وكذا لو دخل في فريضة(3) .

ص: 663


1- لا يترك .
2- بل لا يجب سجود السهو ، إلاّ إذا كان طرف الاحتمال ممّا يجب فيه ذلك .
3- في جواز قطعها إشكال ، خصوصاً إذا كان المسهوّ التشهّد .

(مسألة 20) : لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر، فإن أدرك منها ركعة وجب تقديمهما(1) وإلاّ وجب تقديم العصر ، ويقضي الجزء بعدها ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة وإن كان أحوط ، وكذا الحال لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر ، لكن مع تقديم العصر يحتاط بإعادة الظهر أيضاً بعد الإتيان باحتياطها .

فصل : في موجبات سجود السهو وكيفيته وأحكامه

(مسألة 1) : يجب سجود السهو لاُمور :

الأوّل : الكلام سهواً بغير قرآن ودعاء وذكر ، ويتحقّق بحرفين أو حرف واحد مفهم في أيّ لغة كان ، ولو تكلّم جاهلاً بكونه كلاماً بل بتخيّل أ نّه قرآن أو ذكر أو دعاء لم يوجب(2) سجدة السهو ؛ لأ نّه ليس بسهو ، ولو تكلّم عامداً بزعم أ نّه خارج عن الصلاة يكون موجباً ؛ لأ نّه باعتبار السهو عن كونه في الصلاة يعدّ سهواً ، وأمّا سبق اللسان فلا يعدّ(3) سهواً ، وأمّا الحرف الخارج من التنحنح والتأوّه والأنين الذي عمده لا يضرّ فسهوه أيضاً لا يوجب السجود .

الثاني : السلام(4) في غير موقعه ساهياً ؛ سواء كان بقصد الخروج ، كما إذا سلّم بتخيّل تمامية صلاته أو لا بقصده ، والمدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين ، وأمّا «السلام عليك أيّها النبي . . .» إلى آخره ، فلا يوجب شيئاً ؛ من حيث إنّه

ص: 664


1- وجوب تقديم العصر لا يخلو من قوّة .
2- يوجب على الأحوط .
3- الأحوط السجود له ، وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
4- على الأحوط .

سلام ، نعم يوجبه(1) من حيث إنّه زيادة سهوية ، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك ، وإن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق(2) ، بل قيل : إنّ حرفين منه موجب ، لكنّه مشكل إلاّ من حيث الزيادة(3) .

الثالث : نسيان السجدة الواحدة إذا فات محلّ تداركها ، كما إذا لم يتذكّر إلاّ بعد الركوع أو بعد السلام ، وأمّا نسيان الذكر فيها أو بعض واجباتها الاُخر ما عدا وضع الجبهة فلا يوجب إلاّ من حيث وجوبه لكلّ نقيصة .

الرابع : نسيان التشهّد(4) مع فوت محلّ تداركه ، والظاهر أنّ(5) نسيان بعض أجزائه أيضاً كذلك ، كما أ نّه موجب للقضاء أيضاً كما مرّ .

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين كما مرّ سابقاً .

السادس : للقيام(6) في موضع القعود أو العكس ، بل لكلّ زيادة(7) ونقيصة لم يذكرها في محلّ التدارك ، وأمّا النقيصة مع التدارك فلا توجب ، والزيادة أعمّ من أن تكون من الأجزاء الواجبة أو المستحبّة ، كما إذا قنت في الركعة الاُولى مثلاً أو في غير محلّه من الثانية ، ومثل قوله : بحول اللّه ، في غير محلّه لا مثل التكبير أو التسبيح ، إلاّ إذا صدق عليه الزيادة ، كما إذا كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه ، فإنّ الظاهر صدق الزيادة عليه ، كما أنّ قوله : سمع اللّه لمن حمده ، كذلك .

ص: 665


1- بل لا يوجبه على الأقوى .
2- هذا التعليل ضعيف ، والأقوى عدم الإيجاب .
3- يأتي الإشكال فيه .
4- على الأحوط .
5- بل الظاهر خلافه .
6- على الأحوط ؛ وإن كان عدم الوجوب لا يخلو من قوّة .
7- والأقوى عدم الوجوب له والاحتياط مطلوب .

والحاصل : أنّ المدار على صدق الزيادة ، وأمّا نقيصة المستحبّات فلا توجب ، حتّى مثل القنوت ، وإن كان الأحوط عدم الترك في مثله إذا كان من عادته الإتيان به دائماً ، والأحوط عدم تركه(1) في الشكّ في الزيادة أو النقيصة .

(مسألة 2) : يجب تكرّره بتكرّر الموجب ؛ سواء كان من نوع واحد ، أو أنواع ، والكلام الواحد موجب واحد وإن طال ، نعم إن تذكّر ثمّ عاد تكرّر ، والصيغ الثلاث للسلام موجب واحد ، وإن كان الأحوط التعدّد ، ونقصان التسبيحات الأربع موجب واحد ، بل وكذلك زيادتها ، وإن أتى بها ثلاث مرّات .

(مسألة 3) : إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الاُولى - مثلاً - وقام وقرأ «الحمد» والسورة وقنت وكبّر للركوع فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع ، وجب العود للتدارك ، وعليه سجود السهو ستّ مرّات(2) : مرّة لقوله : بحول اللّه ، ومرّة للقيام ، ومرّة ل «الحمد» ، ومرّة للسورة ، ومرّة للقنوت ، ومرّة لتكبير الركوع ، وهكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد وقام وأتى بالتسبيحات ، والاستغفار بعدها ، وكبّر للركوع فتذكّر .

(مسألة 4) : لا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد ، كما أ نّه لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى ، أمّا بينه وبين الأجزاء المنسيّة والركعات الاحتياطية فهو مؤخّر عنها كما مرّ .

(مسألة 5) : لو سجد للكلام فبان أنّ الموجب غيره ، فإن كان على وجه التقييد وجبت الإعادة ، وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق أجزأ .

ص: 666


1- لا بأس بتركه .
2- مرّ عدم الوجوب .

(مسألة 6) : يجب الإتيان به فوراً ، فإن أخّر عمداً عصى ولم يسقط ، بل وجبت المبادرة إليه وهكذا ، ولو نسيه أتى به إذا تذكّر وإن مضت أيّام ، ولا يجب إعادة الصلاة ، بل لو تركه أصلاً لم تبطل على الأقوى .

(مسألة 7) : كيفيته أن ينوي ويضع جبهته على الأرض أو غيرها ممّا يصحّ السجود عليه ويقول : «بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمّد وآله» ، أو يقول :

«بسم اللّه وباللّه اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ، أو يقول : «بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيّها النبي ورحمة اللّه وبركاته» ، ثمّ يرفع رأسه ويسجد مرّة اُخرى ، ويقول ما ذكر ، ويتشهّد ويسلّم ، ويكفي في تسليمه : «السلام عليكم» وأمّا التشهّد فمخيّر(1) بين التشهّد المتعارف ، والتشهّد الخفيف ، وهو قوله : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» والأحوط الاقتصار على الخفيف كما أنّ في تشهّد الصلاة أيضاً مخيّر بين القسمين ، لكن الأحوط هناك التشهّد المتعارف كما مرّ سابقاً ولا يجب التكبير للسجود وإن كان أحوط ، كما أنّ الأحوط مراعاة(2) جميع ما يعتبر في سجود الصلاة فيه ؛ من الطهارة من الحدث والخبث والستر والاستقبال وغيرها من الشرائط والموانع التي للصلاة كالكلام والضحك في الأثناء وغيرهما ، فضلاً عمّا يجب في خصوص السجود من الطمأنينة ووضع سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه والانتصاب مطمئنّاً بينهما ،

ص: 667


1- الأقوى وجوب التشهّد المتعارف فيه وفي تشهّد الصلاة .
2- عدم وجوب شيء ممّا يتوقّف مسمّى السجود عليه لا يخلو من قوّة ، نعم لا يترك الاحتياط في ترك السجود على المأكول والملبوس ، كما أنّ عدم وجوب الذكر - سيّما المخصوص منه - لا يخلو من قوّة وإن كان أحوط .

وإن كان في وجوب ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود وتعدّده نظر .

(مسألة 8) : لو شكّ في تحقّق موجبه وعدمه لم يجب عليه ، نعم لو شكّ في الزيادة أو النقيصة ، فالأحوط إتيانه كما مرّ(1) .

(مسألة 9) : لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه ، وجب وإن طالت المدّة ، نعم لا يبعد البناء على إتيانه بعد خروج وقت الصلاة، وإن كان الأحوط(2) عدم تركه خارج الوقت أيضاً.

(مسألة 10) : لو اعتقد وجود الموجب ، ثمّ بعد السلام شكّ فيه لم يجب عليه .

(مسألة 11) : لو علم بوجود الموجب وشكّ في الأقلّ والأكثر ، بنى على الأقلّ .

(مسألة 12) : لو علم نسيان جزء وشكّ بعد السلام في أ نّه هل تذكّر قبل فوت محلّه وتداركه أم لا ؟ فالأحوط إتيانه(3) .

(مسألة 13) : إذا شكّ في فعل من أفعاله ، فإن كان في محلّه أتى به ، وإن تجاوز لم يلتفت.

(مسألة 14) : إذا شكّ في أ نّه سجد سجدتين أو سجدة واحدة بنى على الأقلّ ، إلاّ إذا دخل في التشهّد ، وكذا إذا شكّ في أ نّه سجد سجدتين أو ثلاث سجدات ، وأمّا إن علم بأ نّه زاد سجدة وجب عليه الإعادة ، كما أ نّه إذا علم

ص: 668


1- وقد مرّ .
2- لا يترك ، بل الأقرب وجوب إتيانه .
3- فيما يجب فيه السجود ، بل لا يخلو من وجه .

أ نّه نقص واحدة أعاد ، ولو نسي ذكر السجود وتذكّر بعد الرفع لا يبعد عدم وجوب الإعادة وإن كان أحوط .

فصل : في الشكوك التي لا اعتبار بها ولا يلتفت إليها

وهي في مواضع :

الأوّل : الشكّ بعد تجاوز المحلّ وقد مرّ تفصيله .

الثاني : الشكّ بعد الوقت ؛ سواء كان في الشروط أو الأفعال أو الركعات أو في أصل الإتيان ، وقد مرّ الكلام فيه أيضاً .

الثالث : الشكّ بعد السلام الواجب ، وهو إحدى الصيغتين الأخيرتين ؛ سواء كان في الشرائط أو الأفعال أو الركعات في الرباعية أو غيرها ، بشرط أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة ، فلو شكّ في أ نّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً بنى على أ نّه صلّى أربعاً ، وأمّا لو شكّ بين الاثنتين والخمس ، والثلاث والخمس بطلت ؛ لأ نّها إمّا ناقصة ركعة أو زائدة ، نعم لو شكّ في المغرب بين الثلاث والخمس ، أو في الصبح بين الاثنتين والخمس يبني على الثلاث في الاُولى ، والاثنتين في الثانية ، ولو شكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث ، ولا يسقط عنه صلاة الاحتياط لأ نّه بعدُ في الأثناء ؛ حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه ، فلا يتوهّم أ نّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط ؛ لأ نّه مقتضى عدم الاعتبار بالشكّ بعد السلام .

الرابع : شكّ كثير الشكّ وإن لم يصل إلى حدّ الوسواس ؛ سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط فيبني على وقوع ما شكّ فيه وإن كان في محلّه ، إلاّ إذا كان مفسداً فيبني على عدم وقوعه ، فلو شكّ بين الثلاث والأربع يبني

ص: 669

على الأربع ، ولو شكّ بين الأربع والخمس يبني على الأربع أيضاً ، وإن شكّ أ نّه ركع أم لا يبني على أ نّه ركع وإن شكّ أ نّه ركع ركوعين ، أم واحداً بنى على عدم الزيادة ، ولو شكّ أ نّه صلّى ركعة أو ركعتين بنى على الركعتين ، ولو شكّ في الصبح أ نّه صلّى ركعتين أو ثلاثاً بنى على أ نّه صلّى ركعتين ، وهكذا ، ولو كان كثرة شكّه في فعل خاصّ يختصّ الحكم به ، فلو شكّ اتّفاقاً في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ ، وكذا لو كان كثير الشكّ بين الواحدة والاثنتين لم يلتفت في هذا الشكّ ، ويبني على الاثنتين ، وإذا اتّفق أ نّه شكّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع وجب عليه عمل الشكّ ؛ من البناء والإتيان بصلاة الاحتياط ، ولو كان كثير الشكّ بعد تجاوز المحلّ - ممّا لا حكم له - دون غيره فلو اتّفق أ نّه شكّ في المحلّ وجب عليه الاعتناء ، ولو كان كثرة شكّه في صلاة خاصّة أو الصلاة في مكان خاصّ ونحو ذلك اختصّ الحكم به ، ولا يتعدّى إلى غيره .

(مسألة 1) : المرجع في كثرة الشكّ العرف ، ولا يبعد تحقّقه إذا شكّ في صلاة واحدة ثلاث مرّات ، أو في كلّ من الصلوات الثلاث مرّة واحدة ، ويعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض ؛ من خوف أو غضب أو همّ أو نحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ .

(مسألة 2) : لو شكّ في أ نّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لا ، بنى على عدمه(1) ، كما أ نّه لو كان كثير الشكّ وشكّ في زوال هذه الحالة بنى على بقائها .

(مسألة 3) : إذا لم يلتفت إلى شكّه وظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه وأنّ مع

ص: 670


1- إذا كان الشكّ من جهة الاُمور الخارجية لا الشبهة المفهومية ، وأمّا فيها فيعمل عمل الشكّ .

الشكّ في الفعل الذي بنى على وقوعه لم يكن واقعاً ، أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعاً يعمل بمقتضى ما ظهر ، فإن كان تاركاً لركن بطلت صلاته ، وإن كان تاركاً لغير ركن مع فوت محلّ تداركه وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء ، وسجدتا السهو فيما فيه ذلك ، وإن بنى على عدم الزيادة فبان أ نّه زاد يعمل بمقتضاه ؛ من البطلان أو غيره من سجود السهو .

(مسألة 4) : لا يجوز له الاعتناء بشكّه ، فلو شكّ في أ نّه ركع أو لا ، لا يجوز له أن يركع ، وإلاّ بطلت الصلاة ، نعم في الشكّ في القراءة أو الذكر إذا اعتنى بشكّه وأتى بالمشكوك فيه بقصد القربة لا بأس به(1) ما لم يكن إلى حدّ الوسواس .

(مسألة 5) : إذا شكّ في أنّ كثرة شكّه مختصّ بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقاً ، اقتصر على ذلك المورد .

(مسألة 6) : لا يجب على كثير الشكّ وغيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك ، وإن كان أحوط فيمن كثر شكّه .

الخامس : الشكّ البدوي الزائل بعد التروّي ؛ سواء تبدّل باليقين بأحد الطرفين أو بالظنّ المعتبر أو بشكّ آخر .

السادس : شكّ كلّ من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر ، فإنّه يرجع الشاكّ منهما إلى الحافظ ، لكن في خصوص الركعات لا في الأفعال(2) حتّى في عدد السجدتين ، ولا يشترط في البناء على حفظ الآخر حصول الظنّ للشاكّ ، فيرجع

ص: 671


1- إن كان الإتيان بقصد القربة من جهة مراعاة الواقع رجاءً واعتناء بشكّه ، فالأحوط تركه ، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه .
2- رجوعه فيها أيضاً لا يخلو من وجه .

وإن كان باقياً على شكّه على الأقوى ، ولا فرق في المأموم بين كونه رجلاً أو امرأة ، عادلاً أو فاسقاً ، واحداً أو متعدّداً ، والظانّ منهما(1) أيضاً يرجع إلى المتيقّن ، والشاكّ لا يرجع(2) إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظنّ .

(مسألة 7) : إذا كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين في الاعتقاد ، لم يرجع إليهم ، إلاّ إذا حصل له الظنّ من الرجوع إلى إحدى الفرقتين .

(مسألة 8) : إذا كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين ؛ بأن يكون بعضهم شاكّاً وبعضهم متيقّناً ، رجع الإمام إلى المتيقّن منهم ، ورجع الشاكّ(3) منهم إلى الإمام ، لكن الأحوط إعادتهم الصلاة إذا لم يحصل لهم الظنّ وإن حصل للإمام .

(مسألة 9) : إذا كان كلّ من الإمام والمأمومين شاكّاً ، فإن كان شكّهم متّحداً كما إذا شكّ الجميع بين الثلاث والأربع ، عمل كلّ منهم عمل ذلك الشكّ ، وإن اختلف شكّه مع شكّهم ، فإن لم يكن بين الشكّين قدر مشترك كما إذا شكّ الإمام بين الاثنتين والثلاث والمأمومون بين الأربع والخمس يعمل كلّ منهما على شاكلته ، وإن كان بينهما قدر مشترك كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع يحتمل رجوعهما إلى ذلك القدر المشترك ؛ لأنّ كلاًّ منهما نافٍ للطرف الآخر من شكّ الآخر ، لكن الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها ، وإذا اختلف شكّ الإمام مع المأمومين وكان المأمومون أيضاً مختلفين في الشكّ ، لكن كان بين شكّ الإمام وبعض المأمومين قدر مشترك ، يحتمل

ص: 672


1- بل يعمل الظانّ بظنّه .
2- الأقوى هو الرجوع إليه .
3- بل يعمل بشكّه على الأقوى ، أو بظنّه إن حصل له .

رجوعهما إلى ذلك القدر المشترك ، ثمّ رجوع البعض(1) الآخر إلى الإمام ، لكنّ الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضاً ، بل الأحوط في جميع صور أصل المسألة إعادة الصلاة ، إلاّ إذا حصل الظنّ من رجوع أحدهما إلى الآخر .

السابع : الشكّ في ركعات النافلة ؛ سواء كانت ركعة كصلاة الوتر أو ركعتين كسائر النوافل ، أو رباعية كصلاة الأعرابي ، فيتخيّر عند الشكّ بين البناء على الأقلّ أو الأكثر ، إلاّ أن يكون الأكثر مفسداً فيبني على الأقلّ ، والأفضل البناء على الأقلّ مطلقاً ، ولو عرض وصف النفل للفريضة - كالمعادة والإعادة للاحتياط الاستحبابي والتبرّع بالقضاء عن الغير - لم يلحقها حكم النفل ، ولو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة ، بل المدار على الأصل ، وأمّا الشكّ في أفعال النافلة فحكمه حكم الشكّ في أفعال الفريضة ، فإن كان في المحلّ أتى به ، وإن كان بعد الدخول في الغير لم يلتفت ، ونقصان الركن مبطل لها(2) كالفريضة ، بخلاف زيادته ، فإنّها لا توجب البطلان على الأقوى ، وعلى هذا فلو نسي فعلاً من أفعالها تداركه وإن دخل في ركن بعده ؛ سواء كان المنسيّ ركناً أو غيره .

(مسألة 10) : لا يجب قضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسيّ في النافلة ، كما لا يجب سجود السهو لموجباته فيها .

(مسألة 11) : إذا شكّ في النافلة بين الاثنتين والثلاث فبنى على الاثنتين ثمّ تبيّن كونها ثلاثاً بطلت ، واستحبّ إعادتها ، بل تجب إذا كانت واجبة بالعرض .

ص: 673


1- مرّ أنّ الأقوى عدم الرجوع ، بل يعمل البعض بشكّه على الأقوى .
2- على الأحوط .

(مسألة 12) : إذا شكّ في أصل فعلها بنى على العدم ، إلاّ إذا كانت موقّتة وخرج وقتها .

(مسألة 13) : الظاهر أنّ الظنّ في ركعات النافلة حكمه حكم الشكّ(1) في التخيير بين البناء على الأقلّ أو الأكثر ، وإن كان الأحوط العمل بالظنّ ما لم يكن موجباً للبطلان .

(مسألة 14) : النوافل التي لها كيفية خاصّة أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص كصلاة الغفيلة وصلاة ليلة الدفن وصلاة ليلة عيد الفطر إذا اشتغل بها ونسي تلك الكيفية ، فإن أمكن الرجوع والتدارك رجع وتدارك وإن استلزم زيادة الركن ؛ لما عرفت من اغتفارها في النوافل ، وإن لم يمكن أعادها ؛ لأنّ الصلاة وإن صحّت إلاّ أ نّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة ، وإن نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر قضاه متى تذكّر(2) .

(مسألة 15) : ما ذكر من أحكام السهو والشكّ والظنّ يجري في جميع الصلوات الواجبة أداءً وقضاءً من الآيات والجمعة والعيدين وصلاة الطواف ، فيجب فيها سجدة السهو لموجباتها وقضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسيّ ، وتبطل بنقصان الركن وزيادته لا بغير الركن ، والشكّ في ركعاتها موجب للبطلان ؛ لأ نّها ثنائية .

(مسألة 16) : قد عرفت سابقاً : أنّ الظنّ المتعلّق بالركعات في حكم اليقين ؛

ص: 674


1- محلّ تأمّل ، فالأحوط العمل بالظنّ ، بل لا يخلو من رجحان .
2- إذا تذكّر بعد الصلاة يأتي به رجاءً على الأحوط .

من غير فرق بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، ومن غير فرق بين أن يكون موجباً للصحّة أو البطلان ، كما إذا ظنّ الخمس في الشكّ بين الأربع والخمس أو الثلاث والخمس ، وأمّا الظنّ المتعلّق بالأفعال ففي كونه كالشكّ أو كاليقين إشكال ، فاللازم مراعاة الاحتياط ، وتظهر الثمرة فيما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحلّ أو ظنّ بعدم الإتيان بعد الدخول في الغير ، وأمّا الظنّ بعدم الإتيان وهو في المحلّ ، أو الظنّ بالإتيان بعد الدخول في الغير فلا يتفاوت الحال في كونه كالشكّ أو كاليقين ؛ إذ على التقديرين يجب الإتيان به في الأوّل ، ويجب المضيّ في الثاني ، وحينئذٍ فنقول : إن كان المشكوك قراءة أو ذكراً أو دعاءً يتحقّق الاحتياط بإتيانه بقصد القربة ، وإن كان من الأفعال فالاحتياط فيه أن يعمل بالظنّ ثمّ يعيد الصلاة ؛ مثلاً إذا شكّ في أ نّه سجد سجدة واحدة أو اثنتين وهو جالس لم يدخل في التشهّد أو القيام وظنّ الاثنتين ، يبني على ذلك ويتمّ الصلاة ثمّ يحتاط بإعادتها ، وكذا إذا دخل في القيام أو التشهّد وظنّ أ نّها واحدة ، يرجع ويأتي باُخرى ويتمّ الصلاة ثمّ يعيدها ، وهكذا في سائر الأفعال ، وله أن لا يعمل(1) بالظنّ ، بل يجري عليه حكم الشكّ ، ويتمّ الصلاة ثمّ يعيدها ، وأمّا الظنّ المتعلّق بالشروط وتحقّقها فلا يكون معتبراً إلاّ في القبلة والوقت في الجملة ، نعم لا يبعد اعتبار شهادة العدلين فيها ، وكذا في الأفعال والركعات وإن كانت الكلّية لا تخلو عن إشكال(2) .

(مسألة 17) : إذا حدث الشكّ بين الثلاث والأربع قبل السجدتين أو بينهما أو

ص: 675


1- الأحوط هو الوجه الأوّل .
2- بل لا تخلو من قرب .

في السجدة الثانية ، يجوز له تأخير التروّي إلى وقت العمل بالشكّ وهو ما بعد الرفع من السجدة الثانية .

(مسألة 18) : يجب تعلّم ما يعمّ به البلوى من أحكام الشكّ والسهو ، بل قد يقال ببطلان صلاة من لا يعرفها ، لكن الظاهر عدم الوجوب إذا كان مطمئنّاً بعدم عروضها له ، كما أنّ بطلان الصلاة إنّما يكون إذا كان متزلزلاً بحيث لا يمكنه قصد القربة ، أو اتّفق له الشكّ أو السهو ولم يعمل بمقتضى ما ورد من حكمه ، وأمّا لو بنى على أحد المحتملين أو المحتملات من حكمه ، وطابق الواقع مع فرض حصول قصد القربة منه صحّ ؛ مثلاً إذا شكّ في فعل شيء وهو في محلّه ولم يعلم حكمه لكن بنى على عدم الإتيان فأتى به ، أو بعد التجاوز وبنى على الإتيان ومضى صحّ عمله ، إذا كان بانياً(1) على أن يسأل بعد الفراغ عن حكمه والإعادة إذا خالف ، كما أنّ من كان عارفاً بحكمه ونسي في الأثناء أو اتّفق له شكّ أو سهو نادر الوقوع يجوز له أن يبني على أحد المحتملات في نظره ؛ بانياً على السؤال والإعادة مع المخالفة لفتوى مجتهده .

ختام : فيه مسائل متفرّقة الاُولى : إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر ، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده ، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أ نّه صلاّها أو لا ، عدل به إليها(2) .

ص: 676


1- لا تتوقّف الصحّة على هذا البناء ، ولا جواز البناء في الفرع الآتي على البناء على السؤال ، نعم يجب عليه تعلّم الحكم ليعمل على طبقه .
2- إذا لم يصلّ العصر وكان في الوقت المشترك ، وأمّا في الوقت المختصّ بالعصر فكذلك إذا كان الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر وإدراك ركعة من العصر ، ومع عدم السعة فإن كان الوقت واسعاً لإدراك ركعة من العصر ترك ما في يده وصلّى العصر ويقضي الظهر ، وإلاّ فالأحوط إتمامه عصراً وقضاء الظهر والعصر خارج الوقت وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه . ولا يخفى أنّ في المسألة صوراً كثيرة ربما تبلغ ستّاً وثلاثين صورة ، وممّا ذكرنا في المسألة الاُولى يظهر الحال في المسألة الثانية أيضاً .

الثانية : إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل ، ومع علمه بعدم الإتيان بها أو الشكّ فيه ، عدل بنيّته إليها إن لم يدخل في ركوع الرابعة ، وإلاّ بطل أيضاً .

الثالثة : إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أ نّه ترك سجدتين من ركعتين ؛ سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين صحّت ، وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرّتين ، وكذا إن لم يدر أ نّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأ نّهما من الركعتين .

الرابعة : إذا كان في الركعة الرابعة - مثلاً - وشكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما ، بنى على الثاني(1) ، كما أ نّه كذلك إذا شكّ بعد الصلاة .

الخامسة : إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر أو أ نّه أتمّها وهذه أوّل العصر ، جعلها آخر الظهر(2) .

السادسة : إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أ نّه سها عن المغرب ،

ص: 677


1- فيه إشكال ، فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ؛ من البناء وعمل الشكّ ، وإعادة الصلاة .
2- هذا في الوقت المشترك ، وأمّا في الوقت المختصّ بالعصر فالأقوى هو البناء على إتيان الظهر ورفع اليد عمّا في يده وإتيان العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة ، ومع عدم السعة لذلك فالأحوط إتمامه عصراً وقضاؤه خارج الوقت ؛ وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه .

بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاء والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب .

السابعة : إذا تذكّر في أثناء العصر أ نّه ترك من الظهر ركعة ، قطعها وأتمّ الظهر ثمّ أعاد الصلاتين(1) ، ويحتمل العدول إلى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في ركوع الثانية ثمّ إعادة الصلاتين ، وكذا إذا تذكّر في أثناء العشاء أ نّه ترك من المغرب ركعة .

الثامنة : إذا صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة أو ركعتين من إحداهما من غير تعيين ، فإن كان قبل الإتيان بالمنافي ضمّ إلى الثانية ما يحتمل من النقص ، ثمّ أعاد الاُولى(2) فقط بعد الإتيان بسجدتي السهو لأجل السلام احتياطاً ، وإن كان بعد الإتيان بالمنافي فإن اختلفتا في العدد أعادهما ، وإلاّ أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة .

التاسعة : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث أو غيره من الشكوك الصحيحة ، ثمّ شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر صلاته أو اُولى صلاة الاحتياط ، جعلها

ص: 678


1- على الأحوط ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء بإتمام الظهر ثمّ إتيان العصر ، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه ، لكن الأحوط رفع اليد عن العصر وإتمام الظهر ، وأحوط منه إعادة الصلاتين بعد إتمام الظهر ، وأمّا الاحتمال الآتي في المتن فضعيف . هذا كلّه في الوقت المشترك ، وأمّا في الوقت المختصّ بالعصر ففيه تفصيل .
2- مع الإتيان بالمنافي بعد الاُولى وعدم الإتيان به بعد الثانية ، ومع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة . هذا لو كان في الوقت المشترك ، وأمّا لو كان في الوقت المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية ، وعدم وجوب إعادة الاُولى .

آخر(1) صلاته وأتمّ ، ثمّ أعاد الصلاة احتياطاً بعد الإتيان بصلاة الاحتياط .

العاشرة : إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أ نّه سلّم على الثلاث وهذه اُولى العشاء ، فإن كان بعد الركوع بطلت ووجب عليه إعادة المغرب ، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة من قوله : بحول اللّه وللقيام وللتسبيحات احتياطاً ، وإن كان في وجوبها إشكال ؛ من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب .

الحادية عشرة : إذا شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث ، وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة ، فلا إشكال في أ نّه يجب عليه أن يبني على الثلاث ، لكن هل عليه أن يتشهّد أم لا ؟ وجهان ، لا يبعد عدم الوجوب ، بل وجوب قضائه بعد الفراغ ؛ إمّا لأ نّه مقتضى البناء(2) على الثلاث ، وإمّا لأ نّه لا يعلم بقاء محلّ التشهّد من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية وكونه فيها مشكوك ، بل محكوم بالعدم ، وأمّا لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في الثانية ، فحكمه المضيّ والقضاء بعد السلام ؛ لأنّ الشكّ بعد تجاوز محلّه .

الثانية عشرة : إذا شكّ في أ نّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة

ص: 679


1- بل يأتي بها بقصد ما في الذمّة ، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط ولا تجب إعادة الصلاة . هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعة واحدة ، وأمّا إذا كانت ركعتين كالشكّ بين الاثنتين والأربع فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة .
2- هذا هو الوجه لا الوجه الآتي فإنّه ضعيف ، وكذا الحال في الفرع الآتي فإنّ الوجه فيه هو الوجه في الأوّل ، لا ما ذكره لضعفه .

بنى على الثاني(1) ؛ لأ نّه شاكّ بين الثلاث والأربع ، ويجب عليه الركوع ؛ لأ نّه شاكّ فيه مع بقاء محلّه ، وأيضاً هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة ، وأمّا لو انعكس بأن كان شاكّاً في أ نّه قبل الركوع من الثالثة ، أو بعده من الرابعة ، فيحتمل وجوب البناء على الأربع بعد الركوع ، فلا يركع بل يسجد ويتمّ ، وذلك لأنّ مقتضى البناء على الأكثر البناء عليه من حيث إنّه أحد طرفي شكّه ، وطرف الشكّ الأربع بعد الركوع ، لكن لا يبعد بطلان صلاته ؛ لأ نّه شاكّ في الركوع من هذه الركعة ومحلّه باقٍ ، فيجب عليه أن يركع ، ومعه يعلم إجمالاً أ نّه إمّا زاد ركوعاً أو نقص ركعة ، فلا يمكن إتمام الصلاة مع البناء على الأربع ، والإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي .

الثالثة عشرة : إذا كان قائماً وهو في الركعة الثانية من الصلاة ، وعلم أ نّه أتى في هذه الصلاة بركوعين ، ولا يدري أ نّه أتى بكليهما في الركعة الاُولى حتّى تكون الصلاة باطلة أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة ، فالظاهر بطلان الصلاة ؛ لأ نّه شاكّ في ركوع هذه الركعة ، ومحلّه باقٍ فيجب عليه أن يركع ، مع أ نّه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته ، ولا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محلّه ، فلا يمكنه تصحيح الصلاة .

الرابعة عشرة : إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أ نّه ترك سجدتين ، ولكن لم يدر أ نّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين وجب عليه الإعادة ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين ، وكذا سجود السهو مرّتين أوّلاً ثمّ الإعادة ، وكذا يجب الإعادة إذا

ص: 680


1- الظاهر هو بطلان الصلاة في هذه الصورة دون عكسها ، فيبني على الأربع ويأتي بالركوع ، ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ ، لكن الأحوط إعادة الصلاة أيضاً .

كان ذلك في أثناء الصلاة(1) والأحوط إتمام الصلاة وقضاء كلّ منهما وسجود السهو مرّتين ثمّ الإعادة .

الخامسة عشرة : إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية - مثلاً - أ نّه إمّا ترك القراءة أو الركوع ، أو أ نّه إمّا ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة ، وجب عليه(2) الإعادة ، لكن الأحوط هنا أيضاً إتمام الصلاة وسجدتا السهو في الفرض الأوّل وقضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني ثمّ الإعادة ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فكذلك .

السادسة عشرة : لو علم قبل أن يدخل في الركوع أ نّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة ، وجب عليه العود(3) لتداركهما والإتمام ثمّ الإعادة ، ويحتمل الاكتفاء بالإتيان بالقراءة والإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت ، بدعوى أنّ وجوب القراءة عليه معلوم ؛ لأ نّه إمّا تركها أو ترك السجدتين ، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها ويكون الشكّ بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الذي هو القنوت ، وأمّا إذا كان قبل الدخول في القنوت ، فيكفي الإتيان بالقرائة ؛ لأنّ الشكّ فيها في محلّها ، وبالنسبة إلى

ص: 681


1- الأقوى مع احتمال تركهما من الركعة التي بيده وبقاء المحلّ الشكّي الإتيان بهما ولا شيء عليه .
2- لا يبعد صحّة صلاته في الفرض الأوّل ؛ سواء حصل الشكّ بعد المحلّ الشكّي أو بعد الفراغ ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام والإعادة ، كما أ نّه لا ينبغي تركه بالجمع بين الوظيفتين في الفرع الثاني ، وكذا إذا كان بعد الفراغ .
3- الأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة مع بقاء المحلّ الشكّي وكذا في الفرع الآتي أخيراً المشابه لذلك ، ولزوم العود لتداركهما فيما إذا ورد في الغير ولم يبق المحلّ الشكّي ، وما ذكره من الوجه لانحلال العلم الإجمالي ضعيف .

السجدتين بعد التجاوز ، وكذا الحال لو علم بعد القيام إلى الثالثة أ نّه إمّا ترك السجدتين أو التشهّد ، أو ترك سجدة واحدة أو التشهّد ، وأمّا لو كان قبل القيام(1) فيتعيّن الإتيان بهما مع الاحتياط بالإعادة .

السابعة عشرة : إذا علم بعد القيام إلى الثالثة أ نّه ترك التشهّد وشكّ في أ نّه ترك السجدة أيضاً أم لا ، يحتمل(2) أن يقال : يكفي الإتيان بالتشهّد ؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إلى السجدة بعد الدخول في الغير الذي هو القيام فلا اعتناء به ، والأحوط الإعادة بعد الإتمام ؛ سواء أتى بهما أو بالتشهّد فقط .

الثامنة عشرة : إذا علم إجمالاً أ نّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشكّ في الآخر ، فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكّه ، وإن كان قبله يجب عليه(3) الإتيان بهما ؛ لأ نّه شاكّ في كلّ منهما مع بقاء المحلّ ، ولا يجب الإعادة بعد الإتمام وإن كان أحوط .

التاسعة عشرة : إذا علم أ نّه إمّا ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة ، فإن كان جالساً ولم يدخل في القيام أتى بالتشهّد وأتمّ الصلاة وليس عليه شيء ، وإن كان حال النهوض إلى القيام أو بعد الدخول فيه مضى وأتمّ الصلاة وأتى بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو ، والأحوط إعادة الصلاة أيضاً ويحتمل(4) وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام وقضاء السجدة فقط مع سجود

ص: 682


1- لا يبعد جواز الاكتفاء بالتشهّد مع عدم وجوب الإعادة .
2- هذا هو الأقوى لا لما ذكره من الدخول في الغير ، بل لما استظهرنا من الأدلّة من عدم لزوم الدخول في الغير ، بل اللازم هو التجاوز عن المحلّ ولو لم يدخل في الغير المترتّب عليه .
3- لا يبعد جواز الاكتفاء بالتشهّد من غير لزوم الإعادة .
4- هذا هو الأقوى .

السهو ، وعليه أيضاً الأحوط الإعادة أيضاً .

العشرون : إذا علم أ نّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة ، فإن كان قبل الدخول في التشهّد أو قبل النهوض إلى القيام أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه ، وجب عليه العود إليها لبقاء المحلّ ولا شيء عليه ؛ لأ نّه بالنسبة إلى الركعة السابقة شكّ بعد تجاوز المحلّ ، وإن كان بعد الدخول في التشهّد أو في القيام مضى وأتمّ الصلاة وأتى بقضاء السجدة وسجدتي السهو ، ويحتمل(1) وجوب العود لتدارك السجدة من هذه الركعة والإتمام وقضاء السجدة مع سجود السهو ، والأحوط على التقديرين إعادة الصلاة أيضاً .

الحادية والعشرون : إذا علم أ نّه إمّا ترك جزءاً مستحبّاً كالقنوت - مثلاً - أو جزءاً واجباً(2) - سواء كان ركناً أو غيره من الأجزاء التي لها قضاء كالسجدة والتشهّد ، أو من الأجزاء التي يجب سجود السهو لأجل نقصانها - صحّت صلاته ولا شيء عليه ، وكذا لو علم أ نّه إمّا ترك الجهر أو الإخفات في موضعهما ، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة ؛ لعدم الأثر لترك الجهر والإخفات ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشكّ البدوي .

الثانية والعشرون : لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم إجمالاً أ نّه إمّا زاد فيها ركناً أو نقص ركناً ، وأمّا في النافلة فلا تكون باطلة ؛ لأنّ زيادة الركن فيها مغتفرة والنقصان مشكوك ، نعم لو علم أ نّه إمّا نقص فيها ركوعاً أو سجدتين بطلت(3) ، ولو علم إجمالاً أ نّه إمّا نقص فيها ركوعاً - مثلاً - أو سجدة واحدة أو

ص: 683


1- وهو الأقوى كما مرّ .
2- مع تجاوز محلّه ، وكذا في الفرع الآتي .
3- على الأحوط .

ركوعاً أو تشهّداً أو نحو ذلك ممّا ليس بركن لم يحكم بإعادتها ؛ لأنّ نقصان ما عدا الركن فيها لا أثر له من بطلان أو قضاء أو سجود سهو ، فيكون احتمال نقص الركن كالشكّ البدوي .

الثالثة والعشرون : إذا تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية - مثلاً - أ نّه ترك سجدة من الركعة الاُولى وترك أيضاً ركوع هذه الركعة ، جعل السجدة التي أتى بها للركعة الاُولى ، وقام وقرأ وقنت وأتمّ صلاته ، وكذا لو علم أ نّه ترك سجدتين من الاُولى وهو في السجدة الثانية من الثانية ، فيجعلهما للاُولى ويقوم إلى الركعة الثانية ، وإن تذكّر بين السجدتين سجد اُخرى بقصد الركعة الاُولى ويتمّ ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الركعات إذا تذكّر بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية أ نّه ترك السجدة من السابقة وركوع هذه الركعة ، ولكن الأحوط في جميع هذه الصور إعادة الصلاة بعد الإتمام .

الرابعة والعشرون : إذا صلّى الظهر والعصر وعلم بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية(1) ركعة ثمّ سجد للسهو عن السلام في غير المحلّ ثمّ أعاد الاُولى ، بل الأحوط أن لا ينوي الاُولى ، بل يصلّي أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ؛ لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّة محسوبة ظهراً .

الخامسة والعشرون : إذا صلّى المغرب والعشاء ثمّ علم بعد السلام من العشاء أ نّه نقص من إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً

ص: 684


1- مرّ الكلام فيها في المسألة الثامنة ، وكذا الكلام في المسألة الآتية .

وجب عليه إعادتهما ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى العشاء ركعة ثمّ يسجد سجدتي السهو ثمّ يعيد المغرب .

السادسة والعشرون : إذا صلّى الظهرين وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالاً أ نّه إمّا ترك ركعة من الظهر والتي بيده رابعة العصر أو أنّ ظهره تامّة وهذه الركعة ثالثة العصر ، فبالنسبة إلى الظهر شكّ بعد الفراغ ، ومقتضى القاعدة البناء على كونها تامّة ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ومقتضى البناء على الأكثر الحكم بأنّ ما بيده رابعتها والإتيان بصلاة الاحتياط بعد إتمامها ، إلاّ أ نّه لا يمكن إعمال(1) القاعدتين معاً ؛ لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة ، وإن كان ما بيده رابعة فلا يكون الظهر تامّة ، فيجب إعادة الصلاتين ؛ لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين ، نعم الأحوط الإتيان بركعة اُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين ؛ لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات ، وكذا الحال في العشاءين إذا علم أ نّه إمّا صلّى المغرب ركعتين وما بيده رابعة العشاء أو صلاّها ثلاث ركعات ، وما بيده ثالثة العشاء .

السابعة والعشرون : لو علم أ نّه صلّى الظهرين ثمان ركعات ولكن لم يدر أ نّه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة وزاد في الاُخرى ، بنى على أ نّه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ؛ عملاً بقاعدة عدم اعتبار الشكّ بعد

ص: 685


1- لا مانع من إعمالهما ، فإنّ إعمال قاعدة الفراغ لا يثبت كون العصر ناقصاً ، ومع بقاء الشكّ يجبر نقصه - إن كان - بصلاة الاحتياط ، فمع احتمال تمامية الظهر ونقص العصر يكون المورد مجرى القاعدتين ، ويحتمل الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة ؛ للعلم بنقصان ركعة إمّا من الظهر أو من العصر ، فيأتي بركعة متّصلة لجبر الناقص بعد ما قوّينا من عدم إبطال إقحام صلاة في صلاة نسياناً ، وكون الترتيب للماهيتين لا لأجزائهما .

السلام ، وكذا إذا علم أ نّه صلّى العشاءين سبع ركعات ، وشكّ بعد السلام في أ نّه صلّى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة أو نقص من إحداهما وزاد في الاُخرى فيبني على صحّتهما .

الثامنة والعشرون : إذا علم أ نّه صلّى الظهرين ثمان ركعات وقبل السلام من العصر شكّ في أ نّه هل صلّى الظهر أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر ، أو أ نّه نقّص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث وهذه التي بيده خامسة العصر ؟ فبالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الأربع والخمس ، فيحكم بصحّة الصلاتين ؛ إذ لا مانع من إجراء القاعدتين ، فبالنسبة إلى الظهر يجري قاعدة الفراغ والشكّ بعد السلام ، فيبني على أ نّه سلّم على أربع ، وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشكّ بين الأربع والخمس ، فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فيتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو ، وكذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السلام من العشاء أ نّه صلّى سبع ركعات وشكّ في أ نّه سلّم من المغرب على ثلاث فالتي بيده رابعة العشاء ، أو سلّم على الاثنتين فالتي بيده خامسة العشاء ، فإنّه يحكم بصحّة الصلاتين وإجراء القاعدتين .

التاسعة والعشرون : لو انعكس الفرض السابق ؛ بأن شكّ - بعد العلم بأ نّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السلام من العصر - في أ نّه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر ، أو صلاّها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر ، فبالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ولا وجه(1)

ص: 686


1- بل له وجه وجيه ، ولا وجه لإعادة الصلاتين ، ولا يجوز العدول بعد الحكم بصحّة صلاة الظهر والعصر مع العلاج ، وكذا الحال في العشاءين ، والأحوط إعادة العصر والعشاء بعد العمل بالشكّ .

لإعمال قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع في العصر ؛ لأ نّه إن صلّى الظهر أربعاً فعصره أيضاً أربعة فلا محلّ لصلاة الاحتياط ، وإن صلّى الظهر خمساً فلا وجه للبناء على الأربع في العصر وصلاة الاحتياط ، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين . نعم ، لو عدل بالعصر إلى الظهر وأتى بركعة اُخرى وأتمّها يحصل له العلم بتحقّق ظهر صحيحة مردّدة بين الاُولى إن كان في الواقع سلّم فيها على الأربع ، وبين الثانية المعدول بها إليها إن كان سلّم فيها على الخمس ، وكذا الحال في العشاءين إذا شكّ بعد العلم بأ نّه صلّى سبع ركعات قبل السلام من العشاء في أ نّه سلّم في المغرب على الثلاث حتّى يكون ما بيده رابعة العشاء ، أو على الأربع حتّى يكون ما بيده ثالثتها ، وهنا أيضاً إذا عدل إلى المغرب وأتمّها يحصل له العلم بتحقّق مغرب صحيحة ؛ إمّا الاُولى أو الثانية المعدول إليها ، وكونه شاكّاً بين الثلاث والأربع ، مع أنّ الشكّ في المغرب مبطل لا يضرّ بالعدول ؛ لأنّ في هذه الصورة يحصل العلم بصحّتها مردّدة بين هذه والاُولى ، فلا يكتفي بهذه فقط حتّى يقال : إنّ الشكّ في ركعاتها يضرّ بصحّتها .

الثلاثون : إذا علم أ نّه صلّى الظهرين تسع ركعات ولا يدري أ نّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر ، فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، وإن كان قبل السلام فبالنسبة إلى الظهر يكون من الشكّ بعد السلام ، وبالنسبة إلى العصر من الشكّ بين الأربع والخمس ، ولا يمكن إعمال الحكمين ، لكن لو كان بعد إكمال(1) السجدتين عدل إلى الظهر وأتمّ الصلاة وسجد للسهو يحصل له اليقين بظهر صحيحة ؛ إمّا الاُولى أو الثانية .

ص: 687


1- وأمّا قبله فالظاهر الحكم بصحّة الاُولى وبطلان الثانية ، لكن الأحوط العدول ، وأمّا سجدة السهو فلا تجب .

الحادية والثلاثون : إذا علم أ نّه صلّى العشاءين ثمان ركعات ولا يدري أ نّه زاد الركعة الزائدة في المغرب أو في العشاء وجب إعادتهما ؛ سواء كان الشكّ بعد السلام من العشاء أو قبله(1) .

الثانية والثلاثون : لو أتى بالمغرب ثمّ نسي الإتيان بها بأن اعتقد عدم الإتيان أو شكّ فيه ، فأتى بها ثانياً وتذكّر قبل السلام أ نّه كان آتياً بها ، ولكن علم بزيادة ركعة إمّا في الاُولى أو الثانية ، له أن يتمّ(2) الثانية ويكتفي بها ؛ لحصول العلم بالإتيان بها إمّا أوّلاً أو ثانياً ، ولا يضرّه كونه شاكّاً في الثانية بين الثلاث والأربع مع أنّ الشكّ في ركعات المغرب موجب للبطلان ؛ لما عرفت سابقاً من أنّ ذلك إذا لم يكن هناك طرف آخر يحصل معه اليقين بالإتيان صحيحاً ، وكذا الحال إذا أتى بالصبح ثمّ نسي وأتى بها ثانياً وعلم بالزيادة إمّا في الاُولى أو الثانية .

الثالثة والثلاثون : إذا شكّ في الركوع وهو قائم وجب عليه الإتيان به ، فلو نسي حتّى دخل في السجود ، فهل يجري عليه حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ أم لا ؟ الظاهر عدم الجريان ؛ لأنّ الشكّ السابق باقٍ وكان قبل تجاوز المحلّ ، وهكذا لو شكّ في السجود قبل أن يدخل في التشهّد ثمّ دخل فيه نسياناً وهكذا .

الرابعة والثلاثون : لو علم نسيان شيء قبل فوات محلّ المنسيّ ووجب عليه التدارك ، فنسي حتّى دخل في ركن بعده ، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً ، يمكن(3) إجراء قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ ، والحكم بالصحّة إن

ص: 688


1- بعد إكمال السجدتين ، وأمّا قبله فالظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى .
2- لكنّه ليس بواجب ويجوز الاكتفاء بالاُولى ، وكذا الحال في الصبح .
3- إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي ، وأمّا إذا كان في المحلّ فإجراؤها محلّ إشكال وتأمّل ؛ وإن كان لا يخلو من قرب .

كان ذلك الشيء ركناً ، والحكم بعدم وجوب القضاء وسجدتي السهو فيما يجب فيه ذلك ، لكن الأحوط مع الإتمام إعادة الصلاة إذا كان ركناً ، والقضاء وسجدتا السهو في مثل السجدة والتشهّد ، وسجدتا السهو فيما يجب في تركه السجود .

الخامسة والثلاثون : إذا اعتقد نقصان السجدة أو التشهّد ممّا يجب قضاؤه ، أو ترك ما يوجب سجود السهو في أثناء الصلاة ، ثمّ تبدّل اعتقاده بالشكّ في الأثناء أو بعد الصلاة قبل الإتيان به ، سقط وجوبه ، وكذا إذا اعتقد بعد السلام نقصان ركعة أو غيرها ثمّ زال اعتقاده .

السادسة والثلاثون : إذا تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي عمداً أو سهواً نقصان الصلاة ، وشكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان ، فالظاهر أ نّه يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، فيبني على الأكثر ويأتي بالقدر المتيقّن نقصانه - وهو ركعة اُخرى - ويأتي بصلاة احتياطه ، وكذا إذا تيقّن نقصان ركعة وبعد الشروع فيها شكّ في ركعة اُخرى ، وعلى هذا فإن كان مثل ذلك في صلاة المغرب والصبح يحكم ببطلانهما ، ويحتمل(1) جريان حكم الشكّ بعد السلام بالنسبة إلى الركعة المشكوكة فيأتي بركعة واحدة من دون الإتيان بصلاة الاحتياط ، وعليه فلا تبطل الصبح والمغرب أيضاً بمثل ذلك ويكون كمن علم نقصان ركعة فقط .

السابعة والثلاثون : لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة ، ثمّ شكّ في أ نّه أتى بها أم لا ، ففي وجوب الإتيان بها لأصالة عدمه ، أو جريان حكم

ص: 689


1- لكنّه لا وجه له .

الشكّ في الركعات عليه ، وجهان ، والأوجه الثاني(1) وأمّا احتمال جريان حكم الشكّ بعد السلام عليه فلا وجه له ؛ لأنّ الشكّ بعد السلام لا يعتنى به إذا تعلّق بما في الصلاة وبما قبل السلام ، وهذا متعلّق بما وجب بعد السلام .

الثامنة والثلاثون : إذا علم أنّ ما بيده رابعة ويأتي به بهذا العنوان ، لكن لا يدري أ نّها رابعة واقعية أو رابعة بنائية وأ نّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة بعد البناء على الثلاث ، فهل يجب عليه صلاة الاحتياط ؛ لأ نّه وإن كان عالماً بأ نّها رابعة في الظاهر إلاّ أ نّه شاكّ من حيث الواقع فعلاً بين الثلاث والأربع ، أو لا يجب لأصالة عدم شكّ سابق ، والمفروض أ نّه عالم بأ نّها رابعته فعلاً ؟ وجهان ، والأوجه الأوّل .

التاسعة والثلاثون : إذا تيقّن بعد القيام إلى الركعة التالية أ نّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهّداً ، ثمّ شكّ في أ نّه هل رجع وتدارك ثمّ قام ، أو هذا القيام هو القيام الأوّل ، فالظاهر وجوب العود إلى التدارك ؛ لأصالة عدم الإتيان بها بعد تحقّق الوجوب ، واحتمال جريان حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ ؛ لأنّ المفروض أ نّه فعلاً شاكّ وتجاوز عن محلّ الشكّ ، لا وجه له ؛ لأنّ الشكّ إنّما حدث بعد تعلّق الوجوب ، مع كونه في المحلّ بالنسبة إلى النسيان ، ولم يتحقّق التجاوز بالنسبة إلى هذا الواجب .

الأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - فبنى على الأربع ، ثمّ أتى

ص: 690


1- بل الأوجه الأوّل على ما هو ظاهر المفروض من الشكّ في إتيانها تامّاً وعدم إتيانها رأساً ، فإنّه مع الإتيان بركعة متّصلة يقطع ببراءة الذمّة ، وأدلّة البناء على الأكثر لا تشمل المفروض . نعم ، مع القطع بعدم تحقّق السلام وعروض الشكّ في حينه ، فالظاهر جريان حكم الشكّ ، لكنّه خلاف المفروض ظاهراً .

بركعة اُخرى سهواً ، فهل تبطل صلاته من جهة زيادة الركعة ، أم يجري عليه حكم الشكّ بين الأربع والخمس ؟ وجهان ، والأوجه الأوّل .

الحادية والأربعون : إذا شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ، ثمّ أتى به نسياناً ، فهل تبطل صلاته من جهة الزيادة الظاهرية ، أو لا من جهة عدم العلم بها بحسب الواقع ؟ وجهان(1) ، والأحوط الإتمام والإعادة .

الثانية والأربعون : إذا كان في التشهّد فذكر أ نّه نسي الركوع ومع ذلك شكّ في السجدتين أيضاً ، ففي بطلان الصلاة من حيث إنّه بمقتضى قاعدة التجاوز محكوم بأ نّه أتى بالسجدتين فلا محلّ لتدارك الركوع ، أو عدمه ؛ إمّا لعدم شمول قاعدة التجاوز في مورد يلزم من إجرائها بطلان الصلاة ، وإمّا لعدم إحراز الدخول في ركن آخر ومجرّد الحكم بالمضيّ لا يثبت الإتيان ؟ وجهان ، والأوجه الثاني ، ويحتمل الفرق(2) بين سبق تذكّر النسيان وبين سبق الشكّ في السجدتين ، والأحوط العود إلى التدارك ، ثمّ الإتيان بالسجدتين وإتمام الصلاة ثمّ الإعادة ، بل لا يترك هذا الاحتياط .

الثالثة والأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - وعلم أ نّه على فرض الثلاث ترك ركناً أو ما يوجب القضاء أو ما يوجب سجود السهو ، لا إشكال(3) في البناء على الأربع وعدم وجوب شيء عليه وهو واضح ، وكذا إذا علم أ نّه على فرض الأربع ترك ما يوجب القضاء أو ما يوجب سجود السهو ؛ لعدم إحراز ذلك بمجرّد التعبّد بالبناء على الأربع ، وأمّا إذا علم أ نّه على فرض الأربع ترك ركناً أو

ص: 691


1- أوجههما الأوّل .
2- ولكنّه ضعيف .
3- الظاهر هو بطلان صلاته في الصورة الاُولى ؛ وهي ما علم ترك ركن على فرض الثلاث .

غيره ممّا يوجب بطلان الصلاة ، فالأقوى بطلان صلاته لا لاستلزام البناء على الأربع ذلك ؛ لأ نّه لا يثبت ذلك ، بل للعلم(1) الإجمالي بنقصان الركعة أو ترك الركن - مثلاً - فلا يمكن البناء على الأربع حينئذٍ .

الرابعة والأربعون : إذا تذكّر بعد القيام أ نّه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها ، فإن أتى بالجلوس بين السجدتين ثمّ نسي السجدة الثانية يجوز له الانحناء إلى السجود من غير جلوس ، وإن لم يجلس أصلاً وجب عليه الجلوس ثمّ السجود ، وإن جلس بقصد الاستراحة والجلوس بعد السجدتين ففي كفايته عن الجلوس بينهما وعدمها وجهان ، الأوجه الأوّل ، ولا يضرّ نيّة الخلاف ، لكن الأحوط الثاني ، فيجلس ثمّ يسجد .

الخامسة والأربعون : إذا علم بعد القيام أو الدخول في التشهّد نسيان إحدى السجدتين وشكّ في الاُخرى ، فهل يجب عليه إتيانهما ؛ لأ نّه إذا رجع إلى تدارك المعلوم يعود محلّ المشكوك أيضاً ، أو يجري بالنسبة إلى المشكوك حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل(2) والأحوط إعادة الصلاة أيضاً .

السادسة والأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - وبعد السلام قبل الشروع في صلاة الاحتياط علم أ نّها كانت أربعاً ثمّ عاد شكّه ، فهل يجب عليه صلاة الاحتياط لعود الموجب وهو الشكّ ، أو لا لسقوط التكليف عنه حين العلم ، والشكّ بعده شكّ بعد الفراغ ؟ وجهان(3) ، والأحوط الأوّل .

ص: 692


1- بل لعدم شمول أدلّة البناء لهذا الفرض .
2- بل الأوجه الثاني .
3- في المسألة وجوه ، أقربها الإتيان بركعة متّصلة ، وأحوطها إتيان التكبيرة بقصد القربة المطلقة والقراءة بقصد الرجاء والقربة .

السابعة والأربعون : إذا دخل في السجود من الركعة الثانية فشكّ في ركوع هذه الركعة وفي السجدتين من الاُولى ، ففي البناء على إتيانها من حيث إنّه شكّ بعد تجاوز المحلّ ، أو الحكم بالبطلان لأوله إلى الشكّ بين الواحدة والاثنتين وجهان ، الأوجه الأوّل ، وعلى هذا فلو فرض الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع الركعة التي بيده وفي السجدتين من السابقة ، لا يرجع إلى الشكّ بين الواحدة والاثنتين حتّى تبطل الصلاة ، بل هو من الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال ، نعم لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور يرجع إلى الشكّ بين الواحدة والاثنتين ؛ لأ نّه عالم حينئذٍ باحتساب ركعتيه بركعة .

الثامنة والأربعون : لا يجري حكم كثير الشكّ في صورة العلم الإجمالي ، فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالاً من غير تعيين يجب عليه مراعاته ، وإن كان شاكّاً بالنسبة إلى كلّ منهما ، كما لو علم حال القيام أ نّه إمّا ترك التشهّد أو السجدة ، أو علم إجمالاً أ نّه إمّا ترك الركوع أو القراءة وهكذا ، أو علم بعد الدخول في الركوع أ نّه إمّا ترك سجدة واحدة أو تشهّداً ، فيعمل في كلّ واحد من هذه الفروض حكم العلم الإجمالي المتعلّق به ، كما في غير كثير الشكّ .

التاسعة والأربعون : لو اعتقد أ نّه قرأ السورة - مثلاً - وشكّ في قراءة «الحمد» فبنى على أ نّه قرأه لتجاوز محلّه ، ثمّ بعد الدخول في القنوت تذكّر أ نّه لم يقرأ السورة ، فالظاهر وجوب قراءة «الحمد» أيضاً ؛ لأنّ شكّه الفعلي وإن كان بعد تجاوز المحلّ بالنسبة إلى «الحمد» ، إلاّ أ نّه هو الشكّ الأوّل الذي كان في الواقع قبل تجاوز المحلّ ، وحكمه الاعتناء به والعود إلى الإتيان بما شكّ فيه .

ص: 693

الخمسون : إذا علم أ نّه إمّا ترك سجدة أو زاد ركوعاً ، فالأحوط(1) قضاء السجدة وسجدتا السهو ثمّ إعادة الصلاة ، ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بالقضاء وسجدتا السهو ؛ عملاً بأصالة عدم الإتيان بالسجدة وعدم زيادة الركوع .

الحادية والخمسون : لو علم أ نّه إمّا ترك سجدة من الاُولى أو زاد سجدة في الثانية ، وجب(2) عليه قضاء السجدة والإتيان بسجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة ؛ من كونهما للنقيصة أو للزيادة .

الثانية والخمسون : لو علم أ نّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً ، وجب(3) الإتيان بقضائهما وسجدة السهو مرّة .

الثالثة والخمسون : إذا شكّ في أ نّه صلّى المغرب والعشاء أم لا قبل أن ينتصف(4) الليل ، والمفروض أ نّه عالم بأ نّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلاّ ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها ، فيحتمل أن يكون الصلاتان الباقيتان المغرب والعشاء ، ويحتمل أن يكون آتياً بهما ونسي اثنتين من صلوات النهار ، وجب عليه الإتيان بالمغرب والعشاء فقط ؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إلى صلوات النهار بعد الوقت ، وبالنسبة إليهما في وقتهما ، ولو علم أ نّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلاّ صلاتين أضاف إلى المغرب والعشاء قضاء ثنائية ورباعية ،

ص: 694


1- لا يترك مع فوت المحلّ الذكري ، ومع عدم فوته يأتي بالسجدة ويعيد الصلاة على الأحوط ، وما في المتن من جريان الأصلين غير تامّ ؛ لعدم جريان أصالة عدم السجدة لإثبات القضاء وسجدة السهو ؛ لأنّ الموضوع للحكم ليس الترك المطلق ، والترك عن سهو ليس له الحالة السابقة .
2- بل لا يجب عليه شيء .
3- على الأحوط .
4- بمقدار أدائهما .

وكذا إن علم أ نّه لم يصلّ إلاّ صلاة واحدة(1) .

الرابعة والخمسون : إذا صلّى الظهر والعصر ، ثمّ علم إجمالاً أ نّه شكّ في إحداهما بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ، ولا يدري أنّ الشكّ المذكور في أيّهما كان ، يحتاط(2) بإتيان صلاة الاحتياط وإعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة .

الخامسة والخمسون : إذا علم إجمالاً أ نّه إمّا زاد قراءة أو نقصها ، يكفيه(3) سجدتا السهو مرّة ، وكذا إذا علم أ نّه إمّا زاد التسبيحات الأربع أو نقصها .

السادسة والخمسون : إذا شكّ في أ نّه هل ترك الجزء الفلاني عمداً أم لا ؟ فمع بقاء محلّ الشكّ لا إشكال في وجوب الإتيان به ، وأمّا مع تجاوزه فهل تجري قاعدة الشكّ بعد التجاوز أم لا ؛ لانصراف أخبارها عن هذه الصورة خصوصاً بملاحظة قوله : «كان حين العمل أذكر» ؟ وجهان ، والأحوط الإتيان ثمّ الإعادة .

السابعة والخمسون : إذا توضّأ وصلّى ، ثمّ علم أ نّه إمّا ترك جزءاً من وضوئه أو ركناً في صلاته ، فالأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصلاة ، ولكن لا يبعد جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الوضوء ؛ لأ نّها لا تجري في الصلاة حتّى يحصل التعارض ، وذلك للعلم ببطلان الصلاة على كلّ حال .

الثامنة والخمسون : لو كان مشغولاً بالتشهّد أو بعد الفراغ منه وشكّ في أ نّه صلّى ركعتين وأنّ التشهّد في محلّه ، أو ثلاث ركعات وأ نّه في غير محلّه ، يجري

ص: 695


1- في هذا الفرض يجب الإتيان بالخمس .
2- مع الإتيان بالمنافي يأتي بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة ، ومع عدمه فالأقوى الاكتفاء بصلاة الاحتياط ، والأولى الأحوط قصد ما في الذمّة بها ، وأحوط منه إعادة الاُولى بعد الإتيان بصلاة الاحتياط .
3- لكن لا يجب في الفرعين .

حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، وليس عليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد ؛ لأ نّها غير معلومة وإن كان الأحوط الإتيان بهما أيضاً بعد صلاة الاحتياط .

التاسعة والخمسون : لو شكّ في شيء وقد دخل في غيره الذي وقع في غير محلّه ، كما لو شكّ في السجدة من الركعة الاُولى أو الثالثة ودخل في التشهّد ، أو شكّ في السجدة من الركعة الثانية وقد قام قبل أن يتشهّد ، فالظاهر البناء على الإتيان وأنّ الغير أعمّ(1) من الذي وقع في محلّه أو كان زيادة في غير المحلّ ، ولكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضاً .

الستّون : لو بقي من الوقت أربع ركعات للعصر وعليه صلاة الاحتياط من جهة الشكّ في الظهر ، فلا إشكال في مزاحمتها للعصر ما دام يبقى لها من الوقت ركعة ، بل وكذا لو كان عليه قضاء السجدة(2) أو التشهّد ، وأمّا لو كان عليه سجدتا السهو ، فهل يكون كذلك أو لا ؟ وجهان ؛ من أ نّهما من متعلّقات الظهر ، ومن أنّ وجوبهما استقلالي وليستا جزءاً أو شرطاً لصحّة الظهر ، ومراعاة الوقت للعصر أهمّ فتقدّم العصر ثمّ يؤتي بهما بعدها ويحتمل التخيير .

الحادية والستّون : لو قرأ في الصلاة شيئاً بتخيّل أ نّه ذكر أو دعاء أو قرآن ، ثمّ تبيّن أ نّه كلام الآدمي ، فالأحوط(3) سجدتا السهو ، لكن الظاهر عدم وجوبهما ؛ لأ نّهما إنّما تجبان عند السهو وليس المذكور من باب السهو ، كما أنّ الظاهر عدم وجوبهما في سبق اللسان إلى شيء ، وكذا إذا قرأ شيئاً غلطاً

ص: 696


1- مرّ الكلام فيه في المسألة السابعة عشر .
2- فيه وفي قضاء التشهّد تأمّل ، ويحتمل التخيير هاهنا أيضاً .
3- لا يترك ، كما أنّ الأحوط إتيانهما لسبق اللسان ؛ وإن كان عدم الوجوب له لا يخلو من قوّة .

من جهة الإعراب أو المادّة ومخارج الحروف .

الثانية والستّون : لا يجب سجود السهو فيما لو عكس الترتيب الواجب سهواً ، كما إذا قدّم السورة على «الحمد» وتذكّر في الركوع ، فإنّه لم يزد شيئاً ولم ينقص وإن كان الأحوط الإتيان معه ؛ لاحتمال كونه من باب نقص السورة ، بل مرّة اُخرى لاحتمال كون السورة المتقدّمة على «الحمد» من الزيادة .

الثالثة والستّون : إذا وجب عليه قضاء السجدة المنسيّة أو التشهّد المنسيّ ثمّ أبطل صلاته أو انكشف بطلانها ، سقط وجوبه ؛ لأ نّه إنّما يجب في الصلاة الصحيحة ، وأمّا لو أوجد ما يوجب سجود السهو ثمّ أبطل صلاته ، فالأحوط إتيانه وإن كان الأقوى سقوط وجوبه أيضاً ، وكذا إذا انكشف بطلان صلاته ، وعلى هذا فإذا صلّى ثمّ أعادها احتياطاً - وجوباً أو ندباً - وعلم بعد ذلك وجود سبب سجدتي السهو في كلّ منهما ، يكفيه إتيانهما مرّة واحدة ، وكذا إذا كان عليه فائتة مردّدة بين صلاتين أو ثلاث - مثلاً - فاحتاط بإتيان صلاتين أو ثلاثة صلوات ، ثمّ علم تحقّق سبب السجود في كلّ منها ، فإنّه يكفيه الإتيان به مرّة بقصد الفائتة الواقعية ؛ وإن كان الأحوط التكرار بعدد الصلوات .

الرابعة والستّون : إذا شكّ في أ نّه هل سجد سجدة واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، فإن لم يتجاوز محلّها بنى على واحدة وأتى باُخرى ، وإن تجاوز بنى على الاثنتين ولا شيء عليه ؛ عملاً بأصالة عدم الزيادة ، وأمّا إن علم أ نّه إمّا سجد واحدة أو ثلاثاً وجب عليه(1) اُخرى ما لم يدخل في الركوع ، وإلاّ قضاها بعد الصلاة وسجد للسهو .

الخامسة والستّون : إذا ترك جزءاً من أجزاء الصلاة من جهة الجهل بوجوبه ،

ص: 697


1- بل لا يجب عليه التدارك ولا القضاء والسجدة .

أعاد الصلاة على الأحوط وإن لم يكن من الأركان ، نعم لو كان الترك مع الجهل بوجوبه مستنداً إلى النسيان ؛ بأن كان بانياً على الإتيان به باعتقاد استحبابه فنسي وتركه ، فالظاهر عدم البطلان وعدم وجوب الإعادة إذا لم يكن من الأركان .

فصل : في صلاة العيدين ؛ الفطر والأضحى

اشارة

وهي كانت واجبة في زمان حضور الإمام علیه السلام مع اجتماع شرائط وجوب الجمعة ، وفي زمان الغيبة مستحبّة جماعة(1) وفرادى ، ولا يشترط فيها شرائط الجمعة وإن كانت بالجماعة ، فلا يعتبر فيها العدد من الخمسة أو السبعة ، ولا بعد فرسخ بين الجماعتين ونحو ذلك ، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، ولا قضاء لها لو فاتت ، ويستحبّ تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس ، وفي عيد الفطر يستحبّ تأخيرها أزيد بمقدار الإفطار وإخراج الفطرة .

وهي ركعتان يقرأ في الاُولى منهما «الحمد» وسورة ، ويكبّر خمس تكبيرات عقيب كلّ تكبيرة قنوت ، ثمّ يكبّر للركوع ويركع ويسجد ، ثمّ يقوم للثانية وفيها بعد «الحمد» وسورة يكبّر أربع تكبيرات، ويقنت بعد كلّ منها ، ثمّ يكبّر للركوع ويتمّ الصلاة ، فمجموع التكبيرات فيها اثنتا عشرة : سبع تكبيرات في الاُولى ، وهي تكبيرة الإحرام ، وخمس للقنوت ، وواحدة للركوع ، وفي الثانية خمس تكبيرات أربعة للقنوت ، وواحدة للركوع ، والأظهر(2) وجوب القنوتات

ص: 698


1- الأحوط إتيانها فرادى في زمان الغيبة ، فيسقط بعض الفروع المتفرّعة على الجماعة ، نعم يجوز الإتيان بها جماعة إذا كان المقيم لها فقيهاً .
2- بل الأحوط .

وتكبيراتها ، ويجوز في القنوتات كلّ ما جرى على اللسان من ذكر ودعاء كما في سائر الصلوات ، وإن كان الأفضل الدعاء المأثور ، والأولى أن يقول(1) في كلّ منها : «اللهمّ أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة ، أسأ لُك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ، ولمحمّد صلّى اللّه عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّداً وآل محمّد ، وأن تخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّداً وآل محمّد ، صلواتك عليه وعليهم ، اللهمّ إنّي أسأ لُك خير ما سألك به عبادك الصالحون ، وأعوذ بك ممّا استعاذ منه عبادك المخلصون» ويأتي بخطبتين بعد الصلاة مثل ما يؤتى بهما في صلاة الجمعة ، ومحلّهما هنا بعد الصلاة ، بخلاف الجمعة ، فإنّهما قبلها ، ولا يجوز إتيانهما هنا قبل الصلاة ، ويجوز تركهما في زمان الغيبة وإن كانت الصلاة بجماعة ، ولا يجب الحضور عندهما ولا الإصغاء إليهما ، وينبغي أن يذكر في خطبة عيد الفطر ما يتعلّق بزكاة الفطرة من الشروط والقدر والوقت لإخراجها ، وفي خطبة الأضحى ما يتعلّق بالاُضحية .

(مسألة 1) : لا يشترط في هذه الصلاة سورة مخصوصة ، بل يجزي كلّ سورة ، نعم الأفضل أن يقرأ في الركعة الاُولى سورة «الشمس» ، وفي الثانية سورة «الغاشية» ، أو يقرأ في الاُولى سورة «سبّح اسم» ، وفي الثانية سورة «الشمس» .

(مسألة 2) : يستحبّ فيها اُمور : أحدها : الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد . الثاني : رفع اليدين حال التكبيرات . الثالث : الإصحار بها إلاّ في مكّة ، فإنّه

ص: 699


1- الأحوط أن يأتي به رجاءً .

يستحبّ الإتيان بها في مسجد الحرام . الرابع : أن يسجد على الأرض دون غيرها ممّا يصحّ السجود عليه . الخامس : أن يخرج إليها راجلاً حافياً مع السكينة والوقار . السادس : الغسل قبلها . السابع : أن يكون لابساً عمامة بيضاء . الثامن : أن يشمّر ثوبه إلى ساقه . التاسع : أن يفطر في الفطر قبل الصلاة بالتمر ، وأن يأكل من لحم الاُضحية في الأضحى بعدها . العاشر : التكبيرات عقيب أربع(1) صلوات في عيد الفطر ، أوّلها المغرب في ليلة العيد ، ورابعها صلاة العيد ، وعقيب عشر صلوات في الأضحى إن لم يكن بمنى ، أوّلها ظهر يوم العيد ، وعاشرها صبح اليوم الثاني عشر ، وإن كان بمنى فعقيب خمس عشر صلاة ، أوّلها ظهر يوم العيد ، وآخرها صبح اليوم الثالث عشر ، وكيفية التكبير في الفطر أن يقول : «اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ، اللّه أكبر وللّه الحمد ، اللّه أكبر على ما هدانا» وفي الأضحى يزيد على ذلك : «اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد للّه على ما أبلانا» .

(مسألة 3) : يكره فيها اُمور : الأوّل : الخروج مع السلاح إلاّ في حال الخوف . الثاني : النافلة قبل صلاة العيد وبعدها إلى الزوال ، إلاّ في مدينة الرسول ، فإنّه يستحبّ صلاة ركعتين في مسجدها قبل الخروج إلى الصلاة . الثالث : أن ينقل المنبر إلى الصحراء ، بل يستحبّ أن يعمل هناك منبر من الطين . الرابع : أن يصلّي تحت السقف .

(مسألة 4) : الأولى بل الأحوط ترك النساء لهذه الصلاة إلاّ العجائز .

(مسألة 5) : لا يتحمّل الإمام في هذه الصلاة ما عدا القراءة من الأذكار

ص: 700


1- لا يبعد استحبابها عقيب الظهر والعصر من يوم العيد أيضاً ، وفي صورة التكبيرات اختلاف والأمر سهل .

والتكبيرات والقنوتات ، كما في سائر الصلوات .

(مسألة 6) : إذا شكّ في التكبيرات والقنوتات بنى على الأقلّ(1) ، ولو تبيّن بعد ذلك أ نّه كان آتياً بها لا تبطل صلاته .

(مسألة 7) : إذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات يتابعه فيه ، ويأتي بالبقيّة بعد ذلك ، ويلحقه في الركوع ، ويكفيه أن يقول بعد كلّ تكبير : «سبحان اللّه» أو «الحمد للّه» ، وإذا لم يمهله فالأحوط الانفراد ، وإن كان يحتمل كفاية الإتيان بالتكبيرات ولاءً ، وإن لم يمهله أيضاً أن يترك ويتابعه في الركوع ، كما يحتمل أن يجوز لحوقه إذا أدركه وهو راكع ، لكنّه مشكل ؛ لعدم الدليل على تحمّل الإمام لما عدا القراءة .

(مسألة 8) : لو سها عن القراءة أو التكبيرات أو القنوتات كلاًّ أو بعضاً ، لم تبطل صلاته ، نعم لو سها عن الركوع أو السجدتين أو تكبيرة الإحرام بطلت .

(مسألة 9) : إذا أتى بموجب سجود السهو ، فالأحوط إتيانه(2) وإن كان عدم وجوبه في صورة استحباب الصلاة - كما في زمان الغيبة - لا يخلو عن قوّة ، وكذا الحال في قضاء التشهّد المنسيّ أو السجدة المنسيّة .

(مسألة 10) : ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة ، نعم يستحبّ أن يقول المؤذّن : «الصلاة» ثلاثاً .

(مسألة 11) : إذا اتّفق العيد والجمعة فمن حضر العيد وكان نائياً(3) عن البلد كان بالخيار بين العود إلى أهله والبقاء لحضور الجمعة .

ص: 701


1- إذا كان في المحلّ .
2- رجاءً ، وكذا في قضاء التشهّد والسجدة .
3- بل له الخيار مطلقاً وإن كان حاضراً على الأقوى .
فصل : في صلاة ليلة الدفن

وهي ركعتان ؛ يقرأ في الاُولى بعد «الحمد» «آية الكرسي» إلى )هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((1) ، وفي الثانية بعد «الحمد» سورة «القدر» عشر مرّات ، ويقول بعد السلام : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وابعث ثوابها إلى قبر فلان» ، ويسمّي الميّت . ففي مرسلة الكفعمي و«موجز» ابن فهد قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا يأتي على الميّت أشدّ من أوّل ليلة ، فارحموا موتاكم بالصدقة ، فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم يقرأ في الاُولى «الحمد» و«آية الكرسي» ، وفي الثانية «الحمد» و«القدر» عشراً ، فإذا سلّم قال : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وابعث ثوابها إلى قبر فلان ، فإنّه تعالى يبعث من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كلّ ملك ثوب وحلّة» ومقتضى هذه الرواية أنّ الصلاة بعد عدم وجدان ما يتصدّق به ، فالأولى الجمع بين الأمرين مع الإمكان ، وظاهرها أيضاً كفاية صلاة واحدة ، فينبغي أن لا يقصد الخصوصية في إتيان أربعين ، بل يؤتى بقصد الرجاء أو بقصد إهداء الثواب .

(مسألة 1) : لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة وإعطاء الاُجرة ، وإن كان الأولى للمستأجر الإعطاء بقصد التبرّع أو الصدقة ، وللمؤجر الإتيان تبرّعاً وبقصد الإحسان إلى الميّت .

(مسألة 2) : لا بأس بإتيان شخص واحد أزيد من واحدة بقصد إهداء الثواب إذا كان متبرّعاً ، أو إذا أذن له المستأجر ، وأمّا إذا اُعطي دراهم للأربعين فاللازم استئجار أربعين ، إلاّ إذا أذن المستأجر ، ولا يلزم مع إعطاء الاُجرة إجراء صيغة الإجارة ، بل يكفي إعطاؤها بقصد أن يصلّي .

ص: 702


1- على الأحوط .

(مسألة 3) : إذا صلّى ونسي «آية الكرسي» في الركعة الاُولى أو «القدر» في الثانية أو قرأ «القدر» أقلّ من العشرة نسياناً فصلاته صحيحة ، لكن لا يجزي عن هذه الصلاة ، فإن كان أجيراً وجب عليه الإعادة .

(مسألة 4) : إذا أخذ الاُجرة ليصلّي ثمّ نسي فتركها في تلك الليلة ، يجب عليه ردّها إلى المعطي أو الاستئذان منه لأن يصلّي فيما بعد ذلك بقصد إهداء الثواب ، ولو لم يتمكّن من ذلك ، فإن علم برضاه بأن يصلّي هديّة أو يعمل عملاً آخر أتى بها ، وإلاّ تصدّق بها عن صاحب المال .

(مسألة 5) : إذا لم يدفن الميّت إلاّ بعد مدّة كما إذا نقل إلى أحد المشاهد ، فالظاهر أنّ الصلاة تؤخّر إلى ليلة الدفن وإن كان الأولى أن يؤتى بها في أوّل ليلة بعد الموت .

(مسألة 6) : عن الكفعمي : أ نّه بعد أن ذكر في كيفية هذه الصلاة ما ذكر قال : وفي رواية اُخرى : بعد «الحمد» «التوحيد» مرّتين في الاُولى ، وفي الثانية بعد «الحمد» «ألهاكم التكاثر» عشراً ، ثمّ الدعاء المذكور وعلى هذا فلو جمع بين الصلاتين ؛ بأن يأتي اثنتين بالكيفيتين كان أولى .

(مسألة 7) : الظاهر جواز الإتيان بهذه الصلاة في أيّ وقت كان من الليل ، لكن الأولى التعجيل بها بعد العشاءين ، والأقوى جواز الإتيان بها بينهما ، بل قبلهما أيضاً بناءً على المختار من جواز التطوّع لمن عليه فريضة ، هذا إذا لم يجب عليه بالنذر أو الإجارة أو نحوهما وإلاّ فلا إشكال .

ص: 703

فصل : في صلاة جعفر علیه السلام

وتسمّى صلاة التسبيح وصلاة الحبوة ، وهي من المستحبّات الأكيدة ، ومشهورة بين العامّة والخاصّة ، والأخبار متواترة فيها ، فعن أبي بصير عن الصادق علیه السلام : «أ نّه قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لجعفر : ألا أمنحك ، ألا اُعطيك ؟ ألا أحبوك ؟ فقال له جعفر : بلى يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : فظنّ الناس أ نّه يعطيه ذهباً وفضّة ، فتشرّف الناس لذلك ، فقال له : إنّي اُعطيك شيئاً إن أنت صنعته كلّ يوم كان خيراً لك من الدنيا وما فيها ، فإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما ، أو كلّ جمعة أو كلّ شهر أو كلّ سنة غفر لك ما بينهما» . وفي خبر آخر قال : «ألا أمنحك ، ألا اُعطيك ، ألا أحبوك ، ألا اُعلّمك صلاة إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوباً غفرت لك ؟ قال : بلى يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » والظاهر أ نّه حباه إيّاها يوم قدومه من سفره ، وقد بشّر ذلك اليوم بفتح خيبر فقال صلی الله علیه و آله وسلم : «واللّه ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سروراً ؟ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ؟» فلم يلبث أن جاء جعفر فوثب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فالتزمه وقبّل ما بين عينيه ، ثمّ قال : «ألا أمنحك . . . » إلى آخره . وهي أربع ركعات بتسليمتين ، يقرأ في كلّ منها «الحمد» وسورة ، ثمّ يقول : «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر» خمسة عشر مرّة وكذا يقول في الركوع عشر مرّات ، وبعد رفع الرأس منه عشر مرّات ، وفي السجدة الاُولى عشر مرّات ، وبعد الرفع منها عشر مرّات ، وكذا في السجدة الثانية عشر مرّات ، وبعد الرفع منها عشر مرّات ، ففي كلّ ركعة خمسة وسبعون مرّة ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة .

(مسألة 1) : يجوز إتيان هذه الصلاة في كلّ من اليوم والليلة ، ولا فرق بين

ص: 704

الحضر والسفر ، وأفضل أوقاته يوم الجمعة حين ارتفاع الشمس ويتأكّد إتيانها في ليلة النصف من شعبان .

(مسألة 2) : لا يتعيّن فيها سورة مخصوصة ، لكن الأفضل أن يقرأ في الركعة الاُولى : «إذا زلزلت» ، وفي الثانية : «والعاديات» ، وفي الثالثة : «إذا جاء نصر اللّه» ، وفي الرابعة : «قل هو اللّه أحد» .

(مسألة 3) : يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلاً ، كما يجوز التفريق بين الصلاتين إذا كان له حاجة ضرورية ؛ بأن يأتي بركعتين ثمّ بعد قضاء تلك الحاجة يأتي بركعتين اُخريين .

(مسألة 4) : يجوز احتساب هذه الصلاة من نوافل الليل أو النهار أداءً وقضاءً ، فعن الصادق علیه السلام : «صلّ صلاة جعفر أيّ وقت شئت ؛ من ليل أو نهار ، وإن شئت حسبتها من نوافل الليل ، وإن شئت حسبتها من نوافل النهار حسب لك من نوافلك ، وتحسب لك صلاة جعفر» والمراد من الاحتساب تداخلهما فينوي بالصلاة كونها نافلة وصلاة جعفر ، ويحتمل أ نّه ينوي صلاة جعفر ويجتزئ بها عن النافلة ، ويحتمل أ نّه ينوي النافلة ويأتي بها بكيفية صلاة جعفر فيثاب ثوابها أيضاً ، وهل يجوز إتيان الفريضة بهذه الكيفية أو لا ؟ قولان ، لا يبعد الجواز على الاحتمال الأخير دون الأوّلين ، ودعوى أ نّه تغيير لهيئة الفريضة والعبادات توقيفية ، مدفوعة بمنع ذلك بعد جواز كلّ ذكر ودعاء في الفريضة ، ومع ذلك الأحوط الترك .

(مسألة 5) : يستحبّ القنوت فيها في الركعة الثانية من كلّ من الصلاتين ؛ للعمومات وخصوص بعض النصوص .

ص: 705

(مسألة 6) : لو سها عن بعض التسبيحات أو كلّها في محلّ ، فتذكّر في المحلّ الآخر ، يأتي به مضافاً إلى وظيفته ، وإن لم يتذكّر إلاّ بعد الصلاة قضاه بعدها(1) .

(مسألة 7) : الأحوط عدم الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع والسجود ، بل يأتي به أيضاً فيهما قبلها أو بعدها .

(مسألة 8) : يستحبّ أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات : «يا من لبس العزّ والوقار ، يا من تعطّف بالمجد وتكرّم به ، يا من لا ينبغي التسبيح إلاّ له ، يا من أحصى كلّ شيء علمه ، يا ذا النعمة والطول ، يا ذا المنّ والفضل ، يا ذا القدرة والكرم ، أسأ لُك بمعاقد العزّ من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وبكلماتك التامّات أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تفعل بي كذا وكذا» ويذكر حاجاته.

فصل : في صلاة الغفيلة

وهي ركعتان بين المغرب والعشاء يقرأ في الاُولى بعد «الحمد» : )وَذَا النُّونِ إذْ ذهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أن لَن نَقْدِرَ عَلَيهِ فَنادى فِى الظُّلماتِ أَن لا إله إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ * فاستَجَبنا لَهُ وَنجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجِى المُؤمِنينَ( ، وفي الثانية بعد «الحمد» : )وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إلاّ هُو وَيَعلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاّ يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلماتِ الْأَرْضِ وَلاَ رَطبٍ وَلاَ يابِسٍ إلاّ فِى كِتَابٍ مُبينٍ( ، ثمّ يرفع يديه ويقول : «اللهمّ إنّي أسأ لُك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا» ويذكر حاجاته ، ثمّ يقول : «اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر

ص: 706


1- الأولى والأحوط أن يأتي رجاءً .

على طلبتي تعلم حاجتي ، وأسأ لُك بحقّ محمّد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي» ، ويسأل حاجاته ، والظاهر أ نّها غير نافلة المغرب ، ولا يجب جعلها منها بناءً على المختار من جواز النافلة لمن عليه فريضة .

فصل : في صلاة أوّل الشهر

يستحبّ في اليوم الأوّل من كلّ شهر أن يصلّي ركعتين ، يقرأ في الاُولى بعد «الحمد» : «قل هو اللّه أحد» ثلاثين مرّة ، وفي الثانية بعد «الحمد» : «إنّا أنزلناه» ثلاثين مرّة ، ثمّ يتصدّق بما تيسّر فيشتري سلامة تمام الشهر بهذا ، ويستحبّ أن يقرأ بعد الصلاة هذه الآيات : )بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّه ِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُستَقَرَّهَا وَمُستَودَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُبِينٍ( ، )بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللّه ُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رآدَّ لِفَضلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ( ، )بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، سَيَجْعَلُ اللّه ُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً( ، )مَا شَاءَ اللّه ُ لا قُوَّةَ إِلاّ باللّه ِ( ، )حَسْبُنَا اللّه ُ ونِعْمَ الوَكِيلُ( ، )وَاُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللّه ِ إِنَّ اللّه َ بَصِيرٌ بِالعِبَاد( ، )لا إله إلاّ أَنتَ سُبحانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمينَ( ، )ربِّ إِنّى لِمَا أنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ( ، )ربِّ لاَ تَذَرْنِى فَردَاً وأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ(ويجوز الإتيان بها في تمام اليوم وليس لها وقت معيّن .

فصل : في صلاة الوصيّة

وهي ركعتان بين العشاءين ، يقرأ في الاُولى : «الحمد» و«إذا زلزلت الأرض» ثلاث عشر مرّة وفي الثانية : «الحمد» و«قل هو اللّه أحد» خمس عشر مرّة ، فعن الصادق علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «اُوصيكم بركعتين بين العشاءين - إلى

ص: 707

أن قال - : فإن فعل ذلك كلّ شهر كان من المؤمنين ، فإن فعل في كلّ سنة كان من المحسنين ، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة كان من المخلصين ، فإن فعل ذلك في كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ولم يحص ثوابه إلاّ اللّه تعالى» .

فصل : في صلاة يوم الغدير

وهو الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهي ركعتان يقرأ في كلّ ركعة سورة «الحمد» وعشر مرّات «قل هو اللّه أحد» ، وعشر مرّات «آية الكرسي» ، وعشر مرّات «إنّا أنزلناه» ، ففي خبر علي بن الحسين العبدي عن الصادق علیه السلام : «من صلّى فيه - أي في يوم الغدير - ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل اللّه - عزّ وجلّ - يقرأ في كلّ ركعة سورة «الحمد» مرّة وعشر مرّات «قل هو اللّه أحد» ، وعشر مرّات «آية الكرسي» ، وعشر مرّات «إنّا أنزلناه» ، عدلت عند اللّه عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ، وما سأل اللّه عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا وحوائج الآخرة إلاّ قضيت له كائنة ما كانت الحاجة ، وإن فاتتك الركعتان قضيتها بعد ذلك» ، وذكر بعض العلماء : «أ نّه يخرج إلى خارج المصر ، وأ نّه يؤتى بها جماعة ، وأ نّه يخطب الإمام خطبة مقصورة على حمد اللّه والثناء والصلاة على محمّد وآله ، والتنبيه على عظم حرمة هذا اليوم» لكن لا دليل على ما ذكره ، وقد مرّ الإشكال في إتيانها جماعة في باب صلاة الجماعة .

فصل : في صلاة قضاء الحاجات وكشف المهمّات

وقد وردت بكيفيات ، منها ما قيل : إنّه مجرّب مراراً ، وهو ما رواه زياد القندي عن عبدالرحيم القصير عن أبي عبداللّه علیه السلام : إذا نزل بك أمر فافزع إلى

ص: 708

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قلت ما أصنع ؟ قال تغتسل وتصلّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة ، وتشهّد تشهّد الفريضة ، فإذا فرغت من التشهّد وسلّمت قلت : اللهمّ أنت السلام ومنك السلام ، وإليك يرجع السلام ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبلّغ روح محمّد منّي السلام ، وبلّغ أرواح الأئمّة الصالحين سلامي ، واردد عليّ منهم السلام ، والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته ، اللهمّ إنّ هاتين الركعتين هديّة منّي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأثبني عليهما ما أمّلت ورجوت فيك وفي رسولك يا وليّ المؤمنين ، ثمّ تخرّ ساجداً وتقول : يا حيّ يا قيّوم يا حيّاً لا يموت يا حيّ لا إله إلاّ أنت يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين ، أربعين مرّة ، ثمّ ضع خدّك الأيمن فتقولها أربعين مرّة ، ثمّ ضع خدّك الأيسر فتقولها أربعين مرّة ، ثمّ ترفع رأسك وتمدّ يدك فتقول أربعين مرّة ، ثمّ تردّ يدك إلى رقبتك وتلوذ بسبّابتك ، وتقول ذلك أربعين مرّة ، ثمّ خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك وقل : يا محمّد يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أشكو إلى اللّه وإليك حاجتي ، وإلى أهل بيتك الراشدين حاجتي ، وبكم أتوجّه إلى اللّه في حاجتي ، ثمّ تسجد وتقول : يا اللّه حتّى ينقطع نفسك ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وافعل بي كذا وكذا ، قال أبو عبداللّه علیه السلام : فأنا الضامن على اللّه عزّ وجلّ أن لا يبرح حتّى تقضى حاجته .

فصل: في أقسام الصلوات المستحبّة

الصلوات المستحبّة كثيرة وهي أقسام :

منها : نوافل الفرائض اليومية ، ومجموعها ثلاث وعشرون ركعة ، بناءً على احتساب ركعتي الوتيرة بواحدة .

ص: 709

ومنها : نافلة الليل إحدى عشر ركعة .

ومنها : الصلوات المستحبّة في أوقات مخصوصة كنوافل شهر رمضان ، ونوافل شهر رجب وشهر شعبان ونحوها ، وكصلاة الغدير والغفيلة والوصيّة وأمثالها .

ومنها : الصلوات التي لها أسباب كصلاة الزيارة ، وتحيّة المسجد ، وصلاة الشكر ونحوها .

ومنها : الصلوات المستحبّة لغايات مخصوصة كصلاة الاستسقاء وصلاة طلب قضاء الحاجة ، وصلاة كشف المهمّات ، وصلاة طلب الرزق ، وصلاة طلب الذكاء وجودة الذهن ونحوها .

ومنها : الصلوات المخصوصة بدون سبب وغاية ووقت ، كصلاة جعفر ، وصلاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وصلاة أمير المؤمنين علیه السلام ، وصلاة فاطمةI وصلاة سائر الأئمّة علیهم السلام .

ومنها : النوافل المبتدئة ، فإنّ كلّ وقت وزمان يسع صلاة ركعتين يستحبّ إتيانها ، وبعض المذكورات بل أغلبها لها كيفيات مخصوصة مذكورة في محلّها .

فصل: في أحکام الصلوات المندوبة

جميع الصلوات المندوبة يجوز إتيانها جالساً اختياراً ، وكذا ماشياً وراكباً ، وفي المحمل والسفينة ، لكن إتيانها قائماً أفضل حتّى الوتيرة وإن كان الأحوط الجلوس فيها ، وفي جواز إتيانها نائماً - مستلقياً أو مضطجعاً - في حال الاختيار إشكال(1) .

ص: 710


1- لا بأس بالإتيان بها رجاءً ، بل الجواز لا يخلو من وجه .

(مسألة 1) : يجوز في النوافل إتيان ركعة قائماً وركعة جالساً ، بل يجوز إتيان بعض الركعة جالساً وبعضها قائماً .

(مسألة 2) : يستحبّ إذا أتى بالنافلة جالساً أن يحسب كلّ ركعتين بركعة ؛ مثلاً إذا جلس في نافلة الصبح يأتي بأربع ركعات بتسليمتين وهكذا .

(مسألة 3) : إذا صلّى جالساً وأبقى من السورة آية أو آيتين فقام وأتمّها وركع عن قيام يحسب له صلاة القائم ، ولا يحتاج حينئذٍ إلى احتساب ركعتين بركعة .

(مسألة 4) : لا فرق في الجلوس بين كيفياته ، فهو مخيّر بين أنواعها حتّى مدّ الرجلين ، نعم الأولى أن يجلس متربّعاً ويثنّي رجليه حال الركوع وهو أن ينصب(1) فخذيه وساقيه من غير إقعاء ؛ إذ هو مكروه - وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه - وكذا يكره الجلوس بمثل إقعاء الكلب .

(مسألة 5) : إذا نذر النافلة مطلقاً يجوز له الجلوس فيها ، وإذا نذرها جالساً فالظاهر انعقاد نذره(2) ، وكون القيام أفضل لا يوجب فوات الرجحان في الصلاة جالساً ، غايته أ نّها أقلّ ثواباً ، لكنّه لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 6) : النوافل كلّها ركعتان لا يجوز الزيادة عليهما ولا النقيصة ، إلاّ في صلاة الأعرابي والوتر .

(مسألة 7) : تختصّ النوافل بأحكام : منها : جواز الجلوس والمشي فيها

ص: 711


1- هذا التفسير محلّ تأمّل .
2- محلّ تأمّل .

اختياراً كما مرّ . ومنها : عدم وجوب السورة فيها ، إلاّ بعض الصلوات المخصوصة بكيفيات مخصوصة . ومنها : جواز الاكتفاء ببعض السورة فيها . ومنها : جواز قراءة أزيد من سورة من غير إشكال . ومنها : جواز قراءة العزائم فيها . ومنها : جواز العدول(1) فيها من سورة إلى اُخرى مطلقاً . ومنها : عدم بطلانها بزيادة الركن سهواً . ومنها : عدم بطلانها بالشكّ بين الركعات ، بل يتخيّر بين البناء على الأقلّ أو على الأكثر . ومنها : أ نّه لا يجب لها سجود السهو ولا قضاء السجدة والتشهّد المنسيّين ولا صلاة الاحتياط . ومنها : لا إشكال في جواز إتيانها في جوف الكعبة أو سطحها . ومنها : أ نّه لا يشرع فيها الجماعة إلاّ في صلاة الاستسقاء ، وعلى قول في صلاة الغدير . ومنها : جواز قطعها اختياراً . ومنها : أنّ إتيانها في البيت أفضل من إتيانها في المسجد إلاّ ما يختصّ به على ما هو المشهور وإن كان في إطلاقه إشكال .

فصل : في صلاة المسافر

اشارة

لا إشكال في وجوب القصر على المسافر مع اجتماع الشرائط الآتية بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات ، وأمّا الصبح والمغرب فلا قصر فيهما ، وأمّا شروط القصر فاُمور :

الأوّل : المسافة وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً ، أو إياباً ، أو ملفّقة من الذهاب والإياب إذا كان الذهاب أربعة أو أزيد ، بل مطلقاً على الأقوى(2) وإن

ص: 712


1- لا يخلو من إشكال .
2- بل الأقوى اعتبار عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ ؛ وإن لا يعتبر ذلك في الإياب .

كان الذهاب فرسخاً والإياب سبعة ، وإن كان الأحوط في صورة كون الذهاب أقلّ من أربعة مع كون المجموع ثمانية الجمع ، والأقوى عدم اعتبار كون الذهاب والإياب في يوم واحد أو ليلة واحدة أو في الملفّق منهما مع اتّصال إيابه بذهابه وعدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء ، بل إذا كان من قصده الذهاب والإياب ولو بعد تسعة أيّام يجب عليه القصر ، فالثمانية الملفّقة كالممتدّة في إيجاب القصر ، إلاّ إذا كان قاصداً للإقامة عشرة أيّام في المقصد أو غيره ، أو حصل أحد القواطع الاُخر ، فكما أ نّه إذا بات في أثناء الممتدّة ليلة أو ليالي لا يضرّ في سفره ، فكذا في الملفّقة ، فيقصّر ويفطر ، ولكن مع ذلك الجمع بين القصر والتمام والصوم وقضائه في صورة عدم الرجوع ليومه أو ليلته أحوط ، ولو كان من قصده الذهاب والإياب ولكن كان متردّداً في الإقامة في الأثناء عشرة أيّام وعدمها لم يقصّر ، كما أنّ الأمر في الامتدادية أيضاً كذلك .

(مسألة 1) : الفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً ، كلّ إصبع عرض سبع شعيرات ، كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون .

(مسألة 2) : لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ - ولو يسيراً - لا يجوز القصر ، فهي مبنيّة على التحقيق لا المسامحة العرفية ، نعم لا يضرّ اختلاف الأذرع المتوسّطة في الجملة كما هو الحال في جميع التحديدات الشرعية .

(مسألة 3) : لو شكّ في كون مقصده مسافة شرعية أو لا ، بقي على التمام على الأقوى ، بل وكذا لو ظنّ كونها مسافة .

(مسألة 4) : تثبت المسافة بالعلم الحاصل من الاختبار ، وبالشياع المفيد

ص: 713

للعلم ، وبالبيّنة الشرعية ، وفي ثبوتها بالعدل الواحد إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع .

(مسألة 5) : الأقوى(1) عند الشكّ وجوب الاختبار أو السؤال لتحصيل البيّنة أو الشياع المفيد للعلم ، إلاّ إذا كان مستلزماً للحرج .

(مسألة 6) : إذا تعارض(2) البيّنتان فالأقوى سقوطهما ووجوب التمام ؛ وإن كان الأحوط الجمع .

(مسألة 7) : إذا شكّ في مقدار المسافة شرعاً وجب عليه الاحتياط بالجمع ، إلاّ إذا كان مجتهداً(3) وكان ذلك بعد الفحص عن حكمه ، فإنّ الأصل هو التمام .

(مسألة 8) : إذا كان شاكّاً في المسافة ومع ذلك قصّر لم يجز ، بل وجب عليه الإعادة تماماً ، نعم لو ظهر بعد ذلك كونه مسافة أجزأ ، إذا حصل منه قصد القربة مع الشكّ المفروض ، ومع ذلك الأحوط الإعادة أيضاً .

(مسألة 9) : لو اعتقد كونه مسافة فقصّر ، ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة ، وكذا لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ، ثمّ ظهر كونه مسافة ، فإنّه يجب عليه الإعادة(4) .

(مسألة 10) : لو شكّ في كونه مسافة أو اعتقد العدم ، ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة ، يقصّر وإن لم يكن الباقي مسافة .

(مسألة 11) : إذا قصد الصبيّ مسافة ثمّ بلغ في الأثناء ، وجب عليه القصر

ص: 714


1- بل الأحوط .
2- مع كونهما مستندتين إلى العلم والحسّ لا الأصل ، وإلاّ ففيه إشكال .
3- أو متمكّناً من تقليد مجتهد .
4- في الوقت على الأقوى وفي خارجه على الأحوط .

وإن لم يكن الباقي مسافة ، وكذا يقصّر إذا أراد التطوّع بالصلاة مع عدم بلوغه ، والمجنون الذي يحصل منه القصد إذا قصد مسافة ثمّ أفاق في الأثناء يقصّر ، وأمّا إذا كان بحيث لا يحصل منه القصد فالمدار بلوغ المسافة من حين إفاقته .

(مسألة 12) : لو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهباً وجائياً مرّات حتّى بلغ المجموع ثمانية لم يقصّر ، ففي التلفيق لا بدّ أن يكون المجموع من ذهاب واحد وإياب واحد ثمانية .

(مسألة 13) : لو كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة ، فإن سلك الأبعد قصّر ، وإن سلك الأقرب لم يقصّر ، إلاّ إذا كان أربعة أو أقلّ(1) وأراد الرجوع من الأبعد .

(مسألة 14) : في المسافة المستديرة ، الذهاب فيها الوصول إلى المقصد(2) والإياب منه إلى البلد ، وعلى المختار يكفي كون المجموع مسافة مطلقاً ، وإن لم يكن إلى المقصد أربعة ، وعلى القول الآخر يعتبر أن يكون من مبدأ السير إليه أربعة مع كون المجموع بقدر المسافة .

(مسألة 15) : مبدأ حساب المسافة سور البلد ، أو آخر البيوت فيما لا سور فيه في البلدان الصغار والمتوسّطات ، وآخر المحلّة(3) في البلدان الكبار الخارقة

ص: 715


1- مرّ اعتبار الأربعة في التلفيقية .
2- الأقوى كون الذهاب هو السير إلى النقطة المقابلة للبلد ، فإذا كان إليها أربعة تحصل المسافة ويقصّر ؛ وإن كان مقصده ما قبلها .
3- لا يبعد القول بأنّ مبدأ الحساب في مثلها من منزله ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كانت المسافة مع اللحاظ من منزله .

للعادة ، والأحوط مع عدم بلوغ المسافة من آخر البلد الجمع وإن كانت مسافة إذا لوحظ آخر المحلّة .

الثاني : قصد قطع المسافة من حين الخروج ، فلو قصد أقلّ منها وبعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر يكون مع الأوّل مسافة لم يقصّر ، نعم لو كان ذلك المقدار مع ضمّ العود مسافة(1) قصّر من ذلك الوقت بشرط أن يكون عازماً على العود ، وكذا لا يقصّر من لا يدري أيّ مقدار يقطع ، كما لو طلب عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً أو قصد الصيد ولم يدر أ نّه يقطع مسافة أو لا ، نعم يقصّر في العود إذا كان مسافة بل في الذهاب إذا كان مع العود بقدر المسافة وإن لم يكن أربعة(2) ، كأن يقصد في الأثناء أن يذهب ثلاثة فراسخ ، والمفروض أنّ العود يكون خمسة أو أزيد ، وكذا لا يقصّر لو خرج ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم وإلاّ فلا ، أو علّق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة ؛ إن حصل يسافر وإلاّ فلا ، نعم لو اطمأنّ بتيسّر الرفقة أو حصول المطلب ؛ بحيث يتحقّق معه العزم على المسافة ، قصّر بخروجه عن محلّ الترخّص .

(مسألة 16) : مع قصد المسافة لا يعتبر اتّصال السير ، فيقصّر وإن كان من قصده أن يقطع الثمانية في أيّام وإن كان ذلك اختياراً لا لضرورة ؛ من عدوّ أو برد أو انتظار رفيق أو نحو ذلك ، نعم لو كان بحيث لا يصدق عليه اسم السفر لم يقصّر ، كما إذا قطع في كلّ يوم شيئاً يسيراً جدّاً للتنزّه أو نحوه ، والأحوط في هذه الصورة أيضاً الجمع .

ص: 716


1- بشرط عدم كونه أقلّ من أربعة فراسخ .
2- مرّ اعتبارها .

(مسألة 17) : لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلاًّ ، بل يكفي ولو كان من جهة التبعية للغير لوجوب الطاعة كالزوجة والعبد ، أو قهراً كالأسير والمكره ونحوهما ، أو اختياراً كالخادم ونحوه ، بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة ، فلو لم يعلم بذلك بقي على التمام ، ويجب الاستخبار(1) مع الإمكان ، نعم في وجوب الإخبار على المتبوع إشكال ، وإن كان الظاهر عدم الوجوب .

(مسألة 18) : إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة ولو ملفّقة ، بقي على التمام ، بل لو ظنّ ذلك فكذلك ، نعم لو شكّ في ذلك ، فالظاهر القصر خصوصاً لو ظنّ العدم ، لكن الأحوط في صورة الظنّ بالمفارقة والشكّ فيها الجمع .

(مسألة 19) : إذا كان التابع عازماً على المفارقة مهما أمكنه أو معلّقاً لها على حصول أمر كالعتق أو الطلاق ونحوهما ، فمع العلم بعدم الإمكان وعدم حصول المعلّق عليه يقصّر ، وأمّا مع ظنّه فالأحوط الجمع ، وإن كان الظاهر التمام ، بل وكذا مع الاحتمال إلاّ إذا كان بعيداً غايته بحيث لا ينافي صدق قصد المسافة ، ومع ذلك أيضاً لا يترك(2) الاحتياط .

(مسألة 20) : إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شكّ في ذلك ، وفي الأثناء علم أ نّه قاصد لها ، فالظاهر(3) وجوب القصر عليه وإن لم يكن الباقي

ص: 717


1- على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
2- لا بأس بتركه .
3- بل الظاهر وجوب الإتمام إذا لم يكن الباقي مسافة ، وقياسه بما ذكر في المتن مع الفارق . نعم ، لو كان المتبوع قاصداً بلداً معيّناً وشكّ التابع في كونه مسافة أو اعتقد عدمها وكان مسافة ، فالظاهر وجوب القصر عليه .

مسافة ؛ لأ نّه إذا قصد ما قصده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً ، فهو كما لو قصد بلداً معيّناً واعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء أ نّه مسافة ، ومع ذلك فالأحوط الجمع .

(مسألة 21) : لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرهاً على السفر أو مجبوراً عليه ، وأمّا إذا ركب على الدابّة أو اُلقي في السفينة من دون اختياره ؛ بأن لم يكن له حركة سيرية ، ففي وجوب القصر ولو مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشكال وإن كان لا يخلو عن قوّة(1) .

الثالث : استمرار قصد المسافة ، فلو عدل عنه قبل بلوغ الأربعة أو تردّد أتمّ ، وكذا إذا كان بعد بلوغ الأربعة ، لكن كان عازماً على عدم العود ، أو كان متردّداً في أصل العود وعدمه ، أو كان عازماً على العود لكن بعد نيّة الإقامة هناك عشرة أيّام ، وأمّا إذا كان عازماً على العود من غير نيّة الإقامة عشرة أيّام فيبقى على القصر ، وإن لم يرجع ليومه ، بل وإن بقي متردّداً إلى ثلاثين يوماً ، نعم بعد الثلاثين متردّداً يتمّ .

(مسألة 22) : يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع وإن عدل عن الشخص ، كما لو قصد السفر إلى مكان مخصوص فعدل عنه إلى آخر يبلغ ما مضى وما بقي إليه مسافة ، فإنّه يقصّر حينئذٍ على الأصحّ ، كما أ نّه يقصّر لو كان من أوّل سفره قاصداً للنوع دون الشخص فلو قصد أحد المكانين المشتركين في بعض الطريق ولم يعيّن من الأوّل أحدهما، بل أوكل التعيين إلى ما بعد الوصول إلى آخر الحدّ المشترك ، كفى في وجوب القصر .

ص: 718


1- فيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع .

(مسألة 23) : لو تردّد في الأثناء ثمّ عاد إلى الجزم ؛ فإمّا أن يكون قبل قطع شيء من الطريق أو بعده ، ففي الصورة الاُولى يبقى على القصر إذا كان ما بقي مسافة ولو ملفّقة ، وكذا إن لم يكن مسافة في وجه(1) ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع ، وأمّا في الصورة الثانية فإن كان ما بقي مسافة ولو ملفّقة يقصّر أيضاً ، وإلاّ فيبقى على التمام ، نعم لو كان ما قطعه حال الجزم أوّلاً مع ما بقي بعد العود إلى الجزم بعد إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد ، مسافة ، ففي العود إلى التقصير وجه(2) ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع .

(مسألة 24) : ما صلاّه قصراً قبل العدول عن قصده لا يجب إعادته في الوقت ، فضلاً عن قضائه خارجه .

الرابع : أن لا يكون من قصده في أوّل السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيّام قبل بلوغ الثمانية ، وأن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك وإلاّ أتمّ ؛ لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر ، والوصول إلى الوطن قاطع لنفسه ، فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصداً للمسافة ، وكذا يتمّ لو كان متردّداً في نيّة الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية ، نعم لو لم يكن ذلك من قصده ولا متردّداً فيه إلاّ أ نّه يحتمل عروض(3) مقتضٍ لذلك في الأثناء ، لم يناف عزمه على المسافة ، فيقصّر ، نظير ما إذا كان عازماً على المسافة إلاّ أ نّه لو

ص: 719


1- وهو الأقوى .
2- خصوصاً إذا كان القطع حال التردّد يسيراً .
3- احتمالاً لا يعتني به العقلاء ، كاحتمال حدوث مرض أو غيره ممّا هو مخالف للاُصول العقلائية ، وأمّا مع احتمال عروض عارض ممّا يعتني به العقلاء فهو من قبيل المتردّد في النيّة ، وكذا الحال في أشباه ذلك .

عرض في الأثناء مانع من لصّ أو عدوّ أو مرض أو نحو ذلك يرجع ، ويحتمل عروض ذلك ، فإنّه لا يضرّ بعزمه وقصده .

(مسألة 25) : لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه قاصداً للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية ، لكن عدل بعد ذلك عن قصده ، أو كان متردّداً في ذلك وعدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين ، فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضمّ الإياب قصّر ، وإلاّ فلا ، فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربع فراسخ ، وكان عازماً على العود ولو لغير يومه قصّر في الذهاب والمقصد والإياب ، بل وكذا لو كان أقلّ من أربعة ، بل ولو كان فرسخاً فكذلك على الأقوى من وجوب القصر في كلّ تلفيق من الذهاب والإياب وعدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد كما مرّ(1) .

(مسألة 26) : لو لم يكن من نيّته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن وقطع مقداراً من المسافة ، ثمّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية ، ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الأمرين ، فهل يضمّ ما مضى إلى ما بقي إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافة فيقصّر إذا كان المجموع مسافة ولو بعد إسقاط ما تخلّل بين العزم الأوّل والعزم الثاني ؛ إذا كان قطع بين العزمين شيئاً ؟ إشكال(2) ، خصوصاً في صورة التخلّل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع نظير ما مرّ في الشرط الثالث .

ص: 720


1- مرّ اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ فما زاد .
2- والأقوى البقاء على التقصير مع عدم التخلّل ، والأوجه بقاؤه عليه معه أيضاً ، خصوصاً إذا كان ما تخلّل يسيراً ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في الثاني .

الخامس من الشروط : أن لا يكون السفر حراماً وإلاّ لم يقصّر ؛ سواء كان نفسه حراماً(1) كالفرار من الزحف ، وإباق العبد ، وسفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب ، وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب ، وكما إذا كان السفر مضرّاً لبدنه ، وكما إذا نذر عدم السفر مع رجحان تركه ونحو ذلك ، أو كان غايته أمراً محرّماً ، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة أو للسرقة أو للزنا أو لإعانة ظالم(2) أو لأخذ مال الناس ظلماً ونحو ذلك ، وأمّا إذا لم يكن لأجل المعصية لكن تتّفق في أثنائه مثل الغيبة وشرب الخمر والزنا ونحو ذلك ممّا ليس غاية للسفر فلا يوجب التمام ، بل يجب معه القصر والإفطار .

(مسألة 27) : إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب - كما إذا كان مديوناً وسافر مع مطالبة الديّان وإمكان الأداء في الحضر دون السفر ونحو ذلك - فهل يوجب التمام أم لا ؟ الأقوى التفصيل بين ما إذا كان لأجل التوصّل إلى ترك الواجب أو لم يكن كذلك ، ففي الأوّل يجب التمام(3) دون الثاني ، لكن الأحوط الجمع في الثاني .

(مسألة 28) : إذا كان السفر مباحاً ، لكن ركب دابّة غصبية أو كان المشي في أرض مغصوبة ، فالأقوى فيه القصر ، وإن كان الأحوط(4) الجمع .

(مسألة 29) : التابع للجائر إذا كان مجبوراً أو مكرهاً على ذلك أو كان قصده

ص: 721


1- في بعض ما ذكره مثالاً لكون نفسه حراماً مناقشة ؛ وإن لا يبعد أن يكون الحكم كما ذكره .
2- في ظلمه .
3- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع فيه أيضاً .
4- لا يترك في الأرض المغصوبة .

دفع مظلمة أو نحوها من الأغراض الصحيحة المباحة أو الراجحة قصّر ، وأمّا إذا لم يكن كذلك - بأن كان مختاراً وكانت تبعيته إعانة للجائر في جوره - وجب عليه التمام ، وإن كان سفر الجائر طاعة ، فإنّ التابع حينئذٍ يتمّ مع أنّ المتبوع يقصّر .

(مسألة 30) : التابع للجائر المعدّ نفسه لامتثال أوامره لو أمره بالسفر فسافر امتثالاً لأمره ، فإن عدّ سفره إعانة للظالم في ظلمه كان حراماً ، ووجب عليه التمام وإن كان من حيث هو مع قطع النظر عن كونه إعانة مباحاً ، والأحوط الجمع ، وأمّا إذا لم يعدّ إعانة على الظلم فالواجب عليه القصر .

(مسألة 31) : إذا سافر للصيد ، فإن كان لقوته وقوت عياله قصّر ، بل وكذا لو كان للتجارة(1) وإن كان الأحوط فيه الجمع ، وإن كان لهواً كما يستعمله أبناء الدنيا وجب عليه التمام ، ولا فرق بين صيد البرّ والبحر ، كما لا فرق - بعد فرض كونه سفراً - بين كونه دائراً حول البلد وبين التباعد عنه وبين استمراره ثلاثة أيّام وعدمه على الأصحّ .

(مسألة 32) : الراجع من سفر المعصية إن كان بعد التوبة(2) يقصّر ، وإن كان مع عدم التوبة فلا يبعد وجوب التمام عليه ؛ لكون العود جزءاً من سفر المعصية ، لكن الأحوط الجمع حينئذٍ .

(مسألة 33) : إباحة السفر كما أ نّها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة

ص: 722


1- بالنسبة إلى الصوم ، وأمّا بالنسبة إلى الصلاة ففيه إشكال ، لا يترك الاحتياط بالجمع .
2- أو بعد عروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية ، كما إذا كان محرّكه للرجوع غاية اُخرى مستقلّة ، لا مجرّد الرجوع إلى وطنه .

أيضاً ، فلو كان ابتداء سفره مباحاً فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخّصه(1) ، ووجب عليه الإتمام وإن كان قد قطع مسافات ، ولو لم يقطع بقدر المسافة صحّ ما صلاّه قصراً ، فهو كما لو عدل عن السفر وقد صلّى قبل عدوله قصراً ؛ حيث ذكرنا سابقاً أ نّه لا يجب إعادتها ، وأمّا لو كان ابتداء سفره معصية فعدل في الأثناء إلى الطاعة فإن كان الباقي مسافة فلا إشكال في القصر وإن كانت ملفّقة من الذهاب والإياب ، بل وإن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى(2) ، وأمّا إذا لم يكن مسافة ولو ملفّقة ، فالأحوط الجمع بين القصر والتمام وإن كان الأقوى(3) القصر بعد كون مجموع ما نواه بقدر المسافة ولو ملفّقة ، فإنّ المدار على حال العصيان والطاعة، فما دام عاصياً يتمّ وما دام مطيعاً يقصّر؛ من غير نظر إلى كون البقيّة مسافة أو لا .

(مسألة 34) : لو كانت غاية السفر ملفّقة من الطاعة والمعصية ، فمع استقلال داعي المعصية لا إشكال في وجوب التمام ؛ سواء كان داعي الطاعة أيضاً مستقلاًّ أو تبعاً ، وأمّا إذا كان داعي الطاعة مستقلاًّ وداعي المعصية تبعاً ، أو كان بالاشتراك ، ففي المسألة وجوه(4) ، والأحوط الجمع وإن كان لا يبعد وجوب التمام ، خصوصاً في صورة الاشتراك بحيث لو لا اجتماعهما لا يسافر .

(مسألة 35) : إذا شكّ في كون السفر معصية أو لا - مع كون الشبهة

ص: 723


1- في انقطاع الترخّص بمجرّد قصد المعصية قبل التلبّس بالسير إشكال، بل عدم الانقطاع أوجه ، والأحوط الجمع ما دام في المنزل ، نعم انقطع ترخّصه إذا تلبّس به مع قصدها .
2- مرّ اعتبارها .
3- بل الإتمام لا يخلو من قوّة ، وما في المتن ضعيف .
4- أوجهها وجوب القصر فيما إذا كان داعي المعصية تبعاً ، والتمام إذا اشتركا .

موضوعية - فالأصل الإباحة إلاّ إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة ، أو كان هناك أصل موضوعي ، كما إذا كانت الحلّية مشروطة بأمر وجودي كإذن المولى وكان مسبوقاً بالعدم ، أو كان الشكّ في الإباحة والعدم من جهة الشكّ في حرمة الغاية وعدمها وكان الأصل فيها الحرمة .

(مسألة 36) : هل المدار في الحلّية والحرمة على الواقع أو الاعتقاد أو الظاهر من جهة الاُصول ، إشكال(1) ، فلو اعتقد كون السفر حراماً بتخيّل أنّ الغاية محرّمة ، فبان خلافه كما إذا سافر لقتل شخص بتخيّل أ نّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم ، فهل يجب عليه إعادة ما صلاّه تماماً أو لا ؟ ولو لم يصلّ وصارت قضاء فهل يقضيها قصراً أو تماماً ؟ وجهان ، والأحوط الجمع ، وإن كان لا يبعد كون المدار على الواقع إذا لم نقل بحرمة التجرّي ، وعلى الاعتقاد إن قلنا بها ، وكذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة وكان الواقع خلافه أو العكس ، فهل المناط ما هو في الواقع أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف ؟ وجهان ، والأحوط الجمع وإن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الأصل إباحة أو حرمة .

(مسألة 37) : إذا كانت الغاية المحرّمة في أثناء الطريق ، لكن كان السفر إليه مستلزماً لقطع مقدار آخر من المسافة ، فالظاهر أنّ المجموع يعدّ من سفر المعصية ، بخلاف ما إذا لم يستلزم .

(مسألة 38) : السفر بقصد مجرّد التنزّه ليس بحرام ولا يوجب التمام .

ص: 724


1- الظاهر وجوب القصر عند اعتقاد الحلّية ؛ ولو لأجل اقتضاء الأصل وكون المدار على الواقع عند اعتقاد الحرمة ، وأمّا مع اقتضاء الأصل ففيه إشكال ، لا يترك الاحتياط بالجمع ، وإن كان ما في المتن لا يخلو من وجه .

(مسألة 39) : إذا نذر أن يتمّ الصلاة في يوم معيّن أو يصوم يوماً معيّناً ، وجب عليه(1) الإقامة ، ولو سافر وجب عليه القصر على ما مرّ ؛ من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام ، إلاّ إذا كان بقصد التوصّل إلى ترك الواجب ، والأحوط الجمع .

(مسألة 40) : إذا كان سفره مباحاً لكن يقصد الغاية المحرّمة في حواشي الجادّة فيخرج عنها لمحرّم ويرجع إلى الجادّة ، فإن كان السفر لهذا الغرض ، كان محرّماً موجباً للتمام ، وإن لم يكن لذلك وإنّما يعرض له قصد ذلك في الأثناء فما دام خارجاً عن الجادّة يتمّ وما دام عليها(2) يقصّر ، كما أ نّه إذا كان السفر لغاية محرّمة وفي أثنائه يخرج عن الجادّة ويقطع المسافة أو أقلّ(3) لغرض آخر صحيح يقصّر ما دام خارجاً ، والأحوط الجمع في الصورتين .

(مسألة 41) : إذا قصد مكاناً لغاية محرّمة ، فبعد الوصول إلى المقصد قبل حصول الغرض يتمّ ، وأمّا بعده فحاله حال العود عن سفر المعصية في أ نّه لو تاب يقصّر ، ولو لم يتب يمكن القول بوجوب التمام ؛ لعدّ المجموع سفراً واحداً ، والأحوط الجمع هنا وإن قلنا بوجوب القصر في العود ؛ بدعوى(4)

ص: 725


1- وجوبها في نذر الصوم ممنوع ، فلا يكون نذر الصوم مثالاً للمسألة .
2- إذا رجع عن خارج الجادّة إلى محلّ الخروج أو قبله أو بعده ، وكان من محلّ الرجوع في الجادّة إلى المقصد مسافة ، وإلاّ فيتمّ إذا كان مجموع المباح والمحرّم بقدر المسافة ، وأمّا إذا كان ما قبل المعصية وما بعدها مع إسقاط ما تخلّل مسافة ، فالأحوط الجمع وإن كان الأقوى القصر .
3- بل يعتبر كونه مسافة .
4- هذه الدعوى ضعيفة ، فالأقوى وجوب التمام عليه .

عدم عدّه مسافراً قبل أن يشرع في العود .

(مسألة 42) : إذا كان السفر لغاية لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرّم منضمّاً إلى الغرض الأوّل ، فالظاهر وجوب التمام في ذلك المقدار(1) من المسافة ؛ لكون الغاية في ذلك المقدار ملفّقة من الطاعة والمعصية ، والأحوط الجمع خصوصاً(2) إذا لم يكن الباقي مسافة .

(مسألة 43) : إذا كان السفر في الابتداء معصية ، فقصد الصوم ثمّ عدل في الأثناء إلى الطاعة فإن كان العدول قبل الزوال وجب الإفطار(3) وإن كان بعده ففي صحّة الصوم ووجوب إتمامه إذا كان في شهر رمضان - مثلاً - وجهان(4) ، والأحوط الإتمام والقضاء ، ولو انعكس بأن كان طاعة في الابتداء وعدل إلى المعصية في الأثناء فإن لم يأت بالمفطر وكان قبل الزوال صحّ صومه(5) ، والأحوط قضاؤه أيضاً ، وإن كان بعد الإتيان بالمفطر أو بعد الزوال بطل ، والأحوط إمساك بقيّة النهار تأدّباً إن كان من شهر رمضان .

(مسألة 44) : يجوز في سفر المعصية الإتيان بالصوم الندبي ، ولا يسقط عنه الجمعة ولا نوافل النهار والوتيرة ، فيجري عليه حكم الحاضر .

ص: 726


1- بل في الباقي إذا كان مجموع المباح والملفّق بمقدار المسافة ، ويجب القصر إذا كان الباقي مسافة ، أو ما قبل التلفيق وما بعده مسافة على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الجمع في هذه الصورة .
2- هذه الخصوصية غير مربوطة بالاحتياط في المقدار الملفّق .
3- إن كانت البقيّة مسافة .
4- لا يبعد الصحّة ووجوب التمام .
5- فيه تأمّل ، فلا يترك الاحتياط بالإتمام والقضاء .

السادس من الشرائط : أن لا يكون ممّن بيته معه كأهل البوادي من العرب والعجم الذين لا مسكن لهم معيّناً ، بل يدورون في البراري وينزلون في محلّ العشب والكلأ ومواضع القطر واجتماع الماء ؛ لعدم صدق المسافر عليهم ، نعم لو سافروا لمقصد آخر من حجّ أو زيارة أو نحوهما قصّروا ، ولو سافر أحدهم لاختيار منزل أو لطلب محلّ القطر أو العشب وكان مسافة ، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع .

السابع : أن لا يكون ممّن اتّخذ السفر عملاً وشغلاً له كالمكاري والجمّال والملاّح(1) والساعي والراعي ونحوهم ، فإنّ هؤلاء يتمّون الصلاة والصوم في سفرهم الذي هو عمل لهم وإن استعملوه لأنفسهم ، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى مكان آخر ، ولا فرق بين من كان عنده بعض الدوابّ يكريها إلى الأماكن القريبة من بلاده فكراها إلى غير ذلك من البلدان البعيدة وغيره ، وكذا لا فرق بين من جدّ في سفره بأن جعل المنزلين منزلاً واحداً ، وبين من لم يكن كذلك ، والمدار على صدق اتّخاذ السفر عملاً له عرفاً ، ولو كان في سفرة واحدة(2) لطولها وتكرّر ذلك منه من مكان غير بلده إلى مكان آخر ، فلا يعتبر تحقّق الكثرة بتعدّد السفر ثلاث مرّات أو مرّتين ، فمع الصدق في أثناء السفر الواحد أيضاً يلحق الحكم وهو وجوب الإتمام ، نعم إذا لم يتحقّق الصدق إلاّ بالتعدّد يعتبر ذلك .

(مسألة 45) : إذا سافر المكاري ونحوه ممّن شغله السفر سفراً ليس من عمله ، كما إذا سافر للحجّ أو الزيارة ، يقصّر ، نعم لو حجّ أو زار لكن من حيث إنّه

ص: 727


1- الظاهر أنّ الملاّح وأصحاب السفن من القسم السادس غالباً ؛ لأنّ بيوتهم معهم .
2- لا يبعد وجوب القصر في السفر الأوّل مع صدق العناوين أيضاً .

عمله كما إذا كرى دابّته للحجّ أو الزيارة وحجّ أو زار بالتبع ، أتمّ .

(مسألة 46) : الظاهر وجوب القصر على الحملدارية الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحجّ ، بخلاف من كان متّخذاً ذلك عملاً له في تمام السنة كالذين يكرون دوابّهم من الأمكنة البعيدة ذهاباً وإياباً على وجه يستغرق ذلك تمام السنة أو معظمها ، فإنّه يتمّ حينئذٍ .

(مسألة 47) : من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس الظاهر وجوب التمام عليه ، ولكن الأحوط الجمع .

(مسألة 48) : من كان التردّد إلى ما دون المسافة عملاً له كالحطّاب ونحوه قصّر إذا سافر ولو للاحتطاب ، إلاّ إذا كان يصدق عليه المسافر عرفاً(1) وإن لم يكن بحدّ المسافة الشرعية ، فإنّه يمكن أن يقال بوجوب التمام عليه إذا سافر بحدّ المسافة ، خصوصاً فيما هو شغله من الاحتطاب مثلاً .

(مسألة 49) : يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيّام ، وإلاّ انقطع حكم عملية السفر وعاد إلى القصر في السفرة الاُولى خاصّة ، دون الثانية فضلاً عن الثالثة ، وإن كان الأحوط الجمع فيهما ، ولا فرق في الحكم المزبور بين المكاري والملاّح والساعي وغيرهم ممّن عمله السفر ، أمّا إذا أقام أقلّ من عشرة أيّام بقي على التمام وإن كان الأحوط مع إقامة الخمسة الجمع(2) ، ولا فرق في الإقامة في بلده عشرة بين أن تكون منويّة أو لا ، بل وكذا في غير بلده أيضاً ، فمجرّد البقاء عشرة يوجب العود إلى

ص: 728


1- الظاهر أنّ الميزان هو كون السفر إلى المسافة عملاً له ، لا مطلق السفر عرفاً .
2- في صلاة النهار ، وأمّا بالنسبة إلى صلاة الليل والصوم فالاحتياط ضعيف .

القصر ، ولكن الأحوط مع الإقامة في غير بلده بلا نيّة ، الجمع في السفر الأوّل بين القصر والتمام .

(مسألة 50) : إذا لم يكن شغله وعمله السفر ، لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة ، لا يلحقه حكم وجوب التمام ؛ سواء كان كلّ سفرة بعد سابقها اتّفاقياً ، أو كان من الأوّل قاصداً لأسفار عديدة ، فلو كان له طعام أو شيء آخر في بعض مزارعه أو بعض القرى وأراد أن يجلبه إلى البلد فسافر ثلاث مرّات أو أزيد بدوابّه أو بدوابّ الغير ، لا يجب عليه التمام ، وكذا إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان ، فاحتاج إلى أسفار متعدّدة في حمل أثقاله وأحماله .

(مسألة 51) : لا يعتبر فيمن شغله السفر اتّحاد كيفيات وخصوصيات أسفاره من حيث الطول والقصر ، ومن حيث الحمولة ، ومن حيث نوع الشغل ، فلو كان يسافر إلى الأمكنة القريبة فسافر إلى البعيدة ، أو كانت دوابّه الحمير فبدّل بالبغال أو الجمال ، أو كان مكارياً فصار ملاّحاً أو بالعكس يلحقه الحكم ، وإن أعرض عن أحد النوعين إلى الآخر أو لفّق من النوعين ، نعم لو كان شغله المكاراة فاتّفق أ نّه ركب السفينة للزيارة أو بالعكس قصّر ؛ لأ نّه سفر في غير عمله ؛ بخلاف ما ذكرنا أوّلاً ، فإنّه مشتغل بعمل السفر ، غاية الأمر أ نّه تبدّل خصوصية الشغل إلى خصوصية اُخرى ، فالمناط هو الاشتغال بالسفر وإن اختلف نوعه .

(مسألة 52) : السائح في الأرض الذي لم يتّخذ وطناً منها يتمّ ، والأحوط الجمع .

(مسألة 53) : الراعي الذي ليس له مكان مخصوص يتمّ .

(مسألة 54) : التاجر الذي يدور في تجارته يتمّ .

ص: 729

(مسألة 55) : من سافر معرضاً عن وطنه لكنّه لم يتّخذ وطناً غيره يقصّر(1) .

(مسألة 56) : من كان في أرض واسعة قد اتّخذها مقرّاً إلاّ أ نّه كلّ سنة - مثلاً - في مكان منها ، يقصّر إذا سافر عن مقرّ سنته .

(مسألة 57) : إذا شكّ في أ نّه أقام في منزله أو بلد آخر عشرة أيّام أو أقلّ ، بقي على التمام .

الثامن : الوصول إلى حدّ الترخّص ، وهو المكان الذي يتوارى عنه جدران بيوت البلد ويخفى عنه أذانه ، ويكفي تحقّق أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقّق الآخر ، وأمّا مع العلم بعدم تحقّقه فالأحوط اجتماعهما ، بل الأحوط(2) مراعاة اجتماعهما مطلقاً ، فلو تحقّق أحدهما دون الآخر إمّا يجمع بين القصر والتمام ، وإمّا يؤخّر الصلاة إلى أن يتحقّق الآخر ، وفي العود(3) عن السفر أيضاً ينقطع حكم القصر إذا وصل إلى حدّ الترخّص من وطنه أو محلّ إقامته(4) وإن كان الأحوط تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله ، أو الجمع بين القصر والتمام إذا صلّى قبله بعد الوصول إلى الحدّ .

(مسألة 58) : المناط في خفاء الجدران : خفاء جدران البيوت ، لا خفاء الأعلام والقباب والمنارات ، بل ولا خفاء سور البلد إذا كان له سور ، ويكفي

ص: 730


1- إذا لم يتّخذ السفر عمله ، ولم يكن عازماً على عدم اتّخاذ الوطن ، كالسائح الذي لم يتّخذ وطناً .
2- لا يترك .
3- الأحوط في العود مراعاة رفع الأمارتين .
4- يأتي الكلام فيه .

خفاء صورها وأشكالها وإن لم يخف أشباحها .

(مسألة 59) : إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي ، كما أ نّه إذا كان في موضع منخفض يخفى بيسير من السير ، أو كان هناك حائل يمنع عن رؤيته ، كذلك يقدّر في الموضع المستوي ، وكذا إذا كانت البيوت على خلاف المعتاد من حيث العلوّ أو الانخفاض ، فإنّها تردّ إليه ، لكن الأحوط خفاؤها مطلقاً ، وكذا إذا كانت على مكان مرتفع ، فإنّ الأحوط خفاؤها مطلقاً .

(مسألة 60) : إذا لم يكن هناك بيوت ولا جدران يعتبر التقدير ، نعم في بيوت الأعراب ونحوهم ممّن لا جدران لبيوتهم يكفي(1) خفاؤها ، ولا يحتاج إلى تقدير الجدران .

(مسألة 61) : الظاهر في خفاء الأذان كفاية(2) عدم تميّز فصوله ، وإن كان الأحوط اعتبار خفاء مطلق الصوت حتّى المتردّد بين كونه أذاناً أو غيره ، فضلاً عن المتميّز كونه أذاناً مع عدم تميّز فصوله .

(مسألة 62) : الظاهر عدم اعتبار(3) كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة والمتوسّطة ، بل المدار أذانها وإن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة ، نعم في البلاد الكبيرة يعتبر كونه في أواخر البلد من ناحية المسافر .

ص: 731


1- فيه تأمّل ، والأحوط تقديرها .
2- الأقوى اعتبار خفائه بحيث لا يتميّز بين كونه أذاناً أو غيره .
3- الأحوط اعتبار ذلك ، بل لا يخلو من وجه .

(مسألة 63) : يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان ذلك البلد ولو منارة غير خارجة عن المتعارف في العلوّ .

(مسألة 64) : المدار في عين الرائي واُذن السامع على المتوسّط في الرؤية والسماع ، في الهواء الخالي عن الغبار والريح ونحوهما من الموانع عن الرؤية أو السماع ، فغير المتوسّط يرجع إليه ، كما أنّ الصوت الخارق في العلوّ يردّ إلى المعتاد المتوسّط .

(مسألة 65) : الأقوى عدم اختصاص اعتبار حد الترخّص بالوطن(1) ، فيجري في محلّ الإقامة أيضاً ، بل وفي المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً ، وكما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر والعود عنه في اعتبار حدّ الترخّص ، كذلك في محلّ الإقامة ، فلو وصل في سفره إلى حدّ الترخّص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر ، ويجب عليه أن يتمّ وإن كان الأحوط التأخير إلى الوصول إلى المنزل كما في الوطن ، نعم لا يعتبر حدّ الترخّص في غير الثلاثة ، كما إذا ذهب لطلب الغريم أو الآبق بدون قصد المسافة ، ثمّ في الأثناء قصدها ، فإنّه يكفي فيه الضرب في الأرض .

(مسألة 66) : إذا شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه(2) ، فيبقى على التمام في الذهاب وعلى القصر في الإياب .

ص: 732


1- في جريانه في غيره إشكال ، فلا يترك مراعاة الاحتياط في محلّ الإقامة والتردّد ؛ ذهاباً وعوداً .
2- إلاّ إذا لزم منه محذور كمخالفة العلم الإجمالي أو التفصيلي ، كمن صلّى الظهر تماماً في الذهاب في مكان استصحاباً ، وأراد إتيان العصر في الإياب قصراً في ذلك المكان .

(مسألة 67) : إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ، ثمّ في الأثناء وصل إليه ، فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصراً وصحّت ، بل وكذا إذا دخل(1) فيه قبل الدخول في الركوع ، وإن كان بعده فيحتمل وجوب الإتمام ؛ لأنّ الصلاة على ما افتتحت ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة قصراً أيضاً ، وإذا شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحدّ بنيّة القصر ثمّ في الأثناء وصل إليه أتمّها تماماً وصحّت . والأحوط في وجه إتمامها قصراً ثمّ إعادتها تماماً .

(مسألة 68) : إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلّى قصراً ، ثمّ بان أ نّه لم يصل إليه وجبت الإعادة أو القضاء تماماً(2) ، وكذا في العود إذا صلّى تماماً باعتقاد الوصول فبان عدمه وجبت الإعادة أو القضاء قصراً ، وفي عكس الصورتين بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف ينعكس الحكم فيجب الإعادة قصراً في الاُولى وتماماً في الثانية .

(مسألة 69) : إذا سافر من وطنه وجاز عن حدّ الترخّص ، ثمّ في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه ؛ إمّا لاعوجاج الطريق أو لأمر آخر ، كما إذا رجع لقضاء حاجة أو نحو ذلك ، فما دام هناك يجب عليه التمام(3) ، وإذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر إذا كان الباقي مسافة(4) ، وأمّا إذا سافر من محلّ الإقامة وجاز

ص: 733


1- بتخيّل عدم الوصول قبل الإتمام ، وإلاّ فيشكل صحّتها .
2- إن كان تكليفه التمام فعلاً - أداءً أو قضاءً - فالميزان هو حاله الفعلي في الأداء ، وقضاء ما فات منه حسب ما فات في جميع الفروع .
3- لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في اعوجاج الطريق .
4- بل مطلقاً مع عدم رجوعه عن قصده الأوّل .

عن الحدّ ثمّ وصل إلى ما دونه أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة بقي على التقصير ، وإذا صلّى في الصورة الاُولى بعد الخروج عن حدّ الترخّص قصراً ثمّ وصل إلى ما دونه فإن كان بعد بلوغ المسافة فلا إشكال في صحّة صلاته ، وأمّا إن كان قبل ذلك فالأحوط وجوب الإعادة ؛ وإن كان يحتمل الإجزاء(1) ، إلحاقاً له بما لو صلّى ثمّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة .

(مسألة 70) : في المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخّص في تمام الدور أو بعضه ، ممّا لم يكن الباقي قبله أو بعده مسافة ، يتمّ الصلاة .

فصل : في قواطع السفر موضوعاً أو حكماً

وهي اُمور :

أحدها : الوطن ، فإنّ المرور عليه قاطع للسفر وموجب للتمام ما دام فيه أو فيما دون حدّ الترخّص منه ، ويحتاج في العود إلى القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة - ولو ملفّقة - مع التجاوز عن حدّ الترخّص ، والمراد به : المكان الذي اتّخذه مسكناً(2) ومقرّاً له دائماً ؛ بلداً كان أو قرية أو غيرهما ؛ سواء كان مسكناً لأبيه واُمّه ومسقط رأسه أو غيره ممّا استجدّه ، ولا يعتبر فيه بعد الاتّخاذ المزبور حصول ملك له فيه ، نعم يعتبر فيه الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه

ص: 734


1- هذا الاحتمال قويّ في غير اعوجاج الطريق مع بقائه على قصده الأوّل ، ولا يترك الاحتياط في صورة الاعوجاج .
2- الظاهر عدم اعتبار شيء من القيود في الوطن الأصلي ، بل المكان الذي هو مسقط رأسه ووطن أبويه وطنه ولو قصد الإعراض عنه ، ولا يخرج عن الوطنية إلاّ بالإعراض العملي .

عرفاً أ نّه وطنه ، والظاهر أنّ الصدق المذكور يختلف بحسب الأشخاص والخصوصيات ، فربما يصدق بالإقامة فيه بعد القصد المزبور شهراً أو أقلّ ، فلا يشترط الإقامة ستّة أشهر ، وإن كان أحوط فقبله يجمع بين القصر والتمام إذا لم ينو إقامة عشرة أيّام .

(مسألة 1) : إذا أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجدّ وتوطّن في غيره ، فإن لم يكن له فيه ملك أصلاً أو كان ولم يكن قابلاً للسكنى ، كما إذا كان له فيه نخلة أو نحوها ، أو كان قابلاً له ولكن لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي ، يزول عنه حكم الوطنية ، فلا يوجب المرور عليه قطع حكم السفر ، وأمّا إذا كان له فيه ملك قد سكن فيه بعد اتّخاذه وطناً له دائماً ستّة أشهر ، فالمشهور على أ نّه بحكم الوطن العرفي ، وإن أعرض عنه إلى غيره ، ويسمّونه بالوطن الشرعي ويوجبون عليه التمام إذا مرّ عليه ما دام بقاء ملكه فيه ، لكن الأقوى عدم جريان حكم الوطن عليه بعد الإعراض ، فالوطن الشرعي غير ثابت ، وإن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن وغيره عليه ، فيجمع فيه بين القصر والتمام إذا مرّ عليه ولم ينو إقامة عشرة أيّام ، بل الأحوط الجمع إذا كان له نخلة أو نحوها ممّا هو غير قابل للسكنى وبقي فيه بقصد التوطّن ستّة أشهر ، بل وكذا إذا لم يكن سكناه بقصد التوطّن بل بقصد التجارة مثلاً .

(مسألة 2) : قد عرفت عدم ثبوت الوطن الشرعي وأ نّه منحصر في العرفي فنقول : يمكن تعدّد الوطن العرفي ؛ بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتين من قصده السكنى فيهما أبداً في كلّ منهما مقداراً من السنة ؛ بأن يكون له زوجتان - مثلاً - كلّ واحدة في بلدة يكون عند كلّ واحدة ستّة أشهر أو

ص: 735

بالاختلاف ، بل يمكن الثلاثة أيضاً ، بل لا يبعد الأزيد(1) أيضاً .

(مسألة 3) : لا يبعد أن يكون الولد تابعاً(2) لأبويه أو أحدهما في الوطن ، ما لم يعرض بعد بلوغه عن مقرّهما وإن لم يلتفت بعد بلوغه إلى التوطّن فيه أبداً ، فيعدّ وطنهما وطناً له أيضاً ، إلاّ إذا قصد الإعراض عنه ؛ سواء كان وطناً أصلياً لهما ومحلاًّ لتولّده أو وطناً مستجدّاً لهما ، كما إذا أعرضا عن وطنهما الأصلي واتّخذا مكاناً آخر وطناً لهما وهو معهما قبل بلوغه ثمّ صار بالغاً ، وأمّا إذا أتيا بلدة أو قرية وتوطّنا فيها وهو معهما مع كونه بالغاً فلا يصدق وطناً له ، إلاّ مع قصده بنفسه .

(مسألة 4) : يزول حكم الوطنية بالإعراض والخروج ، وإن لم يتّخذ بعد وطناً آخر ، فيمكن أن يكون بلا وطن مدّة مديدة .

(مسألة 5) : لا يشترط في الوطن إباحة المكان الذي فيه ، فلو غصب داراً في بلد وأراد السكنى فيها أبداً يكون وطناً له ، وكذا إذا كان بقاؤه في بلد حراماً عليه من جهة(3) كونه قاصداً لارتكاب حرام أو كان منهيّاً عنه من أحد والديه أو نحو ذلك .

ص: 736


1- مشكل .
2- ليس المناط في التابعية في ذلك كونه ولداً ولا غير بالغ شرعاً ، بل المناط هو التبعية العرفية وعدم الاستقلال في التعيّش والإرادة ، فربما كان الولد الصغير المميّز مستقلاًّ فيهما غير تابع عرفاً ، وربما يكون بعض الكبار غير مستقلّ ، كالبنات في أوائل بلوغهنّ ، بل ربما يكون التابع غير الولد فتتحقّق التبعية بالنسبة إلى الأجنبيّ أيضاً ، فضلاً عن القريب . هذا كلّه في الوطن المستجدّ ، وأمّا الوطن الأصلي فقد مرّ الكلام فيه .
3- في المثالين مناقشة .

(مسألة 6) : إذا تردّد بعد العزم على التوطّن أبداً ، فإن كان قبل أن يصدق عليه الوطن عرفاً ؛ بأن لم يبق في ذلك المكان بمقدار الصدق ، فلا إشكال في زوال الحكم وإن لم يتحقّق الخروج والإعراض ، بل وكذا إن كان بعد الصدق في الوطن المستجدّ(1) ، وأمّا في الوطن الأصلي إذا تردّد في البقاء فيه وعدمه ، ففي زوال حكمه قبل الخروج والإعراض إشكال ؛ لاحتمال صدق الوطنية ما لم يعزم على العدم ، فالأحوط الجمع بين الحكمين .

(مسألة 7) : ظاهر كلمات العلماء - رضوان اللّه عليهم - اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي ، فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة كثلاثين سنة أو أزيد ، لكنّه مشكل ، فلا يبعد(2) الصدق العرفي بمثل ذلك ، والأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط .

الثاني من قواطع السفر : العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات في مكان واحد ؛ من بلد أو قرية أو مثل بيوت الأعراب أو فلاة من الأرض أو العلم بذلك وإن كان لا عن اختيار ، ولا يكفي الظنّ بالبقاء فضلاً عن الشكّ ، والليالي المتوسّطة داخلة بخلاف الليلة الاُولى والأخيرة ، فيكفي عشرة أيّام وتسع ليال ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأصحّ ، فلو نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر كفى ، ويجب عليه الإتمام وإن كان الأحوط الجمع ، ويشترط وحدة محلّ الإقامة ، فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر ، كأن عزم على الإقامة في

ص: 737


1- الأقوى بقاؤه فيه ؛ فضلاً عن الوطن الأصلي ، والاحتمال المذكور في غاية الضعف .
2- فيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط وإن كان عدم إجراء حكم الوطنية ، خصوصاً في بعض الموارد لا يخلو من قرب .

النجف والكوفة أو في الكاظمين وبغداد ، أو عزم على الإقامة في رستاق من قرية إلى قرية من غير عزم على الإقامة في واحدة منها عشرة أيّام ، ولا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي الحلّة وبغداد ونحوهما ، ولو كان البلد خارجاً عن المتعارف في الكبر فاللازم قصد الإقامة في المحلّة منه إذا كانت المحلاّت منفصلة ، بخلاف ما إذا كانت متّصلة ، إلاّ إذا كان كبيراً جدّاً بحيث لا يصدق وحدة المحلّ ، وكان كنيّة الإقامة في رستاق مشتمل على القرى مثل قسطنطنية ونحوها .

(مسألة 8) : لا يعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد على الأصحّ ، بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها ومزارعها ونحوها من حدودها ممّا لا ينافي صدق اسم الإقامة في البلد عرفاً ، جرى عليه حكم المقيم ، حتّى إذا كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة إذا كان قاصداً للعود عن قريب بحيث لا يخرج عن صدق الإقامة في ذلك المكان عرفاً ، كما إذا كان من نيّته الخروج نهاراً(1) والرجوع قبل الليل .

(مسألة 9) : إذا كان محلّ الإقامة برّية قفراء لا يجب التضييق في دائرة المقام ، كما لا يجوز التوسيع كثيراً بحيث يخرج عن صدق وحدة المحلّ ، فالمدار على صدق الوحدة عرفاً ، وبعد ذلك لا ينافي الخروج عن ذلك المحلّ إلى أطرافه بقصد العود إليه ، وإن كان إلى الخارج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة ، كما ذكرنا في البلد ، فجواز نيّة الخروج إلى ما دون الأربعة

ص: 738


1- فيه إشكال بل منع ؛ إذا أراد صدور ذلك في خلال الإقامة مكرّراً ، نعم لا بأس بنحو ساعة وساعتين ممّا لا يضرّ عرفاً بإقامة عشرة أيّام في البلد .

لا يوجب جواز توسيع محلّ الإقامة كثيراً ، فلا يجوز جعل محلّها مجموع ما دون الأربعة ، بل يؤخذ على المتعارف وإن كان يجوز التردّد إلى ما دون الأربعة على وجه لا يضرّ بصدق الإقامة فيه .

(مسألة 10) : إذا علّق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي ، بل وكذا لو كان مظنون الحصول ، فإنّه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها ، نعم لو كان عازماً على البقاء لكن احتمل(1) حدوث المانع لا يضرّ .

(مسألة 11) : المجبور على الإقامة عشراً والمكره عليها ، يجب عليه التمام ، وإن كان من نيّته الخروج على فرض رفع الجبر والإكراه ، لكن بشرط أن يكون عالماً بعدم ارتفاعهما وبقائه عشرة أيّام كذلك .

(مسألة 12) : لا تصحّ نيّة الإقامة في بيوت الأعراب ونحوهم ما لم يطمئنّ بعدم الرحيل عشرة أيّام ، إلاّ إذا عزم على المكث بعد رحلتهم إلى تمام العشرة .

(مسألة 13) : الزوجة والعبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج والسيّد - والمفروض أ نّهما قصدا العشرة - لا يبعد(2) كفايته في تحقّق الإقامة بالنسبة إليهما وإن لم يعلما حين القصد أنّ مقصد الزوج والسيّد هو العشرة ، نعم قبل العلم بذلك عليهما التقصير ، ويجب عليهما التمام بعد الاطّلاع وإن لم يبق إلاّ يومين أو ثلاثة ، فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى ممّا صلّيا قصراً ، وكذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه وكان مقصدهم العشرة ،

ص: 739


1- احتمالاً لا يعتني به العقلاء .
2- الأقوى عدم الكفاية فيه ، وفي الفرع الآتي .

فالقصد الإجمالي كافٍ في تحقّق الإقامة ، لكن الأحوط الجمع في الصورتين ، بل لا يترك الاحتياط .

(مسألة 14) : إذا قصد المقام إلى آخر الشهر - مثلاً - وكان عشرة كفى(1) وإن لم يكن عالماً به حين القصد ، بل وإن كان عالماً بالخلاف ، لكن الأحوط في هذه المسألة أيضاً الجمع بين القصر والتمام بعد العلم بالحال ؛ لاحتمال اعتبار العلم حين القصد .

(مسألة 15) : إذا عزم على إقامة العشرة ثمّ عدل عن قصده ، فإن كان صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام ، بقي على التمام ما دام في ذلك المكان ، وإن لم يصلّ أصلاً أو صلّى مثل الصبح والمغرب أو شرع في الرباعية ، لكن لم يتمّها وإن دخل في ركوع الركعة الثالثة ، رجع إلى القصر ، وكذا لو أتى بغير الفريضة الرباعية ممّا لا يجوز فعله للمسافر كالنوافل والصوم ونحوهما ، فإنّه يرجع إلى القصر مع العدول ، نعم الأولى الاحتياط مع الصوم إذا كان العدول عن قصده بعد الزوال ، وكذا لو كان العدول في أثناء الرباعية بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، بل بعد القيام إليها وإن لم يركع بعد .

(مسألة 16) : إذا صلّى رباعية بتمام بعد العزم على الإقامة ، لكن مع الغفلة عن إقامته ثمّ عدل ، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام ، وكذا لو صلاّها تماماً لشرف البقعة كمواطن التخيير ولو مع الغفلة عن الإقامة ؛ وإن كان الأحوط(2) الجمع بعد العدول حينئذٍ ، وكذا في الصورة الاُولى .

ص: 740


1- الظاهر عدم الكفاية .
2- لا يترك في الصورتين ، وإن كان تعيّن القصر لا يخلو من وجه .

(مسألة 17) : لا يشترط في تحقّق الإقامة كونه مكلّفاً بالصلاة ، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ثمّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقيّة الأيّام ، وإذا أراد التطوّع بالصلاة قبل البلوغ يصلّي تماماً ، وكذا إذا نواها وهو مجنون - إذا كان ممّن يتحقّق منه القصد - أو نواها حال الإفاقة ثمّ جنّ ثمّ أفاق ، وكذا إذا كانت حائضاً حال النيّة ، فإنّها تصلّي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماماً ، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفراً .

(مسألة 18) : إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثمّ عدل عنها بعد الوقت ، فإن كانت ممّا يجب قضاؤها وأتى بالقضاء تماماً ثمّ عدل ، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام ، وأمّا إن عدل قبل إتيان قضائها أيضاً فالظاهر العود إلى القصر وعدم كفاية استقرار القضاء عليه تماماً ؛ وإن كان الأحوط الجمع حينئذٍ ما دام لم يخرج ، وإن كانت ممّا لا يجب قضاؤه كما إذا فاتت لأجل الحيض أو النفاس ثمّ عدلت عن النيّة قبل إتيان صلاة تامّة رجعت إلى القصر ، فلا يكفي مضيّ وقت الصلاة في البقاء على التمام .

(مسألة 19) : العدول عن الإقامة قبل الصلاة تماماً قاطع لها من حينه ، وليس كاشفاً عن عدم تحقّقها من الأوّل ، فلو فاتته حال العزم عليها صلاة أو صلوات أيّام ، ثمّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام ، يجب عليه قضاؤها تماماً ، وكذا إذا صام يوماً أو أيّاماً حال العزم عليها ، ثمّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام فصيامه صحيح ، نعم لا يجوز له الصوم بعد العدول ؛ لأنّ المفروض انقطاع الإقامة بعده .

(مسألة 20) : لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها ،

ص: 741

أو يتردّد فيها في أ نّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ، ولو كان قبله رجع إلى القصر .

(مسألة 21) : إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم ، ثمّ عدل بعد الزوال قبل الصلاة تماماً ، رجع إلى القصر في صلاته ، لكن صوم ذلك اليوم صحيح ؛ لما عرفت من أنّ العدول قاطع من حينه لا كاشف ، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال .

(مسألة 22) : إذا تمّت العشرة لا يحتاج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة ، بل إذا تحقّقت بإتيان رباعية تامّة كذلك ، فما دام لم ينشئ سفراً جديداً يبقى على التمام .

(مسألة 23) : كما أنّ الإقامة موجبة للصلاة تماماً ، ولوجوب أو جواز الصوم ، كذلك موجبة لاستحباب النوافل الساقطة حال السفر ، ولوجوب الجمعة ونحو ذلك من أحكام الحاضر .

(مسألة 24) : إذا تحقّقت الإقامة(1) وتمّت العشرة أوّلاً وبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ولو ملفّقة فللمسألة صور :

الاُولى : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة واستئناف إقامة عشرة اُخرى ، وحكمه وجوب التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة الاُولى ، وكذا إذا كان عازماً على الإقامة في غير محلّ الإقامة الاُولى مع عدم كون ما بينهما مسافة .

ص: 742


1- أي استقرّ حكم التمام بالعزم على الإقامة وإتيان صلاة تامّة ؛ من غير مدخلية لبقاء العشرة .

الثانية(1) : أن يكون عازماً على عدم العود إلى محلّ الإقامة ، وحكمه وجوب القصر ؛ إذا كان ما بقي من محلّ إقامته إلى مقصده مسافة ، أو كان مجموع ما بقي مع العود إلى بلده أو بلد آخر مسافة ؛ ولو كان ما بقي أقلّ من أربعة على الأقوى من كفاية التلفيق(2) ؛ ولو كان الذهاب أقلّ من أربعة .

الثالثة(3) : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة من دون قصد إقامة مستأنفة ، لكن من حيث إنّه منزل من منازله في سفره الجديد ، وحكمه وجوب القصر أيضاً في الذهاب والمقصد ومحلّ الإقامة .

الرابعة : أن يكون عازماً على العود إليه من حيث إنّه محلّ إقامته ؛ بأن لا يكون حين الخروج معرضاً عنه ، بل أراد قضاء حاجة في خارجه والعود إليه ثمّ إنشاء السفر منه ولو بعد يومين أو يوم ، بل أو أقلّ ، والأقوى في هذه الصورة البقاء على التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ما لم ينشئ سفراً ؛ وإن كان الأحوط الجمع في الجميع ، خصوصاً في الإياب ومحلّ الإقامة .

الخامسة : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة ، لكن مع التردّد في

ص: 743


1- في هذه الصورة إذا كان خارجاً عن محلّ إقامته إلى ما دون المسافة ، فإن كان من أوّل الأمر عازماً على مقصد يكون بينه وبين محلّ الإقامة مسافة ، فلا إشكال في القصر ، لكنّه ليس من الصور المفروضة في صدر المسألة ، وإن بدا له بعد الخروج إلى ما دون المسافة الذهاب إلى مسافة ، فحكمه التمام قبل العزم على طيّ المسافة والقصر بعد التلبّس بالسير ، والأحوط الجمع بعد العزم قبل التلبّس ؛ وإن كان الأقرب هو القصر .
2- هذا ليس من صور التلفيق ؛ لعدم الرجوع إلى ما ذهب منه ، بل هو من المسافة الامتدادية ، ففيها القصر على أيّ حال .
3- وجوب القصر في الذهاب والمقصد محلّ تأمّل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع ؛ وإن كان وجوب التمام فيهما لا يخلو من وجه .

الإقامة بعد العود وعدمها ، وحكمه أيضاً وجوب التمام ، والأحوط الجمع كالصورة الرابعة .

السادسة : أن يكون عازماً على العود مع الذهول عن الإقامة وعدمها ، وحكمه أيضاً وجوب التمام ، والأحوط الجمع كالسابقة .

