الامل الموعود : حروف ادبیة و بحوث علمیة فی صاحب الزمان من أرض القطیف

هویة الکتاب

الامل الموعود

حروف ادبیة و بحوث علمیة فی صاحب الزمان من أرض القطیف

الجزء الاول

جمیع و ترتیب

لوی محمد شوقی ال سنبل

دار العصمة

الأعمال الخيرية الرقمية: جمعية الإمام زمان (عج) إصفهان المساعدة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

جمیع الحقوقه محفوظة

الطبعة الأولى

1430ه/2009م

للتواصل:

yamahde@gmail.com

دارالعصمة/کتب - قرطاسیة - ترجمة - طباعة - خدمات أخری

مملکة البحرین - السنابس

00973/39214219 - 00973/17553156

daralesmah@hotmail.com

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ .

صَدَق اللهُ العَظیمُ

ص: 3

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

اللَّهُمَّ کُنْ لِوَلِیِّکَ الحُجَةِ بنِ الحَسَن صَلَواتُکَ علَیهِ و عَلی آبائِهِ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِی کُلِّ سَاعَةٍ وَلِیّاً وَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلًا وَ عَیْناً حَتَّى تُسْکِنَهُ أَرْضَکَ طَوْعاً وَ تُمَتعَهُ فِیهَا طَوِیلا"

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإهداء ..

مدَدتُ يدي المملوءةَ بالخطايا ...

مملوءةً بالرجاءِ .. لساحةِ قدسِ مولانا ...

صاحبِ العصرِ والزمانِ ، أرواحُنا لترابِ مقدمهِ الفداءُ ...

تقدَّمُ لهُ مجهودَ المُقِلِّ المقصِّرِ ...

وكلي أملٌ أن يَقبلَ مجهودي المتواضع ...

الذي إن قبله مني.. فلا أبالي بعدها بما يكونُ ...

إليكَ أهديتُ عمري ، والزمانُ فدىً *** لطلعةٍ من سناها الكونُ يزدهرُ

فاقبل- فديتُكَ- يا مولايَ منحةَ مَن *** خاضَ الولا بحرَحبٍ منکَ ينفجرُ

واردد عليه أيامولايَ بُردَ شفا *** وانثرعلى الكونِ ورداً كلهُ عطر ُ

إني- وحقِّکَ - لا أنفکُّ ذا أملٍ *** لرؤية النورِيزهو، دونَه القمرُ

ص: 5

لرؤية النور محجوبأمدی عصرٍ *** عن عاشقين ، فكان الخوف والسهر

لرؤية الطلعة الغرا التي حجبت *** عن سائلين : متى يأتي لهم ظفر؟

لكنَّ ذا الأمل الأسني يلوح لنا *** بريق نورفيُنسى الهم والكدر

فلانخيبُ ولانشقى بمعرفةٍ *** ولن يغيّرنازيدٌ ولا عمرُ

وإننا نأمل الحسني التي وُعدت *** بها النفوس وذي الأزمان تعتكر(1)

عبدك الراجي رضاك .. لؤي

ص: 6


1- ضٌمّن هذا الإهداء حاجة عجزت الوسائل المادية عن حلها ، وطالت السنون دون قضائها ، وما أن ضمّنت هذا الإهداء حتى لاحت بوارق الفرج ، وأذن الله سبحانه بقضائها وإنجازها ، حيث هيّا اللّه أسبابها بعد شبه يأس وانقطاع رجاء ، فقضيت تلك الحاجة ببركة صاحب العصر و الزمان روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، فسلام الله عليك يا سيدي ، وكذب وخاب من خامره فيك أدنى شك أو شبهة أو ريب .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تمهید

الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، و حبيب إله العالمين ، أبي القاسم محمد ، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين .. سيما بقية الله في أرضه ، وحجته على عباده ، المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ،وسهل مخرجه، وجعلنا من خدامه و أنصاره وأعوانه .. وبعد .

تحتلّ قضية صاحب الزمان علیه السلام،مكانة عليا في الفكر الإنساني بشكل عام ، وفي الفكر الإسلامي بشكل خاص ، وفي الفكر الشيعي الاثني عشري بشكل أخص.

فإذا كان العالم كله ينتظر( المصلح المنتظر )،ويسميه ما يسميه من أسماء، ويعبر عنه بما شاء من ألقاب ، فإن الإسلام حدّد هذا المصلح وبينّه وعينّه ، ولم يترك أتباعه تائهين في مهب الأعاصير بحثاً عنه ، بل حدده بما ،لامزيد عليه من التحديد والبيان ، وجعله عَلَمَاً منصوباً ، فكان ( سفينة النجاة، وعلم الهدی ، ونور أبصار الوری ) اهتدى به من شاء الاهتداء ، وابتعد عنه «مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»(1) ممَّن «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2)

فقد جاءت الآيات الشريفة ، والأحاديث المطهرة ، لتتحدث عنه وعن

ص: 7


1- الجاثية ، 23 .
2- البقرة ، 7.

خروجه ودولته ، وعن أتباعه وأنصاره ، وعن أعاديه وما يكيدون له..إلخ.

والاعتقاد بالإمام المهدي ، ربما يجمع عليه المسلمون قاطبة ، ولكنهم اختلفوا في تفصيلات وتفريعات .

فمن هو هذا المهدي ؟

وما اسمه ؟

ومتى يولد ؟

ومتى يخرج ؟ ...

إلى آخر تلك الأسئلة التي يبحث عن إجاباتها الجميع .

وأتباع أهل البيت علیهم السلام اعتقدوا جازمين بالمهدي المنتظر(محمدبن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ) صلى اللّه عليهم أجمعين .

اعتقدوا به إماماً معصوماً غائباً عن الأنظار،ينتظر إذن الله تعالى له بالخروج ، ليظهر ويطهر الأرض من الأدناس والأرجاس ، ويملأها قسطاً و عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، ولهم على اعتقادهم هذا من الأدلة و البراهين ، ما لا تصمد أمامه كل الادعاءات والتهويلات ، التي يبثّها أعداؤهم ، ويحاولون الترويج لها بشكل أو بآخر.

والمجتمع القطيفي - وهو مجتمع شيعي من أول يوم دخل فيه الإسلام أرضه واستوطنها ، ولا زال على خطه الشيعي رغم كل المحاولات المبذولة من الآخرين لإطفاء هذا النور الرباني الذي شعَّ في القلوب وانعكست آثاره على جميع الجوارح - ليس بِدعاً من المجتمعات الشيعية الأخرى ، فهو كفيره من المجتمعات الموالية لأهل البيت علیهم السلام ، يُعنَى من أئمته بالنظرات الحانية التي لولاها لما ثبت له وجود ، سيما العنايات المهدية الخاصة التي تتجلى لنا بين الفينة والأخرى ، والتي ننعم ببركاتها ، فالإمام روحي فداه

ص: 8

هو الحجة الذي لا تبقى الأرض بدونه ، ولو بقيت الأرض بغيره لساخت(1).

فالقطيف مجتمع يعيش هموم الطائفة الشيعية ،ويتفاعل مع آمالها و آلامها ، ويشاركها في كل شؤونها ومن ذلك .. اهتمامه بهذه العقيدة و ترسيخها في النفوس ومواجهة أعدائها الواقفين لها بالمرصاد .

فهاهم العلماء يبذلون قصارى جهدهم في الذبّ عن حياض هذه العقيدة المقدسة ، ويفنّدون آراء المعادين لها ، ويوضحون ضلالة أصحاب هذه العقائد المنحرفة ، وضحالة أفكارهم الهدامة ، التي تحاول الاندساس إلى قلوب الشيعة لدفعهم عن خالص عقيدتهم ، ولكن شيعة أهل البيت علیهم السلام لا تؤثر فيهم أقاويل المرجفين من هنا أو هناك ، وهم قد محضوا الولاء محضأ،«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءًوَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ»(2) .

وهاهم الشعراء أيضاً ، يحملون لواء الكلمة الصادقة ،موجهين لها نحو مبدأهم الخالد ، فيقفون صفاً واحداً مع حملة الأقلام ، مشاركين لهم في هذا الجهاد المقدس ، في ساحة الولاء الأصيل .

ونتج من هذا وذاك كم هائل ، ذو قيمة علمية وأدبية عالية ، من الكتب والمقالات والقصائد بمختلف أنواعها ،ما لو أراد مستقصٍ جمعه و استقصاءه لأعجزه المقام ، ولكننا أحببنا أن نجمع في هذا الكتاب شتات بعض هذه الكتابات الشعرية والنثرية ، فجاء هذا المجموع الذي نرجوله

ص: 9


1- في الكافي ، ج1 ص179 : الأحاديث (9، 10، 12 ) : قال أبو الحسن - الإمام الهادي - علیه السلام : (إنَّ الأَرضَ لا تَخلو مِن حُجَّةً ،وأنَا وَاللَّهِ ذلِكَ الحُجَّةُ) ، عن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ( أَتَبَقَّى اَلْأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ:لَوْ بَقِيَتِ اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَساختَ ) . عن أبي جعفر علیه السلام قال : ( لَوْ أَنَّ اَلْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ اَلْأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأهْله ).
2- الرعد ،17.

أن يكون ممثلاً للنتاج القطيفي .. العلمي منه والأدبي .

ولا يخفى أننا لو أردنا الاستقصاء لاحتجنا إلى زمن ليس بالقصير وإلى مجلدات ضخمة ، ولكن هذا العمل جاء بشكل سريع ، فما هو إلا حصيلة فترة زمنية قصيرة ، نسبة إلى الكم الهائل الموجود ، وإلى تشتت مظان هذه المواد ، ولذا فلابد أن يعتوره النقص ، ويفوته بعض النتاج ،سواء من المنشور أو غير المنشور .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ما في هذا المجموع ، لم ينظر فيه لزمن معين، ولا لنوع شعري خاص ، وإنما يجمع بينه أمران ، لا ثالث لهما :

1. تعلقه بصاحب الزمان علیه السلام .

2. كونه من النتاج القطيفي .

فاحتوى على ما كتب قبل عشرات السنين،كما اشتمل على نتاج اليوم والأمس القريب ، وشمل الشعر العربي الموزون والمقفى ، كما احتوى على الشعر العربي الحديث ، وعلى الموشحات والتخاميس ونحوها ، ولم يخلُ من الشعر الشعبي ، باللهجة الدارجة المحلية .

وإتماماً للفائدة فقد حاولنا عقد فصل خاص باللوحات الفنية والكتابات الجميلة ، إلا أن المشاركات في هذا الفصل كانت قليلة جداً، فنشرنا ما تحصلنا عليه منها.

ونرجو أن نوفق في مستقبل أيامنا إلى السير في هذا الخط نفسة ، وجمع

ما يستجد من نتاج ، ومما فاتنا مما هو موجود فعلا .

ولا يفوتنا أن نذكّر بأن الموضوعات النثرية التي احتواها الكتاب تعددت أسباب كتابتها ودوافعها ، مما كان له الأثر الواضح في طبيعة كتابتها ، فمنها ما هو بحث علمي مستقل ، ومنها ما كتب رداً على كتاب استهدف هذه العقيدة ، أو فكرة جاءت في مطاوي أفكار خاطئة أو مغلوطة ، كما أن منها ما كتب لينشر على صفحات بعض الصحف ،

ص: 10

أو ليقرأ على المنابر الحسينية ، وهذا سبب من أسباب اختلاف المادة العلمية المطروحة ، وأسلوب الطرح الذي جاء به المقال أو الكتاب .

ولقد اقتصرنا في بعض المقالات على محل الحاجة والغرض ، فاقتطفنا من بعض الموضوعات ما يخدمنا في مجالنا ، وتركنا باقي المقال أو الموضوع لأنه خارج عن موضع الحاجة ، وربما نشير إلى بعض هذا أثناء ذكر المقال المقتطف منه .

وفي الختام .. أزجي آيات الشكر والثناء إلى جميع من أعانني في إنجاز هذا المشروع ، وأخص منهم سماحة الفاضل الشيخ محسن المعلم حفظه اللّه، فهو لا يزال متابعاً لي فيما يوفقني الله سبحانه للسير فيه ، موجهاً وناصحاً ومقترحاً ومرشداً ، وكذا أخي فضيلة الشيخ نزار آل سنبل ، فقد أتاح لي الاستفادة من الملف الذي جمعه أثناء قيامه بتأليف كتابه ( اهل البيت عليهم السلام في الشعر القطيفي المعاصر)،كما أنه لم يبخل عليّ بتوجيهاته وملاحظاته ، وأشكر كل من ساعدني في صف مادة الكتاب على جهاز الحاسب الآلي وإخراجه ، خصوصاً ابن أخي ( مجيد مصطفى آل سنبل)، ولا أنسى أن أشكر رفيقة دربي ( أم علي رضا ) فقد ساعدتني كثيراً في إخراج الكتاب ، وفي تهيئتها الجو المناسب للعمل فيه، وكذا أختها المصونة ( أم حسن ) ، حيث قامت بصف بعض مادة الكتاب ، وأشكر ابن العمة السيد جواد السادة ، حيث تفضل بتصميم غلاف الكتاب ، وبالمساعدة في إخراج بعض التصماميم الداخلية .

فلهم ولغيرهم ، ممن وفّرلي مادة أو زوّدني بمصدر أو تكرّم عليَّ بإنتاجه أو إنتاج غيره ، لهم جميعاً شكري وامتناني ، ودعائي بالتوفيق والقبول من صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه .

وندعو جميع الكتاب والشعراء إلى تزويدنا بما لديهم من نتاج حول

ص: 11

صاحب الزمان-أرواحنا لتراب مقدمه الفداء - أو إرشادنا إلى المصادر التي يطلعون عليها، ولهم منا خالص الشكر وعظيم الامتنانّ، وعلى اللّه سبحانه أجرهم .

وصلّ اللهم على محمد وآله الميامين،سيما إمام عصرنا وولينا أمرنا ، الحجة بن الحسن المهدي ، أرواحنا له الفداء ، ( اللهم فصلِّ عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين، وعلى شيعته المنتجبين، وبلغهم من آمالهم أفضل ما يأملون، واجعل ذلك منا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة ، حتى لا نريد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك )،اللهمَّ( وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه ، واجعلنا له سامعين مطيعين ، وفي رضاه ساعين، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين ، وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين ) اللهم ( وجدّد به ما امتحى من دينك ، وأصلح به ما بدِّل من حكمك ، وغُيِّر من سنتك ) ، ( اللهمَّ ولا تجعلني من خصماءِ آلِ محمدٍ علیهم السلام، ولا تجعلني من أعداءِ آل محمدٍ علیهم السلام ، ولا تجعلني من أهل الحَنَقِ والغيظِ على آلِ محمدٍ علیهم السلام، فإني أعوذُ بكَ من ذلكَ فأعذني، وأستجيرُ بكَ فأجرني . اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، واجعلني بهم فائزاً عندَكَ في الدنيا والآخرةِ ومن المقربينَ )(1).

لؤي محمد شوقي آل سنبل

الجش بالقطيف

ص: 12


1- ما بين الأقواس مستقي من زياراته والدعاء له (عجل الله تعالی فرجه الشریف)،من( مفاتيح الجنان ) و الصحيفة المهدية المنتخبة ).

نبذة حول الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

نسبه الشريف:

هو :محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام .

أمه:

أوردت الروايات الشريفة لأمه - سلام الله عليها - أكثر من اسم :

1.مليكة بنت یشوعا بن قيصر ملك الروم .2. مريم بنت زيد العلوية . 3. نرجس . 4. صقيل . 5. صيقل. 6. ريحانة . 7. حكيمة . 8. سوسن.

9. خمط. 10. حديثة.

والرأي الأشهر أنها هي( مليكة بنت یشوعا )،وبقية الأسماء من قبيل الألقاب لها ، أولاختلاف تسميتها عند من باعها واشتراها ، حتى وصلت للإمام العسكري علیه السلام، وكنيتها ( أم محمد ) ، ووصفتها الروايات بأنها ( خيرة الإماء) و (سيدة الإماء ).

ولادته :

ولد به علیه السلام في مدينة( سامراء) فجر ليلة الجمعة النصف من شهر شعبان المبارك سنة 255ه أو سنة 256ه ، أيام المعتمد العباسي . وتوفي والده في 8 ربيع الأول سنة 260ه ، فتحمّل أعباء الإمامة وهو ابن خمس أو أربع سنين .

ومما جاء في خبرولادته، ما رواه الصدوق(1) : ( خرج عن أبي محمد علیه السلام حين قتل الزبيري: ( هذا جزاء من افترى على الله تبارك وتعالى في أوليائه، زعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله عزوجل وولد له ولد وسماه " م ح م د " (2) سنة ست وخمسين ومائتين ) .

ص: 13


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص430
2- ورد الاسم الشريف بحروف مقطًعةً لوجود الخلاف بين العلماء في جواز ذكر اسمه المبارك حال الغيبة والمسألة محررة في مظانها وأشير لها ضمن موضوعات هذا الكتاب.

( ... عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسی بن جعفر عليهما السلام عن السياري قال:حدثتني نسيم ومارية قالتا : إنه لما سقط صاحب الزمان علیه السلام من بطن أمه جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و آله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشك.

قال إبراهيم بن محمد بن عبد الله:وحدثتني نسيم خادم أبي محمدعلیه السلام قالت: قال لي صاحب الزمان علیه السلام، وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي : يرحمك الله، قالت: نسيم ففرحت بذلك ، فقال لي علیه السلام: ألا أبشرك في العطاس ؟ فقلت: بلى يا مولاي فقال : هو أمان من الموت ثلاثة أيام ).

كناه وألقابه :

كني - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - بكُنى كثيرة ، منها : ( أبو القاسم )و( أبو صالح)و(أبو جعفر)و(أبو عبد الله)و(أبو إبراهيم) و (أبو الحسن) و ( أبو تراب ) . أما الألقاب التي عرف بها وعبّر عنه بها في الروايات الشريفة فكثيرة جداً، نذكر منها :

1. المهدي . 2. المنتظر. 3. الحجة . 4. القائم . 5. القائم المنتظر. 6. المنصور .7. الصاحب. 8. صاحب الزمان .9. صاحب الأمر. 10. الخاتم 11. الخلف. 12. الخلف المهدي.13. الخلف الصالح .14. ولي الله .15. بقية الله . 16. صاحب الدار. 17. برهان الله . 18. الباسط. 19. الثائر.20. بقية الأنبياء. 21. الحق. 22. خليفة الله . 23. المؤمل . 24. خاتم الأوصياء.

وكان الشيعة في زمان غيبته الصغرى يعبرون عنه بألقاب ، مثل :

25.الحضرة. 26. الناحية المقدسة. 27. السيد.

ص: 14

28. الرجل . 29. الغلام. 30.الغریم.

إلى غير ذلك من الألقاب الكثيرة(1) .

صفته:

صفته هي صفة الرسول صلی الله علیه وآله، كما تشير لذلك الروايات الشريفة ( نظر أمير المؤمنين علي علیه السلام إلى الحسين علیه السلام فقال : إن ابني هذا سيّد كما سماه

ص: 15


1- ذكر العلامة النوري في كتابه (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) )(182) بین لقب وكنية واسم ،وقال في آخرها في ج1ص 268-266: ولا يخفى أنّ اكثر هذه الأسماء والألقاب والكنى التي ذكرت إنّما هي من الذات المقدسة للباري تعالى والأنبياء والأوصياء علیم السلام، وإنَّ جعلَ اللهِ تعالى وخلفائه اسماً لأحد ليس هو كالجعل للأسماء المتعارف بين الخلائق،حيث لم يراعوا معنى ذلك الاسم ولم يلاحظوا وجوده وعدم وجوده في ذلك الشخص ، وكثيراً ما يُسمّى وضيعو المنزلة والفطرة و مذمومو الخلقة والخصال بأسماء شريفة . ولكن الله تعالى وأولياءه لا يضعون اسماً ما لم يصدق معنى ذلك الاسم على مسمّاه، وتُلاحَظ معان وصفات متعددة في اسم شريف واحد ، ولذلك يمنح له ذلك الاسم، ولهذا السبب قد بیّنوا في الأخبار المكررة في مقام جواب السائل علةَ الأسماء والألقاب الشريفة للحجج علیهم السلام، وقد ذُكر لبعضها وجوه متعددة كما في وجه كنية (أبو القاسم) لرسول الله صلی الله علیه وآله .. قال : (لأنه كان له ابن يقال له قاسم فكنّي به ) وقال أيضاً: (.. إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله أب لجميع أمته، وعليّ علیه السلام فيهم بمنزلته .. ) وهو ( قاسم الجنة والنار.. فقيل له أبو القاسم) ، وقال أيضاً لأنه يقسم الرحمة بين الخلق يوم القيامة ، وهكذا في سائر الأسماء والألقاب. ومن هنا يعلم انّ كثرة الأسماء والألقاب الالهية كاشفة عن كثرة الصفات والمقامات العالية، حيث يدل كلّ واحد منها على خلق وصفة وفضل و مقام ، بل إنّ بعضها تدل على جملة (مجموعة )منها . ومنها يترقى إلى تلك المقامات بمقدار ما يتحمله اللفظ ويوسعة الفهم،و قد ظهر أيضاً أنّ إدراك أدنى مقام من مقامات الإمام صاحب الزمان علیه السلام خارج عن قوة البشر .

رسول الله صلی الله علیه وآله سيداً ، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم ، يشبهه في الخَلق والخُلق ، يخرج على حين غفلة من الناس ،و إماتة للحق وإظهار للجور، لو لم يخرج لضربت عنقه ، يفرح بخروجه أهل السموات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين ، أقنى الأنف ، ضخم البطن ، أزيل الفخذين ،لفخذه اليمني شامة، أفلج الثنايا ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً )(1).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام أيضا:(أنه شاب مربوع القامة حسن الوجة والشعر يسيل شعره على منكبيه ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، أجلى الجبين أقني الأنف ضخم البطن، بفخذه اليمني شامة أفلج الثنايا)(2).

وقد وصفه إبراهيم بن مهزيار حيث رآه فقال من حديث طويل:( ناصع اللون ، واضح الجبين، أبلج الحاجب ، مسنون الخدّين ، أقني الأنف، أشمّ أروع، كأنه غصن بان ، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضة، وإذا برأسه وفرة سمحاء سبطة تطالع شحمة أذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ، ولا أعرف حسناً و سكينة وحياء )(3).

إمامته والأحاديث حوله:

اشارة

الحديث عن إمامته علیه السلام هو الحديث عن الإمامة جوهراً وفكراً ودليلاً، وبحث ذلك مشبع في الكثير من الكتب الكلامية والعقائدية ، وقد استدل العلماء رضوان الله عليهم على إمامته بأدلة عقلية محكمة وبأدلة نقلية كثيرة منها ما هو مستد لآيات القرآن الكريم ، ومنها ما هو معتمد على الروايات المعصومية من النبي صلی الله علیه وآله حتى الإمام العسكري علیه السلام، فقد

ص: 16


1- البحار ، ج 1، ص 51ص39- 40ح19.
2- أعيان الشيعة ، المجلد 2ص44
3- كمال الدين وتمام النعمة ، ص409

أشير له في المرويات الشيعية والسنية بشكل كبير جداً .

ونتشرف بذكر شيء يسير من ذلك ، كما أورده السيد الأمين > في(أعيان الشيعة )(1):

القرآن الكريم:

عن الإمام الصادق علیه السلام في معنى قوله عزوجل:«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(2) قال: نزلت في القائم وأصحابه.

وعنه علیه السلام في قوله تعالى : «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ»(3)قال:العذاب خروج القائم، والأمة المعدودة أهل بدر وأصحابه.

وعنه علیه السلام في قوله:« فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(4) قال:نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد.

وعنه علیه السلام في قول الله عزوجل :«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(5)قال: هي في القائم علیه السلام وأصحابه.

وعنه علیه السلام في قوله تعالى:«يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ»(6)قال: الله يعرفهم، ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطا .

ص: 17


1- المجلد 2 في الصفحات 54- 58
2- النور ،55.
3- هود ، 8.
4- البقرة ، 148.
5- الحج ،39 .
6- الرحمن ، 41 ،
النبي محمد صلی الله علیه وآله :

عن ابن عباس > عن النبي صلی الله علیه وآله : علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليهم بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر يملا الله عزوجل به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، والذي بعثني بالحق بشيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.

فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ فقال : إي وربي وليمحصن الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله مطوي عن عباده فإياك والشك في أمر الله فهو كفر.

الإمام علي علیه السلام :

عنه علیه السلام أنه قال للحسين علیه السلام: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق المظهر للدين الباسط للعدل .قال الحسين علیه السلام : فقلت : يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن ؟ فقال: إي والذي بعث محمدا بالنبوة واصطفاه على جميع البرية ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .

السيدة الزهراء علیها السلام:

عن جابر بن عبد الله الأنصاري > قال: دخلت على فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها ، فعددت اثني عشر اسما آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي .

الإمام الحسن علیه السلام :

لما صالح الإمام الحسن علیه السلام معاوية دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال علیه السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير

ص: 18

لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم ؟ وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله صلی الله علیه وآله؟قالوا : بلى. قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران علیه السلام إذ خفي عليه وجه الحكمة فيه وكان ذلك عند الله حكمة وصواباً ؟ أما علمتم أنّا ما منا أحد إلا و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه ؟ فإن الله عزوجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة ، إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير .

الإمام الحسين علیه السلام:

عنه علیه السلام:منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ويظهر به دین الحق على الدين كله ولو كره المشركون،له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون فيؤذون ، ويقال لهم متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ أما أن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول صلی الله علیه وآله.

الإمام السجاد علیه السلام :

عنه علیه السلام: لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول الله صلی الله علیه وآله قد نشرها لا يهوي بها إلى قوم

ص: 19

إلا أهلكهم الله عزوجل.

الإمام الباقر علیه السلام :

عن أم هاني الثقفية عن الإمام الباقر علیه السلام في حديث قال : هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة ، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها أقوام ، فيا طوبى لك إن أدركته ويا طوبى لمن أدركه .

الإمام الصادق علیه السلام :

عن سدير عن الإمام الصادق علیه السلام: إن في القائم علیه السلام سنة من يوسف ، قلت: كأنك تريد حيرة أو غيبة ؟ قال لي وما تنكر من هذا ؟ إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وخاطبوه ، وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه،حتى قال لهم أنا يوسف، فماتنكر هذه الأمة أن يكون الله عزوجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته ، لقدكان يوسف إليه ملك مصر، وقد كان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد الله عزوجل أن يعرف مكانه لقدر على ذلك، و الله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، وما تنكرهذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف ، أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتى يأذن عزوجل أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف حين : «قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ 89 قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي »(1).

الإمام الكاظم علیه السلام :

عنه علیه السلام: أنه قيل له : يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق ؟ فقال أنا القائم بالحق ، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله و يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه ، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون .

ص: 20


1- يوسف ، 89- 90.

ثم قال علیه السلام:طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا

أئمة ورضينا بهم شيعة، وطوبى لهم هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة.

الإمام الرضا علیه السلام:

عن الهروي قال سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي علي ابن موسى الرضا علیه السلام قصيدتي التي أولها :

مدارس آیات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة قائم *** يقوم على اسم الله والبركات

يميّز فينا كل حق وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا علیه السلام بكاء شديدا ، ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم ، يطهر الأرض من الفساد ويملؤهاعدلاً كما ملئت جوراً .

فقال : يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. وأما متى ؟ فإخبار عن الوقت، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي علیه السلام أن النبي صلی الله علیه وآله قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال : مثله مثل الساعة «لَا جَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً»(1)

ص: 21


1- الأعراف ، 187.
الإمام الجواد علیه السلام:

عنه علیه السلام : الإمام بعدي ابني علي أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي ، وذكر ابنه الحسن مثل ذلك وسكت ، فقيل له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبكى بكاء شديداً ، ثم قال إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر ، فقيل : ولم سمي القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته . قيل:ولم سمي المنتظر؟قال : إن له غيبة تكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون .

الإمام الهادي علیه السلام:

عنه علیه السلام: الخلف من بعدي ابني الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ، فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه . قلت : فكيف نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد .

الإمام العسكري علیه السلام:

عن محمد بن عثمان العمري عن أبيه قال:سئل أبو محمد الحسن بن علي علیهما السلام عن الخبر الذي روي عن آبائه علیهم السلام( أن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) فقال علیه السلام: إن هذا حق كما أن النهار حق ، فقيل له يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك ؟ قال : ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون و يكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة .

ص: 22

شاعره:

قال السيد الأمين قدس سره : ( شاعره ابن الرومي (1))(2)، ومن شعره الذي يشير فيه لظهور الإمام المنتظر علیه السلام . مخاطبته لبني العباس بقوله :

اجنوا بني العباس من شنآنكم *** وأوكوا على ما في العياب وأشرجوا(3)

وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم *** فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا

نَظَارِ لكم أن يَرجع الحقَّ راجعٌ *** إلى أهله يوماً فتشجُوا كما شجوا

على حين لا عُذرَى لمُعتذريكُم *** ولا لكم من حجة الله مخرجٌ

فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم*** وبينهم إن اللواقح تنتجُ

غررتم لأن صدقتم أن حالة *** تدوم لكم والدهر لونان أخرج

لعل لهم في مُنطوِي الغيب ثائراً *** سيسمولكم والصبح في الليل مولجُ

بمَجرٍ تضيق الأرض من زفراته *** له زَجَلٌ ينفي الوحوشَ، وهَزمَجُ(4)

ص: 23


1- أعيان الشيعة ، ج 2 ص 44.
2- قال عنه الشيخ الأميني قدس سره في غديره ج3 ص 29-30: أبو الحسن علي بن عباس بن جريح مولى عبيد الله بن عيسى بن جعفر البغدادي الشهير بابن الرومي ، مفخرة من مفاخر الشيعة وعبقري من عباقرة الأمة، وشعره المذهبي الكثير الطافح برونق البلاغة قد أربى على سبائك التبرحسنا وبهاءً وعلى كثر النجوم عددا ونورا، برع في المديح و الهجاء والوصف والغزل من فنون الشعر، فقصر عن مداه الطامحون و شخصت إليه الأبصار فجلّ عن الندكما قصر عن مزاياه العد، وله في مودة ذوي القربي من آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم أشواط بعيدة، و اختصاصه بهم ومدائحه لهم ودفاعه عنهم من أظهر الحقائق الجلية، وقد عده ابن الصباغ المالكي المتوفی 855 وفي فصوله المهمة ص 30 و الشبلنجي في نور الأبصار 166 من شعراء الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه .
3- أوكوا : أغلقوا ، العياب : الصدور ، أشرجوا : شدّوا .
4- هزمج : الهزمجة هي الكلام المتتابع أو المختلط .

إذا شيمَ بالأبصار أبرقَ بیضُه *** بوارقَ لا يسطيعهنّ المحمَّجُ(1)

تُوامضه شمسُ الضحى فكأنما *** يُرى البحرُ في أعراضه يتموجُ

له وقدة بين السماء وبينه *** تلم به الطيرالعوا في فتهرج

إذا كرفي أعراضه الطرف أعرضت *** حراج تحار العين فيها فتحرج

يؤيده ركنان ثبتان: رجلهٌ *** وخيلٌ كأَرسال الجراد وأَوثجُ(2)

عليها رجال كالليوث بسالةً *** بأمثالها یُثنَى الأبيُّ فَيُعنَجُ(3)

نقش خاتمه علیه السلام :

( أنا حجة الله وخاصته )(4).

غیبته:

اشارة

له عجل الله فرجه وسهل مخرجه غيبتان ( صفرى وكبرى ) ،والأحاديث في ذلك كثيرة ، منها : ( ... عن إسحاق بن عمار الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام يقول: للقائم غيبتان إحداهما طويلة والأخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيهاإلا خاصة موالية في دينه)(5).

الغيبة الصغرى( القصري):

هناك خلاف في بدء احتساب الغيبة الأولى والمسماة ب(الغيبة الصغرى)أو (القصری ) فهل بدأت بولادته عليه الصلاة والسلام أم بدأت باستشهاد

ص: 24


1- المحمّج : التحميج هو تغير الوجه من الغضب أو الخوف ، أو فتح العين وتحديد النظر كالمبهوت .
2- أرسال : جمع رسل وهو القطيع ، أوثج : الوثيج يعني الكثيف والقوي ، وهو هنا تعبير الكثرة والقوة .
3- يعنج : يجذب .
4- مصباح الكفعمي ، ج2 ص610
5- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام، ص251

والده - سلام الله عليه - ، أما نهايتها فمتفق عليه بأنها انتهت بانقطاع السفارة بموت السفير الرابع في 15 شعبان عام 329ه . وعلى ذلك فتكون مدتها :

- (74) سنة أو ( 73) سنة : بناء على أن ولادته علیه السلام في 15 شعبان عام 255ه أو 256ه ، ووفاة السفير الرابع الشيخ علي بن محمد السمري في 15 شعبان عام 329ه.

- (69) سنة و (5) أشهر و (7) أيام : وذلك حيث أن استشهاد الإمام العسكري علیه السلام في 8ربيع الأول عام 260ه ، ووفاة السفير الرابع

الشيخ علي بن محمد السمري في15 شعبان عام 329ه .

الغيبة الكبرى ( الطولى):

بدأت بانقطاع السفارة بموت السفير الرابع في 15 شعبان عام 329ه وهي ممتدة حتى يأذن الله له بالخروج ، اللهمَّ عجّل فرجه وسهل مخرجه واشفِ به صدرو قوم مؤمنين .

سفراؤه :

كان له علیه السلام في غيبته الصغرى أربعة سفراء يقومون بدور الوساطة بينه وبين شيعته ، وهؤلاء السفراء هم(1) :

1. الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري .

2. ولده الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان العمري المشهور بالخلاني .

3. الشيخ أبو القاسم حسين بن روح النوبختي .

4. الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري .

ص: 25


1- اقرأ التعريف بهم في الصفحات (183) و ( 323-326 ) من ج1 ، و ( 29-30) من ج3، من هذا الكتاب .

دعاء في غيبته علیه السلام:

حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب قال :حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم علیه السلام .

(اللّهُمَّ عَرِّفْنِی نَفْسَک فَإِنَّک إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِی نَفْسَک لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَک(1). اللّهُمَّ عَرِّفْنِی رَسُولَک فَإِنَّک إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِی رَسُولَک لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَک. اللّهُمَّ عَرِّفْنِی حُجَّتَک فَإِنَّک إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِی حُجَّتَک ضَلَلْتُ عَنْ دِینِی. اللّهُمَّ لَاتُمِتْنِی مِیتَةً جاهِلِیةً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِی بَعْدَ إِذْ هَدَیتَنِی ، اللّهُمَّ فَکما هَدَیتَنِی لِوِلایةِ مَنْ فَرَضْتَ عَلَی طاعَتَهُ مِنْ وِلایةِ وُلاةِ أَمْرِک بَعْدَ رَسُولِک صَلَواتُک عَلَیهِ وَآلِهِ، حَتَّی والَیتُ وُلاةَ أَمْرِک أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِی بْنَ أَبِی طالِبٍ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَینَ وَعَلِیاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسَی وَعَلِیاً وَمُحَمَّداً وَعَلِیاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقائِمَ الْمَهْدِی صَلَواتُک عَلَیهِمْ أَجْمَعِینَ،اللّهُمَّ فَثَبِّتْنِی عَلَی دِینِک، وَاسْتَعْمِلْنِی بِطاعَتِک، وَلَینْ قَلْبِی لِوَلِی أَمْرِک؛ وَعافِنِی مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَک، وَثَبِّتْنِی عَلَی طاعَةِ وَلِی أَمْرِک الَّذِی سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِک، وَبِإِذْنِک غابَ عَنْ بَرِیتِک، وَأَمْرَک ینْتَظِرُ، وَأَنْتَ الْعالِمُ غَیرُ الْمُعَلَّمِ بِالْوَقْتِ الَّذِی فِیهِ صَلاحُ أَمْرِ وَلِیک فِی الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهارِ أَمْرِهِ، وَکشْفِ سِتْرِهِ، فَصَبِّرْنِی عَلَی ذلِک حَتَّی لَاأُحِبَّ تَعْجِیلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِیرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلَا کشْفَ مَا سَتَرْتَ، وَلَا الْبَحْثَ عَمَّا کتَمْتَ، وَلَا أُنازِعَک فِی تَدْبِیرِک، وَلَا أَقُولَ لِمَ وَکیفَ وَما بالُ وَلِی الْأَمْرِ لَایظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ؟ وَأُفَوِّضُ أُمُورِی کلَّها إِلَیک.

اللّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُک أَنْ تُرِینِی وَلِی أَمْرِک ظاهِراً نافِذَ الْأَمْرِ، مَعَ عِلْمِی بِأَنَّ لَک السُّلْطانَ وَالْقُدْرَةَ وَالْبُرْهانَ وَالْحُجَّةَ وَالْمَشِیةَ وَالْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، فَافْعَلْ ذلِک بِی وَبِجَمِیعِ الْمُؤْمِنِینَ حَتَّی نَنْظُرَ إِلَی وَلِی أَمْرِک صَلَواتُک عَلَیهِ؛ ظاهِرَ الْمَقالَةِ، واضِحَ الدَّلالَةِ، هادِیاً مِنَ الضَّلالَةِ، شافِیاً مِنَ الْجَهالَةِ، أَبْرِزْ یا

ص: 26


1- في بعض النسخ ( رسولك ) وكذا ما يأتي .

رَبِّ مُشاهَدَتَهُ، وَثَبِّتْ قَواعِدَهُ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَقَرُّ عَینُهُ بِرُؤْیتِهِ، وَأَقِمْنا بِخِدْمَتِهِ، وَتَوَفَّنا عَلَی مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنا فِی زُمْرَتِهِ.اللّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِیعِ مَا خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَینِ یدَیهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ یمِینِهِ وَعَنْ شِمالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِک الَّذِی لَایضِیعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِیهِ رَسُولَک، وَوَصِی رَسُولِک عَلَیهِ وَآلِهِ السَّلامُ، اللّهُمَّ وَمُدَّ فِی عُمْرِهِ، وَزِدْ فِی أَجَلِهِ، وَأَعِنْهُ عَلَی مَا وَلَّیتَهُ وَاسْتَرْعَیتَهُ، وَزِدْ فِی کرامَتِک لَهُ فَإِنَّهُ الْهادِی الْمَهْدِی، وَالْقائِمُ الْمُهْتَدِی وَالطَّاهِرُ التَّقِی، الزَّکی النَّقِی، الرَّضِی الْمَرْضِی، الصَّابِرُالْمُجْتَهِدُالشَّکورُ .

اللّهُمَّ وَلَا تَسْلُبْنَا الْیقِینَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِی غَیبَتِهِ وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلَا تُنْسِنا ذِکرَهُ وَانْتِظارَهُ، وَالْإِیمانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْیقِینِ فِی ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصَّلاةَ عَلَیهِ، حَتَّی لَایقَنِّطَنا طُولُ غَیبَتِهِ مِنْ قِیامِهِ، وَیکونَ یقِینُنا فِی ذلِک کیقِینِنا فِی قِیامِ رَسُولِک صَلَواتُک عَلَیهِ وَآلِهِ، وَمَا جاءَ بِهِ مِنْ وَحْیک وَتَنْزِیلِک، فَقَوِّ قُلُوبَنا عَلَی الْإِیمانِ بِهِ، حَتَّی تَسْلُک بِنَا عَلَی یدَیهِ مِنْهاجَ الْهُدَی، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَی، وَالطَّرِیقَةَ الْوُسْطَی، وَقَوِّنا عَلَی طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَی مُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِی حِزْبِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَنْصارِهِ وَالرَّاضِینَ بِفِعْلِهِ، وَلَا تَسْلُبْنا ذلِک فِی حَیاتِنا وَلَا عِنْدَ وَفاتِنا، حَتَّی تَتَوَفَّانا وَنَحْنُ عَلَی ذلِک، لَاشاکینَ وَلَا ناکثِینَ وَلَا مُرْتابِینَ وَلَا مُکذِّبِینَ.

اللّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَأَیدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِرِیهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِیهِ، وَدَمْدِمْ عَلَی مَنْ نَصَبَ لَهُ وَکذَّبَ بِهِ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبادَک الْمُؤْمِنِینَ مِنَ الذُّلِّ، وَانْعَشْ بِهِ الْبِلادَ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْکفْرِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِینَ وَالْکافِرِینَ، وَأَبِرْ بِهِ الْمُنافِقِینَ وَالنَّاکثِینَ وَجَمِیعَ الُمخالِفِینَ وَالْمُلْحِدِینَ فِی مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّی لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَیاراً، وَلَا تُبْقِی

ص: 27

لَهُمْ آثاراً، طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَک، وَاشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبادِک، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحی مِنْ دِینِک؛وَأَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُکمِک وَغُیرَ مِنْ سُنَّتِک، حَتَّی یعُودَ دِینُک بِهِ وَعَلَی یدَیهِ غَضّاً جَدِیداً صَحِیحاً لَاعِوَجَ فِیهِ، وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتَّی تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِیرانَ الْکافِرِینَ، فَإِنَّهُ عَبْدُک الَّذِی اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِک، وَارْتَضَیتَهُ لِنَصْرِ دِینِک، وَاصْطَفَیتَهُ بِعِلْمِک، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُیوبِ، وَأَطْلَعْتَهُ عَلَی الْغُیوبِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَیهِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَنَقَّیتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَیهِ وَعَلَی آبائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِینَ، وَعَلَی شِیعَتِهِ الْمُنْتَجَبِینَ، وَبَلِّغْهُمْ مِنْ آمالِهِمْ مَا یأْمُلُونَ، وَاجْعَلْ ذلِک مِنَّا خالِصاً مِنْ کلِّ شَک وَشُبْهَةٍ وَرِیاءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّی لَانُرِیدَ بِهِ غَیرَک، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَک؛

اللّهُمَّ إِنَّا نَشْکو إِلَیک فَقْدَ نَبِینا، وَغَیبَةَ إِمامِنا، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَینا، وَوُقُوعَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الْأَعْداءِ عَلَینا، وَکثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا. اللّهُمَّ فَافْرُجْ ذلِک عَنَّا بِفَتْحٍ مِنْک تُعَجِّلُهُ، وَنَصْرٍ مِنْک تُعِزُّهُ، وَ إِمامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلهَ الْحَقِّ آمِینَ.

اللّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُک أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِیک فِی إِظْهارِ عَدْلِک فِی عِبادِک، وَقَتْلِ أَعْدائِک فِی بِلادِک، حَتَّی لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ یا رَبِّ دِعامَةً إِلّا قَصَمْتَها، وَلَا بَقِیةً إِلّا أَفْنَیتَها، وَلَا قُوَّةً إِلّا أَوْهَنْتَها، وَلَا رُکناً إِلّا هَدَمْتَهُ، وَلَا حَدّاً إِلّا فَلَلْتَهُ، وَلَا سِلاحاً إِلّا أَکلَلْتَهُ، وَلَا رایةً إِلّا نَکسْتَها، وَلَا شُجاعاً إِلّا قَتَلْتَهُ، وَلَا جَیشاً إِلّا خَذَلْتَهُ، وَارْمِهِمْ یا رَبِّ بِحَجَرِک الدَّامِغِ، وَاضْرِبْهُمْ بِسَیفِک الْقاطِعِ وَبَأْسِک الَّذِی لَاتَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ، وَعَذِّبْ أَعْداءَک وَأَعْداءَ وَلِیک وَأَعْداءَ رَسُولِک صَلَواتُک عَلَیهِ وَآلِهِ بِیدِ وَلِیک وَأَیدِی عِبادِک الْمُؤْمِنِینَ؛

اللّهُمَّ اکفِ وَلِیک وَحُجَّتَک فِی أَرْضِک هَوْلَ عَدُوِّهِ، وَکیدَ مَنْ أَرادَهُ، وَامْکرْ بِمَنْ مَکرَ بِهِ، وَاجْعَلْ دائِرَةَ السَّوْءِ عَلَی مَنْ أَرادَ بِهِ سُوءاً، وَاقْطَعْ عَنْهُ مادَّتَهُمْ، وَأَرْعِبْ لَهُ قُلُوبَهُمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدامَهُمْ، وَخُذْهُمْ جَهْرَةً وَبَغْتَةً،

ص: 28

وَشَدِّدْ عَلَیهِمْ عَذابَک، وَأَخْزِهِمْ فِی عِبادِک، وَالْعَنْهُمْ فِی بِلادِک، وَأَسْکنْهُمْ أَسْفَلَ نارِک، وَأَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذابِک، وَأَصْلِهِمْ ناراً، وَاحْشُ قُبُورَ مَوْتاهُمْ ناراً، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِک، فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ، وَأَضَلُّوا عِبادَک، وَأَخْرَبُوا بِلادَک.

اللّهُمَّ وَأَحْی بِوَلِیک الْقُرْآنَ، وَأَرِنا نُورَهُ سَرْمَداً لَالَیلَ فِیهِ، وَأَحْی بِهِ الْقُلُوبَ الْمَیتَةَ؛ وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ، وَاجْمَعْ بِهِ الْأَهْواءَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَی الْحَقِّ، وَأَقِمْ بِهِ الْحُدُودَ الْمُعَطَّلَةَ وَالْأَحْکامَ الْمُهْمَلَةَ، حَتَّی لَایبْقی حَقٌّ إِلّا ظَهَرَ، وَلَا عَدْلٌ إِلّا زَهَرَ، وَاجْعَلْنا یا رَبِّ مِنْ أَعْوانِهِ، وَمُقَوِّیةِ سُلْطانِهِ، وَالْمُؤْتَمِرِینَ لِأَمْرِهِ، وَالرَّاضِینَ بِفِعْلِهِ، وَالْمُسَلِّمِینَ لِأَحْکامِهِ، وَمِمَّنْ لَاحاجَةَ بِهِ إِلَی التَّقِیةِ مِنْ خَلْقِک، وَأَنْتَ یا رَبِّ الَّذِی تَکشِفُ الضُّرَّ، وَتُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاک، وَتُنْجِی مِنَ الْکرْبِ الْعَظِیمِ، فَاکشِفْ الضُّرَّ عَنْ وَلِیک، وَاجْعَلْهُ خَلِیفَةً فِی أَرْضِک کما ضَمِنْتَ لَهُ.

اللّهُمَّ لَاتَجْعَلْنِی مِنْ خُصَماءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیهِمُ السَّلامُ، وَلَا تَجْعَلْنِی مِنْ أَعْداءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیهِمُ السَّلامُ، وَلَا تَجَعَلْنِی مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَالْغَیظِ عَلَی آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیهِمُ السَّلامُ، فَإِنِّی أَعُوذُبِک مِنْ ذلِک فَأَعِذْنِی، وَأَسْتَجِیرُ بِک فَأَجِرْنِی. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِی بِهِمْ فائِزاً عِنْدَک فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ، آمِینَ رَبَّ الْعالَمِینَ(1).

زیارته (عجل الله تعالی فرجه الشریف):

السَّلاَمُ عَلَى الْحَقِّ الْجَدِيدِ وَ الْعَالِمِ الَّذِي عِلْمُهُ لاَ يَبِيدُالسَّلاَمُ عَلَى مُحْيِي الْمُؤْمِنِينَ وَ مُبِيرِ الْكَافِرِينَ السَّلاَمُ عَلَى مَهْدِيِّ الْأُمَمِ وَ جَامِعِ الْكَلِمِ السَّلاَمُ عَلَى خَلَفِ السَّلَفِ وَ صَاحِبِ الشَّرَفِ السَّلاَمُ عَلَى حُجَّةِ الْمَعْبُودِ وَ كَلِمَةِ الْمَحْمُودِ السَّلاَمُ عَلَى مُعِزِّ الْأَوْلِيَاءِ وَ مُذِلِّ الْأَعْدَاءِ السَّلاَمُ عَلَى وَارِثِ الْأَنْبِيَاءِ وَ خَاتِمِ الْأَوْصِيَاءِ، السَّلاَمُ عَلَى الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرِ وَ الْعَدْلِ الْمُشْتَهَرِ السَّلاَمُ عَلَى

ص: 29


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص 515.512

السَّيْفِ الشَّاهِرِ وَ الْقَمَرِ الزَّاهِرِوَ النُّورِ الْبَاهِرِ السَّلاَمُ عَلَى شَمْسِ الظَّلاَمِ وَ بَدْرِ الْبَدْرِ التَّمَامِ السَّلاَمُ عَلَى رَبِيعِ الْأَنَامِ وَ نَضْرَةِ فِطْرَةِ الْأَيَّامِ السَّلاَمُ عَلَى صَاحِبِ الصَّمْصَامِ وَ فَلاَّقِ الْهَامِ السَّلاَمُ عَلَى الدِّينِ الْمَأْثُورِ وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ السَّلاَمُ عَلَى بَقِيَّةِ اللَّهِ فِي بِلاَدِهِ وَ حُجَّتِهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُنْتَهِي إِلَيْهِ مَوَارِيثُ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَدَيْهِ مَوْجُودٌ آثَارُ الْأَصْفِيَاءِ السَّلاَمُ عَلَى الْمُؤْتَمَنِ عَلَى السِّرِّ وَ الْوَلِيِّ لِلْأَمْرِ السَّلاَمُ عَلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْأُمَمَ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ الْكَلِمَ وَ يَلُمَّ بِهِ الشَّعَثَ وَ يَمْلَأَ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً وَ يُمَكِّنَ لَهُ وَ يُنْجِزَ بِهِ وَعْدَ الْمُؤْمِنِينَ.

أَشْهَدُ يَا مَوْلاَيَ أَنَّكَ وَ الْأَئِمَّةَ مِنْ آبَائِكَ أَئِمَّتِي وَ مَوَالِيَّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ أَسْأَلُكَ يَا مَوْلاَيَ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي صَلاَحِ شَأْنِي وَ قَضَاءِ حَوَائِجِي وَ غُفْرَانِ ذُنُوبِي وَ الْأَخْذِ بِيَدِي فِي دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ أَخَوَاتِيَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ كَافَّةً إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).

الصلاة عليه علیه اسلام :

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلی وَلِیِّکَ وَ ابْنِ أَوْلِیآئِکَ الَّذِینَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَ أَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرْتَهُمْ تَطْهِیراً.اَللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَ انْتَصِرْ بِهِ لِدِینِکَ وَ انْصُرْ بِهِ أَوْلِیآئَکَ وَ أَوْلِیآئَهُ وَ شِیعَتَهُ وَ أَنْصارَهُ وَ اجْعَلْنا مِنْهُمْ.اَللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ کُلِّ طاغٍ وَ یاغٍ وَ مِنْ شَرِّ جَمِیعِ خَلْقِکَ وَ احْقَظْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمالِهِ وَ احْرُسْهُ وَ امْنَعْهُ مِنْ أَنْ یُوصَلَ إِلَیْهِ بِسُوءٍ وَ احْفَظْ فِیهِ رَسُولَکَ وَ آلَ رَسُولِکَ وَ أَظْهِرْ بِهِ العَدْلَ وَ أَیِّدْهُ بِالنَّصْرِ وَ انْصُرْ ناصِرِیهِ وَ اخْذُلْ خاذِلِیهِ وَ اقْصِمْ بِهِ جَبابِرَهَ الکَفَرَهِ وَ اقْتُلْ بِهِ الکُفّارَ وَ المُنافِقِینَ وَ جَمِیعَ المُلْحِدِینَ حَیْثُ کانُوا مِنْ مَشارِقِ الأَرْضِ وَ مَغارِبِها وَ بَرِّها وَ بَحْرِها وَ سَهْلِها وَ جَبَلِها وَ امْلَأْ بِهِ الأَرْضَ عَدْلاً وَ أَظْهِرْ بِهِ دِینَ نَبِیِّکَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلامُ وَ اجْعَلْنِی اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصارِهِ وَ أَعْوانِهِ وَ أَتْباعِهِ وَ شِیعَتِهِ وَ أَرِنِی فِی آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلامُ ما یَأْمُلُونَ وَ فِی عَدُوِّهِمْ

ص: 30


1- مفاتيح الجنان ، ص632

مَا یَحْذَرُونَ إِلهَ الحَقِّ رَبَّ العالَمِینَ آمِینَ(1).

ظهوره:

اشارة

عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ( .. والجمعة للتنظف والتطيب ، وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم الغدير أفضل الأعياد ، وهو ثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة ، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة ، وتقوم القيامة يوم الجمعة ، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله ) (2).

أما التوقيت فقد نهى عنه الأئمة علیه السلام وكذّبوا الموقتين ( من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابنَّ أن تكذّبه ، فلسنا نوقت لأحد وقتاً )(3).

ویُری وقت خروجه في صورة الشباب( روى أبو الصلت الهروي قال : قلت للرضا علیه السلام: ما علامة القائم منكم إذا خرج؟ فقال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتى أن الناظر إليه يحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله )(4).

خطبة علیه السلام عند ظهوره :

أوردت الروايات نصوصاً لبعض الخطب التي سوف يلقيها (عجل الله تعالی فرجه الشریف)وقت خروجه، نذكر منها :

1. وفي حديث طويل يرويه جابر الجعفي عن الإمام الباقرعلیه السلام : ( ...والقائم يومئذ بمكة ، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به ،

ص: 31


1- مفاتيح الجنان ، ص677-678
2- الخصال ، ج2ص 394
3- البحار، ج52، ص104
4- إعلام الوری بأعلام الهدی ، ص 465

ينادي :

يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد ، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد صلی الله علیه وآله .

فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم ، ومن حاجني في محمد صلی الله علیه وآله فأنا أولى الناس بمحمد صلی الله علیه وآله، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين ، أليس الله يقول في محكم كتابه :«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ 33 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ34»(1).

فأنا بقية من آدم،وذخيرة من نوح،ومصطفى من إبراهيم،وصفوة من محمد صلی الله علیه وآله ، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله صلی الله علیه وآله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله صلی الله علیه وآله.

فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب .

وأسألكم بحق الله وحق رسوله صلی الله علیه وآله وبحقي ، فإن لي عليكم حقَّ القربي من رسول الله ، إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا ، وطُردنا من ديارنا وأبنائنا ، وبغي علينا ، ودفعنا عن حقنا فأوتر(فافتری) أهل الباطل علينا،فالله الله فينا ، لا تخذلونا ، و انصرونا ينصركم الله تعالى )(2).

2. في رواية المفضل عن الإمام الصادق علیه السلام : (... وسيدنا القائم علیه السلام مسند ظهره إلى الكعبة ، ويقول : يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث ، فها أنا ذا آدم وشيث ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده

ص: 32


1- آل عمران ، 33 - 34.
2- البحار ، ج 52، ص 238-239

سام فها أنا ذا نوح وسام ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع ، فها أنا ذا موسى ويوشع ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين - صلوات الله عليهما - فها أنا ذا محمد صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين علیه السلام ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فها أنا ذا الحسن والحسين ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين علیهم السلام فها أنا ذا الائمة علیهم السلام ، أجيبوا إلى مسألتي ، فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبئوا به.

ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ، ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث علیهما السلام، ويقول أمة آدم وشيث هبة الله : هذه والله هي الصحف حقاً ، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها ، وما كان خفي علينا، وما كان أسقط منها و بدّل وحرّف ، ثم يقرأ صحف نوح

وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور ، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور : هذه والله صحف نوح وإبراهيم عليهما السلام حقا ، وما أسقط منها وبدل وحرف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها ، ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون : هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله على محمد صلی الله علیه وآله...)(1) .

3. عن الإمام الباقر علیه السلام: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلی الله علیه وآله وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته ، يقول :( أذكركم الله أيّها الناس ومقامكم بين يدي ربّكم ، وقد أكّد المحجّة ، وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، يأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله صلی الله علیه واله، وأن

ص: 33


1- البحار ، ج53، ص 9-10

تُحيوا ما أحيا القرآن ، وتُميتوا ما أمات ، وتكونوا أعواناً على الهدی ، وَوَزراً على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع ، وإنّي أدعوكم إلى الله ، وإلى رسوله صلی الله علیه وآله، والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل ، وإحياء السنة ...) (1).

بیعته:

يبايع بين الركن والمقام، ففي رواية جابر الجعفي عن الإمام الباقر علیه السلام:(.. قال : فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، و يجمعهم الله له على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه : «يْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2)فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد من رسول الله صلی الله علیه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله له أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكل عليهم ولادته من رسول الله صلی الله علیه وآله، ووراثته العلماء عالما بعد عالم ، فإن أشكل هذا كله عليهم ، فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه )(3)

وأول من يبايعه ( جبرئيل علیه السلام) ( قال أبو عبد الله علیه السلام: إن أول من يبايع القائم علیه السلام جبرئيل علیه السلام، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ، ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلاً على بيت المقدس ، ثم ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق : «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ »(4))(5) .

ص: 34


1- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام ، ص490
2- البقرة ، 148
3- البحار، ج52، ص238-239
4- النحل ، 1.
5- البحار ، ج 52، ص 285-286
شروط البيعة :

(عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنه يأخذ البيعة عمن أصحابه على أن : لا يسرقوا - ولا يزنوا - ولا يسبوا مسلماً - ولا يقتلوا محرما - ولا يهتكواحريماً محرماً - ولا يهجموا منزلاً - ولا يضربوا أحدا إلا بالحق - ولا يكنزوا ذهباً ولا فضة ولا برّاً ولا شعيرا - ولا يأكلوا مال اليتيم - ولا يشهدوا بما لا يعلمون - ولا يخربوا مسجداً - ولا يشربوا مسكراً - ولا يلبسوا الخزولا الحرير- ولا يتمنطقوا بالذهب - ولا يقطعوا طريقاً - ولا يخيفوا سبيلاً - ولا يفسقوا بغلام - ولا يحبسون طعاماً من بر أو شعير- ويرضون بالقليل - ويشتمون على الطيب (1) - ويكرهون النجاسة - ويأمرون بالمعروف -وينهون عن المنكر- ويلبسون الخشن من الثياب - ويتوسدون التراب على الخدود -ويجاهدون في الله حق جهاده .

ويشترط على نفسه لهم : أن يمشي حيث يمشون - ويلبس كما يلبسون - و يركب كما يركبون - ويكون من حيث يريدون - ويرضى بالقليل - ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً - ويعبد الله حق عبادته - ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً )(2) .

أصحابه وصفتهم:

عدد جيشه : عشرة آلاف، وسادتهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً،وهم خواص أصحابه وأصحاب الألوية ، وعماله فيما بعد على الأمصار ، ف (عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله علیه السلام: كم يخرج مع القائم علیه السلام؟ فإنهم يقولون : إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة

ص: 35


1- بعض المصادر الأخرى ( يشمون الطيب ).
2- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام،ص469

عشر رجلا ، قال : وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولو القوة أقل من عشرة آلاف)(1) ، و (عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : كأني أنظر إلى القائم علیه السلام على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر ، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه ... )(2).

وأما صفتهم فعن أبي عبد الله علیه السلام قال: (له كنز بالطالقان ، ما هو بذهب ولا فضّة ، وراية لم تنشر منذ طويت ، ورجالٌ كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، لا يشوبها شك في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خربوها، كأنّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الإمام علیه السلام يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم ، رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويُّ في صلاتهم كدوي النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمة لسيّدها ،كالمصابيح ، كأن قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله ،شعارهم ( یالثارات الحسين ) ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ)(3).

رايته :

ورد أن رايته مكتوب عليها : ( البيعة لله) أو ( الرفعة لله ) أو ( اسمعوا

وأطيعوا ).

ص: 36


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص604
2- كمال الدين وتمام النعمة ، ص612-673
3- البحار، ج52 ص307-308ح 82

وأما حاملها فهو (الفتى التميمي) في رواية و (شعيب بن صالح)(1) في رواية أخرى .

( وهي راية رسول الله صلی الله علیه وآله ، نزل بها جبرئيل يوم بدر .. ثم قال : يا أبا محمد ما هي والله من قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير، فقلت : فمن أي شيء هي؟ قال : من ورق الجنة، نشرها رسول الله صلی الله علیه وآله يوم بدر، ثم لفّها ودفعها إلى علي علیه السلام، فلم تزل عند علي علیه السلام ، حتى كان يوم البصرة ، فنشرها أمير المؤمنين علیه السلام ، ففتح الله عليه ثم لفها ، وهي عندنا هناك،لا ينشرها أحد ،حتى يقوم القائم علیه السلام ، فإذا قام نشرها ...)(2).

منزله وعاصمته :

منزله في مسجد السهلة بالكوفة، (عن أبي بصير عن أبي عبدالله - صلوات الله عليه - أنه قال : يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله ، قلت : يكون منزله ؟ قال نعم هو منزل إدريس علیه السلام وما بعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه ، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلی الله علیه وآله وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه ، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه يا أبا محمد أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه ، ثم إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين )(3).

(ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه و أعتقه ، ولا غارماً إلا قضى دينه ، ولا مظلمة لأحد من الناس إلا

ص: 37


1- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام ، ص 319
2- البحار ، ج 52 ص360-361
3- البحار، ج52 ص317

ردها ، ولا يُقتل منهم عبد إلا أدّى ثمنه دية مسلمة إلى أهلها ، ولا يُقتل قتيل إلا قضي عنه ديته وألحق عياله في العطاء ، حتى يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً . ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، و الرحبة إنما كانت مسكن نوح ،وهي أرض طيبة ، ولا يسكن الرجل من آل محمد إلا بأرض طيبة زاكية فهم الأوصياء الطيبون )(1).

دولته :

لكل أناس دولة يرقبونها *** ودولتنا في آخر الدهر تظهر

و ( هي دولة الله تعالى، ودولة أهل البيت علیهم السلام، والدولة الكريمة والدولة الشريفة، ودولة الحق، كما جاء تسميتها بها في الأحاديث المباركة ) (2).

ودولته علیه السلام تشمل العالم بأسره ، ( عن أمير المؤمنين علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه وآله: الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله لك عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها )(3).

وعن الإمام الباقر علیه السلام: ( ... ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاث مئة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلها ، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء ، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمداً رسول الله، وهو قوله :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(4)، ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية ، كما قبلها رسول الله صلی الله علیه وآله ، وهو قول الله :

ص: 38


1- تفسیر العیاشی ،ج1، ص66
2- الإمام المنتظر علیه السلام من ولادته إلى دولته ، ص 366
3- كمال الدين وتمام النعمة ، ج 1 ص 282
4- آل عمران ، 83

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(1)

قال أبو جعفر علیه السلام: يقاتلون والله حتى يُوحَّد الله ولا يُشرك به شيئ ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد ، ويُخرج الله من الأرض بذرها ويُنزل من السماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي علیه السلام ويوسع الله على شيعتنا ، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا ...)(2) .

سنة ظهوره :

عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ( لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع)(3) .

زمنه:

زمن النعمة والرخاء : ( عن النبي صلی الله علیه وآله قال : تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط،يرسل الله السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلا أخرجته )(4).

حکمه:

يحكم ويقضي بعلمه ، عن الإمام الصادق علیه السلام : ( إذا قام قائم آل

ص: 39


1- الأنفال ، 39
2- البحار، ج52 ص 345، ضمن حديث طويل يصف كيفية خروجه وبعض أفعاله وقت ظهوره علیه السلام .
3- إعلام الوری باعلام الهدی، ص286
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة ، ج3 ص473

محمد حكم بحكم داوود وسليمان،لا يسأل الناس البينة ) و( عن الحسن بن طريف قال كتبت إلى أبي محمد العسكري علیه السلام أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى ، فجاء الجواب:(سألت عن الإمام فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود علیه السلام لا يسأل البينة ..)(1).

دعاؤه لشيعته:

( اللهم إن شيعتنا خلقوا من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حبنا وولايتنا ، فإن كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا وما كان منها فيما بينهم، فقاصِّ بها عن خمسنا، و أدخلهم الجنة وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك )(2).

السلام عليه :

سأل رجل الإمام الصادق علیه السلام عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ؟ قال: (لا. ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين علیه السلام ، لم يسم أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر . قلت : جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال يقولون السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ :«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(3))(4).

ص: 40


1- البحار، ج52، ص320
2- موسوعة الأدعية الجامعة ، ج 7 ص 339-340
3- هود ، 86.
4- الوسائل ، ج10 ص470

*من كلماته علیه السلام:(1)

نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ، ولشيعتنا من المؤمنين في ذلك ، مادامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم

..

إنا غير مهمِلِين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء ، فاتقوا الله جل جلاله...

...فيعمل كل امرئ منكم ما يقربه من محبتنا ، وليتجنب ما يدنيه من كراهيتا وسخطنا ، فإن أمرءاً يبغته فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه

من عقابنا ندم على حوبة ....

... كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالا؟ فارقوا دينهم أم ارتابوا، أم عاندوا الحق ، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة، والأخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا، أما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة ، إما ظاهرا وإمّا مغموراً ...

إنه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم ، فغمّنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا ، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا .

يا هؤلاء ، ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تنتكسون ؟ أو ما

ص: 41


1- اقتطفت هذه المكلمات المباركة من التوقيعات الشريفة التي صدرت منه علیه السلام لسفرائه ، وخاصته كالشيخ المفيد رضی الله عنه ، یراجع البحار ، ج53، ص 150-198

سمعتم الله يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) ؟ أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم ؟ على الماضين والباقين منهم السلام . أو ما رأيتم كيف جعل لكم الله معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم علیه السلام إلى أن ظهر الماضي علیه السلام؟ كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلاّ ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.

وإن الماضي علیه السلام مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه علیهم السلام (حذو النعل بالنعل) وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر ، ولولا أن أمر الله لا يغلب، وسرّه لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهرمنه عقولكم ويزيل شكوككم، ولكن ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، و اجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنّة الواضحة ...

...سئل عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا ؟ فأجاب علیه السلام : إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية«وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُ»(2)كما قال سبحانه ، فإذا اشتهي المؤمن ولداً خلقه الله عزوجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم علیه السلام عبرة ...

ص: 42


1- النساء ، 59
2- الزخرف ،71

وسئل هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر(1)، وهل فيه فضل ؟ فأجاب علیه السلام يسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح .

وسئل عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل ؟ فأجاب علیه السلام :يجوز ذلك و فيه الفضل .

وسئل عن الرجل يزور قبور الأئمة علیهم السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم علیهم السلام أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه أو رجلية ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا ؟ فأجاب علیه السلام أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، و الذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام علیه السلام لا يتقدم عليه ولايساوی .

الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين ، لأنها له وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة ، فمن كان كذلك فهو من المهتدين ، ومن شك فلا دين له ، و نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.

... إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى،بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا والبابا، ثم بعث إليهم النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقه ودينهم، وأنزل عليهم كتابا، وبعث إليهم ملائكة وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة .

ص: 43


1- قبر الإمام الحسين - عليه أفضل الصلاة والسلام -، الذي هو شفاء من كل داء .

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقّاتون ... وأما الحوادث الواقعة

فارجعوا فيها إلى رواة حديثا فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم.

...وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم ..

ص: 44

الفصل الاول الموضوعات

اشارة

ص: 45

ص: 46

الهداية في إثبات الإمامة والولاية الشيخ عبد الله بن فرج آل عمران قدس سره

*الهداية في إثبات الإمامة والولاية(1)

الفصل الثاني : في بيان أن الحجج في هذه الأمةبعد نبيها هم العترة الأطهاروهم الاثنا عشر المنصوص عليهم منه صلی الله علیه وآله :

اشارة

عدم خلوالأرض من حجة من أهل البيت علیهم السلام:

... إذا انتقش على صحيفة ذهنك ما تلوناه عليك ، ونظرت بعين الحقيقة فيما صح في الصحاحات الستة وغيرها مما اتفق عليه فحول أساطين علماء الإسلام ، وهو قوله صلی الله علیه وآله: ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )(2).

وقوله صلی الله علیه وآله : ( إن أهل بيتي مثل بروج السماء ، كلما خبا نجم طلع

ص: 47


1- الفصلان الثانی و الثالث من کتاب (الهدایة في الإمامة و الولایة بکل حدیث صحیح وآیة) المطبوع مع کتابی المولف (تحفة الأبرار في معرفة الأقضیة والأقدار)و(إدخال السرور علی المومنین )، ص 169-246 ،و الکتاب مطبوع فی المطبعة الحیدریة بالنجف الأشرف سنة 1379 ه با هتمام العلامة المقدس الشیخ فرج العمران رضی الله عنه ،وحیث أنه محتاج لبعض الإخراج فقد قمت بعمل التالي: 1-ضبط الآیات الشریفة و ذکر السورة ورقم الآیة. 2-تخریج الأحادیث الشریفة. 3-وضع عناوین جانبیة للتهسیل علی القاری. 4-إضافة بعض التعلیقات. 5- الإرشارة إلی تعلیقات ثلاث للعلامة العمران، أثیتت کما هي في المطبوع ووضع بإزائها:( العلامة الشیخ فرج العمران رضی الله عنه). وأنبه علی أن الصلاة علی النبی صلی الله علیه وآله ،المنقولة من المصادر السینة، قد أضیف لها کلمة (وآله) وإن لم تکن في المصدر،التزاماً بقول النبی صلی الله علیه وآله:(لا تصلوا علیَّ الصلاة البتراء ، قیل :یا رسول الله ، و ما الصلاة البتراء؟ قال:(أن تصلوا عليَّ ولا تصلوا علی آلي).
2- المعجم الصغير للطبراني، ح 836 (عن أبي سعيد الخدري : ( سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول : ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ).

نجم)(1)

وقوله صلی الله علیه وآله : ( مثل أهل بيتي كمثل باب حطة ، من دخله غفرت له ذنوبه)(2)

وقوله تعالى :«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(3).

وقوله صلی الله علیه وآله: ( النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء، وإذا ذهب أهل البيت ذهب أهل الأرض)(4) .

وقوله صلی الله علیه وآله : ( أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان )(5).

وقوله صلی الله علیه وآله: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، و يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )(6) .

وقوله صلی الله علیه وآله : ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )(7).

وقوله صلی الله علیه وآله: ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات موتة جاهلية )(8)

وقوله صلی الله علیه وآله: (من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله تعالى ظاهر عادل اصبح ضالاً تائهاً وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق )(9)

ص: 48


1- غوالي اللئالي ، ج4 ص 85 ، بلفظ ( .. كلما خوی نجم .. ) .
2- انظر الحديث في التعليقة 2 من الصفحة السابقة .
3- الإسراء ،71
4- الصواعق المحرقة ، ص 283 الفصل 2 ح 12
5- الحاكم في المستدرك ، 149/3، ولكن فيه ( .. حزب إبليس).
6- صحيح مسلم ، كتاب الأمارة ، باب الناس تبع لقريش .
7- الصواعق المحرقة ، ص92
8- ورد الحديث بلفظ ( مات ميتة جاهلية ) في أكثر من مصدر ، كما في ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 409
9- أصول الكافي ، ج1، ص343، ح 8، والحديث بطوله : محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن بن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترت بها ، فباتت معها في مريضها فلما أن ساق الراعي قطيعة أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها و اغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها ، و كذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزوجل ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق،واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها«كَرَمَادٍ اشْدَتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَيَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ وَ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ الْبَعِيدُ».

وقوله صلی الله علیه وآله: ( لم تخلُ الأرض من قائم الله بحجة في عباده )(1) ، فيما أخرجه ابن عساكر عن خالد بن صفوان عنه صلی الله علیه وآله .

وقوله:(أيها الناس إني تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوابعدي ، أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض و عترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) (2)

ص: 49


1- ورد بأكثر من لفظ ، مثل ما في ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 409 ( أن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة ..)
2- الأحاديث بهذه المضامين كثيرة وإن اختلفت ألفاظها زيادة ونقصاً ، فمن ذلك:سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله، باب مناقب أهل بيت النبي، ح (3788): ...عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضی الله عنه قالا :قال رسول الله صلی الله علیه وآله : (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) قال هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد ، مسند أبي سعيد الخدري ح : (11167) :...عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلی الله علیه وآله : ( إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي ، الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ألا و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )

ظهر لك : أن هذه الأمة لا تخلو من حجة وخليفة له تعالى على العباد لئلا يكون للناس عليه الحجة ، وأن ذلك من العترة ، وأنه لا ينقطع متأهل منها للتمسك به إلى يوم القيامة كالكتاب العزيز ، وأن الدين يكون بذلك عزيزا قائماً قيماً إلى قيام الساعة ، وأنه معصوم من الخطأ والزلل في القول والعمل لأنه من عترته صلی الله علیه وآله وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . وأنه ليس من بني أمية ولا من بني العباس ولا من غيرهم،لامتناع وصفهم بأنهم كسفينة نوح في النجاة ، و أنهم إذا ذهبوا ذهب أهل الأرض، وأن الدين بهم عزيزاً قائماً قيماً إلى قيام الساعة ، وأنهم من العترة ومن أهل البيت،وأنهم أمان الأمة من الاختلاف، لأنهم في نفس الأمر أصل وسبب في الاختلاف.

من هو المهدي ؟

وإنما حجج الله وخلفاؤه في هذه الأمة أئمة الإمامية الاثنا عشر المتصفون

بهذه الأوصاف ، وأن الثاني عشر وهو المعبر عنه في روايات المؤالف و المخالف بالتاسع من صلب الحسين علیه السلام، هو مهدي هذه الأمة الكاشف للغمة حجة الله في أرضه، الذي لابد أن يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، كما أخرجه أحمد والمارودي وغيره ، أنه قال : ( ابشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا، فقال له رجل : وما صحاحاً؟قال:بالسوية بين الناس )(1).

ص: 50


1- مسند أحمد، مسند أبي سعيد الخدري ، ح (10933 ) : ... عن أبي سعيد الخدري قال : ( قال رسول الله صلی الله علیه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس و زلازل ، فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . فقال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية بين الناس، قال : و يملأ الله قلوب أمة محمد صلی الله علیه وآله غنى ، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول : من له في مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل ، فيقول : ائت السدان يعني الخازن فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً ، فيقول اله: احثُ حتى إذا جعله في حجره و أبرزه ندم فيقول:كنت أجشع أمة محمد نفساً، أو عجز عني ما وسعهم، قال : فيرده فلا يقبل منه ، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه ، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده ، أو قال : ثم لا خير في الحياة بعده ).

وقد أجمع جمهور الأمة على ذلك وتواترت به الأخبار عن النبي صلی الله علیه وآله المختار وأهل بيته الأطهار من طريقي الخاصة والعامة، وهي من الكثرة من كل الطريقين بحيث لا تكاد تحصى، ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة وهم فرقتان فرقة أنكرت ذلك جملة ولم يلتفت إلى قولها أحد من العلماء .

وفرقة زعمت أن المهدي هو عيسى بن مريم علیه السلام لحديث رواه محمد بن خالد الجندي عن أبان ابن أبي عياش عن الحسن عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال : (لا مهدي إلا عيسى ابن مريم )(1)

قال المحدثون من علماء العامة : إنه حديث منكر ، وممن صرح بكونه منكراً الإمام أبو عبد الرحمن النسائي ، وحكى الحافظ أبو بكر البيهقي عن شيخه الحاكم النيسابوري أنه قال : إن الجندي مجهول وابن أبي عياش متروك، وهذا الحديث بهذا الإسناد منقطع انتهى .

أما الكريبة والكيسانية القائلون بأنه محمد ابن الحنفية فبطلان قولهم واضح ، وكفى شاهداً انقراضهم منذ العصر الأول،حتى أنه لم يبقَ في الدنيا من يقول بقولهم ، ولو كان حقاً لما جاز انقراضه .

ص: 51


1- سنن ابن ماجة ، كتاب الفتن ، باب شدة الزمان ، ح ( 4039).

واختلف الجمهور القائلون بأنه فاطمي فقالت الأشاعرة والمعتزلة أنه رجل من أولاد فاطمة سيوجد في آخر الزمان ، وأنه غير موجود الآن .

وقالت الإمامية الاثنا عشرية:أنه محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

طالب علیهم السلام لما ثبت عنه صلی الله علیه وآله كما عرفت فيما سلف مما ذكرنا ولم يخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره ، وخلفه أبوه غائباً مستتراً .

مولده وبعض أخباره علیه السلام:

وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة 255ه خمس وخمسين ومائتين، وأمه أم ولد يقال لها (نرجس) وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله الحكمة كما آتاها يحيى بن زكريا علیه السلام صبياً، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم علیه السلام في المهد نبياً، والسرفي حكايته تعالى جعلهما نبيين للناس في حال الطفولية الظاهره هو أن لا يستنكر كون بعض خلفاء سيد المرسلين صبياً، ووقوع ذلك منه سبحانه إنما هو للإشعار ولرفع الاستبعاد والإنكار .

وأخبر رسول الله صلی الله علیه وآله بغيبته وبدولته قبل وجوده ، وأنه صاحب السيف من أئمة الهدى والقائم بالحق المنتظر لدولة الإيمان ، وله قبل قيامه غيبتان أحدهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار ، أما القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، وانقطعت السفارة بموت أبي الحسن علي بن محمد السمري ، وكانت وفاته سنة تسعة وعشرين وقيل في النصف من شعبان سنةثمان وعشرين وثلاثمائة .

وقد وافق الإمامية الاثني عشرية من الأشاعرة على ذلك جماعة منهم(1):

ص: 52


1- ذكر العلامة النوري في(كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار ) ص19وما بعدها، في ذكر الخلاف بين أهل السنة والإمامية ( ... أنه ولد وغاب ثمّ يظهرفي وقت أراد الله تعالى إنفاذ أمره أو أنه ما ولد وسيولد من بعد ويظهر ويملأ .. ذهب إلى الأوّل كافة الإمامية وعينوا شخصه وأنه الحجة بن الحسن ... وقد وافقهم على هذا القول جماعة من أعيان علماء المذاهب الأربعة، بل رووا نصوصاً ومعاجز وتصدوا لدفع شبهات ربما تورد في المقام ...) ، فعدد أسماءهم وأقوالهم ومصادر تلك الأقوال ، وهم : 1. كمال الدين محمد بن طلحة . 2. أبو عبد الله الكنجي الشافعي . 3. ابن الصباغ المالكي . 4. سبط ابن الجوزي . 5. محي الدين ابن عربي . 6. عبد الوهاب الشعراني . 7. الشيخ حسن العراقي . 8. الشيخ علي الخواص . 9. نور الدين الجامي الحنفي . 10. الحافظ خواجه بارسا . 11. الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس . 12. عبد الحق الدهلوي البخاري . 13. السيد جمال الدين النيسابوري . 14. الحافظ أبو محمّد البلاذري . 15. ابن الخشاب الغدادي . 16. ملك العلماء الهندي . 17. الشيخ علي المتقي . 18. فضل بن روزبهان . 19. الناصر لدين الله العباسي . 20. الشيخ سليمان القندوزي . 21. الشيخ أحمد الجامي . 22. صلاح الدين الصفدي . 23. مصري من مشايخ العارف القادري . 24. الشيخ عبد الرحمن البسطامي . 25. المولوي علي أكبر المؤودي . 26. العارف عبد الرحمن. 27. القطب المدار. 28. القاضي جواد الساباطي . 29. الشيخ سعد الدين الحموي . 30. الشيخ عامر البصري . 31. الشيخ صدر الدين القونوي . 32. جلال الدين الرومي . 33. العارف الشيخ عطار . 34. شمس الدين التبريزي . 35. السيد نعمة الله الولي . 36. السيد النسيمي. 37. السيد علي بن شهاب الدين الهمداني. 38. عبد الله المطيري المدني . 39. شيخ سراج الدين الرفاعي الخزومي. 40. الشيخ محمد الصبان المصري ،ثم قال : ( قلت : ونسب بعض أصحابنا البارعين هذا القول إلى : 41. صاحب كتاب أنساب الطالبية . 42. وعماد الدين الحنفي . 43. وضياء الدين الخطيب الخوارزمي . 44. والمولي حسين الكاشفي . ولم أعثر على كلماتهم...ثم قال:...وبناء على هذا المسلك يمكن عد جماعة أخرى: 45. شيخ الإسلام الحموي . 46. الإمام أبو بكر البيهقي . 47. الشيخ عبد الملك العصامي. 48. المولى حسين الكاشفي . وقد ذكر الشيخ نجم الدين العسكري في كتابه (المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية ) ستة وستين عالماً من علماء أهل السنة ، وقال قبل ذكرهم (تعرّضنا لأربعين شخصاً من علماء أهل السنّة ، وذكر أسمائهم وأسماء كتبهم التي ذكروا فيها ولادة الإمام المهدي علیه السلام ، وبعض خصوصياته الأخرى . وفي هذه الصفحات نذكر أسماءهم على نحو الإجمال ، ونذكر بعضاً آخر من علماء أهل السنّة الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي علیه السلام ، ونحن لم نذكرهم بالتفصيل أمّا الذين ذكرناهم في الكتاب فهم جماعة ( ج 1 ص 220 وما بعدها ).

ص: 53

1.الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي وكان من أعيانهم و رؤسائهم .

2. والشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي .

3. والشيخ نور الدين علي بن محمد الصباغ المالكي .

ومن الصوفية :

1. الشيخ محيي الدينابن العربي .

2. والشيخ عبد الوهاب الشعراني .

النص عليه:

وقد نُصَّ عليه باسمه ونسبه المذكور كما هو المروي عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال : ( المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً يكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملا الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)(1).

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : ( إن علي ابن ابي طالب علیه السلام إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر يملأ الأرض قسطاً

ص: 54


1- البحار ج51ص 71-72، باختلاف يسير جدا .

وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، والذي بعثني بالحق بشيراً إن الثابت على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر ، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال : إي وربي وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الله الكافرين ، يا جابر ان هذا الأمر أمر من أمر الله وسر من سر الله علته مطوية عن عباد الله فإياك والشك في الله فإن الشك في أمر الله عزوجل كفر)(1).

وعن الحسين علیه السلام قال : ( في القائم منا سنن من الأنبياء : سنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلی الله علیه وآله ، فأما من نوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى علیه السلام فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد صلی الله علیه وآله فالخروج بالسيف )(2).

وعن محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلی الله علیه وآله فقال مبتدئا : ( يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلی الله علیه وآله شبهاً من خمسة من الرسل يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلی الله علیه وآله ، فأما شبهه من يونس علیه السلام فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن ، وأما شبهه من يوسف علیه السلام فالغيبة عن خاصته وعامته واختفاؤه عنأخوته وأشكال أمره على أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينهما ، وأما شبهه من موسى علیه السلام فهو دوام خوفه بطول غيبته وخفاءمولده وحيرة شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله في ظهوره وأيده الله على عدوه وأما شبهه من عيسى علیه السلام فاختلاف من اختلف فيه ،

ص: 55


1- إعلام الوری باعلام الهدی ، ص424 ، باختلاف يسير جدا .
2- في ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 322 ، عن علي بن الحسين لا عن أبيه علیهما السلام.