السابعة(1) : أن يكون متردّداً في العود وعدمه أو ذاهلاً عنه ، ولا يترك الاحتياط بالجمع فيه في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة أو ينشئ السفر ، ولا فرق في الصور التي قلنا فيها بوجوب التمام بين أن يرجع إلى محلّ الإقامة في يومه أو ليلته أو بعد أيّام . هذا كلّه إذا بدا له الخروج إلى ما دون المسافة بعد العشرة ، أو في أثنائها بعد تحقّق الإقامة ، وأمّا إذا كان من عزمه الخروج في حال نيّة الإقامة فقد مرّ(2) : أ نّه إن كان من قصده الخروج والعود عمّا قريب وفي ذلك اليوم من غير أن يبيت خارجاً عن محلّ الإقامة ، فلا يضرّ بقصد إقامته ويتحقّق معه ، فيكون حاله بعد ذلك حال من بدا له ، وأمّا إن كان من قصده الخروج إلى ما دون المسافة في ابتداء نيّته مع البيتوتة هناك ليلة أو أزيد ، فيشكل معه تحقّق(3) الإقامة ، والأحوط الجمع من الأوّل إلى الآخر ، إلاّ إذا نوى الإقامة بدون القصد المذكور جديداً أو يخرج مسافراً .

(مسألة 25) : إذا بدا للمقيم السفر ، ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة والبقاء عشرة أيّام ، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ ، قصّر في الذهاب والمقصد

ص: 744


1- الأقوى هو البقاء على الإتمام في هذه الصورة بشقّيها ، حتّى ينشئ سفراً جديداً .
2- قد مرّ ما هو الأقوى .
3- بل الظاهر عدم تحقّقها ، فيتعيّن عليه القصر والأحوط الجمع .

والعود ، وإن كان قبله فيقصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود ، ويتمّ عند العزم عليه ، ولا يجب عليه قضاء ما صلّى قصراً ، وأمّا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة ؛ لأنّ المفروض الإعراض عنه ، وكذا لو ردّته الريح أو رجع لقضاء حاجة كما مرّ سابقاً .

(مسألة 26) : لو دخل في الصلاة بنيّة القصر ، ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها ، أتمّها وأجزأت ، ولو نوى الإقامة ودخل في الصلاة بنيّة التمام فبدا له السفر ، فإن كان قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصراً واجتزأ بها ، وإن كان بعده بطلت ورجع إلى القصر ما دام لم يخرج وإن كان الأحوط إتمامها تماماً وإعادتها قصراً ، والجمع بين القصر والإتمام ما لم يسافر كما مرّ .

(مسألة 27) : لا فرق في إيجاب الإقامة لقطع حكم السفر وإتمام الصلاة بين أن يكون محلّلة أو محرّمة ، كما إذا قصد الإقامة لغاية محرّمة من قتل مؤمن أو سرقة ماله أو نحو ذلك ، وكما إذا نهاه عنها والده أو سيّده أو لم يرض بها زوجها .

(مسألة 28) : إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان ، كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما وجب(1) عليه الإقامة مع الإمكان .

(مسألة 29) : إذا بقي من الوقت أربع ركعات وعليه الظهران ، ففي جواز الإقامة إذا كان مسافراً وعدمه ؛ من حيث استلزامه تفويت الظهر وصيرورتها قضاء إشكال ، فالأحوط عدم نيّة الإقامة مع عدم الضرورة ، نعم لو كان حاضراً وكان الحال كذلك لا يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين في الوقت .

ص: 745


1- لا تجب الإقامة في النذر المعيّن .

(مسألة 30) : إذا نوى الإقامة ثمّ عدل عنها وشكّ في أنّ عدوله كان بعد الصلاة تماماً حتّى يبقى على التمام أو لا ، بنى على عدمها ، فيرجع إلى القصر .

(مسألة 31) : إذا علم بعد نيّة الإقامة بصلاة أربع ركعات والعدول عن الإقامة ولكن شكّ في المتقدّم منهما مع الجهل بتأريخهما ، رجع إلى القصر(1) مع البناء على صحّة الصلاة ؛ لأنّ الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة وهو مشكوك .

(مسألة 32) : إذا صلّى تماماً ثمّ عدل ولكن تبيّن بطلان صلاته ، رجع إلى القصر وكان كمن لم يصلّ ، نعم إذا صلّى بنيّة التمام وبعد السلام شكّ في أ نّه سلّم على الأربع أو على الاثنتين أو الثلاث بنى على أ نّه سلّم على الأربع ، ويكفيه(2) في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها .

(مسألة 33) : إذا نوى الإقامة ثمّ عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة وشكّ في أ نّه هل صلّى في الوقت حال العزم على الإقامة أم لا ؟ بنى على أ نّه صلّى ، لكن في كفايته في البقاء على حكم التمام إشكال وإن كان لا يخلو من قوّة(3) ، خصوصاً إذا بنينا على أنّ قاعدة الشكّ بعد الفراغ أو بعد الوقت إنّما هي من باب الأمارات لا الاُصول العملية .

(مسألة 34) : إذا عدل عن الإقامة بعد الإتيان بالسلام الواجب وقبل الإتيان بالسلام الأخير - الذي هو مستحبّ - فالظاهر كفايته في البقاء على حكم التمام

ص: 746


1- فيه إشكال ، فالأحوط الجمع .
2- فيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
3- في القوّة إشكال ، والأحوط الجمع .

وفي تحقّق الإقامة ، وكذا لو كان عدوله قبل الإتيان بسجدتي السهو إذا كانتا عليه ، بل وكذا لو كان قبل الإتيان بقضاء الأجزاء المنسيّة كالسجدة والتشهّد المنسيّين ، بل وكذا لو كان قبل الإتيان بصلاة الاحتياط(1) أو في أثنائها إذا شكّ في الركعات ، وإن كان الأحوط فيه الجمع ، بل وفي الأجزاء المنسيّة .

(مسألة 35) : إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ، ثمّ تبيّن أ نّهم لم يقصدوا فهل يبقى على التمام أو لا ؟ فيه صورتان(2) : إحداهما : أن يكون قصده مقيّداً بقصدهم . الثانية : أن يكون اعتقاده داعياً له إلى القصد من غير أن يكون مقيّداً بقصدهم ، ففي الاُولى يرجع إلى التقصير وفي الثانية يبقى على التمام ، والأحوط الجمع في الصورتين .

الثالث من القواطع: التردّد في البقاء وعدمه ثلاثين يوماً ؛ إذا كان بعد بلوغ المسافة ، وأمّا إذا كان قبل بلوغها فحكمه التمام حين التردّد ؛ لرجوعه إلى التردّد في المسافرة وعدمها ، ففي الصورة الاُولى إذا بقي في مكان متردّداً في البقاء والذهاب أو في البقاء والعود إلى محلّه يقصّر إلى ثلاثين يوماً ، ثمّ بعده يتمّ ما دام في ذلك المكان ، ويكون بمنزلة من نوى الإقامة عشرة أيّام ؛ سواء أقام فيه قليلاً أو كثيراً ، حتّى إذا كان بمقدار صلاة واحدة .

ص: 747


1- الظاهر الرجوع إلى القصر في هذا الفرض .
2- الصورة الاُولى ليست من المفروض ؛ لأنّ الظاهر من التقييد أ نّه قصد البقاء بقدر ما قصدوا وهو غير ما في الفرض ، وأمّا إن كان المراد من التقييد أ نّه قصد بقاء العشرة التي يبقى فيها الرفقة باعتقاد قصدهم ، فالظاهر البقاء على التمام ؛ لأ نّه قصد العشرة وقيّدها بقيد توهّماً ، وإن رجع قصده إلى التعليق ، فحكمه القصر وإن كان خارجاً عن المفروض أيضاً .

(مسألة 36) : يلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعد غدٍ ، ثمّ لم يخرج ، وهكذا إلى أن مضى ثلاثون يوماً ، حتّى إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام - مثلاً - ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اُخرى وهكذا ، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً ثمّ يتمّ ولو لم يبق إلاّ مقدار صلاة واحدة .

(مسألة 37) : في إلحاق الشهر الهلالي - إذا كان ناقصاً - بثلاثين يوماً إذا كان تردّده في أوّل الشهر وجه لا يخلو عن قوّة ؛ وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به .

(مسألة 38) : يكفي في الثلاثين التلفيق ؛ إذا كان تردّده في أثناء اليوم ، كما مرّ في إقامة العشرة ؛ وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء ومراعاة الاحتياط .

(مسألة 39) : لا فرق في مكان التردّد بين أن يكون بلداً أو قرية أو مفازة .

(مسألة 40) : يشترط اتّحاد مكان التردّد ، فلو كان بعض الثلاثين في مكان وبعضه في مكان آخر لم يقطع حكم السفر ، وكذا لو كان مشتغلاً بالسير وهو متردّد ، فإنّه يبقى على القصر إذا قطع المسافة ولا يضرّ بوحدة المكان إذا خرج عن محلّ تردّده إلى مكان آخر ولو ما دون المسافة بقصد العود إليه عمّا قريب إذا كان بحيث يصدق عرفاً أ نّه كان متردّداً في ذلك المكان ثلاثين يوماً ، كما إذا كان متردّداً في النجف وخرج منه إلى الكوفة لزيارة مسلم أو لصلاة ركعتين في مسجد الكوفة والعود إليه في ذلك اليوم أو في ليلته(1) ، بل أو بعد ذلك اليوم .

(مسألة 41) : حكم المتردّد(2) بعد الثلاثين كحكم المقيم في مسألة الخروج

ص: 748


1- إذا كان الخروج في أوّل اليوم والعود في الليل ، فلا يخلو من إشكال ، فضلاً عمّا إذا كان العود بعد المبيت ، بل هو ممنوع إذا كان مكرّراً .
2- مرّ حكمه .

إلى ما دون المسافة مع قصد العود إليه في أ نّه يتمّ ذهاباً ، وفي المقصد والإياب ومحلّ التردّد ؛ إذا كان قاصداً للعود إليه من حيث إنّه محلّ تردّده ، وفي القصر بالخروج إذا أعرض عنه وكان العود إليه من حيث كونه منزلاً له في سفره الجديد ، وغير ذلك من الصور التي ذكرناها .

(مسألة 42) : إذا تردّد في مكان تسعة وعشرين يوماً أو أقلّ ثمّ سار إلى مكان آخر وتردّد فيه كذلك وهكذا ، بقي على القصر ما دام كذلك ، إلاّ إذا نوى الإقامة في مكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً في مكان واحد .

(مسألة 43) : المتردّد ثلاثين إذا أنشأ سفراً بقدر المسافة ، لا يقصّر إلاّ بعد الخروج عن حدّ الترخّص كالمقيم ، كما عرفت(1) سابقاً .

فصل : في أحكام صلاة المسافر

مضافاً إلى ما مرّ في طيّ المسائل السابقة ، قد عرفت : أ نّه يسقط بعد تحقّق الشرائط المذكورة من الرباعيات ركعتان ، كما أ نّه تسقط النوافل النهارية ؛ أي نافلة الظهرين ، بل ونافلة العشاء(2) - وهي الوتيرة - أيضاً على الأقوى ، وكذا يسقط الصوم الواجب عزيمة ، بل المستحبّ أيضاً ، إلاّ في بعض المواضع المستثناة فيجب عليه القصر في الرباعيات فيما عدا الأماكن الأربعة ، ولا يجوز له الإتيان بالنوافل النهارية بل ولا الوتيرة إلاّ بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية ؛ لمكان الخلاف في سقوطها وعدمه ، ولا تسقط نافلة الصبح والمغرب ولا صلاة

ص: 749


1- وعرفت الإشكال فيه .
2- الأحوط الإتيان بها رجاءً واحتياطاً .

الليل ، كما لا إشكال في أ نّه يجوز الإتيان بغير الرواتب من الصلوات المستحبّة .

(مسألة 1) : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر ، ثمّ سافر قبل الإتيان بالظهرين ، يجوز(1) له الإتيان بنافلتهما سفراً وإن كان يصلّيهما قصراً ، وإن تركها في الوقت يجوز له قضاؤها .

(مسألة 2) : لا يبعد(2) جواز الإتيان بنافلة الظهر في حال السفر ؛ إذا دخل عليه الوقت وهو مسافر ، وترك الإتيان بالظهر حتّى يدخل المنزل من الوطن أو محلّ الإقامة ، وكذا إذا صلّى الظهر في السفر ركعتين وترك العصر إلى أن يدخل المنزل ، لا يبعد جواز الإتيان بنافلتها في حال السفر ، وكذا لا يبعد جواز الإتيان بالوتيرة في حال السفر إذا صلّى العشاء أربعاً في الحضر ثمّ سافر ، فإنّه إذا تمّت الفريضة صلحت نافلتها .

(مسألة 3) : لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماماً ؛ فإمّا أن يكون عالماً بالحكم والموضوع أو جاهلاً بهما أو بأحدهما أو ناسياً ، فإن كان عالماً بالحكم والموضوع عامداً في غير الأماكن الأربعة بطلت صلاته ، ووجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، وإن كان جاهلاً بأصل الحكم وأنّ حكم المسافر التقصير لم يجب عليه الإعادة فضلاً عن القضاء ، وأمّا إن كان عالماً بأصل الحكم وجاهلاً ببعض الخصوصيات - مثل أنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر أو أنّ المسافة ثمانية ، أو أنّ كثير السفر إذا أقام في بلده أو غيره عشرة أيّام يقصّر في السفر الأوّل ، أو أنّ العاصي بسفره إذا رجع إلى

ص: 750


1- الأولى الإتيان بها رجاءً .
2- الظاهر سقوط النافلة في الفرض .

الطاعة يقصّر ونحو ذلك - وأتمّ ، وجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، وكذا(1) إذا كان عالماً بالحكم جاهلاً بالموضوع ، كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافة مع كونه مسافة ، فإنّه لو أتمّ وجب عليه الإعادة أو القضاء ، وأمّا إذا كان ناسياً لسفره ، أو أنّ حكم السفر(2) القصر فأتمّ ، فإن تذكّر في الوقت وجب عليه الإعادة ، وإن لم يعد وجب عليه القضاء في خارج الوقت ، وإن تذكّر بعد خروج الوقت لا يجب عليه القضاء ، وأمّا إذا لم يكن ناسياً للسفر ولا لحكمه ومع ذلك أتمّ صلاته ناسياً ، وجب عليه الإعادة والقضاء .

(مسألة 4) : حكم الصوم فيما ذكر(3) حكم الصلاة ، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم ، دون الجهل بالخصوصيات ودون الجهل بالموضوع .

(مسألة 5) : إذا قصّر من وظيفته التمام ، بطلت صلاته في جميع الموارد إلاّ في المقيم(4) المقصّر ، للجهل بأنّ حكمه التمام .

(مسألة 6) : إذا كان جاهلاً بأصل الحكم ولكن لم يصلّ في الوقت وجب عليه القصر في القضاء بعد العلم به وإن كان لو أتمّ في الوقت كان صحيحاً ، فصحّة التمام منه ليس لأجل أ نّه تكليفه ، بل من باب الاغتفار ، فلا ينافي ما ذكرنا قوله : «اقض ما فات كما فات» ، ففي الحقيقة الفائت منه هو القصر

ص: 751


1- على الأحوط ، وكذا في الجهل بالموضوع ، وفي الفرع الأخير في المتن .
2- في نسيان الحكم إشكال ، أحوطه وجوب القضاء عليه أيضاً .
3- في الجهل لا في النسيان ، فإنّ الناسي يجب عليه القضاء .
4- حتّى فيه أيضاً .

لا التمام ، وكذا الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه ، فإنّه لو لم يصلّ أصلاً عصياناً أو لعذر وجب عليه القضاء قصراً .

(مسألة 7) : إذا تذكّر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصراً واجتزأ بها ، ولا يضرّ كونه ناوياً من الأوّل للتمام ؛ لأ نّه من باب الداعي والاشتباه في المصداق لا التقييد ، فيكفي قصد الصلاة والقربة بها ، وإن تذكّر بعد ذلك بطلت ووجب عليه الإعادة مع سعة الوقت ولو بإدراك ركعة من الوقت ، بل وكذا لو تذكّر بعد الصلاة تماماً وقد بقي من الوقت مقدار ركعة ؛ فإنّه يجب عليه إعادتها قصراً ، وكذا الحال في الجاهل بأنّ مقصده مسافة إذا شرع في الصلاة بنيّة التمام ثمّ علم بذلك ، أو الجاهل بخصوصيات الحكم إذا نوى التمام ثمّ علم في الأثناء أنّ حكمه القصر ، بل الظاهر أنّ حكم من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنيّة القصر جهلاً ، ثمّ تذكّر في الأثناء العدول إلى التمام ، ولا يضرّه أ نّه نوى من الأوّل ركعتين مع أنّ الواجب عليه أربع ركعات ؛ لما ذكر من كفاية قصد الصلاة متقرّباً وإن تخيّل أنّ الواجب هو القصر ؛ لأ نّه من باب الاشتباه في التطبيق والمصداق لا التقييد ، فالمقيم الجاهل بأنّ وظيفته التمام إذا قصد القصر ثمّ علم في الأثناء يعدل إلى التمام ويجتزئ به ، لكن الأحوط الإتمام والإعادة ، بل الأحوط في الفرض الأوّل أيضاً الإعادة قصراً بعد الإتمام قصراً .

(مسألة 8) : لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد ، فالظاهر صحّة صلاته ، وإن كان الأحوط الإعادة ، بل وكذا لو كان جاهلاً بأنّ وظيفته القصر فنوى التمام لكنّه قصّر سهواً ، والاحتياط بالإعادة في هذه الصورة آكد وأشدّ .

ص: 752

(مسألة 9) : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكّن من الصلاة ولم يصلّ ثمّ سافر ، وجب عليه القصر ، ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر فلم يصلّ حتّى دخل المنزل ؛ من الوطن أو محلّ الإقامة أو حدّ الترخّص منهما أتمّ ، فالمدار على حال الأداء لا حال الوجوب والتعلّق ، لكن الأحوط في المقامين الجمع .

(مسألة 10) : إذا فاتت منه الصلاة وكان في أوّل الوقت حاضراً وفي آخره مسافراً أو بالعكس ، فالأقوى(1) أ نّه مخيّر بين القضاء قصراً أو تماماً ؛ لأ نّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت ، والمفروض أ نّه كان مكلّفاً في بعضه بالقصر وفي بعضه بالتمام ، ولكن الأحوط مراعاة حال الفوت وهو آخر الوقت ، وأحوط منه الجمع بين القصر والتمام .

(مسألة 11) : الأقوى كون المسافر مخيّراً بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة : وهي مسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الكوفة والحائر الحسيني ، بل التمام هو الأفضل وإن كان الأحوط هو القصر ، وما ذكرنا هو القدر المتيقّن ، وإلاّ فلا يبعد(2) كون المدار على البلدان الأربعة ، وهي مكّة والمدينة والكوفة وكربلاء ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط خصوصاً في الأخيرتين ، ولا يلحق بها سائر المشاهد ، والأحوط في المساجد الثلاثة الاقتصار على الأصلي منها دون الزيادات الحادثة في بعضها ، نعم لا فرق فيها بين السطوح

ص: 753


1- بل الأقوى كون المدار على حال الفوت وهو آخر الوقت ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع .
2- فيه إشكال ، لا يترك الاحتياط .

والصحن والمواضع المنخفضة منها ، كما أنّ الأحوط في الحائر الاقتصار على ما حول الضريح(1) المبارك .

(مسألة 12) : إذا كان بعض بدن المصلّي داخلاً في أماكن التخيير وبعضه خارجاً لا يجوز له التمام ، نعم لا بأس بالوقوف منتهى أحدها إذا كان يتأخّر حال الركوع والسجود ؛ بحيث يكون تمام بدنه داخلاً حالهما .

(مسألة 13) : لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور ، فلا يصحّ له الصوم فيها ، إلاّ إذا نوى الإقامة أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً .

(مسألة 14) : التخيير في هذه الأماكن استمراري ، فيجوز له التمام مع شروعه في الصلاة بقصد القصر وبالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول ، بل لا بأس بأن ينوي الصلاة من غير تعيين أحد الأمرين من الأوّل ، بل لو نوى القصر فأتمّ غفلة أو بالعكس فالظاهر الصحّة .

(مسألة 15) : يستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر» وهذا وإن كان يستحبّ من حيث التعقيب عقيب كلّ فريضة حتّى غير المقصورة ، إلاّ أ نّه يتأكّد عقيب المقصورات ، بل الأولى تكرارها مرّتين ؛ مرّة من باب التعقيب ومرّة من حيث بدليتها عن الركعتين الساقطتين .

ص: 754


1- وإن كان الأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر ، فيمتدّ من طرف الرأس إلى الشبّاك المتّصلة بالرواق ، ومن طرف الرجل إلى الباب والشبّاك المتّصلين بالرواق ، ومن الخلف إلى حدّ المسجد ؛ وإن كان دخول المسجد والرواق فيه أيضاً لا يخلو من قوّة ، لكن الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه .

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق... ه_

الاجتهاد والتقليد... 3

كتاب الطهارة

فصل : في المياه... 18

فصل : في الماء الجاري... 22

فصل : في الماء الراكد... 23

فصل : في ماء المطر... 26

فصل : في ماء الحمّام... 29

فصل : في ماء البئر... 29

فصل : في الماء المستعمل... 32

فصل : في الماء المشكوك... 34

فصل : في الأسآر... 37

فصل : في النجاسات... 38

فصل : في طريق ثبوت النجاسة... 51

فصل : في كيفية تنجّس المتنجّسات... 54

فصل : في شرطية الطهارة لصحّة الصلاة... 58

فصل : فيما إذا صلّى في النجس... 67

ص: 755

فصل : فيما يعفى عنه في الصلاة... 71

فصل : في المطهّرات... 76

فصل : في طريق ثبوت التطهير... 105

فصل : في حكم الأواني... 106

فصل : في أحكام التخلّي... 113

فصل : في الاستنجاء... 118

فصل : في الاستبراء... 120

فصل : في مستحبّات التخلّي ومكروهاته... 123

فصل : في موجبات الوضوء ونواقضه... 125

فصل : في غايات الوضوءات الواجبة وغير الواجبة... 127

فصل : في الوضوءات المستحبّة... 132

فصل : في بعض مستحبّات الوضوء... 135

فصل : في مكروهاته... 136

فصل : في أفعال الوضوء... 137

فصل : في شرائط الوضوء... 150

فصل : في أحكام الجبائر... 173

فصل : في حكم دائم الحدث... 182

فصل : في الأغسال... 186

فصل : في غسل الجنابة... 187

فصل : فيما يتوقّف على الغسل من الجنابة... 191

فصل : فيما يحرم على الجنب... 192

فصل : فيما يكره على الجنب... 196

فصل : في كيفية غسل الجنابة... 196

ص: 756

فصل : في مستحبّات غسل الجنابة... 204

فصل : في الحيض... 210

فصل : في حكم تجاوز الدم عن العشرة... 220

فصل : في أحكام الحائض... 224

فصل : في الاستحاضة... 234

فصل : في النفاس... 242

فصل : في غسل مسّ الميّت... 246

فصل : في أحكام الأموات... 250

فصل : في آداب المريض وما يستحبّ عليه... 252

فصل : في عيادة المريض... 252

فصل : فيما يتعلّق بالمحتضر ممّا هو وظيفة الغير... 253

فصل : في المستحبّات بعد الموت... 255

فصل : في المكروهات بعد الموت... 255

فصل : فيما يستحبّ عند ظهور أمارات الموت... 255

فصل : في أنّ تجهيز الميّت واجب كفائي... 256

فصل : في مراتب الأولياء... 257

فصل : في تغسيل الميّت... 260

فصل : في كيفية النيّة في غسل الميّت... 261

فصل : في وجوب المماثلة... 261

فصل : فيمن لا يجب غسله... 264

فصل : في كيفية غسل الميّت... 267

فصل : في شرائط الغسل... 270

فصل : في آداب غسل الميّت... 272

ص: 757

فصل : في مكروهات الغسل... 274

فصل : في تكفين الميّت... 275

فصل : في مستحبّات الكفن... 281

فصل : في بقيّة المستحبّات... 282

فصل : في مكروهات الكفن... 284

فصل : في الحنوط... 285

فصل : في الجريدتين... 287

فصل : في التشييع... 289

فصل : في الصلاة على الميّت... 291

فصل : في كيفية صلاة الميّت... 295

فصل : في شرائط صلاة الميّت... 298

فصل : في آداب الصلاة على الميّت... 304

فصل : في الدفن... 305

فصل : في المستحبّات قبل الدفن وحينه وبعده... 309

فصل : في مكروهات الدفن... 317

فصل : في الأغسال المندوبة... 326

فصل : في الأغسال المكانية... 334

فصل : في الأغسال الفعلية... 334

فصل : في التيمّم... 340

فصل : في بيان ما يصحّ التيمّم به... 353

فصل : في شرائط ما يتيمّم به... 357

فصل : في كيفية التيمّم... 359

فصل : في أحكام التيمّم... 364

ص: 758

كتاب الصلاة

مقدّمة : في فضل الصلوات اليومية وأ نّها أفضل الأعمال الدينية... 376

فصل : في أعداد الفرائض ونوافلها... 377

فصل : في أوقات اليومية ونوافلها... 379

فصل : في أوقات الرواتب... 385

فصل : في أحكام الأوقات... 391

فصل : في القبلة... 397

فصل : فيما يستقبل له... 404

فصل : في أحكام الخلل في القبلة... 406

فصل : في الستر والساتر... 407

فصل : في شرائط لباس المصلّي... 412

فصل : فيما يكره من اللباس حال الصلاة... 425

فصل : فيما يستحبّ من اللباس... 426

فصل : في مكان المصلّي... 427

فصل : في مسجد الجبهة من مكان المصلّي... 437

فصل : في الأمكنة المكروهة... 442

فصل : في بعض أحكام المسجد... 446

فصل : في الأذان والإقامة... 449

فصل : في شرائط الأذان والإقامة... 454

فصل : في مستحبّات الأذان والإقامة... 456

فصل : في إقبال القلب على العمل... 459

ص: 759

فصل : في واجبات الصلاة... 460

فصل : في النيّة... 461

فصل : في تكبيرة الإحرام... 471

فصل : في القيام... 476

فصل : في القراءة... 485

فصل : فيما يجب من القراءة في غير الاُوليين... 497

فصل : في مستحبّات القراءة... 500

فصل : في الركوع... 504

فصل : في السجود... 512

فصل : في مستحبّات السجود... 519

فصل : في سائر أقسام السجود... 522

فصل : في التشهّد... 528

فصل : في التسليم... 532

فصل : في الترتيب... 534

فصل : في الموالاة... 535

فصل : في القنوت... 536

فصل : في التعقيب... 541

فصل : في الصلاة على النبي حيث ما ذكر... 545

فصل : في مبطلات الصلاة... 546

فصل : في المكروهات في الصلاة... 559

فصل : في قطع الصلاة اختياراً... 561

فصل : في صلاة الآيات... 562

ص: 760

فصل : في صلاة القضاء... 570

فصل : في صلاة الاستئجار... 578

فصل : في قضاء الوليّ... 587

فصل : في الجماعة... 591

فصل : في سائر شرائط الجماعة ... 603

فصل : في أحكام الجماعة... 609

فصل : في شرائط إمام الجماعة... 621

فصل : في مستحبّات الجماعة ومكروهاتها... 626

فصل : في الخلل الواقع في الصلاة... 633

فصل : في الشكّ... 639

فصل : في الشكّ في الركعات... 644

فصل : في كيفية صلاة الاحتياط... 654

فصل : في حكم قضاء الأجزاء المنسيّة... 659

فصل : في موجبات سجود السهو وكيفيته وأحكامه... 664

فصل : في الشكوك التي لا اعتبار بها ولا يلتفت إليها... 669

ختام : فيه مسائل متفرّقة... 676

فصل : في صلاة العيدين ؛ الفطر والأضحى... 698

فصل : في صلاة ليلة الدفن... 702

فصل : في صلاة جعفر علیه السلام ... 704

فصل : في صلاة الغفيلة... 706

فصل : في صلاة أوّل الشهر... 707

فصل : في صلاة الوصيّة... 707

ص: 761

فصل : في صلاة يوم الغدير... 708

فصل : في صلاة قضاء الحاجات وكشف المهمّات... 708

فصل : في أقسام الصلوات المستحبّة... 709

فصل : في أحكام الصلوات المندوبة... 710

فصل : في صلاة المسافر... 712

فصل : في قواطع السفر موضوعاً أو حكماً... 734

فصل : في أحكام صلاة المسافر... 749

ص: 762

المجلد 2

هوية الكتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 25 العروة الوثقی المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 709ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان

ویراستار: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

كتاب الصوم

اشارة

وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة ، وينقسم إلى الواجب والمندوب والحرام والمكروه بمعنى قلّة الثواب .

والواجب منه ثمانية : صوم شهررمضان ، وصوم القضاء ، وصوم الكفّارة على كثرتها ، وصوم بدل الهدي في الحجّ ، وصوم النذر(1) والعهد واليمين ، وصوم الإجارة ونحوها كالمشروط في ضمن العقد ، وصوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه ، ووجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين ، ومنكره مرتدّ يجب قتله ومن أفطر فيه لا مستحلاًّ عالماً عامداً يعزّر بخمسة(2) وعشرين سوطاً ، فإن عاد عزّر ثانياً ، فإن عاد قتل على الأقوى وإن كان الأحوط قتله في الرابعة ، وإنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كلّ من المرّتين أو الثلاث وإذا ادّعى شبهة محتملة في حقّه درئ عنه الحدّ .

ص: 5


1- - الأقوى عدم وجوب المنذور وشبهه بعنوان ذاته كما مرّ فلا يكون الصوم المنذور من أقسام الواجب .
2- - هذا التقدير إنّما هو وارد في الجماع لا غير.

فصل : في النيّة

يجب في الصوم القصد إليه مع القربة والإخلاص كسائر العبادات ، ولا يجب الإخطار ، بل يكفي الداعي ، ويعتبر فيما عدا شهر رمضان حتّى الواجب المعيّن أيضاً القصد إلى نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النذر ؛ مطلقاً كان أو مقيّداً بزمان معيّن ؛ من غير فرق بين الصوم الواجب والمندوب ، ففي المندوب أيضاً(1) يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض - مثلاً - أو غيرها من الأيّام المخصوصة ، فلا يجزي القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع ؛ من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمّته متّحداً أو متعدّداً ، ففي صورة الاتّحاد أيضاً يعتبر تعيين النوع ، ويكفي التعيين الإجمالي ، كأن يكون ما في ذمّته واحداً ، فيقصد ما في ذمّته وإن لم يعلم أ نّه من أيّ نوع ، وإن كان يمكنه الاستعلام أيضاً ، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي التعيين الإجمالي ، كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً أو نحو ذلك ، وأمّا في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم وإن لم ينو كونه من رمضان ، بل لو نوى فيه غيره جاهلاً أو ناسياً له أجزأ عنه ، نعم إذا كان عالماً به وقصد غيره لم يجزه ، كما لا يجزي لما قصده أيضاً ، بل إذا قصد غيره عالماً به مع تخيّل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة وجدّد نيّته قبل الزوال لم يجزه أيضاً ، بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلاً بعدم صحّة غيره فيه وإن لم يقصد الغير أيضاً ، بل قصد الصوم في الغد مثلاً ، فيعتبر في مثله(2)

ص: 6


1- - الأقوى عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق ، فلو نوى صوم غد متقرّبا إلى اللّه صحّ ووقع ندبا ، مع كون الزمان صالحا ، والشخص جائزاً له التطوّع بالصوم . نعم ، في إحراز الخصوصية لا بدّ من القصد .
2- - الأقوى صحّة صومه وعدم اعتبار تعيين كونه من شهر رمضان .

تعيين كونه من رمضان ، كما أنّ الأحوط في المتوخّي - أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظنّ - أيضاً ذلك ؛ أي اعتبار قصد كونه من رمضان ، بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 1) : لا يشترط التعرّض للأداء والقضاء ولا الوجوب والندب ولا سائر الأوصاف الشخصية ، بل لو نوى شيئاً منها في محلّ الآخر صحّ ، إلاّ إذا كان منافياً للتعيين ؛ مثلاً إذا تعلّق به الأمر الأدائي فتخيّل كونه قضائياً ، فإن قصد الأمر الفعلي المتعلّق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاءً صحّ ، وأمّا إذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل(1) ؛ لأ نّه منافٍ للتعيين حينئذٍ ، وكذا يبطل إذا كان مغيّراً للنوع ، كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً - مثلاً - أو بقيد كونه وجوبياً - مثلاً - فبان كونه أدائياً أو كونه ندبياً ، فإنّه حينئذٍ مغيّر للنوع ويرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ .

(مسألة 2) : إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني - مثلاً - أو العكس صحّ ، وكذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفّارة أو غيرها فبان الثاني - مثلاً - أو العكس ، وكذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أ نّه قضاء رمضان السنة السابقة وبالعكس .

(مسألة 3) : لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن اُمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى .

(مسألة 4) : لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ولكن تخيّل أنّ المفطر

ص: 7


1- - الحكم فيه وفيما بعده مبنيّ على الاحتياط .

الفلاني ليس بمفطر ، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه ، وكذا إن لم يرتكبه ولكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه(1) ، وأمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الأقوى .

(مسألة 5) : النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة وإن كان متّحداً ، نعم لو علم باشتغال ذمّته بصوم ولا يعلم أ نّه له أو نيابة عن الغير يكفيه(2) أن يقصد ما في الذمّة.

(مسألة 6) : لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره - واجباً كان ذلك الغير أو ندباً - سواء كان مكلّفاً بصومه أو لا ، كالمسافر ونحوه ، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير ؛ سواء كان عالماً بأ نّه رمضان أو جاهلاً ، وسواء كان عالماً بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلاً ، ولا يجزي عن رمضان أيضاً إذا كان مكلّفاً به مع العلم والعمد ، نعم يجزي عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ ، ولو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضاً لم يصحّ قضاءً ولم يجز عن رمضان أيضاً ، مع العلم والعمد .

(مسألة 7) : إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نيّة الصوم بدون تعيين أ نّه للنذر ولو إجمالاً كما مرّ ، ولو نوى غيره فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحّته إشكال(3) .

ص: 8


1- - الأقوى صحّة صومه إذا قصد عنوان الصوم ولو قصد الإتيان بما تخيّل أ نّه ليس بمفطر أو قصد الإمساك عمّا عداه .
2- - محلّ إشكال .
3- - الأقوى هو الصحّة .

(مسألة 8) : لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها ، وقضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه(1) تعيين أ نّه من أيّ منهما ، بل يكفيه نيّة الصوم قضاءً ، وكذا إذا كان عليه نذران(2) كلّ واحد يوم أو أزيد ، وكذا إذا كان عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار .

(مسألة 9) : إذا نذر صوم يوم خميس معيّن ، ونذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن ، فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه ، ويسقط(3) النذران فإن قصدهما اُثيب عليهما وإن قصد أحدهما اُثيب عليه ، وسقط عنه الآخر .

(مسألة 10) : إذا نذر صوم يوم معيّن ، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض - مثلاً - فإن قصد وفاء النذر وصوم أيّام البيض اُثيب عليهما ، وإن قصد النذر فقط اُثيب عليه فقط وسقط الآخر ، ولا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر .

(مسألة 11) : إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من

ص: 9


1- - مع سعة الوقت لإتيانهما قبل شهر رمضان .
2- - إذا كان النذران مطلقين ، وأمّا في نذر الشكر والزجر إذا كانا في نوعين وكذا في الكفّارتين إذا كانتا لنوعين ، فلا يبعد وجوب التعيين . نعم ، لو كانت الكفّارتان لنوع واحد فلا يبعد عدم وجوب التعيين ، فمن وجبت عليه كفّارة يومين من شهر رمضان فالظاهر عدم وجوب تعيين أ نّها من أيّهما ، وأمّا لو كانت عليه كفّارة ظهار وكفّارة قتل خطأ فالظاهر وجوب التعيين ، وكذا الحال في النذر ، فمن نذر أ نّه لو وفّق لزيارة مولانا الحسين عليه السلام فصام يوماً ثمّ نذر يوماً آخر لذلك فالظاهر عدم وجوب التعيين ، وأمّا لو نذر يوماً لصحّته من مرض ويوماً للزيارة فالظاهر وجوب التعيين .
3- - لو قصدهما ، وأمّا لو لم يقصد إلاّ واحداً منهما فتحقّق الوفاء بالنسبة إلى ما قصد دون غيره ، ولا يبعد ثبوت الكفّارة بالنسبة إلى غير المقصود .

الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع اُثيب على الجميع ، وإن قصد البعض دون البعض اُثيب على المنويّ وسقط الأمر بالنسبة إلى البقيّة .

(مسألة 12) : آخر وقت النيّة(1) في الواجب المعيّن - رمضان كان أو غيره - عند طلوع الفجر الصادق ، ويجوز التقديم في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه ، ومع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعيّن الآخر ، يجوز متى تذكّر إلى ما قبل الزوال ؛ إذا لم يأت بمفطر ، وأجزأه عن ذلك اليوم ولا يجزيه إذا تذكّر بعد الزوال ، وأمّا في الواجب الغير المعيّن فيمتدّ وقتها اختياراً من أوّل الليل إلى الزوال ، دون ما بعده على الأصحّ ، ولا فرق في ذلك بين سبق التردّد أو العزم على العدم ، وأمّا في المندوب فيمتدُّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى .

(مسألة 13) : لو نوى الصوم ليلاً ، ثمّ نوى الإفطار ، ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى وصام قبل أن يأتي بمفطر صحّ(2) على الأقوى ، إلاّ أن يفسد صومه برياء ونحوه ؛ فإنّه لا يجزيه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط(3) .

(مسألة 14) : إذا نوى الصوم ليلاً ، لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر ، مع بقاء العزم على الصوم .

ص: 10


1- - لا وقت للنيّة شرعاً ، بل المعيار حصول الصوم عن عزم باقٍ في النفس ولو ذهل عنه بنوم وشبهه ، ولا فرق في حدوث هذا العزم بين أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها ، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي ونام على هذا العزم إلى آخر الغد صحّ صومه على الأصحّ .
2- - مفروض المسألة في مورد قلنا بصحّة تجديد نيّته إلى قبل الزوال كالناسي والجاهل .
3- - بل الأقوى .

(مسألة 15) : يجوز(1) في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة ، والأولى أن ينوي صوم الشهر جملة ، ويجدّد النيّة لكلّ يوم ، ويقوى الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم ، وأمّا في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بدّ من نيّته لكلّ يوم ؛ إذا كان عليه أيّام كشهر أو أقلّ أو أكثر .

(مسألة 16) : يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان يبني على أ نّه من شعبان ، فلا يجب صومه ، وإن صام ينويه ندباً أو قضاءً أو غيرهما ، ولو بان بعد ذلك أ نّه من رمضان أجزأ عنه ووجب عليه تجديد النيّة إن بان في أثناء النهار ولو كان بعد الزوال ، ولو صامه بنيّة أ نّه من رمضان لم يصحّ وإن صادف الواقع .

(مسألة 17) : صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه : الأوّل : أن يصوم على أ نّه من شعبان ، وهذا لا إشكال فيه ؛ سواء نواه ندباً أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر أو نحو ذلك ، ولو انكشف بعد ذلك أ نّه كان من رمضان أجزأ عنه وحسب كذلك . الثاني : أن يصومه بنيّة أ نّه من رمضان ، والأقوى بطلانه وإن صادف الواقع . الثالث : أن يصومه على أ نّه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً - مثلاً - وإن كان من رمضان كان واجباً ، والأقوى بطلانه أيضاً(2) . الرابع : أن يصومه بنيّة القربة المطلقة بقصد ما في الذمّة وكان في ذهنه أ نّه إمّا من رمضان أو غيره ؛ بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيّته ، فالأقوى صحّته وإن كان الأحوط خلافه .

(مسألة 18) : لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار ، ثمّ بان له أ نّه من الشهر ، فإن

ص: 11


1- - كأنّ هذه المسألة أو بعض فروعها مبتنية على كون النيّة بمعنى الخطور .
2- - لا تبعد الصحّة في خصوص هذا الفرع ولو كان الترديد في النيّة .

تناول المفطر وجب عليه القضاء ، وأمسك بقيّة النهار وجوباً تأدّباً ، وكذا لو لم يتناوله ولكن كان بعد الزوال ، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر جدّد النيّة وأجزأ عنه .

(مسألة 19) : لو صام يوم الشكّ بنيّة أ نّه من شعبان ؛ ندباً أو قضاءً أو نحوهما ، ثمّ تناول المفطر نسياناً ، وتبيّن بعده أ نّه من رمضان أجزأ عنه أيضاً ، ولا يضرّه تناول المفطر نسياناً ، كما لو لم يتبيّن ، وكما لو تناول المفطر نسياناً بعد التبيّن .

(مسألة 20) : لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه برياء ونحوه لم يجزه عن رمضان ، وإن تبيّن له كونه منه قبل الزوال .

(مسألة 21) : إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ، ثمّ نوى الإفطار وتبيّن كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوى صحّ صومه، وأمّا إن نوى الإفطار(1) في يوم من شهر رمضان عصياناً ، ثمّ تاب فجدّد النيّة قبل الزوال لم ينعقد صومه ، وكذا لو صام يوم الشكّ بقصد واجب معيّن ثمّ نوى الإفطار عصياناً ثمّ تاب فجدّد النيّة بعد تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال .

(مسألة 22) : لو نوى القطع أو القاطع(2) في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه؛ سواء نواهما من حينه أو فيما يأتي ، وكذا لو تردّد . نعم ، لو كان تردّده من جهة الشكّ في بطلان صومه وعدمه لعروض عارض لم يبطل وإن استمرّ ذلك إلى

ص: 12


1- - هذا في نيّة القطع صحيح ، وأمّا نيّة القاطع فليست بمفطرة على الأقوى ، وكذا الحال في الفرع الآتي .
2- - قد مرّ أنّ الأقوى عدم بطلانه بنيّة القاطع وإن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعاً ، نعم لو نوى القاطع وتوجّه إلى الاستلزام ونوى القطع استقلالاً بطل على الأقوى .

أن يسأل ، ولا فرق في البطلان بنيّة القطع أو القاطع أو التردّد بين أن يرجع إلى نيّة الصوم قبل الزوال أم لا ، وأمّا في غير الواجب المعيّن فيصحّ لو رجع قبل الزوال .

(مسألة 23) : لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها .

(مسألة 24) : لا يجوز العدول من صوم إلى صوم - واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين - وتجديد نيّة رمضان إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ليس من باب العدول ، بل من جهة(1) أنّ وقتها موسّع لغير العالم به إلى الزوال .

فصل : فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات

وهي اُمور :

الأوّل والثاني : الأكل والشرب ؛ من غير فرق في المأكول والمشروب بين المعتاد كالخبز والماء ونحوهما وغيره كالتراب والحصى وعصارة الأشجار ونحوها ، ولا بين الكثير والقليل كعشر حبّة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات ، حتّى أ نّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه ، إلاّ إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية ، وكذا لو استاك وأخرج المسواك من فمه وكان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم ، فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه ، إلاّ مع الاستهلاك على الوجه المذكور ، وكذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه .

ص: 13


1- - في التعليل إشكال .

(مسألة 1) : لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم وإن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه ، ولا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً ، نعم لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه وبطل صومه على فرض(1) الدخول .

(مسألة 2) : لا بأس ببلع البصاق وإن كان كثيراً مجتمعاً ، بل وإن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه - كتذكّر الحامض مثلاً - لكن الأحوط الترك في صورة الاجتماع ، خصوصاً مع تعمّد السبب .

(مسألة 3) : لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط ، وما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم ، بل الأقوى جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق وإن كان الأحوط تركه ، وأمّا ما وصل منهما إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع .

(مسألة 4) : المدار صدق الأكل والشرب وإن كان بالنحو الغير المتعارف ، فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب ، كما إذا صبّ دواءً في جرحه ، أو شيئاً في اُذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه ، نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أ نّه موجب للبطلان إن كان متعمّداً ؛ لصدق الأكل والشرب حينئذٍ .

(مسألة 5) : لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف وإن كان متعمّداً .

الثالث : الجماع وإن لم ينزل ؛ للذكر والاُنثى ، قبلاً أو دبراً ، صغيراً كان أو

ص: 14


1- - بل مطلقاً على الأحوط .

كبيراً ، حيّاً أو ميّتاً ، واطئاً كان أو موطوءاً ، وكذا لو كان الموطوء بهيمة ، بل وكذا لو كانت هي الواطئة ، ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها(1) من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك ، بل لو دخل بجملته ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل(2) وإن كان لو انتشر كان بمقدارها .

(مسألة 6) : لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به وعدمه .

(مسألة 7) : لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين بلا إنزال ، إلاّ إذا كان قاصداً له فإنّه يبطل وإن لم ينزل ؛ من حيث إنّه نوى المفطر(3) .

(مسألة 8) : لا يضرّ إدخال الإصبع ونحوه لا بقصد(4) الإنزال .

(مسألة 9) : لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائماً أو كان مكرهاً بحيث خرج عن اختياره ، كما لا يضرّ إذا كان سهواً .

(مسألة 10) : لو قصد التفخيذ - مثلاً - فدخل في أحد الفرجين لم يبطل ، ولو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقّق كان مبطلاً(5) من حيث إنّه نوى المفطر .

(مسألة 11) : إذا دخل الرجل بالخنثى قبلاً لم يبطل صومه ولا صومها ، وكذا لو دخل الخنثى بالاُنثى ولو دبراً ، أمّا لو وطئ الخنثى دبراً(6) بطل صومهما ، ولو

ص: 15


1- - الأحوط البطلان بمطلق الدخول في مقطوع الحشفة ، بل لا يخلو ذلك من قوّة .
2- - بل يبطل على الأحوط .
3- - تقدّم التفصيل في ذلك .
4- - بل مطلقاً إذا لم ينزل .
5- - تقدّم ما هو الأقوى .
6- - وكان الواطئ غير الخنثى .

دخل الرجل بالخنثى ودخلت(1) الخنثى بالاُنثى بطل صوم الخنثى دونهما ، ولو وطئت كلّ من الخنثيين الاُخرى لم يبطل صومهما .

(مسألة 12) : إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فوراً ، فإن تراخى بطل صومه .

(مسألة 13) : إذا شكّ في الدخول ، أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة(2) لم يبطل صومه .

الرابع من المفطرات : الاستمناء ؛ أي إنزال المنيّ متعمّداً بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر أو تصوير صورة الواقعة أو تخيّل صورة امرأة أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله ، فإنّه مبطل للصوم بجميع أفراده ، وأمّا لو لم يكن قاصداً للإنزال وسبقه المنيّ من دون إيجاد شيء ممّا يقتضيه لم يكن عليه شيء .

(مسألة 14) : إذا علم من نفسه أ نّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه ، وإن كان الظاهر جوازه ، خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج .

(مسألة 15) : يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء(3) بالبول أو الخرطات ؛ وإن علم بخروج بقايا المنيّ في المجرى ، ولا يجب عليه التحفّظ بعد الإنزال من خروج المنيّ إن استيقظ قبله ، خصوصاً مع الإضرار أو الحرج .

ص: 16


1- - أي دخل بقبلها .
2- - مرّ أنّ الأحوط في مقطوعها مبطلية مطلق الدخول ، بل لا تخلو من وجه ، فحينئذٍ لو شكّ مقطوع الحشفة في أصل الدخول لم يحكم ببطلان صومه ، دون ما لو علم الدخول وشكّ في بلوغ مقدارها .
3- - قبل الغسل ، وأمّا بعده فمع العلم بخروج المنيّ فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - تركه .

(مسألة 16) : إذا احتلم في النهار وأراد الاغتسال فالأحوط تقديم الاستبراء ؛ إذا علم أ نّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل فتحدث جنابة جديدة .

(مسألة 17) : لو قصد الإنزال بإتيان شيء ممّا ذكر ولكن لم ينزل بطل صومه ؛ من باب نيّة إيجاد المفطر(1) .

(مسألة 18) : إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال ، لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل بطل صومه أيضاً إذا أنزل ، وأمّا إذا أوجد بعض هذه ولم يكن قاصداً للإنزال ولا كان من عادته فاتّفق أ نّه أنزل(2) ، فالأقوى عدم البطلان وإن كان الأحوط القضاء ، خصوصاً في مثل الملاعبة والملامسة والتقبيل .

الخامس : تعمّد الكذب على اللّه تعالى أو رسوله أو الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - سواء كان متعلّقاً باُمور الدين أو الدنيا ، وسواء كان بنحو الإخبار أو بنحو الفتوى(3) ، بالعربي أو بغيره من اللغات ؛ من غير فرق بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم ، ومن غير فرق(4) بين أن يكون الكذب مجعولاً له أو جعله غيره وهو أخبر به مسنداً إليه ، لا على وجه نقل القول ، وأمّا لو كان على وجه الحكاية ونقل القول فلا يكون مبطلاً .

ص: 17


1- - تقدّم التفصيل فيها .
2- - من غير استناد إلى اختياره ، وأمّا إذا أوجد الأفعال ووصل الأمر إلى حدّ قريب من الإنزال ولم يتحفّظ كما هو الغالب ، فهو بحكم العمد .
3- - بنحو الاستناد على اللّه أو رسوله صلى الله عليه و آله وسلم أو الأئمّة عليهم السلام .
4- - بل ومن غير فرق - على الأحوط - بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها ، كالإخبار كاذباً بأ نّهم فعلوا كذا أو كانوا كذا .

(مسألة 19) : الأقوى(1) إلحاق باقي الأنبياء والأوصياء بنبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم ، فيكون الكذب عليهم أيضاً موجباً للبطلان، بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء - سلام اللّه عليها - بهم أيضاً.

(مسألة 20) : إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد ، أو موجّهاً إلى من لا يفهم معناه ، فالظاهر عدم البطلان وإن كان الأحوط القضاء .

(مسألة 21) : إذا سأله سائل هل قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم كذا ؟ فأشار «نعم» في مقام «لا» ، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه .

(مسألة 22) : إذا أخبر صادقاً عن اللّه تعالى أو عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم - مثلاً - ثمّ قال : كذبت ، بطل صومه ، وكذا إذا أخبر بالليل كاذباً ثمّ قال في النهار : ما أخبرت به البارحة صدق .

(مسألة 23) : إذا أخبر كاذباً ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر ، فيكون صومه باطلاً ، بل وكذا إذا تاب بعد ذلك ، فإنّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان .

(مسألة 24) : لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوباً في كتاب من كتب الأخبار أو لا ، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به وإن أسنده إلى ذلك الكتاب ، إلاّ أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الإخبار ، بل لا يجوز(2) الإخبار به على سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه ، بل وكذا مع احتمال كذبه ، إلاّ على سبيل النقل والحكاية ، فالأحوط لناقل الأخبار في شهر

ص: 18


1- - في القوّة إشكال ، فالأحوط الإلحاق .
2- - لكن مفطريته محلّ إشكال بل منع إذا كان الظنّ غير معتبر ، وأولى بالمنع هو احتماله .

رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر أن يسنده إلى الكتاب ، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية .

(مسألة 25) : الكذب على الفقهاء والمجتهدين والرواة وإن كان حراماً لا يوجب بطلان الصوم ، إلاّ إذا رجع إلى الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم .

(مسألة 26) : إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم في مقام التقيّة من ظالم لا يبطل صومه به ، كما أ نّه لا يبطل مع السهو أو الجهل المركّب .

(مسألة 27) : إذا قصد الكذب فبان صدقاً ، دخل في عنوان قصد المفطر بشرط العلم بكونه مفطراً .

(مسألة 28) : إذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ ، كما اُشير إليه .

(مسألة 29) : إذا أخبر بالكذب هزلاً ؛ بأن لم يقصد المعنى أصلاً ، لم يبطل صومه .

السادس : إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه ، بل وغير الغليظ(1) على الأحوط ؛ سواء كان من الحلال كغبار الدقيق ، أو الحرام كغبار التراب ونحوه ، وسواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه وعدم تحفّظه ، والأقوى إلحاق(2) البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه ، ولا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسياناً أو قهراً أو مع ترك التحفّظ بظنّ عدم الوصول ونحو ذلك .

ص: 19


1- - والأقوى عدم مفطريته .
2- - في القوّة إشكال في الموردين ، نعم هو الأحوط فيهما .

السابع : الارتماس(1) في الماء ، ويكفي فيه رمس الرأس فيه وإن كان سائر البدن خارجاً عنه ؛ من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعة أو تدريجاً على وجه يكون تمامه تحت الماء زماناً ، وأمّا لو غمسه على التعاقب لا على هذا الوجه فلا بأس به وإن استغرقه ، والمراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه ، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان وإن كان هو الأحوط ، وخروج الشعر لا ينافي صدق الغمس .

(مسألة 30) : لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات ، بل ولا رمسه في الماء المضاف وإن كان الأحوط(2) الاجتناب ، خصوصاً في الماء المضاف .

(مسألة 31) : لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء فالأحوط - بل الأقوى - بطلان صومه ، نعم لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة ونحوها ورمس الإناء في الماء فالظاهر عدم البطلان .

(مسألة 32) : لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه وكان ما فوق المنافذ من رأسه خارجاً عن الماء كلاًّ أو بعضاً لم يبطل صومه على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ .

(مسألة 33) : لا بأس بإفاضة الماء على رأسه ، وإن اشتمل على جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء ، نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عال إلى السافل ولو على وجه التسنيم فالظاهر البطلان ؛ لصدق الرمس ،

ص: 20


1- - على الأحوط .
2- - لا يترك في مثل الجلاّب خصوصاً مع ذهاب رائحته .

وكذا في الميزاب إذا كان كبيراً وكان الماء كثيراً كالنهر مثلاً .

(مسألة 34) : في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه ، ومع عدم التميّز يجب عليه الاجتناب عن رمس كلٍّ منهما ، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلاّ برمسهما(1) ولو متعاقباً .

(مسألة 35) : إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً يجب الاجتناب عنهما ، ولكن الحكم بالبطلان يتوقّف على الرمس فيهما .

(مسألة 36) : لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً أو قهراً أو السقوط في الماء من غير اختيار .

(مسألة 37) : إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل(2) صومه .

(مسألة 38) : إذا كان مائع لا يعلم أ نّه ماء أو غيره ، أو ماء مطلق أو مضاف(3) لم يجب الاجتناب عنه .

(مسألة 39) : إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر ، وجب عليه المبادرة إلى الخروج وإلاّ بطل صومه .

(مسألة 40) : إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصحّ صومه ، بخلاف ما إذا كان مقهوراً .

ص: 21


1- - ومع كون كلّ منهما أصلياً يفعل به ما يفعل بالآخر ، فالأحوط بطلانه برمس أحدهما .
2- - إذا لم تقض العادة برمسه ، وإلاّ فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلاّ مع العلم بعدم الرمس .
3- - غير مثل الجلاّب .

(مسألة 41) : إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجباً عليه .

(مسألة 42) : إذا كان جنباً وتوقّف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، وإن كان مستحبّاً أو كان واجباً موسّعاً وجب عليه الغسل وبطل صومه .

(مسألة 43) : إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه وغسله(1) إذا كان متعمّداً ، وإن كان ناسياً لصومه صحّا معاً ، وأمّا إذا كان الصوم مستحبّاً أو واجباً موسّعاً بطل صومه وصحّ غسله .

(مسألة 44) : إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي ، فإن لم يكن من شهر رمضان ولا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج ، وإن كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث ؛ لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضاً ، بل يشكل صحّته(2) حال الخروج أيضاً ؛ لمكان النهي السابق ، كالخروج من الدار الغصبية إذا دخلها عامداً ، ومن هنا يشكل صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضاً ؛ سواء كان في حال المكث أو حال الخروج .

(مسألة 45) : لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب ، فإن كان ناسياً للصوم

ص: 22


1- - على الأحوط ؛ بناءً على عدم كون نيّة المفطر مفسداً كما هو الحقّ ، وأمّا بناءً على المفسدية فلا وجه في غير صوم شهر رمضان لبطلان غسله ، وما ذكره في المسألة الآتية غير وجيه .
2- - الأقوى هو الصحّة إذا تاب واغتسل حال الخروج ، والحكم ببطلانه حال المكث والخروج بلا توبة مبنيّ على الاحتياط ، وأمّا في غير شهر رمضان فلا إشكال في صحّته ؛ لعدم حرمة المكث والخروج بعد بطلان الصوم .

وللغصب صحّ صومه وغسله ، وإن كان عالماً بهما بطلا معاً ، وكذا إن كان متذكّراً للصوم(1) ناسياً للغصب ، وإن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صحّ الصوم دون الغسل .

(مسألة 46) : لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلاً .

(مسألة 47) : لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ولا بالارتماس في الثلج.

(مسألة 48) : إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه .

الثامن : البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه ، دون غيرهما من الصيام الواجبة والمندوبة على الأقوى وإن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضاً ، خصوصاً في الصيام الواجب ؛ موسّعاً كان أو مضيّقاً ، وأمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان إلاّ في قضاء شهر رمضان على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب الغير المعيّن به في ذلك ، وأمّا الواجب المعيّن - رمضاناً كان أو غيره - فلا يبطل بذلك ، كما لا يبطل مطلق الصوم - واجباً كان أو مندوباً معيّناً أو غيره - بالاحتلام في النهار ، ولا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام ، ولا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل . ومن البقاء على الجنابة عمداً الإجناب قبل الفجر متعمّداً في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم ، وأمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه وإن كان

ص: 23


1- - على الأحوط في الواجب المعيّن ، وأمّا في غيره فصحّ غسله وبطل صومه على الأحوط .

عاصياً في الإجناب ، وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً ، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر ، فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومها ، والظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان وإن كان الأحوط إلحاق قضائه به(1) أيضاً ، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً ، وأمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار فصومها صحيح(2) ؛ واجباً كان أو ندباً على الأقوى .

(مسألة 49) : يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط(3) الأغسال النهارية التي للصلاة ، دون ما لا يكون لها ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل - كالمتوسّطة أو الكثيرة - فتركت الغسل بطل صومها ، وأمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها ، ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة وإن كان أحوط ، وكذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية ؛ بمعنى أ نّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك ، نعم يجب عليها الغسل حينئذٍ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة ، وكذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال ؛ وإن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات وتغيير الخرقة والقطنة ، ولا يجب تقديم

ص: 24


1- - لا يترك في قضائه .
2- - في قضاء شهر رمضان مع سعة الوقت إشكال .
3- - بل الأقوى ، ولا يترك الاحتياط بإتيان ليلية الليلة الماضية ، نعم يكفي عنها الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر على الأقوى .

غسل المتوسّطة والكثيرة على الفجر وإن كان هو الأحوط .

(مسألة 50) : الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلاً قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام ، والأحوط(1) إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن ونحوه به وإن كان الأقوى عدمه ، كما أنّ الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك ، وإن كان أحوط .

(مسألة 51) : إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل ؛ لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم ، وجب عليه التيمّم ، فإن تركه بطل صومه ، وكذا لو كان متمكّناً من الغسل وتركه حتّى ضاق الوقت .

(مسألة 52) : لا يجب على من تيمّم بدلاً عن الغسل أن يبقى مستيقظاً حتّى يطلع الفجر ، فيجوز له النوم بعد التيمّم قبل الفجر على الأقوى وإن كان الأحوط البقاء مستيقظاً ؛ لاحتمال بطلان تيمّمه بالنوم ، كما على القول بأنّ التيمّم بدلاً عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر .

(مسألة 53) : لا يجب على من أجنب في النهار - بالاحتلام أو نحوه من الأعذار - أن يبادر إلى الغسل فوراً ، وإن كان هو الأحوط .

(مسألة 54) : لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلماً لم يبطل صومه ؛ سواء علم سبقه على الفجر أو علم تأخّره أو بقي على الشكّ ؛ لأ نّه لو كان سابقاً كان من البقاء على الجنابة غير متعمّد ، ولو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار ، نعم إذا علم سبقه على الفجر لم يصحّ منه صوم قضاء رمضان مع كونه

ص: 25


1- - لا يترك في قضاء شهر رمضان .

موسّعاً ، وأمّا مع ضيق وقته فالأحوط(1) الإتيان به وبعوضه .

(مسألة 55) : من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال ؛ إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال ، ولو نام واستمرّ إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمّداً ، فيجب عليه القضاء والكفّارة ، وأمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم وإن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد ، فلا يكون نومه حراماً ؛ وإن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد ، وإن اتّفق استمراره إلى الفجر ، غاية الأمر وجوب القضاء أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن .

(مسألة 56) : نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام : فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل ، وإمّا أن يكون مع التردّد في الغسل وعدمه ، وإمّا أن يكون مع الذهول والغفلة عن الغسل ، وإمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار ، فإن كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنباً ، بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة والذهول أيضاً ، وإن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير ، وإن كان مع البناء على الاغتسال أو مع الذهول على ما قوّينا ، فإن كان في النومة الاُولى بعد العلم بالجنابة فلا شيء عليه وصحّ صومه ، وإن كان في النومة الثانية ؛ بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه ونام ثانياً مع احتمال الانتباه فاتّفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفّارة على الأقوى ، وإن كان في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى وإن كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفّارة أيضاً في هذه

ص: 26


1- - الإتيان بالعوض فقط بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة .

الصورة ، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضاً ، بل وكذا في النومة الاُولى أيضاً ؛ إذا لم يكن معتاد الانتباه ولا يعدّ النوم الذي احتلم فيه من النوم الأوّل ، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقّق الجنابة ، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان من النوم الأوّل لا الثاني .

(مسألة 57) : الأحوط(1) إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث حتّى في الكفّارة في الثاني والثالث إذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر ونحوه .

(مسألة 58) : إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس ، فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث .

(مسألة 59) : الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة .

(مسألة 60) : ألحق بعضهم الحائض والنفساء بالجنب في حكم النومات ، والأقوى عدم الإلحاق وكون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال ، فمعه يبطل وإن كان في النوم الأوّل ، ومع عدمه لا يبطل وإن كان في النوم الثاني أو الثالث .

(مسألة 61) : إذا شكّ في عدد النومات بنى على الأقلّ .

(مسألة 62) : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيّام وشكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقّن ؛ وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ .

ص: 27


1- - وإن كان الأقوى عدم الإلحاق .

(مسألة 63) : يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أوّل الليل ، لكن الأولى(1) مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب ، بل يأتي به بقصد القربة .

(مسألة 64) : فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم ، فيصحّ صومه(2) مع الجنابة ، أو مع حدث الحيض أو النفاس .

(مسألة 65) : لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت ، كما لا يضرّ مسّه في أثناء النهار .

(مسألة 66) : لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم ، بل إذا لم يسع للاغتسال ولكن وسع للتيمّم(3) ، ولو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه(4) ، فإن كان بعد الفحص صحّ صومه ، وإن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء على الأحوط(5) .

التاسع من المفطرات : الحقنة بالمائع ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض ، ولا بأس بالجامد(6) وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً .

ص: 28


1- - بل الأولى عدم قصده مطلقاً ، فيأتي بقصد القربة ولو في آخر الوقت .
2- - إلاّ فيما يفسده البقاء على الجنابة مطلقاً ولو لا عن عمدٍ كقضاء شهر رمضان ، فإنّ الظاهر فيه البطلان .
3- - لكن صحّ صومه إذا تيمّم ، وبطل في الفرض الأوّل كما مرّ .
4- - حتّى لتحصيل التيمّم .
5- - وإن كان الأقوى عدم وجوبه .
6- - الأحوط الاقتصار على مثل الشياف للتداوي ، وأمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين بأكله وغيرهم لحصول التغذّي أو التكيّف به ففيه إشكال ، لا يترك الاحتياط بتركه ، وكذا الحال في كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى .

(مسألة 67) : إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف ، بل كان بمجرّد الدخول في الدبر ، فلا يبعد عدم كونه مفطراً وإن كان الأحوط تركه .

(مسألة 68) : الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامداً أو مائعاً وإن كان الأحوط(1) تركه .

العاشر : تعمّد القيء وإن كان للضرورة ؛ من رفع مرض أو نحوه ، ولا بأس بما كان سهواً أو من غير اختيار ، والمدار على الصدق العرفي ، فخروج مثل النواة أو الدود لا يعدّ منه .

(مسألة 69) : لو خرج بالتجشّؤ شيء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً ، ولو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه وعليه القضاء والكفّارة ، بل تجب كفّارة الجمع(2) إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها .

(مسألة 70) : لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه(3) إن كان الإخراج منحصراً في القيء ، وإن لم يكن منحصراً فيه لم يبطل ، إلاّ إذا اختار القيء مع إمكان الإخراج بغيره ، ويشترط أن يكون ممّا يصدق القيء على إخراجه ، وأمّا لو كان مثل درّة أو بندقة أو درهم أو نحوها ممّا لا يصدق معه القيء لم يكن مبطلاً .

ص: 29


1- - لا يترك إلاّ مع التردّد بين الجامد الشيافي للتداوي والمائع أو غيره .
2- - على الأحوط .
3- - الأقوى عدم الفساد في مثل ابتلاع المغصوب ممّا يجب عليه ردّه والقيء مقدّمة له ، فصحّ الصوم لو عصى ولم يردّه ولو قلنا بأنّ ترك القيء جزء للصوم ، فضلاً عن القول بأ نّه ضدّه ، نعم لو فرض ابتلاع ما يحكم الشارع بقيئه بعنوانه ففي الصحّة والبطلان تردّد ، والصحّة أشبه .

(مسألة 71) : إذا أكل في الليل ما يعلم أ نّه يوجب القيء في النهار من غير اختيار ، فالأحوط القضاء .

(مسألة 72) : إذا ظهر أثر القيء وأمكنه الحبس والمنع وجب ؛ إذا لم يكن حرج وضرر .

(مسألة 73) : إذا دخل الذباب في حلقه وجب(1) إخراجه مع إمكانه ولا يكون من القيء ، ولو توقّف إخراجه على القيء سقط وجوبه وصحّ صومه .

(مسألة 74) : يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً وإن احتمل خروج شيء من الطعام معه ، وأمّا إذا علم بذلك فلا يجوز .

(مسألة 75) : إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق وجب إخراجه وصحّ صومه ، وأمّا إن تذكّر بعد الوصول(2) إليه فلا يجب ، بل لا يجوز إذا صدق عليه القيء ، وإن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه؛ عملاً بأصالة عدم الدخول في الحلق.

ص: 30


1- - مع الوصول إلى حدّ لم يصدق معه الأكل فالظاهر عدم وجوب إخراجه وصحّة صومه ، ومع صدق الأكل فالظاهر وجوب إخراجه ولو لزم منه القيء وبطل صومه ، ولو أكله والحال هذه بطل صومه ، والأحوط وجوب كفّارة الجمع بارتكاب المفطر المحرّم .
2- - الميزان في وجوب الإخراج وعدمه الوصول إلى حدّ صدق معه الأكل بابتلاعه وعدمه ، والظاهر صدق الأكل مع الوصول إلى أوّل الحلق بل وسطه ، ولو شكّ في وصوله إلى ذلك الحدّ فلا يبعد جواز الابتلاع ، والأصل الذي تمسّك به في المتن لا يثبت عنوان الأكل ولو في الشبهة الموضوعية ، فضلاً عن الشبهة المفهومية ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، بل لا يترك حتّى الإمكان .

(مسألة 76) : إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلاً بالصلاة الواجبة ، فدخل في حلقه ذباب أو بقّ أو نحوهما أو شيء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه ، وتوقّف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم ب «أخ» أو بغير ذلك ، فإن أمكن التحفّظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب وإن لم يمكن ذلك ودار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج ، فإن لم يصل إلى الحدّ(1) من الحلق كمخرج الخاء وكان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه - كالذباب ونحوه - وجب قطع الصلاة بإخراجه ، ولو في ضيق(2) وقت الصلاة ، وإن كان ممّا يحلّ بلعه في ذاته - كبقايا الطعام - ففي سعة الوقت للصلاة ولو بإدراك ركعة منه يجب القطع والإخراج ، وفي الضيق يجب البلع وإبطال الصوم تقديماً لجانب الصلاة لأهمّيتها ، وإن وصل إلى الحدّ(3) فمع كونه ممّا يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة وإبطالها على إشكال ، وإن كان مثل بقايا الطعام لم يجب وصحّت صلاته وصحّ صومه على التقديرين لعدم عدّ إخراج مثله قيئاً في العرف .

(مسألة 77) : قيل : يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه ويخرجه عمداً ، وهو مشكل(4) مع الوصول إلى الحدّ ، فالأحوط الترك .

(مسألة 78) : لا بأس بالتجشّؤ القهري وإن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم

ص: 31


1- - بل إن لم يصل إلى حدّ خرج عن اسم الأكل .
2- - لا يبعد تقديم جانب الصلاة إن ضاق الوقت عن إدراك ركعة .
3- - إن وصل إلى حدّ خرج عن صدق الأكل فالظاهر جواز بلعه وصحّة صومه وصلاته .
4- - لا إشكال فيه إن كان المراد إدخال نفس الإصبع وإخراجه كما هو ظاهر العبارة ، وكذا لو كان المراد إخراج ما في الحلق بإصبعه .

ورجع ، بل لا بأس(1) بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم أ نّه يخرج معه شيء من الطعام ، وإن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه ، ولو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه وإن كان الأحوط القضاء .

فصل : في الإفطار عن غير عمد

فصل

المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ الكلام فيه تفصيلاً ، إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار ، أمّا مع السهو وعدم القصد فلا توجبه ؛ من غير فرق بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب ، ولا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه(2) والعالم ، ولا بين المكره وغيره ، فلو اُكره على الإفطار فأفطر مباشرة فراراً عن الضرر المترتّب على تركه بطل صومه على الأقوى ، نعم لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل .

(مسألة 1) : إذا أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً بطل صومه ، وكذا لو أكل بتخيّل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنّه واجب .

(مسألة 2) : إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه(3) .

ص: 32


1- - مع عدم كون الخروج عادة له وإلاّ فيشكل ، فلا يترك الاحتياط .
2- - على الأقوى في المقصّر وعلى الأحوط في القاصر .
3- - إذا اتّقى من المخالفين في أمر راجع إلى فتوى فقهائهم أو حكمهم لا يكون مفطراً ، فلو ارتكب تقيّة ما لا يرى المخالفون مفطراً صحّ صومه على الأقوى ، وكذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة ، وكذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة لحكم قضاتهم بحسب الموازين التي عندهم لا يجب عليه قضاؤه مع بقاء الشكّ ، نعم مع العلم بكون حكمهم بالتعيّد مخالفاً للواقع يجوز له - بل يجب عليه - الإفطار تقيّة ويجب عليه القضاء .

(مسألة 3) : إذا كانت اللقمة في فمه وأراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر ، وجب إخراجها ، وإن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه ، بل يجب الكفّارة أيضاً ، وكذا لو كان مشغولاً بالأكل فتبيّن طلوع الفجر .

(مسألة 4) إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره(1) لم يبطل صومه ، وإن أمكن إخراجه وجب ولو وصل إلى مخرج الخاء .

(مسألة 5) : إذا غلب على الصائم العطش ؛ بحيث خاف من الهلاك ، يجوز له أن يشرب الماء مقتصراً على مقدار الضرورة ، ولكن يفسد صومه بذلك ، ويجب عليه الإمساك بقيّة النهار إذا كان في شهر رمضان ، وأمّا في غيره من الواجب الموسّع والمعيّن فلا يجب الإمساك ، وإن كان أحوط في الواجب المعيّن .

(مسألة 6) : لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك ، ويبطل صومه لو ذهب وصار مضطرّاً ولو كان بنحو الإيجار(2) ، بل لا يبعد(3) بطلانه بمجرّد القصد إلى ذلك ، فإنّه كالقصد للإفطار .

ص: 33


1- - مجرّد الوصول إلى الحلق خصوصاً في غير الدخان والغبار غير مفطر ولو مع الاختيار ، ولا يجب الإخراج ، نعم لا يجوز البلع .
2- - فيه تأمّل .
3- - الأقوى عدم البطلان بمجرّده فإنّه كقصد المفطر وقد مرّ التفصيل فيه .

(مسألة 7) : إذا نسي فجامع لم يبطل صومه ، وإن تذكّر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج ، وإلاّ وجب عليه القضاء والكفّارة .

فصل : في حدّ الأكل المفطر

فصل

لا بأس للصائم بمصّ الخاتم أو الحصى ، ولا بمضغ الطعام للصبيّ ، ولا بزقّ الطائر ، ولا بذوق المرق ونحو ذلك ؛ ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ، ولا يبطل صومه إذا اتّفق التعدّي ؛ إذا كان من غير قصد ولا علم بأ نّه يتعدّى قهراً أو نسياناً ، أمّا مع العلم بذلك من الأوّل فيدخل في الإفطار العمدي ، وكذا لا بأس بمضغ العلك ولا ببلع ريقه بعده وإن وجد له طعماً فيه ؛ ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه ، بل كان لأجل المجاورة ، وكذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس ؛ رجلاً كان أو امرأة وإن كان يكره لها ذلك ، ولا ببلّ الثوب ووضعه على الجسد ولا بالسواك باليابس ، بل بالرطب أيضاً ، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه وعليه رطوبة، وإلاّ كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلاّ بعد الاستهلاك في الريق ، وكذا لا بأس بمصّ لسان الصبيّ أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة ، ولا بتقبيلها أو ضمّها أو نحو ذلك .

(مسألة 1) : إذا امتزج بريقه دم واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى ، وكذا غير الدم من المحرّمات والمحلّلات ، والظاهر عدم جواز(1) تعمّد المزج والاستهلاك للبلع ؛ سواء كان مثل الدم ونحوه من المحرّمات أو الماء ونحوه من المحلّلات ، فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتّفاق .

ص: 34


1- - على الأحوط وإن كان الجواز أشبه .

فصل : فيما يكره للصائم

فصل

يكره للصائم اُمور : أحدها : مباشرة النساء لمساً وتقبيلاً وملاعبة ، خصوصاً لمن تتحرّك شهوته بذلك ، بشرط أن لا يقصد الإنزال ، ولا كان من عادته ، وإلاّ حرم(1) إذا كان في الصوم الواجب المعيّن . الثاني : الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما ممّا يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق ، وكذا ذرّ مثل ذلك في العين . الثالث : دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف . الرابع : إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها ، وإذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم ، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المرّة . الخامس : السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق ، وإلاّ فلا يجوز على الأقوى . السادس : شمّ الرياحين خصوصاً النرجس ، والمراد بها كلّ نبت طيّب الريح . السابع : بلّ الثوب على الجسد . الثامن : جلوس المرأة في الماء ، بل الأحوط لها تركه . التاسع : الحقنة بالجامد . العاشر : قلع الضرس ، بل مطلق إدماء الفم . الحادي عشر : السواك بالعود الرطب . الثاني عشر : المضمضة عبثاً ، وكذا إدخال شيء(2) آخر في الفم لا لغرض صحيح . الثالث عشر : إنشاد الشعر ولا يبعد اختصاصه بغير المراثي ، أو المشتمل على المطالب الحقّة من دون إغراق ، أو مدح الأئمّة وإن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم . الرابع عشر : الجدال والمراء وأذى الخادم والمسارعة إلى الحلف ونحو ذلك من المحرّمات والمكروهات في غير حال الصوم فإنّه يشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله .

ص: 35


1- - الحرمة بمجرّد القصد أو العادة غير معلومة ، لكن إذا أمنى يكون من الإفطار العمدي .
2- - في إطلاقه تأمّل وإشكال .

فصل : فيما يكره للصائم

فصل

المفطرات المذكورة كما أ نّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة(1) إذا كانت مع العمد والاختيار من غير كره ولا إجبار ؛ من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس والكذب على اللّه وعلى رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، بل والحقنة والقيء على الأقوى ، نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه ، بل والثالث ؛ وإن كان الأحوط فيها أيضاً ذلك ، خصوصاً الثالث ، ولا فرق في وجوبها أيضاً بين العالم والجاهل المقصّر والقاصر على الأحوط وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر والمقصّر(2) الغير الملتفت حين الإفطار ، نعم إذا كان جاهلاً بكون الشيء مفطراً مع علمه بحرمته - كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّه ورسوله من المفطرات فارتكبه حال الصوم - فالظاهر لحوقه(3) بالعالم في وجوب الكفّارة .

(مسألة 1) : تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم : الأوّل : صوم شهر رمضان ، وكفّارته مخيّرة بين العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الترتيب ، فيختار العتق

ص: 36


1- - على الأحوط في الكذب على اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم والأئمّة عليهم السلام ، وفي الارتماس والحقنة وعلى الأقوى في البقيّة ، بل في الكذب عليهم لا يخلو من قوّة ، نعم القيء لا يوجبها على الأقوى .
2- - لا يترك الاحتياط فيه .
3- - بل الأحوط لحوقه ، نعم لو اعتقد أنّه حرام عليه من حيث الصوم وليس بمفطر فلا يبعد اللحوق .

مع الإمكان ومع العجز عنه فالصيام ، ومع العجز عنه فالإطعام ، ويجب الجمع(1) بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم كأكل المغصوب وشرب الخمر والجماع المحرّم ونحو ذلك . الثاني : صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال ، وكفّارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يتمكّن فصوم ثلاثة أيّام(2) ، والأحوط إطعام ستّين مسكيناً . الثالث : صوم النذر المعيّن ، وكفّارته كفّارة إفطار شهر رمضان . الرابع : صوم الاعتكاف ، وكفّارته مثل كفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال ، ولكن الأحوط الترتيب المذكور . هذا ، وكفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع فلا تعمّ سائر المفطرات ، والظاهر أ نّها لأجل الاعتكاف لا للصوم ولذا تجب في الجماع ليلاً أيضاً ، وأمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في إفطاره ؛ واجباً كان كالنذر المطلق والكفّارة أو مندوباً ، فإنّه لا كفّارة فيها وإن أفطر بعد الزوال .

(مسألة 2) : تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين وأزيد من صوم له كفّارة ، ولا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع وإن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقاً ، وأمّا الجماع فالأحوط - بل الأقوى(3) - تكريرها بتكرّره .

(مسألة 3) : لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن يكون

ص: 37


1- - على الأحوط .
2- - متتابعات على الأحوط .
3- - بل الأقوى عدم تكرّرها ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

الحرمة أصلية كالزنا وشرب الخمر، أو عارضية كالوط ء حال الحيض أو تناول(1) ما يضرّه .

(مسألة 4) : من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه وعلى رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث ، لكنّه مشكل .

(مسألة 5) : إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي .

(مسألة 6) : إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه(2) كفّارات بعددها ، وإن كان على الوجه المحرّم تعدّد كفّارة الجمع بعددها .

(مسألة 7) : الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعدّ إفطاراً واحداً وإن تعدّدت اللقم ، فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعدّدها، وكذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة.

(مسألة 8) : في الجماع الواحد إذا أدخل وأخرج مرّات لا تتكرّر الكفّارة وإن كان أحوط .

(مسألة 9) : إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة ، وكذا إذا أفطر أوّلاً بالحلال ثمّ أفطر بالحرام تكفيه كفّارة(3) الجمع .

(مسألة 10) : لو علم أ نّه أتى بما يوجب فساد الصوم وتردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضاً لم تجب عليه ، وإذا علم أ نّه أفطر أيّاماً ولم يدر

ص: 38


1- - في هذا المثال ونظائره تأمّل وإشكال .
2- - مرّ أنّ الأقوى عدم تكرّرها بتكرّره .
3- - بل يكفيه إحدى الخصال مطلقاً .

عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم ، وإذا شكّ في أنّه أفطر بالمحلّل أو المحرّم كفاه إحدى الخصال ، وإذا شكّ في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستّين مسكيناً ، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين .

(مسألة 11) : إذا أفطر متعمّداً ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة بلا إشكال وكذا إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها ، بل وكذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار على الأقوى(1) ، وكذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص ، وأمّا لو أفطر متعمّداً ثمّ عرض له عارض قهري ؛ من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار ، ففي السقوط وعدمه وجهان بل قولان ؛ أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل .

(مسألة 12) : لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ، ثمّ تبيّن أ نّه من شوّال ، فالأقوى سقوط الكفّارة وإن كان الأحوط عدمه ، وكذا لو اعتقد أ نّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّداً فبان أ نّه من شوّال ، أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أ نّه من رمضان فبان أنّه من شعبان .

(مسألة 13) : قد مرّ : أنّ من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً إن كان مستحلاًّ فهو مرتدّ ، بل وكذا إن لم يفطر ولكن كان مستحلاًّ له ، وإن لم يكن مستحلاًّ عزّر بخمسة وعشرين(2) سوطاً ، فإن عاد بعد التعزير عزّر ثانياً ، فإن عاد كذلك قتل في الثالثة ، والأحوط قتله في الرابعة .

ص: 39


1- - بل على الأحوط فيه وفيما يليه .
2- - مرّ عدم ثبوت هذا التقدير في غير الجماع .

(مسألة 14) : إذا جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرهاً لها ، كان عليه كفّارتان وتعزيران خمسون سوطاً فيتحمّل عنها الكفّارة والتعزير ، وأمّا إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما كفّارته وتعزيره ، وإن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى(1) وإن كان الأحوط كفّارة منها وكفّارتين منه ، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة .

(مسألة 15) : لو جامع زوجته الصائمة وهو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفّارة ولا التعزير ، كما أ نّه ليس عليها شيء ولا يبطل صومها بذلك ، وكذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات حتّى مقدّمات الجماع وإن أوجبت إنزالها .

(مسألة 16) : إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً .

(مسألة 17) : لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع وهما صائمان ، فليس عليه إلاّ كفّارته وتعزيره ، وكذا لا تلحق بها الأجنبيّة إذا أكرهها عليه على الأقوى وإن كان الأحوط التحمّل عنها ، خصوصاً إذا تخيّل أ نّها زوجته فأكرهها عليه .

(مسألة 18) : إذا كان الزوج مفطراً بسبب كونه مسافراً أو مريضاً أو نحو ذلك وكانت زوجته صائمة ، لا يجوز له إكراهها على الجماع ، وإن فعل

ص: 40


1- - إن أكرهها في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته في الأثناء فالأقوى ثبوت كفّارتين له وكفّارة لها ، وإن كان الإكراه على وجه صدر منها الفعل بإرادتها وإن كانت مكرهة في ذلك ، فالأقوى ثبوت كفّارتين له وليست عليها كفّارة ، وكذا الحال في التعزير على الظاهر .

لا يتحمّل(1) عنها الكفّارة ولا التعزير ، وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة ؟ إشكال .

(مسألة 19) : من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر(2) بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق ، ولو عجز أتى بالممكن منهما ، وإن لم يقدر على شيء منهما استغفر اللّه ولو مرّة بدلاً عن الكفّارة ، وإن تمكّن بعد ذلك منها أتى بها .

(مسألة 20) : يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت ؛ صوماً كانت أو غيره ، وفي جواز التبرّع بها عن الحيّ إشكال ، والأحوط العدم خصوصاً في الصوم .

(مسألة 21) : من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر .

(مسألة 22) : الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع ، فلا تجب المبادرة إليها ، نعم لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون .

(مسألة 23) : إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام ؛ من زناً أو شرب الخمر أو نحو ذلك ، لم يبطل صومه وإن كان في أثناء النهار قاصداً لذلك .

(مسألة 24) : مصرف كفّارة الإطعام : الفقراء ؛ إمّا بإشباعهم وإمّا بالتسليم إليهم ؛ كلّ واحد مدّاً ، والأحوط مدّان من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو

ص: 41


1- - لا يخلو من إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
2- - بل تعيّن عليه التصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن منه استغفر اللّه ولو مرّة ، والأحوط التكفير إن تمكّن بعد ذلك .

نحو ذلك ، ولا يكفي(1) في كفّارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد ، أو إعطاؤه مدّين أو أزيد ، بل لا بدّ من ستّين نفساً . نعم ، إذا كان للفقير عيال متعدّدون ولو كانوا أطفالاً صغاراً يجوز(2) إعطاؤه بعدد الجميع ؛ لكلّ واحد مدّاً .

(مسألة 25) : يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر وحاجة ، بل ولو كان للفرار من الصوم ، لكنّه مكروه .

(مسألة 26) : المدّ ربع الصاع وهو ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال ، وعلى هذا فالمدّ مائة وخمسون مثقالاً وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وربع ربع المثقال ، وإذا أعطى ثلاثة أرباع الوقيّة من حقّة النجف فقد زاد أزيد من واحد وعشرين مثقالاً ؛ إذ ثلاثة أرباع الوقيّة مائة وخمسة وسبعون مثقالاً .

فصل : فيما يوجب القضاء دون الكفّارة

فصل

يجب القضاء دون الكفّارة في موارد :

أحدها : ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث وإن كان الأحوط فيهما الكفّارة أيضاً ، خصوصا الثالث .

الثاني : إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشيء من المفطرات ، أو بالرياء أو بنيّة القطع أو القاطع(3) كذلك .

الثالث : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ .

ص: 42


1- - مع التمكّن من الستّين .
2- - مع كونه ثقة في إيصاله إليهم أو إطعامهم .
3- - مرّ الكلام في نيّة القاطع .

الرابع : من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه وأ نّه كان في النهار ؛ سواء كان قادراً على المراعاة أو عاجزاً(1) عنها لعمى أو حبس أو نحو ذلك أو كان غير عارف بالفجر ، وكذا مع المراعاة وعدم اعتقاد بقاء الليل ؛ بأن شكّ في الطلوع أو ظنّ(2) فأكل ثمّ تبيّن سبقه، بل الأحوط القضاء حتّى مع اعتقاد بقاء الليل ، ولا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب ، بل الأقوى فيها ذلك حتّى مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل .

الخامس : الأكل تعويلاً على من أخبر ببقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع كونه طالعاً .

السادس : الأكل ؛ إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر ، أو لعدم العلم بصدقه .

السابع : الإفطار تقليداً لمن أخبر بدخول الليل وإن كان جائزاً له لعمى أو نحوه ، وكذا إذا أخبره عدل بل عدلان ، بل الأقوى وجوب الكفّارة أيضاً ، إذا لم يجز له التقليد .

الثامن : الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطؤه ولم يكن في السماء علّة ، وكذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها ، بل المتّجه في الأخيرين الكفّارة أيضاً ؛ لعدم جواز الإفطار حينئذٍ ، ولو كان جاهلاً بعدم جواز الإفطار ، فالأقوى عدم الكفّارة وإن كان الأحوط إعطاؤها(3) . نعم ، لو كانت في السماء علّة فظنّ

ص: 43


1- - على الأحوط فيه وفي الفرع التالي .
2- - الأقوى مع حصول الظنّ بعد المراعاة عدم وجوب القضاء ، فضلاً عن حصول الاعتقاد ، بل عدم وجوبه مع الشكّ أيضاً لا يخلو من قوّة .
3- - لا يترك في المقصّر .

دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء ، فضلاً عن الكفّارة .

ومحصّل المطلب : أنّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول الليل بطل صومه(1) في جميع الصور ، إلاّ في صورة ظنّ دخول الليل مع وجود علّة في السماء ؛ من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك ، من غير فرق بين شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب ، وفي الصور التي ليس معذوراً شرعاً في الإفطار ، كما إذا قامت البيّنة على أنّ الفجر قد طلع ومع ذلك أتى بالمفطر ، أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّاً غير معتبر ومع ذلك أفطر ، تجب الكفّارة أيضاً فيما فيه الكفّارة .

(مسألة 1) : إذا أكل أو شرب - مثلاً - مع الشكّ في طلوع الفجر ولم يتبيّن أحد الأمرين ، لم يكن عليه شيء ، نعم لو شهد عدلان بالطلوع ومع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء ، بل الكفّارة أيضاً وإن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك ، ولو شهد عدل واحد بذلك ، فكذلك على الأحوط .

(مسألة 2) : يجوز له فعل المفطر - ولو قبل الفحص - ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البيّنة ، ولا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب عملاً بالاستصحاب في الطرفين ، ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملاً بالاحتياط ؛ للإشكال في حجّية خبر العدل الواحد وعدم حجّيته ، إلاّ أنّ الاحتياط في الغروب إلزامي وفي الطلوع استحبابي(2) نظراً للاستصحاب .

التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل

ص: 44


1- - قد مرّ .
2- - لا يترك فيه أيضاً .

الجوف ، فإنّه يقضي ولا كفّارة عليه ، وكذا لو أدخله عبثاً فسبقه ، وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضاً وإن كان أحوط ، ولا يلحق بالماء غيره على الأقوى وإن كان عبثاً ، كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره ؛ وإن كان أحوط في الأمرين .

(مسألة 3) : لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء ؛ سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة على الأقوى ، بل لمطلق الطهارة وإن كانت لغيرها من الغايات ؛ من غير فرق بين الوضوء والغسل ، وإن كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة ، خصوصاً فيما كان لغير الصلاة من الغايات .

(مسألة 4) : يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً ، وينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات .

(مسألة 5) : لا يجوز التمضمض مطلقاً مع العلم بأ نّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه .

العاشر : سبق المنيّ بالملاعبة أو بالملامسة ؛ إذا لم يكن ذلك من قصده ولا عادته على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضاً .

فصل : في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم

وهو النهار - من غير العيدين - ومبدؤه طلوع الفجر الثاني ، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق ، ويجب الإمساك من باب المقدّمة في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ؛ ليحصل العلم بإمساك تمام النهار ، ويستحبّ تأخير الإفطار حتّى يصلّي العشاءين لتكتب صلاته صلاة الصائم ، إلاّ أن يكون هناك من ينتظره

ص: 45

للإفطار أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع والإقبال - ولو كان لأجل القهوة والتتن والترياك - فإنّ الأفضل حينئذٍ الإفطار ثمّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان .

(مسألة 1) : لا يشرع الصوم في الليل ، ولا صوم مجموع الليل والنهار ، بل ولا إدخال جزء من الليل فيه إلاّ بقصد المقدّمية .

فصل : في شرائط صحّة الصوم

وهي اُمور :

الأوّل : الإسلام والإيمان ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصحّ صومه ، وكذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى .

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً وإن كان جنونه في جزء من النهار ، ولا من السكران(1) ، ولا من المغمى عليه - ولو في بعض النهار - وإن سبقت منه النيّة على الأصحّ .

الثالث : عدم الإصباح جنباً أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم .

الرابع : الخلوّ من الحيض والنفاس في مجموع النهار ، فلا يصحّ من الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر

ص: 46


1- - الأحوط لمن يفيق من السكر مع سبق النيّة الإتمام ثمّ القضاء ، ولمن يفيق من الإغماء مع سبقها الإتمام وإن لم يفعل القضاء .

بلحظة ، ويصحّ من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية(1) .

الخامس : أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب ، إلاّ في ثلاثة مواضع : أحدها : صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع . الثاني : صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ؛ وهو ثمانية عشر يوماً . الثالث : صوم النذر المشترط فيه سفراً خاصّة أو سفراً وحضراً ، دون النذر المطلق ، بل الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضاً ، إلاّ ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة ، والأفضل(2) إتيانها في الأربعاء والخميس والجمعة ، وأمّا المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصحّ صومه ويجزيه حسب ما عرفته في جاهل حكم الصلاة ؛ إذ الإفطار كالقصر ، والصيام كالتمام في الصلاة ، لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار ، وأمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصحّ صومه ، وأمّا الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحّة ، وكذا يصحّ الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال ، كما أ نّه يصحّ صومه إذا لم يقصّر في صلاته ، كناوي الإقامة عشرة أيّام ، والمتردّد ثلاثين يوماً ، وكثير السفر(3) ، والعاصي بسفره ، وغيرهم ممّن تقدّم تفصيلاً في كتاب الصلاة .

السادس : عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك ؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ ، بل أو الاحتمال الموجب للخوف ، بل لو خاف الصحيح(4) من حدوث المرض لم يصحّ منه ، وكذا

ص: 47


1- - والليلة الماضية على الأحوط ، كما مرّ .
2- - بل المتعيّن على الأحوط ، لو لم يكن أقوى .
3- - أي من كان شغله ذلك كما مرّ .
4- - إذا كان خوفه من منشأ يعتني به العقلاء ، وكذا فيما بعده .

إذا خاف من الضرر في نفسه أو غيره ، أو عرضه أو عرض غيره ، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهمّ(1) في نظر الشارع من وجوب الصوم ، وكذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه ، ولا يكفي الضعف وإن كان مفرطاً ما دام يتحمّل عادة ، نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار ، ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال(2) ، فلا يترك الاحتياط بالقضاء ، وإذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ وعلم المكلّف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه(3) ، وإذا حكم بعدم ضرره وعلم المكلّف أو ظنّ كونه مضرّاً وجب عليه تركه ولا يصحّ منه(4) .

(مسألة 1) : يصحّ الصوم من النائم ولو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل ، وأمّا إذا لم تسبق منه النيّة فإن استمرّ نومه إلى الزوال بطل صومه ووجب عليه القضاء إذا كان واجباً ، وإن استيقظ قبله نوى وصحّ(5) ، كما أ نّه لو كان مندوباً واستيقظ قبل الغروب يصحّ إذا نوى .

(مسألة 2) : يصحّ الصوم وسائر العبادات من الصبيّ المميّز على الأقوى من شرعية عباداته ، ويستحبّ تمرينه عليها بل التشديد عليه

ص: 48


1- - كون أهمّية المزاحم موجباً لبطلان الصوم، واشتراطه بعدم مزاحمته له محلّ إشكال بل منع، فالبطلان في بعض الأمثلة المتقدّمة محلّ منع ، وكذا الحال في مزاحمته لواجب أهمّ .
2- - عدم الصحّة لا يخلو من قرب .
3- - مع عدم تبيّن الخلاف كما مرّ
4- - مع تبيّن الخلاف محلّ تأمّل إذا صام متقرّباً .
5- - لا يخلو من تأمّل وإن لا يخلو من قوّة ، والاحتياط بالنيّة والإتمام والقضاء حسن .

لسبع(1) ؛ من غير فرق بين الذكر والاُنثى في ذلك كلّه .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافاً إلى ما ذكر : أن لا يكون عليه صوم واجب ؛ من قضاء أو نذر(2) أو كفّارة أو نحوها مع التمكّن من أدائه ، وأمّا مع عدم التمكّن منه - كما إذا كان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب في السفر ، أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة - فالأقوى صحّته ، وكذا إذا نسي(3) الواجب وأتى بالمندوب فإنّ الأقوى صحّته إذا تذكّر بعد الفراغ ، وأمّا إذا تذكّر في الأثناء قطع ويجوز تجديد النيّة حينئذٍ للواجب مع بقاء محلّها ، كما إذا كان قبل الزوال ، ولو نذر التطوّع على الإطلاق صحّ وإن كان عليه واجب ، فيجوز أن يأتي(4) بالمنذور قبله بعد ما صار واجباً ، وكذا لو نذر أيّاماً معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها ، وأمّا لو نذر أيّاماً معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها ففي صحّته إشكال(5) ؛ من أ نّه بعد النذر يصير واجباً ، ومن أنّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره ، ولا يبعد أن يقال : إنّه لا يجوز بوصف التطوّع وبالنذر يخرج عن الوصف ، ويكفي في رجحان متعلّق النذر رجحانه ولو بالنذر ، وبعبارة اُخرى : المانع هو وصف الندب ، وبالنذر يرتفع المانع .

ص: 49


1- - هذا التحديد محلّ تأمّل ، ولا يبعد استحباب التشديد عليه إذا أطاق على صوم ثلاثة أيّام متتابعة .
2- - على الأحوط في غير القضاء ، بل التعميم لا يخلو من قوّة .
3- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من وجه .
4- - فيه إشكال ، فالأحوط أن يأتي بالمنذور بعده إلاّ إذا ضاق وقته .
5- - الأقوى بطلانه .

(مسألة 4) : الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجارياً وإن كان الأحوط تقديم الواجب .

فصل : في شرائط وجوب الصوم

وهي اُمور :

الأوّل والثاني : البلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبيّ والمجنون إلاّ أن يكملا قبل طلوع الفجر ، دون ما إذا كملا بعده ، فإنّه لا يجب عليهما وإن لم يأتيا بالمفطر بل وإن نوى الصبيّ الصوم ندباً ، لكن الأحوط مع عدم إتيان المفطر الإتمام والقضاء(1) إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، ولا فرق في الجنون بين الإطباقي والأدواري ؛ إذا كان يحصل في النهار ولو في جزء منه ، وأمّا لو كان دور جنونه في الليل ؛ بحيث يفيق قبل الفجر ، فيجب عليه .

الثالث : عدم الإغماء ، فلا يجب معه الصوم ولو حصل في جزء من النهار ، نعم لو كان نوى الصوم قبل الإغماء(2) فالأحوط إتمامه .

الرابع : عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم ، ولو برئ بعد الزوال ولم يفطر لم يجب عليه النيّة والإتمام ، وأمّا لو برئ قبله ولم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي ويصوم ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه(3) .

الخامس : الخلوّ من الحيض والنفاس ، فلا يجب معهما وإن كان حصولهما في جزء من النهار .

ص: 50


1- - لا وجه للجمع بينهما ، بل الأحوط الغير الإلزامي الإتمام ، ومع عدم الإتيان القضاء .
2- - لا يترك الاحتياط بالإتمام ومع تركه بالقضاء .
3- - لا يخلو وجوبه من قرب .

السادس : الحضر ، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة ، بخلاف من كان وظيفته التمام - كالمقيم عشراً والمتردّد ثلاثين يوماً والمكاري ونحوه والعاصي بسفره - فإنّه يجب عليه التمام ؛ إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة ، فكلّ سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم وبالعكس .

(مسألة 1) : إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر ، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه ، وإذا كان مسافراً وحضر بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم ، وإن كان بعده أو تناول فلا وإن استحبّ له الإمساك بقيّة النهار ، والظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص ، وكذا في الرجوع المناط دخول البلد ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال والخروج عن حدّ الترخّص بعده ، وكذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الزوال والدخول في المنزل بعده .

(مسألة 2) : قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة والصوم وقصرها والإفطار ، لكن يستثنى من ذلك موارد(1) : أحدها : الأماكن الأربعة ، فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر والتمام في الصلاة ، وفي الصوم يتعيّن الإفطار . الثاني : ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال ، فإنّه يتعيّن عليه البقاء على الصوم مع أ نّه يقصّر في الصلاة . الثالث : ما مرّ من الراجع من سفره ، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام مع أ نّه يتعيّن عليه الإفطار .

ص: 51


1- - وقد مرّ في سفر الصيد للتجارة لزوم قصر الصوم والاحتياط بالجمع في الصلاة .

(مسألة 3) : إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلاّ بعد الوصول إلى حدّ الترخّص ، وقد مرّ سابقاً وجوب الكفّارة(1) عليه إن أفطر قبله .

(مسألة 4) : يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان ، بل ولو كان للفرار من الصوم كما مرّ ، وأمّا غيره من الواجب المعيّن فالأقوى(2) عدم جوازه إلاّ مع الضرورة ، كما أ نّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان .

(مسألة 5) : الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوماً ، إلاّ في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه .

(مسألة 6) : يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّؤ من الطعام والشراب ، وكذا يكره له الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه .

فصل : فيمن يجوز له الإفطار

فصل

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ، بل قد يجب :

الأوّل والثاني : الشيخ والشيخة ؛ إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجاً ومشقّة ، فيجوز لهما الإفطار ، لكن يجب عليهما في صورة المشقّة ، بل في صورة التعذّر(3) أيضاً التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من طعام ، والأحوط مدّان ، والأفضل

ص: 52


1- - على الأحوط كما مرّ .
2- - الأقوى جوازه في النذر المعيّن ، وعدم وجوب الإقامة فيه .
3- - وجوب الكفّارة على الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أ نّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما لا بولدهما محلّ تأمّل .

كونهما من حنطة ، والأقوى وجوب القضاء عليهما(1) لو تمكّنا بعد ذلك .

الثالث : من به داء العطش ، فإنّه يفطر ؛ سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر ، أو كان فيه مشقّة ، ويجب عليه التصدّق بمدّ ، والأحوط مدّان ؛ من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ الزوال أم لا ، والأحوط - بل الأقوى - وجوب القضاء عليه إذا تمكّن بعد ذلك ، كما أنّ الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة .

الرابع : الحامل المقرب التي يضرّها الصوم ، أو يضرّ حملها ، فتفطر وتتصدّق من مالها بالمدّ أو المدّين وتقضي بعد ذلك .

الخامس : المرضعة القليلة اللبن ؛ إذا أضرّ بها الصوم ، أو أضرّ بالولد ، ولا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة ، ويجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضاً من مالها والقضاء بعد ذلك ، والأحوط بل الأقوى الاقتصار(2) على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو باُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع .

فصل : في طرق ثبوت الهلال

فصل

في طرق ثبوت هلال رمضان وشوّال للصوم والإفطار ، وهي اُمور :

الأوّل : رؤية المكلّف نفسه .

الثاني : التواتر .

الثالث : الشياع المفيد للعلم ، وفي حكمه كلّ ما يفيد العلم ولو بمعاونة القرائن ، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به

ص: 53


1- - في القوّة إشكال ، لكنّه أحوط ، وكذا الحال فيمن به داء العطاش .
2- - في القوّة إشكال .

وإن لم يوافقه أحد ، بل وإن شهد وردّ الحاكم شهادته .

الرابع : مضيّ ثلاثين يوماً من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان ، فإنّه يجب الصوم معه في الأوّل والإفطار في الثاني .

الخامس : البيّنة الشرعية ، وهي خبر عدلين ؛ سواء شهدا عند الحاكم وقبل شهادتهما ، أو لم يشهدا عنده ، أو شهدا وردّ شهادتهما ، فكلّ من شهد عنده عدلان عنده يجوز - بل يجب عليه - ترتيب الأثر ؛ من الصوم أو الإفطار ، ولا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو من خارجه(1) ، وبين وجود العلّة في السماء وعدمها ، نعم يشترط توافقهما في الأوصاف(2) ، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها ، نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما وأطلق الآخر كفى ، ولا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل ، ولا يثبت بشهادة النساء ، ولا بعدل واحد ولو مع ضمّ اليمين .

السادس : حكم الحاكم الذي لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده ، كما إذا استند إلى الشياع الظنّي ، ولا يثبت بقول المنجّمين ، ولا بغيبوبة الشفق(3) في الليلة

ص: 54


1- - إلاّ مع الصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الاختلاف والتكاذب بينهم بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ، فإنّه في هذه الصورة محلّ إشكال .
2- - مع عدم توصيفهما بما يخالف الواقع ، ككون تحديبه إلى فوق الاُفق ، أو متمايلاً إلى الجنوب في بلاد تغرب الشمس في شمال القمر ، أو في أشهر كانت كذلك أو بالعكس ، نعم لا يبعد قبول شهادتهما إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يحتمل فيه اختلاف تشخيصهما ، ككونه مرتفعاً أو مطوّقاً أو في عرض شمالي أو جنوبي ممّا لا يكون فاحشاً .
3- - لا يخفى ما في العبارة من النقص ، وحقّها : ولا بغيبوبته بعد الشفق في كونه من الليلة الماضية .

الاُخرى ، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ، فلا يحكم بكون ذلك اليوم أوّل الشهر ، ولا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ ولو كان قويّاً إلاّ للأسير والمحبوس .

(مسألة 1) : لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، بل شهدا شهادة علمية .

(مسألة 2) : إذا لم يثبت الهلال وترك الصوم ، ثمّ شهد عدلان برؤيته ، يجب قضاء ذلك اليوم ، وكذا إذا قامت البيّنة على هلال شوّال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان(1) ، أو رآه في تلك الليلة بنفسه .

(مسألة 3) : لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه ، بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه .

(مسألة 4) : إذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده ، فإن كانا متقاربين كفى ، وإلاّ فلا ، إلاّ إذا علم توافق اُفقهما وإن كانا متباعدين .

(مسألة 5) : لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى ب «التلغراف» في الإخبار عن الرؤية ، إلاّ إذا حصل منه العلم ؛ بأن كان البلدان متقاربين وتحقّق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك .

(مسألة 6) : في يوم الشكّ في أ نّه من رمضان أو شوّال يجب أن يصوم ، وفي يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار ويجوز أن يصوم ، لكن لا بقصد أ نّه من رمضان - كما مرّ سابقاً تفصيل الكلام فيه - ولو تبيّن في الصورة الاُولى كونه من شوّال وجب الإفطار ؛ سواء كان قبل الزوال أو بعده ، ولو تبيّن

ص: 55


1- - أي من هلال لم يثبت عنده .

في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك وكان صحيحاً إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال ، ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال .

(مسألة 7) : لو غمّت الشهور ولم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها ، حسب كلّ شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة .

(مسألة 8) : الأسير والمحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ ومع عدمه تخيّرا في كلّ سنة بين الشهور ، فيعيّنان شهراً له ، ويجب(1) مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين ؛ بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً ، ولو بان بعد ذلك أنّ ما ظنّه أو اختاره لم يكن رمضان ، فإن تبيّن سبقه كفاه ؛ لأ نّه حينئذٍ يكون ما أتى به قضاءً ، وإن تبيّن لحوقه وقد مضى قضاه ، وإن لم يمض أتى به ، ويجوز له في صورة عدم حصول الظنّ أن لا يصوم حتّى يتيقّن(2) أ نّه كان سابقاً فيأتي به قضاءً ، والأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه ؛ من الكفّارة والمتابعة والفطرة وصلاة العيد وحرمة صومه ما دام الاشتباه باقياً ، وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه .

(مسألة 9) : إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر - مثلاً - فالأحوط صوم الجميع ؛ وإن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير(3) والمحبوس ، وأمّا

ص: 56


1- - على الأقوى فيما إذا ظنّ ، إلاّ إذا انقلب ظنّه فيعمل على طبق الثاني ، ويجب على الأحوط مع التخيير .
2- - بل حتّى يتيقّن عدم تقدّمه على شهر رمضان، فينوي ما في ذمّته، والأحوط اختيار ذلك.
3- - في العمل بالظنّ ، وأمّا في التخيير فمشكل ، وطريق التخلّص في النذر هو السفر في الشهر الأوّل وصيام شهر الثاني بنيّة ما في الذمّة ؛ لما مرّ من جواز السفر في النذر المعيّن والقضاء بعده .

إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة ، فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج ، ومعه يعمل بالظنّ(1) ، ومع عدمه يتخيّر .

(مسألة 10) : إذا فرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر وليله ستّة أشهر ، أو نهاره ثلاثة وليله ستّة(2) ، أو نحو ذلك ، فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسّطة ؛ مخيّراً بين أفراد المتوسّط ، وأمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد ، كاحتمال سقوط(3) الصوم وكون الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة ، ويحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق .

فصل : في أحكام القضاء

يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط ، وهي : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه ، نعم يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه ، وأمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه وإن كان أحوط ، ولو شكّ في كون البلوغ قبل

ص: 57


1- - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط التجزّي في الاحتياط مع الإمكان ، مع إدخال المظنون فيه ، ومع عدم إمكانه العمل بالظنّ ، وإلاّ فيختار الأخير فيصوم بقصد ما في الذمّة . هذا كلّه فيما إذا لم يمكن التخلّص بالسفر في النذر كما مرّ ، أو كان الصوم واجباً عليه بالعهد مثلاً .
2- - هذا مجرّد فرض لا واقعية له .
3- - هذا أقرب الاحتمالات ، ولا يبعد أن يكون وقت الظهرين هو انتصاف النهار في ذاك المحلّ - وهو عند غاية ارتفاع الشمس في أرض التسعين - كما أنّ انتصاف الليل عند غاية انخفاضها فيها .

الفجر أو بعده فمع الجهل بتأريخهما لم يجب القضاء ، وكذا مع الجهل بتأريخ البلوغ ، وأمّا مع الجهل بتأريخ الطلوع ؛ بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلاً ، ولم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء ، ولكن في وجوبه إشكال(1) ، وكذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه ؛ من غير فرق بين ما كان من اللّه ، أو من فعله على وجه الحرمة ، أو على وجه الجواز ، وكذا لا يجب على المغمى عليه ؛ سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا ، وكذا لا يجب على من أسلم عن كفر ، إلاّ إذا أسلم قبل الفجر ولم يصم ذلك اليوم ، فإنّه يجب عليه قضاؤه ؛ ولو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه وإن لم يأت بالمفطر ، ولا عليه قضاؤه ؛ من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده ؛ وإن كان الأحوط القضاء(2) إذا كان قبل الزوال .

(مسألة 1) : يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته ؛ سواء كان عن ملّة أو فطرة .

(مسألة 2) : يجب(3) القضاء على من فاته لسكر ؛ من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام .

(مسألة 3) : يجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض والنفاس ، وأمّا المستحاضة فيجب عليها الأداء وإذا فات منها فالقضاء .

ص: 58


1- - بل منع .
2- - إذا لم يأت بالمفطر قبل إسلامه ، وترك تجديد النيّة وإتمام الصوم .
3- - على الأحوط لو سبق منه النيّة وأتمّ الصوم ، وعلى الأقوى في غيره .

(مسألة 4) : المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته ، وأمّا ما أتى به على وفق مذهبه(1) فلا قضاء عليه .

(مسألة 5) : يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم ؛ بأن كان نائماً قبل الفجر إلى الغروب(2) من غير سبق نيّة ، وكذا من فاته للغفلة كذلك .

(مسألة 6) : إذا علم أ نّه فاته أيّام من شهر رمضان ودار بين الأقلّ والأكثر ، يجوز له الاكتفاء بالأقلّ ، ولكن الأحوط قضاء الأكثر ، خصوصاً إذا كان الفوت لمانع ؛ من مرض أو سفر أو نحو ذلك ، وكان شكّه في زمان زواله ؛ كأن يشكّ في أ نّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام - مثلاً - من شهر رمضان .

(مسألة 7) : لا يجب الفور في القضاء ولا التتابع ، نعم يستحبّ التتابع فيه وإن كان أكثر من ستّة ، لا التفريق فيه مطلقاً أو في الزائد على الستّة .

(مسألة 8) : لا يجب تعيين الأيّام ، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفى ؛ وإن لم يعيّن الأوّل والثاني وهكذا ، بل لا يجب الترتيب أيضاً ، فلو نوى الوسط أو الأخير تعيّن ويترتّب عليه أثره .

(مسألة 9) : لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللاحق قبل السابق ، بل إذا تضيّق اللاحق بأن صار قريباً من رمضان آخر كان الأحوط(3) تقديم اللاحق ، ولو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق وكذا في الأيّام .

ص: 59


1- - أو مذهب الحقّ إذا تحقّق منه قصد القربة .
2- - أو إلى الزوال .
3- - بل الأقوى .

(مسألة 10) : لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كالكفّارة والنذر ونحوهما ، نعم لا يجوز التطوّع بشيء لمن عليه صوم واجب كما مرّ .

(مسألة 11) : إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ، ثمّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمّته لم يقع لغيره ، وأمّا لو ظهر له في الأثناء ، فإن كان بعد الزوال لا يجوز العدول إلى غيره ، وإن كان قبله فالأقوى جواز تجديد النيّة لغيره وإن كان الأحوط عدمه .

(مسألة 12) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس ومات فيه لم يجب القضاء عنه ، ولكن يستحبّ النيابة عنه في أدائه ، والأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب .

(مسألة 13) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمرّ إلى رمضان آخر ، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ ، وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، والأحوط مدّان ، ولا يجزي القضاء عن التكفير ، نعم الأحوط الجمع بينهما ، وإن كان العذر غير المرض - كالسفر ونحوه - فالأقوى وجوب القضاء ، وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المدّ ، وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وكان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين برئه إلى رمضان آخر أو العكس ، فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى ، والأحوط الجمع خصوصاً في الثانية .

(مسألة 14) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر ، بل كان متعمّداً في الترك ، ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ، وجب عليه الجمع بين

ص: 60

الكفّارة(1) والقضاء بعد الشهر ، وكذا إن فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر ، بل ارتفع في أثناء السنة ، ولم يأت به إلى رمضان آخر متعمّداً وعازماً على الترك أو متسامحاً ، واتّفق العذر عند الضيق ، فإنّه يجب حينئذٍ الجمع ، وأمّا إن كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق العذر عند الضيق ، فلا يبعد(2) كفاية القضاء ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضاً ، ولا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره ، فتحصّل ممّا ذكر في هذه المسألة وسابقتها : أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط وهي الصورة الاُولى المذكورة في المسألة السابقة ، وإمّا يوجب القضاء فقط وهي بقيّة الصور المذكورة فيها ، وإمّا يوجب الجمع بينهما وهي الصور المذكورة في هذه المسألة ، نعم الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضاً كما عرفت .

(مسألة 15) : إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين - يعني الرمضان الثالث - وجبت كفّارة للاُولى وكفّارة اُخرى للثانية ويجب عليه القضاء للثالثة إذا استمرّ إلى آخرها ثمّ برئ ، وإذا استمرّ إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضاً ، ويقضي للرابعة إذا استمرّ إلى آخرها - أي الرمضان الرابع - وأمّا إذا أخّر قضاء السنة الاُولى إلى سنين عديدة ، فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها ، بل تكفيه كفّارة واحدة .

(مسألة 16) : يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد ، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد .

(مسألة 17) : لا تجب كفّارة العبد على سيّده ؛ من غير فرق بين كفّارة التأخير

ص: 61


1- - بمدّ لكلّ يوم مضافاً إلى الكفّارة للإفطار العمدي .
2- - فيه إشكال .

وكفّارة الإفطار ، ففي الاُولى إن كان له مال وأذن(1) له السيّد أعطى من ماله ، وإلاّ استغفر بدلاً عنها ، وفي كفّارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال والإذن من السيّد ، وإن عجز فصوم ثمانية عشر يوماً ، وإن عجز فالاستغفار .

(مسألة 18) : الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً ؛ وإن كان لا دليل على حرمته(2) .

(مسألة 19) : يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر(3) ؛ من مرض أو سفر أو نحوهما ، لا ما تركه عمداً ، أو أتى به وكان باطلاً من جهة التقصير في أخذ المسائل ؛ وإن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه وإن كان من جهة الترك عمداً ، نعم يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء وأهمل ، وإلاّ فلا يجب لسقوط القضاء حينئذٍ كما عرفت سابقاً ، ولا فرق في الميّت بين الأب والاُمّ(4) على الأقوى ، وكذا لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه ؛ وإن كان الأحوط في الأوّل الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء ، والمراد بالوليّ هو الولد الأكبر وإن كان طفلاً أو مجنوناً حين الموت ، بل وإن كان حملاً .

(مسألة 20) : لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة ؛

ص: 62


1- - اعتبار الإذن منه محلّ تأمّل .
2- - فيه منع ، فالحرمة لا تخلو من قوّة .
3- - قد مرّ عدم الفرق بين أسباب الترك إلاّ ما هو على وجه الطغيان ، فإنّه لا يبعد فيه عدم الوجوب وإن كان الأحوط ذلك ، بل لا يترك هذا الاحتياط .
4- - بل الأقوى عدم وجوب ما فات من الاُمّ على وليّها .

وإن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من الأقارب عنه .

(مسألة 21) : لو تعدّد الوليّ اشتركا ، وإن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر ، كما أ نّه لو تبرّع أجنبيّ سقط عن الوليّ .

(مسألة 22) : يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت ، وأن يأتي به مباشرة ، وإذا استأجر ولم يأت به المؤجر أو أتى به باطلاً لم يسقط عن الوليّ .

(مسألة 23) : إذا شكّ الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت وعدمه لم يجب عليه شيء ، ولو علم به إجمالاً وتردّد بين الأقلّ والأكثر جاز له الاقتصار على الأقلّ .

(مسألة 24) : إذا أوصى الميّت باستئجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ ؛ بشرط أداء الأجير صحيحاً ، وإلاّ وجب عليه .

(مسألة 25) : إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به ، أو شهدت به البيّنة ، أو أقرّ به(1) عند موته ، وأمّا لو علم أ نّه كان عليه القضاء وشكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته ، فالظاهر عدم الوجوب(2) عليه باستصحاب بقائه ، نعم لو شكّ هو في حال حياته وأجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل ولم يأت به حتّى مات ، فالظاهر وجوبه على الوليّ(3) .

(مسألة 26) : في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان ،

ص: 63


1- - الحكم فيه مبنيّ على الاحتياط .
2- - بل الأقوى وجوبه عليه .
3- - بل الظاهر عدم وجوبه عليه ، إلاّ أن يكون هو على يقين من ثبوته على الميّت فشكّ في إتيانه كما تقدّم .

أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان ؛ مقتضى إطلاق بعض الأخبار الثاني وهو الأحوط(1) .

(مسألة 27) : لا يجوز لصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الإفطار بعد الزوال ، بل تجب عليه الكفّارة به ، وهي كما مرّ : إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ومع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام ، وأمّا إذا كان عن غيره - بإجارة أو تبرّع - فالأقوى جوازه(2) وإن كان الأحوط الترك ، كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً ، وأمّا الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان عن نفسه ، إلاّ مع التعيّن بالنذر أو الإجارة أو نحوهما ، أو التضيّق بمجيء رمضان آخر ؛ إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه ، كما هو المشهور(3) .

فصل : في صوم الكفّارة

وهو أقسام :

منها : ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفّارة قتل العمد وكفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان ، فإنّه تجب فيهما(4) الخصال الثلاث .

ومنها : ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره ، وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق ، وكفّارة الإفطار في

ص: 64


1- - بل لا يخلو من قوّة .
2- - فيه تأمّل لا يترك الاحتياط .
3- - والمنصور كما مرّ .
4- - على الأحوط في الثاني .

قضاء رمضان ، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت ، وكفّارة اليمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وبعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام ، وكفّارة صيد النعامة ، وكفّارة صيد البقر الوحشي ، وكفّارة صيد الغزال ، فإنّ الأوّل تجب فيه بدنة ومع العجز عنها صيام(1) ثمانية عشر يوماً ، والثاني يجب فيه ذبح بقرة ومع العجز(2) عنها صوم تسعة أيّام ، والثالث يجب فيه شاة ومع العجز(3) عنها صوم ثلاثة أيّام ، وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً ؛ وهي بدنة وبعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ، وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ، ونتفها رأسها فيه ، وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، فإنّهما ككفّارة اليمين .

ص: 65


1- - بل مع العجز عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق به على ستّين مسكيناً ؛ لكلّ مسكين مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، ولو زاد على الستّين اقتصر عليهم ، ولو نقص لا يجب الإتمام ، والاحتياط بالمدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين ، وإلاّ اقتصر على المدّ ويتمّ الستّين ، ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوماً إلى الستّين وهو غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً .
2- - إن عجز عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق به على ثلاثين مسكيناً ؛ لكلّ واحد مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، وإن زاد فله ، وإن نقص ليس عليه الإتمام ، ولا يحتاط بالمدّين مع إيجاب النقص كما مرّ ، ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى الثلاثين وهو غاية الكفّارة ، ولو عجز صام تسعة أيّام ، وحمار الوحش كذلك والأحوط أ نّه كالنعامة .
3- - مع عجزه عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق على عشرة مساكين ؛ لكلّ مدّ ، والأحوط مدّان ، وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم ، ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى عشرة أيّام غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام .

ومنها : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره ، وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة الاعتكاف ، وكفّارة النذر والعهد ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى ، وكفّارة حلق الرأس في الإحرام وهي دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو التصدّق على ستّة مساكين لكلّ واحد مدّان .

ومنها : ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه وبين غيره ، وهي كفّارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه ، فإنّها بدنة أو بقرة(1) ومع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام .

(مسألة 1) : يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير(2) ، ويكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني ، وكذا يجب(3) التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين ، بل هو الأحوط(4) في صيام سائر الكفّارات وإن كان في وجوبه فيها تأمّل وإشكال .

(مسألة 2) : إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع ، إلاّ مع الانصراف ، أو اشتراط التتابع فيه .

(مسألة 3) : إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع ، فالأحوط في قضائه التتابع أيضاً .

ص: 66


1- - بل بدنة أو بقرة أو شاة مع اليسر ، ومع العسر عن الأوّلين فشاة أو صيام ، والأحوط ثلاثة أيّام ، ولا يترك هذا الاحتياط .
2- - أو الترتيب .
3- - على الأحوط .
4- - لا يترك .

(مسألة 4) : من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع ، لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أ نّه لا يسلم له ؛ بتخلّل العيد أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان ، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدأ بشعبان ، بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب ، وكذا لا يجوز أن يقتصر على شوّال مع يوم من ذي القعدة أو على ذي الحجّة مع يوم من المحرّم ؛ لنقصان الشهرين بالعيدين . نعم ، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق ، فلا بأس على الأصحّ وإن كان الأحوط(1) عدم الإجزاء ، ويستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية ، فإنّه يصحّ وإن تخلّل بينها العيد ، فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل(2) أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى ، وأمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع والتروية وتركه في عرفة لم يصحّ ، ووجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع .

(مسألة 5) : كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختياراً ، يجب استئنافه ، وكذا إذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم واجب آخر ؛ من نذر ونحوه ، وأمّا ما لم يشترط فيه التتابع وإن وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه ، وإن أثم بالإفطار ، كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان ، فإنّه لو خالف

ص: 67


1- - لا يترك إذا التفت فتردّد .
2- - على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم لزومه ، وكذا عدم لزوم كونه بلا فصل بعد أيّام التشريق ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في صوم يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة مع الاختيار ، حتّى لا ينفصل بالعيد ، ومع الفصل لا ينبغي ترك الاحتياط بصوم الثالث بلا فصل .

وأتى به متفرّقاً صحّ وإن عصى من جهة خلف النذر .

(مسألة 6) : إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار - كالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراري ، دون الاختياري - لم يجب استئنافه ، بل يبني على ما مضى ، ومن العذر ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال ، ومنه أيضاً ما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه أيضاً ما إذا نذر قبل تعلّق الكفّارة صوم كلّ خميس ، فإنّ تخلّله في أثناء التتابع لا يضرّ به ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذّر ، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلّق الكفّارة اتّجه الانتقال إلى سائر الخصال .

(مسألة 7) : كلّ من وجب عليه شهران متتابعان - من كفّارة معيّنة أو مخيّرة - إذا صام شهراً ويوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة ؛ ولو اختياراً لا لعذر ، وكذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها ولم يكن المنساق منه ذلك ، وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع ، فقالوا : إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً ، وهو مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم ، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع .

(مسألة 8) : إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة ، فهي صحيحة(1) وإن لم تكن امتثالاً للأمر الوجوبي ولا الندبي ؛ لكونها محبوبة

ص: 68


1- - في غير النذر وشبهه إشكال .

في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم ، وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ الأذكار والقراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها .

فصل : في أقسام الصوم

فصل

أقسام الصوم أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه - كراهة عبادة - ومحظور .

والواجب أقسام : صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم بدل الهدي في حجّ التمتّع ، وصوم النذر(1) والعهد واليمين ، والملتزم بشرط أو إجارة ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، أمّا الواجب فقد مرّ جملة منه .

وأمّا المندوب منه فأقسام :

منها : ما لا يختصّ بسبب مخصوص ولا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني - من العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى - فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو ومحبوبيته وفوائده ، ويكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا اُجازي به» وما ورد من «أنّ الصوم جنّة من النار» ، و«أنّ نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبّل ودعاؤه مستجاب» ، ونعم ما قال بعض العلماء من أ نّه لو لم يكن في الصوم إلاّ الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلاً ومنقبةً وشرفاً.

ومنها : ما يختصّ بسبب مخصوص ، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية .

ومنها : ما يختصّ بوقت معيّن وهو في مواضع : منها : وهو آكدها صوم ثلاثة

ص: 69


1- - في كون هذا وما بعده - غير الأخير ؛ أي الثالث من أيّام الاعتكاف - منه إشكال ؛ لما مرّ من أنّ المنذور لا يصير بعنوانه واجباً .

أيّام من كلّ شهر ، فقد ورد أ نّه يعادل صوم الدهر ويذهب بوحر الصدر ، وأفضل كيفياته ما عن المشهور ويدلّ عليه جملة من الأخبار وهو أن يصوم أوّل خميس من الشهر وآخر خميس منه وأوّل أربعاء في العشر الثاني ، ومن تركه يستحبّ له قضاؤه ، ومع العجز عن صومه - لكبر ونحوه - يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم . ومنها : صوم أيّام البيض من كلّ شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على الأصحّ المشهور ، وعن العمّاني أ نّها الثلاثة المتقدّمة . ومنها : صوم يوم مولد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع عشر من ربيع الأوّل على الأصحّ وعن الكليني أ نّه الثاني عشر منه . ومنها : صوم يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة . ومنها : صوم يوم مبعث النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع والعشرون من رجب . ومنها : يوم دحو الأرض من تحت الكعبة ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة . ومنها : يوم عرفة لمن لا يضعّفه الصوم عن الدعاء . ومنها : يوم المباهلة(1) ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة . ومنها : كلّ خميس وجمعة معاً أو الجمعة فقط . ومنها : أوّل ذي الحجّة ، بل كلّ يوم من التسع فيه . ومنها : يوم النيروز . ومنها : صوم رجب وشعبان ؛ كلاًّ أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما . ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه وسابعه(2) . ومنها : التاسع والعشرون من ذي القعدة . ومنها : صوم ستّة أيّام(3) بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد . ومنها : يوم النصف(4) من جمادى الاُولى .

ص: 70


1- - يصومه بقصد القربة المطلقة وشكراً لإظهار النبي الأكرم فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .
2- - لم أعثر على دليله عجالة ، نعم وردت رواية في صوم تاسعه ، لكن في استحبابه تأمّل .
3- - في استحباب صومها بالخصوص تأمّل .
4- - يأتي به رجاءً ، أو للرجحان المطلق .

(مسألة 1) : لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه ، بل يجوز له الإفطار إلى الغروب وإن كان يكره بعد الزوال .

(مسألة 2) : يستحبّ للصائم تطوّعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام ، بل قيل بكراهته حينئذٍ .

وأمّا المكروه منه - بمعنى قلّة الثواب(1) - ففي مواضع أيضاً :

منها : صوم عاشوراء .

ومنها : صوم عرفة لمن خاف أن يضعّفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم ، وكذا مع الشكّ(2) في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد .

ومنها : صوم الضيف بدون إذن مضيفه ، والأحوط تركه مع نهيه ، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً .

ومنها : صوم الولد بدون إذن والده ، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي(3) ، بل يحرم إذا كان إيذاءً له من حيث شفقته عليه ، والظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ ، والأولى مراعاة إذن الوالدة ، ومع كونه إيذاءً لها يحرم كما في الوالد .

وأمّا المحظور منه ، ففي مواضع أيضاً :

أحدها : صوم العيدين - الفطر والأضحى - وإن كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم ، والقول بجوازه للقاتل شاذّ ، والرواية الدالّة عليه ضعيفة سنداً(4) ودلالة .

ص: 71


1- - أو بمعنى انطباق عنوان مرجوح عليه تكون مرجوحيته أهمّ من رجحان الصوم ، أو بمعنى المزاحمة لما هو أفضل منه .
2- - الظاهر عدم كراهة صومه بالمعاني المتقدّمة .
3- - لا يترك مع نهيه مطلقاً ، أو نهي الوالدة كذلك .
4- - ضعف سندها ممنوع ، نعم هي مع شذوذها يمكن الخدشة في دلالتها أيضاً .

الثاني : صوم أيّام التشريق ؛ وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة لمن كان بمنى ، ولا فرق على الأقوى بين الناسك وغيره .

الثالث : صوم يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان بنيّة أ نّه من رمضان ، وأمّا بنيّة أ نّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ .

الرابع : صوم وفاء نذر المعصية ؛ بأن ينذر الصوم إذا تمكّن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك الشكر على تيسّره ، وأمّا إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به ، نعم يلحق بالأوّل في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها .

الخامس : صوم الصمت ؛ بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه ، وأمّا إذا لم يجعله قيداً وإن صمت فلا بأس به ، بل وإن كان في حال النيّة بانياً على ذلك ؛ إذا لم يجعل الكلام جزءاً من المفطرات وتركه قيداً في صومه .

السادس : صوم الوصال وهو صوم يوم وليلة إلى السحر ، أو صوم يومين بلا إفطار في البين ، وأمّا لو أخّر الإفطار إلى السحر أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به ؛ وإن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً .

السابع : صوم الزوجة(1) مع المزاحمة لحقّ الزوج ، والأحوط تركه بلا إذن منه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه .

الثامن : صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولى ، والأحوط تركه من دون إذنه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه .

ص: 72


1- - على الأحوط وكذا في المملوك .

التاسع : صوم الولد مع كونه موجباً لتأ لّم الوالدين وأذيّتهما(1) .

العاشر : صوم المريض ومن كان يضرّه الصوم .

الحادي عشر : صوم المسافر إلاّ في الصور المستثناة على ما مرّ.

الثاني عشر : صوم الدهر حتّى العيدين ، على ما في الخبر ؛ وإن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو .

(مسألة 3) : يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان - وإن لم يكن صوماً - في مواضع:

أحدها : المسافر إذا ورد أهله أو محلّ الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله وقد أفطر ، وأمّا إذا ورد قبله ولم يفطر فقد مرّ أ نّه يجب عليه الصوم .

الثاني : المريض إذا برئ في أثناء النهار وقد أفطر ، وكذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال ، بل قبله أيضاً على ما مرّ من عدم صحّة صومه وإن كان الأحوط تجديد(2) النيّة والإتمام ثمّ القضاء .

الثالث : الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار .

الرابع : الكافر إذا أسلم في أثناء النهار ؛ أتى بالمفطر أم لا .

الخامس : الصبيّ إذا بلغ في أثناء النهار .

السادس : المجنون والمغمى عليه(3) إذا أفاقا في أثنائه .

ص: 73


1- - ولا يترك الاحتياط مع نهيهما مطلقاً كما مرّ .
2- - قد مرّ أنّ وجوبه لا يخلو من قرب .
3- - مرّ الاحتياط فيه لو سبق منه النيّة بالإتمام وإلاّ فبالقضاء .

كتاب الاعتكاف

اشارة

وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة ، بل لا يبعد كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث وإن لم يضمّ إليه قصد عبادة اُخرى خارجة عنه ، لكن الأحوط الأوّل ، ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان ، وأفضله العشر الأواخر منه . وينقسم إلى واجب ومندوب . والواجب منه ما وجب بنذر(1) أو عهد أو يمين أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك ، وإلاّ ففي أصل الشرع مستحبّ . ويجوز الإتيان به عن نفسه وعن غيره الميّت ، وفي جوازه نيابة عن الحيّ قولان ؛ لا يبعد ذلك(2) ، بل هو الأقوى ، ولا يضرّ اشتراط الصوم فيه ، فإنّه تبعي ، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ .

ويشترط في صحّته اُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يصحّ من غيره .

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دوره ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .

ص: 74


1- - مرّ الإشكال في أمثاله ، والأمر سهل .
2- - الأولى الإتيان به رجاءً ، بل هو الأحوط .

الثالث : نيّة القربة ، كما في غيره من العبادات ، والتعيين إذا تعدّد ولو إجمالاً ، ولا يعتبر فيه قصد الوجه كما في غيره من العبادات ، وإن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب(1) وفي المندوب الندب ، ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً ؛ لأ نّه من أحكامه ، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها ، ولكنّ الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه ، بل تجديد نيّة الوجوب في اليوم الثالث . ووقت النيّة(2) قبل الفجر ، وفي كفاية النيّة في أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان إشكال ، نعم لو كان الشروع فيه في أوّل الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت ، ولو نوى الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضرّ ، إلاّ إذا كان على وجه التقييد لا الاشتباه في التطبيق .

الرابع : الصوم ، فلا يصحّ بدونه ، وعلى هذا فلا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم فيها ، ولا من الحائض والنفساء ، ولا في العيدين ، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ وإن كان غافلاً حين الدخول . نعم ، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد ، فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصحّ ، وإن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحّته ، فيكون العيد فاصلاً(3) بين أيّام الاعتكاف .

ص: 75


1- - في المنذور وشبهه لا يصير الوجوب وجهاً له ، فلا معنى لقصده ، بل يقصد المندوب وفاءً لنذره أو عهده أو إجارته .
2- - مرّ في نيّة الصوم ما هو الأقوى .
3- - بعد الفصل بالعيد لا يكون المجموع اعتكافاً واحداً ، فله اعتكاف آخر ثلاثة أيّام أو أزيد بعد العيد بشروطه .

الخامس : أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، فلو نواه كذلك بطل ، وأمّا الأزيد فلا بأس به وإن كان الزائد يوماً أو بعضه(1) ، أو ليلة أو بعضها ، ولا حدّ لأكثره ، نعم لو اعتكف خمسة أيّام وجب السادس ، بل ذكر بعضهم(2) : أ نّه كلّما زاد يومين وجب الثالث ، فلو اعتكف ثمانية أيّام وجب اليوم التاسع وهكذا ، وفيه تأمّل . واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية ، فلا يشترط إدخال الليلة الاُولى ولا الرابعة - وإن جاز ذلك كما عرفت - ويدخل فيه الليلتان المتوسّطتان ، وفي كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال .

السادس : أن يكون في المسجد الجامع(3) ، فلا يكفي في غير المسجد ولا في مسجد القبيلة والسوق ، ولو تعدّد الجامع تخيّر بينها ، ولكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة ؛ مسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد البصرة .

السابع : إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه ؛ سواء كان قنّاً أو مدبّراً أو اُمّ ولد أو مكاتباً لم يتحرّر منه شيء ولم يكن اعتكافه اكتساباً ، وأمّا إذا كان اكتساباً فلا مانع منه ، كما أ نّه إذا كان مبعّضاً فيجوز منه في نوبته ؛ إذا هاياه مولاه من دون إذن ، بل مع المنع منه أيضاً ، وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ(4) ، وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً

ص: 76


1- - فيه تردّد ، وكذا في الازدياد ببعض الليل .
2- - هذا هو الأحوط .
3- - في غير المساجد الأربعة محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط بإتيانه رجاءً في غيرها .
4- - إذا كانت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف وإلاّ فغير معلوم ، بل في بعض فروعه معلوم العدم .

لحقّه(1) ، وإذن الوالد والوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزماً لإيذائهما ، وأمّا مع عدم المنافاة وعدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم؛ وإن كان أحوط، خصوصاً بالنسبة إلى الزوج والوالد.

الثامن : استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج عمداً اختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل ؛ من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به ، وأمّا لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل ، وكذا لو خرج لضرورة عقلاً أو شرعاً أو عادة ، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة ونحو ذلك ، ولا يجب الاغتسال(2) في المسجد ؛ وإن أمكن من دون تلويث وإن كان أحوط ، والمدار على صدق اللبث ، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه ؛ من يده أو رأسه أو نحوهما .

(مسألة 1) : لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل ؛ وإن تاب بعد ذلك ، إذا كان ذلك في أثناء النهار ، بل مطلقاً على الأحوط(3) .

(مسألة 2) : لا يجوز العدول بالنيّة من اعتكاف إلى غيره وإن اتّحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة ميّت إلى آخر أو إلى حيّ ، أو عن نيابة غيره إلى نفسه أو العكس .

(مسألة 3) : الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد ،

ص: 77


1- - فيه إشكال ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- - بل لا يجوز في المسجدين ، ويجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، ولا يجوز في غيرهما مع استلزام اللبث .
3- - بل الأقوى .

نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب ، فيصحّ إهداؤه إلى متعدّدين أحياءً أو أمواتاً أو مختلفين .

(مسألة 4) : لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله ، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أيّ صوم كان ، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجارياً(1) أو واجباً من جهة النذر ونحوه ، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم ، ولا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف ، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر ، بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له قطعه ، فإن لم يقطعه تمّ اعتكافه ، وإن قطعه انقطع ووجب عليه الاستئناف .

(مسألة 5) : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، ومع تمامهما يجب الثالث ، وأمّا المنذور فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب .

(مسألة 6) : لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة وكان عليه صوم منذور أو واجب لأجل الإجارة ، يجوز له أن يصوم في تلك الأيّام وفاء عن النذر أو الإجارة ، نعم لو نذر الاعتكاف في أيّام مع قصد كون الصوم له ولأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة .

(مسألة 7) : لو نذر اعتكاف يوم أو يومين ، فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره ، وإن لم يقيّده صحّ ووجب ضمّ يوم أو يومين .

ص: 78


1- - إذا لم يكن انصراف في البين .

(مسألة 8) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد ، فاتّفق كون الثالث(1) عيداً بطل من أصله ولا يجب عليه قضاؤه ؛ لعدم انعقاد نذره ، لكنّه أحوط .

(مسألة 9) : لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل(2) ، إلاّ أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر ، ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ ووجب عليه ضمّ يومين آخرين .

(مسألة 10) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسّطتين لم ينعقد .

(مسألة 11) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد ، لم يجب إدخال الليلة الاُولى فيه ، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر فإنّ الليلة الاُولى جزء من الشهر .

(مسألة 12) : لو نذر اعتكاف شهر ، يجزيه ما بين الهلالين(3) وإن كان ناقصاً ، ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً .

(مسألة 13) : لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع ، وأمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون ، بل لا يبعد جواز التفريق يوماً

ص: 79


1- - وكذا لو نذر اعتكاف أربعة أيّام أو أزيد واتّفق كون الرابع مثلاً عيداً ، فالظاهر بطلان نذره وإن كان الأحوط اعتكاف ما عدا العيد من الأيّام السابقة عليه ، بل وما بعده ، خصوصاً إذا كان ثلاثة أيّام أو أزيد ، نعم لو رجع نذره إلى اعتكافين فاتّفق يوم الثالث عيداً يجب الاعتكاف بعد العيد ، أو اتّفق الرابع وجب الاعتكاف قبله .
2- - على إشكال نشأ من صحّة الاعتكاف ثلاثة أيّام تلفيقاً ، والأحوط لمن نذر ذلك أن يصوم يوم احتمال قدومه مقدّمة ويعتكف من حينه ، فإن قدم بين اليوم يعتكف رجاءً ويتمّه ثلاثة أيّام تلفيقاً .
3- - والأحوط ضمّ يوم كما مرّ .

فيوماًويضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين ، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع .

(مسألة 14) : لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع - سواء شرطه لفظاً ، أو كان المنساق منه ذلك - فأخلّ بيوم أو أزيد بطل ؛ وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً واستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه ، وإن كان معيّناً وقد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه ، والأحوط التتابع فيه أيضاً وإن بقي شيء من ذلك الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال ، فالأحوط ابتداء(1) القضاء منه .

(مسألة 15) : لو نذر اعتكاف أربعة أيّام ، فأخلّ بالرابع ولم يشترط التتابع ولا كان منساقاً من نذره ، وجب قضاء ذلك اليوم وضمّ يومين آخرين والأولى جعل المقضيّ أوّل الثلاثة وإن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء .

(مسألة 16) : لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً ؛ سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين .

(مسألة 17) : لو نذر زماناً معيّناً - شهراً أو غيره - وتركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً وجب قضاؤه(2) ، ولو غمّت الشهور فلم يتعيّن عنده ذلك المعيّن عمل بالظنّ(3) ، ومع عدمه يتخيّر بين موارد الاحتمال .

(مسألة 18) : يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد ، فلا يجوز أن يجعله

ص: 80


1- - وإن كان الأقوى عدم وجوبه .
2- - على الأحوط .
3- - محلّ إشكال ، وأشكل منه التخيير مع عدمه ، فالأحوط مع عدم الحرج الجمع بين المحتملات .

في مسجدين ؛ سواء كانا متّصلين أو منفصلين ، نعم لو كانا متّصلين على وجه يعدّ مسجداً واحداً فلا مانع(1) .

(مسألة 19) : لو اعتكف في مسجد ثمّ اتّفق مانع من إتمامه فيه ؛ من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل ، ووجب استئنافه أو قضاؤه إن كان واجباً في مسجد آخر أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع ، وليس له البناء - سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد - بعد رفع المانع .

(مسألة 20) : سطح المسجد وسردابه ومحرابه منه ما لم يعلم خروجها ، وكذا مضافاته إذا جعلت جزءاً منه كما لو وسّع فيه .

(مسألة 21) : إذا عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلاًّ لاعتكافه ، لم يتعيّن(2) وكان قصده لغواً .

(مسألة 22) : قبر مسلم وهاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر .

(مسألة 23) : إذا شكّ في موضع من المسجد أ نّه جزء منه أو من مرافقه ، لم يجر عليه حكم المسجد .

(مسألة 24) : لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً وجامعاً بالعلم الوجداني ، أو الشياع المفيد للعلم ، أو البيّنة الشرعية ، وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال ، والظاهر كفاية حكم الحاكم(3) الشرعي .

ص: 81


1- - هذا من فروع جواز الاعتكاف في كلّ جامع ، وقد مرّ الإشكال فيه .
2- - بل يشكل صحّته في بعض الفروض .
3- - ثبوته به محلّ إشكال ، إلاّ في مورد الترافع بين المتخاصمين .

(مسألة 25) : لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية فبان الخلاف ، تبيّن البطلان .

(مسألة 26) : لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع(1) بين الرجل والمرأة ، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدّته للصلاة في بيتها ، بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها .

(مسألة 27) : الأقوى صحّة اعتكاف الصبيّ المميّز ، فلا يشترط فيه البلوغ .

(مسألة 28) : لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل ، ولو اُعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه ، ولو شرع فيه بإذن المولى ثمّ اُعتق في الأثناء ، فإن كان في اليوم الأوّل أو الثاني لم يجب عليه الإتمام ، إلاّ أن يكون من الاعتكاف الواجب(2) ، وإن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث ، وإن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس .

(مسألة 29) : إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمضِ يومان وليس له الرجوع بعدهما ؛ لوجوب إتمامه حينئذٍ ، وكذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع(3) فيه من العبد .

(مسألة 30) : يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة أو لحضور الجماعة(4) أو لتشييع الجنازة(5) وإن لم يتعيّن عليه هذه الاُمور ، وكذا في سائر

ص: 82


1- - بل في المساجد الأربعة على الأحوط كما مرّ .
2- - أي المعيّن منه .
3- - كما لو نذر إتمامه إذا شرع فيه .
4- - في غير مكّة محلّ إشكال .
5- - لا مطلقاً ، بل إذا كان للميّت نحو تعلّق به حتّى يعدّ ذلك من ضرورياته العرفية .

الضرورات العرفية أو الشرعية الواجبة أو الراجحة ؛ سواء كانت متعلّقة باُمور الدنيا أو الآخرة ممّا يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره ، ولا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات .

(مسألة 31) : لو أجنب في المسجد ولم يمكن(1) الاغتسال فيه وجب عليه الخروج ، ولو لم يخرج بطل اعتكافه لحرمة لبثه فيه .

(مسألة 32) : إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره ؛ بأن أزاله وجلس فيه ، فالأقوى(2) بطلان اعتكافه ، وكذا إذا جلس على فراش مغصوب ، بل الأحوط(3) الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته ، وإن توقّف على الخروج خرج على الأحوط ، وأمّا إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملاً له ، فالظاهر عدم البطلان .

(مسألة 33) : إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه .

(مسألة 34) : إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه ، أو لإتيان واجب آخر متوقّف على الخروج ولم يخرج أثم ، ولكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى .

(مسألة 35) : إذا خرج عن المسجد لضرورة ، فالأحوط مراعاة أقرب الطرق ،

ص: 83


1- - مرّ حكم الاغتسال .
2- - عدم البطلان فيه وفيما بعده لا يخلو من قوّة .
3- - لا يترك الاحتياط فيه وفي الفرع التالي ، لكن لو لم يجتنب فالأقوى صحّة اعتكافه .

ويجب عدم المكث إلاّ بمقدار الحاجة والضرورة ، ويجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان ، بل الأحوط أن لا يمشي(1) تحته أيضاً ، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلاّ مع الضرورة .

(مسألة 36) : لو خرج لضرورة وطال خروجه ؛ بحيث انمحت صورة الاعتكاف ، بطل .

(مسألة 37) : لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون ؛ من القيام والجلوس والنوم والمشي ونحو ذلك ، فاللازم الكون فيه بأيّ نحو كان .

(مسألة 38) : إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد ، وبطل اعتكافها ، ويجب استئنافه إن كان واجباً موسّعاً بعد الخروج من العدّة ، وأمّا إذا كان واجباً معيّناً فلا يبعد(2) التخيير بين إتمامه ثمّ الخروج ، وإبطاله والخروج فوراً ؛ لتزاحم الواجبين ولا أهمّية معلومة في البين ، وأمّا إذا طلّقت بائناً فلا إشكال ؛ لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّام العدّة .

(مسألة 39) : قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معيّن أو واجب موسّع وإمّا مندوب ، فالأوّل يجب بمجرّد الشروع بل قبله ولا يجوز الرجوع عنه ، وأمّا الأخيران فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين ، وأمّا بعده فيجب اليوم الثالث ، لكن الأحوط فيهما أيضاً وجوب الإتمام بالشروع ، خصوصاً الأوّل منهما .

ص: 84


1- - جوازه لا يخلو من قوّة .
2- - المسألة مشكلة ومحلّ تردّد تحتاج إلى مزيد تأمّل .

(مسألة 40) : يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء حتّى في اليوم الثالث ؛ سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا(1) ، بل يشترط الرجوع متى شاء ، حتّى بلا سبب عارض ، ولا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع ونحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله ، ويعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النيّة ، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه وإن كان قبل الدخول في اليوم الثالث ، ولو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه ، فالظاهر عدم سقوطه ؛ وإن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين .

(مسألة 41) : كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيّته ، كذلك يجوز اشتراطه في نذره كأن يقول : للّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا أو مطلقاً ، وحينئذٍ فيجوز له الرجوع وإن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف ، فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع ، لكن الأحوط(2) ذكر الشرط حال الشروع أيضاً ، ولا فرق في كون النذر اعتكاف أيّام معيّنة أو غير معيّنة ، متتابعة أو غير متتابعة ، فيجوز(3) الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر ، ولا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيين ولا الاستئناف مع الإطلاق .

ص: 85


1- - تأثير شرط الرجوع متى شاء من غير عروض عارض محلّ إشكال بل منع ، نعم العارض أعمّ من الأعذار العادية كقدوم الزوج من السفر ، ومن الأعذار التي تبيح المحظورات .
2- - لا يترك .
3- - مرّ الاحتياط فيه .

(مسألة 42) : لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه ، وكذا لا يصحّ أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر ؛ من ولده أو عبده أو أجنبيّ .

(مسألة 43) : لا يجوز التعليق في الاعتكاف ، فلو علّقه بطل ، إلاّ إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النيّة ، فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق .

فصل : في أحكام الاعتكاف

يحرم على المعتكف اُمور :

أحدها : مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدبر وباللمس والتقبيل بشهوة ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، فيحرم على المعتكفة أيضاً الجماع واللمس والتقبيل بشهوة ، والأقوى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً .

الثاني : الاستمناء على الأحوط ؛ وإن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له .

الثالث : شمّ الطيب مع التلذّذ وكذا الريحان ، وأمّا مع عدم التلذّذ - كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشمّ مثلاً - فلا بأس(1) به .

الرابع : البيع والشراء، بل مطلق التجارة مع عدم الضرورة على الأحوط ، ولا بأس بالاشتغال بالاُمور الدنيوية من المباحات حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما وإن كان الأحوط الترك ، إلاّ مع الاضطرار إليها ، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا

ص: 86


1- - الأمر كما ذكر ، لكن مع فقد الحسّ لا يصدق الشمّ ظاهراً ، والظاهر أ نّه مع تحقّق الشمّ لو لم يتلذّذ لا بأس به .

مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب مع تعذّر التوكيل أو النقل بغير البيع .

الخامس : المماراة ؛ أي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني بقصد الغلبة وإظهار الفضيلة، وأمّا بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به ، بل هو من أفضل الطاعات ، فالمدار على القصد والنيّة ، فلكلّ امرء ما نوى من خير أو شرّ . والأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم ؛ من الصيد وإزالة الشعر ولبس المخيط ونحو ذلك وإن كان أحوط .

(مسألة 1) : لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل والنهار ، نعم المحرّمات من حيث الصوم ، كالأكل والشرب والارتماس ونحوها ، مختصّة بالنهار .

(مسألة 2) : يجوز للمعتكف الخوض في المباح والنظر في معاشه مع الحاجة وعدمها .

(مسألة 3) : كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار ؛ من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يفسده الجماع ؛ سواء كان في الليل أو النهار ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرّمات ؛ من البيع والشراء وشمّ الطيب وغيرها ممّا ذكر ، بل لا يخلو عن قوّة(1) وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً ، وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن(2) وأولى.

ص: 87


1- - في القوّة تأمّل .
2- - الأحوط في الواجب المعيّن وفي اليوم الثالث القضاء بعد الإتمام ، وفي الواجب الموسّع الإعادة .

(مسألة 4) : إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً ، فالظاهر عدم بطلان اعتكافه ، إلاّ الجماع(1) فإنّه لو جامع سهواً أيضاً فالأحوط في الواجب الاستئناف أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به ، وفي المستحبّ الإتمام .

(مسألة 5) : إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات ، فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه ، إلاّ إذا كان مشروطاً فيه أو في نذره(2) الرجوع ، فإنّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه ، وكذا يجب قضاؤه إذا كان مندوباً وكان الإفساد بعد اليومين ، وأمّا إذا كان قبلهما فلا شيء عليه ، بل في مشروعية قضائه حينئذٍ إشكال .

(مسألة 6) : لا يجب الفور في القضاء وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء وإن كان أحوط ، نعم لو كان المنذور الصوم معتكفاً وجب على الوليّ قضاؤه ؛ لأنّ الواجب حينئذٍ عليه هو الصوم ويكون الاعتكاف واجباً من باب المقدّمة ، بخلاف ما لو نذر الاعتكاف ، فإنّ الصوم ليس واجباً فيه وإنّما هو شرط في صحّته ، والمفروض أنّ الواجب على الوليّ قضاء الصلاة والصوم عن الميّت لا جميع ما فاته من العبادات .

ص: 88


1- - التفرقة بين الجماع وغيره محلّ إشكال ، فالأحوط في صورة ارتكاب سائر المحرّمات سهواً إتمامه إذا كان واجباً معيّناً ، وقضاؤه واستئنافه في غيره إذا كان في اليومين الأوّلين ، وإتمامه واستئنافه إذا كان في اليوم الثالث .
2- - مرّ الاحتياط .

(مسألة 8) : إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه وشراؤه ؛ وإن قلنا ببطلان اعتكافه .

(مسألة 9) : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلاً وجبت الكفّارة ، وفي وجوبها في سائر المحرّمات إشكال ، والأقوى عدمه وإن كان الأحوط ثبوتها ، بل الأحوط(1) ذلك حتّى في المندوب منه قبل تمام اليومين . وكفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار .

(مسألة 10) : إذا كان الاعتكاف واجباً وكان في شهر رمضان وأفسده بالجماع في النهار فعليه كفّارتان : إحداهما للاعتكاف والثانية للإفطار في نهار رمضان ، وكذا إذا كان في صوم قضاء شهر رمضان وأفطر بالجماع بعد الزوال ، فإنّه يجب عليه كفّارة الاعتكاف وكفّارة قضاء شهر رمضان ، وإذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع في النهار وجب عليه ثلاث كفّارات : إحداها للاعتكاف والثانية لخلف النذر والثالثة للإفطار في شهر رمضان ، وإذا جامع امرأته المعتكفة وهو معتكف في نهار رمضان ، فالأحوط أربع كفّارات وإن كان لا يبعد كفاية الثلاث : إحداها لاعتكافه واثنتان للإفطار في شهر رمضان - إحداهما عن نفسه والاُخرى تحمّلاً عن امرأته - ولا دليل على تحمّل كفّارة الاعتكاف عنها ، ولذا لو أكرهها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلاّ كفّارته ولا يتحمّل عنها . هذا ولو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار ، وكفّارة واحدة إن كان في الليل .

ص: 89


1- - لا يترك ؛ إذا جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، وأمّا معه فلا تجب عليه .

كتاب الزكاة

اشارة

التي وجوبها من ضروريات الدين ومنكره مع العلم به كافر(1) ، بل في جملة من الأخبار : «أنّ مانع الزكاة كافر» .

ويشترط في وجوبها اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول ، ولا على من كان غير بالغ في بعضه ، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ ، وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلاّت الأربع فالمناط : البلوغ قبل وقت التعلّق ؛ وهو انعقاد الحبّ ، وصدق الاسم على ما سيأتي .

الثاني : العقل ، فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول أو بعضه ولو أدواراً ، بل قيل : إنّ عروض الجنون آناً ما يقطع الحول ، لكنّه مشكل ، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون وأ نّه لم يكن في تمام الحول عاقلاً، والجنون آناً ما بل ساعة وأزيد(2) لا يضرّ ؛ لصدق كونه عاقلاً.

الثالث : الحرّية ، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه ؛ من غير فرق بين القنّ

ص: 90


1- - بتفصيل مرّ في كتاب الطهارة .
2- - الميزان عدم إضراره بالصدق ، ففي الساعة إشكال فضلاً عن الأزيد .

والمدبّر واُمّ الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً من مال الكتابة ، وأمّا المبعّض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزّع على بعضه الحرّ النصاب .

الرابع : أن يكون مالكاً ، فلا تجب قبل تحقّق الملكية كالموهوب قبل القبض ، والموصى به قبل القبول(1) أو قبل القبض ، وكذا في القرض لا تجب إلاّ بعد القبض .

الخامس : تمام التمكّن من التصرّف ، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه ؛ بأن كان غائباً ولم يكن في يده ولا في يد وكيله ، ولا في المسروق والمغصوب والمجحود والمدفون في مكان منسيّ ، ولا في المرهون ، ولا في الموقوف ، ولا في المنذور التصدّق به ، والمدار في التمكّن على العرف ، ومع الشكّ يعمل بالحالة السابقة ، ومع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج(2) .

السادس : النصاب كما سيأتي تفصيله .

(مسألة 1) : يستحبّ للوليّ الشرعي إخراج الزكاة في غلاّت غير البالغ ؛ يتيماً كان أو لا ، ذكراً كان أو اُنثى ، دون النقدين ، وفي استحباب إخراجها من مواشيه إشكال ، والأحوط الترك(3) ، نعم إذا اتّجر الوليّ بماله يستحبّ إخراج زكاته أيضاً ، ولا يدخل الحمل في غير البالغ ، فلا يستحبّ إخراج زكاة غلاّته ومال تجارته ،

ص: 91


1- - بناءً على اعتباره في حصول الملكية كما هو الأقوى في الوصيّة التمليكية ، وأمّا القبض فلا يعتبر فيه بلا إشكال ، بل يحتمل أن يكون ذكره من سهو منه أو من الناسخ وكان في الأصل قبل الوفاة .
2- - والأقوى عدمه في الشبهة الموضوعية ، كما هي المفروضة ظاهراً .
3- - بل الأقوى عدم الزكاة فيها .

والمتولّي لإخراج الزكاة هو الوليّ ، ومع غيبته يتولاّه الحاكم الشرعي ، ولو تعدّد الوليّ جاز لكلّ منهم ذلك ، ومن سبق نفذ عمله ، ولو تشاحّوا في الإخراج وعدمه قدّم من يريد الإخراج ، ولو لم يؤدّ الوليّ إلى أن بلغ المولّى عليه ، فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه .

(مسألة 2) : يستحبّ للوليّ الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره ؛ من النقدين كان أو من غيرهما .

(مسألة 3) : الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول ، وكذا السكران ، فالإغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ، ولا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلّق في الغلاّت .

(مسألة 4) : كما لا تجب الزكاة على العبد ، كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه على المختار من كونه مالكاً(1) ، وأمّا على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكّن العرفي من التصرّف فيه .

(مسألة 5) : لو شكّ حين البلوغ في مجيء وقت التعلّق ؛ من صدق الاسم وعدمه ، أو علم تأريخ البلوغ وشكّ في سبق زمان التعلّق وتأخّره ، ففي وجوب الإخراج إشكال(2) ؛ لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ حال التعلّق ، ولكن الأحوط الإخراج ، وأمّا إذا شكّ حين التعلّق في البلوغ وعدمه أو علم زمان التعلّق وشكّ في سبق البلوغ وتأخّره أو جهل التأريخين فالأصل(3) عدم

ص: 92


1- - مالكيته محلّ تأمّل ، فلا يترك المولى الاحتياط بالأداء .
2- - الأقوى عدم الوجوب .
3- - والمسألة صحيحة ، لكن في بعض تشبّثاته إشكال .

الوجوب ، وأمّا مع الشكّ في العقل فإن كان مسبوقاً بالجنون وكان الشكّ في حدوث العقل قبل التعلّق أو بعده ، فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل(1) ، وإن كان مسبوقاً بالعقل فمع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب ، ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشكّ في سبق التعلّق وتأخّره فالأصل عدم الوجوب ، وكذا مع الجهل بالتأريخين ، كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة وأ نّها الجنون أو العقل كذلك .

(مسألة 6) : ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع(2) من تعلّق الزكاة إذا كان في تمام الحول ، ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه بناءً على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف ، فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل - مثلاً - وكان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه .

(مسألة 7) : إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد ، يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد ، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً .

(مسألة 8) : لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّاً أو خاصّاً ، ولا تجب في نماء الوقف العامّ(3) ، وأمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب .

ص: 93


1- - ومرّ ما هو الأقوى .
2- - إلاّ في الخيار المشروط بردّ الثمن ؛ ممّا تكون المعاملة مبنيّة على بقاء العين .
3- - إنّما لا تتعلّق بنمائه إذا لم يقبضه ، وأمّا بعد القبض فهو كسائر أمواله تتعلّق به الزكاة مع اجتماع شرائطه ، فإذا كان نخيل بستان وقفاً وبعد ظهور الثمر وقبل وقت التعلّق دفع المتولّي ما على النخيل على بعض الموقوف عليهم فحان عنده حين التعلّق ، تتعلّق به مع اجتماع الشرائط .

(مسألة 9) : إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود بالاستعانة بالغير أو البيّنة أو نحو ذلك بسهولة فالأحوط(1) إخراج زكاتها ، وكذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه مع بقاء يده عليه أو تمكّن من أخذه سرقة ، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً ، وكذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة .

(مسألة 10) : إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم يفعل ، لم يجب عليه إخراج زكاته ، بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختياراً مسامحة أو فراراً من الزكاة ، والفرق(2) بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه أنّ الملكية حاصلة في المغصوب ونحوه ، بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في ملكه إلاّ بعد قبضه .

(مسألة 11) : زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض ، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكوية وبقي عنده سنة ، وجب عليه الزكاة ، نعم يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرّعاً ، بل يصحّ تبرّع الأجنبيّ(3) أيضاً ، والأحوط الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه وإن كان الأقوى عدم اعتباره ، ولو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض ، فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة

ص: 94


1- - لكنّ الأقوى عدم الوجوب في جميع فروض المسألة ، نعم في المغصوب إذا مكّنه الغاصب جميع التصرّفات مع بقائه عنده حتّى تكون يده عليه كيد وكيله - بحيث مكّنه من إخراجها منها - تجب الزكاة ، لكنّه خلاف المفروض ، ومع عدم تمكينه من إخراجها من يده ، لا تجب على الأقوى وإن مكّنه سائرها .
2- - هذا الفرق وإن كان ظاهراً ، لكن عدم التعلّق في المغصوب ونحوه ممّا في المسألة السابقة لفقدان شرط آخر .
3- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من قرب .

متوجّهاً إليه لم يصحّ ، وإن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ(1) .

(مسألة 12) : إذا نذر التصدّق بالعين الزكوية ، فإن كان مطلقاً غير موقّت ولا معلّقاً على شرط ، لم تجب الزكاة فيها وإن لم تخرج عن ملكه بذلك ؛ لعدم التمكّن من التصرّف فيها ؛ سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه . نعم ، لو كان النذر بعد تعلّق الزكاة وجب إخراجها(2) أوّلاً ثمّ الوفاء بالنذر ، وإن كان موقّتاً بما قبل الحول ووفى بالنذر ، فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب ، وكذا إذا لم يفِ به وقلنا بوجوب القضاء بل مطلقاً ؛ لانقطاع الحول بالعصيان(3) ، نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء ، وكذا إن كان موقّتاً بما بعد الحول ، فإنّ تعلّق النذر به مانع عن التصرّف فيه ، وأمّا إن كان معلّقاً على شرط ، فإن حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب ، وإن حصل بعده وجبت ، وإن حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه ؛ ثالثها التخيير بين تقديم أيّهما شاء ، ورابعها القرعة .

(مسألة 13) : لو استطاع الحجّ بالنصاب ، فإن تمّ الحول قبل سير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة أوّلاً، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب وإلاّ فلا ، وإن كان مضيّ الحول متأخّراً عن سير القافلة وجب الحجّ وسقط(4)

ص: 95


1- - لكن إن لم يؤدّ وجب على المقترض أداؤه .
2- - مع إمكان الجمع بينهما ؛ بأن يخرج الزكاة ويعمل بالنذر ووفت العين بهما فلا كلام ، ومع عدم الإمكان وعدم الوفاء ، فإن أمكن العمل بالنذر وأداء الزكاة بالقيمة يجب ، وإلاّ يجب إخراج الزكاة وإيراد النقص على النذر .
3- - بل لسلب تمام التمكّن من التصرّف بالنذر .
4- - إذا صرف النصاب أو بعضه في الحجّ .

وجوب الزكاة ، نعم لو عصى ولم يحجّ وجبت بعد تمام الحول ولو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أوّلاً لتعلّقها بالعين بخلاف الحجّ .

(مسألة 14) : لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرّف فيه - بأن كان مدفوناً ولم يعرف مكانه أو غائباً أو نحو ذلك - ثمّ تمكّن منه ، استحبّ زكاته لسنة بل يقوى(1) استحبابها بمضيّ سنة واحدة أيضاً .

(مسألة 15) : إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة ، أو بعد مضيّ الحول متمكّناً فقد استقرّ الوجوب ، فيجب الأداء إذا تمكّن بعد ذلك ، وإلاّ فإن كان مقصّراً يكون ضامناً وإلاّ فلا .

(مسألة 16) : الكافر تجب عليه الزكاة ، لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها ، نعم للإمام uأو نائبه أخذها منه قهراً ، ولو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه .

(مسألة 17) : لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه وإن كانت العين موجودة(2) ؛ فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله .

(مسألة 18) : إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب(3) بعد تعلّق الزكاة وجب عليه إخراجها .

ص: 96


1- - فيه إشكال ، بل في استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين أيضاً إشكال ، إلاّ أن تكون المسألة إجماعية - كما ادّعي - وهو أيضاً محلّ تأمّل ؛ لمعلومية مستندهم وهو محلّ مناقشة ، نعم لا يبعد القول بالاستحباب في الدين بعد الأخذ لكلّ ما مرّ من السنين .
2- - على إشكال مع بقائها .
3- - بل بعضه على الأحوط ؛ لو لم يكن أقوى .

فصل : في زكاة الأنعام الثلاثة

ويشترط في وجوب الزكاة فيها - مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة - اُمور :

الأوّل : النصاب ، وهو في الإبل اثنا عشر نصاباً : الأوّل : الخمس وفيها شاة ، الثاني : العشر وفيها شاتان ، الثالث : خمسة عشر وفيها ثلاث شياه ، الرابع : العشرون وفيها أربع شياه ، الخامس : خمس وعشرون وفيها خمس شياه ،

ص: 97

السادس : ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض ؛ وهي الداخلة في السنة الثانية ، السابع : ستّ وثلاثون ، وفيها بنت لبون ؛ وهي الداخلة في السنة الثالثة ، الثامن : ستّ وأربعون وفيها حقّة ؛ وهي الداخلة في السنة الرابعة ، التاسع : إحدى وستّون ، وفيها جذعة ؛ وهي التي دخلت في السنة الخامسة ، العاشر : ستّ وسبعون وفيها بنتا لبون ، الحادي عشر : إحدى وتسعون وفيها حقّتان ، الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون ؛ بمعنى أ نّه يجوز(1) أن يحسب أربعين أربعين وفي كلّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلّ منها حقّة ، ويتخيّر بينهما مع المطابقة لكلّ منهما ، أو مع عدم المطابقة لشيء منهما ، ومع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفواً ، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلّ منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ، وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستّين يكون الخمسون أقلّ عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقلّ عفواً .

(مسألة 1) : في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون ، بل لا يبعد(2) إجزاؤه عنها اختياراً أيضاً ، وإذا لم يكونا معاً

ص: 98


1- - بل بمعنى مراعاة المطابق منهما ، ولو لم تحصل المطابقة إلاّ بهما لوحظا معاً ، ويتخيّر مع المطابقة بكلّ منهما أو بهما ، وعلى هذا لا يمكن عدم المطابقة ولا العفو إلاّ فيما بين العقدين فلا بدّ أن تراعى على وجه يستوعب الجميع ما عدا النيّف ، ففي مائتين وستّين يحسب خمسينين وأربع أربعينات ، وفي مائة وأربعين يحسب خمسينين وأربعين واحد وهكذا .
2- - الأقوى عدم الإجزاء في حال الاختيار .

عنده تخيّر(1) في شراء أيّهما شاء .

وأمّا في البقر فنصابان : الأوّل : ثلاثون ، وفيها تبيع أو تبيعة ؛ وهو ما دخل في السنة الثانية ، الثاني : أربعون ، وفيها مسنّة ؛ وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفيما زاد يتخيّر(2) بين عدّ ثلاثين ثلاثين ، ويعطي تبيعاً أو تبيعة ، وأربعين أربعين ويعطي مسنّة .

وأمّا في الغنم فخمسة نصب : الأوّل : أربعون وفيها شاة ، الثاني : مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، الثالث : مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ، الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيها أربع شياه ، الخامس : أربعمائة فما زاد ، ففي كلّ مائة شاة ، وما بين النصابين في الجميع عفو(3) ، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق .

(مسألة 2) : البقر والجاموس جنس واحد ، كما أ نّه لا فرق في الإبل بين العراب والبخاتي ، وفي الغنم بين المعز والشاة والضأن ، وكذا لا فرق بين الذكر والاُنثى في الكلّ .

(مسألة 3) : في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت

ص: 99


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بشراء بنت المخاض .
2- - بل يجب مراعاة المطابقة هنا أيضاً ؛ بملاحظة أحدهما تفريقاً أو هما جمعاً ، ففي ثلاثين تبيع وفي أربعين مسنّة وبينهما عفو ، كما أنّ بين أربعين إلى ستّين عفواً أيضاً ، وإذا بلغ الستّين فلا يتصوّر عدم المطابقة والعفو إلاّ عمّا بين العقدين ، ففي السبعين يلاحظ ثلاثون مع أربعين ، وفي الثمانين أربعينان ، وفي المائة أربعون مع ثلاثينين وهكذا .
3- - بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق على ما بين النصابين إلى النصاب اللاحق ، فالعفو بمعنى عدم تعلّق أكثر من السابق ، لا بمعنى عدم التعلّق عليه رأساً .

عليهم ، وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط ، وإذا كان المجموع نصاباً وكان نصيب كلّ منهم أقلّ لم يجب على واحد منهم .

(مسألة 4) : إذا كان مال المالك الواحد متفرّقاً ولو متباعداً يلاحظ المجموع ، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ولا يلاحظ كلّ واحد على حدة .

(مسألة 5) : أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن الجذع ومن المعز الثنيّ ، والأوّل ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية ، والثاني ما كمل له سنتان ودخل في الثالثة . ولا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة من النصاب ، بل له أن يدفع شاة اُخرى ؛ سواء كانت من ذلك البلد أو غيره ، وإن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب ، وكذا الحال في الإبل والبقر ، فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى لا الأعلى ولا الأدنى ؛ وإن كان لو تطوّع بالعالي أو الأعلى كان أحسن وزاد خيراً ، والخيار للمالك لا الساعي أو الفقير فليس لهما الاقتراح عليه ، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس(1) الفريضة بالقيمة السوقية ؛ من النقدين أو غيرهما وإن كان الإخراج من العين أفضل .

(مسألة 6) : المدار في القيمة على وقت الأداء ؛ سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب ، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة ، وإن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد التي هي فيه .

(مسألة 7) : إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الاُنثى وبالعكس ، كما أ نّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن وبالعكس

ص: 100


1- - إخراج غير الجنس فيما عدا الدرهم والدينار محلّ تأمّل ، إلاّ إذا كان خيراً للفقراء ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .

وإن اختلفت في القيمة ، وكذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء ، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر وبالعكس ، وكذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب وبالعكس ؛ تساوت في القيمة أو اختلفت .

(مسألة 8) : لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشابّ والهرم في الدخول في النصاب والعدّ منه ، لكن إذا كانت كلّها صحاحاً لا يجوز دفع المريض ، وكذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب ، ولو كانت كلّ منها شابّاً لا يجوز دفع الهرم ، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط ، نعم لو كانت كلّها مراضاً أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها .

الشرط الثاني : السوم طول الحول ، فلو كانت معلوفة ولو في بعض الحول لم تجب فيها ، ولو كان شهراً بل اُسبوعاً ، نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين ، ولا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار لمنع مانع من السوم ؛ من ثلج أو مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك ، ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره؛ بإذنه أو لا بإذنه ، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السوم ، وكذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك ، نعم لا تخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً(1)، كما أ نّها لايخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

ص: 101


1- - ما يخلّ بالسوم هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع ؛ إذا كانت مزروعة على النحو المتعارف المألوف ، وأمّا لو فرض تبذير البذور التي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في تربيتها فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم .

الشرط الثالث : أن لا يكون عوامل ؛ ولو في بعض الحول بحيث لا يصدق عليها أ نّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول ، ولا يضرّ إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مرّ في السوم .

الشرط الرابع : مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط ، ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر ، فلا يعتبر تمامه ، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب ، بل الأقوى استقراره(1) أيضاً ، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه ، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل ، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه .

(مسألة 9) : لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول ، كما لو نقصت عن النصاب أو لم يتمكّن من التصرّف فيها أو عاوضها بغيرها وإن كان زكوياً من جنسها ، فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلاً ، ومضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى عليه ستّة أشهر اُخرى لم تجب عليه الزكاة ، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة وإن كانت بقصد الفرار من الزكاة .

(مسألة 10) : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شيء ، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن ، وإن كان بتفريط منه ولو بالتأخير مع التمكّن من الأداء ضمن بالنسبة ، نعم لو كان أزيد من النصاب وتلف منه شيء مع

ص: 102


1- - الظاهر أنّ الزكاة تنتقل إلى أربابها بحلول الشهر الثاني عشر ، فتصير ملكاً متزلزلاً لهم ، فيتبعه الوجوب الغير المستقرّ ، فلا يجوز للمالك التصرّف في النصاب تصرّفاً معدماً لحقّ الفقراء ، ولو فعل كان ضامناً . نعم ، لو اختلّ بعض الشروط من غير اختياره - كأن نقص عن النصاب بالتلف في خلال الشهر الثاني عشر - يرجع الملك إلى صاحبه الأوّل وينقطع الوجوب .

بقاء النصاب على حاله لم ينقص(1) من الزكاة شيء ، وكان التلف عليه بتمامه مطلقاً على إشكال .

(مسألة 11) : إذا ارتدّ الرجل المسلم ، فإمّا أن يكون عن ملّة أو عن فطرة ، وعلى التقديرين : إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده ، فإن كان بعده وجبت الزكاة ؛ سواء كان عن فطرة أو ملّة ، ولكن المتولّي لإخراجها الإمام (2) أو نائبه ، وإن كان في أثنائه وكان عن فطرة انقطع الحول ولم تجب الزكاة واستأنف الورثة الحول ؛ لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته ، وإن كان عن ملّة لم ينقطع ووجبت بعد حول الحول ، لكن المتولّي الإمام علیه السلام أو نائبه إن لم يتب ، وإن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه ، وأمّا لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه(3) ، إلاّ إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النيّة ، أو كان الفقير القابض عالماً بالحال ، فإنّه يجوز له(4) الاحتساب عليه ؛ لأ نّه مشغول الذمّة بها إذا قبضها مع العلم بالحال وأتلفها أو تلفت في يده ، وأمّا المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقاً .

(مسألة 12) : لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد - كأربعين شاة مثلاً - فحال عليه أحوال ، فإن أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت ؛ لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلاً لم تجب إلاّ زكاة سنة واحدة ؛

ص: 103


1- - بل الأقرب ورود النقص على الزكاة بالنسبة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- - في الملّي على الأحوط ، وكذا في الفرع الآتي ، وأمّا الفطري فالمتولّي هو الورثة ، والأحوط الاستئذان من الحاكم أيضاً .
3- - على الأحوط .
4- - بعد التوبة ، وأمّا قبلها فالأمر إلى الحاكم على الأحوط .

لنقصانه حينئذٍ عنه ، ولو كان عنده أزيد من النصاب - كأن كان عنده خمسون شاة - وحال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها ، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب ، فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشرة ، ولو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة ، وبعده لا يجب عليه شيء ؛ لنقصانه عن الأربعين ، ولو كان عنده ستّ وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الاُولى ، وخمس شياه للثانية ، وإن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع(1) شياه ، وكذا إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب .

(مسألة 13) : إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد : إمّا بالنتاج ، وإمّا بالشراء أو الإرث أو نحوهما ، فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق ، فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها النصاب اللاحق ، وأمّا إن كان في أثناء الحول ، فإمّا أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو ولم يكن نصاباً مستقلاًّ ولا مكمّلاً لنصاب آخر ، وإمّا أن يكون نصاباً مستقلاًّ ، وإمّا أن يكون مكمّلاً للنصاب ، أمّا في القسم الأوّل فلا شيء عليه ، كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً ، وذلك كما لو كان عنده من الإبل خمسة فحصل له في أثناء الحول أربعة اُخرى ، أو كان عنده أربعون شاة ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول ، وأمّا في القسم الثاني فلا يضمّ الجديد إلى السابق ، بل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده ، كما لو كان عنده خمس من الإبل ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمسة

ص: 104


1- - إلاّ إذا كان فيها ما يساوي قيمة بنت مخاض وخمس شياه ، وإلاّ ملك في العام الثالث أيضاً بعد إخراج ما للعامين ، خمساً وعشرين فوجب خمس شياه .

اُخرى ، فبعد تمام السنة الاُولى يخرج شاة ، وبعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضاً يخرج شاة ، وهكذا(1) ، وأمّا في القسم الثالث فيستأنف حولاً واحداً بعد انتهاء الحول الأوّل ، وليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شيء ، وذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر ، أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنين وأربعين ، ويلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلاًّ ومكمّلاً للنصاب اللاحق ، كما لو كان عنده من الإبل عشرون فملك في الأثناء ستّة اُخرى ، أو كان عنده خمسة ثمّ ملك أحداً وعشرين ، ويحتمل إلحاقه بالقسم الثاني .

(مسألة 14) : لو أصدق زوجته نصاباً وحال عليه الحول وجب عليها الزكاة ، ولو طلّقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه(2) إلى الزوج ووجب عليها زكاة المجموع في نصفها ، ولو تلف نصفها يجب إخراج(3) الزكاة من النصف الذي رجع إلى الزوج ويرجع بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة . هذا إن كان التلف

ص: 105


1- - فيه إشكال ، والظاهر أنّ الخمس من الإبل مكمّلة الخمس السابقة ولا تكون مستقلّة ، فالخمس نصاب والعشر نصاب واحد آخر لا نصابان ، وخمسة عشر نصاب واحد أيضاً فيها ثلاث شياه وهكذا ، فحينئذٍ يكون حكم هذا القسم حكم القسم الآتي ، نعم لو ملك في أوّل السنة خمساً ، وبعد ستّة أشهر مثلاً ستّاً وعشرين ، يجب عليه في آخر سنة الخمس شاة ، وفي آخر سنة الجديدة بنت مخاض ، ثمّ يترك سنة الخمس ويستأنف للمجموع حولاً وكذا لو ملك بعد الخمس في أثناء السنة نصاباً مستقلاًّ كستّ وثلاثين وستّ وأربعين وهكذا . ومن هذا يظهر الكلام في الفرض الأخير الذي تعرّض له الماتن .
2- - الأحوط الأولى إخراج الزكاة أوّلاً ، ثمّ ردّ نصف التمام إلى الزوج .
3- - بل يضمن نصف الزكاة ونصف نصف المهر ، ونصف الزكاة كنصف نصف المهر متعلّق بالنصف الباقي .

بتفريط منها ، وأمّا إن تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف الزكاة(1) من النصف الذي عند الزوج ؛ لعدم ضمان الزوجة حينئذٍ لعدم تفريطها ، نعم يرجع الزوج حينئذٍ أيضاً عليها بمقدار ما أخرج .

(مسألة 15) : إذا قال ربّ المال : لم يحل على مالي الحول ، يسمع منه بلا بيّنة ولا يمين ، وكذا لو ادّعى الإخراج ، أو قال : تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب .

(مسألة 16) : إذا اشترى نصاباً وكان للبائع الخيار ، فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شيء على المشتري ، ويكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ ، وإن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة ، وحينئذٍ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج ، وإن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين ، وإن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين ويغرم للبائع ما أخرج وإن يخرجها من مال آخر ، ويرجع العين بتمامها إلى البائع .

فصل : في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة

تجب في تسعة أشياء : الأنعام الثلاثة ؛ وهي الإبل والبقر والغنم ، والنقدين ؛ وهما الذهب والفضّة ، والغلاّت الأربع ؛ وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

ولا تجب فيما عدا ذلك على الأصحّ ، نعم يستحبّ إخراجها من أربعة أنواع اُخر : أحدها : الحبوب(2) ؛ ممّا يكال أو يوزن كالأرز والحمّص والماش والعدس ونحوها ، وكذا الثمار كالتفّاح والمشمش ونحوهما ، دون الخضر والبقول كالقتّ والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحوها . الثاني : مال التجارة على الأصحّ . الثالث : الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير والرقيق . الرابع : الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء كالبستان والخان والدكّان ونحوها .

(مسألة 1) : لو تولّد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة وعدمها ؛ سواء كانا زكويّين أو غير زكويّين أو مختلفين ، بل سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين مع فرض تحقّق الاسم حقيقة ، لا أن يكون بمجرّد الصورة ، ولا يبعد ذلك فإنّ اللّه قادر على كلّ شيء .

فصل : في زكاة النقدين

وهما الذهب والفضّة ، ويشترط في وجوب الزكاة فيهما - مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة - اُمور :

الأوّل : النصاب ، ففي الذهب نصابان : الأوّل : عشرون ديناراً ، وفيه نصف

ص: 106


1- - إن ردّ نصف الزوج قبل التلف فالظاهر عدم جواز الرجوع إليه ، بل يجب عليه إخراج قيمة النصف ، نعم لو نكل عن أداء القيمة يرجع وليّ الزكاة إلى العين الموجودة لدى الزوج ويرجع الزوج إلى الزوجة .
2- - لا يخلو استحبابها فيها من إشكال .

دينار ، والدينار مثقال شرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فعلى هذا : النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالاً ، وزكاته ربع المثقال وثمنه . والثاني : أربعة دنانير ، وهي ثلاث مثاقيل صيرفية ، وفيه ربع العشر ، أي من أربعين واحد ، فيكون فيه قيراطان ؛ إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً ، ثمّ إذا زاد أربعة فكذلك ، وليس قبل أن يبلغ عشرين ديناراً شيء ، كما أ نّه ليس بعد العشرين(1) قبل أن يزيد أربعة شيء وكذا ليس بعد هذه الأربعة شيء إلاّ إذا زاد أربعة اُخرى ، وهكذا . والحاصل : أنّ في العشرين ديناراً ربع العشر وهو نصف دينار ، وكذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة وعشرين وفيها ربع عشره وهو نصف دينار وقيراطان ، وكذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية وعشرين وفيها نصف دينار وأربع قيراطات ، وهكذا ، وعلى هذا فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وفي بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل ، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة .

وفي الفضّة أيضاً نصابان : الأوّل : مائتا درهم وفيها خمس دراهم ، والثاني : أربعون درهماً وفيها درهم ، والدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره ، وعلى هذا فالنصاب الأوّل مائة وخمسة مثاقيل صيرفية ، والثاني : أحد وعشرون مثقالاً ، وليس فيما قبل النصاب الأوّل ولا فيما بين النصابين شيء على ما مرّ ،

ص: 107


1- - الظاهر أنّ ما زاد على العشرين حتّى يبلغ أربعة دنانير متعلّق للفرض الأوّل ؛ أي نصف الدينار ، فالعشرون مبدأ النصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين ، فإذا بلغت أربعة وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين فزاد قيراطان وهكذا ، وهذا معنى العفو بين النصابين لا عدم التعلّق رأساً كما قبل العشرين ، وهكذا فيما زاد من مائتين في نصاب الفضّة إلى أن يبلغ أربعين .

وفي الفضّة أيضاً بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وقد يكون زاد خيراً قليلاً .

الثاني : أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة ؛ سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر ، بكتابة أو غيرها ، بقيت سكّتهما أو صارا ممسوحين بالعارض ، وأمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما إلاّ إذا تعومل بهما ، فتجب على الأحوط ، كما أنّ الأحوط ذلك أيضاً إذا ضربت للمعاملة ولم يتعامل بهما ، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير ، ولو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة وإلاّ وجبت(1) .

الثالث : مضيّ الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعاً للشرائط التي منها النصاب ، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب ، وكذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره ، وكذا لو غيّر بالسبك ؛ سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الإخراج على الأوّل ، ولو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة ، ووجب الإخراج بملاحظة الدراهم والدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك.

(مسألة 1) : لا يجب الزكاة في الحلي ، ولا في أواني الذهب والفضّة وإن بلغت ما بلغت ، بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار إذا اتّخذا للزينة وخرجا(2) عن رواج المعاملة بهما ، نعم في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها .

ص: 108


1- - الأقوى عدم الوجوب في هذه الصورة أيضاً .
2- - أو لم يخرجا كما مرّ .

(مسألة 2) : ولا فرق في الذهب والفضّة بين الجيّد منها والرديء بل تجب إذا كان بعض النصاب جيّداً وبعضه رديئاً ، ويجوز الإخراج من الرديء ، وإن كان تمام النصاب من الجيّد ، لكنّ الأحوط خلافه(1) بل يخرج الجيّد من الجيّد ، ويبعّض بالنسبة مع التبعّض ، وإن أخرج الجيّد عن الجميع فهو أحسن ، نعم لا يجوز دفع الجيّد عن الرديء بالتقويم ؛ بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوى ديناراً رديئاً عن دينار إلاّ إذا صالح الفقير بقيمة في ذمّته ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة ، فإنّه لا مانع منه كما لا مانع(2) من دفع الدينار الرديء عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك .

(مسألة 3) : تتعلّق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب ، ولو شكّ في بلوغه ولا طريق للعلم بذلك ولو للضرر لم تجب ، وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكال ، أحوطه ذلك وإن كان عدمه لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 4) : إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش ، إلاّ إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص ، وإن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه ، إلاّ إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة .

(مسألة 5) : وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش ، إلاّ مع العلم على النحو المذكور .

ص: 109


1- - بل الأقوى خلافه ، فيجب ملاحظة النسبة .
2- - الأولى الأحوط التصالح كما في الفرض السابق .

(مسألة 6) : لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب وشكّ في أ نّه خالص أو مغشوش ، فالأقوى عدم وجوب الزكاة وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضّة لم يجب عليه شيء ، إلاّ إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب ، فيجب في البالغ منهما أو فيهما ، فإن علم الحال فهو ، وإلاّ وجبت التصفية(1) ، ولو علم أكثرية أحدهما مردّداً ولم يمكن العلم وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما ، فإذا كان عنده ألف وتردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة والذهب ستّمائة وبين العكس أخرج عن ستّمائة ذهباً وستّمائة فضّة ، ويجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستّمائة عن الذهب ، وأربعمائة عن الفضّة بقصد ما في الواقع .

(مسألة 8) : لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ، وعلم أنّ الغشّ ثلثها - مثلاً - على التساوي في أفرادها ، يجوز له أن يخرج خمس دراهم من الخالص ، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش ، وأمّا إذا كان الغشّ بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع لا على التساوي(2) فيها ، فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة ، إمّا بإخراج الخالص ، وإمّا بوجه آخر .

(مسألة 9) : إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة وغاب وبقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه ، إلاّ إذا كان متمكّناً من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائباً .

ص: 110


1- - أو الاحتياط بإعطاء ما به يبرأ ذمّته يقيناً .
2- - أو شكّ فيه .

(مسألة 10) : إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة وكان كلّها أو بعضها أقلّ من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر ؛ مثلاً إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً ومائة وتسعون درهماً لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم ولا العكس .

فصل : في زكاة الغلاّت الأربع

وهي - كما عرفت - : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وفي إلحاق السلت(1) - الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته ، وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له - إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيه ، كالإشكال في العلس الذي هو كالحنطة ، بل قيل : إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء ، فلا يترك الاحتياط فيه أيضاً ، ولا تجب الزكاة في غيرها ، وإن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن من الحبوب(2) كالماش ، والذرة ، والأرز ، والدخن ، ونحوها إلاّ الخضر والبقول ، وحكم ما يستحبّ فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب وكمّية ما يخرج منه وغير ذلك .

ويعتبر في وجوب الزكاة في الغلاّت أمران :

الأوّل : بلوغ النصاب، وهو بالمنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً صيرفياً - مائة وأربعة وأربعون منّاً إلاّ خمسة وأربعين مثقالاً ، وبالمنّ التبريزي- الذي هو ألف مثقال - مائة وأربعة وثمانون منّاً وربع منّ وخمسة وعشرون مثقالاً ، وبحقّة النجف في زماننا - سنة 1326 وهي تسعمائة وثلاثة وثلاثون

ص: 111


1- - الأقوى عدم الإلحاق .
2- - مرّ الإشكال فيها .

مثقالاً صيرفياً وثلث مثقال - ثمان وزنات وخمس حقق ونصف إلاّ ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال ، وبعيار الإسلامبول - وهو مائتان وثمانون مثقالاً - سبع وعشرون وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثون مثقالاً . ولا تجب في الناقص عن النصاب ولو يسيراً ، كما أ نّها تجب في الزائد عليه يسيراً كان أو كثيراً .

الثاني : التملّك بالزراعة فيما يزرع ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق(1) الزكاة ، وكذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلّق ، أو انتقالها إلى ملكه منفردة أو مع الشجر قبل وقته .

(مسألة 1) : في وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت خلاف ، فالمشهور(2) على أ نّه في الحنطة والشعير عند انعقاد حبّهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً ، وذهب جماعة(3) إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة والشعير والتمر ، وصدق اسم العنب في الزبيب ، وهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان القول الأوّل أحوط ، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقاً ؛ إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط .

(مسألة 2) : وقت تعلّق الزكاة وإن كان ما ذكر - على الخلاف السالف - إلاّ أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات ، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف واليبس فلا زكاة .

ص: 112


1- - على الأقوى فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه ، وعلى الأحوط في غيره ، وكذا في الفرع الآتي .
2- - المشهور لدى المتأخّرين أنّ وقته عند اشتداد الحبّ في الزرع ، وأمّا لدى قدماء أصحابنا فلم تثبت الشهرة .
3- - هذا هو الأقوى ، لكن لا يترك الاحتياط في الزبيب .

(مسألة 3) : في مثل البربن وشبهه من الدقل الذي يؤكل رطباً وإذا لم يؤكل إلى أن يجفّ يقلّ تمره ، أو لا يصدق(1) على اليابس منه التمر أيضاً ، المدار فيه على تقديره يابساً ، وتتعلّق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه .

(مسألة 4) : إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بسراً أو رطباً أو حصرماً أو عنباً بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن ، وجب عليه ضمان(2) حصّة الفقير ، كما أ نّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذٍ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب .

(مسألة 5) : لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول ، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو حصرماً - مثلاً - فإنّه يجب على الساعي(3) القبول .

(مسألة 6) : وقت الإخراج - الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه ، وإذا أخّرها عنه ضمن - عند تصفية الغلّة واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق .

(مسألة 7) : يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

(مسألة 8) : يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ ؛ منه أو من قيمته .

ص: 113


1- - مع عدم صدق التمر على يابسه لا تتعلّق به الزكاة فلا معنى لتقديره .
2- - على الأحوط فيه وفي الفرع الآتي ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
3- - وجوب القبول محلّ تأمّل ، بل الأقوى عدم الجواز لو انجرّ الإخراج إلى الفساد .

(مسألة 9) : يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين(1) ؛ من أيّ جنس كان ، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلاً ، وتسليمها بتسليم العين إلى الفقير .

(مسألة 10) : لا تتكرّر زكاة الغلاّت بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالاً ، فإذا زكّى الحنطة ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شيء ، وكذا التمر وغيره .

(مسألة 11) : مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلاّت هو العشر فيما سقي بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل والشجر ، بل الزرع أيضاً في بعض الأمكنة ، ونصف العشر فيما سقي بالدلو والرشاء والنواضح والدوالي ونحوها من العلاجات ، ولو سقي بالأمرين ، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر ، وفي نصفه الآخر نصف العشر ، ومع غلبة الصدق(2) لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب ، ولو شكّ في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي(3) الأقلّ ، والأحوط الأكثر .

(مسألة 12) : لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي ومع ذلك سقي بها من غير أن يؤثّر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر ، وكذا لو كان سقيه بالدوالي وسقي بالنهر ونحوه من غير أن يؤثّر فيه فالواجب نصف العشر .

(مسألة 13) : الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه ، إلاّ إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلاً ، أو كانت

ص: 114


1- - دفع غيرهما لا يخلو من إشكال ، إلاّ إذا كان خيراً للفقراء وإن لا يخلو الجواز من وجه .
2- - بمعنى إسناد السقي إليه عرفاً .
3- - إلاّ في بعض الصور ، كما إذا كان مسبوقاً بانتساب السقي بمثل الجاري وشكّ في سلب الانتساب الكذائي لأجل الشكّ في قلّة السقي بالعلاج وكثرته ، فيجب الأكثر .

بحيث توجب صدق الشركة فحينئذٍ يتبعهما الحكم .

(مسألة 14) : لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة - مثلاً - عبثاً أو لغرض فزرعه آخر وكان الزرع يشرب بعروقه ، فالأقوى العشر ، وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه ، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي ، ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد وجرى على أرض اُخرى .

(مسألة 15) : إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة ، بل ما يأخذه باسم الخراج(1) أيضاً ، بل ما يأخذه العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً ؛ إذا لم يتمكّن من الامتناع جهراً وسرّاً ، فلا يضمن حينئذٍ حصّة الفقراء من الزائد ، ولا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها(2) إذا كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا كان شخصياً فالأحوط الضمان فيما اُخذ من غيرها ، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً وإن كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا اُخذ من نفس الغلّة قهراً فلا ضمان ؛ إذ الظلم حينئذٍ وارد على الفقراء أيضاً .

(مسألة 16) : الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق واللاحقة ، كما أنّ الأقوى(3) اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها وإن كان الأحوط اعتباره قبله ، بل الأحوط عدم إخراج المؤن

ص: 115


1- - إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار الجنس الزكوي .
2- - الأحوط فيما يأخذونه من غير الغلّة الضمان ، خصوصاً إذا كان الظلم شخصياً ، بل فيه لا يخلو من قوّة .
3- - فيه منع ، بل الأحوط - لو لم يكن الأقوى - اعتباره قبله .

خصوصاً اللاحقة(1) ، والمراد بالمؤونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع والشجر من اُجرة الفلاّح والحارث والساقي ، واُجرة الأرض إن كانت مستأجرة ، واُجرة مثلها إن كانت مغصوبة ، واُجرة الحفظ والحصاد والجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس وحفر النهر(2) وغير ذلك كتفاوت نقص(3) الآلات والعوامل حتّى ثياب المالك ونحوها ، ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين غيرها وزّع عليهما بالنسبة .

(مسألة 17) : قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن ، والمناط قيمة يوم تلفه وهو وقت الزرع .

(مسألة 18) : اُجرة العامل من المؤن ، ولا يحسب للمالك اُجرة إذا كان هو العامل ، وكذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا اُجرة ، وكذا إذا تبرّع به أجنبيّ ، وكذا لا يحسب اُجرة الأرض التي يكون مالكاً لها، ولا اُجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

(مسألة 19) : لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة(4) وكذا لو ضمن النخل والشجر ، بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض والنخل والشجر ، كما أ نّه لا يكون ثمن العوامل(5) إذا اشتراها منها .

ص: 116


1- - الخصوصية في السابقة .
2- - إذا كان للزرع ، وأمّا إذا كان لتعمير البستان - مثلاً - فلا يكون من مؤونة الثمرة ، بل من مؤونة البستان .
3- - فيه وفيما بعده وجه ، وإن كان الأحوط خلافه ، خصوصاً في الثاني .
4- - لكن يقسّط على التبن والحنطة أو الشعير بالنسبة .
5- - على الأحوط .

(مسألة 20) : لو كان مع الزكوي غيره ، فالمؤونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين ، وإذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن ، وإذا كان بالعكس حسب منها .

(مسألة 21) : الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزّع على الزكوي وغيره(1) .

(مسألة 22) : إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد(2) احتسابه على ما في السنة الاُولى ، وإن كان الأحوط التوزيع على السنين .

(مسألة 23) : إذا شكّ في كون شيء من المؤن أو لا ، لم يحسب منها .

(مسألة 24) : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض ، وإن تفاوتت في الإدراك ، بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، وعلى هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً اُخذ منه ، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر ، وإن كان الذي أدرك أوّلاً أقلّ من النصاب ينتظر به حتّى يدرك الآخر ويتعلّق به الوجوب ، فيكمل منه النصاب ويؤخذ من المجموع ، وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين ، يضمّ الثاني إلى الأوّل ؛ لأ نّهما ثمرة سنة واحدة ، لكن لا يخلو عن إشكال ؛ لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل .

(مسألة 25) : إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة ، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب

ص: 117


1- - إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار مطلق الزرع لا خصوص الزكوي .
2- - بل لا يبعد التفصيل بين ما إذا عمل للسنين العديدة فيوزّع عليها ، وبين ما إذا عمل للسنة الاُولى ، وإن انتفع منه في سائر السنين قهراً ، فيحسب من مؤونة الاُولى .

على أ نّه فرضه ، وإن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من التمر ، وذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به ، نعم يجوز دفعه على وجه القيمة ، وكذا إذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب إلاّ على وجه القيمة ، وكذا العكس فيهما ، نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع(1) عنه الرطب فريضة ، وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة ، وهل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر أو الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا ؟ لا يبعد الجواز(2) ، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً ؛ لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده ، وكذا الحال في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة اُخرى أو شعير آخر .

(مسألة 26) : إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا ، بل هو من باب الوفاء .

(مسألة 27) : لو مات الزارع - مثلاً - بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب ، أمّا لو مات قبله وانتقل إلى الوارث فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ(3) زكاة نصيبه ، وإن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم .

(مسألة 28) : لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين ؛ فإمّا أن يكون الدين مستغرقاً أو لا ، ثمّ إمّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله ؛

ص: 118


1- - إذا كان الدفع من عين ما تعلّق به الزكاة لا مطلقاً ، وكذا في الفروع الآتية .
2- - مرّ عدم الجواز .
3- - على الأقوى فيما إذا انتقل إليهم قبل تمام النموّ ونما في ملكهم ، وعلى الأحوط فيما إذا انتقل إليهم بعد تمامه وقبل تعلّق الوجوب ، وكذا في الفرع الآتي .

بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً ، فإن كان الموت بعد تعلّق الوجوب وجب إخراجها ؛ سواء كان الدين مستغرقاً أم لا ، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء ؛ لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين ، نعم لو تلفت في حياته بالتفريط وصارت في الذمّة وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة وبين الغرماء كسائر الديون ، وإن كان الموت قبل التعلّق وبعد الظهور ، فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر ، فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب وعدمه ، وإن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق ففي الوجوب وعدمه إشكال(1) ؛ والأحوط الإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم ، وأمّا إن كان قبل الظهور(2) ، وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة ؛ بناءً على انتقال التركة إلى الوارث وعدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه وأ نّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به .

(مسألة 29) : إذا اشترى نخلاً أو كرماً أو زرعاً مع الأرض أو بدونها قبل

ص: 119


1- - الأقوى عدم الوجوب مطلقاً ؛ إذا كان الدين مستغرقاً ، وفيما قابل الدين إذا كان غير مستغرق .
2- - مع استيعاب الدين التركة وكونه زائداً عليها بحيث يستوعب النماءات لا تجب الزكاة على الورثة ، بل تكون كأصل التركة بحكم مال الميت على الأقوى ؛ يؤدّي منها دينه ، ومع استيعابه إيّاها وعدم زيادته عليها لو ظهرت الثمرة بعد الموت يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة - أصلاً ونماءً - بحكم مال الميت بنحو الإشاعة بينه وبين مال الورثة ، ولا تجب فيما يقابله ، ويحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل والثمرة ، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع وبلغت النصاب تجب عليه الزكاة ، ولو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّى منه الدين وعدم كونه بحكم مال الميت ، وكان ماله فيما سوى التالف واقعاً ، ومنه يظهر الحال في الفرع السابق والتفصيل موكول إلى محلّه .

تعلّق(1) الزكاة ، فالزكاة عليه بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط ، وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء ، وإذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع ، فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شيء ، وإن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي ، فإن أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، وإن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه ، وإن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع ، ولو أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري وعدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم(2) إشكال .

(مسألة 30) : إذا تعدّد أنواع التمر - مثلاً - وكان بعضها جيّداً أو أجود ، وبعضها الآخر رديء أو أردأ ، فالأحوط(3) الأخذ من كلّ نوع بحصّته ، ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، ولا يجوز دفع الرديء عن الجيّد والأجود على الأحوط .

(مسألة 31) : الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين ، لكن لا على وجه الإشاعة(4) ، بل على وجه الكلّي في المعيّن ، وحينئذٍ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ ؛ إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده ، بخلاف ما إذا باع الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضولياً محتاجاً إلى إجازة الحاكم على ما مرّ ، ولا يكفي

ص: 120


1- - فيما إذا نمت في ملكه فالزكاة عليه على الأقوى ، وفي غيره على الأحوط .
2- - بعد أداء الزكاة لا تأثير لإجازة الحاكم ، نعم هو من مصاديق من باع ثمّ ملك .
3- - بل الأقوى .
4- - هذه المسألة مشكلة جدّاً ؛ وإن كان التعلّق على وجه الإشاعة أقرب وأبعد من الإشكالات وإن لا يخلو من مناقشات وإشكالات ، فحينئذٍ لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب ، يكون فضولياً بالنسبة إلى الزكاة على الأقرب .

عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط .

(مسألة 32) : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر(1) النخل والكرم ، بل والزرع على المالك ، وفائدته جواز التصرّف للمالك بشرط قبوله كيف شاء ، ووقته بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الوجوب ، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة ، أو بغيره من عدل أو عدلين ، وإن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن ، ولا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة وإن كان لو جيء بصيغة الصلح كان أولى ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص كان عليه ، ويجوز لكلّ من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش ، ولو توافق المالك والخارص على القسمة رطباً جاز ، ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو من غيره .

(مسألة 33) : إذا اتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء(2) بالنسبة ، وإن خسر يكون خسرانها عليه .

ص: 121


1- - الظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة وغيرها ممّا وردت فيها نصوص ، وهو معاملة عقلائية برأسها ، فائدتها صيرورة المشاع معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل ، ولا بدّ في صحّتها من كونها بين المالك ووليّ الأمر - وهو الحاكم - أو المبعوث منه لعمل الخرص ، فلا يجوز استبداد المالك للخرص والتصرّف بعده كيف شاء ، والظاهر أنّ التلف بآفة سماوية ، وظلم ظالم يكون على المتقبّل إلاّ أن يكون مستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي ، فلا يضمن ما تلف ، ويجب ردّ الباقي على الحاكم إن كان المتقبّل هو المالك لا الحاكم .
2- - إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز الوليّ على الأقرب ، وأمّا إذا اتّجر به لنفسه وأوقع التجارة بالعين فتصحيحها بالإجازة محلّ إشكال ، نعم إن أوقع بالذمّة وأدّى من المال الزكوي يكون ضامناً والربح له .

(مسألة 34) : يجوز للمالك عزل الزكاة وإفرازها من العين أو من مال آخر(1) مع عدم المستحقّ ، بل مع وجوده أيضاً على الأقوى ، وفائدته صيرورة المعزول ملكاً للمستحقّين قهراً حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف ، ويكون أمانة في يده ، وحينئذٍ لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ ، وهل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها ؟ إشكال ، وإن كان الأظهر عدم الجواز ، ثمّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين ، متّصلاً كان أو منفصلاً .

فصل : فيما يستحبّ فيه الزكاة

وهو على ما اُشير إليه سابقاً اُمور :

الأوّل : مال التجارة(2) ، وهو المال الذي تملّكه الشخص وأعدّه للتجارة والاكتساب به ؛ سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصلح المجّاني أو الإرث على الأقوى ، واعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة ، وسواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده ، وإن اعتبر بعضهم الأوّل ، فالأقوى أ نّه مطلق المال الذي اُعدّ للتجارة(3) ، فمن حين قصد(4) الإعداد يدخل في هذا العنوان ولو كان قصده حين التملّك بالمعاوضة أو بغيرها الاقتناء والأخذ للقنية ، ولا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة المالية وجوباً أو استحباباً ، وبين غيره كالتجارة بالخضروات مثلاً ، ولا بين

ص: 122


1- - محلّ إشكال .
2- - استحباب الزكاة فيه لا يخلو من تأمّل وإشكال .
3- - بناءً على استحباب الزكاة لا يكفي مطلق الإعداد للتجارة ، بل لا بدّ من الدوران فيها .
4- - بل من حين الدوران في التجارة .

أن يكون من الأعيان أو المنافع كما لو استأجر داراً بنيّة التجارة .

ويشترط فيه اُمور : الأوّل : بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين ، فلا زكاة فيما لا يبلغه ، والظاهر أ نّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضاً . الثاني : مضيّ الحول عليه من حين قصد التكسّب . الثالث : بقاء قصد الاكتساب طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم ، وإن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه . الرابع : بقاء رأس المال(1) بعينه طول الحول . الخامس : أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول ، فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلاً فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة ولو حبّة من قيراط يوماً منها سقطت الزكاة ، والمراد برأس المال : الثمن المقابل للمتاع ، وقدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين ، والأقوى تعلّقها بالعين(2) كما في الزكاة الواجبة وإذا كان المتاع عروضاً فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر .

(مسألة 1) : إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة - مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين ديناراً أو نحو ذلك - فإن اجتمعت شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة وسقطت زكاة التجارة ، وإن اجتمعت شرائط إحداهما فقط ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الاُخرى .

ص: 123


1- - هذا الشرط - وإن كان بمعنى بقاء السلعة - والشرط الخامس على ما ذكروه محلّ إشكال ، بل عدم اعتبارهما لا يخلو من قوّة ، والإجماع أو الشهرة لدى متقدّمي أصحابنا غير ثابتين ، والأدلّة على خلافهما أدلّ ، نعم لو طلب بالنقيصة طول الحول تسقط الزكاة ولو بقي على هذا الحال سنتين أو أكثر ، فإذا باعه يزكّي لسنة واحدة استحباباً ، ويشترط بقاء النصاب طول الحول .
2- - فيه تأمّل ، بل لا إشكال في عدم تعلّقها بها كتعلّق الزكاة الواجبة على ما قرّبناه .

(مسألة 2) : إذا كان مال التجارة أربعين غنماً سائمة ، فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنماً سائمة سقط كلتا الزكاتين ؛ بمعنى أ نّه انقطع حول كلتيهما لاشتراط بقاء(1) عين النصاب طول الحول ، فلا بدّ أن يبتدأ الحول من حين تملّك الثانية .

(مسألة 3) : إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على ربّ المال ، ويضمّ إليه حصّته من الربح ، ويستحبّ زكاته أيضاً إذا بلغ النصاب وتمّ حوله ، بل لا يبعد(2) كفاية مضيّ حول الأصل ، وليس في حصّة العامل من الربح زكاة ، إلاّ إذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط ، لكن ليس له التأدية من العين إلاّ بإذن المالك أو بعد القسمة .

(مسألة 4) : الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين ؛ سواء كان مطالباً به أو لا ، ما دامت عينها موجودة ، بل لا يصحّ وفاؤه بها بدفع تمام النصاب(3) ، نعم مع تلفها وصيرورتها في الذمّة حالها حال سائر الديون ، وأمّا زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدّم عليها ؛ حيث إنّها مستحبّة ، سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة ، وأمّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضاً ، بل مع المطالبة أيضاً إذا أدّاها صحّت وأجزأت ؛ وإن كان آثماً من حيث ترك الواجب .

(مسألة 5) : إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية واختلف مبدأ حولهما ، فإن تقدّم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة ، وإن انعكس فإن أعطى زكاة

ص: 124


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - بعيد .
3- - بل ولا يدفع البعض إلاّ مع عزل الزكاة .

التجارة قبل حلول حول المالية سقطت(1) ، وإلاّ كان كما لو حال الحولان معاً في سقوط مال التجارة .

(مسألة 6) : لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول استأنف الحول عند بلوغه .

(مسألة 7) : إذا كان له تجارتان ولكلّ منهما رأس مال ، فلكلّ منهما شروطه وحكمه ، فإن حصلت في إحداهما دون الاُخرى استحبّت فيها فقط ، ولا يجبر خسران إحداهما بربح الاُخرى .

الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة : كلّ ما يكال(2) أو يوزن ممّا أنبتته الأرض عدا الغلاّت الأربع ؛ فإنّها واجبة فيها ، وعدا الخضر كالبقل والفواكه والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحوها ، ففي صحيحة زرارة : «عفا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الخضر ، قلت : وما الخضر ؟ قال علیه السلام : كلّ شيء لا يكون له بقاء : البقل والبطّيخ والفواكه وشبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد» . وحكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الغلاّت الأربع في قدر النصاب وقدر ما يخرج منها ، وفي السقي والزرع ونحو ذلك .

الثالث : الخيل(3) الإناث بشرط أن تكون سائمة ، ويحول عليها الحول ، ولا بأس بكونها عوامل ، ففي العتاق منها - وهي التي تولّدت من عربيّين - كلّ سنة ديناران هما مثقال ونصف صيرفي ، وفي البراذين كلّ سنة دينار ثلاثة أرباع

ص: 125


1- - إذا نقص عن النصاب ، كما هو المفروض ظاهراً .
2- - مرّ الإشكال فيه .
3- - لا يخلو من شوب الإشكال .

المثقال الصيرفي ، والظاهر ثبوتها حتّى مع الاشتراك ، فلو ملك اثنان فرساً تثبت الزكاة بينهما .

الرابع : حاصل العقار(1) المتّخذ للنماء من البساتين والدكاكين والمساكن والحمّامات والخانات ونحوها ، والظاهر اشتراط النصاب والحول ، والقدر المخرج ربع العشر مثل النقدين .

الخامس : الحلي ، وزكاته إعارته لمؤمن .

السادس : المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكّن من التصرّف فيه ؛ إذا حال عليه حولان أو أحوال ، فيستحبّ زكاته لسنة واحدة(2) بعد التمكّن .

السابع : إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة ، فإنّه يستحبّ إخراج زكاته بعد الحول .

فصل : أصناف المستحقّين للزكاة

ومصارفها ثمانية :

الأوّل والثاني : الفقير والمسكين ، والثاني أسوأ حالاً من الأوّل ، والفقير الشرعي : من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله ، والغنيّ الشرعي بخلافه ، فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته وكفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته ، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه وعياله ، وإن كان لسنة واحدة ، وأمّا إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها ، وعلى هذا فلو كان عنده بمقدار

ص: 126


1- - لا يخلو من إشكال .
2- - مرّ الإشكال فيه .

الكفاية ونقص عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ ، ولا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتّى يتمّ ما عنده ، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ ، وكذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مؤونته ، والأحوط(1) عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلاً .

(مسألة 1) : لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته لكن عينه تكفيه ، لا يجب عليه صرفها في مؤونته ، بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به وأخذ البقيّة من الزكاة ، وكذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها ، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته ، ولكن لا يكفيه الحاصل منهما ، لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤونة ، بل يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة .

(مسألة 2) : يجوز(2) أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مؤونة سنته دفعة ، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤونة سنة واحدة ، وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته ، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها ، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة ، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين ، بل يجوز جعله غنيّاً عرفياً وإن كان الأحوط الاقتصار ، نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مؤونة السنة أن يعطي شيئاً ولو قليلاً ما دام كذلك .

(مسألة 3) : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله

ص: 127


1- - بل عدم جواز أخذه لا يخلو من قوّة .
2- - فيه إشكال لا يترك الاحتياط بعدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونة السنة ، وكذا في الفرع الآتي .

ولو لعزّه وشرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها ، بل ولو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها ، وكذا الثياب والألبسة الصيفية والشتوية ؛ السفرية والحضرية - ولو كانت للتجمّل - وأثاث البيت من الفروش والظروف وسائر ما يحتاج إليه ، فلا يجب بيعها في المؤونة ، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها ، وكذا يجوز أخذها لشراء الدار والخادم وفرس الركوب والكتب العلمية ونحوها مع الحاجة إليها ، نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله ، وجب صرفه(1) في المؤونة ، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته وأمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه ، بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة ، فالأحوط(2) بيعها وشراء الأدون وكذا في العبد والجارية والفرس .

(مسألة 4) : إذا كان يقدر على التكسّب لكن ينافي شأنه - كما لو كان قادراً على الاحتطاب والاحتشاش الغير اللائقين بحاله - يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان عسراً ومشقّة ؛ من جهة كبر أو مرض أو ضعف ، فلا يجب عليه التكسّب حينئذٍ .

(مسألة 5) : إذا كان صاحب حرفة وصنعة ولكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب ، جاز له أخذ الزكاة .

(مسألة 6) : إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة ، ففي

ص: 128


1- - أي لا يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا صاحب الدار التي تزيد عن مقدار حاجته لا يجوز له أخذها ، أمّا وجوب البيع فلا .
2- - إن كانت محلّ حاجته لكن يمكن له الاقتصار بالأقلّ ، يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا في العبد وغيره .

وجوب التعلّم وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال ، والأحوط التعلّم وترك الأخذ بعده ، نعم ما دام مشتغلاً بالتعلّم لا مانع من أخذها .

(مسألة 7) : من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلاّ في يوم أو اُسبوع - مثلاً - ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الاُسبوع مقدار مؤونة السنة فتركه وبقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب لا يبعد(1) جواز أخذه ، وإن قلنا : إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الاُسبوع ؛ لصدق الفقير عليه حينئذٍ .

(مسألة 8) : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه ، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفاية ، وكذا إذا كان ممّا يستحبّ تعلّمه كالتفقّه في الدين اجتهاداً أو تقليداً ، وإن كان ممّا لا يجب ولا يستحبّ(2) - كالفلسفة والنجوم والرياضيات والعروض والعلوم الأدبية لمن لا يريد التفقّه في الدين - فلا يجوز أخذه .

(مسألة 9) : لو شكّ في أنّ ما بيده كافٍ لمؤونة سنته أم لا ، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز(3) الأخذ ، ومع سبق العدم وحدوث ما يشكّ في كفايته يجوز ؛ عملاً بالأصل في الصورتين .

(مسألة 10) : المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، وإن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين ، ومع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة

ص: 129


1- - الأحوط عدم أخذ من كان بناؤه على ذلك ، نعم لو اتّفق ذلك يجوز له أخذها ، وأمّا العصيان بترك التكسّب فلا وجه وجيه له .
2- - في بعض الأمثلة مناقشة .
3- - وكذا مع عدم العلم بالسبق بالوجود والعدم .

فالأحوط عدم الإعطاء ، إلاّ مع الظنّ بالصدق(1) ، خصوصاً في الصورة الاُولى .

(مسألة 11) : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة ؛ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ، لكن يشترط في الميّت أن لا يكون له تركة تفي بدينه ، وإلاّ لا يجوز ، نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم ، فالظاهر الجواز .

(مسألة 12) : لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة ، بل لو كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها وهو مستحقّ ، يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً ، بل لو اقتضت المصلحة(2) التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز ؛ إذا لم يقصد(3) القابض عنواناً آخر غير الزكاة ، بل قصد مجرّد التملّك .

(مسألة 13) : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر ، فبان كون القابض غنيّاً ، فإن كانت العين باقية ارتجعها ، وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة وإن كان جاهلاً بحرمتها للغنيّ ، بخلاف ما إذا كان جاهلاً بكونها زكاة فإنّه لا ضمان(4) عليه ، ولو تعذّر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه ولم يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامناً(5) فعليه الزكاة مرّة اُخرى ، نعم لو كان الدافع هو

ص: 130


1- - الناشئ من ظهور حاله .
2- - المسوّغة للكذب .
3- - لا دخالة لقصد القابض في وقوع الزكاة .
4- - مع احتماله كونها زكاة فالظاهر ضمانه ، نعم مع إعطائه بغير عنوانها سقط ضمانه .
5- - فيما إذا كان الدفع بإذن شرعي ، فالأقوى عدم الضمان ، بخلاف ما لو كان إحراز الفقر بأمارة عقلية كالقطع ، فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ .

المجتهد(1) أو المأذون منه لا ضمان عليه ولا على المالك الدافع إليه .

(مسألة 14) : لو دفع الزكاة إلى غنيّ جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمّداً ، استرجعها مع البقاء ، أو عوضها مع التلف وعلم القابض(2) ، ومع عدم الإمكان يكون عليه مرّة اُخرى ، ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها ، وكذا في المسألة السابقة ، وكذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق - إن قلنا باشتراط العدالة - أو ممّن تجب نفقته عليه ، أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله .

(مسألة 15) : إذا دفع الزكاة باعتقاد أ نّه عادل فبان فقيراً فاسقاً ، أو باعتقاد أ نّه عالم فبان جاهلاً ، أو زيد فبان عمراً ، أو نحو ذلك ، صحّ وأجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد(3) ، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق ، ولا يجوز استرجاعه حينئذٍ وإن كانت العين باقية ، وأمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز ، كما يجوز نيّتها مجدّداً مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً ؛ بأن كان عالماً باشتباه الدافع وتقييده .

الثالث : العاملون عليها ، وهم المنصوبون من قبل الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ أو العامّ لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها وإيصالها إليه ، أو إلى الفقراء على حسب إذنه ، فإنّ العامل يستحقّ منها سهماً في مقابل عمله وإن كان غنيّاً .

ص: 131


1- - إذا كان الدفع بعنوان الولاية لا الوكالة من قبل المالك ، فإنّه حينئذٍ ضامن يجب عليه دفع الزكاة ثانياً فيما قلنا بالضمان في الفرع السابق .
2- - أو احتماله كما مرّ ، إلاّ إذا دفع بغير عنوانها .
3- - لا يبعد الصحّة مطلقاً .

ولا يلزم استئجاره من الأوّل أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة ، بل يجوز أيضاً أن لا يعيّن له ويعطيه بعد ذلك ما يراه ، ويشترط فيهم التكليف بالبلوغ والعقل والإيمان ، بل العدالة(1) والحرّية أيضاً على الأحوط ، نعم لا بأس بالمكاتب ، ويشترط أيضاً معرفة المسائل المتعلّقة بعملهم اجتهاداً أو تقليداً ، وأن لا يكونوا من بني هاشم ، نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره ، كما يجوز عملهم تبرّعاً ، والأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الإمام علیه السلام في بعض الأقطار ، نعم يسقط بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته وإيصالها إلى نائب الإمام علیه السلام أو إلى الفقراء بنفسه .

الرابع : المؤلّفة قلوبهم من الكفّار ، الذين يراد من إعطائهم اُلفتهم وميلهم إلى الإسلام ، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع ، ومن المؤلّفة قلوبهم ضعفاء العقول من المسلمين لتقوية اعتقادهم ، أو لإمالتهم(2) إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع .

الخامس : الرقاب وهم ثلاثة أصناف :

الأوّل : المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة ؛ مطلقاً كان أو مشروطاً ، والأحوط أن يكون بعد حلول النجم ، ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال ، ويتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى والعبد ، لكن إن دفع إلى المولى واتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرقّ يسترجع منه ، كما أ نّه لو دفعها إلى العبد ولم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه بإبراء أو تبرّع أجنبيّ

ص: 132


1- - وإن لا يبعد كفاية الوثوق والاطمئنان في عمله .
2- - لا يخلو من تأمّل .

يسترجع منه ، نعم يجوز الاحتساب حينئذٍ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً ، ولو ادّعى العبد أ نّه مكاتب أو أ نّه عاجز ، فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله ، وإلاّ ففي قبول قوله إشكال ، والأحوط عدم القبول ؛ سواء صدّقه المولى أو كذّبه ، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم والبيّنة أيضاً كذلك ؛ سواء صدّقه العبد أو كذّبه ، ويجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزاً عن التكسّب(1) للأداء ، ولا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب ؛ سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر .

الثاني : العبد تحت الشدّة ، والمرجع في صدق الشدّة العرف ، فيشترى ويعتق ، خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن .

الثالث : مطلق عتق العبد مع عدم وجود(2) المستحقّ للزكاة، ونيّة الزكاة في هذا والسابق عند دفع الثمن إلى البائع، والأحوط الاستمرار(3) بها إلى حين الإعتاق.

السادس : الغارمون وهم الذين ركبتهم الديون وعجزوا عن أدائها وإن كانوا مالكين لقوت سنتهم ، ويشترط أن لا يكون الدين مصروفاً في المعصية وإلاّ لم يقض من هذا السهم ، وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء ؛ سواء تاب عن المعصية أو لم يتب(4)، بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير، وكونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يكفي كسبه أو ما عنده به ،

ص: 133


1- - بل إذا كان فقيراً .
2- - بل مع وجوده على الأقوى .
3- - لا يترك وإن كان ما في المتن هو الأقرب .
4- - يأتي الاحتياط في شارب الخمر ، والمتجاهر بالكبائر مثله .

وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (1) ، ولو شكّ في أ نّه صرفه في المعصية أم لا ، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم وإن كان الأحوط خلافه ، نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية ، ولو كان معذوراً في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه . وكذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون ، ولا فرق في الجاهل بين كونه جاهلاً بالموضوع أو الحكم(2) .

(مسألة 16) : لا فرق بين أقسام الدين ؛ من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك ، كما لو كان من باب غرامة إتلاف ، فلو كان الإتلاف جهلاً أو نسياناً ولم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم ، بخلاف ما لو كان على وجه العمد والعدوان .

(مسألة 17) : إذا كان دينه مؤجّلاً ، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله ، وإن كان الأقوى الجواز .

(مسألة 18) : لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج ، فإن كان الديّان مطالباً ، فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم ، وإن لم يكن مطالباً ، فالأحوط عدم إعطائه .

(مسألة 19) : إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه ، إلاّ إذا كان فقيراً ، فإنّه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء(3) ، وكذا إذا تبيّن

ص: 134


1- - مع انطباقه عليه .
2- - الأحوط عدم الإعطاء بالجاهل المقصّر .
3- - إلاّ إذا كان شارب الخمر ، أو متجاهراً بكبائر مثله - على الأحوط - كما مرّ .

أ نّه غير مديون ، وكذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين .

(مسألة 20) : لو ادّعى أ نّه مديون ، فإن أقام بيّنة قبل قوله ، وإلاّ فالأحوط عدم تصديقه وإن صدّقه الغريم ، فضلاً عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه .

(مسألة 21) : إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه .

(مسألة 22) : المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة ، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم ، وفي العكس بالعكس .

(مسألة 23) : إذا لم يكن الغارم متمكّناً من الأداء حالاًّ وتمكّن بعد حين ، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال ، وإن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن ، أو إمكان الاستقراض والوفاء من محلّ آخر ثمّ قضاؤه بعد التمكّن .

(مسألة 24) : لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة ، جاز له احتسابه عليه زكاة ، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين ويأخذها مقاصّة وإن لم يقبضها المديون ولم يوكّل في قبضها ، ولا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه ، أو بجعلها وفاءً وأخذها مقاصّة(1) .

(مسألة 25) : لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما

ص: 135


1- - لا معنى لها بعد احتسابه وفاء ، نعم لو وكّل الغارم الدائن في أخذ الزكاة يجوز أخذ ما عنده زكاة من قبله ثمّ أخذه مقاصّة مع حصول شرط المقاصّة .

عنده منها ولو بدون اطّلاع الغارم .

(مسألة 26) : لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة ، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه ، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته .

(مسألة 27) : إذا كان ديّان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة ، جاز له إحالته على الغارم ، ثمّ يحسب عليه ، بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم ؛ وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة .

(مسألة 28) : لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعاً لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكّنه من الأداء وإن كان قادراً على قوت سنته ، يجوز الإعطاء من هذا السهم وإن كان المضمون عنه غنيّاً .

(مسألة 29) : لو استدان لإصلاح ذات البين - كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله وكاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل - فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم ، وكذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة ، وأمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل ، نعم لا يبعد(1) جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً ، إلاّ إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك .

السابع : سبيل اللّه ، وهو جميع سبل الخير(2) كبناء القناطر والمدارس

ص: 136


1- - بعيد .
2- - لا يبعد أن يكون سبيل اللّه هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام ، كبناء القناطر وتعمير الطرق والشوارع وما به يحصل تعظيم الشعائر وعلوّ كلمة الإسلام ، أو دفع الفتنة والفساد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك ، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوج والزوجة والوالد والولد .

والخانات والمساجد وتعميرها وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ، ونحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين ، ودفع وقوع الشرور والفتن بين المسلمين ، وكذا إعانة الحجّاج والزائرين وإكرام العلماء والمشتغلين مع عدم تمكّنهم من الحجّ والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم ، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة ، بل مع تمكّنه أيضاً ، لكن مع عدم إقدامه إلاّ بهذا الوجه .

الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب ، وإن كان غنيّاً في وطنه ، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك ، وبشرط أن لا يكون سفره في معصية ، فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول والمركوب أو ثمنها أو اُجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره ، أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما ، ولو فضل ممّا اُعطي شيء ولو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى ؛ من غير فرق بين النقد والدابّة والثياب ونحوها ، فيدفعه إلى الحاكم(1) ويعلمه بأ نّه من الزكاة ، وأمّا لو كان في وطنه وأراد إنشاء السفر المحتاج إليه ولا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل ، نعم لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم ، وإن لم يتجدّد نفاد نفقته ، بل كان أصل ماله قاصراً ، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل ، نعم لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء .

(مسألة 30) : إذا علم استحقاق شخص للزكاة ولكن لم يعلم من أيّ

ص: 137


1- - مع تعذّر إيصاله إلى الدافع أو وكيله ، أو كونه حرجياً ، وإلاّ فيجب إيصاله إليهما .

الأصناف ، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف ، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة .

(مسألة 31) : إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً لجهة راجحة أو مطلقاً ينعقد نذره ، فإن سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ ، ولا يجوز استرداده وإن كانت العين باقية ، بل لو كان ملتفتاً إلى نذره وأعطى غيره متعمّداً أجزأ أيضاً ؛ وإن كان آثماً في مخالفة النذر وتجب عليه الكفّارة ، ولا يجوز استرداده أيضاً ؛ لأنّه قد ملك بالقبض .

(مسألة 32) : إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ، ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه ، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية ، وأمّا إذا شكّ في وجوبها عليه وعدمه فأعطى احتياطاً ثمّ تبيّن له عدمه ، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع وإن كانت العين باقية(1) .

فصل : في أوصاف المستحقّين

وهي اُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه ، ولا لمن يعتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين حتّى المستضعفين منهم ، إلاّ من سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم سبيل اللّه في الجملة ، ومع عدم وجود المؤمن والمؤلّفة وسبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكّن .

ص: 138


1- - الظاهر جواز الاسترجاع مع بقائها مع الإعطاء احتياطاً ، نعم لو قصد التصدّق على تقدير عدم الوجوب لم يجز .

(مسألة 1) : تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين ومجانينهم؛ من غير فرق بين الذكر والاُنثى والخنثى ، ولا بين المميّز وغيره إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم ، وإمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسّط أمين ؛ إن لم يكن لهم وليّ شرعي من الأب والجدّ والقيّم .

(مسألة 2) : يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً وإن كان يحجر عليه بعد ذلك ، كما أ نّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه (1) ، بل من سهم الفقراء أيضاً على الأظهر ؛ من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك والصرف .

(مسألة 3) : الصبيّ المتولّد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن(2) ، خصوصاً إذا كان هو الأب ، نعم لو كان الجدّ مؤمناً والأب غير مؤمن ففيه إشكال ، والأحوط عدم الإعطاء .

(مسألة 4) : لا يعطى ابن الزنا(3) من المؤمنين ، فضلاً عن غيرهم من هذا السهم .

(مسألة 5) : لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها ، بخلاف الصلاة والصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه ، بل وكذا الحجّ وإن كان قد ترك منه ركناً عندنا على الأصحّ ، نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ ، وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً .

(مسألة 6) : النيّة في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الوليّ إذا كان

ص: 139


1- - مع انطباقه عليه .
2- - إذا كان الأب مؤمناً ، دون الاُمّ مع عدم إيمان الأب .
3- - في حال صغره .

على وجه التمليك ، وعند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف .

(مسألة 7) : استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلاّ بهذا اللفظ ، أو النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو الأئمّة علیهم السلام كلاًّ أو بعضاً أو شيئاً من المعارف الخمس واستقرب عدم الإجزاء ، بل ذكر بعض آخر : أ نّه لا يكفي معرفة الأئمّة بأسمائهم ، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو ، وابن من ، فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره ، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم ، ولو لم يعلم أ نّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا ؟ يعتبر الفحص عن حاله ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي ؛ بأنّي مسلم مؤمن واثنا عشري ، وما ذكروه مشكل جدّاً ، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي وإن لم يعرف أسماءهم أيضاً ، فضلاً عن أسماء آبائهم والترتيب في خلافتهم ، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أ نّه من المؤمنين الاثني عشريّين ، وأمّا إذا كان بمجرّد الدعوى ولم يعلم صدقه وكذبه فيجب الفحص(1) عنه .

(مسألة 8) : لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة، ثمّ تبيّن خلافه، فالأقوى عدم الإجزاء(2) .

الثاني : أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم وإغراء بالقبيح ، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي ، خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها ، والأقوى عدم اشتراط العدالة ، ولا عدم ارتكاب(3)

ص: 140


1- - يقبل قوله بمجرّد إقراره ، ولا يجب الفحص إلاّ إذا قامت قرائن على كذبه .
2- - لكن لو اتّكل على طريق شرعي فأعطاه فتلف لم يضمن على الأقوى .
3- - لا يترك الاحتياط بعدم الإعطاء لشارب الخمر والمتجاهر بمثل تلك الكبيرة .

الكبائر ، ولا عدم كونه شارب الخمر ، فيجوز دفعها إلى الفسّاق ومرتكبي الكبائر ، وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان وإن كان الأحوط اشتراطها ، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر ، نعم يشترط العدالة في العاملين(1) على الأحوط ، ولا يشترط في المؤلّفة قلوبهم ، بل ولا في سهم سبيل اللّه ، بل ولا في الرقاب وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء .

(مسألة 9) : الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل ، والأفضل فالأفضل ، والأحوج فالأحوج ، ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ ؛ المختلف ذلك بحسب المقامات .

الثالث : أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ؛ من الذكور أو من الإناث ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية ، والمملوك ؛ سواء كان آبقاً أو مطيعاً ، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق ، بل ولا للتوسعة على الأحوط وإن كان لا يبعد جوازه إذا لم يكن عنده(2) ما يوسّع به عليهم ، نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه ، كالزوجة للوالد أو الولد ، والمملوك لهما مثلاً .

(مسألة 10) : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل الفقر ، وأمّا من غيره من السهام ، كسهم العاملين إذا كان منهم ، أو

ص: 141


1- - مرّ الكلام فيها .
2- - بل مطلقاً ظاهراً .

الغارمين ، أو المؤلّفة قلوبهم ، أو سبيل اللّه ، أو ابن السبيل(1) ، أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه .

(مسألة 11) : يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ إذا لم يكن قادراً على إنفاقه ، أو كان قادراً ولكن لم يكن باذلاً ، وأمّا إذا كان باذلاً فيشكل الدفع(2) إليه وإن كان فقيراً ، كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شيء ، بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل ، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه ، بل الأحوط(3) عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلاً للتوسعة أيضاً .

(مسألة 12) : يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها ؛ سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره ، وسواء كان للإنفاق أو للتوسعة ، وكذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه ، نعم لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع إليها مع يسار الزوج(4) .

(مسألة 13) : يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز ؛ لتمكّنها من تحصيلها بتركه .

(مسألة 14) : يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج وإن أنفقها عليها ، وكذا

ص: 142


1- - فيما زاد على نفقته الواجبة في الحضر .
2- - لا إشكال في غير الزوجة ، ولا يترك الاحتياط فيها .
3- - وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة .
4- - والإنفاق عليها ، أو إمكان إجباره .

غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية .

(مسألة 15) : إذا عال بأحد تبرّعاً جاز له دفع زكاته له ، فضلاً عن غيره للإنفاق أو التوسعة ؛ من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه - كالأخ وأولاده والعمّ والخال وأولادهم - وبين الأجنبيّ ، ومن غير فرق بين كونه وارثاً له لعدم الولد - مثلاً - وعدمه .

(مسألة 16) : يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم وفقرهم وعدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه ، ففي الخبر : أيّ الصدقة أفضل ؟ قال علیه السلام : «على ذي الرحم الكاشح» ، وفي آخر : «لا صدقة وذو رحم محتاج» .

(مسألة 17) : يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤونة التزويج ، وكذا العكس .

(مسألة 18) : يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء ، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه .

(مسألة 19) : لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على إنفاقه أو عاجزاً ، كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام(1) ، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضاً ، وإن كان يجوز لغير الإنفاق ، وكذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه ، وإن حكي عن جماعة أ نّه لو عجز عن إنفاق تمام

ص: 143


1- - مرّ جوازه من سائر السهام ، نعم لا يجوز الإنفاق عليهم من سهم آخر .

ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة ، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمّة ؛ لأ نّها أيضاً نوع من التوسعة ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء .

(مسألة 20) : يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلاً لنفقته ؛ إمّا لفقره أو لغيره ؛ سواء كان العبد آبقاً(1) أو مطيعاً .

الرابع : أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار ، ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام(2) ؛ حتّى سهم العاملين وسبيل اللّه ، نعم لا بأس بتصرّفه في الخانات والمدارس وسائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه ، أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضاً حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه ، ولكنّ الأحوط حينئذٍ الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان .

(مسألة 21) : المحرّم من صدقات غير الهاشمي عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة وزكاة الفطرة ، وأمّا الزكاة المندوبة ولو زكاة مال التجارة وسائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه ، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضاً ، كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء والكفّارات ونحوها ، كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميّين ، وأمّا إذا كان المالك

ص: 144


1- - الأحوط عدم الإعطاء به إذا كان متظاهراً بهذا الفسق .
2- - في سهم الرقاب ، بل بعض موارد سبيل اللّه تأمّل وإشكال .

المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشمياً فلا إشكال أصلاً ، ولكنّ الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه ، وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة خصوصاً مثل زكاة مال التجارة .

(مسألة 22) : يثبت كونه هاشمياً بالبيّنة والشياع ، ولا يكفي مجرّد دعواه وإن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره ، ولو ادّعى أنّه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة لا لقبول قوله ، بل لأصالة العدم(1) عند الشكّ في كونه منهم أم لا ، ولذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط .

(مسألة 23) : يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولّد من الهاشمي بالزنا ، فالأحوط عدم إعطائه ، وكذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي .

فصل : في بقيّة أحكام الزكاة

وفيه مسائل :

الاُولى : الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة ، سيّما إذا طلبها ؛ لأ نّه أعرف بمواقعها ، لكنّ الأقوى عدم وجوبه ، فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة والتوكيل تفريقها على الفقراء وصرفها في مصارفها ، نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب - بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً وكان مقلّداً له(2) - يجب عليه الدفع إليه ؛ من حيث إنّه تكليفه الشرعي ، لا لمجرّد طلبه وإن كان

ص: 145


1- - هذه لا أصل لها .
2- - إذا كان على نحو الحكم لمصلحة المسلمين يجب اتّباعه ، ولو لم يكن مقلّداً له .

أحوط كما ذكرنا ، بخلاف ما إذا طلبها الإمام uفي زمان الحضور، فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر.

الثانية : لا يجب البسط على الأصناف الثمانية ، بل يجوز التخصيص ببعضها ، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت ، ولا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة ، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد ، لكن يستحبّ البسط على الأصناف مع سعتها ووجودهم ، بل يستحبّ(1) مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم ؛ حتّى ابن السبيل وسبيل اللّه ، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة اُخرى مقتضية للتخصيص .

الثالثة : يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله ، كما أ نّه يستحبّ ترجيح الأقارب وتفضيلهم على الأجانب ، وأهل الفقه والعقل على غيرهم ، ومن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال ، ويستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء ، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها ، وقد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات اُخر ، فينبغي حينئذٍ ملاحظة الأهمّ والأرجح .

الرابعة : الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به ، بخلاف الصدقات المندوبة ، فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّاً .

الخامسة : إذا قال المالك : أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلّق بمالي شيء ، قبل قوله بلا بيّنة ولا يمين ما لم يعلم كذبه ، ومع التهمة لا بأس بالتفحّص والتفتيش عنه .

السادسة : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص ، وإن كان من غير

ص: 146


1- - محلّ تأمّل .

الجنس(1) الذي تعلّقت به ؛ من غير فرق بين وجود المستحقّ وعدمه على الأصحّ ، وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية ، وحينئذٍ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلاّ بالتعدّي أو التفريط(2) ، ولا يجوز تبديلها بعد العزل .

السابعة : إذا اتّجر(3) بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة ، كان الربح للفقير بالنسبة والخسارة عليه ، وكذا لو اتّجر بما عزله وعيّنه للزكاة .

الثامنة : تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله ، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة ، ولو كان الوارث مستحقّاً جاز احتسابه عليه(4) ، ولكن يستحبّ دفع شيء منه إلى غيره .

التاسعة : يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء ، خصوصاً مع المرجّحات وإن كانوا مطالبين ، نعم الأفضل حينئذٍ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن إلاّ إذا زاحمه ما هو أرجح .

العاشرة : لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه ، بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك ، ولم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف ، ومؤونة النقل حينئذٍ من الزكاة(5) ، وأمّا مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل والحفظ إلى أن يوجد، وإذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء وعدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف، وأمّا معهما فالأحوط

ص: 147


1- - محلّ إشكال وإن لا يخلو من وجه .
2- - أو التأخير مع وجود المستحقّ .
3- - مرّ الكلام فيه .
4- - أي إعطائها به من ماله .
5- - محلّ تأمّل ، بل لا يبعد كونها عليه .

الضمان ؛ ولا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة ؛ وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد .

الحادية عشر : الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحقّ في البلد وإن كان الأحوط عدمه ، كما أفتى به جماعة ، ولكن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً ، وظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها ، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء وأبناء السبيل ، وعلى القولين إذا تلفت بالنقل يضمن ، كما أنّ مؤونة النقل عليه لا من الزكاة ، ولو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن وإن كان مع وجود المستحقّ في البلد ، وكذا بل وأولى منه لو وكّله في قبضها عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن له في نقلها .

الثانية عشر : لو كان له مال في غير بلد الزكاة ، أو نقل مالاً له من بلد الزكاة إلى بلد آخر ، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده ولو مع وجود المستحقّ فيه ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة ، وليس شيء من هذه من النقل الذي هو محلّ الخلاف في جوازه وعدمه ، فلا إشكال في شيء منها .

الثالثة عشر : لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده ، جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف ، ولكن الأفضل صرفها في بلد المال .

الرابعة عشر : إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك ؛ وإن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباهاً .

الخامسة عشر : إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن ، كانت اُجرة الكيّال والوزّان على المالك لا من الزكاة .

السادسة عشر : إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد ، كأن يكون فقيراً

ص: 148

وعاملاً وغارماً - مثلاً - جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيباً .

السابعة عشر : المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ، ورثه أرباب الزكاة دون الإمام علیه السلام ، ولكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط .

الثامنة عشر : قد عرفت(1) سابقاً : أ نّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مؤونة السنة ، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا اُعطي دفعة ، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه ، وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف ، خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته ، نعم لو اُعطي تدريجاً فبلغ مقدار مؤونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق ، والأقوى أ نّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضاً؛ من غير فرق بين زكاة النقدين وغيرهما ، ولكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة وهو خمسة دراهم ، وعمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب وهو نصف دينار ، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً ، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس ، ففي الغنم والإبل لا يكون أقلّ من شاة ، وفي البقر لا يكون أقلّ من تبيع ، وهكذا في الغلاّت يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب.

التاسعة عشر : يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك ، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامّة .

العشرون : يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة ، نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد ، كان المالك أحقّ به من غيره ولا كراهة(2) ، وكذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به ،

ص: 149


1- - مرّ الإشكال فيه .
2- - زوال الكراهة غير معلوم .

ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير ، فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ أيضاً ، كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملّكات القهرية .

فصل : في وقت وجوب إخراج الزكاة

قد عرفت(1) سابقاً : أنّ وقت تعلّق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر ، وأ نّه يستقرّ الوجوب بذلك وإن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني ، وفي الغلاّت التسمية ، وأنّ وقت وجوب الإخراج في الأوّل هو وقت التعلّق(2) ، وفي الثاني هو الخرص(3) ، والصرم في النخل والكرم ، والتصفية في الحنطة والشعير ، وهل الوجوب بعد تحقّقه فوري أو لا ؟ أقوال ؛ ثالثها(4) : أنّ وجوب الإخراج ولو بالعزل فوري ، وأمّا الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير ، والأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحقّ وإمكان الإخراج إلاّ لغرض ، كانتظار مستحقّ معيّن أو الأفضل ، فيجوز حينئذٍ ولو مع عدم العزل الشهرين والثلاثة ، بل الأزيد وإن كان الأحوط حينئذٍ العزل ثمّ الانتظار المذكور ، ولكن لو تلف بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن .

ص: 150


1- - وعرفت ما هو الأقوى .
2- - محلّ تأمّل ، بل يحتمل أن يكون وقت الاستقرار وهو بمضيّ السنة .
3- - مرّ أ نّه حين اجتذاذ التمر أو اقتطاف الزبيب .
4- - الأحوط لو لم يكن أقوى عدم تأخير إخراجها ولو بالعزل مع الإمكان عن وقت الوجوب ، بل الأحوط عدم تأخير الإيصال أيضاً مع وجود المستحقّ وإن كان الأقوى جواز تأخيره إلى شهر أو شهرين بل أزيد في خلال السنة ، خصوصاً مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل ؛ وإن كان التأخير عن أربعة أشهر خلاف الاحتياط .

(مسألة 1) : الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحقّ هو التأخير عن الفور العرفي ، فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط ، فلا ضمان وإن أمكنه الإيصال إلى المستحقّ من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده ، وأمّا مع حضوره فمشكل ، خصوصاً إذا كان مطالباً .

(مسألة 2) : يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحقّ ، فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان ؛ لأ نّه معذور(1) حينئذٍ في التأخير .

(مسألة 3) : لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف ، فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط ، وإن كان مع التأخير المزبور من المالك فكلّ من المالك والأجنبيّ ضامن ، وللفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء ، وإن رجع على المالك رجع هو على المتلف ، ويجوز له الدفع من ماله ثمّ الرجوع على المتلف .

(مسألة 4) : لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ، فلو قدّمها كان المال باقياً على ملكه مع بقاء عينه ، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال ، وللمالك احتسابه جديداً مع بقائه ، أو احتساب عوضه مع ضمانه وبقاء فقر القابض ، وله العدول عنه إلى غيره .

(مسألة 5) : إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً ولم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضاً ، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة ؛ بشرط بقائه

ص: 151


1- - بل لدلالة النصّ عليه .

على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على صفة الوجوب ، ولا يجب عليه ذلك ، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه والدفع إلى غيره ؛ وإن كان الأحوط الاحتساب عليه وعدم الأخذ منه .

(مسألة 6) : لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة ، فالزيادة له لا للمالك ، كما أ نّه لو نقص كان النقص عليه فإن خرج عن الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه(1) ، كما هو مقتضى حكم القرض ، بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلاّ ردّ المثل أو القيمة .

(مسألة 7) : لو كان ما أقرض الفقير - في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله - بعضاً من النصاب وخرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ ؛ لعدم بقائه في ملكه طول الحول ؛ سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة ، فلا محلّ للاحتساب ، نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه(2) عند الفقير ، فله الاحتساب حينئذٍ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق .

(مسألة 8) : لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمّ حال الحول ، يجوز الاحتساب عليه ؛ لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين ، ويجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضاً ، وأمّا لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيمياً وقلنا : إنّ المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء ، لم يجز الاحتساب عليه .

ص: 152


1- - أي لا يجب على المقترض ردّ العين .
2- - إذا لم يخرج عن تحت قدرته وسلطنته .

فصل : فيما يشترط في الزكاة

اشارة

فصل

الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نيّة القربة والتعيين مع تعدّد(1) ما عليه ؛ بأن يكون عليه خمس وزكاة وهو هاشمي فأعطى هاشمياً ، فإنّه يجب عليه أن يعيّن أ نّه من أيّهما ، وكذا لو كان عليه زكاة وكفّارة ، فإنّه يجب التعيين ، بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة ، فإنّه يجب التعيين على الأحوط(2) ، بخلاف ما إذا اتّحد الحقّ الذي عليه ، فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة وإن جهل نوعه ، بل مع التعدّد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي ؛ بأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً ، أو ما وجب ثانياً مثلاً . ولا يعتبر نيّة الوجوب والندب ، وكذا لا يعتبر أيضاً(3) نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة أ نّه من الأنعام أو الغلاّت أو النقدين ؛ من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحداً أو متعدّداً ، بل ومن غير فرق بين أن يكون نوع الحقّ متّحداً أو متعدّداً ، كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل ، فإنّ الحقّ في كلّ منهما شاة ، أو كان عنده من أحد النقدين ومن الأنعام ، فلا يجب تعيين شيء من ذلك ؛ سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا ، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة ، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان ؛ حاضران أو غائبان أو مختلفان ، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين

ص: 153


1- - بل مطلقاً ، نعم يكفي التعيين الإجمالي ولو بعنوان ما وجب عليه .
2- - بل الأقوى .
3- - هذا إذا كان من غير جنسها بعنوان القيمة فيوزّع عليها بالنسبة ، وأمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه ، إلاّ مع نيّة كونه بدلاً أو قيمة ، نعم لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل - مثلاً - فأخرج شاة زكاة من غير تعيين يوزّع بينهما ومع الترديد في كونها إمّا من الإبل أو من الشاة ، فالظاهر عدم الصحّة .

أجزأه(1) ، وله التعيين بعد ذلك ، ولو نوى الزكاة عنهما وزّعت ، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة .

(مسألة 1) : لا إشكال في أ نّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة ، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير ، وفي الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك ، والأحوط تولّي المالك للنيّة أيضاً حين الدفع إلى الوكيل(2) ، وفي الثاني لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل ، والأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير .

(مسألة 2) : إذا دفع المالك أو وكيله بلا نيّة القربة ، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير وإن تأخّرت عن الدفع بزمان ؛ بشرط بقاء العين في يده ، أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون ، وأمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة .

(مسألة 3) : يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء ، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال ، ويجوز بعنوان أ نّه وليّ عامّ على الفقراء ، ففي الأوّل يتولّى الحاكم النيّة وكالة حين الدفع إلى الفقير ،

ص: 154


1- - محلّ إشكال بل منع ، نعم إذا عيّن بعد الدفع إلى الفقير يتعيّن ويكون الزكاة حال التعيين .
2- - لا وجه للنيّة حين الدفع إليه ، بل الاحتياط هو أن ينوي كون ما أوصله إلى الفقير زكاة ، وفي الثاني أيضاً يجب على المالك أن ينوي ذلك ، نعم يكفي بقاؤها في خزانة نفسه وإن لم تحضر وقت الأداء تفصيلاً ، ولا أثر في النيّة حال الدفع إلى الوكيل ، والأولى اختيار الشقّ الأوّل حتّى يكون الوكيل متولّياً في الأداء ، نعم إذا نوى كون ما ردّ إلى الوكيل زكاة معزولة ويكون الوكيل متصدّياً لإيصال ما هو زكاة إلى الفقراء ، فالظاهر وجوب النيّة حال جعله زكاة ، ولعلّ هذا مراد الماتن .

والأحوط(1) تولّي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم ، وفي الثاني يكفي نيّة المالك حين الدفع إليه وإبقاؤها مستمرّة إلى حين الوصول إلى الفقير ، وفي الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه ؛ لأنّ يده حينئذٍ يد الفقير المولّى عليه .

(مسألة 4) : إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولّي للنيّة .

(مسألة 5) : إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه ، وإذا أخذها من الكافر يتولاّها أيضاً عند أخذه(2) منه ، أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه لا عن الكافر .

(مسألة 6) : لو كان له مال غائب - مثلاً - فنوى أ نّه إن كان باقياً فهذا زكاته ، وإن كان تالفاً فهو صدقة مستحبّة صحّ ، بخلاف ما لو ردّد في نيّته ولم يعيّن هذا المقدار أيضاً ، فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فإنّه لا يجزي .

(مسألة 7) : لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفاً ، فإن كان ما أعطاه باقياً ، له أن يستردّه ، وإن كان تالفاً استردّ عوضه ؛ إذا كان القابض عالماً بالحال وإلاّ فلا .

ختام : فيه مسائل متفرّقة

الاُولى : استحباب استخراج زكاة مال التجارة ونحوه للصبيّ والمجنون تكليف للوليّ ، وليس من باب النيابة عن الصبيّ والمجنون ، فالمناط فيه اجتهاد

ص: 155


1- - مرّ الكلام فيه وفي الثاني .
2- - إذا أخذها زكاة ، وإن أخذ مقدّمة لتأدية الزكاة على الفقراء ينوي عند الدفع .

الوليّ أو تقليده ، فلو كان من مذهبه - اجتهاداً أو تقليداً - وجوب إخراجها أو استحبابه ، ليس للصبيّ بعد بلوغه معارضته(1) وإن قلّد من يقول بعدم الجواز ، كما أنّ الحال كذلك في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه من تزويج ونحوه ، فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية ، وكان مذهبه الجواز ، ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده(2) بتقليد من لا يرى الصحّة ، نعم لو شكّ الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما وأراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال(3) ؛ لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبيّ ، نعم لا يبعد(4) ذلك إذا كان الاحتياط وجوبياً ، وكذا الحال في غير الزكاة كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ ؛ حيث إنّه محلّ للخلاف ، وكذا في سائر التصرّفات في ماله ، والمسألة محلّ إشكال مع أ نّها سيّالة .

الثانية : إذا علم بتعلّق الزكاة بماله وشكّ في أ نّه أخرجها أم لا ، وجب عليه الإخراج ؛ للاستصحاب ، إلاّ إذا كان الشكّ بالنسبة إلى السنين الماضية ، فإنّ الظاهر جريان قاعدة(5) الشكّ بعد الوقت أو بعد تجاوز المحلّ . هذا ، ولو شكّ في

ص: 156


1- - في ابتناء ذلك على ذاك المبنى وكذا في المبنى إشكال .
2- - المسألة في غاية الإشكال ؛ وإن كان لزوم اتّباع اجتهاد نفسه أو تقليده بعد البلوغ بالنسبة إلى تكاليفه أشبه .
3- - الأقوى عدم الجواز .
4- - بعيد ، وكذا في أشباه المسألة .
5- - ليس المورد مجرى تلك القاعدة ، لكن لا يبعد شمول قاعدة التجاوز له بملاحظة عدم جواز التعويق عن جميع السنة كما مرّ ، لكنّه أيضاً مشكل بل ممنوع .

أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلّقها به ، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب ؛ لأ نّه دليل شرعي ، والمفروض أنّ المناط فيه شكّه ويقينه ؛ لأ نّه المكلّف ، لا شكّ الصبيّ ويقينه ، وبعبارة اُخرى : ليس نائباً عنه .

الثالثة : إذا باع الزرع أو الثمر وشكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه ، أو قبله حتّى يكون على المشتري ، ليس عليه شيء ، إلاّ إذا كان زمان التعلّق معلوماً وزمان البيع مجهولاً ، فإنّ الأحوط(1) حينئذٍ إخراجه ، على إشكال في وجوبه ، وكذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك ، فإنّه لا يجب عليه(2) شيء إلاّ إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره ، فإنّ الأحوط حينئذٍ إخراجه على إشكال في وجوبه .

الرابعة : إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته ، وإن مات قبله وجب على من بلغ(3) سهمه النصاب من الورثة ، وإذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته ، ولا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب ، إلاّ مع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان الموت، فإنّ الأحوط(4) حينئذٍ الإخراج على الإشكال المتقدّم، وأمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم ؛ للعلم

ص: 157


1- - بل الأقوى .
2- - مع احتمال أداء البائع زكاته على فرض كون الشراء بعد التعلّق ، وأمّا مع القطع بعدمه يجب عليه إخراجها ، وأمّا الفرض الآتي الذي احتاط فيه فإشكاله واضح .
3- - مع استجماع الشرائط .
4- - بل الأقوى .

الإجمالي بالتعلّق به ؛ إمّا بتكليف الميّت في حياته ، أو بتكليفه هو بعد موت مورّثه بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً(1) ، وإلاّ فلا يجب عليه ؛ لعدم العلم الإجمالي بالتعلّق حينئذٍ .

الخامسة : إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفاً بإخراج الزكاة وشكّ في أ نّه أدّاها أم لا ، ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه ، أو عدم وجوبه للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث - واستصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث - وجهان ؛ أوجههما الثاني(2) ؛ لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته ، وثبوته فرع شكّ الميّت وإجرائه الاستصحاب لا شكّ الوارث ، وحال الميّت غير معلوم أ نّه متيقّن بأحد الطرفين أو شاكّ ، وفرق بين ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً وهو نائم ، ونشكّ في أ نّه طهّرهما أم لا ؛ حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة مع أنّ حال النائم غير معلوم أ نّه شاكّ أو متيقّن ؛ إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم ، بل يقال : إنّ يده كانت نجسة والأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها ، بخلاف المقام ؛ حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت واشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو ، نعم لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال : الأصل بقاء الزكاة فيه ، ففرق بين صورة الشكّ

ص: 158


1- - واستجماع سائر الشرائط .
2- - هذا مع الشكّ في اشتغال ذمّة الميّت ببدل الزكاة حين تلفها ، واستصحاب عدم الإتيان إلى حين التلف لا يثبت الضمان ، وأمّا مع العلم باشتغال ذمّته به فالأوجه الأوّل ، وما ذكره الماتن غير وجيه .

في تعلّق الزكاة بذمّته وعدمه ، والشكّ في أنّ هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا . هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّاً وكان شاكّاً وجب عليه الإخراج ، وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ؛ ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز والمضيّ وحمل فعله(1) على الصحّة ، فلا إشكال ، وكذا الحال(2) إذا علم اشتغاله بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك .

السادسة : إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة ، وجب عليه إخراجهما(3) إلاّ إذا كان هاشمياً ، فإنّه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة ، وإن اختلف مقدارهما قلّة وكثرة أخذ بالأقلّ(4) ، والأحوط الأكثر .

السابعة : إذا علم إجمالاً أنّ حنطته بلغت النصاب أو شعيره ولم يتمكّن من التعيين ، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما إلاّ إذا أخرج بالقيمة ، فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما(5) قيمة على إشكال ؛ لأنّ الواجب أوّلاً هو العين ومردّد بينهما إذا كانا موجودين ، بل في صورة التلف أيضاً ؛ لأ نّهما مثليّان ، وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة خمس من الإبل ، أو زكاة أربعين شاة يكفيه إخراج شاة ، وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط إلاّ مع التلف ، فإنّه

ص: 159


1- - لا مجرى لهذه القاعدة ، وقد مرّ وجه جريان الاُولى ومنعه .
2- - يختلف الحال في بعضها في المقام في بعض الصور .
3- - لكن تبرأ ذمّته إذا أدّى ذلك المقدار إلى الحاكم الذي هو وليّ شرعي ، خصوصاً إذا كانا من جنس واحد ، ومع عدم كونهما كذلك يمكن تأدية قيمة ذلك بإزاء ما في ذمّته .
4- - بل بالأكثر .
5- - بل يجب أكثرهما .

يكفيه قيمة شاة(1) ، وكذا الكلام في نظائر المذكورات .

الثامنة : إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها ، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا ؟ إشكال(2) .

التاسعة : إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة وشرط على المشترى زكاته لا يبعد الجواز(3) ، إلاّ إذا قصد كون الزكاة عليه لا أن يكون نائباً عنه ، فإنّه مشكل .

العاشرة : إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعاً من ماله جاز وأجزأ عنه ، ولا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه ، وأمّا إن طلب ولم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله ، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه ؛ لقاعدة احترام المال ، إلاّ إذا علم كونه متبرّعاً .

الحادية عشرة : إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك(4) أو يجب العلم بأ نّه أدّاها ، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء ؟

ص: 160


1- - محلّ إشكال ، ويمكن التفصيل بين ضمان اليد وبين ضمان الإتلاف ؛ بعدم الكفاية في الأوّل دون الثاني ، والمسألة محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط مطلقاً ، وهو يحصل بإعطاء قيمة الأكثر بدلاً لما في الذمّة .
2- - الأقرب الجواز ، والأحوط المنع .
3- - هذا البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي ، فإن أجازه وليّ الأمر فعليه القيمة بمقدارها ، وإلاّ فيجب عليه ردّ العين ، فشرط كون الزكاة عليه لا فائدة له في الفرضين ، إلاّ أن يكون المراد بالاشتراط عدم الرجوع إلى البائع بعد ردّ العين إذا لم يجز وليّ الزكاة وأخذها ، وهذا وإن لم يكن مفاد الشرط ، لكن لا يبعد إفادته ، وكذا الحال إذا قصد كون الزكاة عليه .
4- - لا إشكال في عدم براءته بمجرّده ، لكن الأقوى جواز الاكتفاء بالإيكال إلى ثقة أمين ، ولا يلزم عليه العلم ولا التفتيش عن عمله .

لا يبعد جواز الاكتفاء إذا كان الوكيل عدلاً بمجرّد الدفع إليه .

الثانية عشرة : إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فأعطى شيئاً للفقير ونوى أ نّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة ، وإلاّ فإن كان عليه مظالم كان منها ، وإلاّ فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له وإلاّ فمظالم له ، وإن لم يكن على أبيه شيء فلجدّه إن كان عليه وهكذا ، فالظاهر الصحّة .

الثالثة عشرة : لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلاً فأوّلاً ، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة وزكاة الحاضرة جاز تقديم الحاضرة بالنيّة ، ولو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع(1) .

الرابعة عشرة : في المزارعة الفاسدة ، الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر ، وفي الصحيحة منها عليهما ؛ إذا بلغ نصيب كلّ منهما ، وإن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهما ، فلا يجب على واحد منهما وإن بلغ المجموع النصاب .

الخامسة عشرة : يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة(2) ويصرفه

ص: 161


1- - إذا لم يؤدّ من عين ما تعلّق بها أحدهما ، وإلاّ فالظاهر وقوعها منه ، فلو أخرج من غلّة متعلّقة للزكاة مقدارها تقع منها ، إلاّ أن يقصد الخلاف .
2- - هذا محلّ إشكال بل منع ، وعلى فرض جوازه صرفه في مصارف الزكاة محلّ منع ، ثمّ جواز أداء هذا الدين من الزكاة محلّ إشكال بل منع ؛ لعدم كون أداء قرض الزكاة من مصارفها وعلى فرض جواز صرفه لا يجوز إلاّ بعد وجوب الزكاة ووقت تعلّقه لا مطلقاً ، والقياس على اقتراض المتولّي على رقبات الوقف مع الفارق ، وكون الشيء من الاعتباريات لا يلزم جواز اعتباره بأيّ نحو يراد ، وكون ذلك راجعاً إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة واضح المنع ، كما أ نّه مع استدانته على نفسه من حيث إنّه وليّ الزكاة يكون أداؤه منها محلّ إشكال ، إلاّ من سهم الغارمين مع اجتماع الشرائط وهو غير ما في المتن ، كما أنّ جواز الاستدانة على المستحقّين وولاية الحاكم على ذلك محلّ إشكال بل منع ، فالمسألة بجميع فروعها محلّ إشكال ، نعم لا مانع من الاقتراض ثمّ الإقراض على الفقير ثمّ أخذ الزكاة عوضاً عن قرضه .

في بعض مصارفها ، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلاّ بصرف مال ولم يكن عنده ما يصرفه فيه ، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته ورفع اضطراره إلاّ بذلك ، أو ابن سبيل كذلك ، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره ، فحينئذٍ يستدين على الزكاة ويصرف ، وبعد حصولها يؤدّي الدين منها ، وإذا أعطى فقيراً من هذا الوجه وصار عند حصول الزكاة غنيّاً لا يسترجع منه ؛ إذ المفروض أ نّه أعطاه بعنوان الزكاة ، وليس هذا من باب إقراض الفقير والاحتساب عليه بعد ذلك ؛ إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير بخلاف المقام ، فإنّ الدين على الزكاة ولا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل ؛ لأنّ هذه الاُمور اعتبارية ، والعقلاء يصحّحون هذا الاعتبار ، ونظيره استدانة متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه ، مع أ نّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة من الفقراء والغارمين وأبناء السبيل من حيث هم من مصارفها ، لا من حيث هم هم ، وذلك مثل ملكيتهم للزكاة ، فإنّها ملك لنوع المستحقّين ، فالدين أيضاً على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه ، لا من حيث أنفسهم ، ويجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة ، وعلى المستحقّين بقصد الأداء من مالهم ، ولكن في الحقيقة هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأوّل ، وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم ؟

ص: 162

وجهان(1) ، ويجري جميع ما ذكرنا في الخمس والمظالم ونحوهما .

السادسة عشرة : لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمّى بالفارسية ب «دست گردان» أو المصالحة معه بشيء يسير ، أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك ، فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء ، وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم ونحوهما ، نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير وصار فقيراً لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى اللّه تعالى لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه(2) المذكورة ومع ذلك إذا كان مرجوّ التمكّن بعد ذلك الأولى أن يشترط عليه أداءها بتمامها عنده .

السابعة عشرة : اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين معلوم ، وأمّا فيما لا يعتبر فيه كالغلاّت ففيه خلاف وإشكال(3) .

الثامنة عشرة : إذا كان له مال مدفون في مكان ونسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه لا يجب فيه الزكاة إلاّ بعد العثور ومضيّ الحول من حينه ، وأمّا إذا كان في صندوقه - مثلاً - لكنّه غافل عنه بالمرّة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته ، وإلاّ فلو التفت إليه أمكنه التصرّف فيه ، يجب فيه الزكاة إذا حال

ص: 163


1- - أقواهما العدم .
2- - ليس للحاكم ولاية الردّ إلاّ في بعض الموارد النادرة ممّا تقتضي مصلحة الإسلام أو المسلمين ذلك ، وكذا في المصالحة بمال يسير أو قبول شيء بأزيد من قيمته ، وأمّا الفقير فيجوز له الأوّل دون الثاني والثالث ، ومنه يظهر حال الاشتراط الذي في المتن ، نعم لو أراد الاحتياط المذكور أخذ الزكاة وصالحها بمال قليل وشرط عليه أداء مقدار التمام عند التمكّن .
3- - الأقوى اشتراطه .

عليه الحول ، ويجب التكرار إذا حال عليه أحوال ، فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادح في وجوب الزكاة .

التاسعة عشرة : إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين ، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم ، ففي منعه من وجوب الزكاة وكونه من عدم التمكّن من التصرّف الذي هو موضوع الحكم إشكال(1) ؛ لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضراً عنده أو كان حاضراً وكان بحكم الغائب عرفاً .

العشرون : يجوز أن يشتري من زكاته عن سهم سبيل اللّه كتاباً أو قرآناً أو دعاءً ويوقفه ويجعل التولية بيده أو يد أولاده ، ولو أوقفه على أولاده وغيرهم ؛ ممّن يجب نفقته عليه فلا بأس به أيضاً ، نعم لو اشترى خاناً أو بستاناً ووقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فيه إشكال(2) .

الحادية والعشرون : إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصّة من ماله ، إلاّ بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد .

الثانية والعشرون : لا يجوز(3) إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو

الحجّ أو نحوهما من القرب ، ويجوز من سهم سبيل اللّه .

الثالثة والعشرون : يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة(4) ؛

ص: 164


1- - الظاهر منع الثاني والثالث منه وفي الأوّل وجه ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- - والأقوى عدم الجواز .
3- - بعد فرض فقره لا يبعد الجواز بالمقدار المتعارف ، وأمّا الزيادة فمحلّ إشكال ، كما أنّ الإعطاء من سهم سبيل اللّه لمطلق القربات محلّ إشكال كما مرّ .
4- - مرّ الكلام في مصرفه .

حتّى إعطائها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه ؛ إذا لم يمكن دفع شرّه إلاّ بهذا .

الرابعة والعشرون : لو نذر أن يكون نصف ثمر نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة(1) وبلغ ذلك النصاب ، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً ؛ لأ نّه مالك له حين تعلّق الوجوب ، وأمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص ، وفي وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال(2) .

الخامسة والعشرون : يجوز للفقير أن يوكّل شخصاً يقبض له الزكاة من أيّ شخص وفي أيّ مكان كان ، ويجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال ، وتبرأ ذمّته وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير ، ولا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلاً على ذلك .

السادسة والعشرون : لا تجري الفضولية في دفع الزكاة ، فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ ، نعم لو كان المال باقياً في يد الفقير أو تالفاً مع ضمانه - بأن يكون عالماً بالحال - يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره .

السابعة والعشرون : إذا وكّل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له وقال : ادفعه إلى الفقراء ، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء، وأمّا إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

الثامنة والعشرون : لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً وبقيت عنده سنة ، وجب عليه إخراج زكاتها ، وهكذا في سائر الأنعام والنقدين .

ص: 165


1- - بناءً على صحّة هذا النذر ، لكنّها محلّ إشكال .
2- - الأقوى عدم الوجوب عليه .

التاسعة والعشرون : لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين - مثلاً - وكان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر ، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ اقتسماه ، فإن احتمل المزكّي أنّ شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال ، وإن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال ؛ من حيث تعلّق الزكاة بالعين ، فيكون مقدار منها في حصّته .

الثلاثون : قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة ولا تصحّ منه ، وإن كان لو أسلم سقطت عنه(1) ، وعلى هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهراً عليه ويكون هو المتولّي للنيّة ، وإن لم يؤخذ منه حتّى مات كافراً جاز الأخذ من تركته ، وإن كان وارثه مسلماً وجب عليه ، كما أ نّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولياً ، وحكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة ، وقد مرّ سابقاً .

الحادية والثلاثون : إذا بقي من المال الذي تعلّق به الزكاة والخمس مقدار لا يفي بهما ولم يكن عنده غيره ، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة ، بخلاف ما إذا كانا في ذمّته ولم يكن عنده ما يفي بهما ، فإنّه مخيّر بين التوزيع وتقديم أحدهما ، وأمّا إذا كان عليه خمس أو زكاة ومع ذلك عليه من دين الناس والكفّارة والنذر والمظالم وضاق ماله عن أداء الجميع ، فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما على البقيّة ، وإن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء ولا يجب التوزيع وإن كان أولى ، نعم إذا مات وكان عليه هذه الاُمور وضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة ، كما في

ص: 166


1- - مرّ الإشكال فيه مع بقاء العين .

غرماء المفلّس ، وإذا كان عليه حجّ واجب أيضاً ، كان في عرضها .

الثانية والثلاثون : الظاهر أ نّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه ، وكذا في الفطرة ، ومن منع من ذلك كالمجلسي في «زاد المعاد» في باب زكاة الفطرة لعلّ نظره إلى حرمة السؤال واشتراط العدالة في الفقير ، وإلاّ فلا دليل عليه بالخصوص ، بل قال المحقّق القمّي : لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في «زاد المعاد» ، قال : ولعلّه سهو منه ، وكأ نّه كان يريد الاحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى .

الثالثة والثلاثون : الظاهر بناءً على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضاً ، لكن ذكر المحقّق القمّي : أ نّه مختصّ بالإعطاء ؛ بمعنى أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل ، وأمّا الآخذ فليس مكلّفاً بعدم الأخذ .

الرابعة والثلاثون : لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، وظاهر كلمات العلماء أنها شرط في الإجزاء ، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة ولم يجز ، ولو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه ، ومحلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل وبعد ذلك نوى الرياء - مثلاً - حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإنّ الظاهر إجزاؤه(1) وإن قلنا باعتبار القربة ؛ إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج والعزل .

الخامسة والثلاثون : إذا وكّل شخصاً في إخراج زكاته وكان الموكّل قاصداً للقربة وقصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال(2) ، وعلى عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامناً .

ص: 167


1- - محلّ إشكال ، بل منع .
2- - الظاهر عدم الإجزاء إذا كان وكيلاً في إخراج الزكاة ، وأمّا إذا كان وكيلاً في الإيصال فقد مرّ أنّ المتصدّي للنيّة هو المالك .

السادسة والثلاثون : إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء ، فدفعها لا بقصد القربة ، فإن كان أخذ الحاكم ودفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء كما مرّ(1) ؛ وإن كان المالك قاصداً للقربة حين دفعها للحاكم ، وإن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء ؛ إذا كان المالك قاصداً للقربة بالدفع إلى الحاكم ، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة ، وأمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل(2) ، بل الظاهر ضمانه حينئذٍ وإن كان الآخذ فقيراً .

السابعة والثلاثون : إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرهاً يكون هو المتولّي للنيّة ، وظاهر كلماتهم الإجزاء(3) ، ولا يجب على الممتنع بعد ذلك شيء ، وإنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه ، لكنّه لا يخلو عن إشكال بناءً على اعتبار قصد القربة ؛ إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه .

الثامنة والثلاثون : إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل ، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم ممّا يستحبّ تحصيله ، وإلاّ فمشكل .

التاسعة والثلاثون : إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة ، وأمّا إذا كان قاصداً للرياء أو للرئاسة

ص: 168


1- - يأتي فيه التفصيل على ما في المسألة السابقة .
2- - إن كان إعطاء الزكاة لتحصيل الرئاسة الغير المحرّمة فلا إشكال في الإجزاء ، وأمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة الباطلة ، فإن كان عادلاً قبل هذا الإعطاء فلا يبعد وقوعه زكاة ، وتزول ولايته بنفس هذا الإعطاء ، وبعد زوال ولايته يجب عليه ردّ بقيّة الزكاة - إذا كانت عنده - إلى الحاكم العدل ، ولو تخلّف وأدّى إلى الفقراء فالظاهر إجزاؤه وعدم الضمان .
3- - وهو الأقوى .

المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال(1) ؛ من حيث كونه إعانة على الحرام .

الأربعون : حكي عن جماعة : عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب نظراً إلى أ نّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام ، ولعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه ؛ إذ فيه لا يكون تصرّفاً في ملك الغير ، بل إلى صورة الإعطاء والأخذ ؛ حيث إنّهما فعلان خارجيان ، ولكنّه أيضاً مشكل ؛ من حيث إنّ الإعطاء الخارجي مقدّمة للواجب وهو الإيصال الذي هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد(2) الإجزاء .

الحادية والأربعون : لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين كما مرّ سابقاً ، وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت ، فلا يعتبر التمكّن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال ، وكذا لا إشكال في أ نّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده إذا حدث التمكّن بعد ذلك ، وإنّما الإشكال والخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب ، والأظهر عدم اعتباره(3) ، فلو غصب زرعه غاصب وبقي مغصوباً إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته .

فصل : في زكاة الفطرة

وهي واجبة إجماعاً من المسلمين ، ومن فوائدها أ نّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن اُدّيت عنه ، ومنها : أ نّها توجب قبول الصوم ، وعن الصادق علیه السلام أنّه

ص: 169


1- - إذا كان قادراً على التكسّب أو كان متجاهراً بالكبيرة ، وأمّا كون ذلك إعانة على الحرام ففيه إشكال .
2- - الأقوى هو الإجزاء ، لا لما ذكره فإنّه غير وجيه .
3- - مرّ أنّ الأقوى اعتباره .

قال لوكيله : اذهب فاعط من عيالنا الفطرة أجمعهم ، ولا تدع منهم أحداً فإنّك إن تركت منهم أحداً تخوّفت عليه الفوت ، قلت : وما الفوت ؟ قال علیه السلام : الموت ، وعنه علیه السلام : إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم من تمام الصلاة ؛ لأ نّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّ اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة ، وقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) ، والمراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة ، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية ، والفطرة : إمّا بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث إنّها تحفظه عن الموت ، أو تطهّره عن الأوساخ ، وإمّا بمعنى الدين ، أي زكاة الإسلام والدين ، وإمّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر .

والكلام في شرائط وجوبها ، ومن تجب عليه ، وفيمن تجب عنه ، وفي جنسها ، وفي قدرها ، وفي وقتها ، وفي مصرفها ، فهنا فصول :

فصل : في شرائط وجوبها

وهي اُمور :

الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبيّ والمجنون(1) ولا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما ، بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً .

الثاني : عدم الإغماء ، فلا تجب على من أهلّ شوّال عليه وهو مغمى عليه .

الثالث : الحرّية ، فلا تجب على المملوك وإن قلنا : إنّه يملك ؛ سواء كان قنّاً أو

ص: 170


1- - ولو أدوارياً ؛ إذا كان دور جنونه عند دخول ليلة العيد .

مدبّراً أو اُمّ ولد أو مكاتباً(1) ، مشروطاً أو مطلقاً ولم يؤدّ شيئاً ، فتجب فطرتهم على المولى ، نعم لو تحرّر من المملوك شيء وجبت عليه وعلى المولى بالنسبة مع حصول الشرائط .

الرابع : الغنى ، وهو أن يملك قوت سنة له ولعياله زائداً على ما يقابل الدين(2) ومستثنياته فعلاً أو قوّة ، بأن يكون له كسب يفي بذلك ، فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك ذلك وإن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنة وإن كان عليه دين ؛ بمعنى أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج ، ويكفي ملك قوت السنة ، بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكاً عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها وإن لم يكفه لقوت سنته ، بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مؤونة يومه وليلته صاع .

(مسألة 1) : لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مؤونة السنة ، فتجب وإن لم يكن له الزيادة على الأقوى والأحوط .

(مسألة 2) : لا يشترط في وجوبها الإسلام ، فتجب على الكافر ، لكن لا يصحّ أداؤها منه ، وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه ، وأمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه .

(مسألة 3) : يعتبر فيها نيّة القربة كما في زكاة المال ، فهي من العبادات ، ولذا لا تصحّ من الكافر .

(مسألة 4) : يستحبّ للفقير إخراجها أيضاً ، وإن لم يكن عنده إلاّ صاع

ص: 171


1- - لا يخلو من إشكال ، وكذا في حكم المحرّر بعضا والأمر سهل .
2- - الذي يحلّ في هذه السنة، دون غيره على الأحوط.

يتصدّق به على عياله ثمّ يتصدّق به على الأجنبيّ بعد أن ينتهي الدور ، ويجوز أن يتصدّق به على واحد منهم أيضاً ، وإن كان الأولى والأحوط الأجنبيّ ، وإن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى الوليّ له الأخذ له والإعطاء عنه(1) ؛ وإن كان الأولى والأحوط أن يتملّك الوليّ لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما .

(مسألة 5) : يكره تملّك ما دفعه زكاة وجوباً أو ندباً ؛ سواء تملّكه صدقة أو غيرها ، على ما مرّ في زكاة المال .

(مسألة 6) : المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط ، فلو جنّ أو اُغمي عليه أو صار فقيراً قبل الغروب ولو بلحظة ، بل أو مقارناً للغروب لم تجب عليه ، كما أ نّه لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارناً له وجبت(2) ، كما لو بلغ الصبيّ أو زال جنونه ولو الأدواري ، أو أفاق من الإغماء أو ملك ما يصير به غنيّاً أو تحرّر وصار غنيّاً ، أو أسلم الكافر ، فإنّها تجب عليهم ، ولو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام - مثلاً - بعد الغروب لم تجب ، نعم يستحبّ إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد .

فصل : فيمن تجب عنه

يجب إخراجها بعد تحقّق شرائطها عن نفسه وعن كلّ من يعوله حين دخول(3) ليلة الفطر ؛ من غير فرق بين واجب النفقة عليه وغيره ، والصغير

ص: 172


1- - الأحوط أن يقتصر في الإدارة بين المكلّفين ، ومع أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها فيه ولا يردّها على غيره .
2- - في فرض المقارنة يشكل الوجوب ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .
3- - بل قبله ولو بلحظة .

والكبير والحرّ والمملوك والمسلم والكافر والأرحام وغيرهم ؛ حتّى المحبوس عنده ولو على وجه محرّم ، وكذا تجب عن الضيف ؛ بشرط صدق كونه عيالاً له وإن نزل عليه في آخر يوم من رمضان ، بل وإن لم يأكل عنده شيئاً ، لكن بالشرط المذكور وهو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر ؛ بأن يكون بانياً على البقاء عنده مدّة ، ومع عدم الصدق تجب على نفسه ، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً ؛ حيث إنّ بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرّد صدق اسم الضيف ، وبعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر ، وبعضهم العشر الأواخر وبعضهم الليلتين الأخيرتين ، فمراعاة الاحتياط أولى ، وأمّا الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه وإن كان مدعوّاً قبل ذلك .

(مسألة 1) : إذا ولد له ولد أو ملك مملوكاً أو تزوّج بامرأة قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارناً(1) له ، وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالاً له ، وكذا غير المذكورين ممّن يكون عيالاً ، وإن كان بعده لم تجب ، نعم يستحبّ الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده وقبل الزوال من يوم الفطر .

(مسألة 2) : كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه وإن كان غنيّاً ، وكانت واجبة عليه لو انفرد ، وكذا لو كان عيالاً لشخص ثمّ صار وقت الخطاب عيالاً لغيره ، ولا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً ، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذٍ ، نعم لو كان المعيل فقيراً والعيال غنيّاً فالأقوى وجوبها(2) على نفسه ؛ ولو تكلّف المعيل

ص: 173


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - بل الأقوى عدم وجوبها عليه .

الفقير بالإخراج على الأقوى وإن كان السقوط حينئذٍ لا يخلو عن وجه .

(مسألة 3) : تجب الفطرة عن الزوجة ؛ سواء كانت دائمة أو متعة مع العيلولة لهما ؛ من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا لنشوز أو نحوه ، وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه ، وأمّا مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه وإن كانوا من واجبي النفقة عليه وإن كان الأحوط الإخراج ، خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه ، وحينئذٍ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنيّة ، ولم يعلها الزوج ولا غير الزوج أيضاً ، وأمّا إن عالها أو عال المملوك غير الزوج والمولى فالفطرة عليه مع غناه .

(مسألة 4) : لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما ، سقطت الفطرة عنه وعنهما .

(مسألة 5) : يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل ، ويتولّى الوكيل النيّة ، والأحوط نيّة الموكّل أيضاً على حسب ما مرّ(1) في زكاة المال ، ويجوز توكيله في الإيصال ويكون المتولّي حينئذٍ هو نفسه ، ويجوز الإذن في الدفع عنه أيضاً ، لا بعنوان الوكالة ، وحكمه حكمها ، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، كما يجوز التبرّع به من ماله بإذنه(2) أو لا بإذنه ؛ وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا وسابقه .

(مسألة 6) : من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه ؛

ص: 174


1- - وقد مرّ ما هو الأقوى .
2- - لا يبعد جواز التوكيل بالإعطاء تبرّعاً ، كما أنّ جواز إذن التبرّع به أيضاً لا يخلو من وجه ، وأمّا التبرّع بلا إذن فمحلّ إشكال .

سواء كان غنيّاً أو فقيراً وتكلّف بالإخراج ، بل لا تكون حينئذٍ فطرة ؛ حيث إنّه غير مكلّف بها ، نعم لو قصد التبرّع بها عنه أجزأه(1) على الأقوى وإن كان الأحوط العدم .

(مسألة 7) : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة المال ، وتحلّ فطرة الهاشمي على الصنفين ، والمدار على المعيل لا العيال(2) ، فلو كان العيال هاشمياً دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي ، وفي العكس يجوز .

(مسألة 8) : لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده وفي منزله أو منزل آخر أو غائباً عنه ، فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنّه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته ، وكذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك ، كما أ نّه إذا سافر عن عياله وترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم ، نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه ؛ سواء كان الغير موسراً ومؤدّياً أو لا ؛ وإن كان الأحوط في الزوجة والمملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه ، وكذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله ولا في عيال غيره ، ولكن الأحوط في المملوك والزوجة ما ذكرنا ؛ من الإخراج عنهما حينئذٍ أيضاً .

(مسألة 9) : الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم ، بل يجب ، إلاّ إذا وكّلهم(3) أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم أو أذن لهم في التبرّع عنه .

ص: 175


1- - مع توكيله أو إذنه كما مرّ .
2- - وإن كان الأحوط مراعاة كليهما .
3- - مع كونهم مورد وثوقه في التأدية .

(مسألة 10) : المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما(1) بالنسبة إذا كان في عيالهما معاً وكانا موسرين ، ومع إعسار أحدهما تسقط وتبقى حصّة الآخر ، ومع إعسارهما تسقط عنهما ، وإن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره ، وتسقط عنه وعن الآخر مع إعساره وإن كان الآخر موسراً ، لكن الأحوط إخراج حصّته وإن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضاً ، لكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مراراً ؛ ولا فرق في كونها عليهما مع العيلولة لهما بين صورة المهاياة وغيرها وإن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما ، فإنّ المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض ، ولا يعتبر اتّفاق جنس المخرج من الشريكين ، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير والآخر من حنطة ، لكن الأولى بل الأحوط الاتّفاق(2) .

(مسألة 11) : إذا كان شخص في عيال اثنين ؛ بأن عالاه معاً فالحال كما مرّ(3) في المملوك بين شريكين إلاّ في مسألة الاحتياط المذكور فيه ، نعم الاحتياط بالاتّفاق في جنس المخرج جار هنا أيضاً ، وربما يقال بالسقوط عنهما ، وقد يقال بالوجوب عليهما كفاية ، والأظهر ما ذكرنا .

(مسألة 12) : لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته ؛ سواء كانت اُمّاً له أو أجنبيّة ، وإن كان المنفق غيره فعليه ، وإن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد ، وأمّا الجنين فلا فطرة له إلاّ إذا تولّد قبل

ص: 176


1- - على الأحوط فيه وفي بقاء حصّة الموسر مع عسر الشريك .
2- - لا يترك ، بل لا يخلو من وجه .
3- - وقد مرّ ، وكذا لا يترك الاحتياط في اتّفاق الجنس .

الغروب ، نعم يستحبّ إخراجها عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال كما مرّ .

(مسألة 13) : الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال ، فلو أنفق على عياله من المال الحرام من غصب أو نحوه وجب عليه زكاتهم .

(مسألة 14) : الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة ، فلو أعطى زوجته نفقتها وصرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها ، وكذا في غيرها .

(مسألة 15) : لو ملّك شخصاً مالاً هبة أو صلحاً أو هديّة وهو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته ، لأ نّه لا يصير عيالاً له بمجرّد ذلك ، نعم لو كان من عياله عرفاً ووهبه - مثلاً - لينفقه على نفسه فالظاهر الوجوب(1) .

(مسألة 16) : لو استأجر شخصاً واشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه لا يبعد وجوب(2) إخراج فطرته ، نعم لو اشترط عليه مقدار نفقته فيعطيه دراهم - مثلاً - ينفق بها على نفسه لم تجب عليه ، والمناط الصدق العرفي في عدّه من عياله وعدمه .

(مسألة 17) : إذا نزل عليه نازل قهراً عليه ومن غير رضاه وصار ضيفاً عنده مدّة ، هل تجب عليه فطرته أم لا ؟ إشكال(3) ، وكذا لو عال شخصاً بالإكراه والجبر من غيره ، نعم في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه فينزل

ص: 177


1- - مع صدق العيلولة ، لكن صدقها في الفرض محلّ إشكال .
2- - مع الإنفاق عليه ، وإلاّ فمجرّد الوجوب لا يوجب الإخراج .
3- - الأحوط ذلك ، بل لا يخلو من وجه .

عنده مدّة ظلماً ، وهو مجبور في طعامه وشرابه ، فالظاهر عدم الوجوب ؛ لعدم صدق العيال ولا الضيف عليه .

(مسألة 18) : إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شيء ، وإن مات بعده وجب الإخراج من تركته عنه وعن عياله ، وإن كان عليه دين وضاقت التركة قسّمت عليهما بالنسبة .

(مسألة 19) : المطلّقة رجعياً فطرتها على زوجها(1) ، دون البائن إلاّ إذا كانت حاملاً ينفق عليها .

(مسألة 20) : إذا كان غائباً عن عياله أو كانوا غائبين عنه وشكّ في حياتهم ، فالظاهر وجوب فطرتهم مع إحراز(2) العيلولة على فرض الحياة .

فصل : في جنسها وقدرها

والضابط في الجنس القوت الغالب لغالب الناس(3) ، وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن والذرّة وغيرها ، والأحوط الاقتصار على

ص: 178


1- - الميزان العيلولة ؛ رجعية كانت أو بائنة .
2- - إنّما يجدي الأصل إذا علم كونهم في حال حياتهم عيالاً وشكّ في حياتهم ، وأمّا مع عدم العلم بذلك لكن علم أ نّهم على فرض حياتهم عيال ، فالظاهر عدم إحراز الموضوع باستصحاب الحياة لهم ، إلاّ على القول بالأصل المثبت .
3- - في كون الأمثلة المذكورة بجميعها هي القوت الغالب لغالب الناس منع ، كما أنّ في الضابط الذي ذكره إشكالاً ، ولا يبعد أن يكون الضابط هو ما يتعارف في كلّ قوم أو قطر التغذّي به وإن لم يكتفوا به كالبرّ والشعير والأرز في أقطارنا ، والتمر والأقط واللبن في مثل الحجاز ، والأرز في الجيلان وحواليها ؛ وإن كان الأقوى كفاية الغلاّت الأربع مطلقاً .

الأربعة الاُولى وإن كان الأقوى ما ذكرنا ، بل يكفي الدقيق(1) والخبز والماش والعدس ، والأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب ثمّ القوت الغالب ، هذا إذا لم يكن هناك مرجّح من كون غيرها أصلح بحال الفقير وأنفع له ، لكن الأولى والأحوط حينئذٍ دفعها بعنوان القيمة(2) .

(مسألة 1) : يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحاً ، فلا يجزي المعيب(3) ، ويعتبر خلوصه ، فلا يكفي الممتزج بغيره من جنس آخر أو تراب أو نحوه ، إلاّ إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع(4) أو كان قليلاً يتسامح به .

(مسألة 2) : الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم والدنانير أو غيرهما(5) من الأجناس الاُخر ، وعلى هذا فيجزي المعيب والممزوج ونحوهما بعنوان القيمة ، وكذا كلّ جنس شكّ في كفايته ، فإنّه يجزي بعنوان القيمة .

(مسألة 3) : لا يجزي نصف الصاع - مثلاً - من الحنطة الأعلى ، وإن كان يسوّي صاعاً من الأدون أو الشعير مثلاً ، إلاّ إذا(6)

كان بعنوان القيمة .

ص: 179


1- - في كفاية الدقيق والخبز إشكال ، وإن لا تخلو كفاية الدقيق من وجه ، وأمّا الماش والعدس وغيرهما من الحبوبات فمع غلبة التغذّي بها في قطر فالأقوى كفايتها ، وفي غير هذه الصورة فالأحوط إخراج ما غلب التغذّي به أو الغلاّت الأربع .
2- - يأتي الإشكال فيه .
3- - إلاّ إذا كان في قطر يكون قوت غالبهم كذلك .
4- - بشرط أن لا يكون المزج خلاف المتعارف بحيث يحتاج تخليصه إلى مؤونة أو عمل غير متعارف ، كما إذا ردّ أمناناً من التراب فيها منّ من الحنطة .
5- - الأحوط الاقتصار بالأثمان ، بل لا يخلو عدم إجزاء غيرها من وجه ، فيسقط ما فرّع عليه ، مع أ نّه أيضاً محلّ إشكال .
6- - مرّ الكلام فيه ، ويظهر منه الحال في استثناء المسألة الآتية .

(مسألة 4) : لا يجزي الصاع الملفّق من جنسين ؛ بأن يخرج نصف صاع من الحنطة ونصفاً من الشعير - مثلاً - إلاّ بعنوان القيمة .

(مسألة 5) : المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب ، والمعتبر قيمة بلد الإخراج لا وطنه ولا بلد آخر ، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده وأراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الذي هو فيه .

(مسألة 6) : لا يشترط اتّحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله ، ولا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض ، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم ، أو يدفع عن نفسه أو عن بعضهم من أحد الأجناس وعن آخر منهم القيمة ، أو العكس .

(مسألة 7) : الواجب في القدر الصاع عن كلّ رأس من جميع الأجناس حتّى اللبن على الأصحّ ؛ وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال . والصاع أربعة أمداد ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، فهو ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال بالمثقال الصيرفي ، فيكون بحسب حقّة النجف - التي هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثلث مثقال - نصف حقّة ونصف وقية وأحد وثلاثون مثقالاً إلاّ مقدار حمّصتين ، وبحسب حقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - حقّتان وثلاثة أرباع الوقية ومثقال وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب المنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - نصف منّ إلاّ خمسة وعشرون مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال .

ص: 180

فصل : في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد جامعاً للشرائط ، ويستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد ، والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاّها فيقدّمها عليها وإن صلّى في أوّل وقتها ، وإن خرج وقتها ولم يخرجها ، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحقّ بعنوان الزكاة ، وإن لم يعزلها فالأحوط الأقوى(1) عدم سقوطها ، بل يؤدّيها بقصد القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء .

(مسألة 1) : لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط ، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان ، نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً ثمّ يحسب عند دخول وقتها .

(مسألة 2) : يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها(2) بقيمتها ، وينوي حين العزل ، وإن كان الأحوط(3) تجديدها حين الدفع أيضاً ، ويجوز عزل أقلّ من مقدارها أيضاً ، فيلحقه الحكم وتبقى البقيّة غير معزولة على حكمها ، وفي جواز عزلها في الأزيد بحيث يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة وجه(4) ، لكن لا يخلو عن إشكال ، وكذا لو عزلها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً وإن كان ماله بقدرها .

ص: 181


1- - الأقوائية محلّ إشكال ، ولكن لا يترك الاحتياط .
2- - الأحوط بل الأوجه الاقتصار بالأثمان .
3- - لا يترك .
4- - فيه إشكال ، وأمّا تعيينها في مال مشترك بينه وبين غيره يوجب الانعزال على الأقوى ؛ لو كانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها .

(مسألة 3) : إذا عزلها وأخّر دفعها إلى المستحقّ ، فإن كان لعدم تمكّنه من الدفع لم يضمن لو تلف(1) ، وإن كان مع التمكّن منه ضمن .

(مسألة 4) : الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر ولو مع وجود المستحقّ في بلده ؛ وإن كان يضمن حينئذٍ مع التلف ، والأحوط(2) عدم النقل إلاّ مع عدم وجود المستحقّ .

(مسألة 5) : الأفضل(3) أداؤها في بلد التكليف بها ؛ وإن كان ماله بل ووطنه في بلد آخر ، ولو كان له مال في بلد آخر وعيّنها فيه ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر مع وجود المستحقّ فيه .

(مسألة 6) : إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك .

فصل : في مصرفها

وهو مصرف زكاة المال ، لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف عند عدم وجود المؤمنين وإن لم نقل به هناك ، والأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين ومساكينهم ، ويجوز صرفها على أطفال المؤمنين ، أو تمليكها لهم بدفعها إلى أوليائهم .

(مسألة 1) : لا يشترط عدالة من يدفع إليه ، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين ، نعم الأحوط(4) عدم دفعها إلى شارب الخمر والمتجاهر بالمعصية ، بل

ص: 182


1- - بلا تعدّ وتفريط .
2- - لا يترك .
3- - لا يخلو من تأمّل .
4- - لا يترك في شارب الخمر والمتجاهر بكبيرة نظير هذه الكبيرة .

الأحوط العدالة أيضاً ، ولا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية .

(مسألة 2) : يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرةً أو توكيلاً ، والأفضل بل الأحوط أيضاً دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط ، خصوصاً مع طلبه لها .

(مسألة 3) : الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع ، إلاّ إذا(1) اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك .

(مسألة 4) : يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع ، بل إلى حدّ الغنى(2) .

(مسألة 5) : يستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم ، ثمّ الجيران ، ثمّ أهل العلم والفضل والمشتغلين ، ومع التعارض تلاحظ المرجّحات والأهمّية .

(مسألة 6) : إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيراً فبان خلافه ، فالحال كما في زكاة المال .

(مسألة 7) : لا يكفي ادّعاء الفقر إلاّ مع سبقه ، أو الظنّ(3) بصدق المدّعي .

(مسألة 8) : تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال ، وكذا يجب التعيين(4) ولو إجمالاً مع تعدّد ما عليه ، والظاهر عدم وجوب تعيين من يزكّى عنه ، فلو كان عليه أصوع لجماعة ، يجوز دفعها من غير تعيين أنّ هذا لفلان وهذا لفلان .

ص: 183


1- - لا يترك مطلقاً .
2- - فيه إشكال ، والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونة سنته .
3- - الحاصل من ظهور حاله .
4- - مرّ الكلام فيه فيما تقدّم .

كتاب الخمس

اشارة

وهو من الفرائض وقد جعلها اللّه تعالى لمحمّد صلی الله علیه و آله وسلم وذرّيته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم ، ومن منع منه درهماً أو أقلّ كان مندرجاً في الظالمين لهم ، والغاصبين لحقّهم ، بل من كان مستحلاًّ لذلك كان من الكافرين(1) ، ففي الخبر عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال علیه السلام : «من أكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم» . وعن الصادق علیه السلام : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال». وعن أبي جعفر علیه السلام : «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا» . وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول : يا ربّ اشتريته بمالي ، حتّى يأذن له أهل الخمس» .

فصل : فيما يجب فيه الخمس

وهو سبعة أشياء :

الأوّل : الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم ؛

ص: 184


1- - مرّ ميزان الكفر في أبواب النجاسات .

بشرط أن يكون بإذن الإمام علیه السلام ؛ من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه ، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها بعد إخراج المؤن التي اُنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها منها ، وبعد إخراج ما جعله الإمام علیه السلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح ، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة ، والمركب الفاره ، والسيف القاطع ، والدرع ، فإنّها للإمام علیه السلام ، وكذا قطائع الملوك ، فإنّها أيضاً له علیه السلام ، وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام علیه السلام فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستئذان منه ، فالغنيمة للإمام علیه السلام ، وإن كان في زمن الغيبة ، فالأحوط إخراج(1) خمسها من حيث الغنيمة ، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط ، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام ، ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس الفداء الذي(2) يؤخذ من أهل الحرب ، بل الجزية المبذولة لتلك السريّة ، بخلاف سائر أفراد الجزية ، ومنها أيضاً ما صولحوا عليه ، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة ، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً ؛ من غير ملاحظة خروج مؤونة السنة على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد .

(مسألة 1) : إذا غار المسلمون على الكفّار فأخذوا أموالهم ، فالأحوط بل

ص: 185


1- - بل الأقوى ذلك .
2- - إذا كان ذلك وما بعده من شؤون الحرب وتبعاته .

الأقوى(1) إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة ، فلا يلاحظ فيها مؤونة السنة ، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة ، نعم لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة(2) فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة ، فيعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السنة ، وإن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً .

(مسألة 2) : يجوز أخذ مال النصّاب أينما وجد ، لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقاً ، وكذا الأحوط إخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصّاب ودخلوا في عنوانهم ، وإلاّ فيشكل حلّية مالهم .

(مسألة 3) : يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد أو نحوهم ؛ ممّن هو محترم المال ، وإلاّ فيجب ردّه إلى مالكه ، نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه ؛ وإن لم يكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم ، وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة ؛ من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها .

(مسألة 4) : لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً ، فيجب إخراج خمسه - قليلاً كان أو كثيراً - على الأصحّ .

(مسألة 5) : السلب من الغنيمة ، فيجب(3) إخراج خمسه على السالب .

الثاني : المعادن ؛ من الذهب والفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت

ص: 186


1- - في القوّة إشكال ، وكذا في السرقة والغيلة ، نعم إذا كان ما ذكر في الحرب ومن شؤونه فالأقوى ما في المتن .
2- - ما اُخذ بها ليست من أرباح المكاسب ، بل هي من مطلق الفائدة وسيأتي الكلام فيه .
3- - على الأحوط ، نعم للإمام عليه السلام أن يجعل له بلا خمس .

والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والقير والسنج والزاج والزرنيخ والكحل والملح ، بل والجصّ والنورة وطين الغسل وحجر الرحى والمغرة - وهي الطين الأحمر - على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى(1) عدم الخمس فيها من حيث المعدنية ، بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة ، والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً ، وإذا شكّ في الصدق لم يلحقه حكمها ، فلا يجب خمسه من هذه الحيثية ، بل يدخل في أرباح المكاسب ، ويجب خمسه إذا زادت عن مؤونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه ، ولا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة ، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، ولا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمّياً ، بل ولو حربياً ، ولا بين أن يكون بالغاً أو صبيّاً ، وعاقلاً أو مجنوناً ، فيجب على وليّهما إخراج الخمس ، ويجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس ممّا أخرجه ؛ وإن كان لو أسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه . ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً(2) بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحوهما ، فلا يجب إذا كان المخرج أقلّ منه ؛ وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً ، بل مطلقاً . ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة ، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع ، وإن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط ،

ص: 187


1- - في القوّة منع .
2- - أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط ، وإذا اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما قيمة على الأحوط .

وإذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب(1) خمسه . وكذا لا يعتبر اتّحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه ، نعم لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب دون المجموع ، وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع ، خصوصاً مع اتّحاد جنس المخرج منها سيّما مع تقاربها ، بل لا يخلو عن قوّة مع الاتّحاد والتقارب(2) . وكذا لا يعتبر استمرار التكوّن ودوامه ، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً .

(مسألة 6) : لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية(3) ، فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ ، وإلاّ فلا ؛ لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده .

(مسألة 7) : إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء ، فإن علم أ نّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما ، أو علم أنّ المخرج له حيوان ، أو إنسان(4) لم يخرج خمسه ، وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط(5) إذا

ص: 188


1- - بل الظاهر عدمه .
2- - لا يكفي مطلق التقارب ، إلاّ إذا عدّ المجموع معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضه أجزاء أرضية .
3- - في جواز الإخراج قبلها إشكال ، إلاّ أن يقبل وليّ الخمس لمصلحة .
4- - فيه تفصيل .
5- - بل على الأقوى فيه وفي الفرع التالي .

بلغ النصاب ، بل الأحوط ذلك وإن شكّ في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا(1) .

(مسألة 8) : لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها ، وإذا أخرجه غيره لم يملكه ، بل يكون المخرج لصاحب الأرض وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة ؛ لأ نّه لم يصرف عليه مؤونة .

(مسألة 9) : إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوةً - التي هي للمسلمين - فأخرجه أحد من المسلمين ملكه(2) وعليه الخمس ، وإن أخرجه غير المسلم ففي تملّكه إشكال ، وأمّا إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أنّ الكافر أيضاً يملكه وعليه الخمس .

(مسألة 10) : يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر ، وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه(3) .

(مسألة 11) : إذا كان المخرج عبداً ، كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس .

(مسألة 12) : إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته ، كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حلياً أو كان مثل الياقوت

ص: 189


1- - مع الشكّ في قصد حيازته ، وإلاّ فيخرج عمّا نحن فيه ؛ وإن كان وجوب ردّ الخمس مع ذلك على وليّ الخمس وهو الحاكم الشرعي أيضاً هو الأقوى مع اليأس عن وجدان المالك ، بل مع عدم اليأس أيضاً لا يخلو من وجه .
2- - مع إذن وليّ المسلمين ، وإلاّ فمحلّ إشكال .
3- - إذا كانت الإجارة على وجه تكون جميع منافع المؤجر أو تلك المنفعة الخاصّة للمستأجر ، وإلاّ فالظاهر أ نّه يملكه مع قصد العمل لنفسه وتملّكه . نعم ، لو كانت الأرض من المستأجر فيملك المعدن تبعاً لها لكنّه خارج عن مفروض المسألة .

والعقيق فحكّه فصّاً - مثلاً - اعتبر في إخراج خمس مادّته(1) فيقوّم حينئذٍ سبيكة أو غير محكوك - مثلاً - ويخرج خمسه ، وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر ثمّ أدّاه من مال آخر ، وأمّا إذا اتّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره ، فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس .

(مسألة 13) : إذا شكّ في بلوغ النصاب وعدمه ، فالأحوط الاختبار .

الثالث : الكنز ، وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر ، والمدار الصدق العرفي ؛ سواء كان من الذهب أو الفضّة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر ، وسواء كان في بلاد الكفّار الحربيّين أو غيرهم ، أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك ، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع ، مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين ، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس ، ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله ، فإن لم يعرفه فالمالك قبله وهكذا ، فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس ، وإن ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة ، وإن تنازع الملاّك فيه يجري عليه حكم التداعي(2) ولو ادّعاه المالك السابق إرثاً ، وكان له شركاء نفوه ، دفعت إليه حصّته ، وملك الواجد الباقي وأعطى

ص: 190


1- - محلّ إشكال ، بل الظاهر شركة أرباب الخمس للزيادة الحاصلة ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس يكون البيع فضولياً بالنسبة إلى الخمس ، فلو أجاز الوليّ يصير الربح مشتركاً ولا أثر لنيّة الأداء من مال آخر .
2- - مع عرضية الملاّك في اليد ، وأمّا مع الطولية فالسابق مدّعٍ واللاحق منكر .

خمسه ، ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب ؛ وهو عشرون ديناراً(1) .

(مسألة 14) : لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً ، فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس ، وإن ادّعاه أحدهما اُعطي بلا بيّنة ، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالك وجه(2) ؛ لقوّة يده ، والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوّة إحدى اليدين .

(مسألة 15) : لو علم الواجد أ نّه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول ، ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان ، ولو علم أ نّه كان ملكاً لمسلم قديم ، فالظاهر جريان حكم الكنز عليه .

(مسألة 16) : الكنوز المتعدّدة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه ، فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضمّ لم يجب فيها الخمس ، نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه إلى بعض ، فإنّه يعدّ كنزاً واحداً وإن تعدّد جنسها .

(مسألة 17) : في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب ، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس ، وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره .

(مسألة 18) : إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً ، فحاله حال الكنز(3)

ص: 191


1- - في الذهب ومائتا درهم في الفضّة والبلوغ إلى أحدهما في غيرهما .
2- - وأوجه منه تقديم يدهما إلاّ مع سقوطها لأجل القرائن والأمارات ، فمع التساوي احتمالاً تقدّم يدهما على الأقوى .
3- - على الأحوط فيه وفيما بعده .

الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب ، وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها ، وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات .

(مسألة 19) : إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج .

(مسألة 20) : إذا اشترك جماعة في كنز ، فالظاهر(1) كفاية بلوغ المجموع نصاباً ؛ وإن لم يكن حصّة كلّ واحد بقدره .

الرابع : الغوص ، وهو إخراج الجواهر من البحر ؛ مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما(2) ، معدنياً كان أو نباتياً ، لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات ، فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، فلا خمس فيما ينقص من ذلك ، ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه ، فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس ، ولا بين الدفعة والدفعات فيضمّ بعضها إلى بعض ، كما أنّ المدار على ما اُخرج مطلقاً وإن اشترك(3) فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب ، ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن ، والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط ، وأمّا لو غاص وشدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه ، نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة ، بل يدخل في أرباح المكاسب(4)

ص: 192


1- - بل الأحوط ؛ وإن كان عدم الكفاية لا يخلو من وجه .
2- - ممّا يتعارف إخراجه بالغوص .
3- - حكم الاشتراك هاهنا حكمه في الكنز .
4- - إن اتّخذ ذلك شغلاً ، وأمّا لو كان ذلك من باب الاتّفاق ، فيدخل في مطلق الفائدة ويأتي حكمه .

فيعتبر فيه مؤونة السنة ولا يعتبر فيه النصاب .

(مسألة 21) : المتناول(1) من الغوّاص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصاً ، وأمّا إذا تناول منه وهو غائص أيضاً ، فيجب عليه إذا لم ينو الغوّاص الحيازة ، وإلاّ فهو له ووجب الخمس عليه .

(مسألة 22) : إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً ، ففي وجوب الخمس عليه وجهان(2) ، والأحوط إخراجه .

(مسألة 23) : إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر ، فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس ، وإن كان من باب الاتّفاق ؛ بأن يكون بلع شيئاً اتّفاقاً ، فالظاهر عدم وجوبه(3) وإن كان أحوط .

(مسألة 24) : الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص ؛ إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر .

(مسألة 25) : إذا غرق شيء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغوّاص ملكه ، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان ، لكن الأحوط(4) إجراء حكمه عليه .

(مسألة 26) : إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء ؛ بحيث لا يخرج منه إلاّ بالغوص ، فلا إشكال في تعلّق الخمس به ، لكنّه

ص: 193


1- - مفروض المسألة ما إذا لم ينو الغائص حيازته ، وإلاّ فهو للغائص ويجري عليه حكمه .
2- - أوجههما وجوبه .
3- - من جهة الغوص ، لكن الأحوط إلحاقه بالكنز .
4- - لا يترك في الجواهر كاللؤلؤ والمرجان .

هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص ؟ وجهان ، والأظهر الثاني(1) .

(مسألة 27) : العنبر إذا اُخرج بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل ، ففي لحوق حكمه له وجهان(2) ، والأحوط اللحوق ، وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً .

الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميّز مع الجهل بصاحبه وبمقداره ، فيحلّ بإخراج خمسه ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى ، وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه ، والأحوط أن يكون(3) بإذن المجتهد الجامع للشرائط ، ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح ونحوه ، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأوّل(4) ؛ إذا كان المال في يده ، وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه .

(مسألة 28) : لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلّية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها ، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه .

ص: 194


1- - فيما يتعارف إخراجه بالغوص ، وأمّا في غيره فالظاهر هو الأوّل ، كما لو فرض إخراج حجر الرحى من تحت البحر .
2- - الأقوى كونه من أرباح المكاسب إذا أخذه من اتّخذ ذلك حرفة ، وإلاّ فيدخل في مطلق الفائدة .
3- - لا يترك .
4- - إذا كان الأمر دائراً بين الأقلّ والأكثر ، وأمّا في المتباينين الدائر بين كون الأقلّ قيمة له أو لصاحبه ، فالظاهر جريان القرعة .

(مسألة 29) : لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلّية البقيّة في صورة الجهل بالمقدار والمالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس ، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً ، ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس ، فإنّه مطهّر للمال تعبّداً ؛ وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً ؛ بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس ، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة .

(مسألة 30) : إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه ، لكن علم في عدد محصور ، ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان ، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه ، أو استخراج المالك بالقرعة(1) ، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة وجوه ؛ أقواها الأخير ، وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور ، فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ(2) - كما هو الأقوى - أو الأكثر - كما هو الأحوط - يجري فيه الوجوه المذكورة .

(مسألة 31) : إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس ، وحينئذٍ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلاً ، أو علم في عدد غير محصور ، تصدّق به عنه بإذن الحاكم ، أو يدفعه إليه ، وإن كان في عدد محصور

ص: 195


1- - هذا هو الأقوى .
2- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم ، وبعده يعمل بالقرعة على الأقوى .

ففيه الوجوه المذكورة ، والأقوى هنا أيضاً الأخير(1) ، وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره - بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر - أخذ بالأقلّ المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه ، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر ، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن لم يعلم جنسه وكان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس ؛ إذ يرجع إلى القيمة(2) ويتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر ، وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان .

(مسألة 32) : الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس ، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقّف على إذن الحاكم ، كما يجوز دفعه من مال آخر(3) وإن كان الحقّ في العين .

(مسألة 33) : لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه(4) ، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك ، فعليه غرامته له حتّى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أ نّه للإمام علیه السلام .

(مسألة 34) : لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ

ص: 196


1- - بل الأقوى القرعة أيضاً .
2- - الاشتغال بالقيمة في ضمان الإتلاف ، وأمّا في ضمان اليد فمحلّ إشكال ، بل لا يبعد فيه وجوب الاحتياط ، كما في المثلي أيضاً لا يبعد ذلك ، وكذا يجري الاحتياط إذا كان الاشتغال بنفس الأجناس بواسطة عقد من العقود .
3- - الأحوط أن يكون الدفع من مال آخر إذا كان عروضاً برضا المستحقّ أو وليّ الأمر ؛ وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من وجه .
4- - بل الأحوط فيه وفيما يليه .

لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية ، وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الاُولى أو لا ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، وأقواهما الثاني .

(مسألة 35) : لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً ، فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس ؛ خوفاً من احتمال زيادته على الخمس ، فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك ؟ وجهان ، والأقوى الثاني(1) ؛ لأ نّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط .

(مسألة 36) : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس ، وجب عليه بعد التخميس للتحليل ، خمس آخر(2) للمال الحلال الذي فيه .

(مسألة 37) : لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ ، فهو كمعلوم المالك على الأقوى ، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذٍ .

(مسألة 38) : إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط(3) وإن صار الحرام في ذمّته ، فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على

ص: 197


1- - هو كذلك وإن كان في تعليله إشكال ، بل هو معلوم المصرف ، فلا تشمله أدلّة التخميس ، ويمكن أن يقال : إنّ أدلّة التخميس قاصرة عن شمول ما يختلط عمداً للتحليل بالتخميس .
2- - وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل ، وبخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى ، والأحوط التصالح مع الحاكم .
3- - بل الظاهر سقوطه وجريان حكم ردّ المظالم عليه .

الأقوى ، وحينئذٍ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه(1) ، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان ؛ الأحوط الأوّل ، والأقوى الثاني .

(مسألة 39) : إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه ، كما إذا باعه مثلاً ، فيجوز لوليّ(2) الخمس الرجوع عليه ، كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه ، ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة ، وأمّا إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة ، نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس .

السادس : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ؛ سواء كانت أرض مزرع أو مسكن(3) أو دكّان أو خان أو غيرها ، فيجب فيها الخمس ، ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصحّ ، وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال ، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة ؛ وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة(4) ، وإنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه ،

ص: 198


1- - بل بمقدار المتيقّن من الحرام ، فيتصدّق به بإذن الحاكم على الأحوط .
2- - الأقوى كون البيع فضولياً بالنسبة إلى الخمس ، فإن أمضاه الوليّ يصير العوض بحكم المعوّض والمعوّض للمشتري بتمامه ، وإن لم يمضه يكون المعوّض على حاله ، فلوليّ الخمس اتّباعه .
3- - إذا تعلّق البيع بأرضها مستقلاًّ ، وأمّا إذا تعلّق بالدار والدكّان - مثلاً - ويكون انتقال الأرض تبعاً ، فالأقوى عدم التعلّق .
4- - في القوّة تأمّل .

ويتخيّر الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها(1) ، ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه وبين إجارته ، وليس له قلع الغرس والبناء ، بل عليه إبقاؤهما بالاُجرة ، وإن أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مشغولة بها مع الاُجرة ، فيؤخذ منه خمسها ولا نصاب في هذا القسم من الخمس ، ولا يعتبر فيه نيّة القربة حين الأخذ حتّى من الحاكم ، بل ولا حين الدفع إلى السادة .

(مسألة 40) : لو كانت الأرض من المفتوحة عنوةً وبيعت تبعاً للآثار(2) ثبت فيها الحكم ؛ لأ نّها للمسلمين فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس ، وإن قلنا(3) بعدم دخول الأرض في المبيع وإنّ المبيع هو الآثار ، ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري ، وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح ، كما أ نّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها ، فإنّهم مالكون لرقبتها ، ويجوز لهم بيعها .