حتى قالت طائفة ما ولد وطائفة قالت مات وطائفة قالت صلب وأما شبهه من محمد صلی الله علیه وآله فتجريده السيف وقتله أعداءه و أعداء رسوله والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية ، وإن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان ومنادياً ينادي باسمه واسم أبيه )(1)

علة الغيبة:

هذا ولما ثبت من الأدلة العقلية والنقلية، أن الزمان لا يخلو من حجة، و أن الله تعالى لا يفعل قبيحاً ولا يُخِلُّ بواجب، وأن أفعاله تعالى معللة بالأغراض والمصالح وإن لا تعلم حقيقة ذلك الغرض والمصلحة، لأنه لا يجب علينا معرفة الأشياء على الاستفصال، لعجز القوة البشرية عن إدراك جميع ذلك ، جاز أن يكون غيبة حجة هذه الأمة منه سبحانه، والسبب فيها أمر خفي، ومصلحة استأثر بعلمها دوننا، وحينئذ فتكون غيبته علیه السلام أمراً من أمر الله ، وسراً من سر الله، وعلته مطوية عن عباد الله، كما ذكره صلی الله علیه وآله في جواب سؤال جابر بن عبد الله فيما رواه عن ابن عباس عن رسول الله صلی الله علیه وآله .

قال بعض المحققين من علمائنا المتأخرين إن السبب في غيبته علیه السلام استخلاص المؤمنين من أصلاب الكافرين ، محتجاً بأنه علیه السلام إنما يظهر بالقيام بالسيف وإظهار الدعوة وحينئذ لا يقبل إيمان نفس لم تكن آمنت من قبل ، لأن قيامه من أشراط الساعة وعلاماتها مستشهداً بقوله تعالى :

«يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»(2)وقال إن تلك الآية هي الإمام ، وقال بعضهم لا يجوز نسبة ذلك إليه سبحانه لأن الإمام لطف وهو تعالى حكيم ولا يصح في الحكمة منع اللطف ، ولا يجوز نسبة ذلك إلى الإمام لأنه معصوم فلا يكون الإخلال بالقيام بها منه لعدم

ص: 56


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص327-328 باختلاف یسر جداً.
2- الأنعام ، 158

جواز إخلاله بالواجب ، فيكون السبب من الرعية فبكثرة عدوه منهم وقلة ناصره خاف على نفسه ودفع الضرر عن النفس واجب فاختفى عنهم ، فكان السبب في اختفائه ذلك .

فالحجة بعد إزاحة العلة وكشف الحقيقة لله تعالى على الخلق ،لأن الواجب عليه إيجاد الإمام وتعيينه وقد فعل ذلك ، والواجب على الإمام قبول الإمامة وتحمله بأعبائها وقد فعل ذلك أيضاً ، والواجب على الأمة متابعة الإمام والقبول لأوامره ونواهيه ، وطاعته ونصرته على أعدائه ، وهم لم يفعلوا ذلك فكانت الحجة عليهم قائمة لأنهم منعوا اللطف عن أنفسهم بإخافتهم إياه .

ألا ترى إلى ما صح نقله من أن المعتمد وقت الذي توفي فيه الحسن العسكري وكلّ بداره وجواريه ونسائه من يثق به للتفحص عن أمر ولده المنتظر ليظفربه فيقتله ، لأنه قد بلغه بأنه يقوم بالسيف ويملك الأرض شرقاً وغرباً ويملأها قسطاً وعدلا فأراد بذلك إزالة طمع الإمامية في ذلك فلم يتمكن من مراده ، كفرعون موسي علیه السلام لما علم أن ذهاب ملكه على يد موسى منع الرجال من نسائهم ، ووكل بذوات الأحمال منهن ليظفر به، وكذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على يد إبراهيم علیه السلام وكل بالحبالی من نساء قومه وفرق بين الرجال وأزواجهم ، فستر الله ولادة إبراهيم وموسى عليهماالسلام كما ستر ولادة القائم لما في ذلك من حسن التدبير.

الإجابة على بعض شبه المخالفين:

1.شبهة إقامة الحدود :

قال مخالفونا : ما حكم الحدود وقت الغيبة ؟

فإن قلتم سقط عن أهلها فقد صرحتم بنسخ الشريعة ، وإن كانت ثابتة

فمن يقيمها مع الاستتار؟

ص: 57

قلنا عدم التمكن من إقامتها لا يقتضي نسخها ، وإنما يكون ذلك كذلك لوسقط فرض إقامتها عنه علیه السلام مع تمكنه من ذلك وليس كذلك، بل إقامتها عليه باقية ، فإن ظهر ومستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة والإقرار ، وإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها على المسبب للاستتار والغيبة .

2.شبهة معرفة الحق:

قالوا : فالحق مع غيبته كيف يدرك ؟

قلنا : كإدراكه وقت غيبة غيره من الأنبياء ، كجده صلی الله علیه وآله وقت حصاره واستناره وما أجبتم فيه في توجيه ذلك فهو الجواب على أنه يدرك به كما أدرك بجده وآبائه علیه السلام ، لكن لا مطلقاً بل لبعض أوليائه الذين يأمن منهم وعليهم ، وذلك لتحقق ظهوره لهم.

وما ورد من الأخبار أن من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترفصحيح ، لكن الذي يراه إنما يراه بعد علمه علیه السلام منه أنه لا يدعي رؤيته ومشاهدته ، وأن الذي يدعيها لا يراه فهو كذاب مفتري، وكل لا يعرفإلا حال نفسه .

3.شبهة طول العمر:

قالوا : لا يمكن أن يكون في العالم إنسان له من السن ما تصفون لإمامكم هذا وهو مع ذلك كامل العقل صحيح الحس ؟ وأكثروا التعجب من ذلك وشنعوا علينا.

قلنا:إنكاركم إمكان تطاول العمر ظاهر البطلان،كيف وهو واقع كما حكاه سبحانه عن نوح بقوله : «فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا»(1)

وفي الخبر إن نوح عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة وكذلك لقمان ابن عاديا

ص: 58


1- العنکبوت ،14

قال الأخباريون : كان ( لقمان بن عاديا بن لحين بن عاد بن عوض بن إرم بن نوح ) أطول الناس عمراً عاش ثلاثة آلاف سنة ، ويقال إنه عمّر عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر ما شاء الله فإذا مات أخذ أخاه فرباه ، حتى كان السابع وكان أطولها عمراً فسماه لبد ، ولبد بلسانهم الدهر فلما انقضى عمر لبد رآه لقمان واقفاً فناداه انهض لبد فذهب لينهض فلم يستطع فسقط ومات لقمان معه ، فضرب به المثل فقيل ( طَالَ الأبَدُ عَلَى لُبَدٍ)(1).

وذكر الأصبهاني(2) وغيره أن ( عمرو بن عامر )الملقب بمزيقيا(3)وهو الذي ملك أرض سبأ عاش ثمانمائة سنة ، أربعمائة سوقة في حياة أبيه

ص: 59


1- راجع ( مجمع الأمثال ) وفيه : قال الأعشى : وَأَنتَ الَّذِي أَلهَيتَ قَيلاً بكأًسِهِ *** ولُقمَانَ إذ خَيّرتَ لُقمَانِ في العُمرِ لِنَفسِكَ أن تختار سَبعَةَ أَنسُرٍ *** إِذَا مَا مَضَى نَسرٌ خَلَوتَ إلى نَسرِ فَعُمِّرَحَتَّی خَالَ أنَّ نُسوُرَه *** خلُودٌ وَهَل تَبقَي النُّفُوسُ عَلَى الدَّهرِ فعاش لقمان - زعموا - ثلاثةَ آلافٍ وخمسمائة سنة، قال النابغة : أمست خلاءً وأمسى أهلهُا احتملوا *** أخنَى عليها الّذِي أَخنَى على لُبَدٍ وقال لبيد : ولقد جَرَى لُبَدٌ فأدرَكَ جَريَة *** رَيبُ الَمُنونِ وَكاَنَ غَيرَ مثقَّلِ لَمَّا رَأَی لُبَدِ النسورَ تَطَايَرَت *** رَفَعَ القَوَادِمَ كالفَقِيرِ الأغزَلِ مِن تَحتِهِ لُقمَانُ يَرجُونَهضَة *** وَلَقَد يَرَى لُقمَان أن لا يأتَلِي ... فقيل : طال الأبد على لبد ، وأتى أبَد على لُبَد .
2- ابوالحسن النسابة الأصفهاني .
3- ( مُزَيقِيَاء) : بضم الميم وفتح الزاء المعجمة فسكون المثناة التحتانية فكسرالقاف ففتح المثناة التحتانية فالألف الممدودة وتقصر للضرورة،قال: أنا ابن مزيقيا عمرو *** أبوه منذر ماء السماء ( العلامة الشيخ فرج العمران)

وأربعمائة سنة ملكاً، وكان في سني ملكه يلبس في كل يوم حلتين فإذا كان بالعشي مزّق الحلتين لئلا يلبسهما غيره فسمي مزيقيا.

وذكر بعض المحققين أن (عمرو بن لحي) وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا عاش ثلاثمائة وخمساً وأربعين سنة، وهو الذي سن السائبة و الوصيلة والحام، ونقل هبلاً ومناة من الشام إلى مكة فوضعهما للعبادة ، وقدم بالنرد فهو أول من أدخلها مكة، فكان يلعبون في الكعبة غدوة و عشياً .

وفي كتب الأخبار : إن(شيثاً )وصي آدم عاش سبعمائة سنة واثني عشر سنة وقيل ألف سنة وأربعين سنة ، وإن (هوداً) النبي عاش ثمانمائة سنة وسبع سنين، وإن وصي داود وهو ابنه ( سليمان ) عاش سبعمائة سنة واثني عشر سنة ، وإن ( سلمان الفارسي) عاش ثلاثمائة وخمسين سنة ، وقال بعضهم بل عاش أكثر من أربعمائة سنة ، وقيل بل أدرك عيسى علیه السلام وتوفي سنة خمس وثلاثين من الهجرة .

وروي أن ( عوجاً بن عناق ) عاش ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة ، وكان في زمن نوح وبقي إلى أيام موسى فقتل لأنه كان جباراً عدواً لله وللإسلام، وله بسطة في الجسم والخلق ، وكان يضرب بيده ويأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفعه إلى السماء ويشويه في حر الشمس فيأكله .

وأن عاداً الأولى والخضر وإلياس وشعيب وعيسى وإبليس والسامري و الدجال وغيرهم من السعداء والأشقياء ممن يطول المقام بذكرهم تفصيلا قد طالت أعمارهم ولم ينكر ذلك أحد من المسلمين ولا كثر التعجب منه.

على أنه لم يستنكر طول بقاء الدجال في بئر موثوق بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد من غير أن يقوم به أحد كما هو مروي ، ويستنكر طول بقاء رجل من عترة رسول الله صلی الله علیه وآله مع أنه لطف للمكلفين ومقدور له تعالى ولا دخل لطول الزمان في رفع

ص: 60

قدرته تعالى .

واتفقت الأمة على أن أهل الجنة مع كونهم مخلدين لا يهرمون ولا يضعفون ولا يحدث لهم نقصان في الأنفس والحواس .

والعجب من مخالفينا يعترفون بوقوع غيبة بعض الأنبياء عن أممهم ، و بثبوت المعمرين ، وأن منهم من لا يعرف شخصه كالخضر وإلياس وغيرها، وينكرون ذلك في الحجة مع ثبوت وجوده بالدليل العقلي والنقلي كما عرفت إلى آخر الدهر وأنه لابد من ظهوره .

أحاديث في ظهوره علیه السلام:

وفي الخبر عنه صلی الله علیه وآله : أنه لا يكون ظهوره إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أوتسع (1) . وفيه أيضا عنه صلی الله علیه وآله: أنه ينادی باسم القائم علیه السلام في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين علیه السلام(2).

وفيه : ( لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام وجبريل بين يديه ينادي ( البيعة لله ) فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3) .

وعنه صلی الله علیه وآله أنه قال : ( يخرج المهدي علیه السلام وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه )(4) .

ص: 61


1- في ( إعلام الوری باعلام الهدی ) ، ط3 ص 459
2- ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ، ص 452
3- إعلام الوری بأعلام الهدی ، ط3 ص459
4- كشف الغمة للأربلي ، ج 3 ص 288، بدون كلمة (فاتبعوه) ، نور الأبصار للشبلنجي ص188

وروي أنه تدور معه حيثما دار تقيه من الشمس ، وأن أعمال الخلائق

تعرض عليه في كل أسبوع فيعرف وليه من عدوه .

وفي الخبر عنه صلی الله علیه وآله أنه قال : ( إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها وردّ كل حق إلى أهله ولم يبقَ أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله تعالى يقول:«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(1)وحكم في الناس بحكم داود علیه السلام وحكم محمد صلی الله علیه وآله ، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره ، لشمول الغني جميع المؤمنين ) . ثم قال علیه السلام : ( إن دولتا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا (2)إذا سيرنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هولاء وهو قول الله عزوجل : «وَالعَقِبَةُ لِلمُتَّقِینَ»(3).

وفي حديث طويل أنه صلی الله علیه وآله قال :

( إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد،ولم يبق على وجه الأرض مسجد له شرفة إلا هدمها وجعلها جماً، ووسع الطريق الأعظم وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يدع علیه السلام بدعة إلا أزالها ، ولا سنة إلا أقامها ، ويفتح الصين وقسطنطينية وجبال الديلم ، فيمكث على ذلك مقدار سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنينكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء).

قال : قلت : جعلت فداك فكيف تطول السنون؟قال:بأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة ، فتطول الأيام لذلك والسنون قال : قلت له : إنهم يقولون : إن الفلك إذا تغيرفسد ، قال : ذلك قول الزنادقة فأما

ص: 62


1- آل عمران ، 83
2- هكذا وجد ولعل الصواب إذا رأوا سيرتنا.(العلامة الشيخ فرج العمران)
3- كشف الغمة للأريلي ، ج3 ص 264-265، عن علي بن عقبه عن أبي عبد الله علیه السلام.

المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك فقد شق الله القمر لنبيه صلی الله علیه وآله ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كالف سنة مما تعدون)(1)

دولته :

وروي أن مدة دولته علیه السلام تسع عشر سنة تطول أيامها وشهورها كما عرفت، لكن الروايات المتضمنة للسبع أكثر والله أعلم بحقيقة الحال .

علامات خروجه علیه السلام :

*علامات خروجه علیه السلام (2)

وقد روي أن من علامات خروجه علیه السلام :

1. طلوع الشمس من مغربها .

2. وركود الشمس ما بين الزوال إلى وقت العصر.

3. وخروج صدر ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه ، وذلك في

زمان السفياني وعنده يكون بواره وبوار قومه .

4 . وخروج الدجال .

5. وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره ، و كذلك في شهر شعبان .

6. وطلوع نجم بالمشرق يضيء كالقمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتوي

طرفاه.

7. وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها .

8. ونار تظهر في السماء .

9. وقتل غلام من آل محمد صلی الله علیه وآله بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، ومابين قتله وخروجه علیه السلام إلا خمسة عشر يوماً.

10. وخروج السفياني من الشام ، ومدة ملكه ثمانية أشهر فقط.

ص: 63


1- البحار ، ج52، ص339 ، باختلاف يسير.
2- وردت علامات ظهوره متفرقة ومجموعة في كثير من الأحاديث .

11. واليماني من اليمن .

12. والخراساني من خراسان .

13. في سنة واحدة في شهر واحد وهو شهر رجب ،وكل هؤلاء يدعو إلى الضلال إلا اليماني فإنه يدعو إلى الحق .

14. وروي أن من علاماته أيضاً:

15. خسفاً بالبيد أو خسفاً بالمغرب والمشرق .

16. وهدم حائط مسجد الكوفة .

17. وظهور المغربي وتملكه الشامات .

18. ونزول الترك الجزيرة .

19. ونزول الروم الرملة .

20. وخروج ستين كذاباً ، كل يدعي النبوة لنفسه .

21. وخروج اثني عشر رجلا من آل أبي طالب،كل يدعي الإمامة لنفسه .

22. ونداء في أول النهار من السماء يسمعه كل أحد ، على أن الحق مع

علي وشيعته.

23. ونداء في آخره من الأرض من إبليس ألا إن الحق مع عثمان وشيعته.

24. واختلاف كثير في كل أرض .

25. وخوف وجوع ونقص من الثمرات والأنفس .

26. وكسادالتجارات .

27. وذهاب البركات .

28. وخسف ببغداد وبالبصرة ، ودماء تسفك بها،وخراب دورها،وفناء يقع في أهلها .

29. وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار.

30. وجراد كثير كألوان الدم .

31. ومسخ قوم من أهل البدع .

ص: 64

32. وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال .

33. واكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء .

34. وركوب ذوات الفروج السروج .

35. وقبول شهادة الزنا ورد شهادة العدول .

36. واستخفاف الناس بالدماء والزنا واكل الربا .

37. واتقاء الأشرار مخافة ألسنتهم .

قیامه علیه السلام:

اشارة

وإذا آن قيامه علیه السلام : مطر جمادى الآخرة وعشرة من أيام رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم .

وفي الخبر : ( فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم

من التراب ) (1).

فإذا خرج علیه السلام أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلثمائة وثلاثة

عشر رجلاً، وأول ما ينطق به هذه الآية :«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(2) ثم يقول: ( أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم ، فلا يسلم عليه مسلم إلا قال (السلام عليك يا بقية الله)، فإذا اجتمع عليه العقد عشرة آلاف رجل، فلا يبقى في الأرض معبود من دون الله من صنم إلا وقعت فيه نار واحترق.

ومتى خرج علیه السلام نادي مناد من السماء باسمه ، تسمعه جميع أهل الأرض يدعوهم إليه يقول : ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه، وفي الخبر أنه علیه السلام يكون في وقت خروجه كابن أربعين سنة،قوياً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة في الأرض لقلعها ، ولو صاح

ص: 65


1- الصراط المستقيم لمستحقي التقديم ، ج2 ص 251
2- هود ، 86

بين الجبال لتدكدكت صخورها،وتكون معه عصا موسى وأنها خضراءكهيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وأنها تنطق إذا استنطقت وتصنع ما تؤمر ، و أن معه خاتم سليمان ، وقميص يوسف ، وهي قميص جده إبراهيم علیه السلام التي نزل بها جبرائيل من الجنة لما ألقي في النار،ومعه حجر موسی بن عمران .

وفي الخبر : ( إذا خرج القائم علیه السلام من مكة ينادي مناديه ألا لا يحملن أحد طعاماً ولا شراباً وحمل معه حجر موسی بن عمران علیه السلام وهو وقر بعير،ولا ينزل منزلاً إلا انفجرت منه عيون،فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظماناً روي ورويت دوابهم،حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة )(1).

هذا ولا ريب في نزول عيسى علیه السلام ، وأنه يصلي خلف المهدي ويجاهد بين يديه ويقتل الدجال ، وروى مسلم في صحيحه عنه صلی الله علیه وآله أنه قال : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول الا أن بعضكم على بعض أمراء تكرمه من الله لهذه الأمة )(2) .

وروى الحافظ ابن عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث صحيح طويل في نزول عيسى فمن ذلك : قالت أم شريك بنت أبي العكريا رسول الله فأين العرب يومئذ قال :(هم يومئذ قليل وجلهم في بيت المقدس وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذا نزل بهم عيسى علیه السلام فيرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى ليصلي بالناس،فيضع عيسى علیه السلام يده بين كتفيه ثم يقول له : تقدم) (3) وفي خبر آخر يقول : ( تقدم فإنما أقيمت

ص: 66


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص 670-671
2- الحديث رقم ( 156 ) من صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب نزول عيسى بن مريم حأكما بشريعة نبينا محمد صلی الله علیه وآله .
3- سنن ابن ماجة ، كتاب الفتن 37، باب 33 فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج ، الحديث4215

الصلاة لك).

ومن المعلوم أن الروايات الدالة على ذلك كثيرة جداً، قد بلغت حد التواتر معني بين المؤالف والمخالف ، وكذلك الآيات الدالة على تمكنه واستخلافه وأمنه بعد خوفه ، كما قال عز من قائل :«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ6»(1) ، وقد روي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال (هذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة)(2).

ومن كلام أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة : ( لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا عقيب ذلك :«وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ أستُضعِفُوا.. الآية»(3).

وروي عن سيد العابدين علي بن الحسين علیه السلام أنه قال : ( والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً إن الأبرار منا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسی وشيعته وان عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه )(4).

وروى العياشي بالإسناد عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله علیه السلام ، فقال : ( هذا والله من الذين قال الله : (وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ

ص: 67


1- القصص ،5-6
2- معاني الأخبار ، ص79
3- الكلمة (210) من ( المختار من حكمه علیه السلام ) ، قال الشيخ محمد عبده في شرحه ص 704: الشماس بالكسر: امتناع ظهر الفرس من الركوب ، والضَرُوس بفتح فضم : الناقة السيئة الخلق تعض حالبها ، أي أن الدنيا ستنقاد لنا بعد جموحها ، وتلين بعد خشونتها ، كما تنعطف الناقة على ولدها وإن أبت على الحالب .
4- البحار ج24، ص167

عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا...الآية»(1).

قال أمين الإسلام العلامة الطبرسي قدس سره ورفع في الملأ الأعلى ذكره في تفسير قوله تعالى :«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(2)

( المروي عن أهل البيت علیهم السلام أنها في المهدي من آل محمد صلی الله علیه وآله ، وروی العياشي بإسناده عن علي بن الحسين علیه السلام أنه قرأ الآية وقال : هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال فيه رسول الله صلی الله علیه وآله : لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما )، وروي مثل ذلك عن أبي جعفر علیه السلام ، وأبي عبدالله علیه السلام، فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات:النبي صلی الله علیه وآله وأهل بيته علیهم السلام صلوات الرحمن عليهم ، وتضمنت هذه الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي علیه السلام منهم ويكون المراد بقوله تعالى: «كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» هو أن جعل الصالح للخلافة خليفته مثل آدم وداود وسليمان علیهم السلام ، ويدل على ذلك قوله:«إِنّي جَاعِلّ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً» و«یَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلّنَكَ خَلِيفَةً»وقوله :«وَءَاتَینَهُم مُلكًا عَظِيمًا»وعلى ذلك إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة لقول النبي صلی الله علیه وآله : (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) ، وأيضا فإن التمكين في الأرض على الإطلاق لم

ص: 68


1- في أصول الكافي ج 1 ص306 : نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله يمشي فقال: تری هذا؟ من الذين قال الله عزوجل:« وَنُرِیدُ أنَّ فَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ أستُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَ نَجعَلَهُم أَئمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَرِثِينَ»
2- النور ،55

يتفق فيما مضى ، فهو منتظر لأن الله عزوجل لا يخلف وعده )(1).

قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(2) المراد به المهدي علیه السلام من عترة فاطمة(3) .

وقال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسيره:«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ»(4)قال : هو المهدي علیه السلام يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة(5) .

وبالجملة .. فإن خروج المهدي من المحتوم كما رواه أبو سعيد الخدري عنه صلی الله علیه وآله أنه قال : (لابد من خروج المهدي في أمتي يبعثه الله عيانا للناس)(6)

وكذلك نزول عيسى علیه السلام من المحتوم وخروج الدجال من المحتوم.

وفي الخبر عنه صلی الله علیه وآله أنه قال:(إنه خارج فيكم الأعورالدجال وإن معه جبالاً من خبز تسير معه، وإنه يخرج من بلدة يقال لها اصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والعين الأخرى في جبهته تضيء كانها كوكب الصبح، فيها علقة حمراء كأنها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب

ص: 69


1- مجمع البيان ، المجلد 4 الجزء 7 ص152-153
2- الصف ، 9
3- الدرّ المنثور ج 3ص231
4- الزخرف 61
5- كشف الغمة ، ج 3 ص280، ينابيع المودة ص 301
6- كشف الغمة، ج 3 ص 270 ، الحديث (15) من الأحاديث التي قال عنها : ( ووقع إلي أربعون حديثا جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله رضی الله عنه في أمر المهدي علیه السلام أوردتها سردا كما أوردها واقتصرت على ذكر الراوي عن النبي صلی الله علیه وآله ) : ( ... وبإسناده عن أبي سعيد الخدري > أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثا للناس تنعم الأمة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا ) ، ونقله صاحب البحار عنه ج 51ص 81 ، ولكنه جاء بلفظ ( عياناً للناس ).

(كافر) يقرأه كل كاتب وأمي، يخوض البحار، بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد ، تحته حمار أحمر خطوة حماره میل تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس يقول: إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى أنا ربكم الأعلى، وكذب عدو الله إنه أعور يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، الا وان أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر)(1).

ص: 70


1- كمال الدين وتمام النعمة 525-528 : ( باب حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم علیه السلام : ( ... خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله عزوجل وأثنى عليه وصلى على محمد وآله ، ثم قال : سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني - ثلاثاً- فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال ؟ فقال له علي علیه السلام: اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت ، و الله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل ، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل بالنعل ، وإن شئت أنبأتك بها ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين . فقال علیه السلام: احفظ فإن علامة ذلك : إذا أمات الناس الصلاة وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب وأكلوا الربا وأخذوا الرشا وشيدوا البنيان وباعوا الدين بالدنيا واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء وقطعوا الأرحام واتبعوا الأهواء واستخفوا بالدماء ، وكان الحلم ضعفا والظلم فخرا وكانت الأمراء فجرة والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقراء فسقة وظهرت شهادة الزور واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان، وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وطولت المنارات وأكرمت الأشرار وازدحمت الصفوف واختلفت القلوب ونقضتالعهود واقترب الموعود وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا ، وعلت أصوات الفساق واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم واتقي الفاجر مخافة شره وصدق الكاذب وائتمن الخائن واتخذت القيان والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها وركب ذوات الفروج السروج وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه وتفقه لغير الدين ، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبرفعند ذلك الوحا الوحا ثم العجل العجل خير المساكن يومئذ بيت المقدس وليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه . فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين من الدجال ؟ فقال : ألا إن الدجال صائد بن الصيد ، فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه يخرج من بلدة يقال لها اصفهان من قرية تعرف باليهودية،عينه اليمنى ممسوحة والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح ، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه كل كاتب وأمي يخوض البحار وتسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام يخرج حين يخرج في قحط شديد ، تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل تطوي له الأرض منهلا منهلا ، لا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس والشياطين يقول : إلي أوليائي (أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى، أنا ربكم الأعلى ) ، وكذب عدو الله، إنه أعور يطعم الطعام ويمشي في الأسواق ، وإن ربكم عزوجل ليس باعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . الا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر ، يقتله الله عزوجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق ، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة ، على يد من يصلي المسيح عيسى بن مريم علیهما السلام خلفه الا إن بعد ذلك الطامة الكبرى. قلنا : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : خروج دابة ( من ) الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود وعصي موسى علیهم السلام ، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه : هذا مؤمن حقا ، ويضعه على وجه كل كافر فينكتب هذا كافر حقا ، حتى أن المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن وددت أني اليوم كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما ، ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها ، فعند ذلك ترفع التوبة ، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع و (لَايَنفَعُ نَفسًا إيمَنُهَا لَم تَكُن ءامَنَت مِن قَبلُ اَوکَسَبَت فِي إِيمَنِهَا خَيرَاٌ قُلٍ انتَظِرُواُ إِنَّا مُنتَظِرُونَ» ثم قال علیه السلام: لا تسألوني عما يكون بعد هذا، فإنه عهد عهده إلي حبيبي رسول الله صلی الله علیه وآله أن لا أخبربه غير عترتي . قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة بن صوحان : يا صعصعة ما عنى أمير المؤمنين علیه السلام بهذا ؟ فقال صعصعة:يا ابن سبرة إن الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم علیه السلام هو الثاني عشر من العترة ، التاسع من ولد الحسين بن علي عليهماالسلام ، وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطهر الأرض ، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً. فأخبر أمير المؤمنين علیه السلام أن حبيبة رسول الله صلی الله علیه وآله عهد إليه أن لا يخبربما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين .

ص: 71

وعنه صلی الله علیه وآله: ( وإنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء أكثر أتباعه اليهود و النساء والأعراب يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة وإلا بيتها والمدينة وإلا بيتها )(1).

والحكمة في الدجال مع أنه يدعي الربوبية ويفسد في البلاد والعباد ابتلاء منه تعالى للعباد ليظهر الطائع من العاصي والمحسن من المسيء والمصلح من المفسد .

والحكمة في بقاء عيسى علیه السلام ونزوله أن يؤمن أهل الكتاب به كما قال سبحانه : ( وَإِن مِن أَهلِ الكَتَبِ إِلَّا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ»ولم يؤمن به أحد بعد نزول هذه الآية إلى يومنا هذا ، ومصدقا للنبي صلی الله علیه وآله بنزوله من السماء ، ويكون بياناً

ص: 72


1- المصدر السابق 528-530 : وفيه ( لابتيها )بدل( إلا بيتها ) ، وقال في الشرح (لابتا المدينة : حرتاه ، واللابة : الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد البستها لكثرتها ). وقال الشيخ الصدوق تعليقاً على الحديث :قال مصنف هذا الكتاب > : إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال و غيبته وطول بقائه المدة الطويلة وخروجه في آخر الزمان، ولا يصدقون بأمر القائم علیه السلام وأنه يغيب مدة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما مع نص النبي صلی الله علیه وآله والأئمة علیهم السلام بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه ، وإخبارهم بطول غيبته ، إرادة لإطفاء نور الله عزوجل وإبطالا لأمر ولي الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ...إلخ .

لدعوى الإمام عند أهل الإيمان ، ومصدقاً لما دعا إليه عند أهل الطغيان ، بدليل صلاته خلفه ونصرته إياه ودعائه إلى الملة المحمدية وتعبده بها ، لأنه لا نبي بعد نبينا ، لقوله صلی الله علیه وآله : ( لا نبي بعدي ) وقوله صلی الله علیه وآله : (الحلال ما أحل الله على لساني إلى يوم القيامة ، و الحرام ما حرم الله على لساني إلى يوم القيامة )(1).

السرداب:

واعلم إنما السرداب عندنا معشر الإمامية الاثني عشرية إلا كالغار الذي و ضع فيه إبراهيم ، والغار الذي استترفيه رسول الله صلی الله علیه وآله لما طلبه أعداؤه ، ولما طلب علیه السلام استتر فيه قطعاً لطمع طالبيه في التوصل إليه والتفحص عنه ، ولما علم منهم أنهم آيسوا من الاطلاع عليه خرج منه واستقر فيما لا خوف عليه .(2)

ص: 73


1- البحار، ج51، ص 101
2- جاء في كتاب (الكنى والألقاب ج3 ص 236) أثناء ترجمة (الناصر لدين الله ) : وهذا السرداب هو سرداب الدار التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر، وهم: الإمام علي بن محمد الهادي ، وولده الإمام الحسن بن علي العسكري ، وولده الإمام المهدي عليه السلام، كما سكنوا أيضاً في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه ، وجرت لهم فيه الكرامات والمعجزات، وغاب المهدي عليه السلام بعدما سكنه . ولذلك تتبرك الشيعة وغيرها به، وتصلي لريها فيه ، وتدعوه وتطلب منه حوائجها ،طلباً لبركته بسكنى آل رسول الله فيه وتشريفهم له. وليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب، أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع، وينسب إليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها ، مثل أنهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول ، وينادون اخرج إلينا يا مولانا، فإن هذا كذب وافتراء، حتى أن بعض من ذكر ذلك قال: إنه بالحلة، مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة. وبالجملة .. فليس للسرداب مزية عند الشيعة ، إلا تشرقه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت علیهم السلام فيه، وهذا الأمر لا يختص بالشيعة في تبركهم بالأمكنة الشريفة ، فليتق الله المرجفون .

وفي الخبر عن آبائه علیه السلام: أنه يحضر الموسم في كل عام(1) وقد ورد عنهم علیهم السلام: ( أنه ما خرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا فهو مقتول )(2)ولعل هذا من الأسباب المقتضية لاستتاره،ويدل على ذلك ما روي أن الباقر علیه السلام أشار إلى زيد بن علي بترك الخروج وعرفه مصير أمره إن هو خرج كما رواه الحسن بن راشد قال : ذكرت زید بن علي فتنقصته عند أبي عبد الله علیه السلام فقال : ( لا تفعل رحم الله عمي زيدا أتى أبي فقال : إني أريد الخروج على هذا الطاغية ، فقال:لاتفعل یا زید،فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة ، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل ؟)ثم قال : ( يا حسن إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ، وفيهم نزل «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ»(3)، فالظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام،والمقتصد العارف بحق الإمام ، والسابق بالخيرات هو الإمام) ثم قال : ( يا حسن إنا أهل البيت لا نخرج من الدنيا حتى نعرف لكل فضل فضله )(4)، ووردت بذلك روايات أخرى .

منكر أحد الأئمة:

هذا ومن المعلوم ضرورة بين الإمامية الاثني عشرية أن من أنكر واحداً

ص: 74


1- وردت بهذا المضمون روايات عدة ، منها : ما في ( كمال الدين وتمام النعمة) ص46 : (يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه ).
2- لم أعثر على الحديث بلفظ ( مقتول ) ، وكل الذي عثرت عليه أتى بلفظ ( قتل) كما أورده في الحديث الذي يلي هذا الحديث.
3- فاطر 32
4- الخرائج والجرائح، في معجزات الإمام الباقر علیه السلام، ج1ص 281

من الاثني عشر من آل محمد صلی الله علیه وآله فكأنما أنكر محمداً صلی الله علیه وآله ومن أنكرمحمدا فلا ريب في كفره.

الفصل الثالث : في بيان الفرق الواضعين الغيبة في غير موضعها:

اشارة

اعلم شرح الله صدرك لمراشد دينه وثبتك على جادة إخلاصه ويقينه ، أنه لما صح وتواتر عن رسول الله أن أحد خلفائه لابد أن يكون له غيبةطويلة ، ويكون من ذلك حيرة تضل فيها الأمم ويكثر فيها الاختلاف والزلزال و الاضطراب ، لا جرم ضلجماعة من المسلمين في من له تلك الغيبة ، كما أخبر به رسول الله صلی الله علیه وآله،وافترقت كلمتهم وتعددت المذاهب والأقوال وتشعبوا فرقاً:

1.الكيسانية:

فمنها فرقة تدينت بأبي القاسم محمد بن علي أمير المؤمنين علیه السلام ابن خولة الحنفية ، وهؤلاء زعموا أنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر الحق ، وأنه الإمام بعد الحسن والحسين علیهما السلام.

وقالت فرقة منهم بل هو الإمام بعد أبيه علي أمير المؤمنين علیه السلام ، وليس الحسن والحسين بإمامين ، وإنما دعا الحسن في باطن الدعوة إلى أخيه محمد ، وان الحسين علیه السلام ظهر بالسيف بإذنه ، وهما كانا داعيين إليه وأميرين من قبله .

وذهبت فرقة إلى أن محمداً مات وحصلت الإمامة بعده في ولده ثم انتقلت من ولده إلى ولد العباس بن عبد المطلب ، وذهبت فرقة الى أن عبد الله بن محمد حي لم يمت ، وأنه القائم المهدي ، وذهبت فرقة إلى أن محمداً قد مات وأنه يقوم بعد الموت وهو المهدي وينكر موته .

ص: 75

فهؤلاء جملة فرقة الكيسانية وهم أصحاب المختار(1)وإنما سميت بهذا الاسم لأن المختار كان اسمه أولاً كيسان ، وقيل إنما سمي بهذا الاسم

ص: 76


1- المختار بن أبي عبيدة الثفي ، قال سيد الأساطين آية الله العظمي السيد الخوئي قدس سره في ج19 ص102-110(من معجم رجال الحديث ): .. والأخبار الواردة في حقه على قسمين:مادحة وذامة وأما المادحة فهي متضافرة، منها ما ذكره الكشي ... عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين علیه السلام ) وهذه الرواية صحيحة ... وقال قدس سره في معرض نقاشه للروايات الذامة له :.. وهذه الروايات ضعيفة الإسناد جداً، على أن الثانية منهما فيها تهافت وتناقض،ولو صحت فهي لا تزيد على الروايات الذامة الواردة في حق زرارة ومحمد بن مسلم وبريد وأضرابهم ... بقي هنا أمور : الأول :...ويكفي في حسن حال المختار إدخال السرور في قلوب أهل البيت سلام الله عليهم بقتله قتلة الحسين علیه السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت علیهم السلام يستحق بها الجزاء من قبلهم، أفهل يحتمل أن رسول الله صلی الله علیه وآله وأهل البيت علیهم السلام يغضون النظر عن ذلك وهم معدن الكرم والإحسان ؟ وهذا محمد بن الحنفية بين ما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب على المختار ( في تأخير قتله عمر بن سعد) فما تمّ كلامه ، إلاوالراسان عنده فخر ساجداً، وبسط كفيه و قال: اللهم لا تنسَ هذا اليوم للمختار اجزه عن أهل بيت نبيك محمد خير الجزاء ، فو الله ما على المختار بعد هذا من عتب ... الأمر الثاني : أن خروج المختار وطلبه بثار الحسين علیه السلام، وقتلة لقتلة الحسين علیه السلام لا شك في أنه كان مرضيا عند الله، وعند رسوله والأئمة الطاهرين علیهم السلام .. الأمر الثالث:أنه نسب بعض العامة المختار إلى الكيسانية، وقد استشهد لذلك بما في الكشي من قوله : والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمد بن علي بن أبي طالب ، ابن الحنفية، وسموا الكيسانية وهم المختارية، وكان بقية كيسان.. إلى آخر ما تقدم . وهذا القول باطل جزما، فإن محمد بن الحنفية لم يدّعِ الإمامة لنفسه حتى يدعو المختار الناس إليه، وقد قتل المختار ومحمد بن الحنفية حي ، وإنما حدثت الكيسانية بعد وفاة محمد بن الحنفية ، وأما أن لقب مختار هو كيسان ، فإن صح ذلك فمنشؤه ما تقدم في رواية الكشي من قول أمير المؤمنين علیه السلام له مرتين يا كيّس ، يا كيّس . فثني كلمة كيس وقيل كيسان .

لأن أباه حمله وهو صغير فوضعه بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام ، قالوا فمسح يده على رأسه فقال كيس كيس ،فلزمه هذا الاسم .

وزعمت فرقة منهم أن محمد بن علي استعمل المختار على العراقيين بعد قتل الحسين علیه السلام وأمره بالطلب بثاراته ، وسماه كيسان لما عرف من قيامه ومذهبه، وهذه الحكايات في معنى اسمه عن الكياسة خاصة قال صاحب الملل والنحل فيه: (الكيسانية أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي علیه السلام وقيل تلميذ السيد محمد بن الحنفية > ، انتهى كلامه )(1).

وأول من شدَّ عن الحق من فرق الإمامية (الكيسانية) وهؤلاء قد تعلقوا في إمامة محمد بقول أمير المؤمنين يوم البصرة أنت ابني حقاً وهما يعني الحسن والحسين عليهما السلام أبناء رسول الله صلی الله علیه وآله ، وأنه كان صاحب رايته كما كان أمير المؤمنين صاحب راية رسول الله صلی الله علیه وآله، واحتجوا على أنه المهدي بقول النبي صلی الله علیه وآله (لن تقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي و كنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً) قالوا : ومن أسماء أمير المؤمنين عبد الله لقوله: (أنا عبد الله وأخو رسوله وانا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفترٍ(2))

وقالوا : إذا ثبتت إمامته وأنه القائم فقد بطل أن يكون الإمام غيره ،و ليس يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجة فلا بد أن يكون حياً.

وأنت خبير بأن الإمامة لا تثبت إلا بالنص أو ظهور المعجز بعد الدعوى، و لا نص ولا دعوى ولا معجز ولا دلالة في قوله(أنت ابني حقاً)على الإمامة

ص: 77


1- الملل والنحل ، ج1 ص147
2- کنز العمال للمتقي الهندي ص122 : ((36389) عن عباد بن عبد الله سمعت عليا يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفترٍ، ولقد صليت قبل الناس سبع سنين ) .

بوجه من الوجوه ، كما أنه لا دلالة في قوله (وهما ابنا رسول الله صلی الله علیه وآله ) على أنهما نبيان، ولو دلّ حمل الراية على الإمامة ، لكان كل من حمل الراية الرسول الله صلی الله علیه وآله منصوصاً عليه بالإمامة ، ولكان كل من حمل الراية لعلي علیه السلام مشاراً إليه بالخلافة ،وليس الأمر كذلك ضرورة .

وقد سئل(1)عن ظهور المختار وادعائه عليه أنه أمره بالخروج والطلب بثأر الحسين علیه السلام وأنه أمره أن يدعو الناس إلى إمامته عن ذلك و صحته ، فأنكره وقال لهم : والله ما أمرته بذلك لكنني لا أبالي أن يأخذ بثارنا كل أحد وما يسوؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا.

ومن تصفح كتب الأخبار عرف ذلك ، وظهر له أنه لم يدّعِ قط الإمامة

لنفسه، ولا دعا أحداً إلى اعتقاد ذلك، وقد قام الدليل على أن المهدي علیه السلام من ولد فاطمة علیها السلام . وقد روي عن الباقر علیه السلام أنه قال : أنا دفنت عمي محمد بن الحنفية ونفضت يدي من تراب قبره .