(مسألة 41) : لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذمّي بعد شرائه ، أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر ، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم ، أو ردّها إلى البائع بإقالة

أو غيرها ، فلا يسقط الخمس بذلك ، بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره .

(مسألة 42) : إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس

ص: 199


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - مرّ ما هو الأقوى ، نعم إذا بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها يتعلّق بها الخمس .
3- - إن قلنا بذلك فلا إشكال في عدم ثبوته .

لم يصحّ ، وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع ، نعم لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه ، فالظاهر جوازه .

(مسألة 43) : إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ، ثمّ اشتراها ثانياً وجب عليه خمسان : خمس الأصل للشراء أوّلاً ، وخمس أربعة(1) أخماس للشراء ثانياً .

(مسألة 44) : إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ أسلم بعد الشراء لم يسقط(2) عنه الخمس ، نعم لو كانت المعاملة ممّا يتوقّف الملك فيه على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه ؛ لعدم تمامية ملكه في حال الكفر .

(مسألة 45) : لو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض ففي ثبوت الخمس وجهان ، أقواهما(3) الثبوت .

(مسألة 46) : الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم .

(مسألة 47) : إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجه ، لكن الأوجه خلافه ؛ حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة .

(مسألة 48) : من بحكم المسلم بحكم المسلم .

ص: 200


1- - إذا أجاز وليّ الخمس بيع الذمّي فالظاهر وجوب خمس الجميع عليه ثانياً .
2- - مع بقاء العين ، وأمّا مع تلفها حكماً كما لو أحاط عليها الماء بحيث سقطت عن الانتفاع ، فالظاهر سقوطه .
3- - محلّ إشكال .

(مسألة 49) : إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمّي عليه ، وجب عليه(1) خمس ذلك الخمس الذي اشتراه وهكذا .

السابع : ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسّبات ؛ من الصناعات والزراعات والإجارات حتّى الخياطة والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات واُجرة العبادات الاستئجارية من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها اُجرة ، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة(2) وإن لم تحصل بالاكتساب ، كالهبة والهديّة والجائزة والمال الموصى به ونحوها ، بل لا يخلو عن قوّة ، نعم لا خمس في الميراث إلاّ في الذي ملكه من حيث لا يحتسب ، فلا يترك الاحتياط فيه ، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له ، وكذا لا يترك في حاصل الوقف الخاصّ ، بل وكذا في النذور ، والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث - حتّى المحتسب منه - ونحو ذلك .

(مسألة 50) : إذا علم أنّ مورّثه لم يؤدّ خمس ما تركه وجب إخراجه ؛ سواء كانت العين التي تعلّق بها الخمس موجودة فيها ، أو كان الموجود عوضها ، بل لو علم باشتغال ذمّته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون .

ص: 201


1- - لكن ليس منه ما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها ، فإنّ الأقوى عدم وجوبه عليه .
2- - وإن كان عدم التعلّق بغير ما يحصل بالاكتساب لا يخلو من قوّة ، وعلى هذا لا يتعلّق بنحو الهبات وما تتلوها ، ولا بالميراث مطلقاً ، ولا بالنذر ، ولا في حاصل الوقف الخاصّ ، إلاّ إذا كان على نحو الاستنماء والاكتساب بالزراعة .

(مسألة 51) : لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة وإن زاد عن مؤونة السنة ، نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب(1) كسائر النماءات .

(مسألة 52) : إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً ، فإن أمضاه الحاكم يرجع عليه بالثمن ، ويرجع هو على البائع إذا أدّاه ، وإن لم يمضِ فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع ، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات ، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله .

(مسألة 53) : إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس أو تعلّق بها لكنّه أدّاه ، فنمت وزادت زيادة متّصلة أو منفصلة ، وجب الخمس(2) في ذلك النماء ، وأمّا لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية ، لم يجب خمس تلك الزيادة ؛ لعدم صدق التكسّب ولا صدق حصول الفائدة ، نعم لو باعها لم يبعد(3) وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن ، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو اُجرتها أو نحو ذلك من منافعها ، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها ، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها .

(مسألة 54) : إذا اشترى عيناً للتكسّب بها ، فزادت قيمتها السوقية ولم يبعها

ص: 202


1- - إذا استبقاها للاسترباح والاستنماء لا مطلقاً .
2- - إذا كان الاستبقاء للاكتساب بنمائها المتّصلة أو المنفصلة لا مطلقاً .
3- - بل لا يبعد عدم الوجوب .

غفلة أو طلباً للزيادة ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة ؛ لعدم تحقّقها في الخارج ، نعم لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه(1) .

(مسألة 55) : إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار والنخيل ، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله .

(مسألة 56) : إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة ، كأن يكون له رأس مال يتّجر به ، وخان يؤجره ، وأرض يزرعها ، وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع ، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته .

(مسألة 57) : يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار ، لا يجب(2) خمسه إلاّ بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البائع .

(مسألة 58) : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط(3) الخمس ، إلاّ إذا كان من شأنه أن يقيله ، كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن .

ص: 203


1- - على الأحوط .
2- - في غير الخيار المشروط بردّ الثمن محلّ تأمّل .
3- - الظاهر سقوطه مطلقاً .

(مسألة 59) : الأحوط إخراج(1) خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه ، فإذا لم يكن له مال من أوّل الأمر فاكتسب أو استفاد مقداراً وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتّجر به ، يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمّ الاتّجار به .

(مسألة 60) : مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب(2) ، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة .

(مسألة 61) : المراد بالمؤونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة ؛ من المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه ، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب ، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه ، ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها .

ص: 204


1- - إلاّ إذا احتاج إلى مجموعه ؛ بحيث إذا أخرج خمسه لا يفي الباقي بإعاشته ، أو حفظ شأنه .
2- - إذا كان ممّن يستفيد تدريجاً كنوع التجارات ، وأمّا إذا كان ممّن يستفيد دفعياً عرفاً كالزارع ومن عنده النخيل ، فمن حين حصول الفائدة والربح ، وأمّا فيما تحصل الفائدة بغير الاكتساب فقد مرّ عدم الخمس فيها .

(مسألة 62) : في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤونة إشكال(1) ، فالأحوط - كما مرّ - إخراج خمسه أوّلاً ، وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه مثل آلات النجارة للنجّار ، وآلات النساجة للنسّاج ، وآلات الزراعة للزرّاع وهكذا ، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً .

(مسألة 63) : لا فرق في المؤونة بين ما يصرف عينه فتتلف ، مثل المأكول والمشروب ونحوهما ، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه ، مثل الظروف والفروش ونحوها ، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً .

(مسألة 64) : يجوز إخراج المؤونة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه ؛ بأن لم يتعلّق به أو تعلّق وأخرجه ، فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع ، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه ، ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤونة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة ، وأخذ مقدارها ، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً .

(مسألة 65) : المناط في المؤونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب له ، كما أ نّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 66) : إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته ، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح .

ص: 205


1- - تقدّم الكلام فيه ، ويأتي التفصيل المتقدّم في الآلات أيضاً .

(مسألة 67) : لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول ، وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها ، فالأقوى عدم الخمس فيها ، نعم لو فرض الاستغناء عنها ، فالأحوط(1) إخراج الخمس منها ، وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها .

(مسألة 68) : إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤونة في باقيه ، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة .

(مسألة 69) : إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة اللاحقة ، لا يخرج مؤونتها من ربح السنة اللاحقة .

(مسألة 70) : مصارف الحجّ من مؤونة عام الاستطاعة ، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكّن من المسير - بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام - احتسب مخارجه من ربحه ، وأمّا إذا لم يتمكّن حتّى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح ، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب وإلاّ فلا ، ولو تمكّن وعصى حتّى انقضى الحول فكذلك على الأحوط(2) ، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة ، وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكّن من المسير ، وإذا لم يتمكّن فكما سبق يجب إخراج خمسه .

ص: 206


1- - والأقوى عدم الوجوب إذا استغنى عنها بعد عام الربح ، وكذا في الحلي .
2- - بل الأقوى ، وكذا في المتمّم إذا عصى ولم يسر .

(مسألة 71) : أداء الدين(1) من المؤونة ؛ إذا كان في عام حصول الربح ، أو كان سابقاً ولكن لم يتمكّن(2) من أدائه إلى عام حصول الربح ، وإذا لم يؤدّ دينه حتّى انقضى العام فالأحوط(3) إخراج الخمس أوّلاً ، وأداء الدين ممّا بقي ، وكذا الكلام في النذور والكفّارات .

(مسألة 72) : متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلّق به الخمس ؛ وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة ، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه ، وإنّما هو إرفاق بالمالك ؛ لاحتمال تجدّد مؤونة اُخرى زائداً على ما ظنّه ، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس ، وكذا لو وهبه(4) أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه .

(مسألة 73) : لو تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه ؛ إذ ليس محسوباً من المؤونة .

(مسألة 74) : لو كان له رأس مال وفرّقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم(5) جبره بربح تجارة اُخرى ، بل وكذا

ص: 207


1- - إذا كان لمؤونته ، أو حصل بأسباب قهرية كقيم المتلفات واُروش الجنايات ، وتلحق بها النذور والكفّارات .
2- - بل وإن تمكّن .
3- - بل الأقوى ؛ إذا لم تكن لمؤونة العام .
4- - هبة غير لائقة بحاله ، أو لمحض الحيلة ، كمن وهب بأهله - فراراً من الخمس - في هذا العام ثمّ وهبه أهله بعد العام .
5- - الظاهر أنّ الميزان في الجبر وعدمه هو استقلال التجارة ورأس المال وعدمه ، بمعنى أ نّه لو كان له رأس مال جعله في شعب يجمعها شعبة مركزية بحسب المحاسبات والدخل والخرج والدفتر ، يجبر النقص ولو كان الأنواع مختلفة ، ولو كان له رأس مال آخر مستقلّ غير مربوط بالآخر من حيث رأس المال والجمع والخرج والمحاسبات ، لم يجبر به نقص الآخر ولو كان الاتّجار بنوع واحد . وكذا الحال في التجارة والزراعة فيجري فيهما ما ذكرنا من استقلال رأس المال وعدمه .

الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح اُخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوّة ، خصوصاً في الخسارة ، نعم لو كان له تجارة وزراعة - مثلاً - فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة ، خصوصاً في صورة التلف ، وكذا العكس ، وأمّا التجارة الواحدة ، فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر ، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين ؛ سواء تقدّم الربح أو الخسران ، فإنّه يجبر الخسران بالربح .

(مسألة 75) : الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين ، ويتخيّر المالك(1) بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر ؛ نقداً أو جنساً(2) ، ولا يجوز له التصرّف في العين قبل أداء الخمس وإن ضمنه في ذمّته ، ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه ، ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس ، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض وإلاّ رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة ، ويتخيّر في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها وأتلفها ، هذا إذا كانت

ص: 208


1- - لا يخلو من إشكال ؛ وإن كان التخيير لا يخلو من قرب ، إلاّ في الحلال المختلط بالحرام ، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين .
2- - لا يخلو من إشكال ، إلاّ أن يرى الحاكم مصلحة فيه .

المعاملة بعين الربح ، وأمّا إذا كانت في الذمّة ودفعها عوضاً فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمّته بمقدار الخمس ، ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة مخيّراً حينئذٍ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً .

(مسألة 76) : يجوز له أن يتصرّف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقٍ في يده مع قصده إخراجه من البقيّة ؛ إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن(1) ، كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك ، وقد مرّ في بابها .

(مسألة 77) : إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار ، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأوّل منه لأرباب الخمس ، بخلاف ما إذا اتّجر به بعد تمام الحول ، فإنّه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه(2) مضافاً إلى أصل الخمس ، فيخرجهما أوّلاً ، ثمّ يخرج خمس بقيّته إن زادت على مؤونة السنة .

(مسألة 78) : ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف فيه كما أشرنا إليه ، نعم يجوز له(3) ذلك بالمصالحة مع الحاكم ، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه ، ولا حصّة له من الربح إذا اتّجر به ، ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح .

ص: 209


1- - الأقرب أنّ الشركة على وجه الإشاعة ، فلا يتصرّف في البعض بالنقل والإتلاف إلاّ بعد إخراج الخمس .
2- - بعد إمضاء الوليّ .
3- - بعد تمام الحول ، وأمّا قبله فتصرّفه لا يتوقّف على المصالحة ، مع أنّ صحّتها قبله محلّ إشكال .

(مسألة 79) : يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ، ولا يجب التأخير إلى آخرها ، فإنّ التأخير من باب الإرفاق كما مرّ ، وحينئذٍ فلو أخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها ، كشف ذلك عن عدم صحّته خمساً ، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه ، لا مع تلفها في يده ، إلاّ إذا كان عالماً بالحال ، فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ .

(مسألة 80) : إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها ، كما أ نّه لو اشترى به ثوباً لا يجوز الصلاة فيه ، ولو اشترى به ماءً للغسل أو الوضوء لم يصحّ وهكذا ، نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ كما مرّ نظيره(1) .

(مسألة 81) : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير(2) من مؤونة تلك السنة ، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات ، والظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر ، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهاباً وإياباً ، وإن تمّ الحول في أثناء السفر فلا يجب(3) إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب ، أو مع المقصد وبعض الذهاب .

(مسألة 82) : لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما

ص: 210


1- - ومرّ الكلام فيه .
2- - وسار ، وكذا في الحجّ [المندوب] وغيره .
3- - محلّ إشكال بالنسبة إلى ما يصرفه ويفنيه ، بل لزوم الإخراج لا يخلو من قوّة . نعم ، الظاهر عدم الوجوب بالنسبة إلى ما يبقى عينه ويستفاد منها كالدابّة .

أوّلاً ، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته .

(مسألة 83) : المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ، ويتحمّل زوجها مؤونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤونة ، إذ هي على زوجها(1) إلاّ أن لا يتحمّل .

(مسألة 84) : الظاهر عدم اشتراط التكليف والحرّية في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي(2) يشتريها الذمّي من المسلم ، فيتعلّق بها الخمس ، ويجب على الوليّ والسيّد إخراجه ، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال ، والأحوط إخراجه بعد بلوغه .

فصل : في قسمة الخمس ومستحقّه

(مسألة 1) : يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ : سهم للّه سبحانه وسهم للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وسهم للإمام علیه السلام ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان - أرواحنا له الفداء وعجّل اللّه تعالى فرجه - وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ، ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان(3) ، وفي الأيتام الفقر ، وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ، ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية(4) ، ولا يعتبر في المستحقّين العدالة وإن كان الأولى ملاحظة

ص: 211


1- - وبعض الزيادات التي ليست عليه لو أنفق عليها تبرّعاً لا يحسب مقدارها من المؤونة .
2- - لا تخلو هذه من إشكال ، ولا يترك الاحتياط فيها بالإخراج بعد البلوغ .
3- - أو ما في حكمه .
4- - بل يعتبر أن لا يكون في معصية .

المرجّحات ، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر ، خصوصاً مع التجاهر(1) ، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم وسيّما إذا كان في المنع الردع عنه ، ومستضعف كلّ فرقة ملحق بها .

(مسألة 2) : لا يجب البسط على الأصناف ، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم ، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف ، بل يجوز الاقتصار على واحد ، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد .

(مسألة 3) : مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة ، فإن انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس ، وتحلّ له الزكاة ، ولا فرق بين أن يكون علوياً أو عقيلياً أو عبّاسياً وينبغي تقديم الأتمّ علقة بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم على غيره ، أو توفيره كالفاطميّين .

(مسألة 4) : لا يصدّق من ادّعى النسب إلاّ بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم ، ويكفي الشياع والاشتهار في بلده ، نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً ، ولكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور .

(مسألة 5) : في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال ، خصوصاً في الزوجة ، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم ؛ بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس ، أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه - ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك -

ص: 212


1- - الأحوط عدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر .

فلا بأس به ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتّى الزوجة ؛ إذا لم يقدر على إنفاقها .

(مسألة 6) : لا يجوز دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد ولو دفعة على الأحوط .

(مسألة 7) : النصف من الخمس الذي للإمام علیه السلام أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ وهو المجتهد الجامع للشرائط ، فلا بدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه ، والأحوط له(1) الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر ، وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكنّ الأحوط(2) فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ؛ لأ نّه أعرف بمواقعه والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها .

(مسألة 8) : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه ، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك ، أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك ، ولا ضمان حينئذٍ عليه لو تلف ، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً ، لكن مع الضمان لو تلف ، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد ؛ وإن كان الأولى القريب ، إلاّ مع المرجّح للبعيد .

(مسألة 9) : لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ولو مع وجود المستحقّ ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله .

ص: 213


1- - إذا لم يكن مصرف آخر أهمّ بنظره .
2- - لا يترك هذا الاحتياط .

(مسألة 10) : مؤونة النقل على الناقل في صورة الجواز ، ومن الخمس(1) في صورة الوجوب .

(مسألة 11) : ليس من النقل لو كان له مال(2) في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الذي عليه في بلده ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً ، وكذا لو نقل قدر الخمس(3) من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه .

(مسألة 12) : لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده ، فالأولى دفعه هناك ، ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان .

(مسألة 13) : إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز(4) نقل حصّة الإمام علیه السلام إليه ، بل الأقوى جواز ذلك(5) ولو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً ، بل الأولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل ، أو كان هناك مرجّح آخر .

(مسألة 14) : قد مرّ أ نّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً(6) ، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية ، فلو حسب العروض

ص: 214


1- - فيه تأمّل .
2- - مرّ الاحتياط في مثله .
3- - من غير ما يتعلّق به الخمس .
4- - بل وجب مع عدم المجتهد في البلد .
5- - مع الضمان .
6- - مرّ الاحتياط فيه .

بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته(1) وإن قبل المستحقّ ورضي به .

(مسألة 15) : لا تبرأ ذمّته من الخمس إلاّ بقبض المستحقّ أو الحاكم ؛ سواء كان في ذمّته أو في العين الموجودة ، وفي تشخيصه بالعزل إشكال .

(مسألة 16) : إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه(2) خمساً ، وكذا في حصّة الإمام علیه السلام إذا أذن المجتهد .

(مسألة 17) : إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً(3) لا يعتبر فيه رضا المستحقّ ، أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام علیه السلام ؛ وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة ، لكن الأولى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمام علیه السلام .

(مسألة 18) : لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلاّ في بعض الأحوال ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه ؛ بأن صار معسراً وأراد تفريغ الذمّة ، فحينئذٍ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك .

(مسألة 19) : إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه - كالكافر ونحوه - لم يجب عليه إخراجه ، فإنّهم علیهم السلام أباحوا لشيعتهم ذلك ؛ سواء كان من ربح تجارة أو غيرها ، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها .

ص: 215


1- - بالنسبة إلى الزيادة .
2- - مع إذن الحاكم على الأحوط ، وأحوط منه القبض والإقباض أيضاً .
3- - الأحوط رضا المجتهد وإذنه في سهم السادة أيضا .

كتاب الحجّ

اشارة

الذي هو أحد أركان الدين ومن أوكد فرائض المسلمين ، قال اللّه تعالى : )وَللّه ِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً( . غير خفيّ على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد ، وضروب الحثّ والتشديد ، ولا سيّما ما عرّض به تاركه ؛ من لزوم كفره وإعراضه عنه بقوله عزّ شأنه : )وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه َ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ( . وعن الصادق uفي قوله عزّ من قائل : )وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً( ذاك الذي يسوّف الحجّ ؛ يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت ، وعنه علیه السلام : «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ ، فهو ممّن قال اللّه تعالى : )وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى(» ، وعنه علیه السلام : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ؛ لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً» ، وفي آخر : «من سوّف الحجّ حتّى يموت ، بعثه اللّه يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» ، وفي آخر : «ما تخلّف رجل عن الحجّ إلاّ بذنب وما يعفو اللّه أكثر» ، وعنهم مستفيضاً : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية» .

والحجّ فرضه ونفله عظيم فضله ، خطير أجره ، جزيل ثوابه ، جليل جزاؤه ،

ص: 216

وكفاه ما تضمّنه من وفود العبد على سيّده ، ونزوله في بيته ومحلّ ضيافته وأمنه ، وعلى الكريم إكرام ضيفه وإجارة الملتجئ إلى بيته ، فعن الصادق علیه السلام : «الحاجّ والمعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفّعوا شفّعهم ، وإن سكتوا بدأهم ، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» ، وعنه علیه السلام : «الحجّ والعمرة سوقان من أسواق الآخرة اللازم لهما في ضمان اللّه ، إن أبقاه أدّاه إلى عياله ، وإن أماته أدخله الجنّة» ، وفي آخر : «إن أدرك ما يأمل غفر اللّه له ، وإن قصر به أجله وقع أجره على اللّه عزّ وجلّ» ، وفي آخر : «فإن مات متوجّهاً غفر اللّه له ذنوبه ، وإن مات محرماً بعثه ملبّياً ، وإن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين ، وإن مات منصرفاً غفر اللّه له جميع ذنوبه» . وفي الحديث : «إنّ من الذنوب ما لا يكفّره إلاّ الوقوف بعرفة» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم في مرضه الذي توفّي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف : «يا أباذرّ اجلس بين يدي اعقد بيدك : من ختم له بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة - إلى أن قال - : ومن ختم له بحجّة دخل الجنّة ، ومن ختم له بعمرة دخل الجنّة . . .» الخبر ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «وفد اللّه ثلاثة : الحاجّ والمعتمر والغازي ، دعاهم اللّه فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم» ، وسأل الصادق علیه السلام رجل في المسجد الحرام : من أعظم الناس وزراً ؟ فقال : «من يقف بهذين الموقفين - عرفة والمزدلفة - وسعى بين هذين الجبلين ثمّ طاف بهذا البيت وصلّى خلف مقام إبراهيم علیه السلام ، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ اللّه لم يغفر له ، فهو من أعظم الناس وزراً» ، وعنهم علیهم السلام : «الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ، ومستأنف به العمل ومحفوظ في أهله وماله ، وإنّ الحجّ المبرور لا يعدله شيء ولا جزاء له إلاّ الجنّة ، وإنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته اُمّه ، وإنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبه ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط

ص: 217

بالناس ، وإنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ ، وإنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل اللّه به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه ، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ، ثمّ قالا : أمّا ما مضى فقد كفيته ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» . وفي آخر : «وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم : بنيتم بنياناً فلا تنقضوه ، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» . وفي آخر : «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره ، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول : يا هذا أمّا ما قد مضى فقد غفر لك ، وأمّا ما يستقبل فجدّ» . وفي آخر : «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى منادٍ : لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» . وفي آخر : «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» . وعن الثمالي قال : قال رجل لعلي بن الحسين علیه السلام : تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحجّ ولينه ، فكان متّكئاً فجلس وقال : «ويحك أما بلغك ما قال رسول اللّه في حجّة الوداع ؛ إنّه لمّا وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : يا بلال قل للناس : فلينصتوا ، فلمّا أنصتوا قال : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم ، وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم» . وقال النبي لرجل مميل فاته الحجّ والتمس منه ما به ينال أجره : «لو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللّه تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاجّ» ، وقال : «إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب اللّه له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، وإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب اللّه له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ،

ص: 218

فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه - قال : فعدّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه - ثمّ قال : أ نّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ» . وقال الصادق علیه السلام : «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة ، بل سبعين رقبة» بل ورد : «أنّه إذا طاف بالبيت وصلّى ركعتيه كتب اللّه له سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة ، قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم» ، و«إنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللّه تعالى» ، و«إنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط» ، بل «من كلّ شيء ما عدا الصلاة» ، بل في خبر آخر : «إنّه أفضل من الصلاة» أيضاً ولعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة التي هي أجمع العبادات ، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة ، والصلاة ليس فيها حجّ ، أو لكونه أشقّ من غيره وأفضل الأعمال أحمزها ، والأجر على قدر المشقّة .

ويستحبّ تكرار الحجّ والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة ، فعن الصادق علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد» . وقال علیه السلام : «حجّ تترى وعمرة تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة السوء» . وقال علي بن الحسين علیه السلام : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم ، وتكفون مؤونة عيالكم» .

وكما يستحبّ الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله ، فعن الصادق أ نّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله ، أو بعض مواليه ، ويقول لنا : «يا بنيّ إن استطعتم فلا يقف الناس بعرفات إلاّ وفيها من يدعو لكم ، فإنّ الحاجّ ليشفّع في ولده

ص: 219

وأهله وجيرانه» ، وقال علي بن الحسين علیه السلام لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أ نّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله : «فأيقن بكثرة المال والبنين ، أو أبشر بكثرة المال» . وفي كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام ، ويظهر من جملة منها أنّ تكرارها ثلاثاً أو سنة وسنة لا إدمان ، ويكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين ، وفي عدّة من الأخبار : «أنّ من أوسع اللّه عليه وهو موسر ولم يحجّ في كلّ خمس - وفي رواية : أربع سنين - إنّه لمحروم» ، وعن الصادق علیه السلام : «من أحجّ أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر» .

مقدّمة : في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره

وهي اُمور :

أوّلها - ومن أوكدها - : الاستخارة ؛ بمعنى طلب الخير من ربّه ، ومسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً ، والأمر بها للسفر وكلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض ، ولا سيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة ، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره ، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها ، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفؤّل والمشاورة بالرقاع والحصى والسبحة والبندقة وغيرها ؛ لضعف غالب أخبارها ؛ وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً ، بخلاف هذا النوع ؛ لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا ، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأمر بها والحثّ عليها . وعن الباقر والصادق علیهما السلام : «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن» . وعن الباقر علیه السلام : «أنّ علي بن الحسين علیه السلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق» . بل في كثير من رواياتنا النهي عن

ص: 220

العمل بغير استخارة ، وإنّه من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلى لم يؤجر . وفي كثير منها : «ما استخار اللّه عبد مؤمن إلاّ خار له ، وإن وقع ما يكره» ، وفي بعضها : «إلاّ رماه اللّه بخير الأمرين» ، وفي بعضها : «استخر اللّه مائة مرّة ، ثمّ انظر أجزم الأمرين لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه تعالى» ، وفي بعضها : «ثمّ انظر أيّ شيء يقع في قلبك فاعمل به» ، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه ، وطلب الخير من عنده ، وبناء منه أنّ خيره فيما يختاره اللّه له من أمره .

ويستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ؛ ليكون بدء مشورته منه سبحانه ، وأن يقرنه بطلب العافية ، فعن الصادق علیه السلام : «وليكن استخارتك في عافية فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله» ، وأخصر صورة فيها أن يقول : «أستخير اللّه برحمته» ، أو «أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية» ، ثلاثاً أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة أو مائة مرّة ومرّة ، والكلّ مرويّ ، وفي بعضها : في الاُمور العظام مائة ، وفي الاُمور اليسيرة بما دونه ، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً .

والأحسن تقديم تحميد وتمجيد وثناء وصلوات وتوسّل وما يحسن من الدعاء عليها ، وأفضلها بعد ركعتين للاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال ، أو في آخر سجدة من صلاة الفجر ، أو في آخر سجدة من صلاة الليل ، أو في سجدة بعد المكتوبة ، أو عند رأس الحسين علیه السلام ، أو في مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم والكلّ مرويّ ، ومثلها كلّ مكان شريف قريب من الإجابة ، كالمشاهد المشرّفة ، أو حال أو زمان كذلك ، ومن أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه ، ك «مفاتيح الغيب» للمجلسي قدّس سرّه ، و«الوسائل» و«مستدركه» ، وبما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة وأ نّها محض الدعاء والتوسّل وطلب الخير

ص: 221

وانقلاب أمره إليه ، وبما عرفت من عمل السجاد علیه السلام في الحجّ والعمرة ونحوهما يعلم أ نّها راجحة للعبادات أيضاً ، خصوصاً عند إرادة الحجّ ، ولا يتعيّن فيما يقبل التردّد والحيرة ، ولكن في رواية اُخرى : «ليس في ترك الحجّ خيرة» ، ولعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحجّ أو للواجب منه .

ثانيها : اختيار الأزمنة المختارة له من الاُسبوع والشهر ، فمن الاُسبوع يختار السبت ، وبعده الثلاثاء والخميس ، والكلّ مرويّ ، وعن الصادق علیه السلام : «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت ، فلو أنّ حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه اللّه إلى مكانه» . وعنهم علیهم السلام : «السبت لنا والأحد لبني اُميّة» . وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اللهمّ بارك لاُمّتي في بكورها يوم سبتها وخميسها» . ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها والأحد ، فقد روي : «أنّ له حدّاً كحدّ السيف» ، والاثنين فهو لبني اُميّة ، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس ، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر ، فإنّه يوم نحس مستمرّ ، وفي رواية : ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة «هل أتى» في أوّل ركعة من غداته ، فإنّه يقيه اللّه به من شرّ يوم الاثنين ، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين وحملت على التقيّة وليتجنّب السفر من الشهر والقمر في المحاق ، أو في برج العقرب أو صورته ، فعن الصادق علیه السلام : «من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى» ، وقد عدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها ، ومن ابتداء كلّ عمل بها ، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها ، وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى ، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربية ، وقد يوجّه كلّ بوجه غير وجيه ، وعلى كلّ حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكّل والمضيّ ، خلافاً على أهل الطيرة ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «كفّارة الطيرة التوكّل» . وعن أبي الحسن الثاني علیه السلام : «من

ص: 222

خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كلّ آفة ، وعوفي من كلّ عاهة وقضى اللّه حاجته ، وله أن يعالج نحوسة ما نحس من الأيّام بالصدقة» ، فعن الصادق علیه السلام : «تصدّق واخرج أيّ يوم شئت» ، وكذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما يتطيّر به الناس ، ووجد في نفسه من ذلك شيئاً ، وليقل حينئذٍ : «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني» وليتوكّل على اللّه وليمض خلافاً لأهل الطيرة ، ويستحبّ اختيار آخر الليل للسير ، ويكره أوّله ،

ففي الخبر :«الأرض تطوي من آخر الليل» ، وفي آخر : «إيّاك والسير في أوّل الليل وسر في آخره» .

ثالثها : - وهو أهمّها - : التصدّق بشيء عند افتتاح سفره ، ويستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب ، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام والأحوال ، ففي المستفيضة : رفع نحوستها بها ، وليشتري السلامة من اللّه بما يتيسّر له ، ويستحبّ أن يقول عند التصدّق : «اللهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري ، اللهمّ احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني وسلّم ما معي ، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» .

رابعها : الوصيّة عند الخروج ، لا سيّما بالحقوق الواجبة .

خامسها : توديع العيال ؛ بأن يجعلهم وديعة عند ربّه ، ويجعله خليفةً عليهم ، وذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج ويقول : «اللهمّ إنّي أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذرّيتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي» . فعن الصادق علیه السلام : «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها ، ولم يدع بذلك الدعاء إلاّ أعطاه عزّ وجلّ ما سأل» .

سادسها : إعلام إخوانه بسفره ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «حقّ على المسلم إذا أراد

ص: 223

سفراً أن يعلم إخوانه ، وحقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه» .

سابعها : العمل بالمأثورات ؛ من قراءة السور والآيات والأدعية عند باب داره ، وذكر اللّه والتسمية والتحميد وشكره عند الركوب ، والاستواء على الظهر ، والإشراف والنزول ، وكلّ انتقال وتبدّل حال ، فعن الصادق علیه السلام : «كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في سفره إذا هبط سبّح ، وإذا صعد كبّر» وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ركب وسمّى ردفه ملك يحفظه ، ومن ركب ولم يسمّ ردفه شيطان يمنّيه حتّى ينزل» .

ومنها : قراءة «القدر» للسلامة حين يسافر ، أو يخرج من منزله ، أو يركب دابّته ، و«آية الكرسي» و«السخرة» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«الفاتحة» والتسمية وذكر اللّه في كلّ حال من الأحوال .

ومنها : ما عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له ، ويقرأ «الحمد» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«آية الكرسي» أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ويقول : «اللهمّ احفظني واحفظ ما معي وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ ويبلغ ويسلم هو وما معه .

ومنها : ما عن الرضا علیه السلام : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : «بسم اللّه وباللّه توكّلت على اللّه ، ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ، تضرب به الملائكة وجوه الشياطين ، وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى اللّه وآمن به وتوكّل عليه» .

ومنها : ما كان الصادق علیه السلام يقول إذا وضع رجله في الركاب : (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ، ويسبّح اللّه سبعاً ، ويحمده سبعاً ، ويهلّله سبعاً ، وعن زين العابدين علیه السلام : «أ نّه لو حجّ رجل ماشياً وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي» . وقال : «ما قرأه أحد حين يركب دابّته إلاّ نزل منها

ص: 224

سالماً مغفوراً له ، ولقارئها أثقل على الدوابّ من الحديد» . وعن أبي جعفر علیه السلام : «لو كان شيء يسبق القدر لقلت : قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر ، أو يخرج من منزله» ، والمتكفّل لبقيّة المأثور منها - على كثرتها - الكتب المعدّة لها ، وفي وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها : اللهمّ إنّي أسأ لُك خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ حبّبنا إلى أهلها ، وحبّب صالحي أهلها إلينا» . وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «يا علي إذا نزلت منزلاً فقل : اللهمّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ، ترزق خيره ويدفع عنك شرّه» ، وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى اللّه سبحانه ، وقراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات والدعوات وقراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى : (كَلاّ إِنّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ) . وقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنَا) ، ودعاء التوجّه ، وكلمات الفرج ونحو ذلك ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يسبّح تسبيح الزهراء I ويقرأ «آية الكرسي» عند ما يأخذ مضجعه في السفر ، يكون محفوظاً من كل شيء حتّى يصبح .

ثامنها : التحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه ، ففي المستفيضة عن الصادق والكاظم علیهما السلام : «الضمان لمن خرج من بيته معتمّاً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً ، وأن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق» .

تاسعها : استصحاب عصا من اللوز المرّ ، فعنه : «من أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا» ، والنقد : عصا لوز مرّ ، وفيه نفي للفقر ، وأمان من الوحشة والضواري وذوات الحمّة ، وليصحب شيئاً من طين الحسين علیه السلام ليكون

له شفاء من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف ، ويستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه : «ما شاء اللّه ، لا قوّة إلاّ باللّه ، أستغفر اللّه» . وعلى

ص: 225

الجانب الآخر : «محمّد وعلي» وخاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه : «اللّه الملك» وعلى الجانب الآخر : «الملك للّه الواحد القهّار» .

عاشرها : اتّخاذ الرفقة في السفر ، ففي المستفيضة الأمر بها ، والنهي الأكيد عن الوحدة ، ففي وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : «لا تخرج في سفر وحدك ، فإنّ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد» . و«لعن ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» . وقال : «شرّ الناس من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده ، وأحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة ، وما زاد على سبعة إلاّ كثر لَغَطُهُم» ؛ أي تشاجرهم ، ومن اضطرّ إلى السفر وحده فليقل : «ما شاء اللّه لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، اللهمّ آمن وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي» . وينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق ، ويكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك ، وأن يصحب من يتزيّن به ، ولا يصحب من يكون زينته له ، ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم ، وعدم الاختلاف معهم ، وترك التقدّم على رفيقه في الطريق .

الحادي عشر : استصحاب السفرة والتنوّق فيها ، وتطييب الزاد والتوسعة فيه ، لا سيّما في سفر الحجّ ، وعن الصادق علیه السلام : «إنّ من المروّة في السفر كثرة الزاد وطيبه ، وبذله لمن كان معك» . نعم يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين علیه السلام بل يقتصر فيه على الخبز واللبن لمن قرب من مشهده ، كأهل العراق ، لا مطلقاً في الأظهر ، فعن الصادق علیه السلام : «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين علیه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، ولو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» ، وفي آخر : «تاللّه إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً ، وتأتونه أنتم بالسفر ، كلاّ حتّى تأتونه شعثاً غبراً» .

ص: 226

الثاني عشر : حسن التخلّق مع صحبه ورفقته ، فعن الباقر علیه السلام : «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خلق يخالق به من صحبه ، أو حلم يملك به غضبه ، أو ورع يحجزه عن معاصي اللّه» . وفي المستفيضة : «المروّة في السفر ببذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير المعاصي» . وفي بعضها : «قلّة الخلاف على من صحبك ، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم» ، وعن الصادق علیه السلام : «ليس من المروّة أن يحدث الرجل بما يتّفق في السفر من خير أو شرّ» . وعنه علیه السلام : «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقلّ لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخي نفسك» .

الثالث عشر : استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح والآلات والأدوية ، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه وليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة .

الرابع عشر : إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا كنت في سفر ومرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيّام» ، وعن الصادق علیه السلام : «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً» .

الخامس عشر : رعاية حقوق دابّته ، فعن الصادق علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للدابّة على صاحبها خصال : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها ، ولا يقف على ظهرها إلاّ في سبيل اللّه ، ولا يحملها فوق طاقتها ، ولا يكلّفها من المشي إلاّ ما يطيق» . وفي آخر : «ولا تتورّكوا على الدوابّ ، ولا تتّخذوا ظهورها مجالس» . وفي آخر : «ولا يضربها على النفار ، ويضربها على العثار ، فإنّها ترى ما لا ترون» ، ويكره التعرّس على ظهر الطريق ، والنزول في بطون الأودية ، والإسراع في السير ،

ص: 227

وجعل المنزلين منزلاً إلاّ في أرض جدبة ، وأن يطرق أهله ليلاً حتّى يعلمهم ، ويستحبّ إسراع عوده إليهم ، وأن يستصحب هديّة لهم إذا رجع إليهم ، وعن الصادق علیه السلام : «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسّر ولو بحجر . . .» الخبر ، ويكره ركوب البحر في هيجانه ، وعن أبي جعفر علیه السلام : «إذا اضطرب بك البحر فاتّكئ على جانبك الأيمن وقل : بسم اللّه اسكن بسكينة اللّه ، وقرّ بقرار اللّه واهدأ بإذن اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ، ولينادِ إذا ضلّ في طريق البرّ : «يا صالح يا أبا صالح أرشدونا رحمكم اللّه» . وفي طريق البحر : «يا حمزة» ، وإذا بات في أرض قفر فليقل : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّه ُ الّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) إلى قوله : (تَبَارَكَ اللّه ُ ربُّ العَالَمِينَ) . وينبغي للماشي أن ينسل في مشيه ؛ أي يسرع ، فعن الصادق علیه السلام : «سيروا وانسلوا فإنّه أخفّ عنكم . وجاءت المشاة إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشكوا إليه الإعياء ، فقال : عليكم بالنسلان ، ففعلوا فذهب عنهم الإعياء» . وأن يقرأ سورة «القدر» لئلاّ يجد ألم المشي كما مرّ عن السجّاد علیه السلام ، وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «زاد المسافر الحدا والشعر ما كان منه ليس فيه خناء» . وفي نسخة : «جفاء» وفي اُخرى «حنان» وليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لوناً ، وألينها تربةً ، وأكثرها عشباً .

هذه جملة ما على المسافر ، وأمّا أهله ورفقته فيستحبّ لهم تشييع المسافر وتوديعه وإعانته والدعاء له بالسهولة والسلامة ، وقضاء المآرب عند وداعه ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من أعان مؤمناً مسافراً فرّج اللّه عنه ثلاثاً وسبعين كربة ، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغمّ والهمّ ، ونفّس كربه العظيم يوم يعضّ الناس بأنفاسهم» ، وكان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إذا ودّع المؤمنين قال : «زوّدكم اللّه التقوى ، ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة وسلّم لكم دينكم ودنياكم ، وردّكم

ص: 228

سالمين إلى سالمين» . وفي آخر : «كان إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال : أحسن لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المهمّ ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليك بتقوى اللّه ، استودع اللّه نفسك ، سر على بركة اللّه عزّ وجلّ» ، وينبغي أن يقرأ في اُذنه : «إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد إن شاء اللّه» ثمّ يؤذّن خلفه وليقم كما هو المشهور عملاً ، وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحسن الخلافة فيهم ، لا سيّما مسافر الحجّ ، فعن الباقر علیه السلام : «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأ نّه يستلم الأحجار» ، وأن يوقّر القادم من الحجّ ، فعن الباقر علیه السلام : «وقّروا الحاجّ والمعتمر ، فإنّ ذلك واجب عليكم» ، وكان علي بن الحسين علیه السلام يقول : «يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ وصافحوهم وعظّموهم ، فإنّ ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر» ، وكان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول للقادم من مكّة : «قبل اللّه منك ، وأخلف عليك نفقتك ، وغفر ذنبك» .

ولنتبرّك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل والحضر ، فعن الصادق uقال : «قال لقمان لابنه : يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتضع وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحّض النصح لمن استشاره سلبه اللّه رأيه ، ونزع منه الأمانة ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون

ص: 229

فاعمل معهم ، فإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فاعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّها عي ولؤم ، وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا ، وإذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلات مريب ، لعلّه يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ، واحذروا الشخصين أيضاً إلاّ أن ترون ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها ، فإنّها دين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ ، ولا تنامنّ على دابّتك ، فإنّ ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك وابدأ بعلفها ، فإنّها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وألينها تربةً ، وأكثرها عشباً ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثمّ ودّع الأرض التي حللت بها ، وسلّم عليها وعلى أهلها ، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة ، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ وتصدّق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب اللّه ما دمت راكباً ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملاً عملاً ، وعليك بالدعاء ما دمت خالياً ، وإيّاك والسير في أوّل الليل ، وسر في آخره ، وإيّاك ورفع الصوت ، يا بنيّ سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزوّد معك من الأدوية فانتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية اللّه عزّ وجلّ» .

هذا ما يتعلّق بكلّي السفر ، ويختصّ سفر الحجّ باُمور اُخر :

ص: 230

منها : اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح ، بل الحفاء على الانتعال إلاّ أن يضعّفه عن العبادة ، أو كان لمجرّد تقليل النفقة ، وعليهما يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب ، وروي : «ما تقرّب العبد إلى اللّه عزّ وجلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وإنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة ، وما عبد اللّه بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته» .

ومنها : أن تكون نفقة الحجّ والعمرة حلالاً طيّباً ، فعنهم علیهم السلام : «إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا» . وعنهم علیهم السلام : «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية : لا لبّيك عبدي ولا سعديك» . وعن الباقر علیه السلام : «من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه في أربع : من أصاب مالاً من غلول أو رباً أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا حجّ ولا عمرة» .

ومنها : استحباب نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وكراهة نيّة عدم العود ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره ، ومن خرج من مكّة ولا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه» . وعن الصادق علیه السلام مثله مستفيضاً ، وقال لعيسى بن أبي منصور : «يا عيسى إنّي اُحبّ أن يراك اللّه فيما بين الحجّ إلى الحجّ وأنت تتهيّأ للحجّ» .

ومنها : أن لا يخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلاّ بعد أداء الفرضين بهما .

ومنها : البدءة بزيارة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لمن حجّ على طريق العراق .

ومنها : أن لا يحجّ ولا يعتمر على الإبل الجلاّلة ، ولكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها ، ولا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق ، ومن أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته

ص: 231

بالمحافظة على تصحيح النيّة ، وإخلاص السريرة ، وأداء حقيقة القربة ، والتجنّب عن الرياء ، والتجرّد عن حبّ المدح والثناء ، وأن لا يجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة والافتخار ، بل وصلة إلى التجارة والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفّح الأمصار ، وأن يراعي أسراره الخفيّة ودقائقه الجليّة ، كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام : إنّ اللّه تعالى سنّ الحجّ ووضعه على عباده إظهاراً لجلاله وكبريائه ، وعلوّ شأنه وعظم سلطانه ، وإعلاناً لرقّ الناس وعبوديتهم وذلّهم واستكانتهم ، وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم ، والملاّك لمماليكهم ، يستذلّونهم بالوقوف على باب بعد باب واللبث في حجاب بعد حجاب ، وإنّ اللّه تعالى قد شرّف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه ، واصطفاه لقدسه ، وجعله قياماً للعباد ، ومقصداً يؤمّ من جميع البلاد ، وجعل ما حوله حرماً ، وجعل الحرم آمناً ، وجعل فيه ميداناً ومجالاً وجعل له في الحلّ شبيهاً ومثالاً ، فوضعه على مثال حضرة الملوك والسلاطين ، ثمّ أذّن في الناس بالحجّ ليأتوه رجالاً وركباناً من كلّ فجّ ، وأمرهم بالإحرام وتغيير الهيئة واللباس شعثاً غبراً متواضعين مستكينين ، رافعين أصواتهم بالتلبية ، وإجابة الدعوة ، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول ، وأوقفهم في حجبه يدعونه ويتضرّعون إليه ، حتّى إذا طال تضرّعهم واستكانتهم ورجموا شياطينهم بجمارهم ، وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم وقضاء تفثهم ، ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم وبينه ، وليزوروا البيت على طهارة منهم ، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرقّ وكنه العبودية ، فجعلهم تارة يطوفون فيه ، ويتعلّقون بأستاره ، ويلوذون بأركانه ، واُخرى يسعون بين يديه مشياً وعدواً ، ليتبيّن لهم عزّ الربوبية ، وذلّ العبودية ، وليعرفوا أنفسهم ،

ص: 232

ويضع الكبر من رؤوسهم ، ويجعل نير الخضوع في أعناقهم ، ويستشعروا شعار المذلّة ، وينزعوا ملابس الفخر والعزّة وهذا من أعظم فوائد الحجّ ، مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام والوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر ، وأهوال يوم القيامة ؛ إذ الحجّ هو الحشر الأصغر ، وإحرام الناس وتلبيتهم وحشرهم إلى المواقف ووقوفهم بها والهين متضرّعين راجعين إلى الفلاح أو الخيبة والشقاء ، أشبه شيء بخروج الناس من أجداثهم ، وتوشّحهم بأكفانهم ، واستغاثتهم من ذنوبهم ، وحشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم ، بل حركات الحاجّ في طوافهم وسعيهم ورجوعهم وعودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب ملجأً ومفزعاً ، نحو أهل المحشر في أحوالهم وأطوارهم ، فبحلول هذه المشاعر والجبال والشعب والتلال ولدى وقوفه بمواقفه العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم المحشر ، وشدائد النشر ، عصمنا اللّه وجميع المؤمنين ، ورزقنا فوزه يوم الدين ، آمين ربّ العالمين . وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين (1) .

فصل : في وجوب الحجّ وعدم جواز تعطيله

فصل

من أركان الدين الحجّ ، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية من الرجال والنساء والخناثي بالكتاب والسنّة والإجماع من جميع المسلمين ، بل بالضرورة ، ومنكره في سلك الكافرين(2) ، وتاركه عمداً مستخفّاً به بمنزلتهم ،

ص: 233


1- من أوّل كتاب الحجّ إلى هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السيّد محمّد بأمر والده دام ظلّهما وعلا مجدهما .
2- مرّ الكلام في ميزان الكفر في كتاب الطهارة .

وتركه من غير استخفاف من الكبائر ، ولا يجب في أصل الشرع إلاّ مرّة واحدة في تمام العمر ، وهو المسمّى بحجّة الإسلام ؛ أي الحجّ الذي بني عليه الإسلام ، مثل الصلاة والصوم والخمس والزكاة ، وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجِدَة كلّ عام - على فرض ثبوته - شاذّ مخالف للإجماع والأخبار ، ولا بدّ من حمله على بعض المحامل ، كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد ، أو الوجوب على البدل ؛ بمعنى أ نّه يجب عليه في عامه ، وإذا تركه ففي العام الثاني وهكذا ، ويمكن حملها على الوجوب الكفائي ، فإنّه لا يبعد وجوب الحجّ كفاية على كلّ أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية عن الحجّاج ، لجملة من الأخبار الدالّة على أ نّه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحجّ ، والأخبار الدالّة على أنّ على الإمام كما في بعضها ، وعلى الوالي كما في آخر ، أن يجبر الناس على الحجّ والمقام في مكّة وزيارة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، والمقام عنده ، وأ نّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال .

(مسألة 1) : لا خلاف في أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوري ؛ بمعنى أ نّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا ، ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، فلو خالف وأخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً ، بل لا يبعد(1) كونه كبيرة ، كما صرّح به جماعة ، ويمكن استفادته من جملة من الأخبار .

(مسألة 2) : لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من

ص: 234


1- - محلّ تأمّل لو لم نقل محلّ منع ، نعم لا يبعد مع كون التأخير استخفافاً .

السفر وتهيئة أسبابه وجبت المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ في تلك السنة ، ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير مع كلّ منهم اختار(1) أوثقهم سلامةً وإدراكاً ، ولو وجدت واحدة(2) ولم يعلم حصول اُخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير والإدراك للحجّ بالتأخير ، فهل يجب الخروج مع الاُولى ، أو يجوز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الإدراك ، أو لا يجوز إلاّ مع الوثوق ؟ أقوال ، أقواها الأخير ، وعلى أيّ تقدير إذا لم يخرج مع الاُولى واتّفق عدم التمكّن من المسير ، أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً بالتأخير ؛ لأ نّه كان متمكّناً من الخروج مع الاُولى ، إلاّ إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً .

فصل : في شرائط وجوب حجّة الإسلام

وهي اُمور :

أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا على المجنون وإن كان أدوارياً ؛ إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال(3) ، ولو حجّ الصبيّ لم يجز عن حجّة الإسلام ؛ وإن قلنا بصحّة عباداته وشرعيتها كما هو الأقوى وكان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ ، ففي خبر مسمع عن الصادق علیه السلام : «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام» ، وفي خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن علیه السلام عن ابن عشر سنين ،

ص: 235


1- - على الأولى .
2- - مع عدم المحذور في الخروج معها .
3- - بمقدّماتها الغير الحاصلة .

يحجّ ؟ قال علیه السلام : «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم ، وكذا الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» .

(مسألة 1) : يستحبّ للصبيّ المميّز أن يحجّ وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، ولكن هل يتوقّف ذلك على إذن الوليّ أو لا ؟ المشهور - بل قيل : لا خلاف فيه - : أ نّه مشروط بإذنه ، لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي وللكفّارة ، ولأ نّه عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وفيه : إنّه ليس تصرّفاً مالياً ، وإن كان ربما يستتبع المال ، وأنّ العمومات كافية في صحّته وشرعيته مطلقاً ، فالأقوى عدم الاشتراط في صحّته وإن وجب الاستئذان في بعض الصور ، وأمّا البالغ فلا يعتبر في حجّه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيّتهما ، وأمّا في حجّه الواجب فلا إشكال .

(مسألة 2) : يستحبّ للوليّ أن يحرم بالصبيّ الغير المميّز بلا خلاف ؛ لجملة من الأخبار ، بل وكذا الصبيّة ، وإن استشكل فيها صاحب «المستند» ، وكذا المجنون وإن كان لا يخلو عن إشكال(1) ؛ لعدم نصّ فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه ، والمراد بالإحرام به جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول : «اللهمّ إنّي أحرمت هذا الصبيّ . . . » إلى آخره ، ويأمره بالتلبية ؛ بمعنى أن يلقّنه إيّاها ، وإن لم يكن قابلاً يلبّي عنه ، ويجنّبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ، ويأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه ، وينوب عنه في كلّ ما لا يتمكّن ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات

ص: 236


1- - لا بأس برجاء المطلوبية .

ومنى ، ويأمره بالرمي وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلّي عنه ، ولا بدّ من أن يكون طاهراً ومتوضّئاً ولو بصورة الوضوء وإن لم يمكن فيتوضّأ هو عنه(1) ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع الأعمال .

(مسألة 3) : لا يلزم كون الوليّ محرماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلاًّ .

(مسألة 4) : المشهور على أنّ المراد بالوليّ في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز الوليّ الشرعي من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما والحاكم وأمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ والخال ونحوهما والأجنبيّ ، نعم ألحقوا بالمذكورين الاُمّ وإن لم تكن وليّاً شرعياً ؛ للنصّ الخاصّ فيها ، قالوا : لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين فلا يترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيرهم، ولكن لا يبعد(2) كون المراد الأعمّ منهم وممّن يتولّى أمر الصبيّ ويتكفّله وإن لم يكن وليّاً شرعياً ؛ لقوله علیه السلام : «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ . . . » إلى آخره ، فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعي أيضاً ، وأمّا في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعي إن اعتبرنا في صحّة إحرامه الإذن .

(مسألة 5) : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ ، إلاّ إذا كان حفظه موقوفاً على السفر(3) به ، أو يكون السفر مصلحة له .

ص: 237


1- - مع عدم تمكّنه للوضوء أو للصلاة يصلّي عنه الوليّ ؛ وإن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء والصلاة ، وأحوط منه توضّؤه مع عدم إمكان إتيانه بصورته .
2- - مشكل وإن لا يخلو من قرب لا لما ذكره .
3- - فتكون مؤونة أصل السفر على الطفل لا مؤونة الحجّ به لو كانت زائدة .

(مسألة 6) : الهدي على الوليّ ، وكذا كفّارة الصيد إذا صاد الصبيّ ، وأمّا الكفّارات الاُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الوليّ ، أو في مال الصبيّ ، أو لا يجب الكفّارة في غير الصيد ؛ لأنّ عمد الصبيّ خطأ والمفروض أنّ تلك الكفّارات لا تثبت في صورة الخطأ ؟ وجوه ، لا يبعد قوّة الأخير ، إمّا لذلك ، وإمّا لانصراف أدلّتها عن الصبيّ ، لكن الأحوط تكفّل الوليّ ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «عمد الصبيّ خطأ» مختصّ بالديات ، والانصراف ممنوع وإلاّ فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً .

(مسألة 7) : قد عرفت أ نّه لو حجّ الصبيّ عشر مرّات لم يجزه عن حجّة الإسلام ، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنّه حينئذٍ يجزي عن حجّة الإسلام ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه ، وكذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر ، واستدلّوا على ذلك بوجوه : أحدها : النصوص الواردة في العبد - على ما سيأتي - بدعوى عدم خصوصية للعبد في ذلك ، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمّ حصوله قبل المشعر ، وفيه : إنّه قياس ، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكّعاً ، ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر ولا يقولون به . الثاني : ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه ، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى وفيه ما لا يخفى . الثالث : الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، وفيه : أنّ موردها من لم يحرم ، فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فالقول بالإجزاء

ص: 238

مشكل(1) ، والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل لا يخلو عن قوّة ، وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ؛ من أ نّه هل يجب تجديد النيّة لحجّة الإسلام أو لا ؟ وأ نّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا ؟ وأ نّه هل يجري في حجّ التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا ؟ إلى غير ذلك .

(مسألة 8) : إذا مشى الصبيّ إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات - وكان مستطيعاً(2) - لا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام .

(مسألة 9) : إذا حجّ باعتقاد أ نّه غير بالغ ندباً ، فبان بعد الحجّ أ نّه كان بالغاً ، فهل يجزي عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل ، وكذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنيّة الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحجّ .

الثاني من الشروط : الحرّية ، فلا يجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً من حيث المال ، بناءً على ما هو الأقوى(3) من القول بملكه ، أو بذل له مولاه الزاد والراحلة ، نعم لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال ، ولكن لا يجزيه عن حجّة الإسلام ، فلو اُعتق بعد ذلك أعاد ؛ للنصوص ، منها : خبر مسمع : «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً» ، ومنها : المملوك إذا حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن اُعتق أعاد الحجّ . وما في خبر حكم بن حكيم : «أيّما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة

ص: 239


1- - الأقوى هو الإجزاء .
2- - ولو من ذلك الموضع .
3- - فيه تأمّل .

الإسلام» ، محمول على إدراك ثواب الحجّ ، أو على أ نّه يجزيه عنها ما دام مملوكاً ؛ لخبر أبان : «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» ، فلا إشكال في المسألة ، نعم لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام بالإجماع والنصوص .

ويبقى الكلام في اُمور :

أحدها : هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق ، فهو من باب القلب أو لا ، بل هو انقلاب شرعي ؟ قولان ؛ مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى ، فلو فرض أ نّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم ولم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النيّة كفاه وأجزأه .

الثاني : هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام ، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق ، أو لا يشترط ذلك أصلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير ؛ لإطلاق النصوص وانصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة عن المقام .

الثالث : هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر ؛ سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا ؟ أو يكفي إدراك أحد الموقفين ، فلو لم يدرك المشعر ، لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى ، قولان ؛ الأحوط الأوّل ، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر ، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه ، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين ، وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر ، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً ولو مملوكاً .

الرابع : هل الحكم مختصّ بحجّ الإفراد والقران ، أو يجري في حجّ التمتّع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية ؟ الظاهر الثاني ؛ لإطلاق النصوص ، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل ؛ لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحجّ

ص: 240

لا للعمرة الواقعة حال المملوكية ، وفيه ما مرّ من الإطلاق ، ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأ نّهما عمل واحد ، هذا إذا لم ينعتق إلاّ في الحجّ ، وأمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع وأدرك بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال .

(مسألة 1) : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن يرجع في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، نعم لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبّسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه ، وإذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ إحرامه ويجب إتمامه ، أو يصحّ ويكون للمولى حلّه ، أو يبطل ؟ وجوه ، أوجهها الأخير ؛ لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع ، ودعوى : أ نّه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف ولم يعلم الوكيل ، مدفوعة : بأ نّه لا تكفي المشروعية الظاهرية وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل ، ولا يجوز القياس عليه .

(مسألة 2) : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه ، وليس للمشتري حلّ إحرامه ، نعم مع جهله بأ نّه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه .

(مسألة 3) : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكّن فعليه أن يصوم ، وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، للنصوص والإجماعات .

(مسألة 4) : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفّارة ، فهل هي على مولاه ، أو عليه ويتبع بها بعد العتق ، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع

ص: 241

العجز ، أو في الصيد عليه وفي غيره على مولاه ؟ وجوه ، أظهرها(1) كونها على مولاه ؛ لصحيحة حريز ، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه ، نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص ، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره لم يبعد كونها عليه ، حملاً لخبر عبدالرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفّارة في الصيد على مولاه ، على هذه الصورة .

(مسألة 5) : إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر ، فكالحرّ في وجوب الإتمام والقضاء ، وأمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه ، فالظاهر(2) أنّ حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ ، وقد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام ، وهل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، أو لا لأ نّه من سوء اختياره ؟ قولان ، أقواهما الأوّل(3) ؛ سواء قلنا : إنّ القضاء هو حجّه ، أو أ نّه عقوبة وأنّ حجّه هو الأوّل ، هذا إذا أفسد حجّه ولم ينعتق ، وأمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة ، وكونه مجزياً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة(4) وأنّ حجّه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة ، بل على هذا إن لم يأتِ بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام وإن كان عاصياً في ترك القضاء ، وإن انعتق بعد المشعر

ص: 242


1- - محلّ إشكال ، والاحتياط لا يترك .
2- - لا يبعد أن يكون حالها حال الهدي في الحجّ الصحيح .
3- - لكن لا لما ذكره .
4- - على هذا القول يشكل الإجزاء ؛ إذ القضاء قضاء الحجّ المندوب الفاسد لا حجّة الإسلام ، والإتمام عقوبة على الفرض ، نعم لو انعتق ثمّ أفسد فالأمر كما ذكره .

فكما ذكر ، إلاّ أ نّه لا يجزيه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع ، وإن كان مستطيعاً فعلاً ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أنّ القضاء فوري(1) أو لا ، فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه ، وعلى الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريتها دون القضاء .

(مسألة 6) : لا فرق فيما ذكر - من عدم وجوب الحجّ على المملوك ، وعدم صحّته إلاّ بإذن مولاه ، وعدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلاّ إذا انعتق قبل المشعر - بين القنّ والمدبّر والمكاتب واُمّ الولد والمبعّض إلاّ إذا هاياه مولاه وكانت نوبته

كافية ، مع عدم كون السفر خطرياً ، فإنّه يصحّ منه بلا إذن ، لكن لا يجب ، ولا يجزيه حينئذٍ عن حجّة الإسلام وإن كان مستطيعاً ؛ لأ نّه لم يخرج عن كونه مملوكاً ، وإن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في «الجواهر»(2) من قوله: «ومن الغريب ما ظنّه بعض الناس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ، ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحرّية المعلوم عدمها في المبعّض» . انتهى ، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّية .

ص: 243


1- - بناءً على فوريته فالظاهر التخيير بينهما ؛ لعدم إحراز الأهمّية في واحد منهما وما هو الأهمّ هو أصل حجّة الإسلام لا فوريته ، وأمّا سبق السبب فلا يفيد شيئاً ، كما أنّ القول بعدم تحقّق الاستطاعة مع فورية القضاء وأنّ المانع الشرعي كالعقلي غير تامّ ، ولا يسع المجال لبيانه .
2- - لا غرابة فيه ، بل دعوى الانصراف بمكان من الغرابة ، كما أنّ دعوى جريان جميع آثار الحرّية عليه في نوبته عهدتها على مدّعيها .

(مسألة 7) : إذا أمر المولى مملوكه بالحجّ وجب عليه طاعته وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره ، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحجّ أو الصلاة أو الصوم .

الثالث : الاستطاعة من حيث المال وصحّة البدن وقوّته وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنّة .

(مسألة 1) : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحجّ ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية ، وهي - كما في جملة من الأخبار - الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادراً عليه عقلاً بالاكتساب ونحوه ، وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها - لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقّة عليه أو منافياً لشرفه - أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه ؟ مقتضى إطلاق الأخبار والإجماعات المنقولة الثاني ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل ؛ لجملة من الأخبار المصرّحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاًّ ، بدعوى : أنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الاُولة حملها على صورة الحاجة ، مع أ نّها منزّلة على الغالب ، بل انصرافها إليها ، والأقوى هو القول الثاني ؛ لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع ، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحجّ المندوب وإن كان بعيداً عن سياقها ، مع أ نّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة ، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب بعيد ، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً ، وهو أيضاً بعيد ، أو نحو ذلك ، وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب ، أو يكون

ص: 244

المشي أسهل ، لانصراف الأخبار الاُولة عن هذه الصورة ، بل لو لا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة .

(مسألة 2) : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة ؛ لإطلاق الأدلّة ، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له .

(مسألة 3) : لا يشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال ؛ من غير فرق بين النقود والأملاك من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها ، ولا يشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله(1) مع الإمكان ؛ من غير فرق بين علف الدابّة وغيره ، ومع عدمه يسقط الوجوب .

(مسألة 4) : المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب ، وسائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه وجميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً ، وزمانه حرّاً وبرداً ، وشأنه شرفاً وضعة ، والمراد بالراحلة مطلق ما يركب ولو مثل السفينة في طريق البحر . واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة والضعف ، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كمّاً وكيفاً ، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعدّ ما دونهما نقصاً عليه ، يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولا يكفي ما دونه وإن كانت الآية والأخبار مطلقة ، وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات ، نعم إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحجّ وعليه

ص: 245


1- - وجوباً عقلياً لا شرعياً .

يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب .

(مسألة 5) : إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه ، هل يجب عليه أو لا ؟ الأقوى عدمه(1) وإن كان أحوط .

(مسألة 6) : إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقي إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق ، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة اُخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به وجب عليه ، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 7) : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد ، سقط الوجوب ، ولو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر ، فإن لم يتمكّن من اُجرة الشقّين سقط أيضاً ، وإن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة ، فلا وجه لما عن العلاّمة من التوقّف فيه ، لأنّ بذل المال له خسران لا مقابل له ، نعم لو كان بذله مجحفاً(2) ومضرّاً بحاله لم يجب ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء . (مسألة 8) : غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو اُجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط ، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة ، بل وكذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة ، بل وكذا لو توقّف على

ص: 246


1- - ولا يجزي عن حجّة الإسلام لو تكلّف بإتيانه .
2- - الميزان صيرورة الحجّ حرجياً عليه ، وكذا الحال في المسألة الآتية كما أشار إليه الماتن .

بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة ، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف ، نعم لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب ، وإلاّ فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول الأدلّة ، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف .

(مسألة 9) : لا يكفي في وجوب الحجّ وجود نفقة الذهاب فقط ، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة ؛ للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له ، نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود ، لإطلاق الآية والأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب ، وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد(1) من وطنه ، وإلاّ فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه .

(مسألة 10) : قد عرفت أ نّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحجّ من الزاد والراحلة ، ولا وجود أثمانها من النقود ، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها ، لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله ، ولا خادمه المحتاج إليه ، ولا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلاً عن ثياب مهنته ، ولا أثاث بيته ؛ من الفراش والأواني وغيرهما ممّا هو محلّ حاجته ، بل ولا حلي المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها ومكانها ، ولا كتب العلم لأهله التي لا بدّ له منها فيما

ص: 247


1- - ليست الأبعدية دخيلة في ذلك ، بل الميزان هو أكثرية النفقة ، نعم لو كان السكنى لضرورة ألجأته إليه ، يعتبر العود ولو مع أكثريتها .

يجب تحصيله ؛ لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية ، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه ، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه ، ولا سلاحه ولا سائر ما يحتاج إليه ، لاستلزام التكليف بصرفها في الحجّ العسر والحرج(1) ، ولا يعتبر فيها الحاجة الفعلية ، فلا وجه لما عن «كشف اللثام» من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحجّ فهو من الراحلة ، وإلاّ فهو في مسيره إلى الحجّ لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره ، ولا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذٍ ، كما لا وجه لما عن «الدروس» من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع ، فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر والحرج ، نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ ، وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه ونحوه .

(مسألة 11) : لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه وكان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحجّ أو متمّمة لها ، وكذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته ، فيجب بيع المملوكة منها ، وكذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة ، لصدق الاستطاعة حينئذٍ إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه(2) ولم يكن عليه حرج في ذلك ، نعم لو لم تكن موجودة وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك ، فلا يجب بيع ما عنده وفي ملكه ، والفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه

ص: 248


1- - ولإمكان دعوى عدم صدق المستطيع عرفاً على من يمكنه السفر بصرف ضرورياته ، خصوصاً ما يخلّ بمعاشه واكتسابه .
2- - ولا معرضاً للزوال ، وإلاّ لم تصدق الاستطاعة .

الصورة بخلاف الصورة الاُولى ، إلاّ إذا حصلت بلا سعي منه ، أو حصّلها مع عدم وجوبه فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أوّلاً .

(مسألة 12) : لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها ، لكن كانت زائدة بحسب القيمة ، وأمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً ، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحجّ أو لتتميمها ؟ قولان ؛ من صدق الاستطاعة ، ومن عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ، والأصل عدم وجوب التبديل ، والأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدّاً بها ، كما إذا كانت له دار تسوى مائة وأمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر ، فإنّه يصدق الاستطاعة ، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدّاً(1) بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط التبديل أيضاً .

(مسألة 13) : إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات ، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ، ففي جواز شرائها وترك الحجّ إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه إلاّ أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه ، فالمدار في ذلك هو الحرج(2) وعدمه ، وحينئذٍ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلاّ مع عدم الحاجة ، وإن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلاّ مع لزوم الحرج في تركه ، ولو كانت موجودة وباعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحجّ ،

ص: 249


1- - مع فرض الزيادة لا تأثير للقلّة إذا كانت متمّمة ، فالأقوى وجوب التبديل .
2- - بل لا يبعد عدم صدق الاستطاعة عرفاً إذا كان عنده ما يحتاج إلى صرفه في ضروريات معاشه ومكسبه ؛ من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده .

فحكم ثمنها حكمها ، ولو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحجّ إلاّ مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها .

(مسألة 14) : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحجّ وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شقّ عليه ترك التزويج ، والأقوى وفاقاً لجماعة اُخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجاً عليه ، أو موجباً لحدوث مرض ، أو للوقوع في الزنا ونحوه ، نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلّقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحجّ ؛ لعدم صدق الاستطاعة عرفاً .

(مسألة 15) : إذا لم يكن عنده ما يحجّ به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو بما تتمّ به مؤونته ، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحجّ إذا كان الدين حالاًّ وكان المديون باذلاً ؛ لصدق الاستطاعة حينئذٍ ، وكذا إذا كان مماطلاً وأمكن إجباره بإعانة متسلّط ، أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج ، وكذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحقّ عليه ؛ لأ نّه حينئذٍ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة ؛ لكونه مقدّمة للواجب المطلق ، وكذا لو كان الدين مؤجّلاً وكان المديون باذلاً قبل الأجل لو طالبه ، ومنع صاحب «الجواهر» الوجوب حينئذٍ بدعوى عدم صدق الاستطاعة ، محلّ منع(1) ، وأمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلاً لا يمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ، أو كان الترافع مستلزماً للحرج ، أو كان الدين مؤجّلاً مع

ص: 250


1- - بل وجيه إن كان البذل موقوفاً على المطالبة كما هو المفروض .

عدم كون المديون باذلاً فلا يجب ، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة .

(مسألة 16) : لا يجب الاقتراض للحجّ إذا لم يكن له مال وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة ؛ لأ نّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب ، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجّل لا يكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك ، فالظاهر(1) وجوبه ؛ لصدق الاستطاعة حينئذٍ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب ، أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذٍ لا يجب الاستقراض ؛ لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة .

(مسألة 17) : إذا كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحجّ مطلقاً ؛ سواء كان حالاًّ مطالباً به أو لا ، أو كونه مؤجّلاً ، أو عدم كونه مانعاً إلاّ مع الحلول والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل أو الحلول مع

عدم المطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل وسعة الأجل للحجّ والعود أقوال ، والأقوى كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل والوثوق بالتمكّن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحجّ ، وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة ، وهي المناط في الوجوب ، لا مجرّد كونه مالكاً للمال وجواز التصرّف فيه بأيّ وجه أراد ، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة ، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن ، والأخبار الدالّة على جواز الحجّ لمن عليه دين لا تنفع في

ص: 251


1- - بل الظاهر عدم وجوبه ومن قبيل تحصيل الاستطاعة .

الوجوب ، وفي كونه حجّة الإسلام ، وأمّا صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق علیه السلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحجّ ؟ قال : «نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» ، وخبر عبدالرحمن عنه علیه السلام أ نّه

قال : «الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين» ، فمحمولان على الصورة التي ذكرنا ، أو على من استقرّ عليه الحجّ سابقاً وإن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر ، فالأولى الحمل الأوّل ، وأمّا ما يظهر من صاحب «المستند» من أنّ كلاًّ من أداء الدين والحجّ واجب ، فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ، وتقديم الحجّ في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود ، ولو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ، ففيه : أ نّه لا وجه للتخيير في الصورتين الاُوليين ، ولا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب - تخييراً أو تعييناً - مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام ، خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير ، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد والمفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحجّ فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية(1) ، نعم لو استقرّ عليه وجوب الحجّ سابقاً فالظاهر التخيير(2) ؛ لأ نّهما حينئذٍ في عرض واحد وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاًّ مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمّية حقّ الناس من حقّ اللّه ، لكنّه ممنوع ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع

ص: 252


1- - وهي غير حاصلة ، لا العقلية ؛ حتّى تكون حاصلة مزاحمة ، فالقيد في محلّه .
2- - إن لم يمكنه الجمع ولو بالحجّ متسكّعاً .

المال عليهما ، ولا يقدّم دين الناس ، ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب ، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لا يخفى .

(مسألة 18) : لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحجّ بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا ، كما إذا استطاع للحجّ ثمّ عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلاً على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة ، أو بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال فحاله حال تلف المال من دون دين ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً .

(مسألة 19) : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ لو لاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة ؛ لأنّ المستحقّين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما ، ولا يكون مستطيعاً ، وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه سابقاً يجيء الوجوه المذكورة من التخيير ، أو تقديم حقّ الناس ، أو تقديم الأسبق . هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته ، وأمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحجّ ؛ سواء كان مستقرّاً عليه أو لا ، كما أ نّهما يقدّمان على ديون الناس أيضاً ، ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً فكما لو سبق الدين .

(مسألة 20) : إذا كان عليه دين مؤجّل بأجل طويل جدّاً ، كما بعد خمسين سنة ، فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة ، وكذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل الهند ، فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية ، أو خمسين ألف ، لإظهار الجلالة ، وليسوا مقيّدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة ووجوب الحجّ ، وكالدين ممّن بناؤه

ص: 253

على الإبراء(1) إذا لم يتمكّن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء بعد ذلك .

(مسألة 21) : إذا شكّ في مقدار ماله وأ نّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص أم لا ؟ وجهان ؛ أحوطهما ذلك ، وكذا إذا علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأ نّه يكفيه أو لا .

(مسألة 22) : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب وكان له مال غائب ، لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ بهذا الذي بيده استصحاباً لبقاء الغائب ، فهو كما لو شكّ في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا ، فلا يعدّ(2) من الأصل المثبت .

(مسألة 23) : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ، يجوز له(3) قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا بعد التمكّن منه فلا يجوز وإن كان قبل خروج الرفقة ، ولو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمّته مشغولة به ، والظاهر صحّة التصرّف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراماً ؛ لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج ، نعم لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحجّ

ص: 254


1- - مع الاطمئنان به وبإنجاز وعده .
2- - لأنّ موضوع وجوب الحجّ مركّب محرز بالأصل والوجدان ، وتنظيره صحيح من وجه وإن كان له فارق من جهة .
3- - إذا كان عدم التمكّن لأجل عدم الصحّة في البدن أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرّف كما في المتن ، وأمّا إذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول ، فضلاً عن العلم به ، ولو تصرّف والحال هذه استقرّ عليه الحجّ إذا فرض رفع العذر فيما بعد .

لا لغرض شرعي أمكن أن يقال(1) بعدم الصحّة ، والظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنة ، فلو لم يتمكّن فيها ولكن يتمكّن في السنة الاُخرى لم يمنع عن جواز التصرّف ، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة ، فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين .

(مسألة 24) : إذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضمّاً إلى ماله الحاضر ، وتمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب ، يكون مستطيعاً ، ويجب عليه الحجّ ، وإن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه ولو بتوكيل من يبيعه هناك ، فلا يكون مستطيعاً إلاّ بعد التمكّن منه ، أو الوصول في يده ، وعلى هذا فلو تلف في الصورة الاُولى بقي وجوب الحجّ مستقرّاً عليه(2) إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط ، ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقرّ ، وكذا إذا مات مورّثه وهو في بلد آخر وتمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن ، فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني .

(مسألة 25) : إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلاً به أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ، ثمّ تذكّر بعد أن تلف(3) ذلك المال ، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين

ص: 255


1- - لكنّه ضعيف .
2- - إذا لم يحجّ مع التمكّن فتلف بعد مضيّ الموسم ، أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة على الأقوى .
3- - بتقصير منه بعد تمامية سائر الشرائط ولو قبل أوان خروج الرفقة ، أو تلف بعد مضيّ موسم الحجّ .

وجوده ، والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة ، غاية الأمر أ نّه معذور في ترك ما وجب عليه ، وحينئذٍ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره ، وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أ نّه كان بقدر الاستطاعة ، فلا وجه لما ذكره المحقّق القمّي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب ؛ لأ نّه لجهله لم يصر مورداً ، وبعد النقل والتذكّر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه ؛ لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف .

(مسألة 26) : إذا اعتقد أ نّه غير مستطيع فحجّ ندباً ، فإن قصد امتثال الأمر(1) المتعلّق به فعلاً وتخيّل أ نّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام ؛ لأ نّه حينئذٍ من باب الاشتباه في التطبيق ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها وإن كان حجّه صحيحاً(2) ، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك ، وأمّا لو علم بذلك وتخيّل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزي ؛ لأ نّه يرجع إلى التقييد .

(مسألة 27) : هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحجّ بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة ، أو باعه محاباة كذلك وجهان ، أقواهما العدم ، لأنّها في معرض الزوال إلاّ إذا كان

ص: 256


1- - لكن وقوع ذلك مع العلم والالتفات بالحكم والموضوع مشكل .
2- - فيه تأمّل .

واثقاً(1) بأ نّه لا يفسخ ، وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم يكن رحماً ، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع ، ويمكن أن يقال بالوجوب هنا ؛ حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة .

(مسألة 28) : يشترط في وجوب الحجّ بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال ، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة ، وكذا لو حصل عليه دين قهراً عليه ، كما إذا أتلف مال غيره خطأً ، وأمّا لو أتلفه عمداً ، فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمداً في عدم زوال استقرار الحجّ .

(مسألة 29) : إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ، فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، لا يبعد الإجزاء(2) ، ويقرّبه ما ورد من أنّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحجّ أيضاً .

(مسألة 30) : الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة ، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب ؛ لصدق الاستطاعة ، ويؤيّده الأخبار الواردة

ص: 257


1- - الوثوق والاطمئنان موجب للزوم الحجّ عليه ظاهراً ، لكن لو فسخ قبل تمام الأعمال يكشف عن عدم الاستطاعة .
2- - بعد البناء المذكور لا وجه للإجزاء ولا دليل عليه ، وما دلّ على إجزاء حجّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم غير مربوط بالمقام ، وأبعد من ذلك التلف في أثناء الحجّ إذا كان المراد أعمّ من تلف مؤونة إتمامه .

في البذل ، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرّف في ماله بما يعادل مائة ليرة - مثلاً - وجب عليه الحجّ ويكون كما لو كان مالكاً له .

(مسألة 31) : لو أوصى له بما يكفيه للحجّ ، فالظاهر وجوب الحجّ(1) عليه بعد موت الموصي ، خصوصاً إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له ، وقلنا بملكيته ما لم يردّ ، فإنّه ليس له الردّ حينئذٍ .

(مسألة 32) : إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين في كلّ عرفة ثمّ حصلت لم يجب عليه(2) الحجّ ، بل وكذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً ، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلّق عليه ، بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة - مثلاً - في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك ، فإنّ هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحجّ به ، وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة ، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحجّ ، ثمّ حصلت الاستطاعة وإن لم يكن ذلك الواجب أهمّ من الحجّ ؛ لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب ، وأمّا لو حصلت الاستطاعة أوّلاً

ص: 258


1- - بل الظاهر عدم الوجوب ؛ لما قلنا باعتبار القبول في حصول الملكية ومعه لا وجه لوجوبه ؛ لأ نّه من قبيل تحصيل الاستطاعة .
2- - بل لا إشكال في أ نّه يجب الحجّ لأهمّيته ، والعذر الشرعي ليس شرطاً للوجوب ولا مقوّماً للاستطاعة ، فلا بدّ من ملاحظة الأهمّ بعد حصول الاستطاعة ولا إشكال في كون الحجّ أهمّ ، وأمّا بناءً على كون العذر الشرعي دخيلاً في الاستطاعة فلا وجه للفرق بين تقدّم الاستطاعة وتأخّرها ، فالتفصيل غير وجيه ، وما ذكرنا سيّال في مزاحمة الحجّ لجميع الواجبات والمحرّمات ؛ أي لا بدّ من ملاحظة الأهمّ ، وأمّا انحلال النذر ففيه كلام .

ثمّ حصل واجب فوري آخر - لا يمكن الجمع بينه وبين الحجّ - يكون من باب المزاحمة ، فيقدّم الأهمّ منهما ، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدّم على الحجّ ، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحجّ فيه ، وإلاّ فلا ، إلاّ أن يكون الحجّ قد استقرّ عليه سابقاً ، فإنّه يجب عليه ولو متسكّعاً .

(مسألة 33) : النذر المعلّق على أمر قسمان : تارة يكون التعليق على وجه الشرطية ، كما إذا قال : إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين علیه السلام في عرفة ، وتارة يكون على نحو الواجب المعلّق ، كأن يقول : للّه عليّ أن أزور الحسين في عرفة عند مجيء مسافري ، فعلى الأوّل يجب الحجّ إذا حصلت الاستطاعة قبل مجيء مسافره ، وعلى الثاني لا يجب(1) فيكون حكمه حكم النذر المنجّز في أ نّه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب الحجّ ؛ سواء حصل المعلّق عليه قبلها أو بعدها وكذا لو حصلا معاً لا يجب الحجّ ، من دون فرق بين الصورتين ، والسرّ في ذلك أنّ وجوب الحجّ مشروط والنذر مطلق ، فوجوبه يمنع من تحقّق الاستطاعة .

(مسألة 34) : إذا لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: حجّ وعليّ نفقتك ونفقة عيالك ، وجب عليه ، وكذا لو قال : حجّ بهذا المال ، وكان كافياً له ذهاباً وإياباً ولعياله ، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها ؛ من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها(2) إيّاه ، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها ، ولا بين أن يكون

ص: 259


1- - مرّ الوجوب في النذر المطلق ، فضلاً عن المعلّق ، ومرّ السرّ فيه ، فما جعله سرّاً غير وجيه .
2- - للحجّ .

البذل واجباً عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا ، ولا بين كون الباذل موثوقاً به(1) أو لا على الأقوى ، والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف ، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين ؛ من التمليك أو الوجوب ، وكذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به ؛ كلّ ذلك لصدق الاستطاعة ، وإطلاق المستفيضة من الأخبار ، ولو كان له بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضاً ، ولو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب ، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله إلاّ إذا كان عنده ما يكفيهم(2) إلى أن يعود ، أو كان لا يتمكّن من نفقتهم مع ترك الحجّ أيضاً .

(مسألة 35) : لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية ، نعم لو كان حالاًّ وكان الديّان مطالباً مع فرض تمكّنه من أدائه لو لم يحجّ ولو تدريجاً ، ففي كونه مانعاً أو لا وجهان .

(مسألة 36) : لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية .

(مسألة 37) : إذا وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ ، وجب عليه القبول على الأقوى ، بل وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ به أو لا ، وأمّا لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً ، فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور .

(مسألة 38) : لو وقف شخص لمن يحجّ أو أوصى أو نذر كذلك ، فبذل المتولّي أو الوصيّ أو الناذر له وجب عليه ؛ لصدق الاستطاعة ، بل إطلاق

ص: 260


1- - الأقوى اعتبار الوثوق ؛ لمنع صدق الاستطاعة بدونه ومنع الإطلاق .
2- - أو كان لهم كفيل غيره .

الأخبار(1) ، وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحجّ بشرط أن يحجّ ، فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي .

(مسألة 39) : لو أعطاه ما يكفيه للحجّ خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحجّ به فالظاهر الصحّة(2) ووجوب الحجّ عليه إذا كان فقيراً ، أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه .

(مسألة 40) : الحجّ البذلي مجزٍ عن حجّة الإسلام ، فلا يجب عليه إذا استطاع مالاً بعد ذلك على الأقوى .

(مسألة 41) : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام ، وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان(3) ، ولو وهبه للحجّ فقبل ، فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض ، وعدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرّف الموهوب له .

(مسألة 42) : إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان(4) .

ص: 261


1- - وعليه - كما ليس ببعيد - لا يعتبر فيه ما يعتبر في الاستطاعة الملكية من الرجوع إلى الكفاية وعدم الدين .
2- - الظاهر لغوية الشرط وعدم وجوب الحجّ ، نعم لو أعطاه من سهم سبيل اللّه لصرفه في الحجّ لا يجوز صرفه في غيره ، ولكن لا يجب عليه القبول ولا يكون من الاستطاعة المالية ولا البذلية ، فيجب عليه الحجّ لو استطاع بعد .
3- - أقواهما الجواز .
4- - لا يبعد الوجوب عليه ، كما لا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحجّ في الفرع السابق إذا رجع بعد الإحرام .

(مسألة 43) : إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة ، فالظاهر(1) الوجوب عليهم كفاية ، فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحجّ فيجب على الكلّ ؛ لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكلّ ، نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماءً يكفي لواحد منهم ، فإنّ تيمّم الجميع يبطل .

(مسألة 44) : الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل ، وأمّا الكفّارات فإن أتى بموجبها عمداً اختياراً فعليه ، وإن أتى به اضطراراً أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره ، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان(2) .

(مسألة 45) : إنّما يجب بالبذل الحجّ الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة ، فلو بذل للآفاقي بحجّ القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه ، وكذا لو بذل للمكّي لحجّ التمتّع لا يجب عليه ، ولو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانياً ، ولو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام وصار معسراً وجب عليه ، ولو كان عليه حجّة النذر أو نحوه ولم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه ؛ وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحجّ ؛ لشمول الأخبار(3) من حيث التعليل فيها بأ نّه بالبذل صار مستطيعاً ، ولصدق الاستطاعة عرفاً .

(مسألة 46) : إذا قال له : بذلت لك هذا المال مخيّراً بين أن تحجّ به أو تزور الحسين علیه السلام ، وجب عليه الحجّ .

ص: 262


1- - محلّ إشكال .
2- - أوجههما عدم الوجوب على الباذل .
3- - بل لتمكّنه به من أداء الواجب فانقطع عذره ، هذا إذا بذله لحجّه النذري أو بلا عنوان ، وأمّا لو بذل لحجّة الإسلام ففيه تفصيل .

(مسألة 47) : لو بذل له مالاً ليحجّ بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب .

(مسألة 48) : لو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان يتمكّن من أن يأتي ببقيّة الأعمال من مال نفسه ، أو حدث له مال بقدر كفايته ، وجب عليه(1) الإتمام ، وأجزأه عن حجّة الإسلام .

(مسألة 49) : لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً ، فلو قالا له : حجّ وعلينا نفقتك ، وجب عليه .

(مسألة 50) : لو عيّن له مقداراً ليحجّ به واعتقد كفايته ، فبان عدمها وجب عليه(2) الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع ، إلاّ إذا كان ذلك مقيّداً بتقدير كفايته .

(مسألة 51) : إذا قال : اقترض وحجّ وعليّ دينك ، ففي وجوب ذلك عليه نظر ؛ لعدم صدق الاستطاعة عرفاً ، نعم لو قال : اقترض لي وحجّ به ، وجب مع وجود المقرض كذلك .

(مسألة 52) : لو بذل له مالاً ليحجّ به فتبيّن بعد الحجّ أ نّه كان مغصوباً ، ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام وعدمها وجهان ، أقواهما العدم ، أمّا لو قال : حجّ وعليّ نفقتك ، ثمّ بذل له مالاً فبان كونه مغصوباً ، فالظاهر صحّة الحجّ ، وأجزأه(3) عن حجّة الإسلام ؛ لأنّه استطاع بالبذل وقرار الضمان

ص: 263


1- - ومع اجتماع سائر الشرائط قبل إحرامه يجزي عن حجّة الإسلام ، وإلاّ فمحلّ إشكال .
2- - الظاهر عدم الوجوب .
3- - بل الظاهر عدم إجزائه عنها .

على الباذل في الصورتين ؛ عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلاً .

(مسألة 53) : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ باُجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحجّ ، ولا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير ؛ لأنّ الواجب عليه في حجّ نفسه أفعال الحجّ ، وقطع الطريق مقدّمة توصّلية بأيّ وجه أتى بها كفى ، ولو على وجه الحرام ، أو لا بنيّة الحجّ ، ولذا لو كان مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق ، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضاً ، ولا يضرّ بحجّه ، نعم لو آجر نفسه لحجّ بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي كإجارته لزيارة بلدية أيضاً ، أمّا لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان مشيه للمستأجر الأوّل ، فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه ؛ أصلاً أو بالإجارة .

(مسألة 54) : إذا استؤجر ؛ أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً ، لا يجب عليه القبول ، ولا يستقرّ الحجّ عليه ، فالوجوب عليه مقيّد بالقبول ووقوع الإجارة ، وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجاً عليه ؛ لصدق الاستطاعة ، ولأ نّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة ، كما إذا كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابّته وكانت كافية في استطاعته ، وهو كما ترى ؛ إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره ، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار .

(مسألة 55) : يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير ، وإن

ص: 264

حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحجّ النيابي(1) ، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه ، وإلاّ فلا .

(مسألة 56) : إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام ، فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك ، وما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً ، كما صرّح به في بعضها الآخر فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة(2) على غير المستطيع ، وواجبة على المستطيع ، ويتحقّق الأوّل بأيّ وجه أتى به ، ولو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة ، ولا يتحقّق الثاني إلاّ مع حصول شرائط الوجوب .

(مسألة 57) : يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مؤونة الذهاب والإياب وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع ، فمع عدمه لا يكون مستطيعاً ، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً وإن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى ، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسّب وهو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفّلاً لإنفاق يتيم في حجره ولو أجنبيّ يعدّ عيالاً له ، فالمدار على العيال العرفي .

(مسألة 58) : الأقوى - وفاقاً لأكثر القدماء - اعتبار الرجوع إلى كفاية ؛ من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له ؛ من بستان أو دكّان أو نحو ذلك ، بحيث لا يحتاج إلى التكفّف ، ولا يقع في الشدّة والحرج ، ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته وإن لم يكن له رأس مال

ص: 265


1- - إن كان الاستئجار للسنة الاُولى .
2- - صدق عنوان حجّة الإسلام عليه محلّ تأمّل ، والأمر سهل .

يتّجر به . نعم ، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية ، ولا يبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فإذا حصل لهم مقدار مؤونة الذهاب والإياب ومؤونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم(1) ، بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسّب إذا حصل له مقدار مؤونة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كلّ من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤونة الذهاب والإياب من دون حرج عليه .

(مسألة 59) : لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحجّ به ، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له ، وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به ، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحجّ ، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف ، وإن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار : سأل الصادق علیه السلام الرجل يحجّ من مال ابنه وهو صغير ؟ قال : «نعم يحجّ منه حجّة الإسلام» ، قال : وينفق منه ؟ قال : «نعم» ، ثمّ قال : «إنّ مال الولد لوالده ، إنّ رجلاً اختصم هو ووالده إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقضى أنّ المال والولد للوالد» . وذلك لإعراض الأصحاب عنه ، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه ، أو على ما إذا كان فقيراً وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحجّ أزيد من نفقته في الحضر ؛ إذ الظاهر الوجوب حينئذٍ(2) .

(مسألة 60) : إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحجّ من ماله ، فلو حجّ في

ص: 266


1- - بل لا يجب عليهم ، ولا على الفقير الذي عادته أخذ الوجوه ، وكذا لا يجب على من لا يتفاوت حاله على الأقوى .
2- - بل الظاهر عدم الوجوب .

نفقة غيره لنفسه أجزأه ، وكذا لو حجّ متسكّعاً ، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ وأجزأه ، نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصحّ(1)، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً .

(مسألة 61) : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنية ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤونته ، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم يكن عنده مؤونته .

(مسألة 62) : ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية ، فلو كان الوقت ضيّقاً لا يمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة لم يجب ، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلاّ فلا .

(مسألة 63) : ويشترط أيضاً الاستطاعة السربية ؛ بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال وإلاّ لم يجب ، وكذا لو كان غير مأمون ؛ بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، وكان الطريق منحصراً فيه أو كان جميع الطرق كذلك ، ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون ، ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلاّ أ نّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد ؛ مثل ما إذا كان من أهل العراق ولا يمكنه إلاّ أن يمشي إلى كرمان ، ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جدّة مثلاً ، ومنه إلى المدينة ، ومنها إلى

ص: 267


1- - فيه إشكال ، نعم الأحوط عدم صحّة صلاة الطواف مع غصبية الثوب ، وأمّا غصبية ثمن الهدي مع الشراء بالذمّة فلا توجب البطلان .

مكّة ، فهل يجب أو لا ؟ وجهان ، أقواهما عدم الوجوب ؛ لأ نّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلّى السرب .

(مسألة 64) : إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به(1) لم يجب ، وكذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري(2) سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهمّ من الحجّ ، كإنقاذ غريق أو حريق ، وكذا إذا توقّف على ارتكاب محرّم ، كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة .

(مسألة 65) : قد علم ممّا مرّ أ نّه يشترط في وجوب الحجّ مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرّية ، الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية ، وعدم استلزامه الضرر(3) ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام ومع فقد أحد هذه لا يجب .

فبقي الكلام في أمرين :

أحدهما : إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً ، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقّقاً ، فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حرّاً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ، ثمّ بان أ نّه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة

الإسلام ، وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة الإسلام كما مرّ سابقاً ، وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى

ص: 268


1- - يكون تحمّله حرجياً ، وأمّا مطلق الضرر فغير معلوم .
2- - المعيار في كون ترك الواجب وارتكاب المحرّم موجباً لسقوط الحجّ هو كونه أهمّ منه ؛ كان الواجب سابقاً أو لاحقاً كما مرّ .
3- - مرّ التفصيل فيه وفي تالييه .

ذي الحجّة(1) ، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك ، كما إذا تلف ماله ، وجب عليه الحجّ ولو متسكّعاً ، وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحجّ ، ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان(2) ؛ من فقد الشرط واقعاً ، ومن أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة ، وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافياً وترك الحجّ ، فالظاهر الاستقرار عليه ، وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحجّ فبان الخلاف ، فالظاهر كفايته(3) وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الضرر أو الحرج فترك الحجّ فبان الخلاف ، فهل يستقرّ عليه الحجّ أو لا ؟ وجهان ، والأقوى عدمه ؛ لأنّ المناط في الضرر الخوف(4) ، وهو حاصل إلاّ إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش ، وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحجّ ، فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف ، وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف ، فالظاهر الاستقرار .

ثانيهما : إذا ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً ، أو حجّ مع فقد بعضها

ص: 269


1- - بل إلى زمان تمام العمل ، ويحتمل اشتراط بقائه إلى زمان إمكان العود إلى محلّه على إشكال فيه .
2- - أقواهما عدم الإجزاء .
3- - محلّ إشكال في الضرر النفسي والحرج ، وكذا الضرر المالي البالغ حدّ الحرج ، وأمّا غير بالغه فلا يمنع عن وجوب الحجّ ، نعم لو تحمّل الضرر والحرج حتّى بلغ الميقات فارتفع الضرر والحرج وصار مستطيعاً فالأقوى كفايته .
4- - موضوعية الخوف محلّ إشكال بل منع ، خصوصاً في الحرج .

كذلك ، أمّا الأوّل : فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة ، وأمّا الثاني : فإن حجّ مع عدم البلوغ أو عدم الحرّية فلا إشكال في عدم إجزائه ، إلاّ إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ(1) ، وإن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فظاهرهم مسلّمية عدم الإجزاء ولا دليل عليه(2) إلاّ الإجماع ، وإلاّ فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبيّ صلاة الظهر مستحبّاً ، بناءً على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت ، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها ، ودعوى : أنّ المستحبّ لا يجزي عن الواجب ، ممنوعة بعد اتّحاد ماهية الواجب والمستحبّ ، نعم لو ثبت تعدّد ماهية حجّ المتسكّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب ، بل لتعدّد الماهية ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب ، وعن «الدروس» الإجزاء إلاّ إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس وقارن(3) بعض المناسك ، فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الإجزاء بأنّ ذلك من

ص: 270


1- - ومرّ أنّ الأقوى هو الإجزاء .
2- - هذا ممنوع مع أنّ الإجماع كافٍ مع عدم الدليل ، مع أنّ قيام الدليل على عدم الإجزاء في الصغير والعبد يدفع تنظيره الآتي ، فعدم الإجزاء خالٍ من الإشكال .
3- - المناط تحقّق الاستطاعة بجميع شرائطها قبل الإحرام من الميقات ، فلو حجّ مع عدم الأمن أو مع عدم صحّة البدن أو مع الحرج وصار قبل الإحرام مستطيعاً بكون الطريق من الميقات إلى تمام الأعمال أمناً وارتفع الحرج والضرر وتحقّق الشروط يجزي حجّه عن حجّة الإسلام ، بخلاف ما لو فقد شرط من حال الإحرام إلى تمام العمل ، فلو كان نفس الحجّ ولو ببعض أجزائه حرجياً أو ضررياً على النفس ، فالظاهر عدم الإجزاء .

باب تحصيل الشرط ، فإنّه لا يجب ، لكن إذا حصّله وجب ، وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط ، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر ، أو عدم الحرج ، نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة . هذا ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في «الدروس» لا لما ذكره ، بل لأنّ الضرر(1) والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى .

(مسألة 66) : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه(2) عن حجّة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه - لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ؛ لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج - بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع ، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ ، نعم لو كان الحجّ مستقرّاً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة ، وأمكن أن يقال بالإجزاء ، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه ، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان .

(مسألة 67) : إذا كان في الطريق عدوّ لا يدفع إلاّ بالمال ، فهل يجب بذله

ص: 271


1- - فيه إشكال بل منع ، فلا معنى لبقاء أصل الطلب بعد رفع الوجوب وفقدان الاستطاعة .
2- - الأقوى الإجزاء ولو استلزم لترك الأهمّ ، فضلاً عن غيره ، ومرّ الإشكال في تعليله .

ويجب الحجّ أو لا ؟ أقوال(1) ، ثالثها : الفرق بين المضرّ بحاله وعدمه ، فيجب في الثاني دون الأوّل .

(مسألة 68) : لو توقّف الحجّ على قتال العدوّ لم يجب(2) ، حتّى مع ظنّ الغلبة عليه والسلامة ، وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة .

(مسألة 69) : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه ، إلاّ مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً ، أو استلزامه الإخلال بصلاته(3) ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه ، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّه ؛ لأنّ ذلك في المقدّمة ، وهي المشي إلى الميقات ، كما إذا ركب دابّة غصبية إلى الميقات .

(مسألة 70) : إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها ، ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ، ولو تركها عصى ، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته ، لا في عين ماله ،

ص: 272


1- - رابعها : التفصيل بين كون العدوّ مانعاً عن العبور ولم يكن السرب مخلّى عرفاً ولكن يمكن تخليته بالمال فلا يجب ، وبين عدم المنع منه لكن يأخذ الظالم من كلّ عابر شيئاً فيجب ، إلاّ إذا كان الدفع حرجياً وهذا هو الأقوى .
2- - إذا كان السرب غير مخلّى عرفاً لا يجب تحصيل تخليته مطلقاً ، وأمّا لو كان السرب مخلّى ولكن كان في البلد - مثلاً - عدوّ يمنعه عن الإخراج للحجّ ، فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة والغلبة أو الاطمئنان والوثوق بهما ، ومع ذلك لا تخلو المسألة من الإشكال .
3- - بأصل صلاته لا بتبديل بعض حالاته ، وأمّا مع إيجابه لأكل النجس وشربه فسقوط الحجّ به في غاية الإشكال ، بل لا يبعد عدم السقوط ولزوم التحرّز عن النجس حتّى الإمكان والاقتصار على الضرورة .

وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه(1) وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حقّ ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة إلاّ أ نّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما ؛ بناءً على ما هو الأقوى(2) من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة .

(مسألة 71) : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه .

(مسألة 72) : إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله ، أو حصر كذلك ، أو هرم بحيث لا يقدر ، أو كان حرجاً عليه ، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى ، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب ، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب ، وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان ، لا يخلو أوّلهما(3) عن قوّة ؛ لإطلاق الأخبار

المشار إليها ، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ،

ص: 273


1- - مرّ الإشكال في بطلان غير الصلاة من النسك مع غصبية الثوب والاحتياط في الصلاة ، ومرّ الكلام في ثمن الهدي .
2- - مرّ ما هو الأقرب في محلّه .
3- - بل ثانيهما .

والظاهر فورية(1) الوجوب كما في صورة المباشرة ، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حجّ النائب ، فلا يجب القضاء عنه وإن كان مستقرّاً عليه ، وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك ، فالمشهور : أ نّه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب ، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن الأقوى عدم الوجوب ؛ لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه ، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه ، ولا دليل على وجوبه مرّة اُخرى ، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة ، فالظاهر كفاية فعل النائب ، بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه ، ومعه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لا يجزي عن الواجب ؛ إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أ نّه هو ، بل يمكن أن يقال(2) : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب - بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب - إنّه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام ، ودعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها ، خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره ، وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف ، وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحجّ النذري

ص: 274


1- - الحكم فيها مبنيّ على الاحتياط .
2- - لكن الأقوى خلافه ، ومنه يعلم حال الاحتمال الآتي ، وما ذكره في وجهه غير وجيه ، فالظاهر بطلان الإجارة لعدم الموضوع ، وإمكان الإبلاغ وعدمه لا دخل له بصحّة الإجارة وعدمها .

والإفسادي(1) أيضاً ؟ قولان ، والقدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة ، وإن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلاّ بأزيد من اُجرة المثل ولم يتمكّن من الزيادة ، أو كانت مجحفة(2) سقط الوجوب ، وحينئذٍ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه ، ولا يجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار ، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا ؟ وجهان ، أقواهما نعم(3) ، لأ نّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة ، ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب «المدارك» عدمها ووجوب الإعادة ؛ لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزي عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرّع(4) عنه في صورة وجوب الاستنابة ، وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته ؟ وجهان ، لا يبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع ، ولكن الأحوط خلافه ؛ لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً .

ص: 275


1- - فيه تفصيل .
2- - مورثة للحرج .
3- - بل أقواهما عدم الوجوب ؛ لعدم وجوب الاستنابة مع عدم الاستقرار كما مرّ .
4- - بل الظاهر عدم الكفاية ، وفي كفاية الاستنابة من الميقات إشكال ، وإن كان الأقرب كفايتها .

(مسألة 73) : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق ؛ فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، فلا يجب القضاء عنه ، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذٍ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلاّ إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي ؛ حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم : وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام ، فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها ، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل «المقنعة» ، مع أ نّه يمكن أن يكون المراد من قوله : قبل أن يحرم ، قبل أن يدخل في الحرم ، كما يقال : أنجد ، أي دخل في نجد ، وأيمن أي دخل اليمن ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ؛ لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولا يعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك ؛ لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم . والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين ، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل ؛ لظهور الأخبار في الموت في الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد ، كما أنّ الظاهر أ نّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس ، لكنّه مشكل ؛ لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلاّن بخلاف حجّ التمتّع ، فإنّ العمرة فيه داخلة في

ص: 276

الحجّ ، فهما عمل واحد . ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام فلا يجري الحكم في حجّ النذر والإفساد(1) إذا مات في الأثناء ، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم ، وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحجّ عليه فيجزيه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك ؟ وجهان(2) ، بل قولان ؛ من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، ومن أ نّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية ، ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد بعض الشرائط الاُخر مع كونه موسراً ، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه ، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب ، وكلاهما منافٍ لإطلاقها ، مع أ نّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل ، مع أ نّه مسلّم بينهم ، والأظهر الحكم بالإطلاق ، إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق - كما عليه جماعة - وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد ، وإمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك واستفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج ، وهذا هو الأظهر ، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقرّ عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك .

ص: 277


1- - فيه تفصيل .
2- - أوجههما الثاني ، وأمّا حمل الأخبار على القدر المشترك والحكم باستحباب القضاء عنه فيما ذكره فغير وجيه .

(مسألة 74) : الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع ؛ لأ نّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً ، ولكن لا يصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ؛ لأنّ الإسلام شرط في الصحّة ، ولو مات لا يقضى عنه ؛ لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء ، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه ، وكذا لو استطاع بعد إسلامه ، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى ؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله(1) كقضاء الصلوات والصيام ، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء ، وإذا أسلم سقط عنه ، ودعوى : أ نّه لا يعقل الوجوب عليه ، إذ لا يصحّ منه إذا أتى به وهو كافر ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة ؛ بأ نّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّمياً ليعاقب ، لا حقيقياً ، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به ، لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك ، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها ، وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال : إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء ، ومع تركها قضاء ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق ، فحاصل الإشكال : أ نّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولا يجب عليه إذا أسلم

ص: 278


1- - فيسقط بالإسلام سببية الاستطاعة الحاصلة في حال الكفر فيسقط الحجّ المسبّب ، فلا معنى لاستقراره وبقائه ، وليس لحجّ المتسكّع وجوب آخر غير وجوب أصل الحجّ ، وهذا نظير سقوط سبب الكفّارات والحدود بالإسلام ، وأمّا الإشكال العقلي فلحلّه مقام آخر وإن كان بعض ما ذكره لا يخلو من جودة .

فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء ويعاقب على تركه ؟ وحاصل الجواب : أ نّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق . ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحقّ العقاب عليه ، وبعبارة اُخرى : كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذٍ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب .

(مسألة 75) : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ، ولا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً(1) ؛ لأنّ إحرامه باطل .

(مسألة 76) : المرتدّ يجب عليه الحجّ ؛ سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق ، أو حال ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ، ولا يقضى عنه على الأقوى ؛ لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمّته ، كالكافر الأصلي ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته ؛ سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام ؛ لأ نّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر ، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولا يبطل منه شيء» وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية

ص: 279


1- - أي مع إحرامه في حال كفره .

الاُخرى وهي قوله تعالى : (ومَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له .

(مسألة 77) : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة(1) ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى ؛ من عدم كون الهيئة الاتّصالية جزءاً فيها ، نعم لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل .

(مسألة 78) : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر ، لا يجب عليه الإعادة ؛ بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ؛ من غير فرق بين الفرق ؛ لإطلاق الأخبار ، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله علیه السلام : «يقضي أحبّ إليّ» . وقوله علیه السلام : «والحجّ أحبّ إليّ» .

(مسألة 79) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ، ولا يجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيّقاً ، وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه ، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الاُخرى قبل تضيّق الوقت ، والمطلّقة الرجعية كالزوجة في اشتراط

ص: 280


1- - فيه إشكال .

إذن الزوج ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه ، وكذا المعتدّة للوفاة فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً ، والظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا .

(مسألة 80) : لا يشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلّت عليه جملة من الأخبار ، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا ، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالاُجرة مع تمكّنها منها ، ومع عدمه لا تكون مستطيعة ، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم ؟ وجهان . ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت ، قدّم قولها(1) مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة ، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلاّ أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها ، بدعوى أنّ حجّها حينئذٍ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذٍ عليها اليمين على نفي الخوف ، وهل للزوج(2) مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك ؟ وجهان في صورة عدم تحليفها ، وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه ، ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام ، وإلاّ ففي الصحّة إشكال وإن كان الأقوى الصحّة .

ص: 281


1- - فيه إشكال ؛ لأنّ موضوع وجوب الحجّ كونها مأمونة وهو غير الخوف على نفسها حتّى يقال : إنّها من الدعاوي التي لا تعلم إلاّ من قبلها ، فإن ادّعت مأمونيتها وادّعى الزوج كونها في معرض الخطر ، فالظاهر الرجوع إلى التداعي ، وفي المسألة صور في بعضها تصير المرأة مدّعية وفي بعضها بالعكس ، ولا يسعها المجال .
2- - لا يبعد جوازه - بل وجوبه - مع تشخيصه عدم المأمونية .

(مسألة 81) : إذا استقرّ عليه الحجّ ؛ بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها صار ديناً عليه ، ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصحّ التبرّع عنه ، واختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال ؛ فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط ، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة ، وقيل باعتبار مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط ، فيكفي بقاؤها إلى مضيّ جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي ، وربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة ، وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم ، وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة ، فلو أهمل استقرّ عليه وإن فقدت بعد ذلك ؛ لأ نّه كان مأموراً بالخروج معهم ، والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية ، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال ، وذلك لأنّ فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً ، وأنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً ، ولذا لو علم من الأوّل أنّ الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه ، نعم لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال ؛ لعدم الحاجة حينئذٍ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب ونحوها ، ولو علم من الأوّل بأ نّه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي ، وإن كان بعده وجب عليه ، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي ، وإلاّ استقرّ عليه ، كما إذا علم أ نّه لو مشى إلى الحجّ لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً ؛ فإنّه حينئذٍ يستقرّعليه

ص: 282

الوجوب ؛ لأ نّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه ، وأمّا لو شكّ في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا ، فالظاهر عدم الاستقرار ؛ للشكّ في تحقّق الوجوب وعدمه واقعاً . هذا بالنسبة إلى استقرار الحجّ لو تركه ، وأمّا لو كان واجداً للشرائط حين

المسير فسار ، ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحجّ على ذلك الحال ، كفى حجّه(1) عن حجّة الإسلام ؛ إذا لم يكن المفقود مثل العقل ، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية ونحوها على الأقوى .

(مسألة 82) : إذا استقرّ عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط ، كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد والقران ، ثمّ زالت استطاعته فكما مرّ يجب عليه أيضاً بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات يقضى عنه .

(مسألة 83) : تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها ؛ سواء كانت حجّ التمتّع أو القران أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتهما ، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً ، وأمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه ، وتقدّم على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر ، وإن لم يف الثلث بها اُخذت البقيّة من الأصل ، والأقوى أنّ حجّ النذر أيضاً كذلك ؛ بمعنى أ نّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه ، ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة ، فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدّم لتعلّقهما بالعين ، فلا يجوز صرفه في غيرهما ، وإن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزع على الجميع بالنسبة ، كما في غرماء المفلّس ، وقد يقال بتقدّم الحجّ على غيره وإن كان دين الناس ، لخبر

ص: 283


1- - مرّ الكلام فيها تفصيلاً .

معاوية بن عمّار(1) الدالّ على تقديمه على الزكاة ، ونحوه خبر آخر ، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب مع أ نّهما في خصوص الزكاة ، وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهمّيته ، والأقوى ما ذكر من التخصيص ، وحينئذٍ فإن وفت(2) حصّة الحجّ به فهو ، وإلاّ فإن لم تفِ إلاّ ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه وصرف حصّته في الدين أو الخمس أو الزكاة ، ومع وجود الجميع توزّع عليها ، وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة فقط ففي مثل حجّ القران والإفراد تصرف فيهما مخيّراً بينهما ، والأحوط تقديم(3) الحجّ ، وفي حجّ التمتّع الأقوى السقوط وصرفها في الدين وغيره ، وربما يحتمل فيه أيضاً التخيير . أو ترجيح الحجّ لأهمّيته أو العمرة لتقدّمها ، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتّع عملاً واحداً(4) ، وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام .

(مسألة 84) : لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار(5) الحجّ إذا كان مصرفه مستغرقاً لها ، بل مطلقاً على الأحوط ، إلاّ إذا(6) كانت واسعة جدّاً فلهم التصرّف في بعضها حينئذٍ مع البناء على إخراج الحجّ من بعضها الآخر ، كما في الدين ، فحاله حال الدين .

ص: 284


1- - لمعاوية بن عمّار روايتان : إحداهما حسنة - بل صحيحة على الأصحّ - مذكورة في باب العشرين من أبواب المستحقّين للزكاة من «الوسائل» ، وثانيتهما في كتاب الوصايا ، وكلتاهما دالّتان على تقديم الحجّ على الزكاة كما في المتن .
2- - لا يخلو من مناقشة بعد فرض قصور التركة ؛ وإن أمكن تصوّر بعض الأمثلة النادرة له .
3- - بل لا يبعد وجوب تقديمه .
4- - في كونهما عملاً واحدا على نحو ما ذكر تأمّل ، والمسألة محتاجة إلى التأمّل .
5- - أو تأدية مقدار المصرف إلى وليّ أمر الميّت .
6- - في الاستثناء تأمّل ؛ وإن لا يخلو من قرب ، ومع ذلك لا يترك الاحتياط .

(مسألة 85) : إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث ، وأنكره الآخرون ، لم يجب عليه إلاّ دفع ما يخصّ حصّته بعد التوزيع ، وإن لم يفِ ذلك بالحجّ لا يجب عليه تتميمه من حصّته ، كما إذا أقرّ بدين وأنكره غيره من الورثة ، فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد ، فمسألة الإقرار بالحجّ أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة(1) الإقرار بالنسب ؛ حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلاّ دفع الزائد عن حصّته ، فيكفي دفع ثلث ما في يده ، ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنصّ .

(مسألة 86) : إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دين ، فالظاهر كونها للورثة ، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت ، لكن الأحوط التصدّق عنه ؛ للخبر(2) عن الصادق علیه السلام : عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحجّ بها ، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدّق بها ، فقال علیه السلام : ما صنعت بها ؟ فقال : تصدّقت بها ، فقال علیه السلام : ضمنت إلاّ أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة ، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من

ص: 285


1- - وتختلفان من جهة أنّ الدفع يجب في الزائد من الحصّة أيّ مقدار كان ، وأمّا الحجّ فمع عدم وجوب التتميم من حصّته - كما هو الأقرب ، بل الظاهر موافقته للقاعدة - لا يجب الدفع مع عدم إمكان الحجّ ولو ميقاتياً به ، والأحوط حفظ مقدار حصّته رجاءً لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرّع ، بل مع كون ذلك مرجوّ الوجود يجب حفظه على الأقوى ، والأحوط ردّه إلى وليّ الميّت .
2- - هو خبر علي بن مزيد صاحب السابري بطريق الشيخ ، أو علي بن فرقد صاحب السابري بطريق الكليني ، والظاهر وقوع تصحيف في أحدهما وهما رجل واحد ، وكيف كان هو مجهول ومضمونه غير ما نحن فيه ، واحتياط كبار الورثة لا بأس به .

مكّة فليس عليك ضمان ، نعم لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها .

(مسألة 87) : إذا تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت اُجرة الاستئجار إلى الورثة ؛ سواء عيّنها الميّت أو لا ، والأحوط صرفها في وجوه البرّ أو التصدّق عنه ، خصوصاً فيما إذا عيّنها الميّت ؛ للخبر المتقدّم(1) .

(مسألة 88) : هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد ؟ المشهور : وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وربما يحتمل قول ثالث وهو الوجوب من البلد مع سعة المال وإلاّ فمن الميقات ، وإن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب ، والأقوى هو القول الأوّل وإن كان الأحوط القول الثاني ، لكن لا يحسب الزائد عن اُجرة الميقاتية على الصغار من الورثة ، ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب ويحسب الزائد عن اُجرة الميقاتية من الثلث ولو أوصى ولم يعيّن شيئاً كفت الميقاتية ، إلاّ إذا(2) كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها ، كما إذا عيّن مقداراً يناسب البلدية .

(مسألة 89) : لو لم يمكن الاستئجار إلاّ من البلد وجب ، وكان جميع المصرف من الأصل .

ص: 286


1- - مفاده غير ما نحن فيه، مع أ نّه ضعيف مخالف للقواعد، لكن احتياط كبار الورثة حسن.
2- - فحينئذٍ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث ، ولو زاد على الميقاتية ونقص من البلدية فيستأجر من الأقرب إلى بلده فالأقرب على الأحوط .

(مسألة 90) : إذا أوصى بالبلدية ، أو قلنا بوجوبها مطلقاً ، فخولف واستؤجر من الميقات ، أو تبرّع عنه متبرّع منه ، برئت ذمّته وسقط الوجوب من البلد ، وكذا لو لم يسع المال إلاّ من الميقات .

(مسألة 91) : الظاهر أنّ المراد من البلد(1) هو البلد الذي مات فيه ، كما يشعر به خبر زكريّا بن آدم : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل مات وأوصى بحجّة ، أيجزيه أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه ؟ فقال علیه السلام : ما كان دون الميقات فلا بأس به ، مع أ نّه آخر مكان كان مكلّفاً فيه بالحجّ ، وربما يقال : إنّه

بلد الاستيطان ؛ لأ نّه المنساق من النصّ والفتوى ، وهو كما ترى ، وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعاً فيه ، ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة ، والأقوى ما ذكرنا وفاقاً لسيّد «المدارك» ، ونسبه إلى ابن إدريس أيضاً ، وإن كان الاحتمال الأخير وهو التخيير قويّاً جدّاً .

(مسألة 92) : لو عيّن بلدة غير بلده كما لو قال : استأجروا من النجف ، أو من كربلاء ، تعيّن .

(مسألة 93) : على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب ، بل يكفي كلّ بلد دون الميقات ، لكن الاُجرة الزائدة

ص: 287


1- - هذه الاحتمالات إنّما هي على فرض وجوب البلدي شرعاً ؛ أوصى به أو لا ، ولا دليل على ترجيح بعضها وإن كان ما قوّاه جدّاً أضعف الاحتمالات ، ولا يبعد التخيير بين بلد الاستيطان وبلد الموت ، وخبر زكريّا بن آدم ورد في الوصيّة ، كما أنّ ما ورد فيه لفظ البلد أيضاً إنّما هو في الوصيّة المحتمل فيها الانصراف ، وأمّا على فرض وجوب البلدي لأجل الوصيّة ، فهو تابع للانصراف والقرائن .

على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا يخرج من الأصل ، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد ، إلاّ إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعيّن مصرفه ، ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه .

(مسألة 94) : إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب ، وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدين إن لم تفِ التركة بهما ، بمعنى أ نّها توزّع عليهما بالنسبة .

(مسألة 95) : إذا لم تفِ التركة بالاستئجار من الميقات ، لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكّة أو أدنى الحلّ وجب ، نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدّم الاستئجار من البلد ، ويخرج من أصل التركة ؛ لأ نّه لا اضطرار للميّت مع سعة ماله .

(مسألة 96) : بناءً على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حيّ أو ميّت ، فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهّز رجلاً من الميقات كما ذكرنا سابقاً أيضاً ، فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى وإن كان الأحوط(1) ذلك .

(مسألة 97) : الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت ، خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت ، وحينئذٍ فلو لم يمكن إلاّ من البلد وجب وخرج من الأصل ، ولا يجوز التأخير إلى السنة الاُخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة ، كما أ نّه لو لم يمكن من

ص: 288


1- - لا ينبغي تركه .

الميقات إلاّ بأزيد من الاُجرة المتعارفة في سنة الموت وجب ، ولا يجوز التأخير إلى السنة الاُخرى توفيراً عليهم .

(مسألة 98) : إذا أهمل الوصيّ أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن ، كما أ نّه لو كان على الميّت دين وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن .

(مسألة 99) : على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان ، الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكّة ، إلاّ مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد ، نعم مع عدم تفاوت الاُجرة الحكم التخيير .

(مسألة 100) : بناءً على البلدية الظاهر عدم الفرق(1) بين أقسام الحجّ الواجب . فلا اختصاص بحجّة الإسلام، فلو كان عليه حجّ نذري لم يقيّد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد ، بل وكذا لو أوصى بالحجّ ندباً ، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث .

(مسألة 101) : إذا اختلف تقليد الميّت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميّت(2) ، وإذا علم أنّ الميّت لم يكن مقلّداً في هذه المسألة

فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصيّ أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيّناً ، والتخيير مع تعدّد المجتهدين ومساواتهم ؟

ص: 289


1- - لا ملازمة بينهما ، ففي مثل النذري الغير المقيّد بالبلد ولا الميقات مع عدم الانصراف ، وكذا في الوصيّة بالحجّ ندباً مع عدم انصراف وتقييد ، لا يجب البلدي حتّى على القول بالبلدي في حجّة الإسلام .
2- - بل على تقليد من كان العمل به وظيفته ، ومع التعدّد والاختلاف يرجع إلى الحاكم .

وجوه ، وعلى الأوّل ، فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كلّ على تقليده ، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد ، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم لرفع النزاع ، فيحكم بمقتضى مذهبه ، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة ، وإذا اختلف تقليد الميّت والوارث في أصل وجوب الحجّ عليه وعدمه - بأن يكون الميّت مقلّداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحجّ ، والوارث مقلّداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه ، أو بالعكس - فالمدار على تقليد الميّت(1) .

(مسألة 102) : الأحوط(2) في صورة تعدّد من يمكن استئجاره الاستئجار من أقلّهم اُجرة مع إحراز صحّة عمله مع عدم رضا الورثة ، أو وجود قاصر فيهم ؛ سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية ، وإن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميّت من حيث الفضل والأوثقية مع عدم قبوله إلاّ بالأزيد ، وخروجه من الأصل ، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلّهم اُجرة وإن كانت أحوط .

(مسألة 103) : قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية ، لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة ؛ بمعنى عدم احتساب الزائد عن اُجرة الميقاتية على القصّر إن كان فيهم قاصر .

(مسألة 104) : إذا علم أ نّه كان مقلّداً ، ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في

ص: 290


1- - بل على تقليد الوارث .
2- - بل الأقوى في فرض المسألة .

هذه المسألة ، فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصيّ أو الوارث ؟ وجهان(1) أيضاً .

(مسألة 105) : إذا علم استطاعة الميّت مالاً ولم يعلم تحقّق سائر الشرائط في حقّه ، فلا يجب(2) القضاء عنه ؛ لعدم العلم بوجوب الحجّ عليه ؛ لاحتمال فقد بعض الشرائط .

(مسألة 106) : إذا علم استقرار الحجّ عليه ولم يعلم أ نّه أتى به أم لا ، فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمّته ، ويحتمل(3) عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم ، وأ نّه لا يترك ما وجب عليه فوراً ، وكذا الكلام إذا علم أنّه تعلّق به خمس(4) أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام ولم يعلم أ نّه أدّاها أو لا .

(مسألة 107) : لا يكفي الاستئجار في براءة ذمّة الميّت والوارث ، بل يتوقّف على الأداء ، ولو علم أنّ الأجير لم يؤدّ وجب الاستئجار ثانياً ، ويخرج من الأصل(5) إن لم يمكن استرداد الاُجرة من الأجير .

(مسألة 108) : إذا استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن اُجرة الميقاتية للورثة أو لبقيّتهم .

ص: 291


1- - مرّ ما هو الأقوى .
2- - إلاّ إذا اقتضى الأصل إحراز الشرط المشكوك فيه .
3- - لكنّه ضعيف .
4- - مع بقاء المتعلّق بمقدارهما، وإلاّ فلا يجب، ولا أصل لإحراز كون تلفهما موجباً للضمان.
5- - إن عمل وليّ الميّت على طبق وظيفته من إحراز وثاقة الأجير مثلاً .

(مسألة 109) : إذا لم يكن للميّت تركة وكان عليه الحجّ ، لم يجب على الورثة شيء وإن كان يستحبّ على وليّه ، بل قد يقال بوجوبه ؛ للأمر به في بعض الأخبار .

(مسألة 110) : من استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة ، وكذا ليس له أن يحجّ تطوّعاً ، ولو خالف فالمشهور البطلان ، بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع عليه ، ولكن عن سيّد «المدارك» التردّد في البطلان ، ومقتضى القاعدة الصحّة وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه ، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، إذ لا وجه للبطلان إلاّ دعوى أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه ، وهي محلّ منع ، وعلى تقديره لا يقتضي البطلان ؛ لأ نّه نهي تبعي ، ودعوى أ نّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر ، مدفوعة بكفاية المحبوبية في حدّ نفسه في الصحّة ، كما في مسألة ترك الأهمّ والإتيان بغير الأهمّ من الواجبين المتزاحمين ، أو دعوى أنّ الزمان مختصّ بحجّته عن نفسه ، فلا يقبل لغيره ، وهي أيضاً مدفوعة بالمنع ؛ إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص ، فليس المقام من قبيل شهر رمضان ؛ حيث إنّه غير قابل لصوم آخر ، وربما يتمسّك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى uعن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت ؟ قال علیه السلام : نعم ، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله ، وهي تجزي عن الميّت إن كان للصرورة مال ، وإن لم يكن له مال ، وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وهما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى ، فإنّ غاية ما يدلاّن عليه أ نّه لا يجوز له ترك حجّ نفسه وإتيانه عن غيره ، وأمّا عدم الصحّة فلا ، نعم

ص: 292

يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه(1) ، فتردّد صاحب «المدارك» في محلّه ، بل لا يبعد الفتوى بالصحّة(2) لكن لا يترك الاحتياط . هذا كلّه لو تمكّن من حجّ نفسه ، وأمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز والصحّة عن غيره ، بل لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان لا يعلم(3) بوجوب الحجّ عليه ، لعدم علمه باستطاعته مالاً ، أو لا يعلم بفورية وجوب الحجّ عن نفسه فحجّ عن غيره أو تطوّعاً ، ثمّ على فرض صحّة الحجّ عن الغير - ولو مع التمكّن والعلم بوجوب الفورية - لو آجر نفسه لذلك ، فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة ، مع كون حجّه صحيحاً عن الغير ؟ الظاهر بطلانها ، وذلك لعدم قدرته(4) شرعاً على العمل المستأجر عليه ؛ لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً ، وكونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة ، خصوصاً على القول بأنّ الأمر

ص: 293


1- - هذا مبنيّ على رجوع ضمير «ليس يجزي عنه» إلى النائب ، وهو خلاف سوق الرواية ؛ فإنّ الظاهر منها هو السؤال عن صحّة الحجّ عن الميّت لا صحّة حجّ الصرورة عن نفسه ، فلا يناسب الجواب عن عدم إجزائه عن نفسه ، فمع الرجوع إلى الميّت تمّت الدلالة ويصير قرينة على المراد في الذيل بما احتمل بعضهم من أنّ قوله : «وهي تجزي عن الميّت» أي الحجّ بعد ما حجّ عن نفسه يجزي عن الميّت ، فالمانع من الحجّ ليس المال ولو بمقدار ما يحجّ به بل اشتغال الذمّة بحجّ نفسه ، بل يمكن القول بدلالتها ولو رجع الضمير إلى النائب، فيكون المعنى أ نّه لا يجزي حجّ عن الصرورة الواجد لنفسه أو غيره حتّى يحجّ من ماله حجّة الإسلام، ومع ذلك لا يخلو من الإشكال وإن كان الأقرب البطلان.
2- - محلّ إشكال، بل لا يبعد الفتوى بالبطلان للشهرة وقرب دلالة الصحيحتين، خصوصاً الاُولى منهما وإطلاق مكاتبتي إبراهيم بن عقبة وبكر بن صالح .
3- - لا فرق بين علمه وجهله ، فالأقرب البطلان مع جهله أيضاً .
4- - بل لعدم إمكان لزوم الوفاء بالإجارة مع فورية الحجّ .

بالشيء نهي عن ضدّه ؛ لأنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه وإن كانت الحرمة تبعية(1) ، فإن قلت : ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحّة(2) هناك ، كما إذا باعه عبداً وشرط عليه أن يعتقه فباعه ، حيث تقولون بصحّة البيع ، ويكون للبائع خيار تخلّف الشرط ؟ قلت : الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحّتها مفوّتة لوجوب العمل بالشرط ، فلا يكون العتق واجباً بعد البيع لعدم كونه مملوكاً له ، بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحّة الإجارة لا يسقط وجوب الحجّ عن نفسه فوراً ، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلاً ، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة ، وإن قلنا : إنّ النهي التبعي لا يوجب البطلان ، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل ، لا لأجل النهي عن الإجارة ، نعم لو لم يكن متمكّناً من الحجّ عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحجّ عن غيره ، وإن تمكّن بعد الإجارة عن الحجّ عن نفسه لا تبطل إجارته ، بل لا يبعد صحّتها(3) لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحجّ عن نفسه فآجر نفسه للنيابة ولم يتذكّر إلى أن فات محلّ استدراك الحجّ عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال . ثمّ لا إشكال في أنّ حجّه عن الغير لا يكفيه عن نفسه ، بل إمّا باطل كما عن المشهور ، أو صحيح عمّن نوى عنه كما قوّيناه ، وكذا لو حجّ تطوّعاً لا يجزيه عن حجّة الإسلام في الصورة المفروضة ، بل إمّا باطل أو صحيح ويبقى عليه حجّة الإسلام ، فما عن الشيخ من أ نّه يقع عن حجّة الإسلام لا وجه له ، إذ الانقلاب القهري لا دليل

ص: 294


1- - فيها تأمّل .
2- - القول بالصحّة هناك أيضاً محلّ إشكال ، وما ذكره من الوجه غير وجيه .
3- - محلّ إشكال بل منع .

عليه ، ودعوى أنّ حقيقة الحجّ واحدة ، والمفروض إتيانه بقصد القربة ، فهو منطبق على ما عليه من حجّة الإسلام ، مدفوعة بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه ، وليس المقام من باب التداخل بالإجماع ؛ كيف وإلاّ لزم كفاية الحجّ عن الغير أيضاً عن حجّة الإسلام ، بل لا بدّ من تعدّد الامتثال مع تعدّد الأمر وجوباً وندباً ، أو مع تعدّد الواجبين ، وكذا ليس المراد من حجّة الإسلام الحجّ الأوّل بأيّ عنوان كان كما في صلاة التحيّة وصوم الاعتكاف ، فلا وجه لما قاله الشيخ أصلاً ، نعم لو نوى الأمر المتوجّه إليه فعلاً وتخيّل أ نّه أمر ندبي - غفلة عن كونه مستطيعاً - أمكن القول بكفايته عن حجّة الإسلام ، لكنّه خارج عمّا قاله الشيخ ، ثمّ إذا كان الواجب عليه حجّاً نذرياً أو غيره وكان وجوبه فوريّاً ، فحاله ما ذكرنا(1) في حجّة الإسلام من عدم جواز حجّ غيره وأ نّه لو حجّ صحّ أو لا ، وغير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة .

فصل : في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين

ويشترط في انعقادها : البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا تنعقد من الصبيّ وإن بلغ عشراً وقلنا بصحّة عباداته وشرعيتها ؛ لرفع قلم الوجوب عنه ، وكذا لا تصحّ من المجنون والغافل والساهي والسكران والمكره ، والأقوى صحّتها من الكافر وفاقاً للمشهور في اليمين ، خلافاً لبعض ، وخلافاً للمشهور في النذر ، وفاقاً لبعض ، وذكروا في وجه الفرق : عدم اعتبار قصد القربة في اليمين ، واعتباره في النذر ، ولا تتحقّق القربة في الكافر ، وفيه أوّلاً : أنّ القربة لا تعتبر

ص: 295


1- - بينهما فروق لا يسع المجال ذكرها .

في النذر ، بل هو مكروه وإنّما تعتبر في متعلّقه(1) ؛ حيث إنّ اللازم كونه راجحاً شرعاً ، وثانياً(2) : أنّ متعلّق اليمين أيضاً قد يكون من العبادات ، وثالثاً : أ نّه يمكن قصد القربة من الكافر(3) أيضاً ، ودعوى : عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام ، مدفوعة(4) بإمكان إسلامه ، ثمّ إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدّمته ، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات ، ويعاقب على مخالفته ، ويترتّب عليها وجوب الكفّارة فيعاقب على تركها أيضاً ، وإن أسلم صحّ إن أتى به ، ويجب عليه الكفّارة لو خالف ، ولا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لانصرافها(5) عن المقام ، نعم لو خالف وهو كافر وتعلّق به الكفّارة فأسلم ، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل .

(مسألة 1) : ذهب جماعة إلى أ نّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى ، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج وفي انعقاده من الولد إذن الوالد ، لقوله علیه السلام : «لا يمين لولد مع والده ، ولا للزوجة مع زوجها ، ولا للمملوك مع مولاه» ، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد ، وظاهرهم(6) اعتبار الإذن السابق ، فلا تكفي الإجازة بعده ، مع أ نّه من الإيقاعات وادّعي الاتّفاق على

ص: 296


1- - بل لا تعتبر في متعلّقه أيضاً .
2- - هذا غير وارد على المدّعي ؛ لدعوى اعتباره في النذر فلا يقع من الكافر .
3- - المقرّ باللّه تعالى ، بل يمكن قصدها رجاءً لمن يحتمل وجود الصانع ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من ذلك .
4- - مضافاً إلى أخصّية الدليل من المدّعى ؛ لما مرّ من عدم لزوم كون المتعلّق قربياً .
5- - بل لعدم كون المقام مورداً لها .
6- - وهو الأرجح ، وما ذكره من الاحتمال ودعوى الإجمال غير وجيه .

عدم جريان الفضولية فيها ، وإن كان يمكن دعوى : أنّ القدر المتيقّن من الاتّفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير ، مثل الطلاق والعتق ونحوهما ، لا مثل المقام ممّا كان في مال نفسه ، غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه ، ولا فرق فيه بين الرضا السابق واللاحق ، خصوصاً إذا قلنا : إنّ الفضولي على القاعدة ، وذهب جماعة إلى أ نّه لا يشترط الإذن في الانعقاد ، لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو إذن ، بدعوى أنّ المنساق من الخبر المذكور ونحوه أ نّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج ، ولازمه جواز حلّهم له ، وعدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به ، وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد ، ومع الإذن يلزم ، ومع عدمهما ينعقد ولهم حلّه ، ولا يبعد قوّة هذا القول ، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة ؛ أي لا يمين مع منع المولى مثلاً ، فمع عدم الظهور في الثاني لا أقلّ من الإجمال ، والقدر المتيقّن هو عدم الصحّة مع المعارضة والنهي ، بعد كون مقتضى العمومات الصحّة واللزوم .

ثمّ إنّ جواز الحلّ أو التوقّف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً كما هو ظاهر كلماتهم(1) ، بل إنّما هو فيما كان المتعلّق منافياً لحق المولى أو الزوج ، وكان ممّا يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا ،

ص: 297


1- - وهو الأقوى ، فلا يصحّ اليمين بما هو يمين بلا إذنهم مطلقاً حتّى في فعل واجب أو ترك محرّم ، لكن لا يترك الاحتياط فيهما ، فاستثناء ما ذكر من الأمثلة في غير محلّه حتّى حلف الولد بأن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة ، فإنّ الاستصحاب إليها أو الإذن في الحجّ غير الإذن في اليمين ، ودعوى خروج مثله من منساق الأخبار غير وجيهة .

كما إذا حلف المملوك أن يحجّ إذا أعتقه المولى ، أو حلفت الزوجة أن تحجّ إذا مات زوجها أو طلّقها ، أو حلفا أن يصلّيا صلاة الليل ، مع عدم كونها منافية لحقّ المولى ، أو حقّ الاستمتاع من الزوجة ، أو حلف الولد أن يقرأ كلّ يوم جزءاً من القرآن ، أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين ، فلا مانع من انعقاده ، وهذا هو المنساق من الأخبار ، فلو حلف الولد أن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة - مثلاً - لا مانع من انعقاده ، وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة ، فالمراد

من الأخبار أ نّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحقّ المذكورين ، ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح ، وحكم بالانعقاد فيهما ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء ، هذا كلّه في اليمين .

وأمّا النذر فالمشهور بينهم أ نّه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً ، وهو مشكل لعدم الدليل عليه ، خصوصاً في الولد إلاّ القياس على اليمين ، بدعوى تنقيح المناط ، وهو ممنوع ، أو بدعوى أنّ المراد من اليمين في الأخبار ؛ ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار ، منها خبران في كلام الإمام علیه السلام ومنها أخبار في كلام الراوي وتقرير الإمام علیه السلام له ، وهو أيضاً كما ترى ، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق ، نعم في الزوجة والمملوك لا يبعد الإلحاق باليمين لخبر قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه علیهما السلام : «أنّ علياً علیه السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلاّ بإذن مولاه» ، وصحيح ابن سنان عن الصادق علیه السلام : «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلاّ بإذن زوجها ، إلاّ في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها» . وضعف الأوّل منجبر بالشهرة ، واشتمال الثاني على ما لا نقول به

ص: 298

لا يضرّ . ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا ؟ وجهان(1) ، وهل الولد يشمل ولد الولد أو لا ؟ كذلك وجهان ، والأمة المزوّجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى بناءً على اعتبار الإذن ، وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحجّ لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحجّ ، وهل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا ؟ وجهان ، ثمّ على القول بأنّ لهم الحلّ هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حلّ حلفهم أم لا ؟ وجهان(2) .

(مسألة 2) : إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان ، أوجههما العدم ؛ للانصراف ونفي السبيل .

(مسألة 3) : هل المملوك المبعّض حكمه حكم القنّ أو لا ؟ وجهان ، لا يبعد الشمول ، ويحتمل(3) عدم توقّف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة خصوصاً إذا كان وقوع المتعلّق في نوبته .

(مسألة 4) : الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والاُنثى ، وكذا في المملوك والمالك ، لكن لا تلحق الاُمّ بالأب .

(مسألة 5) : إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ، ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه ، بقي على لزومه .

(مسألة 6) : لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوّجت ، وجب

ص: 299


1- - لا يبعد الشمول لها دون تاليها .
2- - الأقوى جوازه .
3- - لكنّه ضعيف ، فإنّ المهاياة لا يجعل العبد حرّاً في نوبته ، وقد مرّ أنّ الحلف بما هو يتوقّف على الإذن لا باعتبار منافاته لحقّ المولى .

عليها العمل به وإن كان منافياً(1) للاستمتاع بها ، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحجّ ونحوه ، بل وكذا لو نذرت أ نّها لو تزوّجت بزيد - مثلاً - صامت كلّ خميس ، وكان المفروض أنّ زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كلّ خميس إذا تزوّجها ، فإنّ حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه وإن كان متأخّراً في الإيقاع ؛ لأنّ حلفه لا يؤثّر شيئاً في تكليفها ، بخلاف نذرها فإنّه يوجب الصوم عليها ؛ لأ نّه متعلّق بعمل نفسها ، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل .

(مسألة 7) : إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلده أو بلد آخر معيّن ، فحجّ من غير ذلك المكان ، لم تبرأ ذمّته ووجب عليه ثانياً ، نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفّارة ؛ لعدم إمكان التدارك ، ولو نذر أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا وخالف فحجّ من غير ذلك المكان برأ من النذر الأوّل ، ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر الثاني ، كما أ نّه لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنّه يجزيه عن حجّة الإسلام ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر .

(مسألة 8) : إذا نذر أن يحجّ ولم يقيّده بزمان ، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت أو الفوت ، فلا يجب عليه المبادرة إلاّ إذا كان هناك انصراف ، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً ، والقول بعصيانه مع تمكّنه في بعض تلك الأزمنة - وإن جاز التأخير - لا وجه له ، وإذا قيّده بسنة معيّنة لم يجز التأخير مع فرض تمكّنه في تلك السنة ، فلو أخّر عصى وعليه

ص: 300


1- - في صورة المنافاة لا يجب العمل بالحلف ، وأمّا في النذر فمحلّ تأمّل وإن كان الوجوب لا يخلو من وجه في غير مثال الصوم ، وأمّا فيه فمحلّ إشكال وتردّد .

القضاء والكفّارة ، وإذا مات وجب قضاؤه عنه ، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكّنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه ، والقول بعدم وجوبه بدعوى أنّ القضاء بفرض جديد ضعيف ؛ لما يأتي ، وهل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث ؟ قولان ، فذهب جماعة إلى القول بأ نّه من الأصل(1) ؛ لأنّ الحجّ واجب مالي وإجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل ، وربما يورد عليه بمنع كونه واجباً مالياً ، وإنّما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدّماته ، كما أنّ الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء والساتر والمكان ونحو ذلك ، وفيه : أنّ الحجّ في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية ، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل يشمل الحجّ قطعاً ، وأجاب صاحب «الجواهر» بأنّ المناط في الخروج من الأصل كون الواجب ديناً ، والحجّ كذلك ، فليس تكليفاً صرفاً ، كما في الصلاة والصوم ، بل للأمر به جهة وضعية ، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية ، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأ نّه دين أو بمنزلة الدين .

قلت : التحقيق(2) أنّ جميع الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى ؛ سواء كانت مالاً أو عملاً مالياً أو عملاً غير مالي ، فالصلاة والصوم أيضاً ديون للّه ولهما

ص: 301


1- - وهو الأقوى .
2- - هذا التحقيق غير وجيه ، نعم في خصوص الحجّ والنذر يمكن استفادة الدينية من قوله تعالى : (للّه ِ عَلَى النَّاسِ) ، ومن قول الناذر : للّه عليّ ، وإطلاق الدين على الحجّ بهذا الاعتبار ظاهراً لا باعتبار مجرّد التكليف ، فالأقوى عدم خروج الواجبات الغير المالية من الأصل .

جهة وضع ، فذمّة المكلّف مشغولة بهما ، ولذا يجب قضاؤهما ، فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة الميّت ، وليس القضاء من باب التوبة ، أو من باب الكفّارة ، بل هو إتيان لما كانت الذمّة مشغولة به ، ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل ، بل مثل قوله : للّه عليّ أن اُعطي زيداً درهماً ، دين إلهي لا خلقي فلا يكون الناذر مديوناً لزيد ، بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد ، ولا فرق بينه وبين أن يقول : للّه عليّ أن أحجّ أو أن اُصلّي ركعتين ، فالكلّ دين اللّه ، ودين اللّه أحقّ أن يقضى ، كما في بعض الأخبار ، ولازم هذا كون الجميع من الأصل ، نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه ، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه ولا بعد موته ؛ سواء كان مالاً أو عملاً مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة ، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء ؛ لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة ، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته ، وكما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكّنه لا يصير ديناً عليه ؛ لأنّ الواجب سدّ الخلّة ، وإذا فات لا يتدارك ، فتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة في الحجّ النذري إذا تمكّنه وترك حتّى مات وجوب قضائه من الأصل ؛ لأ نّه دين إلهي ، إلاّ أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات ، وهو محلّ منع ، بل دين اللّه أحقّ أن يقضى .

وأمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث فاستدلّوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه ، وإذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه مالياً قطعاً فنذر الحجّ بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل ، وفيه : أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في

ص: 302

موردهما ، فكيف يعمل بهما في غيره ؟ وأمّا الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناءً على خروج المنجّزات من الثلث ، فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل ، وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة ، أو على صورة عدم التمكّن من الوفاء حتّى مات ، وفيهما ما لا يخفى خصوصاً الأوّل .

(مسألة 9) : إذا نذر الحجّ مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة ولم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات ، لم يجب القضاء عنه ؛ لعدم وجوب الأداء عليه حتّى يجب القضاء عنه ، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره .

(مسألة 10) : إذا نذر الحجّ معلّقاً على أمر كشفاء مريضه أو مجيء مسافره فمات قبل حصول المعلّق عليه ، هل يجب القضاء عنه أم لا ؟ المسألة مبنيّة(1) على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلّق ، فعلى الأوّل لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط وإن كان متمكّناً من حيث المال وسائر الشرائط ، وعلى الثاني يمكن أن يقال بالوجوب ؛ لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأوّل ، إلاّ أن يكون نذره منصرفاً إلى بقاء حياته حين حصول الشرط .

(مسألة 11) : إذا نذر الحجّ وهو متمكّن منه فاستقرّ عليه ، ثمّ صار معضوباً

ص: 303


1- - وإن يمكن إيقاع النذر على الوجهين ، لكن ظاهر التعليقات من باب الشرط ، فلا يجب القضاء إلاّ إذا قصد التعليق على نحو الواجب المعلّق وأوقع النذر كذلك ، فحينئذٍ إن قلنا بأنّ القضاء تابع لنفس الوجوب ولو لم يأت ظرف الواجب يجب القضاء وإلاّ فلا ، وهذه الجهة تحتاج إلى التأمّل .

لمرض أو نحوه ، أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه ، فالظاهر(1) وجوب استنابته حال حياته لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها ، ودعوى اختصاصها بحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً ، وإذا مات وجب القضاء عنه وإذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه واستقرار الحجّ عليه ، أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال ، ففي وجوب الاستنابة وعدمه حال حياته ووجوب القضاء عنه بعد موته قولان ، أقواهما العدم ، وإن قلنا(2) بالوجوب بالنسبة إلى حجّة الإسلام ، إلاّ أن يكون قصده من قوله : للّه عليّ أن أحجّ ، الاستنابة .

(مسألة 12) : لو نذر أن يحجّ رجلاً في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء والكفّارة ، وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة ؛ لأ نّهما واجبان ماليّان بلا إشكال ، والصحيحتان المشار إليهما سابقاً الدالّتان على الخروج من الثلث معرض عنهما كما قيل ، أو محمولتان على بعض المحامل ، وكذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معيّنة مطلقاً أو معلّقاً على شرط وقد حصل وتمكّن منه وترك حتّى مات ، فإنّه يقضى عنه من أصل التركة ، وأمّا لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه ولم يتمكّن منه حتّى مات ، ففي وجوب قضائه وعدمه

ص: 304


1- - قد مرّ منه ما ينافي ذلك ، والوجوب في النذري محلّ إشكال ، والظاهر اختصاص الروايات بحجّة الإسلام ، نعم لا يبعد إطلاق رواية محمّد بن مسلم ، لكن لا تطمئنّ به النفس ، ودعوى الانصراف غير بعيدة ، وأمّا دعوى إلقاء الخصوصية من الأخبار فغير وجيهة بعد وضوح الخصوصية في حجّة الإسلام التي ممّا بني عليها الإسلام وهي شريعة من شرائع الإسلام .
2- - بعد دعوى عدم اختصاص الأخبار بحجّة الإسلام لا وجه للتفكيك بينهما .

وجهان ، أوجههما ذلك ؛ لأ نّه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً ، غاية الأمر أ نّه ما لم يتمكّن معذور ، والفرق بينه وبين نذر الحجّ بنفسه أ نّه لا يعدّ ديناً مع عدم التمكّن منه ، واعتبار المباشرة ، بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال ، كما إذا قال : للّه عليّ أن اُعطي الفقراء مائة درهم ومات قبل تمكّنه ، ودعوى كشف عدم التمكّن عن عدم الانعقاد ممنوعة ، ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري ، وإن استلزم صرف المال ، فإنّه لا يعدّ ديناً عليه بخلاف الأوّل .

(مسألة 13) : لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط كمجيء المسافر أو شفاء المريض ، فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك وتمكّنه منه قبله ، فالظاهر وجوب القضاء عنه ، إلاّ أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه ، ويدلّ على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبدالملك فيمن كان له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجّه أو يحجّ عنه ؛ حيث قال الصادق علیه السلام بعد ما سئل عن هذا : «إنّ رجلاً نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فسأله عن ذلك ، فأمر رسول اللّه أن يحجّ عنه ، ممّا ترك أبوه» ، وقد عمل به جماعة ، وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة كما تخيّله سيّد «الرياض» ، وقرّره عليه صاحب «الجواهر» وقال : إنّ الحكم فيه تعبّدي على خلاف القاعدة(1) .

ص: 305


1- - وهو الحقّ ، ولا بأس بالعمل بالرواية بعد كونها معتبرة الإسناد وعدم إحراز الإعراض عنها ، بل مقتضى إطلاق الشيخ في «النهاية» والمحقّق ، وعن كتب العلاّمة العمل بها صدراً وذيلاً ، ومقتضى استشهاد الإمام عليه السلام التعدّي عن مورد الرواية بإلغاء الخصوصية .

(مسألة 14) : إذا كان مستطيعاً ونذر أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد على الأقوى ، وكفاه حجّ واحد ، وإذا ترك حتّى مات وجب القضاء عنه والكفّارة من تركته ، وإذا قيّده بسنة معيّنة فأخّر عنها وجب عليه الكفّارة وإذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضاً ، ووجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدّمة ، إلاّ أن يكون مراده الحجّ بعد الاستطاعة .

(مسألة 15) : لا يعتبر في الحجّ النذري الاستطاعة الشرعية ، بل يجب مع القدرة(1) العقلية ، خلافاً ل «الدروس» ، ولا وجه له ؛ إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلاً .

(مسألة 16) : إذا نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد ، إلاّ إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت ، ويحتمل الصحّة(2) مع الإطلاق أيضاً إذا زالت ، حملاً لنذره على الصحّة .

(مسألة 17) : إذا نذر حجّاً في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمّ حصلت له ، فإن كان موسّعاً أو مقيّداً بسنة متأخّرة قدّم حجّة الإسلام لفوريتها . وإن كان مضيّقاً بأن قيّده بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة أو قيّده بالفورية قدّمه(3) ،

ص: 306


1- - لا تكفي القدرة العقلية ، بل يعتبر فيه عدم الحرج والضرر النفسي ومقصود الماتن أيضاً نفي اعتبار الاستطاعة الشرعية لا وجوب الإتيان مع القدرة العقلية مطلقاً .
2- - وهو الأقوى مع تمشّي القصد منه لا للحمل على الصحّة ؛ لأ نّه لا أصل له ، بل لكونه راجحاً بحسب الواقع .
3- - بل يقدّم حجّة الإسلام ، وقد مرّ أنّ المانع الشرعي ليس شرطاً في الاستطاعة ومع الاستطاعة ووجوب حجّة الإسلام يلغى نذره ، ومنه يعلم حال احتمال تقديم النذري إذا كان موسّعاً فإنّه ضعيف .

وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت ، وإلاّ فلا ؛ لأنّ المانع الشرعي كالعقلي ، ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسّعاً ؛ لأ نّه دين عليه ، بناءً على أنّ الدين ولو كان موسّعاً يمنع عن تحقّق الاستطاعة ، خصوصاً مع ظنّ عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام .

(مسألة 18) : إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريّاً ، ثمّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه ، وجب الإتيان به في العام القابل مقدّماً(1) على حجّة الإسلام ، وإن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلا يجب عليه حجّة الإسلام إلاّ بعد الفراغ عنه ، لكن عن «الدروس» أ نّه قال بعد الحكم بأنّ استطاعة النذر شرعية لا عقلية : فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر ، فإن أهمل واستمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجّة الإسلام أيضاً . ولا وجه له ، نعم لو قيّد نذره بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخّر أمكن أن يقال(2) بوجوب حجّة الإسلام أيضاً ؛ لأنّ حجّه النذري صار قضاء موسّعاً ، ففرق بين الإهمال مع الفورية ، والإهمال مع التوقيت ، بناءً على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذري موسّعاً .

(مسألة 19) : إذا نذر الحجّ وأطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام ولا بغيره وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك ، فهل يتداخلان فيكفي حجّ واحد عنهما ، أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس ؟ أقوال ،

ص: 307


1- - بل حجّة الإسلام مقدّما على النذري ، فحينئذٍ لو كان نذره الحجّ فوراً ففوراً يجب الوفاء به بعد حجّة الإسلام .
2- - لكنّه ضعيف ، فالأقوى وجوب الحجّ في هذه الصورة وعدم وجوب النذري .

أقواها الثاني(1) ؛ لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب ، والقول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف ، واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فمشى ، هل يجزيه عن حجّة الإسلام ؟ قال علیه السلام : «نعم» ، وفيه أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أ نّه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ فسأل علیه السلام عن أ نّه هل يجزيه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا ؟ فأجاب علیه السلام بالكفاية ، نعم لو نذر أن يحجّ مطلقاً - أيّ حجّ كان - كفاه عن نذره حجّة الإسلام ، بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ؛ لأنّ مقصوده حينئذٍ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان .

(مسألة 20) : إذا نذر الحجّ حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده - مثلاً - فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه ، فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل(2) تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريّاً ، بل هو المتعيّن إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق .

(مسألة 21) : إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ولم يمكنه الإتيان بهما ؛ إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلاّ من أحدهما ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها وجوه ، أوجهها الوسط(3) ،

ص: 308


1- - في فرض المسألة إذا لم يكن انصراف ؛ لكون النذري غير حجّة الإسلام ، فالأقرب كون حجّ واحد بقصدهما مجزياً عنهما ، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم في نذره لحجّة الإسلام ؛ بإتيان كلّ واحد مستقلاًّ مقدّماً لحجّة الإسلام .
2- - لكنّه ضعيف وإن فرض كونه من قبيل الواجب المعلّق .
3- - بل الأخير وكذا في الفرض التالي .

وأحوطها الأخير ، وكذا إذا مات وعليه حجّتان ولم تفِ تركته إلاّ لإحداهما ، وأمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد .

(مسألة 22) : من عليه الحجّ الواجب بالنذر الموسّع ، يجوز له الإتيان بالحجّ المندوب قبله .

(مسألة 23) : إذا نذر أن يحجّ أو يُحجّ انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً ، وإذا طرأ العجز(1) من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر ، ولو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً ؛ لأنّ الواجب كان على وجه التخيير ، فالفائت هو الواجب المخيّر ، ولا عبرة بالتعيين العرضي ، فهو كما لو كان عليه كفّارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات ، فإنّه يجب الإخراج عن تركته مخيّراً ، وإن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها ، فلا يتعيّن في ذلك المتعيّن ، نعم لو كان حال النذر غير متمكّن إلاّ من أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال(2) باختصاص القضاء بالذي كان متمكّناً منه ، بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه ، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد ، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في

ص: 309


1- - ما ذكره صحيح إذا طرأ العجز بعد تمكّنه من الحجّ في عام ، وأمّا مع عدم تمكّنه منه فلا يجب الحجّ عنه ، نعم لو عجز عن الإحجاج ولو قبل تمكّنه في عام يقضى عنه تخييراً ، ففرق بين العجز عن الحجّ وبين العجز عن الإحجاج ، ففي العجز عن الإحجاج يبقى التخيير في القضاء وفي العجز عن الحجّ يأتي التفصيل المتقدّم .
2- - يأتي فيه ما تقدّم من الفرق بين العجز عن الحجّ والإحجاج .

حياته متمكّناً إلاّ من البعض أصلاً ، وربما يحتمل في الصورة المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ، ومع تعذّر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً ، بل عن «الدروس» اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه ؛ إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين ، وفيه : أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين(1) من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييرياً ، حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما .

(مسألة 24) : إذا نذر أن يحجّ أو يزور الحسين علیه السلام من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته ، ولو اختلفت اُجرتهما يجب الاقتصار على أقلّهما(2) اُجرة ، إلاّ إذا تبرّع الوارث بالزائد ، فلا يجوز للوصيّ اختيار الأزيد اُجرة ، وإن جعل الميّت أمر التعيين إليه ، ولو أوصى باختيار الأزيد اُجرة خرج الزائد من الثلث .

(مسألة 25) : إذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أ نّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر ، وجب قضاؤه عنه من غير تعيين وليس عليه كفّارة ، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً ، وحيث إنّها مردّدة بين كفّارة

ص: 310


1- - إن كان المراد بالإتيان ما هو ظاهره فهو عين التخيير ولا يلزم في التخيير اعتبار عنوانه بالحمل الأوّلي ، وإن كان المراد ما يتمكّن من أحد الأمرين فلا ينعقد في غيره فلا يتّجه التخيير في القضاء .
2- - إن جعل أمر التعيين إليه أو أوصى باختيار الأزيد ، فالظاهر جواز اختياره في الأوّل ووجوبه في الثاني وكونه من الأصل غير بعيد ، وأمّا مع سعة الثلث فلا إشكال فيه .

النذر وكفّارة اليمين فلا بدّ من الاحتياط(1) ، ويكفي حينئذٍ إطعام ستّين مسكيناً ؛ لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الذي يكفي في كفّارة الحلف .

(مسألة 26) : إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحبّ انعقد مطلقاً حتّى في مورد يكون الركوب أفضل ؛ لأنّ المشي في حدّ نفسه أفضل من الركوب ، بمقتضى جملة من الأخبار ، وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فإنّ أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حدّ نفسه ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً ، ولو مع الإغماض(2) عن رجحان المشي ، لكفاية رجحان أصل الحجّ في الانعقاد ، إذ لا يلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده وأوصافه ، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له ، وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحجّ لا في صفة المشي ، فيجب مطلقاً ؛ لأنّ المفروض نذر المقيّد فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده .

(مسألة 27) : لو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب ، ولا يجوز حينئذٍ المشي وإن كان أفضل ؛ لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد(3) دون قيده ، نعم لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد(4) ؛ لأنّ المتعلّق حينئذٍ الركوب لا الحجّ راكباً ، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كلّ يوم أو

ص: 311


1- - الأقرب جواز الاقتصار على الأقلّ وهو إطعام العشرة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإطعام الستّين .
2- - لو فرض عدم رجحان في المشي يشكل الانعقاد ؛ إذ المشي من المقدّمات الخارجية لا من القيود لو سلّم بالنسبة إلى القيود ، مع أنّ فيها أيضاً إشكالاً .
3- - بل لأنّ في الركوب إلى الحجّ رجحاناً أيضاً .
4- - بل ينعقد ؛ لأنّ الركوب إليه راجح وأفضلية المشي لا تنافي رجحانه .

فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ حافياً ، وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بركوب اُخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية قضية في واقعة يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها ؛ من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك .

(مسألة 28) : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد ، نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً لا يبلغ حدّ الضرر ؛ لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة(1) لا العزيمة ، هذا إذا كان حرجياً حين النذر وكان عالماً به ، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب .

(مسألة 29) : في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر ، أو أفعال الحجّ أقوال ، والأقوى أ نّه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأوّل أفعال الحجّ إذا قال : للّه عليّ أن أحجّ ماشياً ، ومن حين الشروع في السفر إذا قال : للّه عليّ أن أمشي إلى بيت اللّه ، أو نحو ذلك ، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور ، ولا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار .

ص: 312


1- - كونه من باب الرخصة محلّ إشكال ، مع أ نّه لو كان من بابها أيضاً يرفع الوجوب ، واحتمال قصور أدلّة الحرج عن شمول مثل المقام - ممّا لا يكون الإلزام من اللّه تعالى ابتداءً - غير وجيه ، وما اشتهر بينهم : أنّ رفع الحرج منّة فلا يشمل دليله مورد إقدام المكلّف ، غير تامّ ، والتفصيل في محلّه ، وكيف كان لا ينعقد مع حرجيته في الابتداء ويسقط الوجوب مع عروض الحرج .

(مسألة 30) : لا يجوز لمن نذر الحجّ ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره ، كما أ نّه لو كان منحصراً فيه من الأوّل لم ينعقد ، ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لا يمكن العبور إلاّ بالمركب فالمشهور أ نّه يقوم فيه لخبر السكوني ، والأقوى عدم وجوبه ؛ لضعف الخبر(1) عن إثبات الوجوب ، والتمسّك بقاعدة الميسور لا وجه له ، وعلى فرضه فالميسور هو التحرّك لا القيام .

(مسألة 31) : إذا نذر المشي فخالف نذره فحجّ راكباً ، فإن كان المنذور الحجّ ماشياً من غير تقييد بسنة معيّنة وجب عليه الإعادة ولا كفّارة إلاّ إذا تركها(2) أيضاً ، وإن كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء(3) والكفّارة ، وإذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن وجبت الكفّارة دون القضاء ؛ لفوات محلّ النذر ، والحجّ صحيح في جميع الصور ، خصوصاً الأخيرة ؛ لأنّ النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحجّ ، وعدم الصحّة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل ، فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة ، وقد يتخيّل البطلان من حيث إنّ المنويّ - وهو الحجّ النذري - لم يقع وغيره لم يقصد ، وفيه : أنّ الحجّ في حدّ نفسه مطلوب وقد قصده

ص: 313


1- - بل الأقوى وجوبه ، وخبر السكوني لا يقصر عن الموثّقات ، والوثوق الحاصل بالتتبّع من أخباره بوسيلة صاحبه لا يقصر عن توثيق أصحاب الرجال مع التأييد بذهاب جمع ، بل قيل بذهاب المشهور على العمل به .
2- - لكن مع سعة الوقت وبنائه على إتيانه فحصل عذر عنه لا حنث ولا كفّارة ، نعم لا يبعد الصدق في بعض صور الترك .
3- - الأقوى عدم الوجوب وإن وجبت الكفّارة .

في ضمن قصد النذر ، وهو كافٍ ألا ترى أ نّه لو صام أيّاماً بقصد الكفّارة ثمّ ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيّام السابقة أصلاً وإنّما تبطل من حيث كونها صيام كفّارة ، وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً ، وقد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً ، وفيه : منع كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، ومنع استلزامه البطلان على القول به ، مع أ نّه لا يتمّ فيما لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة ولا بالفورية ؛ لبقاء محلّ الإعادة .

(مسألة 32) : لو ركب بعضاً ومشى بعضاً ، فهو كما لو ركب الكلّ ؛ لعدم الإتيان بالمنذور ، فيجب عليه(1) القضاء أو الإعادة ماشياً ، والقول بالإعادة والمشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له .

(مسألة 33) : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط ، وهل يبقى حينئذٍ وجوب الحجّ راكباً أو لا ، بل يسقط أيضاً ؟ فيه أقوال : أحدها : وجوبه راكباً مع سياق بدنة . الثاني : وجوبه بلا سياق . الثالث : سقوطه إذا كان الحجّ مقيّداً بسنة معيّنة ، أو كان مطلقاً مع اليأس عن التمكّن بعد ذلك وتوقّع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس . الرابع : وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق ، وتوقّع المكنة مع عدم اليأس . الخامس : وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام ، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين ، وتوقّع المكنة مع الإطلاق ، ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث ، إلاّ أنّ

ص: 314


1- - أي في صورة النذر المعيّن ، والأقوى عدم الوجوب هاهنا أيضاً ووجبت الكفّارة .

الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان ، مضافاً إلى خبر عنبسة الدالّ على عدم وجوبه صريحاً فيه ؛ من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده وقبل الدخول في الإحرام أو بعده ، ومن غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقّع المكنة وعدمه ، وإن كان الأحوط(1) في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة وكونه قبل الشروع في الذهاب الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك ؛ لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة ، والأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة ، بل لا يخلو عن قوّة للقاعدة ، مضافاً إلى الخبر : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافياً . قال علیه السلام : «فليمش ، فإذا تعب فليركب» ، ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل إلى حدّ العجز ، وفي مرسل حريز : «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب» .

(مسألة 34) : إذا نذر الحجّ ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي ؛ من مرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك ، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا ، لكون الحكم على خلاف القاعدة ؟ وجهان ، ولا يبعد التفصيل بين المرض ومثل العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل ، والثاني في الثاني ، وإن كان الأحوط(2) الإلحاق مطلقاً .

ص: 315


1- - لا يترك في هذه الصورة .
2- - ليس الإلحاق موافقاً للاحتياط من بعض الجهات ، فلا يجوز الإلحاق فيما لا يوافقه .

فصل : في النيابة

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب والمندوب ، وعن الحيّ في المندوب مطلقاً ، وفي الواجب في بعض الصور .

(مسألة 1) : يشترط في النائب اُمور :

أحدها : البلوغ على المشهور ، فلا يصحّ نيابة الصبيّ عندهم وإن كان مميّزاً ، وهو الأحوط لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينية ؛ لأنّ الأقوى كونها شرعية ، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه ؛ لأ نّه أخصّ من المدّعى ، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف(1) الأدلّة خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل ، ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الوليّ أو عدمه ، وإن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحجّ المندوب(2) بإذن الوليّ .

الثاني : العقل ، فلا تصحّ نيابة المجنون الذي لا يتحقّق منه القصد ؛ مطبقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه ، ولا بأس بنيابة السفيه .

الثالث : الإيمان ؛ لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة ، ودعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى .

الرابع : العدالة أو الوثوق(3) بصحّة عمله ، وهذا الشرط إنّما يعتبر في

ص: 316


1- - بل وعدم إطلاق معتدّ به .
2- - محلّ تأمّل .
3- - إنّما يعتبر الوثوق بأصل إتيانه ، وأمّا الحكم بصحّة المأتيّ به فالظاهر عدم اعتبار الوثوق بها ولو قبل العمل ، فلو علم بأ نّه يأتي بالعمل وشكّ في أ نّه يأتي به صحيحاً لا يبعد جواز الاستنابة له ، ولكن الأحوط اعتبار الوثوق .

جواز الاستنابة لا في صحّة عمله .

الخامس : معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه وإن كان بإرشاد معلّم حال كلّ عمل .

السادس : عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام ، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام ، أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه ، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس ، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحجّ لنفسه بطل على المشهور(1) ، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة ، وإلاّ فالحجّ صحيح وإن لم يستحقّ الاُجرة ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، مع أنّ ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد ، وأمّا مع الجهل أو الغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ؛ لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه ، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع ؛ لأ نّه قادر شرعاً .

(مسألة 2) : لا يشترط في النائب الحرّية ، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه ، ولا تصحّ استنابته بدونه ، ولو حجّ بدون إذنه بطل .

(مسألة 3) : يشترط في المنوب عنه الإسلام ، فلا تصحّ النيابة عن الكافر ،

ص: 317


1- - مرّ الكلام فيه مفصّلاً ومرّ تقوية ما عن المشهور ، ومرّ عدم الفرق بين العلم والعمد والجهل والغفلة ، والأقرب عدم صحّة حجّ المستطيع مع تمكّنه من حجّة الإسلام عن غيره إجارة أو تبرّعاً ، ولا عن نفسه تطوّعاً مطلقاً .

لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ؛ لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه(1) ، بل لانصراف الأدلّة ، فلو مات مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لا يجب عليه استئجاره عنه ، ويشترط فيه أيضاً كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب ، فلا تصحّ النيابة عن الحيّ في الحجّ الواجب إلاّ إذا كان عاجزاً ، وأمّا في الحجّ الندبي فيجوز عن الحيّ والميّت تبرّعاً أو بالإجارة .

(مسألة 4) : تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز والمجنون ، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقرّ عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً .

(مسألة 5) : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة ، فتصحّ نيابة المرأة عن الرجل كالعكس ، نعم الأولى المماثلة .

(مسألة 6) : لا بأس باستنابة الصرورة ؛ رجلاً كان أو امرأة ، عن رجل أو امرأة ، والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلاً ضعيف ، نعم يكره ذلك ، خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلاً ، بل

ص: 318


1- - محلّ إشكال ، وإلاّ فتصحّ الإجارة على القاعدة ، وما في موثّقة إسحاق من تخفيف عذاب الناصب إنّما هو في إهداء الثواب لا في النيابة ، نعم ظاهر رواية علي بن أبي حمزة جواز النيابة عن الناصب لكن مع ضعف سندها تحمل على إهداء الثواب ؛ جمعاً بينها وبين مثل صحيحة وهب بن عبد ربّه حيث نهى عن الحجّ عن الناصب واستثنى الأب ، ولا بأس بالعمل بها ، فلا تجوز النيابة عن الكافر ؛ إذ مضافاً إلى الصحيحة أنّ اعتبار النيابة عمّن لا يصحّ منه العمل محلّ إشكال ، نعم لو فرض الانتفاع به بنحو إهداء الثواب لا يبعد صحّة الاستئجار لذلك ؛ أي للحجّ الاستحبابي لإهداء الثواب ، وهو موافق للقاعدة .

لا يبعد(1) كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل .

(مسألة 7) : يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو بالإجمال ولا يشترط ذكر اسمه ، وإن كان يستحبّ ذلك في جميع المواطن والمواقف .

(مسألة 8) : كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة ، كذا تصحّ بالجعالة ، ولا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلاّ بإتيان النائب صحيحاً ، ولا تفرغ بمجرّد الإجارة ، وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغه منزّلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحجّ إذا قصّر النائب في الإتيان ، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها .

(مسألة 9) : لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به .

(مسألة 10) : إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك ، فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه ، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلاّ بالإتيان ، بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه ، وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ، لا لكون الحكم كذلك في الحاجّ عن نفسه ؛ لاختصاص ما دلّ عليه به ، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي

ص: 319


1- - فيه إشكال ، بل مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال قال : «يحجّ عنه صرورة لا مال له» ، استحباب ذلك ، نعم تخرج منها المرأة الصرورة على فرض إطلاقها ، وفي دلالة مكاتبتي إبراهيم بن عقبة ، وبكر بن صالح على الكراهة نظر .

الإلحاق ، بل لموثّقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان ، وحسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة «المقنعة» : من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة ، الشاملة للحاجّ عن غيره أيضاً ، ولا يعارضها موثّقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي ؛ لأ نّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام ، أو على الاستحباب ، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة ، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة ، وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان ، ولا يبعد الإجزاء وإن لم نقل به في الحاجّ عن نفسه ؛ لإطلاق الأخبار في المقام ، والقدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام ، لكن الأقوى عدمه ، فحاله حال الحاجّ عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء ، والظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحجّ ، وكون النيابة بالاُجرة أو بالتبرّع(1) .

(مسألة 11) : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم ، يستحقّ تمام الاُجرة ؛ إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ ؛ بمعنى الأعمال(2) المخصوصة ، وإن مات قبل

ص: 320


1- - فيه إشكال ، بل في غير حجّة الإسلام لا يخلو من إشكال .
2- - إذا فرض أنّ الإجارة على نفس الأعمال المخصوصة ولم تكن المقدّمات داخلة ، لا يستحقّ شيئاً قبل الإحرام ، وأمّا نفس الإحرام فمع الإطلاق - أي عدم استثنائه - فداخل في العمل المستأجر عليه ويستحقّ الاُجرة بالنسبة إليه ، وأمّا الذهاب إلى مكّة بعد الإحرام فليس داخلاً ، فلا يستحقّ الاُجرة بالنسبة إليه مع كون الإجارة على نفس المناسك ، كما لا يستحقّ على الذهاب إلى عرفات ومنى مع هذا الفرض ، وأمّا مع كون المشي والمقدّمات داخلاً في الإجارة فيستحقّ بالنسبة إليها مطلقاً ؛ سواء كانت مطلوبة نفساً أو من باب المقدّمة ، إلاّ أن تكون الاُجرة على المقدّمات الموصلات . هذا كلّه مع التصريح بكيفيته ، ومع الإطلاق فالظاهر التوزيع بالنسبة إلى المقدّمات وما فعل من الأعمال ، وتنظيره بإفساد الصلاة في غير محلّه ، نعم مع الإطلاق يستحقّ تمام الاُجرة إذا أتى بالمصداق العرفي الصحيح ولو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم ، فلو مات بعد الإحرام ودخول الحرم قبل إتيان شيء آخر لا يستحقّ اُجرة غير ما أتى به وإن سقط الحجّ عن الميّت ، فإنّ السقوط ليس لأجل الإتيان بالمصداق العرفي بل هو من باب التعبّد ، وأمّا لو أتى بالحجّ ونسي الطواف أو بعضه - مثلاً - ومات يستحقّ تمام الاُجرة للصدق ، وهذا نظير نسيان بعض أجزاء الصلاة المستأجرة مع عدم إضراره بالصحّة والاسم .

ذلك لا يستحقّ شيئاً ؛ سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده ، وقبل الإحرام أو بعده ، وقبل الدخول في الحرم ؛ لأ نّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلاًّ ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه ؛ من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه ، نعم لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئية ؛ بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً ، استحقّ مقدار ما يقابله من الاُجرة ، بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدّمية ، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاُجرة عليه أيضاً مطلقاً لا وجه له ، كما أ نّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام ، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ

ص: 321

أبطلت صلاته ، فإنّه لا إشكال في أ نّه لا يستحقّ الاُجرة على ما أتى به ، ودعوى أ نّه وإن كان لا يستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اُجرة المثل لما أتى به ، حيث إنّ عمله محترم ، مدفوعة بأ نّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أ نّه لم يكن مغروراً من قبله ، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة معيّنة ، ويجب عليه(1) الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشيء على التقديرين .

(مسألة 12) : يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ ؛ من تمتّع أو قران أو إفراد ، ولا يجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له ، وإن كان إلى الأفضل ، كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل ، إلاّ إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع ، كما في الحجّ المستحبّي والمنذور المطلق ، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة وخارجها ، وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ فلا ينفع رضاه أيضاً بالعدول إلى غيره ، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية ، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس(2) إن كان بعنوان القيدية ، وعلى أيّ تقدير يستحقّ الاُجرة المسمّاة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ؛ لأنّ المستأجر إذا رضي

ص: 322


1- - فيتعلّق ما عليه بتركته ، وكذا الحال لو كانت الإجارة في السنة المعيّنة أعمّ من المباشرة ومات ويمكن الإحجاج من ماله في السنة المزبورة .
2- - يمكن تطبيق الوفاء بغير الجنس في الديون المالية على القواعد ، وأمّا مثل الحجّ والتعبّديات فمشكل ، نعم إجازة العدول يمكن أن تكون رفع اليد عن المعدول عنه وإيقاع إجارة على المعدول إليه بالمسمّى ، أو أمر بإتيانه كذلك ، فمع الإتيان يستحقّ المسمّى .

بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ماله على المؤجر ، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون ، فكأ نّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول ، هذا . ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل ، كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع ، لخبر أبي بصير(1) عن أحدهما علیهما السلام في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال علیه السلام : «نعم ، إنّما خالف إلى الأفضل» . والأقوى ما ذكرنا ، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين ، جمعاً بينه وبين خبر آخر في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة قال علیه السلام : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، لا يخالف صاحب الدراهم» . وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلاّ مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحقّ الاُجرة(2) في صورة التعيين على وجه القيدية ، وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه ، ومفرّغاً لذمّته ؛ إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن ، وأمّا إذا كان على وجه الشرطية فيستحقّ ، إلاّ إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط ؛ إذ حينئذٍ لا يستحقّ المسمّى بل اُجرة المثل .

(مسألة 13) : لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ

ص: 323


1- - الإنصاف أنّ رفع اليد عن خبر أبي بصير مع كونه صحيحاً على الظاهر وعمل به جملة من الأصحاب مشكل كرفع اليد عن القواعد ، فالمسألة مشكلة ، والأحوط عدم العدول إلاّ برضاه ، وأمّا الجمع الذي ارتكبه ففرع حجّية الخبر المذكور وهو قاصر عن الحجّية بجهالة علي الذي روى عنه ابن محبوب وعدم الدليل على كونه ابن رئاب ، وعدم مدح معتدّ به عن هيثم بن أبي مسروق .
2- - الأحوط مع العدول التخلّص بالتصالح .

البلدي ؛ لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً ، ولكن لو عيّن تعيّن ولا يجوز العدول عنه إلى غيره ، إلاّ إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيته وإنّما ذكره على المتعارف ، فهو راضٍ بأيّ طريق كان ، فحينئذٍ لو عدل صحّ واستحقّ تمام الاُجرة ، وكذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه ، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف ، كالاستدلال له بصحيحة حريز عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، فقال : «لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» ؛ إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب ، مع أ نّها إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو ، لا من حيث كونه عملاً مستأجراً عليه كما هو المدّعى ، وربما تحمل على محامل اُخر . وكيف كان لا إشكال في صحّة حجّه وبراءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن ، إنّما الكلام في استحقاقه الاُجرة المسمّاة على تقدير العدول وعدمه ، والأقوى أ نّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية ، ولا يستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيدية(1) ؛ لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذٍ وإن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به ؛ لأ نّه حينئذٍ متبرّع بعمله ، ودعوى أ نّه يعدّ في العرف أ نّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحقّ بالنسبة ، وقصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفاً عن العمل ذي الأجزاء كما ذهب إليه في «الجواهر» ، لا وجه لها، ويستحقّ تمام الاُجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية بمعنى الالتزام في الالتزام ، نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط فيرجع إلى اُجرة المثل .

ص: 324


1- - بمعنى أنّ الحجّ المتقيّد بالطريق الخاصّ يكون مورداً للإجارة .

(مسألة 14) : إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً ، بطلت الإجارة الثانية ؛ لعدم القدرة(1) على العمل بها بعد وجوب العمل بالاُولى ، ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحّتا معاً ، ودعوى بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاُولى لأ نّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن ، وكذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة ممنوعة ، فالأقوى الصحّة ، هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحجّ بلا اشتراط المباشرة ، وأمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه ، وكذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين ، أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما ، بل وكذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل ، ولو اقترنت الإجارتان - كما إذا آجر نفسه من شخص وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة وكان وقوع الإجارتين في وقت واحد - بطلتا معاً(2) مع اشتراط المباشرة فيهما ، ولو آجره فضوليان(3) من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران ، ولو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد ، وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة ، بدعوى أ نّها حينئذٍ تكشف عن بطلان إجارة نفسه ، لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة الإجازة حتّى تكون كاشفة ، وانصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك .

ص: 325


1- - في التعليل تأمّل .
2- - بطلانهما مع الاشتراط الفقهي محلّ إشكال ، نعم لو أوقعاها لإتيانه مباشرة بطلا .
3- - مع إيقاعهما على النحو المتقدّم آنفاً ، وكذا الحال في الفرع الآتي .

(مسألة 15) : إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير ، بل ولا التقديم إلاّ مع رضا المستأجر ، ولو أخّر لا لعذر أثم وتنفسخ الإجارة(1) إن كان التعيين على وجه التقييد ، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية ، وإن أتى به مؤخّراً لا يستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب عنه به ، ويستحقّ المسمّاة على الثاني إلاّ إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى اُجرة المثل ، وإذا أطلق الإجارة وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذٍ وعدمه وجهان(2) ؛ من أنّ الفورية ليست توقيتاً ، ومن كونها بمنزلة الاشتراط .

(مسألة 16) : قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معيّنة ، ثمّ آجر من آخر في تلك السنة ، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا ؟ فيه تفصيل ، وهو أ نّه إن كانت الاُولى واقعة على العمل في الذمّة(3) لا تصحّ الثانية بالإجازة ؛ لأ نّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها ، وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في

ص: 326


1- - لا يبعد تخيّر المستأجر بين الفسخ ومطالبة الاُجرة المسمّاة وبين عدمه ومطالبة اُجرة المثل بعد إعطاء الاُجرة المسمّاة ، ولا فرق في ذلك أو انفساخ الإجارة على القول به بين كون التأخير لعذر أو لا .
2- - إن قلنا بأنّ وجوب التعجيل لأجل انصراف العقد إلى ذلك ففي بطلان العقد وعدمه وثبوت الخيار وجهان ، وإن قلنا بأنّ الوجوب حكم شرعي فالظاهر عدم البطلان وعدم ثبوت الخيار .
3- - أي كان متعلّق الإجارة الحجّ المباشري في هذه السنة فحينئذٍ لا تصحّ الثانية بالإجازة بلا إشكال ، وأمّا إذا اشترط المباشرة أو كونه في هذه السنة ، فالإجازة إسقاط الاشتراط فيرفع التزاحم فتصحّ الثانية بلا مزاحم .

تلك السنة - بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له - جاز له إجازة الثانية ؛ لوقوعها على ماله ، وكذا الحال في نظائر المقام ، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني ، وأمّا إذا ملّكه منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة(1) لعمرو جاز له إجازة هذا العقد ؛ لأ نّه تصرّف في متعلّق حقّه ، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر ، نعم لو ملك منفعة خاصّة كخياطة ثوب معيّن أو الحجّ عن ميّت معيّن على وجه التقييد يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته .

(مسألة 17) : إذا صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال ، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة ويبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق ، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد ، ولا يجزي عن المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم ؛ لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار ، والقياس عليه لا وجه له ، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته ، والقول بوجوبه ضعيف ، وظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال ، وهو مشكل(2) ؛ لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه وعدم فائدة فيما أتى به ، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ والحصر ، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها ، وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري ؛ لعدم الاستناد إلى المستأجر ، فلا يستحقّ اُجرة المثل أيضاً .

ص: 327


1- - إذا ملّك منفعة الكتابة أيضاً .
2- - لا إشكال فيه كما مرّ ، ويأتي فيه التفصيل المتقدّم .

(مسألة 18) : إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهو من ماله .

(مسألة 19) : إطلاق الإجارة(1) يقتضي التعجيل ؛ بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية ؛ إذ لا دليل عليها ، والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف ، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها .

(مسألة 20) : إذا قصرت الاُجرة لا يجب على المستأجر إتمامها ، كما أ نّها لو زادت ليس له استرداد الزائد ، نعم يستحبّ الإتمام كما قيل ، بل قيل : يستحبّ على الأجير أيضاً ردّ الزائد ، ولا دليل بالخصوص على شيء من القولين ، نعم يستدلّ على الأوّل بأ نّه معاونة على البرّ والتقوى ، وعلى الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة .

(مسألة 21) : لو أفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحاجّ عن نفسه يجب عليه إتمامه والحجّ من قابل وكفّارة بدنة ، وهل يستحقّ الاُجرة على الأوّل أو لا ؟ قولان ؛ مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل وأنّ الثاني عقوبة ، أو هو الثاني وأنّ الأوّل عقوبة ، قد يقال بالثاني ؛ للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان ، وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي إليه ، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معيّنة ولا يستحقّ الاُجرة ، ويجب عليه الإتيان في القابل بلا اُجرة ، ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة ، ويستحقّ الاُجرة على ما يأتي به في القابل ، والأقوى صحّة الأوّل ، وكون الثاني عقوبة ؛ لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاجّ عن نفسه ، ولا فرق بينه وبين الأجير ، ولخصوص

ص: 328


1- - مع عدم انصراف في البين .

خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : فإن ابتلى بشيء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحجّ من قابل ، أيجزي عن الأوّل ؟ قال : «نعم» قلت : فإنّ الأجير ضامن للحجّ ؟ قال : «نعم» . وفي الثاني سأل الصادق علیه السلام عن رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحجّ من قابل وكفّارة ؟ قال علیه السلام : «هي للأوّل تامّة» وعلى هذا ما اجترح ، فالأقوى استحقاق الاُجرة على الأوّل وإن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر ، ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة ، وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأوّل ، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان ، أو هو واجب عليه تعبّداً ويكون لنفسه ؟ وجهان ، لا يبعد الظهور(1) في الأوّل ، ولا ينافي كونه عقوبة ، فإنّه يكون الإعادة عقوبة ، ولكن الأظهر الثاني ، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة ، ثمّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الاُجرة في صورة كون الإجارة معيّنة ولو على ما يأتي به في القابل ؛ لانفساخها ، وكون وجوب الثاني تعبّداً ؛ لكونه خارجاً عن متعلّق الإجارة ، وإن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، وذلك لأنّ الإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية(2) بالنسبة إلى الثاني تعبّداً ؛ لكونه عوضاً شرعياً تعبّدياً عمّا وقع عليه العقد ، فلا وجه لعدم استحقاق الاُجرة على الثاني ، وقد يقال بعدم كفاية الحجّ الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه ، بل لا بدّ للمستأجر

ص: 329


1- - لا ظهور فيه .
2- - فيه منع ، وكونه عوضاً شرعياً لا يقتضي بقاء الإجارة تعبّداً مع مخالفته للقاعدة ، مع أنّ في كونه عوضاً تأمّلاً وإشكالاً ، وكيف كان فالأقوى ما اختاره في المتن فلا داعي لتعرّض الاحتمالات والأقوال .

أن يستأجر مرّة اُخرى في صورة التعيين ، وللأجير أن يحجّ ثالثاً في صورة الإطلاق ، لأنّ الحجّ الأوّل فاسد ، والثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث ؛ إذ التداخل خلاف الأصل ، وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحجّ في القابل بالعنوان الأوّل ، والظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل وبذلك العنوان ، فيكفي في التفريغ ولا يكون من باب التداخل ، فليس الإفساد عنواناً مستقلاًّ ، نعم إنّما يلزم ذلك إذا قلنا : إنّ الإفساد موجب لحجّ مستقلّ لا على نحو الأوّل ، وهو خلاف ظاهر الأخبار ، وقد يقال في صورة التعيين : إنّ الحجّ الأوّل إذا كان فاسداً وانفسخت الإجارة يكون لنفسه ، فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه ، ولا يكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، فيجب على المستأجر استئجار حجّ آخر ، وفيه أيضاً ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل وكون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له وإن كان بدلاً عنه ؛ لأ نّه بدل عنه بالعنوان المنويّ ، لا بما صار إليه بعد الفسخ ، هذا . والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحجّ الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً ، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً وإن كان لا يستحقّ الاُجرة أصلاً .

(مسألة 22) : يملك الأجير الاُجرة بمجرّد العقد ، لكن لا يجب تسليمها إلاّ بعد العمل ؛ إذا لم يشترط التعجيل ولم تكن قرينة على إرادته ؛ من انصراف أو غيره ، ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً ، لكن إذا كانت عيناً ونمت كان النماء للأجير ، وعلى ما ذكر - من عدم وجوب التسليم قبل العمل - إذا كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً وسلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر ، أو كون عمله باطلاً ، ولا يجوز لهما اشتراط

ص: 330

التعجيل من دون إذن الموكّل أو الوارث(1) ، ولو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الاُجرة كان له الفسخ(2) وكذا للمستأجر ، لكن لمّا كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحقّ الأجير المطالبة في صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصيّ دفعها(3) من غير ضمان .

(مسألة 23) : إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة ، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلاّ مع الإذن صريحاً أو ظاهراً ، والرواية(4) الدالّة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر .

(مسألة 24) : لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعاً ، وكانت وظيفته العدول إلى حجّ الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع ، ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت ، فهل يجوز له العدول ويجزي عن المنوب عنه أو لا ؟ وجهان ؛ من إطلاق أخبار العدول ، ومن انصرافها إلى الحاجّ عن نفسه، والأقوى عدمه(5)، وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت وعدم

ص: 331


1- - لا دخل لإذن الوارث فيه ، وأمّا الوصيّ فيجوز له الاشتراط إذا تعذّر بغير ذلك ، ولا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر .
2- - لا وجه لخيار الأجير ، بل للمستأجر خيار تعذّر التسليم ، نعم لو بقي على هذا الحال حتّى انقضى وقت الحجّ ، فالظاهر انفساخ العقد .
3- - لهما دفع ما يتعارف إن كلاًّ فكلاًّ ، وإن بعضاً فبعضاً .
4- - هي رواية الرواسي ولا ظهور معتدّاً به لها في الإجارة ، بل ولا كون الحجّة للمعطي ، فلا يبعد حملها على إعطاء شيء ليحجّ لنفسه استحباباً فيدفعها إلى غيره .
5- - بل الأقوى لزوم العدول ، وأمّا الإجزاء عن المنوب عنه ، فمحلّ تأمّل ، والأحوط عدم الإجزاء .

استحقاق الاُجرة عليه؛ لأ نّه غير ما على الميّت، ولأ نّه غير العمل المستأجر عليه.

(مسألة 25) : يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب - أيّ واجب كان - والمندوب ، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب ، وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب ، ولو قبل الاستئجار عنه للواجب ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك ، وأمّا الحيّ فلا يجوز التبرّع عنه في الواجب إلاّ إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم ، فإنّه يجوز التبرّع عنه(1) ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مرّ سابقاً ، وأمّا الحجّ المندوب فيجوز التبرّع عنه ، كما يجوز له أن يستأجر له حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لا يتمكّن من أدائه فعلاً ، وأمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل ، بل التبرّع عنه حينئذٍ أيضاً لا يخلو عن إشكال(2) في الحجّ الواجب .

(مسألة 26) : لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد ، وإن كان الأقوى فيه الصحّة(3) ، إلاّ إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة ، كما إذا

ص: 332


1- - الظاهر عدم الجواز وعدم الكفاية كما مرّ .
2- - وإن كان الأقوى الصحّة ، بل جواز الاستئجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخل بالواجب لا يخلو من قوّة ، والظاهر أنّ قوله : «في الحجّ الواجب» من اشتباه النسّاخ ، ولعلّ الأصل كان «مع الحجّ» فبدّل ب «في» أو كان قوله : «في الحجّ الواجب» مربوطاً بالمسألة الآتية ، وقوله : «وإن كان الأقوى فيه الصحّة» مربوطاً بهذه المسألة فقلّبهما الناسخ كما احتمله بعض الأجلّة .
3- - بل الأقوى عدم الصحّة ، وقد مرّ أنّ العبارة مغلوطة والشاهد عليها عدم تناسب الاستثناء وعدم مرجع لضمير وجوبه ، وأمّا إذا وضع قوله : «في الحجّ الواجب» ، مكان قوله : «وإن كان الأقوى فيه الصحّة» صارت العبارة سليمة والحكم صحيحاً .

نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ ، وأمّا في الحجّ المندوب فيجوز حجّ واحد عن جماعة بعنوان النيابة ، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب ؛ لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً ، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب .

(مسألة 27) : يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة ، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً ، كما إذا كان على الميّت أو الحيّ الذي لا يتمكّن من المباشرة لعذر حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر(1) ، أو متّحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر ، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً ، والآخر مستحبّاً ، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً ؛ لاحتمال بطلان حجّ أحدهما ، بل وكذا مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ منهما ، وكلاهما آت بالحجّ الواجب ، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر ، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد ، ولا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر ، فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل ، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً(2) .

فصل : في الوصيّة بالحجّ

(مسألة 1) : إذا أوصى بالحجّ ، فإن علم أ نّه واجب اُخرج من أصل التركة وإن كان بعنوان الوصيّة ، فلا يقال : مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث ، نعم لو

ص: 333


1- - مرّ الإشكال في جواز الاستنابة للحجّ النذري عن الحيّ المعذور .
2- - لكنّهما يراعيان التقارن في الختم .

صرّح بإخراجه من الثلث اُخرج منه ، فإن وفى به ، وإلاّ يكون الزائد من الأصل ، ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري والإفسادي ؛ لأ نّه بأقسامه واجب مالي وإجماعهم قائم على خروج كلّ واجب مالي من الأصل ، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحجّ بمنزلة الدين ، ومن المعلوم خروجه من الأصل ، بل الأقوى خروج كلّ واجب(1) من الأصل وإن كان بدنياً كما مرّ سابقاً ، وإن علم أ نّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث ، وإن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان ؛ يظهر من سيّد «الرياض» خروجه من الأصل ؛ حيث إنّه وجّه كلام الصدوق الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا ، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصيّة خروجها من الأصل ، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً ، وحمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك ، لكنّه مشكل ، فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصيّة بأزيد من الثلث تردّ إليه ، إلاّ مع إجازة الورثة ، هذا مع أنّ الشبهة مصداقية ، والتمسّك بالعمومات فيها محلّ إشكال ، وأمّا الخبر المشار إليه وهو قوله علیه السلام : «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كلّه فهو جائز» ، فهو موهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره ، ويمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده ، نعم يمكن أن يقال(2) في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة : الظاهر من قول الموصي : حجّوا عنّي ، هو حجّة الإسلام الواجبة ؛ لعدم تعارف الحجّ

ص: 334


1- - الأقوى في الواجب البدني خروجه من الثلث إذا أوصى به .
2- - لكنّه غير وجيه ، خصوصاً بالنسبة إلى هذه الأزمنة ، بل الانصراف ممنوع في الخمس والزكاة أيضاً ، إلاّ أن تكون قرائن توجب الانصراف والظهور .

المستحبّي في هذه الأزمنة والأمكنة ، فيحمل على أ نّه واجب من جهة هذا الظهور والانصراف ، كما أ نّه إذا قال : أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة ، ينصرف إلى الواجب عليه ، فتحصّل أنّ في صورة الشكّ في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة ، أو لا حتّى يكون من الثلث ، مقتضى الأصل الخروج من الثلث ؛ لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً وهو غير معلوم ، بل الأصل عدمه إلاّ إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصيّة بالخمس أو الزكاة أو الحجّ ونحوها ، نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحجّ عليه سابقاً ولم يعلم أ نّه أتى به أو لا ، فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل ، ودعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكّه لا شكّ الوصيّ أو الوارث ولا يعلم أ نّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة(1) ؛ بمنع اعتبار شكّه ، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوصِ ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ، إلاّ أن يدفع بالحمل على الصحّة ، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسّعة ، بل في غيرها أيضاً في

ص: 335


1- - ما ذكره هاهنا ينافي ما اختاره في كتاب الزكاة ، وقد قوّى هذه الدعوى هناك ، كما أنّ إشكاله في جريان قاعدة الحمل على الصحّة ينافي ما اختاره هناك ، والأقوى جريان الاستصحاب وعدم جريان القاعدة فما ذكره هاهنا هو الموافق للقواعد مع تبديل قوله : «فالأحوط» ب «الأقوى» .

غير الموقّتة ، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل .

(مسألة 2) : يكفي الميقاتية ؛ سواء كان الحجّ الموصى به واجباً أو مندوباً ، ويخرج الأوّل من الأصل ، والثاني من الثلث ، إلاّ إذا أوصى بالبلدية ، وحينئذٍ فالزائد عن اُجرة الميقاتية في الأوّل من الثلث، كما أنّ تمام الاُجرة في الثاني منه.

(مسألة 3) : إذا لم يعيّن الاُجرة ، فاللازم(1) الاقتصار على اُجرة المثل ؛ للانصراف إليها ، ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استئجاره ؛ إذ الانصراف إلى اُجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط ، وهل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده ؟ الأحوط ذلك(2) توفيراً على الورثة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده، وإن كان في وجوبه إشكال ، خصوصاً مع الظنّ بالعدم ، ولو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به ، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو المتعيّن(3) توفيراً على الورثة ، فإن أتى به صحيحاً كفى ، وإلاّ وجب الاستئجار ، ولو لم يوجد من يرضى باُجرة المثل ، فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحجّ واجباً ، بل وإن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث ، ولا يجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو أقلّ ، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت في الواجب ، والعمل بمقتضى الوصيّة(4)

ص: 336


1- - على الوصيّ مع عدم رضا الورثة أو صغرهم ، وكذا في وجوب استئجار الأقلّ في الفرع التالي .
2- - لا يترك مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده ، نعم الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ كما مرّ .
3- - فيه إشكال ، نعم هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة .
4- - وجوب المبادرة غير معلوم مع عدم الوصيّة بها ، ولو بانصراف من كلامه .

في المندوب ، وإن عيّن الموصي مقداراً للاُجرة تعيّن ، وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المثل ، وإلاّ فالزيادة من الثلث ، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث .

(مسألة 4) : هل اللازم في تعيين اُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس اُجرة أو يلاحظ اُجرة من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني ، والأحوط الأظهر(1) الأوّل ، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً .

(مسألة 5) : لو أوصى بالحجّ وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن ، وإن لم يعيّن كفى حجّ واحد ، إلاّ أن يعلم أ نّه أراد التكرار ، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أ نّه يحجّ عنه ما دام له مال ، كما في خبرين ، أو ما بقي من ثلثه شيء كما في ثالث ، بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال ، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف ، مع أ نّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أ نّه يجب الحجّ ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا اُخر ، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور(2) عنها ، فلا ينبغي

ص: 337


1- - مرّ منه ما يخالف ذلك ومنّا ما يوافقه ، وفرض المسألة وجود قاصر أو غير راضٍ في الورثة ، وقد مرّ حكم الكفن في محلّه .
2- - بل قصور المستند ؛ فإنّ محمّد بن الحسن الأشعري لم يرد فيه توثيق ولم يثبت كونه وصيّاً لسعد بن سعد ، حتّى يستشهد به لوثاقته مع عدم كفاية ذلك أيضاً في الحكم بالوثاقة ، والخبران المذكوران في هذا الباب - مع كون الراوي نفسه - غير دالّين على كونه وصيّاً له لو لم يدلاّ على عدمه ، ومحمّد بن الحسين بن أبي خالد في الرواية الثالثة مجهول ، وظنّي أ نّه محمّد بن الحسن المتقدّم واشتبه النسخة ؛ لأنّ محمّد بن الحسن أيضاً ابن أبي خالد .

الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار ، نعم لو أوصى بإخراج الثلث ولم يذكر إلاّ الحجّ يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحجّ ، كما لو لم يذكر إلاّ المظالم أو إلاّ الزكاة أو إلاّ الخمس ، ولو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً كفى مرّتان ، لصدق التكرار معه .

(مسألة 6) : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة ، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة ، صرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين - مثلاً - وهكذا ، لا لقاعدة الميسور ؛ لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحجّ وكون تعيين مقدار كلّ سنة بتخيّل كفايته ، ويدلّ عليه أيضاً خبر علي بن محمّد(1) الحضيني ، وخبر إبراهيم بن مهزيار ، ففي الأوّل : «تجعل حجّتين في حجّة» وفي الثاني : «تجعل ثلاث حجج في حجّتين» وكلاهما من باب المثال كما لا يخفى ، هذا ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة(2) ، فهل ترجع ميراثاً ، أو في وجوه البرّ أو تزاد على اُجرة بعض السنين؟ وجوه ، ولو كان الموصى به الحجّ من البلد ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين مثلاً لسنة ، وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان ، ولا يبعد التخيير ، بل أولوية الثاني ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق

ص: 338


1- - هذا الخبر أيضاً لإبراهيم بن مهزيار ، وهو أخبر عن مكاتبة الحضيني ولم يرو عنه .
2- - ولو من الميقات ، والأوجه حينئذٍ صرفها في وجوه الخير .

الخبرين(1) الأوّل ، هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد ، وإلاّ فتبطل الوصيّة إذا لم يرجِ إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت الوصيّة مقيّدة بسنين معيّنة .

(مسألة 7) : إذا أوصى بالحجّ وعيّن الاُجرة في مقدار ، فإن كان الحجّ واجباً ولم يزد ذلك المقدار عن اُجرة المثل ، أو زاد وخرجت الزيادة من الثلث تعيّن ، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصيّة(2) ويرجع إلى اُجرة المثل ، وإن كان الحجّ مندوباً ، فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار ، وإلاّ فبقدر وفاء الثلث ، مع عدم كون التعيين على وجه التقييد ، وإن لم يفِ الثلث بالحجّ(3) أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصيّة ، وسقط وجوب الحجّ .

(مسألة 8) : إذا أوصى بالحجّ(4) وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره باُجرة المثل ، وإن لم يقبل إلاّ بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً ، وإلاّ بطلت الوصيّة ، واستؤجر غيره باُجرة المثل في الواجب مطلقاً ، وكذا في المندوب إذا وفى به الثلث ولم يكن على وجه التقييد ، وكذا إذا لم يقبل أصلاً .

(مسألة 9) : إذا عيّن للحجّ اُجرة لا يرغب فيها(5) أحد ، وكان الحجّ مستحبّاً ، بطلت الوصيّة ؛ إذا لم يرجِ وجود راغب فيها ، وحينئذٍ فهل ترجع ميراثاً ، أو

ص: 339


1- - وعليهما العمل .
2- - مع عدم إجازة الورثة ، وكذا في نظائر المسألة .
3- - حتّى من الميقات .
4- - أي الواجب ، وأمّا المندوب فاُجرته مطلقاً من الثلث .
5- - ولو للحجّ الميقاتي .

تصرف في وجوه البرّ ، أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً ، أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه ، والأقوى هو الصرف في وجوه البرّ ، لا لقاعدة الميسور ، بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس ؛ لأ نّها قاعدة شرعية ، وإنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع ، ولا مسرح لها في مجعولات الناس ، كما أشرنا إليه سابقاً ، مع أنّ الجنس لا يعدّ ميسوراً للنوع ، فمحلّها المركّبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها ، ولو كانت ارتباطية ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه ، وإنّما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد المطلوب وإن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة ، نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة ، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل ، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام ، بل يدلّ عليه خبر علي بن سويد عن الصادق علیه السلام قال قلت : مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم تكفِ للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدّق بها ، فقال علیه السلام : «ما صنعت؟» قلت : تصدّقت بها فقال علیه السلام : «ضمنت إلاّ أن لا تكون تبلغ أن يحجّ بها من مكّة ، فإن كانت تبلغ أن يحجّ بها من مكّة فأنت ضامن» ، ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصيّة لجهة من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وتعذّر بعضها ، وأمّا فيه فالأمر أوضح ؛ لأ نّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه .

(مسألة 10) : إذا صالحه داره - مثلاً - وشرط عليه أن يحجّ عنه بعد موته صحّ ولزم ، وخرج من أصل التركة وإن كان الحجّ ندبياً ، ولا يلحقه حكم الوصيّة ،

ص: 340

ويظهر من المحقّق القمّي قدّس سرّه في نظير المقام إجراء حكم الوصيّة عليه ، بدعوى أ نّه بهذا الشرط ملك عليه الحجّ ، وهو عمل له اُجرة ، فيحسب مقدار اُجرة المثل لهذا العمل ، فإن كانت زائدة عن الثلث توقّف على إمضاء الورثة ، وفيه : أ نّه لم يملك عليه الحجّ مطلقاً في ذمّته ، ثمّ أوصى أن يجعله عنه ، بل إنّما ملك بالشرط الحجّ عنه ، وهذا ليس مالاً تملكه الورثة ، فليس تمليكاً ووصيّة ، وإنّما هو تمليك على نحو خاصّ لا ينتقل إلى الورثة ، وكذا الحال إذا ملّكه داره بمائة تومان(1) مثلاً بشرط أن يصرفها في الحجّ عنه أو عن غيره ، أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ أو نحوه ، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل ، وإن كان العمل المشروط عليه ندبياً ، نعم له الخيار(2) عند تخلّف الشرط ، وهذا ينتقل إلى الوارث ، بمعنى أنّ حقّ الشرط ينتقل إلى الوارث ، فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة .

(مسألة 11) : لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً صحّ واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً ، وخروج الزائد عن اُجرة(3) الميقاتية عنه إن كان واجباً ، ولو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتّى مات ، وأوصى به أو لم يوصِ وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك ، نعم لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب(4) الاستئجار عنه ؛ لأنّ المنذور هو

ص: 341


1- - الظاهر صحّة قول المحقّق القمّي في هذا الفرض .
2- - مع عدم التمكّن من الإجبار على العمل ولو بالرجوع إلى الحاكم العرفي ، مع عدم الإمكان بوجه آخر .
3- - وكذا التفاوت بين اُجرة الحجّ ماشياً أو حافياً وبين غيرها .
4- - إلاّ إذا اُحرز تعدّد المطلوب .

مشيه ببدنه فيسقط بموته ؛ لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً .

(مسألة 12) : إذا أوصى بحجّتين أو أزيد ، وقال : إنّها واجبة عليه ، صدّق وتخرج من أصل التركة ، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت وكان متّهماً في إقراره ، فالظاهر أ نّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى .

(مسألة 13) : لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة اُجرة الاستئجار وشكّ في أ نّه استأجر الحجّ قبل موته أو لا ، فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها ، فالظاهر(1) حمل أمره على الصحّة مع كون الوجوب فوريّاً منه ، ومع كونه موسّعاً إشكال(2) ، وإن لم تمضِ مدّة يمكن الاستئجار فيها ، وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحجّ واجباً ، ومن بقيّة الثلث إذا كان مندوباً ، وفي ضمانه لما قبض وعدمه - لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان - وجهان(3) ، نعم لو كان المال المقبوض موجوداً اُخذ(4) حتّى في الصورة الاُولى ، وإن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه ؛ إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه وصرفه في الاُجرة وتملّك ذلك المال بدلاً عمّا جعله اُجرة ؛ لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت .

(مسألة 14) : إذا قبض الوصيّ الاُجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن

ص: 342


1- - محلّ إشكال بل منع .
2- - لا إشكال في وجوب الاستئجار .
3- - الأقوى عدم الضمان .
4- - لو عامل معه معاملة الملكية في حال حياته ، أو عامل الورثة كذلك ، لا يبعد عدم جواز الأخذ ، على إشكال خصوصاً في الأوّل .

ضامناً ، ووجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث ، وإن اقتسمت على الورثة استرجع منهم ، وإن شكّ في كون التلف عن تقصير أو لا ، فالظاهر عدم الضمان أيضاً ، وكذا الحال(1) إن استأجر ومات الأجير ولم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته .

(مسألة 15) : إذا أوصى بما عنده من المال للحجّ ندباً ، ولم يعلم أ نّه يخرج من الثلث أو لا ، لم يجز صرف جميعه ، نعم لو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا ، أو أ نّه أوصى سابقاً بذلك والورثة أجازوا وصيّته ، ففي سماع دعواه وعدمه وجهان(2) .

(مسألة 16) : من المعلوم أنّ الطواف مستحبّ مستقلاًّ من غير أن يكون في ضمن الحجّ ويجوز النيابة فيه عن الميّت ، وكذا عن الحيّ إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً وكان معذوراً في الطواف بنفسه ، وأمّا مع كونه حاضراً وغير معذور فلا تصحّ النيابة عنه ، وأمّا سائر أفعال الحجّ فاستحبابها مستقلاًّ غير معلوم ، حتّى مثل السعي(3) بين الصفا والمروة .

(مسألة 17) : لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها ، وكان عليه حجّة الإسلام، وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم، جاز بل وجب عليه أن يحجّ بها عنه ، وإن زادت عن اُجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم ؛ لصحيحة بريد(4)

ص: 343


1- - أي في وجوب الاستئجار من التركة .
2- - الظاهر سماع دعواه بما هو المعهود في باب الدعاوي ، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقاً .
3- - وإن يظهر من بعض الروايات استحبابه .
4- - في كون هذه الرواية صحيحة إشكال بكلا السندين ؛ لاحتمال كون سويد القلاّ غير سويد بن مسلم القلاّ الذي وثّقه جمع ، لكنّها معمول بها ، فالسند مجبور على فرض ضعفه ، بل المظنون اتّحادهما .

عن رجل استودعني مالاً فهلك ، وليس لوارثه شيء ولم يحجّ حجّة الإسلام ، قال علیه السلام : «حجّ عنه وما فضل فأعطهم» وهي وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم ، ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي ، ودعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام علیه السلام كما ترى ؛ لأنّ الظاهر من كلام الإمام علیه السلام بيان الحكم الشرعي ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم(1) ، والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء ، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه ؛ لانفهام الأعمّ من ذلك منها ، وهل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحجّ الواجب أو غير الحجّ من سائر ما يجب عليه مثل الخمس والزكاة والمظالم والكفّارات والدين أو لا ؟ وكذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية والعين المستأجرة والمغصوبة والدين في ذمّته أو لا ؟ وجهان ، قد يقال بالثاني ؛ لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا : إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث وإن كانوا مكلّفين بأداء الدين ، ومحجورين عن التصرّف قبله ، بل وكذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت ؛ لأنّ أمر الوفاء إليهم ، فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال ، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميّت بأنفسهم ، والأقوى(2) مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدّون بل مع الظنّ القويّ أيضاً جواز الصرف فيما عليه ، لا لما ذكره في «المستند» ؛ من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كلّ من قدر على ذلك ، وأولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت

ص: 344


1- - الأحوط الاستئذان منه مع الإمكان .
2- - الإلحاق محلّ إشكال ، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم وعدم استبداده به ، وكذا الحال في صورة الإنكار والامتناع .

موجودة ، وأمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى تكون الورثة أولى به ، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً ، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة ، أو دعوى تنقيح المناط ، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه ، ولا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه ، بل وكذا على القول بالانتقال إلى الورثة ، حيث إنّه يجب صرفه في دينه ، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه ، ويضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميّت ، نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأ نّه وليّ من لا وليّ له ، ويكفي الإذن الإجمالي ، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه ، كما قد يتخيّل ، نعم لو لم يعلم ولم يظنّ عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه ، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم ، أو أمكن إجباره عليه ، لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه .

(مسألة 18) : يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، وكذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره .

(مسألة 19) : يجوز لمن أعطاه رجل مالاً لاستئجار الحجّ أن يحجّ بنفسه ، ما لم يعلم(1) أنّه أراد الاستئجار من الغير ، والأحوط عدم مباشرته إلاّ مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج ، وإذا عيّن شخصاً تعيّن ، إلاّ إذا علم عدم أهليته ، وأنّ المعطي مشتبه في تعيينه ، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد .

ص: 345


1- - ولو بظهور لفظه في ذلك ، ومعه لا يجوز التخلّف إلاّ مع الاطمئنان بالخلاف .

فصل : في الحجّ المندوب

(مسألة 1) : يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحجّ مهما أمكن ، بل وكذا من أتى بوظيفته من الحجّ الواجب ، ويستحبّ تكرار الحجّ ، بل يستحبّ تكراره في كلّ سنة ، بل يكره تركه خمس سنين متوالية ، وفي بعض الأخبار : «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً» .

(مسألة 2) : يستحبّ نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وفي الخبر : إنّها توجب الزيادة في العمر ، ويكره نيّة عدم العود ، وفيه : أ نّها توجب النقص في العمر .

(مسألة 3) : يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتاً ، وكذا عن المعصومين علیهم السلام أحياءً وأمواتاً ، وكذا يستحبّ الطواف عن الغير وعن المعصومين علیهم السلام أمواتاً وأحياءً مع عدم حضورهم في مكّة ، أو كونهم معذورين .

(مسألة 4) : يستحبّ لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك .

(مسألة 5) : يستحبّ إحجاج من لا استطاعة له(1) .

(مسألة 6) : يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحجّ بها .

(مسألة 7) : الحجّ أفضل من الصدقة بنفقته .

(مسألة 8) : يستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ ، وفي بعض الأخبار : «إنّ اللّه يبغض الإسراف إلاّ بالحجّ والعمرة» .

ص: 346


1- - بل مطلقاً .

(مسألة 9) : يجوز الحجّ بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها .

(مسألة 10) : لا يجوز الحجّ بالمال الحرام ، لكن لا يبطل الحجّ إذا كان(1) لباس إحرامه ، وطوافه وثمن هديه من حلال .

(مسألة 11) : يشترط(2) في الحجّ الندبي إذن الزوج والمولى ، بل الأبوين في بعض الصور ، ويشترط أيضاً أن لا يكون عليه حجّ واجب مضيّق ، لكن لو عصى وحجّ صحّ .

(مسألة 12) : يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه ،كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه .

(مسألة 13) : يستحبّ لمن لا مال له يحجّ به أن يأتي به ولو بإجارة نفسه عن غيره ، وفي بعض الأخبار : أنّ للأجير من الثواب تسعاً ، وللمنوب عنه واحد .

فصل : في أقسام العمرة

(مسألة 1) : تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب ، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ في العمر مرّة بالكتاب والسنّة والإجماع ، ففي صحيحة زرارة : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ، فإنّ اللّه تعالى يقول : )وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للّه ِ(» . وفي صحيحة الفضيل في قول اللّه تعالى : (وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ) ، قال علیه السلام : «هما

ص: 347


1- - مرّ الكلام في اللباس وثمن الهدي .
2- - مرّ الكلام في هذه المسألة صدراً وذيلاً .

مفروضان» ووجوبها بعد تحقّق الشرائط فوري كالحجّ ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها ، وإن لم تتحقّق استطاعة الحجّ ، كما أنّ العكس كذلك ، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها ، والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كلّ منهما وأ نّهما مرتبطان ضعيف ، كالقول باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة .

(مسألة 2) : تجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع والأخبار . وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ ؟ المشهور عدمه ، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات وهو الأقوى ، وعلى هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعاً لها وهو في مكّة ، وكذا لا تجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع ، ولكن الأحوط الإتيان بها .

(مسألة 3) : قد تجب العمرة بالنذر(1) والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد ، وتجب أيضاً لدخول مكّة ؛ بمعنى حرمته بدونها ، فإنّه لا يجوز دخولها إلاّ محرماً إلاّ بالنسبة إلى من يتكرّر(2) دخوله وخروجه كالحطّاب والحشّاش ، وما عدا ما ذكر مندوب ، ويستحبّ تكرارها كالحجّ ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين فقيل : يعتبر شهر ، وقيل : عشرة أيّام ،

ص: 348


1- - قد مرّ منّا الإشكال في صيرورة المنذور وشبهه واجباً ، والأمر سهل .
2- - إذا كان مقتضى شغله التكرّر نظير المثالين ، وأمّا مطلق من يتكرّر منه ذلك فمشكل ، ثمّ إنّ الاستثناء لا ينحصر بذلك ، بل يستثنى موارد اُخر كالمريض والمبطون وغيرهما المذكور في محلّه .

والأقوى(1) عدم اعتبار فصل ، فيجوز إتيانها كلّ يوم ، وتفصيل المطلب موكول إلى محلّه .

فصل : في أقسام الحجّ

وهي ثلاثة بالإجماع والأخبار : تمتّع وقران وإفراد ، والأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة ، والآخران فرض من كان حاضراً ؛ أي غير بعيد ، وحدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب على المشهور(2) الأقوى ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر uقلت له قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : (ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ) . فقال علیه السلام : «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» . وخبره عنه علیه السلام سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ (ذَلِكَ . . .) إلى آخرها ، قال : «لأهل مكّة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة» قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : «ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكّة دون عسفان وذات عرق»، ويستفاد أيضاً من جملة(3) من أخبار اُخر . والقول بأنّ حدّه اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب كما عليه جماعة ضعيف ، لا دليل عليه إلاّ الأصل ، فإنّ مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كلّ أحد(4) ، والقدر المتيقّن الخارج منها من كان

ص: 349


1- - الأحوط فيما دون الشهر الإتيان بها رجاءً .
2- - الشهرة غير معلومة .
3- - محلّ تأمّل .
4- - محلّ إشكال .

دون الحدّ المذكور ، وهو مقطوع بما مرّ ، أو دعوى : أنّ الحاضر مقابل للمسافر ، والسفر أربعة فراسخ ، وهو كما ترى ، أو دعوى : أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي ، والعرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلاً ، وهذا أيضاً كما ترى ، كما أنّ دعوى : أنّ المراد من ثمانية وأربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كلّ جهة اثنا عشر ميلاً منافية لظاهر تلك الأخبار ، وأمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حدّ البعد ثمانية عشر ميلاً فلا عامل بها ، كما لا عامل(1) بصحيحتي حمّاد بن عثمان والحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكّة ، وهل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان ، أقربهما الأوّل ، ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع ؛ لتعليق حكم الإفراد والقران على ما دون الحدّ ، ولو شكّ في كون منزله في الحدّ أو خارجه وجب عليه الفحص ، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط ، وإن كان لا يبعد(2) القول بأ نّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع ؛ لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر ، وهو مشكوك فيكون كما لو شكّ في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا ، فإنّه يصلّي تماماً ؛ لأنّ القصر معلّق على السفر وهو مشكوك ، ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام ؛ حيث لا يجزي للبعيد إلاّ التمتّع ، ولا للحاضر إلاّ الإفراد أو القران ، وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبي فيجوز لكلّ من البعيد والحاضر كلّ من الأقسام الثلاثة بلا إشكال ، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ،

ص: 350


1- - وجّههما في «الوسائل» بما يوافق روايتي زرارة ، وهو مع صدق دعواه وجيه .
2- - فيه إشكال ظاهر ، وقياسه مع الفارق ، بل المقام أسوأ حالاً من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، لما مرّ من الإشكال في ثبوت عامّ خالٍ عن المناقشة .

وكذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام كالحجّ النذري(1) وغيره .

(مسألة 1) : من كان له وطنان : أحدهما في الحدّ ، والآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما(2) ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولا متعة له» فقلت لأبي جعفر علیه السلام : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ فقال علیه السلام : «فلينظر أيّهما الغالب»، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة .

(مسألة 2) : من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها فالمشهور جواز حجّ التمتّع له ، وكونه مخيّراً بين الوظيفتين ، واستدلّوا بصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللّه علیه السلام عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ، ثمّ يرجع إلى مكّة فيمرّ ببعض المواقيت ؛ أله أن يتمتّع ؟ قال علیه السلام : «ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل ، وكان الإهلال أحبّ إليّ» ، ونحوها صحيحة اُخرى عنه وعن عبدالرحمن بن أعين عن أبي الحسن علیه السلام . وعن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك ، وأ نّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحجّ واجباً عليه ، وتبعه جماعة ؛ لما دلّ من الأخبار على أ نّه لا متعة لأهل مكّة . وحملوا الخبرين على الحجّ الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني ، ولا يبعد قوّة هذا القول مع أ نّه أحوط ؛ لأنّ الأمر دائر بين التخيير والتعيين ، ومقتضى الاشتغال هو الثاني ، خصوصاً إذا

ص: 351


1- - أي له نذر أيّ قسم شاء ، وكذا حال شقيقيه ، وهو المراد من غيره لا الإفسادي ؛ لأ نّه تابع لما أفسده .
2- - مع عدم إقامة سنتين بمكّة .

كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحجّ ، بل يمكن(1) أن يقال : إنّ محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها ، وأمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض أهلها .

(مسألة 3) : الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة ، فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه ، فلا إشكال في بقاء حكمه ؛ سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة ، فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة ، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة ، وإنّما الكلام في الحدّ الذي به يتحقّق الانقلاب ، فالأقوى ما هو المشهور من أ نّه بعد الدخول في السنة الثالثة ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولا متعة له . . . » إلى آخره ، وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق علیه السلام : «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا جاور سنتين كان قاطناً ، وليس له أن يتمتّع» ، وقيل بأ نّه بعد الدخول في الثانية ؛ لجملة من الأخبار ، وهو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها ، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل ، وأمّا القول بأ نّه بعد تمام ثلاث سنين ، فلا دليل عليه ، إلاّ الأصل المقطوع بما ذكر ، مع أنّ القول به غير محقّق ؛ لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة ، وأمّا الأخبار الدالّة على أ نّه بعد ستّة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقيّة ، وإمكان حملها على محامل اُخر ، والظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة ، فلو كانت

ص: 352


1- - غير معلوم مع إطلاق كلامهم .

بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل ، فما يظهر من بعضهم من كونها أعمّ لا وجه له . ومن الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن ، ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً ، فيكفي في وجوب الحجّ الاستطاعة من مكّة ولا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده ، فلا وجه لما يظهر من صاحب «الجواهر» من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه ؛ لعموم أدلّتها ، وأنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحجّ ، وأمّا الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع ، هذا . ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضيّ السنتين ، فالظاهر أ نّه كما لو حصلت في بلده ، فيجب عليه التمتّع(1) ، ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد ، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب ، وأمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه ؛ لعدم الدليل وبطلان القياس ، إلاّ إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن وحصلت الاستطاعة بعده ، فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة ولو في السنة الاُولى ، وأمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا ، نعم الظاهر دخوله حينئذٍ في المسألة السابقة ، فعلى القول بالتخيير فيها - كما عن المشهور - يتخيّر ، وعلى قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي .

(مسألة 4) : المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع ، كما إذا كانت استطاعته في بلده ، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه ، فالواجب عليه الخروج إلى

ص: 353


1- - وجوب التمتّع فرع وقوع الحجّ على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين ، فالمدار على نفس الحجّ في سنة أوّل الاستطاعة لا على الاستطاعة .

الميقات لإحرام عمرة التمتّع ، واختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال : أحدها : أ نّه مهلّ أرضه ، ذهب إليه جماعة ، بل ربما يسند إلى المشهور كما في «الحدائق» ؛ لخبر سماعة عن أبي الحسن علیه السلام سألته عن المجاور أ له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال علیه السلام : «نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل والناسي الدالّة على ذلك ، بدعوى عدم خصوصية للجهل والنسيان ، وأنّ ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع ، وبالأخبار الواردة في توقيت المواقيت ، وتخصيص كلّ قطر بواحد منها أو من مرّ عليها ، بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه . ثانيها : أ نّه أحد المواقيت المخصوصة ؛ مخيّراً بينها ، وإليه ذهب جماعة اُخرى ، لجملة اُخرى من الأخبار مؤيّدة بأخبار المواقيت ، بدعوى عدم استفادة خصوصية كلّ بقطر معيّن . ثالثها : أ نّه أدنى الحلّ ، نقل عن الحلبي ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين لجملة ثالثة من الأخبار ، والأحوط الأوّل(1) وإن كان الأقوى الثاني ؛ لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة ، وأخبار الجاهل والناسي ، وأنّ ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد ، ومنع خصوصية للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت ، وأمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت ، أو محمولة على صورة التعذّر . ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ(2) من كان في مكّة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً . هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت ، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ ، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا

ص: 354


1- - لا يترك بل لا يخلو من قوّة .
2- - محلّ إشكال .

هو دون الميقات ، وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .

فصل : في إجمال صورة حجّ التمتّع

فصل

صورة حجّ التمتّع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً ، ويصلّي ركعتين في المقام ، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً وإن كان الأصحّ عدم وجوبه ، ويقصّر ، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة في وقت يعلم أ نّه يدرك الوقوف بعرفة ، والأفضل إيقاعه يوم التروية(1) ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب(2) ، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه ويقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(3) ، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة ، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه(4) ، ثمّ يحلق(5) أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلاّ النساء ، والطيب ، والأحوط اجتناب الصيد أيضاً وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام ، ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه ، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه فيحلّ له الطيب ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء ، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها

ص: 355


1- - بعد صلاة الظهر على تفصيل ذكرنا في مناسك الحجّ .
2- - من يوم عرفة .
3- - من يوم النحر ، وكذا أعمال منى .
4- - على الأحوط وإن لا يجب على الأقوى .
5- - الأحوط تعيّن الحلق للصرورة ومن عقص رأسه والملبّد ، ويتعيّن التقصير على النساء .

ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر(1) ، ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث ، وأن لا يأتي إلى مكّة ليومه ، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء والصيد ، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً ، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصحّ ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة ، والأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل ؛ بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر ، بل لا ينبغي التأخير لغده فضلاً عن أيّام التشريق إلاّ لعذر .

ويشترط في حجّ التمتّع اُمور :

أحدها : النيّة ؛ بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ ، نعم في جملة من الأخبار : أ نّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز أن يتمتّع بها ، بل يستحبّ ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة ، ويتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية ، بل عن القاضي وجوبه حينئذٍ ، ولكن الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه ، ففي موثّق سماعة عن الصادق علیه السلام : «من حجّ معتمراً في شوّال ، ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو متمتّع ؛ لأنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، فمن اعتمر فيهنّ فأقام إلى الحجّ فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع ، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن

ص: 356


1- - في بعض الصور .

هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتّعاً بعمرته إلى الحجّ ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها» . وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله ، إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية» وفي قويّة عنه علیه السلام : «من دخل مكّة معتمراً مفرداً للحجّ فيقضي عمرته كان له ذلك ، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعة» ، قال علیه السلام : «وليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ» وفي صحيحة عنه علیه السلام : «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس» . وفي مرسل موسى بن القاسم : «من اعتمر في أشهر الحجّ فليتمتّع» ، إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد عمل بها جماعة ، بل في «الجواهر» : لا أجد فيه خلافاً ، ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها أ نّه يصير تمتّعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها ، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحجّ عقيب عمرة وقعت في أشهر الحجّ بأيّ نحو أتى بها ، ولا بأس بالعمل بها ، لكن القدر المتيقّن منها هو الحجّ الندبي ، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ، ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع ، يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه ؛ سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستئجار .

الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ ؛ لظاهر الآية وجملة من الأخبار كصحيحة معاوية بن عمّار ، وموثّقة سماعة وخبر زرارة ، فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر

ص: 357

الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر ، أو مع تسعة أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث ، أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف ، على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظي فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجّة فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحجّ .

(مسألة 1) : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحجّ قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً ، لكن هل تصحّ مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان ، اختار الثاني في «المدارك» ؛ لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها ، وبعض اختار الأوّل ؛ لخبر الأحول عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ ، قال : «يجعلها عمرة» وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبداللّه علیه السلام : «من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة ، وإن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، إنّما الأضحى على أهل الأمصار» . ومقتضى القاعدة(1) وإن كان هو ما ذكره صاحب «المدارك» لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين .

الثالث : أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة كما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع ؛ لأ نّه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفية حجّ التمتّع ، ولقاعدة توقيفية العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ وارتباطها به ، والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحجّ ، بل وما

ص: 358


1- - لا يبعد أن يكون مقتضى القاعدة صحّتها ، ولكن الأحوط إتمامها رجاءً وعدم الاكتفاء بها عن العمرة الواجبة .

دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم ، بدعوى : أنّ المراد من القابل فيه العام القابل فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنة ، والحجّ في اُخرى ؛ لمنع ذلك ، بل المراد منه الشهر القابل على أ نّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل(1) ، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخّر الحجّ إلى العام الآخر لم يصحّ تمتّعاً ؛ سواء أقام في مكّة إلى العام القابل ، أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الاُخرى ، ولا وجه لما عن «الدروس» من احتمال الصحّة في هذه الصورة . ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحجّ من سنة واحدة ، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً ، وحينئذٍ فلا يصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة ، وأتى بالحجّ في ذي الحجّة من العام القابل .

الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار ؛ للإجماع والأخبار ، وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن علیه السلام من قوله : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء ، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ» ؛ حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحجّ من غير مكّة ، محمول على محامل أحسنها أنّ المراد بالحجّ عمرته ؛ حيث إنّها أوّل أعماله ، نعم يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سككها ؛ للإجماع وخبر عمرو بن حريث عن الصادق علیه السلام من أين اُهلّ بالحجّ ؟ فقال : «إن شئت من رحلك ، وإن

ص: 359


1- - بل هو ضعيف السند بمحمّد بن سنان على الأصحّ ، والعمدة في الباب هي الشهرة المؤيّدة بدعوى الإجماع وعدم الدليل على الصحّة مع توقيفية العبادة ، وإلاّ فغيرها محلّ مناقشة .

شئت من المسجد ، وإن شئت من الطريق ، وأفضل مواضعها المسجد ، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر» ، وقد يقال : أو تحت الميزاب(1) ، ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد ، بل يجب أن يجدّده ؛ لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها ، والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه .

الخامس : ربما يقال(2) : إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والاُخرى لحجّه لم يجز عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ ، ولكنّه محلّ تأمّل ، بل ربما يظهر من خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر uصحّة الثاني ؛ حيث قال : سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟ قال : «نعم ، المتعة له والحجّ عن أبيه» .

(مسألة 2) : المشهور : أ نّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحجّ ، وأ نّه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحجّ فيخرج محرماً به ، وإن خرج محلاًّ ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة ، وذلك لجملة

ص: 360


1- - أي قد يقال بالتخيير بين المقام وتحت الميزاب ، كما عن جماعة .
2- - وهو الأقوى ، والظاهر أنّ صحيحة محمّد بن مسلم إنّما هي في المستحبّ ممّا ورد فيه جواز التشريك بين الاثنين والجماعة وسوق السؤال يشهد بذلك ، فإنّ الظاهر أ نّه سئل عمّن يحجّ عن أبيه أيحجّ متمتّعاً أو لا ، فأجاب بأفضلية التمتّع وإمكان جعل حجّه لأبيه وعمرته لنفسه ، وهو في المستحبّات ، وإلاّ ففي المفروض لا بدّ من الإتيان حسب ما فات منه .

من الأخبار الناهية للخروج ، والدالّة على أ نّه مرتهن ومحتبس بالحجّ ، والدالّة على أ نّه لو أراد الخروج خرج ملبّياً بالحجّ ، والدالّة على أ نّه لو خرج محلاًّ فإن رجع في شهره دخل محلاًّ ، وإن رجع في غير شهره دخل محرماً ، والأقوى عدم حرمة(1) الخروج وجوازه محلاًّ ؛ حملاً للأخبار على الكراهة كما عن ابن إدريس وجماعة اُخرى بقرينة التعبير ب «لا اُحبّ» في بعض تلك الأخبار(2) ، وقوله uفي مرسلة الصدوق : «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك ؛ لأ نّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه ، إلاّ أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ» . ونحوه الرضوي ، بل وقوله uفي مرسل أبان : «ولا يتجاوز إلاّ على قدر ما لا تفوته عرفة» ؛ إذ هو وإن كان بعد قوله : «فيخرج محرماً» ، إلاّ أ نّه يمكن أن يستفاد منه أنّ المدار فوت الحجّ وعدمه ، بل يمكن أن يقال : إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أنّ ذلك للتحفّظ عن عدم إدراك الحجّ وفوته ؛

ص: 361


1- - الأحوط عدم الخروج بلا حاجة ، ومعها يخرج محرماً بالحجّ على الأحوط ويرجع محرماً لأعمال الحجّ .
2- - هي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف قال : «يهلّ بالحجّ من مكّة ، وما اُحبّ أن يخرج منها إلاّ محرماً ، ولا يتجاوز الطائف أ نّها قريبة من مكّة» فهذه دلّت على جواز الخروج مطلقاً ولو لم يعرضه حاجة ، ودعوى : أنّ الخروج في هذا الموقع لا يكون إلاّ لحاجة لا محالة ممنوعة ، وإذا أراد الخروج يكون الإحرام غير واجب ؛ لقوله : «ما اُحبّ» وقوله : «لا يتجاوز الطائف أ نّها قريبة» دليل على أنّ النهي إرشادي لا مولوي ، فهذه الصحيحة وإن دلّت بوجوه على خلاف قول المشهور ويمكن استفادة الإرشادية من بعض روايات الباب غيرها أيضاً ، ولهذا لا يبعد المصير إلى قول الماتن ، لكن لا يترك الاحتياط المتقدّم مع ذلك .

لكون الخروج في معرض ذلك . وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحجّ منه ، نعم لا يجوز الخروج لا بنيّة العود أو مع العلم بفوات الحجّ منه إذا خرج ، ثمّ الظاهر أنّ الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أنّ لكلّ شهر عمرة لا أن يكون ذلك تعبّداً ، أو لفساد عمرته السابقة ، أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة ، بل هو صريح(1) خبر إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل ، قال علیه السلام : «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه ؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحجّ . . .» إلى آخره ، وحينئذٍ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب ؛ لأنّ العمرة التي هي وظيفة كلّ شهر ليست واجبة ، لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده ، كصحيحتي حمّاد وحفص بن البختري ومرسلة الصدوق والرضوي ، وظاهرها الوجوب ، إلاّ أن تحمل على الغالب ؛ من كون الخروج بعد

ص: 362


1- - لكن في صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إن رجع في شهره دخل مكّة بغير إحرام وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً» ، قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين ؛ متعته الاُولى أو الأخيرة؟ قال : «الأخيرة هي عمرته وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» ، فهذه تدلّ على أنّ العمرة الاُولى خرجت عن قابلية لحوقها بالحجّ ، فيكون إنشاء العمرة بعد شهر للحوقها بالحجّ وحصول الارتباط بينهما ، ويحتمل أن تكون العمرة الثانية موجبة لذلك ، فلو لم يأت بها ولو عصياناً بقيت الاُولى عمرة له ، وعلى أيّ حال لا يجوز الدخول بعد شهر بغير إحرام في غير موارد الاستثناء ، والأحوط أن يأتي بها بقصد ما في الذمّة .

العمرة بلا فصل ، لكنّه بعيد ، فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج ، بل القدر المتيقّن من جواز الدخول محلاًّ صورة كونه قبل مضيّ شهر من حين الإهلال ؛ أي الشروع في إحرام العمرة والإحلال منها ، ومن حين الخروج ؛ إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة : ثلاثون يوماً من حين الإهلال ، وثلاثون من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمّار ، وثلاثون من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار ، بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة ، الأشهر الاثني عشر المعروفة ، لا بمعنى ثلاثين يوماً ، ولازم ذلك أ نّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة والأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً ، وظهر ممّا ذكرنا أنّ الاحتمالات ستّة : كون المدار على الإهلال ، أو الإحلال ، أو الخروج ، وعلى التقادير ، الشهر بمعنى ثلاثين يوماً أو أحد الأشهر المعروفة ، وعلى أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر - ولو قلنا بحرمته - لا يكون موجباً لبطلان عمرته السابقة ، فيصحّ حجّه بعدها . ثمّ إنّ عدم جواز الخروج على القول به إنّما هو في غير حال الضرورة ، بل مطلق الحاجة ، وأمّا مع الضرورة أو الحاجة مع كون الإحرام بالحجّ غير ممكن أو حرجاً عليه فلا إشكال فيه ، وأيضاً الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة(1) فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين ، بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم ، وإن كان الأحوط خلافه . ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في المسألة بين الحجّ الواجب والمستحبّ ، فلو نوى التمتّع

ص: 363


1- - الأحوط عدم الخروج مطلقاً .

مستحبّاً ثمّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحجّ ، ويكون حاله في الخروج محرماً أو محلاًّ ، والدخول كذلك ، كالحجّ الواجب . ثمّ إنّ سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلاًّ ودخل قبل شهر مختصّ بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتّع ، وأمّا من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكّة في حرمة دخوله بغير الإحرام ، إلاّ مثل الحطّاب والحشّاش ونحوهما ، وأيضاً سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنّما هو على وجه الرخصة(1) بناءً على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين ، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضاً ، ثمّ إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتّع هي العمرة الاُولى أو الأخيرة ، مقتضى حسنة حمّاد أ نّها الأخيرة المتّصلة بالحجّ ، وعليه لا يجب فيها طواف النساء ، وهل يجب حينئذٍ في الاُولى أو لا ؟ وجهان ؛ أقواهما نعم ، والأحوط الإتيان بطواف مردّد بين كونه للاُولى أو الثانية ، ثمّ الظاهر أ نّه لا إشكال(2) في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها .

(مسألة 3) : لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً ، نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له نقل النيّة إلى الإفراد ، وأن يأتي بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف ولا إشكال ، وإنّما الكلام في حدّ الضيق المسوّغ لذلك ، واختلفوا فيه على أقوال : أحدها : خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة . الثاني : فوات الركن من الوقوف الاختياري ؛ وهو المسمّى منه . الثالث : فوات الاضطراري منه . الرابع : زوال يوم التروية . الخامس :

ص: 364


1- - مرّ الاحتياط فيه .
2- - فيه تأمّل .

غروبه . السادس : زوال يوم عرفة . السابع : التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول والإتمام إذا لم يخف الفوت ، والمنشأ اختلاف الأخبار فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف ، والأقوى أحد القولين الأوّلين ؛ لجملة مستفيضة من تلك الأخبار ، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة . منها : قوله علیه السلام في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي : «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ، ما لم يخف فوات الموقفين» ، وفي نسخة : «لا بأس للمتمتّع أن يحرم ليلة عرفة . . .» إلى آخرها .

وأمّا الأخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها ، فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلاّ قبل هذه الأوقات ، فإنّه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص ، ويمكن حملها على التقيّة إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية ، ويمكن كون الاختلاف لأجل التقيّة كما في أخبار الأوقات للصلوات ، وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحجّ المندوب ، فإنّ أفضل أنواع التمتّع أن تكون عمرته قبل ذي الحجّة ، ثمّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية ، ثمّ ما يكون قبل يوم عرفة ، مع أ نّا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدّة اختلافها وتعارضها نقول : مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا ؛ لأنّ المفروض أنّ الواجب عليه هو التمتّع ، فما دام ممكناً لا يجوز العدول عنه ، والقدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحجّ ، واللازم إدراك الاختياري من الوقوف ، فإنّ كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل .

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأوّلين ، ولا يبعد رجحان أوّلهما ، بناءً على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف ، وإن كان

ص: 365

الركن هو المسمّى ، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال ، فإنّ من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبي عبداللّه علیه السلام في متمتّع دخل يوم عرفة ، قال : «متعته تامّة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم» ؛ حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة ، وصحيحة جميل : «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» ومقتضاهما كفاية إدراك مسمّى الوقوف الاختياري ، فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة وإدراك الناس في أوّل الزوال بعرفات ، وأيضاً يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلاّ أن يمنع الصدق فإنّ المنساق منه إدراك تمام الواجب ، ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ(1) كما ادّعي.

وقد يؤيّد القول الثالث - وهو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة - بالأخبار الدالّة على أنّ من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات وأدركها ليلة النحر تمّ حجّه ، وفيه : أنّ موردها غير ما نحن فيه ؛ وهو عدم الإدراك من حيث هو ، وفيما نحن فيه يمكن الإدراك ، والمانع كونه في أثناء العمرة فلا يقاس بها ، نعم لو أتمّ عمرته في سعة الوقت ثمّ اتّفق أ نّه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري ، ودخل في مورد تلك الأخبار ، بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتمّ عمرته ثمّ بان كون الوقت مضيّقاً في تلك الأخبار . ثمّ إنّ الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحجّ المندوب وشمول الأخبار له ، فلو نوى التمتّع ندباً ، وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له العدول إلى

ص: 366


1- - مع ضعف سند المرفوعة واحتمال كون المراد من الصحيحة - ولو جمعاً - أنّ المتمتّع له المتعة إلى إدراك زوال يوم عرفة مع الناس ، وأمّا خبر محمّد بن سرد ، فضعيف سنداً ودلالةً .

الإفراد ، وفي وجوب العمرة بعده إشكال ، والأقوى عدم وجوبها ، ولو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأوّل إلى الإفراد؟ فيه إشكال وإن كان غير بعيد ، ولو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى ضيق الوقت ففي جواز العدول وكفايته إشكال ، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحجّ واجباً عليه .

(مسألة 4) : اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحجّ على أقوال :

أحدها : أنّ عليهما العدول إلى الإفراد والإتمام ، ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ ؛ لجملة من الأخبار .

الثاني : ما عن جماعة من أنّ عليهما ترك الطواف ، والإتيان بالسعي ، ثمّ الإحلال وإدراك الحجّ وقضاء طواف العمرة بعده ، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرّات ؛ مرّة لقضاء طواف العمرة ومرّة للحجّ ، ومرّة للنساء ، ويدلّ على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار .

الثالث : ما عن الإسكافي وبعض متأخّري المتأخّرين من التخيير بين الأمرين ؛ للجمع بين الطائفتين بذلك .

الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل ، أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف وتتمّ العمرة وتقضي بعد الحجّ ، اختاره بعض بدعوى : أ نّه مقتضى الجمع بين الطائفتين ؛ بشهادة خبر أبي بصير : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها : «سعت ولم تطف حتّى تطهر ، ثمّ تقضي طوافها

ص: 367

وقد قضت عمرتها ، وإن أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتّى تطهر» . وفي الرضوي علیه السلام : «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم - إلى قوله علیه السلام - : وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجّة مفردة ، وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلّها إلاّ الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ ، وعليها طواف الحجّ وطواف العمرة وطواف النساء» . وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين : أنّ في الصورة الاُولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً فعليها العدول إلى الإفراد ، بخلاف الصورة الثانية فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهراً فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحجّ ، وعن المجلسي في وجه الفرق ما محصّله : أنّ في الصورة الاُولى لا تقدر على نيّة العمرة ؛ لأ نّها تعلم أ نّها لا تطهر للطواف وإدراك الحجّ ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة والدخول فيها .

الخامس : ما نقل عن بعض من أنّها تستنيب للطواف ثمّ تتمّ العمرة وتأتي بالحجّ ، لكن لم يعرف قائله ، والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل ؛ للفرقة الاُولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها دونها ، وأمّا القول الثالث - وهو التخيير - فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ، ففيه : أنّهما يعدّان من المتعارضين ، والعرف لا يفهم التخيير منهما ، والجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك ، وإن كان المراد التخيير الظاهري العملي ، فهو فرع مكافئة الفرقتين ، والمفروض أنّ الفرقة الاُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها ، وأمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل ، مع أنّ بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد

ص: 368

الدخول في الإحرام ، نعم لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام وعالمة بأ نّها لا تطهر لإدراك الحجّ يمكن أن يقال : يتعيّن عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل ؛ لعدم فائدة في الدخول في العمرة ، ثمّ العدول إلى الحجّ ، وأمّا القول الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم .

(مسألة 5) : إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة التمتّع ، فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى ، وحينئذٍ فإن كان الوقت موسّعاً أتمّت عمرتها بعد الطهر ، وإلاّ فلتعدل إلى حجّ الإفراد ، وتأتي بعمرة مفردة بعده ، وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف ، وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الاُخرى وتسعى وتقصّر مع سعة الوقت ، ومع ضيقه تأتي بالسعي وتقصّر ، ثمّ تحرم للحجّ وتأتي بأفعاله ، ثمّ تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحجّ أو بعده ، ثمّ تأتي ببقيّة أعمال الحجّ ، وحجّها صحيح تمتّعاً ، وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته .

فصل : في المواقيت

وهي المواضع المعيّنة للإحرام ، اُطلقت عليها مجازاً أو حقيقة متشرّعية ، والمذكور منها في جملة من الأخبار خمسة ، وفي بعضها ستّة ، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أنّ المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة :

أحدها : ذوالحليفة ، وهي ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم ، وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان ، وفي جملة من الأخبار أ نّه هو الشجرة ، وفي بعضها أ نّه مسجد الشجرة ، وعلى أيّ حال

ص: 369

فالأحوط(1) الاقتصار على المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح ، ومع كونه مكاناً فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد ، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختياراً ، وإن قلنا : إنّ ذا الحليفة هو المسجد ، وذلك لأ نّه مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً ؛ إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد ، أو بالإحرام فيه ، هذا مع إمكان دعوى أنّ المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته ، وإن شئت فقل المحاذاة كافية ولو مع القرب من الميقات .

(مسألة 1) : الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة وهي ميقات أهل الشام اختياراً ، نعم يجوز مع الضرورة ؛ لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع ، لكن خصّها بعضهم بخصوص المرض والضعف لوجودهما في الأخبار ، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات ، والظاهر إرادة المثال ، فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة .

(مسألة 2) : يجوز لأهل المدينة ومن أتاها ، العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق ، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة ، بل الظاهر أ نّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز ، بل يجوز(2) أن يعدل عنه من غير رجوع ، فإنّ الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلاًّ ، وإذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزاً وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة ، وما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد من المنع عن

ص: 370


1- - لا يترك بل لا يخلو من وجه ، وما في المتن لا يخلو من مناقشة بل مناقشات .
2- - فيه إشكال .

العدول إذا أتى المدينة - مع ضعفه - منزّل على الكراهة .

(مسألة 3) : الحائض تحرم خارج المسجد على المختار ، ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما مرّ - مرسلة يونس(1) في كيفية إحرامها «ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحجّ بغير صلاة» ، وأمّا على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد وتحرم في حال الاجتياز إن أمكن ، وإن لم يمكن لزحام أو غيره أحرمت خارج المسجد ، وجدّدت في الجحفة أو محاذاتها .

(مسألة 4) : إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد ، والأحوط أن يتيمّم للدخول والإحرام ، ويتعيّن(2) ذلك على القول بتعيين المسجد ، وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها .

الثاني : العقيق ، وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم . وأوّله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق . والمشهور : جواز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً ، وأنّ الأفضل الإحرام من المسلخ ثمّ من غمرة ، والأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلاّ لمرض أو تقيّة ، فإنّه ميقات العامّة ، لكنّ الأقوى ما هو المشهور ، ويجوز(3) في حال التقيّة الإحرام من أوّله قبل ذات عرق سرّاً من غير نزع ما عليه من الثياب إلى ذات عرق ، ثمّ إظهاره ولبس ثوبي الإحرام هناك ، بل هو الأحوط وإن أمكن تجرّده ولبس الثوبين سرّاً ثمّ نزعهما ولبس ثيابه إلى ذات عرق ، ثمّ التجرّد ولبس الثوبين فهو أولى .

ص: 371


1- - رواية يونس موثّقة ليس فيها إرسال ، ولعلّ المراد من المسجد فيها مسجد الحرام .
2- - إذا استلزم اللبث ، وإلاّ فلا يتعيّن .
3- - والأحوط ترك ذلك وتأخير الإحرام إلى ذات عرق ، بل عدم جواز ما ذكره وجعله أولى لا يخلو من قوّة .

الثالث : الجحفة ، وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها من غيرهم ؛ إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها .

الرابع : يلملم ، وهو لأهل اليمن .

الخامس : قرن المنازل ، وهو لأهل الطائف .

السادس : مكّة ، وهي لحجّ التمتّع .

السابع : دويرة الأهل - أي المنزل - وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة ، بل لأهل مكّة أيضاً على المشهور الأقوى وإن استشكل فيه بعضهم ، فإنّهم يحرمون لحجّ القران والإفراد من مكّة ، بل وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة ، وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة ؛ وهي أحد مواضع أدنى الحلّ ، للصحيحين الواردين فيه ، المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل ، وإن كان القدر المتيقّن الثاني ، فلا يشمل ما نحن فيه ، لكن الأحوط ما ذكرنا عملاً بإطلاقهما ، والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة ، وإلاّ فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت ، بل لعلّه أفضل ؛ لبعد المسافة وطول زمان الإحرام .

الثامن : فخّ ، وهو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة ؛ بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان ، لا أ نّه يتعيّن ذلك ، ولكن الأحوط ما عن آخرين من وجوب كون إحرامهم من الميقات ، لكن لا يجرّدون إلاّ في فخّ ، ثمّ إنّ جواز التأخير على القول الأوّل إنّما هو إذا مرّوا على طريق المدينة ، وأمّا إذا سلكوا طريقاً لا يصل إلى فخّ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين .

التاسع : محاذاة أحد المواقيت الخمسة ، وهي ميقات من لم يمرّ على أحدها ، والدليل عليه صحيحتا ابن سنان ، ولا يضرّ اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة

ص: 372

بعد فهم المثالية منهما ، وعدم القول بالفصل ، ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين ، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة . وتتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه وبين مكّة باب(1) ؛ وهي بين ذلك الميقات ومكّة بالخطّ المستقيم ، وبوجه آخر أن يكون الخطّ من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق ، ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً ، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى ، واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن ، وإلاّ فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة ، ومع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله واستمرار النيّة والتلبية إلى آخر مواضعه ، ولا يضرّ احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذٍ - مع أ نّه لا يجوز - لأ نّه لا بأس به(2) إذا كان بعنوان الاحتياط ، ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة ، أو أصالة عدم وجوب الإحرام ؛ لأ نّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذاة ، والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة ، ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك

ص: 373


1- - في العبارة اشتباه ، ولو كان مكان «باب» «مسافة» يكون المراد أنّ الضابط من المحاذاة هو الوصول إلى موضع تكون مسافته إلى مكّة كمسافة الميقات إليها ، ولازمه أن يكون كلّ من الميقات وذلك الموضع على محيط دائرة تكون مكّة مركزها وهو لا ينطبق على ضابطه الآخر ولا يكون صحيحاً عرفاً ولا عقلاً . والضابط الآخر صحيح ، فإنّ لازم كون الخطّ من موقفه إلى الميقات في ذلك الطريق أقصر الخطوط أن يكون الميقات على يمين المارّ أو شماله في ذلك الطريق ؛ بحيث لو جاز عنه مال إلى ورائه .
2- - فيه إشكال بل منع ، لو قلنا بحرمة الإحرام قبل الوصول إلى المحاذاة مع جريان الأصل الموضوعي أو الحكمي فيه ، فاللازم لمثل هذا الشخص التخلّص بالنذر .

مع النذر ، والأحوط في صورة الظنّ أيضاً عدم الاكتفاء به ، وإعمال أحد هذه الاُمور ، وإن كان الأقوى الاكتفاء ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات ، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً ، ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ(1) بالمحاذاة ولم يتبيّن الخلاف فلا إشكال ، وإن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام ، وإن تبيّن كونه قبله وقد تجاوز أو تبيّن كونه بعده ، فإن أمكن العود والتجديد تعيّن ، وإلاّ فيكفي(2) في الصورة الثانية ويجدّد في الاُولى في مكانه ، والأولى التجديد مطلقاً ، ولا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ والبحر .

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يتصوّر طريق لا يمرّ على ميقات ، ولا يكون محاذياً لواحد منها ؛ إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ، فلا بدّ من محاذاة واحد منها ، ولو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ . وعن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكّة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها وهو مرحلتان ؛ لأ نّه لا يجوز لأحد قطعه إلاّ محرماً ، وفيه : أنّه لا دليل عليه ، لكن الأحوط(3) الإحرام منه وتجديده في أدنى الحلّ .

العاشر : أدنى الحلّ ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الإفراد ، بل لكلّ عمرة مفردة ، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم فإنّها منصوصة ، وهي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب والبعد ، فإنّ

ص: 374


1- - أو العلم به .
2- - إذا كان إحرامه قبل الحرم ، أو لم يمكن له الرجوع إلى خارج الحرم ، وإلاّ فيرجع إلى خارج الحرم فيحرم منه .
3- - بل الأحوط التخلّص بالنذر .

الحديبية بالتخفيف أو التشديد : بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ، ثمّ اُطلق على الموضع ، ويقال : نصفه في الحلّ ، ونصفه في الحرم ، والجعرانة بكسر الجيم والعين وتشديد الراء ، أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء : موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال ، والتنعيم : موضع قريب من مكّة وهو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة ، ويقال : بينه وبين مكّة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة ، كذا في «مجمع البحرين» ، وأمّا المواقيت الخمسة فعن العلاّمة في «المنتهى» أنّ أبعدها من مكّة ذو الحليفة ، فإنّها على عشرة مراحل من مكّة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة ، بينها وبين مكّة ليلتان قاصدتان ، وقيل : إنّ الجحفة على ثلاث مراحل من مكّة .

(مسألة 5) : كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق ، وإن كان مهلّ أرضه غيره ، كما أشرنا إليه سابقاً ، فلا يتعيّن أن يحرم من مهلّ أرضه ؛ بالإجماع والنصوص ، منها صحيحة صفوان : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها» .

(مسألة 6) : قد علم ممّا مرّ أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ؛ واجباً كان أو مستحبّاً ، من الآفاقي أو من أهل مكّة ، وميقات عمرته أحد المواقيت(1) الخمسة أو محاذاتها كذلك أيضاً ، وميقات حجّ القران والإفراد أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً ، إلاّ إذا(2) كان منزله دون الميقات أو مكّة ، فميقاته منزله ، ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضاً ، بل هو الأفضل ، وميقات عمرتهما أدنى الحلّ إذا كان في

ص: 375


1- - بالتفصيل المتقدّم .
2- - وكذا الحال في المتمتّع .

مكّة ، ويجوز من أحد المواقيت أيضاً ، وإذا لم يكن في مكّة فيتعيّن أحدها(1) ، وكذا الحكم في العمرة المفردة ؛ مستحبّة كانت أو واجبة ، وإن نذر الإحرام من ميقات معيّن تعيّن ، والمجاور بمكّة بعد السنتين حاله حال أهلها ، وقبل ذلك حاله حال النائي ، فإذا أراد حجّ الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها ، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحلّ .

فصل : في أحكام المواقيت

(مسألة 1) : لا يجوز الإحرام قبل المواقيت ، ولا ينعقد ، ولا يكفي المرور عليها محرماً ، بل لا بدّ من إنشائه جديداً ، ففي خبر ميسرة : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام وأنا متغيّر اللون ، فقال علیه السلام : «من أين أحرمت بالحجّ ؟» فقلت : من موضع كذا وكذا ، فقال علیه السلام : «ربّ طالب خير يزلّ قدمه» ، ثمّ قال : «أيسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعاً؟» قلت : لا ، قال : «فهو واللّه ذاك» نعم يستثنى من ذلك موضعان :

أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّه يجوز ويصحّ للنصوص ، منها : خبر أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لو أنّ عبداً أنعم اللّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتمّ» ولا يضرّ عدم رجحان ذلك ، بل مرجوحيته قبل النذر ، مع أنّ اللازم كون متعلّق النذر راجحاً ، وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار ، واللازم رجحانه حين العمل ولو كان ذلك للنذر ، ونظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحّته ورجحانه بالنذر ، ولا بدّ من دليل

ص: 376


1- - أو منزله إذا كان أقرب .

يدلّ على كونه راجحاً بشرط النذر ، فلا يرد : أنّ لازم ذلك صحّة نذر كلّ مكروه أو محرّم ، وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار ، فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له ؛ لوجود النصوص ، وإمكان تطبيقها على القاعدة ، وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه ، ثالثها إلحاق العهد دون اليمين ، ولا يبعد الأوّل(1) ؛ لإمكان الاستفادة من الأخبار ، والأحوط الثاني ؛ لكون الحكم على خلاف القاعدة ، هذا . ولا يلزم التجديد في الميقات ولا المرور عليها ، وإن كان الأحوط التجديد خروجاً عن شبهة الخلاف ، والظاهر اعتبار تعيين المكان ، فلا يصحّ(2) نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، فيكون مخيّراً بين الأمكنة ؛ لأ نّه القدر المتيقّن بعد عدم الإطلاق في الأخبار ، نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول : «للّه عليّ أن اُحرم إمّا من الكوفة أو من البصرة» وإن كان الأحوط خلافه ، ولا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة ، نعم لو كان للحجّ أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحجّ ، لاعتبار كون الإحرام لهما فيها ، والنصوص إنّما جوّزت قبل الوقت المكاني فقط ، ثمّ لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات ، نعم عليه الكفّارة إذا خالفه متعمّداً .

ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضّيه إن أخّر الإحرام إلى الميقات ، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ، وتحسب له عمرة رجب ، وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان ؛ لصحيحة إسحاق(3) بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام عن

ص: 377


1- - مشكل .
2- - على الأحوط .
3- - كونها صحيحة محلّ تأمّل ، نعم هي حجّة معتبرة لتردّدها بين الصحيحة والموثّقة .

رجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : «يحرم قبل الوقت لرجب» ، فإنّ لرجب فضلاً ، وصحيحة معاوية بن عمّار : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة» ، ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضاً ؛ حيث إنّ لكلّ شهر عمرة ، لكن الأصحاب خصّصوا ذلك برجب فهو الأحوط ؛ حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة ، والأولى والأحوط مع ذلك التجديد في الميقات ، كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت ، وإن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات ، بل هو الأولى ؛ حيث إنّه يقع باقي أعمالها(1) أيضاً في رجب ، والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه .

(مسألة 2) : كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات ، كذلك لا يجوز التأخير عنها ، فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً إلاّ محرماً ، بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلاّ محرماً ، وإن كان أمامه ميقات آخر ، فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، فإنّه يجزيه الإحرام منها وإن أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل ، والأحوط العود(2) إليها مع الإمكان مطلقاً وإن كان

ص: 378


1- - كيف يقع في رجب مع الفرض المذكور وكان عليه تعليل الأولوية بطول الإحرام في رجب.
2- - لا يترك .

أمامه ميقات آخر ، وأمّا إذا لم يرد النسك ولا دخول مكّة ؛ بأن كان له شغل خارج مكّة ، ولو كان في الحرم فلا يجب الإحرام ، نعم في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وإن لم يرد دخول مكّة ، لكن قد يدّعى الإجماع على عدم وجوبه ، وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات .

(مسألة 3) : لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ، ولم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر ، ولم يكن أمامه ميقات آخر ، بطل إحرامه وحجّه على المشهور الأقوى ، ووجب عليه قضاؤه(1) إذا كان مستطيعاً ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب ، وإن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعاً بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكّة فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، وذلك لأنّ الواجب عليه إنّما كان الإحرام لشرف البقعة ، كصلاة التحيّة في دخول المسجد ، فلا قضاء مع تركه ، مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحجّ عليه ، وأيضاً إذا بدا له ولم يدخل مكّة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل ، وذهب بعضهم إلى أ نّه لو تعذّر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه ، كما في الناسي والجاهل نظير ما إذا ترك التوضّؤ إلى أن ضاق الوقت ، فإنّه يتيمّم وتصحّ صلاته وإن أثم بترك الوضوء متعمّداً ، وفيه : أنّ البدلية في المقام لم تثبت ، بخلاف مسألة التيمّم ، والمفروض أ نّه ترك ما وجب عليه متعمّداً .

(مسألة 4) : لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمّداً يجوز له أن يحرم من أدنى الحلّ ، وإن كان متمكّناً من العود إلى الميقات

ص: 379


1- - أي إتيانه في سنة اُخرى .

فأدنى الحلّ له مثل كون الميقات أمامه ، وإن كان الأحوط(1) مع ذلك العود إلى الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود ولا الإحرام من أدنى الحلّ بطلت عمرته .

(مسألة 5) : لو كان مريضاً لم يتمكّن من النزع ولبس الثوبين يجزيه النيّة والتلبية ، فإذا زال عذره نزع ولبسهما ، ولا يجب حينئذٍ عليه العود إلى الميقات ، نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ، ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكّن إلاّ منه ، وإن تمكّن العود في الجملة وجب(2) ، وذهب بعضهم إلى أ نّه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره ؛ لمرسل جميل عن أحدهما علیهما السلام في مريض اُغمي عليه فلم يفق حتّى أتى الموقف ، قال علیه السلام : «يحرم عنه رجل» والظاهر أنّ المراد أ نّه يحرمه رجل ويجنّبه عن محرّمات الإحرام ، لا أ نّه ينوب عنه في الإحرام ، ومقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكناً ، ولكن العمل به مشكل ؛ لإرسال الخبر وعدم الجابر ، فالأقوى العود مع الإمكان ، وعدم الاكتفاء به مع عدمه .

(مسألة 6) : إذا ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً بالحكم أو الموضوع وجب العود إليها مع الإمكان ، ومع عدمه فإلى ما أمكن(3) ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، وكذا إذا جاوزها محلاًّ ؛ لعدم كونه قاصداً للنسك ولا لدخول مكّة ،

ص: 380


1- - لا يترك .
2- - على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب ، نعم لو كان في الحرم يخرج إلى خارجه مع الإمكان ، وما ذكرناه جارٍ في جميع الأعذار عن إنشاء أصل الإحرام .
3- - مرّ التفصيل في المسألة السابقة ، ويأتي ما تقدّم فيمن جاوز محلاًّ ؛ لعدم كونه قاصداً للنسك ولا لدخول مكّة ثمّ بدا له ذلك .

ثمّ بدا له ذلك ، فإنّه يرجع إلى الميقات مع التمكّن ، وإلى ما أمكن مع عدمه .

(مسألة 7) : من كان مقيماً في مكّة(1) وأراد حجّ التمتّع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ فحاله حال الناسي .

(مسألة 8) : لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة ثمّ ذكر ، وجب عليه العود مع الإمكان ، وإلاّ ففي مكانه ولو كان في عرفات ، بل المشعر وصحّ حجّه ، وكذا لو كان جاهلاً بالحكم ، ولو أحرم له من غير مكّة مع العلم والعمد لم يصحّ ، وإن دخل مكّة بإحرامه ، بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان ، وإلاّ بطل حجّه ، نعم لو أحرم من غيرها نسياناً ولم يتمكّن من العود إليها صحّ إحرامه من مكانه .

(مسألة 9) : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتّى أتى بجميع الأعمال من الحجّ أو العمرة ، فالأقوى صحّة عمله ، وكذا لو تركه جهلاً حتّى أتى بالجميع .

فصل : في مقدّمات الإحرام

(مسألة 1) : يستحبّ قبل الشروع في الإحرام اُمور :

أحدها : توفير شعر الرأس ، بل واللحية لإحرام الحجّ مطلقاً ، - لا خصوص التمتّع كما يظهر من بعضهم ؛ لإطلاق الأخبار - من أوّل ذي القعدة ؛ بمعنى عدم إزالة شعرهما ؛ لجملة من الأخبار ، وهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلاّ أ نّها محمولة على الاستحباب لجملة اُخرى من الأخبار الظاهرة فيه ، فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط ، كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق ، حيث يظهر من

ص: 381


1- - وكان فرضه التمتّع .

بعضهم وجوبه أيضاً ؛ لخبر محمول على الاستحباب ، أو على ما إذا كان في حال الإحرام . ويستحبّ التوفير للعمرة شهراً .

الثاني : قصّ الأظفار والأخذ من الشارب وإزالة شعر الإبط والعانة بالطلي أو الحلق أو النتف ، والأفضل الأوّل ، ثمّ الثاني ، ولو كان مطليّاً قبله يستحبّ له الإعادة وإن لم يمضِ خمسة عشر يوماً ، ويستحبّ أيضاً إزالة الأوساخ من الجسد لفحوى ما دلّ على المذكورات . وكذا يستحبّ الاستياك .

الثالث : الغسل للإحرام في الميقات ، ومع العذر عنه التيمّم(1) ، ويجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء ، بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضاً ، والأحوط الإعادة في الميقات ، ويكفي الغسل من أوّل النهار إلى الليل ، ومن أوّل الليل إلى النهار ، بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل وبالعكس ، وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحبّ إعادته ، خصوصاً في النوم(2) ، كما أنّ الأولى إعادته(3) إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم ، بل وكذا لو تطيّب ، بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام ، فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام ، الأولى إعادته ، ولو أحرم بغير غسل ، أتى به وأعاد صورة الإحرام ؛ سواء تركه عالماً عامداً أو جاهلاً أو ناسياً ، ولكن إحرامه الأوّل صحيح باقٍ على حاله ، فلو أتى بما يوجب الكفّارة بعده وقبل الإعادة وجبت عليه ، ويستحبّ أن يقول عند الغسل أو بعده : «بسم اللّه وباللّه ، اللهمّ اجعَلْهُ لي نوراً وطهوراً وحرزاً وأمناً من كلّ خوف وشفاءً من كلّ داءٍ وسقم ، اللهمّ

ص: 382


1- - يأتي به رجاءً .
2- - بل في غير النوم محلّ تأمّل ، ولا بأس بالإتيان به رجاءً .
3- - يأتي به رجاءً .

طهّرني وطهّر قلبي واشرح لي صدري ، وأجر على لساني محبّتك ومدحتك والثناء عليك ، فإنّه لا قوّة لي إلاّ بك وقد علمت أنّ قوام ديني التسليم لك ، والاتّباع لسنّة نبيّك صلواتك عليه وآله» .

الرابع : أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة ، وقيل بوجوب ذلك ؛ لجملة من الأخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب ؛ للاختلاف الواقع بينها ، واشتمالها على خصوصيات غير واجبة ، والأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حجّ التمتّع ، فإنّ الأفضل فيه أن يصلّي الظهر بمنى ، وإن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة اُخرى حاضرة ، وإن لم يكن فمقضيّة وإلاّ فعقيب صلاة النافلة .

الخامس : صلاة ستّ ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام ، والأولى الإتيان بها مقدّماً على الفريضة ، ويجوز إتيانها في أيّ وقت كان بلا كراهة ، حتّى في الأوقات المكروهة ، وفي وقت الفريضة حتّى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة ؛ لخصوص الأخبار الواردة في المقام ، والأولى أن يقرأ في الركعة الاُولى بعد «الحمد» «التوحيد» وفي الثانية «الجحد» ، لا العكس كما قيل .

(مسألة 2) : يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة ، بل لا معه أيضاً إذا كان يحصل به الزينة وإن لم تقصدها ، بل قيل بحرمته ، فالأحوط تركه وإن كان الأقوى عدمها ، والرواية مختصّة بالمرأة ، لكنّهم ألحقوا بها الرجل أيضاً ؛ لقاعدة الاشتراك ، ولا بأس به ، وأمّا استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به ، وإن بقي أثره ، ولا بأس بعدم إزالته وإن كانت ممكنة .

ص: 383

فصل : في كيفية الإحرام

وواجباته ثلاثة :

الأوّل : النيّة ؛ بمعنى القصد إليه(1) ، فلو أحرم من غير قصد أصلاً بطل ؛ سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل ، ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً ، وأمّا مع السهو والجهل فلا يبطل ، ويجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن ، وإلاّ فمن حيث أمكن على التفصيل(2) الذي مرّ سابقاً في ترك أصل الإحرام .

(مسألة 1) : يعتبر فيها القربة والخلوص كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه .

(مسألة 2) : يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ، فلا يكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديده ، ولا وجه لما قيل : من أنّ الإحرام تروك ، وهي لا تفتقر إلى النيّة ، والقدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنّما هو في الجملة ولو قبل التحلّل ؛ إذ نمنع أوّلاً كونه تروكاً(3) فإنّ التلبية ولبس الثوبين من

ص: 384


1- - يأتي الكلام فيه قريباً .
2- - مرّ التفصيل .
3- - بل الإحرام من الاُمور الاعتبارية الوضعية يتحقّق ويعتبر بعد قصد أحد النسكين ، أو مع التلبية وتروكه من أحكامه المترتّبة عليه بعد التلبية ، وليست التروك عينه ولا جزءه ، وكذا التلبية ولبس الثوبين ، ونسبة التلبية إليه كتكبيرة الإحرام إلى الصلاة على احتمال ، ويترتّب على ذلك اُمور لا يسع المقام بيانها وتفصيلها ، وبهذا يكون من الاُمور القصدية ، لا أنّ قصد الإحرام محقّق عنوانه فإنّه غير معقول ، وعلى ما ذكرنا تدلّ النصوص وعليه ظاهر فتوى المحقّقين فراجع .

الأفعال ، وثانياً اعتبارها فيه على حدّ اعتبارها في سائر العبادات في كون اللازم تحقّقها حين الشروع فيها .

(مسألة 3) : يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام لحجّ أو عمرة ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد ، وأ نّه لنفسه أو نيابة عن غيره ، وأ نّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذري أو الندبي ، فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل ، فما عن بعضهم من صحّته وأنّ له صرفه إلى أيّهما شاء من حجّ أو عمرة لا وجه له ؛ إذ الظاهر أ نّه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات ، وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة ، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتّى بأن ينوي(1) الإحرام لما سيعيّنه من حجّ أو عمرة ، فإنّه نوع تعيين وفرق بينه وبين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد .

(مسألة 4) : لا تعتبر فيها نيّة الوجه ؛ من وجوب أو ندب ، إلاّ إذا توقّف التعيين عليها ، وكذا لا يعتبر فيها التلفّظ ، بل ولا الإخطار بالبال ، فيكفي الداعي .

(مسألة 5) : لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرّماته ، بل المعتبر(2) العزم على تركها مستمرّاً ، فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل ، وأمّا لو عزم على ذلك ولم يستمرّ عزمه ؛ بأن نوى بعد تحقّق الإحرام عدمه أو إتيان شيء منها لم يبطل ، فلا يعتبر فيه استدامة النيّة كما في الصوم ،

ص: 385


1- - ليس هذا نيّة إجمالية ولا كافٍ للتعيين .
2- - هذا أيضاً غير معتبر ؛ لما مرّ من أنّ هذه التروك غير دخيلة في حقيقة الإحرام .

والفرق أنّ التروك في الصوم معتبرة في صحّته(1) ، بخلاف الإحرام فإنّها فيه واجبات تكليفية .

(مسألة 6) : لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة وجب عليه(2) التجديد ؛ سواء تعيّن عليه أحدهما أو لا ، وقيل : إنّه للمتعيّن منهما ، ومع عدم التعيين يكون لما يصحّ منهما ، ومع صحّتهما كما في أشهر الحجّ ، الأولى جعله للعمرة المتمتّع بها ، وهو مشكل ؛ إذ لا وجه له .

(مسألة 7) : لا تكفي(3) نيّة واحدة للحجّ والعمرة ، بل لا بدّ لكلّ منهما من نيّته مستقلاًّ ؛ إذ كلّ منهما يحتاج إلى إحرام مستقلّ ، فلو نوى كذلك وجب عليه(4) تجديدها ، والقول بصرفه إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما ، والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن ، وصحّ منه كلّ منهما كما في أشهر الحجّ ، لا وجه له ، كالقول بأ نّه لو كان في أشهر الحجّ بطل ولزم التجديد ، وإن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة .

(مسألة 8) : لو نوى كإحرام فلان ، فإن علم أ نّه لماذا أحرم صحّ ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان(5) ؛ لعدم التعيين ، وقيل بالصحّة ؛ لما عن علي علیه السلام ، والأقوى

ص: 386


1- - في هذا التعبير وكذا فيما بعده مسامحة ، والأمر سهل .
2- - إذا كانت الصحّة مختصّة بأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ ، فيقع صحيحاً ، وفيما يجوز العدول يعدل فيصحّ ، وأمّا في مورد يصحّ كلاهما ولا يجوز العدول فيعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان وعدم الحرج ، وإلاّ فبحسب إمكانه بلا حرج .
3- - مقصوده عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد .
4- - على الأقوى فيما يصحّ كلاهما ، وعلى الأحوط فيما يصحّ واحد منهما .
5- - وهو الأوجه .

الصحّة ؛ لأنّه نوع تعيين ، نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان ، وقد يقال : إنّه في صورة الاشتباه يتمتّع ، ولا وجه له إلاّ إذا كان في مقام صحّ له العدول إلى التمتّع .

(مسألة 9) : لو وجب عليه(1) نوع من الحجّ أو العمرة فنوى غيره بطل .

(مسألة 10) : لو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق .

(مسألة 11) : لو كان في أثناء نوع وشكّ في أ نّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه .

(مسألة 12) : يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفّظ بالنيّة ، والظاهر تحقّقه بأيّ لفظ كان ، والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمّار(2) وهو أن يقول : «اللهمّ إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك فيسّر ذلك لي وتقبّله منّي وأعنّي عليه ، فإن عرض شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة ، اُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة» .

(مسألة 13) : يستحبّ أن يشترط - عند إحرامه - على اللّه أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه ؛ من حجّ أو عمرة ، وأن يتمّ إحرامه عمرة إذا كان للحجّ ولم يمكنه الإتيان كما يظهر من جملة من الأخبار واختلفوا في فائدة هذا

ص: 387


1- - بالأصل وأمّا بالنذر وشبهه فلا .
2- - ما ذكره موافق تقريباً لصحيحة ابن سنان وإن كان فيه اختلاط منها ومن صحيحة ابن عمّار ، فراجع .

الاشتراط فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنّها تعجيل التحلّل وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وقيل : سقوط الحجّ من قابل ، وقيل : إنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحبّ تعبّدي ، وهذا هو الأظهر(1) ، ويدلّ عليه قوله علیه السلام في بعض الأخبار : «هو حلّ حيث حبسه اشترط أو لم يشترط» والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط ، بل لا بدّ من التلفّظ ، لكن يكفي كلّ ما أفاد هذا المعنى ، فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار .

الثاني من واجبات الإحرام : التلبيات الأربع ، والقول بوجوب الخمس أو الستّ ضعيف ، بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال : أحدها : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك» . الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : «إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» . الثالث : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك» . الرابع : كالثالث ، إلاّ أ نّه يقول : «إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبّيك» بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك» والأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار ، والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكلّ من الصور المذكورة ، بل يستحبّ أن يقول كما في صحيحة معاوية(2) بن عمّار : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ

ص: 388


1- - فيه تردّد وفي استدلاله نظر .
2- - ما في المتن يختلف يسيراً مع نسخة «الوسائل» .

والمعاد إليك لبّيك كشّاف الكروب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك» .

(مسألة 14) : اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية ، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة ، وكذا لا تجزي الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة ، والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة ، ويلبّي من الصبيّ الغير المميّز ومن المغمى عليه(1) ، وفي قوله : «إنّ الحمد . . . » إلى آخره ، يصحّ أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها(2) ، والأولى الأوّل ، ولبّيك مصدر منصوب بفعل مقدّر ؛ أي ألبّ لك إلباباً بعد إلباب ، أو لبّاً بعد لبّ ؛ أي إقامة بعد إقامة ، من لبّ بالمكان أو ألبّ ؛ أي أقام ، والأولى كونه من لبّ ، وعلى هذا فأصله لبّين لك ، فحذف اللام واُضيف إلى الكاف ، فحذف النون ، وحاصل معناه إجابتين لك ، وربما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه ، يقال : داري تلبّ دارك ؛ أي تواجهها ، فمعناه مواجهتي وقصدي لك ، وأمّا احتمال كونه من لبّ الشيء ؛ أي خالصه ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد ، كما أنّ القول بأ نّه كلمة مفردة نظير «على» و«لدى» فاُضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له ؛ لأنّ «على» و«لدى» إذا اُضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلى زيد ، ولدى زيد ، وليس لبّى كذلك فإنّه يقال فيه : لبّي زيد بالياء .

ص: 389


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - غير معلوم .

(مسألة 15) : لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته ، ولا إحرام حجّ الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلاّ بالتلبية ، وأمّا في حجّ القران فيتخيّر بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي ، والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد ، فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً ، نعم الظاهر(1) وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها ، ويستحبّ الجمع بين التلبية وأحد الأمرين ، وبأيّهما بدأ كان واجباً وكان الآخر مستحبّاً . ثمّ إنّ الإشعار عبارة عن شقّ السنام الأيمن ؛ بأن يقوم(2) الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ويشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه ، والتقليد أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خلقاً قد صلّى فيه .

(مسألة 16) : لا تجب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام ، وإن كان أحوط(3) ، فيجوز أن يؤخّرها عن النيّة ولبس الثوبين على الأقوى .

(مسألة 17) : لا تحرم عليه محرّمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل فيه(4) بالنيّة ولبس الثوبين ، فلو فعل شيئاً من المحرّمات لا يكون آثماً ، وليس عليه كفّارة ، وكذا في القارن إذا لم يأت بها ولا بالإشعار أو التقليد ، بل يجوز له

ص: 390


1- - فيه تأمّل ، نعم هو الأحوط .
2- - الإشعار هو شقّ السنام الأيمن ، وأمّا القيام على اليسار من آدابه .
3- - لا يترك وإن كانت النيّة لا تنفكّ عنها ، لكن لا يؤخّر التلبية عن محلّ التحريم ؛ أي الميقات .
4- - محلّ إشكال جدّاً ، والمسألة تحتاج إلى تفصيل بليغ لا يسع المقام ذلك .

أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن أو لم يأت بها ولا بأحد الأمرين فيه . والحاصل : أنّ الشروع في الإحرام وإن كان يتحقّق بالنيّة ولبس الثوبين إلاّ أ نّه لا تحرم عليه المحرّمات ، ولا يلزم البقاء عليه إلاّ بها أو بأحد الأمرين فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة .

(مسألة 18) : إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها وإن لم يتمكّن(1) أتى بها في مكان التذكّر ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة عليه إذا كان آتياً بما يوجبها ؛ لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها .

(مسألة 19) : الواجب من التلبية مرّة واحدة ، نعم يستحبّ الإكثار بها وتكريرها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة ، وعند صعود شرف ، أو هبوط وادٍ ، وعند المنام(2) ، وعند اليقظة ، وعند الركوب ، وعند النزول ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار ، وفي بعض الأخبار : «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق» ويستحبّ الجهر بها خصوصاً في المواضع المذكورة للرجال دون النساء ، ففي المرسل : «أنّ التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية» وفي المرفوعة : «لمّا أحرم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أتاه جبرئيل فقال : مر أصحابك بالعجّ والثجّ ، فالعجّ رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ نحر البدن» .

(مسألة 20) : ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً كما قاله بعضهم ، أو في خصوص الراكب كما قيل ، ولمن

ص: 391


1- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم في نسيان الإحرام على الأحوط ، لو لم يكن أقوى .
2- - لم أر ما يدلّ عليه بخصوصه ، نعم ورد عامّاً وورد في آخر الليل .

حجّ على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل ، أو إلى أن يشرف على الأبطح ، لكن الظاهر - بعد عدم الإشكال(1) في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ولبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً ، وكون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها ، فالأفضل(2) أن يأتي بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ، ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة ، والبيداء : أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة ، والأبطح : مسيل وادي مكّة ، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أوّله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متّصل بالمقبرة التي تسمّى بالمعلّى عند أهل مكّة ، والرقطاء : موضع دون الردم يسمّى مدعى ، ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم ، والردم حاجز يمنع السيل عن البيت ، ويعبّر عنه بالمدعى .

(مسألة 21) : المعتمر عمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة في الزمن القديم(3) ، وحدّها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيّين ، وهو مكان معروف ، والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها ، والحاجّ - بأيّ نوع من الحجّ - يقطعها عند الزوال من يوم عرفة ، وظاهرهم أنّ القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب وهو الأحوط ، وقد يقال : بكونه مستحبّاً .

ص: 392


1- - مرّ الكلام فيه ، فالأحوط لمن يحرم من مسجد الشجرة عدم تأخير التلبية حتّى خرج منه ، نعم لا مانع عن لبس الثوب ونيّة الإحرام وتأخير التلبية ما دام فيه .
2- - بل الأحوط .
3- - الأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي اعتمر فيه .

(مسألة 22) : الظاهر أ نّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار ، بل يكفي أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك» بل لا يبعد كفاية تكرار لفظ «لبّيك» .

(مسألة 23) : إذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أ نّه أتى بها صحيحة أم لا ، بنى على الصحّة .

(مسألة 24) : إذا أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في أ نّه أتى بالتلبية أيضاً حتّى يجب عليه ترك المحرّمات أو لا ، يبني على عدم(1) الإتيان لها ، فيجوز له فعلها ، ولا كفّارة عليه .

(مسألة 25) : إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه أو قبلها ، فإن كانا مجهولي التأريخ أو كان تأريخ التلبية مجهولاً ، لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان تأريخ إتيان الموجب مجهولاً ، فيحتمل أن يقال بوجوبها ؛ لأصالة التأخّر ، لكن الأقوى عدمه ؛ لأنّ الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية .

الثالث : من واجبات الإحرام : لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ، ويرتدي بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل كونه واجباً تعبّدياً ، والظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر أو التوشّح به أو غير ذلك من الهيئات ، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف ، ولذا الأحوط عدم عقد الإزار في عنقه ، بل عدم عقده مطلقاً ولو

ص: 393


1- - هذا إذا كان في الميقات ، وأمّا بعد الخروج منه فالظاهر هو البناء على الإتيان .

بعضه ببعض ، وعدم غرزه بإبرة ونحوها ، وكذا في الرداء الأحوط عدم عقده ، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه في كلّ منهما ما لم يخرج عن كونه رداء أو إزاراً ، ويكفي فيهما المسمّى ، وإن كان الأولى - بل الأحوط - أيضاً كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة ، والرداء ممّا يستر المنكبين ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي ، إلاّ في حال الضرورة ، والأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية ، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده ، والأحوط ملاحظة النيّة في اللبس ، وأمّا التجرّد فلا يعتبر فيه النيّة ، وإن كان الأحوط والأولى اعتبارها فيه أيضاً .

(مسألة 26) : لو أحرم في قميص عالماً عامداً أعاد ، لا لشرطية لبس الثوبين ؛ لمنعها كما عرفت ، بل لأ نّه منافٍ للنيّة(1) ؛ حيث إنّه يعتبر فيها العزم على ترك المحرّمات التي منها لبس المخيط ، وعلى هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضاً ؛ لأ نّه مثله في المنافاة للنيّة ، إلاّ أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات ، بل هو البناء على تحريمها على نفسه ، فلا تجب الإعادة حينئذٍ . هذا ، ولو أحرم في القميص جاهلاً ، بل أو ناسياً أيضاً نزعه وصحّ إحرامه ، أمّا إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت ، والفرق بين الصورتين من حيث النزع والشقّ تعبّد ، لا لكون الإحرام باطلاً في الصورة الاُولى كما قد قيل .

ص: 394


1- - مرّ أنّ ترك المحرّمات من أحكام الإحرام ولا دخل له فيه ولا ينافيه عدم العزم على تركها ، بل ولا العزم على فعلها ، وكذا لا يعتبر فيه البناء على تحريمها على نفسه ، فالأقوى عدم وجوب الإعادة وإن كان الوجوب أحوط .

(مسألة 27) : لا يجب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير ، بل الظاهر جواز التجرّد(1) منهما مع الأمن من الناظر ، أو كون العورة مستورة بشيء آخر .

(مسألة 28) : لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام ، وفي الأثناء للاتّقاء عن البرد والحرّ ، بل ولو اختياراً .

ص: 395


1- - في الجملة .

كتاب الإجارة

اشارة

وهي تمليك(1) عمل أو منفعة بعوض ، ويمكن أن يقال : إنّ حقيقتها : التسليط على عين للانتفاع بها بعوض ، وفيه فصول :

فصل : في أركانها

وهي ثلاثة :

الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ، والصريح منه آجرتك أو أكريتك الدار - مثلاً - فيقول : قبلت ، أو استأجرت ، أو استكريت ، ويجري فيها المعاطاة(2) كسائر العقود ، ويجوز أن يكون الإيجاب

ص: 396


1- - بل هي معاملة يستتبعها ذلك ، وليس التمليك مفاداً أوّلياً للإجارة ، ولهذا يكون لفظها الصريح آجرتك وأكريتك ، وأمّا ملّكتك منفعة الدار - مثلاً - مريداً به الإجارة فليس من اللفظ الصريح وإن صحّت الإجارة بمثله ، كما أنّ التسليط على العين ليس حقيقتها ، بل التسليط الاعتباري على فرضه من أحكامها العقلائية أو لوازمها كذلك في مثل إجارة الأعيان المملوكة أو غيرها أيضاً على وجه .
2- - في جريانها في إجارة الحرّ إشكال ، وإن كان غير بعيد ؛ بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان ، أو بشروعه في العمل كذلك .

بالقول ، والقبول بالفعل ، ولا يصحّ أن يقول في الإيجاب : بعتك الدار مثلاً ، وإن قصد الإجارة ، نعم لو قال : بعتك منفعة الدار ، أو سكنى الدار - مثلاً - بكذا ، لا يبعد صحّته إذا قصد الإجارة .

الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر(1) ؛ لفلس أو سفه أو رقّية .

الثالث : العوضان ، ويشترط فيهما اُمور :

الأوّل : المعلومية ، وهي في كلّ شيء بحسبه ؛ بحيث لا يكون هناك غرر ، فلو آجره داراً أو حماراً من غير مشاهدة ولا وصف رافع للجهالة بطل ، وكذا لو جعل العوض شيئاً مجهولاً .

الثاني : أن يكونا مقدوري التسليم ، فلا تصحّ إجارة العبد الآبق ، وفي كفاية ضمّ الضميمة هنا كما في البيع إشكال .

الثالث : أن يكونا مملوكين ، فلا تصحّ إجارة مال الغير ، ولا الإجارة بمال الغير إلاّ مع الإجازة من المالك .

الرابع : أن تكون عين المستأجرة ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقائها ، فلا تصحّ إجارة الخبز للأكل - مثلاً - ولا الحطب للإشعال وهكذا .

الخامس : أن تكون المنفعة مباحة ، فلا تصحّ إجارة المساكن لإحراز المحرّمات أو الدكاكين لبيعها ، أو الدوابّ لحملها ، أو الجارية للغناء ، أو العبد لكتابة الكفر ونحو ذلك ، وتحرم الاُجرة عليها .

السادس : أن تكون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها ، فلا تصحّ

ص: 397


1- - إلاّ مع إجازة من له الأمر في الثلاثة ، بل في المميّز أيضاً على الأقرب .

إجارة أرض للزراعة ؛ إذا لم يمكن إيصال الماء إليها ، مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء ، أو عدم كفايته .

السابع : أن يتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة ، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مثلاً .

(مسألة 1) : لا تصحّ الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرهاً عليها إلاّ مع الإجازة اللاحقة ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بها ، بل تجديد العقد إذا رضيا ، نعم تصحّ مع الاضطرار ، كما إذا طلب منه ظالم مالاً فاضطرّ إلى إجارة دار سكناه لذلك ، فإنّها تصحّ حينئذٍ ، كما أ نّه إذا اضطرّ إلى بيعها صحّ .

(مسألة 2) : لا تصحّ إجارة المفلّس - بعد الحجر عليه - داره أو عقاره ، نعم تصحّ إجارته نفسه لعمل أو خدمة ، وأمّا السفيه فهل هو كذلك ؛ أي تصحّ إجارة نفسه للاكتساب مع كونه محجوراً عن إجارة داره مثلاً أو لا ؟ وجهان(1) ؛ من كونه من التصرّف المالي وهو محجور ، ومن أ نّه ليس تصرّفاً في ماله الموجود ، بل هو تحصيل للمال ، ولا تعدّ منافعه من أمواله ، خصوصاً إذا لم يكن كسوباً ، ومن هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر السفيهة من تزويج نفسها ، بدعوى أنّ منفعة البضع مال ، فإنّه أيضاً محلّ إشكال .

(مسألة 3) : لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلاّ بإذنه ، أو إجازته .

(مسألة 4) : لا بدّ من تعيين العين المستأجرة ، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصحّ ، ولا بدّ أيضاً من تعيين نوع المنفعة إذا

ص: 398


1- - أقربهما عدم الصحّة ، وكذا الحال في تزويج السفيهة نفسها .

كانت للعين منافع متعدّدة ، نعم تصحّ إجارتها بجميع منافعها مع التعدّد ، فيكون المستأجر مخيّراً بينها .

(مسألة 5) : معلومية المنفعة إمّا بتقدير المدّة كسكنى الدار شهراً ، والخياطة يوماً ، أو منفعة ركوب الدابّة إلى زمان كذا ، وإمّا بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقّته وغلظته ، فارسية أو رومية ، من غير تعرّض للزمان ، نعم يلزم(1) تعيين الزمان الواقع فيه هذا العمل كأن يقول : إلى يوم الجمعة مثلاً ، وإن أطلق اقتضى التعجيل على الوجه العرفي ، وفي مثل استئجار الفحل للضراب يعيّن بالمرّة والمرّتين ، ولو قدّر المدّة والعمل على وجه التطبيق ، فإن علم سعة الزمان له صحّ ، وإن علم عدمها بطل ، وإن احتمل الأمران ففيه قولان(2) .

(مسألة 6) : إذا استأجر دابّة للحمل عليها لا بدّ من تعيين ما يحمل عليها بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه ، وبحسب الوزن ولو بالمشاهدة والتخمين إن ارتفع به الغرر ، وكذا بالنسبة إلى الركوب لا بدّ من مشاهدة الراكب أو وصفه ، كما لا بدّ من مشاهدة الدابّة أو وصفها حتّى الذكورية والاُنوثية إن اختلفت الأغراض بحسبهما . والحاصل : أ نّه يعتبر تعيين الحمل والمحمول عليه والراكب والمركوب عليه من كلّ جهة يختلف غرض العقلاء باختلافها .

(مسألة 7) : إذا استأجر الدابّة لحرث جريب معلوم ، فلا بدّ من مشاهدة الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر .

ص: 399


1- - مع دخالته في الرغبات .
2- - الظاهر هو البطلان إن كان التطبيق دخيلاً في الرغبات ، وإلاّ فالصحّة تابعة لواقعه .

(مسألة 8) : إذا استأجر دابّة للسفر مسافة ، لا بدّ من بيان زمان السير ؛ من ليل أو نهار ، إلاّ إذا كان هناك عادة متّبعة .

(مسألة 9) : إذا كانت الاُجرة ممّا يكال أو يوزن ، لا بدّ من تعيين كيلها أو وزنها ولا تكفي المشاهدة ، وإن كانت ممّا يعدّ لا بدّ من تعيين عددها ، وتكفي المشاهدة فيما يكون اعتباره بها .

(مسألة 10) : ما كان معلوميته بتقدير المدّة لا بدّ من تعيينها شهراً أو سنة أو نحو ذلك ، ولو قال : آجرتك إلى شهر أو شهرين بطل ، ولو قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم مثلاً ، ففي صحّته مطلقاً أو بطلانه مطلقاً ، أو صحّته في شهر وبطلانه في الزيادة ، فإن سكن فاُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة ، أو الفرق بين التعبير المذكور وبين أن يقول : آجرتك شهراً(1) بدرهم فإن زدت فبحسابه ، بالبطلان في الأوّل والصحّة في شهر في الثاني أقوال : أقواها الثاني ، وذلك لعدم تعيين المدّة الموجب لجهالة الاُجرة ، بل جهالة المنفعة أيضاً ؛ من غير فرق بين أن يعيّن المبدأ أو لا ، بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة اُخرى ، إلاّ أن يقال : إنّه حينئذٍ ينصرف إلى المتّصل بالعقد . هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، وأمّا إذا كان بعنوان الجعالة(2) فلا مانع منه ؛ لأ نّه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة ، وكذا إذا كان بعنوان الإباحة بالعوض .

ص: 400


1- - لا إشكال في صحّتها في الشهر الأوّل في هذه الصورة مع معلومية المبدأ ، والأقوى عدم صحّتها في غيره .
2- - ليست هذه هي الجعالة المتعارفة ، وإن لا يبعد صحّتها ، ولعلّها ترجع إلى الإباحة بالعوض .

(مسألة 11) : إذا قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً - أي بدرز - فلك درهم ، وإن خطته رومياً - أي بدرزين - فلك درهمان ، فإن كان بعنوان الإجارة بطل ؛ لما مرّ من الجهالة ، وإن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة صحّ ، وكذا الحال إذا قال : إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان ، وإن عملته في الغد فلك درهم ، والقول بالصحّة إجارة في الفرضين ضعيف ، وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحّة في الثاني دون الأوّل ، وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل يستحقّ اُجرة المثل ، وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقلّ أو أكثر .

(مسألة 12) : إذا استأجره أو دابّته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان معيّن في وقت معيّن باُجرة معيّنة ، كأن استأجر منه دابّة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ولم يوصله ، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم إمكان الإيصال فالإجارة باطلة(1) ، وإن كان الزمان واسعاً ومع هذا قصّر(2) ولم يوصله ، فإن كان ذلك على وجه العنوانية والتقييد لم يستحقّ شيئاً من الاُجرة ؛ لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلاً ، نظير ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة فاشتبه وصام يوم السبت ، وإن كان ذلك على وجه الشرطية ؛ بأن يكون متعلّق الإجارة الإيصال إلى كربلاء ، ولكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت فالإجارة صحيحة ، والاُجرة المعيّنة لازمة ، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، ومعه يرجع إلى اُجرة المثل ، ولو قال : وإن لم توصلني في وقت كذا فالاُجرة

ص: 401


1- - إلاّ إذا كان ذلك بنحو الاشتراط .
2- - المناط في عدم الاستحقاق في الفرض الأوّل وكذا في خيار تخلّف الشرط في الثانية هو عدم الإيصال ولو لا عن تقصير ، كمن ضلّ الطريق فلم يوصله .

كذا ؛ أقلّ ممّا عيّن أوّلاً ، فهذا أيضاً قسمان : قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت وعدم الإيصال فيه مورداً للإجارة فيرجع إلى قوله : آجرتك باُجرة كذا إن أوصلتك في الوقت الفلاني ، وباُجرة كذا إن لم اُوصلك في ذلك الوقت ، وهذا باطل للجهالة نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال : إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان . . . إلى آخره ، وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت ، ويشترط عليه(1) أن ينقص من الاُجرة كذا على فرض عدم الإيصال ، والظاهر الصحّة في هذه الصورة ؛ لعموم المؤمنون وغيره ، مضافاً إلى صحيحة محمّد الحلبي(2) ، ولو قال : إن لم توصلنى فلا اُجرة لك ، فإن كان على وجه الشرطية ؛ بأن يكون متعلّق الإجارة هو الإيصال الكذائي فقط واشترط عليه عدم الاُجرة على تقدير المخالفة صحّ ، ويكون الشرط المذكور مؤكّداً لمقتضى العقد ، وإن كان على وجه القيدية ؛ بأن جعل كلتا الصورتين مورداً للإجارة إلاّ أنّ في الصورة الثانية بلا اُجرة يكون باطلاً ، ولعلّ هذه الصورة مراد المشهور(3) القائلين بالبطلان دون الاُولى ؛ حيث قالوا : ولو شرط سقوط الاُجرة إن لم يوصله لم يجز .

ص: 402


1- - الظاهر أنّ مراده أنّ مورد الإجارة هو الإيصال واشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت وإن لم يوصله في ذلك الوقت ينقص من الاُجرة كذا ، وإنّما وقع سهو في العبارة وذلك بقرينة تمسّكه بصحيحة الحلبي فإنّ مفادها مع إلغاء الخصوصية عرفاً من قبيل ما ذكرنا لا ما ذكره ، وكيف كان فإن كان مراده ما ذكرنا فلا إشكال فيه ، وإن كان المراد ظاهر العبارة فالظاهر رجوعه إلى ما حكم ببطلانه ، ولا ينطبق عليه النصّ المتقدّم .
2- - صحّتها غير بعيدة وإن كان في منصور بن يونس كلام .
3- - فيه منع ، بل الظاهر متابعة المشهور للنصّ كصحيحة الحلبي .

(مسألة 13) : إذا استأجر منه دابّة لزيارة النصف من شعبان مثلاً ، ولكن لم يشترط على المؤجر ذلك ، ولم يكن على وجه العنوانية أيضاً واتّفق أ نّه لم يوصله ، لم يكن له خيار الفسخ ، وعليه تمام المسمّى من الاُجرة ، وإن لم يوصله إلى كربلاء أصلاً سقط من المسمّى بحساب ما بقي ، واستحقّ بمقدار ما مضى ، والفرق بين هذه المسألة وما مرّ في المسألة السابقة أنّ الإيصال هنا غرض وداعٍ ، وفيما مرّ قيد أو شرط .

فصل : في لزوم عقد الإجارة

فصل

الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو شرط الخيار لأحدهما أو كليهما إذا اختار الفسخ ، نعم الإجارة المعاطاتية جائزة(1) ، يجوز لكلّ منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرّفهما أو تصرّف أحدهما فيما انتقل إليه .

(مسألة 1) : يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدّة الإجارة ، ولا تنفسخ الإجارة به فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة ، نعم للمشتري مع جهله بالإجارة خيار فسخ البيع ؛ لأنّ نقص المنفعة عيب(2) ، ولكن ليس كسائر العيوب ؛ ممّا يكون المشتري معه مخيّراً بين الردّ والأرش ، فليس له أن لا يفسخ ويطالب بالأرش ، فإنّ العيب الموجب للأرش ما كان نقصاً في الشيء في حدّ نفسه ، مثل العمى والعرج ، وكونه مقطوع اليد ، أو نحو ذلك ، لا مثل المقام الذي العين في حدّ نفسها لا عيب فيها ، وأمّا لو علم المشتري أنّها مستأجرة ومع ذلك

ص: 403


1- - الأقوى لزومها ، كما أنّ الأقوى لزوم البيع المعاطاتي أيضاً ، لكن لا ينبغي ترك مراعاة الاحتياط .
2- - في التعليل إشكال .

أقدم على الشراء فليس له الفسخ أيضاً ، نعم لو اعتقد كون مدّة الإجارة كذا مقداراً فبان أ نّها أزيد ، له الخيار أيضاً ، ولو فسخ المستأجر الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع لا إلى المشتري ، نعم لو اعتقد البائع والمشتري بقاء مدّة الإجارة وأنّ العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا وتبيّن أنّ المدّة منقضية ، فهل منفعة تلك المدّة للبائع حيث إنّه كأ نّه شرط كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا ، أو للمشتري لأ نّها تابعة للعين ما لم تفرز بالنقل إلى الغير أو بالاستثناء ، والمفروض عدمها ، وجهان ، والأقوى الثاني ، نعم لو شرطا كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد بقاء المدّة كان لما ذكر وجه(1) . ثمّ بناءً على ما هو الأقوى من رجوع المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا ؟ وجهان ، لا يخلو أوّلهما من قوّة(2) ، خصوصاً إذا أوجب ذلك له الغبن . هذا إذا بيعت العين المستأجرة على غير المستأجر ، أمّا لو بيعت عليه ففي انفساخ الإجارة وجهان ، أقواهما العدم ويتفرّع على ذلك اُمور : منها : اجتماع الثمن والاُجرة عليه حينئذٍ . ومنها : بقاء ملكه للمنفعة في مدّة تلك الإجارة لو فسخ البيع بأحد أسبابه ، بخلاف ما لو قيل بانفساخ الإجارة . ومنها : إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدّة لو مات الزوج المستأجر بعد شرائه لتلك العين وإن كانت ممّا لا ترث الزوجة منه ، بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرّد البيع . ومنها : رجوع المشتري(3) بالاُجرة لو تلف العين بعد قبضها وقبل انقضاء مدّة الإجارة ،

ص: 404


1- - لكن الأوجه تبعية النماء للعين أيضاً ، وهذا كما لو توهّم عدم المنفعة للعين مدّة واشترط مسلوبية المنفعة فيها .
2- - في صورة الغبن .
3- - من حين تلف العين ، فإنّه بهذا القيد من متفرّعات عدم الانفساخ .

فإن تعذّر استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة ، ويوجب الرجوع بالعوض وإن كان تلف العين عليه .

(مسألة 2) : لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد ، كما لو باع العين مالكها على شخص وآجرها وكيله على شخص آخر ، واتّفق وقوعهما في زمان واحد ، فهل يصحّان معاً ، ويملكها المشتري مسلوبة المنفعة ، كما لو سبقت الإجارة ، أو يبطلان معاً للتزاحم في ملكية المنفعة ، أو يبطلان معاً بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصحّ البيع على أ نّها مسلوبة المنفعة تلك المدّة ، فتبقى المنفعة على ملك البائع وجوه ، أقواها الأوّل ؛ لعدم التزاحم ، فإنّ البائع لا يملك المنفعة ، وإنّما يملك العين ، وملكية العين توجب ملكية المنفعة للتبعية وهي متأخّرة عن الإجارة .

(مسألة 3) : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر على الأقوى ، نعم في إجارة العين الموقوفة إذا آجر البطن السابق تبطل بموته بعد الانتقال إلى البطن اللاحق ؛ لأنّ الملكية محدودة ، ومثله ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حيّاً ، بخلاف ما إذا كان المؤجر هو المتولّي للوقف وآجر لمصلحة البطون إلى مدّة ، فإنّها لا تبطل بموته ، ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة ، وكذا تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه من خدمة أو غيرها ، فإنّه إذا مات لا يبقى محلّ للإجارة ، وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محلّ العمل ؛ من خدمة أو عمل آخر متعلّق به بنفسه ، ولو جعل العمل في ذمّته لا تبطل الإجارة بموته ، بل يستوفى من تركته ، وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلّ للعمل ، بل كان مالكاً له على المؤجر ، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له ، فإنّه إذا مات تنتقل إلى وارثه ، فهم يملكون عليه ذلك العمل ، وإذا آجر

ص: 405

الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه لا تبطل بموته ، ويكون للمؤجر خيار(1) الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته .

(مسألة 4) : إذا آجر الوليّ أو الوصيّ الصبيّ المولّى عليه مدّة تزيد على زمان بلوغه ورشده بطلت في المتيقّن بلوغه فيه ؛ بمعنى أ نّها موقوفة على إجازته وصحّت واقعاً وظاهراً بالنسبة إلى المتيقّن صغره ، وظاهراً بالنسبة إلى المحتمل ، فإذا بلغ له أن يفسخ على الأقوى ؛ أي لا يجيز ، خلافاً لبعضهم فحكم بلزومها عليه لوقوعها من أهلها في محلّها في وقت لم يعلم لها منافٍ ، وهو كما ترى ، نعم لو اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة إجارته مدّة زائدة على زمان البلوغ ؛ بحيث يكون إجارته أقلّ من تلك المدّة خلاف مصلحته تكون لازمة ليس له فسخها بعد بلوغه ، وكذا الكلام في إجارة أملاكه .

(مسألة 5) : إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدّة معيّنة ، فتزوّجت قبل انقضائها ، لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج .

(مسألة 6) : إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمّ أعتقه ، لا تبطل الإجارة بالعتق ، وليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقيّة المدّة ؛ لأ نّه كان مالكاً لمنافعه أبداً وقد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدّة ، فدعوى أ نّه فوّت على العبد ما كان له حال حرّيته كما ترى ، نعم يبقى الكلام في نفقته في بقيّة المدّة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر ، وفي المسألة وجوه : أحدها : كونها على المولى ؛ لأ نّه حيث استوفى بالإجارة منافعه فكأ نّه باقٍ على ملكه . الثاني : أ نّه في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة ، وإن لم يمكن فمن بيت

ص: 406


1- - لا وجه لهذا الخيار ، بل الظاهر بطلان الإجارة بالموت .

المال ، وإن لم يكن فعلى المسلمين كفاية . الثالث : أ نّه إن لم يمكن اكتسابه في غير زمان الخدمة ، ففي كسبه وإن كان منافياً للخدمة . الرابع : أ نّه من كسبه ، ويتعلّق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمّته . الخامس : أ نّه من بيت المال من الأوّل ولا يبعد قوّة الوجه الأوّل(1) .

(مسألة 7) : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً سابقاً على العقد وكان جاهلاً به ، فإن كان ممّا تنقص به المنفعة ، فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ والإبقاء ، والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش ، فله الفسخ أو الرضا بها مجّاناً ، نعم لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار ، فالظاهر تقسيط الاُجرة(2) ؛ لأ نّه يكون حينئذٍ من قبيل تبعّض الصفقة ، ولو كان العيب ممّا لا تنقص معه المنفعة ، كما إذا تبيّن كون الدابّة مقطوع الاُذن أو الذنب ، فربما يستشكل في ثبوت الخيار معه ، لكن الأقوى ثبوته إذا كان ممّا يختلف به الرغبات ، وتتفاوت به الاُجرة ، وكذا له الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد وقبل القبض ، بل بعد القبض أيضاً ، وإن كان استوفى بعض المنفعة ومضى بعض المدّة . هذا إذا كانت العين شخصية ، وأمّا إذا كانت كلّية وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد ، بل له مطالبة البدل ، نعم لو تعذّر البدل كان له الخيار في أصل العقد .

(مسألة 8) : إذا وجد المؤجر عيباً سابقاً في الاُجرة ولم يكن عالماً به كان له فسخ العقد ، وله الرضا به ، وهل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد(3) ذلك ، بل ربّما

ص: 407


1- - بل الثاني أشبه .
2- - وله خيار الفسخ أيضاً .
3- - مشكل .

يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن هذا إذا لم تكن الاُجرة منفعة عين ، وإلاّ فلا أرش فيه ، مثل ما مرّ في المسألة السابقة من كون العين المستأجرة معيباً . هذا إذا كانت الاُجرة عيناً شخصية ، وأمّا إذا كانت كلّية فله مطالبة البدل ، لا فسخ أصل العقد إلاّ مع تعذّر البدل على حذو ما مرّ في المسألة السابقة .

(مسألة 9) : إذا أفلس المستأجر بالاُجرة كان للمؤجر الخيار(1) بين الفسخ واسترداد العين ، وبين الضرب مع الغرماء ، نظير ما إذا أفلس المشتري بالثمن ؛ حيث إنّ للبائع الخيار إذا وجد عين ماله .

(مسألة 10) : إذا تبيّن غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار ؛ إذا لم يكن عالماً به حال العقد ، إلاّ إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد .

(مسألة 11) : ليس في الإجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ، بل ولا خيار التأخير على الوجه المذكور في البيع ، ويجري فيها خيار الشرط حتّى للأجنبيّ ، وخيار العيب والغبن كما ذكرنا ، بل يجري فيها سائر الخيارات كخيار الاشتراط وتبعّض الصفقة وتعذّر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، وما يفسد ليومه(2) وخيار شرط ردّ العوض نظير شرط ردّ الثمن في البيع .

(مسألة 12) : إذا آجر عبده أو داره - مثلاً - ثمّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة ، فيكون للمشتري منفعة العبد - مثلاً - من جهة الإجارة قبل انقضاء مدّتها ، لا من جهة تبعية العين ، ولو فسخت الإجارة رجعت إلى البائع ، ولو مات

ص: 408


1- - محلّ إشكال ، فالأحوط التخلّص بالتصالح .
2- - فيه تأمّل .

بعد القبض رجع المشتري المستأجر على البائع بما يقابل بقيّة المدّة من الاُجرة وإن كان تلف العين عليه ، واللّه العالم .

فصل : في حصول أصل الملكية للطرفين بنفس العقد

فصل

يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ، والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد ؛ من غير توقّف على شيء ، كما هو مقتضى سببية العقود ، كما أنّ المؤجر يملك(1) الاُجرة ملكية متزلزلة به كذلك ، ولكن لا يستحقّ المؤجر مطالبة الاُجرة إلاّ بتسليم العين أو العمل ، كما لا يستحقّ المستأجر مطالبتهما إلاّ بتسليم الاُجرة كما هو مقتضى المعاوضة وتستقرّ ملكية الاُجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه ، فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد ، وجواز المطالبة موقوف على التسليم ، واستقرار ملكية الاُجرة موقوف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما ، فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الإجارة ، كما سيأتي تفصيله .

(مسألة 1) : لو استأجر داراً - مثلاً - وتسلّمها ومضت مدّة الإجارة استقرّت الاُجرة عليه ؛ سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره ، وكذا إذا استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع إلى مكان كذا ومضى زمان يمكن له ذلك وجب عليه الاُجرة واستقرّت وإن لم يركب أو لم يحمل ؛ بشرط أن يكون مقدّراً بالزمان المتّصل بالعقد ، وأمّا إذا عيّنا وقتاً فبعد مضيّ ذلك الوقت ، هذا إذا كانت الإجارة واقعة على عين معيّنة شخصية في وقت معيّن ، وأمّا إن وقعت على كلّي وعيّن في فرد وتسلّمه فالأقوى أ نّه كذلك مع تعيين الوقت وانقضائه ، نعم مع عدم تعيين

ص: 409


1- - إلاّ في بعض موارد يأتي التصريح به منه .

الوقت فالظاهر عدم(1) استقرار الاُجرة المسمّاة وبقاء الإجارة وإن كان ضامناً لاُجرة المثل لتلك المدّة من جهة تفويته المنفعة على المؤجر .

(مسألة 2) : إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلّم حتّى انقضت المدّة استقرّت عليه الاُجرة ، وكذا إذا استأجره ليخيط له ثوباً معيّناً - مثلاً - في وقت معيّن وامتنع من دفع الثوب إليه حتّى مضى ذلك الوقت ، فإنّه يجب عليه دفع الاُجرة ؛ سواء اشتغل في ذلك الوقت مع امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه بشغل آخر لنفسه أو لغيره أو جلس فارغاً .

(مسألة 3) : إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدّة التي يمكن إيقاع ذلك فيها وكان المؤجر باذلاً نفسه استقرّت الاُجرة ؛ سواء كان المؤجر حرّاً أو عبداً بإذن مولاه ، واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الأوّل ؛ لأنّ منافع الحرّ لا تضمن إلاّ بالاستيفاء ، لا وجه له ؛ لأنّ منافعه بعد العقد عليها صارت مالاً للمستحقّ ، فإذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه ، مع أنّا لا نسلّم أنّ منافعه لا تضمن إلاّ بالاستيفاء ، بل تضمن بالتفويت أيضاً إذا صدق ذلك ، كما إذا حبسه وكان كسوباً ، فإنّه يصدق في العرف أ نّه فوّت عليه كذا مقداراً ، هذا ولو استأجره لقلع ضرسه فزال الألم بعد العقد لم تثبت الاُجرة لانفساخ الإجارة حينئذٍ .

(مسألة 4) : إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل ، وأمّا إذا تلفت بعد استيفاء(2) منفعتها في بعض المدّة فتبطل بالنسبة إلى بقيّة المدّة فيرجع من الاُجرة بما قابل المتخلّف

ص: 410


1- - بل الظاهر استقرارها مع انقضاء زمان يمكن الاستيفاء وعدم ضمان اُجرة المثل .
2- - بل بعد مضيّ بعض المدّة مع إمكان الاستيفاء .

من المدّة إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث ، مع تساوي الأجزاء بحسب الأوقات ، ومع التفاوت تلاحظ النسبة .

(مسألة 5) : إذا حصل الفسخ في أثناء المدّة بأحد أسبابه تثبت الاُجرة المسمّاة بالنسبة إلى ما مضى ، ويرجع منها بالنسبة إلى ما بقي ، كما ذكرنا في البطلان على المشهور ، ويحتمل قريباً(1) أن يرجع تمام المسمّى ويكون للمؤجر اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ المفروض أ نّه يفسخ العقد الواقع أوّلاً ، ومقتضى الفسخ عود كلّ عوض إلى مالكه ، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان أيضاً ، لكنّه بعيد .

(مسألة 6) : إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته، ويجيء خيار تبعّض الصفقة.

(مسألة 7) : ظاهر كلمات العلماء : أنّ الاُجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر بتمامها ، وبالتلف قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدّة ترجع إلى المستأجر - كلاًّ أو بعضاً - من حين البطلان ، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيتها من الأوّل ، وهو مشكل ؛ لأنّ مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكاً للمنفعة إلى تمام المدّة ، فلم ينتقل ما يقابل المتخلّف من الأوّل إليه ، وفرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض وتلف العين هنا ؛ لأنّ المبيع حين بيعه كان مالاً موجوداً قوبل بالعوض ، وأمّا المنفعة في المقام فلم تكن موجودة حين العقد ولا في علم اللّه إلاّ بمقدار بقاء العين ، وعلى

ص: 411


1- - هذا هو الأقوى فيما إذا كان حقّ الفسخ والخيار بسبب كان حين العقد ، كما إذا تبيّن الغبن أو وجد العيب السابق ، وأمّا مع عروض ذلك في الأثناء فالأقوى هو التوزيع .

هذا فإذا تصرّف في الاُجرة يكون تصرّفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلّف فضولياً ، ومن هذا يظهر أنّ وجه البطلان في صورة التلف - كلاًّ أو بعضاً - انكشاف عدم الملكية للمعوّض .

(مسألة 8) : إذا آجر دابّة كلّية ودفع فرداً منها فتلف ، لا تنفسخ الإجارة ، بل ينفسخ الوفاء(1) ، فعليه أن يدفع فرداً آخر .

(مسألة 9) : إذا آجره داراً فانهدمت فإن خرجت عن الانتفاع(2) بالمرّة بطلت ، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن(3) فيها أصلاً رجعت الاُجرة بتمامها ، وإلاّ فبالنسبة ، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً ، ويضمن اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لكنّه بعيد ، وإن أمكن الانتفاع بها مع ذلك كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ ، وإذا فسخ كان حكم الاُجرة ما ذكرنا ، ويقوى هنا(4) رجوع تمام المسمّى مطلقاً ودفع اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ هذا هو مقتضى فسخ العقد كما مرّ سابقاً ، وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى البقيّة ، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة ، ولو بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلاً ليس للمستأجر الفسخ حينئذٍ على الأقوى خلافاً للثانيين .

(مسألة 10) : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه ،

ص: 412


1- - لا يخفى ما في التعبير من المسامحة .
2- - أي الذي هو مورد الإجارة .
3- - أي بلا فصل معتدّ به ، أو قبل مجيء زمان الإجارة .
4- - بل يقوى خلافه كما مرّ .

وإن لم يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة والرجوع بالاُجرة ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة ، وكذا إن أخذها(1) منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلّف من الاُجرة ، ويحتمل قويّاً(2) رجوع تمام الاُجرة ودفع اُجرة المثل لما مضى ، كما مرّ نظيره سابقاً ؛ لأنّ مقتضى فسخ العقد عود تمام كلّ من العوضين إلى مالكهما الأوّل ، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور .

(مسألة 11) : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرة ، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات ، ويحتمل قويّاً(3) تعيّن الثاني ، وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعيّن الوجه الثاني ، فليس له الفسخ حينئذٍ ؛ سواء كان بعد القبض في ابتداء المدّة أو في أثنائها ، ثمّ لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء المدّة إلى المستأجر فالخيار باقٍ ، لكن ليس له الفسخ إلاّ في الجميع ، وربما يحتمل(4) جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدّة في يد الغاصب ، والرجوع بقسطه من المسمّى واستيفاء باقي المنفعة ، وهو ضعيف ؛ للزوم التبعيض في العقد ، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي ؛ إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما .

(مسألة 12) : لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء ، كما لو استأجر دابّة

ص: 413


1- - ثبوت الخيار بالغصب بعد القبض محلّ إشكال ، بل منع .
2- - مرّ ما هو الأقوى .
3- - لا قوّة فيه .
4- - هذا الاحتمال ضعيف ، والفرق بينه وبين ما نسب إلى المشهور ظاهر .

لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر ، فالظاهر البطلان(1) إن اشترط المباشرة على وجه القيدية ، وكذا لو حصل له عذر آخر ، ويحتمل عدم البطلان ، نعم لو كان هناك عذر عامّ بطلت قطعاً ؛ لعدم قابلية العين للاستيفاء حينئذٍ .

(مسألة 13) : التلف السماوي(2) للعين المستأجرة أو لمحلّ العمل موجب للبطلان ، ومنه إتلاف الحيوانات . وإتلاف المستأجر بمنزلة القبض ، وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ ، وإتلاف الأجنبيّ موجب لضمانه ، والعذر العامّ بمنزلة التلف ، وأمّا العذر الخاصّ بالمستأجر ، كما إذا استأجر دابّة لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة ، أو رجلاً لقلع سنّه فزال ألمه أو نحو ذلك ، ففيه إشكال(3) ، ولا يبعد أن يقال : إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصحّ معه العقد .

(مسألة 14) : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حقّ الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج ، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً ، فإنّها صحيحة(4) ، وإذا اتّفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها .

ص: 414


1- - فيه تأمّل ، بل عدم البطلان لا يخلو من قرب .
2- - الأقرب بطلان الإجارة في جميع صور التلف والإتلاف ، وضمان المتلف للمالك ، ورجوع المستأجر إلى المؤجر في مال الإجارة حتّى مع إتلافه العين ؛ من غير فرق بين العين المستأجرة ومحلّ العمل .
3- - الأقوى هو البطلان في مثل زوال ألم السنّ ، وأمّا في المثال الآخر فقد تقدّم ما هو الأقرب .
4- - إذا كان مورد الإجارة في معرض إرادة الزوج للاستمتاع ففي الصحّة إشكال ، بل منع ، نعم لو كان احتمال تعلّق إرادته ضعيفاً لا يعتني به العقلاء ، فالعقد محكوم بالصحّة ظاهراً ، ولو اتّفق إرادته يكشف عن فساده .

(مسألة 15) : قد ذكر سابقاً أنّ كلاًّ من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد ، ولكن لا يجب تسليم أحدهما إلاّ بتسليم الآخر ، وتسليم المنفعة بتسليم العين ، وتسليم الاُجرة بإقباضها ، إلاّ إذا كانت منفعة أيضاً ، فبتسليم العين التي تستوفى منها ، ولا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم ، ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم ، ولو كان أحدهما باذلاً دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأوّل الحبس إلى أن يسلّم الآخر ، هذا كلّه إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في أحدهما ، وإلاّ كان هو المتّبع ، هذا . وأمّا تسليم العمل فإن كان مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة ونحوها فبإتمامه ، فقبله لا يستحقّ المؤجر المطالبة وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة ، إلاّ أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الاُجرة فيتّبع ، وإلاّ فلا يستحقّ حتّى لو لم يمكن له العمل إلاّ بعد أخذ الاُجرة ، كما في حجّ الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً ، وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك ، فإنّ إتمام العمل تسليم ، ولا يحتاج إلى شيء آخر ، وأمّا في مثل الثوب الذي أعطاه ليخيطه أو الكتاب الذي يكتبه أو نحو ذلك ممّا كان العمل في شيء بيد المؤجر ، فهل يكفي إتمامه في التسليم ، فبمجرّد الإتمام يستحقّ المطالبة ، أو لا إلاّ بعد تسليم مورد العمل ، فقبل أن يسلّم الثوب - مثلاً - لا يستحقّ مطالبة الاُجرة ؟ قولان ، أقواهما الأوّل ؛ لأنّ المستأجر عليه نفس العمل ، والمفروض أنّه قد حصل ، لا الصفة الحادثة في الثوب مثلاً ؛ وهي المخيطية ، حتّى يقال : إنّها في الثوب ، وتسليمها بتسليمه ، وعلى ما ذكرنا فلو تلف الثوب - مثلاً - بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحقّ اُجرة العمل ، بخلافه على القول الآخر ، ولو تلف مع ضمانه أو أتلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطية ، لا قيمته قبلها ، وله الاُجرة المسمّاة بخلافه على القول

ص: 415

الآخر ، فإنّه لا يستحقّ الاُجرة ، وعليه قيمته غير مخيط(1) ، وأمّا احتمال عدم استحقاقه الاُجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف فبعيد ، وإن كان له وجه(2) ، وكذا يتفرّع على ما ذكر : أ نّه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي الاُجرة ، فإنّها بيده أمانة ؛ إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها مورداً للمعاوضة ، فلو حبسها ضمن ، بخلافه على القول الآخر .

(مسألة 16) : إذا تبيّن بطلان الإجارة رجعت الاُجرة إلى المستأجر واستحقّ المؤجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو فاتت تحت يده ، إذا كان جاهلاً بالبطلان ، خصوصاً مع علم المستأجر ، وأمّا إذا كان عالماً فيشكل ضمان(3) المستأجر ، خصوصاً إذا كان جاهلاً ؛ لأ نّه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله ، خصوصاً إذا كان البطلان من جهة جعل الاُجرة ما لا يتموّل شرعاً أو عرفاً ، أو إذا كان اُجرة بلا عوض ، ودعوى : أنّ إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنّما هو بعنوان الإجارة ، والمفروض عدم تحقّقها ، فإذنه مقيّد بما لم يتحقّق ، مدفوعة ؛ بأ نّه إن كان المراد كونه مقيّداً بالتحقّق شرعاً فممنوع ، إذ مع فرض العلم بعدم الصحّة شرعاً لا يعقل قصد تحقّقه إلاّ على وجه التشريع المعلوم عدمه ، وإن كان المراد تقيّده بتحقّقها الإنشائية فهو حاصل ، ومن هنا يظهر حال

ص: 416


1- - بل عليه قيمته مخيطاً على هذا القول أيضاً ، فإذا أعطى قيمته كذلك يستحقّ الاُجرة .
2- - غير وجيه .
3- - الأقوى هو الضمان في غير الإجارة بلا عوض أو بما لا يتموّل عرفاً ؛ من غير الفرق فيهما بين العلم بالبطلان وعدمه ، ومن هنا يظهر حال الاُجرة في يد المؤجر ، فإنّ عليه الضمان ؛ علم المستأجر ببطلانها شرعاً أو لا ، وكذا يظهر ممّا ذكرنا حال الإجارة على الأعمال ، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله إلاّ فيما تقدّم .

الاُجرة أيضاً ، فإنّها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها إلاّ إذا كان المستأجر عالماً ببطلان الإجارة ، ومع ذلك دفعها إليه ، نعم إذا كانت موجودة له أن يستردّها ، هذا . وكذا في الإجارة على الأعمال إذا كانت باطلة يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله دون المسمّاة ؛ إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وأمّا إذا كان عالماً فيكون هو المتبرّع بعمله ؛ سواء كان بأمر من المستأجر أو لا ، فيجب عليه ردّ الاُجرة المسمّاة أو عوضها ، ولا يستحقّ اُجرة المثل ، وإذا كان المستأجر أيضاً عالماً فليس له مطالبة الاُجرة مع تلفها ولو مع عدم العمل من المؤجر .

(مسألة 17) : يجوز إجارة المشاع ، كما يجوز بيعه وصلحه وهبته ، ولكن لا يجوز تسليمه إلاّ بإذن الشريك إذا كان مشتركاً ، نعم إذا كان المستأجر جاهلاً بكونه مشتركاً كان له خيار الفسخ للشركة ، وذلك كما إذا آجره داره فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير ، فإنّ له خيار الشركة بل وخيار التبعّض ، ولو آجره نصف الدار مشاعاً وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها ، فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير ، ففي ثبوت الخيار له حينئذٍ وجهان ، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له(1) .

(مسألة 18) : لا بأس باستئجار اثنين داراً على الإشاعة ، ثمّ يقتسمان مساكنها بالتراضي أو بالقرعة ، وكذا يجوز استئجار اثنين دابّة للركوب على التناوب ، ثمّ يتّفقان على قرار بينهما بالتعيين بفرسخ فرسخ أو غير ذلك ، وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة ، وكذا يجوز استئجار اثنين دابّة - مثلاً -

ص: 417


1- - موجبة للغبن .

لا على وجه الإشاعة ، بل نوباً معيّنة بالمدّة أو بالفراسخ ، وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة كحمل شيء معيّن لا يمكن إلاّ بالمتعدّد .

(مسألة 19) : لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد على الأقوى ، فيجوز أن يؤجره داره شهراً متأخّراً عن العقد بشهر أو سنة ؛ سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أو لا ، ودعوى البطلان من جهة عدم القدرة على التسليم كما ترى ؛ إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لا قبله . هذا ، ولو آجره داره شهراً وأطلق ، انصرف(1) إلى الاتّصال بالعقد ، نعم لو لم يكن انصراف بطل .

فصل : في أنّ عين المستأجرة أمانة

فصل

العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة ، فلا يضمن تلفها أو تعيّبها إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، ولو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونهما فالمشهور عدم الصحّة ، لكن الأقوى(2) صحّته ، وأولى بالصحّة إذا اشترط عليه أداء مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيّب ، لا بعنوان الضمان ، والظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين بين أن يكون التلف في أثناء المدّة أو بعدها(3) ؛ إذا لم يحصل منه منع للمؤجر عن عين ماله إذا طلبها ، بل خلّى بينه وبينها ولم يتصرّف بعد ذلك فيها . ثمّ هذا إذا كانت الإجارة صحيحة ، وأمّا إذا

ص: 418


1- - إذا لم تكن مستأجرة .
2- - محلّ إشكال ، بل عدم الصحّة لا يخلو من قوّة ، نعم لا إشكال فيه على النحو الثاني .
3- - إلى مدّة يتعارف الردّ فيها إلى صاحبها ، فإن أخّر عنها فالظاهر الضمان ، إلاّ أن يكون تعارف في البقاء عنده حتّى يرجع إليه صاحبها .

كانت باطلة ففي ضمانها وجهان ، أقواهما العدم ، خصوصاً إذا كان المؤجر عالماً بالبطلان حين الإقباض دون المستأجر .

(مسألة 1) : العين التي للمستأجر بيد المؤجر - الذي آجر نفسه لعمل فيها ، كالثوب آجر نفسه ليخيطه - أمانة ، فلا يضمن تلفها أو نقصها إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، أو اشتراط ضمانها(1) على حذو ما مرّ في العين المستأجرة ولو تلفت أو أتلفها المؤجر أو الأجنبيّ قبل العمل أو في الأثناء بطلت الإجارة ورجعت الاُجرة بتمامها أو بعضها إلى المستأجر ، بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضاً ، نعم لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر ؛ بأن يملك منفعته الخيّاطي في يوم كذا ، يكون إتلافه لمتعلّق العمل بمنزلة استيفائه ؛ لأ نّه بإتلافه إيّاه فوّت على نفسه المنفعة ، ففرق بين أن يكون العمل في ذمّته أو يكون منفعته الكذائية للمستأجر ، ففي الصورة الاُولى التلف قبل العمل موجب للبطلان ، ورجوع الاُجرة إلى المستأجر وإن كان هو المتلف ، وفي الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء ، وحيث إنّه مالك لمنفعة المؤجر وقد فوّتها على نفسه ، فالاُجرة ثابتة عليه .

(مسألة 2) : المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء في القيميات لا يوم التلف ، ولا أعلى القيم على الأقوى .

(مسألة 3) : إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطاً واستحقّ الاُجرة المسمّاة ، وكذا لو حمل متاعاً إلى مكان معيّن ثمّ تلف مضموناً أو أتلفه ، فإنّه يضمن قيمته في ذلك المكان ، لا أن يكون المالك مخيّراً بين تضمينه غير مخيط

ص: 419


1- - مرّ ما هو الأقوى .

بلا اُجرة أو مخيطاً مع الاُجرة ، وكذا لا أن يكون في المتاع مخيّراً بين قيمته غير محمول في مكانه الأوّل بلا اُجرة أو في ذلك المكان مع الاُجرة كما قد يقال .

(مسألة 4) : إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب ضمن ، وكذا الحجّام إذا جنى في حجامته ، أو الختّان في ختانه ، وكذا الكحّال والبيطار وكلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً ؛ إذا تجاوز عن الحدّ المأذون فيه وإن كان بغير قصده ؛ لعموم من أتلف ، وللصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه ، فقال علیه السلام : «كلّ عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن» بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحدّ المأذون فيه ، ولكنّه مشكل ، فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختّان حاذقاً من غير أن يتعدّى عن محلّ القطع ؛ بأن كان أصل الختان مضرّاً به في ضمانه إشكال(1) .

(مسألة 5) : الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن وإن كان حاذقاً ، وأمّا إذا لم يكن مباشراً بل كان آمراً ففي ضمانه إشكال ، إلاّ أن يكون سبباً وكان أقوى من المباشر(2) وأشكل منه إذا كان واصفاً للدواء من دون أن يكون آمراً ، كأن يقول : إنّ دواءك كذا وكذا ، بل الأقوى فيه عدم الضمان ، وإن قال : الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه ، فلا وجه لما عن بعضهم من التأمّل فيه ، وكذا لو قال : لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني .

ص: 420


1- - والأقوى عدم الضمان .
2- - لا يبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف ؛ سواء أمر أم لا .

(مسألة 6) : إذا تبرّأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليّه ، ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط ، برئ على الأقوى .

(مسألة 7) : إذا عثر الحمّال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره - مثلاً - ضمن ؛ لقاعدة الإتلاف .

(مسألة 8) : إذا قال للخيّاط مثلاً : إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ، ضمن في وجه ، ومثله لو قال : هل يكفي قميصاً ؟ فقال : نعم ، فقال اقطعه فلم يكفه . وربما يفرّق بينهما فيحكم بالضمان في الأوّل دون الثاني ؛ بدعوى : عدم الإذن في الأوّل دون الثاني ، وفيه : أنّ في الأوّل أيضاً الإذن حاصل(1) ، وربما يقال بعدم الضمان فيهما للإذن فيهما ، وفيه : أ نّه مقيّد بالكفاية ، إلاّ أن يقال : إنّه مقيّد باعتقاد الكفاية وهو حاصل ، والأولى الفرق بين الموارد والأشخاص بحسب صدق الغرور وعدمه ، أو تقيّد الإذن وعدمه ، والأحوط مراعاة الاحتياط .

(مسألة 9) : إذا آجر عبده لعمل فأفسد ، ففي كون الضمان عليه ، أو على العبد يتبع به بعد عتقه ، أو في كسبه إذا كان من غير تفريط ، وفي ذمّته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط ، أو في كسبه مطلقاً وجوه وأقوال ، أقواها الأخير(2) ؛ للنصّ الصحيح ، هذا في غير الجناية على نفس أو طرف ، وإلاّ فيتعلّق

ص: 421


1- - إذنه إنّما هو على تقدير الكفاية ، كما أنّ الإذن في الثاني أيضاً مبنيّ عليه ، ولا يوجب شيء منهما رفع الضمان .
2- - بل الأوّل ؛ للنصّ الصحيح ، وأمّا النصّ الذي أشار إليه ، فالظاهر منه غير ما نحن فيه أو يقيّد بالنصّ المتقدّم ، والجناية على النفس والطرف تحتاج إلى المراجعة .

برقبته ، وللمولى فداؤه بأقلّ الأمرين من الأرش والقيمة .

(مسألة 10) : إذا آجر دابّة لحمل متاع فعثرت وتلف أو نقص لا ضمان على صاحبها ، إلاّ إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب .

(مسألة 11) : إذا استأجر سفينة أو دابّة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها ، نعم لو اشترط(1) عليه الضمان صحّ ؛ لعموم دليل الشرط وللنصّ .

(مسألة 12) : إذا حمل الدابّة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها ، والظاهر ثبوت اُجرة المثل لا المسمّى(2) مع عدم التلف ؛ لأنّ العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل ، نعم لو لم يكن ذلك على وجه التقييد ثبت عليه المسمّاة واُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة .

(مسألة 13) : إذا اكترى دابّة فسار عليها زيادة عن المشترط ضمن ، والظاهر(3) ثبوت الاُجرة المسمّاة بالنسبة إلى المقدار المشترط واُجرة المثل بالنسبة إلى الزائد .

(مسألة 14) : يجوز لمن استأجر دابّة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا وقفت على المتعارف ، أو يكبحها باللجام أو نحو ذلك على المتعارف ، إلاّ مع منع

ص: 422


1- - الأولى الأحوط أن يشترط عليه على حذو ما ذكرنا في العين المستأجرة .
2- - بل الظاهر ثبوت المسمّى بالنسبة إلى المقدار المشترط أو المتعارف ، واُجرة مثل الزيادة ، نعم لو فرض إيقاع الإجارة على حمل مقدار معيّن بشرط لا عن غيره ، فيصير حكمه حكم المتباينين على ما يأتي .
3- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم .

المالك(1) من ذلك أو كونه معها ، وكان المتعارف سوقه هو ، ولو تعدّى عن المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها ، أمّا في صورة الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدّي إشكال ، بل الأقوى العدم ؛ لأ نّه مأذون فيه(2) .

(مسألة 15) : إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن ، إلاّ مع التقصير في الحفظ ولو لغلبة النوم عليه ، أو مع اشتراط الضمان ، وهل يستحقّ الاُجرة مع السرقة؟ الظاهر لا ؛ لعدم حصول العمل المستأجر عليه ، إلاّ أن يكون متعلّق الإجارة الجلوس عنده وكان الغرض هو الحفظ ، لا أن يكون هو المستأجر عليه .

(مسألة 16) : صاحب الحمّام لا يضمن الثياب إلاّ إذا اُودع وفرّط أو تعدّى ، وحينئذٍ يشكل صحّة اشتراط الضمان أيضاً ؛ لأ نّه أمين محض ، فإنّه إنّما أخذ الاُجرة على الحمّام ولم يأخذ على الثياب ، نعم لو استؤجر مع ذلك للحفظ أيضاً ضمن مع التعدّي أو التفريط ، ومع اشتراط الضمان أيضاً ؛ لأ نّه حينئذٍ يأخذ الاُجرة على الثياب أيضاً ، فلا يكون أميناً محضاً .

فصل : فيما يكفي في صحّة الإجارة

فصل

يكفي في صحّة الإجارة كون المؤجر مالكاً للمنفعة ، أو وكيلاً عن المالك لها ، أو وليّاً عليه ؛ وإن كانت العين للغير ، كما إذا كانت مملوكة بالوصيّة أو بالصلح أو بالإجارة ، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره ، لكن في جواز

ص: 423


1- - في ضمن العقد ، وأمّا بعد العقد فلا تأثير في منعه من المتعارف .
2- - مجرّد التعارف لا يستلزم الإذن ليرفع الضمان ، نعم لو كان بحيث ينتزع منه الإذن لدى العقلاء صحّ ما ذكره .

تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال(1) ، فلو استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع مدّة معيّنة فآجرها في تلك المدّة أو في بعضها من آخر يجوز ، ولكن لا يسلّمها إليه ، بل يكون هو معها وإن ركبها ذلك الآخر أو حملها متاعه ، فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده ، فإن سلّمها بدون إذن المالك ضمن ، هذا إذا كانت الإجارة الاُولى مطلقة ، وأمّا إذا كانت مقيّدة كأن استأجر الدابّة لركوبه نفسه ، فلا يجوز إجارتها من آخر ، كما أ نّه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضاً ؛ أي لا يجوز إجارتها من الغير ، نعم لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضاً إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير ، ثمّ لو خالف وآجر في هذه الصور ففي الصورة الاُولى- وهي ما إذا استأجر الدابّة لركوبه نفسه - بطلت ؛ لعدم كونه مالكاً إلاّ ركوبه نفسه ، فيكون المستأجر الثاني ضامناً لاُجرة المثل للمالك إن استوفى المنفعة ، وفي الصورة الثانية والثالثة في بطلان الإجارة وعدمه وجهان(2) مبنيّان على أنّ التصرّف المخالف للشرط باطل لكونه مفوّتاً لحقّ الشرط أو لا ، بل حرام وموجب للخيار ، وكذا في الصورة الرابعة إذا لم يستوف هو بل سلّمها إلى ذلك الغير .

(مسألة 1) : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقلّ ممّا استأجر ، وبالمساوي له مطلقاً - أيّ شيء كانت - بل بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً ، أو كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة ، بل مع عدم الشرطين أيضاً فيما عدا البيت والدار والدكّان والأجير ،

ص: 424


1- - وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .
2- - أوجههما الثاني ، وأولى بذلك الصورة الرابعة .

وأمّا فيها فإشكال(1) ، فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر ، بل الأحوط(2) إلحاق الرحى والسفينة بها أيضاً في ذلك ، والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة ؛ وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً ، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلاّ مع إحداث حدث فيها ، هذا . وكذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الاُجرة ، كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة ، فإنّه لا يجوز بدون إحداث(3) حدث ، وأمّا لو آجر بأقلّ من العشرة فلا إشكال ، والأقوى الجواز بالعشرة أيضاً ، وإن كان الأحوط تركه .

(مسألة 2) : إذا تقبّل عملاً من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبيّ ، ولكن الأحوط عدم تسليم متعلّق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره من دون إذن المالك ، وإلاّ ضمن ، وجواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع ، كما مرّ نظيره(4) في العين المستأجرة ، فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوي الاُجرة التي قرّرها في إجارته أو أكثر ، وفي جواز استئجار الغير بأقلّ من الاُجرة إشكال(5) ، إلاّ أن يحدث حدثاً ، أو يأتي ببعض ، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقلّ منه ، إلاّ

ص: 425


1- - بل الأقوى عدم الجواز .
2- - وإن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة ، وكذا الخان .
3- - أو كون الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة .
4- - مرّ الكلام فيها ، وجواز دفع متعلّق العمل على المؤجر لذلك العمل أيضاً لا يخلو من وجه ، والأحوط عدم الدفع إلى غير المؤجر .
5- - الأقوى عدم الجواز .

أن يفصله أو يخيط شيئاً منه ولو قليلاً ، بل يكفي(1) أن يشتري الخيط أو الإبرة في جواز الأقلّ وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشر دراهم - مثلاً - في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل(2) استئجار غيره بتسعة مثلاً ، إلاّ أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلاً .

(مسألة 3) : إذا استؤجر لعمل في ذمّته لا بشرط المباشرة يجوز تبرّع الغير عنه ، وتفرغ ذمّته بذلك ، ويستحقّ الاُجرة المسمّاة ، نعم لو أتى بذلك العمل المعيّن غيره ، لا بقصد التبرّع عنه لا يستحقّ الاُجرة المسمّاة وتنفسخ الإجارة حينئذٍ لفوات المحلّ ، نظير ما مرّ سابقاً من الإجارة على قلع السنّ فزال ألمه ، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق .

(مسألة 4) : الأجير الخاصّ - وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة ، أو على وجه تكون منفعته الخاصّة كالخياطة - مثلاً - له ، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدّة معيّنة ، أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدّة أو كليهما على وجه الشرطية لا القيدية - لا يجوز له أن يعمل في تلك المدّة - لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع - عملاً ينافي حقّ المستأجر إلاّ مع إذنه ، ومثل تعيين المدّة تعيين أوّل زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ ، نعم لا بأس بغير المنافي ، كما إذا عمل البنّاء لنفسه أو لغيره في الليل فإنّه لا مانع منه إذا لم يكن موجباً لضعفه في النهار ، ومثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلّم في أثناء الخياطة ونحوها ، لانصراف المنافع عن مثلها ،

ص: 426


1- - محلّ إشكال ، بل منع .
2- - وإن كان الجواز لا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

هذا ولو خالف وأتى بعمل منافٍ لحقّ المستأجر ، فإن كانت الإجارة على الوجه الأوّل ؛ بأن يكون جميع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه في تمام المدّة أو بعضها ، فللمستأجر أن يفسخ ويسترجع تمام الاُجرة المسمّاة ، أو بعضها ، أو يبقيها ويطالب عوض الفائت(1) من المنفعة بعضاً أو كلاًّ وكذا إن عمل للغير تبرّعاً ، ولا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرّع له بالعوض ؛ سواء كان جاهلاً بالحال أو عالماً ؛ لأنّ المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير ، وإن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل ، إلاّ إذا فرض على وجه يتحقّق معه صدق الغرور ، وإلاّ فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجر ، وإن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك ، ويكون له الاُجرة المسمّاة في تلك الإجارة أو الجعالة ، كما أنّ له الفسخ والرجوع إلى الاُجرة المسمّاة وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذي فات ، فيتخيّر بين الاُمور الثلاثة ، وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني - وهو كون منفعته الخاصّة للمستأجر - فحاله كالوجه الأوّل ، إلاّ إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة ، ولم يكن من نوع العمل المستأجر عليه ، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للغير للكتابة ، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة فإنّه ليس للمستأجر إجازة ذلك ، لأنّ المفروض أ نّه مالك لمنفعة الخيّاطي ، فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة ، فيكون مخيّراً بين الأمرين ؛ من الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّاة ، والإبقاء ومطالبة عوض الفائت ، وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني ، إلاّ أ نّه لا فرق فيه في عدم صحّة الإجازة بين ما إذا

ص: 427


1- - أي اُجرة مثل العمل الذي عمله لنفسه أو لغيره ، كما في الفرع التالي ، وكذا في نظائره .

كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره ، إذ ليست منفعة الخياطة - مثلاً - مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها ، بل يملك عمل الخياطة في ذمّة المؤجر ، وإن كانت على الوجه الرابع - وهوكون اعتبار المباشرة أو المدّة المعيّنة على وجه الشرطية لا القيدية - ففيه وجهان(1) ؛ يمكن أن يقال بصحّة العمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى الإجازة وإن لم يكن جائزاً ؛ من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل ، غاية ما يكون أنّ للمستأجر خيار تخلّف الشرط ، ويمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة ، لأنّ الإجارة أو الجعالة منافية لحقّ الشرط ، فتكون باطلة بدون الإجازة .

(مسألة 5) : إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين المدّة ، أو من غير تعيين المدّة ولو مع اعتبار المباشرة ، جاز عمله للغير ولو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه ؛ لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله ، لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير ، لأنّ المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدّة ، ودعوى : أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل ، ممنوعة ، مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل .

(مسألة 6) : لو استأجر دابّة لحمل متاع معيّن شخصي أو كلّي على وجه التقييد ، فحملها(2) غير ذلك المتاع أو استعملها في الركوب لزمه الاُجرة

ص: 428


1- - بل وجوه ، أوجهها أوّل وجهي ما في المتن .
2- - في الوقت الذي استأجرها أو استعملها في الركوب كذلك .

المسمّاة ، واُجرة المثل(1) لحمل المتاع الآخر أو للركوب ، وكذا لو استأجر عبداً للخياطة فاستعمله في الكتابة ، بل وكذا لو استأجر حرّاً لعمل معيّن في زمان معيّن وحمله على غير ذلك العمل مع تعمّده وغفلة ذلك الحرّ واعتقاده أ نّه العمل المستأجر عليه ، ودعوى : أ نّه ليس للدابّة في زمان واحد منفعتان متضادّتان ، وكذا ليس للعبد في زمان واحد إلاّ إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة ، فكيف يستحقّ اُجرتين ؟ مدفوعة بأنّ المستأجر بتفويته على نفسه واستعماله في غير ما يستحقّ كأ نّه حصّل له منفعة اُخرى .

(مسألة 7) : لو آجر نفسه للخياطة - مثلاً - في زمان معيّن ، فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأ نّه غير العمل المستأجر عليه لم يستحقّ شيئاً ؛ أمّا الاُجرة المسمّاة فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة ، وأمّا اُجرة المثل للكتابة - مثلاً - فلعدم كونها مستأجراً عليها ، فيكون كالمتبرّع بها ، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها ، ولو كان مشتبهاً غير متعمّد ، خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال .

(مسألة 8) : لو آجر دابّته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر ، فاشتبه وحمّلها متاع عمرو ، لم يستحقّ الاُجرة على زيد ولا على عمرو .

(مسألة 9) : لو آجر دابّته من زيد - مثلاً - فشردت قبل التسليم إليه أو بعده(2)

ص: 429


1- - بل الأقرب أ نّه لم يلزمه إلاّ الاُجرة المسمّاة ، والتفاوت بين اُجرة المنفعة التي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان ، فلو استأجرها بخمسة فركبها وكانت اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة ، ومع عدم الزيادة لم تلزمه إلاّ الاُجرة المسمّاة ، وكذا الحال في نظائر المسألة .
2- - إذا لم يكن تقصير من المستأجر في حفظها المتعارف وكذا في العبد .

في أثناء المدّة بطلت الإجارة ، وكذا لو آجر عبده فأبق ، ولو غصبهما غاصب ، فإن كان قبل التسليم فكذلك ، وإن كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة ، ويحتمل التخيير(1) بين الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الاُولى وهو ما إذا كان الغصب قبل التسليم .

(مسألة 10) : إذا آجر سفينته لحمل الخلّ - مثلاً - من بلد إلى بلد ، فحملها المستأجر خمراً لم يستحقّ(2) المؤجر إلاّ الاُجرة المسمّاة ، ولا يستحقّ اُجرة المثل لحمل الخمر ؛ لأنّ أخذ الاُجرة عليه حرام ، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة ، لا يقال : فعلى هذا إذا غصب السفينة وحملها خمراً كان اللازم عدم استحقاق المالك اُجرة المثل ؛ لأنّ اُجرة حمل الخمر حرام ، لأ نّا نقول : إنّما يستحقّ المالك اُجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدّة ، وفي المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة ؛ لأ نّه أعطاه الاُجرة المسمّاة لحمل الخلّ بالفرض .

(مسألة 11) : لو استأجر دابّة معيّنة من زيد للركوب إلى مكان ، فاشتبه وركب دابّة اُخرى له ، لزمه(3) الاُجرة المسمّاة للاُولى واُجرة المثل للثانية ، كما إذا اشتبه فركب دابّة عمرو ، فإنّه يلزمه اُجرة المثل لدابّة عمرو ، والمسمّاة لدابّة زيد ؛ حيث فوّت منفعتها على نفسه .

ص: 430


1- - هذا هو الأقوى .
2- - بل يستحقّ مضافاً إلى الاُجرة المسمّاة التفاوت بينها وبين اُجرة المثل على فرض زيادتها على المسمّاة كما مرّ .
3- - مع كون الدابّة مسلّمة إليه ، أو تحت اختياره ، وكذا في الفرع التالي .

(مسألة 12) : لو آجر نفسه لصوم يوم معيّن عن زيد - مثلاً - ثمّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصحّ الإجارة الثانية ، ولو فسخ الاُولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها ، بل ولو أجازها ثانياً ، بل لا بدّ له من تجديد العقد ؛ لأنّ الإجازة كاشفة(1) ، ولا يمكن الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة ، فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك ، بل أشكل .

فصل : فيما يجوز إجارته

فصل

لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير(2) ، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة موجوداً حينئذٍ لا في الخارج ولا في الذمّة ، ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من غير الحنطة والشعير ، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض اُخرى أيضاً ؛ لمنع ذلك ، فإنّهما في نظر العرف واعتبارهم بمنزلة الموجود كنفس المنفعة ، وهذا المقدار كافٍ في الصحّة نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضمّ الضميمة ، فإنّها لا يجعل غير الموجود موجوداً ، مع أنّ البيع وقع على المجموع ، بل للأخبار الخاصّة . وأمّا إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمّة لكن بشرط الأداء منها ، ففي جوازه إشكال ، والأحوط العدم ؛ لما يظهر من بعض الأخبار ، وإن كان يمكن حمله على الصورة الاُولى . ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى جوازه ، نعم لا يبعد كراهته ، وأمّا إجارتها بغير الحنطة والشعير

ص: 431


1- - كونها كاشفة محلّ تأمّل وإشكال ، وإن كان البطلان كما ذكره لا يخلو من وجه .
2- - بل بما يحصل منها مطلقاً ؛ سواء كان بمقدار معيّن من حاصلها أو مع اشتراط أدائه منه .

من الحبوب فلا إشكال فيه(1) ، خصوصاً إذا كان في الذمّة مع اشتراط كونه منها أو لا .

(مسألة 1) : لا بأس بإجارة حصّة من أرض معيّنة مشاعة ، كما لا بأس بإجارة حصّة منها على وجه الكلّي في المعيّن مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر ، وأمّا إجارتها على وجه الكلّي في الذمّة فمحلّ إشكال ، بل قد يقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف ، ولذا لا يصحّ السلم فيها، وفيه: أ نّه يمكن وصفها على وجه يرتفع، فلا مانع منها إذا كان كذلك.

(مسألة 2) : يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجداً ؛ لأ نّه منفعة محلّلة ، وهل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث ، ودخول الجنب والحائض ونحو ذلك؟ قولان ، أقواهما العدم ، نعم إذا كان قصده عنوان المسجدية لا مجرّد الصلاة فيه وكانت المدّة طويلة - كمائة سنة أو أزيد - لا يبعد(2) ذلك ؛ لصدق المسجد عليه حينئذٍ .

(مسألة 3) : يجوز استئجار الدراهم والدنانير للزينة أو لحفظ الاعتبار أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين .

(مسألة 4) : يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه كربط الدابّة به أو نشر الثياب عليه .

(مسألة 5) : يجوز استئجار البستان لفائدة التنزّه ؛ لأ نّه منفعة محلّلة عقلائية .

ص: 432


1- - مرّ ما هو الأقوى .
2- - محلّ تأمّل، ومجرّد قصد المسجدية في ترتيب الآثار غير معلوم ولو كانت المدّة طويلة.

(مسألة 6) : يجوز الاستئجار لحيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء ، فلو استأجر من يحمل الماء له من الشطّ - مثلاً - ملك ذلك(1) الماء بمجرّد حيازة السقّاء ، فلو أتلفه متلف قبل الإيصال إلى المستأجر ضمن قيمته له ، وكذا في حيازة الحطب والحشيش، نعم لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه فيحتمل القول بكونه له(2) ، ويكون ضامناً للمستأجر عوض ما فوّته عليه من المنفعة ، خصوصاً إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر ، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له ، وذلك لاعتبار النيّة في التملّك بالحيازة والمفروض أ نّه لم يقصد كونه للمستأجر ، بل قصد نفسه ، ويحتمل القول بكونه للمستأجر ؛ لأنّ المفروض أنّ منفعته من طرف الحيازة له فيكون نيّة كونه لنفسه لغواً ، والمسألة مبنيّة(3) على أنّ الحيازة من الأسباب القهرية لتملّك الحائز ولو قصد الغير ، ولازمه عدم صحّة الاستئجار لها ، أو يعتبر فيها نيّة التملّك ودائرة مدارها ، ولازمه صحّة الإجارة ، وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجير الغير ، وأيضاً لازمه عدم حصول الملكية له إذا

ص: 433


1- - مع قصده الوفاء بعقد الإجارة ، وأمّا مع قصده لنفسه يصير المحوز له ، ومع عدم القصد لواحد منهما فالظاهر بقاؤه على إباحته ، ولا يبعد أن يكون المباشر حينئذٍ أولى بالحيازة فيكون الجمع بلا قصد موجباً لتعلّق حقّ الحيازة عليه . هذا إذا كان الجمع لغرض الحيازة مع عدم قصدها فعلاً ، وأمّا مع عدم هذا القصد كما إذا جمع لأغراض اُخر ، فالظاهر بقاؤه على الاشتراك والاستواء بين الناس .
2- - وهو الأقوى .
3- - بل مبنيّة على أنّ الحيازة فعل مباشري ، أو أعمّ منه ومن التسبيبي ، وعلى الثاني كما هو الأقوى ، هل التسبيب يحصل بمجرّد كون المنفعة الخاصّة للمستأجر أو لا بدّ فيه من عمل المؤجر للمستأجر وفاء لإجارته ؟ والثاني هو الأقوى .

قصد كونه للغير من دون أن يكون أجيراً له أو وكيلاً عنه ، وبقاؤه على الإباحة ، إلاّ إذا قصد بعد ذلك كونه له ، بناءً على عدم جريان التبرّع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات ، وإن كان لا يبعد(1) جريانه ، أو أ نّها من الأسباب القهرية لمن له تلك المنفعة ، فإن لم يكن أجيراً يكون له وإن قصد الغير فضولاً ، فيملك بمجرّد قصد الحيازة ، وإن كان أجيراً للغير يكون لذلك الغير قهراً ، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير ، والظاهر عدم كونها من الأسباب القهرية مطلقاً ، فالوجه الأوّل غير صحيح ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الأخيرين ولا بدّ من التأمّل.

(مسألة 7) : يجوز استئجار المرأة للإرضاع بل للرضاع بمعنى الانتفاع بلبنها ، وإن لم يكن منها فعل مدّة معيّنة ، ولا بدّ من مشاهدة الصبيّ الذي استؤجرت لإرضاعه ، لاختلاف الصبيان ، ويكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر ، وكذا لا بدّ من تعيين المرضعة شخصاً أو وصفاً على وجه يرتفع الغرر ، نعم لو استؤجرت على وجه يستحقّ منافعها أجمع - التي منها الرضاع - لا يعتبر حينئذٍ مشاهدة الصبيّ أو وصفه، وإن اختلفت الأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع لاختلافه من حيث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها لا بدّ من تعيينه أيضاً .

(مسألة 8) : إذا كانت المرأة المستأجرة مزوّجة ، لا يعتبر في صحّة استئجارها إذنه ما لم يناف ذلك لحقّ استمتاعه ؛ لأنّ اللبن ليس له ، فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه ، ولذا يجوز لها أخذ الاُجرة من الزوج على إرضاعها لولده ؛ سواء كان منها أو من غيرها ، نعم لو نافى ذلك حقّه لم يجز إلاّ بإذنه ، ولو كان غائباً فآجرت

ص: 434


1- - محلّ إشكال بل منع .

نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدّة وكان على وجه ينافي حقّه ، انفسخت(1) الإجارة بالنسبة إلى بقيّة المدّة .

(مسألة 9) : لو كانت الامرأة خليّة فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره من الأعمال ، ثمّ تزوّجت قدّم حقّ المستأجر على حقّ الزوج في صورة المعارضة ، حتّى أ نّه إذا كان وطؤه لها مضرّاً بالولد منع منه .

(مسألة 10) : يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع إجارة أو تبرّعاً ، قنّة كانت أو مدبّرة أو اُمّ ولد ، وأمّا المكاتبة المطلقة فلا يجوز له إجبارها ، بل وكذا المشروطة كما لا يجوز في المبعّضة، ولا فرق بين كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أو لا ؛ لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.

(مسألة 11) : لا فرق في المرتضع بين أن يكون معيّناً أو كلّياً ، ولا في المستأجرة بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمّتها ، فلو مات الصبيّ في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الإجارة ، بخلاف ما لو كان الولد كلّياً أو جعل في ذمّتها ، فإنّه لا تبطل بموته أو موتها إلاّ مع تعذّر الغير من صبيّ أو مرضعة .

(مسألة 12) : يجوز استئجار الشاة للبنها والأشجار للانتفاع بأثمارها ، والآبار للاستقاء ونحو ذلك ، ولا يضرّ كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان ؛ لأنّ المناط في المنفعة هو العرف وعندهم يعدّ اللبن منفعة للشاة ، والثمر منفعة للشجر ، وهكذا ، ولذا قلنا بصحّة استئجار المرأة للرضاع وإن لم يكن منها فعل ؛ بأن انتفع بلبنها

ص: 435


1- - مع عدم الإجازة .

في حال نومها أو بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في فم الولد من دون مباشرتها لذلك ، فما عن بعض العلماء من إشكال الإجارة في المذكورات لأنّ الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان وهو خلاف وضع الإجارة ، لا وجه له .

(مسألة 13) : لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية كالصلوات الخمس ، والكفائية(1) كتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم ، وكتعليم القدر الواجب من اُصول الدين وفروعه ، والقدر الواجب من تعليم القرآن ك «الحمد» وسورة منه ، وكالقضاء والفتوى ونحو ذلك ، ولا يجوز الإجارة على الأذان(2) ، نعم لا بأس بارتزاق القاضي والمفتي والمؤذّن من بيت المال ، ويجوز الإجارة لتعليم الفقه والحديث والعلوم الأدبية وتعليم القرآن ما عدا المقدار الواجب ونحو ذلك .

(مسألة 14) : يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال السراج ونحو ذلك .

(مسألة 15) : يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدّة معيّنة عن السرقة والإتلاف ، واشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غير تقصير ، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال ، لكن لا بدّ من تعيين العمل والمدّة والاُجرة على شرائط الإجارة .

(مسألة 16) : لا يجوز استئجار اثنين(3) للصلاة عن ميّت واحد في وقت

ص: 436


1- - على الأحوط .
2- - مرّ الجواز في الإعلامي منه .
3- - في مورد كان الترتيب واجباً على الميّت ، وقد مرّ أنّ الأقوى وجوبه عليه مع العلم بكيفية الفوت .

واحد ؛ لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء بخلاف الصوم فإنّه لا يعتبر فيه الترتيب ، وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحجّ الواجب عن اثنين(1) ، ويجوز ذلك في الحجّ المندوب ، وكذا في الزيارات ، كما يجوز النيابة عن المتعدّد تبرّعاً في الحجّ(2) والزيارات ، ويجوز الإتيان بها لا بعنوان النيابة ، بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدّد .

(مسألة 17) : لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحيّ في الصلاة ولو في الصلوات المستحبّة(3) ، نعم يجوز ذلك في الزيارات والحجّ المندوب ، وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان النيابة ، بل من باب سببية الزيارة لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين ، ويحتمل(4) جواز قصد النيابة فيها لأ نّها تابعة للزيارة ، والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع .

(مسألة 18) : إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه ، لا يستحقّ عليه العوض وإن كان بتخيّل أ نّه مأجور عليه فبان خلافه .

(مسألة 19) : إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك ، فإن كان بقصد التبرّع لا يستحقّ عليه اُجرة ، وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة ، وإن قصد الاُجرة وكان ذلك العمل ممّا له اُجرة استحقّ وإن كان من قصد الآمر إتيانه تبرّعاً(5) ؛

ص: 437


1- - في عام واحد مباشرة .
2- - المندوب .
3- - على الأحوط ، والجواز فيها لا يخلو من وجه .
4- - وهو الأقرب .
5- - مع جهل المأمور بقصده ، وأمّا مع اطّلاعه عليه ولو بقيام قرينة فالظاهر عدم الاستحقاق .

سواء كان العامل ممّن شأنه أخذ الاُجرة ومعدّاً نفسه لذلك أو لا ، بل وكذلك إن لم يقصد التبرّع ولا أخذ الاُجرة ، فإنّ عمل المسلم محترم ، ولو تنازعا بعد ذلك في أ نّه قصد التبرّع أو لا قدّم قول العامل ؛ لأصالة عدم قصد التبرّع بعد كون عمل المسلم محترماً ، بل اقتضاء(1) احترام عمل المسلم ذلك وإن أغمضنا عن جريان أصالة عدم التبرّع ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العامل ممّن شأنه وشغله أخذ الاُجرة وغيره ، إلاّ أن يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد التبرّع أو على اشتراطه .

(مسألة 20) : كلّ ما يمكن الانتفاع به منفعة محلّلة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته ، وكذا كلّ عمل محلّل مقصود للعقلاء - عدا ما استثني - يجوز الإجارة عليه ، ولو كان تعلّق القصد والغرض به نادراً ، لكن في صورة تحقّق ذلك النادر(2) ، بل الأمر في باب المعاوضات الواقعة على الأعيان أيضاً كذلك ، فمثل حبّة الحنطة لا يجوز بيعها ، لكن إذا حصل مورد يكون متعلّقاً لغرض العقلاء ويبذلون المال في قبالها يجوز بيعها .

(مسألة 21) : في الاستئجار للحجّ المستحبّي أو الزيارة ، لا يشترط أن يكون الإتيان بها بقصد النيابة ، بل يجوز أن يستأجره لإتيانها بقصد إهداء الثواب إلى المستأجر أو إلى ميّته ، ويجوز أن يكون(3) لا بعنوان النيابة ولا إهداء الثواب ، بل يكون المقصود إيجادها في الخارج من حيث إنّها من الأعمال الراجحة ، فيأتي بها لنفسه أو لمن يريد نيابة أو إهداء .

ص: 438


1- - فيه منع .
2- - بحيث يصير في هذا الحال مرغوباً فيه لدى العقلاء ، كما هو المفروض .
3- - إذا كان له غرض عقلائي في تحقّق ذلك العمل الراجح .

(مسألة 22) : في كون ما يتوقّف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة والإبرة والخيط للخياطة - مثلاً - على المؤجر أو المستأجر قولان ، والأقوى وجوب التعيين إلاّ إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الإطلاق ، وإن كان القول بكونه مع عدم التعيين ، وعدم العادة على المستأجر لا يخلو عن وجه(1) أيضاً ؛ لأنّ اللازم على المؤجر ليس إلاّ العمل .

(مسألة 23) : يجوز الجمع بين الإجارة والبيع - مثلاً - بعقد واحد ، كأن يقول : بعتك داري وآجرتك حماري بكذا ، وحينئذٍ يوزّع العوض عليهما بالنسبة ويلحق كلاًّ منهما حكمه ، فلو قال : آجرتك هذه الدار وبعتك هذا الدينار بعشرة دنانير ، فلا بدّ من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع في المجلس ، وإذا كان في مقابل الدينار بعد ملاحظة النسبة أزيد من دينار أو أقلّ منه بطل بالنسبة إليه ؛ للزوم الربا ، ولو قال : آجرتك هذه الدار وصالحتك هذا الدينار بعشرة دنانير - مثلاً - فإن قلنا : بجريان حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس وحكم الربا في الصلح فالحال كالبيع ، وإلاّ فيصحّ بالنسبة إلى المصالحة أيضاً .

(مسألة 24) : يجوز استئجار من يقوم بكلّ ما يأمره من حوائجه(2) فيكون له جميع منافعه ، والأقوى أنّ نفقته على نفسه لا على المستأجر ، إلاّ مع الشرط أو الانصراف من جهة العادة ، وعلى الأوّل لا بدّ من تعيينها كمّاً وكيفاً ، إلاّ أن يكون

ص: 439


1- - ضعيف والأقوى كونه على المؤجر .
2- - إذا كان بهذا العنوان لا بدّ من رفع الغرر بوجه ، ومع ذلك لا يكون جميع المنافع له ، إلاّ أن يراد بذلك استئجاره بجميع منافعه ، فحينئذٍ يكون جميع المنافع له ويدفع به الغرر .

متعارفاً ، وعلى الثاني على ما هو المعتاد المتعارف ، ولو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرّع يستحقّ مطالبة عوضها على الأوّل ، بل وكذا على الثاني ؛ لأنّ الانصراف بمنزلة الشرط .

(مسألة 25) : يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الاُجرة وعدم إجراء صيغة الإجارة ، فيرجع إلى اُجرة المثل ، لكنّه مكروه ، ولا يكون حينئذٍ من الإجارة المعاطاتية ، كما قد يتخيّل ؛ لأ نّه يعتبر في المعاملة المعاطاتية اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة ، والمفروض عدم تعيين الاُجرة في المقام ، بل عدم قصد الإنشاء منهما ولا فعل من المستأجر ، بل يكون من باب العمل بالضمان ، نظير الإباحة بالضمان ، كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ونظير التمليك بالضمان كما في القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة ، فهذه الاُمور عناوين مستقلّة غير المعاوضة والدليل عليها السيرة بل الأخبار أيضاً ، وأمّا الكراهة فللأخبار أيضاً .

(مسألة 26) : لو استأجر أرضاً مدّة معيّنة فغرس فيها أو زرع ما لا يدرك في تلك المدّة ، فبعد انقضائها للمالك أن يأمره بقلعها، بل وكذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع ، وليس له الإبقاء ولو مع الاُجرة ، ولا مطالبة الأرش مع القلع ؛ لأنّ التقصير من قبله ، نعم لو استأجرها مدّة يبلغ الزرع ، فاتّفق التأخير لتغيّر الهواء أو غيره أمكن أن يقال(1) بوجوب الصبر على المالك مع الاُجرة ؛ للزوم الضرر ، إلاّ أن يكون موجباً لتضرّر المالك .

ص: 440


1- - لكنّه غير وجيه ، فلا يجب عليه الصبر على الأقوى .

فصل : في التنازع

(مسألة 1) : إذا تنازعا في أصل الإجارة قدّم قول منكرها(1) مع اليمين ، فإن كان هو المالك استحقّ اُجرة المثل دون ما يقوله المدّعي ، ولو زاد عنها لم يستحقّ تلك الزيادة وإن وجب على المدّعي المتصرّف إيصالها إليه ، وإن كان المنكر هو المتصرّف فكذلك لم يستحقّ المالك إلاّ اُجرة المثل ، ولكن لو زادت عمّا يدّعيه من المسمّى لم يستحقّ الزيادة ؛ لاعترافه بعدم استحقاقها ، ويجب على المتصرّف إيصالها إليه ، هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة ، وإن كان قبله رجع كلّ مال إلى صاحبه .

(مسألة 2) : لو اتّفقا على أ نّه أذن للمتصرّف في استيفاء المنفعة ولكن المالك يدّعي أ نّه على وجه الإجارة بكذا أو الإذن بالضمان ، والمتصرّف يدّعي أ نّه على وجه العارية ، ففي تقديم أيّهما وجهان(2) ، بل قولان ؛ من أصالة البراءة بعد فرض كون التصرّف جائزاً ، ومن أصالة احترام مال المسلم الذي لا يحلّ إلاّ بالإباحة والأصل عدمها ، فتثبت اُجرة المثل بعد التحالف ولا يبعد ترجيح الثاني ، وجواز التصرّف أعمّ من الإباحة .

(مسألة 3) : إذا تنازعا في قدر المستأجر قدّم قول مدّعي الأقلّ .

(مسألة 4) : إذا تنازعا في ردّ العين المستأجرة قدّم قول المالك .

ص: 441


1- - إطلاقه لا يخلو من إشكال ، وكذا في إطلاق توجّه اليمين إلى المنكر .
2- - الأقوى هو التحالف في مصبّ الدعويين ، وبعده يثبت اُجرة المثل تقديماً للأصل الحاكم على أصل البراءة .

(مسألة 5) : إذا ادّعى الصائغ أو الملاّح أو المكاري تلف المتاع من غير تعدّ ولا تفريط ، وأنكر المالك التلف ، أو ادّعى التفريط أو التعدّي ، قدّم قولهم مع اليمين على الأقوى .

(مسألة 6) : يكره(1) تضمين الأجير في مورد ضمانه ؛ من قيام البيّنة على إتلافه أو تفريطه في الحفظ أو تعدّيه أو نكوله عن اليمين أو نحو ذلك .

(مسألة 7) : إذا تنازعا في مقدار الاُجرة قدّم قول المستأجر .

(مسألة 8) : إذا تنازعا في أ نّه آجره بغلاً أو حماراً أو آجره هذا الحمار - مثلاً - أو ذاك فالمرجع التحالف ، وكذا لو اختلفا في الاُجرة أ نّها عشرة دراهم(2) أو دينار .

(مسألة 9) : إذا اختلفا في أ نّه شرط أحدهما على الآخر شرطاً أو لا ، فالقول قول منكره .

(مسألة 10) : إذا اختلفا في المدّة أ نّها شهر أو شهران مثلاً ، فالقول قول منكر الأزيد .

(مسألة 11) : إذا اختلفا في الصحّة والفساد ، قدّم قول من يدّعي الصحّة .

(مسألة 12) : إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر : استأجرتك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك البلد ، وتنازعا(3) ، قدّم قول المستأجر ،

ص: 442


1- - ثبوت الكراهة بهذا الإطلاق محلّ تأمّل ، نعم يستحبّ التفضّل عليه .
2- - لا يبعد تقديم قول المستأجر في خصوص المثال في بعض الأحيان ، نعم لو اختلفا في الاُجرة أ نّها من الحنطة أو الشعير فالمرجع التحالف .
3- - إن كان التنازع في أنّ الأجير يدّعي الاستئجار لهذا البلد والمستأجر يدّعي لبلد آخر - كما هو الظاهر - فالمرجع التحالف .

فلا يستحقّ المؤجر اُجرة حمله ، وإن طلب منه الردّ إلى المكان الأوّل وجب عليه ، وليس له ردّه إليه إذا لم يرض ، ويضمن له إن تلف أو عاب ؛ لعدم كونه أميناً حينئذٍ في ظاهر الشرع .

(مسألة 13) : إذا خاط ثوبه قباء ، وادّعى المستأجر أ نّه أمره بأن يخيطه قميصاً ، فالأقوى تقديم قول المستأجر ؛ لأصالة عدم الإذن في خياطته قباء ، وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك ، ولا يجوز له نقضه إذا كان الخيط للمستأجر ، وإن كان له كان له ويضمن النقص الحاصل من ذلك ، ولا يجب عليه قبول عوضه لو طلبه المستأجر ، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر . هذا ، ولو تنازعا في هذه المسألة والمسألة المتقدّمة قبل الحمل وقبل الخياطة فالمرجع التحالف(1) .

(مسألة 14) : كلّ من يقدّم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين للآخر .

خاتمة : فيها مسائل

الاُولى : خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها ، ولو شرط كونه على المستأجر صحّ على الأقوى ، ولا يضرّ(2) كونه مجهولاً من حيث القلّة والكثرة ؛ لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفاً ، ولإطلاق بعض الأخبار .

ص: 443


1- - التحالف بالنسبة إلى المسألة السابقة صحيح قبل الحمل وبعده ، وأمّا في هذه المسألة قبل الخياطة والتفصيل فالدعوى من الطرفين غير مسموعة ، فإنّ مجرّد الأمر لا يوجب شيئاً ، إلاّ أن يكون المراد في أصل المسألة اختلافهما في الاستئجار على خياطة القباء والقميص ، فحينئذٍ يكون المرجع التحالف مطلقاً كما في المسألة السابقة .
2- - فيه تأمّل .

الثانية : لا بأس بأخذ الاُجرة على قراءة تعزية سيّد الشهداء وسائر الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - ولكن لو أخذها على مقدّماتها من المشي إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى .

الثالثة : يجوز استئجار الصبيّ المميّز من وليّه الإجباري أو غيره - كالحاكم الشرعي - لقراءة القرآن والتعزية والزيارات ، بل الظاهر جوازه(1) لنيابة الصلاة عن الأموات ؛ بناءً على الأقوى من شرعية عباداته .

الرابعة : إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدّة اُصول الزرع فنبتت ، فإن لم يعرض المستأجر عنها كانت له ، وإن أعرض عنها وقصد صاحب الأرض تملّكها(2) كانت له ، ولو بادر آخر إلى تملّكها ملك وإن لم يجز له الدخول في الأرض إلاّ بإذن مالكها .

الخامسة : إذا استؤجر القصّاب لذبح الحيوان ، فذبحه على غير الوجه الشرعي ؛ بحيث صار حراماً ، ضمن قيمته ، بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح تبرّعاً ، وكذا في نظائر المسألة .

السادسة : إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه وأتى بها عن عمرو ، فإن كان من قصده النيابة عمّن وقع العقد عليه وتخيّل أ نّه عمرو ، فالظاهر الصحّة عن زيد واستحقاقه الاُجرة ، وإن كان ناوياً النيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمّة زيد ولم يستحقّ الاُجرة ، وتفرغ ذمّة عمرو إن كانت مشغولة ولا يستحقّ الاُجرة من تركته ؛ لأ نّه بمنزلة التبرّع ، وكذا الحال في كلّ عمل مفتقر إلى النيّة .

السابعة : يجوز أن يؤجر داره - مثلاً - إلى سنة باُجرة معيّنة ويوكّل المستأجر

ص: 444


1- - فيه إشكال .
2- - بالحيازة .

في تجديد الإجارة عند انقضاء المدّة ، وله عزله بعد ذلك ، وإن جدّد قبل أن يبلغه خبر العزل لزم عقده ، ويجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلاً عنه في التجديد بعد الانقضاء ، وفي هذه الصورة ليس له عزله .

الثامنة : لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط ردّ الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدّة الخيار للبائع ، ولا في مدّة الخيار من دون اشتراط الخيار(1) ، حتّى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة ، وذلك لأنّ اشتراط الخيار من البائع في قوّة إبقاء المبيع على حاله حتّى يمكنه الفسخ ، فلا يجوز تصرّف ينافي ذلك .

التاسعة : إذا استؤجر لخياطة ثوب معيّن لا بقيد المباشرة ، فخاطه شخص آخر تبرّعاً عنه استحقّ الاُجرة المسمّاة ، وإن خاطه تبرّعاً عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئاً وبطلت الإجارة ، وكذا إن لم يقصد التبرّع عن أحدهما ولا يستحقّ على المالك اُجرة ؛ لأ نّه لم يكن مأذوناً من قبله ، وإن كان قاصداً لها أو معتقداً أنّ المالك أمره بذلك .

العاشرة : إذا آجره ليوصل مكتوبه إلى بلد كذا إلى زيد - مثلاً - في مدّة معيّنة ، فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد ، فإن كان المستأجر عليه الإيصال وكان طيّ الطريق مقدّمة لم يستحقّ شيئاً ، وإن كان المستأجر عليه مجموع السير والإيصال استحقّ بالنسبة ، وكذا الحال في كلّ ما هو من هذا القبيل ، فالإجارة مثل الجعالة قد يكون على العمل المركّب من أجزاء وقد تكون على نتيجة ذلك العمل ، فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الاُولى يستحقّ الاُجرة بمقدار ما أتى به ، وفي الثانية لا يستحقّ شيئاً ، ومثل الصورة ما إذا

ص: 445


1- - قيد للجملتين .

جعلت الاُجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع ، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء من إتمامها .

الحادية عشر : إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ ، فإن فسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال ، وإن كان بعده استحقّ اُجرة المثل ، وإن كان في أثنائه استحقّ بمقدار ما أتى به من المسمّى أو المثل على الوجهين(1) المتقدّمين ، إلاّ إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع فلا يستحقّ شيئاً ، وإن كان العمل ممّا يجب إتمامه بعد الشروع فيه كما في الصلاة بناءً على حرمة قطعها ، والحجّ بناءً على وجوب إتمامه ، فهل هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل(2) هذا إذا كان الخيار فوريّاً ، كما في خيار الغبن(3) إن ظهر كونه مغبوناً في أثناء العمل وقلنا : إنّ الإتمام منافٍ للفورية ، وإلاّ فله أن لا يفسخ إلاّ بعد الإتمام ، وكذا الحال إذا كان الخيار للمستأجر ، إلاّ أ نّه إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع ، وكان في أثناء العمل يمكن أن يقال(4) : إنّ الأجير يستحقّ بمقدار ما عمل من اُجرة المثل ؛ لاحترام عمل المسلم ، خصوصاً إذا لم يكن الخيار من باب الشرط .

ص: 446


1- - مرّ التفصيل فيه ، وأنّ الأقوى رجوع تمام المسمّى وللمؤجر اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى إن كان حقّ الفسخ بسبب متحقّق حال العقد ، وأمّا مع العروض في الأثناء فالأقوى التوزيع .
2- - الأقوى جريان التفصيل المتقدّم فيه أيضاً ، إلاّ أن يكون الاستئجار على مجموع العمل أو النتيجة ، فمع إعمال الخيار لا يستحقّ شيئاً .
3- - في المثال مناقشة .
4- - لكنّه غير وجيه .

الثانية عشر : كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابّة المستأجرة والعبد والأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر - إذا كانت معيّنة بحسب العادة أو عيّناها على وجه يرتفع الغرر - كذلك يجوز اشتراط كون نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعيّن الرافعين للغرر ، فما هو المتعارف من إجارة الدابّة للحجّ واشتراط كون تمام النفقة ومصارف الطريق ونحوهما على المؤجر لا مانع منه ؛ إذا عيّنوها على وجه رافع للغرر .

الثالثة عشر : إذا آجر داره أو دابّته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ، ثمّ آجرها من عمرو ، كانت الثانية فضولية موقوفة على إجازة زيد ، فإن أجاز صحّت له(1) ويملك هو الاُجرة ، فيطالبها من عمرو ، ولا يصحّ له إجازتها على أن تكون الاُجرة للمؤجر وإن فسخ الإجارة الاُولى بعدها ؛ لأ نّه لم يكن مالكاً للمنفعة حين العقد الثاني ، وملكيته لها حال الفسخ لا تنفع إلاّ إذا جدّد الصيغة ، وإلاّ فهو من قبيل من باع شيئاً ثمّ ملك ، ولو زادت مدّة الثانية عن الاُولى لا يبعد لزومهما على المؤجر في تلك الزيادة ، وأن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدّة الاُولى .

الرابعة عشر : إذا استأجر عيناً ثمّ تملّكها قبل انقضاء مدّة الإجارة بقيت الإجارة على حالها ، فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري إلاّ مسلوبة المنفعة في تلك المدّة ، فالمنفعة تكون له ، ولا تتّبع العين ، نعم للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالماً بالحال ، وكذا الحال إذا تملّك المنفعة بغير

ص: 447


1- - إذا كان مورد الإجارتين واحداً ولو في الجملة .

الإجارة(1) في مدّة ثمّ تملّك العين ، كما إذا تملّكها بالوصيّة أو بالصلح أو نحو ذلك فهي تابعة للعين ؛ إذا لم تكن مفروزة ، ومجرّد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري ، نعم لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصداً لذلك حين البيع .

الخامسة عشر : إذا استأجر أرضاً للزراعة - مثلاً - فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل ، ولا يوجب ذلك نقصاً في مال الإجارة ولا خياراً للمستأجر ، نعم لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثاً أو ربعاً أو نحو ذلك ، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عيناً شخصية ، فالظاهر الصحّة ، بل الظاهر صحّة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة ، ولا يضرّه التعليق ؛ لمنع كونه مضرّاً في الشروط ، نعم لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد بأن يكون ظهور النقص كاشفاً عن البراءة من الأوّل ، فالظاهر عدم صحّته ؛ لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد .

السادسة عشر : يجوز إجارة الأرض مدّة معلومة بتعميرها(2) وإعمال عمل فيها من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار ونحو ذلك ، وعليه يحمل قوله علیه السلام : «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أكثر فيعمّرها ويؤدّي ما خرج عليها» ونحوه غيره .

ص: 448


1- - في إطلاقه إشكال ، والظاهر اختلاف الموارد ولا يبعد التبعية إذا تملّكها بمثل الإرث من الأسباب التي ليس لبقائها اعتبار أو احتمال زوال ، وعدم التبعية في العقود التي لها اعتبار بقاء وأثر واحتمال فسخ وانفساخ ، وفي مثلها لا يؤثّر قصد التبعية في تبعيتها ، نعم له أن يضمّها إليها في العقد .
2- - مع التعيين على وجه يرتفع به الغرر .

السابعة عشر : لا بأس بأخذ الاُجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائية ، لأ نّها كسائر الصنائع واجبة(1) بالعوض لانتظام نظام معائش العباد ، بل يجوز وإن وجبت عيناً لعدم من يقوم بها غيره ، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر ، ويجوز أيضاً مقاطعته على المعالجة إلى مدّة أو مطلقاً(2) ، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء(3) أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً ، وما قيل من عدم جواز ذلك لأنّ البرء بيد اللّه فليس اختيارياً له وأنّ اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة ، فيه : أ نّه يكفي كون مقدّماته العادية اختيارية ، ولا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات ، كيف وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً .

الثامنة عشر : إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب(4) أن يقرأه مرتّباً بالشروع من «الفاتحة» والختم بسورة «الناس» ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضاً ، ولهذا إذا علم بعد الإتمام أ نّه قرأ الآية الكذائية غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط ، نعم لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته ، ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أ نّه قرأ بعض الآيات غلطاً من حيث الإعراب أو من حيث عدم أداء

ص: 449


1- - في الوجوب الشرعي في مثل المقامات إشكال بل منع .
2- - مشكل مع عدم تعيين المدّة .
3- - مع الوثوق بحصوله بحيث يدفع به الغرر ، وكذا في الشرط ، لكن الأحوط أن يكون القرار بنحو الجعالة .
4- - إلاّ إذا كان تعارف موجب للانصراف ، كما هو كذلك ظاهراً ، نعم لو اتّفق الغلط في بعض الآيات ، فالظاهر كفاية إعادته ولا يلزم إعادة ما بعده ، وكذا لو نسي وخالف الترتيب .

الحرف من مخرجه أو من حيث المادّة فلا يبعد كفايته(1) وعدم وجوب الإعادة ؛ لأنّ اللازم القراءة على المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلاّ من شذّ منهم ، نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة ، وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها ، وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضرّ في استحقاق الاُجرة إسقاط كلمة(2) أو حرف أو كتابتهما غلطاً .

التاسعة عشر : لا يجوز في الاستئجار للحجّ البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميّت إلى النجف وشخصاً آخر من النجف إلى مكّة ، أو إلى الميقات وشخصاً آخر منه إلى مكّة ؛ إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحجّ ، والمفروض أنّ مقصده النجف مثلاً ، وهكذا فما أتى به من السير ليس مقدّمة للحجّ ، وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحجّ ، ومعلوم أ نّه مشكل(3) ، بل اللازم(4) على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاُولى من الصلاة وشخص آخر للثانية ، وهكذا .

متمّم العشرين : إذا استؤجر للصلاة عن الميّت فصلّى ونقص من صلاته بعض الواجبات الغير الركنية سهواً ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد

ص: 450


1- - مع كونه غير معتدّ به .
2- - إذا وقعت بغير عمد ولم تكن زائدة على المتعارف ، ومع ذلك لو أمكن التصحيح فالأحوط ذلك مع عدم الحرج .
3- - إشكاله أهون من الأوّل .
4- - فيه ما لا يخفى .

يتّفق ، أمكن أن يقال : لا ينقص من اُجرته شيء ، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبّات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ينقص(1) من الاُجرة بمقداره ، إلاّ أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، ونظير ذلك إذا استؤجر للحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ؛ حيث إنّ ذمّة الميّت تبرأ بذلك ، فإن كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمّة استحقّ تمام الاُجرة ، وإلاّ فتوزّع ويستردّ ما يقابل بقيّة الأعمال .

ص: 451


1- - بل لا ينقص ، إلاّ إذا أوقع الإجارة على نحو يوزّع على أجزاء الصلاة ولم يكن الجزء المنسيّ قابلاً للتدارك .

كتاب المضاربة

اشارة

وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز ، والأوّل من الضرب ؛ لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار كون المالك سبباً له والعامل مباشراً ، والثاني من القرض ؛ بمعنى القطع ، لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتّجر به ، وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل ، وكيف كان عبارة عن دفع(1) الإنسان مالاً إلى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك ولا أن يكون تمامه للعامل ، وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة ، وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة ، وتارة لا يشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك فهو داخل في عنوان البضاعة ،

ص: 452


1- - بل عبارة عن عقد واقع بين شخصين على أن يكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل ، والربح الحاصل بينهما .

وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله إلاّ أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع ، ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرّع أيضاً له أن يطالب الاُجرة ، إلاّ أن يكون الظاهر منهما(1) في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم ما لم يقصد التبرّع ، ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً ، والإيجاب القولي كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى ، فيقول : قبلت ، ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر(2) لفلس أو جنون اُمور :

الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ، ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض ، نعم لو وكّله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه ؛ بأن يكون موجباً قابلاً صحّ ، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصحّ جعله قراضاً ، إلاّ أن يوكّله في تعيينه ، ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين .

الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ؛ بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصحّ بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع ، نعم تأمّل فيه بعضهم وهو في محلّه لشمول

ص: 453


1- - حتّى يأخذ المالك به في مقام الترافع أو تكليفه الظاهري ، والاستحقاق الواقعي تابع لواقعيته .
2- - في ربّ المال لفلس ، وفيهما لسفه .

العمومات ، إلاّ أن يتحقّق الإجماع وليس ببعيد(1) ، فلا يترك الاحتياط ، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميات والقمري ونحوها ، نعم لو كان مغشوشاً يجب كسره - بأن كان قلباً - لم يصحّ وإن كان له قيمة فهو مثل الفلوس ، ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً ، لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه .

الثالث : أن يكون معلوماً قدراً ووصفاً ، ولا يكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر .

الرابع : أن يكون معيّناً ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت ، لم ينعقد ، إلاّ أن يعيّن ثمّ يوقعان العقد عليه ، نعم لا فرق بين أن يكون مشاعاً أو مفروزاً بعد العلم بمقداره ووصفه ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصّتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصّته من

ص: 454


1- - لم يثبت الإجماع في المسألة ؛ لعدم تعرّض كثير من القدماء لها ، ويظهر من «الخلاف» و«الغنية» أنّ المسألة ليست إجماعية ؛ لتمسّكهما بعدم الدليل على الصحّة دون الإجماع ، وإنّما ادّعيا الإجماع وعدم الخلاف في الصحّة مع الدرهم والدينار ، بل يظهر من العلاّمة أيضاً بعد نسبة القول بالبطلان إلى علمائنا : أنّ الدليل عليه كونها على خلاف القاعدة ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن ، وإنّما ادّعى الإجماع صاحب «جامع المقاصد» وتبعه بعض آخر بل حجّية الإجماع في مثل تلك المسألة التي ادّعى الأعاظم كون الصحّة فيها خلاف القواعد ممنوعة أو مشكلة ، ولو فرض صحّة الإجماع وثبوته فالقدر المتيقّن منه هو عدم الجواز في غير الأثمان - أي العروض - وأمّا في مثل الدينار العراقي والإسكناس من الأثمان غير الذهب والفضّة فغير ثابت ، فعليه فصحّتها بمثلها لا يخلو من قوّة ؛ للعمومات ، وكون المعاملة عقلائية وعدم غرريتها ، بل عدم ثبوت البطلان بمثل ذلك ، هذا مع أ نّه لا يبعد إطلاق بعض أدلّة الباب .

ثلث أو ربع ، وكذا لو كان للمالك مائة دينار - مثلاً - فقال : قارضتك بنصف هذا المال ، صحّ .

الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر أو البقيّة مشتركة بينهما لم يصحّ .

السادس : تعيين حصّة كلّ منهما ؛ من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق .

السابع : أن يكون الربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبيّ عنهما لم يصحّ ، إلاّ أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة ، نعم ذكروا : أ نّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ ، ولا بأس به خصوصاً على القول بأنّ العبد لا يملك ؛ لأ نّه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل ، إلاّ أ نّه لمّا كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتّى للأجنبيّ والقدر المتيقّن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحّة مطلقاً ، بل لا يبعد(1) القول به في الأجنبيّ أيضاً وإن لم يكن عاملاً ؛ لعموم الأدلّة .

الثامن : ذكر بعضهم أ نّه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصحّ ، لكن لا دليل عليه ، فلا مانع أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك كما عن «التذكرة» .

التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأمّا إذا كان بغيرها كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة - مثلاً - ويكون الربح بينهما يشكل صحّته ؛ إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة ، ولو فرض صحّة غيرها للعمومات - كما

ص: 455


1- - فيه تأمّل .

لا يبعد(1) - لا يكون داخلاً في عنوان المضاربة .

العاشر : أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتّى مع الاستعانة بالغير ، وإلاّ فلا يصحّ ؛ لاشتراط كون العامل قادراً(2) على العمل ، كما أنّ الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنّه إذا كان عاجزاً تكون باطلة ، وحينئذٍ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله مع جهله بالبطلان(3) ، ويكون ضامناً لتلف المال إلاّ مع علم المالك بالحال ، وهل يضمن حينئذٍ جميعه لعدم التميّز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد لأنّ العجز إنّما يكون بسببه فيختصّ به ، أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير ، ودعوى : أنّه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو

ص: 456


1- - فيه إشكال بل منع .
2- - يشترط قدرته على العمل ، فلو كان عاجزاً مطلقاً بطلت ، ومع العجز في بعضه لا يبعد الصحّة بالنسبة على إشكال ، نعم لو طرأ العجز في أثناء التجارة تبطل من حين طروئه في الجميع لو عجز مطلقاً ، وفي البعض لو عجز عنه على الأقوى ، وكذا الحال في الإجارة للعمل ، وعلى ما ذكرناه يعلم حال الربح ، وأمّا الضمان فعلى مقدار البطلان ؛ إن كلاًّ فكلّ وإن بعضاً فبعض مع تلف الكلّ وبالنسبة مع تلف البعض المشاع ، نعم لو أخذ بمقدار مقدوره أوّلاً وقلنا بصحّته بالنسبة فمع عدم الامتزاج يكون ضامناً بالنسبة إلى غير المقدور وما أخذ أوّلاً بعنوان المعاملة يتعيّن لمال المضاربة ، والباقي الزائد مقبوض بلا وجه ومضمون .
3- - مرّ في الإجارة تفصيل ذلك .

ترك الأوّل وأخذ الزيادة لا يكون عاجزاً ، كما ترى ؛ إذ الأوّل وقع صحيحاً ، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه ، والمفروض عدم المزج . هذا ، ولكن ذكر بعضهم : أنّ مع العجز المعاملة صحيحة ، فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك ولا وجه له ؛ لما ذكرنا ، مع أ نّه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان ، ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء وجب عليه ردّ الزائد(1) وإلاّ ضمن .

(مسألة 1) : لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ ، وإن كان في يده غصباً أو غيره ؛ ممّا يكون اليد فيه يد ضمان ، فالأقوى أ نّه يرتفع الضمان بذلك ، لانقلاب اليد حينئذٍ ، فينقلب الحكم ، ودعوى : أنّ الضمان مغيّاً بالتأدية ولم تحصل ، كما ترى ، ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان إلاّ إذا اشترى به شيئاً ودفعه إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ؛ لأ نّه قد قضى دينه بإذنه ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأنّ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أ نّها تبقى على الضمان ، والأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا .

(مسألة 2) : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها ؛ سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو بعده ، نضّ المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه ، نعم لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان كذا ، يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى ؛ لوجوب الوفاء بالشرط ، ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور ، بل العقد أيضاً ؛ لأ نّه منافٍ لمقتضى العقد ، وفيه منع ، بل هو منافٍ

ص: 457


1- - مع العجز عن البعض ، وردّ التمام مع العجز مطلقاً .

لإطلاقه(1) ، ودعوى : أنّ الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ، ممنوعة ، نعم يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط ، وإلاّ فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه ، وهذا إنّما يتمّ في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام ، فإنّه يوجب لزوم(2) ذلك العقد ، هذا . ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحّة الشرط ولزومه ، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد ؛ إذ لو كان منافياً لزم عدم صحّته في ضمن عقد آخر أيضاً ، ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة اُخرى سابقة صحّ ووجب الوفاء به ، إلاّ أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب ، كما أ نّه لو اشترط في مضاربة مضاربة اُخرى في مال آخر أو أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب ، ولا بدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن

ص: 458


1- - اشتراط عدم الفسخ - كما هو المفروض - غير منافٍ لإطلاقه أيضاً ؛ لعدم اقتضاء العقد ولا إطلاقه الفسخ وعدمه ، بل مقتضاه أو مقتضى إطلاقه جواز العقد مقابل اللزوم ، وشرط عدم الفسخ لا يقتضي اللزوم حتّى ينافي مقتضى العقد ، فشرط اللزوم باطل غير مبطل للعقد ، وشرط عدم الفسخ صحيح ، والظاهر أ نّه يجب العمل به ما دام العقد باقياً ، فإذا شرط في ضمن عقد المضاربة عدم الفسخ يجب العمل به ، لكن لو فسخ ينفسخ وإن عصى بمخالفة الشرط ، وإن شرط في ضمن عقد جائز آخر يجب العمل به ما دام ذلك العقد باقياً ، ومع فسخه يجوز فسخ المضاربة أيضاً بلا عصيان ، ولو شرط في ضمن عقد لازم عدم الفسخ يجب الوفاء به مطلقاً ، لكن لو فسخ المضاربة تنفسخ ؛ لعدم اقتضاء شرط عدم الفسخ لزومها بوجه ، فما في المتن من صيرورة العقد لازماً غير تامّ ؛ سواء كان في ضمنه أو ضمن عقد آخر لازم أو جائز .
2- - مرّ الإشكال فيه وفيما بعده .

العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلاّ فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب «الجواهر» ، بدعوى : أ نّها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأ نّها معه شبه الوعد ، والمراد من قوله تعالى : )أَوْفُوا بِالعُقُودِ( اللازمة منها ؛ لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق ، والمراد من قوله علیه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط ، لا اللزوم والجواز ؛ إذ لا يخفى ما فيه .

(مسألة 3) : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشتر به بستاناً - مثلاً - أو قطيعاً من الغنم ، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صحّ مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحّته مضاربة وجهان ؛ من أنّ الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصحّ ، ومن أنّ حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة ، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ؛ إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة ، لا مثل هذه الفوائد ، نعم لا بأس بضمّها إلى زيادة القيمة ، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحّته(1) للعمومات .

(مسألة 4) : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ، ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل(2) ؛ لأ نّه ليس

ص: 459


1- - الأقرب هو البطلان .
2- - بل الثاني ، نعم لو شرط أ نّه لو وقع نقصان على رأس المال وخسران على المالك جبر العامل نصفه - مثلاً - لا بأس به ولزم على العامل العمل به ؛ سواء شرط في ضمن عقد لازم أو جائز مع بقائه ، نعم له فسخه ورفع موضوعه ، بل لا يبعد الصحّة لو كان مرجع الشرط إلى انتقال الخسران إلى عهدته بعد حصوله في ملكه بنحو شرط النتيجة .

شرطاً منافياً لمقتضى العقد ، كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو منافٍ لإطلاقه ؛ إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط .

(مسألة 5) : إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقاً أو إلى البلد الفلاني أو إلاّ إلى البلد الفلاني ، أو لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد مثلاً ، أو إلاّ من زيد ، أو لا يشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معيّن ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلا يجوز له المخالفة ، وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاًّ ، وضمن الخسارة مع فرضها ، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرّر ؛ لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك ، ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها ؛ لاستفادة العموم من بعضها الآخر .

(مسألة 6) : لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره ، إلاّ مع إذن المالك عموماً - كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة - أو خصوصاً ، فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف ، إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة .

(مسألة 7) : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه من حيث البائع والمشتري، ونوع الجنس المشترى ، لكن لا يجوز له أن يسافر من دون إذن المالك، إلاّ إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق ، وإن خالف فسافر ، فعلى ما مرّ في المسألة المتقدّمة .

ص: 460

(مسألة 8) : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك ، إلاّ أن يكون متعارفاً ينصرف إليه الإطلاق ، ولو خالف في غير مورد الانصراف فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع المالك فهو ، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشترٍ آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذٍ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذٍ يرجع بمقدار الثمن .

(مسألة 9) : في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أ نّه لا يجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل وإلاّ بطل ، نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به .

(مسألة 10) : لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، وقيل بعدم جواز البيع إلاّ بالنقد المتعارف ، ولا وجه له ، إلاّ إذا كان جنساً لا رغبة للناس فيه غالباً .

(مسألة 11) : لا يجوز شراء المعيب إلاّ إذا اقتضت المصلحة ، ولو اتّفق فله الردّ أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة .

(مسألة 12) : المشهور - على ما قيل - : أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلا يجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى : يجب أن يكون الثمن شخصياً من مال المالك ، لا كلّياً في الذمّة ، والظاهر أ نّه يلحق به

ص: 461

الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأ نّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لا يصدق على الربح أ نّه ربح مال المضاربة ، ولا يخفى ما في هذه العلل ، والأقوى - كما هو المتعارف - جواز الشراء في الذمّة(1) والدفع من رأس المال . ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لبيعه ، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصياً لا كلّياً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده ، والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كلّياً ، وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء . ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة .

الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة ، وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا ، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك(2) يؤدّي من ماله الآخر .

ص: 462


1- - لكن لا بمعنى جواز إلزام المالك على تأديته من غير مال المضاربة في صورة تلفه ، وكذا الحال في المبيع الكلّي ؛ لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة ؛ لأ نّه من الاتّجار بالمال عرفاً ، نعم للعامل أن يتّجر بعين شخصية وإن كان غير متعارف ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال .
2- - مع إذنه في الشراء كذلك ، وكذا الحال في المبيع إذا أذن في البيع كذلك ، لكن مع تلف مال المضاربة لا يكون ذلك مال المضاربة .

الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه ، وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه ، وعلى هذا الشراء صحيح ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض(1) .

الرابع : كذلك ، لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء ، حتّى يكون الربح له فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً ؛ حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح ، ويحتمل القول ببطلان الشراء ؛ لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار : أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق ، ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً ، بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكلّياً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه ، والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني .

الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له(2) وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً ولو اختلف البائع والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره - وهو المالك المضارب -

ص: 463


1- - وعلى أيّ حال يكون الربح له ولا يرتبط بمال المضاربة .
2- - إذا لم يكن انصراف يصرفه إلى العمل للمضاربة .

يقدّم قول البائع ؛ لظاهر الحال(1) ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب .

(مسألة 13) : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه ، وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل ، وتولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه ؛ من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ونحو ذلك ممّا هو اللائق والمتعارف ، ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره مثل الدلاّل والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الاُجرة من الوسط ، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاُجرة من ماله ، ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز أخذ الاُجرة إن لم يقصد التبرّع ، وربما يقال بعدم الجواز ، وفيه : أ نّه منافٍ لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه .

(مسألة 14) : قد مرّ : أ نّه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك ، ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلاّ إذا اشترط المالك كونها على نفسه ، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل ، وربما يقال : له تفاوت ما بين السفر والحضر ، والأقوى ما ذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها ؛ من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ممّا يصدق عليه النفقة ، ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي

ص: 464


1- - ظهور الحال في ذلك على إطلاقه محلّ إشكال ، وحجّية هذا الظهور على فرضه محلّ تأمّل ،وتقديم قوله مع عدم الحجّية ممنوع ، نعم لو كان ظهور لفظه في أنّ الشراء لنفسه يؤخذ به ويقدّم قول من وافق قوله الظهور .

الحسن علیه السلام : «في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه» هذا ، وأمّا في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً ، إلاّ إذا اشترط على المالك ذلك .

(مسألة 15) : المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره واُجرة المسكن ونحو ذلك ، وأمّا جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه إلاّ إذا كانت التجارة موقوفة عليها(1) .

(مسألة 16) : اللازم الاقتصار على القدر اللائق ، فلو أسرف حسب عليه ، نعم لو قتّر على نفسه أو صار ضيفاً عند شخص لا يحسب له .

(مسألة 17) : المراد من السفر : العرفي لا الشرعي ، فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة ، كما أ نّه إذا أقام في بلد عشرة أيّام أو أزيد كان نفقته من رأس المال ؛ لأ نّه في السفر عرفاً ، نعم إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر - مثل التفرّج أو لتحصيل مال له أو لغيره ممّا ليس متعلّقاً بالتجارة - فنفقته في تلك المدّة على نفسه ، وإن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة ولأمر آخر ؛ بحيث يكون كلّ منهما علّة مستقلّة لو لا الآخر ، فإن كان الأمر الآخر عارضاً في البين فالظاهر(2) جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة ، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه : ثالثها : التوزيع(3) ، وهو الأحوط في الجملة ، وأحوط منه كون التمام على نفسه ، وإن كانت العلّة مجموعهما بحيث يكون كلّ واحد جزءاً من الداعي فالظاهر التوزيع .

ص: 465


1- - أو كانت مصلحة التجارة تقتضيها .
2- - الأحوط التوزيع ، بل لا يخلو من وجه .
3- - وهو الأوجه .

(مسألة 18) : استحقاق النفقة مختصّ بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر من غير إذن ، أو في غير الجهة المأذون فيه ، أو مع التعدّي عمّا أذن فيه ، ليس له أن يأخذ من مال التجارة .

(مسألة 19) : لو تعدّد أرباب المال كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة ، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين ؟ قولان(1) .

(مسألة 20) : لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلاً ، نعم لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح ويعطى المالك تمام رأس ماله ثمّ يقسّم بينهما .

(مسألة 21) : لو مرض في أثناء السفر ، فإن كان لم يمنعه من شغله ، فله أخذ النفقة ، وإن منعه ليس له(2) ، وعلى الأوّل لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض .

(مسألة 22) : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر ، فنفقة الرجوع على نفسه ، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنّها من مال المضاربة .

(مسألة 23) : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض(3) والبضاعة ، وأنّ في

ص: 466


1- - الأحوط رعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح إذا كان عاملاً لاثنين .
2- - على الأحوط فيهما .
3- - لكن الفرق بين القرض وبينهما في الماهية لا في مجرّد كون الربح للعامل ، بل كونه للعامل لأجل ذلك الفرق وهو التمليك بالضمان فيه .

الأوّل الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك ، فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة(1) ، إلاّ إذا علم أ نّه قصد الإبضاع فيصير بضاعة ، ولا يستحقّ(2) العامل اُجرة إلاّ مع الشرط أو القرائن الدالّة على عدم التبرّع ، ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ، لقاعدة احترام عمل المسلم ، وإذا قال : خذه قراضاً(3) وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة ، إلاّ إذا علم أ نّه أراد القرض ، ولو لم يذكر لفظ المضاربة بأن قال : خذه واتّجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة إلاّ مع العلم(4) بإرادة المضاربة ،

ص: 467


1- - لا يجتمع قصد المضاربة بمعناها الاصطلاحي والربح بتمامه للمالك ، فلا بدّ من كون المقصود من المضاربة الكذائية البضاعة لا المضاربة الاصطلاحية ، والبضاعة نوع من المضاربة وإن كانت قسيمة لها بمعناها الاصطلاحي ، نعم مع الإنشاء الصوري بلا جدّ يمكن الجمع ويكون فاسداً لغواً ، بل لا يصدق عليه مضاربة فاسدة أيضاً .
2- - بل يستحقّ إلاّ مع اشتراط عدمها أو تبرّع العامل . هذا بحسب الواقع ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فيحكم بالاستحقاق إلاّ إذا اُحرز الخلاف لاستصحاب عدم تبرّعه المنقّح لموضوع قاعدة الاحترام على إشكال فيه ، وأمّا نفس القاعدة فلا تكفي ، كما أنّ نفس الاستصحاب غير مفيدة ، والمسألة مشكلة ؛ للإشكال في مثل هذا الاستصحاب .
3- - مرّ عدم إمكان الجمع بين المضاربة والبضاعة ، فكذلك بل الأولى منه عدم إمكان الجمع بين القراض والقرض جدّاً ، إلاّ أن يريد القراض ويريد تمليكه الربح بعد ظهوره ، وهو مع اجتماع شرائط القراض حتّى تعيين الحصّة صحيح قراضاً ، وتمليك الحصّة قبل وجودها بلا أثر ، أو يريد القرض بلفظ القراض ويكون قوله : والربح لك ، قرينة عليه ، ففي وقوعه قرضاً صحيحاً وجه غير خال عن التأمّل .
4- - لا دخل للعلم والجهل في ذلك ، وكذا في الفرع الآتي ، إلاّ أن يكون المقصود في مقام الظاهر والترافع ، وهو تابع لظهور اللفظ ، وفي ظهور قوله : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، في القرض تأمّل ، نعم قوله : خذه واتّجر به والربح لي ، ظاهر في البضاعة .

فتكون فاسدة ، ولو قال : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد ، ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله إلاّ مع علمه بالفساد(1) .

(مسألة 24) : لو اختلف(2) العامل والمالك في أ نّها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظي ولا قرينة معيّنة ، فمقتضى القاعدة التحالف ، وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحّة وهو مشكل ؛ إذ مورد الحمل على الصحّة ما إذا علم أ نّهما أوقعا معاملة معيّنة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح ، وعلى الاُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أ نّهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلاً ، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً - مثلاً - لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة - مثلاً - لا مضاربة فاسدة .

(مسألة 25) : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والربح بيننا ، صحّ ، ولكلّ منهما النصف ، وإذا قال : ونصف الربح لك ، فكذلك ، بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإنّ الظاهر أنّ النصف الآخر للعامل ، ولكن فرّق بعضهم بين العبارتين وحكم بالصحّة في الاُولى ؛ لأ نّه صرّح فيها بكون النصف للعامل

ص: 468


1- - مجرّد العلم بالفساد لا يوجب عدم استحقاق اُجرة المثل ، كما مرّ في الإجارة تفصيله .
2- - الميزان في التحالف والحلف والإحلاف هو مصبّ الدعوى ، ففيما فرضه يكون مقتضى القاعدة هو التحالف ، وتختلف الآثار بحسب الموارد من كون العامل مدّعياً للقرض والمالك للمضاربة الفاسدة أو العكس ، وكذا في الفرض الثاني ، والتفصيل لا يسع المقام .

والنصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعية ، بخلاف العبارة الثانية ، فإنّ كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضاً على قاعدة التبعية ، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل ، وأنت خبير بأنّ المفهوم من العبارة عرفاً كون النصف الآخر للعامل .

(مسألة 26) : لا فرق بين أن يقول : خذ هذا المال قراضاً ولك نصف ربحه ، أو قال : خذه قراضاً ولك ربح نصفه ، في الصحّة والاشتراك في الربح بالمناصفة ، وربما يقال بالبطلان في الثاني بدعوى : أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلا يكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لا يعامل إلاّ في النصف . وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال .

(مسألة 27) : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل مع اتّحاد المال أو تميّز مال كلّ من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح ، صحّ وكانا فيه سواء ، ولو فضّل أحدهما على الآخر صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير ، وهذا لا بأس به ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ولا مانع منه . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ؛ بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف - مثلاً - متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف ؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف ، وفي حصّة الآخر بالثلث أو الربع مثلاً . وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال ؛ بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع

ص: 469

التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف ؛ بأن يكون في مال أحدهما بالنصف ، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع .

(مسألة 28) : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً ، واشترطا له نصف الربح ، وتفاضلا في النصف الآخر ؛ بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فإن كان من قصدهما(1) كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ؛ بأن يكون كأ نّه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ ممّا شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته - مثلاً - مع تساويهما في المال فهو صحيح ؛ لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل ، وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل ، بل على الشريك الآخر بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما بأن لا يكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ؛ لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة ؛ لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ولا يجوز ذلك في الشركة ، والأقوى(2) الصحّة ؛ لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها ، مع أ نّه يمكن أن يدّعى الفرق بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة .

ص: 470


1- - لا يكفي مجرّد القصد ، بل لا بدّ من إيقاع العقد بنحو يفيد ذلك .
2- - بل الأقوى البطلان هاهنا ، والصحّة في الشركة مع الشرط ، نعم لو أوقعا عقد الشركة واشترطا فيه ذلك ثمّ أوقعا المضاربة لا بأس به .

(مسألة 29) : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك ، أمّا الأوّل فلاختصاص الإذن به ، وأمّا الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا ؛ لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين(1) ، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز(2) ؛ لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه ، وهذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدّة حياته فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ؛ لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف ، وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلاً ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصيّة ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته ، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته ، فإنّه لا يجوز للوارث إجازتها ، لكن يمكن أن يقال : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد ، فكونه سيصير له كافٍ ، ومرجع إجازته حينئذٍ إلى إبقاء ما فعله المورّث لا قبوله ولا تنفيذه ، فإنّ الإجازة أقسام قد تكون قبولاً لما فعله الغير ، كما في إجازة بيع ماله فضولاً وقد تكون راجعاً إلى إسقاط الحقّ ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن ، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث ، وقد تكون إبقاء لما فعله المالك كما في المقام .

ص: 471


1- - مرّ الكلام فيه سابقاً .
2- - وهو الأقوى ، وما ذكره من الوجه للصحّة غير وجيه .

(مسألة 30) : لا يجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلاّ بإذن المالك ، نعم لا بأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات(1) على ما هو المتعارف ، وأمّا الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة فلا يجوز من دون إذن المالك ، ومعه لا مانع منه ، كما أ نّه لا يجوز له أن يضارب غيره إلاّ بإذن المالك .

(مسألة 31) : إذا أذن في مضاربة الغير فإمّا أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وإمّا بجعله عاملاً لنفسه ، أمّا الأوّل فلا مانع منه ، وتنفسخ مضاربة نفسه على الأقوى ، واحتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى ، ويكون الربح مشتركاً بين المالك والعامل الثاني ، وليس للأوّل شيء إلاّ إذا كان بعد أن عمل عملاً وحصل ربح فيستحقّ حصّته من ذلك ، وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية ، بل لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقلّ ممّا اشترط له في الاُولى - كأن يكون في الاُولى بالنصف وجعله ثلثاً في الثانية - لا يستحقّ تلك الزيادة ، بل ترجع إلى المالك ، وربما يحتمل جواز اشتراط شيء من الربح أو كون الزيادة له بدعوى : أنّ هذا المقدار وهو إيقاع عقد المضاربة ثمّ جعلها للغير نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصّة من الربح له ، وفيه : أ نّه وكالة لا مضاربة ، والثاني أيضاً لا مانع منه(2) وتكون الحصّة المجعولة له في المضاربة الاُولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني على حسب

ص: 472


1- - وفي إيقاع بعض المعاملات المتعارف إيكالها إلى الدلاّل .
2- - بجعل مضاربة جديدة مشتركة بعد فسخ الاُولى .

قرارهما ، وأمّا الثالث فلا يصحّ من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني ومعه يرجع إلى التشريك .

(مسألة 32) : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك ، كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدّمة ، فيلحق كلاًّ حكمه ، وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية ، وحينئذٍ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح فما قرّر للمالك في المضاربة الاُولى فله ، وأمّا ما قرّر للعامل فهل هو أيضاً له ، أو للعامل الأوّل ، أو مشترك بين العاملين ؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأوّل ؛ لأنّ المفروض بطلان المضاربة الثانية فلا يستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وأنّ العامل الأوّل لم يعمل حتّى يستحقّ ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله ، ويستحقّ العامل الثاني اُجرة عمله مع جهله بالبطلان(1) على العامل الأوّل ؛ لأ نّه مغرور من قبله ، وقيل : يستحقّ على المالك ، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل . هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك ، وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له وقصد العامل في عمله العامل الأوّل فيمكن أن يقال : إنّ الربح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في «الشرائع» ، وذلك بدعوى : أنّ المضاربة الاُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأوّل فيكون كأ نّه هو العامل فيستحقّ الربح ، وعليه اُجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً(2) بالبطلان ، وبطلان المعاملة لا يضرّ بالإذن الحاصل منه للعمل له ، لكن هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن المباشرة

ص: 473


1- - مرّ الكلام في أمثاله والتفصيل في باب الإجارة الفاسدة .
2- - مرّ الكلام فيه .

معتبرة في المضاربة الاُولى ، وأمّا مع اعتبارها فلا يتمّ(1) ويتعيّن كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية .

(مسألة 33) : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً - كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً ، أو يعطيه درهماً ، أو نحو ذلك ، أو بالعكس - فالظاهر صحّته ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعةً أو نحو ذلك ، ودعوى : أنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن من المالك إلاّ رأس المال ، ومن العامل إلاّ التجارة ، مدفوعة ؛ بأنّ ذلك من حيث متعلّق العقد ، فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه ، ويكفي في صحّته عموم أدلّة الشروط ، وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر ، قال : لأنّ العامل في القراض لا يعمل عملاً بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ؛ لأنّ قسط العامل يكون مجهولاً ، ثمّ قال : وإن قلنا : إنّ القراض صحيح والشرط جائز لكنّه لا يلزم الوفاء به ؛ لأنّ البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويّاً ، وحاصل كلامه في وجه بطلانهما أنّ الشرط المفروض منافٍ لمقتضى العقد فيكون باطلاً ، وببطلانه يبطل العقد ؛ لاستلزامه جهالة حصّة العامل من حيث إنّ للشرط قسطاً من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار ، وفيه منع كونه منافياً لمقتضى العقد فإنّ مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي

ص: 474


1- - إذا كان الاعتبار بنحو القيدية ، وأمّا إذا كان بنحو الاشتراط فمع تخلّفه أيضاً يمكن الإتمام ، وللمالك خيار التخلّف ، ويأتي في المسألة الآتية ثمر الخيار .

ليس عملاً في مال القراض ، هذا مع أنّ ما ذكره من لزوم جهالة حصّة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ؛ إذ ليس الشرط مقابلاً بالعوض في شيء من الموارد ، وإنّما يوجب زيادة العوض فلا ينقص من بطلانه شيء من الحصّة حتّى تصير مجهولة وأمّا ما ذكره في قوله : وإن قلنا . . . إلى آخره ، فلعلّ غرضه أ نّه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه فكأ نّه لم يشترط ، فلا يلزم الجهالة في الصحّة ، وفيه : أ نّه على فرض إيجابه للجهالة لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه ؛ حيث إنّه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله ، هذا وقد يقرّر في وجه بطلان الشرط المذكور : أنّ هذا الشرط لا أثر له أصلاً ؛ لأ نّه ليس بلازم الوفاء ، حيث إنّه في العقد الجائز ولا يلزم من تخلّفه أثر التسلّط على الفسخ ؛ حيث إنّه يجوز فسخه ، ولو مع عدم التخلّف ، وفيه أوّلاً : ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وإن كان له أن يفسخ حتّى يسقط وجوب العمل به ، وثانياً : لا نسلّم أنّ تخلّفه لا يؤثّر في التسلّط على الفسخ ؛ إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزاً إنّما يكون بالنسبة إلى الاستمرار ، بخلاف الفسخ الآتي من تخلّف الشرط فإنّه يوجب فسخ المعاملة من الأصل ، فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الربح فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه . فالعامل يستحقّ ذلك الربح بمقدار حصّته ، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الربح ، وقد تكون أقلّ فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلّف الشرط .

(مسألة 34) : يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره - من غير توقّف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلاً ولا كشفاً - على المشهور ، بل الظاهر

ص: 475

الإجماع عليه ؛ لأنّه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما ولأ نّه مملوك ، وليس للمالك ، فيكون للعامل ، وللصحيح : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» ؛ إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه . نعم ، عن الفخر عن والده أنّ في المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل ولعلّها من العامّة : أحدها : ما ذكرنا . الثاني : أ نّه يملك بالإنضاض ؛ لأ نّه قبله ليس موجوداً خارجياً ، بل هو مقدّر موهوم . الثالث : أ نّه يملك بالقسمة ؛ لأ نّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال . الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً لأ نّها توجب استقراره ، والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا ، ودعوى : أ نّه ليس موجوداً ، كما ترى ، وكون القيمة أمراً وهمياً ممنوع ، مع أ نّا نقول : إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجياً ، فإنّ الدين مملوك ، مع أ نّه ليس في الخارج ، ومن الغريب إصرار صاحب «الجواهر» على الإشكال في ملكيته بدعوى : أ نّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهمي لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الربح ، نعم لا بأس أن يقال : إنّه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أ نّه قال : بل لعلّ الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية ؛ إذ لا يخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح مع أ نّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور ، نعم إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكية العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيته من الأوّل ،

ص: 476

وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة وإن كانت موقوفة على رضا المالك ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .

(مسألة 35) : الربح وقاية لرأس المال ، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لا يحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة الكلّ كذلك ، ولا بالفسخ(1) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح ، نعم لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكية أم لا ؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل : أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم ما زاد عنه بينهما على حسب حصّتهما فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ، وتماميتها بما ذكرنا(2) من الفسخ والقسمة .

ص: 477


1- - لا يبعد الاستقرار بالفسخ فقط أو بتمام أمد المضاربة لو كان لها أمد ، والظاهر حصول الفسخ بقسمة الكلّ .
2- - بل لا يبعد أن يكون بما ذكرنا آنفاً .

(مسألة 36) : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها(1) لاحتمال الخسران بعد ذلك ، والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ؛ لأ نّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه ، وفيه : أنّ هذا لا يعدّ ضرراً ، فالأقوى أ نّه يجبر إذا طلب المالك ، وكيف كان إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ؛ لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ ، ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره ، وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ؛ حيث قال - على ما نقل عنه - : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ؛ نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع فيكون خمسة أسداسها من رأس المال ، وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ، وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا خسر ومن ثمانية وثلث ،

ص: 478


1- - فيه تأمّل وإشكال ، إلاّ أن يكون بناء المضاربة مع بقائها على عدم القسمة قبل الفسخ ولازمه عدم إجبار العامل أيضاً ، والتعليل الذي ذكره لعدم إجبارهما ليس بوجيه .

وفيه : مضافاً إلى أ نّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ، أنظار اُخر ، منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لا يتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك . ومنها : أ نّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة . ومنها : أنّ المفروض أ نّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أ نّه ربح ، لا بعنوان كونه منه ومن رأس المال ، ودعوى : أ نّه لا يتعيّن ؛ لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة ؛ بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .

(مسألة 37) : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ مع تحقّق الشرائط ؛ من معلومية المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع(1) ، بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .

(مسألة 38) : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ؛ سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها ، نعم قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا

ص: 479


1- - محلّ تأمّل ، ويحتمل صحّته ومالكية المشتري ملكية متزلزلة كمالكية البائع ، فينفسخ مع ظهور الخسران وعدم الجبران من مال آخر على إشكال .

اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيته ، وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من اللّه سماوية أو أرضية ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبيّ على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ، ولو كان لاحقاً مطلقاً ؛ سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبيّ ، ودعوى : أنّ مع الضمان كأ نّه لم يتلف ؛ لأ نّه في ذمّة الضامن ، كما ترى ، نعم لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر ، وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أ نّه موجب لانفساخ العقد ؛ إذ لا يبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لا يجبر ، نعم إذا أتلفه أجنبيّ(2) وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .

(مسألة 39) : العامل أمين فلا يضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو

ص: 480


1- - بقصد الأخذ بعد استرباح المبيع .
2- - وأمكن تضمينه والوصول منه ، وكذا مع إتلاف العامل أمكنه تأدية العوض .

ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماوية وإن بقيت المضاربة كما مرّ ، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً ، وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان(1) ، مقتضى الاستصحاب بقاؤه كما ذكروا في باب الوديعة : أ نّه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه ، ولكن لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان ، ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك ، وهل يضمن بنيّة الخيانة مع عدم فعلها ؟ وجهان(2) ؛ من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب ، ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك .

(مسألة 40) : لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ؛ لأ نّه ماله ، نعم إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصّة العامل منه مع معلومية قدرها ، ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنّه بمنزلة التلف ، ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك ، وأمّا العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح ، بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ؛ لأ نّه ماله ، نعم لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه ؛ حيث إنّ بعض الثمن

ص: 481


1- - أوجههما الضمان ، لأنّ ارتفاع سبب الضمان غير معلوم .
2- - أوجههما عدم الضمان ؛ لأنّ صيرورة اليد بمجرّد النيّة بمنزلة يد الغاصب غير معلوم ، وأمّا الفرق الذي في المتن فغير وجيه .

حينئذٍ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه ، ويمكن دفعه(1) بأنّ كونه ربحاً متأخّر عن صيرورته للبائع ، فيصير أوّلاً للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمّت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكية البائع متقدّمة طبعاً ، وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبيّ بأزيد من قيمته ، فإنّ المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل ، ولا بأس به فإنّه من الأوّل يصير ملكاً للمالك ، ثمّ يصير بمقدار حصّة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة ، لكن هذا على ما هو المشهور من أنّ مقتضى المعاوضة دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض وأ نّه لا يعقل غيره ، وأمّا على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوّض لشخص ، والعوض داخلاً في ملك غيره ، وأ نّه لا ينافي حقيقة المعاوضة ، فيمكن أن يقال : من الأوّل يدخل

ص: 482


1- - الإشكال والجواب كأ نّهما مبنيّان على أنّ اعتبار المضاربة هو كون الربح لمال المالك وبعد الاسترباح تنتقل حصّة منه من ملك مالك رأس المال إلى العامل بحسب اقتضاء المضاربة ، وأمّا إذا كان الاعتبار فيها هو كون المال للمالك والعمل للعامل وكأ نّهما شريكان في رأس المال والعمل والربح حاصل لهما باعتبارهما وبجلبهما فتكون حصّة من الربح منتقلة إلى صاحب المال وحصّة منه إلى صاحب العمل ابتداء فلا وقع للإشكال والجواب ولا يكون ذلك مخالفاً للقاعدة عند العقلاء ، نعم يبطل ذاك الشراء المفروض بالنسبة إلى حصّة العامل باعتبار كون العوض والمعوّض لشخص واحد ، فإذا اشترى ما تكون قيمته مائة بمائتين وكانت المضاربة على النصف تبطل بالنسبة إلى خمسين وبقي المال مائة وخمسين للمالك لرأس المال ، وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما يأتي من الماتن ، وفي دخول تلك الزيادة في مال المضاربة تأمّل ونظر .

الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة فلا يكون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظيراً له .

(مسألة 41) : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة ، ولا يجوز العكس ، مثلاً إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبيّ فاشترى العامل حصّة الأجنبيّ بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة ؛ لأنّ الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصّة بالشفعة منه ، وأمّا إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبيّ فاشترى العامل حصّة الأجنبيّ ليس للمالك الأخذ بالشفعة ؛ لأنّ الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له .

(مسألة 42) : لا إشكال في عدم جواز وط ء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك ؛ سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده ؛ لأنّها مال الغير أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك ، فإن فعل كان زانياً يحدّ مع عدم الشبهة كاملاً إن كان قبل حصول الربح ، وبقدر نصيب المالك إن كان بعده ، كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له(1) المالك بعد الشراء وكان قبل حصول الربح ، بل يجوز بعده على الأقوى من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وط ء الجارية المشتركة بينهما ، وهل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا ؟ المشهور على عدم الجواز ؛ لأنّ التحليل إمّا تمليك أو عقد ، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء ، والأقوى كما(2) عن الشيخ

ص: 483


1- - أي حلّلها له بشرائطه .
2- - محلّ إشكال لا يترك الاحتياط .

في «النهاية» الجواز ؛ لمنع كونه أحد الأمرين ، بل هو إباحة ، ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا قال : اشتر بمالي طعاماً ثمّ كل منه ، هذا مضافاً إلى خبر الكاهلي عن أبي الحسن علیه السلام قلت : رجل سألني أن أسأ لُك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري ما يرى من شيء ، وقال له : اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنّما هي لصاحب المال إن كان فيها وضيعة فعليه ، وإن كان ربح فله ، فللمضارب أن يطأها؟ قال علیه السلام : «نعم» ، ولا يضرّ ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك ؛ لأنّ الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه ، وأمّا وط ء المالك لتلك الجارية فلا بأس به قبل حصول الربح ، بل مع الشكّ فيه ؛ لأصالة عدمه ، وأمّا بعده فيتوقّف على إذن العامل(1) ، فيجوز معه على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه .

(مسألة 43) : لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها فلا إشكال في صحّته وبطلان نكاحها ، ولا ضمان عليه وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها ونفقتها ، وإلاّ ففي المسألة أقوال : البطلان مطلقاً ؛ للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها ، والصحّة كذلك ؛ لأ نّه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير زوجها ، والصحّة إذا أجازت بعد ذلك ، وهذا هو الأقوى ؛ إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللاحقة ، فلا وجه للقول الأوّل ، مع أنّ قائله غير معلوم ، ولعلّه من يقول بعدم صحّة الفضولي إلاّ فيما ورد دليل خاصّ ، مع أنّ الاستلزام المذكور

ص: 484


1- - أي تحليله .

ممنوع ؛ لأ نّها لا تستحقّ النفقة إلاّ تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوّته عليها وإلاّ لزم غرامتها على من قتل الزوج ، وأمّا المهر فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط ، وإن كان قبله فيمكن أن يدّعى عدم سقوطه أيضاً بمطلق المبطل ، وإنّما يسقط بالطلاق فقط(1) ، مع أنّ المهر(2) كان لسيّدها لا لها ، وكذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها ، لا من حيث استلزام الضرر المذكور ، بل لأ نّها تريد زوجها لأغراض اُخر ، والإذن الذي تضمّنه العقد منصرف عن مثل هذا ، وممّا ذكرنا ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك ، فإنّه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة ، ولا يكفيه الإذن الضمني في العقد ؛ للانصراف .

(مسألة 44) : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإمّا أن يكون بإذنه أو لا ، فعلى الأوّل ولم يكن فيه ربح صحّ وانعتق عليه وبطلت المضاربة بالنسبة إليه ؛ لأ نّه خلاف وضعها ، أو خارج عن عنوانها ؛ حيث إنّها مبنيّة على طلب الربح المفروض عدمه ، بل كونه خسارة محضة ، فيكون صحّة الشراء من حيث الإذن من المالك ، لا من حيث المضاربة ، وحينئذٍ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه ، وإلاّ بطلت من الأصل ، وللعامل اُجرة عمله إذا لم يقصد التبرّع ، وإن كان فيه ربح فلا إشكال في صحّته ، لكن في كونه قراضاً فيملك العامل بمقدار حصّته من العبد ، أو يستحقّ عوضه على المالك للسراية ، أو بطلانه مضاربة واستحقاق العامل اُجرة المثل لعمله ، كما إذا لم يكن ربح أقوال ، لا يبعد ترجيح

ص: 485


1- - فيه منع .
2- - هذا خلاف مفروض المسألة .

الأخير ، لا لكونه خلاف وضع المضاربة ؛ للفرق بينه وبين صورة عدم الربح ، بل لأ نّه فرع ملكية المالك المفروض عدمها ، ودعوى : أ نّه لا بدّ أن يقال : إنّه يملكه آناً ما ثمّ ينعتق أو بقدر ملكيته حفظاً لحقيقة البيع على القولين في تلك المسألة ، وأيّ منهما كان يكفي في ملكية الربح ، مدفوعة ؛ بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضاً متفرّع على ملكية المالك ، فإنّ لها أثرين في عرض واحد : ملكية العامل للربح والانعتاق ، ومقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني ، وعليه فلم يحصل للعامل ملكية نفس العبد ، ولم يفوّت المالك عليه أيضاً شيئاً ، بل فعل ما يمنع عن ملكيته ، مع أ نّه يمكن أن يقال : إنّ التفويت من الشارع لا منه ، لكن الإنصاف أنّ المسألة مشكلة بناءً على لزوم تقدّم ملكية المالك وصيرورته للعامل بعده ؛ إذ تقدّم الانعتاق على ملكية العامل عند المعارضة في محلّ المنع ، نعم لو قلنا : إنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكية المالك بالجعل الأوّلي حين العقد ، وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة ؛ لكون العوض من مال المالك والمعوّض مشتركاً بينه وبين العامل كما هو الأقوى(1) ، لا يبقى إشكال ، فيمكن أن يقال بصحّته مضاربة ، وملكية العامل حصّته من نفس العبد على القول بعدم السراية ، وملكيته عوضها إن قلنا بها ، وعلى الثاني - أي إذا كان من غير إذن المالك - فإن أجاز فكما في صورة الإذن ، وإن لم يجز بطل الشراء ، ودعوى البطلان ولو مع الإجازة ؛ لأ نّه تصرّف منهيّ عنه ، كما ترى ؛ إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي ، بل لأمر خارج فلا مانع من صحّتها مع الإجازة ، ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالماً بأ نّه ممّن ينعتق على المالك حين

ص: 486


1- - وقد مرّ في بعض الحواشي السابقة أنّ ذلك موافق لاعتبار المضاربة .

الشراء أو جاهلاً ، والقول بالصحّة مع الجهل ؛ لأنّ بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلاً بالحال ، ضعيف ، والفرق بين المقامين واضح ، ثمّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة أو في الذمّة بقصد الأداء منه وإن لم يذكره لفظاً ، نعم لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدّم قول البائع(1) ، ويلزم العامل به ظاهراً وإن وجب عليه التخلّص منه ، ولو لم يذكر المالك لفظاً ولا قصداً(2) كان له ظاهراً وواقعاً .

(مسألة 45) : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه ؛ فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً صحّ الشراء وكان من مال القراض ، وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح فمقتضى القاعدة وإن كان بطلانه - لكونه خلاف وضع المضاربة فإنّها موضوعة - كما مرّ - للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أنّ المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته ، وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممّن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ، ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها للمالك مع يساره ، ويستسعي العبد فيه مع إعساره ؛ لصحيحة ابن أبي عمير عن محمّد بن قيس عن الصادق علیه السلام : في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال علیه السلام : «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» وهي مختصّة بصورة الجهل المنزّل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً ، واختصاصها بشراء الأب لا يضرّ بعد كون المناط كونه ممّن ينعتق عليه ، كما أنّ

ص: 487


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - ولو ارتكازاً وانصرافاً .

اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضرّ أيضاً ، بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق ، وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزّل على الثاني(1) ؛ جمعاً بين الأدلّة ، هذا ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية بمقتضى القاعدة ، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدّد فيه ، فيلحق به الربح الحاصل من غيره ؛ لعدم الفرق .

(مسألة 46) : قد عرفت أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، وأ نّه يجوز لكلّ منهما الفسخ إذا لم يشترط لزومها(2) في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن عقدها أيضاً . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك ، فلا بدّ من التكلّم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث وجوب الإنضاض عليه وعدمه ؛ إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه وكون الاُجرة عليه أو لا ، فنقول : إمّا أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إمّا أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدّماتها ، أو بعده قبل ظهور الربح ، أو بعده في الأثناء ، أو بعد تمام التجارة بعد إنضاض الجميع أو البعض ، أو قبله ؛ قبل القسمة أو بعدها(3) ، وبيان أحكامها في طيّ مسائل :

ص: 488


1- - محلّ تأمّل .
2- - شرط لزومها باطل على الأقوى وإن لم يكن مبطلاً ، وقد مرّ جواز شرط عدم الفسخ وحكمه .
3- - بعد قسمة البعض ، وأمّا بعد قسمة التمام فلا يبقى موضوع للفسخ .

الاُولى : إذا كان الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في مقدّماته ، فلا إشكال ، ولا شيء له ولا عليه ، وإن كان بعد تمام العمل والإنضاض فكذلك ؛ إذ مع حصول الربح يقتسمانه ، ومع عدمه لا شيء للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة ، إلاّ أن يشترط المالك كونها بينهما(1) على الأقوى من صحّة هذا الشرط ، أو يشترط العامل على المالك شيئاً(2) إن لم يحصل ربح ، وربما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت اُجرة المثل مع عدم الربح ، ولا وجه له أصلاً ؛ لأنّ بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشيء سوى الربح على فرض حصوله كما في الجعالة .

الثانية : إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح فلا اُجرة له لما مضى من عمله ، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام ، لا وجه له أصلاً ، وإن كان من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه قولان ؛ أقواهما العدم أيضاً بعد كونه هو المقدم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شيء إلاّ الربح ، ولا ينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار .

الثالثة : لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف جملة من رأس المال في نفقته ، فهل للمالك تضمينه مطلقاً ، أو إذا كان لا لعذر منه ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ لما ذكر من جواز المعاملة وجواز الفسخ في كلّ وقت ، فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه .

الرابعة : لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك ببيع ونحوه ، وإن احتمل تحقّق

ص: 489


1- - مرّ تفصيله .
2- - أي إعطاء شيء له .

الربح بهذا البيع ، بل وإن وجد زبون يمكن أن يزيد في الثمن فيحصل الربح ، نعم لو كان هناك زبون بانٍ على الشراء بأزيد من قيمته لا يبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه ؛ لأ نّه في قوّة وجود الربح فعلاً ، ولكنّه مشكل(1) مع ذلك ؛ لأنّ المناط كون الشيء في حدّ نفسه زائد القيمة ، والمفروض عدمه ، وهل يجب عليه البيع والإنضاض إذا طلبه المالك أو لا ؟ قولان ؛ أقواهما عدمه ، ودعوى : أنّ مقتضى قوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» وجوب ردّ المال إلى المالك كما كان ، كما ترى .

الخامسة : إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده وبالمال عروض ، فإن رضيا بالقسمة كذلك فلا إشكال ، وإن طلب العامل بيعها فالظاهر عدم وجوب إجابته وإن احتمل ربح فيه ، خصوصاً إذا كان هو الفاسخ ، وإن طلبه المالك ففي وجوب إجابته وعدمه وجوه ؛ ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقداً فلا يجب ، وبين عدمه فيجب ؛ لأنّ اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان عملاً بقوله علیه السلام : «على اليد . . .» والأقوى عدم الوجوب مطلقاً وإن كان استقرار ملكية العامل للربح موقوفاً(2) على الإنضاض ، ولعلّه يحصل الخسارة بالبيع ؛ إذ لا منافاة ، فنقول : لا يجب عليه الإنضاض بعد الفسخ ؛ لعدم الدليل عليه ، لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة - بل أو بعدها - يجب جبرها بالربح ، حتّى أ نّه لو أخذه يستردّ منه .

السادسة : لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها

ص: 490


1- - بل ممنوع ؛ سواء وجد زبون أو كان الشيء في حدّ نفسه قيّماً ، نعم له بيع حصّته لشركته مع المالك بعد ظهور الربح .
2- - مرّ الميزان في حصول استقرار ملكية العامل .

وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل(1) أو المالك .

السابعة : إذا مات المالك أو العامل قام وارثه(2) مقامه فيما مرّ من الأحكام .

الثامنة : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه ، نعم لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك ولو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الردّ إلى بلده ، لكنّه مع ذلك مشكل(3) ، وقوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت . . .» ، أيضاً لا يدلّ على أزيد من التخلية ، وإذا احتاج الردّ إليه إلى الاُجرة فالاُجرة على المالك ، كما في سائر الأموال ، نعم لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر وحصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الردّ والاُجرة ، وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه .

(مسألة 47) : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ؛ من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ، ثمّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع ، فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ، ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح ، يجبر ذلك الخسران بهذا الربح ، وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ، ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح ، ولا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً

ص: 491


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً في هذه الصورة .
2- - فيما له من الأموال والحقوق ، وأمّا فيما وجب عليه فلا .
3- - بل ممنوع ، وأمّا ما ذكره من الوجه فغير وجيه .

جابر للخسارة والتلف مطلقاً ما دام لم يتمّ(1) عمل المضاربة . ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء ، ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقيّة ، وتكون رأس المال ، وحينئذٍ فإذا فرضنا أ نّه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه(2) ، مثلاً إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ، ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة ، وبقيت ثمانون فرأس المال تسعون وإذا اتّجر بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلك العشرة ، ولا يبقى للعامل شيء ، وكذا إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقداراً من المال ؛ سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين ، ثمّ اتّجر العامل بالباقي أو ببعضه فحصل خسران أو تلف يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتّى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولا يختصّ الجبر بما عداه حتّى يكون مقدار حصّة العامل منه باقياً له ، مثلاً إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثمّ أخذ المالك عشرة ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة فخسر عشرة أو تلف منه عشرة يجب جبره بالربح السابق حتّى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شيء ، وعلى ما

ص: 492


1- - بل ما دام لم يستقرّ ملكية العامل ، وقد مرّ ملاك الاستقرار .
2- - الأوجه ما عليه الشيخ في محكيّ «مبسوطه» وتبعه المحقّقون ، وفصّل العلاّمة في «التذكرة» و«القواعد» في المسألتين ؛ لأنّ المضاربة بالنسبة إلى المأخوذ صارت باطلة والبقيّة رأس المال وليس خسران الجميع خسراناً للبقيّة ولا ربحه ربحها ، فلا بدّ من التكسير على التمام والحساب بالنسبة ، فراجع «القواعد» وشرحها .

ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقّق وتبعه غيره من أنّ الربح اللاحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة ؛ لبطلان المضاربة بالنسبة إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين ، بل أقلّ منه بمقدار حصّة خسارة العشرة المأخوذة وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلاّ واحد وتسع ، وهي تسعة وثمانون إلاّ تسع ، وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني أنّ مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق ، وأنّ حصّة العامل منه يبقى له ، ويجب على المالك ردّه إليه ، فاللازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً أ نّه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كلّ حصّته منه ثمّ حصل خسران أ نّه يستردّ من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ(1) قبل القسمة ، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض على العامل وأ نّه من تتمّات المضاربة .

(مسألة 48) : إذا كانت المضاربة فاسدة فإمّا أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما ، أو علم أحدهما دون الآخر ، فعلى التقادير : الربح بتمامه للمالك ؛ لإذنه في التجارات ، وإن كانت مضاربته باطلة ، نعم لو كان الإذن مقيّداً بالمضاربة توقّف ذلك على إجازته ، وإلاّ فالمعاملات الواقعة باطلة ، وعلى عدم التقيّد أو الإجازة يستحقّ العامل مع جهلهما لاُجرة عمله ، وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه لتبيّن عدم استحقاقه النفقة أو لا ؛ لأنّ المالك سلّطه

ص: 493


1- - مرّ الكلام فيه .

على الإنفاق مجّاناً ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، ولا يضمن التلف والنقص ، وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل ، فإنّه يستحقّ الاُجرة ، ولا يضمن التلف والنقص ، وإن كانا عالمين أو كان العامل عالماً دون المالك فلا اُجرة له(1) ؛ لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحّة المعاملة ، وربما يحتمل في صورة علمهما أ نّه يستحقّ حصّته من الربح من باب الجعالة ، وفيه : أنّ المفروض عدم قصدها ، كما أ نّه ربما يحتمل استحقاقه اُجرة المثل إذا اعتقد أ نّه يستحقّها مع الفساد ، وله وجه وإن كان الأقوى خلافه . هذا كلّه إذا حصل ربح ولو قليلاً ، وأمّا مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الاُجرة ولو مع الجهل مشكل ؛ لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح ، وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحقّ أقلّ الأمرين من مقدار الربح واُجرة المثل ، لكن الأقوى خلافه ؛ لأنّ رضاه بذلك كان مقيّداً بالمضاربة ، ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدّمة أولى .

(مسألة 49) : إذا ادّعى على أحد أ نّه أعطاه كذا مقداراً مضاربة ، وأنكره ، ولم يكن للمدّعي بيّنة فالقول قول المنكر مع اليمين .

(مسألة 50) : إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل قدّم قول العامل بيمينه مع عدم البيّنة ؛ من غير فرق بين كون المال

ص: 494


1- - استحقاقه للاُجرة في هذه الصورة أيضاً لا يخلو من وجه ؛ إذا حصل الربح بمقدار كان سهمه مساوياً لاُجرة المثل أو أزيد ، ومع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لا يبعد عدم استحقاق الاُجرة مع عدم الربح ، وعدم استحقاقه الزيادة عن مقدار سهمه مع النقصان ، ومع جهله به فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل لا يترك الاحتياط مطلقاً .

موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل ؛ لأصالة عدم إعطائه أزيد ممّا يقوله ، وأصالة براءة ذمّته إذا كان تالفاً بالأزيد . هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح ، كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أنّ الذي بيده هو مال المضاربة ؛ إذ حينئذٍ النزاع في قلّة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود ؛ إذ على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر ، فيكون نصيب العامل أزيد ، وعلى تقدير كثرته بالعكس ، ومقتضى الأصل(1) كون جميع هذا المال للمالك إلاّ بمقدار ما أقرّ به للعامل ، وعلى هذا أيضاً لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً بضمان العامل ؛ إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلاّ كذا مقدار منه فإذا تلف مع ضمانه لا بدّ أن يغرم المقدار الذي للمالك .

(مسألة 51) : لو ادّعى المالك على العامل أ نّه خان أو فرّط في الحفظ فتلف ، أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك ،

ص: 495


1- - هذا إن قلنا بأنّ الربح ينتقل ابتداء إلى المالك ثمّ يتلقّي المضارب منه ، وأمّا إن قلنا بأ نّه ينتقل إلى العامل حصّته ابتداء كما هو الأقرب فلا أصل لهذا الأصل ، ثمّ لو قلنا باعتبار يد العامل في مورد الشكّ يقدّم قوله بيمينه ولو مع سلامة الأصل ، لكن لو بنينا على عدم اعتباره كما هو الأوجه فلا بدّ من ملاحظة محطّ الدعوى ، فلو ادّعى العامل : أنّ مقدار رأس المال مائة مثلاً ، وادّعى المالك : أ نّه مائتان ، يكون من موارد التحالف ، وكذا لو ادّعى المالك : أنّ هذا المقدار رأس المال وذاك الربح ، وادّعى العامل خلافه ولو كان محطّ النزاع في مقدار رأس المال زيادةً ونقصاناً أو مقدار الربح كذلك يقدّم قول المنكر بيمينه . هذا مع بقاء المال ، وأمّا مع التلف مضموناً على العامل فمقتضى الأصل عدم ضمانه ، إلاّ في مورد علم خلافه ، وقد عرفت عدم أصل يثبت كون المال للمالك ، والتفصيل في هذه الموارد موكول إلى محلّه .

فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط ، وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي ، والمفروض أنّ مع عدم الشرط يكون مختاراً في الشراء وفي البيع من أيّ شخص أراد ، نعم لو فعل العامل ما لا يجوز له إلاّ بإذن من المالك - كما لو سافر أو باع بالنسيئة وادّعى الإذن من المالك - فالقول قول المالك في عدم الإذن. والحاصل : أنّ العامل لو ادّعى الإذن فيما لا يجوز إلاّ بالإذن قدّم فيه قول المالك المنكر، ولو ادّعى المالك المنع فيما يجوز إلاّ مع المنع قدّم قول العامل المنكر له.

(مسألة 52) : لو ادّعى العامل التلف وأنكر المالك ، قدّم قول العامل ؛ لأ نّه أمين ؛ سواء كان بأمر ظاهر أو خفيّ ، وكذا لو ادّعى الخسارة أو ادّعى عدم الربح أو ادّعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذوناً في البيع بالدين ، ولا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده ، نعم لو ادّعى بعد الفسخ التلف بعده ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته ، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أميناً وجهان ، ولو أقرّ بحصول الربح ثمّ بعد ذلك ادّعى التلف أو الخسارة وقال : إنّي اشتبهت(1) في حصوله ، لم يسمع منه ؛ لأ نّه رجوع عن إقراره الأوّل ولكن لو قال : ربحت . ثمّ تلف أو ثمّ حصلت الخسارة ، قبل منه .

(مسألة 53) : إذا اختلفا في مقدار حصّة العامل وأ نّه نصف الربح - مثلاً - أو ثلثه ، قدّم قول المالك .

ص: 496


1- - العبارة غير جيّدة ، والظاهر أنّ مراده أ نّه أقرّ أوّلاً بتحقّق الربح فعلاً ، ثمّ ادّعى الاشتباه ووجّه اشتباهه بأنّ الربح حصل أوّلاً ، لكن التلف أو الخسارة صار سبباً لعدم بقائه ، والظاهر قبول دعواه حينئذٍ ، نعم لو ادّعى أوّلاً بأنّ الربح حاصل ، ثمّ قال أنّ الربح غير حاصل وأ نّي اشتبهت ، لم يسمع منه .

(مسألة 54) : إذا ادّعى المالك : أ نّي ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك ، فأنكر أصل المضاربة ، أو أنكر تسليم المال إليه فأقام المالك بيّنة على ذلك فادّعى العامل تلفه ، لم يسمع منه(1) ، واُخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل ، نعم لو أجاب المالك بأ نّي لست مشغول الذمّة لك بشيء ، ثمّ بعد الإثبات ادّعى التلف قبل منه ؛ لعدم المنافاة بين الإنكار من الأوّل وبين دعوى التلف .

(مسألة 55) : إذا اختلفا في صحّة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها ، قدّم قول مدّعي الصحّة .

(مسألة 56) : إذا ادّعى أحدهما الفسخ في الأثناء ، وأنكر الآخر ، قدّم قول المنكر ، وكلّ من يقدّم قوله في المسائل المذكورة لا بدّ له من اليمين .

(مسألة 57) : إذا ادّعى العامل الردّ ، وأنكره المالك ، قدّم قول المالك .

(مسألة 58) : لو ادّعى العامل في جنس اشتراه : أ نّه اشتراه لنفسه ، وادّعى المالك : أ نّه اشتراه للمضاربة ، قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى : أ نّه اشتراه للمضاربة وادّعى المالك : أ نّه اشتراه لنفسه ؛ لأ نّه أعرف بنيّته ، ولأ نّه أمين(2)

ص: 497


1- - لا إشكال في عدم سماع قوله بيمينه كسماعه قبل الإنكار ، لكن هل يكلّف على إقامة البيّنة على التلف وتقبل بيّنته ، ومع عدمها يتوجّه الحلف على المالك ، أو يقضى عليه بالضمان وتردّ بيّنته على التلف من غير تفريط وتعدّ ، أو يحكم بالضمان بعد إقامة البيّنة على التلف ، وقبلها يطالب بالعين ويحبس حتّى يتبيّن الحال ، وجوه .
2- - ولأصالة عدم اشترائه للمضاربة ولها أثر ، وأمّا أصالة عدم اشترائه لنفسه لا تثبت شراءه للمضاربة، وبهذا يظهر الوجه في الفرع الآتي، لكن هذا الأصل لايخلو من إشكال بل منع، وأمّا كونه أعرف بنيّته لا يوجب تقديم قوله ظاهراً مع أنّه غير مطّرد في جميع الدعاوي؛ مثل أن يدّعي المالك إنشاء البيع له في ظاهر اللفظ وادّعى العامل إنشائه لنفسه.

فيقبل قوله ، والظاهر أنّ الأمر كذلك لو علم أ نّه أدّى الثمن من مال المضاربة ؛ بأن ادّعى : أ نّه اشتراه في الذمّة لنفسه ، ثمّ أدّى الثمن من مال المضاربة ولو كان عاصياً في ذلك .

(مسألة 59) : لو ادّعى المالك : أ نّه أعطاه المال مضاربة ، وادّعى القابض : أ نّه أعطاه قرضاً ، يتحالفان(1) ، فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين(2) من اُجرة المثل والحصّة من الربح إلاّ إذا كانت الاُجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها ؛ لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح .

(مسألة 60) : إذا حصل تلف أو خسران فادّعى المالك : أ نّه أقرضه ، وادّعى العامل : أ نّه ضاربه ، قدّم قول(3) المالك مع اليمين .

(مسألة 61) : لو ادّعى المالك الإبضاع ، والعامل المضاربة ، يتحالفان(4) ، ومع الحلف أو النكول منهما يستحقّ العامل أقلّ الأمرين من الاُجرة والحصّة من

ص: 498


1- - يحتمل التحالف بملاحظة محطّ الدعوى ، وتقديم قول المالك بملاحظة مرجعها ، والأقرب الأوّل .
2- - لا وجه لاُجرة المثل بعد اتّفاقهما على عدم استحقاقها ، ومرجع الاختلاف في الزائد من حصّته ، فمع التحالف يحتمل الإقراع ويحتمل التقسيم بينهما ، والأقرب الأوّل .
3- - في هذا المقام أيضاً يحتمل التحالف بلحاظ المحطّ ، وتقديم قول العامل بلحاظ المرجع ، ومحطّ الدعوى أولى باللحاظ .
4- - احتمال التحالف هاهنا ضعيف ؛ لعدم جريان أصالة عدم البضاعة ، والظاهر تقديم قول المالك بيمينه ، ولكن الظاهر استحقاق مقدار أقلّ الأمرين من الاُجرة والحصّة ؛ لكون هذا المقدار مورد توافقهما ، إلاّ أن يدّعي المالك مع ذلك تبرّعية العمل فهي دعوى اُخرى تفصل على الموازين ، بل الظاهر عدم التحالف في الفرع الآتي أيضاً ، بل يحلف العامل على نفي المضاربة فيحكم له باُجرة المثل .

الربح ، ولو لم يحصل ربح فادّعى المالك المضاربة لدفع الاُجرة ، وادّعى العامل الإبضاع ، استحقّ العامل بعد التحالف اُجرة المثل لعمله .

(مسألة 62) : إذا علم مقدار رأس المال ومقدار حصّة العامل واختلفا في مقدار الربح الحاصل ، فالقول قول العامل ، كما أ نّهما لو اختلفا في حصوله وعدمه كان القول قوله ، ولو علم مقدار المال الموجود فعلاً بيد العامل واختلفا في مقدار نصيب العامل منه ، فإن كان من جهة الاختلاف في الحصّة أ نّها نصف أو ثلث ، فالقول قول المالك قطعاً ، وإن كان من جهة الاختلاف في مقدار رأس المال فالقول قوله أيضاً ؛ لأنّ المفروض أنّ تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلاً وربحاً ، ومقتضى الأصل(1) كونه بتمامه للمالك ، إلاّ ما علم جعله للعامل ، وأصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقيّة ربحاً ، مع أنّها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا ، فيبقى كون الربح تابعاً للأصل إلاّ ما خرج .

مسائل :

الاُولى : إذا كان عنده مال المضاربة فمات ، فإن علم بعينه فلا إشكال ، وإلاّ فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين فكذلك ويكون المالك شريكاً(2) مع الورثة بالنسبة ، ويقدّم على الغرماء إن كان الميّت مديوناً ؛ لوجود

ص: 499


1- - مرّ الكلام في هذا الفرض وفي مقتضى الأصل .
2- - الحكم بالشركة إنّما هو فيما إذا علم امتزاج مال المضاربة مع ماله امتزاجاً يوجب الشركة على نحو ما يأتي في كتاب الشركة ، وأمّا إذا اشتبه المالان فلا يحكم بالشركة ، بل يعالج بما في نظائر المقام من اشتباه أموال الملاّك ، وهل هو بإيقاع الصلح بينهما أو التقسيم بحسب نسبة المالين أو إعمال القرعة ؟ وجوه ، أقواها الأخير .

عين ماله في التركة ، وإن علم بعدم وجوده في تركته ولا في يده ولم يعلم أ نّه تلف بتفريط أو بغيره أو ردّه على المالك ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكون جميع تركته للورثة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال(1) بمقتضى بعض الوجوه الآتية ، وأمّا إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت ولم يعلم أ نّه موجود في تركته الموجودة أو لا ؛ بأن كان مدفوناً في مكان غير معلوم ، أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك ، أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده بحيث لو كان حيّاً أمكنه الإيصال إلى المالك ، أو شكّ في بقائه في يده وعدمه أيضاً ، ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه ، وكلمات العلماء في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة ونحوهما مختلفة ، والأقوى الضمان(2) في الصورتين الاُوليين ؛ لعموم قوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» حيث إنّ الأظهر شموله للأمانات أيضاً ، ودعوى : خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها ، مدفوعة ؛ بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها ، كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف ، وأمّا صورة التفريط والإتلاف ودعوى الردّ في غير الوديعة ، ودعوى التلف والنكول عن الحلف ، فهي باقية تحت العموم ، ودعوى : أنّ الضمان في صورة التفريط والتعدّي من جهة الخروج عن

ص: 500


1- - لكنّه غير وجيه .
2- - بل الأقوى عدم الضمان ، والوجوه التي تمسّك بها غير وجيهة ؛ لكون المورد من الشبهة المصداقية ؛ لدليل اليد على فرض تسليم شموله للأمانات ، وهو في محلّ الإشكال مع إمكان إحراز حال اليد بالأصل وإخراجها عن تحت الدليل ؛ لكون يده مسبوقة بعدم كونها على وجه الضمان ، وأمّا التمسّك بردّ الأمانات وخبر السكوني فهو كما ترى ، كالتمسّك بسقوط اليد في صورة الاُولى للعلم الإجمالي .

كونها أمانة أو من جهة الدليل الخارجي ، كما ترى لا داعي إليها ، ويمكن أن يتمسّك بعموم ما دلّ على وجوب ردّ الأمانة ، بدعوى : أنّ الردّ أعمّ من ردّ العين وردّ البدل ، واختصاصه بالأوّل ممنوع ، ألا ترى أ نّه يفهم من قوله علیه السلام : «المغصوب مردود» وجوب عوضه عند تلفه ، هذا مضافاً إلى خبر السكوني عن علي علیه السلام : «أ نّه كان يقول : من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو اُسوة الغرماء» ، وأمّا الصورة الثالثة فالضمان فيها أيضاً لا يخلو عن قوّة(1) ؛ لأنّ الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت ، واشتغال ذمّته بالردّ عند المطالبة ، وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته ، ودعوى : أنّ الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمّته من العوض والمرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيته ، مدفوعة ؛ بأنّ الأصل الأوّل حاكم على الثاني ، هذا مع أ نّه يمكن الخدشة في قاعدة اليد بأ نّها مقتضية للملكية إذا كانت مختصّة ، وفي المقام كانت مشتركة والأصل بقاؤها على الاشتراك ، بل في بعض الصور يمكن أن يقال : إنّ يده يد المالك من حيث كونه عاملاً له ، كما إذا لم يكن له شيء أصلاً فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ولم يكن في يده سوى مال المضاربة ، فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك ، وإن احتمل أن يكون قد تلف جميع ما عنده من ذلك المال وأ نّه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده ، وفي بعض الصور يده مشتركة بينه وبين المالك ، كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار ، ومن ماله أيضاً مقدار . نعم ،

ص: 501


1- - الأقوى فيها أيضاً عدم الضمان ، فإنّ العلم ببقائه في يده بالنحو المتقدّم لم يكن مؤثّراً فكيف بالشكّ ، وأصالة بقاء يده عليه لا تثبت الضمان ولا كون المال في التركة .

في بعض الصور لا يعدّ يده مشتركة أيضاً ، فالتمسّك باليد بقول مطلق مشكل(1) . ثمّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هو إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرّطاً ، وإلاّ فلا إشكال في ضمانه .

الثانية : ذكروا(2) من شروط المضاربة : التنجيز ، وأ نّه لو علّقها على أمر متوقّع بطلت ، وكذا لو علّقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله ، نعم لو علّق التصرّف على أمر صحّ ، وإن كان متوقّع الحصول ، ولا دليل لهم على ذلك إلاّ دعوى الإجماع على أنّ أثر العقد لا بدّ أن يكون حاصلاً من حين صدوره ، وهو إن صحّ إنّما يتمّ في التعليق على المتوقّع ؛ حيث إنّ الأثر متأخّر ، وأمّا التعليق على ما هو حاصل فلا يستلزم التأخير ، بل في المتوقّع أيضاً إذا اُخذ على نحو الكشف - بأن يكون المعلّق عليه وجوده الاستقبالي - لا يكون الأثر متأخّراً ، نعم لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقّق الأثر حين العقد تمّ في صورة الجهل ، لكنّه غير معلوم ، ثمّ على فرض البطلان لا مانع من جواز التصرّف ونفوذه من جهة الإذن ، لكن يستحقّ حينئذٍ اُجرة المثل لعمله ، إلاّ أن يكون الإذن مقيّداً بالصحّة فلا يجوز التصرّف أيضاً .

الثالثة : قد مرّ اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك ، وأمّا العامل فلا يشترط فيه ذلك ؛ لعدم منافاته لحقّ الغرماء ، نعم بعد حصول الربح منع(3) من التصرّف إلاّ بالإذن من الغرماء ، بناءً على تعلّق الحجر بالمال الجديد .

ص: 502


1- - لا إشكال فيه في مثل المقام ، نعم في بعض الصور المفروضة يمكن القول بسقوطها .
2- - ما ذكروه هو الأحوط ، خصوصاً في مثل المضاربة .
3- - محلّ تأمّل ، نعم بعد تمام العمل لا إشكال في منعه منه على هذا المبنى .

الرابعة : تبطل المضاربة بعروض الموت - كما مرّ - أو الجنون أو الإغماء ، كما مرّ(1) في سائر العقود الجائزة ، وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقاً أو أدوارياً ، وكذا في الإغماء بين قصر مدّته وطولها ، فإن كان إجماعاً ، وإلاّ فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري والإغماء القصير المدّة ، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرّف حال حصولهما(2) ، وأمّا بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد ؛ سواء كانا في المالك أو العامل ، وكذا تبطل بعروض السفه لأحدهما أو الحجر للفلس في المالك أو العامل(3) أيضاً ، إذا كان بعد حصول الربح ، إلاّ مع إجازة الغرماء .

الخامسة : إذا ضارب المالك في مرض الموت صحّ ، وملك العامل الحصّة وإن كانت أزيد من اُجرة المثل على الأقوى من كون منجّزات المريض من الأصل ، بل وكذلك على القول(4) بأ نّها من الثلث ؛ لأ نّه ليس مفوّتاً لشيء على الوارث ؛ إذ الربح أمر معدوم وليس مالاً موجوداً للمالك وإنّما حصل بسعي العامل .

السادسة : إذا تبيّن(5) كون رأس المال لغير المضارب - سواء كان غاصباً أو جاهلاً بكونه ليس له - فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران(6) فلمالكه

ص: 503


1- - ليس ببالي مروره .
2- - لم يتّضح كيفية تصرّف المغمى عليه ، وفي وكالة «الجواهر» أنّ أقصى ما يقتضيه عروضهما للوكيل عدم تصرّفه حالهما .
3- - عروض الحجر على العامل لا يوجب بطلان المضاربة ، وقد مرّ بعض الكلام فيه .
4- - محلّ تأمّل على هذا القول .
5- - ليس للتبيّن دخالة في الأحكام المذكورة ، بل إذا كان رأس المال للغير يترتّب عليه الضمان وجواز الرجوع .
6- - في صورة الخسران له الإجازة للمعاملة الخاسرة وله الرجوع بماله .

الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على المضارب لم يرجع(1) على العامل ، وإن رجع على العامل رجع إذا كان جاهلاً على المضارب وإن كان جاهلاً أيضاً ؛ لأ نّه مغرور من قبله ، وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله ، وللعامل اُجرة المثل على المضارب مع جهله ، والظاهر(2) عدم استحقاقه الاُجرة عليه مع عدم حصول الربح؛ لأ نّه أقدم على عدم شيء له مع عدم حصوله، كما أ نّه لا يرجع عليه إذا كان عالماً بأنّه ليس له ؛ لكونه متبرّعاً بعمله حينئذٍ .

السابعة : يجوز اشتراط المضاربة(3) في ضمن عقد لازم، فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط ، ولكن لكلّ منهما فسخه بعده ، والظاهر أ نّه يجوز اشتراط عمل المضاربة(4) على العامل بأن يشترط عليه أن يتّجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما ، نظير شرط كونه وكيلاً في كذا في عقد لازم ، وحينئذٍ لا يجوز للمشروط عليه فسخها كما في الوكالة .

الثامنة : يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة ، كأن يقول : إذا اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه ، فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة ولا يلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين أو ديناً أو مجهولاً جهالة لا توجب الغرر ، وكذا(5) في المضاربة المشروطة في

ص: 504


1- - في صورة غروره ، وأمّا مع علمه فله الرجوع .
2- - مرّ الكلام فيه وفي الفرع التالي .
3- - أي اشتراط إيقاعها .
4- - لا بأس بهذا الشرط ، ويجب العمل على طبقه ، لكن صيرورة ذلك مضاربة يترتّب عليه أحكامها محلّ إشكال بل منع ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر فيها .
5- - مرّ الكلام فيه آنفاً .

ضمن عقد بنحو شرط النتيجة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين .

التاسعة : يجوز(1) للأب والجدّ الاتّجار بمال المولّى عليه بنحو المضاربة ؛ بإيقاع عقدها ، بل مع عدمه أيضاً ؛ بأن يكون بمجرّد الإذن منهما ، وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح مشتركاً بينه وبين العامل ، وكذا يجوز ذلك للوصيّ في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال .

العاشرة : يجوز(2) للأب والجدّ الإيصاء بالمضاربة بمال المولّى عليه ؛ بإيقاع الوصيّ عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين الحصّة من الربح أو إيكاله إليه ، وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصّة القصير من تركتهما بأحد الوجهين ، كما أ نّه يجوز ذلك لكلّ منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه ؛ بأن يتّجر الوصيّ به أو يدفعه إلى غيره مضاربة ويصرف حصّة الميّت في المصارف المعيّنة للثلث ، بل وكذا يجوز الإيصاء منهما بالنسبة إلى حصّة الكبار(3) أيضاً ، ولا يضرّ كونه ضرراً عليهم من حيث تعطيل مالهم إلى مدّة ؛ لأ نّه منجبر بكون

ص: 505


1- - مع عدم المفسدة ، بل لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة ، وكأنّ عبارة المسألة في المتن لا تخلو عن تشويش ، والظاهر أنّ المقصود أ نّه يجوز لهما إيقاع عقد المضاربة لنفسهما ، كما يجوز إيقاعه بمالهما مع الغير ، كما يجوز الإذن في الاتّجار بماله .
2- - مع الشرط السابق ، ومع الإيكال إلى الوصيّ يجب عليه مراعاة الغبطة والمصلحة ، وكذا الحال في الإيصاء بالمضاربة بحصّة القصير .
3- - لم يتّضح المراد منه ، فإنّ الظاهر بملاحظة عطفه على السابق أ نّه يجوز الإيصاء بالمضاربة بمالهم بإيقاع الوصيّ عقد المضاربة في مالهم ، وهذا لا وجه له ، نعم إيقاع العقد الفضولي لا بأس به ، لكنّه غير مراد ، وإن كان المراد إيقاع المضاربة بالإيصاء في مالهم فهو أشكل .

الاختيار لهم في فسخ المضاربة وإجازتها ، كما أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير ، فإنّ له أن يفسخ أو يجيز ، وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتّجار بمال القصير على نحو المضاربة ؛ بأن يكون هو الموصى به لا إيقاع عقد المضاربة ، لكن إلى زمان البلوغ أو أقلّ ، وأمّا إذا جعل المدّة أزيد فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد ، ودعوى : عدم صحّة هذا النحو من الإيصاء ؛ لأنّ الصغير لا مال له حينه وإنّما ينتقل إليه بعد الموت ولا دليل على صحّة الوصيّة العقدية في غير التمليك ، فلا يصحّ أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت ، مدفوعة ؛ بالمنع ، مع أ نّه الظاهر(1) من خبر خالد بن بكر الطويل في قضية ابن أبي ليلى وموثّق محمّد بن مسلم المذكورين في باب الوصيّة ، وأمّا بالنسبة إلى الكبار(2) من الورثة فلا يجوز بهذا النحو ؛ لوجوب العمل بالوصيّة وهو الاتّجار ، فيكون ضرراً عليهم من حيث تعطيل حقّهم من الإرث وإن كان لهم حصّتهم من الربح ، خصوصاً إذا جعل حصّتهم أقلّ من المتعارف .

الحادية عشر : إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير(3) ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر .

الثانية عشر : إذا كان رأس المال مشتركاً بين اثنين فضاربا واحداً ، ثمّ فسخ أحد الشريكين هل تبقى بالنسبة إلى حصّة الآخر أو تنفسخ من الأصل ؟

ص: 506


1- - وهذا هو العمدة .
2- - عدم الجواز في مالهم لعدم نفوذ وصيّته في مالهم ، وعدم دليل على النفوذ فيه لاختصاص الروايتين بمال الصغير .
3- - ولا تسامح للردّ إلى أربابه ، وكذا في الفرع التالي .

وجهان ؛ أقربهما(1) الانفساخ ، نعم لو كان مال كلّ منهما متميّزاً وكان العقد واحداً لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر .

الثالثة عشر : إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة مثلاً ، فإن تلف ضمن ، ولا يستحقّ المالك عليه غير أصل المال وإن كان آثماً في تعطيل مال الغير .

الرابعة عشر : إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابراً للخسران مطلقاً ، فكلّ ربح حصل يكون بينهما وإن حصل خسران بعده أو قبله ، أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابراً للخسران السابق أو بالعكس ، فالظاهر الصحّة(2) ، وربما يستشكل بأ نّه خلاف وضع المضاربة ، وهو كما ترى .

الخامسة عشر : لو خالف العامل المالك فيما عيّنه جهلاً أو نسياناً أو اشتباهاً ، كما لو قال : لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني مثلاً ، فاشتراه جهلاً ، فالشراء فضولي موقوف على إجازة المالك ، وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره ، فإنّه بمنزلة النهي عنه ولعلّ منه ما ذكرنا سابقاً من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك ، وكذا الحال إذا كان مخطئاً في طريقة التجارة ؛ بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت بحيث لو عرض على التجّار حكموا بخطائه .

السادسة عشر : إذا تعدّد العامل ، كأن ضارب اثنين بمائة - مثلاً - بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال كأن يقول : على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لا يميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم

ص: 507


1- - محلّ إشكال .
2- - محلّ تأمّل .

اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط(1) ؛ لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها ، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر(2) بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر منه عمل ؛ لأ نّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولا يعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة .

السابعة عشر : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة ، فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال فالدين في ذمّة المالك ، وللديّان إذا علم بالحال أو تبيّن له بعد ذلك الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك ، ودعوى : أ نّه مع العلم من الأوّل ليس له الرجوع على العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمّته ، مدفوعة ؛ بأنّ مقتضى المعاملة ذلك ، خصوصاً في المضاربة ، وسيّما إذا علم أ نّه عامل يشتري للغير ، ولكن لم يعرف ذلك الغير أ نّه من هو ومن أيّ بلد ، ولو لم يتبيّن للديّان أنّ الشراء للغير يتعيّن له

ص: 508


1- - صحّة هذا الشرط وكذا الشرط الآتي محلّ إشكال ، نعم لا يبعد صحّة شرط إعطاء ماله من الربح إلى صاحبه ، أو شرط جبران ما خسر من كيسه ، بل لا يبعد صحّة شرطهما على نحو النتيجة في الفرعين .
2- - لعدم مجيء وقت العمل ، لا لتعطيله مع كونه وقته وبعده ، فهو محلّ إشكال مطلقاً .

الرجوع على العامل في الظاهر ، ويرجع هو على المالك .

الثامنة عشر : يكره المضاربة مع الذمّي ، خصوصاً إذا كان هو العامل ؛ لقوله علیه السلام : «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودّة» وقوله علیه السلام : «إنّ أمير المؤمنين علیه السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» ويمكن(1) أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام .

التاسعة عشر : الظاهر صحّة المضاربة على مائة دينار - مثلاً - كلّياً ، فلا يشترط كون مال المضاربة عيناً شخصية ، فيجوز إيقاعهما العقد على كلّي ثمّ تعيينه في فرد ، والقول بالمنع لأنّ القدر المتيقّن العين الخارجي من النقدين ضعيف ، وأضعف منه احتمال المنع حتّى في الكلّي في المعيّن ؛ إذ يكفي في الصحّة العمومات .

متمّم العشرين : لو ضاربه على ألف - مثلاً - فدفع إليه نصفه فعامل به ثمّ دفع إليه النصف الآخر ، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر ؛ لأ نّه مضاربة واحدة ، وأمّا لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة اُخرى ، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى ؛ لأ نّهما في قوّة مضاربتين ، نعم بعد المزج والتجارة بالمجموع يكونان واحدة .

ص: 509


1- - غير معلوم .

فصل : في أحكام الشركة

وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ؛ ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعية قهرية ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعية اختيارية من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً ، وإمّا ظاهرية قهرية كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ ؛ بحيث لا يتميّز أحدهما(1) من الآخر ؛ سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس ، وإمّا ظاهرية اختيارية كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله ، وأمّا الاختلاط مع التميّز فلا يوجب الشركة ولو ظاهراً ؛ إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة ، وإمّا واقعية مستندة إلى عقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها ، وإمّا واقعية منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه ، ويسمّى عندهم بالتشريك وهو

ص: 510


1- - ميزان الشركة الواقعية في مثل الامتزاج هو رفع الامتياز واقعاً بحسب نظر العرف وإن لم يكن كذلك عقلاً ، ففي مثل مزج المائعين المتماثلين تكون واقعية ، وكذا في غير المتماثلين غالباً ، وفي مثل مزج الحبّات الصغيرة كالخشخاش والسمسم لا يبعد ظاهريتها ؛ إذا كانا متجانسين ، وعدم الشركة في غيرهما ، وفي الجامدات الناعمة كالدقيق محلّ تأمّل لا يبعد ظاهريتها ، والأحوط التخلّص بمثل الصلح في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز وفي مثل الدراهم والدنانير المتماثلات .

صحيح لجملة من الأخبار ، وإمّا واقعية منشأة بتشريك كلّ منهما الآخر في ماله ويسمّى هذا بالشركة العقدية ومعدود من العقود ، ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين وقد تكون في منفعة وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفية : إمّا بنحو الإشاعة وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن(1) ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاًّ في التصرّف كما في شركة الفقراء(2) في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها .

(مسألة 1) : لا تصحّ الشركة العقدية إلاّ في الأموال بل الأعيان ، فلا تصحّ في الديون ، فلو كان لكلّ منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كلّ منهما بينهما لم يصحّ ، وكذا لا تصحّ في المنافع ؛ بأن كان لكلّ منهما دار - مثلاً - وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كلّ منهما بينهما بالنصف مثلاً ، ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلاً وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار . وكذا لا تصحّ شركة الأعمال وتسمّى شركة الأبدان أيضاً ، وهي أن يوقعا العقد على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ؛ سواء اتّفق عملهما كالخياطة مثلاً ، أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معيّن أو في كلّ ما يعمل كلّ منهما ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض .

ص: 511


1- - فيه إشكال .
2- - في كون الأمثلة من قبيل ما ذكره إشكال بل منع .

ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه(1) ، وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما ، وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كلّ منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمّتهما . وشركة المفاوضة أيضاً باطلة ، وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كلّ ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كلّ غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً وتسمّى بشركة العنان .

(مسألة 2) : لو استأجر اثنين لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ ، وكانت الاُجرة مقسّمة عليهما بنسبة عملهما ، ولا يضرّ الجهل بمقدار حصّة كلّ منهما حين العقد ؛ لكفاية معلومية المجموع ، ولا يكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة ، بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلاًّ منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء اُجرتهما ، ولو اشتبه مقدار عمل كلّ منهما فإن احتمل التساوي حمل عليه(2) ؛ لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر وإن علم زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد ، ويحتمل الصلح القهري .

(مسألة 3) : لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماءً بآنية واحدة أو نصبا معاً شبكة للصيد أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كلّ منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر

ص: 512


1- - ما فسّرها به هو أشهر معانيها على ما حكي .
2- - الأحوط التصالح ، وأمّا أصله فغير أصيل .

اشتركا فيه بالتساوي ، وإلاّ فلكلّ منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف ، ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة(1) ، وربما يحتمل التساوي مطلقاً ؛ لصدق اتّحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قوله : «من حاز ملك» وهو كما ترى .