ولم يبقَ أحد من الكيسانية إلا ما يحكى عنهم ، وقد انقرضوا جميعاً ولا بقية لهم ، وممن كان منهم أبو هاشم إسماعيل بن محمد الشاعرالحميري (2)، وله في مذاهبهم أشعار كثيرة ثم رجع عن القول بالكيسانية

ص: 78


1- يعني ( محمد ابن الحنفية ).
2- ولد بعمان سنة 105ه لأبوين أباضيين فكان خارجياً ،ثم صاركیسانياً ، وبعدها اهتدى لمذهب الحق مذهب آل محمد على يد الإمام الصادق علیه السلام ، لقبه الإمام الصادق ب (سيد الشعراء)، وعدّه علماء الرجال من أصحابه ولقي الإمام الكاظم علیه السلام، استخدم شعره في ذكر مناقب آل الله علیهم السلام ومثالب أعدائهم فأكثر من ذلك ، وقصائده أشهر من علم على رأسه نار ، ومن أشهرها عينيته : لأم عمرباللوى مریع *** طامسة أعلامه بلقع وذكرت ترجمته في كتب الرجال والتراجم والشعراء ، وترجم له صاحب الغدير ترجمة مفصلة ، وله ديوان مطبوع بأكثر من تحقيق،توفي في بغداد أو واسط ، واختلف في تاريخ وفاته بين (171) أو ( 173 ) أو ( 178 ) أو(179).

وبريء منه ودان بالحق ، لأن الصادق علیه السلام دعاه إلى إمامته وأظهر له الحق فتبعه وفارق ما كان عليه من الضلالة ، وله عند رجوعه إلى الحق قوله :

تجعفرت باسم الله والله أكبر *** وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غيرما كنت دائناً *** به ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت له هبني تهودت برهة *** وإلا فديني دین من يتصر

فلست بغال ما حييت وراجعاً *** إلى ماعليه كنت أخفي وأضمر

ولا قائلاً قولا لكيسان بعدها *** وإن عاب جهال مقالي وأكبروا

ولكنه مما مضى لسبيله *** على أحسن الحالات يقفى ويؤثر

وكان كثير عزة (1)كيسانياً ومات على ذلك وله في مذهب الكيسانية قوله :

ألا إن الأئمة من قريش *** ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه *** هم الأسباط ليس به خفاء

فسبط سبط أيمان وبر *** وسيط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى *** يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى فيهم زماناً *** برضوى عنده عسل وماء

2.الناووسية :

ومنها فرقة تدعى بالناووسية وإنما سميت بذلك لأن رئيسهم في ذلك رجل من أهل البصرة يقال له ( عبد الله بن ناووس )،وهؤلاء زعموا أن أباعبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام حي لم يمت، ولا يموت حتى يظهر

ص: 79


1- كَثِير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الخزاعي،ولد في عام 23ه بالحجاز وقد اختلف في تاريخ وفاته،والأرجح أنه توفي سنة105ه ، عشق ابنة عمه (عزة) فعرف بها وقيل ( كثير عزة ) وله فيها الكثير من الشعر ، وينسب له في آخر حياته قوله : برئت إلى الإله من ابن أروى *** ومن دین الخوارج أجمعينا ومن عمر برئت ومن عتيق *** غداة دعي أمير المؤمنينا

فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ،لأنه القائم المهدي .

واستدلوا على ذلك بما رواه عنه عيينة بن مصعب أنه علیه السلام قال : ( إن جاءكم من يخبركم عني بأنه غسلني وكفنني فلا تصدقوه)،ومن المعلوم أن الشك في موته بعد تواتره موجب للشك في موت آبائه بعد تواتر ذلك، ولا يعارض خبر الآحاد المتواتر من موته،ومع تسليم ثبوته لعله علیه السلام أراد بذلك تحذير أوليائه من قبول قول المرجفين فيه من أعدائه وقت توجهه إلى العراق، أو أراد إعلام أوليائه بأنه من ادعى تغسيله من سائر الناس فدعواه باطلة،لأنه لا يتولى أمر الإمام في غير الضرورة إلا إمام مثله .

وهذه الفرقة لم يبق منها إلا ما يحكى عنها وقد انقرضت ولا بقية لها.

3.الإسماعيلية :

ومنها فرقة زعمت أن الصادق جعفراً بن محمد علیه السلام قبل أن يموت نص على ابنه إسماعيل ، وادعوا أنه الإمام بعد أبيه وأنه المهدي المنتظر قيامه ، وأنكروا وفاة إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا إنه لم يمت.

ومنهم من قال إن الموت صحيح ، والنص لا يرجع القهقرى والفائدة في النص بقاءالإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره،فالإمامة بعد إسماعيل في أولاده.

وهؤلاء هم( القرامطة )وهم ( المباركية ) ونسبتهم إلى القرامطة لأن الذي دعا الناس إلى مذهبهم (حمدان قرمط )وهي أحدى قرى واسط ونسبتهم إلى المباركية والمباركية سلفهم.

ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته و منهم من ساق الإمامة في المستورين منهم ، لا في الظاهرين القائمين من بعدهم .

وقالت طائفة منهم:إن الذي نصّ على محمد بن إسماعيل،إنما هو الصادق علیه السلام دون إسماعيل .

وقالت طائفة منهم : إن الذي نص على محمد إنما هو أبوه إسماعيل ،

ص: 80

قبل وفاته، فهؤلاء الفرق تدعى ب( الإسماعيلية)،لادعائهم إمامة إسماعيل.

4.السبطية :

وقالت فرقة إن الصادق علیه السلام توفي وكان الإمام بعده محمد بن جعفر وهذه الفرقة تسمى ( السبطية ) لأن الذي دعا إليها يحي ابن أبي السبط .

5.الفطحية :

وقالت فرقة أخرى إن الإمام بعد أبي عبد الله ابنه عبد الله بن جعفر لأنه أكبر ولده وهذه تسمى ( الفطحية ) لأن رئيسها عبد الله بن أفطح وإنما سمي بذلك لأنه كان أفطح الرجلين ، ويقال بل كان أفطح الرأس، ويقال أن عبد الله المدعى له الإمامة هو الأفطح.

وليس لهؤلاء الفرق برهان يتمسكون به ، وذلك لأن إسماعيل ممن ثبت موته قبل أبيه فلا معنى للنص عليه ، ولو وقع ذلك لكان كذباً، لأن معنى النص أن النصوص عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به وذلك لا يتصور في حق من ثبت موته قبله .

وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في رسالتنا المسماة ب ( تحفة الأبرار في معرفة الأقضية والأقدار)في بحث البدا فيما تعلقوا به مما ادعي روايته عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال : ( ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل)(1) ، ومعنى ذلك مع تسليم صحته ما روي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال : ( إن الله عزوجل كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين ، فسألته فيه فرقاً ، فما بدا له في شيء كما بدا في إسماعيل)(2)، يعني ماذكره من

ص: 81


1- كمال الدين وتمام النعمة ص69 ، بزيادة ( ابني ) في آخره .
2- الصراط المستقيم لمستحقي التقديم ، ج2 ص 273( إن الله كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين فسالته فيه فعفى عنه، فما بدا له في شئ كما بدا له في إسماعيل ) .

القتل الذي صرفه عنه بمسألته علیه السلام إياه .

ولما ثبت أن إسماعيل لم يكن منصوصاً عليه فليس بإمام وإذا لم يكن إماما لم يكن ابنه محمد إماما وذلك لأن أباه ليس أهلاً للنص حتى يدعى عليه أنه وقع من النص عليه ممن هو أهل النص ، فلا إمامة له وكذا لا إمامة لمحمد بن جعفر لعدم النص عليه.

وأما ما ادعي روايته عن أبي عبد الله علیه السلام من أنه كان في داره جالساً فدخل عليه محمد وهو صبي صغير فعمد إليه فكبا في قميصه ووقع لوجهه فقام إليه أبو عبد الله علیه السلام فقبله ومسح التراب عن وجهه وضمه إلى صدره وقال:سمعت أبي يقول :( إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي وهذا المولود شبيهي وشبيه رسول الله صلی الله علیه وآله ، وعلى سنته )(1) فليس بصحيح ، ولا دلالة في مسح التراب عن وجهه و ضمه إلى صدره وقوله : ( إن أبي أخبرني إلى آخره ) إلى أنه خليفة الله في أرضه.

وكفى شاهداً على بطلان هذه الدعوى انقراض متابعيه من النزر القليل

حتى لم يبقَ أحد يذهب إلى هذا المذهب.

وكذلك لا إمامة لعبدالله الأفطح لعدم قيام البرهان على ذلك ، والأكبرية مع الجهل وللتدين بدين المرجئة الذين يقعون في علي علیه السلام لا مدخل لها في الإمامة . وقد روي عن أبي عبد الله علیه السلام أن عبد الله هذا دخل عليه يوماً وهو يحدث أصحابه فلما رآه سكت حتى خرج،فسئل عن ذلك فقال : ( أو ما علمتم أنه من المرجئة )(2) ومن المعلوم أنه بعد أن ادعى الإمامة لنفسه سئل عن مسائل صغار فلم يجب فلا يكون أهلاً للإمامة .

6.الواقفية:

ومنها فرقة زعمت أن موسی بن جعفر هو المهدي المنتظر وأنه ما مات

ص: 82


1- الفصول المختارة للشيخ المفيد ، ص306، باختلاف يسير جداً .
2- الفصول المختارة للشيخ المفيد ، ص312

ولم يمت حتى يظهر الحق ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كماملئت ظلماًوجوراً.

وقال بعضهم إنه قد مات وسيبعث وهو القائم بعده ، وهؤلاء يدعون بالواقفية لوقفهم على أبي الحسن موسی بن جعفر، واختلفوا في الرضا علیه السلام ومن قام من آل محمد بعد موسى فقال بعضهم ليسوا بأئمة وإنما أمراؤه وقضاته إلى أوان خروجه .

وقال الباقون إنما هم مخطئون ضالون،وقالوا في الرضا قولاً عظيماً فأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده ، ولهم على كون المهدي هو موسى بن جعفر شبه ركيكة لا فائدة في إيرادها، إلا أن منها ما حكوا عن أبي عبد الله علیه السلام أنه لما ولد موسی بن جعفر علیه السلام دخل أبو عبدالله علیه السلام على حميدة البربرية أم موسى علیه السلام فقال لها يا حميدة بخ بخ حلّ الملك في بيتك .

وأنت خبير بأنه لا دلالة على مطلوبهم لأن المراد بالملك هنا الإمامة التي هي الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا،كما قال سبحانه في آل إبراهيم : «وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(1) وما برهان هؤلاء في بقاء موسی بن جعفر علیه السلام وإنكار موته إلا كبرهان المحمدية على بقاء رسول الله صلی الله علیه وآله وإنكار موته، وكبرهان السبئية المنكرة لوفاة أمير المؤمنين علیه السلام، والمفوضة المدعية بقاء أبي عبد الله الحسين علیه السلام ، المنكرة لقتله والكيسانية المنكرة لوفاة محمد علیه السلام(2)، والناووسية المنكرة لوفاة جعفر بن محمد علیه السلام ، وما أجيب به عن ذلك فهو الجواب .

ص: 83


1- النساء ، 54
2- ورد في المطبوع ( والكيسانية المنكرة لوفاة محمد صلی الله علیه وآله) والظاهر أن المقصود محمد ابن الحنفية لا محمد رسول الله صلی الله علیه وآله.

وقد عدلت فرقة ممن كانت على الحق إلى القول بإنكار موت موسی ابن جعفر وحبسه ، وما وقع من ذلك فهو تخييل،وادعوا أنه حي غائب، وأنه هو المهدي ، وأنه أستخلف على الأمر وقت غيبته محمد بن بشر موسى بني أسد، وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحة ودانوا بالتناسخ .

وعدلت فرقة ممن دانت بإمامة علي الرضا إلى القول بأنه ليس بإمام وإنما هو وصي أبيه وإنما الإمام بعد أبيه هو أحمد بن موسى وقد دانوا بذلك بغير حجة ولا برهان .

وفرقة أخرى ممن دانت بإمامة الرضا أنكرت محمد بن علي الجواد لصغر سنه ، وذلك لأن له عند وفاة أبيه سبع سنين ، وارتدت إلى قول الواقفة وأنكرت إمامة أبيه علي الرضا علیه السلام أيضاً.

ومن المعلوم بأن ما تعلقوا به من صفر السن بعد ثبوت النص وظهور المعجز لا يجدي نفعاً لوقوع مثل ذلك في حججه تعالى السابقة كما حكاه سبحانه بقوله:« وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(1)أي آتيناه النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين.

وعن علي بن أسباط قال : قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا علیه السلام وهو إذ ذاك خماسي ، فقلت أتأمله لأصفه إلى أصحابنا بمصر ، فنظر إلي وقال : ( يا علي إن الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة قال :«وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا»(2) قال :« وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»فقد يجوز أن يؤتى الحكم ابن أربعين سنة ويجوز أن يعطيه (3) الصبي، وذلك كيحيى وعيسى الذي : «قَالَ إِنِّي عَبدُ اللَّهِ ءَاتَنِیَ الكِتَبَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّا ) فخبر عن المسيح بالكلام في المهدوأنه نبي مبعوث للناس مكلفاً مدة

ص: 84


1- مريم ، 12
2- القصص ،14
3- الظاهر ويجوز أن يعطاه الصبي : ( العلامة الشيخ فرج العمران )

حياته .

ثم أن بعض القائلين بإمامة محمد الجواد دانوا بإمامة موسی بن محمد أخي علي الهادي دونه ولم يثبتواعلى هذا القول إلا وقتاً يسيراً ورجعوا إلى الحق ودانوا بإمامة علي الهادي علیه السلام وتركوا القول بإمامة موسی بن محمد.

7. ومنها فرقة زعمت : أن المهدي محمد بن علي ، أخو الحسن العسكري علیه السلام وأنه منصوص عليه من أبيه وهؤلاء أنكروا موته في حياة أبيه وادعوا غيبته وقالوا إنه حي لم يمت وهو الإمام المنتظر قيامه .

وقال جماعة منهم:إن الإمام بعد محمد بن علي أخوه جعفر بن علي وأنه القائم بعد أبيه لنصه عليه .

وبموت محمد بن علي في حياة أبيه وعدم النص على جعفر أخيه ظهرفساد دعوى كونهما إمامين وهؤلاء قد انقرضوا ولا بقية لهم .

8.ومنها فرقة :أنكرت المتواتر، من موت أبيمحمد الحسن العسكري علیه السلام وقالت أنه حي لم يمت وإنما غائب وهو المنتظر قيامه .

9. ومنها فرقة قالت:أن محمد بن الحسن المنتظر قد مات ويحيا بعد موته وهو القائم المهدي ،لما رووه من أن القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بعد الموت، وليس هذا بصحيح لأن الأرض لا تخلو من حجة ساعة واحدة

كما قام على ذلك الدليل ، والمروي في السبب في التسمية بذلك إنما هو

لقيامه بدين قد اندرس وحق قد انطمس .

10. ومنها فرقة زعمت:أن الإمام بعد الحسن العسكري ابنه علي بن الحسن وهو المنتظر، وأنه غائب ولا بد من ظهوره فيملأ الأرض عدلاًو قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا ريب في أن الدليل مشعربأن اسم المهدي إنما هو محمد .

11. ومنها فرقة زعمت : أن المنتظر ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وأكذبوا

ص: 85

من ادعى ولادته في حياة أبيه ، ويلزمهم مع عدم الدليل على ذلك خلو العالم من وجود إمام حي كامل ثمانية أشهر مع قيام البرهان على امتناع ذلك طرفة عين كما عرفت.

12. ومنها فرقة زعمت : أن الحسن مات من غير ولد ظاهر لكنه محمول به وهو القائم وما ولدته أمه بعد ، وأنه يجوز أن يبقى في بطن أمه مائة سنة فإذا ولد ظهرت ولادته ،وهذه الفرقة تشارك الفرقة السابقة في الإلزام وكلما لزم هذه لزم تلك ، على أن هذه قد ادعت بغير برهان ، ما لم يكن له نظير ولا جرت به العادة ولا جاء به أثر من أحد من سائر الأمم السابقة ، وليس كل مقدور الله بغير دليل واقعاً .

13. ومنها فرقة زعمت : أن الإمامة بعد الحسن قد ارتفعت من الأرض وليس فيها حجة من آل محمد ، وإنما الحجة الكتاب والأخبار الواردة عن محمد وآله لأنه سبحانه عاقب العباد بذلك غيظاً منه عليهم، لما روي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال : ( إن الله لا يخلي الأرض من حجة ، إلا أن يغضب على أهل الدنيا)وتعلقهم بذلك مما يدل على جهلهم وقلة سبرهم ، وذلك لأن المعنى أنه سبحانه لا يخلي الأرض من حجة ظاهرة لقيام البرهان على أنه سبحانه لا يخلي الأرض من حجة طرفة عين،ولو خلت بغير حجة طرفة عين لساخت بأهلها، كما روي ذلك عن أبي عبد الله علیه السلام وغيره كما عرفت .

14. ومنها طائفة توقفت وقالت : لا ريب في إمامة الحسن بن علي علیه السلام ، وبعده لا ندري أجعفر كان هو الإمام أم غيره والأمر ملتبس ، فالذي يجب علينا أن نقطع أنه لابد من إمام ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى يقوم الدليل على واحد بعينه ، فإذا قام الدليل على ذلك قدمنا على القول بإمامته ، ولا ريب في قيام الدليل على إمامة المنتظر من رسول الله صلی الله علیه وآله ومن أبيه ومن آبائه وذلك من المعلوم تواتره .

15. ومنها طائفة قالت : لا ريب في إمامة الحسن بن علي علیه السلام ، لكنه ما

ص: 86

قبض حتى نص على أخيه جعفربالإمامة،وهذا مما لا ريب في بطلانه وذلك لعلمه علیه السلام بحال أخيه جعفر من الجهل وارتكاب القبائح وتغلبه على ورثته بعده وعدم صلاحه للإمامة وعدم كونه أهلاً لها.

16. ومنها طائفة ذهبت إلى:إنكار إمامة الحسن بن علي العسكري علیه السلام ، وذلك لما زعموه من أنه لا عقب له والإمام لا يخرج من الدنيا حتى يكون له عقب.

وأنت خبير بأنما زعموه من أنه علیه السلام خرج من الدنيا ولا عقب له فاسد وذلك لتواتر وجود المنتظر وشياع رؤية شيعته له ، وثبوت جواب سؤالاتهم منه علیه السلام واستفتائهم إياه علیه السلام ، ونص أبيه عليه بعد وجوده، كما روي ذلك عن أحمد ابن إسحاق بن سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد العسكري علیه السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده ، فقال لي مبتدئاً :(يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله تعالى على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض . قال : فقلت يا رسول الله : فمن الخليفة والإمام بعدك ؟ فنهض علیه السلام مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء ثلاث سنين وقال :

(يا أحمد بن إسحاق ، لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وكنيّه ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، يا أبا إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر علیه السلام ومثله مثل ذي القرنين ، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه .

قال أحمد بن إسحاق : فقلت يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال : ( انا بقية الله في أرضه ، والمنتقم

ص: 87

من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق ) .

قال أحمد فخرجت مسروراً فرحاً فلما كان الغد عدت إليه فقلت يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ ، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟

قال : (طول الغيبة يا أحمد بن إسحاق ) فقلت : يا ابن رسول الله أن غيبته لتطول ؟ قال : ( إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين فلا يبقى إلامن أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين ) (1).

وبالجملة .. فالأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوده والنص عليه منه علیه السلام ومن آبائه علیهم السلام لا حصر لها ، ولا اعتبار بمن لم يسلكوا سبيل الهداية وقادهم الشيطان بزمام الغواية فطبع على قلوبهم بما كانوا يكسبون ، وسيعلمون إلى أي منقلب ينقلبون .

الفرقة الناجية :

اشارة

واعلم أن ما عدا الفرقة الناجية من فرق المسلمين إنما هي من أمةالدعوة لا من أمة الإجابة ، وذلك لأن أمة النبي صلی الله علیه وآله نوعان :

1.أمة الإجابة :

وهم الذين أجابوا دعوته وصدقوا نبوته وآمنوا بجميع ما جاء به ، وهؤلاء هم الذين مدحهم في الكتاب والسنة كقوله تعالى :«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً»(2)

ص: 88


1- كمال الدين وتمام النعمة ، ص384-385
2- البقرة ، 143

و«کُنتُم خَیرَ أُمَّةٍ»(1)و ( شفاعتي لأمتي ) و ( تأتي أمتي غراً محجلين )وغير ذلك .

2.وأمة الدعوة :

وهم الذين بعث إليهم النبي صلی الله علیه وآله من مسلم وكافر ومنه قوله صلی الله علیه وآله :(والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)(2) .

وأنت خبير بأنه صلی الله علیه وآله أخبر عن أمته التي يتراءى لكل واحدة واحدة أنها مجيبة بأنها تفترق على ثلاث وسبعين فرقة والناجية منها واحدة .

ومن المعلوم ضرورة أن الهالك من الفرق إنما هو بعدالإيمان ببعض ما جاء به، لأنه لو آمن بجميع ما جاء به لم يكن هالكاً وحينئذ فلم يتحقق هلاك باقي الفرق إلا بسبب عدم الإيمان ببعض ما جاء به ، وإذا لم يؤمن ببعض ما جاء به صدق عليه أنه لم يؤمن بجميع ما جاء به ، وبما أرسل به وكل من لم يؤمن بما أرسل به فلا ريب في هلاكه وحينئذ فيجب الإيمان بكل ما جاء به صلی الله علیه وآله كوجوب التمسك بالثقلين المنصوص عليهما منه صلی الله علیه وآله بالخلافة ، وعدم التقدم على العترة ، والرجوع إليهم مع الاختلاف ، واعتقاد كونهما خليفتيه في هذه الأمة ، واعتقاد بقائهما إلى آخر الدهر لحفظ الدين والشريعة .

ص: 89


1- مريم ،12
2- صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع..، حدثني يونس بن عبد الأعلى أخبرنا بن وهب قال وأخبرني عمرو إن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).

معنى الشريعة:

والمراد بها ما شرعه الله لعباده من الفرائض والسنن ،مأخوذة من الشريعة وهي مورد الناس للاستسقاء فسميت بذلك لوضوحها وظهورها ، يقال شرع الله لنا كذا ( أظهره وأوضحه ) ، والشريعة طريقة مخصوصة مشروعة مشتملة عل أصول وفروع وأخلاق وآداب،والشريعة والدين و الملة متحدة بالذات ومختلفة بالاعتبار،لأن تلك الطريقة من حيث الانقياد تسمى ديناً، ومن حيث أنها ظهرت منه تسمى شريعة،لأنه ظهر بمعنى شرع ومن حيث أنه علیه السلام منشئ لتلك الطريقة تسمى ملة لأنها من إملائه .

ص: 90

الشهب الثواقب في رجم شياطين النواصب الشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار قدس سره

اشارة

*الشهب الثواقب في رجم شياطين النواصب (1)

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ

خاتمة:

*خاتمة(2)

ثمَّ لا ترجع ويغلب عليك كالوهم(3)الشيطاني،وتتوقف في قبول الحق مع إثباته من مذهبكم، وعليه اتفاق الكل، فلا مناص لك إن أنصفت .

وتقول: إذا كان أمر الإمام والحاجة إليه كما قلت، فما تقول في هذا الزمان من الغيبة بعد العسكري علیه السلام فلا إمام فيها يُعرف ويُرجع إليه، ولا هدى، ولا اهتدى به أكثر زمن [اللبثة ](4)فقد ضاع ما أصَّلتَ وأثبتَ في هذا الأزمنة المتطاولة، واختل ما بيَّنت وشیَّدت .

فنقول: سألتَ فاصغِ وافهم وتفهم وأنصف،سؤالُك هذا متنوع التعبير و يرجع لمضمون واحد.

فنقول: أما ثبوت وجوده، وأنه محمدُ بن الحسن برز في الوجود،وعرف بين الكل، وكان مرجعاً بعد فقد أبيه الحسن مدةً تقرب من سبعين سنة من وفاة أبيه عام الستين بعد المائتين، فمما لا شك فيه ولا شبهة، وقد أفردت الإماميةُ ذلك في مجلدات ألزموا بها من خالف فيه وكذب، أو أثبته كغيره، ونَقلُ ذلك هنا لا يسعة المقام، ومن بعض أحاديثهم السابقة والآي والأدلة العقلية توجب ثبوته، وأنه كآبائه المعصومين عليهم السلام وليس إلاّ ما تقوله الإمامية، لا عيسىّ [ولا بطرسي] ولا زيدي ولا فاطمي غيره، والبسط

ص: 91


1- هذا عنوان الكتاب ، المطبوع بتحقيق فضيلة الشيخ حلمي السنان حفظه الله .
2- اقتطفنا هنا خاتمة الكتاب ، ط2سنة 1425ه، أنوار الهداية ، ص 175.
3- الظاهرأن الكاف زائدة أو مشبه به مع حذف المشبه والتقدير:شيء.
4- في النسخة هكذا: «اليبئة»،والمعنى زمان الفترة والانتظار .

موكولٌ لغير هذا الموضع،وهو يبطل ما سوى ما تقوله الإمامية،وكذا ما دل على استمرار قائم بالحق، لا يفارق القرآن، وغير ذلك صريح الدلالة فيما نقول، فمن ادعى موته فهو افتراء، ولا دليل عليه، والأدلة تكذبه وكذا نَافِيهِ، ومنهم من أثبته كما تقوله الإمامية وإن لم[يقل]فيه بالعصمة و الصفات كما هو عند الامامية.

وبقي لهم شبهة استبعادية منشأها الشيطان لا تعارض قدرة الله تعالى ولا إرادته التي لا صارف لها، ولا يعجزه شيء، وليس هو من مستحيل الكون، بل وقع مثلها في الأمم، فليس هو بنُكرى(1)، ولا بدعي، بل ولو لم يقع مثله في الأمم لا منافاة فيه ولا استنكار، لكن ذلك أشدُّ لظهور الحجة عليهم،وكونهم أهل جحود عنادي كقولهم:

كيف يطول عمره زيادة على العمر الطبيعي؟

مع أن أهل الطب أكثرهم على عدم حصره بالطبيعي،وأنه قد يطول البعض المقتضيات السماوية، أو بحسب الإرادة، وطوله منتشر في الأمم وفي هذه الأمة وإن كان قليلاً،ومثله وقع في إبليس لعنه الله،وابن أم الدنيا، والدجال،وعيسى، والملائكة، والأرض والسماء، والحية، وغيرهم كثير، مع أنهم أنكروه قبل أن تمضي عليه مدة العمر الطبيعي ولا عُیِّنت المدة لهم أولاً.

وكقولهم: كيف يَرَى ولا يُرى وهو بين الخلق؟

قلنا: كذا إبليس، ويوسف مع أخوته عَرَفَهم وهم له منكرون، كما قال تعالى في إبليس:«نَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ»(2)، ويستعمله بعض أهل العلوم الخفية فيمشي في الأسواق، ويرى الخلق ولا يرونه.

ص: 92


1- نُكري: نسبة للنكرة من الأشياء وهي بالضم ثم السكون كسُخرَة أي الذي ينكر عليه ما تستنفر منه النفوس كثيراً.
2- الأعراف ، 27

وكيف يكون إماماً كما تقولون وتصفونه به ، وهو صغير لم يبلغ العشر؟ قلنا :هو معجزة ولا تعجبوا من ذلك، ووقع في النبوة وهو أعظم في عيسى علیه السلام وهو طفل كما نطق به القرآن المجيد،(1) فإن قلتم (معجزة)، قلنا: كذا هنا، وحديث حذو هذه الأمة حذو تلك الأمم كما سبق تحقيقه(2).

وليس حكمهم علیهم السلام في الطفوليّة كفيرهم، ولهذا نزل فيهم التطهير السابق، والحسنان معهم في الكساء وهم أطفال ، وكذا بهم خرج الرسول صلی الله علیه وآله للمباهلة كذلك.

وذكر إمامهم العسقلاني في شرح البخاري في كتاب الزكاة(3):إنه أتيَ للرسول صلی الله علیه وآله بزكاة، فأخذ الحسين تمرةً ووضعها في فيه، فقال له جده : (كخ كخ ) أما علمت يا بني أن الصدقة علينا حرام، وصوَّر إشكالاً: كيف يخاطبه بخطاب العالم وهو صبي، فأجاب بأن حكمهم في الطفولية ليس كفيرهم ، لأنهم ينظرون إلى اللوح المحفوظ، ويطلعون عليه .

ونحوها من[الشُّبَه]الواهية،وأعظمها عندهم دوراناً،وقد تدور في الفرقة(4)شبهتان:

الأولى : ما الحكمة في غَيبَتِهِ مع عموم الجور والظلم وظهوره؟

والثانية: ما وجه الانتفاع به والاهتداء مع أنه على زعمكم أنه لا غناء

ص: 93


1- مریم ، 29 ، «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا»
2- سنن الترمذي : 5 / 26 .
3- صحيح البخاري:ج2 ص157،كتاب الزكاة،مسند أحمد:409/2 -444كتاب الزكاة .
4- أي أن هاتين الشبهتين قد تدوران عن بعض أهل الفرقة المحقة .

للعالم بغير معصوم لذلك ؟ قلنا:

أما عن الأولى فنقول:

وقع نحوه في الأمم في غيبات الأنبياء،وخفائهم عن الخلق،والحكمةالموجبة لها هناك [جارية]هنا، بل في الأمة الأخيرة هنا أقوى وأشد من تلك الملل، لقيام الدواعي من [أبخرة ]الحجب والموانع كلما قرب انقضاء دولة أهل النظرة، وظهور التمييز أشد منه فيما سبق، وهي في وقته أقوى وأشد من وقت آبائه علیهم السلام، لما ثبت عندهم عن رسول الله صلی الله علیه وآله من انقضاء دولتهم وإبادتها على يده، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، فلو ظهر قبل أن يأمر الله تعالى بحضور الوقت وزوال الموانع لزمه السكوت، أو يُقتلَ ويختل النظام، ولا يمكنه الجهاد لعدم استجماع شروطه، وعدم زوال الموانع فوقع نحوه من الرسول صلی الله علیه وآله وسائر الأنبياء، وآبائه علیهم السلام وقال تعالى: « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(1).

ونحوه وقع من الرسول صلی الله علیه وآله عام الصلح مع أهل مكة مع ما هو عليه من القوة والعدِّة، والإشكال والدفع مشتركان،وهذا السبب والمُوجِبُ قائم بحسب الوقت والأناسي،ومجرد الشريعة المحمدية من استمام حكم التنزيل الموجب، ومجيء التأويل، وكمال توفية النظرة لإ بليس لعنه الله تتميماً للحجة عليه، وإعلاءٌ لها.

وهذا الوجه كفاية لمن عَقِلَ وفَهِمَ، فمنه يستبين إيجاد الوجود لها مع ما فيها من زيادة الصبر [والاختبار](2)والغريال لعباده،وجميع تكاليفه مشتملة على الاختبار، وَمَن ميز العالم وأوقاته وجد فيه ذلك ظاهراً بلا خفاء، وبما ذكرناه كفاية في هذه العجالة، وبيان بسطه ونقل مايدل عليه

ص: 94


1- الفتح ،25 .
2- في النسخة «الاحتيار»، فأبدلناها بالاختبار بقرينة السياق والعبارة اللاحقة لها .

من الكتاب والسُنَّة والعقل لا يسعة المقام مع ما أنا عليه من الاستعجال.

وأما عن الثانية فالجواب عنها من وجهين:

الأول: وهو كان بالنسبة إلى العامة، والثاني لهم وللخاصة.

أما الأول :

فنقول ما مِن الله ومِنه علیه السلام وقع، وبقي ثبات الأمر وما يرشد العباد به : وهذا يتوقف على قبولهم وادعائهم له، وهم قد أبوا ذلك و عارضوه، فعمَّ ظلم الظالم، وظلامة الناجي،والمقاتل له فقاموا بإثم الجميع، ولا قبح فيه على الله ولا على رسوله وخلفائه، ولا يجبر الله أحداً وقال تعالى: «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ»(1)«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(2) وما يرد هنا يرد نحوه في غيره غير حال غيبة الرسول صلی الله علیه وآله في الشعب وغيره من الأنبياء، والدفع مشترك.

وأما الثاني:

فنقول: الإمام الثاني عشر علیه السلام نسبته إلى العالم وما أقيم فيه نسبة أبيه ومَن قبله من الأئمة المعصومين، لم يُقصِّر في البيان وهداية العالم بل يجري فيه كما يجري به آباؤه من البيان بما يقتضيه المناسب من المكلَّف، وفاءً و[خِلاًناً]، ويكون أبقى لهم وأصلح حتى يبلغ الكتاب أجله، فيظهر حكم التأويل، وهو من شريعة جده التي بعث بها،والله أطلعه على ذلك، وجعله شاهداً على الخلق وهادياً، وما ينزل ليلة القدر وغيرها لم ينقطع، ولم يقصر في التبليغ.

ص: 95


1- الشوری ، 14.
2- الأعراف ،34.

والانتفاع حينئذ كالانتفاع بالشمس إذا جللها السحاب، وعدم رؤيتنا له لا يحجب ذلك عن القابل الواقف ببابه، ونسبة المستوضح حينئذ لتحصيل الحكم بالردِّ لهم نسبة القابل لا الفاعل، ويعرفه المستوضح بنوع إشارة ، ويلقيه له في نفسه وقت نظره وطلبه منهم، ويَعرِفُ الحق من غيره كما يعرف خطرة الرحمن من الشيطان بالسكينة والوقار،والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ويوسوس، فكيف حُجَّةُ الله وآيته الذي لم يرفع يده عنه وإعانته وإمداده، فكذا هو بالنسبة إلى ما جعله حجةً وقوىً ظاهرة لغيره وسائر رعيَّتهِ.

ومن قصر عن الاستيضاح بنفسه والمشافهة فليلتجِ(1) إلى ركن وثيق، فرفع المشافهة وعدم إمكانها بالنسبة إلى الطالب لا يرفع البيان والإيصال من جهته، فلهُ طريقان ودفع الأول يوجب قوة الثاني كما هو ظاهر،وكذا تعطيل بعض الأحكام وسقوطها لتوقفها على شروط لم تحضر وعلى المشافهة، لا يوجبه في غيره .

والقول بمنع جريانه التقويم زمن الغيبة قولٌ ساقط [لا عبرة] به(2)، إلاّ أن يمنع تقريرهم مطلقاً أو عدماطلاعه علیه السلام ، وعدم إخبار اللّه به، ومتواتر العقل والنقل يبطله، ويلزم العامة الإقرار به ووجود مَظهَر له في الكونِ، والكلام فيما لم يسقط التكليف، ومعلوم عدم كفاية السواد و البياض في ذلك، وكذا أفكار العلماء،وأين هم وهذه المرتبة لولا التأييد و الإمداد لهم، والله لا يغفل عن خلقه كما قال الله تعالى: «وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ»(3)«أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»(4)فلو لم يكن الحكم بالنسبة له علیه السلام زمن الغيبة

ص: 96


1- فليلتج: الالتجاء التحصن عن الشيء (الأذي) بحيث لا يصيبة ما يحذر.
2- مفاد هذا القول هو أن الأمة محتاجة لتقويمه إياها حال حضوره فقط، وأما حال الغيبة فلا يمكن حصول التقويم منه أصلا. وهو كما ذكر المؤلف غير تام.
3- المؤمنون ، 17
4- القيامة ،36

كذلك لزم حصول الغفلة بالنسبة له علیه السلام وحصول القبح فيه تعالى وتقدس.

واستمر حكم قول الله تعالى :«وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1) ولا ناسخ لها،بل قيامه في الزمن المتأخر خاتم النبوة وأكثر زمن البعثة أحق وأولى واجب(2)بمقتضى الحكمة، ولا مانع له إلّا من جهة القدرة لعمومها له وإحاطة علمه، ولا من جهة القابل بل هو به أتم وأكمل، بل لا غنى له عنه فيجب جريانه، ولولا القول فيه كذلك وهو المطابق للعقل والنقل لَقَبُحَ غيبته، بل لم يَجُز وقوعها وليس الأمر كذلك.

هذا وأثار ذلك ظاهرة لا ينكرها إلاّ المعاند الجاحد كالخطرات الخاصة للناظر الجامع، ولو قيل هذا بمَلَك مؤيِّد له مِن الله، فما المانع من القول بأنه بواسطته علیه السلام، والملائكة منخدامهم علیهم السلام وتحت أمرهم، وذكرت العامة أنه كان بعض الطلبة إذا أشكلت عليهم المسألة جلسوا إلى قبر أستاذهم فيحصل لهم إشراق نفساني يظهر لنفوسهم جوابها.

فكيف فيمن هو حيَّ والعالَمُ تحت يده،ويُقلِّبه بأمر الله أشدمن عزرائیل قابض الأرواح وما وُكَّل به وهو خادِمٌ من خدامه، بل تصرفه وإحاطته و تدبيره أقوى منه بكثير، وكثير لا يدرك ولا يحيط به إلاّ الله تعالى وتقدس، وكذا دفع كثير من الأعداء عن الفرقة الناجية مع ظهورهم وانتشارهم، ودفع كثير من المشكلات والضرورات الواقعة ببعض برجل لا يُعرَف وليس هو محله وأمثاله، فإن كان من السائحين في الأرض،والموكلين بالقفَار و البحَار فما المانع من إثبات الرئيس والقُطبِ، ونحو ذلك كثير مما يوجب إثباته وظهور تدبيره، وكذا من جهة حُجِّيَّة الإجماع وكشفه،أما على مذهب الإمامية فظاهر لأنه من جهة حصول

ص: 97


1- الرعد ، 7
2- خبر المبتدأ «قيامه» ، أو تكون كلمة أحق وأولى هي الخبر مضافة لكلمة واجب .

التقرير والرضى، ولا يتم القول بالكشف إلا بالانتهاء إلى ذلك، والقول كما أوضحناه في محله(1)، وأما على قول العامة فلقولهم بحجية الإجماع إذا حصل من الأمة، ولابد من وجود شخص وإلاّ فلا زيادة في الأمة بعدحصول اجتماعهم يوجب عصمتهم بديهية، فدلَّ على وجوده فيهم، وعليه تُنَزَّل الروايات الدالة على الحجِّيَّة مثل: ( لا تجتمع أمتي على الخطأ) و( يد الله على الجماعة ) ونحوها مما رووه، فإنا نقول بمضمونها لكن لا يتم إلّا على قولنا لا على قولهم، ويلزمهم الإقرار به وأنه كما نقول فتدبر وأنصف!

وليس ظهور التقرير منه علیه السلام لآخر ولا الإلقاء لهم بنوع عناية يتوقف على ظهوره عياناً والمشافهة حساً، وإن جادل فيه بعض الطلبة، فهذه الملائكة تتصرف في الإنسان وغيره ولا يُرَونَ، وكذا الجِنُّ وإبليس وجنوده وغيرهم من خلقه، فكيف حجة الله البالغة الجامعة الذي ولاه الله تدبيرَ خلقه، والواسطة لهم في كلِّ ما يحتاجون إليه.

ولو اخذنا في بسط ذلك من الكتاب والسنة لخرجنا عن موضع الرسالة، واحتاج إلى مجلدات، وفيما سبق كفاية الفطن المنصف غير المعاند، وإن أردت زيادة في ذلك فراجع شرحنا على أصول الكافي في كتاب الإمامة(2)ورسالة إبطال الظنون الخارجة(3) وسائر ما كتبناه في هذا المجري، وما كتبته الإماميّة،[والتأمل]في الكتاب والسنة المشهورة كاف للفطن المنصف.

كذا آثار الوجود فإنهم عليهم السلام آياته الدالة عليه، وآثارها والدلالة عليها كثيرة منتشرة عامة فتأمل !

ص: 98


1- في رسالة له مفردة أسماها ب ( الإجماعية ) ترجم لها في الذريعة.
2- هو ( هدي العقول في شرح أحاديث الأصول)تُرجم له مفصلا في مقدمة ( ثلاث رسائل )، ص26، وأنوار البدريين ص318، الأزهار الأرجية :102/11
3- ثم نعثر على ترجمة وافية لهذه الرسالة أصلا، ولعلها نفس رسالته في دليل الانسداد.

مشكاة الأنوار في إثبات رجعة محمد وآله الأطهار الشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار قدس سره

اشارة

*مشكاة الأنوار في إثبات رجعة محمد وآله الأطهار(1)

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ

وبه نستعين .. الحمد لله الأحد الفرد الصمد ، وصلى الله على محمد و آله العمد .. وبعد فيقول محمد بن عبد علي بن محمد بن عبد الجبار :

قد سألني بعض الإخوان العارفين في كتابة رسالة في رجعة محمد وآله، كما ورد به النص عنهم علیهم السلام،مشفوعاً بالدليل العقلي على ذلك،وحيث لم أكن أهلاً لذلك لم يحسن لي الدخول في هذا المرام والولوج في هذا البحر الطمطام، ولكن لشدة إلزامه وتكرره أجبته بميسوري، ولا يسقط بالمعسور « وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ»«سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»(2)

فاستعنت بأهل الحكم والحكم ومعدن العلم وهداة الأمم في البدء و الختم، وجعلتها تحفة لصاحب العصر والثاني عشر،عليه وعلى آبائه أفضل السلام ، وسميتها ب ( مشكاة الأنوار في إثبات رجعة محمد وآله الأطهار) (3).

ص: 99


1- صورة عن نسخة مخطوطة في ( مركز إحياء التراث الإسلامي - قم) ،و تاريخ نسخها27 رجب 1344ه ، وأخرى مصورة من مخطوطة ( آستان قدس رضوي - مشهد) وتاريخ نسخها 27 ربيع الآخر 1346ه ، زودني بهما ابن الخال فضيلة الشيخ ضياء آل سنبل حفظه الله .
2- الطلاق (7).
3- في مخطوطة ( آستان قدس رضوي - مشهد ):( وجعلتها تحفةلصاحب العصر والزمان ، عليه وعلى آبائه أفضل السلام ، وسميتها ب (تحفة أهل الإيمان لصاحب العصر والزمان) .