(مسألة 4) : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية - مضافاً إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه - : امتزاج المالين سابقاً على العقد أو لاحقاً بحيث لا يتميّز أحدهما من الآخر ؛ من النقود كانا أو من العروض ، بل اشترط جماعة اتّحادهما في الجنس والوصف ، والأظهر عدم اعتباره ، بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميّز أحدهما من الآخر ، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر(2) ، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير وذلك للعمومات العامّة كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) ، وقوله علیه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما ، بل لو لا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً ؛ عملاً بالعمومات ، ودعوى : عدم كفايتها لإثبات ذلك ، كما ترى ، لكن الأحوط(3) مع ذلك أن يبيع كلّ منهما حصّة ممّا هو له بحصّة ممّا للآخر أو يهبها كلّ منهما للآخر أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقّن ، هذا . ويكفي في الإيجاب والقبول كلّ ما دلّ على الشركة من قول أو فعل .

(مسألة 5) : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ومع

ص: 513


1- - مرّ الاحتياط .
2- - مع رفع الامتياز ، ولا يكفي امتزاج الحنطة بالشعير على الأحوط .
3- - لا يترك .

زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً وخسراناً ؛ سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرّع أو أجير . هذا مع الإطلاق ، ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال ولا خلاف - على الظاهر - عندهم في صحّته ، أمّا لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ، ففي صحّة الشرط والعقد ، وبطلانهما ، وصحّة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال ، أقواها الأوّل ، وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد ، وذلك لعموم المؤمنون عند شروطهم ، ودعوى : أ نّه مخالف لمقتضى العقد ، كما ترى ، نعم هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل ، ودعوى : أنّ العمل بالشرط غير لازم ؛ لأ نّه في عقد جائز ، مدفوعة ، أوّلاً : بأ نّه مشترك الورود ؛ إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ، وثانياً : بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط والمفروض في صورة عدم الفسخ فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين . هذا ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد ؛ لأ نّه خلاف مقتضاه ، نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحّته ؛ لعدم كونه منافياً .

(مسألة 6) : إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كلّ منهما أو مع انضمامهما فهو المتّبع ، ولا يجوز التعدّي ، وإن أطلقا لم يجز لواحد منهما التصرّف إلاّ بإذن الآخر ، ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه

ص: 514

فإن كان مقيّداً بنوع خاصّ من التجارة لم يجز التعدّي عنه ، وكذا مع تعيين كيفية خاصّة ، وإن كان مطلقاً فاللازم الاقتصار على المتعارف من حيث النوع والكيفية ، ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة فلا يجوز البيع بالنسيئة(1) ، بل ولا الشراء بها ولا يجوز السفر بالمال ، وإن تعدّى عمّا عيّن له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف ، ولكن يبقى الإذن بعد التعدّي أيضاً ؛ إذ لا ينافي الضمان بقاءه ، والأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة وإن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة .

(مسألة 7) : العامل أمين فلا يضمن التلف ما لم يفرّط أو يتعدّى .

(مسألة 8) : عقد الشركة من العقود الجائزة ، فيجوز لكلّ من الشريكين فسخه ؛ لا بمعنى أن يكون الفسخ موجباً للانفساخ من الأوّل أو من حينه بحيث تبطل(2) الشركة ؛ إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة ، بل بمعنى جواز رجوع كلّ منهما عن الإذن في التصرّف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة ، أو بمعنى مطالبة القسمة ، وإذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر فيما لو كان كلّ منهما مأذوناً لم يجز التصرّف للآخر ، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأوّل ، وإذا رجع كلّ منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما ، وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر ، وإذا أوقعا الشركة على وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في

ص: 515


1- - مع عدم التعارف ، وكذا حال السفر ، فالموارد مختلفة .
2- - الظاهر بطلان عقد الشركة وبقاء الشركة الناشئة من الامتزاج ، ففي مثل مزج اللوز باللوز والجوز بمثله والدراهم والدنانير بمثلهما ينفسخ العقد ويرجع كلّ مال إلى صاحبه فيتخلّص فيه بالتصالح ، كما قبل العقد لو حصل الامتزاج .

الخسارة يمكن الفسخ - بمعنى إبطال هذا القرار - بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين على ما هو مقتضى إطلاق الشركة .

(مسألة 9) : لو ذكرا في عقد الشركة أجلاً لا يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه إلاّ أن يكون مشروطاً في ضمن عقد لازم فيكون لازماً .

(مسألة 10) : لو ادّعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر ، عليه الحلف مع عدم البيّنة .

(مسألة 11) : إذا ادّعى العامل التلف ، قبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه أمين .

(مسألة 12) : تبطل الشركة بالموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه ؛ بمعنى أ نّه لا يجوز للآخر التصرّف ، وأمّا أصل الشركة فهي باقية ، نعم يبطل(1) أيضاً ما قرّراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك ؛ إذا تبيّن بطلان الشركة ، فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة ويكون الربح على نسبة المالين ؛ لكفاية الإذن المفروض حصوله ، نعم لو كان مقيّداً بالصحّة تكون كلّها فضولياً بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيّداً ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر ؛ إذا كان العمل منهما ، وإن كان من أحدهما فله اُجرة مثل عمله .

(مسألة 13) : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادّعى : أ نّه اشتراه لنفسه ، وادّعى الآخر : أ نّه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البيّنة القول قوله مع اليمين ؛ لأنّه أعرف بنيّته ، كما أنّه كذلك لو ادّعى : أنّه اشتراه بالشركة ، وقال الآخر : إنّه اشتراه

لنفسه ، فإنّه يقدّم قوله أيضاً ؛ لأنّه أعرف ولأنّه أمين .

ص: 516


1- - محلّ تأمّل .

كتاب المزارعة

اشارة

وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصّة من حاصلها ، وتسمّى مخابرة أيضاً ، ولعلّها من الخبرة بمعنى النصيب ، كما يظهر من «مجمع البحرين» ولا إشكال في مشروعيتها، بل يمكن دعوى استحبابها ؛ لما دلّ على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعمّ من المباشرة والتسبيب ، ففي خبر الواسطي قال : سألت جعفر بن محمّد علیهما السلام عن الفلاّحين قال : «هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه وما في الأعمال شيء أحبّ إلى اللّه من الزراعة وما بعث اللّه نبيّاً إلاّ زارعاً إلاّ إدريس علیه السلام فإنّه كان خيّاطاً» وفي آخر عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً أخرجه اللّه وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين» وفي خبر عنه علیه السلام قال : «سئل النبي أيّ الأعمال خير؟ قال : زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدّى حقّه يوم حصاده ، قال : فأيّ الأعمال بعد الزرع؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ، قال : فأيّ المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر يغدو بخير ويروح بخير ، قال : فأيّ المال بعد البقر خير ؟ قال : الراسيات في الوحل المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعها فإنّما ثمنه بمنزلة رماد

ص: 517

على رأس شاهق اشتدّت به الريح في يوم عاصف إلاّ أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : فأيّ المال بعد النخل خير؟ فسكت ، فقام إليه رجل فقال له : فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلاّ من جانبها الأشأم أما إنّها لا تعدم الأشقياء الفجرة» وعنه علیه السلام : «الكيمياء الأكبر الزراعة» وعنه علیه السلام : «إنّ اللّه جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» وعنه علیه السلام أ نّه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة ، فقال : «ازرعوا فلا واللّه ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» ويستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا من أنّ الزراعة أعمّ من المباشرة(1) والتسبيب ، وأمّا ما رواه الصدوق مرفوعاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أ نّه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع ، فلا بدّ من حمله على بعض المحامل ؛ لعدم مقاومته لما ذكر ، وفي «مجمع البحرين» : وما روي من أ نّه نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها .

ويشترط فيها اُمور :

أحدها : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ ؛ سواء كان حقيقة أو مجازاً مع القرينة كزارعتك أو سلّمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا ، ولا يعتبر فيهما العربية ولا الماضوية ، فيكفي الفارسي وغيره ، والأمر كقوله : ازرع هذه الأرض على كذا ، أو المستقبل ، أو الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها ، وكذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول ويصحّ الإيجاب من كلّ من المالك

ص: 518


1- - لكن في النسخ التي عندي من «الوسائل» و«مستدركه» و«مرآة العقول» : أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فيخرج عن استفادة ما ذكره .

والزارع ، بل يكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى ، وتجري فيها المعاطاة وإن كانت لا تلزم(1) إلاّ بالشروع في العمل .

الثاني : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس ومالكية التصرّف في كلّ من المالك والزارع ، نعم لا يقدح فلس الزارع إذا لم يكن منه مال ؛ لأ نّه ليس تصرّفاً مالياً .

الثالث : أن يكون النماء مشتركاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما لم يصحّ مزارعة .

الرابع : أن يكون مشاعاً بينهما ، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع كالذي حصل أوّلاً والآخر بنوع آخر ، أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما وما حصل من القطعة الاُخرى للآخر لم يصحّ .

الخامس : تعيين الحصّة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، فلو قال : ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شيء من حاصلها ، بطل .

السادس : تعيين المدّة بالأشهر والسنين فلو أطلق بطل ، نعم لو عيّن المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لا يبعد صحّته ؛ إذا لم يستلزم غرراً ، بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع(2) أيضاً ؛ إذا كانت الأرض ممّا لا يزرع في السنة إلاّ مرّة ، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه ، ولا دليل على اعتبار التعيين تعبّداً والقدر المسلّم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة ، وفي صورة تعيين المدّة لا بدّ وأن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء .

ص: 519


1- - حال المعاطاة حال العقد بالصيغة في اللزوم والجواز ظاهراً كما مرّ .
2- - فيه إشكال .

السابع : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان إدراك الحاصل أو نحو ذلك ، أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ، ولم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل.

الثامن : تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، فمع عدمه يبطل ، إلاّ أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين ، أو كان مرادهما التعميم وحينئذٍ فيتخيّر الزارع بين أنواعه .

التاسع : تعيين الأرض ومقدارها ، فلو لم يعيّنها ؛ بأ نّها هذه القطعة ، أو تلك القطعة ، أو من هذه المزرعة أو تلك ، أو لم يعيّن مقدارها ، بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر ، نعم مع عدم لزومه لا يبعد الصحّة كأن يقول : مقدار جريب من هذه القطعة ، من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها ، أو أيّ مقدار(1) شئت منها ، ولا يعتبر كونها شخصية ، فلو عيّن كلّياً موصوفاً على وجه يرتفع الغرر ، فالظاهر صحّته وحينئذٍ يتخيّر المالك في تعيينه .

العاشر : تعيين كون البذر على أيّ منهما ، وكذا سائر المصارف واللوازم ؛ إذا لم يكن هناك انصراف مغنٍ عنه ولو بسبب التعارف .

(مسألة 1) : لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة(2) ، أو الوصيّة ، أو الوقف عليه ، أو مسلّطاً عليها بالتولية كمتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ

ص: 520


1- - ليس المراد هذا العنوان بإجماله ، بل المراد أيّ مقدار معيّن شئت بنحو الكلّي في المعيّن من الأرض الكذائية .
2- - مع عدم الاشتراط فيها بانتفاعه مباشرة .

والوصيّ ، أو كان له حقّ اختصاص بها بمثل التحجير(1) والسبق ونحو ذلك ، أو كان مالكاً للانتفاع بها كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره ، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة ، نعم لو لم يكن له فيها حقّ أصلاً لم يصحّ مزارعتها ، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فإنّ المزارع والعامل فيها سواء ، نعم يصحّ الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك ، لكنّه ليس حينئذٍ من المزارعة المصطلحة ، ولعلّ هذا مراد الشهيد في «المسالك» من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة إلاّ مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر ، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها ، وإلاّ فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان كما يدلّ عليه جملة من الأخبار .

(مسألة 2) : إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ، فالظاهر صحّته(2) وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة ، بل لا يبعد كونه منها أيضاً ، وكذا لو أذن لكلّ من يتصدّى للزرع وإن

ص: 521


1- - لا يكفي ظاهراً حقّ التحجير في صحّتها ، وكذا السبق للإحياء ، نعم لا إشكال فيما إذا سبق فأحياها .
2- - إن لم يكن من المزارعة فصحّته محلّ تأمّل وإشكال ، لكن كونه منها كما في المتن غير بعيد ، وكذا لو أذن عامّاً ، وليس ذلك من الجعالة ولا نظيرها ، وكذا الإذن في الخان والحمّام غير شبيه بالجعالة ، بل الظاهر أ نّه إباحة بالعوض أو إذن بالإتلاف مضموناً ، وبعضها إجارة باطلة ، ولهذا يشكل استحقاقه للزيادة عن اُجرة المثل ، ونظائر المسألة محلّ إشكال تحتاج إلى التأمّل .

لم يعيّن شخصاً ، وكذا لو قال : كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه مثلاً ، فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة ، فهو كما لو قال : كلّ من بات في خاني أو داري فعليه في كلّ ليلة درهم ، أو كلّ من دخل حمّامي فعليه في كلّ مرّة ورقة ، فإنّ الظاهر صحّته للعمومات ؛ إذ هو نوع من المعاملات العقلائية ولا نسلّم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاصّ لمشروعيتها ، بل كلّ معاملة عقلائية صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ كما هو مقتضى العمومات .

(مسألة 3) : المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط ؛ أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما ، وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابلية(1) الانتفاع ؛ لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك ، ولا تبطل بموت أحدهما فيقوم وارث الميّت منهما مقامه ، نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل ؛ سواء كان قبل خروج الثمرة أو بعده ، وأمّا المزارعة المعاطاتية(2) فلا تلزم إلاّ بعد التصرّف ، وأمّا الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائماً(3) ، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه(4) إلى حصول الحاصل ؛ لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، وفائدة الرجوع أخذ اُجرة الأرض منه حينئذٍ ويكون الحاصل كلّه للعامل .

ص: 522


1- - مع عدم تيسّر العلاج .
2- - مرّ الكلام فيها .
3- - إذا لم نقل بحصول المزارعة الصحيحة بالإذن ، وإلاّ فصارت لازمة لا يجوز الرجوع فيها .
4- - مع فرض جواز الرجوع ما ذكره غير وجيه كدليله .

(مسألة 4) : إذا استعار أرضاً للمزارعة ثمّ أجرى عقدها لزمت ، لكن للمعير الرجوع في إعارته فيستحقّ اُجرة المثل لأرضه على المستعير(1) ، كما إذا استعارها للإجارة فآجرها بناءً على ما هو الأقوى(2) من جواز كون العوض لغير مالك المعوّض .

(مسألة 5) : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمّته أو في الخارج من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ ، وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل ، بل الأقوى صحّة استثناء مقدار معيّن من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى ، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه ، أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض ثمّ القسمة ، وهل يكون قراره(3) في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار أو لا ؟ وجهان .

(مسألة 6) : إذا شرط مدّة معيّنة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باقٍ لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش أو إبقائه ومطالبة الاُجرة إن رضي العامل بإعطائها ، ولا يجب عليه الإبقاء بلا اُجرة ، كما لا يجب عليه

ص: 523


1- - أي اُجرة ما بعد الرجوع .
2- - الظاهر عدم الابتناء على هذا المبنى ، ومع ابتنائه أيضاً لا يبعد ما في المتن .
3- - إن كان المراد من السلامة هو حصول الزرع في مقابل لا حصوله فلا معنى للقرار مع عدم السلامة فيما يستثنى من الحاصل ، وإن كان المراد هي السلامة في مقابل التعيّب حتّى تلاحظ نسبة النقص فيحاسب بالنسبة ، فلا يكون القرار مشروطاً بها ؛ أي لا تلاحظ النسبة .

الأرش مع إرادة الإزالة ؛ لعدم حقّ للزارع بعد المدّة والناس مسلّطون على أموالهم ، ولا فرق بين أن يكون ذلك بتفريط الزارع أو من قبل اللّه كتأخير المياه أو تغيّر الهواء ، وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع الاُجرة ، وفيه ما عرفت ، خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع مع أ نّه لا وجه لإلزامه العامل بالاُجرة بلا رضاه ، نعم لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها إن مضت المدّة قبله ، لا يبعد صحّته(1) ووجوب الإبقاء عليه .

(مسألة 7) : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتّى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اُجرة المثل للأرض - كما أ نّه يستقرّ عليه المسمّى في الإجارة - أو عدم ضمانه أصلاً - غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل - أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن أو معذوراً فلا ، أو ضمانه ما يعادل الحصّة المسمّاة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن وبين صورة عدم اطّلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن وجوه ، وبعضها أقوال(2) ، فظاهر بل صريح جماعة الأوّل ، بل قال بعضهم : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني ، وربما يستقرب الثالث ، ويمكن القول بالرابع ، والأوجه الخامس ، وأضعفها السادس . ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عامّ ، وإلاّ فيكشف

ص: 524


1- - إذا كانت مدّة التأخير على فرضه معلومة .
2- - أوجهها الأوّل فيما إذا كان الأرض تحت يده وترك الزراعة بتفريط منه ، وإلاّ فلا ضمان .

عن بطلان المعاملة . ولو انعكس المطلب بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض ، أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه ، أو عدم الضمان حتّى لو قلنا به في الفرض الأوّل بدعوى الفرق بينهما وجوه(1) .

(مسألة 8) : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن(2) الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدّة للمالك فقط ، أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض ؟ وجهان(3) ، ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .

(مسألة 9) : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعيّن ولم يجز للزارع التعدّي عنه ، ولو تعدّى إلى غيره(4) ذهب بعضهم إلى أ نّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل

ص: 525


1- - الأحوط التخلّص بالتصالح ، وإن كان الأخير أوجه .
2- - أي مع فرض عدم الفسخ ، وإلاّ فلا إشكال في ضمانه للمالك .
3- - أوجههما الأوّل ، والأحوط التصالح .
4- - إن كان التعيين على وجه الشرطية فمع التعدّي يتخيّر المالك بين الفسخ والإقرار ، ومع عدم الفسخ يأخذ حصّته من الحاصل ، وإن كان على وجه القيدية كان له اُجرة مثل أرضه ، ولو صارت ناقصة بواسطة الزرع له أرش نقصها على الزارع .

للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه ، وقال بعضهم بتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ؛ لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً ، والأقوى أ نّه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر كما ذكر ؛ من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، لكن التحقيق مع ذلك خلافه ، وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ، فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستّة المتقدّمة في تلك المسألة ، وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمّده الخلاف(1) ؛ لإقدامه حينئذٍ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، ولا يضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرّتين على ما بيّنّا في محلّه ؛ لأ نّه من جهتين وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة(2) أيضاً ، وعلى الثاني

ص: 526


1- - بل في صورة عدم التعمّد والجهل أيضاً محلّ إشكال بل منع .
2- - قد مرّ الإشكال عليه فيها وأنّ عليه أكثر الأمرين من الاُجرة المسمّاة واُجرة المثل ، وفي المقام أيضاً لا يستحقّ المالك غير اُجرة المثل لأرضه وأرش نقصها لو حصل بالزرع ، ولا يلاحظ في اُجرة المثل .

يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه ، فيأخذ اُجرة المثل للأرض ، وحال الزرع الموجود حينئذٍ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاط حقّ شرطه وبين أن لايفسخ ، ولكن لا يسقط حقّ شرطه أيضاً ، بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستّة المتقدّمة(1) ، ويكون حال الزرع الموجود كما مرّ ؛ من كونه لمالك البذر .

(مسألة 10) : لو زارع على أرض لا ماء لها فعلاً ، لكن أمكن تحصيله بعلاج من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ، فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم ، وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ ، وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها وأمّا لو لم يمكن التحصيل في الصورة الاُولى أو القطع في الثانية كان باطلاً ؛ سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً ، وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه ، وربما يقال بالصحّة مع علمه بالحال ، ولا وجه له وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع ؛ لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع ، نعم لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحّة ؛ لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن يكون على وجه التقييد ، فيكون باطلاً أيضاً .

(مسألة 11) : لا فرق في صحّة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما ، ولا بدّ من تعيين ذلك ، إلاّ أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه

ص: 527


1- - مرّ ما هو الأقوى بينها ، فهاهنا أيضاً ليس له إلاّ التخيير بين الفسخ والإبقاء ، فيأخذ حصّته من غير غرامة زائدة ومع عدم الفسخ تكون الزراعة بينهما لا لمالك الزرع ، كما في المتن .

الإطلاق ، وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل ، وكذا لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما ، وكذا الحال في سائر المصارف . وبالجملة هنا اُمور أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقيّة ويجوز أن يكون من كلّ منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقيّة ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ ، فهي على حسب ما يشترطان، ولا يلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة إلى العوامل ، كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلاّ مع الشرط .

(مسألة 12) : الأقوى جواز(1) عقد المزارعة بين أزيد من اثنين ؛ بأن تكون الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من رابع ، بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ؛ لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات ، بل يكفي العمومات العامّة ، فلا وجه لما في «المسالك» من تقوية عدم الصحّة بدعوى : أ نّها على خلاف الأصل فتتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك ، ودعوى : أنّ العقد لا بدّ أن يكون بين طرفين : موجب وقابل ، فلا يجوز تركّبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له ، مدفوعة بالمنع ، فإنّه أوّل الدعوى .

ص: 528


1- - هذا وإن لا يخلو من قرب ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعها بين الاثنين ، بل لا يترك حتّى الإمكان .

(مسألة 13) : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصّته ؛ من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك ولا يشترط فيه إذنه ، نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه وإلاّ كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً ، والظاهر جواز(1) نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأ نّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه ؛ بعوض ولو من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير ؛ سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده ، كلّ ذلك لأنّ عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة(2) الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا ؛ إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات وبين مباشرته للعمل ؛ إذ لا يلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل ، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير .

(مسألة 14) : إذا تبيّن بطلان العقد فإمّا أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع ؛ بمعنى نثر الحبّ في الأرض أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده ، فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا إشكال ، وإن كان بعده وقبل الزرع ؛ بمعنى الإتيان بالمقدّمات من حفر النهر وكري الأرض وشراء الآلات

ص: 529


1- - ليس هذا من المزارعة ، ولا يجوز عقد المزارعة كذلك ، ولا معنى لنقل مزارعته إلى الغير ، نعم يجوز نقل حصّته إلى الغير وشرط القيام بأمر المزارعة عليه ، لكن الناقل طرف للمالك وعليه القيام - ولو تسبيباً - بأمر الزراعة كما فعل .
2- - ليس مقتضى المزارعة نقل المنفعة إلى العامل ، بل مقتضاها ثبوت حقّ الانتفاع بالزرع من الأرض .

ونحو ذلك فكذلك ، نعم لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض - من جهة كريها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها - كان للعامل قيمة(1) ذلك الوصف ، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغواً فلا شيء له ، كما أنّ الآلات لمن أعطى ثمنها ، وإن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر ، فإن كان للمالك كان الزرع له وعليه للعامل اُجرة عمله وعوامله ، وإن كان للعامل كان له وعليه اُجرة الأرض للمالك ، وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً ولكلّ منهما على الآخر اُجرة مثل ما يخصّه من تلك النسبة ، وإن كان من ثالث فالزرع له وعليه للمالك اُجرة الأرض وللعامل اُجرة عمله وعوامله ، ولا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل إن كان التبيّن قبله ، بل له أن يأمر بقلعه وله أن يبقي بالاُجرة إذا رضي صاحبه ، وإلاّ فليس له إلزامه بدفع الاُجرة . هذا كلّه مع الجهل بالبطلان ، وأمّا مع العلم فليس للعالم منهما(2) الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله ؛ لأ نّه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله ، فكأ نّه متبرّع به وإن كان الآخر أيضاً عالماً بالبطلان ، ولو كان العامل

ص: 530


1- - إن كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض ، فالأقوى عدم استحقاق العامل قيمة ذلك الوصف ، وكذا لا يستحقّ اُجرة العمل والعوامل في صورة تبيّن البطلان بعد الزرع وبعد حصول الحاصل ، إلاّ إذا اشترط عليه الاُجرة لعمله وعوامله فيستحقّ اُجرة المثل ، وإن كان مستنداً إلى جعل جميع الزرع للزارع لا يستحقّ المالك اُجرة أرضه على العامل إلاّ مع الشرط ، وكذا الحال في سائر الصور ، فإن كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب البذر لا يستحقّ العامل ولا صاحب الأرض ولا صاحب العوامل شيئاً عليه ، إلاّ مع الاشتراط ، فيكون لهم اُجرة المثل عليه .
2- - قد مرّ أنّ العلم والجهل غير دخيلين في ذلك ، وعدم وجاهة ما علّله به ، وكذا الحال في الفرع التالي .

بعد ما تسلّم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن اُجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ؛ لفوات منفعتها تحت يده ، إلاّ في صورة علم المالك بالبطلان لما مرّ .

(مسألة 15) : الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل(1) لمنفعة الأرض بمقدار الحصّة المقرّرة له ، وملكية المالك للعمل على العامل بمقدار حصّته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة ؛ سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث ، فإذا خرج الزرع صار مشتركاً بينهما على النسبة ، لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركاً من ذلك الحين ، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات ، أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر . نعم ، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح والاشتراط به من حين العقد ، ويترتّب على هذه الوجوه ثمرات : منها : كون التبن أيضاً مشتركاً بينهما على النسبة على الأوّل دون الأخيرين ، فإنّه لصاحب البذر ، ومنها : في مسألة الزكاة ، ومنها : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل ، ومنها : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه ، ومنها : في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدّة ، إلى غير ذلك .

(مسألة 16) : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه ، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله أو استولى عليه ولم يمكن

ص: 531


1- - بل مقتضاها استحقاق كلّ منهما على الآخر بذل ما جعله عليه ، وملكية العامل الانتفاع بالأرض زراعة ، وملكية المالك الانتفاع بعمل العامل كذلك .

قطعه أو حصل مانع آخر عامّ ، فالظاهر(1) لحوق حكم تبيّن البطلان من الأوّل على ما مرّ ؛ لأ نّه يكشف عن عدم قابليتها للزرع ، فالصحّة كانت ظاهرية ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر ، ويحتمل بعيداً كون الانفساخ من حينه فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي ، فيكون مشتركاً بينهما على النسبة .

(مسألة 17) : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما ، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة - وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة - فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ولا للعامل اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ المفروض صحّة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها ، ولهما التراضي على القطع قصيلاً ، وليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضا المالك ولو بدفع اُجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع ، وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصّته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصّته قصيلاً . هذا ، وأمّا على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر(2) والظاهر عدم ثبوت شيء عليه من اُجرة الأرض أو العمل ؛ لأنّ المفروض صحّة المعاملة إلى هذا الحين ،

ص: 532


1- - لا يبعد التفصيل بين الانفساخ في زمان لم يحصل زرع مشترك ولو مثل القصيل أو التبن فيحكم بالبطلان من الأوّل ، وبين ما إذا حصل ذلك فيحكم بالانفساخ من حينه ، فيكون ما حصل مشتركاً بينهما .
2- - إذا حصل الفسخ قبل ظهور الحاصل على أوّل الوجهين .

وإن لم يحصل للمالك أو العامل شيء من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية ، ويحتمل ثبوت الاُجرة عليه إذا كان هو الفاسخ .

فذلكة

قد تبيّن ممّا ذكرنا في طيّ المسائل المذكورة أنّ هاهنا صوراً : الاُولى : وقوع العقد صحيحاً جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر ؛ حصل الحاصل أو لم يحصل ؛ لآفة سماوية أو أرضية . الثانية : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدّة ؛ سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلاً . الثالثة(1) : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختياراً أو لعذر خاصّ به. الرابعة: تبيّن البطلان من الأوّل. الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامّة . السادسة : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء ، وقد ظهر حكم الجميع في طيّ المسائل المذكورة كما لا يخفى .

(مسألة 18) : إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أنّ الأرض كانت مغصوبة ، فمالكها مخيّر بين الإجازة فتكون الحصّة له ؛ سواء كان بعد المدّة أو قبلها ، في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع ، بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محلّ للإجازة ، وبين الردّ ، وحينئذٍ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال ، وإن كان بعد التمام فله اُجرة المثل لذلك الزرع وهو لصاحب البذر ، وكذا إذا كان في الأثناء ويكون بالنسبة إلى بقيّة المدّة الأمر بيده ، فإمّا يأمر بالإزالة(2) ، وإمّا

ص: 533


1- - هذه الصورة لم تسبق منه على الظاهر ، وإن ظهر حكمها من سائر المسائل .
2- - ويضمن الغاصب الخسارة الواردة على المغصوب منه .

يرضى بأخذ الاُجرة بشرط رضا صاحب البذر ، ثمّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسر على غارّه ، ومع عدم الغرور فلا رجوع ، وإذا تبيّن كون البذر مغصوباً فالزرع لصاحبه وليس عليه اُجرة الأرض ولا اُجرة العمل ، نعم إذا كان التبيّن في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة . هذا إذا لم يكن محلّ للإجازة ، كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلّي لا المشخّص في الخارج أو نحو ذلك ، أو كان ولم يجز ، وإن كان له محلّ وأجاز يكون هو الطرف للمزارعة ويأخذ الحصّة التي كانت للغاصب ، وإذا تبيّن كون العامل عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه ، وإذا تبيّن كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة ولصاحبها اُجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة ، وفي بعض الصور يحتمل جريان الفضولية وإمكان الإجازة كما لا يخفى .

(مسألة 19) : خراج الأرض على صاحبها ، وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة ، وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان ، وما يؤخذ لتركها في يده ، ولو شرط كونها على العامل بعضاً أو كلاًّ صحّ وإن كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى ، فلا يضرّ(1) مثل هذه الجهالة ؛ للأخبار ، وأمّا سائر المؤن كشقّ الأنهار وحفر الآبار وآلات السقي وإصلاح النهر وتنقيته ونصب الأبواب مع الحاجة إليها والدولاب ونحو ذلك ممّا يتكرّر كلّ سنة أو لا يتكرّر فلا بدّ من تعيين كونها على المالك أو العامل ، إلاّ إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها ، وأمّا ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غير الخراج ، فليس على المالك وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض .

ص: 534


1- - محلّ إشكال بل منع .

(مسألة 20) : يجوز لكلّ من المالك والزارع أن يخرص على الآخر بعد إدراك الحاصل بمقدار منه بشرط القبول والرضا من الآخر ؛ لجملة من الأخبار هنا وفي الثمار ، فلا يختصّ ذلك بالمزارعة والمساقاة، بل مقتضى الأخبار جوازه في كلّ زرع مشترك أو ثمر مشترك، والأقوى لزومه بعد القبول وإن تبيّن بعد ذلك زيادته أو نقيصته ؛ لبعض تلك الأخبار ، مضافاً إلى العمومات العامّة خلافاً لجماعة ، والظاهر أ نّه معاملة مستقلّة وليست بيعاً ولا صلحاً معاوضياً ، فلا يجري فيها إشكال اتّحاد العوض والمعوّض ، ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة ، ولا إشكال الربا ولو بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات ، مع أنّ حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون ، ومع الإغماض عن ذلك كلّه يكفي في صحّتها الأخبار الخاصّة ، فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبت بالنصوص ولتسمّ بالتقبّل ، وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع ، نعم يمكن(1) أن يقال : إنّها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي ، فكأ نّهما يتسالمان على أن يكون حصّة أحدهما من المال المشترك كذا مقداراً والبقيّة للآخر شبه القسمة أو نوع منها ، وعلى ذلك يصحّ إيقاعها بعنوان الصلح على الوجه المذكور مع قطع النظر عن الأخبار أيضاً على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه ؛ إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض ، وعلى هذا لا يكون من التقبيل والتقبّل . ثمّ إنّ المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة ، بل يكفي كلّ لفظ دال على التقبّل ، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلاً ، فيكفي فيها مجرّد التراضي(2)

ص: 535


1- - لكن الأقوى هو كونه معاملة مستقلّة .
2- - لكن الأحوط عدم الاكتفاء بمجرّده .

كما هو ظاهر الأخبار ، والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل(1) وإدراكه ، فلا يجوز قبل ذلك ، والقدر المتيقّن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع ، فلا يصحّ الخرص وجعل المقدار في الذمّة من جنس ذلك الحاصل ، نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح على الوجه الذي ذكرنا لا مانع من ذلك فيه ، لكنّه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة . ثمّ إنّ المشهور بينهم أنّ قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل ، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما ولعلّه(2) لأنّ تعيين الحصّة في المقدار المعيّن ليس من باب الكلّي في المعيّن ، بل هي باقية على إشاعتها ، غاية الأمر تعيينها في مقدار معيّن ، مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما ، والظاهر أنّ المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير الإنسان ، ولا يبعد لحوق(3) إتلاف متلف من الإنسان أيضاً به ، وهل يجوز خرص ثالث حصّة أحدهما أو كليهما في مقدار ؟ وجهان ، أقواهما العدم .

(مسألة 21) : بناءً على ما ذكرنا من الاشتراك من أوّل الأمر في الزرع يجب على كلّ منهما الزكاة إذا كان نصيب كلّ منهما بحدّ النصاب ، وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما ، وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمر ؛ لأنّ تعلّق الزكاة بعد صدق الاسم ، وبمجرّد الظهور لا يصدق ، وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد والتصفية ، فهي على صاحب البذر منهما ؛ لأنّ المفروض أنّ الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت ، فتتعلّق الزكاة في ملكه .

ص: 536


1- - على الأحوط .
2- - هذا التعليل غير وجيه .
3- - غير معلوم ، بل لا يبعد بقاء المعاملة .

(مسألة 22) : إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدّة والقسمة ، فنبت بعد ذلك في العام الآتي ، فإن كان البذر لهما فهو لهما ، وإن كان لأحدهما فله ، إلاّ مع الإعراض ، وحينئذٍ فهو لمن سبق ، ويحتمل(1) أن يكون لهما مع عدم الإعراض مطلقاً ؛ لأنّ المفروض شركتهما في الزرع ، وأصله وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث وهو الأقوى ، وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحبّ فنبت فإنّه مشترك بينهما مع عدم الإعراض ، نعم لو كان الباقي حبّاً مختصّاً بأحدهما اختصّ به(2) ، ثمّ لا يستحقّ صاحب الأرض اُجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به وإن انتفع بها ؛ إذ لم يكن ذلك من فعله ولا من معاملة واقعة بينهما .

(مسألة 23) : لو اختلفا في المدّة وأ نّها سنة أو سنتان مثلاً ، فالقول قول منكر الزيادة ، وكذا لو قال أحدهما : إنّها ستّة أشهر ، والآخر قال : إنّها ثمانية أشهر ، نعم لو ادّعى المالك(3) مدّة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادراً ففي تقديم قوله إشكال ، ولو اختلفا في الحصّة قلّة وكثرة فالقول قول صاحب البذر المدّعي للقلّة ، هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدّة أو الحصّة وعدمها ،

وأمّا لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد وأ نّه وقع على كذا أو كذا ،

ص: 537


1- - الميزان في كون الحاصل في العام الآتي لهما كون أصل الزرع لهما ، كان البذر لهما أو لأحدهما ، وهو مقتضى إطلاق المزارعة كما مرّ .
2- - ولصاحب الأرض قلعه ومطالبة الاُجرة لو أراد الطرف بقاءه وكان الزرع له .
3- - لا اختصاص بالمالك في الإشكال المذكور ، بل لا يبعد تقديم قول مدّعي الكثرة إذا كانت دعوى مدّعي القلّة في الفرض راجعة إلى دعوى المزارعة الفاسدة .

فالظاهر التحالف(1) وإن كان خلاف إطلاق كلماتهم ، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة .

(مسألة 24) : لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيّهما ، فالمرجع التحالف(2) ، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة(3) .

(مسألة 25) : لو اختلفا في الإعارة والمزارعة ، فادّعى الزارع : أنّ المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة ، والمالك ادّعى المزارعة ، فالمرجع التحالف(4) أيضاً ، ومع حلفهما أو نكولهما تثبت اُجرة المثل(5) للأرض ، فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال ، وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك ، وفي وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع الاُجرة إن أراد الزارع ، وعدمه وجواز أمره بالإزالة وجهان ، وإن كان النزاع قبل نثر الحبّ فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما .

(مسألة 26) : لو ادّعى المالك الغصب ، والزارع ادّعى المزارعة ، فالقول

ص: 538


1- - هذا الكلام يأتي في جميع موارد الاختلاف في العقود التي مرجعها إلى الزيادة والنقيصة ، فمع كون محطّ الدعوى كيفية وقوع العقد يقع الكلام في أنّ الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر هل هو محطّ الدعوى في مثل المقام أو مرجعها ؟ فإن قلنا بالأوّل يكون من التحالف ، وإن قلنا بالثاني يكون من الحلف والإحلاف ، والمسألة بعد تحتاج إلى زيادة تأمّل ، ولعلّ الموارد مختلفة ، ولا يبعد في مثل المقام ترجيح الثاني .
2- - إذا كان النزاع قبل العمل في العامل والعوامل .
3- - لا يبعد بقاء المعاملة والرجوع فيما اختلفا فيه بالقرعة أو التنصيف ، والقرعة أوفق .
4- - يأتي فيه الكلام السابق .
5- - مع عدم كون حصّة المالك أقلّ من اُجرة المثل .

قول المالك(1) مع يمينه على نفي المزارعة .

(مسألة 27) : في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع ، هل يجوز له ذلك بعد تعلّق الزكاة وقبل البلوغ ، قد يقال بعدم الجواز إلاّ أن يضمن حصّتها للفقراء ؛ لأ نّه ضرر عليهم ، والأقوى الجواز ، وحقّ الفقراء يتعلّق بذلك الموجود وإن لم يكن بالغاً .

(مسألة 28) : يستفاد من جملة من الأخبار : أ نّه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلّمها إلى غيره ليزرع لنفسه ويؤدّي خراجها عنه ، ولا بأس به .

مسائل متفرّقة

الاُولى : إذا قصّر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل ، فالظاهر(2) ضمانه التفاوت بحسب تخمين أهل الخبرة ، كما صرّح به المحقّق القمّي قدّس سرّه في أجوبة مسائله .

الثانية : إذا ادّعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط ، أو ادّعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضرّ بالزرع وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه، فالقول قوله؛ لأ نّه مؤتمن في عمله ، وكذا لو ادّعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر .

الثالثة : لو ادّعى أحدهما على الآخر شرطاً متعلّقاً بالزرع ، وأنكر أصل الاشتراط ، فالقول قول المنكر .

ص: 539


1- - لا بمعنى ثبوت عنوان الغصب وترتّب آثاره ، بل بمعنى الحكم بعدم المزارعة بعد الحلف .
2- - محلّ إشكال وإن كان عدم الضمان أشبه .

الرابعة : لو ادّعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة ، فعليه إثباته ، وبعده له الفسخ .

الخامسة : إذا زارع المتولّي للوقف ، الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدّة ، لزم ولا تبطل بالموت ، وأمّا إذا زارع البطن المتقدّم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ، ثمّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدّة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين ؛ لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق ، كما أنّ الأمر كذلك في إجارته لها ، لكن استشكل فيه المحقّق القمّي قدّس سرّه ؛ بأنّ عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها ، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة ، مع أ نّهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدّم ثمّ مات في أثناء المدّة ثمّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة ، فالتجأ إلى أنّ الإجارة أيضاً لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدّة وإن كان البطن اللاحق يتلقّى الملك من الواقف لا من السابق وأنّ ملكية السابق كانت إلى حين موته ، بدعوى : أ نّه إذا آجر مدّة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره ، فكما أ نّها في الظاهر محكومة بالصحّة كذلك عند الشارع وفي الواقع ، فبموت السابق ينتقل ما قرّره من الاُجرة إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها إلى آخر ما ذكره من النقض والإبرام وفيه ما لا يخفى ، ولا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين .

السادسة : يجوز مزارعة الكافر مزارعاً كان أو زارعاً .

السابعة : في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث

ص: 540

لصاحب الأرض ، وأ نّه لا ينبغي أن يسمّي بذراً ولا بقراً فإنّما يحرّم الكلام ، والظاهر كراهته وعن ابن الجنيد وابن البرّاج حرمته فالأحوط(1) الترك .

الثامنة : بعد تحقّق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصّته بمقدار معيّن ؛ من جنسه أو غيره ، بعد التخمين بحسب المتعارف ، بل لا بأس به قبل ظهوره(2) أيضاً ، كما أنّ الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصّته في هذه القطعة من الأرض بحصّة الآخر في الاُخرى ، بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والاُخرى للآخر ؛ إذ القدر المسلّم لزوم جعل الحصّة مشاعة من أوّل الأمر وفي أصل العقد .

التاسعة : لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أوّل الأمر وفي السنة الاُولى ، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد ، وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة وقفاً عامّاً أو خاصّاً وصارت بائرة ، يجوز للمتولّي أن يسلّمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقلّ أو أزيد حسب ما تقتضيه المصلحة على أن يعمّرها ويزرعها إلى سنتين - مثلاً - لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصّة معيّنة .

العاشرة : يستحبّ للزارع كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحبّ ؛ بأن يقول : «اللهمّ قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حبّاً متراكماً» وفي بعض الأخبار : «إذا

ص: 541


1- - لا يترك وإن كان ما في المتن أقرب .
2- - فيه إشكال .

أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل : (أَفَرَأيْتُم مَا تَحْرُثُونَ * ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحنُ الزَّارِعُونَ)ثلاث مرّات ثمّ تقول : بل اللّه الزارع ، ثلاث مرّات ، ثمّ قل : اللهمّ اجعله حبّاً مباركاً وارزقنا فيه السلامة ، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح» وفي خبر آخر : «لمّا هبط آدم علیه السلام إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب فشكى ذلك إلى جبرئيل فقال له جبرئيل : يا آدم كن حرّاثاً ، فقال علیه السلام : فعلّمني دعاءً قال : قل : اللهمّ اكفني مؤونة الدنيا وكلّ هول دون الجنّة وألبسني العافية حتّى تهنئني المعيشة» .

ص: 542

كتاب المساقاة

اشارة

وهي معاملة على اُصول ثابتة بحصّة من ثمرها ، ولا إشكال في مشروعيتها في الجملة ، ويدلّ عليها مضافاً إلى العمومات خبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه علیه السلام : سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج ، قال علیه السلام : «لا بأس» وجملة من أخبار خيبر : منها : صحيح الحلبي قال: أخبرني أبو عبداللّه علیه السلام : «أنّ أباه حدّثه أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أعطى خيبراً بالنصف أرضها ونخلها فلمّا أدركت الثمرة بعث عبداللّه بن رواحة . . . » إلى آخره ، هذا مع أ نّها من المعاملات العقلائية ولم يرد نهي عنها ولا غرر فيها(1) حتّى يشملها النهي عن الغرر .

ويشترط فيها اُمور :

الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيها كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء ، بأيّ لغة كانت ، ويكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي كما أ نّه يكفي المعاطاة .

الثاني : البلوغ والعقل والاختيار .

ص: 543


1- - هذه المعاملة صحيحة ؛ غررية كانت أو لا .

الثالث : عدم الحجر لسفه أو فلس(1) .

الرابع : كون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط ، أو كونه نافذ التصرّف فيها لولاية أو وكالة أو تولية .

الخامس : كونها معيّنة عندهما معلومة لديهما .

السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلا تصحّ في الوديّ ؛ أي الفسيل قبل الغرس .

السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين ، وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً ، نعم لا يبعد جوازها في العام الواحد(2) إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر ؛ لأ نّه معلوم بحسب التخمين ويكفي ذلك في رفع الغرر ، مع أ نّه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة .

الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ففي صحّتها إشكال وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك .

التاسع : أن يكون الحصّة معيّنة مشاعة ، فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف ، كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر ، نعم لا يبعد(3) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى ، بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر

ص: 544


1- - لا يعتبر في العامل ذلك .
2- - مع معلومية مبدأ الشروع في السقي أو العمل .
3- - اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والآخر باُخرى بلا اشتراك في شيء منها كما هو ظاهر المتن غير صحيح ، نعم لا يبعد الصحّة مع الاشتراك كما في الفرعين التاليين .

أزيد من ذلك المقدار وأنّه تبقى بقيّة .

العاشر : تعيين ما على المالك من الاُمور وما على العامل من الأعمال ؛ إذا لم يكن هناك انصراف .

(مسألة 1) : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، كما لا خلاف في عدم صحّتها بعد البلوغ والإدراك بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف ، واختلفوا في صحّتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ ، والأقوى كما أشرنا إليه صحّتها ؛ سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أو لا(1) ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها .

(مسألة 2) : الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها وإنّما ينتفع بورقها(2) كالتوت والحنّاء ونحوهما .

(مسألة 3) : لا يجوز(3) عندهم المساقاة على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والباذنجان والقطن وقصب السكّر ونحوها وإن تعدّدت اللقطات فيها كالأوّلين ، ولكن لا يبعد الجواز للعمومات وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة ، بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك ، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من المعاملات العقلائية ولا يكون من المعاملات الغررية عندهم ، غاية الأمر أ نّها ليست من المساقاة المصطلحة .

ص: 545


1- - مع عدم الاحتياج إلى السقي ولا إلى عمل تستزاد به فالأقرب البطلان ، إلاّ إذا كانت الأشجار مختلطة بعضها يحتاج وبعضها يستغني .
2- - أو وردها .
3- - وهو الأقوى ، كما أنّ الأقوى عدم الجواز في مطلق الزرع أيضاً .

(مسألة 4) : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ اُصولها من رطوبات الأرض وإن احتاجت إلى أعمال اُخر(1) ، ولا يضرّ عدم صدق المساقاة حينئذٍ ، فإنّ هذه اللفظة لم يرد في خبر من الأخبار وإنّما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا بالصحّة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي ، وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .

(مسألة 5) : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن لم تكن مثمرة إلاّ بعد سنين ، بشرط تعيين مدّة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس(2) سنين أو أزيد .

(مسألة 6) : قد مرّ أ نّه لا تصحّ المساقاة على وديّ غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ؛ بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة بعد أن يصير مثمراً ، بل مقتضى العمومات صحّة(3) المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدّة تصير مثمرة وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .

(مسألة 7) : المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل ، أو الفسخ بخيار الشرط ، أو تخلّف بعض الشروط ، أو بعروض مانع عامّ موجب للبطلان ، أو نحو ذلك .

(مسألة 8) : لا تبطل بموت أحد الطرفين فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه ، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لا يجبر على العمل ، فإن اختار

ص: 546


1- - موجبة لاستزادة الثمرة كمّية أو كيفية ، وفي غير هذه الصورة محلّ إشكال .
2- - مع جعل المدّة طويلة غير متعارفة إشكال .
3- - محلّ إشكال .

العمل بنفسه أو بالاستئجار فله ، وإلاّ فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ثمّ يقسّم بينه وبين المالك ، نعم لو كانت المساقاة مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته ، ولو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخيّر بين الفسخ لتخلّف الشرط ، وإسقاط حقّ الشرط والرضا باستئجار من يباشر .

(مسألة 9) : ذكروا : أنّ مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك ، وضابط الاُولى : ما يتكرّر كلّ سنة ، وضابط الثانية : ما لا يتكرّر نوعاً وإن عرض له التكرّر في بعض الأحوال ، فمن الأوّل : إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه ، وما يتوقّف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدّماته كالدلو والرشا وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ، وإزالة الحشيش المضرّة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة ، ومن الثاني : حفر الآبار والأنهار وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك ممّا لا يتكرّر نوعاً ، واختلفوا في بعض الاُمور أ نّه على المالك أو العامل مثل البقر الذي يدير الدولاب ، والكشّ للتلقيح ، وبناء الثلّم ، ووضع الشوك على الجدران وغير ذلك ، ولا دليل على شيء من الضابطين ، فالأقوى أ نّه إن كان هناك انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتّبع ، وإلاّ فلا بدّ من ذكر ما يكون على كلّ منهما رفعاً للغرر ، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معاً ؛ لأنّ المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقّف عليه تحصيله عليهما .

(مسألة 10) : لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك ، فلا خلاف بينهم في البطلان ؛ لأ نّه خلاف وضع المساقاة ، نعم لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه

ص: 547

واشترط كون الباقي على المالك ، فإن كان ممّا يوجب زيادة الثمر فلا إشكال في صحّته ؛ وإن قيل بالمنع من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، وإلاّ كما في الحفظ ونحوه ففي صحّته قولان ؛ أقواهما الأوّل(1) ، وكذا الكلام إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه ؛ وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه كما مرّ .

(مسألة 11) : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال ، فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل ، وإن لم يمكن فله الفسخ ، وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلّف الشرط ، وهل له أن لا يفسخ ويطالبه باُجرة العمل بالنسبة إلى حصّته ؛ بمعنى أن يكون مخيّراً بين الفسخ وبين المطالبة بالاُجرة ؟ وجهان ، بل قولان ؛ أقواهما ذلك(2) ، ودعوى : أنّ الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلّط على الخيار بعدم الوفاء به ، مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التمليك ، وكونه قيداً في المعاملة لا جزءاً من العوض يقابل بالمال لا ينافي إفادته لملكية من له الشرط إذا كان عملاً من الأعمال على من عليه ، والمسألة سيّالة في سائر العقود ، فلو شرط في عقد البيع على المشتري - مثلاً - خياطة ثوب في وقت معيّن وفات الوقت ، فللبائع الفسخ ، أو المطالبة باُجرة الخياطة وهكذا .

(مسألة 12) : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صحّ ، أمّا لو

ص: 548


1- - بل الأقرب الثاني ، وكذا في الفرع التالي .
2- - محلّ إشكال في المقام ، ولا يبعد أن تكون الشروط مختلفة ، والتفصيل لا يسعه المقام .

شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك ، وقد مرّ عدم الخلاف في بطلانه ؛ لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة ، ولو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان الخاصّ بالعامل ، فلا ينبغي الإشكال في صحّته ، وإن كان ربما يقال بالبطلان بدعوى : أنّ عمل الغلام في قبال عمل العامل فكأ نّه صار مساقياً بلا عمل منه ، ولا يخفى ما فيها ، ولو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة ؛ بأن يكون عمله له بحيث يكون كأ نّه هو العامل ففي صحّته وجهان ، لا يبعد(1) الأوّل ؛ لأنّ الغلام حينئذٍ كأ نّه نائب عنه في العمل بإذن المالك وإن كان لا يخلو عن إشكال مع ذلك ، ولازم القول بالصحّة الصحّة في صورة اشتراط تمام العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل .

(مسألة 13) : لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشراً للعمل بنفسه ، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها ويكون عليه الاُجرة ، ويجوز أن يشترط كون اُجرة بعض الأعمال على المالك ، والقول بالمنع لا وجه له ، وكذا يجوز أن يشترط كون الاُجرة عليهما معاً في ذمّتهما أو الأداء من الثمر ، وأمّا لو شرط على المالك أن يكون اُجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ففي صحّته وجهان : أحدهما : الجواز ؛ لأنّ التصدّي لاستعمال الاُجراء نوع من العمل ، وقد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك ؛ لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها ، والمالك ليس له معرفة بذلك . والثاني(2) : المنع ؛ لأنّه خلاف

ص: 549


1- - لا إشكال في بطلانه كبطلانه في الفرع التالي .
2- - وهو الأقوى .

وضع المساقاة ، والأقوى الأوّل . هذا ، ولو شرطا كون الاُجرة حصّة مشاعة من الثمر بطل ؛ للجهل بمقدار مال الإجارة ، فهي باطلة .

(مسألة 14) : إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد ، وكان جميعه للمالك ، وحينئذٍ فإن شرطا انفراد العامل به استحقّ(1) اُجرة المثل لعمله ، وإن شرطا انفراد المالك به لم يستحقّ العامل شيئاً ؛ لأ نّه حينئذٍ متبرّع بعمله .

(مسألة 15) : إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل والكرم والرمّان ونحوها من أنواع الفواكه ، فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كلّ واحد ، فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم يعلم عدد كلّ نوع إلاّ إذا كان الجهل بها موجباً للغرر .

(مسألة 16) : يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ، كأن يجعل النخل بالنصف والكرم بالثلث والرمّان بالربع - مثلاً - وهكذا ، واشترط بعضهم في هذه الصورة العلم بمقدار كلّ نوع ، ولكن الفرق بين هذه وصورة اتّحاد الحصّة في الجميع غير واضح ، والأقوى الصحّة مع عدم الغرر في الموضعين والبطلان معه فيهما .

(مسألة 17) : لو ساقاه بالنصف - مثلاً - إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسيح ففي صحّته قولان ، أقواهما الصحّة(2) ؛ لعدم إضرار مثل هذه الجهالة ؛ لعدم إيجابها الغرر مع أنّ بنائها على تحمّله ، خصوصاً على القول

ص: 550


1- - مع كون الثمرة بحسب المتعارف بمقدار اُجرة المثل أو أكثر ، ومع الأقلّية لا يستحقّ الزيادة .
2- - محلّ إشكال ، وقد مرّ الحكم بالبطلان في الإجارة بالنحو المذكور .

بصحّة مثله في الإجارة ، كما إذا قال : إن خطت رومياً فبدرهمين وإن خطت فارسياً فبدرهم .

(مسألة 18) : يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى الحصّة من الفائدة ، والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئاً من ذهب أو فضّة ، ومستندهم في الكراهة غير واضح ، كما أ نّه لم يتّضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها بالعكس أيضاً ، وكذا اختصاصها بالذهب والفضّة أو جريانها في مطلق الضميمة ، والأمر سهل .

(مسألة 19) : في صورة اشتراط شيء من الذهب والفضّة أو غيرهما على أحدهما إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص منهما شيء أو لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم فليس قرارهما مشروطاً بالسلامة ، نعم لو تلف الثمرة بجميعها أو لم تخرج أصلاً ، ففي سقوط الضميمة وعدمه أقوال : ثالثها : الفرق بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط ، وبين العكس فلا تسقط . رابعها(1) : الفرق بين صورة عدم الخروج أصلاً فتسقط ، وصورة التلف فلا ، والأقوى عدم السقوط مطلقاً ؛ لكونه شرطاً في عقد لازم ، فيجب الوفاء به ، ودعوى : أنّ عدم الخروج أو التلف كاشف عن عدم صحّة المعاملة من الأوّل ؛ لعدم ما يكون مقابلاً للعمل ؛ أمّا في صورة كون الضميمة للمالك فواضح ، وأمّا مع كونها للعامل ، فلأنّ الفائدة ركن في المساقاة فمع عدمها لا يكون شيء في مقابل العمل والضميمة المشروطة لا تكفي في العوضية فتكون المعاملة باطلة من الأوّل ومعه لا يبقى وجوب الوفاء بالشرط ، مدفوعة - مضافاً إلى عدم تماميته بالنسبة إلى صورة التلف

ص: 551


1- - هذا لا يخلو من قوّة ، والأحوط التخلّص بالتصالح .

لحصول العوض بظهور الثمرة وملكيتها وإن تلف بعد ذلك - بأنّا نمنع(1) كون المساقاة معاوضة بين حصّة من الفائدة والعمل ، بل حقيقتها تسليط من المالك للعامل على الاُصول للاستنماء له وللمالك ، ويكفيه احتمال الثمر وكونها في معرض ذلك ، ولذا لا يستحقّ العامل اُجرة عمله إذا لم يخرج أو خرج وتلف بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضمّ الضميمة ، بدعوى الكشف عن بطلانها من الأوّل واحترام عمل المسلم ، فهي نظير المضاربة ؛ حيث إنّها أيضاً تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له وللعامل ، وكونها جائزة دون المساقاة لا يكفي في الفرق ، كما أنّ ما ذكره في «الجواهر» من الفرق بينهما ؛ بأنّ في المساقاة يقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التي يراد منها الحصّة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل وأمّا المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول الثمرة ولا يكفي احتمال مجرّد ، دعوى لا بيّنة لها ، ودعوى : أنّ من المعلوم أنّه لو علم من أوّل الأمر عدم خروج الثمر لا يصحّ المساقاة ، ولازمه البطلان إذا لم يعلم ذلك ثمّ انكشف بعد ذلك ، مدفوعة ؛ بأنّ الوجه في عدم الصحّة كون المعاملة سفهية مع العلم بعدم الخروج من الأوّل بخلاف المفروض ، فالأقوى ما ذكرنا من الصحّة ولزوم الوفاء بالشرط ، وهو تسليم الضميمة وإن لم يخرج شيء أو تلف بالآفة ، نعم لو تبيّن عدم قابلية الاُصول للثمر إمّا ليبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلك ، كشف عن بطلان المعاملة من الأوّل ، ومعه

ص: 552


1- - الظاهر كون حقيقتها عرفاً وشرعاً هي العمل بإزاء الحصّة المجعولة، كما يشعر بذلك بل يدلّ عليه قوله فيصحيحة ابن شعيب: ويقول: اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرجه اللّه منه ، قال : «لا بأس» وكأنّ اعتبارها غير اعتبار المضاربة ، بل المزارعة .

يمكن استحقاق العامل للاُجرة إذا كان جاهلاً بالحال(1) .

(مسألة 20) : لو جعل المالك للعامل مع الحصّة من الفائدة ملك حصّة من الاُصول - مشاعاً أو مفروزاً - ففي صحّته مطلقاً ، أو عدمها كذلك ، أو التفصيل بين أن يكون ذلك بنحو الشرط فيصحّ ، أو على وجه الجزئية فلا ، أقوال ، والأقوى الأوّل(2) ؛ للعمومات ، ودعوى : أنّ ذلك على خلاف وضع المساقاة ، كما ترى ، كدعوى : أنّ مقتضاها أن يكون العمل في ملك المالك ؛ إذ هو أوّل الدعوى ، والقول بأ نّه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه ، فيه : أ نّه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه غرض أو فائدة كما في المقام ؛ حيث إنّ تلك الاُصول وإن لم تكن للمالك الشارط ، إلاّ أنّ عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصّة من نمائها ، ودعوى : أ نّه إذا كانت تلك الاُصول للعامل بمقتضى الشرط فاللازم تبعية نمائها لها ، مدفوعة ؛ بمنعها بعد أن كان المشروط له الأصل فقط في عرض تملّك حصّة من نماء الجميع ، نعم لو اشترط كونها له على وجه يكون نماؤها له بتمامه كان كذلك ، لكن عليه تكون تلك الاُصول بمنزلة المستثنى من العمل ، فيكون العمل فيما عداها ممّا هو للمالك بإزاء الحصّة من نمائه مع نفس تلك الاُصول .

(مسألة 21) : إذا تبيّن في أثناء المدّة عدم خروج الثمر أصلاً ، هل يجب على العامل إتمام السقي ؟ قولان ؛ أقواهما العدم .

(مسألة 22) : يجوز أن يستأجر المالك أجيراً للعمل مع تعيينه نوعاً ومقداراً بحصّة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور وبدوّ الصلاح ، بل وكذا قبل

ص: 553


1- - الجهل بالحال لا يوجب عدم الاستحقاق ، كما مرّ نظيره في الإجارة وغيرها .
2- - الأحوط أن يجعل على نحو الشرط وإن كان الأقوى ما في المتن .

البدوّ ، بل قبل الظهور(1) أيضاً ؛ إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين ، وأمّا قبل الظهور عاماً واحداً بلا ضميمة فالظاهر عدم جوازه ، لا لعدم معقولية تمليك ما ليس بموجود ؛ لأ نّا نمنع عدم المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي - ولذا يصحّ مع الضميمة أو عامين حيث إنّهم اتّفقوا عليه في بيع الثمار وصرّح به جماعة هاهنا - بل لظهور اتّفاقهم على عدم الجواز ، كما هو كذلك في بيع الثمار ، ووجه المنع هناك خصوص الأخبار الدالّة عليه ، وظاهرها أنّ وجه المنع الغرر لا عدم معقولية تعلّق الملكية بالمعدوم ، ولو لا ظهور الإجماع في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك ، كما يجوز بيع ما في الذمّة مع عدم كون العين موجوداً فعلاً عند ذيها ، بل وإن لم يكن في الخارج أصلاً ، والحاصل : أنّ الوجود الاعتباري يكفي في صحّة تعلّق الملكية ، فكأنّ العين موجودة في عهدة الشجر ، كما أ نّها موجودة في عهدة الشخص .

(مسألة 23) : كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك وللعامل اُجرة المثل لعمله ، إلاّ إذا كان عالماً(2) بالبطلان ومع ذلك أقدم على العمل ، أو كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك ؛ حيث إنّه بمنزلة المتبرّع

ص: 554


1- - البطلان أشبه قبل الظهور ولو مع القيدين ، وأمّا مع الظهور قبل البدوّ ، فلا يبعد صحّته مع اشتراط القطع أو شرط بقائه مدّة معلومة .
2- - العلم بالفساد شرعاً لا يوجب سقوط الاُجرة ، نعم لو كان الفساد مستنداً إلى اشتراط جميع الثمرة للمالك يتّجه عدم الاستحقاق ؛ كان عالماً بالفساد أو لا ، واستحقاق اُجرة المثل إنّما هو فيما إذا كانت حصّته بحسب التعارف بقدرها أو أكثر ، وإلاّ فلا يستحقّ إلاّ الأقلّ .

في هاتين الصورتين ، فلا يستحقّ اُجرة المثل على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة .

(مسألة 24) : يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة ، كأن يقول : ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن اُساقيك على هذا الآخر بالثلث ، والقول بعدم الصحّة لأ نّه كالبيعين في بيع المنهيّ عنه ضعيف ؛ لمنع كونه من هذا القبيل ، فإنّ المنهيّ عنه البيع حالاًّ بكذا ومؤجّلاً بكذا أو البيع على تقدير كذا بكذا وعلى تقدير آخر بكذا ، والمقام نظير أن يقول : بعتك داري بكذا على أن اُبيعك بستاني بكذا ، ولا مانع منه ؛ لأ نّه شرط مشروع في ضمن العقد .

(مسألة 25) : يجوز تعدّد العامل ، كأن يساقي مع اثنين بالنصف له والنصف لهما ، مع تعيين عمل كلّ منهما بينهم ، أو فيما بينهما ، وتعيين حصّة كلّ منهما ، وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ، كما إذا كان البستان مشتركاً بين اثنين فقالا لواحد : ساقيناك على هذا البستان بكذا ، وحينئذٍ فإن كانت الحصّة المعيّنة للعامل منهما سواء - كالنصف أو الثلث مثلاً - صحّ وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما وأ نّها بالنصف أو غيره ، وإن لم يكن سواء - كأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً - فلا بدّ من علمه بمقدار حصّة كلّ منهما ؛ لرفع الغرر والجهالة في مقدار حصّته من الثمر .

(مسألة 26) : إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء أو في الأثناء ، فالظاهر أنّ المالك مخيّر بين الفسخ أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي ، فيجبره على العمل ، وإن لم يمكن استأجر من ماله من يعمل عنه ، أو باُجرة مؤجّلة إلى وقت الثمر فيؤدّيها منه ، أو يستقرض عليه ويستأجر من يعمل عنه ، وإن تعذّر الرجوع

ص: 555

إلى الحاكم أو تعسّر فيقوم بالاُمور المذكورة عدول المؤمنين ، بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه ، أو المقاصّة(1) من ماله ، أو استئجار المالك عنه ثمّ الرجوع عليه ، أو نحو ذلك . وقد يقال بعدم جواز الفسخ إلاّ بعد تعذّر الإجبار وأنّ اللازم كون الإجبار من الحاكم(2) مع إمكانه ، وهو أحوط(3) وإن كان الأقوى التخيير بين الاُمور المذكورة . هذا إذا لم يكن مقيّداً بالمباشرة ، وإلاّ فيكون مخيّراً بين الفسخ والإجبار ، ولا يجوز الاستئجار عنه للعمل ، نعم لو كان اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القيد يمكن إسقاط حقّ الشرط والاستئجار عنه أيضاً .

(مسألة 27) : إذا تبرّع عن العامل متبرّع بالعمل جاز ؛ إذا لم يشترط المباشرة ، بل لو أتى به من غير قصد(4) التبرّع عنه أيضاً كفى ، بل ولو قصد التبرّع عن المالك كان كذلك أيضاً وإن كان لا يخلو عن إشكال ، فلا يسقط حقّه من الحاصل ، وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الأعمال ، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من الآبار ، خصوصاً إذا كانت العادة كذلك ، وربما يستشكل بأنّه نظير الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه ، فإنّ الأجير لا يستحقّ الاُجرة ؛ لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه ، فاللازم في المقام أيضاً عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل ، ويجاب بأنّ وضع المساقاة وكذا المزارعة على ذلك ، فإنّ المراد حصول الزرع والثمرة فمع احتياج ذلك إلى العمل

ص: 556


1- - للاستئجار .
2- - تقدّم إجبار الحاكم على إجبار غيره مع اختيار المالك الإجبار وعدم الفسخ لا إشكال فيه ، وكأنّ العبارة لا تخلو من نحو تشويش .
3- - لا يترك وإن كان ما في المتن لا يخلو من قوّة .
4- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من وجه .

فعله العامل ، وإن استغنى عنه بفعل اللّه أو بفعل الغير سقط واستحقّ حصّته ، بخلاف الإجارة فإنّ المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه ، ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحياناً كالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال ، وأمّا لو كان على خلافه كما إذا لم يكن عليه إلاّ السقي واستغنى عنه بالمطر أو نحوه كلّية ، فاستحقاقه للحصّة مع عدم صدور عمل منه أصلاً مشكل(1) .

(مسألة 28) : إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل ، يكون الثمر له ، وعليه اُجرة المثل(2) للعامل بمقدار ما عمل . هذا إذا كان قبل ظهور الثمر ، وإن كان بعده يكون للعامل حصّته(3) وعليه الاُجرة للمالك إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء ، وإلاّ فله الإجبار على القطع بقدر حصّته ، إلاّ إذا لم يكن له قيمة أصلاً ، فيحتمل أن يكون للمالك كما قبل الظهور .

(مسألة 29) : قد عرفت : أ نّه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه ويرجع عليه ، إمّا مطلقاً كما لا يبعد(4) ، أو بعد تعذّر الرجوع إلى الحاكم ، لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد على الاستئجار عنه ، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتّى بينه وبين اللّه ، وفيه ما لا يخفى ، فالأقوى أنّ الإشهاد للإثبات ظاهراً ، وإلاّ فلا يكون شرطاً للاستحقاق ، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً يستحقّ الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستئجار ،

ص: 557


1- - بل ممنوع .
2- - مع القيد المتقدّم .
3- - لا وجه له بعد كون الفسخ من الأصل لا من حينه .
4- - مرّ الكلام فيه .

نعم لو اختلفا في مقدار الاُجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة ، وقد يقال بتقديم قول المالك ؛ لأ نّه أمين ، وفيه ما لا يخفى ، وأمّا لو اختلفا في أ نّه تبرّع عنه أو قصد الرجوع عليه ، فالظاهر تقديم قول المالك ؛ لاحترام ماله وعمله ، إلاّ إذا ثبت التبرّع وإن كان لا يخلو عن إشكال ، بل يظهر من بعضهم تقديم قول العامل .

(مسألة 30) : لو تبيّن بالبيّنة أو غيرها أنّ الاُصول كانت مغصوبة ، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحّت المساقاة ، وإلاّ بطلت وكان تمام الثمرة للمالك المغصوب منه ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل على الغاصب إذا كان جاهلاً بالحال ، إلاّ إذا كان مدّعياً عدم الغصبية وأ نّها كانت للمساقي ؛ إذ حينئذٍ ليس له الرجوع عليه لاعترافه بصحّة المعاملة وأنّ المدّعي أخذ الثمرة منه ظلماً . هذا إذا كانت الثمرة باقية ، وأمّا لو اقتسماها وتلفت عندهما فالأقوى أنّ للمالك الرجوع بعوضها على كلّ من الغاصب والعامل بتمامه ، وله الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، فعلى الأخير لا إشكال ، وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصّته ، إلاّ إذا اعترف بصحّة العقد وبطلان دعوى المدّعي للغصبية ؛ لأ نّه حينئذٍ معترف بأ نّه غرمه ظلماً ، وقيل : إنّ المالك مخيّر بين الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، وبين الرجوع على الغاصب بالجميع ، فيرجع هو على العامل بمقدار حصّته وليس له الرجوع على العامل بتمامه ، إلاّ إذا كان عالماً بالحال ، ولا وجه له(1) بعد ثبوت يده على الثمر ، بل العين أيضاً ، فالأقوى ما

ص: 558


1- - إذا استولى العامل على العين والثمرة ، وأمّا إذا كانتا تحت يد المالك والعامل يقوم بالسقي والعمل ، فالوجه الرجوع إلى المالك ولو في حصّة العامل قبل استيلائه عليها ، نعم مع استيلائه عليها يجوز الرجوع إليه أيضاً ، فالميزان في الرجوع هو الاستيلاء لا مطلق التصرّف .

ذكرنا ؛ لأنّ يد كلّ منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه . هذا ، ويحتمل(1) في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل ؛ لأ نّه مغرور من قبله ولا ينافيه ضمانه لاُجرة عمله ، فإنّه محترم وبعد فساد المعاملة لا يكون الحصّة عوضاً عنه فيستحقّها ، وإتلافه الحصّة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له .

(مسألة 31) : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط المباشرة أو مع النهي عنه ، وأمّا مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقاً كما في الإجارة والمزارعة وإن كان لا يجوز تسليم الاُصول إلى العامل الثاني إلاّ بإذن المالك ، أو لا يجوز مطلقاً وإن أذن المالك ، أو لا يجوز إلاّ مع إذنه ، أو لا يجوز قبل ظهور الثمر ويجوز بعده ، أقوال(2) ؛ أقواها الأوّل ، ولا دليل على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بعد شمول العمومات من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) و(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) وكونها على خلاف الأصل فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم ممنوع ، بعد شمولها ، ودعوى : أ نّه يعتبر فيها كون الأصل مملوكاً للمساقي أو كان وكيلاً عن المالك أو وليّاً عليه ، كما ترى ؛ إذ هو أوّل الدعوى .

(مسألة 32) : خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك ؛ لأ نّه إنّما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين لا الغرس الذي هو للمالك ، وإن اُخذ على الغرس فبملاحظة الأرض ، ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً كذلك ، فهو على

ص: 559


1- - لكنّه غير وجيه .
2- - أقواها الثاني ، فإنّه ليس مساقاة ، كما مرّ في المزارعة أيضاً ما هو الأقوى ، فراجع .

المالك مطلقاً إلاّ إذا اشترط كونه على العامل أو عليهما بشرط العلم بمقداره .

(مسألة 33) : مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل للحصّة من الثمر من حين ظهوره ، والظاهر عدم الخلاف فيه إلاّ من بعض العامّة ؛ حيث قال بعدم ملكيته له إلاّ بالقسمة ؛ قياساً على عامل القراض حيث إنّه لا يملك الربح إلاّ بعد الإنضاض ، وهو ممنوع عليه حتّى في المقيس عليه ، نعم لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحّته ويتفرّع على ما ذكرنا فروع : منها : ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل ، فإنّ المعاملة تبطل من حينه ، والحصّة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا . ومنها : ما إذا فسخ(1) أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد الظهور وقبل القسمة أو تقايلا . ومنها : ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور . ومنها : ما إذا خرجت الاُصول عن القابلية لإدراك الثمر ؛ ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور ، فإنّ الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك والعامل وإن لم يكن بالغاً . ومنها : في مسألة الزكاة ، فإنّها تجب على العامل أيضاً إذا بلغت حصّته النصاب كما هو المشهور ؛ لتحقّق سبب الوجوب - وهو الملكية له - حين الانعقاد أو بدوّ الصلاح على ما ذكرنا ، بخلافه إذا قلنا بالتوقّف على القسمة ، نعم خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا وفي المزارعة بدعوى : أنّ ما يأخذه كالاُجرة ، ولا يخفى ما فيه من الضعف ؛ لأنّ الحصّة قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة لا بطريق الاُجرة مع أنّ مطلق الاُجرة لا تمنع من وجوب الزكاة ، بل إذا تعلّق الملك بها بعد

ص: 560


1- - الفسخ : حلّ العقد من أصله ، وكذا التقايل ومقتضاه رجوع كلّ من العوضين إلى صاحبه ، وفي ما نحن فيه ترجع الحصّة إلى المالك .

الوجوب ، وأمّا إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام ، وكما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمره ، فإنّه يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب ، فهو نظير ما إذا اشترى زرعاً قبل ظهور الثمر . هذا ، وربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام ، ويعلّل بوجهين آخرين : أحدهما : أ نّها إنّما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن ، وهو كما ترى ، وإلاّ لزم احتساب اُجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم(1) أ نّها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن . الثاني : أ نّه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكية للعامل بمجرّد الظهور إلاّ أ نّه لا يستحقّ التسلّم إلاّ بعد تمام العمل ، وفيه مع فرض(2) تسليم عدم التمكّن من التصرّف : أنّ اشتراطه مختصّ بما يعتبر في زكاته الحول كالنقدين والأنعام ، لا في الغلاّت ، ففيها وإن لم يتمكّن من التصرّف حال التعلّق يجب إخراج زكاتها بعد التمكّن على الأقوى ، كما بيّن في محلّه ، ولا يخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً ، كما اعترف به ، فلا يجب على العامل لما ذكر ، ولا يجب على المالك لخروجها عن ملكه .

(مسألة 34) : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه ، فالقول قول منكره ، وكذا لو اختلفا في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه ، ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها قدّم قول مدّعي الصحّة ، ولو اختلفا في قدر حصّة العامل قدّم

ص: 561


1- - وعلى فرض التسليم لا يلزم منه السقوط مطلقاً .
2- - الأولى منع عدم التمكّن المعتبر في الزكاة ، وإلاّ فقد مرّ اعتباره مطلقاً .

قول المالك المنكر للزيادة ، وكذا لو اختلفا في المدّة(1) ، ولو اختلفا في قدر الحاصل قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقةً أو إتلافاً أو خيانة ، وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه ؛ إذا كان أميناً له ، كما هو الظاهر ، ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدّعيه عليه بناءً على ما هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة ، خلافاً للعلاّمة في «التذكرة» في المقام .

(مسألة 35) : إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها ، هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا ؟ قولان ، أقواهما العدم ؛ لأ نّه مسلّط على ماله ، وحيث إنّ المالك أيضاً مسلّط على حصّته ، فله أن يستأجر أميناً يضمّه مع العامل والاُجرة عليه ؛ لأنّ ذلك لمصلحته ومع عدم كفايته في حفظ حصّته جاز(2) رفع يد العامل واستئجار من يحفظ الكلّ والاُجرة على المالك أيضاً .

(مسألة 36) : قالوا : المغارسة باطلة(3) ، وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما ؛ سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا ، ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة ، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه ، نعم حكي عن الأردبيلي وصاحب «الكفاية» الإشكال فيه ؛ لإمكان استفادة الصحّة من العمومات ، وهو في محلّه إن لم يتحقّق

ص: 562


1- - أي قدّم قوله مع إنكار الزيادة ، وقدّم قول العامل إذا أنكر الزيادة .
2- - محلّ إشكال ، نعم إن رجع الأمر إلى الحاكم لا يبعد جوازه له ، بل في بعض الصور جائز له بلا إشكال .
3- - ما قالوا هو الأقوى .

الإجماع ، ثمّ على البطلان يكون الغرس لصاحبه ، فإن كان من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس إن كان جاهلاً(1) بالبطلان ، وإن كان للعامل فعليه اُجرة الأرض للمالك مع جهله(2) به ، وله الإبقاء بالاُجرة ، أو الأمر بقلع الغرس ، أو قلعه بنفسه ، وعليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع ، ويظهر من جماعة أنّ عليه تفاوت ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً ، ولا دليل عليه بعد كون المالك مستحقّاً للقلع ، ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل ؛ بأن انكسر - مثلاً - بحيث لا يمكن غرسه في مكان آخر ، ولكن كلمات الآخرين لا يقبل هذا الحمل ، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم والمقلوع ؛ حيث قالوا مع ملاحظة أوصافه الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الاُجرة أو القلع ، ومن الغريب ما عن «المسالك» من ملاحظة كون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً ، فإنّ استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته فينبغي أن يلاحظ أيضاً في مقام التقويم ، مع أ نّه مستلزم للدور كما اعترف به ، ثمّ إنّه إن قلنا بالبطلان يمكن تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما مع مراعاة شرائطهما ، كأن تكون الاُصول مشتركة بينهما ، إمّا بشرائها بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر نصفاً منها مثلاً ؛ إذا كانت من أحدهما ، فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلاً ، أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها وسقيه إلى زمان كذا ، أو يستأجره للغرس والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلاً .

ص: 563


1- - بل مطلقاً ، لكن مع القيد المتقدّم من كون حصّته بحسب التعارف لا تنقص من اُجرة عمله .
2- - بل مطلقاً أيضاً .

(مسألة 37) : إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم كيفيتها وأنّها على الوجه الصحيح أو الباطل - بناءً على البطلان - يحمل فعلهما على الصحّة(1) إذا ماتا أو اختلفا في الصحّة والفساد .

تذنيب

في الكافي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من أراد أن يلقح النخل إذا كان لا يجود عملها ولا يتبعّل بالنخل ، فيأخذ حيتاناً صغاراً يابسة فيدقّها بين الدقّين ، ثمّ يذر في كلّ طلعة منها قليلاً ويصرّ الباقى في صرّة نظيفة ، ثمّ يجعله في قلب النخل ينفع بإذن اللّه تعالى» وعن الصدوق في كتاب «العلل» بسنده عن عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «مرّ أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود ، فسألوا إليه ما بهم فقال علیه السلام : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبّوا الماء في اُصول الشجر ثمّ تصبّوا التراب كي لا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فأذهب عنهم ذلك» وفي خبر عن أحدهما علیهما السلام قال : «تقول إذا غرست أو زرعت : ومثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها» وفي خبر آخر : «إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كلّ عود أو حبّة : سبحان الباعث الوارث ، فإنّه لا يكاد يخطئ إن شاء اللّه» .

ص: 564


1- - جريانها محلّ إشكال بل منع .

كتاب الضمان

اشارة

وهو من الضمن ؛ لأ نّه موجب لتضمّن ذمّة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له ، فالنون فيه أصلية كما يشهد له سائر تصرّفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما ، وما قيل من احتمال كونه من الضمّ فيكون النون زائدة ، واضح الفساد ؛ إذ مع منافاته لسائر مشتقّاته لازمه كون الميم مشدّدة . وله إطلاقان : إطلاق بالمعنى الأعمّ الشامل للحوالة والكفالة أيضاً ، فيكون بمعنى التعهّد بالمال أو النفس ، وإطلاق بالمعنى الأخصّ ؛ وهو التعهّد بالمال عيناً أو منفعةً أو عملاً ، وهو المقصود من هذا الفصل .

ويشترط فيه اُمور :

أحدها : الإيجاب ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ ، بل يكفي الفعل الدالّ(1) ولو بضميمة القرائن على التعهّد والالتزام بما على غيره من المال .

الثاني : القبول من المضمون له ، ويكفي فيه أيضاً كلّ ما دلّ على ذلك من قول أو فعل ، وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، كذا

ص: 565


1- - محلّ تأمّل .

ذكروه(1) ، ولكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حدّ سائر العقود اللازمة ، بل يكفي رضا المضمون له سابقاً أو لاحقاً ، كما عن «الإيضاح» والأردبيلي ؛ حيث قالا : يكفي فيه الرضا ولا يعتبر القبول العقدي ، بل عن «القواعد» : وفي اشتراط قبوله احتمال ويمكن استظهاره من قضية الميّت المديون الذي امتنع النبي صلی الله علیه و آله وسلم أن يصلّي عليه حتّى ضمنه علي علیه السلام ، وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالات وسائر ما يعتبر في قبولها ، وأمّا رضا المضمون عنه فليس معتبراً فيه ؛ إذ يصحّ الضمان التبرّعي ، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرّعاً ؛ حيث لا يعتبر رضاه ، وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضرراً(2) عليه أو حرجاً ؛ من حيث كون تبرّع هذا الشخص لوفاء دينه منافياً لشأنه ، كما إذا تبرّع وضيع ديناً عن شريف غنيّ قادر على وفاء دينه فعلاً .

الثالث : كون الضامن بالغاً عاقلاً ، فلا يصحّ ضمان الصبيّ وإن كان مراهقاً ، بل وإن أذن له الوليّ على إشكال ، ولا ضمان المجنون إلاّ إذا كان أدوارياً في دور إفاقته ، وكذا يعتبر كون المضمون له بالغاً عاقلاً ، وأمّا المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك ، فيصحّ كونه صغيراً أو مجنوناً ، نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض .

الرابع : كونه مختاراً(3) ، فلا يصحّ ضمان المكره .

الخامس : عدم كونه محجوراً لسفه إلاّ بإذن الوليّ ، وكذا المضمون له ،

ص: 566


1- - وهو الأقوى .
2- - اعتبار عدم الضرر والحرج على المضمون عنه في صحّة الضمان غير معلوم .
3- - وكذا المضمون له في قبوله .

ولا بأس بكون الضامن مفلّساً ، فإنّ ضمانه نظير اقتراضه فلا يشارك المضمون له مع الغرماء ، وأمّا المضمون له فيشترط عدم كونه مفلّساً ، ولا بأس بكون المضمون عنه سفيهاً أو مفلّساً ، لكن لا ينفع إذنه(1) في جواز الرجوع عليه .

السادس : أن لا يكون الضامن مملوكاً غير مأذون من قبل مولاه على المشهور(2) ؛ لقوله تعالى : (لاَ يَقدِرُ عَلَى شَى ءٍ) ، ولكن لا يبعد صحّة ضمانه وكونه في ذمّته يتبع به بعد العتق ، كما عن «التذكرة» و«المختلف» ونفي القدرة منصرف عمّا لا ينافي حقّ المولى ، ودعوى : أنّ المملوك لا ذمّة له ، كما ترى ، ولذا لا إشكال في ضمانه لمتلفاته . هذا ، وأمّا إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحّة ضمانه وحينئذٍ فإن عيّن كونه في ذمّة نفسه أو في ذمّة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه ، فهو المتّبع ، وإن أطلق الإذن ففي كونه في ذمّة المولى أو في كسب المملوك أو في ذمّته يتبع به بعد عتقه أو كونه متعلّقاً برقبته وجوه وأقوال ، أوجهها الأوّل ؛ لانفهامه(3) عرفاً كما في إذنه للاستدانة لنفقته أو لأمر آخر ، وكما في إذنه في التزويج حيث إنّ المهر والنفقة على مولاه ، ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة بأنّ الاستدانة موجبة لملكيته وحيث إنّه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه بخلاف الضمان حيث إنّه لا ملكية فيه ، مدفوعة بمنع عدم قابليته للملكية ، وعلى فرضه أيضاً لا يكون فارقاً بعد الانفهام العرفي .

ص: 567


1- - في الرجوع إلى ما تعلّق به الحجر ، وأمّا بغيره أو بعد رفعه فلا مانع من الرجوع إليه بسبب إذنه في حال الحجر .
2- - وهو الأقوى ، ودعوى الانصراف غير وجيهة ، وضمان الإتلاف خارج عنها تخصّصاً .
3- - محلّ تأمّل .

السابع : التنجيز(1) ، فلو علّق الضمان على شرط - كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً - بطل على المشهور ، لكن لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامّة ، إلاّ دعوى الإجماع في كلّ العقود على أنّ اللازم ترتّب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير ، أو دعوى منافات التعليق للإنشاء ، وفي الثاني ما لا يخفى وفي الأوّل منع تحقّقه في المقام ، وربما يقال : لا يجوز تعليق الضمان ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقاً ، وفيه : أنّ تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولا يعقل التفكيك ، نعم في المثال الثاني يمكن أن يقال(2) بإمكان تحقّق الضمان منجّزاً مع كون الوفاء معلّقاً على عدم وفاء المضمون له ؛ لأ نّه يصدق أ نّه ضمن الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة ؛ إذ حقيقته(3) قضية تعليقية ، إلاّ أن يقال بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي .

الثامن : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ؛ سواء كان مستقرّاً كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري ، كما إذا ضمن الثمن الكلّي للبائع ، أو المبيع الكلّي للمشتري ، أو المبيع الشخصي(4) قبل القبض ، وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك ،

ص: 568


1- - على الأحوط .
2- - كيف يمكن مع دعوى امتناع التفكيك ، مع أنّ هذا النحو من الضمان غير ما عندنا من كونه ناقلاً .
3- - كون حقيقة ضمان اليد قضية تعليقية في محلّ المنع ، ولا يسع المقام تفصيله .
4- - محلّ إشكال ، مع أ نّه ليس من أمثلة المقام .

فلو قال : اقرض فلاناً كذا وأنا ضامن ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ على المشهور(1) ، بل عن «التذكرة» الإجماع ، قال : لو قال لغيره : مهما أعطيت فلاناً فهو عليّ ، لم يصحّ إجماعاً ، ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية ، ويمكن أن يقال بالصحّة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلاً ، بل مطلقاً ؛ لصدق الضمان وشمول العمومات العامّة وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم ، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضاً .

التاسع : أن لا يكون ذمّة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعمّ ، حيث قالوا : إنّه بمعنى التعهّد بمال أو نفس فالثاني الكفالة ، والأوّل إن كان ممّن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة ، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخصّ لكن لا دليل على هذا الشرط ، فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضماناً ، فإن كان بإذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان ، وإلاّ فيبقى الذي للمضمون عنه عليه وتفرغ ذمّته ممّا عليه بضمان الضامن تبرّعاً ، وليس من الحوالة ؛ لأنّ المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتّى تكون حوالة ، ومع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أ نّه يكون داخلاً في كلا العنوانين ، فيترتّب عليه ما يختصّ بكلّ منهما مضافاً إلى ما يكون مشتركاً .

العاشر : امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن على وجه يصحّ معه القصد إلى الضمان ، ويكفي التميّز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن ، فالمضرّ هو الإبهام والترديد ، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص واحد

ص: 569


1- - وهو الأقوى .

على شخص واحد على وجه الترديد ، مع فرض تحقّق الدينين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد ، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد ، ولو قال : ضمنت الدين الذي على فلان ، ولم يعلم أ نّه لزيد أو لعمرو ، أو الدين الذي لفلان ، ولم يعلم أ نّه على زيد أو على عمرو صحّ ؛ لأ نّه متعيّن واقعاً ، وكذا لو قال : ضمنت لك كلّما كان لك على الناس ، أو قال : ضمنت عنك كلّما كان عليك لكلّ من كان من الناس ، ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب ، أو العلم باسمهما ونسبهما ، مع أ نّه لا دليل عليه أصلاً ، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود .

(مسألة 1) : لا يشترط في صحّة الضمان العلم بمقدار الدين ولا بجنسه ، ويمكن أن يستدلّ عليه مضافاً إلى العمومات العامّة وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الزعيم غارم» بضمان علي بن الحسين (1) لدين عبداللّه بن الحسن وضمانه لدين محمّد بن اُسامة ، لكن الصحّة مخصوصة بما إذا كان له واقع معيّن ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كقولك : ضمنت شيئاً من دينك ، فلا يصحّ ، ولعلّه مراد من قال : إنّ الصحّة إنّما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك ، فلا يرد عليه ما يقال من عدم الإشكال في الصحّة مع فرض تعيّنه واقعاً وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم . هذا ، وخالف بعضهم فاشترط العلم به لنفي الغرر والضرر ، وردّ بعدم العموم في الأوّل ؛ لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات ، وبالإقدام في الثاني ، ويمكن الفرق بين الضمان التبرّعي والإذني ، فيعتبر في الثاني دون الأوّل ؛

ص: 570


1- - لكن في الروايتين ضعف سنداً بل ودلالةً ، ولكن ما في المتن لا يخلو من قوّة مطلقاً من غير فرق بين الضمان التبرّعي وغيره .

إذ ضمان علي بن الحسين علیه السلام كان تبرّعياً واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع ، بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن ، مع قصد الرجوع على الآذن ، وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب .

(مسألة 2) : إذا تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه بالإجماع والنصوص ، خلافاً للجمهور ؛ حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه حتّى مع التصريح به على هذا النحو ، ويمكن الحكم بصحّته(1) حينئذٍ للعمومات .

(مسألة 3) : إذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت ذمّته وذمّة المضمون عنه ، وإن أبرأ ذمّة المضمون عنه لم يؤثّر شيئاً ، فلا تبرأ ذمّة الضامن ؛ لعدم المحلّ للإبراء بعد براءته بالضمان ، إلاّ إذا استفيد منه الإبراء من الدين الذي كان عليه بحيث يفهم منه عرفاً إبراء ذمّة الضامن ، وأمّا في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً وإن أبرأ ذمّة الضامن فلا تبرأ ذمّة المضمون عنه ، كذا قالوا(2) ، ويمكن أن يقال ببراءة ذمّتهما على التقديرين .

(مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له ، فلا يجوز للضامن فسخه حتّى لو كان بإذن المضمون عنه وتبيّن إعساره ، وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره ، بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان

ص: 571


1- - محلّ إشكال .
2- - وهو الوجه على هذا المبنى .

جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً ، والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على حال الضمان ، فلو كان موسراً ثمّ أعسر لا يجوز له الفسخ ، كما أ نّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار ، والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضاً معسراً أو لا ، وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أو لا ؟ وجهان(1) .

(مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له ؛ لعموم أدلّة الشروط ، والظاهر جواز اشتراط شيء لكلّ منهما ، كما إذا قال الضامن : أنا ضامن بشرط أن تخيط لي ثوباً ، أو قال المضمون له : أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ، ومع التخلّف يثبت للشارط خيار تخلّف الشرط .

(مسألة 6) : إذا تبيّن كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه أو بإذنه وقلنا : إنّه يتبع بما ضمن بعد العتق ، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له .

(مسألة 7) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل حالاًّ ومؤجّلاً بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص ، والقول بعدم صحّة الضمان إلاّ مؤجّلاً وأ نّه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف ، كالقول بعدم صحّة ضمان الدين المؤجّل حالاًّ أو بأنقص ، ودعوى : أ نّه من ضمان ما لم يجب ، كما ترى .

(مسألة 8) : إذا ضمن الدين الحالّ مؤجّلاً بإذن المضمون عنه فالأجل

ص: 572


1- - أوجههما العدم .

للضمان لا للدين ، فلو أسقط الضامن أجله وأدّى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه ؛ لأنّ الذي عليه كان حالاًّ ولم يصر مؤجّلاً بتأجيل الضمان ، وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحلّ ما عليه وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه ، واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجّلاً حتّى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف .

(مسألة 9) : إذا كان الدين مؤجّلاً فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل أصل الدين ؛ لأنّ الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون عنه ، وكذا لو أسقط أجله وأدّى الدين قبل الأجل لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء الأجل .

(مسألة 10) : إذا ضمن الدين المؤجّل حالاًّ بإذن المضمون عنه(1) ، فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك وإلاّ فلا يجوز إلاّ بعد انقضاء الأجل ، والإذن في الضمان أعمّ من كونه حالاًّ .

(مسألة 11) : إذا ضمن الدين المؤجّل بأقلّ من أجله وأدّاه ، ليس له(2) الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء أجله ، وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأدّاه ، جاز له الرجوع عليه على ما مرّ من أنّ أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجّلاً ، وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين

ص: 573


1- - إذا صرّح بضمانه حالاًّ فالأقرب الرجوع عليه مع أدائه .
2- - إلاّ إذا صرّح المضمون عنه بضمانه أقلّ من أجله ، فإنّ الأقرب معه جواز الرجوع عليه مع الأداء .

قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته ، فإنّه يرجع على المضمون عنه .

(مسألة 12) : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمّته ، ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره ، إلاّ أن يأذن له في الأداء عنه تبرّعاً منه في وفاء دينه كأن يقول : أدّ ما ضمنت عنّي وارجع به عليّ ، على إشكال في هذه الصورة أيضاً ؛ من حيث إنّ مرجعه حينئذٍ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به ، وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وإن لم يكن بإذنه ؛ لأ نّه بمجرّد الإذن في الضمان اشتغلت ذمّته من غير توقّف على شيء ، نعم لو أذن له في الضمان تبرّعاً فضمن ليس له الرجوع عليه ؛ لأنّ الإذن على هذا الوجه كلا إذن .

(مسألة 13) : ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن ، إلاّ بعد أداء مال الضمان على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وإنّما يرجع عليه بمقدار ما أدّى ، فليس له المطالبة قبله ؛ إمّا لأنّ ذمّة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرّده إلاّ أنّ ذمّة المضمون عنه لا تشتغل إلاّ بعد الأداء وبمقداره ، وإمّا لأ نّها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه ، وإمّا لأ نّها وإن اشتغلت بمجرّد الضمان إلاّ أنّ جواز المطالبة مشروط بالأداء ، وظاهرهم هو الوجه الأوّل ، وعلى أيّ حال لا خلاف في أصل الحكم وإن كان مقتضى القاعدة(1) جواز المطالبة واشتغال ذمّته من حين الضمان في قبال اشتغال ذمّة الضامن ؛ سواء أدّى أو لم يؤدّ ، فالحكم المذكور على خلاف

ص: 574


1- - كون مقتضى القاعدة ما ذكره ممنوع ، بل الظاهر أنّ مجرّد إذنه بالضمان وضمانه واشتغال ذمّته لا يوجب اشتغال ذمّة المضمون عنه ، ولو للأصل وعدم الدليل عليه ، نعم بعد الأداء لا إشكال نصّاً وفتوىً في جواز الرجوع واشتغال ذمّته ، ويمكن استفادة ما ذكر من الرواية المشار إليها أيضاً .

القاعدة ثبت بالإجماع وخصوص الخبر : عن رجل ضمن ضماناً ثمّ صالح عليه قال : «ليس له إلاّ الذي صالح عليه» ، بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلاّ ما خسر ، ويتفرّع على ما ذكروه أنّ المضمون له لو أبرأ ذمّة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلاً ، وإن أبرأه من البعض ليس له الرجوع بمقداره ، وكذا لو صالح معه بالأقلّ كما هو مورد الخبر ، وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرّعاً فأدّى ، فإنّه حيث لم يخسر بشيء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه ، وكذا لو وفّاه عنه غيره تبرّعاً .

(مسألة 14) : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه ؛ خمساً أو زكاةً أو صدقةً ، فالظاهر أنّ له الرجوع على المضمون عنه ولا يكون ذلك في حكم الإبراء ، وكذا لو أخذه منه ثمّ ردّه عليه هبة ، وأمّا لو وهبه ما في ذمّته فهل هو كالإبراء أو لا ؟ وجهان(1) ، ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه .

(مسألة 15) : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقلّ من الدين ، أو وفّاه الضامن بما يسوى أقلّ منه ، فقد صرّح بعضهم بأ نّه لا يرجع على المضمون عنه إلاّ بمقدار ما يسوى ، وهو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة(2) ، وكون القدر المسلّم غير هذه الصور ، وظاهر خبر الصلح الرضا من الدين بأقلّ منه لا ما إذا صالحه بما يسوى أقلّ منه ، وأمّا لو باعه أو صالحه أو وفّاه الضامن بما يسوى أزيد ، فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة .

ص: 575


1- - أقواهما الأوّل .
2- - مرّ منع كونه على خلاف القاعدة ، لكن المسألة مع ذلك محلّ إشكال بجميع صورها .

(مسألة 16) : إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عمّا له عليه ، فلا إشكال ويكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، وإن كان بعنوان وفاء ما عليه فإن قلنا باشتغال ذمّته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلاّ بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح ، ويحتسب وفاءً لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني ، وإن قلنا إنّه لا تشتغل ذمّته إلاّ بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور(1) فيشكل صحّته وفاءً ؛ لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد ، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلاّ بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به .

(مسألة 17) : لو قال الضامن للمضمون عنه : ادفع عنّي إلى المضمون له ما عليّ من مال الضمان ، فدفع برئت ذمّتهما معاً ، أمّا الضامن فلأنّه قد أدّى دينه ، وأمّا المضمون عنه فلأنّ المفروض أنّ الضامن لم يخسر ، كذا قد يقال ، والأوجه أن يقال : إنّ الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمّته بالأداء والمفروض أنّ ذمّة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ؛ حيث إنّه أذن له في الضمان فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمّة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمّة المضمون عنه حيث إنّ الضمان بإذنه وقد وفي الضامن ، فيتهاتران أو يتقاصّان(2) ، وإشكال صاحب «الجواهر» في اشتغال

ص: 576


1- - وهو الأشبه كما مرّ .
2- - لا معنى للتقاصّ هاهنا ، وأمّا التهاتر فوجيه .

ذمّة الضامن بالقول المزبور في غير محلّه .

(مسألة 18) : إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معاً ، كما لو دفعه أجنبيّ عنه .

(مسألة 19) : إذا ضمن تبرّعاً فضمن عنه ضامن بإذنه وأدّى ، ليس له الرجوع على المضمون عنه ، بل على الضامن ، بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه ، فإنّه بالأداء يرجع على الضامن ويرجع هو على المضمون عنه الأوّل .

(مسألة 20) : يجوز أن يضمن الدين بأقلّ منه برضا المضمون له ، وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه(1) وفي الصورة الاُولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلاّ بذلك الأقلّ ، كما أنّ في الثانية لا يرجع عليه إلاّ بمقدار الدين ، إلاّ إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة .

(مسألة 21) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، كما يجوز الوفاء بغير الجنس ، وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلاّ بالجنس الذي عليه إلاّ برضاه .

(مسألة 22) : يجوز الضمان بشرط الرهانة فيرهن بعد الضمان ، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهناً بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان.

(مسألة 23) : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ، فهل ينفكّ بالضمان أو لا ؟ يظهر من «المسالك» و«الجواهر» انفكاكه ؛ لأنّه بمنزلة الوفاء ،

ص: 577


1- - فيه إشكال .

لكنّه لا يخلو عن إشكال(1) . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتّبع .

(مسألة 24) : يجوز اشتراط الضمان في مال معيّن على وجه التقييد(2) ، أو على نحو الشرائط في العقود ؛ من كونه من باب الالتزام في الالتزام ، وحينئذٍ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه ، وعلى الأوّل إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان ويرجع المضمون له على المضمون عنه ، كما أ نّه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته ، وعلى الثاني لا يبطل ، بل يوجب الخيار لمن له الشرط ؛ من الضامن أو المضمون له أو هما ، ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ ، وأمّا جعل الضمان في مال معيّن من غير اشتغال ذمّة الضامن بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال فلا يصحّ .

(مسألة 25) : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا : إنّ الضامن هو المولى ؛ للانفهام العرفي أو لقرائن خارجية ، يكون من اشتراط الضمان في مال معيّن ؛ وهو الكسب الذي للمولى ، وحينئذٍ فإذا مات العبد تبقى ذمّة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود ، ويبطل إن كان على وجه التقييد ، وإن انعتق يبقى وجوب الكسب(3) عليه ، وإن قلنا : إنّ الضامن

ص: 578


1- - لكن الفكّ هو الأقوى .
2- - صحّته كذلك محلّ إشكال بل منع ، إلاّ إذا كان كلّياً في المعيّن ، فإنّ له وجه صحّة ، فإنّ الكلّي في المعيّن لا يخرج عن الكلّية والذمّة على ما هو التحقيق ، فيكون ضمانه في دائرة المعيّن ، فمع تلف الكلّ يبطل الضمان ، ومع بقاء مقدار الدين لا يبطل ويتعيّن للأداء ، ومع بقاء ما ينقص عنه يبطل بالنسبة .
3- - لا وجه له في الفرض .

هو المملوك وإنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لا يجب على المولى شيء وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها ، وإن انعتق يبقى الوجوب عليه .

(مسألة 26) : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد ، فإمّا أن يكون على التعاقب أو دفعة ، فعلى الأوّل الضامن من رضي المضمون له بضمانه ، ولو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق ، ويحتمل قويّاً كونه كما إذا ضمنا دفعةً خصوصاً بناءً على اعتبار القبول من المضمون له ، فإنّ الأثر حاصل بالقبول نقلاً لا كشفاً ، وعلى الثاني إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن ، وإن رضي بهما معاً ففي بطلانه كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» واختاره صاحب «الجواهر» ، أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، أو ضمان كلّ منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي وجوه ، أقواها الأخير(1) ، وعليه إذا أبرأ المضمون له واحداً منهما برئ دون الآخر ، إلاّ إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمّة ذلك الواحد .

(مسألة 27) : إذا كان له على رجلين مال فضمن كلّ منهما ما على الآخر بإذنه فإن رضي المضمون له بهما صحّ ، وحينئذٍ فإن كان الدينان متماثلين جنساً وقدراً تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر ، ويظهر الثمر في الإعسار واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناءً على افتكاك الرهن بالضمان ، وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر ،

ص: 579


1- - بل أضعفها ؛ لعدم إمكان ضمان الاثنين تمام المال على وجه النقل الذي هو معنى الضمان على المذهب الحقّ ، ولا يبعد كون الأوّل أقرب الوجوه .

وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه ، وحينئذٍ فإن أدّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ؛ حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه ، وإن أدّى البعض فإن قصد كونه ممّا عليه أصلاً أو ممّا عليه ضماناً فهو المتّبع ، ويقبل قوله إن ادّعى ذلك ، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط(1) ، ويحتمل القرعة ويحتمل كونه مخيّراً في التعيين بعد ذلك ، والأظهر الأوّل ، وكذا الحال في نظائر المسألة كما إذا كان عليه دين عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع وهكذا ، فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط ، وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي ، ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد ؛ لأ نّه لا يعلم إلاّ من قبله .

(مسألة 28) : لا يشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه ، كما لا يشترط العلم بمقداره ، فلو ادّعى رجل على آخر ديناً فقال : عليّ ما عليه صحّ ، وحينئذٍ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ؛ سواء كانت سابقة أو لاحقة ، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة كذلك ، وأمّا إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان ، أو ثبت باليمين المردودة ، فلا يكون حجّة على الضامن إذا أنكره ، ويلزم عنه بأدائه في الظاهر ، ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدين أو مقداره فأقرّ الضامن ، أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف ، ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكراً وإن كان

ص: 580


1- - محلّ تأمّل ، بل احتمال القرعة أقرب ، وأقرب منه عدم جواز الرجوع إلى المضمون عنه إلاّ مع العلم بالأداء لما عليه ضماناً ، وكذا نظائر المسألة فلا يفكّ الرهان إلاّ مع العلم بافتكاكه بأداء الدين الذي له رهن وكذا الحال في الإبراء .

أصل الضمان بإذنه ، ولا بدّ في البيّنة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان ، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه ، لم يجب على الضامن أداؤه .

(مسألة 29) : لو قال الضامن : «عليّ ما تشهد به البيّنة» وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلّم بهذا الكلام ؛ لأ نّها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتاً حينه ، فما في «الشرائع» من الحكم بعدم الصحّة لا وجه له(1) ، ولا للتعليل الذي ذكره بقوله : «لأ نّه لا يعلم ثبوته في الذمّة» ، إلاّ أن يكون مراده في صورة إطلاق البيّنة المحتمل للثبوت بعد الضمان ، وأمّا ما في «الجواهر» من أنّ مراده بيان عدم صحّة ضمان ما يثبت بالبيّنة من حيث كونه كذلك ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمّته لتكون البيّنة طريقاً ، بل جعل العنوان ما يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها ، فهو كما ترى لا وجه له .

(مسألة 30) : يجوز الدور في الضمان ؛ بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر ، ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل ، وما عن «المبسوط» من عدم صحّته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً وبالعكس ، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان ، مردود ؛ بأنّ الأوّل غير صالح للمانعية ، بل الثاني أيضاً كذلك ، مع أنّ الفائدة تظهر في الإعسار واليسار ، وفي الحلول والتأجيل ، والإذن وعدمه ، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال .

ص: 581


1- - بل هو وجيه إن كان الثبوت بالبيّنة على وجه التقييد ، بخلاف ما إذا كان على وجه المعرّفية والمشيرية إلى ما في ذمّته أو مقدار منه .

(مسألة 31) : إذا كان المديون فقيراً ، يجوز أن يضمن(1) عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه ؛ إذا كانت ذمّته مشغولة بها فعلاً ، بل وإن لم تشتغل فعلاً على إشكال .

(مسألة 32) : إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمساً ، جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي ، بل ولآحاد الفقراء على إشكال(2) .

(مسألة 33) : إذا ضمن في مرض موته ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل ؛ لأ نّه ليس من التبرّعات ، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة ، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجّزات ، نعم على القول بالثلث يخرج منه .

(مسألة 34) : إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته ، لا يصحّ ضمانه ، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معيّن للمديون ، وكذا لا يجوز ضمان الكلّي في المعيّن كما إذا باع صاعاً من صبرة معيّنة ، فإنّه لا يجوز الضمان عنه والأداء من غيرها مع بقاء(3) تلك الصبرة موجودة .

(مسألة 35) : يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة ؛ لأ نّها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكّنة في صبيحته ؛ لوجوبها عليه حينئذٍ

ص: 582


1- - محلّ إشكال ، نعم لا يبعد الجواز في بعض الأحيان للوليّ ، فيشتغل ذمّته بعنوان الولاية فيؤدّي من الوجوه المنطبقة ، وعليه لا دخالة فيه لاشتغال ذمّته بها .
2- - بل منع .
3- - وكذا مع عدم بقائها .

وإن لم تكن مستقرّة ؛ لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناءً على سقوطها بذلك ؛ وأمّا النفقة المستقبلة فلا يجوز(1) ضمانها عندهم ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب ولكن لا يبعد صحّته ؛ لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية ، وأمّا نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى ؛ لعدم كونها ديناً على من كانت عليه ، إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه ، أو أذن له الحاكم في ذلك ؛ إذ حينئذٍ يكون ديناً عليه ، وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب ، مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفي ولا تكون النفقة في ذمّته ، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال(2) .

(مسألة 36) : الأقوى جواز ضمان مال الكتابة ؛ سواء كانت مشروطة أو مطلقة ؛ لأ نّه دين في ذمّة العبد وإن لم يكن مستقرّاً ؛ لإمكان تعجيز نفسه ، والقول بعدم الجواز مطلقاً أو في خصوص المشروطة معلّلاً بأ نّه ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم ضعيف ، كتعليله ، وربما يعلّل بأنّ لازم ضمانه لزومه مع أ نّه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أ نّه في الأصل غير لازم ، وهو أيضاً كما ترى .

(مسألة 37) : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل ، وكذا مال السبق والرماية ، فقيل بعدم الجواز ؛ لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل ، والأقوى وفاقاً لجماعة الجواز(3) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه

ص: 583


1- - وهو الأقوى .
2- - لا إشكال في بطلان الضمان .
3- - محلّ إشكال .

إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل ؛ إذ الظاهر أنّ الثبوت إنّما هو بالعمل ، بل لقوله تعالى : (وَلِمَنْ جَآءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ وَأَ نَا بِهِ زَعِيمٌ) ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان ومنع اعتبار الثبوت الفعلي ، كما أشرنا إليه سابقاً .

(مسألة 38) : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما على قولين ؛ ذهب إلى كلّ منهما جماعة ، والأقوى الجواز(1) ؛ سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها ، أو قيمتها على فرض التلف ، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الزعيم غارم» ، والعمومات العامّة مثل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) ودعوى : أ نّه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى ، وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ فيكون من ضمّ ذمّة إلى اُخرى وليس من مذهبنا ، وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب كما أ نّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف ، مدفوعة ؛ بأ نّه لا مانع منه بعد شمول العمومات ، غاية الأمر أ نّه ليس من الضمان المصطلح ، وكونه من ضمان ما لم يجب لا يضرّ بعد ثبوت المقتضي ، ولا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع وإن اشتهر في الألسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع ، وأمّا ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من

ص: 584


1- - بل الأقوى عدم الجواز .

تعدٍّ أو تفريط ، فلا خلاف بينهم في عدم صحّته ، والأقوى بمقتضى العمومات صحّته(1) أيضاً .

(مسألة 39) : يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك(2) الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن ، كما قيّد به الأكثر ، أو مطلقاً كما أطلق آخرون وهو الأقوى ، قيل : وهذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان . هذا ، وأمّا لو كان البيع صحيحاً وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور(3) لم يلزم الضامن ، ويرجع على البائع ؛ لعدم ثبوت الحقّ وقت الضمان فيكون من ضمان ما لم يجب ، بل لو صرّح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور ، نعم في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أ نّه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أو لا ؟ فالمشهور على العدم ، وعن بعضهم دخوله ولازمه الصحّة مع التصريح بالاُولى ، والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق ، والصحّة مع التصريح ، ودعوى : أ نّه من ضمان ما لم يجب ، مدفوعة بكفاية وجود السبب . هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من مَنَع من ذلك بجوازها ؛ لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد ، فلا يكون من ضمان ما لم يجب ، وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كافٍ ، مع إمكان دعوى : أنّ الأرش أيضاً لا يثبت إلاّ بعد اختياره ومطالبته ، فالصحّة فيه أيضاً من جهة كفاية

ص: 585


1- - بل الأقوى بطلانه .
2- - مع بقاء الثمن في يد البائع محلّ تردّد ، نعم لا إشكال فيه مع تلفه .
3- - وهو المنصور فيه وفيما بعده ، نعم لا يبعد ذلك في الأرش .

تحقّق السبب ، وممّا ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع(1) للبائع .

(مسألة 40) : إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقّاً فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ، وفي البعض الآخر يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ لتبعّض الصفقة ، فيرجع على البائع بما قابله ، وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع ، ولا وجه له .

(مسألة 41) : الأقوى وفاقاً للشهيدين صحّة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة ؛ إذا ظهر كونها مستحقّة للغير وقلع البناء والغرس ، فيضمن الأرش - وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت - عن البائع خلافاً للمشهور(2) ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب وقد عرفت كفاية السبب ، هذا ولو ضمنه البائع قيل لا يصحّ(3) أيضاً كالأجنبيّ وثبوته بحكم الشرع لا يقتضي صحّة عقد الضمان المشروط بتحقّق الحقّ حال الضمان ، وقيل بالصحّة ؛ لأ نّه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه ؛ لما مرّ من كفاية تحقّق السبب ، فيكون حينئذٍ للضمان سببان : نفس العقد والضمان بعقده ، ويظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الضمان الثابت بالعقد ، فإنّه يبقى الضمان العقدي ، كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما ، وقد يورد عليه بأ نّه لا معنى لضمان شخص عن نفسه والمقام من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : لا مانع منه مع تعدّد الجهة . هذا كلّه إذا كان بعنوان عقد الضمان ، وأمّا إذا اشترط ضمانه فلا بأس به ويكون مؤكّداً لما هو لازم العقد .

ص: 586


1- - يأتي فيه ما قوّينا في ضمان درك الثمن .
2- - وهو المنصور .
3- - وهو الأقوى ، بل لا وجه لضمان الشخص عن نفسه ولو مع تعدّد الجهة .

(مسألة 42) : لو قال عند خوف غرق السفينة : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه ، صحّ بلا خلاف بينهم ، بل الظاهر الإجماع عليه وهو الدليل عندهم ، وأمّا إذا لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة اُخرى من خفّة السفينة أو نحوها فلا يصحّ(1) عندهم ، ومقتضى العمومات صحّته أيضاً .

تتمّة

قد علم من تضاعيف المسائل المتقدّمة الاتّفاقية أو الخلافية أنّ ما ذكروه في أوّل الفصل ؛ من تعريف الضمان ، وأ نّه نقل الحقّ الثابت من ذمّة إلى اُخرى ، وأ نّه لا يصحّ في غير الدين ولا في غير الثابت حين الضمان ، لا وجه له(2) ، وأ نّه أعمّ من ذلك حسب ما فصّل .

(مسألة 1) : لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان فادّعى أ نّه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له ، فالقول قوله ، وكذا لو ادّعى أ نّه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له ؛ لأصالة بقاء ما كان عليه ، ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره ، فادّعى المضمون له إعساره ، فالقول قول(3) المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له

ص: 587


1- - وهو الأقوى ، وأمّا الأوّل فقد ادّعى الشيخ إجماع الفرقة ، بل إجماع الاُمّة - عدا أبي ثور - عليه ولا بأس به ، لكنّه ليس من فروع هذا الكتاب وغير مربوط بالضمان المذكور فيه .
2- - بناءً على مبناه ، وقد مرّ الكلام في المسائل المذكورة .
3- - مع سبق يساره ، وقول المضمون له مع سبق إعساره ، ومع الجهل بالحالة السابقة فمحلّ إشكال .

وعدمه ، فإنّ القول قول المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في صحّة الضمان وعدمها .

(مسألة 2) : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدين وعدمه ، أو في مقداره ، أو في مقدار ما ضمن ، أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجّلاً ، أو في اشتراط شيء عليه زائداً على أصل الدين ، فالقول قول الضامن ، ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالاًّ ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجّلاً أو وفائه ، أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال معيّن والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن ، أو اشتراط شيء على المضمون له ، أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقلّ من الدين ، قدّم قول المضمون له .

(مسألة 3) : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه ، أو في وفاء الضامن حتّى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدين الذي ضمن ، وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط شيء على المضمون عنه(1) ، أو اشتراط الخيار للضامن ، قدّم قول المضمون عنه ، ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدين الذي ضمنه ، وأنكر الضامن الزيادة ، فالقول قول الضامن .

(مسألة 4) : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحقّ منه بالبيّنة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو الدين ؛ لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً ، نعم لو كان مدّعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان ولم يكن منكراً

ص: 588


1- - أي في عقد آخر .

لأصل الدين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدين والإذن في الضمان ، جاز له الرجوع عليه ، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادّعاء الإذن في الأداء ، فاستحقاقه الرجوع معلوم ، غاية الأمر أ نّه يقول : إنّ ذلك للإذن في الأداء ، والمضمون عنه يقول : إنّه للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادّعى على شخص : أ نّه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنّه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عمّا أخذ منه ، وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذٍ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان أو كونه الإذن في الأداء ؟ الظاهر ذلك(1) وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا في نظائره ، كما إذا ادّعى شخص على آخر : أ نّه يطلب قرضاً ، وبيّنته تشهد بأ نّه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أ نّه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال .

(مسألة 5) : إذا ادّعى الضامن الوفاء ، وأنكر المضمون له وحلف ، ليس له الرجوع على المضمون عنه ؛ إذا لم يصدّقه في ذلك ، وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه وتقبل شهادته له بالأداء ؛ إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها ؛ ممّا يمنع من قبول الشهادة .

(مسألة 6) : لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى ، جاز له

ص: 589


1- - لا معنى للشهادة بالإذن المطلق بلا ذكر المتعلّق ، ولا تأثير للبيّنة فيه ، وهذا بخلاف الفرض الآتي ؛ فإنّ الشهادة على الدين مؤثّرة ولو بلا ذكر السبب .

الرجوع عليه ، ولو ادّعى الوفاء وأنكر الإذن قبل قول المأذون ؛ لأ نّه أمين من قبله ، ولو قيّد الأداء بالإشهاد وادّعى الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً ، ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع ، نعم لو علم أ نّه وفّاه ولكن لم يشهد ، يحتمل جواز الرجوع عليه ، لأنّ الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحقّقه .

ص: 590

كتاب الحوالة

وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة ، والأولى أن يقال : إنّها إحالة المديون دائنه إلى غيره(1) ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره ، وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان ، فإنّه وإن كان تحويلاً من الضامن للدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته ، إلاّ أ نّه ليس فيه الإحالة المذكورة ، خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه ، ويشترط فيها - مضافاً إلى البلوغ والعقل والاختيار ، وعدم السفه في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه(2) في المحتال والمحال عليه ، بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنّه لا بأس به ، فإنّه نظير الاقتراض منه - اُمور :

أحدها : الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم ؛ حيث عدّوها من العقود اللازمة فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس من

ص: 591


1- - في دينه .
2- - بل بالفلس ، والظاهر اشتباه النسخة وإنّما يعتبر عدم الحجر بالفلس في المحتال ، وكذا في المحيل إلاّ على البريء ، وأمّا في المحال عليه فلا يعتبر وإن كان محجوراً عليه في أمواله الموجودة قبل رفعه .

أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً ، أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرّد اشتراط الرضا منه لا يدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة ، ويحتمل أن يقال : يعتبر قبوله(1) أيضاً ، فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين ، وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ؛ من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما ؛ بأن أوقع الحوالة بالكتابة ، ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع(2) ، غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لا يصيّره عقداً ، وذلك لأ نّها نوع من وفاء الدين وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس فإنّه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع ، ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنّه نوع من الوفاء وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى : أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أ نّه لا فرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .

الثاني : التنجيز(3) ، فلا تصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر

ص: 592


1- - الأقوى اعتباره في الحوالة على البريء أو بغير جنس ما على المحال عليه ، والأحوط اعتباره في غيرهما أيضاً ، لكن لا يبعد عدم اعتبار عدم الفصل المعتبر في القبول .
2- - هذا في غاية الضعف في المقام وكذا في الضمان والوكالة ، ولا إشكال في أنّ كلّها من العقود وفيها ميزانها المقوّم لها، وأمّا الإذن فهو إيقاع ، والفرق بينه وبين الوكالة ظاهر .
3- - على الأحوط .

المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .

الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذٍ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ؛ إذ المفروض لا يكون من الحوالة ، بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف(1) ، ولا يبعد التفصيل(2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلا يعتبر رضاه فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ؛ لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء ، فلا بدّ من رضاه ، ولا يخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أ نّه لا إشكال فيه .

الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ؛ سواء كان مستقرّاً أو متزلزلاً ، فلا تصحّ في غير الثابت ؛ سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما

ص: 593


1- - والأحوط اعتباره ، بل اعتبار قبوله كما مرّ .
2- - بل لا وجه له ، فإنّ الحوالة على المديون بنحو ما على البريء لا محصّل لها ، ولا ربط بين باب الحوالة والوكالة .

يستقرضه ، هذا ما هو المشهور(1) ، لكن لا يبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان ، بل لا يبعد الصحّة فيما إذا قال : اقرضني كذا وخذ عوضه من زيد ، فرضي ورضي زيد أيضاً ؛ لصدق الحوالة وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض .

الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً ؛ جنساً وقدراً ، للمحيل والمحتال ، فلا تصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور للغرر ، ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدين ، بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن ، بل وكذا لو قال : كلّما شهدت به البيّنة وثبت خذه من فلان ، نعم لو كان مبهماً كما إذا قال : أحد الدينين اللذين لك عليّ خذ من فلان ، بطل ، وكذا لو قال : خذ شيئاً من دينك من فلان . هذا ، ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم(2) بصحّته ؛ لعدم الإبهام فيه حينئذٍ .

السادس : تساوي المالين - أي المحال به والمحال عليه - جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة خلافاً لآخرين ، وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ؛ إذ لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به ، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ؛ بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع

ص: 594


1- - وهو المنصور ، بل الأقوى عدم الصحّة في الفرع اللاحق .
2- - محلّ تأمّل .

الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أ نّه لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أ نّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به(1) ، وهذا هو الأقوى ، ثمّ لا يخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ؛ بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه ؛ إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذٍ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .

(مسألة 1) : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، ولو مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة والقراءة ؛ سواء كانت على بريء أو على مشغول الذمّة بمثلها ، وأيضاً لا فرق بين أن يكون

ص: 595


1- - بعد رضا الطرفين ، ولكن الأحوط قلب ما على المحال عليه بناقل شرعي بالجنس ثمّ الحوالة .

مثلياً كالطعام أو قيمياً كالعبد والثوب ، والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة ضعيف ، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها .

(مسألة 2) : إذا تحقّقت الحوالة برئت ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحتال ، والقول بالتوقّف على إبرائه ضعيف ، والخبر الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه : القبول ، لا اعتبارها بعده أيضاً ، وتشتغل ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ، ويتحاسبان بعد ذلك .

(مسألة 3) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على مليء .

(مسألة 4) : الحوالة لازمة فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة ، نعم لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل ، والمراد من الإعسار أن لا يكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين ، وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم ، ولا يعتبر فيه كونه محجوراً ، والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة وتماميتها ، ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ ، ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط(1) الخيار ؛ للانصراف على إشكال ، وكذا مع وجود المتبرّع .

(مسألة 5) : الأقوى جواز الحوالة على البريء ، ولا يكون داخلاً في الضمان .

(مسألة 6) : يجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ من الثلاثة .

ص: 596


1- - الأشبه عدم السقوط .

(مسألة 7) : يجوز الدور في الحوالة وكذا يجوز الترامي بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، أو بتعدّد المحتال واتّحاد المحال عليه .

(مسألة 8) : لو تبرّع أجنبيّ عن المحال عليه برئت ذمّته ، وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال ، وكذا لو تبرّع المحيل عنه .

(مسألة 9) : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، ثمّ طالب المحيل بما أدّاه فادّعى أ نّه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيّنة فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه لأصالة البراءة من شغل ذمّته للمحيل ، ودعوى : أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء ، مدفوعة(1) بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه مسبّب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه ، وبعد جريان أصالة براءة ذمّته يرتفع الشكّ . هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء ، وأمّا على القول بعدم صحّتها فيقدّم قول المحيل ؛ لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل ، ودعوى : أنّ تقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين - وهما في الحوالة المحيل والمحتال - وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها ، مدفوعة ؛ أوّلاً بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين ، وثانياً يكفي اعتبار رضاه في الصحّة في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة ، نعم لو لم يعترف بالحوالة بل ادّعى : أ نّه أذن له في أداء دينه ، يقدّم قوله ؛ لأصالة البراءة من شغل ذمّته فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه ولم يتحقّق هنا حوالة بالنسبة

ص: 597


1- - في هذا الدفع إشكال .

إليه حتّى تحمل على الصحّة وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال ؛ لاعترافهما بها .

(مسألة 10) : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة - حيث قالوا : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، فجعلوا محلّ الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء - أنّ حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلاّ بعد الأداء ، فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل ، لكن ذمّة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البريء إلاّ بعد الأداء ، والأقوى(1) حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرّد قبول المحال عليه ؛ إذ كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرّده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان مديوناً له ، وحصول شغل ذمّة المحيل له إذا كان بريئاً ، ومقتضى القاعدة في الضمان أيضاً تحقّق شغل المضمون عنه للضامن بمجرّد ضمانه ، إلاّ أنّ الإجماع وخبر الصلح دلاّ على التوقّف على الأداء فيه ، وفي المقام لا إجماع ولا خبر ، بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة ، وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء ، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفّاه بالأقلّ أو صالحه بالأقلّ ، فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقاً إذا كان بريئاً .

(مسألة 11) : إذا أحال السيّد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صحّ ؛ سواء كان قبل حلول النجم أو بعده ؛ لثبوته في ذمّته ، والقول بعدم صحّته قبل الحلول لجواز تعجيز نفسه ضعيف ؛ إذ غاية ما يكون كونه متزلزلاً

ص: 598


1- - بل الأقوى عدم حصوله إلاّ بالأداء ، وحالها حال الضمان فيه وفي سائر ما ذكر في المسألة مثل الإبراء والوفاء بالأقلّ .

فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار ، واحتمال عدم اشتغال ذمّة العبد لعدم ثبوت ذمّة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفياً ، كما ترى . ثمّ إنّ العبد بقبول الحوالة يتحرّر ؛ لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء منه ، فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه ، وما عن «المسالك» من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء - لأنّ الحوالة ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل ، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صحّ وبطلت الكتابة ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة ؛ لأ نّه صار لازماً للمحتال ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة - فيه نظر من وجوه ، وكأنّ دعواه(1) أنّ الحوالة ليست في حكم الأداء ، إنّما هي بالنظر إلى ما مرّ من دعوى توقّف شغل ذمّة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان ، فهي وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجرّدها يحصل الوفاء وتبرأ ذمّة المحيل ، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك ، وفيه منع التوقّف المذكور كما عرفت ، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء فيتحقّق بها الوفاء .

(مسألة 12) : لو باع السيّد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صحّ ؛ لأنّ حاله حال الأحرار ؛ من غير فرق بين سيّده وغيره ، وما عن الشيخ من المنع ضعيف .

(مسألة 13) : لو كان للمكاتب دين على أجنبيّ فأحال سيّده عليه من مال الكتابة صحّ ، فيجب عليه تسليمه للسيّد ويكون موجباً لانعتاقه؛ سواء أدّى المحال عليه المال للسيّد أم لا .

(مسألة 14) : لو اختلفا في أنّ الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة فمع عدم

ص: 599


1- - كون نظره إلى ما ذكر محلّ إشكال .

البيّنة يقدّم قول منكر الحوالة(1) ؛ سواء كان هو المحيل أو المحتال ، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده ، وذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمّة المحيل للمحتال وبقاء اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل وأصالة عدم ملكية المال المحال به للمحتال ، ودعوى : أ نّه إذا كان بعد القبض يكون مقتضى اليد ملكية المحتال فيكون المحيل المنكر للحوالة مدّعياً ، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة ، مدفوعة بأنّ مثل هذه اليد لا يكون أمارة على ملكية ذيها ، فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادّعى : أنّه دفعه أمانة ، وقال الآخر : دفعتني هبة أو قرضاً ، فإنّه لا يقدّم قول ذي اليد . هذا كلّه إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما ، وأمّا إذا علم وكان ظاهراً في الحوالة أو في الوكالة فهو المتّبع ، ولو علم أنّه قال : أحلتك على فلان ، وقال : قبلت ، ثمّ اختلفا في أ نّه حوالة أو وكالة ، فربما يقال : إنّه يقدّم قول مدّعي الحوالة(2) ؛ لأنّ الظاهر من لفظ أحلت هو الحوالة المصطلحة واستعماله في الوكالة مجاز فيحمل على الحوالة ؛ وفيه : منع الظهور المذكور ، نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة ، وأمّا ما يشتقّ منها كلفظ أحلت فظهوره فيها ممنوع ، كما أنّ لفظ الوصيّة ظاهر في الوصيّة المصطلحة وأمّا لفظ أوصيت أو اُوصيك بكذا فليس كذلك ، فتقديم قول مدّعي الحوالة في الصورة المفروضة محلّ منع .

(مسألة 15) : إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن ، أو أحال

ص: 600


1- - لا بمعنى ثبوت الوكالة وترتيب أثرها لو كان لها أثر ، وللمسألة صور وكذا لطرح الدعوى ، ولعلّ في بعضها يكون المرجع التحالف على إشكال .
2- - لا يخلو من قوّة ، ومنع الظهور ممنوع .

المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ بريء أو مديون للمشتري ، ثمّ بان بطلان البيع بطلت الحوالة في الصورتين ؛ لظهور عدم اشتغال ذمّة المشتري للبائع ، واللازم اشتغال ذمّة المحيل للمحتال . هذا في الصورة الثانية ، وفي الصورة الاُولى وإن كان المشتري محالاً عليه ويجوز الحوالة على البريء ، إلاّ أنّ المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمّته ، فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمّته لا عليه(1) ، ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده ، فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقياً(2) على ملك المشتري فله الرجوع به ، ومع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الاُولى وعلى البائع في الثانية .

(مسألة 16) : إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ، ثمّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات ، فالحوالة صحيحة ؛ لوقوعها في حال اشتغال ذمّة المشتري بالثمن ، فيكون كما لو تصرّف أحد المتبايعين فيما انتقل إليه ثمّ حصل الفسخ ، فإنّ التصرّف لا يبطل بفسخ البيع ، ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده ، فهي تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري بالثمن ، وما عن الشيخ وبعض آخر من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية - وهي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ ، لأ نّها تتبع البيع في هذه الصورة ؛ حيث إنّها بين المتبايعين - بخلاف الصورة الاُولى ضعيف ، والتبعية في الفسخ وعدمه ممنوعة ، نعم هي تبع للبيع ؛ حيث إنّها واقعة على الثمن ، وبهذا

ص: 601


1- - هذا ممنوع ، بل حوالة عليه بما في ذمّته ، فإن كان بنحو التقييد بطلت الحوالة ، وإن كان بنحو الداعي صحّت وتكون الحوالة على البريء .
2- - في غير صورة إحالة المشتري البائع على الأجنبيّ البريء ، وأمّا فيها فالمقبوض باقٍ على ملك الأجنبيّ في صورة بطلان الحوالة .

المعنى لا فرق بين الصورتين ، وربما يقال ببطلانها إن قلنا : إنّها استيفاء ، وتبقى إن قلنا : إنّها اعتياض ، والأقوى البقاء وإن قلنا : إنّها استيفاء ؛ لأنّها معاملة مستقلّة(1) لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة ، كما إذا اشترى شيئاً بدراهم مكسّرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئاً آخر وفاءً ؛ حيث إنّه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشيء الآخر لا الدراهم المكسّرة ، فإنّ الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة ، بل يتبع البيع في الانفساخ ، بخلاف ما نحن فيه ؛ حيث إنّ الحوالة عقد لازم وإن كان نوعاً من الاستيفاء .

(مسألة 17) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال والمحال عليه(2) ، وجب عليه الدفع إليه وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة ، وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل ؛ لبقاء شغل ذمّته ، ولو لم يتمكّن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه ؛ إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستنداً إليه للغرور .

ص: 602


1- - هذا إنكار للمبنى لا للبناء بعد تسليم المبنى وإنكار المبنى وجيه ، وفرق بين كونها استيفاءً أو لازمها ذلك .
2- - لا أثر لقبول المحال عليه في الحكم ؛ أي وجوب الدفع ، نعم له أثر في الضمان لأجل الغرور .

كتاب النكاح

اشارة

النكاح مستحبّ في حدّ نفسه بالإجماع والكتاب والسنّة المستفيضة بل المتواترة ، قال اللّه تعالى : (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللّه ُ مِن فَضْلِهِ وَاللّه ُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، وفي النبوي المرويّ بين الفريقين : «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» وعن الصادق علیه السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : «تزوّجوا فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من أحبّ أن يتّبع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج» وفي النبوي صلی الله علیه و آله وسلم : «ما بني بناء أحبّ إلى اللّه تعالى من التزويج» وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من تزوّج أحرز نصف دينه فليتّق اللّه في النصف الآخر» بل يستفاد من جملة من الأخبار استحباب حبّ النساء ففي الخبر عن الصادق علیه السلام : «من أخلاق الأنبياء حبّ النساء» وفي آخر عنه علیه السلام : «ما أظنّ رجلاً يزداد في هذا الأمر خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء» والمستفاد من الآية وبعض الأخبار أنّه موجب لسعة الرزق ، ففي خبر إسحاق بن عمّار : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الحديث الذي يرويه الناس حقّ : إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشكى إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج حتّى أمره ثلاث مرّات ، قال أبو عبداللّه علیه السلام : «نعم هو حقّ» ثمّ قال علیه السلام : «الرزق مع النساء والعيال» .

ص: 603

(مسألة 1) : يستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «رذال موتاكم العزّاب» ولا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنّ فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة ، بل له فوائد : منها : زيادة النسل وكثرة قائل لا إله إلاّ اللّه ، فعن الباقر علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ اللّه أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه» .

(مسألة 2) : الاستحباب لا يزول بالواحدة ، بل التعدّد مستحبّ أيضاً ، قال اللّه تعالى : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) ، والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع ، بل المستحبّ أعمّ منهما ومن التسرّي بالإماء .

(مسألة 3) : المستحبّ هو الطبيعة ؛ أعمّ من أن يقصد به القربة أو لا ، نعم عباديته وترتّب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة .

(مسألة 4) : استحباب النكاح إنّما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته ، وأمّا بالنظر إلى الطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، فقد يجب بالنذر(1) أو العهد أو

ص: 604


1- - مرّت المناقشة في وجوب المنذور بعنوانه الذاتي ، بل الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر ، وإنّما ينطبق في الخارج على المنذور والخارج ليس ظرف تعلّق الوجوب ، وكذا الحال في العهد واليمين ، وكذا في سائر أمثلته من كونه مقدّمة للواجب المطلق وما يتلوه ، فإنّها مع ورود الإشكال المتقدّم عليها أو على بعضها ، ترد عليها إشكالات اُخر ليس المقام مقتضياً لبيانها ، وكذا الكلام في النكاح المحرّم والأمثلة المذكورة ، وأمّا الزيادة على الأربع ونكاح المحرّمات عيناً وجمعاً فإنّها محرّمات وضعية - أي لا يقع النكاح فيها - لا أ نّه يقع محرّماً ، وتأتي المناقشة في النكاح المكروه بما ذكره أيضاً .

الحلف ، وفيما إذا كان مقدّمة لواجب مطلق ، أو كان في تركه مظنّة الضرر أو الوقوع في الزنا أو محرّم آخر ، وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب ؛ من تحصيل علم واجب أو ترك حقّ من الحقوق الواجبة وكالزيادة على الأربع ، وقد يكره كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه ، وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها . وبالنسبة إلى المنكوحة أيضاً ينقسم إلى الأقسام الخمسة فالواجب : كمن يقع في الضرر لو لم يتزوّجها أو يبتلي بالزناء معها لو لا تزويجها ، والمحرّم : نكاح المحرّمات عيناً أو جمعاً ، والمستحبّ : المستجمع للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه : النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء ونكاح القابلة المربّية ونحوها ، والمباح : ما عدا ذلك .

(مسألة 5) : يستحبّ عند إرادة التزويج اُمور :

منها : الخطبة .

ومنها : صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها ، والدعاء بعدها بالمأثور وهو : «اللهمّ إنّي اُريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهُنّ فرجاً وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهنّ بركة وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي» ويستحبّ أيضاً أن يقول : «أقررت بالذي أخذ اللّه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» .

ومنها : الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد ، فإنّه مكروه ، ودعاء المؤمنين ، والأولى كونهم فقراء ولا بأس بالأغنياء ، خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته ويستحبّ إجابتهم وأكلهم ، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلاً أو نهاراً ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا وليمة إلاّ في خمس : عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو

ص: 605

ركاز» العرس : التزويج ، والخرس : النفاس ، والعذار : الختان ، والوكار : شراء الدار ، والركاز : العود من مكّة .

ومنها : الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة : والوصيّة بالتقوى والدعاء للزوجين ، والظاهر كفاية اشتمالها على الحمد والصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضاً .

ومنها : الإشهاد في الدائم والإعلان به ، ولا يشترط في صحّة العقد عندنا .

ومنها : إيقاع العقد ليلاً .

(مسألة 6) : يكره عند التزويج اُمور :

منها : إيقاع العقد والقمر في العقرب ؛ أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي القلب والإكليل والزبانا والشولة .

ومنها : إيقاعه يوم الأربعاء .

ومنها : إيقاعه في أحد الأيّام المنحوسة في الشهر ؛ وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون .

ومنها : إيقاعه في محاق الشهر ؛ وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر .

(مسألة 7) : يستحبّ اختيار امرأة تجمع صفات ؛ بأن تكون بكراً ، ولوداً ، ودوداً ، عفيفة ، كريمة الأصل - بأن لا تكون من زناء أو حيض أو شبهة ، أو ممّن تنال الألسن آباءها أو اُمّهاتها ، أو مسّهم رقّ أو كفر أو فسق معروف - وأن تكون سمراء ، عيناء ، عجزاء ، مربوعة ، طيّبة الريح ، درمة الكعب ، جميلة ، ذات شعر ،

ص: 606

صالحة ، تعين زوجها على الدنيا والآخرة ، عزيزة في أهلها ، ذليلة مع بعلها ، متبرّجة مع زوجها ، حصاناً مع غيره . فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذّل الرجل ، ثمّ قال : ألا اُخبركم بشرار نسائكم : الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تدرع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً» ويكره اختيار العقيم ، ومن تضمّنته الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة ، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة ، ويكره تزويج جملة اُخرى :

منها : القابلة وابنتها للمولود .

ومنها : تزويج ضرّة كانت لاُمّه مع غير أبيه .

ومنها : أن يتزوّج اُخت أخيه .

ومنها : المتولّدة من الزنا .

ومنها : الزانية .

ومنها : المجنونة .

ومنها : المرأة الحمقاء أو العجوزة .

وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيّئ الخلق والمخنّث والزنج والأكراد والخزر والأعرابي والفاسق وشارب الخمر .

(مسألة 8) : مستحبّات الدخول على الزوجة اُمور :

ص: 607

منها : الوليمة قبله أو بعده .

ومنها : أن يكون ليلاً ؛ لأ نّه أوفق بالستر والحياء ولقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «زفّوا عرائسكم ليلاً وأطعموا ضحى» بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضاً .

ومنها : أن يكون على وضوء .

ومنها : أن يصلّي ركعتين والدعاء بعد الصلاة على محمّد وآله بالاُلفة وحسن الاجتماع بينهما ، والأولى المأثور وهو : «اللهمّ ارزقني اُلفتها وودّها ، ورضاها بي وارضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ائتلاف ، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام» .

ومنها : أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما .

ومنها : أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها .

ومنها : أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً» . أو يقول : «اللهمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولا تجعله شرك شيطان» ويكره الدخول ليلة الأربعاء .

(مسألة 9) : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الإذن ولو بشاهد الحال ؛ إن كان عامّاً فللعموم ، وإن كان خاصّاً فللمخصوصين ، وكذا يجوز تملّكه مع الإذن فيه أو بعد الإعراض عنه ، فيملك وليس لمالكه الرجوع فيه وإن كان عينه موجوداً ، ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط .

ص: 608

(مسألة 10) : يستحبّ عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السويّ والدعاء بالمأثور ؛ وهو أن يقول : «بسم اللّه وباللّه اللهمّ جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني» أو يقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها . . .» إلى آخر الدعاء السابق ، أو يقول : «بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي لا إله إلاّ هو بديع السموات والأرض ، اللهمّ إن قضيت منّي في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظّاً ، واجعله مؤمناً مخلصاً مصفّى من الشيطان ورجزه جلّ ثناؤك» وأن يكون في مكان مستور .

(مسألة 11) : يكره الجماع ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء ، واليوم الذي فيه الزلزلة ، بل في كلّ يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة ، وكذا يكره عند الزوال(1) وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق، وفي المحاق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر إلاّ في الليلة الاُولى من شهر رمضان ، فإنّه يستحبّ فيها ، وفي النصف من كلّ شهر ، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال ، وبين الأذان والإقامة ، وفي ليلة الأضحى ، ويكره في السفينة ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وعلى ظهر الطريق ، والجماع وهو عريان ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء ، والجماع قائماً ، وتحت الشجرة المثمرة ، وعلى سقوف البنيان ، وفي وجه الشمس إلاّ مع الستر ، ويكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه ولو الصبيّ الغير المميّز ، وأن ينظر إلى فرج الامرأة حال

ص: 609


1- - بل بعده ، وأمّا عنده فلم أر دليلها .

الجماع ، والكلام عند الجماع إلاّ بذكر اللّه تعالى ، وأن يكون معه خاتم فيه اسم اللّه أو شيء من القرآن ، ويستحبّ الجماع ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر ، ويستحبّ عند ميل الزوجة إليه .

(مسألة 12) : يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً حتّى يصبح .

(مسألة 13) : يستحبّ السعي في التزويج ، والشفاعة فيه بإرضاء الطرفين .

(مسألة 14) : يستحبّ تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» .

(مسألة 15) : يستحبّ حبس المرأة في البيت ، فلا تخرج إلاّ لضرورة ، ولا يدخل عليها أحد من الرجال .

(مسألة 16) : يكره تزويج الصغار وقبل البلوغ .

(مسألة 17) : يستحبّ تخفيف مؤونة التزويج وتقليل المهر .

(مسألة 18) : يستحبّ ملاعبة الزوجة قبل المواقعة .

(مسألة 19) : يجوز للرجل تقبيل أيّ جزء من جسد زوجته ومسّ أيّ جزء من بدنه ببدنها .

(مسألة 20) : يستحبّ اللبث وترك التعجيل عند الجماع .

(مسألة 21) : يكره المجامعة تحت السماء .

(مسألة 22) : يستحبّ إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على التزويج مع ميله وعدم طوله .

ص: 610

(مسألة 23) : يستحبّ خلع خفّ العروس إذا دخلت البيت وغسل رجليها وصبّ الماء من باب الدار إلى آخرها .

(مسألة 24) : يستحبّ منع العروس في اُسبوع العرس من الألبان والخلّ والكزبرة والتفّاح الحامض .

(مسألة 25) : يكره اتّحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع .

(مسألة 26) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ، بل لا يبعد جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها ، نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذّذ وإن علم أ نّه يحصل بنظرها قهراً ، ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض وهو الاطّلاع على حالها بالنظر الأوّل ، ويشترط أيضاً(1) أن لا يكون مسبوقاً بحالها ، وأن يحتمل اختيارها وإلاّ فلا يجوز ، ولا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص أو كان قاصداً لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار وإن كان الأحوط الاقتصار على الأوّل(2) ، وأيضاً لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره أو لا ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني ، ولا يبعد جواز نظر المرأة أيضاً إلى الرجل الذي يريد تزويجها ، ولكن لا يترك الاحتياط بالترك ، وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها وإن كان بغير إذن سيّدها ، والظاهر

ص: 611


1- - ويشترط أيضا أن تكون المرأة خليّة عن المانع ، فلا يجوز النظر إلى ذات البعل والعدّة .
2- - لا يترك .

اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه ، فلا يشمل الوكيل والوليّ والفضولي ، وأمّا في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص .

(مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة ، بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة ؛ أي خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهنّ على عدم ستره ، وقد يلحق بهم نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم ، وهو مشكل ، نعم الظاهر عدم حرمة التردّد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان .

(مسألة 28) : يجوز لكلّ من الرجل والمرأة النظر إلى ما عدا العورة من مماثله ؛ شيخاً أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها ، ما لم يكن بتلذّذ أو ريبة ، نعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية ، بل مطلق الكافرة ، فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ ، والقول بالحرمة للآية حيث قال تعالى : (أَوْ نِسَائِهِنَّ) فخصّ بالمسلمات ضعيف ؛ لاحتمال كون المراد من نسائهنّ الجواري والخدم لهنّ من الحرائر .

(مسألة 29) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر حتّى العورة ؛ مع التلذّذ وبدونه ، بل يجوز لكلّ منهما مسّ الآخر بكلّ عضو منه كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه .

(مسألة 30) : الخنثى مع الاُنثى(1) كالذكر ، ومع الذكر كالاُنثى .

ص: 612


1- - أي في معاملتها مع الاُنثى والذكر ، لا معاملتهما معها وإن كان الأحوط لهما ذلك .

(مسألة 31) : لا يجوز النظر إلى الأجنبيّة ولا للمرأة النظر إلى الأجنبيّ من غير ضرورة . واستثنى جماعة الوجه والكفّين ، فقالوا بالجواز فيهما مع عدم الريبة والتلذّذ ، وقيل بالجواز فيهما مرّة ولا يجوز تكرار النظر ، والأحوط المنع مطلقاً(1) .

(مسألة 32) : يجوز النظر إلى المحارم التي يحرم عليه نكاحهنّ نسباً أو رضاعاً أو مصاهرة ، ما عدا العورة مع عدم تلذّذ وريبة ، وكذا نظرهنّ إليه .

(مسألة 33) : المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيّد ؛ إذا لم تكن(2) مشركة أو وثنية أو مزوّجة أو مكاتبة أو مرتدّة .

(مسألة 34) : يجوز النظر إلى الزوجة المعتدّة بوط ء الشبهة وإن حرم وطؤها وكذا الأمة كذلك ، وكذا إلى المطلّقة الرجعية ما دامت في العدّة ولو لم يكن بقصد الرجوع .

(مسألة 35) : يستثنى من عدم جواز النظر من الأجنبيّ والأجنبيّة مواضع : منها : مقام المعالجة وما يتوقّف عليه ؛ من معرفة نبض العروق(3) والكسر والجرح والفصد والحجامة ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المسّ واللمس حينئذٍ . ومنها : مقام الضرورة ، كما إذا توقّف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما عليه أو على المسّ . ومنها : معارضة كلّ ما هو أهمّ في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللمس . ومنها : مقام الشهادة ؛ تحمّلاً أو أداءً ،

ص: 613


1- - وإن كان الجواز لا يخلو من قرب .
2- - هذا الاستثناء يحتاج إلى التأمّل والمراجعة .
3- - مع عدم الإمكان بمثل الآلات الحديثة .

مع دعاء الضرورة ، وليس منها ما عن العلاّمة من جواز النظر إلى الزانيين لتحمّل الشهادة ، فالأقوى عدم الجواز ، وكذا ليس منها النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة ، أو الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء وإن استجوده الشهيد الثاني . ومنها : القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً بالنسبة إلى ما هو المعتاد له من كشف بعض الشعر والذراع ونحو ذلك ، لا مثل الثدي والبطن ونحوهما ممّا يعتاد سترهنّ له . ومنها : غير المميّز من الصبيّ والصبيّة ، فإنّه يجوز النظر إليهما بل اللمس ، ولا يجب التستّر منهما ، بل الظاهر جواز النظر إليهما قبل البلوغ إذا لم يبلغا مبلغاً يترتّب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة .

(مسألة 36) : لا بأس بتقبيل الرجل الصبيّة التي ليست له بمحرم ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ستّ سنين إذا لم يكن عن شهوة .

(مسألة 37) : لا يجوز للمملوك النظر إلى مالكته ، ولا للخصيّ النظر إلى مالكته أو غيرها ، كما لا يجوز للعنّين والمجبوب بلا إشكال ، بل ولا لكبير السنّ الذي هو شبه القواعد من النساء على الأحوط .

(مسألة 38) : الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه .

(مسألة 39) : لا بأس بسماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ ولا ريبة ؛ من غير فرق بين الأعمى والبصير ، وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه ، قال تعالى : (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ) .

ص: 614

(مسألة 40) : لا يجوز مصافحة الأجنبيّة ، نعم لا بأس(1) بها من وراء الثوب ، كما لا بأس بلمس المحارم .

(مسألة 41) : يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام ، ودعائهنّ إلى الطعام ، وتتأكّد الكراهة في الشابّة .

(مسألة 42) : يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه ، إلاّ بعد برده .

(مسألة 43) : لا يدخل الولد(2) على أبيه إذا كانت عنده زوجته ، إلاّ بعد الاستئذان ، ولا بأس(3) بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه .

(مسألة 44) : يفرّق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين ، وفي رواية : «إذا بلغوا ستّ سنين» .

(مسألة 45) : لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ مثل اليد والأنف واللسان ونحوها ، لا مثل السنّ والظفر والشعر(4) ونحوها .

(مسألة 46) : يجوز وصل شعر الغير بشعرها ، ويجوز لزوجها النظر إليه على كراهة ، بل الأحوط الترك(5) .

(مسألة 47) : لا تلازم بين جواز النظر وجواز المسّ ، فلو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة لا يجوز مسّها إلاّ من وراء الثوب .

ص: 615


1- - مع عدم الريبة والتلذّذ ، وكذا فيما بعده ولا يغمض كفّ الأجنبيّة لدى المصافحة .
2- - على الأحوط .
3- - في إطلاقه تأمّل .
4- - الأحوط ترك النظر إليه .
5- - لا يترك .

(مسألة 48) : إذا توقّف العلاج على النظر دون اللمس ، أو اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطرّ إليه ، فلا يجوز الآخر بجوازه .

(مسألة49) : يكره اختلاط النساء بالرجال إلاّ للعجائز، ولهنّ حضور الجمعة والجماعات.

(مسألة 50) : إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة ، وجب الاجتناب عن الجميع وكذا بالنسبة إلى من يجب التستّر عنه ومن لا يجب ، وإن كانت الشبهة غير محصورة(1) أو بدوية ، فإن شكّ في كونه مماثلاً أو لا ، أو شكّ في كونه من المحارم النسبية أو لا ، فالظاهر وجوب الاجتناب ؛ لأنّ الظاهر من آية وجوب الغضّ أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي ؛ وهو كونه مماثلاً أو من المحارم ، فمع الشكّ يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك ، فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتّى يكون من موارد أصل البراءة ، بل من قبيل المقتضي والمانع ، وإذا شكّ في

ص: 616


1- - لا يجب الاجتناب في الشبهة الغير المحصورة ؛ بأن تكون مرأة أجنبيّة - مثلاً - مختلطة بغير محصورة من النساء من غيرها ، ولو كانت محرّمة نسبية مختلطة بأجنبيّات غير محصورات لا يجب الاجتناب عن نكاح بعضهنّ بما لا يوجب الخروج عن عدم الحصر ، وأمّا الشبهة البدوية بين المماثل وغيره وبين المحرّمة النسبية وغيرها فالأحوط الاجتناب ، بل الأقوى في بعض الصور ، لكن لا لما في المتن ، فإنّه ضعيف ، وأمّا الشبهة البدوية فيما كانت مجرى الأصل كالشكّ في كونها اُختاً رضاعية أو أجنبيّة ، فلا يجوز النظر إليها ويجوز نكاحها .

كونه زوجة أو لا ، فيجري - مضافاً إلى ما ذكر من رجوعه إلى الشكّ في الشرط - أصالة عدم حدوث الزوجية ، وكذا لو شكّ في المحرمية من باب الرضاع ، نعم لو شكّ في كون المنظور إليه أو الناظر حيواناً أو إنساناً ، فالظاهر عدم وجوب الاحتياط ؛ لانصراف عموم وجوب الغضّ إلى خصوص الإنسان ، وإن كان الشكّ في كونه بالغاً أو صبيّاً أو طفلاً مميّزاً أو غير مميّز ، ففي وجوب الاحتياط وجهان ؛ من العموم على الوجه الذي ذكرنا ، ومن إمكان دعوى الانصراف ، والأظهر الأوّل(1) .

(مسألة 51) : يجب على النساء التستّر ، كما يحرم على الرجال النظر ، ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر ، نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة حال النساء ، ويجب عليهم التستّر مع العلم بتعمّد النساء في النظر من باب حرمة الإعانة(2) على الإثم .

(مسألة 52) : هل المحرّم من النظر ما يكون على وجه يتمكّن من التميّز بين الرجل والمرأة وأ نّه العضو الفلاني أو غيره ، أو مطلقه ، فلو رأى الأجنبيّة من بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلاً أو امرأة ، بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً هل هو حرام أو لا ؟ وجهان ، الأحوط(3) الحرمة .

ص: 617


1- - الأقوى جواز النظر .
2- - صدق الإعانة على الإثم ممنوع ، فلا يجب عليهم التستّر حتّى مع العلم بتعمّدها .
3- - الأقوى عدم الحرمة .

فصل : فيما يتعلّق بأحكام الدخول على الزوجة

وفيه مسائل :

(مسألة 1) : الأقوى - وفاقاً للمشهور - جواز وط ء الزوجة والمملوكة دبراً على كراهة شديدة ، بل الأحوط تركه ، خصوصاً مع عدم رضاها بذلك .

(مسألة 2) : قد مرّ في باب الحيض الإشكال في وط ء الحائض دبراً وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض .

(مسألة 3) : ذكر بعض الفقهاء ممّن قال بالجواز : أ نّه يتحقّق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً ، وهو مشكل ؛ لعدم الدليل على وجوب تمكينها في كلّ ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات حتّى يكون تركه نشوزاً .

(مسألة 4) : الوط ء في دبر المرأة كالوط ء في قبلها في وجوب الغسل ، والعدّة ، واستقرار المهر ، وبطلان الصوم ، وثبوت حدّ الزنا إذا كانت أجنبيّة ، وثبوت مهر المثل إذا وطئها شبهة ، وكون المناط فيه دخول الحشفة أو مقدارها(1) ، وفي حرمة البنت والاُمّ(2) وغير ذلك من أحكام المصاهرة المعلّقة على الدخول ، نعم في كفايته في حصول تحليل المطلّقة ثلاثاً إشكال(3) ، كما أنّ في كفاية الوط ء في القبل فيه بدون الإنزال أيضاً كذلك ؛ لما ورد في الأخبار من

ص: 618


1- - كفاية المسمّى في مقطوع الحشفة لا يخلو من قوّة كما مرّ .
2- - حرمتها غير متوقّفة على الدخول .
3- - الأقوى عدمها فيه ، والأحوط عدم الكفاية في القبل بدون الإنزال ، ولا يبعد عدم الكفاية في الوط ء في الدبر في الفرعين المتأخّرين أيضاً ، والظاهر كفاية الوط ء في القبل بلا إنزال في الأربعة أشهر وحصول الفئة في الإيلاء .

اعتبار ذوق عسيلته وعسيلتها فيه ، وكذا في كفايته في الوط ء الواجب في أربعة أشهر ، وكذا في كفايته في حصول الفئة والرجوع في الإيلاء أيضاً .

(مسألة 5) : إذا حلف على ترك وط ء امرأته في زمان أو مكان يتحقّق الحنث بوطئها دبراً، إلاّ أن يكون هناك انصراف إلى الوط ء في القبل من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة .

(مسألة 6) : يجوز العزل بمعنى إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ خارج الفرج في الأمة وإن كانت منكوحة بعقد الدوام ، والحرّة المتمتّع بها ، ومع إذنها وإن كانت دائمة ، ومع اشتراط ذلك عليها في العقد ، وفي الدبر ، وفي حال الاضطرار ؛ من ضرر أو نحوه ، وفي جوازه في الحرّة المنكوحة بعقد الدوام في غير ما ذكر قولان ؛ الأقوى ما هو المشهور من الجواز مع الكراهة ، بل يمكن أن يقال بعدمها أو أخفّيتها في العجوزة والعقيمة والسليطة والبذيّة والتي لا ترضع ولدها ، والأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي عشرة دنانير ؛ للخبر الوارد فيمن أفزع رجلاً عن عرسه فعزل عنها الماء ، من وجوب نصف خمس المائة - عشرة دنانير - عليه ، لكنّه في غير ما نحن فيه ولا وجه للقياس عليه ، مع أ نّه مع الفارق ، وأمّا عزل المرأة ؛ بمعنى منعها من الإنزال في فرجها ، فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج ، فإنّه منافٍ للتمكين الواجب عليها ، بل يمكن وجوب دية النطفة عليها . هذا ، ولا فرق في جواز العزل بين الجماع الواجب وغيره حتّى فيما يجب في كلّ أربعة أشهر .

(مسألة 7) : لا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من أربعة أشهر ؛ من غير فرق بين الدائمة والمتمتّع بها ولا الشابّة ولا الشائبة - على الأظهر - والأمة والحرّة ؛

ص: 619

لإطلاق الخبر ، كما أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والمسافر في غير السفر الواجب(1) ، وفي كفاية الوط ء في الدبر إشكال كما مرّ(2) ، وكذا في الإدخال بدون الإنزال(3) ؛ لانصراف الخبر إلى الوط ء المتعارف وهو مع الإنزال ، والظاهر عدم توقّف الوجوب على مطالبتها ذلك ، ويجوز تركه مع رضاها أو اشتراط ذلك حين العقد عليها ، ومع عدم التمكّن منه لعدم انتشار العضو ، ومع خوف الضرر عليه أو عليها ومع غيبتها باختيارها ومع نشوزها ، ولا يجب أزيد من الإدخال والإنزال ، فلا بأس بترك سائر المقدّمات من الاستمتاعات ، ولا يجري الحكم في المملوكة الغير المزوّجة ، فيجوز ترك وطئها مطلقاً .