فأقول : اعلم أنا لم نتعرض لدولة القائم وبقائه وثبوت إمامته، اكتفاء بما كتبناه في ذلك وأوضحنا مناره ودفعنا شبهته في محل منفرد، لكن نذكر بعضاً من ذلك مما له التعلق بالرجعة في باب ، وقد تسمى دولته علیه السلام وظهوره بعد الخفاء بالرجعة وبالآخرة أيضاً ، وإن كانت الرجعة حيث تطلق في الأخبار وتراد منها، المراد بها ( الرجوع بعد الموت ) فليس ظهور الإمام الثاني عشر وعوده بعد موت خصوصاً إذا استندت لهم علیهم السلام، كقولهم في الزيارة (الجامعة الكبرى) وغيرها(ويكرفي رجعتكم ويملك في دولتكم ).

وعنهم علیهم السلام(ليس منا من لم يقر برجعتنا)والضمير يوجب التشريك ، ولا رجوع لهم في دولة القائم ، ولا يمكن إرادة حشرهم في الآخرة يوم القيامة كما لا يخفى من هذه النصوص وغيرها. ويقع ذكر ما نريد ذكره في أبواب :

الباب الأول : في قيام الأدلة على صحة الرجعة لبعض زمن القائم ،و ثبوته ودولته ، ودفع الشبه الواردة في ذلك من أهل التشبيه والعناد.
اشارة

ويقع التفصيل في مسائل :

الأولى : في ثبوت الإمام الثاني عشر في هذا الزمن وبقائه وظهوره إذا شاء الله وأذن له :
اشارة

والبحث هنا مع العامة العمياء ، فنقول :

الإمام الثاني عشر القيّم بالأمر في هذا الزمن بعد موت الحسن العسكري، عام الستين بعد المائتين من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله ألف ألف سلام وتحية عدد ما في علم الله، هو:ابنه محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي بن موسى الرضا بن موسى الكاظم بن جعفرالصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين السجاد زین العابدين بن الحسين الشهيد أخي الحسن أبناء علي أمير

ص: 100

المؤمنين عليهم جميعاً السلام، بنص كل سابق على لاحقه نصاً متواتراً، ونص الرسول عليهم جميعا ونزول الوحي بتفضيلهم وتعين أسمائهم في الألواح والصحف وعلى لسان الملك .

وروت العامة تفصيل أسمائهم أيضاً في المعجم وغيره ، أوردنا جملة منه في نقض الزيدية وكتابنا في نقض كتاب لابن تيمية وغيرها من مصنفاتنا و مصنفات الإمامية ، وكذا أحاديثهم المجملة العامة ، وبظهور المعاجز على يد كل واحد منهم ، مع دعواه الدالة على صدق دعواه الإمامة والخلافة العامة .

وجمعت الإمامية مجلدات في إثبات معاجز كل واحد منهم علیهم السلام حتى الثاني عشر،وعرف باسمه وشخصه ودلّ على إمامته وأنه القائم بالأمر والخليفة في حياة أبيه وبعد موته ، لا تختلف الإمامية والشيعة الاثنا عشرية في ذلك ، وأبطلوا خلاف ذلك ، كقول :

1. أن العسكري عقيم . أو

2. أن أبنه مات في حياته . أو

3. مات عن حمل . أو

4. عن ابن ومات أو لا يعرف حاله . أو

5. أن الإمام بعد الحسن العسكري جعفر الكذاب ، أو

6. لم يمت الحسن .

ونحوها من الأقوال الباطلة الحادثة بعد موت العسكري علیه السلام بالسم ، فإن القائلين بإمامته وإمامة آبائه علیهم السلام اختلفوا بعده على أحد عشر قولاً، لم يعينوا في ملل الشهرستاني بأسماء،بل ذكرهم بعقائدهم ، وأكثرها موجودة في الروايات . وكذا ما قيل :

ص: 101

1. أن القائم المهدي الذي يرجع في الأرض ويملأها عدلاً(عيسى)،والذي صحّ عندهم أنه يصلي خلفه ، وأن اسمه اسم محمد صلی الله علیه وآله، وأنه الآن باقٍ في الدنيا، وخلاف ما نقلته السير والروايات . أو

2. أنه العباسي ، أو

3. زيد ، وأنه لم يمت .

وأمثالها من الأقوال المجتثة الساقطة ، وليس هنا موضع تفصيل ذكرها

مع ردها .

الروايات المثبتة وجوده وبقاءه علیه السلام :
اشارة

ولنذكر منها ما يناسب الاختصار مما رووه وأثبتوه في صحاحهم وسننهم وتفاسيرهم وسيرهم . منها :

حديث الثقلين :

عنه صلی الله علیه وآله أنه قال : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض )،وهو مطابق لقوله : (واعتصموا بحبل من الله وحبل من الناس )، وقال تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(1)، وحبلهم حبل الله ولذا أفرد هنا، ويطابقه العقل أيضاً.

فحكم فيه بعدم التفرقة وغيّاه بورودهم عليه الحوض، فلابد من شخص من العترة كذلك، ويدخل هذا الزمن، ومن يكون كذلك لا يكون إلا معصوماً، وليس من ادعي فيه غير ما تقوله الاثنا عشرية كذلك، ولا يمكن نفيه وإبطال ما تواتر فيكذب به، والقرآن موجود مستمر فيستمر قرينه ولا يفارقه.

ولا ينافي ذلك ما في بعض الأحاديث (وسنتي) بدل (عتري)، إذ للعترة سنة ولا معنى للتمسك بهم إلا بعترتهم وسنتهم، وليس إلا الاثناعشر

ص: 102


1- آل عمران ، 103.

والزهراء عليهم السلام،وأفردت هذا الحديث في مجلد كبير أوضحت بعض ما اشتمل عليه من المسائل وما يبطل مذاهب أهل الضلال(1).

حدیث ( علي مع الحق ...):

ومنها : ما رووا عنه صلی الله علیه وآله : ( علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار ) وفي آخر (مع الحكمة)، ومن أسماء القرآن أيضا (الحق) و (الحكمة)(2). وإذا كان الحق معه علیه السلام فإذا مات لابد وأن يقوم بدل مثله معه ، وإلا ارتفع الحق بعد موته وهو محال، فهو ابنه الحسن، وهكذا ننقل الكلام إلى الحسن العسكري، والقائم المهدي بعده، وهكذا طول هذا الزمن حتى ينفخ في الصور .

حديث ( الأئمة اثنا عشر من قريش):

ومنها : ما اتفق عليه الكل عنه صلی الله علیه وآله: ( الأئمة اثنا عشر من قريش ) وفي آخر ( ما زال الدين عزيزاً أو ( قائماً ) ما وليهم اثنا عشر من قريش ) و بعض أحاديثهم( لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة ) وفي

ص: 103


1- ناقش العلماء رواية ( وسنتي )وأثبتوا ضعفها،ومن ذلك ما قاله العالم السني السيد حسن بن علي السقاف في كتابه (صحيح صفة صلاة النبي صلی الله علیه وآله ) : الحديث الثابت الصحيح هو بلفظ ( وأهل بيتي) والرواية التي فيها لفظ (سُنَّتي) باطلة من ناحية السند والمتن ... وبعد أن ناقش السند وأثبت عواره قال : ..فتبيَّن بوضوح أنَّ حديث(كتاب الله وعترتي)هو الصحيح الثابت في صحيح مسلم، وأنَّ لفظ ( كتاب الله وسنَّتي) باطل من جهة السند غير صحيح، فعلى خطباء المساجد والوعَّاظ والأئمَّة أن يتركوا اللفظ الذي لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه( وآله) وسلم وأن يذكروا للناس اللفظ الصحيح الثابت عنه عليه (وآله) الصلاة والسلام في صحيح مسلم (كتاب الله وأهل بيتي) أو (وعترتي) ..
2- فقل للعامة العنادية وقت انفرادعلي عنهم كما رروه بعد موت الرسول صلی الله علیه وآله : لابد أن يكون الحق مع علي لا معكم.

آخر ( حتى يقاتل آخرهم الدجال ) .

ومعلوم أن عز الدين وقوامه لا يكون إلا بأئمة الهدى، لا بأئمة الجور و الدعاة إلى النار، وكذا مطابق الحق ومن هو معه لا يصح أن يخالفه حتى سهواً وغلطاً، فلابد من شخص كذلك حتى تقوم الساعة أو يقاتل الدجال، وهو الثاني عشر.

حديث ( النجوم أمان لأهل السماء ... ):

ومنها: ما رواه غير واحد من علمائهم في كتب الفضائل وغيرها عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال : ( النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ... إلخ).

والمراد بالأهل المعنى الخاص،كما دلّ عليه حديث الكساء وحديث الثقلين وغيرهما، وبدليل وصفه بالأمنيّة المقتضية لكونه الأعلم الأفضل المحيط بالقرآن ولا ادعى أحد من الخلق الإحاطة،ولابد من استمراره،ومتى ارتفع ارتفعت الأمنيّة ، فيفني العالم ، وليس كذلك ، فدلّ على بقاء شخص و استمراره .

حديث ( من مات ولم يعرف امام زمانه ...):

ومنها : ما رووه في الجمع بين صحيحيهم وغيرها عنه صلی الله علیه وآله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) وفي آخر ( ميتة نفاق )ولا يمكن كونه القرآن ولا السنة ولا سلطان الجور،لوجوه كثيرةسبق بعضها، فتعين كونه كما نقوله، ونرجع معهم في تعيينه في هذا الزمن، و ينتهي التحقيق إلى ما تقوله الاثنا عشرية .

حديث ( ليلة أسري بي ...):

ومنها : ما رواه إمامهم الأعظم أخطب خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه، قال: حدثا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين ابن محمد البغدادي، فيما كتب إليَّ من همدان، قال : أبلغنا الإمام

ص: 104

الشريف نور الهدى الحسن بن محمد الزيني،قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، قال : حدثنا علي بن سنان الموصولي عن أحمد بن محمد بن صالح، عن زيد بن جابر عن سلامة، عن أبي سليمان راعي رسول الله صلی الله علیه وآله ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول :

(ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله :«ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَیهِ مِن رَبِّهِ»فقلت:«وَألمُومِنُونَ»قال: صدقت يا محمد ، من خلّفت في أمتك؟ قلت: خيرها قال: علي بن أبي طالب علیه السلام ؟ قلت : نعم . قال : يا محمد إني اطلّعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، وشققت لك اسماً من أسمائي فلا أذكَر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي،یا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن لم يقبلها كان من الكافرين، يا محمد .. لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يكون كالشن البالي ثم أتاني بغير ولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم. يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب . فقال : التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ...و عددهم إلى محمد بن الحسن المهدي، في ضحضاح من نور قيام يصلون وهوفي وسطهم - يعني القائم المهدي - كأنه كوكب دري بينهم، فقال : يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي . (1)

ص: 105


1- ينابيع المودة ،160/3 ، ط بيروت ، مع اختلاف يسير.
حدیث ( من أحب أن يتمسك ...):

وروى محمد بن إبراهيم الحمويني - من علمائهم - في كتاب (فرائد السمطين) قال: أنبأني الإمام السيد نسابة عهده ... ،إلى أن قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ( من أحبَّ أن يتمسَّك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتدِ بعلي بن أبي طالب علیه السلام ولیُعادِ عدوَّه، وليوالِ وليَّه، فإنه وصیَّي وخليفتي على أمتيَّ، في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كل مسلم، وأميركل مؤمن بعدي، قولُه قولي، وأمرُه أمري، ونهيُه نهيي، وتابعُه تابعي ...) ثم أخذ في نحو ذلك(1) إلى أن قال صلی الله علیه وآله : (والحسن والحسين إمامان بعد أبيهما وسيّدا شباب أهل الجنة، أمُّهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيد الوصيَّين،ومن ولد الحسين تسعة أئمة،تاسعهم القائم من ولُده، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ... إلخ(2).(3)

حدیث ( قدم يهودي ...):

وروى الحموي قال أنبأني الإمام صدر الدين محمد بن أبي المكرم حتى انتهي في السند إلى ابن عباس، قال : قدم يهودي على رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: إني أسألك عن أشياء في صدري إن أجبتني أسلمت . فقال : سل . إلى أن قال في سؤالاته: فأخبرني من وصيك ؟ فما من نبي إلا وله وصي ، وإن نبينا أوحى إلى يوشع .

ص: 106


1- ( .. وناصرُه ناصري، وخاذِلُه خاذِلي ثم قال صلی الله علیه وآله: مَن فارق علياً بعدي لم يرني ولم أرَه يوم القيامة، ومَن خَلَف عَلياً حرَّم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار ، ومَن خَذَل علياً خذلَه الله يوم يُعرض عليه، ومَن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه، ولقِّنَه حجَّته عند المسألة..).
2- تمام الحديث في المصدر :(...إلى الله أشكو المنكرين لفَضلهم، و المضيِّعين لحُرمتهم بعدي ، كفى بالله ولياً وناصراً لعترتي وأئمة أمتي، ومنتقماً من الجاحدين حقّهم، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون).
3- فرائد السمطين ، ج1 باب5 ص42

ص: 107

إلى غيرها مما روته علماؤهم كالحموي والمغازلي وصاحب السنن و الكفاية وغيرهم ، أعرضنا عنه اختصاراً واستعجالاً.

تنبیه:

ولا يتحرك وهمك الشيطاني ويأخذك التعصب ، وتقول : كيف يروون هذه الأحاديث وغيرها ولا يعملون بها ؟ قلنا : بعدما أوقفناك عليها وعلى مواضعها ، لا مجال لك إلا التسليم والحكم عليهم بالعناد، وقد أخبر الله من قوم بقوله :«يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا»(1)«وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ» إلى قوله: «وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2)«وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ»(3)«وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ»(4) وحجته غالبة حتى على لسان الجاحد، ومثله موجود على ألسن المنكرين،ودأبهم تغطية الحق بالشبهات والأباطيل .

وابن عربي من علمائهم في فتوحاته أثبت المهدي وظهوره ودولته ونزول عيسى، وهو من عظمائهم ، وكذا غيره ، وإذا أثبتوه وأنه سيأتي فما المانع من إثباته الآن؟! وإن كان مستوراً فالحاجة له موجودة ، وهو أتم للوجود ولا مانع منه مع ثبوت ولادته،وعرفناه كغيره في هذه الأزمان من الماضين، كالرسول وغيره بالنقل المتواتر ، وله زيادة أيضا فتدبر .

ص: 108


1- النحل ، 83
2- آل عمران ، 78
3- الأنعام ، 111
4- التوبة ، 32
خاتمة:
اشارة

*خاتمة(1)

لا يخفى على طالب الحق المنصف صراحة ما سبق ويأتي من الآي و الروايات المتفق عليها بين الفريقين، صراحتها في بطلان ما زعمته العامة من أن النبي صلی الله علیه وآله لم يوصِ إلى شخص بعينه، ولما يعين خليفة للأمة، بل تركهم واختيارهم، وما كانت سنة الله الجارية التي خلت في رسله کذلك، وما كان صلی الله علیه وآله يقول بما لا يعمل، ويأمر غيره بالوصية ويحثها على المال والأطفال ويعمل بخلافها في الأشد حاجة .و العالم إلى يوم القيامة يعلم بحالهم من البعثة ثلاثة وعشرون سنة ، عشر منها في مكة لم تظهر دعوته فيها وقال في كتابه الذي به أتي :«وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ»(2)، ولو كان ما كان إلا الفساد وفاتت الغاية من البعثة ، وأين الخلق وتحصيل هذا الشخص إنه لمن المحال، وبداهة النظر أغنت عن بسط المقال وبالله المستعان وعليه التكلان .

ثم لا يخفى صراحة هذه الأحاديث فيما نقول، ونحن وإياهم متفقون عليها، وكذا ما ماثلها، وموافقة للكتاب والاعتبار والاحتياط العقلي، ولا معارض لها إلا ما أدعوه من بيعة السقيفة واختيار الأمة، والله يقول :«مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (3) ، وقال :«وَلَوِ أتَّبَعَ ألحَقُّ أَهوَآءَ هُم... الآية »وغيره كثير فلم يبق إلا العناد المجرد ، وتبع الآباء فيما هو متضح المنار ، فتأمل واتبع الهدی .

الآيات المثبتة وجوده وبقاءه علیهم السلام :
اشارة

وأما الآيات الدالّة على ذلك فكثيرة من ظاهر القرآن وبطونه .

ص: 109


1- هذه الخاتمة ليست موجودة في مخطوطة(آستان قدس رضوي - مشهد ) .
2- هود ، 88
3- القصص ، 68
قوله تعالى :«وَإِذ قَالَ رَبُّكَ ...»؛

كقوله تعالى :«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ..الآیات»(1)

فأخبر الله أنه يريد جعل خليفة في الأرض، فهي غاية الخلق، فهو قبله ومعه وبعده، وعبّر أيضاً بجاعل والخليفة تعمّ النبي ووصيه، فلابد وأن يكون في كل وقت خليفة له، وبيّن تعالی صفاته،فإنه معلم الأسماء، و سجدت له الملائكة، وأنه شخص من بني آدم.

قوله تعالى :«سُنَّةَ أللَّهّ فِي الَّذِینَ...»:

وكقوله تعالى :«سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»(2)وسنته الجارية في خلقه : أنه متى مات رسول قام وصي بعده .. وهكذا حتى يظهر النبي الآخر،فيجب في خاتم الرسل كذلك، بل هو فيه بطريق أولى وأحق،فيجب استمرار الوصاية منه بما يسدمسده، حتى تقوم القيامة، ويكون بنص منهوغير ذلك، فإنه الخاتم .

قوله تعالى :«قُل فَلِلَّهِ ألحُجَّةُ...»:

وكقوله تعالى : «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(3)و «رُسُلًا مّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ الرُّسُلِ»(4) و «لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا» (5).

ص: 110


1- البقرة ، 30
2- الأحزاب ، 62
3- الأنعام ، 149
4- النساء ، 65
5- طه ،134

ومعلوم أنه إذا مات الخاتم وأفضل الرسل، ولم تستمر الخلافة والحافظ للشريعة إلا إلى سنة الستين بعد المائتين،لزم علو حجة الخلق على الخالق، ولزم إضاعة من في الأصلاب (أكثر زمان البعثة بكثير)(1)، فالكتاب والسنة بغير ناطق معهما لا ينفعان مع تجدد الأحكام، وإلا كفيا قبل، وليس كذلك إجماعاً ونصاً. والحاجة إلى الإمام فيما هو أعظم وأعمّ من الأحكام الشرعية ، والقرآن أيضاً يحتمل وجوهاً، ولهذا تستدل به كل فرق على ما تهواه ، ولا يميز الحق من غيره ولا يدفع عنه الشبه والتحريف إلا الناطق بالحق.

قوله تعالى :«إِنَّا أَنزَلتَهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ ... »:

وكقوله تعالى : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ 2 لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ3 السورة»و قال تعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ 4 أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا»(2)

وليست هذه بمنسوخة ، ولا يجوز أن تنزل الملائكة إلا على شخص من بني آدم في الأرض ، ولا يكون إلا معصوماً ،لأنه محل بيان الأحكام التي تتجد تلک السنة فیما یزلمه في نفسه وأمة، ولا کتاب بعد هذا الکتاب.

فلابد من وقوع مصدوق هذه الآي واستمراره ، ولم يدّع ذلك مدعٍ من الفرق فيشخص منهم وإنكار ليلة القدر واستمرار ما تضمنته يبطله العقل والنقل المتفق عليه، كما أوضحناه في شرحنا على أصول الكافي وغيره .

قوله تعالى :«إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ...):

وكقوله تعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(3)

ص: 111


1-
2- الدخان ،4-5
3- الرعد، 7

حَكَم ظاهرها المحكم بأنه صلی الله علیه وآله المنذر وأن لكل قوم هادّ بعده صلی الله علیه وآله ، فلابد من وجود هادٍ لكل قوم، ومنهم أهل هذا الزمن، بل وجوب وجوده فيه بطريق أولى، ومعلوم أنه لا يمكن كونه القرآن لما عرفت ، ولدلالة ظاهر الآيةعلى تعدد الهادي ، وللدلالة على أنه ناطق والقرآن صامت .

ولا يمكن أيضاً كونه الموجود من السنة،وهو سواد في بياض يحتمل وجوها تنافي الدلالة بحسب السند والمتن ، ولا الإجماع بما تزعمه العامة وتريد منه ، وهو ظاهر من وجوه، وبمعناه عند الإمامية يوجب ثبوت معصوم في كل زمن ، مع أنه لم يوضح جميع ما تحتاج إليه الأمة ، مع عدم المسدد الناطق ، وكذا السنة والكتاب .

قوله تعالى :«... وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ»

وكقوله تعالى :«وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(1)وأمثالها في القرآن كثير .

والنذير يشمل الوصي بالمعنى الأعم ، فإنه نذير وهاي بالنبي التابع له ، القائم بشريعته ، وأمة الرسول صلی الله علیه وآله بعد الحسن العسكري أكثر مما مضى من أمة الدعوة زمن الظهور حتى يأتي بالفتح ، وإضاعتهم قبيح عقلاً ونقلاً، مكذب للكتاب والسنة المتفق عليها .

قوله تعالى :«...وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»

وكقوله تعالى :«وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(2)

أمر تعالى بالكون معهم، وليس إلا بمعنى الاقتداء بهم والتأسي في كل وقت، ولا ناسخ لهذه الآية بل مستمر حكمها، و (الصادقين) جمع(صادق) وهو المطابق للواقع في جميع اعتقاداته وأقواله وأفعاله وجميع حالاته، ولا يكون إلا شخصاً معصوماً حتى عن السهو والغلط، فهما غير مطابقين

ص: 112


1- فاطر،24
2- التوبة ،119

وواقعان عن قصد وعمد، وإن سقط إثمهما عن الأمة، وكثير من العامة كالرازي قال في الآية بدلالتها على استمرار معصوم ، لكن احتمل فيه كونه الإجماع،مع أنهم يقولون باختصاصه بالصدر الأول،وبعده ليس إلا المنقول، ولا يجري في الكل،وظاهرها أنها أناس معصومون،ولكون حكمهم وطينتهم واحدة جمعهم، فتدبّر لما طويناه اختصاراً.

قوله تعالى :«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ... »:

منها قوله تعالى :«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(1)

وقوله «کُلِّ أُمَّةِ»عامٌ لكل وقت من زمن آدم إلى يوم القيامة، فلابد وأن يوجد في كل وقت شاهد على أهل وقته، ومنها هذه الأوقات، ومعلوم أن الشاهد لابد من حضوره واطّلاعه على الفعل والقول، ولا يصح كون ذلك في القيامة، فإنه يوم أداء وجزاء لا محل تحمل كما لا يخفى، ولا يصح أن يراد من قوله «وَجِئنَابِکَ» رجوع الضمير لمحمد صلی الله علیه وآله وأن المشهود عليهم جميع أمته، فقد مات صلی الله علیه وآله، فهو شاهد على الأمة وهم الشهداء، وإمام كل وقت شاهد على أمته، ولا يمكن القول بخلو الزمن من بعد العسكري وبعد الرسول من شاهد، فيلزم تكذيب الكتاب ولزوم الإهمال والعبث في الوجود ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وبيان وجه الدلالة على المقصود من قوله تعالى :«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(2)ظاهر من ذلك لا مرية فيه .

ص: 113


1- النساء ، 41
2- الإسراء ،71
قوله تعالى :«...وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»:

*قوله تعالى :«...وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»: (1)

ومنها قوله تعالى : «وَیَتلُوهُ»أي محمد صلی الله علیه وآله«شَاهِدٌ مِنَهُ» ، وهو علي بن أبي طالب علیه السلام ، فهو الأقرب إليه نسباً وعلماً وفضلاً ... إلى باقي الصفات من جميع الخلق طراً ، كما صحّ نقله عند الفريقين أنه قال صلی الله علیه وآله :( أنا مدينة العلم وعلي بابها )،فباب المدينة الأقرب، ولا يكون لها باب آخر وإلا بطل الحصر فيها ومدحه به ، نعم يكون له بالنسبة لغيره أبواب .

ونقول إذا كان هذا الحال بالنسبة إلى ما بعد الرسول ، ما ذاك إلا الشدة الحاجة وعدم الغناء عن البدل، فمتى مات علي قام بدل منه شاهدعلى الأمة كذلك وهكذا بعده (الحسن ثم)(2) الحسين ثم السجاد ثم الباقر ثم الصادق ثم الكاظم ثم الرضا ثم الجواد ثم الهادي ثم العسكري ثم محمد القائم المهدي، فلا يصحّ رفع العسكري وموته إلا بوجود شاهدبدله بعده يتلوه منه علیه السلام ، بل هو فيما يتأخر أولى وأوجب مما تقدم، لكثرة الخلاف وبُعد الزمن وكثرة الشبه.

ولا يمكن تحقق ما سمعت من الصفات التي تضمنتها الآي والنصوص في القيّم على الخلق خليفة الله وووليه على عباده غيرهم علیهم السلام وإلا لزم بطلانه، لعدم تحقق صفة منها في واحد من الثلاثة وسائر الأمويين و العباسيين وساير أولاد الحسن والحسين وأعقابهم، غير الأحد عشر علیهم السلام نسل علي علیه السلام ، فلو أخذنا في بيان ما فيهم من النقص المخرج لهم عن رتبة الإمامةخصوصاً الثلاثة لاحتجنا إلى مجلدات، فيما لا ينكره الخصم، ذكرنا بعضاً منه في مصنفاتنا متفرقاً .

ص: 114


1- هود ، 17
2- في النسختين : ( وهكذا بعده الحسين ثم السجاد ) ، والبيّن أن فيها سقطا من النساخ.
قوله تعالى :«وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا...»:

وكقوله تعالى :«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(1) فنسب تعالي الجعل له كما قال فيما سمعت : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(2)والرسول لا يدخل في الأمة لذكره بعد ، ولا يصحّ عموم الأمة لأمة الإجابة فأكثرهم فسّاق ، وقال صلی الله علیه وآله : ( تفترق أمتي على نیّف وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقي هالك ) وقال تعالى : «أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»(3)وقال تعالى :«تِلکَ ألرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَی بَعضٍ»إلى أن قال « وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ»(4) وغيرها من السنة كثير اتفق الكل على نقله وصحته ، مما يدل على كفر كثير من أمته ونفاقهم، والفسق أكثر بكثير مع وصفهم بقوله ( وسَطَا ) والوَسَط العدل، ولم يقيد بالاعتقاد أو الفعل أو القول أو العمل، مع علم المتكلم بذلك، والمقام مقام تمدح فتعمّ العدالة جميع حالاتهم .

فالمراد بعض الأمة الموصوفون بهذه الصفة، بل هم كل الأمة وهم المعصومون كما نقول،فهذا معناها ، وكذا وصفهم بأنهم شهداء على الناس ، أي جميع الخلق ، لأنهم المرجع عوداً فكذا في البدء ، ويكون الرسول صلی الله علیه وآله الشاهد عليهم علیهم السلام أو على الكل بواسطتهم.

فإذاً في هذا الزمن معصوم منهم علیهم السلام حي موجود شاهد يراناويعرفنا،

ص: 115


1- البقرة ،143
2- البقرة ، 30
3- آل عمران ، 144
4- البقرة ، 253

وقد نراه ولا نعرفه ، وستعرف بيان وجه ذلك وبعض ما فيه من الحكم ، فتدبّر.

ولو أخذنا في نقل الآيات الدالة على وجوده علیه السلام في هذا الزمن من ظاهره وبطونه،وكذا رواياتهم المصرحة بذلك لاحتجنا إلى مجلد كبير ضخم ، ولا ناتي عليها، وفيما حصل كفاية للفطن المنصف ، والعاند لا يرجع ولو تأتيه بكل آية ، كما قال الله تعالى(1).

الأدلة العقلية:

وأما الأدلة العقلية الدالة على وجوب وجوده في هذا الزمن واستمراره و قيامه بما يأمره الله تعالى، فكثيرة بحسب الحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن ، وهي الطرق العقلية الدالة على المطلوب، والتي أمر الله نبيه في كتابه بالدعوة بها ، فقال تعالى : ولنذكر هنا جملة« ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(2)وقال تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ»(3) ولنذكر هنا جملة من ذلك كافية ...(4)

في الخاتمة:

*في الخاتمة:(5)

وعمدة ما استدل به المانع(6):ما في الإكمال عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين علیه السلام : ( عهد إليَّ حبيبي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله وهو مما

ص: 116


1- إشارة إلى الآية 145 من سورة البقرة: «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ»
2- النحل ،125
3- الحج ، 8
4- ثم أخذ الشيخ في ذكر الأدلة العقلية .
5- المانع : من تسميته الإمام المهدي علیه السلام باسمه ( محمد ) كما يتضح من الآتي .
6- من هنا خاتمة الكتاب

استودع رسوله صلی الله علیه وآله)، ومنه في آخر ( ولا يحل لكم تسميته ) وفي آخر (ولا يسميه باسمه إلاكافر) ومنه( ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وكنيته .. الخبر) وفي عيون أخبار الرضا علیه السلام ( لا يحل لكم اسمه، ولكن قولوا الحجة من آل محمد ) وفي الإكمال وغيبة الطوسي وكفاية الأثر مثله، وفي مختصر الشيخ حسن بن سليمان ( ولا يحل ذكره باسمه ).

فهذا دليل ، إلا أن دليل الجواز أكثر وموافق للاعتبار وللقرآن ، مثل قوله تعالى :«وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»(1)ونحوها كثير ، وهم أسماؤه الحسني وأمثاله العليا ، كما وردت به النصوص وقام عليه صافي الاعتبار . وهذه الروايات محمولة على وقت الخوف ، فلا يعين اسمه وإلا وقع الطلب وخيف ولو على السائل، ولا محذور بقول سيظهر المهدي، فإن العامة تثبته، ولا يخص باسم.

والمانع ظاهره التخصيص باسم (م ح م د)،وليس فيما سمعت التخصيص، ويدل على هذا التخصيص وأنه من الخوف لا من الاستبعادات الوهمية والعلل المستنبطة كما قيل ، ما في الإكمال بسنده عن ابن عاصم الكوفي ، قال : خرج في توقيعات من صاحب الزمان علیه السلام( ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس ) ومنه : عن محمد بن عثمان العمري ، خرج توقيع بخطه أعرفه : ( من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله) وفي الكافي : علي بن محمد عن أبي عبد الله الصالحي قال سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد علیه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان ، فخرج الجواب ( إن دللتهم على الاسم أذاعوه،وإن عرفوا المكان دلّوا عليه ) وفي الإكمال : عن العمري، إلى أن قال للسائل عن الاسم (إياك أن تبحث عنه

ص: 117


1- الأعراف ، 180

فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع)وفي غيبة النعماني بسنده عن الباقر علیه السلام إلى أن قال : فماذا تريد يا أبا خالد ؟ قال : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه،قال علیه السلام(سألتني عن سؤال مجهد،ولوحدثت به أحداً لحدثتك به ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة .

بیان :

لا خفاء في دلالة بعضها على أنه وقت الطلب والحرص عليه، وهو في الغيبة الصغرى بقرب موت أبيه أو في مجلس تقية كالمحافل ، وكثيرما يراد بالناس العامة،فيخص ما سبق بذلك وهو كذلك،ولا يخص بالغيبة الصغرى ،بل مداره حصول التقية ولو خوف السب،وإن كان هذا في الموطن السابق أشد والحكم يتوجه إلى القيد عقلاً ونقلاً وعليه العلماء .

هذا ما أراد الله رسمه ، في إثبات الرجعة لهم مع بعض اللواحق،ولا خفاء على الفطن المنصف أنها بما سمعت كانت من ضروري المذهب ، إن لم تكن من ضروري الدين ، وأنها في الوضوح كساير مسائل المعاد ، إن لم تكن أوضح، ولا توقف لسامع له فيها إذا لم يكن معانداً،و لا كالحيوان المعلّم كلاماً يفعل به ولا يعقله ، ولا جامد مقلد لكلام سمعه، ولا يقبل غيره ولو تأتيه بجميع الآيات .. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

ص: 118

إرشاد البشر في شرح الباب الحادي عشر الشيخ سليمان آل عبد الجبار قدس سره

اشارة

*إرشاد البشر في شرح الباب الحادي عشر(1)

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ

معجزة :

*معجزة (2)

وأما الخلف الحجة القائم علیه السلام، فمعاجزه أكثر من أن تحصى ، وسأذكر معجزة منها ، وهي : أنه روي عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني ، قال : كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار ، فضقت بها ذرعاً ، فقلت في نفسي:لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين ديناراً، وقد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولم أنطق بها، فكتب إلى محمد بن جعفر : ( اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه)(3).

إرشاد إلى هداية وإنقاذٌ من غواية:

أعلم أنه حيث أدّي بنا الكلام إلى هذا المقام فلا بأس لو أرخينا زمام الأقلام، وأوردنا ما يدلّ على إمامة الحجة علیه السلام؛ لافتقار الناس إليه في هذا الزمان.

ص: 119


1- نسخة حروفية قيد التحقيق ، لدى مؤسسة طيبة لإحياء التراث .
2- آخر بحث الإمامة،حيث كان كلامه حول الدليل السادس على إمامتهم علیهم السلام، وهو : أنهم ادّعوا الإمامة وظهر على يدهم المعجز، وكل من كان كذلك فهو صادق،أما دعواهم الإمامة فظاهر،وأما ...(ثم استطرد في ذكر معاجز كل إمام على نحو الاختصار )
3- الكافي 1، 28/524، وفي المخطوط زيادة : الحديث ، وهو مروي بتمامه .

فنقول - وبالله المستعان - : لنا على إثبات إمامة القائم علیه السلام ووجوده في هذا الزمان براهين ناطقة البيان ساطعة التبيان :

الأول:أنه لو لم يكن الإمام علیه السلام موجوداً إلى هذا الزمان لخلا الزمان من معصوم، ولكن التالي باطل، فالمقدم مثله.

أما بيان الملازمة؛ فلأن المعصوم حينئذٍ لو لم يكن هو لكان آباؤه، وقد مضوا إلى دار الرضوان، فلو لم يكن هو لزم خلّو الزمان من المعصوم، وهو محال .

وأما بطلان التالي؛فلأن الإمام لطف، واللطف واجب على الله تعالى كما تقدم .

الثاني : ما روی متواتراً عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال للحسين علیه السلام: ( ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) (1).

الثالث : ما روي عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: أتيت (سر من رأى)(2) ولزمت باب أبي محمد علیه السلام، فدعاني فدخلت عليه وسلمت، فقال:(ما الذي أقدمك ؟)قال:قلت:رقية في خدمتك. قال: فقال لي: (فالزم الدار).

قال فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في (دار الرجال)(3).

قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت، فناداني: (مكانك لا تبرح). فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت عليَّ

ص: 120


1- مقتل الحسين ، الخوارزمي : 7/212، بحار الأنوار 3647/241:، وليس فيه : يملأ الأرض ... وجوراً ، مع اختلاف في باقي ألفاظه .
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( مسامراً ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الدار رجال ) .

جارية معها شيء مغطّي، ثم ناداني:(ادخل)فدخلت،ونادي الجاريةفرجعت إليه، فقال: (اكشفي عمّا معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لُبّته إلى سرّته، أخصر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم). ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد علیه السلام(1).

وهذا الحيدث صريح في إمامته علیه السلام:

وقد حكي أن عمره وقت وفاة أبيه ثلاث سنين؛ولهذا اعترض الخصوم فقالوا :إذا كان عمرهثلاث سنين على ما تزعمون،فهو لا يقوم بأعباء الإمامة، فكيف يكون إماما؟

وما علموا أن عيسى بن مريم قام بالنبوة والرسلة وهو ابن ثلاث سنين(2)،و كان حجة على الناس وهو في المهد، وقام يحيى بن زكريا بالنبوة وهو ابن سبع سنين(3) . على أنا قدَّمنا في النص على أبي جعفر الجواد علیه السلام ما يكشف لك عن هذا الالتباس.

الرابع : ما روي من طريق العامة في حديث طويل عن النبي صلی الله علیه وآله ، قال فيه:(ومنّا سبطا هذ الأمة، وهما ولداك الحسن و الحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما - والذي بعثني بالحق-خير منهما، وإنّ منهما مهدي هذه الأمة )(4)والحديث طويل، اقتصرنا منه على موضع الحاجة.

ولعل قائلاً يقول: إن هذا مخالف لما عليه الشيعة الإمامية، فإنهم ذاهبون

ص: 121


1- الكافي ،514:1-2/515، الغيبة (الطوسي) : 202/233، بحار الأنوار52 : 26-21/27 ، باختلاف يسير فيها .
2- الكافي ،10/321:1
3- بحار الأنوار ، 16/179:14
4- ذخائر العقبي :136 ، ينابيع المودة 2: 608/210، باختلاف فيهما.

إلى أن القائم من ولد الحسين علیه السلام ، والحديث يدل على أنه من ولدهما.

فنقول: لا نسلم المخالفة، بل هو موافق لمذهبهم، وتوجيه كونه منهم: أن الباقر علیه السلامجده، وقد كانت أم الباقر(أم)عبد الله (بنت)(1) الحسن بن علي بن أبي طالب،فيكون الحسن جد الباقر،والباقر جد القائم، فيكون الحسن جد القائم علیه السلام، فيكون حينئذ منهما، ولا منافاة.

کشفٌ وحلُّ وبيانٌ لما يخفى على كثير من ذوي الأذهان :

اعلم أنه قد استعظم أقوام غيبة إمامنا القائم المهدي علیه السلام، حتى إنه منعهم ذلك عن إثبات وجوده في هذا الزمان، ولعلهم يقولون:

الإمام إذا كان لطفاً يجب عليه الظهور؛لتسديد الخطأ وإظهار الحق و غير ذلك، وهو لا يحصل إلا بظهوره(2).

وحينئذٍ فنقول لهم : التخلص من هذا ممكن؛ لوجوه:

أحدها:أنّا لمّا أثبتنا عصمته أغنانا ذلك عن التعليل،فإنّ أفعال المعصوم لا تُحمل إلا على الصحة.

الثاني : أن التسديد واقع بغيبته أيضاً؛ لأن المكلف يجوّز ظهوره فيرتدع

عن المعصية خوفاً من معاقبته له عليها.

الثالث : أن الإمامة لمّا كانت لطفاً،و اللطف واجب على الله تعالى ، فليس الواجب عليه إلا خلقه وتمكينه وقد فعل، وليس الواجب على الإمام إلا تحمل أعباء الإمامة وقد فعل،وقد بقي ما يجب على الناس- وهي نصرته - ولم يفعلوا، وإخلالهم بما (يجب)(3)عليهم ولا يستلزم شيئاً من

ص: 122


1- في المخطوط : ( بنت عبد الله بن ) بدل ( أم عبد الله بنت ) ، وما أثبتناه وفن المصدر .
2- شرح المقاصد ، 313:5
3- في المخطوط : ( يوجب ) .

الأولين، وهو في غاية الظهور.

إذا عرفت هذا، فاعلم أن السبب الموجب لغيبته علیه السلام هو الخوف على نفسهالزكية من القتل، كما روي عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله الحسين علیه السلام يقول: (إن للقائم غيبة قبل أن يقوم).قلت:ولِمَ؟قال: (إنه يخاف) و أومأ بيده على بطنه، يعني القتل(1).

وإنما لم يظهر في هذه الأزمنة لقلة الناصر وعدم المعين، فإنه لو حصل له ذلك لوجب عليه الظهور.

وليت شعري،ماذا ينكرون من حال الغيبة،وهي سنة قد جرت على الأنبياء والمرسلين قبله علیه السلام؟!

فقد غاب موسى مدة طويلة، حتى مر على قوم من بني إسرائيل وقد عدل عن مركب فرعون، فعرفه عالم فيهم فانكب على قدميه ورجليه يقبّلها، ففعل القوم به ذلك،فما زادهم على أن قال:(أرجو أن يعجل الله

فرجكم).

ثم غاب عنهم مدة، وخرج إلى مدين(حتى)(2) أذن له في الظهور(3) .

واختفى إبراهيم في زمن نمرود مدة خوفاً على نفسه من القتل،حتى أظهر الله كلمته(4)، وكذا يوسف(5) وصالح (6) وسائر الأنبياء(7) ،

ص: 123


1- الكافي، 9/388:1
2- في المخطوط : ( حين ) ، وما أبتناه وفق المصدر .
3- كمال الدين ، 145- 12/146، بحار الأنوار 7/36:13
4- كمال الدين 137-141 / 7-8
5- كمال الدين ،141-145 / 9-11
6- كمال الدين ،136- 6/137
7- كمال الدين ، 127-136 / 1-5و145-153 / 12-16

(فكما)(1) لا تقدح غيبتهم في نبوتهم، فكذا غيبة الإمام علیه السلام لا تقدح في إمامته .

ويا سبحان الله، كيف ينكرون غيبة القائم علیه السلام و رسول الله صلی الله علیه وآله قد أقام في مكة ثلاثة عشر سنة مختفياً حتى أظهر الله دينه، ودانت له العباد وفُتحت له أقطار البلاد؟! (فكما)(2)أن اختفاءه في تلك المدة لا يقدح في نبوته، فكذا الإمام القائم علیه السلام.

ومما يزيدك وضوحاً في أنه إنما لم يظهر لقلة الأعوان وكثرة الظلم والفساد ما روي عن أبي جعفر علیه السلام، أنه قال:

(إنما نحن كنجوم السماء، كلما غاب نجم طلع نجم،حتى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم غيّب الله نجمكم، فاستوت بنو عبد المطلب، فلا يُدرى أيُّ من أيِّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم)(3) .

ولنختم هذا البحث ببيان أنه لا يجوز ذكر القائم المهدي باسمه علیه السلام كما تظافرت به الروايات، فروي عن أبي الحسن العسكري علیه السلام أنه كان يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف بعد الخلف؟) فقلت: ولِمَ، جعلني الله فداك؟ فقال: (لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكرها(باسمه). فقلت: فكيف نذكره ؟ فقال: ( قولوا: الحجة من آل محمد صلی الله علیه وآله)(4).

وروي عن أبي عبد الله الصالحي، قال:سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد علیه السلام أن أسأل عن الاسم و المكان، فخرج الجواب: (إن دللتهم على

ص: 124


1- في المخطوط : ( فكذلك ).
2- في المخطوط : ( فكذلك ).
3- الكافي ،1: 8/338، الغيبة (النعماني):17/156، بحار الأنوار 51: 7/138، باختلاف يسير فيها .
4- الكافي،1: 332 - 1/333، بحار الأنوار51: 31- 2/32، باختلاف يسير فيها .

الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه)(1).

وفي رواية أخرى عن أبي الحسن الرضا علیه السلام وقد سئل عن القائم علیه السلام ، فقال: (لا يُرى جسمه ولا يسمى باسمه)(2). وكثير من الروايات(3)نص في هذا المعنى.

وقد وقع في نسخة المتن التي عندي ذكره باسمه، وأظنه إنما وقع من

النساخ لا من المصنف، فلذا لم أذكره كذلك.

وهذا آخر الكلام على هذا المقال،وأقصى ما غفت غافية الليالي والأيام، و إلا فميدان هذا البحث الجليل واسع طويل، ولئن يسر الله لنا فُرجةً أملينا كتاباً شافياً في الإمامة،واستقصينا فيه كل منقبة و كرامة، وبالله التوفيق .

ص: 125


1- الكافي ، 1: 2/333، بحار الأنوار 51 : 8/33
2- الكافي ، 1 : 3/333 بحار الأنوار51 : 12/33
3- الكافي ،1 : 322 - 1/333-4 ، بحار الأنوار51 :31- 12/33

ص: 126

مواليد المعصومين علیهم السلام ووفياتهم الشيخ أحمد آل طوق قدس سره

اشارة

*مواليد المعصومين علیهم السلام ووفياتهم(1)

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على باب الجود ومطالع السعود محمد

وآله أمناء المعبود ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. وبعد ..

فيقول الأحقر أحمد بن صالح بن طوق:هذه أوراق قليلة من نفس عليلة، جعلتها هدية الإمام الزمان عجل الله فرجه،تشتمل على أربعة عشر فصلاً ، تكفل كل فصل بتاريخ مولد كل أصل من أفراد جود الله الجواد على جميع خلقه وتاريخ وفاته ، عدا خاتم الأئمة الحجة بن الحسن عجل الله فرجه ، وصبغ نفوسنا بفاضل نوره ، فإنه موجود سهل الله مخرجه .

كتبتها ليتحقق بتحقق موضوعوها للمؤمنين مشاركة السادات المنعمين في الأحزان والمسرات ، فإنه عنوان كمال الحب لامتناع تحققه إلا به ، فهو

البرهان والله المستعان .(2)

ص: 127


1- الرسالة التاسعة عشرة ( مواليد المعصومين علیهم السلام ووفياتهم ) من ( رسائل آل طوق القطيفي)، تحقيق ونشر شركة دار المصطفي صلی الله علیه وآله لإحياء التراث ، ج4 ص133-137
2- اقتصرنا على الفصل الخاص بموضوع الكتاب .

الفصل الرابع عشر : في مولد إمام الزمان الخلف الحجة محمد بن الحسن عجل الله فرجه وفرّج عنابه :

قال الكليني رحمة الله: ( ولد علیه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)(1).

الحسين بن محمد الأشعري عن معلى عن أحمد بن محمد قال : خرج عن أبي محمد علیه السلام حين قتل الزبيري : ( هذا جزاء من افترى على الله في أوليائه ، زعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله ؟) وولد له ولد سمّاه (م ح م د) سنة ست وخمسين ومائتين )(2).

وقال المجلسي في( حاشية أصول الكافي )بعد قول الكليني : ( ولد للنصف من شعبان ) : هذا هو المشهور بين الإمامية ، وروى الصدوق في (إكمال الدين ) بسنده عن غياث بن ( أسيد )(3)أنه علیه السلام ولد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين .(4)

وروى بإسناده عن عقيد أنه علیه السلام ولد ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين .

وقال السيد المرتضى في (عيون المعجزات):(والرواية الصحيحة أن القائم علیه السلام ولد يوم الجمعة طلوع الفجر لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ).

وروي بأسانيد عن حكيمة رضی الله عنه- كما في المتن(5)- يعني أنه كان للنصف من شعبان ، قال : ( إلا أنها قالت : سنة ست وخمسين ، وروی

ص: 128


1- الكافي 1: 541
2- الكافي 1: 1/541
3- من المصدر ، وفي المخطوط ( أسد ) .
4- كمال الدين 2: 12/432
5- أي في قول الكليني المار ذكره .

الشيخ في (الغيبة) عنها سنة خمس وخمسين )(1).

وقال الشيخ : ( روی علان (2) بإسناده أن السيد علیه السلام ولد في سنة ست وخمسين ومائتين بعد مشي أبي الحسن-علیه سلام الله-بسنتين )(3).

وقال المفيد : (ولد علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين ومائتين ، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين ...والأشهر أن اسم أمه (نرجس ) وقيل : ( صقيل ) ، وقيل ( سوسن )(4).

وقال في شرح حديث الزبير المذكور : ( وإنما أتي بالحروف المقطعة لتحريم التسمية ، وقوله ( سنة ست ) يخالف التاريخ المذكور في العنوان ، وقد يتكلف بجعله ظرفاً ل ( خرج )أو(قتل)،وقد يجمع بينهما بحمل أحدهما على الشمسية والأخرى على القمرية )(5) انتهى.

قلت : الظاهر أن كتابة الاسم العظيم حروفاً مقطعة إنما هو من تصرفات الكَتبة أو الرواة ، لاعتقادهم تحريم التسمية ، وإلا فلا دليل على جواز ذكر الاسم بحروف المقطعة دون المتصلة،بل الأدلة منحصرة في مجوّز للتسمية على الإطلاق،أو مانع على الإطلاق ، فالقول بجواز التسمية بذكر اسمه حروفاً مقطعة دون المتصلة تفصيل اجتهادي لا يدلّ عليه دليل أصلاً، لا من نص ولا إجماع ولا اعتبار عقلي ، على أن الحق جواز التسمية في الغيبة الكبرى ، والمنع من إظهارها لغير خواص شيعة آل

ص: 129


1- الغيبة : 204/234
2- علان : هو علي بن محمد بن إبراهيم ، وكان من أمره أنه استشار الإمام في الخروج إلى الحج فنهاه ، فخرج فقتل . انظر ( رجال النجاشي 1):260 - 682/261
3- الغيبة : 212/245
4- الإرشاد :ضمن (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ) 329:2/11
5- مرآة العقول 6: 170 - 171

محمد في الغيبة الصغرى، وعلى ذلك تلتئم الروايات ويرتفع تنافيها،وليس المقام مقام بيان المسألة .

رجع:

وقال أبو جعفر الطبري :( وكانت الليلة التي ولد علیه السلام فيها ليلة الجمعة لثماني ليالٍ خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين )(1).

وقال الشيخ في( المصباح ):( وفي هذه الليلة-يعني:ليلة النصف من شعبان - ولد الحجة الصالح صاحب الأمرعلیه السلام )(2)

وقال البهائي :(الخامس عشر من شعبان :فيه ولد الإمامأبو القاسم محمد المهدي صاحب الزمان علیه السلام ، وذلك ب ( سر من رأي ) سنة خمس وخمسين ومائتين ).

وقال بعض مؤرخي أصحابنا:(ولد ب(سر من رأى )ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنة خمس وخمسين ومائتين ).

ثم قال : ( ومقدار ما مضى من عمره مائتان وأربع وخمسون سنة ، لأنه ولد سنة خمس وخمسين مائتين،وتاريخ اليوم سنة تسع وخمسمائة ، كان منها مع أبيه أبي محمد علیه السلام خمس سنين ).

ثم قال :(وأما وقت وفاته فهو يكون قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج ، وعلامته خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء ، ويغلق باب التوبة ، ويسقط التكليف ، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ).

قات: لعله أراد بالأربعين اليوم: أياماً غير (الأيام) المعهودة، أو لعله يرى أنه علیه السلام آخر من يرفع من أهل البيت بعد الرجعة ، فإن أراد الأول أمكن

ص: 130


1- دلائل الامأمة :501
2- مصباح المجتهد :773

تصحيحه بوجه، وإن أراد الثاني ففيه نظر ، والله العالم .

وقال الطبرسي في( إعلام الوری ) : (ولد ب (سر من رأي ) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ،روى ذلك محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن محمد علیهما السلام ، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين)(1).

وقال المفيد في ( الإرشاد ) : ( كان مولده علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وأمه أم ولد يقال لها نرجس)(2) .

وقال في(مسار الشيعة ):( وفي ليلة النصف منه -يعني:شعبان-سنة أربع وخمسين ومائتين كان مولد سيدنا صاحب الزمان علیه السلام)(3).

وقال الشهيد في( الدروس ):الإمام المهدي الحجة صاحب الزمان أبوالقاسم محمد ابن الإمام أبي محمد الحسن العسكري ، عجّل الله فرجه ولد ب ( سر من رأى ) يوم الجمعة ليلاً، وقيل : صبح (4)خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين مائتين ، أمه نرجس ، وقيل مريم بنت(زید العلوية )(5)) (6).

وقال الكفعمي : محمد أبو القاسم الخلف المهدي علیه السلام ، ولد ب (سر من رأی) في الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين مائتين ، في زمن

ص: 131


1- إعلام الوری بأعلام الهدی :293- 314
2- الإرشاد ضمن ( سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد )2/11 : 339
3- مسار الشيعة ( سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ) : 61:7
4- في المصدر ( ضحی)
5- من المصدر ، وفي المخطوط بياض .
6- الدروس 16:2

المعتمد ، أمه نرجس أم ولد ، يموت يوم الجمعة بالمدينة )(1).

وقال الشيخ عبد الله بن صالح : ( الإمام القائم المهدي علیه السلام ولد ليلة النصف من شعبان ليلة الجمعة،وقيل:الضحى منه سنة خمس و خمسين مائتين،والأصح الأول ، فإن الرواية به مأثورة والأقوال به مشهورة ) انتهى.

وبالجملة:فالأظهر الأشهر أن عام مولده الذي عمّت بركته الخلائق إلى يوم الدين هو الخامس والخمسون بعد المائتين ، وروايات السادس والخمسين يمكن ردها إليه بنوع عناية ، وأنه ليلة النصف من شعبان قرب طلوع الفجر،بل لا يبعد تحقق الإجماع المشهوري على ذلك في كل زمان،و الظاهر تحقق الإجماع الآن عليه ، وأنه ليلة الجمعة .

وأما عام شهادته فالله أعلم به ، حيث بطل التوقيت لقيامه،إلا أن من المقطوع به بالنص والإجماع أنه كآبائه من محمد صلی الله علیه وآله يخرج على الشهادة،وإذا طلبت النصوص على ذلك عموماً وخصوصاً و جدتها غير عزيزة ،والاعتبار الصحيح أيضاً حاكمبأن مرتبة الشهادة ودرجة تلك السعادة لا يتخلف عنها أحد من الأربعة عشر-سلام الله عليهم -و عموم مثل(كل مؤمن لابد أن يموت ويقتل)(2)دال عليه وهو كثير ، وغيره مما لا يخفى على المتتبع ، والله العالم بحقيقة الحال .

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الغر الميامين .

ص: 132


1- المصبح : 692
2- وردت بهذا المعنى أحاديث كثيرة،انظر تفسير العياشي1:255 - 160/226، مختصر بدمائر الدرجات : 25، 21، 19 ، بحار الأنوار53 : 840 و 53 : 65 - 58/66

الرجعة ..الشيخ أحمد آل طوق قدس سره

اشارة

*الرجعة..(1)

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،و صلى الله على محمد وآله الطيبين ، والحمد لله رب العالمين .. وبعد ..

فيقول أقل الوری بضاعة، وأكثرهم إضاعة،أحمد بن صالح بن طوق: إن من أنفس ما تصرف فيه الأعمار معرفة صفات الإمامة وخصائصها ، التي من جملتها : أن أهل البيت يرجعون إلى الدنيا بعد انصرافهم وانتقالهم بالموت عنها، وذلك بعد قيام القائم عجل الله فرجه .

فربّما اشتبه دليلها على شاذّ نادر،فأحببت أن أجمع بعض ما يمنّ به أرحم الراحمين من الأدلّة على رجعتهم ، على شدة استعجال وتراكم الهموم و البلبال،ونزور الاطّلاع مع كثرة ما ضاع ، فأقول-وعلى الله التكلان- : الدليل على رجعة أهل البيت له طريقان : الأخبار والاعتبار .

الأدلة النقلية:

أمّا الأخبار فكثيرة جداً بأنواع شتّى ، وطرق مختلفة :

فمنها : ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في كتاب(الرجعة) بسنده المتصل عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال :

ص: 133


1- الرسالة الثالثة من ( رسائل آل طوق القطيفي ) ، تحقيق ونشرشركة دار المصطفى صلی الله علیه وآله لإحياء التراث ، ج 1 ص 162-79. وقد اقتطفنا منها ما له علاقة مباشرة بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأشرنا إلى وجود الحذف بوضع نقاط ثلاث (...)، آخر الفقرة المحذوف ما بعدها.

(ما من نبي ولا وصي إلا شهيد ) .(1)

فدلّ على أن القائم علیه السلام سيفوز بمكرمة الشهادة كما فاز بها آباؤه الذين جمعوا مراتب الكمال، إذ لو لم يكونوا بأجمعهم شهداء لسبقهم بعض رعاياهم إلى هذا العلا، وهو محال يأباه منصب الإمامة، فإذا ثبتت شهادته فلابدّ حينئذٍ من إمام يقوم بحجج الله، إذ لا تخلو الأرض من حجّة الله - بالنص المستفيض(2) من غير معارض، والإجماع والبرهان الذي تعرف العقول عدله - يلي أمر القائم علیه السلام إذا قتل، إذ لا يلي أمر الإمام إلا إمام بالنص المستفيض(3)والإجماع، وهذا كله غيرممكن إلا برجعة أحد آبائه...

ومنه :بسنده عن موسى الحنّاط قال:سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول :(أيام الله ثلاثة، يوم القائم علیه السلام،ويوم الكرة، ويوم القيامة) (4)...

ومنه: نقلاً من كتاب(الخرائج)(5)لسعد بن عبد الله الراوندي بسنده عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : ( قال الحسين علیه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: والله(6) لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا صلی الله علیه وآله ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين علیه السلام وقيام قائمنا علیه السلام وحياة رسول الله صلی الله علیه وآله ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قط، لينزلن عليَّ جبرئيل

ص: 134


1- مختصر بصائر الدرجات :15 ، بحار الأنوار 17 : 25/405
2- كمال الدين 2/319 ، علل الشرائع :1 :21/234، الاحتجاج 152 :2، مختصر بصائر الدرجات :8
3- الكافي 1: 384- 385
4- مختصر بصائر الدرجات:18وفيه:( يوم يقوم القائم)، 41 وفيه : ( يوم قيام القائم ) بحار الأنوار 63 : 53/53، وفيه : ( يوم يقوم القائم ) .
5- الخرائج والجرائج2 : 848 - 63/849
6- في المصدر: ( فو الله ) .

وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ولينزلن محمد صلی الله علیه وآله وعلي علیه السلام وأنا وأخي علیه السلام وجميع من منّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ ، خيلٍ بلقٍ من نور لم يركبها مخلوق.

ثم ليهزن محمد صلی الله علیه وآله لواءه وليدفعنه إلى قائمنا علیه السلام مع سيفه، ثم إنا نمكث بعد ذلك ما شاء ، ثم الله إن الله يُخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من لبن وعينا من ماء ، ثم إن أمير المؤمنين علیه السلام يدفع إلي سيف رسول الله صلی الله علیه وآله، فيبعثني إلى الشرق والغرب (1)فلا آتي على عدو لله(2)إلا هرقت(3)دمه، ولا أدع صنما إلا حرقته، حتى أفع إلى الهند وافتحها(4)وإن دانيال ويوشع علیهما السلام(5) يخرجان مع (6)أمير المؤمنين علیه السلام يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث [الله](7)معهما[ إلى البصرة](8) سبعين رجلا فيقتلون [مقاتلتهم»(9) ، ويبعث إلى الروم فيفتح (10) الله لهم.

ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها،حتى لا يكون على وجه الأرض إلا [الطيب](11) ، وأعرض على اليهود والنصاری وسائر الملل ولأخيرنهم بين

ص: 135


1- في مختصر بصائر الدرجات : ( المشرق والمغرب ).
2- في الخرائج والجرائج: (على عدو) وفي المختصر بصائر الدرجات : (على عدو الله) .
3- في الخرائج والجرائح : ( أهرقت ) .
4- في المصدر: ( فأفتحها ).
5- في الخرائج والجرائح : ( ويونس ) .
6- في المصدر: ( إلى ).
7- من المصدر .
8- من الخرائج والجرائح .
9- من الخرائج والجرائح ، وفي المخطوط : ( مقاتلهم ) .
10- من الخرائج والجرائح : ( ويفتح ).
11- من المصدر وفي المخطوط: ( طيب ).

الإسلام والسيف،فمن أسلم مننت عليه ،ومن كره أراق الله دمه)(1)الخبر.

ومنه : بسنده عن السيد الجليل علي بن عبد الكريم ، بسنده عن أبي

جعفر علیه السلام مثله(2).

ومنه:بسنده عن الصدوق،بسنده عن مثنى الحنّاط قال:سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: (أيام الله ثلاثة : يوم قيام القائم علیه السلام، ويوم الكرة، ويوم القيامة)(3)....

ومنه : بسنده عن محمد بن يعقوب(4)، بسنده إلى أبي عبد الله علیه السلام في قوله عز اسمه :«وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ»قال :(قتل علي بن أبي طالب ، وطعن الحسن علیهما السلام ،«وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا»قال : قتل الحسين علیه السلام،«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» فإذا جاء نصر دم الحسين علیه السلام ، « بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ»، قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يدعون ( واترا )(5) لآل محمد إلا قتلوه ،«وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا»خروج القائم علیه السلام «ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ »(6)خروج الحسين علیه السلام، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض(7) المذهبة لكل بيضة وجهان

ص: 136


1- في المصدر: ( أهرق).
2- مختصر بصائر الدرجات: 50- 51
3- مختصر بصائر الدرجات: 50- 51، بحار الأنوار 53 : 53/63وفيهما (يوم يقوم القائم)
4- الكافي : 8: 250/175
5- في المخطوط ومختصر بصائر الدرجات وبحار الأنوار:(وتر) وما أثبتناه من الكافي .
6- الإسراء:4 - 6
7- البيض من السلاح : جمع بيضة ،وهي الخوذة،لسان العرب:522: 1-بيض

يؤذن (1)المؤذنون(2) إلى الناس: أن هذا الحسين علیه السلام قد خرج ، حتى لا يشك المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجال ولا شيطان ، والحجة علیه السلام بين أظهرهم ، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين علیه السلام جاء الحجة علیه السلام الموتُ، فيكون الذي يغسّله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي علیه السلام، ولا يلي الوصي إلا الوصي )(3)

ومنه : بسنده عن أحمد بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله علیه السلام : سئل عن الرجعة أهي حق؟ قال : (نعم). فقيل له: من أول من يخرج؟ قال :(الحسين علیه السلام يخرج على أثر القائم علیه السلام ) قلت : ومعه الناس كلهم ؟ قال :( لا. بل كما ذكر الله تعالى في كتابه :«يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا»(4) قوم بعد قوم(5).

ومنه بسنده عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفرعلیه السلام يقول : ( والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً ). قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : ( بعد القائم علیه السلام ) قلت : وكم يقوم القائم في عالمه ؟ قال: (تسع عشرة سنة ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا، وهو الحسين بن علي علیه السلام فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يخرج السّفاح ، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام)(6)...

ومنه : نقلاً من كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان) ، للسيد

ص: 137


1- لم يرد في بحار الأنوار والكافي : ( يؤذن )
2- في الكافي وبحار الأنوار: ( المؤدون )
3- مختصر بصائر الدرجات: 48، بحار الأنوار 53 :93- 103/94
4- النبأ: 18
5- مختصر بصائر الدرجات: 48، بحار الأنوار 53: 130/103
6- مختصر بصائر الدرجات:49، بحار الأنوار 53: 103 - 130/104

الجليل علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني بسنده عن ابن مهزیار في حديث طويل قال فيه كلام للحجة (عجل الله فرجه) : ( فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء، فأجيء إلى الكوفة فأهدم مسجدها وأبنية على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحج بالناس حجة الإسلام، وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بها وهما طريّان فآمر بهما باتجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى، فينادي منادي الفتنة من السماء: يا سماء أبيدي(1) ويا أرض خذي ، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان ).

قلت : يا سيدي ما يكون بعد ذلك ؟ قال : ( الكرة الكرة الرجعة [الرجعة]) ثم تلا هذه الآية :«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ»(2)إلى آخر الآية)(3).

ومنه : بسنده عن النعماني في غيبته(4) بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام أنهقال: (يملك القائم علیه السلام تسع عشرة سنة وأشهراً )(5) .

وروي أيضاً أن الذي يغسّله جده الحسين علیه السلام(6) .

أقول كلما جاء فيه تقدير مدة ملك الحجة(عجل الله فرجه )على اختلاف ألفاظه يدل على وقوع الرجعة ؛ فإن الضرورة عقلاً ودينا قاضية بأنه لا تخلو الأرض من حجة الله ، إما ظاهر أو مستتر ، وأجمعت الفرقة

ص: 138


1- في المصدر ( انبذي ).
2- الإسراء 6
3- مختصر بصائر الدرجات: 176 - 177، بحار الأنوار 104: 131/53
4- الغيبة: 1/331
5- مختصر بصائر الدرجات: 193، بحار الأنوار52 : 59/298، وفيه (ملك) بدل (يملك).
6- مختصر بصائر الدرجات : 193

فتوى(1) ونصاً على أن الإمام لا يلي أمره إلا الإمام،فإذا مات القائم(عجل الله فرجه ) فلابد من أن يكون حينئذ أحد من آبائه الأئمة علیهم السلام موجوداً في الدنيا ليلي أمره ويقوم بحجج الله بعده .

وسيتلى عليك بعض أخبار مدة ملكه إن شاء الله الرحمن،فترقب إني و إياكم لرحمة ربي من المترقبين ..

ومنه:بسنده عن غيبة النعماني بسنده(2) عن الثماليّ قال:سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : ( لوقد خرج قائم آل محمد لينصرنه الله بالملائكة المسوَّمين والمردفين والمنزلين والكروبيِّين،يكون جبرئيل علیه السلام أمامه و ميكائيل عن يمينه وأسرافيل عن يساره، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، والملائكة المقربون خدّامه(3)، أول من (4) يبايعه محمد رسول الله صلی الله علیه وآله، وعلي - صلوات الله عليه - الثاني ، ومعه سیف مخترطة (5) ) (6)الخبر.

ومنه:بسنده عن غيبة النعماني(7)أيضا، بسنده عن جابر الجعفي قال:سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول:( ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً ).قال:قلت له : متى يكون ذلك ؟ قال : ( بعد موت القائم) فقلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت ؟ قال : ( تسع

ص: 139


1- رجال الكشي 2 : 883/764، بحارالأنوار48: 29/270
2- الغيبة: 234 - 22/235
3- في المصدر (حذاءه) .
4- في مختصر بصائر الدرجات: (ما) بدل: (من) .
5- في الغيبة وبحار الأنوار ( مخترط ) اخترط السيف : سله من غمده لسان العرب 4 :65 خرط.
6- مختصر بصائر الدرجات : 212 - 213، بحار الأنوار 348 : 99/52
7- الغيبة: 331 - 3/332

عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته)(1).

ومنه:بسنده إلى ابن قولوية(2)في كتاب المزار،بسنده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله ( أو )(3) أبي جعفري علیهما السلام قال : قلت له : أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلی الله علیه وآله ؟ فقال : ( الكوفة - يا أبا بكر - الزكية الطاهرة ، فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين ، والأوصياء والصديقين(4)، وفيها مسجد سهل (5)الذي لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه،ومنها يظهر عدل الله،وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء الصالحين (6)) (7).

قلت:لا يتم لهذا الخبر مصدوق إلا برجعة الأوصياء(وسكناهم)(8)فيها، الضرورة قاضية بأنه لم يسكنها بعد من الأوصياء إلا نزر قليل .

وأيضا دل هذا الخبر-وكلّ ما دلّ على موت القائم عجّل الله فرجه.على رجعة آبائه علیهم السلام إذ لا حجة بعدهم لله غيرهم ، فلا بد أن يكون منهم في الدنيا من يقوم بحجج الله وبيناته : «»(9).

ومنه : قال رحمة الله حدثني الصالح محمد بن إبراهيم بن محسن المطار آبادي أنه وجد بخط أبيه الصالح إبراهيم هذا الحديث، وأراني خطّه وكتبته

ص: 140


1- الغيبة (النعماني): 331 - 3/332 ، مختصر بصائر الدرجات:213 - 214، بحار الأنوار 52 : 398 - 61/299
2- كامل الزيارات: 12/76
3- من المصدر، وفي المخطوط: (و)
4- في المصدر: ( الصادقين)
5- في المصدر:( سهيل).
6- في المصدر: ( والصالحين)
7- مختصر بصائر الدرجات:178، بحار الأنوار97 : 17/44
8- في المخطوط: ( وسكونهم).
9- الأنعام: 149.

منه، وصورته : [الحسين ](1)بن حمدان عن محمد بن إسماعيل ، وعلي بن عبد الله عن أبي شعيب محمد بن نصر عن عمر بن الفرّاء عن محمد بن المفضّل قال:سألت سيّدي الصادق علیه السلام:هل للمأمول المنتظر المهدي علیه السلام من وقت موقت يعلمه الناس؟فقال:(حاشا لله)الخبر.

وهو طويل ذكر فيه صفة ظهور المهدي -عجل الله فرجه -وسيرته من

أول قيامه ، وصفة إخراجه للرجلين وسؤاله لهما وما يفعل بهما .

إلى أن قال : ثم يأمر ريحاً فتنسفهما في اليّم نسفاً )قال المفضل:يا سيّدي ، ذلك آخر عذابهما؟قال :( هيهات يا مفضَّل، والله ليردن وليحضرنَّ السيدُ الأكبر محمد رسول الله صلی الله علیه وآله والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة علیهم السلام إماماً إماما(2)، وكل من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، وليقتصن (3)منهما بجميع [فعلهما](4)، وليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة،ويردّان إلى ما شاء الله) (5)الخبر.

إلى أن قال : قال المفضل: ثمّ ماذا يعمل المهديّ يا سيّدي ؟ قال علیه السلام:(يثوِّر سراياه إلى السفياني إلى دمشق،فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ، ثم يظهرالحسين بن علي عليهما السلام في أثني عشر ألف صدِّيق واثنين وسبعين رجلاً من الذين قتلوا معه يوم عاشوراء ، فيا لك عندها من كرّة زهراء ، ورجعة بيضاء !

ص: 141


1- من المصدر، وفي المخطوط: ( الحسن).
2- قوله: (إماماً إماما )ليس في المصدر .
3- في المصدر: ( وليقتص)
4- من المصدر، وفي المخطوط : ( المطالب )
5- في المصدر: ( ربهما ) بدل ( الله )

ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علیه السلام،وتنصب له القبّةالبيضاء على النجف ، وتقام أركانها:ركن بالنجف وركن بهَجَر وركن بصنعاء اليمن وركن بأرض طيبة ، لكأني(1) أنظر إلى مصابيحها ، تشرق في السماء والأرض كأضوأ من الشمس والقمر، فعندها تُبلى السرائر و«تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(2)

قال المفضّل:يا مولاي ، فما العذاب الأدنى وما العذاب الأكبر؟قال الصادق علیه السلام : ( العذاب الأدني : عذاب الرجعة ،والعذاب الأكبر:عذاب يوم القيامة ، الذي فيه تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات ، وبرزوا لله الواحد القهار) الخبر.

إلى أن قال الصادق علیه السلام:(أحسنت يا مفضَّل ،فمن أين قلت برجعتا و مقصِّرة شيعتنا تقول : معنى الرجعة : أن يرد الله إلينا ملك الدنيا ، وأن يجعله للمهدي علیه السلام ويحهم متى سلبناالملك حتى يرد علينا؟)قال المفضِّل:لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه؛لأنه ملك النبوّة والرسالة والوصيِّة والإمامة.

قال الصادق علیه السلام:(يامفضِّل:لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوّا في فضلنا، أما سمعوا قول الله تعالى :«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(3)؟ والله يا مفضل،إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا،وإن فرعون وهامان وجنودهما تيم وعدي )الخبر.

إلى أن قال الصادق علیه السلام : ( ثم يقوم جدِّي علي بن الحسين وأبي الباقر

ص: 142


1- في المصدر:(فکأنی)
2- الحج ، 2
3- القصص : 5 - 6

علیهما السلام فيشكوان إلى جدهما رسول الله صلی الله علیه وآله ما فُعل بهما ، ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله صلی الله علیه وآله فعل المنصور بي ، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلی الله علیه وآله ما فعل به الرشيد، ثم يقوم علي بن موسى فيشكو إلى جده رسول الله صلی الله علیه وآله ما فعله به المأمون، ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلى جده رسول الله صلی الله علیه وآله ما فعل به المتوكل، ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله صلی الله علیه وآله ما فعل به المستعين، ثم يقوم الحسن فيشكو إلى جده رسول الله صلی الله علیه وآله ما فعل به المعتز ، ثم يقوم المهدي سمي جدي رسول الله صلی الله علیه وآله وعليه قميص رسول الله صلی الله علیه وآله مضرجاً بدم رسول الله صلی الله علیه وآله يوم شُج جبينه وكسرت رباعيته، و الملائكة تحفه حتى يقف بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله ، فيقول :يا جداه)الخبر.وساق الشكاية مما ناله من الأذى والجحود له وغير ذلك .

إلى أن قال المفضل :

يا مولاي ، فقوله :«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1)ماكان رسول الله صلی الله علیه وآله ظهر على الدين كله ؟ [قال : ( يا مفضل لو كان رسول الله صلی الله علیه وآله ظهر على الدين كله](2)ما كان مجوسية ولا يهودية ولا صابئة ولا نصرانية ولا فرقة ولا خلاف ولا شك ولا شرك ، ولا عبدت أصنام ولا أوثان ولا اللات والعزى، ولاعبدت الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا الحجارة، وإنما قوله : «»في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة ، وهو قوله :«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ

ص: 143


1- التوبة :33
2- من بحار الأنوار وفي الهداية :(يا مفضل ، ظهر عليه علما ، ولم يظهر علمه عليه . ولو كان ظهر عليه ، ما كانت مجوسية .. )والعبارة ليست في المخطوط .

كُلُّهُ لِلَّهِ»(1)الخبر (2) .

وهو طويل جداً،أخذنا منه مواضع الدلالة ،على ثبوت رجعة أهل البيت- صلوات الله وسلامه عليهم-.

وقد وقفت عليه في أصل هداية الحضينّي هكذا :

قال الحسين بن حمدان:حدّثني محمد بن إسماعيل وعليّ بن عبد الله الحسنيّان عن أبي شعيب محمد بن نصر عن عمر بن الفرات عن محمد بن الفضّل عن المفضل بن عمر، وساق الحديث بتمامه(3).

وأكثر ما ذكرته أخذته من كتاب الحضيني نفسه؛لأنه ليس عندي حال الكتابة غيبة الشيخ حسن بن سليمان الحلي ، وإنما عندي منه قطع منقولة باختصار .

ومن هداية الحضيني أيضاً، بسنده عن سلمان الفارسي رضی الله عنه قال :دخلت على رسول الله صلی الله علیه وآل ، فلما نظر إلي قال:(يا سلمان ، إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً) قال :قلت:يا رسول الله،قد عرفت ذلك من أهل الكتابين:التوراةوالإنجيل.

قال:(يا سلمان ، فهل عرفت من نقبائي ، ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي ؟)

فقلت : الله ورسوله أعلم.

فقال صلی الله علیه وآله: ( يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره فدعاني فأطعت ، وخلق من نوري عليّا فدعاه فأطاعه ،وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق منّي ومن عليِّ وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما

ص: 144


1- الأنفال : 39
2- بحار الأنوار : 53 : 1-34، باختلاف في كثير من ألفاظه .
3- الهداية الكبرى:392 - 437 باختلاف في كثير من ألفاظه .

فأطاعاه، فسمانا أسماء من أسمائه ، الله المحمود وأنا محمد ، والله العلي وهذا عليّ ،والله الفاطر وهذه فاطمة،والله ذو الإحسان وهذا الحسن، و الله المحسن وهذا الحسين ، ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه،قبل أن يخلق الله سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا هواء ولا ماءولا مكاناً ولابشراً ، وكنا بعلمه نوراً نسبحه ونسمع ونطيع)الخبر.

إلى أن قال سلمان: قلت:يا رسول الله ، فأنى لي بهم ؟قد عرفت إلى الحسين علیه السلام،قال صلی الله علیه وآله:(ثم سيد العابدين ابنه علي بن الحسين، ثم محمد بن عليِّ باقر علم الأولين والآخرين من النبيِّين و المرسلين، ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم موسی بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله عزوجل ، ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي المختارمن خلق الله، ثم علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم الحسن بن عليِّ الصامت الأمين على سرالله، ثم محمد بن الحسن المهدي القائم الناطق بأمر الله)...

ومنه بسنده إلى عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله علیه السلام قال :(مازالت الأرض إلا ولله تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله جل وعز ، ولا ينقطع - الحجة - من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ، ولا(1) ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، أولئك شرار خلق الله(2)، وهم الذين تقومعليهم القيامة)(3).ومن ( المحاسن ) (4)مثله .

ص: 145


1- في كمال الدين ( ولن ) وفي المحاسن : ( ولم ).
2- في المحاسن : ( شرار من خلق الله ).
3- كمال الدين 1 : 24/229
4- المحاسن 1 : 802/368

وعن محمد بن يعقوب(1)-عن محمد بن عبدالله-ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبدالله بن جعفر الحميريّ قال : قلت لأبي عمر العمريّ : إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأُغلق باب التوبة ، فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيراً، فأولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة (2) .

أقول : الأخبار بأن الحجة يُرفع قبل القيامة بأربعين يوما كثيرة ، لا تطوّل بتتبعها.، فإذا ضممتها إلى ما دلّ على أن القائم . عجل الله فرجه.يُقتل ويموت ، وإلى ما دل على أن ملكه سبع سنين(3) أو تسع عشرة سنة أو ثلاثمائة وتسع عشرة سنة(4). وهي أكثر ما وقفت عليه في سنّي ملكه.و جدتها دالة ناطقة بلسان فصيح برجعة أهل البيت ، وإلا لزم:إما خلوّ الأرض من حجة منهم ،أو أن القيامة بعد قيام القائم بأربعين سنة ،بعدما ذكر من مدة ملكه ، وأنه يرفع ،لا يموت ولا يقتل، فيلزم طرح الآيات و الروايات المستفيضة بأن كل مؤمن له قتلة وموتة(5)بل الضرورة الحاكمة بما صرح به في الكتاب من أن «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ »(6) ، فإما أن

ص: 146


1- الكافي 1 : 329- 1/330.
2- بحار الأنوار 51: 347- 348
3- الإرشاد(ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد)2/11: 281،الغيبة (الطوسي): 497/474 إعلام الوری بأعلام الهدی: 432، بحار الأنوار 52: 337/291 ، 77/35 ، 202/286
4- الغيبة (النعماني):3331 - 3/332مختصر بصائر الدرجات:214، بحار الأنوار52 : 298 - 59/299 - 62.
5- مختصر بصائر الدرجات: 19، بحار الأنوار53: 55/64 و 58/65 و 59/66
6- آل عمران :185

نقول بالرجعة أو نطرح تلك الأدلة الصريحة عقلاً ونقلاً ، أو نقول بالمحال ، فتفطن، والإشارة تكفي الحرّ ، والاستعجال صدّ عن زيادة البيان...

ومنها : ما في ( الصافي ) نقلاً من (الكافي)(1) و (العياشي )(2)عن الصادق علیه السلام أنه فسر ( الإفسادين ) في الآية(3)( بقتل علي بن أبي طالب وطعن الحسن عليهماالسلام ) و ( العلوّ الكبير) ب ( قتل الحسين علیه السلام ) و( أولي البأس) ب ( قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم علیه السلام، فلا يدعون . [واتراً](4) لآل محمد إلا قتلوه ) و( وعد الله ) ب (خروج القائم علیه السلام ) وردّ الكرِّة عليهم ب( خروج الحسين علیه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهبة )حين كان ( الحجة القائم علیه السلام بين أظهرهم ) .

قال(5) : وزاد العياشي:(ثم يملكهم الحسين علیه السلام حتى يقع حاجباه على عينيه(6)).

ومن (العياشي) عنه علیه السلام : (أول من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي علیه السلام ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة، ثم تلا هذه الآية: «ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا»(7))(8)

ص: 147


1- الكافي 8: 250/175
2- تفسير العياشي 2: 20/304.
3- الإسراء: 4- 5.
4- من المصدر، وفي المخطوط : ( وتر).
5- أي صاحب ( الصافي).
6- التفسير الصافي 3 : 179.
7- الإسراء: 6
8- تفسير العياشي 2 :23/305.

ومن (القمي) في قوله تعالى:«وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ»(1)أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب الله أمة محمد صلی الله علیه وآله فقال : «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ»يعني : فلان وفلان وأصحابهما ونقضهما العهد ،«وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا» يعني : ما ادعوه من الخلافة .

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا»، يعني: يوم الجمل « بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ»، يعني: أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - وأصحابه«فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ»أي طلبوكم وقتلوكم«وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا»يعني يتم ويكون

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ» يعني: لبني أمية على آل محمد - صلى الله عليهم - «وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا»من الحسن والحسين ابني علي - صلوات الله عليهم - وأصحابهما فقتلوا الحسين بن علي عليهماالسلام وسبوا نساء آل محمد صلی الله علیه وآله.

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ »يعني : القائم علیه السلام وأصحابه «لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ »يعني : يسوِّدون وجوههم «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ»يعني : رسول الله وأصحابه وأمير المؤمنين،«وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» يعني : يعلون عليكم فيقتلونكم.

ثم عطف على آل محمد - صلوات الله عليهم -فقال :«عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ»أي ينصركم على عدوكم ، ثم خاطب بني أمية فقال : «وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا»يعني : إن عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد صلى الله عليهم... الخبر(2)وقد ذكر .

ومنه : عن ( الغيبة ) عن أمير المؤمنين علیه السلام: ( آل محمد يبعث الله

ص: 148


1- الإسراء:4- 8
2- تفسیر القمی 2: 13- 14

مهديهم بعد جهدهم ، فيعزهم ويذل أعدائهم )(1).

وفي ( نهج البلاغة ) قال علیه السلام : ( لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ، وتلا : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(2))(3)

فهذان الخبران عبّر فيهما بالجمع ، والأصل الحقيقة، فلابد أن ينال كل واحد منهم ما ذكر حقيقة،والله أكرم من أن يبعث أحداً منهم يوم القيامة بغيظه لم ينتصر من عدوّه ،ولم تظهر له في الدنيا دولة عز يعبد الله فيها جهراً كما عبده سرّا ؛ لما فيه من شائبة نقص ؛ لعدم استكمال جميع رتب الكمال ، وهم أكرم على الله من ذلك .

ومنها : ما في ( الكافي) : أن أبا جعفر علیه السلام نظر إلى أبي عبد الله علیه السلام يمشي ، فقال : ( أترى(4) هذا ؟[هذا ]من الذين قال الله عزوجل :«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(5))(6) ...

وبسنده أيضاً قال : دخلت على علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقال : (ألا أحدثك ؟) ثلاثاً ، قلت : بلى ، قال علیه السلام: ( أنا عبدالله ، وأنا دابة الأرض، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ؟ ) قلت : بلى ، قال : فضرب بيده على صدره، فقال: ( أنا)(7)....

ص: 149


1- الغيبة ( الطوسي ) 143/184، وفيه : ( عدوهم ) .
2- القصص: 5
3- نهج البلاغة : 697/ الحكمة : 209
4- في المصدر: ( تری )
5- القصص :5
6- الكافي 1: 1/306
7- مختصر بصائر الدرجات: 207

وقال علي بن إبراهيم : الزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء ، وأخبار رسول الله صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين علیه السلام والأئمة- صلى الله عليهم أجمعين .من ذريتهما، وأخبار الرجعة ، وذكر القائم - سلام الله عليه-(1) ...

قال في ( المجمع ): وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي علیه السلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ؛ ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ،ويبتهجوا بظهور دولته،ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم،وينالوا بعض مايستحقونه من العقاب والقتل على أيدي شيعته ، أو الذل والخزي مما يشاهدون من علو كلمته .

ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله غيرمستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية، وقد نطق القرآن بذلك في عدة مواضع، مثل قصة عزير وغيره، وصح عن النبي صلی الله علیه وآله قوله : ( وسيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة(2)حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه )(3) ...