(مسألة 8) : إذا كانت الزوجة من جهة كثرة ميلها وشبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر ؛ بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها ، فالأحوط المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها .

(مسألة 9) : إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة الأشهر لمانع ؛ من حيض أو نحوه ، أو عصياناً ، لا يجب عليه القضاء(4) ، نعم الأحوط إرضاؤها بوجه من الوجوه ؛ لأنّ الظاهر(5) أنّ ذلك حقّ لها عليه وقد فوّته عليها ، ثمّ اللازم عدم

ص: 620


1- - أو الضروري ولو عرفاً ، كسفر التجارة وتحصيل العلم ، دون ما كان لمجرّد الميل والتفريح والتفرّج على الأحوط .
2- - مرّ الكلام فيه .
3- - مرّ عدم اعتباره .
4- - أي تدارك ما فات بحيث لو ترك الثمانية لوجب عليه المرّتان ، لكن يجب عليه بعد مضيّ الأربعة وطؤها فوراً ففوراً ، ولا يسقط بتركه في رأس الأربعة .
5- - محلّ إشكال .

التأخير من وط ء إلى وط ء أزيد من الأربعة فمبدأ اعتبار الأربعة اللاحقة إنّما هو الوط ء المتقدّم لا حين انقضاء الأربعة المتقدّمة .

فصل : في وط ء الصغيرة

فصل

(مسألة 1) : لا يجوز وط ء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ؛ حرّة كانت أو أمة ، دواماً كان النكاح أو متعة ، بل لا يجوز وط ء المملوكة والمحلّلة كذلك ، وأمّا الاستمتاع بما عدا الوط ء من النظر واللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ فجائز في الجميع ولو في الرضيعة .

(مسألة 2) : إذا تزوّج صغيرة - دواماً أو متعة - ودخل بها قبل إكمال تسع سنين فأفضاها ، حرمت عليه أبداً على المشهور(1) ، وهو الأحوط وإن لم تخرج عن زوجيته ، وقيل بخروجها عن الزوجية أيضاً ، بل الأحوط حرمتها عليه بمجرّد الدخول وإن لم يفضها ، ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة وعدم حرمتها عليه أيضاً ، خصوصاً إذا كان جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، أو كان صغيراً أو مجنوناً ، أو كان بعد اندمال جرحها ، أو طلّقها ثمّ عقد عليها جديداً، نعم يجب عليه دية الإفضاء ، وهي دية النفس، ففي الحرّة نصف دية الرجل ، وفي الأمة أقلّ الأمرين من قيمتها ودية الحرّة ، وظاهر المشهور ثبوت الدية مطلقاً وإن أمسكها ولم يطلّقها ، إلاّ أنّ مقتضى حسنة حمران وخبر بريد المثبتين لها : عدم وجوبها عليه إذا لم يطلّقها ، والأحوط ما ذكره المشهور ،

ص: 621


1- - الأقوى عدم ترتّب غير الإثم مع عدم الإفضاء ، ومع الإفضاء حرمة وطئها أبداً مطلقاً مع بقاء زوجيتها وترتّب جميع آثارها عليها ، ويجب عليه نفقتها وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .

ويجب عليه أيضاً نفقتها ما دامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط .

(مسألة 3) : لا فرق في الدخول الموجب للإفضاء بين أن يكون في القبل أو الدبر ، والإفضاء أعمّ من أن يكون باتّحاد مسلكي البول والحيض ، أو مسلكي الحيض والغائط(1)، أو اتّحاد الجميع ، وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل(2).

(مسألة 4) : لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية على القول بها ووجوب النفقة ، المملوكة والمحلّلة والموطوءة بشبهة أو زناً ولا الزوجة الكبيرة . نعم تثبت الدية في الجميع - عدا الزوجة(3) الكبيرة إذا أفضاها بالدخول بها - حتّى في الزنا وإن كانت عالمة مطاوعة وكانت كبيرة(4) . وكذا لا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع ونحوه ، فلا تحرم عليه مؤبّداً ، نعم تثبت فيه الدية .

(مسألة 5) : إذا دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولا تثبت الدية كما مرّ ، ولكن الأحوط(5) الإنفاق عليها ما دامت حيّة .

(مسألة 6) : إذا كان المفضي صغيراً أو مجنوناً ، ففي كون الدية عليهما أو على عاقلتهما إشكال ، وإن كان الوجه الثاني لا يخلو عن قوّة(6) .

ص: 622


1- - على الأحوط في هذه الصورة .
2- - في مقابل الثاني لا الثالث .
3- - وعدا المملوكة إذا أفضاها مالكها .
4- - ثبوتها للكبيرة المطاوعة محلّ إشكال .
5- - وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
6- - محلّ تأمّل .

(مسألة 7) : إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء ضمن أرشه ، وكذا إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الأرش أو الدية ، ضمنه مع دية الإفضاء .

(مسألة 8) : إذا شكّ في إكمالها تسع سنين لا يجوز له وطؤها ؛ لاستصحاب(1) الحرمة السابقة ، فإن وطئها مع ذلك فأفضاها ولم يعلم بعد ذلك أيضاً كونها حال الوط ء بالغة أو لا ، لم تحرم أبداً ولو على القول بها ؛ لعدم إحراز كونه قبل التسع ، والأصل لا يثبت ذلك ، نعم يجب عليه الدية والنفقة عليها ما دامت حيّة .

(مسألة 9) : يجري عليها بعد الإفضاء جميع أحكام الزوجة ؛ من حرمة الخامسة ، وحرمة الاُخت ، واعتبار الإذن في نكاح بنت الأخ والاُخت ، وسائر الأحكام ولو على القول بالحرمة الأبدية ، بل يلحق به الولد وإن قلنا بالحرمة ؛ لأ نّه على القول(2) بها يكون كالحرمة حال الحيض .

(مسألة 10) : في سقوط وجوب الإنفاق عليها ما دامت حيّة بالنشوز إشكال(3) ؛ لاحتمال كون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة ، ولذا تثبت بعد الطلاق بل بعد التزويج بالغير ، وكذا في تقدّمها على نفقة الأقارب ، وظاهر المشهور أ نّها كما تسقط بموت الزوجة تسقط بموت الزوج أيضاً ، لكن يحتمل

ص: 623


1- - بل لاستصحاب أ نّها لم تبلغ ؛ بنحو السلب الرابط ، ويترتّب عليه جميع الأحكام ، وأمّا استصحاب عدم بلوغها بنحو السلب المحمولي فمثبت ، وكذا في نظائر المقام ممّا يترتّب الحكم على الكون الرابط أو السلب الرابط ، والتفصيل موكول إلى محلّه .
2- - أي على القول بحرمة وطئها أبداً .
3- - الأقرب عدم السقوط .

بعيداً عدم(1) سقوطها بموته ، والظاهر عدم سقوطها بعدم تمكّنه وتصير ديناً عليه ويحتمل بعيداً سقوطها ، وكذا تصير ديناً إذا امتنع من دفعها مع تمكّنه ؛ إذ كونها حكماً تكليفياً صرفاً بعيد . هذا بالنسبة إلى ما بعد الطلاق ، وإلاّ فما دامت في حبالته الظاهر أنّ حكمها حكم الزوجة .

فصل : في تعدّد الزوجات

فصل

لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع ؛ حرّاً كان أو عبداً ، والزوجة حرّة أو أمة ، وأمّا في الملك والتحليل فيجوز ولو إلى ألف ، وكذا في العقد الانقطاعي ، ولا يجوز للحرّ أن يجمع بين أزيد من أمتين ولا للعبد أن يجمع بين أزيد من حرّتين ، وعلى هذا فيجوز للحرّ أن يجمع بين أربع حرائر أو ثلاث وأمة أو حرّتين وأمتين ، وللعبد أن يجمع بين أربع إماء أو حرّة وأمتين أو حرّتين ، ولا يجوز له أن يجمع بين أمتين وحرّتين ، أو ثلاث حرائر ، أو أربع حرائر ، أو ثلاث إماء وحرّة ، كما لا يجوز للحرّ أيضاً أن يجمع بين ثلاث إماء وحرّة .

(مسألة 1) : إذا كان العبد مبعّضاً ، أو الأمة مبعّضة ، ففي لحوقهما بالحرّ أو القنّ إشكال ، ومقتضى الاحتياط(2) أن يكون العبد المبعّض كالحرّ بالنسبة إلى الإماء ، فلا يجوز له الزيادة على أمتين ، وكالعبد القنّ بالنسبة إلى الحرائر ، فلا يجوز له الزيادة على حرّتين ، وأن تكون الأمة المبعّضة كالحرّة بالنسبة إلى العبد وكالأمة بالنسبة إلى الحرّ ، بل يمكن أن يقال : إنّه بمقتضى القاعدة

ص: 624


1- - هذا الاحتمال ضعيف .
2- - لا يترك .

بدعوى : أنّ المبعّض حرّ وعبد ، فمن حيث حرّيته لا يجوز له أزيد من أمتين ، ومن حيث عبديته لا يجوز له أزيد من حرّتين ، وكذا بالنسبة إلى الأمة المبعّضة ، إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار الدالّة على أنّ الحرّ لا يزيد على أمتين والعبد لا يزيد على حرّتين منصرفة إلى الحرّ والعبد الخالصين ، وكذا في الأمة ، فالمبعّض قسم ثالث خارج عن الأخبار فالمرجع عمومات الأدلّة على جواز التزويج ، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع ، فيجوز له نكاح أربع حرائر أو أربع إماء ، لكنّه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحرّ الخالص ، وحينئذٍ فلا يبعد أن يقال : إنّ المرجع الاستصحاب ، ومقتضاه إجراء حكم العبد والأمة عليهما ، ودعوى تغيّر الموضوع كما ترى ، فتحصّل أنّ الأولى الاحتياط الذي ذكرنا أوّلاً ، والأقوى العمل بالاستصحاب وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما .

(مسألة 2) : لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فاُعتق وصار حرّاً ، لم يجز إبقاء الجميع ؛ لأنّ الاستدامة كالابتداء ، فلا بدّ من إطلاق الواحدة أو الاثنتين ، والظاهر كونه مخيّراً بينهما كما في إسلام الكافر عن أزيد من أربع ، ويحتمل القرعة ، والأحوط أن يختار هو القرعة(1) بينهنّ . ولو اُعتقت أمة أو أمتان ، فإن اختارت الفسخ ؛ حيث إنّ العتق موجب لخيارها بين الفسخ والبقاء فهو ، وإن اختارت البقاء يكون الزوج مخيّراً ، والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الاُولى .

(مسألة 3) : إذا كان عنده أربع وشكّ في أنّ الجميع بالعقد الدائم ، أو

ص: 625


1- - لا يترك الاحتياط بالقرعة في الفرعين .

البعض المعيّن أو غير المعيّن منهنّ بعقد الانقطاع ، ففي جواز نكاح الخامسة دواماً إشكال(1) .

(مسألة 4) : إذا كان عنده أربع فطلّق واحدة منهنّ وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز له ذلك إلاّ بعد خروجها عن العدّة ، وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان ؛ المشهور على الجواز لانقطاع العصمة بينه وبينها ، وربما قيل بوجوب الصبر إلى انقضاء عدّتها ؛ عملاً بإطلاق جملة من الأخبار ، والأقوى المشهور ، والأخبار محمولة على الكراهة . هذا ، ولو كانت الخامسة اُخت المطلّقة فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة لورود النصّ فيه(2) معللاًّ بانقطاع العصمة ، كما أ نّه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدّة لغير الطلاق كالفسخ بعيب أو نحوه ، وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر ، والنصّ الوارد بوجوب الصبر معارض بغيره ومحمول على الكراهة ، وأمّا إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول فلا عدّة حتّى يجب الصبر أو لا يجب .

فصل : في التزويج في عدّة الغير

فصل

لا يجوز التزويج في عدّة الغير دواماً أو متعة؛ سواء كانت عدّة الطلاق بائنة أو رجعية أو عدّة الوفاة أو عدّة وط ء الشبهة ؛ حرّة كانت المعتدّة أو أمة ، ولو تزوّجها حرمت عليه أبداً إذا كانا عالمين بالحكم والموضوع ، أو كان أحدهما عالماً بهما مطلقاً ؛ سواء دخل بها أو لا، وكذا مع جهلهما بهما لكن بشرط الدخول بها ،

ص: 626


1- - وإن كان الجواز أشبه .
2- - أي يستفاد من النصّ وإن لم يرد في خصوص المسألة .

ولا فرق في التزويج بين الدوام والمتعة ، كما لا فرق في الدخول بين القبل والدبر ، ولا يلحق بالعدّة أيّام استبراء الأمة ، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية ولو مع العلم والدخول ، بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوط ء قبل انقضائها ، فإنّ المحرّم فيها هو الوط ء دون سائر الاستمتاعات ، وكذا لا يلحق بالتزويج الوط ء بالملك أو التحليل ، فلو كانت مزوّجة فمات زوجها أو طلّقها ؛ وإن كان لا يجوز لمالكها وطؤها ولا الاستمتاع بها في أيّام عدّتها ولا تحليلها للغير ، لكن لو وطئها أو حلّلها للغير فوطئها لم تحرم أبداً عليه ، أو على ذلك الغير ولو مع العلم بالحكم والموضوع .

(مسألة 1) : لا يلحق بالتزويج في العدّة وط ء المعتدّة شبهة من غير عقد ، بل ولا زناً ، إلاّ إذا كانت العدّة رجعية ، كما سيأتي ، وكذا إذا كان بعقد فاسد لعدم تمامية أركانه ، وأمّا إذا كان بعقد تامّ الأركان وكان فساده لتعبّد شرعي - كما إذا تزوّج اُخت زوجته في عدّتها أو اُمّها أو بنتها أو نحو ذلك ؛ ممّا يصدق عليه التزويج وإن كان فاسداً شرعاً - ففي كونه كالتزويج الصحيح إلاّ من جهة كونه في العدّة وعدمه ؛ لأنّ المتبادر من الأخبار التزويج الصحيح من قطع النظر عن كونه في العدّة إشكال ، والأحوط الإلحاق في التحريم الأبدي فيوجب الحرمة مع العلم مطلقاً ومع الدخول في صورة الجهل .

(مسألة 2) : إذا زوّجه الوليّ في عدّة الغير مع علمه بالحكم والموضوع ، أو زوّجه الوكيل في التزويج بدون تعيين الزوجة كذلك ، لا يوجب الحرمة الأبدية؛ لأنّ المناط علم الزوج لا وليّه أو وكيله ، نعم لو كان وكيلاً في تزويج امرأة معيّنة وهي في العدّة، فالظاهر كونه كمباشرته بنفسه، لكن المدار علم الموكّل لا الوكيل.

ص: 627

(مسألة 3) : لا إشكال في جواز تزويج من في العدّة لنفسه ؛ سواء كانت عدّة الطلاق أو الوط ء شبهة أو عدّة المتعة أو الفسخ بأحد الموجبات أو المجوّزات له ، والعقد صحيح إلاّ في العدّة الرجعية، فإنّ التزويج فيها باطل لكونها بمنزلة الزوجة، وإلاّ في الطلاق الثالث الذي يحتاج إلى المحلّل، فإنّه أيضاً باطل، بل حرام، ولكن مع ذلك لا يوجب الحرمة الأبدية ، وإلاّ في عدّة الطلاق التاسع في الصورة التي تحرم أبداً ، وإلاّ في العدّة لوطئه زوجة الغير شبهة ، لكن لا من حيث كونها في العدّة ، بل لكونها ذات بعل ، وكذا في العدّة لوطئه في العدّة شبهة إذا حملت منه بناءً على عدم تداخل العدّتين ، فإنّ عدّة وط ء الشبهة حينئذٍ مقدّمة على العدّة السابقة التي هي عدّة الطلاق أو نحوه لمكان الحمل، وبعد وضعه تأتي بتتمّة العدّة السابقة ، فلا يجوز له تزويجها في هذه العدّة ؛ أعني عدّة وط ء الشبهة وإن كانت لنفسه ، فلو تزوّجها فيها عالماً أو جاهلاً بطل(1) ، ولكن في إيجابه التحريم الأبدي إشكال .

(مسألة 4) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط في الحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدّة أو يكفي كون التزويج في العدّة مع الدخول بعد انقضائها ؟ قولان ، الأحوط الثاني ، بل لا يخلو عن قوّة ؛ لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلى الدخول في العدّة .

(مسألة 5) : لو شكّ في أ نّها في العدّة أم لا ، مع عدم العلم سابقاً ، جاز التزويج ، خصوصاً إذا أخبرت بالعدم ، وكذا إذا علم كونها في العدّة سابقاً وشكّ في بقائها إذا أخبرت بالانقضاء ، وأمّا مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضى

ص: 628


1- - على تأمّل ، ولا يبعد عدم إيجابه التحريم .

استصحاب بقائها عدم جواز تزويجها ، وهل تحرم أبداً إذا تزوّجها مع ذلك ؟ الظاهر ذلك(1) ، وإذا تزوّجها باعتقاد خروجها عن العدّة ، أو من غير التفات إليها ، ثمّ أخبرت بأ نّها كانت في العدّة ، فالظاهر قبول قولها وإجراء حكم التزويج في العدّة ، فمع الدخول بها تحرم أبداً(2) .

(مسألة 6) : إذا علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل بها حكماً أو موضوعاً ، ولكن شكّ في أ نّه دخل بها حتّى تحرم أبداً أو لا ، يبني على عدم الدخول ، وكذا إذا علم بعدم الدخول بها وشكّ في أ نّها كانت عالمة أو جاهلة ، فإنّه يبني على عدم علمها ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية .

(مسألة 7) : إذا علم إجمالاً بكون إحدى الامرأتين المعيّنتين في العدّة ولم يعلمها بعينها وجب عليه ترك تزويجهما ، ولو تزوّج إحداهما بطل ، ولكن لا يوجب الحرمة(3) الأبدية ؛ لعدم إحراز كون هذا التزويج في العدّة ، نعم لو تزوّجهما معاً حرمتا عليه في الظاهر عملاً بالعلم الإجمالي .

(مسألة 8) : إذا علم أنّ هذه الامرأة المعيّنة في العدّة، لكن لا يدري أ نّها في عدّة نفسه أو في عدّة لغيره جاز له(4) تزويجها ؛ لأصالة عدم

ص: 629


1- - أي محكوم بذلك ظاهراً ما لم ينكشف الخلاف ، ومع ذلك في صورة عدم الدخول لا يخلو من إشكال .
2- - على الأحوط .
3- - الأحوط إيجابها إذا كانتا معتدّتين وعلم إجمالاً بخروج إحداهما من العدّة ، إلاّ إذا انكشف الخلاف .
4- - إلاّ إذا كان طرف العلم هو العدّة الرجعية لنفسها، والمسألة مطلقاً لا تخلو من تأمّل وإشكال.

كونها في عدّة الغير فحاله حال الشكّ البدوي .

(مسألة 9) : يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية تزويج ذات البعل ، فلو تزوّجها مع العلم بأ نّها ذات بعل حرمت عليه أبداً مطلقاً ؛ سواء دخل بها أم لا ، ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم إلاّ مع الدخول بها ؛ من غير فرق بين كونها حرّة أو أمة مزوّجة ، وبين الدوام والمتعة في العقد السابق واللاحق ، وأمّا تزويج أمة الغير بدون إذنه مع عدم كونها مزوّجة ، فلا يوجب الحرمة الأبدية وإن كان مع الدخول والعلم .

(مسألة 10) : إذا تزوّج امرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها ، كما إذا مات زوجها ولم يبلغها الخبر فإنّ عدّتها من حين بلوغ الخبر ، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو عن قوّة(1) .

(مسألة 11) : إذا تزوّج امرأة في عدّتها ودخل بها مع الجهل فحملت ، مع كونها مدخولة للزوج الأوّل ، فجاءت بولد ، فإن مضى من وط ء الثاني أقلّ من ستّة أشهر ولم يمض من وط ء الزوج الأوّل أقصى مدّة الحمل لحق الولد بالأوّل ، وإن مضى من وط ء الأوّل أقصى المدّة ومن وط ء الثاني ستّة أشهر أو أزيد إلى ما قبل الأقصى فهو ملحق بالثاني ، وإن مضى من الأوّل أقصى المدّة ومن الثاني أقلّ من ستّة أشهر فليس ملحقاً بواحد منهما ، وإن مضى من الأوّل ستّة فما فوق وكذا من الثاني ، فهل يلحق بالأوّل أو الثاني أو يقرع ؟ وجوه أو أقوال ، والأقوى لحوقه بالثاني ؛ لجملة من الأخبار ، وكذا إذا تزوّجها الثاني بعد تمام العدّة للأوّل واشتبه حال الولد .

ص: 630


1- - بل الثاني لا يخلو من قوّة .

(مسألة 12) : إذا اجتمعت عدّة وط ء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدّة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما ، فهل تتداخل العدّتان أو يجب التعدّد ؟ قولان ، المشهور على الثاني(1) وهو الأحوط ، وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة ؛ حملاً للأخبار الدالّة على التعدّد على التقيّة ؛ بشهادة خبر زرارة وخبر يونس ، وعلى التعدّد يقدّم ما تقدّم سببه ، إلاّ إذا كان إحدى العدّتين بوضع الحمل فتقدّم وإن كان سببها متأخّراً ؛ لعدم إمكان التأخير حينئذٍ ، ولو كان المتقدّمة عدّة وط ء الشبهة والمتأخّرة عدّة الطلاق الرجعي فهل يجوز الرجوع قبل مجيء زمان عدّته ؟ وهل ترث الزوج إذا مات قبله في زمان عدّة وط ء الشبهة ؟ وجهان ، بل قولان ، لا يخلو الأوّل منهما من قوّة ، ولو كانت المتأخّرة عدّة الطلاق البائن فهل يجوز تزويج المطلّق لها في زمان عدّة الوط ء قبل مجيء زمان عدّة الطلاق ؟ وجهان ، لا يبعد الجواز(2) بناءً على أنّ الممنوع في عدّة وط ء الشبهة وط ء الزوج لها لا سائر الاستمتاعات بها كما هو الأظهر ، ولو قلنا بعدم جواز التزويج حينئذٍ للمطلّق فيحتمل كونه موجباً للحرمة الأبدية أيضاً ؛ لصدق التزويج في عدّة الغير ، لكنّه بعيد ؛ لانصراف أخبار التحريم المؤبّد عن هذه الصورة . هذا ، ولو كانت العدّتان لشخص واحد كما إذا طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة في أثناء العدّة فلا ينبغي الإشكال(3) في التداخل ، وإن كان مقتضى إطلاق بعض العلماء التعدّد في هذه الصورة أيضاً .

(مسألة 13) : لا إشكال في ثبوت مهر المثل في الوط ء بالشبهة المجرّدة عن

ص: 631


1- - وهو الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلا يترك .
2- - بل لا يبعد عدم الجواز ، ولا يبعد كونه موجباً للحرمة الأبدية .
3- - الأحوط التعدّد في هذه الصورة أيضاً .

التزويج إذا كانت الموطوءة مشتبهة وإن كان الواطئ عالماً ، وأمّا إذا كان بالتزويج ففي ثبوت المسمّى أو مهر المثل قولان ، أقواهما الثاني(1) ، وإذا كان التزويج مجرّداً عن الوط ء فلا مهر أصلاً .

(مسألة 14) : مبدأ العدّة في وط ء الشبهة المجرّدة عن التزويج حين الفراغ من الوط ء ، وأمّا إذا كان مع التزويج فهل هو كذلك ، أو من حين تبيّن الحال ؟ وجهان ، والأحوط الثاني ، بل لعلّه الظاهر من الأخبار .

(مسألة 15) : إذا كانت الموطوءة بالشبهة عالمة ؛ بأن كان الاشتباه من طرف الواطئ فقط ، فلا مهر لها إذا كانت حرّة ؛ إذ لا مهر لبغيّ ، ولو كانت أمة ففي كون الحكم كذلك ، أو يثبت المهر لأ نّه حقّ السيّد ، وجهان(2) ، لا يخلو الأوّل منهما من قوّة .

(مسألة 16) : لا يتعدّد المهر بتعدّد الوط ء مع استمرار الاشتباه ، نعم لو كان مع تعدّد الاشتباه تعدّد(3) .

(مسألة 17) : لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل للزاني وغيره ، والأحوط الأولى(4) أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من مائه أو ماء غيره إن لم تكن حاملاً ، وأمّا الحامل فلا حاجة فيها إلى الاستبراء ، بل يجوز

ص: 632


1- - محلّ تأمّل .
2- - هنا وجه آخر لا يبعد أن يكون أوجه منهما ، وهو ثبوت عشر قيمتها للمولى إن كانت بكراً ، ونصف العشر إن كانت ثيّباً .
3- - محلّ تأمّل في بعض صوره ، لكنّه أحوط مطلقاً ، وأقوى في بعض الصور .
4- - لا يترك حتّى الإمكان .

تزويجها ووطؤها بلا فصل ، نعم الأحوط ترك تزويج المشهورة بالزنا إلاّ بعد ظهور توبتها ، بل الأحوط ذلك بالنسبة إلى الزاني بها ، وأحوط من ذلك ترك تزويج الزانية مطلقاً إلاّ بعد توبتها ، ويظهر ذلك بدعائها إلى الفجور ، فإن أبت ظهر توبتها .

(مسألة 18) : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرّة على ذلك ، ولا يجب عليه أن يطلّقها .

(مسألة 19) : إذا زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً ، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها أو طلاقه لها أو انقضاء مدّتها إذا كانت متعة ، ولا فرق على الظاهر بين كونه حال الزنا عالماً بأ نّها ذات بعل أو لا ، كما لا فرق بين كونها حرّة أو أمة ، وزوجها حرّاً أو عبداً ؛ كبيراً أو صغيراً ، ولا بين كونها مدخولاً بها من زوجها أو لا ، ولا بين أن يكون ذلك بإجراء العقد عليها وعدمه بعد فرض العلم بعدم صحّة العقد ، ولا بين أن تكون الزوجة مشتبهة أو زانية أو مكرهة ، نعم لو كانت هي الزانية وكان الواطئ مشتبهاً فالأقوى عدم الحرمة الأبدية ، ولا يلحق بذات البعل الأمة المستفرشة ولا المحلّلة ، نعم لو كانت الأمة مزوّجة فوطئها سيّدها لم يبعد الحرمة الأبدية عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال ، ولو كان الواطئ مكرهاً على الزنا فالظاهر(1) لحوق الحكم وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً .

(مسألة 20) : إذا زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً ، دون البائنة وعدّة الوفاة وعدّة المتعة والوط ء بالشبهة والفسخ ، ولو شكّ في كونها في العدّة

ص: 633


1- - بل الأحوط .

أو لا ، أو في العدّة الرجعية أو البائنة فلا حرمة ما دام باقياً على الشكّ ، نعم لو علم كونها في عدّة رجعية وشكّ في انقضائها وعدمه فالظاهر الحرمة ، خصوصاً إذا أخبرت هي بعدم الانقضاء ، ولا فرق بين أن يكون الزنا في القبل أو الدبر ، وكذا في المسألة السابقة .

(مسألة 21) : من لاط بغلام فأوقب - ولو بعض الحشفة - حرمت عليه اُمّه أبداً وإن علت ، وبنته وإن نزلت ، واُخته ؛ من غير فرق بين كونهما كبيرين ، أو صغيرين ، أو مختلفين ، ولا تحرم على الموطوء اُمّ الواطئ وبنته واُخته على الأقوى ، ولو كان الموطوء خنثى(1) حرمت اُمّها وبنتها على الواطئ ؛ لأ نّه إمّا لواط أو زناً وهو محرّم إذا كان سابقاً كما مرّ ، والأحوط(2) حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج ، خصوصاً إذا طلّقها وأراد تزويجها جديداً ، والاُمّ الرضاعية كالنسبية ، وكذلك الاُخت والبنت ، والظاهر عدم الفرق في الوط ء بين أن يكون عن علم وعمد واختيار أو مع الاشتباه ، كما إذا تخيّله امرأته أو كان مكرهاً أو كان المباشر(3) للفعل هو المفعول ، ولو كان الموطوء ميّتاً ففي التحريم إشكال(4) ، ولو شكّ في تحقّق الإيقاب وعدمه بنى على العدم ، ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة ، فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو اُخته أو اُمّه وإن كان الأولى الترك في ابنته .

ص: 634


1- - وكان الوط ء في دبرها .
2- - وإن كان الأقوى عدمها .
3- - على الأحوط في هذه الصورة ؛ إذا لم يتحقّق من الفاعل العمل .
4- - بل منع .

فصل : من المحرّمات الأبدية التزويج حال الإحرام

لا يجوز للمحرم أن يتزوّج امرأة محرمة أو محلّة ؛ سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل مع إجراء الوكيل العقد حال الإحرام ؛ سواء كان الوكيل محرماً أو محلاًّ وكانت الوكالة قبل الإحرام أو حاله ، وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع حال الإحرام أو قبله مع كونها حاله ؛ بناءً على النقل ، بل على الكشف(1) الحكمي ، بل الأحوط مطلقاً ، ولا إشكال في بطلان النكاح في الصور المذكورة ، وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أو لا ، وإن كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى ؛ دخل بها أو لم يدخل ، لكن العقد باطل على أيّ حال ، بل لو كان المباشر للعقد محرماً بطل وإن كان من له العقد محلاًّ ، ولو كان الزوج محلاًّ وكانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد ، لكن هل يوجب الحرمة الأبدية ؟ فيه قولان ، الأحوط الحرمة ، بل لا يخلو عن قوّة ، ولا فرق في البطلان والتحريم الأبدي بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا في النكاح بين الدوام والمتعة .

(مسألة 1) : لو تزوّج في حال الإحرام مع العلم بالحكم ، لكن كان غافلاً عن كونه محرماً ، أو ناسياً له ، فلا إشكال في بطلانه ، لكن في كونه محرّماً أبداً إشكال ، والأحوط ذلك .

(مسألة 2) : لا يلحق وط ء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزويج

ص: 635


1- - على الأحوط فيه .

في التحريم الأبدي ، فلا يوجبه وإن كان مع العلم بالحرمة والعمد .

(مسألة 3) : لو تزوّج في حال الإحرام ولكن كان باطلاً من غير جهة الإحرام كتزويج اُخت الزوجة أو الخامسة ، هل يوجب التحريم أو لا ؟ الظاهر ذلك ؛ لصدق التزويج فيشمله(1) الأخبار ، نعم لو كان بطلانه لفقد بعض الأركان بحيث لا يصدق عليه التزويج لم يوجب .

(مسألة 4) : لو شكّ في أنّ تزويجه هل كان في الإحرام أو قبله ؟ بنى على(2) عدم كونه فيه ، بل وكذا لو شكّ في أ نّه كان في حال الإحرام أو بعده على إشكال ، وحينئذٍ فلو اختلف الزوجان في وقوعه حاله أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً قدّم قول من يدّعي الصحّة ؛ من غير فرق بين جهل التأريخين أو العلم بتأريخ أحدهما ، نعم لو كان محرماً وشكّ في أ نّه أحلّ من إحرامه أو لا ، لا يجوز له التزويج ، فإن تزوّج مع ذلك بطل وحرمت عليه(3) أبداً ، كما هو مقتضى استصحاب بقاء الإحرام .

(مسألة 5) : إذا تزوّج حال الإحرام عالماً بالحكم والموضوع ، ثمّ انكشف فساد إحرامه صحّ العقد ولم يوجب الحرمة ، نعم لو كان إحرامه صحيحاً فأفسده(4) ثمّ تزوّج ففيه وجهان ؛ من أ نّه قد فسد ، ومن معاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه .

ص: 636


1- - فيه إشكال .
2- - أي بنى على صحّته ، وكذا فيما يتلوه على الأقوى .
3- - مع علمه بالحرمة ، وإنّما تكون الحرمة في الظاهر ما لم ينكشف الخلاف .
4- - لكنّه فرض غير واقع ، وما هو محلّ الكلام هو فساد الحجّ في بعض الموارد لا فساد الإحرام ، فإنّ الظاهر عدم فساده مع فساد الحجّ .

(مسألة 6) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعية ، وكذا تملّك الإماء .

(مسألة 7) : يجوز للمحرم أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّجه بعد إحلاله ، وكذا يجوز له أن يوكّل محرماً في أن يزوّجه بعد إحلالهما .

(مسألة 8) : لو زوّجه فضولي في حال إحرامه لم يجز له إجازته في حال إحرامه ، وهل له ذلك بعد إحلاله ؟ الأحوط العدم ولو على القول بالنقل . هذا إذا كان الفضولي محلاًّ ، وإلاّ فعقده باطل لا يقبل الإجازة ولو كان المعقود له محلاًّ .

فصل : في المحرّمات بالمصاهرة

وهي علاقة بين أحد الطرفين مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجية أو الملك ؛ عيناً أو انتفاعاً ، بالتحليل أو الوط ء شبهة أو زناً أو النظر أو اللمس في صورة مخصوصة .

(مسألة 1) : تحرم زوجة كلّ من الأب والابن على الآخر فصاعداً في الأوّل ونازلاً في الثاني ؛ نسباً أو رضاعاً ، دواماً أو متعة ، بمجرّد العقد وإن لم يكن دخل ، ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين الحرّ والمملوك .

(مسألة 2) : لا تحرم مملوكة الأب على الابن وبالعكس مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر ، وتحرم مع الدخول أو أحد الأمرين إذا كان بشهوة(1) ، وكذا لا تحرم المحلّلة لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة(2) .

ص: 637


1- - على الأحوط ، بل الأحوط مطلق اللمس والنظر إلى ما لا يحلّ لغير المالك .
2- - وملموسة ومنظورة .

(مسألة 3) : تحرم على الزوج اُمّ الزوجة وإن علت ؛ نسباً أو رضاعاً مطلقاً ، وكذا بنتها وإن نزلت بشرط الدخول بالاُمّ ؛ سواء كانت في حجره أو لا ، وإن كان تولّدها بعد خروج الاُمّ عن زوجيته ، وكذا تحرم اُمّ المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقاً وبنتها .

(مسألة 4) : لا فرق في الدخول بين القبل والدبر ، ويكفي الحشفة أو مقدارها(1) ، ولا يكفي الإنزال على فرجها من غير دخول وإن حبلت به ، وكذا لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم ؛ اختياراً أو جبراً منه أو منها .

(مسألة 5) : لا يجوز لكلّ من الأب والابن وط ء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل وإن لم تكن مدخولة له ، وإلاّ كان زانياً .

(مسألة 6) : يجوز للأب أن يقوّم مملوكة ابنه الصغير على نفسه ووطؤها ، والظاهر إلحاق الجدّ بالأب ، والبنت بالابن وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يعتبر إجراء صيغة البيع(2) أو نحوه وإن كان أحوط ، وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبيّ ، نعم يعتبر عدم المفسدة ، وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : إذا زنى الابن بمملوكة الأب حدّ ، وأمّا إذا زنى الأب بمملوكة الابن فالمشهور عدم الحدّ عليه ، وفيه إشكال .

(مسألة 8) : إذا وطئ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحدّ ، ولكن عليه مهر المثل ، ولو حبلت فإن كان الواطئ هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً ، وإن كان

ص: 638


1- - كفاية المسمّى في مقطوع الحشفة لا تخلو من قوّة .
2- - لكن يكون التقويم بعنوان التملّك في مقابل العوض .

الأب لم ينعتق إلاّ إذا كان اُنثى ، نعم يجب(1) على الأب فكّه إن كان ذكراً .

(مسألة 9) : لا يجوز نكاح بنت الأخ أو الاُخت على العمّة والخالة إلاّ بإذنهما ؛ من غير فرق بين الدوام والانقطاع ، ولا بين علم العمّة والخالة وجهلهما، ويجوز العكس وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين بالحال على الأقوى .

(مسألة 10) : الظاهر عدم الفرق بين الصغيرتين والكبيرتين والمختلفتين ، ولا بين اطّلاع العمّة والخالة على ذلك وعدم اطّلاعهما أبداً ، ولا بين كون مدّة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة على إشكال في بعض(2) هذه الصور ؛ لإمكان دعوى انصراف الأخبار .

(مسألة 11) : الظاهر(3) أنّ حكم اقتران العقدين حكم سبق العمّة والخالة .

(مسألة 12) : لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين .

(مسألة 13) : لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا .

(مسألة 14) : في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره وعدمها ، وكون اللازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً وجهان(4) .

(مسألة 15) : إذا أذنت ثمّ رجعت ولم يبلغه الخبر فتزوّج، لم يكفه الإذن السابق.

(مسألة 16) : إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم يؤثّر في البطلان .

ص: 639


1- - يحتاج إلى المراجعة .
2- - الأقوى التعميم .
3- - فيه إشكال ، بل الأشبه عكسه .
4- - الأحوط الثاني .

(مسألة 17) : الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور ؛ بأن وعدها أن يعطيها شيئاً فرضيت ثمّ لم يف بوعده ؛ سواء كان بانياً على الوفاء حين العقد أم لا ، نعم لو قيّدت الإذن بإعطاء شيء فتزوّج ثمّ لم يعط كشف عن بطلان الإذن والعقد وإن كان حين العقد بانياً على العمل به .

(مسألة 18) : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي ، لا أن يكون لحقّ منهما ، فلا يسقط بالإسقاط .

(مسألة 19) : إذا اشترط في عقد العمّة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الاُخت ، ثمّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط لم يصحّ العقد على إحدى البنتين ، وهل له إجبارهما في الإذن ؟ وجهان ، نعم إذا اشترط عليهما في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ أو الاُخت فالظاهر الصحّة(1) وإن أظهرتا الكراهة بعد هذا .

(مسألة 20) : إذا تزوّجهما من غير إذن ثمّ أجازتا ، صحّ على الأقوى .

(مسألة 21) : إذا تزوّج العمّة وابنة الأخ وشكّ في سبق عقد العمّة أو سبق عقد الابنة حكم بالصحّة ، وكذا إذا شكّ في السبق والاقتران بناءً على البطلان مع الاقتران .

(مسألة 22) : إذا ادّعت العمّة أو الخالة عدم الإذن ، وادّعى هو الإذن منهما ، قدّم قولهما ، وإذا كانت الدعوى بين العمّة وابنة الأخ - مثلاً - في الإذن وعدمه ، فكذلك قدّم قول العمّة .

ص: 640


1- - لو رجع الشرط إلى سقوط إذنه فالظاهر بطلان الشرط .

(مسألة 23) : إذا تزوّج ابنة الأخ أو الاُخت وشكّ في أ نّه هل كان عن إذن من العمّة والخالة أو لا ؟ حمل فعله على الصحّة .

(مسألة 24) : إذا حصل بنتية الأخ أو الاُخت بعد التزويج بالرضاع لم يبطل ، وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثمّ أسلم على وجه(1) .

(مسألة 25) : إذا طلّق العمّة أو الخالة طلاقاً رجعياً لم يجز تزويج إحدى البنتين إلاّ بعد خروجهما عن العدّة ، ولو كان الطلاق بائناً جاز من حينه .

(مسألة 26) : إذا طلّق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد على البنت ؛ لأنّ طلاق الخلع بائن ، وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد .

(مسألة 27) : هل يجري الحكم في المملوكتين والمختلفتين ؟ وجهان ، أقواهما العدم .

(مسألة 28) : الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة إذا كان بعد الوط ء ، بل قبله أيضاً على الأقوى ، فلو تزوّج امرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، وكذا لو زنى الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه ، وكذا الحال في اللواط الطارئ على التزويج ، فلو تزوّج امرأة ولاط بأخيها أو أبيها أو ابنها لم تحرم عليه امرأته ، إلاّ أنّ الاحتياط فيه لا يترك(2) ، وأمّا إذا كان الزنا سابقاً على التزويج ، فإن كان بالعمّة أو الخالة يوجب حرمة بنتيهما ، وإن كان بغيرهما ففيه خلاف ، والأحوط التحريم ، بل لعلّه

ص: 641


1- - فيه تأمّل .
2- - لا ينبغي تركه .

لا يخلو عن قوّة(1) ، وكذا الكلام في الوط ء بالشبهة ، فإنّه إن كان طارئاً لا يوجب الحرمة ، وإن كان سابقاً على التزويج أوجبها .

(مسألة 29) : إذا زنى بمملوكة أبيه ، فإن كان قبل أن يطأها الأب حرمت على الأب ، وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم ، وكذا الكلام إذا زنى الأب بمملوكة ابنه .

(مسألة 30) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر .

(مسألة 31) : إذا شكّ في تحقّق الزنا وعدمه ، بنى على العدم ، وإذا شكّ في كونه سابقاً أو لا ، بنى على كونه لاحقاً .

(مسألة 32) : إذا علم أ نّه زنى بأحد الامرأتين ولم يدر أيّتهما هي؟ وجب عليه الاحتياط إذا كان لكلّ منهما اُمّ أو بنت ، وأمّا إذا لم يكن لإحداهما اُمّ ولا بنت ، فالظاهر جواز(2) نكاح الاُمّ أو البنت من الاُخرى .

(مسألة 33) : لا فرق في الزنا بين كونه اختيارياً أو إجبارياً أو اضطرارياً ، ولا بين كونه في حال النوم أو اليقظة ، ولا بين كون الزاني بالغاً أو غير بالغ ، وكذا المزنيّ بها ، بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في فرجها نشر الحرمة على إشكال ، بل لو زنى بالميتة فكذلك على إشكال أيضاً ، وأشكل من ذلك لو أدخلت ذكر الميّت المتّصل ، وأمّا لو أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر .

(مسألة 34) : إذا كان الزنا لاحقاً فطلّقت الزوجة رجعياً ، ثمّ رجع الزوج في أثناء العدّة لم يعدّ سابقاً حتّى ينشر الحرمة ؛ لأنّ الرجوع إعادة الزوجية الاُولى ،

ص: 642


1- - في القوّة إشكال ، وكذا في الوط ء بالشبهة .
2- - هذا إذا كانت المرأة زانية لا مشتبهة .

وأمّا إذا نكحها بعد الخروج عن العدّة أو طلّقت بائناً فنكحها بعقد جديد ففي صحّة النكاح وعدمها وجهان ؛ من أنّ الزنا حين وقوعه لم يؤثّر في الحرمة ؛ لكونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضاً ، ومن أ نّه سابق بالنسبة إلى هذا العقد الجديد والأحوط النشر .

(مسألة 35) : إذا زوّجه رجل امرأة فضولاً فزنى باُمّها أو بنتها ثمّ أجاز العقد ، فإن قلنا بالكشف الحقيقي كان الزنا لاحقاً ، وإن قلنا بالكشف الحكمي(1) أو النقل كان سابقاً .

(مسألة 36) : إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة ، حرمت على ابنه ، وكذا العكس على الأقوى فيهما ، بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة ، كما إذا كان(2) للاختبار أو للطبابة أو كان اتّفاقياً ، بل وإن أوجب شهوة أيضاً ، نعم لو لمسها لإثارة الشهوة كما إذا مسّ فرجها أو ثديها أو ضمّها لتحريك الشهوة ، فالظاهر النشر .

(مسألة 37) : لا تحرم اُمّ المملوكة الملموسة والمنظورة على اللامس والناظر على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاجتناب ، كما أنّ الأحوط اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة اُمّها وإن كان الأقوى عدمه ، بل قد يقال : إنّ اللمس والنظر يقومان مقام الوط ء في كلّ مورد يكون الوط ء ناشراً للحرمة ، فتحرم الأجنبيّة الملموسة أو المنظورة شبهة أو حراماً على الأب والابن ، وتحرم اُمّها وبنتها حرّة كانت أو أمة ، وهو وإن كان أحوط ، إلاّ أنّ الأقوى خلافه ، وعلى ما

ص: 643


1- - فيه تأمّل .
2- - مرّ الكلام فيه .

ذكر فتنحصر الحرمة في مملوكة كلّ من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة أو منظورة بشهوة .

(مسألة 38) : في إيجاب النظر أو اللمس إلى الوجه والكفّين إذا كان بشهوة نظر ، والأقوى العدم وإن كان هو أحوط(1) .

(مسألة 39) : لا يجوز الجمع بين الاُختين في النكاح ؛ دواماً أو متعة ، سواء كانتا نسبيتين أو رضاعيتين أو مختلفتين(2) ، وكذا لا يجوز(3) الجمع بينهما في الملك مع وطئهما ، وأمّا الجمع بينهما في مجرّد الملك من غير وط ء فلا مانع منه ، وهل يجوز الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوط ء ؛ بأن لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالاُخرى بما دون الوط ء ؟ فيه نظر ، مقتضى بعض النصوص الجواز وهو الأقوى ، لكن الأحوط العدم .

(مسألة 40) : لو تزوّج بإحدى الاُختين وتملّك الاُخرى لا يجوز له وط ء المملوكة إلاّ بعد طلاق المزوّجة وخروجها عن العدّة إن كانت رجعية ، فلو وطئها قبل ذلك فعل حراماً ، لكن لا تحرم عليه الزوجة بذلك ولا يحدّ حدّ الزنا بوط ء المملوكة بل يعزّر ، فيكون حرمة وطئها كحرمة وط ء الحائض .

(مسألة 41) : لو وطئ إحدى الاُختين بالملك ، ثمّ تزوّج الاُخرى فالأظهر(4)

ص: 644


1- - لا يترك في اللمس بشهوة .
2- - كرضيعة من لبن فحل مع بنته النسبية التي لم ترتضع من لبنه ، فهما اُختان مختلفتا الانتساب لم تحصل اُختيتهما بالرضاعة ولا بالنسب ، بل بهما على الاختلاف .
3- - ما لا يجوز هو وطؤهما بالملك لا جمعهما فيه مع وطئهما .
4- - محلّ تأمّل .

بطلان التزويج ، وقد يقال بصحّته وحرمة وط ء الاُولى إلاّ بعد طلاق الثانية .

(مسألة 42) : لو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج بالاُخرى بطل عقد الثانية ؛ سواء كان بعد وط ء الاُولى أو قبله ، ولا يحرم بذلك وط ء الاُولى وإن كان قد دخل بالثانية ، نعم لو دخل بها مع الجهل بأ نّها اُخت الاُولى يكره له وط ء الاُولى قبل خروج الثانية عن العدّة ، بل قيل : يحرم ؛ للنصّ الصحيح ، وهو الأحوط(1) .

(مسألة 43) : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فإن علم تأريخ أحد العقدين حكم بصحّته دون المجهول ، وإن جهل تأريخهما حرم عليه وطؤهما ، وكذا وط ء إحداهما ، إلاّ بعد طلاقهما أو طلاق الزوجة الواقعية منهما ثمّ تزويج من شاء منهما بعقد جديد بعد خروج الاُخرى عن العدّة ، إن كان دخل بها أو بهما ، وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر عليهما ؟ لا يبعد ذلك(2) ؛ لقوله تعالى : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحسَانٍ) . وربما يقال بعدم وجوب الطلاق عليه وعدم إجباره وأ نّه يعيّن بالقرعة ، وقد يقال : إنّ الحاكم يفسخ نكاحهما . ثمّ مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما ما لم يطلّق ، ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكلّ منهما ،

ص: 645


1- - لا يترك .
2- - الأقرب هو الرجوع إلى القرعة في تعيين السابق منهما ، فتسقط الاحتمالات اللاحقة ، وكذا الحال في الرجوع إلى القرعة في نظائر المقام ، إلاّ بعض الموارد النادرة ممّا خرج عنها بالنصّ ، فحينئذٍ تستعمل بالنسبة إلى المهر لو طلّقها ، وما هو المعروف بين المتأخرين من الإشكال في أدلّة القرعة قد فرغنا عن جوابه في محلّه ، وأ نّه ممّا لا أساس له ، وأمّا الآية الشريفة التي تمسّك بها في المتن فهي غير مربوطة بالمسألة وإن تمسّك بها العلاّمة أيضاً .

وإن كان بعد الدخول فتمامه ، لكن ذكر بعضهم أ نّه لا يجب عليه إلاّ نصف المهر لهما فلكلّ منهما الربع في صورة عدم الدخول ، وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول ، والمسألة محلّ إشكال كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات .

(مسألة 44) : لو اقترن عقد الاُختين ؛ بأن تزوّجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الاُخرى في زمان واحد ، بطلا معاً ، وربما يقال بكونه مخيّراً في اختيار أيّهما شاء ؛ لرواية محمولة على التخيير بعقد جديد ، ولو تزوّجهما وشكّ في السبق(1) والاقتران حكم ببطلانهما أيضاً .

(مسألة 45) : لو كان عنده اُختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت عليه الاُخرى حتّى تموت الاُولى ، أو يخرجها عن ملكه ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ، ولو بأن يهبهما من ولده ، والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار وإن كان الأحوط اعتبار لزومه ، ولا يكفي على الأقوى ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية كالتزويج للغير والرهن والكتابة ونذر عدم المقاربة ونحوها ، ولو وطئها من غير إخراج للاُولى لم يكن زناً ، فلا يحدّ ويلحق به الولد ، نعم يعزّر .

(مسألة 46) : إذا وطئ الثانية بعد وط ء الاُولى حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم ، وحينئذٍ فإن أخرج الاُولى عن ملكه حلّت الثانية مطلقاً وإن كان ذلك بقصد الرجوع إليها ، وإن أخرج الثانية عن ملكه يشترط في حلّية الاُولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلى الاُولى ، وإلاّ لم تحلّ ، وأمّا في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً ، فلا يبعد بقاء الاُولى على حلّيتها والثانية على حرمتها ، وإن كان الأحوط عدم حلّية الاُولى إلاّ بإخراج الثانية ولو

ص: 646


1- - مع الجهل بتأريخهما .

كان بقصد الرجوع إلى الاُولى ، وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم .

(مسألة 47) : لو كانت الاُختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا ، فالأحوط لحوق الحكم من حرمة الجمع بينهما في النكاح والوط ء إذا كانتا مملوكتين .

(مسألة 48) : إذا تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ طلّقها رجعياً لا يجوز له نكاح الاُخرى إلاّ بعد خروج الاُولى عن العدّة ، وأمّا إذا كان بائناً ؛ بأن كان قبل الدخول ، أو ثالثاً ، أو كان الفراق بالفسخ لأحد العيوب ، أو بالخلع ، أو المباراة ، جاز له نكاح الاُخرى ، والظاهر عدم صحّة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج اُختها ، كما سيأتي في باب الخلع إن شاء اللّه ، نعم لو كان عنده إحدى الاُختين بعقد الانقطاع وانقضت المدّة ، لا يجوز له - على الأحوط - نكاح اُختها في عدّتها وإن كانت بائنة ؛ للنصّ الصحيح ، والظاهر أ نّه كذلك إذا وهب مدّتها وإن كان مورد النصّ انقضاء المدّة .

(مسألة 49) : إذا زنى بإحدى الاُختين جاز له نكاح الاُخرى في مدّة استبراء الاُولى ، وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح اُختها في عدّتها ؛ لأ نّها بائنة ، نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدّة ، خصوصاً في صورة كون الشبهة من طرفه والزنا من طرفها ؛ من جهة الخبر(1) الوارد في تدليس الاُخت التي نامت في فراش اُختها بعد لبسها لباسها .

(مسألة 50) : الأقوى جواز الجمع بين فاطميتين على كراهة ، وذهب جماعة

ص: 647


1- - هو صحيحة بريد العجلي ، وهي غير مربوطة بالمقام ، بل يمكن دعوى إشعارها بخلاف ما ذكره ، نعم الأحوط ترك وط ء الاُخت التي هي زوجته مع وط ء اُختها المدلّسة للصحيحة .

من الأخبارية إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية ، ومنهم من قال بالحرمة دون البطلان ، فالأحوط الترك ، ولو جمع بينهما فالأحوط طلاق الثانية أو طلاق الاُولى وتجديد العقد على الثانية بعد خروج الاُولى عن العدّة ، وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم البطلان ؛ لأ نّها تكليفية ، فلا تدلّ على الفساد . ثمّ الظاهر عدم الفرق في الحرمة أو الكراهة بين كون الجامع بينهما فاطمياً أو لا ، كما أنّ الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن كانت فاطمية من طرف الأبوين أو الأب ، فلا تجري في المنتسب إليها - صلوات اللّه عليها - من طرف الاُمّ ، خصوصاً إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدّات العاليات ، وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة وإن كان النصّ الوارد في المنع صحيحاً على ما رواه الصدوق في «العلل» بإسناده عن حمّاد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «لا يحلّ لأحد أن يجمع بين اثنتين من ولد فاطمة I إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها» قلت : يبلغها؟ قال علیه السلام : «إي واللّه» وذلك لإعراض المشهور عنه مع أنّ تعليله ظاهر في الكراهة ؛ إذ لا نسلم أنّ مطلق كون ذلك شاقّاً عليها إيذاء لها حتّى يدخل في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «من آذاها فقد آذاني» .

(مسألة 51) : الأحوط ترك تزويج الأمة دواماً مع عدم الشرطين ؛ من عدم التمكّن من المهر للحرّة وخوف العنت - بمعنى المشقّة أو الوقوع في الزنا - بل الأحوط(1) تركه متعة أيضاً ، وإن كان القول بالجواز فيها غير بعيد ، وأمّا مع الشرطين فلا إشكال في الجواز لقوله تعالى : (وَمَن لَمْ يَستَطِعْ . . .) إلى آخر الآية ، ومع ذلك الصبر أفضل في صورة عدم خوف الوقوع في الزنا ، كما لاإشكال

ص: 648


1- - لا يترك .

في جواز وطئها بالملك ، بل وكذا بالتحليل ، ولا فرق بين القنّ وغيره ، نعم الظاهر جوازه في المبعّضة(1) ؛ لعدم صدق الأمة عليها وإن لم يصدق الحرّة أيضاً .

(مسألة 52) : لو تزوّجها مع عدم الشرطين فالأحوط طلاقها ، ولو حصلا بعد التزويج جدّد نكاحها إن أراد على الأحوط .

(مسألة 53) : لو تحقّق الشرطان فتزوّجها ثمّ زالا أو زال أحدهما لم يبطل ، ولا يجب الطلاق .

(مسألة 54) : لو لم يجد الطول أو خاف العنت ولكن أمكنه الوط ء بالتحليل أو بملك اليمين ، يشكل جواز التزويج .

(مسألة 55) : إذا تمكّن من تزويج حرّة لا يقدر على مقاربتها لمرض أو رتق أو قرن أو صغر أو نحو ذلك فكما لم يتمكّن ، وكذا لو كانت عنده واحدة من هذه ، أو كانت زوجته الحرّة غائبة .

(مسألة 56) : إذا لم تكفه في صورة تحقّق الشرطين أمة واحدة يجوز الاثنتين ، أمّا الأزيد فلا يجوز كما سيأتي .

(مسألة 57) : إذا كان قادراً على مهر الحرّة ، لكنّها تريد أزيد من مهر أمثالها بمقدار يعدّ ضرراً عليه(2) ، فكصورة عدم القدرة ؛ لقاعدة نفي الضرر ، نظير سائر المقامات ، كمسألة وجوب الحجّ إذا كان مستطيعاً ولكن يتوقّف تحصيل الزاد والراحلة على بيع بعض أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ، أو على شراء الراحلة بأزيد

ص: 649


1- - فيه تأمّل .
2- - بل حرجاً عليه وكذا في أمثال المقام ، وأمّا قاعدة الضرر ففيها إشكال .

من ثمن المثل ، فإنّ الظاهر سقوط الوجوب وإن كان قادراً على ذلك ، والأحوط في الجميع اعتبار كون الزيادة ممّا يضرّ بحاله لا مطلقاً .

فصل : في الجمع بين الحرائر والإماء في التزويج

فصل

الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرّة مع إذنها ، والأحوط اعتبار الشرطين من عدم الطول وخوف العنت ، وأمّا مع عدم إذنها فلا يجوز وإن قلنا في المسألة المتقدّمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين ، بل هو باطل ، نعم لو أجازت بعد العقد صحّ على الأقوى بشرط تحقّق الشرطين على الأحوط ، ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين ، بل الأقوى عدم الفرق بين إمكان وط ء الحرّة وعدمه لمرض أو قرن أو رتق ، إلاّ مع عدم الشرطين ، نعم لا يبعد الجواز إذا لم تكن الحرّة قابلة للإذن لصغر أو جنون ، خصوصاً إذا كان عقدها انقطاعياً ، ولكن الأحوط مع ذلك المنع . وأمّا العكس وهو نكاح الحرّة على الأمة فهو جائز ، ولازم إذا كانت الحرّة عالمة بالحال ، وأمّا مع جهلها فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها إلى أهلها ، والأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال ، فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرّماً .

(مسألة 1) : لو نكح الحرّة والأمة في عقد واحد مع علم الحرّة صحّ ، ومع جهلها صحّ بالنسبة إليها وبطل بالنسبة إلى الأمة ، إلاّ مع إجازتها ، وكذا الحال لو تزوّجهما بعقدين في زمان واحد على الأقوى .

(مسألة 2) : لا إشكال في جواز نكاح المبعّضة على المبعّضة ، وأمّا على الحرّة ففيه إشكال وإن كان لا يبعد جوازه ؛ لأنّ الممنوع نكاح الأمة على الحرّة ، ولا تصدق الأمة على المبعّضة وإن كان لا يصدق أ نّها حرّة أيضاً .

ص: 650

(مسألة 3) : إذا تزوّج الأمة على الحرّة فماتت الحرّة أو طلّقها أو وهب مدّتها في المتعة أو انقضت لم يثمر في الصحّة ، بل لا بدّ من العقد على الأمة جديداً إذا أراد .

(مسألة 4) : إذا كان تحته حرّة فطلّقها طلاقاً بائناً ، يجوز له نكاح الأمة في عدّتها ، وأمّا إذا كان الطلاق رجعياً ففيه إشكال وإن كان لا يبعد الجواز ؛ لانصراف الأخبار عن هذه الصورة .

(مسألة 5) : إذا زوّجه فضولي حرّة ، فتزوّج أمة ثمّ أجاز عقد الفضولي ، فعلى النقل لا يكون من نكاح الأمة على الحرّة ، فلا مانع منه ، وعلى الكشف مشكل .

(مسألة 6) : إذا عقد على حرّة وعقد وكيله له على أمة وشكّ في السابق منهما لا يبعد صحّتهما وإن لم تجز الحرّة ، والأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرّة .

(مسألة 7) : لو شرط في عقد الحرّة ، أن تأذن في نكاح الأمة عليها صحّ ، ولكن إذا لم تأذن لم يصحّ ، بخلاف ما إذا شرط عليها أن يكون له نكاح الأمة .

فصل : في نكاح العبيد والإماء

فصل : في نكاح العبيد والإماء(1)

(مسألة 1) : أمر تزويج العبد والأمة بيد السيّد ، فيجوز له تزويجهما ولو من غير رضاهما ، أو إجبارهما على ذلك ، ولا يجوز لهما العقد على نفسهما من غير إذنه ، كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما كذلك ، حتّى لو كان لهما أب حرّ ، بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما حراماً ؛ إذا كان ذلك بقصد ترتيب

ص: 651


1- - قد أغمضنا عن هذا الفصل والفصلين التاليين ممّا تتعلّق بالعبيد والإماء ؛ لعدم الابتلاء بهما .

الأثر ولو لا مع إجازة المولى ، نعم لو كان ذلك بتوقّع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته ؛ لأ نّه ليس تصرّفاً في مال الغير عرفاً ، كبيع الفضولي مال غيره ، وأمّا عقدهما على نفسهما من غير إذن المولى ومن غيرهما بتوقّع الإجازة ، فقد يقال بحرمته ؛ لسلب قدرتهما وإن لم يكونا مسلوبي العبارة ، لكنّه مشكل ؛ لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلك ، وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه أو فضولة ، فإنّه ليس بحرام على الأقوى وإن قيل بكونه حراماً .

(مسألة 2) : لو تزوّج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته ، فإن أجاز صحّ ، وكذا الأمة على الأقوى ، والإجازة كاشفة ، ولا فرق في صحّته بها بين أن يكون بتوقّعها أو لا ، بل على الوجه المحرّم ، ولا يضرّه النهي ؛ لأ نّه متعلّق بأمر خارج متّحد ، والظاهر اشتراط عدم الردّ منه قبل الإجازة فلا تنفع الإجازة بعد الردّ ، وهل يشترط في تأثيرها عدم سبق النهي من المولى فيكون النهي السابق كالردّ بعد العقد أو لا ؟ وجهان ، أقواهما الثاني .

(مسألة 3) : لو باشر المولى تزويج عبده أو أجبره على التزويج ، فالمهر إن لم يعيّن في عين يكون في ذمّة المولى ، ويجوز أن يجعله في ذمّة العبد يتبع به بعد العتق مع رضاه ، وهل له ذلك قهراً عليه ؟ فيه إشكال ، كما إذا استدان على أن يكون الدين في ذمّة العبد من غير رضاه ، وأمّا لو أذن له في التزويج فإن عيّن كون المهر في ذمّته ، أو في ذمّة العبد ، أو في عين معيّن تعيّن ، وإن أطلق ففي كونه في ذمّته ، أو ذمّة العبد مع ضمانه له وتعهّده أداءه عنه ، أو كونه في كسب العبد وجوه ، أقواها الأوّل ؛ لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، وكون المهر عليه بعد عدم قدرة العبد على شيء وكونه كلاًّ على مولاه من لوازم الإذن في

ص: 652

التزويج عرفاً ، وكذا الكلام في النفقة ، ويدلّ عليه أيضاً في المهر رواية علي بن أبي حمزة ، وفي النفقة موثّقة عمّار الساباطي ، ولو تزوّج العبد من غير إذن مولاه ثمّ أجاز ففي كونه كالإذن السابق في كون المهر على المولى أو بتعهّده ، أو لا ، وجهان . ويمكن الفرق بين ما لو جعل المهر في ذمّته فلا دخل له بالمولى وإن أجاز العقد ، أو في مال معيّن من المولى أو في ذمّته ، فيكون كما عيّن أو أطلق فيكون على المولى ، ثمّ إنّ المولى إذا أذن فتارة : يعيّن مقدار المهر وتارة : يعمّم وتارة : يطلق ، فعلى الأوّلين لا إشكال ، وعلى الأخير ينصرف إلى المتعارف ، وإذا تعدّى وقف على إجازته وقيل يكون الزائد في ذمّته يتبع به بعد العتق ، وكذا الحال بالنسبة إلى شخص الزوجة فإنّه إن لم يعيّن ينصرف إلى اللائق بحال العبد من حيث الشرف والضعة ، فإن تعدّى وقف على إجازته .

(مسألة 4) : مهر الأمة المزوّجة للمولى ؛ سواء كان هو المباشر أو هي بإذنه أو بإجازته ، ونفقتها على الزوج إلاّ إذا منعها مولاها عن التمكين لزوجها ، أو اشترط كونها عليه ، وللمولى استخدامها بما لا ينافي حقّ الزوج ، والمشهور أنّ للمولى أن يستخدمها نهاراً ويخلّي بينها وبين الزوج ليلاً ، ولا بأس به ، بل يستفاد من بعض الأخبار ، ولو اشترطا غير ذلك فهما على شرطهما ، ولو أراد زوجها أن يسافر بها هل له ذلك من دون إذن السيّد ؟ قد يقال : ليس له ، بخلاف ما إذا أراد السيّد أن يسافر بها ، فإنّه يجوز له من دون إذن الزوج ، والأقوى العكس ؛ لأنّ السيّد إذا أذن بالتزويج فقد التزم بلوازم الزوجية والرجال قوّامون على النساء ، وأمّا العبد المأذون في التزويج فأمره بيد مولاه ، فلو منعه من الاستمتاع يجب عليه طاعته إلاّ ما كان واجباً عليه ؛ من الوط ء في كلّ أربعة أشهر ، ومن حقّ القسم .

ص: 653

(مسألة 5) : إذا أذن المولى للأمة في التزويج وجعل المهر لها صحّ على الأقوى من ملكية العبد والأمة وإن كان للمولى أن يتملّك ما ملكاه ، بل الأقوى كونه مالكاً لهما ولمالهما ملكية طولية .

(مسألة 6) : لو كان العبد أو الأمة لمالكين أو أكثر ، توقّف صحّة النكاح على إذن الجميع أو إجازتهم ، ولو كانا مبعّضين توقّف على إذنهما وإذن المالك وليس له إجبارهما حينئذٍ .

(مسألة 7) : إذا اشترت العبد زوجته بطل النكاح وتستحقّ المهر إن كان ذلك بعد الدخول ، وأمّا إن كان قبله ففي سقوطه أو سقوط نصفه أو ثبوت تمامه وجوه ؛ مبنيّة على أنّه بطلان أو انفساخ ، ثمّ هل يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول أو لا ؟ وعلى السقوط كلاًّ إذا اشترته بالمهر الذي كان لها في ذمّة السيّد بطل الشراء ؛ للزوم خلوّ البيع عن العوض ، نعم لا بأس به إذا كان الشراء بعد الدخول ؛ لاستقرار المهر حينئذٍ ، وعن العلاّمة في «القواعد» البطلان إذا اشترته بالمهر الذي في ذمّة العبد وإن كان بعد الدخول ؛ لأنّ تملّكها له يستلزم براءة ذمّته من المهر فيخلو البيع عن العوض ، وهو مبنيّ على عدم صحّة ملكية المولى في ذمّة العبد ، ويمكن منع عدم الصحّة مع أنّه لا يجتمع ملكيتها له ولما في ذمّته ، بل ينتقل ما في ذمّته إلى المولى بالبيع حين انتقال العبد إليها .

(مسألة 8) : الولد بين المملوكين رقّ ؛ سواء كان عن تزويج مأذون فيه أو مجاز أو عن شبهة مع العقد أو مجرّدة أو عن زناً منهما أو من أحدهما بلا عقد أو عن عقد معلوم الفساد عندهما أو عند أحدهما ، وأمّا إذا كان أحد الأبوين حرّاً فالولد حرّ إذا كان عن عقد صحيح أو شبهة مع العقد أو مجرّدة حتّى فيما لو

ص: 654

دلّست الأمة نفسها بدعواها الحرّية فتزوّجها حرّ على الأقوى ، وإن كان يجب عليه حينئذٍ دفع قيمة الولد إلى مولاها ، وأمّا إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحرّ بفساد العقد أو عن زناً من الحرّ أو منهما فالولد رقّ ، ثمّ إذا كان المملوكان لمالك واحد فالولد له ، وإن كان كلّ منهما لمالك فالولد بين المالكين بالسويّة إلاّ إذا اشترطا التفاوت أو الاختصاص بأحدهما . هذا إذا كان العقد بإذن المالكين أو مع عدم الإذن من واحد منهما ، وأمّا إذا كان بالإذن من أحدهما فالظاهر أ نّه كذلك ، ولكن المشهور أنّ الولد حينئذٍ لمن لم يأذن ، ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق الإذن بحيث يستفاد منه إسقاط حقّ نمائية الولد ؛ حيث إنّ مقتضى الإطلاق جواز التزويج بالحرّ أو الحرّة ، وإلاّ فلا وجه له ، وكذا لو كان الوط ء شبهة منهما ؛ سواء كان مع العقد أو شبهة مجرّدة ، فإنّ الولد مشترك ، وأمّا لو كان الولد عن زناً من العبد ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ الولد لمالك الأمة ؛ سواء كان من طرفها شبهة أو زناً .

(مسألة 9) : إذا كان أحد الأبوين حرّاً فالولد حرّ ، لا يصحّ اشتراط رقّيته على الأقوى في ضمن عقد التزويج ، فضلاً عن عقد خارج لازم ، ولا يضرّ بالعقد إذا كان في ضمن عقد خارج ، وأمّا إن كان في ضمن عقد التزويج فمبنيّ على فساد العقد بفساد الشرط وعدمه ، والأقوى عدمه ، ويحتمل الفساد وإن لم نقل به في سائر العقود إذا كان من له الشرط جاهلاً بفساده ؛ لأنّ في سائر العقود يمكن جبر تخلّف شرطه بالخيار بخلاف المقام ؛ حيث إنّه لا يجري خيار الاشتراط في النكاح ، نعم مع العلم بالفساد لا فرق ؛ إذ لا خيار في سائر العقود أيضاً .

(مسألة 10) : إذا تزوّج حرّ أمة من غير إذن مولاها حرم عليه وطؤها وإن

ص: 655

كان بتوقّع الإجازة ، وحينئذٍ فإن أجاز المولى كشف عن صحّته على الأقوى من كون الإجازة كاشفة ، وعليه المهر والولد حرّ ولا يحدّ حدّ الزنا وإن كان عالماً بالتحريم ، بل يعزّر ، وإن كان عالماً بلحوق الإجازة فالظاهر عدم الحرمة وعدم التعزير أيضاً ، وإن لم يجز المولى كشف عن بطلان التزويج ويحدّ حينئذٍ حدّ الزنا إذا كان عالماً بالحكم ولم يكن مشتبهاً من جهة اُخرى ، وعليه المهر بالدخول وإن كانت الأمة أيضاً عالمة على الأقوى ، وفي كونه المسمّى أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكراً ونصفه إن كانت ثيّباً وجوه ، بل أقوال ، أقواها الأخير ، ويكون الولد لمولى الأمة ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالحكم أو مشتبهاً من جهة اُخرى ، فلا يحدّ ويكون الولد حرّاً ، نعم ذكر بعضهم أنّ عليه قيمته يوم سقط حيّاً ، ولكن لا دليل عليه في المقام ، ودعوى أنّه تفويت لمنفعة الأمة ، كما ترى ؛ إذ التفويت إنّما جاء من قبل حكم الشارع بالحرّية وعلى فرضه فلا وجه لقيمة يوم التولّد ، بل مقتضى القاعدة قيمة يوم الانعقاد ؛ لأ نّه انعقد حرّاً فيكون التفويت في ذلك الوقت .

(مسألة 11) : إذا لم يجز المولى العقد الواقع على أمته ولم يردّه أيضاً حتّى مات ، فهل يصحّ إجازة وارثه له أم لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ لأ نّها على فرضها كاشفة ولا يمكن الكشف هنا ؛ لأنّ المفروض أ نّها كانت للمورّث وهو نظير من باع شيئاً ثمّ ملك .

(مسألة 12) : إذا دلّست أمة فادّعت : أنّها حرّة ، فتزوّجها حرّ ودخل بها ثمّ تبيّن الخلاف ، وجب عليه المفارقة وعليه المهر لسيّدها وهو العشر ونصف العشر على الأقوى ، لا المسمّى ولا مهر المثل ، وإن كان أعطاها المهر استردّ منها

ص: 656

إن كان موجوداً ، وإلاّ تبعت به بعد العتق ، ولو جاءت بولد ففي كونه حرّاً أو رقّاً لمولاها قولان ، فعن المشهور أ نّه رقّ ، ولكن يجب على الأب فكّه بدفع قيمته يوم سقط حيّاً ، وإن لم يكن عنده ما يفكّه به سعى في قيمته ، وإن أبى وجب على الإمام uدفعها من سهم الرقاب أو من مطلق بيت المال ، والأقوى كونه حرّاً كما في سائر موارد اشتباه الحرّ ؛ حيث إنّه لا إشكال في كون الولد حرّاً ، فلا خصوصية لهذه الصورة ، والأخبار الدالّة على رقّيته منزّلة على أنّ للمولى أخذه ليتسلّم القيمة ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على كونه حرّاً ، وعلى هذا القول أيضاً يجب عليه ما ذكر من دفع القيمة أو السعي أو دفع الإمام علیه السلام ، لموثّقة سماعة . هذا كلّه إذا كان الوط ء حال اعتقاده كونها حرّة ، وأمّا إذا وطئها بعد العلم بكونها أمة فالولد رقّ ؛ لأ نّه من زناً حينئذٍ ، بل وكذا لو علم سبق رقّيتها فادّعت : أنّ مولاها أعتقها ، ولم يحصل له العلم بذلك ولم يشهد به شاهدان ، فإنّ الوط ء حينئذٍ أيضاً لا يجوز ؛ لاستصحاب بقائها على الرقّية ، نعم لو لم يعلم سبق رقّيتها جاز له التعويل على قولها ، لأصالة الحرّية فلو تبيّن الخلاف لم يحكم برقّية الولد ، وكذا مع سبقها مع قيام البيّنة على دعواها .

(مسألة 13) : إذا تزوّج عبد بحرّة من دون إذن مولاه ولا إجازته كان النكاح باطلاً ، فلا تستحقّ مهراً ولا نفقة ، بل الظاهر أنّها تحدّ حدّ الزنا إذا كانت عالمة بالحال وأ نّه لا يجوز لها ذلك ، نعم لو كان ذلك لها بتوقّع الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حينئذٍ بحيث تكون شبهة في حقّها لم تحدّ ، كما أ نّه كذلك إذا علمت بمجيء الإجازة ، وأمّا إذا كان بتوقّع الإجازة وعلمت مع ذلك بعدم جواز ذلك فتحدّ مع عدم حصولها ، بخلاف ما إذا حصلت فإنّها تعزّر حينئذٍ لمكان تجرّيها ، وإذا جاءت بولد فالولد لمولى العبد مع كونه مشتبهاً ، بل مع كونه زانياً أيضاً ؛

ص: 657

لقاعدة النمائية بعد عدم لحوقه بالحرّة ، وأمّا إذا كانت جاهلة بالحال فلا حدّ والولد حرّ وتستحقّ عليه المهر يتبع به بعد العتق .

(مسألة 14) : إذا زنى العبد بحرّة من غير عقد ، فالولد حرّ وإن كانت الحرّة أيضاً زانية ، ففرق بين الزنا المجرّد عن عقد والزنا المقرون به مع العلم بفساده ؛ حيث قلنا إنّ الولد لمولى العبد .

(مسألة 15) : إذا زنى حرّ بأمة فالولد لمولاها وإن كانت هي أيضاً زانية ، وكذا لو زنى عبد بأمة الغير فإنّ الولد لمولاها .

(مسألة 16) : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده ، وكذا يجوز له أن ينكحه إيّاها ، والأقوى أ نّه حينئذٍ نكاح لا تحليل ، كما أنّ الأقوى كفاية أن يقول له : أنكحتك فلانة ، ولا يحتاج إلى القبول منه أو من العبد ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنّ الأمر بيده فإيجابه مغن عن القبول ، بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات مثل الوليّ والوكيل عن الطرفين ، وكذا إذا وكّل غيره في التزويج فيكفي قول الوكيل : أنكحت أمة موكّلي لعبده فلان ، أو أنكحت عبد موكّلي أمته ، وأمّا لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما فالظاهر الحاجة إلى الإيجاب والقبول .

(مسألة 17) : إذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة إلى الطلاق ، بل يكفي أمره إيّاهما بالمفارقة ولا يبعد جواز الطلاق أيضاً ؛ بأن يأمر عبده بطلاقها وإن كان لا يخلو من إشكال أيضاً .

(مسألة 18) : إذا زوّج عبده أمته يستحبّ أن يعطيها شيئاً ؛ سواء ذكره في العقد أو لا ، بل هو الأحوط ، وتملك الأمة ذلك بناءً على المختار من صحّة ملكية المملوك إذا ملّكه مولاه أو غيره .

ص: 658

(مسألة 19) : إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة فلهم أيضاً الأمر بالمفارقة بدون الطلاق ، والظاهر كفاية أمر أحدهم في ذلك .

(مسألة 20) : إذا زوّج الأمة غير مولاها من حرّ فأولدها جاهلاً بكونها لغيره ، عليه العشر أو نصف العشر لمولاها وقيمة الولد ، ويرجع بها على ذلك الغير ؛ لأ نّه كان مغروراً من قبله ، كما أ نّه إذا غرّته الأمة بتدليسها ودعواها الحرّية تضمن القيمة وتتبع به بعد العتق ، وكذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدين على حرّيتها .

(مسألة 21) : لو تزوّج أمة بين شريكين بإذنهما ثمّ اشترى حصّة أحدهما أو بعضها أو بعضاً من حصّة كلّ منهما بطل نكاحه ، ولا يجوز له بعد ذلك وطؤها ، وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها ، وهل يجوز له وطؤها إذا حلّلها الشريك قولان ، أقواهما نعم ؛ للنصّ ، وكذا لا يجوز وط ء من بعضه حرّ إذا اشترى نصيب الرقّية لا بالعقد ولا بالتحليل منها ، نعم لو هاياها فالأقوى جواز التمتّع بها في الزمان الذي لها ؛ عملاً بالنصّ الصحيح وإن كان الأحوط خلافه .

فصل : في الطوارئ

وهي العتق والبيع والطلاق . أمّا العتق ، فإذا أعتقت الأمة المزوّجة كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد ، بل مطلقاً وإن كانت تحت حرّ على الأقوى ، والظاهر عدم الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع ، نعم الحكم مخصوص بما إذا أعتق كلّها ، فلا خيار لها مع عتق بعضها على الأقوى ، نعم إذا أعتق البعض الآخر أيضاً ولو بعد مدّة كان لها الخيار .

(مسألة 1) : إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر ، وهل هو لمولاها أو

ص: 659

لها ، أو تابع للجعل في العقد ؟ فإن جعل لها فلها ، وإلاّ فله ، ولمولاها في الصورة الاُولى تملّكه كما في سائر الموارد ؛ إذ له تملّك مال مملوكه بناءً على القول بالملكية ، لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها وأمّا بعد انعتاقها فليس له ذلك ، وإن كان قبل الدخول ففي سقوطه أو سقوط نصفه أو عدم سقوطه أصلاً وجوه ، أقواها الأخير وإن كان مقتضى الفسخ الأوّل ، وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ ؛ لاحتمال كونه من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة ، والقياس على الطلاق في ثبوت النصف لا وجه له .

(مسألة 2) : إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده ، فإن كان المهر جعل لها فلها ، وإن جعل للمولى أو أطلق ففي كونه لها أو له قولان ، أقواهما الثاني ؛ لأ نّه ثابت بالعقد وإن كان يستقرّ بالدخول والمفروض أ نّها كانت أمة حين العقد .

(مسألة 3) : لو كان نكاحها بالتفويض ، فإن كان بتفويض المهر فالظاهر أنّ حاله حال ما إذا عيّن في العقد ، وإن كان بتفويض البضع فإن كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين فحاله حال ما إذا عيّن حين العقد ، وإن كان قبل الدخول فالظاهر أنّ المهر لها ؛ لأ نّه يثبت حينئذٍ بالدخول والمفروض حرّيتها حينه .

(مسألة 4) : إذا كان العتق في العدّة الرجعية فالظاهر أنّ الخيار باقٍ ، فإن اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذٍ ، وإن اختارت البقاء بقي له حقّ الرجوع ، ثمّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدّد العدّة ، بل يكفيها عدّة واحدة ، ولكن عليها تتميمها عدّة الحرّة ، وإن كانت بائنة فلا خيار لها على الأقوى .

ص: 660

(مسألة 5) : لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم .

(مسألة 6) : الخيار على الفور - على الأحوط - فوراً عرفياً ، نعم لو كانت جاهلة بالعتق أو بالخيار أو بالفورية جاز لها الفسخ بعد العلم ولا يضرّه التأخير حينئذٍ .

(مسألة 7) : إن كانت صبيّة أو مجنونة فالأقوى أنّ وليّها يتولّى خيارها .

(مسألة 8) : لا يجب على الزوج إعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم تعلم ، بل يجوز له إخفاء الأمر عليها .

(مسألة 9) : ظاهر المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين أن يكون المولى هو المباشر لتزويجها ، أو أذنها فاختارت هي زوجاً برضاها ، ولكن يمكن دعوى انصراف الأخبار إلى صورة مباشرة المولى بلا اختيار منها .

(مسألة 10) : لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها فالظاهر صحّته .

(مسألة 11) : لو اُعتق العبد لا خيار له ولا لزوجته .

(مسألة 12) : لو كان عند العبد حرّة وأمتان فاُعتقت إحدى الأمتين ، فهل لها الخيار أو لا ؟ وجهان ، وعلى الأوّل إن اختارت البقاء فهل يثبت للزوج التخيير أو يبطل نكاحها ؟ وجهان ، وكذا إذا كان عنده ثلاث أو أربع إماء فاُعتقت إحداها ، ولو اُعتق في هذا الفرض جميعهنّ دفعة ففي كون الزوج مخيّراً وبعد اختياره يكون التخيير للباقيات ، أو التخيير من الأوّل للزوجات فإن اخترن البقاء فله التخيير ، أو يبطل نكاح الجميع ، وجوه .

ص: 661

فصل : في العقد وأحكامه

(مسألة 1) : يشترط في النكاح الصيغة ؛ بمعنى الإيجاب والقبول اللفظيّين ، فلا يكفي التراضي الباطني ولا الإيجاب والقبول الفعليّين ، وأن يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط ، فلا يكفي بلفظ المتعة في النكاح الدائم وإن كان لا يبعد كفايته مع الإتيان بما يدلّ(1) على إرادة الدوام ، ويشترط العربية مع التمكّن منها ولو بالتوكيل(2) على الأحوط ، نعم مع عدم التمكّن منها ولو بالتوكيل يكفي غيرها من الألسنة إذا أتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج ، والأحوط اعتبار الماضوية وإن كان الأقوى عدمه ، فيكفي المستقبل والجملة الخبرية كأن يقول : اُزوّجك ، أو أنا مزوّجك فلانة ، كما أنّ الأحوط تقديم الإيجاب على القبول وإن كان الأقوى جواز العكس(3) أيضاً ، وكذا الأحوط(4) أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج وإن كان الأقوى جواز العكس ، وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» ولا يبعد كفاية «رضيت» ولا يشترط ذكر المتعلّقات فيجوز الاقتصار على لفظ «قبلت» من دون أن يقول : قبلت النكاح لنفسي أو لموكّلي بالمهر المعلوم ، والأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر كأن يقول : زوّجني فلانة ، فقال : زوّجتكها ، وإن كان الأحوط خلافه(5) .

ص: 662


1- - أي يجعله ظاهراً في الدوام ، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- - وإن كان الجواز مع عجز نفسه لا يخلو من قوّة وإن تمكّن من التوكيل .
3- - بمثل «تزوّجت» لا بمثل «قبلت» .
4- - لا يترك .
5- - لا يترك .

(مسألة 2) : الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء وإن تمكّن من التوكيل على الأقوى .

(مسألة 3) : لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة .

(مسألة 4) : لا يجب التطابق بين الإيجاب والقبول في ألفاظ المتعلّقات ، فلو قال : أنكحتك فلانة ، فقال : قبلت التزويج ، أو بالعكس كفى ، وكذا لو قال : على المهر المعلوم ، فقال الآخر : على الصداق المعلوم ، وهكذا في سائر المتعلّقات .

(مسألة 5) : يكفي على الأقوى في الإيجاب لفظ «نعم» بعد الاستفهام ، كما إذا قال : زوّجتني فلانة بكذا؟ فقال : نعم ، فقال الأوّل : قبلت ، لكن الأحوط(1) عدم الاكتفاء .

(مسألة 6) : إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيّراً للمعنى لم يكف ، وإن لم يكن مغيّراً فلا بأس به إذا كان في المتعلّقات ، وإن كان في نفس اللفظين ، كأن يقول : جوّزتك(2) ، بدل «زوّجتك» فالأحوط عدم الاكتفاء به ، وكذا اللحن في الإعراب .

(مسألة 7) : يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة .

(مسألة 8) : لا يشترط في المجري للصيغة أن يكون عارفاً بمعنى الصيغة تفصيلاً ؛ بأن يكون مميّزاً للفعل والفاعل والمفعول ، بل يكفي(3) علمه إجمالاً بأنّ معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج ، لكن الأحوط العلم التفصيلي .

ص: 663


1- - لا يترك .
2- - لا يكفي بمثل ذلك ممّا يكون اللحن مغيّراً للمعنى .
3- - إذا كان جاهلاً باللغة بحيث لا يفهم أنّ العلقة تحصل بلفظ «زوّجت» مثلاً أو بلفظ «موكّلتي» فصحّته محلّ إشكال وإن علم أنّ هذه الجملة لهذا المعنى .

(مسألة 9) : يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول ، وتكفي العرفية منها ، فلا يضرّ الفصل في الجملة بحيث يصدق معه أنّ هذا قبول لذلك الإيجاب ، كما لا يضرّ الفصل بمتعلّقات العقد من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت .

(مسألة 10) : ذكر بعضهم : أ نّه يشترط اتّحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو كان القابل غائباً عن المجلس ، فقال الموجب : زوّجت فلاناً فلانة ، وبعد بلوغ الخبر إليه قال : قبلت ، لم يصحّ ، وفيه : أ نّه لا دليل على اعتباره من حيث هو ، وعدم الصحّة في الفرض المذكور إنّما هو من جهة الفصل الطويل أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ؛ لعدم التخاطب ، وإلاّ فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدّد المجلس صحّ ، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنّه يسمع صوته ويقول : قبلت ، بلا فصل مضرّ ، فإنّه يصدق عليه المعاقدة .

(مسألة 11) : ويشترط فيه التنجيز كما في سائر العقود ، فلو علّقه على شرط أو مجيء زمان بطل ، نعم لو علّقه على أمر محقّق معلوم كأن يقول : إن كان هذا يوم الجمعة زوّجتك فلانة ، مع علمه بأ نّه يوم الجمعة صحّ ، وأمّا مع عدم علمه فمشكل .

(مسألة 12) : إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته ، فإن أرادا البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح ، وإن أرادا الفراق فالأحوط الطلاق ، وإن كان يمكن التمسّك بأصالة عدم التأثير(1) في الزوجية ، وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي ، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحّته ، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق .

ص: 664


1- - هذا الأصل ممّا لا أصل له ، نعم يجري بعض اُصول اُخر لكن المجري هو المجتهد .

(مسألة 13) : يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ والعقل ؛ سواء كان عاقداً لنفسه أو لغيره ، وكالة أو ولاية أو فضولاً ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ ولا المجنون ولو كان أدوارياً حال جنونه ، وإن أجاز وليّه أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته على المشهور ، بل لا خلاف فيه لكنّه في الصبيّ الوكيل عن الغير محلّ تأمّل ؛ لعدم الدليل على سلب عبارته(1) إذا كان عارفاً بالعربية ، وعلم قصده حقيقة ، وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا ، وكذا إذا كان لنفسه بإذن الوليّ أو إجازته أو أجاز هو بعد البلوغ ، وكذا لا اعتبار بعقد السكران ، فلا يصحّ ولو مع الإجازة بعد الإفاقة ، وأمّا عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان ؛ فالمشهور أ نّه كذلك ، وذهب جماعة إلى الصحّة ، مستندين إلى صحيحة ابن بزيع، ولا بأس بالعمل بها وإن كان الأحوط خلافه ؛ لإمكان حملها على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول ، مع أنّ المشهور لم يعملوا بها وحملوها على محامل ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 14) : لا بأس بعقد السفيه إذا كان وكيلاً عن الغير في إجراء الصيغة ، أو أصيلاً مع إجازة الوليّ ، وكذا لا بأس بعقد المكره على إجراء الصيغة للغير أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك .

(مسألة 15) : لا يشترط الذكورة في العاقد ، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة ، كما يجوز إجراؤها لنفسها .

(مسألة 16) : يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد ، فلو أوجب

ص: 665


1- - الأقوى سلب عبارته .

ثمّ جنّ أو اُغمي عليه قبل مجيء القبول لم يصحّ ، وكذا لو أوجب ثمّ نام ، بل أو غفل عن العقد بالمرّة ، وكذا الحال في سائر العقود ، والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة مضافاً إلى دعوى الإجماع وانصراف الأدلّة .

(مسألة 17) : يشترط تعيين الزوج والزوجة على وجه يمتاز كلّ منهما عن غيره بالاسم أو الوصف الموجب له أو الإشارة ، فلو قال : زوّجتك إحدى بناتي ، بطل ، وكذا لو قال : زوّجت بنتي أحد ابنيك أو أحد هذين ، وكذا لو عيّن كلّ منهما غير ما عيّنه الآخر ، بل وكذا لو عيّنا معيّناً من غير معاهدة بينهما ، بل من باب الاتّفاق ، صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر ، وأمّا لو كان ذلك مع المعاهدة(1) لكن لم يكن هناك دالّ على ذلك ؛ من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة ، فلا يبعد الصحّة وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يلزم تميّز ذلك المعيّن عندهما حال العقد ، بل يكفي التميّز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك ، كما إذا قال : زوّجتك بنتي الكبرى ، ولم يكن حال العقد عالماً بتأريخ تولّد البنتين لكن بالرجوع إلى الدفتر يحصل له العلم ، نعم إذا كان مميّزاً واقعاً ولكن لم يمكن العلم به ظاهراً كما إذا نسي تأريخ ولادتهما ولم يمكنه العلم به ، فالأقوى البطلان(2) ؛ لانصراف الأدلّة عن مثله ، فالقول بالصحّة والتشخيص بالقرعة ضعيف .

ص: 666


1- - إذا تقاولا وتعاهدا على معيّن فعقدا بلا فصل مبنيّاً عليه ، فالظاهر الصحّة ، كما إذا قال بعد ذلك : زوّجت بنتي منك ، لكنّه من قبيل القرينة الخارجية الحافّة بالكلام ، نعم لو قال بعد التعاهد : زوّجت إحدى بناتي ، يشكل الصحّة .
2- - محلّ إشكال ، فلا يترك التخلّص بالاحتياط .

(مسألة 18) : لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة(1) اُخذ بما هو المقصود واُلغي ما وقع غلطاً ، مثلاً لو قال : زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة ، وتبيّن أنّ اسمها خديجة صحّ العقد على خديجة التي هي الكبرى ، ولو قال : زوّجتك فاطمة وهي الكبرى ، فتبيّن أ نّها صغرى صحّ على فاطمة ؛ لأ نّها المقصود ووصفها بأ نّها كبرى وقع غلطاً فيلغى ، وكذا لو قال : زوّجتك هذه وهي فاطمة أو وهي الكبرى ، فتبيّن أنّ اسمها خديجة أو أ نّها صغرى ، فإنّ المقصود تزويج المشار إليها وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأ نّها كبرى وقع غلطاً فيلغى .

(مسألة 19) : إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين(2) وعدمه حتّى يكون العقد صحيحاً أو باطلاً ، فالقول قول مدّعي الصحّة ، كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها ، وكما في سائر العقود ، وإن اتّفق الزوج ووليّ الزوجة على أنّهما عيّنا معيّناً ، وتنازعا فيه أ نّها فاطمة أو خديجة ، فمع عدم البيّنة المرجع التحالف ، كما في سائر العقود ، نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فيها ، وهي ما إذا كان لرجل عدّة بنات فزوّج واحدة ، ولم يسمّها عند العقد ولا عيّنها بغير الاسم لكنّه قصدها معيّنة ، واختلفا فيها ، فالمشهور على الرجوع إلى التحالف الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوي ، وذهب جماعة إلى التفصيل بين ما لو كان الزوج رآهنّ جميعاً فالقول قول الأب ، وما لو لم يرهنّ فالنكاح باطل ، ومستندهم صحيحة أبي

ص: 667


1- - لكن إذا كان المقصود العقد على الكبرى فتخيّل أنّ المرأة الحاضرة هي الكبرى فقال : زوّجتك هذه وهي الكبرى ، فالصحّة بالنسبة إلى الحاضرة لا تخلو من وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .
2- - بعد اتّفاقهما في وقوع العقد والاختلاف في التعيين واللا تعيين .

عبيدة الحذّاء ؛ وهي وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ إعراض المشهور عنها مضافاً إلى مخالفتها للقواعد مع إمكان حملها على بعض المحامل يمنع عن العمل بها ، فقول المشهور لا يخلو عن قوّة ، ومع ذلك الأحوط(1) مراعاة الاحتياط ، وكيف كان لا يتعدّى عن موردها .

(مسأله 20) : لا يصحّ نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم ذكوريته أو اُنوثيته ، وذلك لانصراف الأدلّة ، كما لا يصحّ البيع أو الشراء منه ولو بتولّي الوليّ وإن قلنا بصحّة الوصيّة له عهدية ، بل أو تمليكية أيضاً .

(مسألة 21) : لا يشترط في النكاح علم كلّ من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر ؛ ممّا يختلف به الرغبات وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلّته ، فلا يضرّ بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها ، فلا تجري قاعدة الغرر هنا .

فصل : في مسائل متفرّقة

الاُولى : لا يجوز في النكاح دواماً أو متعة اشتراط الخيار في نفس العقد ، فلو شرطه بطل ، وفي بطلان العقد به قولان ؛ المشهور على أ نّه باطل ، وعن ابن إدريس أنّه لا يبطل ببطلان الشرط المذكور ، ولا يخلو قوله عن قوّة ؛ إذ لا فرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه ، مع أنّ المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد ، ودعوى كون هذا الشرط منافياً لمقتضى العقد بخلاف سائر الشروط الفاسدة التي لا يقولون بكونها مفسدة ، كما ترى . وأمّا اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه ، ولكن لا بدّ من تعيين مدّته ، وإذا فسخ قبل انقضاء المدّة يكون

ص: 668


1- - لا يترك .

كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل . هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر المهر ، وأمّا في المتعة ؛ حيث إنّها لا تصحّ بلا مهر ، فاشتراط الخيار في المهر فيها مشكل .

الثانية : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادّعت امرأة زوجية رجل فصدّقها ، حكم لهما(1) بذلك في ظاهر الشرع ، ويرتّب جميع آثار الزوجية بينهما ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، ولقاعدة الإقرار ، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر ، ولا فرق في ذلك بين كونهما بلديّين معروفين أو غريبين ، وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فيجري عليهما قواعد الدعوى ، فإن كان للمدّعي بيّنة ، وإلاّ فيحلف المنكر ، أو يردّ اليمين فيحلف المدّعي ويحكم له بالزوجية ، وعلى المنكر ترتيب آثاره في الظاهر(2) لكن يجب على كلّ منهما العمل على الواقع بينه وبين اللّه ، وإذا حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما ، لكن المدّعي مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه ، فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة ولا اُمّ المنكرة ولا بنتها مع الدخول بها ولا بنت أخيها أو اُختها إلاّ برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها(3) ، نعم لا يجب عليه نفقتها لنشوزها بالإنكار ، وإن كانت هي المدّعية لا يجوز لها التزويج بغيره ، إلاّ إذا طلّقها ولو بأن يقول : هي طالق إن كانت زوجتي ، ولا يجوز لها السفر من دون إذنه ، وكذا كلّ ما يتوقّف على إذنه ، ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجية

ص: 669


1- - مع الاحتمال .
2- - بمقدار لا يمكن التخلّص عنه لو كان عالماً ، بخلاف مدّعي الزوجية ، وإن كان المنكر هو الزوج يجب عليه الطلاق في الظاهر ، أو تجديد النكاح مع الإمكان .
3- - ولا يجوز لها أخذه ، فلو كان الزوج عالماً بالواقعة يجب عليه إيصال المهر بنحو إليها .

بينهما ؟ فيه قولان ، والأقوى السماع إذا أظهر عذراً لإنكاره ولم يكن متّهماً وإن كان ذلك بعد الحلف ، وكذا المدّعي إذا رجع عن دعواه وكذّب نفسه ، نعم يشكل السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البيّنة منه على دعواه ، إلاّ إذا كذّبت البيّنة أيضاً نفسها .

الثالثة : إذا تزوّج امرأة تدّعي خلوّها عن الزوج فادّعى زوجيتها رجل آخر ، لم تسمع دعواه إلاّ بالبيّنة ، نعم له مع عدمها على كلّ منهما اليمين ، فإن وجّه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها ، وإن نكلت أو ردّت اليمين عليه فحلف ، لا يكون حلفه حجّة على الزوج وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها ؛ سواء كان عالماً بكذب المدّعي أو لا وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدّعي ، وإن كان الأحوط حينئذٍ طلاقها ، فيبقى النزاع بينه وبين الزوج ، فإن حلف سقط دعواه بالنسبة إليه أيضاً ، وإن نكل(1) أو ردّ اليمين عليه فحلف ، حكم له بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الردّ عليه ، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها كما إذا وجّه الدعوى أوّلاً عليه ، والحاصل : أنّ هذه دعوى على كلّ من الزوج والزوجة ، فمع عدم البيّنة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا(2) أو ردّ اليمين عليه فحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكلّ حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه ، والزوجة لم تحلف بل ردّت اليمين على المدّعي ، أو نكلت وردّ الحاكم عليه فحلف وإن كان لا يتسلّط عليها لمكان حقّ

ص: 670


1- - الظاهر عدم ثبوت الحقّ بمجرّد النكول ، بل يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ، فإن حلف يثبت الحقّ والمسألة سيّالة .
2- - مرّ الكلام فيه .

الزوج ، إلاّ أ نّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إليه ؛ سواء قلنا إنّ اليمين المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البيّنة أو قسم ثالث ، نعم في استحقاقها النفقة والمهر المسمّى على الزوج إشكال ، خصوصاً إن قلنا إنّه بمنزلة الإقرار أو البيّنة . هذا كلّه إذا كانت منكرة لدعوى المدّعي ، وأمّا إذا صدّقته وأقرّت بزوجيته فلا يسمع بالنسبة إلى حقّ الزوج ، ولكنّها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحقّ النفقة على الزوج ولا المهر المسمّى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها ؛ لأ نّها بغيّة بمقتضى إقرارها ، إلاّ أن تظهر عذراً في ذلك ، وتردّ على المدّعي بعد موت الزوج أو طلاقه ، إلى غير ذلك .

الرابعة : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل يجوز لها أن تتزوّج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأوّل ، وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها أو لا ، إلاّ بعد فراغها من المدّعي ؟ وجهان ؛ من أ نّها قبل ثبوت دعوى المدّعي خليّة ومسلّطة على نفسها ، ومن تعلّق حقّ المدّعي بها وكونها في معرض ثبوت زوجيتها للمدّعي ، مع أنّ ذلك تفويت حقّ المدّعي إذا ردّت الحلف عليه وحلف ، فإنّه ليس حجّة على غيرها وهو الزوج ، ويحتمل التفصيل بين ما إذا طالت الدعوى ، فيجوز للضرر عليها بمنعها حينئذٍ ، وبين غير هذه الصورة ، والأظهر الوجه الأوّل ، وحينئذٍ فإن أقام المدّعي بيّنة وحكم له بها ، كشف عن فساد العقد عليها ، وإن لم يكن له بيّنة وحلفت بقيت على زوجيتها ، وإن ردّت اليمين على المدّعي وحلف ففيه وجهان ؛ من كشف كونها زوجة للمدّعي فيبطل العقد عليها ، ومن أنّ اليمين المردودة لا تكون مسقطة لحقّ الغير وهو الزوج ، وهذا هو الأوجه ، فيثمر فيما إذا طلّقها الزوج أو مات عنها ، فإنّها حينئذٍ تردّ على المدّعي ، والمسألة سيّالة تجري في دعوى الأملاك وغيرها أيضاً واللّه العالم .

ص: 671

الخامسة : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فأنكرت ، وادّعت زوجية امرأة اُخرى لا يصحّ شرعاً زوجيتها لذلك الرجل مع الامرأة الاُولى- كما إذا كانت اُخت الاُولى أو اُمّها أو بنتها - فهناك دعويان إحداهما من الرجل على الامرأة ، والثانية من الامرأة الاُخرى على ذلك الرجل ، وحينئذٍ فإمّا أن لا يكون هناك بيّنة لواحد من المدّعيين أو يكون لأحدهما دون الآخر أو لكليهما ، فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فإن حلفا سقطت الدعويان ، وكذا إن نكلا وحلف كلّ من المدّعيين اليمين المردودة ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر وحلف مدّعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأوّل وثبت مدّعى الثاني ، وعلى الثاني - وهو ما إذا كان لأحدهما بيّنة - ثبت مدّعى من له البيّنة ، وهل تسقط دعوى الآخر أو يجري عليه قواعد الدعوى ، من حلف المنكر أو ردّه ؟ قد يدّعى القطع بالثاني ؛ لأنّ كلّ دعوى لا بدّ فيها من البيّنة والحلف ، ولكن لا يبعد(1) تقوية الوجه الأوّل ؛ لأنّ البيّنة حجّة شرعية وإذا ثبت بها زوجية إحدى الامرأتين لا يمكن معه زوجية الاُخرى ؛ لأنّ المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجية إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجية الاُخرى ، وعلى الثالث فإمّا أن يكون البيّنتان مطلقتين أو مورّختين متقارنتين أو تأريخ إحداهما أسبق من الاُخرى ، فعلى الأوّلين تتساقطان ويكون كما لو لم يكن بيّنة أصلاً ، وعلى الثالث ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد بالزوجية من ذلك التأريخ إلى زمان الثانية ، وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية فكذلك إذا كانت الامرأتان الاُمّ والبنت مع تقدّم تأريخ البنت ، بخلاف الاُختين والاُمّ والبنت مع تقدّم تأريخ الاُمّ ؛ لإمكان صحّة العقدين ؛ بأن طلّق الاُولى وعقد على الثانية في الاُختين ، وطلّق

ص: 672


1- - الأقرب هو الوجه الأوّل .

الاُمّ مع عدم الدخول بها ، وحينئذٍ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان(1) . هذا ، ولكن وردت رواية تدلّ على تقديم بيّنة الرجل ، إلاّ مع سبق بيّنة الامرأة المدّعية ، أو الدخول بها في الاُختين ، وقد عمل بها المشهور في خصوص الاُختين ، ومنهم من تعدّى إلى الاُمّ والبنت أيضاً ، ولكن العمل بها حتّى في موردها مشكل(2) ؛ لمخالفتها للقواعد وإمكان حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد .

السادسة : إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ اشتراها بإذن المولى ، فإن اشتراها للمولى بقي نكاحها على حاله ولا إشكال في جواز وطئها ، وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها وحلّت له بالملك على الأقوى من ملكية العبد(3) ، وهل يفتقر وطؤها حينئذٍ إلى الإذن من المولى أو لا ؟ وجهان ، أقواهما ذلك ؛ لأنّ الإذن السابق إنّما كان بعنوان الزوجية وقد زالت بالملك ، فيحتاج إلى الإذن الجديد ، ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى الزوجية ، وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجية ، وكذا إن اشتراها في الذمّة ؛ لانصرافه إلى ذمّة نفسه ، وفي الحاجة إلى الإذن الجديد وعدمها الوجهان .

السابعة : يجوز تزويج امرأة تدّعي أ نّها خليّة من الزوج من غير فحص ، مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدّع ذلك ولكن دعت الرجل إلى تزويجها ، أو أجابت إذا دعيت إليه ، بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل

ص: 673


1- - فيه تفصيل .
2- - لا إشكال فيه ، ولا بأس بمخالفتها للقواعد .
3- - ملكيته محلّ تأمّل ، كما أنّ بطلان النكاح بها محلّ تأمّل .

سابقاً وادّعت طلاقها أو موته ، نعم لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط(1) الفحص عن حالها ، ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته ؛ إذا ادّعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن أو بإخبار المخبرين وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .

الثامنة : إذا ادّعت امرأة أ نّها خليّة ، فتزوّجها رجل ، ثمّ ادّعت بعد ذلك كونها ذات بعل لم تسمع دعواها ، نعم لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينها وبينه وإن لم يكن هناك زوج معيّن ، بل شهدت بأ نّها ذات(2) بعل على وجه الإجمال .

التاسعة : إذا وكّلا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معين ، لا يجوز لهما المقاربة بعد مضيّ ذلك الزمان ، إلاّ إذا حصل لهما العلم بإيقاعه ، ولا يكفي الظنّ بذلك وإن حصل من إخبار مخبر بذلك وإن كان ثقة(3) ، نعم لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة ، بل مطلقاً ؛ لأنّ قول الوكيل حجّة فيما وكّل فيه .

فصل : في أولياء العقد

وهم : الأب ، والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعداً ، فلا يندرج فيه أب اُمّ الأب - والوصيّ لأحدهما(4) مع فقد الآخر ، والسيّد بالنسبة إلى مملوكه ،

ص: 674


1- - والأولى .
2- - بأن تشهد بأ نّها كانت ذات بعل وتزوّجت من الثاني حين كونها كذلك .
3- - على الأحوط .
4- - المسألة مشكلة ، لا يترك فيها الاحتياط .

والحاكم(1) ، ولا ولاية للاُمّ ولا الجدّ من قبلها ولو من قبل اُمّ الأب ، ولا الأخ والعمّ والخال وأولادهم .

(مسألة 1) : تثبت ولاية الأب والجدّ على الصغيرين والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، بل والمنفصل على الأقوى ، ولا ولاية لهما على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة ، واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال ؛ وهي : استقلال الوليّ ، واستقلالها ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، والعكس ، والتشريك بمعنى اعتبار إذنهما معاً ، والمسألة مشكلة ، فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان منهما ، ولو تزوّجت من دون إذن الأب أو زوّجها الأب من دون إذنها وجب إمّا إجازة الآخر أو الفراق بالطلاق ، نعم إذا عضلها الوليّ ؛ أي منعها من التزويج بالكفو مع ميلها سقط اعتبار إذنه ، وأمّا إذا منعها من التزويج بغير الكفو شرعاً فلا يكون عضلاً ، بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفو عرفاً ممّن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وإن كان كفواً شرعياً ، وكذا لو منعها من التزويج بكفو معيّن مع وجود كفو آخر ، وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها إلى التزويج .

(مسألة 2) : إذا ذهبت بكارتها بغير الوط ء من وثبة ونحوها ، فحكمها حكم البكر ، وأمّا إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال ، ولا يبعد الإلحاق(2) بدعوى أنّ المتبادر من البكر من لم تتزوّج ، وعليه فإذا تزوّجت

ص: 675


1- - في بعض الموارد ، ويأتي الكلام فيه .
2- - بل لا يبعد عدمه ، لكن لا يترك الاحتياط فيه وفي تاليه .

ومات عنها أو طلّقها قبل أن يدخل بها ، لا يلحقها حكم البكر ، ومراعاة الاحتياط أولى .

(مسألة 3) : لا يشترط في ولاية الجدّ حياة الأب ولا موته ، والقول بتوقّف ولايته على بقاء الأب كما اختاره جماعة ضعيف ، وأضعف منه القول بتوقّفها على موته كما اختاره بعض العامّة .

(مسألة 4) : لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها ، بل هو لازم عليها ، وكذا الصغير على الأقوى ، والقول بخياره في الفسخ والإمضاء ضعيف ، وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته .

(مسألة 5) : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبيّ ، ويحتمل(1) عدم الصحّة بالإجازة أيضاً ، بل الأحوط مراعاة المصلحة ، بل يشكل الصحّة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الآخر بحسب الشرف أو من أجل كثرة المهر أو قلّته بالنسبة إلى الصغير ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهّي نفسه .

(مسألة 6) : لو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل ، أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإلاّ ففي صحّة العقد وبطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد أيضاً قولان ، أقواهما(2) الثاني ، والمراد من البطلان عدم النفوذ ؛ بمعنى توقّفه على إجازتها بعد البلوغ ،

ص: 676


1- - لكنّه ضعيف .
2- - الأقوى هو صحّة العقد مع عدم المفسدة ، وتوقّف صحّة المهر على الإجازة ، ومع عدم الإجازة يرجع إلى مهر المثل .

ويحتمل(1) البطلان ولو مع الإجازة بناءً على اعتبار وجود المجيز في الحال .

(مسألة 7) : لا يصحّ نكاح السفيه(2) المبذّر إلاّ بإذن الوليّ ، وعليه أن يعيّن المهر والمرأة ، ولو تزوّج بدون إذنه وقف على إجازته ، فإن رأى المصلحة وأجاز صحّ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة؛ لأ نّه ليس كالمجنون والصبيّ مسلوب العبارة، ولذا يصحّ وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الوليّ .

(مسألة 8) : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليات ، لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصياته ؛ من تعيين الزوجة وكيفية الإمهار ونحو ذلك ، فالظاهر كونه كالسفيه(3) في الماليات في الحاجة إلى إذن الوليّ وإن لم أر من تعرّض له .

(مسألة 9) : كلّ من الأب والجدّ مستقلّ في الولاية ، فلا يلزم الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر ، فأيّهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق محلّ للآخر ، ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ، وكذا إن جهل(4) التأريخان ، وأمّا إن علم تأريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تأريخ عقد الجدّ قدّم أيضاً ، وإن كان المعلوم تأريخ عقد الأب احتمل تقدّمه ، لكن الأظهر(5) تقديم عقد الجدّ ؛ لأنّ

ص: 677


1- - مرّ ضعفه .
2- - إذا حجر عليه للتبذير ، نعم السفيه المتّصل سفهه بزمان الصغر محجور مطلقاً .
3- - لا يبعد فيمن اتّصل زمان سفهه بزمان صغره ، دون غيره .
4- - الأقوى فيه لزوم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما .
5- - بل الأظهر تقدّمه ، وما تشبّث به غير وجيه .

المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولوية الجدّ ما لم يكن الأب زوّجها قبله ، فشرط تقديم عقد الأب كونه سابقاً ، وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجدّ أولى ، فتحصّل : أنّ اللازم تقديم عقد الجدّ في جميع الصور إلاّ في صورة معلومية سبق عقد الأب ، ولو تشاحّ الأب والجدّ فاختار كلّ منهما واحداً قدّم اختيار الجدّ ، ولو بادر الأب فعقد فهل يكون باطلاً أو يصحّ ؟ وجهان ، بل قولان ؛ من كونه سابقاً فيجب تقديمه ، ومن أنّ لازم أولوية اختيار الجدّ عدم صحّة خلافه ، والأحوط مراعاة الاحتياط ، ولو تشاحّ الجدّ الأسفل والأعلى هل يجري عليهما حكم الأب والجدّ أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني(1) ؛ لأ نّهما ليسا أباً وجدّاً ، بل كلاهما جدّ فلا يشملهما ما دلّ على تقديم الجدّ على الأب .

(مسألة 10) : لا يجوز للوليّ تزويج المولّى عليه بمن به عيب ؛ سواء كان من العيوب المجوّزة للفسخ أو لا ؛ لأ نّه خلاف المصلحة ، نعم لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز ، وحينئذٍ لا خيار له ولا للمولّى عليه إن لم يكن من العيوب المجوّزة للفسخ ، وإن كان منها ففي ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه أو إفاقته وعدمه - لأنّ المفروض إقدام الوليّ مع علمه به - وجهان ، أوجههما الأوّل ؛ لإطلاق أدلّة تلك العيوب وقصوره بمنزلة جهله ، وعلم الوليّ ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار للمولّى عليه ، وغاية ما تفيد المصلحة إنّما هو صحّة العقد فتبقى أدلّة الخيار بحالها ، بل ربما يحتمل ثبوت الخيار للوليّ أيضاً من باب استيفاء ما للمولّى عليه من الحقّ ، وهل له إسقاطه أم لا ؟ مشكل ، إلاّ أن يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك ، وأمّا إذا كان الوليّ جاهلاً بالعيب ولم يعلم به

ص: 678


1- - لا يبعد أوجهية الأوّل .

إلاّ بعد العقد ، فإن كان من العيوب المجوّزة للفسخ فلا إشكال في ثبوت الخيار له وللمولّى عليه إن لم يفسخ ، وللمولّى عليه فقط إذا لم يعلم به الوليّ إلى أن بلغ أو أفاق ، وإن كان من العيوب الاُخر فلا خيار للوليّ ، وفي ثبوته للمولّى عليه وعدمه وجهان(1) ؛ أوجههما ذلك ؛ لأ نّه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج ، بل يمكن أن يقال : إنّ العقد فضولي حينئذٍ ، لا أ نّه صحيح وله الخيار .

(مسألة 11) : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى .

(مسألة 12) : للوصيّ(2) أن يزوّج المجنون المحتاج إلى الزواج ، بل الصغير أيضاً ، لكن بشرط نصّ الموصي عليه ؛ سواء عيّن الزوجة أو الزوج أو أطلق ، ولا فرق بين أن يكون وصيّاً من قبل الأب أو من قبل الجدّ ، لكن بشرط عدم وجود الآخر ، وإلاّ فالأمر إليه .

(مسألة 13) : للحاكم الشرعي تزويج من لا وليّ له ، من الأب والجدّ والوصيّ ، بشرط الحاجة إليه ، أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة .

(مسألة 14) : يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فتوكّل أخاها ، وإن تعدّد اختارت الأكبر .

ص: 679


1- - لا يبعد أوجهية العدم ؛ إذا أعمل الوليّ جهده في إحراز المصلحة ، وكشف عدم المصلحة لا تأثير له .
2- - في مورد ثبوت الولاية للموصي كالمتّصل جنونه بصغره ، والأحوط الذي لا يترك ضمّ إذن الحاكم ، وأمّا المجنون الذي عرض جنونه بعد البلوغ فالأقرب أنّ أمره إلى الحاكم حتّى مع وجود الأب والجدّ وإن كان الاحتياط حسن ، وأمّا أمر الصغير مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه .

(مسألة 15) : ورد في الأخبار : أنّ إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء ، لكنّها محمولة على ما إذا ظهر رضاها وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك .

(مسألة 16) : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين : البلوغ والعقل والحرّية والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذٍ لوليّهما ، وكذا مع فساد عقلهما بجنون أو إغماء أو نحوه ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه ، وإن جنّ أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر ، وكذا لا ولاية للمملوك ولو مبعّضاً على ولده ؛ حرّاً كان أو عبداً ، بل الولاية في الأوّل للحاكم وفي الثاني لمولاه ، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فتكون للجدّ إذا كان مسلماً وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً ، والأقوى ثبوت ولايته على ولده الكافر(1) ، ولا يصحّ تزويج الوليّ في حال إحرامه أو إحرام المولّى عليه ؛ سواء كان بمباشرته أو بالتوكيل ، نعم لا بأس بالتوكيل حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال .

(مسألة 17) : يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل ؛ من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، وإلاّ كان فضولياً موقوفاً على الإجازة ، ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكّل من سائر الجهات، ومع التعدّي يصير فضولياً، ولو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها لا يجوز له أن يزوّجها من نفسه؛ للانصراف عنه، نعم لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضاً بالعموم أو الإطلاق جاز ، ومع التصريح فأولى بالجواز ، ولكن ربما يقال

ص: 680


1- - إذا لم يكن له جدّ مسلم ، وإلاّ فلا يبعد ثبوت الولاية له دون الأب الكافر .

بعدم الجواز مع الإطلاق، والجواز مع العموم، بل قد يقال بعدمه حتّى مع التصريح بتزويجها من نفسه ؛ لرواية عمّار المحمولة على الكراهة أو غيرها من المحامل .

(مسألة 18) : الأقوى صحّة النكاح الواقع فضولاً مع الإجازة ؛ سواء كان فضولياً من أحد الطرفين أو كليهما ؛ كان المعقود له صغيراً أو كبيراً ، حرّاً أو عبداً ، والمراد بالفضولي العقد الصادر من غير الوليّ والوكيل ؛ سواء كان قريباً كالأخ والعمّ والخال وغيرهم أو أجنبيّاً ، وكذا الصادر من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الوليّ ، ومنه العقد الصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من اللّه أو من الموكّل ، كما إذا أوقع الوليّ العقد على خلاف المصلحة ، أو تعدّى الوكيل عمّا عيّنه الموكّل ، ولا يعتبر فيه الإجازة الفورية ؛ سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد أو مع العلم به ، وإرادة الترويّ أو عدمها أيضاً . نعم ، لا تصحّ الإجازة بعد الردّ ، كما لا يجوز الردّ بعد الإجازة ، فمعها يلزم العقد .

(مسألة 19) : لا يشترط في الإجازة لفظ خاصّ ، بل تقع بكلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل تقع بالفعل الدالّ عليه .

(مسألة 20) : يشترط في المجيز علمه بأنّ له أن لا يلتزم بذلك العقد ، فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به(1) لم يكف في الإجازة ، نعم لو اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد فأجاز فإن كان على وجه التقييد(2)

ص: 681


1- - أي مجرّد الرضا باعتقاد كونه لازماً عليه ، وأمّا لو أظهر الرضا بالعقد قولاً أو فعلاً ، فلا يبعد كفايته .
2- - إن أجاز العقد الخارجي وقيّده بذلك على وجه التوصيف ؛ بأن قال : أجزت هذا العقد الذي يجب عليّ إجازته ، فلا يبعد كفايته ، نعم لو رجع التقييد إلى الاشتراط لا يكفي .

لم يكف ، وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً .

(مسألة 21) : الإجازة كاشفة(1) عن صحّة العقد من حين وقوعه ، فيجب ترتيب الآثار من حينه .

(مسألة 22) : الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضولية ، فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد إلى أ نّه كان بحيث لو كان حاضراً وملتفتاً كان راضياً ، لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة ، بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به إلاّ أ نّه لم يصدر منه قول ولا فعل يدلّ(2) على رضاه ، فالظاهر أ نّه من الفضولي ، فله أن لا يجيز .

(مسألة 23) : إذا كان كارهاً حال العقد ، إلاّ أ نّه لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر صحّته بالإجازة ، نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد يشكل صحّته بالإجازة ؛ لأ نّه بمنزلة الردّ بعده ، ويحتمل صحّته(3) بدعوى الفرق بينه وبين الردّ بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره الذي نقول بصحّته إذا لحقه الرضا وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال .

(مسألة 24) : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية ، ولا الالتفات إلى ذلك ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه يكون من الفضولي ، ويصحّ بالإجازة .

ص: 682


1- - المسألة مشكلة لا بدّ فيها من الاحتياط .
2- - ولا قرائن قامت على أنّ سكوته إجازة .
3- - هذا الاحتمال بعيد مع سبقه بالنهي ، وقريب مع عدم الإذن والسكوت .

(مسألة 25) : لو قال في مقام إجراء الصيغة : زوّجت موكّلتي فلانة مثلاً ، مع أ نّه لم يكن وكيلاً عنها ، فهل يصحّ ويقبل الإجازة أم لا ؟ الظاهر الصحّة ، نعم لو لم يذكر لفظ فلانة ونحوه كأن يقول : زوّجت موكّلتي ، وكان من قصده امرأة معيّنة مع عدم كونه وكيلاً عنها ، يشكل صحّته بالإجازة .

(مسألة 26) : لو أوقع الفضولي العقد على مهر معيّن ، هل يجوز إجازة العقد دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر من حيث الجنس أو من حيث القلّة والكثرة ، فيه إشكال ، بل الأظهر عدم الصحّة في الصورة الثانية ، وهي ما إذا عيّن المهر على وجه آخر ، كما أ نّه لا تصحّ الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط .

(مسألة 27) : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن كونه وكيلاً ، فالظاهر صحّته ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلاً ، بل وكذا إذا صدر التوكيل ممّن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر على إشكال(1) فيه ، وأمّا لو أوقعه بعنوان الفضولية فتبيّن كونه وليّاً ، ففي لزومه بلا إجازة منه أو من المولّى عليه إشكال(2) .

(مسألة 28) : إذا كان عالماً بأ نّه وكيل أو وليّ ، ومع ذلك أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصحّ ويلزم أو يتوقّف على الإجازة أو لا يصحّ ؟ وجوه ، أقواها عدم الصحّة(3) ؛ لأ نّه يرجع إلى اشتراط كون العقد الصادر من وليّه جائزاً ، فهو

ص: 683


1- - الأقرب عدم الخروج عن الفضولي .
2- - الظاهر صحّته ولزومه مع مراعاة الغبطة .
3- - بل الأقوى الصحّة واللزوم ولغوية قصدها ، وما ذكره من الرجوع إلى اشتراط الجواز ممنوع ، ومع تسليمه فكونه موجباً للبطلان محلّ إشكال .

كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في الإبقاء والعدم ، وبعبارة اُخرى أوقع العقد متزلزلاً .

(مسألة 29) : إذا زوّج الصغيرين وليّهما ، فقد مرّ أنّ العقد لازم عليهما ولا يجوز لهما بعد البلوغ ردّه أو فسخه ، وعلى هذا فإذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر ، وأمّا إذا زوّجهما الفضوليان فيتوقّف على إجازتهما بعد البلوغ أو إجازة وليّهما قبله ، فإن بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ويترتّب عليها أحكامها من حين العقد ؛ لما مرّ(1) من كون الإجازة كاشفة ، وإن ردّا أو ردّ أحدهما ، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، كشف عن عدم الصحّة من حين الصدور ، وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يحلف على أ نّه لم يكن إجازته للطمع في الإرث ، فإن حلف يدفع إليه ، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف لم يدفع ، بل يردّ إلى الورثة ، وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف . هذا إذا كان متّهماً بأنّ إجازته للرغبة في الإرث ، وأمّا إذا لم يكن متّهماً بذلك كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته أو كان المهر اللازم عليه أزيد ممّا يرث أو نحو ذلك ، فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف .

(مسألة 30) : يترتّب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المرتّبة على الزوجية ؛ من المهر وحرمة الاُمّ والبنت وحرمتها إن كانت هي الباقية على الأب والابن ونحو ذلك ، بل الظاهر ترتّب هذه الآثار بمجرّد الإجازة من غير

ص: 684


1- - قد مرّ الإشكال في الكشف ولزوم الاحتياط ، وإن لا يبعد الالتزام به في المقام لأجل النصّ الخاصّ .

حاجة(1) إلى الحلف ، فلو أجاز ولم يحلف مع كونه متّهماً لا يرث ، ولكن يرتّب سائر الأحكام .

(مسألة 31) : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين ، بل الظاهر التعدّي إلى سائر الصور ، كما إذا كان أحد الطرفين الوليّ والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً ، أو نحو ذلك ، ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه لعدم الحاجة إلى الإجازة أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده وبقي الآخر فإنّه يعزل حصّة الباقي من الميراث إلى أن يردّ أو يجيز ، بل الظاهر عدم الحاجة إلى الحلف في ثبوت الميراث في غير الصغيرين من سائر الصور ؛ لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين ، ولكن الأحوط(2) الإحلاف في الجميع بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً .

(مسألة 32) : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين ؛ من حيث كونه أصيلاً أو مجيزاً والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقّق إجازة ولا ردّ ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات ، فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره؟ وبعبارة اُخرى : هل يجري عليه آثار الزوجية وإن لم تجر على الطرف الآخر أو لا ؟ قولان ،

ص: 685


1- - الأقرب هو الحاجة إليه في ترتّب الأحكام ظاهراً .
2- - لا يترك في ترتّب جميع الأحكام ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بالتخليص بالصلح في جميع الصور الخارجة عن النصّ .

أقواهما الثاني إلاّ مع فرض(1) العلم بحصول الإجازة بعد ذلك الكاشفة عن تحقّقها من حين العقد ، نعم الأحوط الأوّل ؛ لكونه في معرض ذلك بمجيء الإجازة ، نعم إذا تزوّج الاُمّ أو البنت - مثلاً - ثمّ حصلت الإجازة كشفت عن بطلان ذلك .

(مسألة 33) : إذا ردّ المعقود أو المعقودة فضولاً العقد ، ولم يجزه ، لا يترتّب عليه شيء من أحكام المصاهرة ؛ سواء أجاز الطرف الآخر أو كان أصيلاً أم لا ؛ لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز وتبيّن كونه كأن لم يكن ، وربما يستشكل في خصوص نكاح اُمّ المعقود عليها ، وهو في غير محلّه بعد أن لم يتحقّق نكاح ، ومجرّد العقد لا يوجب شيئاً ، مع أ نّه لا فرق بينه وبين نكاح البنت ، وكون الحرمة في الأوّل غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني ، لا ينفع في الفرق .

(مسألة 34) : إذا زوّجت امرأة فضولاً من رجل ولم تعلم بالعقد ، فتزوّجت من آخر ، ثمّ علمت بذلك العقد ، ليس لها أن تجيز ؛ لفوات محلّ الإجازة ، وكذا إذا زوّج رجل فضولاً بامرأة وقبل أن يطّلع على ذلك تزوّج اُمّها أو بنتها أو اُختها ثمّ علم ، ودعوى : أنّ الإجازة - حيث إنّها كاشفة - إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني ، كما ترى .

(مسألة 35) : إذا زوّجها أحد الوكيلين من رجل وزوّجها الوكيل الآخر من آخر ، فإن علم السابق من العقدين فهو الصحيح ، وإن علم الاقتران بطلا معاً ، وإن

ص: 686


1- - في الاستثناء إشكال بل منع .

شكّ في السبق والاقتران فكذلك(1) ؛ لعدم العلم بتحقّق عقد صحيح ، والأصل عدم تأثير واحد منهما . وإن علم السبق واللحوق ولم يعلم السابق من اللاحق ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل التأريخان(2) ففي المسألة وجوه : أحدها : التوقيف حتّى يحصل العلم . الثاني : خيار الفسخ للزوجة . الثالث : أنّ الحاكم يفسخ . الرابع : القرعة ، والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير ، وكذا الكلام إذا زوّجه أحد الوكيلين برابعة والآخر باُخرى ، أو زوّجه أحدهما بامرأة والآخر ببنتها أو اُمّها أو اُختها ، وكذا الحال إذا زوّجت نفسها من رجل وزوّجها وكيلها من آخر ، أو تزوّج بامرأة وزوّجه وكيله باُخرى لا يمكن الجمع بينهما ، ولو ادّعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق ، وصدّقت المرأة المدّعي للسبق ، حكم بالزوجية بينهما ؛ لتصادقهما عليها .

ص: 687


1- - مع الجهل بتأريخهما ، وأمّا مع العلم بتأريخ أحدهما يحكم بصحّته دون الآخر .
2- - ولم يحتمل الاقتران وإلاّ فيحكم ببطلانهما كما مرّ .

كتاب الوصيّة

اشارة

وهي إمّا مصدر وصى يصي بمعنى الوصل ؛ حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة ، وإمّا اسم مصدر بمعنى العهد من وصّى يوصّي توصية ، أو أوصى يوصي إيصاء ، وهي إمّا تمليكية أو عهدية ، وبعبارة اُخرى(1) : إمّا تمليك عين أو منفعة أو تسليط على حقّ أو فكّ ملك أو عهد متعلّق بالغير أو عهد متعلّق بنفسه كالوصيّة بما يتعلّق بتجهيزه ، وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة .

(مسألة 1) : الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى القبول ، وكذا الوصيّة بالفكّ كالعتق ، وأمّا التمليكية فالمشهور على أ نّه يعتبر فيها القبول جزءاً وعليه تكون من العقود(2) ، أو شرطاً على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات ، ويحتمل

ص: 688


1- - ما ذكره ليس عبارة اُخرى لما سبق ؛ لأنّ الوصيّة بالفكّ ليست من القسمين ، ولو جعلت العهدية أعمّ من الفكّ لا تكون الوصيّة إلاّ قسماً واحداً ، والأمر سهل .
2- - الظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب الأحكام عليها من حرمة التبديل وغيرها لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه . فلا يتملّك قهراً ، فالوصيّة من الإيقاعات لكنّها جزء سبب لحصول الملك للموصى له .

قويّاً عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الردّ مانعاً ، وعليه تكون من الإيقاع الصريح ودعوى : أ نّه يستلزم الملك القهري وهو باطل في غير مثل الإرث ، مدفوعة ؛ بأ نّه لا مانع منه عقلاً ومقتضى عمومات الوصيّة ذلك مع أنّ الملك القهري موجود في مثل الوقف .

(مسألة 2) : بناءً على اعتبار القبول في الوصيّة يصحّ إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال ، وقبل وفاته على الأقوى ، ولا وجه لما عن جماعة من عدم صحّته حال الحياة ؛ لأ نّها تمليك بعد الموت ، فالقبول قبله كالقبول قبل الوصيّة فلا محلّ له ، ولأ نّه كاشف أو ناقل وهما معاً منتفيان حال الحياة ؛ إذ نمنع عدم المحلّ له ؛ إذ الإنشاء المعلّق على الموت قد حصل فيمكن القبول المطابق له ، والكشف والنقل إنّما يكونان بعد تحقّق المعلّق عليه فهما في القبول بعد الموت لا مطلقاً .

(مسألة 3) : تتضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفّارات ونحوها ، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان ، ومع عدمه يجب(1) الوصيّة بها ؛ سواء فاتت لعذر أو لا لعذر ؛ لوجوب تفريغ الذمّة بما أمكن في حال الحياة ، وإن لم يجز فيها النيابة وبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ بها بالإيصاء ، وكذا يجب ردّ أعيان أموال الناس التي كانت عنده كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها ، ومع عدم الإمكان يجب الوصيّة بها ، وكذا يجب أداء ديون الناس الحالّة ، ومع عدم الإمكان أو مع

ص: 689


1- - إذا كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق وواجبات يعلم بها الورثة ويطمئنّ بإيصالهم وتأديتهم على ما هي عليها ، لا يجب الإيصاء بها وإن كان أولى بل أحوط .

كونها مؤجّلة يجب الوصيّة بها ، إلاّ إذا كانت معلومة أو موثّقة بالأسناد المعتبرة ، وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك ، فإنّه يجب عليه أداؤها أو الوصيّة بها ، ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا ؛ إذا احتمل وجود متبرّع أو أداؤها من بيت المال .

(مسألة 4) : ردّ الموصى له للوصيّة مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلاً لها ، فعلى هذا إذا كان الردّ منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الردّ أيضاً كذلك ، يكون مبطلاً لها ؛ لعدم حصول(1) الملكية بعد ، وإذا كان بعد الموت وبعد القبول لا يكون مبطلاً ، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله ، وسواء كان قبل القبض أو بعده بناءً على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحّتها ؛ لعدم الدليل على اعتباره ، وذلك لحصول الملكية حينئذٍ له ، فلا تزول بالردّ ، ولا دليل على كون الوصيّة جائزة بعد تماميتها بالنسبة إلى الموصى له ، كما أ نّها جائزة بالنسبة إلى الموصي ؛ حيث إنّه يجوز له الرجوع في وصيّته كما سيأتي . وظاهر كلمات العلماء - حيث حكموا ببطلانها بالردّ - عدم صحّة القبول بعده ؛ لأ نّه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي ، كما أنّ الأمر كذلك في سائر العقود ؛ حيث إنّ الردّ بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير ، وكما في إجازة الفضولي ؛ حيث إنّها لا تصحّ بعد الردّ ، لكن لا يخلو

ص: 690


1- - هذا بالنسبة إلى الصورة الاُولى منافٍ لما سبق منه ؛ من قوّة احتمال عدم اعتبار القبول لحصول الملكية بموت الموصي قبل قبول الموصى له قهراً وإن كان هو الأقوى ؛ لما سبق منّا من اعتباره في حصول ملكيته ، نعم لو قيل بأنّ الردّ كاشف عن عدم الملكية بالموت يرتفع التنافي ، لكنّه ضعيف .

عن إشكال(1) إذا كان الموصي باقياً على إيجابه ، بل في سائر العقود أيضاً مشكل إن لم يكن إجماع ، خصوصاً في الفضولي ؛ حيث إنّ مقتضى بعض الأخبار صحّتها ولو بعد الردّ ، ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الردّ ، ممنوعة . ثمّ إنّهم ذكروا : أ نّه لو كان القبول بعد الردّ الواقع حال الحياة صحّ ، وهو أيضاً مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلاً للإيجاب ؛ إذ لا فرق حينئذٍ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت ، إلاّ إذا قلنا : إنّ الردّ والقبول لا أثر لهما حال الحياة وإنّ محلّهما إنّما هو بعد الموت ، وهو محلّ منع .

(مسألة 5) : لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد ، فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر ، صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ ، وكذا لو أوصى له بشيء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً وردّ بعضه الآخر وإن لم نقل بصحّة مثل ذلك في البيع ونحوه ؛ بدعوى عدم التطابق حينئذٍ بين الإيجاب والقبول ؛ لأنّ مقتضى القاعدة(2) الصحّة في البيع أيضاً إن لم يكن إجماع ، ودعوى عدم التطابق ممنوعة ، نعم لو علم من حال الموصي إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصحّ التبعيض .

(مسألة 6) : لا يجوز للورثة التصرّف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين ؛ من القبول أو الردّ ، وليس لهم إجباره على اختيار

ص: 691


1- - فيما إذا كان الموصي باقياً على إيجابه الظاهر منه حال حياته نسب إلى المشهور عدم تأثير الردّ ، بل يجوز له القبول بعد حياته ، وكيف كان لا يبعد الصحّة بعد الردّ وإن قلنا بالبطلان في الفضولي والإيجاب في سائر العقود ، ولا أظنّ تحقّق إجماع في المقام .
2- - بل مقتضى القاعدة في البيع البطلان ، إلاّ في بعض الموارد ، كما لو جمع بين اُمور مستقلّة في اللحاظ والقيمة في إنشاء واحد ، وأمّا في الوصيّة فالأقوى الصحّة إلاّ فيما استثناه .

أحدهما معجّلاً ، إلاّ إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم ، فيجبره الحاكم حينئذٍ على اختيار أحدهما .

(مسألة 7) : إذا مات الموصى له قبل القبول أو الردّ ، فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك ، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيّته ؛ من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته ، وبين علم الموصي بموته وعدمه ، وقيل بالبطلان بموته قبل القبول ، وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أنّ غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره فلورثته ، والقول الأوّل وإن كان على خلاف القاعدة(1) - مطلقاً بناءً على اعتبار القبول في صحّتها ؛ لأنّ المفروض أنّ الإيجاب مختصّ بالموصى له ، وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع ، كما أنّ دعوى انتقال حقّ القبول إلى الوارث أيضاً محلّ منع صغرى وكبرى ؛ لمنع كونه حقّاً ، ومنع كون كلّ حقّ منتقلاً إلى الوارث حتّى مثل ما نحن فيه من الحقّ الخاصّ به الذي لا يصدق كونه من تركته ، وعلى ما قوّينا من عدم اعتبار القبول فيها ، بل كون الردّ مانعاً أيضاً ، يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة موته قبل موت الموصى له ؛ لعدم ملكيته في حياة الموصي - لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحّة كما هو المشهور ، وذلك لصحيحة محمّد بن قيس الصريحة في ذلك حتّى في صورة موته في حياة الموصي المؤيّدة بخبر الساباطي وصحيح المثنّى ، ولا يعارضها صحيحتا محمّد بن مسلم ومنصور بن حازم بعد إعراض المشهور عنهما وإمكان حملهما على محامل منها التقيّة ؛ لأنّ المعروف بينهم عدم الصحّة ، نعم يمكن دعوى انصراف

ص: 692


1- - لا يبعد أن يكون على وفقها بناءً على ما مرّ في حقيقة الوصيّة .

الصحيحة عمّا إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد ، بل ربما يقال : إن محلّ الخلاف غير هذه الصورة ، لكن الانصراف ممنوع ، وعلى فرضه يختصّ الإشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي ، وإلاّ فبناء على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكاً بعد فرض عدم ردّه فينتقل إلى ورثته .

بقي هنا اُمور :

أحدها : هل الحكم يشمل ورثة الوارث ، كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضاً قبل القبول ، فهل الوصيّة لوارث الوارث أو لا ؟ وجوه(1) ؛ الشمول ، وعدمه ؛ لكون الحكم على خلاف القاعدة ، والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حقّ القبول فتشمل ، وكونه الأخبار فلا .

الثاني : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم ، فهل تبطل ، أو تصحّ ويرث الرادّ أيضاً مقدار حصّته ، أو تصحّ بمقدار حصّة القابل فقط ، أو تصحّ وتمامه للقابل ، أو التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل، أو بعده فتصحّ بالنسبة إلى مقدار حصّة القابل ؟ وجوه(2) .

الثالث : هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميّت ثمّ إليه ، أو إليه ابتداء من الموصي ؟ وجهان ، أوجههما(3) الثاني ، وربما يبنى على كون القبول كاشفاً أو ناقلاً فعلى الثاني الثاني وعلى الأوّل الأوّل ، وفيه : أ نّه على الثاني أيضاً يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميّت آناً ما ثمّ إلى وارثه ، بل على الأوّل يمكن أن يقال

ص: 693


1- - أقواها الأوّل .
2- - أقواها الثالث .
3- - لكن القسمة بين الورثة على حسب قسمة المواريث .

بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي ؛ لأ نّه كأ نّه هو القابل ، فيكون منتقلاً إليه من الأوّل .

الرابع : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي ، أو الوارث حين موت الموصي ، أو البناء على كون القبول من الوارث موجباً للانتقال إلى الميّت ثمّ إليه أو كونه موجباً للانتقال إليه أوّلاً من الموصي ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ؟ وجوه(1) .

الخامس : إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول ، فهل ترث زوجته منها أو لا ؟ وجهان ؛ مبنيّان على الوجهين(2) في المسألة المتقدّمة ، فعلى الانتقال إلى الميّت ثمّ إلى الوارث لا ترث ، وعلى الانتقال إليه أوّلاً لا مانع من الانتقال إليها ؛ لأنّ المفروض أ نّها لم تنتقل إليه إرثاً من الزوج ، بل وصيّة من الموصي ، كما أنّه يبنى على الوجهين إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه ، أمّا إذا كانت بما يكون من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناءً على الانتقال إلى الميّت أوّلاً ، فمشكل ؛ لانصراف الأدلّة عن مثل هذا .

السادس : إذا كان الموصى به ممّن ينعتق على الموصى له ، فإن قلنا بالانتقال إليه أوّلاً بعد قبول الوارث فإن قلنا به كشفاً ، وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه وشارك الوارث ممّن في طبقته ، ويقدّم عليهم(3) مع تقدّم طبقته ، فالوارث

ص: 694


1- - الأوجه الأوّل .
2- - الأقوى إخراجهما منه على الوجهين والمتولّي للقبول بالنسبة إلى السهمين هو وصيّ الميّت أو الحاكم ، والأحوط ضمّ قبول الورثة إليه .
3- - في غير الكشف الحقيقي ، وإلاّ فتلزم لغوية إجازتهم ؛ للكشف عن كونهم غير الورثة من أوّل الأمر .

يقوم مقامه في القبول ثمّ يسقط عن الوارثية لوجود من هو مقدّم عليه ، وإن كان موته قبل موت الموصي ، أو قلنا بالنقل وأ نّه حين قبول الوارث ينتقل إليه آناً ما فينعتق ، لكن لا يرث إلاّ إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة ، وذلك لأ نّه على هذا التقدير انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث ، نعم لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدّد الورثة شاركهم ، وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له ، فلا ينعتق عليه ؛ لعدم ملكه ، بل يكون للورثة ، إلاّ إذا كان ممّن ينعتق عليهم أو على بعضهم ، فحينئذٍ ينعتق ولكن لا يرث ، إلاّ إذا كان ذلك مع تعدّد الورثة وقبل قسمتهم .

السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية والعهدية .

(مسألة 8) : اشتراط القبول - على القول به - مختصّ بالتمليكية كما عرفت ، فلا يعتبر في العهدية(1) ، ويختصّ بما إذا كان لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأمّا إذا كان للنوع أو للجهات كالوصيّة للفقراء والعلماء أو للمساجد ، فلا يعتبر قبولهم ، أو قبول الحاكم فيما للجهات وإن احتمل(2) ذلك ، أو قيل ، ودعوى : أنّ الوصيّة لها ليست من التمليكية بل هي عهدية ، وإلاّ فلا يصحّ تمليك النوع أو الجهات ، كما ترى ، وقد عرفت سابقاً قوّة عدم اعتبار القبول مطلقاً ، وإنّما يكون الردّ مانعاً وهو أيضاً لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل بردّ بعض الفقراء

ص: 695


1- - يعني قبول الموصى له في صحّة الوصيّة ، وقد مرّ اعتباره مطلقاً ، وفي العهدية لا وجه لاعتباره ، وأمّا لو عهد أن يعطي شيئاً بشخص ففي تملّكه يعتبر القبول بلا إشكال .
2- - احتمال اعتبار قبول الفقراء أو العلماء بما أ نّهم منطبقات الجهات بعيد غايته ، لكن احتمال اعتبار قبول الحاكم ليس بذلك البعد وإن كان الأقرب عدمه ، كما أنّ بطلانها بردّ الحاكم فيما تقضي مصلحة سياسية أو كان في قبولها مفسدة كذلك قريب .

مثلاً ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فردّ لا تبطل .

(مسألة 9) : الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ ، ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ فعل دالّ عليها حتّى الإشارة والكتابة ولو في حال الاختيار ؛ إذا كانت صريحة في الدلالة بل أو ظاهرة ، فإنّ ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال ، فما يظهر من جماعة من اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطّه ومهره ؛ إذا علم كونه إنّما كتبه بعنوان الوصيّة ، ويمكن أن يستدلّ عليه بقوله علیه السلام : «لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه» بل يدلّ عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني : قال كتبت إليه : كتب رجل كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي ولم يقل : إنّي قد أوصيت ، إلاّ أ نّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب : «إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ وغيره» .

(مسألة 10) : يشترط في الموصي اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا تصحّ وصيّة غير بالغ ، نعم الأقوى وفاقاً للمشهور صحّة وصيّة البالغ عشراً ؛ إذا كان عاقلاً في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم ؛ لجملة من الأخبار المعتبرة ، خلافاً لابن إدريس وتبعه جماعة .

الثاني : العقل ، فلا تصحّ وصيّة المجنون ، نعم تصحّ وصيّة الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته ، وكذا لا تصحّ وصيّة السكران حال سكره ولا يعتبر استمرار العقل ، فلو أوصى ثمّ جنّ لم تبطل ، كما أنّه لو اُغمي عليه أو سكر

ص: 696

لا تبطل وصيّته ، فاعتبار العقل إنّما هو حال إنشاء الوصيّة .

الثالث : الاختيار .

الرابع : الرشد ، فلا تصحّ وصيّة السفيه وإن كانت بالمعروف ؛ سواء كانت قبل حجر الحاكم(1) أو بعده ، وأمّا المفلّس فلا مانع من وصيّته وإن كانت بعد حجر الحاكم ؛ لعدم الضرر بها على الغرماء ؛ لتقدّم الدين على الوصيّة .

الخامس : الحرّية ، فلا تصحّ وصيّة المملوك بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه ، بل وكذا بناءً على ما هو الأقوى(2) من ملكه ؛ لعموم أدلّة الحجر ، وقوله علیه السلام : «لا وصيّة لمملوك» بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره لا نفي الوصيّة له ، نعم لو أجاز مولاه صحّ على البناء المذكور ، ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت على إشكال(3) نعم لو علّقها على الحرّية فالأقوى صحّتها(4) ولا يضرّ التعليق المفروض ، كما لا يضرّ إذا قال : هذا لزيد إن متّ في سفري ، ولو أوصى بدفنه(5) في مكان خاصّ لا يحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحّة ، وكذا ما كان من هذا القبيل .

السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ؛ بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ؛ من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإ نّه لا تصحّ وصيّته على المشهور المدّعى عليه الإجماع ؛ للنصّ الصحيح الصريح ، خلافاً لابن إدريس

ص: 697


1- - الأقرب صحّتها قبل حجره ، إلاّ إذا كان سفهه متّصلاً بصغره .
2- - ملكه محلّ إشكال .
3- - بل الصحّة ممنوعة .
4- - لا تخلو من تأمّل .
5- - محلّ تأمّل فيه وفيما كان من هذا القبيل .

وتبعه بعض ، والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال ، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها ، كما أنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً - لا سهواً أو خطأً - وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان لا مثل الجهاد في سبيل اللّه ، وبما لو مات من ذلك ، وأمّا إذا عوفي ثمّ أوصى صحّت وصيّته بلا إشكال ، وهل تصحّ وصيّته قبل المعافاة ، إشكال . ولا يلحق التنجيز بالوصيّة . هذا ، ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث ، صحّت وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ؛ للصحيح المتقدّم مضافاً إلى العمومات .

(مسألة 11) : يصحّ لكلّ من الأب والجدّ الوصيّة بالولاية على الأطفال مع فقد الآخر ، ولا تصحّ مع وجوده ، كما لا يصحّ ذلك لغيرهما حتّى الحاكم الشرعي ، فإنّه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيّاً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته ، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر ، فحاله حال كلّ من الأب والجدّ مع وجود الآخر ولا ولاية في ذلك للاُمّ ، خلافاً لابن الجنيد ؛ حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة ، وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال وجعل أمره إلى غير الأب والجدّ وغير الحاكم لم يصحّ ، بل يكون للأب والجدّ مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما ، نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصيّ ثمّ يملّكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملّكهم ، يمكن أن يقال(1) بصحّته وعدم رجوع أمره إلى الأب والجدّ أو الحاكم .

ص: 698


1- - لا إشكال في صحّته في الصورتين .

فصل : في الموصى به

تصحّ الوصيّة بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل ؛ من عين أو منفعة أو حقّ قابل للنقل ، ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوّة ، فتصحّ بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة ، وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً ولو لم يصحّ بيعه إلاّ بالضميمة ، ولا تصحّ بالمحرّمات كالخمر والخنزير ونحوهما ، ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي كالحشرات وكلب الهراش ، وأمّا كلب الصيد فلا مانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد ؛ إذ يكفي وجود الفائدة فيها ، ولا تصحّ بما لا يقبل النقل من الحقوق كحقّ القذف ونحوه ، وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل ، ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين(1) أو مختلفين ؛ لأنّ الكفّار أيضاً مكلّفون بالفروع ، نعم هم يقرّون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً ، ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه ، نعم لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل صحّته إذا أجاز .

(مسألة 1) : يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثلث أو بأقلّ منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد ، إلاّ مع إجازة الورثة بلا إشكال ، وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقاً - على تقدير ثبوت النسبة - شاذّ ، ولا فرق بين أن يكون بحصّة مشاعة من التركة أو بعين معيّنة ، ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصّة المجيز فقط ، ولا يضرّ التبعيض كما في سائر العقود، فلو خلّف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت ، كان للموصى له

ص: 699


1- - فيه تأمّل .

ثلاثة إلاّ ثلث من ستّة ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستّة .

(مسألة 2) : لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث - الذي جعله الشارع له - فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكان بقدره أو أقلّ صحّت ، ولو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيّته بالثلث سابقاً أو لاحقاً ، بطلت(1) مع عدم إجازة الورثة ، بل وكذا إن اتّفق أ نّه لم يوص بالثلث أصلاً ؛ لأنّ الوصيّة المفروضة مخالفة للشرع وإن لم تكن حينئذٍ زائدة على الثلث ، نعم لو كانت في واجب(2) نفذت ؛ لأ نّه يخرج من الأصل ، إلاّ مع تصريحه بإخراجه من الثلث .

(مسألة 3) : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في واجب حتّى تنفذ ، أو لا حتّى يتوقّف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان ، ربما يقال بالأوّل ، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أ نّه «إذا أوصى بماله كلّه فهو جائز» ، وأ نّه «أحقّ بماله ما دام فيه الروح» ، لكن الأظهر الثاني ؛ لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم ، نعم إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل ، بل وكذا إذا قال : أعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً ، أو نحو ذلك وشكّ في أنّها

ص: 700


1- - لا يبعد لغوية قصده وصحّة وصيّته في الثلث ولغوية الوصيّة الثانية بالثلث ، وكذا لا يبعد صحّتها في الفرض الآتي ولغوية قصده ، لكن في الفرعين إشكال لا يترك التخلّص بالاحتياط .
2- - مالي دون غيره .

واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبّي فإنّها أيضاً تخرج من الأصل ؛ لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما ، والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما .

(مسألة 4) : إذا أجاز الوارث بعد وفات الموصي ، فلا إشكال في نفوذها ، ولا يجوز له الرجوع في إجازته ، وأمّا إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان ؛ أقواهما الأوّل ، كما هو المشهور ؛ للأخبار المؤيّدة باحتمال كونه ذا حقّ في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط حقّه ، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث . هذا ، والإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي وليست ابتداء عطيّة من الوارث ، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث ؛ بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل .

(مسألة 5) : ذكر بعضهم : أ نّه لو أوصى بنصف ماله - مثلاً - فأجاز الورثة ، ثمّ قالوا : ظنّنا أ نّه قليل ، قضي عليهم بما ظنّوه ، وعليهم الحلف على الزائد ، فلو قالوا : ظنّنا أ نّه ألف درهم ، فبان أ نّه ألف دينار ، قضي عليهم بصحّة الإجازة في خمسمأة درهم وأحلفوا على نفي ظنّ الزائد(1) ، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقيّة ، وذلك لأصالة(2) عدم تعلّق الإجازة بالزائد وأصالة عدم علمهم بالزائد ، بخلاف ما إذا أوصى بعين معيّنة كدار أو عبد ، فأجازوا ، ثمّ ادّعوا : أ نّهم ظنّوا أنّ ذلك أزيد من الثلث بقليل ، فبان أ نّه أزيد بكثير ، فإنّه لا يسمع منهم ذلك ؛ لأنّ إجازتهم تعلّقت بمعلوم وهو الدار أو العبد ، ومنهم من سوّى بين

ص: 701


1- - بل على نفي احتماله .
2- - هذان الأصلان غير أصيلين وإن كان المدّعى حقّاً .

المسألتين في القبول ، ومنهم من سوّى بينهما في عدم القبول ، وهذا هو الأقوى ؛ أخذاً بظاهر كلامهم في الإجازة كما في سائر المقامات ، كما إذا أقرّ بشيء ثمّ ادّعى : أ نّه ظنّ كذا ، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمّ ادّعى : أ نّه ظنّ كذا ، فإنّه لا يسمع منه ، بل الأقوى عدم السماع حتّى مع العلم بصدقهم في دعواهم ، إلاّ إذا علم كون إجازتهم مقيّدة بكونه بمقدار كذا ، فيرجع إلى عدم الإجازة ، ومعه يشكل السماع فيما ظنّوه أيضاً .

(مسألة 6) : المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي لا حال الوصيّة ، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم حال الوفاة ، فلو أوصى بحصّة مشاعة كالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص ، كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصى ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جدّاً ، وقد يقيّد بما إذا لم تكن كثيرة ؛ إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجدّدة والأصل عدم تعلّق الوصيّة بها ، ولكن لا وجه له للزوم العمل بإطلاق الوصيّة ، نعم لو كان هناك قرينة قطعية على عدم إرادته الزيادة المتجدّدة صحّ ما ذكر ، لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلّتها ، ولو أوصى بعين معيّنة كانت بقدر الثلث أو أقلّ ، ثمّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة ، بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث ، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصيّة ثمّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلت أو أقلّ ، صحّت الوصيّة فيها ، وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معيّن كلّي ، كمائة دينار مثلاً .

(مسألة 7) : ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة ، أو بكلّي كمائة دينار

ص: 702

مثلاً ، أنّه إذا اُتلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً ، وذلك بدعوى : أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بمقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة ، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصيّة بالعين المعيّنة .

(مسألة 8) : إذا حصل للموصي مال بعد الموت ، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته يخرج منه الوصيّة كما يخرج منه الديون ، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع اُخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلاً ، وإذا أوصى بعين وكانت أزيد من الثلث حين الموت وخرجت منه بضمّ ذلك المال نفذت فيها ، وكذا إذا أوصى بكلّي كمائة دينار مثلاً ، بل لو أوصى ثمّ قتل حسبت ديته من جملة تركته ، فيخرج منها الثلث كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأً ، بل وإن كان عمداً وصالحوا على الدية ؛ للنصوص الخاصّة مضافاً إلى الاعتبار ؛ وهو كونه أحقّ بعوض نفسه من غيره ، وكذا إذا اُخذ دية جرحه خطأً ، بل أو عمداً .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً

وقد وقع الفراغ بحمد اللّه ومنّه

بيد المفتاق روح اللّه الموسوي الخميني

في صبيحة يوم الخميس السابع من شهر جمادى الاُولى سنة 1375 .

ص: 703

ص: 704

فهرس الموضوعات

كتاب الصوم

فصل : في النيّة ... 6

فصل : فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات ... 13

فصل : في الإفطار عن غير عمد ... 32

فصل : في حدّ الأكل المفطر ... 34

فصل : فيما يكره للصائم ... 35

فصل : فيما يوجب القضاء والكفّارة ... 36

فصل : فيما يوجب القضاء دون الكفّارة ... 42

فصل : في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم ... 45

فصل : في شرائط صحّة الصوم ... 46

فصل : في شرائط وجوب الصوم ... 50

فصل : فيمن يجوز له الإفطار ... 52

فصل : في طرق ثبوت الهلال ... 53

فصل : في أحكام القضاء ... 57

فصل : في صوم الكفّارة ... 64

فصل : في أقسام الصوم ... 69

كتاب الاعتكاف ... 74

فصل : في أحكام الاعتكاف ... 86

ص: 705

كتاب الزكاة

فصل : في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة ... 97

فصل : في زكاة الأنعام الثلاثة ... 97

فصل : في زكاة النقدين ... 106

فصل : في زكاة الغلاّت الأربع ... 111

فصل : فيما يستحبّ فيه الزكاة ... 122

فصل : أصناف المستحقّين للزكاة ... 126

فصل : في أوصاف المستحقّين ... 138

فصل : في بقيّة أحكام الزكاة ... 145

فصل : في وقت وجوب إخراج الزكاة ... 150

فصل : فيما يشترط في الزكاة ... 153

ختام : فيه مسائل متفرّقة ... 155

فصل : في زكاة الفطرة ... 169

فصل : في شرائط وجوبها ... 170

فصل : فيمن تجب عنه ... 172

فصل : في جنسها وقدرها ... 178

فصل : في وقت وجوبها ... 181

فصل : في مصرفها ... 182

كتاب الخمس

فصل : فيما يجب فيه الخمس ... 184

فصل : في قسمة الخمس ومستحقّه ... 211

ص: 706

كتاب الحجّ

مقدّمة : في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره ... 220

فصل : في وجوب الحجّ وعدم جواز تعطيله ... 233

فصل : في شرائط وجوب حجّة الإسلام ... 235

فصل : في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين ... 295

فصل : في النيابة ... 316

فصل : في الوصيّة بالحجّ ... 333

فصل : في الحجّ المندوب ... 346

فصل : في أقسام العمرة ... 347

فصل : في أقسام الحجّ ... 349

فصل : في إجمال صورة حجّ التمتّع ... 355

فصل : في المواقيت ... 369

فصل : في أحكام المواقيت ... 376

فصل : في مقدّمات الإحرام ... 381

فصل : في كيفية الإحرام ... 384

كتاب الإجارة

فصل : في أركانها ... 396

فصل : في لزوم عقد الإجارة ... 403

فصل : في حصول أصل الملكية للطرفين بنفس العقد ... 409

فصل : في أنّ عين المستأجرة أمانة ... 418

ص: 707

فصل : فيما يكفي في صحّة الإجارة ... 423

فصل : فيما يجوز إجارته ... 431

فصل : في التنازع ... 441

خاتمة : فيها مسائل ... 443

كتاب المضاربة ... 452

مسائل : ... 499

فصل : في أحكام الشركة ... 510

كتاب المزارعة ... 517

فذلكة ... 533

مسائل متفرّقة ... 539

كتاب المساقاة ... 543

تذنيب ... 564

كتاب الضمان ... 565

تتمّة ... 587

كتاب الحوالة ... 591

كتاب النكاح

فصل : فيما يتعلّق بأحكام الدخول على الزوجة ... 618

فصل : في وط ء الصغيرة ... 621

فصل : في تعدّد الزوجات ... 624

فصل : في التزويج في عدّة الغير ... 626

فصل : من المحرّمات الأبدية التزويج حال الإحرام ... 635

فصل : في المحرّمات بالمصاهرة ... 637

ص: 708

فصل : في الجمع بين الحرائر والإماء في التزويج ... 650

فصل : في نكاح العبيد والإماء ... 651

فصل : في الطوارئ ... 659

فصل : في العقد وأحكامه ... 662

فصل : في مسائل متفرّقة ... 668

فصل : في أولياء العقد ... 674

كتاب الوصيّة

مقدّمة : في أقسام الوصيّة ... 688

فصل : في الموصى به ... 699

ص: 709

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.