وقال الشيخ قطب الدين الراوندي في(الخرائج والجرائح):(فصل في الرجعة :عن أبي سعيد سهل بن زياد قال:حدثنا الحسن بن محبوب عن ابن فضيل قال : حدثنا سعد الحلاب ، عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال :(قال الحسين علیه السلام(4) لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلی الله علیه وآله قال لي(5):

ص: 150


1- تفسير القمي2 : 77، 127، باختلاف
2- القذة : واحدة ريش السهم، الصحاح2: 568-قذ، وهو مثل يضرب للمساواة بين شيئين كمساواة ريشة السهم المقطوعة لأختها،مجمع الأمثال 1: 347
3- مجمع البيان 7 : 304.
4- في المصدر: ( الحسين بن علی علیهما السلام)
5- ليست في المصدر

يا بني إنك ستساق إلى العراق،وهي أرض قد التقى فيها النبييون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى ب ( عمورا ) ، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا «قُلنَایَنَارُکُونِي بَردًاوَسَلَمًا عَلَى إِبرَهِيمَ»تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً . فأبشروا، فوالله لئن قتلونا فإنا نرد إلى نبينا، ثم أمكث ما شاء الله، فأكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين علیه السلام وقيام قائمنا علیه السلام .

ثم لينزلنَّ علي وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلنَّ إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ولينزلنَّ محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من منّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ، جمال من نور لم يركبها مخلوق، ثم ليهزنَّ محمد صلی الله علیه وآله لواءه وليدفعنه إلى قائمنا علیه السلام مع سيفه ثم إنا نمكث بعد ذلك ما شاء الله.

قال:ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من ماءو عيناً من لبن ، ثم إن أمير المؤمنين علیه السلام يدفع إليَّ سيف رسول الله صلی الله علیه وآله، فيبعثني إلى المشرق والمغرب ، فلا آتي على عدو إلا هرقت دمه ، ولا أدع صنماً إلا أحرقته ، حتى أقع إلى الهند فأفتحها، وإن دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين علیه السلام، يقولان: صدق الله ورسوله، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلهم،ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله له.

ثم لأقتلنَّ كل دابة حرم الله لحمها،حتى لا يكون على وجه الأرض إلاطيّب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل وأخيرنهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه ، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله ملكاً يمسح عن وجهة التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجن ،ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت، ولتنزلنَّ البركة من السماء

ص: 151

إلى الأرض )(1) تمّ الخبر وقد مرَّ بعضه .

ومن الخرائج أيضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : ( إذا قام القائم أُتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا، إنه قد ظهر صاحبكم(2) فإن تشأ تلحق به فالحق، وإن تشاء أن تقيم في كرامة ريك فأقم )(3)...

ومنها : ما رواه شيخ الطائفة في كتاب( الغيبة )بسنده عن المفضّل بن عمر قال: ذكرنا القائم علیه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبدالله علیه السلام : إذا قام القائم أتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر صاحبكم (4)، فإن تشأ أن تلتحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم )(5) .

أقول:ما ظنك يا أخي بمن بشر في قبره بظهور دولة الحق، ونصر الله للمؤمنين، وإذنه لهم في أن يعبدوه جهراً بعد أن عبدوه سراً، ماذا يختار؟ قل: أعلم أنه يختار الظهور واللحوق بصاحب الأمر.عجل الله فرجه -وأن يضرب بين يديه بالسيف هام أعدائه،وهل شيءٌ أشهى للمظلوم من الظفر بظالمه ؟ ..

ومنه : ما رواه عن الأصبغ عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال في خطبة الافتخار: (من أنكر أن لي في الأرض كرَّة بعد كرَّة ودعوة بعد دعوة(6)وعودة(7) بعد رجعة، حديثاً كما كنت قديماً، فقد رد علينا ، و (8)من رد

ص: 152


1- الخرائج والجرائح2 : 848 - 849، باختلاف .
2- في المصدر: ( صاحبك)
3- الخرائج والجرائح3: 1166 / 64
4- في المصدر: صاحبك
5- الغيبة:458 - 470/459
6- قوله : ( ودعوة بعد دعوة ) ليس في المصدر .
7- في المصدر: ( عوداً ) بدل : ( عودة ) .
8- ليست في المصدر.

علينا فقد ردَّ على الله ، أنا صاحب الدعوات ، أنا صاحب الصلوات ).إلى أن قال علیه السلام فيها : ( أنا(1)أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً(2) بسيفي هذا).

إلى أن قال علیه السلام:(أنا صاحب الرايات الصفر ، أنا صاحب الرايات الحمر، أنا الغائب المنتظر للأمر الأعظم )(3).

إلى أن قال علیه السلام:(ألا وإن للباطل [جولة](4)وللحق دولة، ألا (5)وإني ظاعن عن قريب ، فارتقبوا الفتنة الأموية ، والدولة الكسروية .

ثم تقبل دولة بني العباس بالفزع والبأس ، وتبني مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل الفرات ، ملعون من سكنها،منها تخرج طينة الجبارين تعلي فيها القصور وتسبل الستور،ويتعاطون (6)بالمكر والفجور ، فيتداولها بنو العباس اثنان وأربعون (42) ملكاً على عدد سني الملك .

ثم الفتنة [الغبراء](7)والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحق ، ثم أسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب ، ألا وإن لخروجي علامات عشراً: أولها تخريق(8) الرايات في أزقة الكوفة ، وتعطيل المساجد ، وانقطاع الحاج،وخسف وقذف بخراسان ،وطلوع كوكب(9) المذنب، و اقتران النجوم ، وهرج ومرج ، وقتل ، ونهب ، فتلك

ص: 153


1- في المصدر: ( أنا الذي ).
2- في المصدر قبلها : ( ظلماً ).
3- في المصدر : ( العظيم).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( دولة )
5- ليست في المصدر .
6- في المصدر : ( يتعلون ) .
7- من المصدر، وفي المخطوط : ( الغراء).
8- في المصدر : ( تحريف ).
9- في المصدر: ( الكوكب ).

علامات عشر، ومن العلامة إلى العلامة عجب،فإذا تمَّت العلامات قام قائمنا قائم الحق).

ثم قال : ( معاشر الناس ، نزهوا ربكم ولا تشيروا إليه ، فمن حدَّالخالق فقد كفر بالكتاب الناطق ... )(1)إلى آخر الخطبة ....

ومنها : ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح)(2) وابن طاووس في(الإقبال)(3) من دعاء اليوم الثالث من شعبان قال رحمه الله:

( في اليوم الثالث منه ولد الحسين بن علي عليهما السلام ، وخرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد علیه السلام أن مولانا الحسين علیه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، فصمه وادع بهذا الدعاء : ( اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها ، والأرض ومن عليها ، ولما يطأ لابتيها ، قتيل العبرة ، وسيد الأسرة،الممدود بالنصرة يوم الكرة ،المعوّض من قتله أن الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ،حتى يدركوا الأوتار ويثاروا الثأر ويرُضوا الجبّار، ويكونوا خير أنصار ، صلى الله عليه مع اختلاف الليل والنهار ) .

وقد وقفت على قطعة من كتاب لبعض أفاضل المتأخرين عن الشيخ ، قد عمله لإثبات رجعة أهل البيت عليهم السلام ، وقد استدّل فيه بأخبار كثيرة ، وكثير ممّا ذكرته في هذه الرسالة استدل به بإسناده هو ،..

ومنه:بسنده عن موسى الخياط (4)قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول :(أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم علیه السلام ، ويوم الكرة، ويوم القيامة)(5)....

ص: 154


1- مشارق أنوار اليقين: 164- 166
2- مصباح المتهجد:758
3- الإقبال بالأعمال الحسنة: 3 : 303، باختلاف .
4- في المصدر : ( الحنّاط )
5- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، 41، وفيه : ( يوم قيام القائم ) .

ومنه : بسنده عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقلت : إنا نتحدث أن عمر بن ذر لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد ، وقال : ( إن مثل ابن ذر مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له عبد ربه ، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة ، فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده ؛ إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ، ويقول لهم : كيت وكيت )(1)...

ومنه : عن أحمد بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجعة أحق هي ؟ قال : ( نعم) . فقيل له : من أول من يخرج ؟ قال : (الحسين علیه السلام، يخرج إثر القائم علیه السلام). قلت : ومعه الناس كلهم ؟ قال :(بل كما ذكر الله تعالى في كتابه :«يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا»(2)قوماً بعد قوم )(3).

وعنه علیه السلام : (يقبل الحسين علیه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران علی السلام ، فيدفع إليه القائم علیه السلام الخاتم، فيكون الحسين علیه السلام هو الذي غسّله وكفّنه ويحنطه ويلحده في حفرته)(4).

ومنه:بسنده عن علي بن مهزیار في حديث طويل قال فيه ثم قال - يعني القائم عليه سلام الله - : ( إذا فقد الصيني وتحرك المغربي وسار اليماني وبويع السفياني (5)یؤذن لولي الله ، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجيء إلى الكوفة فأهدم مسجدها وابنيه على بنائه

ص: 155


1- مختصر بصائر الدرجات : 21، وفيه : ( إذا ) بدل : ( إذ )
2- النبأ:18
3- مختصر بصائر الدرجات: 48.
4- مختصر بصائر الدرجات: 48 - 49، وفيه : ( فيكون الحسين علیه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته ).
5- في المصدر : ( وبويع العباسي ) .

الأول ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة،وأحج بالناس حجة الإسلام ، و أجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من فيها وهما طريان فآمر بهما تجاه البقيع، وأمر بخشبتين یصلبان عليهما ، فيورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى،فينادي منادي الفتنة من السماء:يا سماء أبيدي (1)ويا أرض خذي ، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان ).

قلت:يا سيدي ، ما يكون بعد ذلك ؟ قال:(الكرّة الكرّة والرجعة الرجعة) ثمّ تلا هذه الآية :«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ»(2)الآية(3)...

ومنه : عنه أيضاً،بسنده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله وأبي جعفر علیهما السلام قال: قلت له: أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلی الله علیه وآله ، فقال : ( يا أبا بكر، الكوفة الزاكية الطاهرة ، فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء والصديقين(4)، وفيها مسجد سهلة الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ، ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمة والقوّام من بعده ، وهي منازل النبيين والأوصياء الصالحين(5))(6)...

وقال الشيخ فخر الدين الطريحي في(مجمع البحرین):( الرَجعة ، بالفتح: هي الكرّة بعد الموت بعد ظهور المهدي علیه السلام ، وهي من ضروريات مذهب الإمامية، وعليها من الشواهد القرآنية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ما

ص: 156


1- في المصدر :(انبذي)
2- الإسراء :6
3- مختصر بصائر الدرجات:176 - 177، باختلاف .
4- في المصدر : ( الصادقين ) .
5- في المصدر : ( والصالحين ) .
6- مختصر بصائر الدرجات: 178 ، باختلاف .

هو أشهر من أن يذكر ، حتى إنه ورد عنهم -عليهم سلام الله -:(من لم يؤمن برجعتنا ، ولم يقرَّ بمتعتنا ، فليس منا )(1)...

وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم علیه السلام فصلّي خلفه ، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته ؛ لأن الله عزوجل قال : «إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ »(2)...

وقال الرئيس الشيخ أحمد بن زين الدين :(الرجعة تطلق على رجعة آل محمد صلی الله علیه وآله ، ومختصر القول في بيانها على ما كنت أفهم من الروايات : أن أول قائم منهم علیهم السلام بالحق هو القائم الحجة علیه السلام ، ومدة ملكه سبع سنين ، كل سنة عشر سنين ، فإذا مضى من حكمه تسع وخمسون سنة ، وبقي إحدى عشرة سنة ، خرج الحسين علیه السلام .

وفي الحديث :( أوّل من ينفض التراب عن رأسه الحسين علیه السلام)(3) ، وفي آخر : ( السفاح) وهو الحسين علیه السلام(4)، ويبقى إلى آخر حكم القائم علیه السلام إحدى عشرة سنة صامتاً .

فإذا قتل القائم، قيل: تقتله امرأة من بني تميم لها لحية واسمها سعيدة ، لعنها الله تعالى، يتجاوز علیه السلام في الطريق وهي فوق سطح، فترميه بجاون من صخر على أم رأسه فتقتله، فإذا مات غسّله الحسين علیه السلام وكفّنه وصلى عليه ودفنه، وقام بالأمر من بعده. فإذا مضى من حكم الحسين علیه السلام ثماني سنين، خرج علي علیه السلام في نصرة ابنه ، ثم يُقتل علي علیه السلام، وهو قوله علیه السلام:

ص: 157


1- مجمع البحرين: 4 :334 ، رجع .
2- آل عمران: 55 .
3- مختصر بصائرالدرجات: 49 ، 211، بحار الأنوار 53 :134/106.
4- مرّ في هذه الرسالة ص94 أن السفاح هو أمير المؤمنين علیه السلام . ( ص (137) من هذا الكتاب ).

أنا الذي أُقتل مرتين وأبعث مرتين،ولي الرجعة بعد الرجعة،الكرة بعدالكرة )(1) ....

وبالجملة فالأخبارالدالة على الرجعة أكثر من أن أحصيها،وما ذكرته فيه غنية لطالب الحق مع ما اشتمل عليه من الآيات الدالة على الرجعة .

الوجوه الاعتبارية :

وأما الاعتبار فمن طرق :

منها : أنه لا ريب في أن القرآن له تنزيل وتأويل،والتأويل في كثير من الآيات لا يتم إلا بالرجعة ، كما ظهر لك من الأخبار في آيات كثيرة، مثل «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا »(2) الآية ، و«لَتُو مِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ»(3) ، وغيرهما مما لا يخفى على المتأمل في أخبار أهل البيت علیهم السلام.

ومنها : أن رسول الله صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والعشرة الأئمة الذين مضوا - صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين - إنما عبدوا الله في الدنيا سراً في دولة الجهل وسلطان التقية حتى مضوا لم يعملوا في هذا العالم ، ولم يظهروا لهذا الخلق إلا حرفاً أو حرفين من ثمانية وعشرين حرفاً، ولابد أن يعمل كل واحد منهم في الخلق بثمانية وعشرين حرفاً ، لا يختص بذلك القائم علیه السلام ؛ فإنه يجري لأولهم كما يجري لآخرهم(4)، كما استفاض عنهم - صلوات الله عليهم - .

والقائم - سلام الله عليه - حال غيبته يعبد الله سراً ، كما مضى عليه

ص: 158


1- مختصر بصائر الدرجات:33، بحار الأنوار53 : 20/47، بتفاوت فيهما ، وانظرشرح الزيارة الجامعة 3: 60
2- غافر:51
3- آل عمران :83
4- انظر مثلاً الكافي 1 :3

آباؤه، ولابد أن يعبد الله جهراً كما وعده الله،وهذا غاية الشرف والكمال ، ومحال ألا يفوز رسول الله صلی الله علیه وآله وخلفاؤه الذين مضوا بهذا الشرف،ويختص به القائم علیه السلام ومن يكون في زمنه دون آبائه - صلوات الله عليهم - ، فإن الله تعالى بلطيف حكمته ورحمته أحب أن يعبد سراً وأن يعبد جهراً،فلا بد أن يعبده أول العابدين وخلفاؤه بالوجهين ؛ فإنهم معلمو الخلق العبادتين .

فمحال أن يكون نوع من العبادة لا يعبدونه بها،ولو كان كذلك لكان سائر من يوجد في زمن القائم وأنصاره الذين يقوم بهم نالوا درجة لم ينلها محمد صلی الله علیه وآله ، وخلفاؤه الماضون - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين - وعبدوا الله بعبادة لم يعبدوه بها ، وحازوا عبادة السر والجهر دونهم ، وهذا محال ، وهذا كله لا يتمّ ويندفع عنه ما قلنا إلا بالرجعة ، فمن أنكرها أنكر فضل محمد وآله ، وأنكر قدرة الله تعالى، ونعوذ بالله من الجهل وجنوده .

ومنها : أن أحد الأمرين لازم ؛ إما القول بان صاحب الأمر عجل الله فرجه حي لا يموت ولا يذوق الموت ولا يقتل أو أن الأئمة يرجعون ،والأول باطل بالضرورة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ، بل : «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»(1)ولا يلي أمر الإمام إلا الإمام بالنص(2)والإجماع ، ولا تخلو الأرض من حجة لله بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً(3)، فثبت الثاني، ولا قائل برجوع واحد منهم دون آخر.

ومنها : أنه لابد أن ينال القائم ما ناله آباؤه الكرام من الدرجة التي لا

ص: 159


1- آل عمران : 185
2- الکافی :1: 384 - 385
3- الکافي 1: 178 - 1/179-13

تنال إلا بالشهادة،بل لابد له أن يقتل أولاً ويرجع ويموت كآبائه فإذا مات أو قتل لا يمكن أن تخلو الأرض من حجة لله على عباده ، وبه يحفظ الله الشريعة ، وبه تتم حجة الله على الخلق،وبه يمسك الله الأرض و السماوات، ولا ترتفع الحجة من الأرض إلا إذا لم يكن لله في عباده حاجة، وذلك قبل أن ينفخ في الصورة بأربعين يوما :« أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا»(1).

ومنها : مقتضى كمال المقابلة بين العقل والجهل وجنودهما في التضادّ، وذلك من وجوه :

أحدها : أن محمداً صلی الله علیه وآله مظهر العقل الكلي الذي هو أول ما خلق الله، فقال له : ( أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبرفأدبر )(2)، وخلق بخلقه ضده وهو الجهل، وقد ظهرت في هذه النشأه دولة الجهل الكاملة ، التي أوجبت استتار الإمام ، وعمل النبي والأئمة بعده-صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - بالتقية، فلابد أن تظهر دولة لمحمد صلی الله علیه وآله لكمال دولة العقل وجنوده، وذلك لا يكون إلا بالرجعة، لأن القائم علیه السلام يقتل، ولازم ظهور دولة العقل كمال الظهور أن تطهر الأرض من الكفر والشرك والنفاق، حتى لا يعبد إلا الله سراً وعلانية، وهذا لا يكون مع وجود من يقتل الإمام.

وثانيها : أن الله كما أحب أن يعبده العقل وجنوده وأول العابدين بكمال السر أحب أن يعبده بكمال العلانية،حتى يستكمل العابد وجنوده جميع مراتب العبادة ، فإن بها كمال وجود الخلق،لأن الله إنما خلق الخلق ليعبدوه،ولو أن المكلفين أطبقوا على ترك عبادة ولومستحبة حتى لا يوجد عامل بها غير الإمام لم يمهلوا.

وثالثها : أن مظهر الجهل له فعلية وتتحقق في هذه النشأة ، من كل وجه

ص: 160


1- آل عمران: 144
2- الکافي : 1:26/26

بها يتحقق امتلاء الأرض ظلماً وجوراً، فلابد من أن يكون لمظهر العقل - وهو محمد وخلفاؤه صلوات الله عليهم - تحقق وفعلية فيها كاملة من

كل وجه بها يكون الدين كله لله،ولا يتم هذا ويصدق إلا بالرجعة، و الوجوه كثيرة لا تخفى على العارف ، والاستعجال أوجب الاقتصار .

ومنها : ما ثبت بالبرهان المتضاعف من وجوب تطابق البداية والنهاية،و أن أول الفكر آخر العمل،وأن العلة الغائية هي علة فاعلية الفاعل ، فهي أول وآخر ، ووجوب تطابق قوسي دائرة المبدأ والمعاد .

إذا تعقلت هذا فاعلم أن محمدا صلی الله علیه وآله وخلفاءه الاثني عشر علیه السلام هم أول العابدين الداعين إلى الله ، الدالين عليه في مقام «أَلَستُ بِرَبِّكُم »(1) وقبله وبعده ،وفي كل مقام،فلابد أن يكونوا أجمعين آخر العابدين الدالين على الله ، الهادين إليه ، وأنهم أول الخلق ؛ فيجب أن يكونوا غاية الخلق ونهايته، وأنهم مبدأ الخلق فلابد أن يكونوا معاده ، كلذلك بالفعل من كل وجه في كل مقام من مقامات الوجود ،وهذا لا يتم إلا بالرجعة ، وإلا لكان ناقصاً جزئياً لا كاملاً تاماً كلياً .

ومنها : أن محمداً صلی الله علیه وآله لكمال شرفه كانت بعثته كأنها ابتداءً دورتان أو هي كذلك ،فقد جمع الله له جميع معاجز الأنبياء طرّاً وأعطاه كمالاتهم أجمع ، وهي المعبّر عنها بمواريث الأنبياء ، وقد ورثها منه خلفاؤه ، وجمع في أمته جميع ما كان في الأمم السالفة ، فكانت أمة محمد صلی الله علیه وآله مقابلة جميع الأمم ، وقد وقع في الأمم السالفة الرجعة بعد الموت، فلابد أن تقع على وجه أكمل في هذه الأمة .

ومنها : أن آدم فمن دونه تحت لواء محمد صلی الله علیه وآله بالفعل في بدء الخلق ويوم

ص: 161


1- الأعراف :(172)

القيامة،فلابد أن يكونوا في هذه النشأة كذلك بالفعل؛لوجوب تطابق العوالم ، وهذا لا يكون إلا بالرجعة .

ومنها : أن الموت الطبيعي استكمال تدريجي ولذة أخروية كذلك ، والقتل استكمال دفعي ولذة أخروية رفعية،فلابد أن ينالهما محمد وآله المعصومون ؛ لا يمكن أن يفوت أحدهم نوعٌ من الكمال ولا لذة من لذات الآخرة ، وهذا لا يكون إلا بالرجعة بالضرورة؛لأنهم غير صاحب الأمر قتلوا فلابد أن يموتوا ، ولا يكون إلا بالرجعة .

ومنها :أن عالم الدنيا المحض منتقل عائد إلى الآخرة،ولا يمكن انتقال النشأة الدنيا المحضة إلى النشأة الأخرى المحضة دفعة واحدة، لما بينهما من كمال المضادة إذا اعتبرت الحيثيثتان ، فلابد أن يكون بينهما حالة برزخية هي يوم الرجعة ، وقبله يوم قيام القائم ؛ لترتبط العوالم والنشآت .

عرف ذلك كل من عرف أنه لا فصل ولا وصل في الوجود،فلابد من ليل محض يعبد الله فيه بكمال السرّ، ونهار محض يعبد الله فيه بكمال الجهر،وحال بينهما هي الساعة الفجرية،فقيام القائم كأول الساعة الفجرية التي هي البرزخ بين الليل المحض والنهار المحض،والرجعة كآخرها قبل طلوع الشمس في الأفق المرئي،فلابد من يوم القائم ، ويوم الرجعة ، ويوم الدنيا واليوم الآخرة.

ومنها : أن الله أودع في قوى نفوس الأفلاك والكواكب تأثيرات وإمدادات لأجسام هذا العالم، بإبراز جميع القوى من المعدن والنبات والحيوان ، و كمالها بالفعل من كلّ وجه ،حتى إن الشجرة لتقصف بما عليها من الثمرة من عظم فعلية البركات ، وذلك لا يتم إلا بالرجعة، وإلا لزم أن ينزل على غير محمد وآله الماضين - صلوات الله عليهم أجمعين - من البرديات ما لم ينزل عليهم، وهذا محال.

ومنها : أن محمداً صلی الله علیه وآله وخلفاءه الاثني عشر والزهراء سلام الله عليهم

ص: 162

أجمعين مجتمعون في كل نشأة،وفي كل بدء الخلق،وفي الآخرة،وفي كل طبقة من الوجود لا على سبيل الاتفاق ، بل لحكمة إلهية وسر رباني لا يخفى على العارف أشعة نورة ، فلابد أن يحصل لهم ذلك الكمال والجمال والجلال في النشأة الدنيوية، ولا يكون ذلك إلا بالرجعة .

ومنها:أنه لا ريب أن زمن امتلاء الأرض قسطاً وعدلاً فيه من اللذة و البهجة والسرور في قلوب المؤمنين،ومن الغناء والنور والعلم ما لايستقصى، فكيف يحرم إدراك هذا الكمال والنعمة أنبياء الله ورسله وخلفاؤهم و أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ،خصوصاً محمداً وخلفاءه - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ؟ ومحال أن يدركها من مات إلا بالرجعة .

ومنها:أن الله عزوجل يحب ان يعبد بتأويل القرآن وباطنه،كما أحب أن يعبد بتنزيله ، فقد عبد بالتنزيل ، ولا يمكن أن يعبد بالتأويل والباطن إلا بالرجعة،ولابد من ذلك كما يظهر على متدبر أخبار التأويل والباطن العارف بلحنها ، ومحال أن يختص واحد من أهل البيت بالتعبد والعمل بالتأويل والباطن دون غيره منهم ، بل النبي صلی الله علیه وآله وعلي - سلام الله عليه-أولى بالعمل والتعبد بذلك في كل نشأة ومقام،وكذا الحسنان من القائم - سلام الله عليه - ، وإلا لزم أنه أفضل من الكل ، بل من أفضل الكل في الكل مطلقاً، وهذا خلف محال .

وبالجملة..فالأخبار وطرق الاعتبار في إثبات الرجعة كثيرة جداً وهي أكثر من أن أحصيها ، وفيما حصل كفاية لطالب الحق.

وبالجملة..فإجماع أهل البيت صلى الله عليهم وسلم وأتباعهم قائم متحقق على ذلك في كل مكان ، بل من الأمر المشهور بين الأمة بأجمعها أن ذلك مذهب أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ، حتى العامة بأجمعهم يعتقدون أن

ص: 163

هذا مذهب أهل البيت علیهم السلام وأتباعهم ، فكم أعاب علماء العامة على الشيعة القول بالرجعة، فالمعروف بين فرق الأمة أن القول بالرجعية مذهب الإمامية .

ولا يمكن أن يقال : إن قيام القائم علیه السلام يسمى رجعة .

فإن الرجعة إلى الدنيا أو إلى الشيء لا يكون إلا بعد الخروج منه و الانصراف عنه ؛ إذ لا يقال لمن هو في مكان إنه رجع إليه قبل أن يخرج منه ويعود إليه ، فإن تحصيل الحاصل محال، والقائم عجل الله فرجه وأزال عنا الحيرة به لم يخرج من الدنيا حتى يقال:إن قيامه يسمی رجعة.

يؤيد هذا بل يدل عليه، أن الأمة مطبقة على القول بقيام القائم ومنكرة للرجعة، إلا أهل البيت علیهم السلام وأتباعهم، فالقول بها من خواصّهم التي انفردوا بها وامتازوا عن جميع فرق الأُمة، والله العالم وهو الهادي والعاصم.

وهذا آخر ما أردت إملاءه في هذه العجالة ، وقد جعلتها هدية إلى حضرة صاحب الزمان صلى الله عليه وعجل فرجه،فإن قبلها فشأنه العفو و الرحمة والكرم والجود،وإن ردها فبجرائم مؤلفها الأقل المقصر القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق ، وأنا أسأله العفو ونظرة رحيمة كما عوّد ، والحمدلله اولاً وآخراً ، كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الأطهار وسلم.

اللهم أرجعني ومن نسخها أو استكتبها ووالدي وإخواني ومن عمل لي

إحسانا من المؤمنين في كرتهم يا أرحم الراحمين .

تمت بقلم المذنب العاصي زرع بن محمد علي بن حسين بن زرع، عفا الله عنهم أجمعين .

ص: 164

المهدي والمهدوية الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي قدس سره

اشارة

*المهدي والمهدوية(1)

المهدي وضرورة وجوده:

اشارة

الأصل :(وعقيدة الرافضة في هذا الإمام المدعي من أشنع المهازل والنقائض الفكرية ، فإن هذا الإمام الذي يدعون الإيمان به ويدعون أن من لم يؤمن به غير ناج من عقاب الله ليس هنالك دليل واحد على وجوده فضلاً عن عصمته وتبليغه الناس ، فإن أحداً لم يحسه بإحدى الحواس الخمس، أو يحس أثراً من آثاره أو تتصل به رواية عنه،لا عن الله ولا عن رسوله الكريم ولا عن أحد من الثقاة العدول، ولا اضطره إلى الإيمان به عقل ولا نظر ولا شيء من الأشياء التي يعدها الناس حججاً وأنصاف حجج وأشباه حجج) (2). للشيعة حول هذا مطالب:

1.استمرار وجود المعصوم:

قد دل على وجود معصوم مستمر حتى القيام،كل من العقل والنقل.

أما العقل:فلأنه -كما يحكم بوجوب بعث الرسل وعصمتهم ،حفظاً لأصل التبليغ عن عثرات الوهم والنسيان - يحكم بوجوب معصوم،حفظاً للحقائق المبلغة عن تلك العثرات .

ولا ينافي ذلك:عدم تمكن هذا المعصوم من القيام بوظيفته، لانتفاء شرط القيام أو لوجود المانع منه، كما صدر مثل ذلك في حق الأنبياء، فالنبي صلی الله علیه وآله لم يقم بالدعوى حتى بلغ أربعين سنة، مع أنه نبي و( آدم بين الماء

ص: 165


1- الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية ج2 ص 339 - 350، وهو كتاب يرد فيه على كتاب(الصراع بين الإسلام والوثنية ) لمؤلفه (عبدالله القصيمي ) ، وسوف نذكر إن شاء الله شيئاً من ترجمة القصيمي آخر هذا الرد .
2- ص136ج1

والطين ).

وأما النقل : فقد تقدم مكرراً:أنه حديث الثقلين ،القائل:(إني مخلف فيكم الثقلين،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا:كتاب الله وعترتي أهل بيتي،لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ).

إلى غير ذلك من النصوص الصريحة دلالة ، القطعية الصدور سنداً.

وفي النقل ما في العقل من دلالة وزيادة ، وهي : كون هذا المعصوم من أهل بيته صلی الله علیه وآله ، وأهل بيته هم:أهل آية التطهير وأصحاب آية المباهلة .. إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي أجمع عليها المفسرون سنة وشيعة ، من غير استلزام ذلك مسّاً لكرامة الخلفاء الثلاثة .

2.المهدوية وابن خلدون:

المهدوية هي : خروج رجل من بيت أهل النبوة، هادٍ مهدي يملأ الأرض

قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وقد أجمع على ذلك المسلمون .

نعم !نسب لابن خلدون -في مقدمته - إنكارها ، ولعمري إنه لجدير بذلك، لاعتدال سليقته واستقامة فكرته ! وأنور برهاناً على ذلك الاعتدال وتلك الاستقامة ، نسبة الابتداع -الذي هو الضلال- لأهل الهدى والرشاد! وتوصيفه عبد الملك بن مروان بالعدالة !وعبدالملك ممن اتخذ دين الله دخلاً ومال الله دولاً وعباده خولاً ، وذلك بنص رسول الله صلی الله علیه وآله.

فإن يكن المصنف مصادقاً على هذه الفكرة الشريفة فهنيئاً له ومريئاً!

3.وجود المهدی:

إن المهدي قد وجد، وهو من صلب الإمام الحسن العسكري علیه السلام الإمام الحادي عشر ، استناداً إلى الأخبار المتواترة عن الإمام العسكري علیه السلام من أنه يخرج إلى أصحابه غلاماً، ويقول لهم:هذا ابني محمد، وينص عليه بالإمامة، ويخبرهم بأن له غيبتين : صغرى وكبرى .

مضافاً إلى : الأخبار المتواترة عن الأئمة علیهم السلام، الذين قبل الإمام الحسن

ص: 166

العسكري علیه السلام، وفيها ما هو منسوب للرسول صلی الله علیه وآله صريحاً مفصلاً من أن الإمام المهدي علیه السلام اسمه ( محمد ) من صلب الإمام الحسن العسكري علیه السلام.

فالسنة القطعية عن النبي صلی الله علیه وآله يتوسط أهل بيته علیهم السلام هي : الدليل الذي اضطر الإمامية وألزمهم بالإقرار بوجود الإمام المهدي علیه السلام.

واعترف بوجود الإمام المهدي ثمانية وأربعون عالماً من علماء أهل السنة، ذكرهم المحدث الأعظم (ميرزا حسين نوري) في كتابه (كشف الأستار) وقد وقفت على ذلك لعالمين اثنين منهما وهما: ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) والقرماني في ( أخبار الدول ).

والظاهر:أن اعتراف المؤرخين من هؤلاء العلماء،مستند لخبرة تاريخية بوجوده علیه السلام، إذ أن المؤرخ شأنه:ذكر ما صار تكويناً في الزمن، وإن ذكر أمراً شرعياً أو مستنداً لأمر شرعي فهو بالعرض .

وقد أشار الناظم البغدادي ، إلى أن الخلاف في وجود الإمام المهدي علیه السلام موجود بين المسلمين من غير خصوصية لقول الإمامية بوجوده، حيث قال :

أيا علماء العصريا من لهم خبر *** بكل دقيق حار من دونه الفكر

لقد حار مني الفكر بالقائم ال *** ذي تنازع فيه الناس واشتبه الأمر

فمن قائل : بالقشر لب وجوده *** ومن قائل : قد دب عن لبه القشر

فتراه : نسب النزاع إلى الناس. أي إلى المسلمين-من غير تخصيص القول بوجوده لفرقة خاصة ، وذلك لطول باعة في الفحص والتتبع،فعثر على موافق من أهل السنة للإمامية، على القول بوجود الإمام المهدي علیه السلام .

أما المصنف : فما كان في وسعه - وقت ألّف فيه كتابه - الفحص

ص: 167

والتتبع، إلا إلى ما يشين الشيعة ويشوه سمعتهم!غفلة عن أن ذلك مما يزين الشيعة ويحسن سمعتهم، فإن القارئ إذ عرف حقيقة الحال، كان عنده المصنف على إحدى حالتين:إما قصور الباع في الاطلاع، وإما الغش والتدليس في مقام المناظرة والجدال،وكل من الحالتين خلل في المصنف و التصنيف، وإن كانت الثانية أعظم خللاً.

ومن أعجب غفلات المصنف ، عدّه القول بوجود الإمام المهدي علیه السلام من أشنع المهازل والنقائص الفكرية !مع أن غاية جهده في المقت : نفي الحجج على وجوده وأنصاف الحجج وشبهها كما يقول .

أما هو نفسه فيتولى ويأتمّ بمن قد ذمه وأسقطه عن الاعتبار كل من الكتاب والسنة، وهم الملوك من بني مروان،والملوك من بني العباس ! أما بنو مروان : قد تقدم نقل ما ورد في ذمهم ، كتاباً وسنة قطعية الصدور عن الرسول صلی الله علیه وآله بأفانين شتى في الذم.وأما بنو العباس:فهم أصحاب الخمور والأغاني وآلات اللهو والطرب وارتكاب المحرمات بالضرورة الدينية.

فإن كان القول بالشيء مع عدم الدليل عليه، من أشنع المهازل والنقائض الفكرية،فالقول بالشيء مع وجود الدليل على نفيه أشد شناعة وأشد..و أشد...! وحينئذ يقال للمصنف :

فعظ النفس أولاً وعظ النا *** س أخيراً، من استقام أقاما

هذا كله.. مع تسليم عدم الدليل ، وإلا فقد تجلى لك الدليل .

وأعجب من غفلته تلك:ما سيأتي الكلام عليه.إن شاء الله-في الجزء الثاني من كتاب المصنف ، عند قوله يرجعان إتباع آثار بني العباس!

ولولا أننا ننزه المصنف لقلنا له : استعد للخمر بمعاصر وعصارين ؛ وللعود والمزهر والناي والطنبور بخشب ونجارين،واجمع شتات المغنيات والمغنين ، وعند ذلك يتمّ لك اتباع : تلك الأمور الشريفة !والاقتداء بتلك الأفعال الجميلة ! والأعمال الكريمة الله أبو المصنف !سامحه الله ، إنه

ص: 168

علی کل شیء قدیر(1).

خروج المهدي و... والسرداب:

اشارة

الأصل:(وإذا ما قيل لهؤلاء إذا ما كان هذا الإمام المعصوم المزعوم موجوداً بين أظهر الناس وأنتم تصفونه بأكمل الأوصاف من العصمة والقوة والعلم والعدل والرحمة بالخلق وحب الحق،فلماذا لا يظهر للناس أو لكم وحدكم ليقول الحق وينصره ويخذل الباطل ويكسره، وليدفع عن دين الله المهتضم، وليقضي بين الناس فيما اختلفوا فيه، بل وليقضي بين الشيعة أنفسهم في المسائل والاعتقادات التي اختلفوا فيها، أو إذا كان موجوداً كما تدعون فلماذا لا يخرج المصحف الصحيح الذي تدعونه،والأمر الجديد في الدين الذي تزعمونه، ولماذا يظل متخفياً هاربا بنفسه وأتباعه ومن به يؤمنون وإياه ينتظرون، بل وذرية علي وولده مظلومون مضطهدون كما تدعون، إذا ما قيل لهم لماذا لا يخرج لأجل هذه الأغراض الشريفة و المطالب العالية لم يجدوا جواباً غيرهروبهم إلى وصفه بالجبانة والمخافة والاختفاء خوف الأعداء ما أهونها من دعوى وأهونه من جواب!

ما آن للسرداب أن يلد الذي *** ثلثتموه بزعمكم ما أنا ؟

فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانا)(2)

إن المصنف مسبوق على هذه المقالة الكريمة الوليدة لتلك الفكرة الشريفة ! والجواب يقع في مطالب :

ص: 169


1- ولعل هذه الكلمات من شيخنا أبي الحسن قدس سره استشراف لعالم الغيب واطلاع على المستقبل ، فإن القصيمي قد كفر في آخر عمره ، وارتدّ عن الإسلام - كما سنوافيك بكلمات أهل نحلته في هذا الجانب - وعاش في مصر إلى أن مات ، ولا يبعد أن غرق في الخمر وجمع شتات المغنيات في تلك الأوقات .
2- ص 1136 - 137 ج1.
1.لماذا لم يخرج المهدي ؟

إن الوجه في عدم خروج الإمام المهدي علیه السلام موكول إلى من أوجده تكويناً، ووظّفه تشريفاً هذا على جهة الإجمال .

وإما على جهة التفصيل،فهو:إما لفقد شرط للخروج ، أو لوجود مانع منه، وله في التكوين أشباه ونظائر ، فكثير من الأنبياء -إن لم يكن كلهم - لم يشرع الله لهم بثّ الدعوة، إلا بعد مضي مدة من أعمارهم الكريمة، و تفاوت المدة -طولاً و قصراً - غير ضائر،إذ أن الأمر دائر مدار وجود الشرط أو فقدان المانع ، فالمدة لا اعتبار بها طالت أو قصرت .

وأما دعوى:أن الإمامية تجيب عن ذلك:أن الإمام المهدي ممتنع من الخروج خوفاً من الأعداء، فهي من الخيالات المنامية، أو من المخيّلات والوهميات المثارة من الحدة حال الجدال .

2.صفة المهدي ووظيفته:

إن قوله ( وأنتم تصفونه بأكمل الأوصاف ) ... إلخ . يرد عليه:

إن الشيعة لم تختص بوصف الإمام المهدي علیه السلام بالأوصاف الحميدة والأخلاق الجميلة ، بل هذا قول المسلمين قاطبة، من قال منهم بوجوده ومن لم يقل،لكن المصنف تجره الغفلات إلى جحود الثابت وادعاء المنفي!

وأما قول المصنف:(فلماذا لا يخرج المصحف الصحيح الذي تدعونه والأمر الجديد ) ... إلخ . ففيه : إنك قد عرفت أن المصحف هو المصحف،ولا دين جديد غير دينه صلی الله علیه وآله، فحرامه صلی الله علیه وآله حرام إلى يوم القيامة، وحلاله حلال إلى يوم القيامة . ووظيفة الإمام المهدي علیه السلام هي:تطهير الأرض من جراثيم الظلم والضلال والفساد ، حتى تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

3.شبه ألقيت حول غيبته:

ألقيت حول غيبة الإمام المهدي علیه السلام شبه .

ص: 170

منها:ما أشرنا إليه من طول المدة ،وقد ألقاها كثير من المخالفين في وجوده علیه السلام بل عدّوها من المنكرات . وليت شعري هل هي وحيدة في المعتقدات الإسلامية ؟ كلا . فإن المسلمين قاطبة يعتقدون وجود الخضر مغيباً، قبل وجود الإمام المهدي علیه السلام بمدة متطاولة، وهو باق إلى حيث يشاء الله.وقد أجمعوا على أن هذا الموجود الصالح المغيب،لم يدّخره الله تعالى لتجديد شرع أو لقلع جراثيم ظلم وعدوان لم يحدث بعد،وإنما اقتضت الحكمة التكوينية بقاءه .

واعطف على ذلك : وجود الدجال مستمراً إلى آخر الزمان ، مع أن وجوده سابق على وجود الإمام المهدي علیه السلام ، والدجال شرير وأيُّ شرير! فلا يعلم المصلحة التفصيلية في وجوده،فضلاً عن بقائه إلا موجده ومبقيه تبارك وتعالى . والعجيب : أنه مسجون مكتوف ، ملقى في قبة في جزيرة من جزر المعمورة .

وأعجب من ذلك : ما تداوله بعض المؤرخين من أهل السنة، ومنهم : كمال الدين الدميري ، فإنه ذكر في( حياة الحيوان الكبرى ) قصة (نضلة)، وذكر: أن رجلاً من أوصياء نبي الله عيسى علیه السلام قد سكن جوف الجبل،و الجبل منطبق عليه منذ أيام روح الله عيسى علیه السلام وهو باق حتى يخرج عيسى علیه السلام . فإذا كان مثل هذا في العقائد الإسلامية، فما الذي أوجب إقرار الاعتقاد بالخضر والدجال،والرجل المنكن في جوف الجبل، وأوجب إنكار اعتقاد وجود الإمام المهدي علیه السلام!؟بل جعله من الآراء السخيفة، والأفكار العفنة ، ولقد كان غيره أجدر بذلك منه!

ومنها: إن الوقت داع لوجوده،إذ الظلم والجور قد انتشرا في الأرض و عمّا البسيطة . ويرد عليه :

أولاً: إن ذلك إن كان قاضياً بخروجه ، فعدم خروجه دليل على عدم

ص: 171

وجوده، فليكن قاضياً بتولده،حتى لا تمضي مدة عشرين سنة أو أقل إلاو هو قابل للمحاماة عن الدين والذبّ عن الشرع .

والمعترض لا يقول بتولده قطعاً. ولازم ذلك : إما نفي المهدوية أصلاً ورأساً - ونفيها باطل بالبديهة الشرعية - أو كون عدم خروجه ليس دليلاً على عدم وجوده، لتوقفه على وجود شرط أو فقد مانع.

ثانياً: أن النصوص إنما دلّت على أنه يخرج عند امتلاء الأرض ظلماً وجوراً فهو يعمّ ابتداء الامتلاء وأثناء الامتلاء.

الإشكال إنما يتمّ لو كانت دلالتها على الخروج عند ابتداء الامتلاء.

ثالثاً: إن امتلاء الأرض ظلماً وجوراً بعد لم يتحقق ، لوضوح : إن الامتلاء الحقيقي لا يبقى فراغاً من الإناء ، ولا بقدر الشعرة ، والامتلاء العرفي لا يتحقق حتى لا يبقى من الفراغ إلا شيء ما.

ومن الواضح:أنه لا يتحقق امتلاء الأرض ظلماً وجوراً.وأخذ الامتلاءعرفياً-إلا إذا نبذت معالم الدين وانطمست أعلام الشرع إلا نزراً ما .

وهذا غير متحقق قطعاً، وذلك بحمد الله لقيام عمود الدين ...

4.السرداب:

لم أسمع من أحد من العلماء ولم أقف على قول واحد منهم،بأن الإمام

المهدي علیه السلام قاطن في ( السرداب ) في (سر من رأي ) ولا أنه غاب منه .

وإنما الموجود بأيدي العلماء:أن للسرداب أحكاماً شرعية استحبابية ،من ذكر ودعاء وشبه ذلك من الأمور الراجحة .

والسر التشريع على الظاهر،هو:أن السرداب محل لعبادة الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما السلام ، اختاراه لذلك لبعده عن العائلة وصخبها، ليكون القلب متوجهاً نحو العبادة بلا مانع . ولو بقي محل عبادة للرسول صلی الله علیه وآله أو لأحد الخلفاء الراشدين أو

ص: 172

واحد من الصحابة المعظمين - كالسرداب- لكان جديراً منه تعالى بتشريع أحكام استحبابية عبادية .

فما ينسب للشيعة من أن المهدي علیه السلام قاطن في السرداب أو أنه غاب منه، فإنه ناشئ من الأطياف المنامية الثائرة من التخم الغذائية .

ولا نقول:فعلى عقل صاحب هذه النسبة العفاء-وإن كان هو بذلك

الحقيق- لأنا لا نخرج عن سمت المناظرة .

المهدي والعصمة عند الفرقتين:

الأصل:(ومن ذا الذي لا يستطيع أن يدعي دعوى الشيعة في الإمام المنتظر المعصوم ، فيزعم مثلاً أن تمت معصوماً آخر منتظراً خروجه،يخالف معصوم الشيعة ويكذبه ويكذب قولهم فيه،ثم يزعم كما تزعم الشيعة أنه يتلقى من المعصوم المفروض وجوده عقائده وآرائه ومذاهبه وكل ما يتصل برأيه ودينه وصلته بالله وبالعالمين الدنيوي والأخروي ، ثم يزعم فيه كل ما تزعم الشيعة في منتظرها من العصمة والمعرفة والقوة والكمال وغيرذلك!)(1)

لله در المصنف!لا تحصي غفلانه!

لا شبهة في:أن أجماع المسلمين قد قام على أن لا معصوم في الأمة غير

النبي صلی الله علیه وآله وغير الأئمة : أمير المؤمنين علي علیه السلام والأحد عشر من ولده علیهم السلام.

فمدعي العصمة لغيرهؤلاء خارج عن سنن الإجماع الواجب الاتباع داخل

في مفهوم قوله عزوجل :«يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»(2).

أما العصمة بالنسبة إلى الرسول صلی الله علیه وآله ، فمجمع على ثبوتها في حقه في

ص: 173


1- ص 137 ج 1
2- النساء ، 115 .

البلاغ . ولا عبرة بما نسبه ابن حزم إلى بعض الأشاعرة ، من عدم قوله بها

في البلاغ (1)فإنه اشتباه صرف من ابن حزم وخطأ محض، وقيل: إنه بهت -من ابن حزم - وزور وكذب ! ولكنا لا نتعدى عن السنن في المناظرة .

وأما بالنسبة لأمير المؤمنين علي علیه السلام والأحد عشرمن ولده علیهم السلام فقد أجمعت الإمامية على ثبوتها لهم عليهم السلام أجمع. وتوافقهم على العصمة الفرق الشيعية بالنسبةإلى من توافقهم على إمامته ، إلا الزيدية فإن رأيهم في عصمة أمير المؤمنين علي والحسنين علیهم السلام لم يعلم .

والحق : أن العصمة عصمة في الأحكام الشرعية الكلية والأحكام الشرعية الجزئية وغيرذلك ، لكون العصمة مخلوقة له تعالى، بخلق الذات، فهي من لوازم الذات ، والذاتي ليس مأخوذاً بالوجوه والاعتبار ، فلا يصح أن يقال: هو ثابت بالنسبة إلى كذا، منفي بالنسبة إلى كذا .

مضافاً إلى استلزامه فتح باب واسع للتكذيب بالعصمة،في البلاغ كقصة ذي اليدين معه صلی الله علیه وآله، وكون صلاته صلی الله علیه وآله معرضاً للنزاع والجدال بينه وبين ذي اليدين كصلاة سائر الناس .

واعطف على العصمة وجود إمام غائب،فإنه قد قام إجماع المسلمين على أن لا إمام موجود غائب غير ثلاثة ، وهم : الإمام المهدي علیه السلام ومحمد بن الحنفية وإسماعيل بن الإمام الصادق علیه السلام.

فمن ادعى وجود إمام غائب غيرهؤلاء الثلاثة فقد حادعن محجة إجماع

المسلمين ، وتنكب طريقة اتباع المؤمنين .

أما هؤلاء الثلاثة ، فقد قالت الإمامية بوجود الإمام المهدي علیه السلامو الكيسانية بوجود محمد بن الحنفية والإسماعيلية بوجود إسماعيل .

ص: 174


1- ذلك لأن ابن حزم نقل عن بعض الأشاعرة:جواز كذب الأنبياء في البلاغ، والكذب في البلاغ منافي للعصمة فيه ، وإن كان الكذب( خبرياً )لا(مخبرياً)، فإن عمم الكذب للمخبر ، لزم: جواز فسق الأنبياء حتى في البلاغ والعياذ بالله .

وأهل السنة قاطبة قد نفوا العصمة عن غير الرسول صلی الله علیه وآله، ومنعوا من وجود إمام غائب،سوى الثمانية والأربعين عالم المتقدمي الذكر، فإنهم قد اعترفوا بوجود الإمام المهدي علیه السلام .

فتلخص من ذلك بحسب رأي المسلمين : ثلاثة أقوال :

1. عصمة النبي صلی الله علیه وآله، وهي ثابتة في البلاغ بإجماع المسلمين .

2. وعصمة أمير المؤمنين علي علیه السلام وأولاده الأحد عشر علیهم السلام، وهي محل خلاف بين المسلمين ، فمنهم من أثبتها ومنهم من لم يثبتها .

3. وعصمة لغير رسول الله صلی الله علیه وآله ولغير أمير المؤمنين علي علیه السلام ولغير أبنائه الأحد عشر علیهم السلاموهي منفية بإجماع المسلمين .

ومن هذا يتجلى-تجلي الشمس في رائعة النهار - بطلان ادعاء العصمة الأحد من الناس غير من ذكر ، وادعاء وجود إمام غائب غير الثلاثة ، فلا موقع لقول المصنف: ( ومن ذا الذي ) ... إلخ .

المستند في وجود المهدي:

الأصل :( واعجباً لقوم يعترفون بالزعامة والرئاسة لمن لا يرىولا يحس ولا يسمع له قول أو يرى له أثر أو تشم له رائحة أو يدل على زعامته و رئاسته شيء من الأشياء المحسة أو المعقولة،والناس يعجبون ممن يزعّمون عليهم جاهلاً ضعيفاً عن القيام بفروض الزعامة وحقوقها ، فكيف بقوم يسلمون قيادة زعامتهم عن رضا وطواعية إلى ميت من مئات الأعوام بل إلى معدوم لم يوجد بالصفة المذكورة عند الشيعة .

وإذا ضلت البصائر يوماً *** فماذا تقوله النصحاء ؟)(1)

إنه قد تقدم : إن مستند الشيعة في هذا الوجود الشريف، هو النص

ص: 175


1- ص 137 -138 ج1

المتلقي عن النبي صلی الله علیه وآله بتوسط أهل بيته علیهم السلام إخباراً شرعياً تارة وإخباراً تاريخياً تارةأخرى، وصادقهم على ذلك ثمانية وأربعون عالماً من أهل السنة ومنهم مؤرخون ، ومن صدر عن أمر ورغب عنه خفي عليه ، وإن كان طوداً شامخاً أو بدراً تاماً أو نهاراً ناصعاً :

وليس يصحّ في الأفهام *** إذا احتاج النهار إلى دليل

ومن أعجب غفلات المصنف:استدلاله بالكبرى ، مع أن النزاع في الصغرى!، إذ أن من البديهي : أن النزاع بينه وبين الشيعة في : أن الإمام المهدي علیه السلام وجد أم لم يوجد ؟ فالشيعة : تقول بالوجود وهو ينكره .

فالاستدلال على نفي وجوده،بأن زعامة المعدوم من سفه الآراء وزلل

الأهواء هو: الحقيق بكونه من سفه الآراء وزلل الأهواء .

فإن الكبرى مسلمة ولا ريب ، وليست من محل النزاع في شيء .

والمصنف -سامحه الله - ليس بقاصر عن إدراك هذه السخافة والسقوط ولكنه أخذته الحدة على الشيعة ، فطفق يكتب ما جرى به القلم ، مما يراه شنآناً على الشيعة ! وغفل عن أن الشنآن هو : في التعدي عن القياس والنمط الأوسط ، عقلاً وعرفاً.

ص: 176

مؤلف كتاب ( الصراع بين الإسلام والوثنية):

*مؤلف كتاب ( الصراع بين الإسلام والوثنية)(1)

عبدالله بن علي الصعيدي ، ولد في عام1907م في خب الحلوة في مدينة (بريدة) في السعودية ، طلق أبوه أمه وتركه معها وهو صغير وسافر عنه إلى الشارقة، قال عنه الشيخ إبراهيم السويح النجدي:(هو الذي لقب نفسه بالقصيمي وإلا فلا يعرف له نسب من جهة أبيه في القصيم).

تلقى تعليمه السلفي في الرياض والشارقة والزبير والكاظمية ودمشق و القاهرة ، وفي سنة 1927م التحق بالأزهر ، إلى أن نشر العالم الأزهري الشيخ يوسف الدجوي مقالته ( التوسل وجهالة الوهابيين ) سنة1931 في مجلة (نور الإسلام )وهي من ضمن عدة مقالات ردّ فيها على الأفكار الوهابية ودافع فيها عن شعائر تكريم الأولياء ، فأصدر القصيمي كتابه ( البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية )، فقرر علماء الأزهر فصل القصيمي منه،فشنّ عليهم هجومه بكتبه(شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام ، الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم ، الثورة الوهابية ) .

كتب ( الصراع بين الإسلام والوثنية )رداً على الإمام السيد محسن الأمين العاملي قدس سره في كتابه(كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب )، فاستحسنه السلفيون وعظموه، ومدحوه بقصائد وكلمات،حتى قال عبد الله عبدالجبار في كتابه (التيارات الأدبية): أن أحد علماء نجد قال:إن القصيمي دفع مهر الجنة ولن يضيره ما يعمل بعد ذلك،ولا نجد رأساً يطاول رأسه إلا رأس ابن تيمية !!

تغير فكره فانقلب على التيار السلفي، أصدر (هذه هي الأغلال) فقوبل

ص: 177


1- ملخصاً من عدة مقالات منشورة على صفحات الأنترنت ، في المواقع ( إيلاف، صید الفوائد ، ويكيبيديا ( الموسوعة الحرة )) .

بالاستحسان من قبل البعض،فكتب الشيخ الأزهري الشيخ حسن القياتي مقالة في المقتطف،قال فيها(شكل ابن خلدون رائد الاشتراكيين طليعة معسكر الإصلاح في الشرق،وشكل الأفغاني وتلميذه محمد عبده والكواكبي جوانبه، أما القصيمي فهو قلبه) كما رأى أن هذا الكتاب يصلح لأن يكون برنامجاً للتعليم الوطني وخطة ناجحة للإصلاح،وكتب عنه العقاد في الصفحة الأولى من مجلة الرسالة، بينما اعتبره قومه السلفيون بدايةإلحاده وكفره وصنفوه متمردا على السلفية ، فأصدر الشيخ القصيمي عبدالرحمن بن سعدي كتابه(تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلالهو أصدر عبدالله بن يابس وهو صديقه وصاحبه في سفره إلى القاهرة(الرد القويم على ملحد القصيم)،وتوالت علية الردود والهجمات من أصحابه،و ذكر عبدالله عبدالجبار في كتابه(التيارات الأدبية):أن أحد الوجهاء في السعودية قالبغضب:لن يغفر الله للقصيمي،أما تلامذته فقد يتوب عليهم لأنه مغرر بهم ! وحتى أنهم حاولوا اغتياله ،فبينما هو في مصر إذ وجد شاباً سعودياً جاء من السعودية خصيصاً لقتله، بحجة أن العلماء أفتوا هناك بجواز قتله لأنه خرج عن الإسلام في كتابه الأغلال.

ثم أعقبه بعدة كتب تخدم الغرض نفسه فتعلي منزلته ومكانته عند المتحررين، وتتسافل بمنزلته عند جماعته السلفيين ، مثل كتبه:(العالم ليس عقلاً، العرب ظاهرة صوتية ،الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات، يكذبون كي يروا الله جميلا ، هذا الكون ما ضميره ؟ ... وغيرها ).

وقد اجتمع بالأستاذ حسين أفندي يوسف،ونشر عنه مقالاً في مجلة النذير، جاء فيه : أنه حدثه أحد الثقات أنه لقي القصيمي فقال له :

من أين أقبلت ؟ فقال : من عند هدى الشعراوي!

فقلت له مستغرباً : هدى الشعراوي ؟ فقال : نعم .

ص: 178

فقلت :وماذا تصنع عندها؟فقال:تعلمت منها علماً لا يعرفه علماء الأزهر!

فقلت : وماذا تعلمت منها ؟ فقال : تعلمت منها كيف أحطم الأغلال! قلت : أي أغلال تعني ؟ قال : أعني هذا الحجاب .

وقع الخلاف بين فرقته في سبب إلحاده فقائل لأنه ارتشي بأموال طائلة،و قائل أنه كان شاكاً من بدء أمره،وثالث أنه ممن طبعه ركوب الموجة التي تخدمه، فحين رأى فرصته مع موجة السلفية ركبها إلى أن استنفذ فوائده منها، ثم اتجه إلى موجات القومية واليسارية والشيوعية وغيرها، إلى آخر يقول (لما ظهر أمره وسطعت شمسه وذاع صيته اغتر بنفسه وداخله الكبر والكبرياء،فكان عاقبة كبره وغروره أن خذلهالله وتركه ونفسه فآثر الخلود للدنيا فسقط مع الساقطين لما انقطع منه توفيق الله ) .

ولهلك تتعرف على سر انقلابه من قوله:( أنا لا أحب الحقيقة ولا كرهها ، وإنما أحب ما يلائمني وأكره ما سواه ، لست أحترم شيئاً أو أدافع عن شيء لأنه عدل أو حق ، ولكني لأني أهواه أو أستفد منه،أو أعيش فيه،أو أدافع عن نفسي وأثني عليها بالدفاع عنه والثناء عليه ، أو لأني عاجز نفسياً أو اجتماعياً عن الخروج عليه أو التلائم مع نقيضه )(1)

ومن هنا نعلم سوء نيته وخبث سريرته،فلو كان مراده طلب الحقيقة و بيانها لاهتدى إلى الرشد والصواب فالله سبحانه وتعالى يقول :«وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»(2)وحيث إنه لم يهتد إلى سبيل الله بل حاد عنه فهو لم يجاهد في سبيل الله.

ص: 179


1- العالم لیس عقلاً ، ص183.
2- العنکبوت ،69

فهو الذي(...يُعتبر من أكثر المفكرين العرب إثارة للجدل ،بسبب انقلابه من موقع النصير والمدافع عن الوهابية والأصولية السلفية إلى الإلحاد، كما بسبب مؤلفاته التي تهاجم الوجود العربي،وتقضه من أساسه،ومن أشهرها ( العرب ظاهرة صوتية ).

وهو الذي(یُصنف على أنه حامل لواء الليبراليين العرب،وقائدهم في معركة حامية الوطيس، كان طرفها الأول ).

ومع هذا فيبقى الثناء عليه وشكره على ما قدّمه هجوماً على الشيعة،فإن كان هو الملحد والكافر والمتكبر..و..(وثواب قتله الجنة )و( لن يغفر الله للقصيمي )،إلا أن لسان حالهم الشيخ(ابن عقيل الظاهري)يقول:( أرجوله في شخصه أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة ،فتكون خاتمته حسنة إن شاء الله ، فإن هذا الرجل الذي ألف ( الصراع بين الإسلام والوثنية ) ممن يؤسف له على الكفر)،والظاهري هذا هو القائل:عن الأفكار التي تدور عليها كتب القصيمي :( ومدار هذا الغثيان على العناصر التالية :

إنكار الحقيقة الأزلية ، وما غيبه الله عن خلقه .

مهاجمة الأديان والأنبياء.

الاستخفاف بالموهبة العربية .

التحدي للقضايا العربية والإسلامية .

التغني بألام الإنسان وتعاسته ...(1)

وقد مات في 1996/1/9م في القاهرة ودفن بها،وأفكاره اليوم محل

احتفاء من قبل السنة المتحررين .

ص: 180


1- ليلة في جاردن سيتي وسويعات بعدها أو قبلها(حوار مع عبد الله القصيمي) ص14 - 15.

إمام العصر الشيخ فرج آل عمران قدس سره

اشارة

*إمام العصر(1)

في هذه الليلة المباركةالميمونة السعيدة يحتفل العالم الشيعي من أقصاه إلى أقصاه بذكرى ميلاد(إمام العصر)الحجة القائم المنتظر المهدي بن الإمام الحسن العسكري ابن الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.

ميلاده:

ولد به علیه السلام في فجر ليلة الجمعة النصف من شهر شعبان المبارك سنة 255ه أو سنة 256ه.

وفاة والده :

وتوفي والده علیه السلام في سنة 260ه وهو ابن ست سنوات وذلك في خلافة المعتمد ابن المتوكل العباسي.

إلقاؤه في البئر المباركة:

ولما مات والده أمر الخليفة بتفتيش منزله ليقبض عليه فألقته أمه الحنون نرجس في بئر المنزل واثقة بأن الله سيحفظه كما فعلت أم موسى بموسى حيث ألقته في اليم ، ولما أمنت الطلب جاءت إليه وأخذته سالماً .

سمعت هذه الحكاية من العلامة الشيخ نجم الدين العسكري نزيل سامراء بالأمس ونزيل بغداد اليوم .

ص: 181


1- الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية ج10ص 266 - 275

فهذه البئر مباركة وميمونة لحصول جثمان الإمام فيها .

قال العلامة العسكري:وأما ما يقال من أنه وقعت فيها قطرة من حليب نرجس لا أصل له عندنا .

غيبته علیه السلام وسفراؤه :

وله علیه السلام غيبتان صغرى وكبرى ومدة الأولى سبعون سنة تقريباً،و مدة الثانية علمها عند الله ، وله في الأولى أربعة سفراء يتشرفون برؤيته ويأخذون منه معالم الدين ويبلغونها شيعته المساكين وقد ألقى الله عليه حجاب الغيبة وستر الخفاء وهو يتعبد في السرداب .

ذلك السرداب الذي هو محل تهجد والديه الإمامين الهمامين الهادي و العسكري،لحكمة يراها العزيز الحكيم اللطيف الخبيركما القى الله حجاب الغيبة على جده المصطفى ليلة الهجرة من مكة حيث خرج على قومه الذين يرصدونه ليقتلوه أخذ صلی الله علیه وآله حفنة من تراب فجعله على رؤوسهم وهو يتلوهذه الآيات من :«يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ»إلى قوله : «فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(1)ثم انصرف فلم يروه .

فإسدال حجاب الغيبة وستر الخفاء من فعل الله سبحانه القادر على كل

شيء لا من فعل الإمام.

وإنما قلنا إسدال حجاب الغيبة من فعل الله سبحانه لا من فعل الإمام لأن اعتقادنا معاشر الإمامية في الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين أنهم عباد مربوبون لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا

ص: 182


1- الآیات المبارکة :«يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»

نشورا، وإنما هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وإذا كان الفعل من الله فلا كلام لمن سواه،وأما ما ينسب إلينا من القول بأنه غاب في السرداب فلا أصل له عندنا .

وقول الجاهل منا بذلك على تقديره،لا حجة فيه على أهل العلم و المعرفة، وأما سفراؤه الأربعة فإليك ذكرهم .

سفراؤه:

السفير الأول : هو عثمان بن سعيد العمري المتوفي 280/5/15ه ،وقبره في بغداد على جسر المعظم في شارع الميدان .

السفير الثاني:هو محمد بن عثمان بن سعيد العمري المشهور بالخلاني المتوفي آخر جمادى الأولى عام 305ه ،وقبره أيضاً في بغداد في شارع الخلاني .

السفير الثالث:هو أبو القاسم الشيخ حسين بن روح المتوفي 326/8/16 ه ، وقبره أيضاً في بغداد في سوق الشورجة .

السفير الرابع : هو علي بن محمد السمري المتوفي 329/8/15ه ، وقبره أيضاً في بغداد في سوق الحرج.

خروجه في آخر الزمان:

قد اتفق أكثر المسلمين على خروج رجل في آخر الزمان يقال له المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإنما اختلفوا في وجوده وفي نسبة:

فقيل إنه لم يوجد إلى الآن وإنه عباسي .

وقيل إنه لم يوجد إلى الآن وهو حسني .

وقيل إنه لم يوجد إلى الآن وإنه حسيني .

ص: 183

وقيل إنه موجود الآن وإنه حسيني .

وهذا الأخير هو قول الإمامية وقول جماعة كثيرة من المحققين من علماء السنة والجماعة .

وقد ذكر العلامة الميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320ه ، في كتابه القيم (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) ما يقرب من أربعين عالماً من علماء السنة والجماعة كلهم يقولون بوجود الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري كما تقوله الشيعة الإمامية ونذكر منهم ما يلي :

1. الحافظ أبو الفتح محمد ابن أبي الفوارس المتوفى سنة 412ه ، و ذكر ذلك في أربعينه .

2. الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي المتوفي سنة 638ه،وذكر ذلك ( الفتوحات المكية ).

3.أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفى سنة 652ه ذكر ذلك في ( مطالب المسؤول ).

4. أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658ه

ذكر ذلك في ( البيان في أخبار صاحب الزمان ).

5.الحاقظ محمد بن محمد المعروف بخواجه بارسا الحنفي المتوفى سنة 822ه ذكر ذلك في ( فصل الخطاب ).

6.الشيخ نور الدين علي بن محمد الصباغ المالكي المتوفى سنة 855ه ذكر ذلك في( الفصول المهمة ).

7. نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي الحنفي المتوفى سنة 898ه

ذكر ذلك في ( شواهد النبوة).

8. الشيخ العارف أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة 973ه

ذكر ذلك في ( المواقيت ).

ص: 184

9.الشيخ جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي المتوفى سنة 1000ه ، ذكر ذلك في ( روضة الأحباب ) .

10.الشيخ أبو المجد عبد الحق الدهلوي المتوفى سنة1052ه ،ذكر ذلك في ( المناقب).

وقد نظم هذا الكتاب المستطاب - أعني كشف الأستار - الإمام المغفور له الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء المتوفي يوم الاثنين 1373/11/1/8 ه.

وأما الإشكال على إمكانه فضلاً عن وقوعه بطول العمر ومجاوزته العمر الطبيعي المقدر عندهم بمائة وعشرين سنة أو ما يقرب من ذلك ، فمن العجيب والغريب أن يصدر مثل ذلك من إنسان يدعي الإيمان بالكتاب العزيز الذي نوه بتعمیر نوح المدة الطويلة وبقاء إبليس إلى يوم الوقت المعلوم .

ولا بأس بذكر ما يكسر سورة البعد عن إمكان ذلك لأن وقوع نظير الشيء أدل دليل على إمكان ذلك الشيء فنقول :

ذكر الشيخ أبو حاتم سهل بن عثمان السجستاني المتوفى سنة 250ه قبل ميلاد القائم بخمس سنوات أو ست سنوات في كتابه ( المعمرون والوصايا )عدة من المعمرين نذكر منهم ما يلي :

1.الخضر بن قابيل بن آدم أبي البشر علیه السلام:قال في الكتاب المذكور ص 3 ما نصه : ( ذكر أبو عبيدة وأبو اليقظان ومحمد بن سلام وغيرهم أن أطول بني آدم عمراً الخضر واسمه خضرون بن قابيل بن آدم علیه السلام ) وساق الكلام إلى أن ذكر ما نصه:( أن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه وأنجز الله له ما وعده فهو يحيى إلى ما شاء الله أن يحيى)انتهى.

أقول : وهذا الخضر غير الخضر الذي هو ابن خالة الإسكندر.

ص: 185

2. لقمان بن عاديا الكبير:قال في الكتاب المذكور ص 4 ما نصه :(قالوا وكان أطول الناس عمراً بعد الخضر لقمان بن عاديا الكبيرعاش خمسمائة سنة وخمسين سنة )وساق الكلام إلى أن ذكر ما نصه : ( فأما غير الحسين بن خالد فذكر أنه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة ) انتهى .

أقول:وهذا هو الذي يناسب ما ذكره أولاً من أنه أطول الناس عمراً بعد الخضر يعني الخضر السابق الذكر.

3- نوح شيخ المرسلين علیهم السلام : قال في الكتاب المذكور ص 4 ما نصه :( وعاش نوح النبي ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة ذكر ذلك إسماعيل بن أبي زياد عن ابن أبي عباسالعبدي عن أنس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله لما بعث الله نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وبقي بعد الطوفان خمسين سنة ومائتي سنة،فلما أتاه ملك الموت قال يا نوح يا أبا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ومجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بنى له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر) انتهى .

4. سطيح : قال في الكتاب المذكور ص 5 ما نصه:( قالوا وكان بعده - أي بعد لقمان - سطيح ولد في زمان السيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحواً من ثلاثين قرناً ، وكان سكنه البحرين وزعمت عبد القيس أنه منهم وتزعم الأزد أنه منهم وأكثر المحدثين يقولون هومن الأزد ، ولا ندري ممن هو غير أن ولده يقولون أنهم من الأزد ).

أقول:والقرن مائة سنة على ما هو المعروف فعليهيكون مجموع عمره

ثلاثة آلاف سنة تقريباً والله أعلم بالواقع.

وذكر أبو العباس أحمد بن يوسف القرماني المتوفى سنة1019ه تاريخه ( أخبار الدول ) ( ص 44 ) ما نصه : ( وذكر المسعودي في كتابه ( أخبار الزمان ومن أباده الحدثان ) إن هذا الخضر بن خالة الإسكندر

ص: 186

وكان على مقدمة عسكرذي القرنين الأكبر الذي كان في أيام إبراهيم وبلغ معه نهر الحياة فشرب منه ولا يعلم به فخلد وهو حي إلى الآن وإلى يوم ينفخ في الصور ، فهو نبي معمر محجوب عن الأبصار .

وروى محمد بن المتوكل أن الخضر من أولاد فارس والياس من بني إسرائيل وهما حيان يلتقيان في كل عام بالموسم وأكلهما الكرفس والكمأة فإلياس في البر والخضر في البحر.

الدليل على وجوده:

اشارة

وأما الدليل على وجود صاحب الزمان فقد كفانا المحققون من علماء

السنة والجماعة القائلين بوجوده مؤونة الجواب فإنهم ساقوا الأدلة على ذلك في كتبهم التي ذكرنا بعضها آنفاً، من أراد الاطلاع فليراجعها ولنذكر

منها حديثين تيمناً وتبركاً:

الحديث الأول:

في الباب الرابع والتسعين من كتاب ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان ابن الشيخ إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفي سنة 1239ه عن كتاب المناقب تأليف أبي المؤيد الموفق ابن أحمد الخوارزمي أخطب خطباء خوارزم المتوفي سنة 568ه بسنده عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال : ( دخلت على رسول الله صلی الله علیه وآله، وإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : انت سيد ابن سيد أخو سيد،أنت إمام ابن إمام أخو إمام،أنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم ) انتهى .

الحديث الثاني:

في الباب المذكور من الكتاب المزبور عن الكتاب المسطور ، بسنده

ص: 187

عن جابر بن یزید الجعفي قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : قال رسول الله صلی الله علیه وآله:

( یا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر-ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام-ثم جعفر بن محمد ثم موسی بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمد ابن الحسن بن علي ،ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان .

قال جابر:فقلت:يا رسول الله فهل للناس الانتفاع به في غيبته؟فقال صلی الله علیه وآله : إي والذي بعثني بالنبوة،إنهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان سترها سحاب ، هذا من مكنون سر الله

فاكتمه إلا عن أهله .

قال جابر الجعفي:إن جابر بن عبد الله الأنصاري دخل على علي بن الحسين علیهما السلام إذ خرج محمد بن علي من عند نسائه،فقال له جابر:يا مولاي إن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : إذا لقيته فاقراه مني السلام ، وقد أخبرني أنكم الأئمة الهداة من أهل بيته،من بعده أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً، وقال صلی الله علیه وآله: لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، قال الباقر : ولقد أوتيت الحكم صبياً ذلك بفضل الله ورحمته علينا أهل البيت ) انتهى.

وختاماً أقول :

كل من نازعنا في إمكان مثل هذا الإنسان خصمناه بكتاب الله،ومن جادلنا في وجود صاحب الزمان رددناه بحديث رسول الله صلی الله علیه وآله، ومن لم يقبل منا ذلك فأمرنا وأمره إلى الله وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ص: 188

مناقشة حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر الشيخ فرج آل عمران قدس سره

اشارة

*مناقشة حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر (1)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حصل لدي(حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر عجل الله فرجه)لمؤلفه البحاثة الخطيب السيد محمد صالح بن العلامة السيد عدنان البحراني .

تمهيد :

كنت أسمع لهجة الناس بذكر هذا الكتاب القيّم حتى أهداني إياه الخطيب الملا سعيد ابن الشيخ علي أبي المكارم في أوائل شهر رجب من العام المؤرخ (2)فسرّحت بريد نظري في رياضة الزاهرة واقتطفت بيد فكري من ثماره اليانعة ودعوت لمؤلفه الكريم بدوام التوفيق لتأليف أمثاله من الكتب القيمة .

نعم بما أنه روضة ذات ثمار ولا تخلو الروضة من شوكة ما وما كل ثمرة بلغت النضج:عثرت على زهرات ذات أشواك وثمرات مقتطفة قبل النضج ، ولاعجب ولا بدع فإن الجواد قد يكبو والسيف قد ينبو ، وكما قيل ( من صنّف فقد استهدف ) والكمال لله وحده .

وقد دار في خلدي أن أتكلم على بعض تلك الفكر بما سنح لي من

ص: 189


1- الأزهار الأرجیة في الآثار الفرجیة ج 15 ص 175 - 188
2- عام 1393 ه.

خواطر ونظرات ولكن بعضها يحتاج إلى أفق أوسع من أفقي ومحيط أهدأ

من محيطي والألمعي يفهم ماذا أقول .

نعم هناك مطلبان لا أرى بأساً أن أعلق عليهما كلاماً لا يجرح العواطف خصوصاً وأن المؤلف الثبت من أصدقائي وأودّائي المريدين صداقة ومودة لله وفي الله تعالى ، ومن قرأ مسفوراتي ودرس مؤلفاتي ولاسيما رسالتي (الأ صوليون والأخباريون فرقة واحدة )عرف بوضوح أني لا أحب النقد وأكره الشغب ، والآن آن بيان المطلبين والتعليقين .(1)

المطلب الأول:

اشارة

قال المؤلف أيده الله في أثناء كلامه على الفكرة الثانية من الحصيلةالثالثة ص 25 ما يلي :

(وربما كانت دعوة علمائنا الإمامية لزيارة هذا السرداب والصلاة فيه و زيارته حيث أنه تشرف بسكنى الإمامين علیهما السلام وولادة القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وغيبته فيه - سلام الله عليه -.

أما أنا فلا أرى وجهاً لزيارة هذا السرداب إلا أنه يفتح علينا أبواب السخرية والتهكم والاستهزاء من القوم المنكرين لوجود المهدي ،فإذا كنا نتيقن إن الإمام لا وجود له في السرداب حلولاً ولا اختفاء ولا مروراً، فما معنى تعظيم هذا السرداب وإنشاء الزيارات له والاستیذان لدخوله؟فليس يلام من يظن أننا نعتقد اختفاء الإمام فيه )(2).

ص: 190


1- اقتصرنا على المطلب الأول فقط ، لأن المطلب الثاني لا يتعلق بصاحب الزمان ، وإنما هو متعلق بمعلومة شخصية .
2- في يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1394ه وصلتني نسخة من حصائل الفكر الطبعة الثانية،هدية من مؤلفها الكريم ، فنظرت الفكرة الثانية من الحصيلة الثالثة فلم أجد هذا الكلام . فعليه يكون هذا التعليق بالنسبة إلى الطبعة الثانية لا مفعول له .
التعليق الأول :

قوله أيده الله تعالى :

( أما أنا فلا أرى وجهاً لزيارة هذا السرداب،إلا أنه يفتح علينا أبواب السخرية والتهكم والاستهزاء،من القوم المنكرين لوجود الإمام المهدي).

أقول :

هذا صحيح إذا كان الزائر يزعم أن الحجة منضم تحت أرض السرداب أو مستتر في إحدى زواياه فإن هذا الزعم أسطورة وشبيه بالأضحوكة.

أما إذا كان غرضه زيارة السرداب بمعنى:الحضور فيه لكونه من الأماكن المقدسة والمواضع المشرفة وأن يزور فيه ولي الله الحجة المنتظر علیه السلام لاستحباب زيارته في كل مكان شريف وزمان شريف ، كما صرح بذلك في (مصابيح الجنان ص 361) ، ألا ترى الزائر حين الزيارة يتوجه إلى القبلة لأنها أشرف الجهات ، ولو كان يعتقد أن الإمام علیه السلام متغيّب في السرداب لتوجه إلى محل الغيبة .

فلا ينبغي السخرية ولا التهكم ولا الاستهزاء ومن يسخر حينئذ فما أحراه بقوله تعالى : «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ »(1)

قوله أيده الله:

( فإذا كنا نتيقن إن الإمام لا وجود له في السرداب حلولاً ولا اختفاء ولا

مروراً فما معنى تعظيم هذا السرداب ؟).

أقول :

إن تعظيم هذا السرداب كان لما ذكرهو من أنه تشرف بسكني

ص: 191


1- هود ،38

الإمامين وولادة القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وغيبته فيه .

أقول : ولأنه محل صلاة الإمامين وتهجدهما ومناجاتهما لربهما جلَّ وعلا ولاسيما في أوقات الأسحار ، ومحل صلاة الإمام المنتظر أيضاً ومحل تهجده ومناجاته ، كما أخبرني بذلك العلامة البحاثة الشيخ نجم الدين العسكري نزيل سامراء بالأمس وبغداد اليوم ،وبذلك صرَّح السيد الكاشاني في( مصابيح الجنان ص 350)، ولأنه يصدق عليه أنه من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمة،ولا شك أنه حينئذ من بيوت الله المعظمة وكفى بهذا شرفاً باذخاً ومجداً شامخاً يوجب له التعظيم والتقدير و الاحترام والإجلال ، فلا عجب لوكان محفوفاً بالملائكة الكرام يستغفرون لزائريه والمتعبدين فيه .

نعم كونه موضع ولادة القائم علیه السلام يحتاج إلى مراجعة التاريخ فإذا صح ذلك زاده شرفاً إلى شرفه .

قوله أيده الله :

( وإنشاء الزيارات له )

أقول :

هذا غير واضح فأي زيارة أنشئت له وفي أي كتاب سجلت هذه الزيارة، فهذه كتب الأدعية والزيارات لا نجد فيها زيارة أصلا لخصوص هذا السرداب ، ولا سمع من أحد عالم أو غير عالم أنه دخل هذا السرداب يوماً ما وقال : السلام عليك أيها السرداب الشريف السلام عليك يا محل غيبة الإمام المنتظر .. وما شاكل ذلك .

نعم إن معنى زيارته هو الحضور فيه لا غير،لأنه مكان شريف وحيث أنه كذلك يستحب أن يزار فيه القائم علیه السلام كما تستحب زيارته علیه السلام في كل مكان وفي كل زمان ، ولاسيما الأماكن والأوقات الشريفة كما

تقدم آنفاً.

ص: 192

قوله أيده الله :

( والاستیذان لدخوله ).

أقول :

إن الاستیذان لدخوله ، لكونه ملكاً للقائم علیه السلام تبعاً لدار العسكريين علیهما السلام ، آئلاً إليه بالإرث الشرعي من أبيه الحسن العسكري علیه السلام فهو بيت له ، وإذا صحّ أنه بيت له صدق عليه أنه بيت لآبائه الطاهرين وبيت لجده رسول الله صلی الله علیه وآله ، بموجب قوله سبحانه وتعالى :«وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ»(1)، في التفسير المراد بها بيوت الأبناء . ونظراً لهذا ينبغي لمن أراد الدخول في هذا السرداب ، أن يستأذن من الله سبحانه أولا ، لأنه بيت من بيوته ، ثم من الرسول صلی الله علیه وآله والأئمة عليهم السلام ولاسيما الحجة علیه السلام ومن الملائكة ، كما هو محرر في كتب الأدعية والزيارات .

قوله أيده الله :

( فليس يلام من يظن أننا نعتقد اختفاء الإمام فيه ).

أقول :

إن كان الظان من العوام فلا أهمية لظنه ولا ملام ولا كلام ، وأما إن كان من خواص القوم فبعد اطلاعه على معتقد الشيعة ومع ذلك يظن خلاف معتقدهم فيه فعليه ألف لوم ولوم ، عصمنا الله جميعنا من الزلل في القول والعمل أنه أكرم الأكرمين .

لفت نظر:

ينبغي أن يعلم أن المراد من كون السرداب محل غيبة الإمام علیه السلام، هو

ص: 193


1- النور ،61

أن الله سبحانه وتعالى ألقى عليه حجاب الغيبة وأسدل عليه ستر الخفاء وهو يتعبد فيه ، لحكمة يراها العزيز الحكيم اللطيف الخبير.

كما ألقى حجاب الغيبة على جده رسول الله صلی الله علیه وآله ليلة الهجرة من مكة حين خرج على قومه الذين يرصدونه ليقتلوه ، أخذ صلی الله علیه وآله حفنة من تراب فجعلها على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات : من أولسورة يس إلى قوله تعالى :«فَهُمٌ لَايَبصِرُونَ»ثم انصرف صلی الله علیه وآله فلم يروه ونجاه الله تعالى من القتل .

فإلقاء حجاب الغيبة وإسدال ستر الخفاء من فعل الله سبحانه وتعالى

القادر على كل شيء لا من فعل الإمام علیه السلام.

وإنما قلنا ذلك لأن اعتقادنا معاشر الإمامية في الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين أنهم فقراء مربوبون لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

نعم هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ،وإذا كان الفعل من الله فلا كلام لمن سواه .

وقد ذكرنا هذا الكلام في الجزء العاشر من الأزهار ص 267 عند الكلام على إمام العصر علیه السلام فراجع إن شئت (1).

ص: 194


1- يشير الشيخ قدس سره إلى ما تقدم في ص 18 تحت عنوان ( إمام العصر).

الرجعة الشيخ فرج آل عمران قدس سره

*الرجعة (1)

س2: في كتاب ( فجر الإسلام ) لأحمد أمين ص276ط بيروت سنة 1969م:(فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة )فهل هذا صحيح؟

ج2:الضالة المنشودة لكل ذي وعي وشعور هو الحق،فأينما وجده الإنسان تمسك به ، وافقه أحد من الناس أم خالفه .

والرجعة هنا معناها : رجعة النبي صلی الله علیه وآله والأئمة المعصومین علیهم السلام ومن محض الإيمان محضاً ومن محض الشرك محضاً في هذه الدنيا في عهد الإمام القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لحكمة يراها العزيز الحكيم

ويقع الكلام هنا في مقامين : مقام الإمكان ومقام الوقوع .

أما الأول :

فلا إشكال فيه ، فإن العقل السليم لا يحيل ذلك على الله سبحانه،فإن الله سبحانه كما أنه قادر على إيجاد الشيء قبل أن يكون قادر على إيجاده بعد أن كان وهو أهون وأسهل .

وأما الثاني :

فكفى بالقرآن الكريم شاهداً على إحياء بعض الموتى في الدنيا،قال سبحانه وتعالى : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُ»(2)

وهؤلاء هم أهل مدينة من مدائن الشام ، كانوا سبعين ألف بيت ماتوا

ص: 195


1- الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية ج15 ص 182 - 286. وهذا هو إجابة السؤال الثاني من( اجوبة المسائل الهاشمية )،المقدمة للعلامة العمران قدس سره من سبطه فضيلة السيد هاشم بن السيد عدنان الخباز حفظه الله .
2- سورة البقرة آية 243.

وصاروا رميماً ثم أحياهم الله بدعوة (حزقيل )النبي ، ثم عاشوا ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم.

وقال سبحانه وتعالى :«أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ»(1).

وهذا هو ( أرميا ) النبي أو ( عزير ) على الخلاف بين المفسرين .

إذا عرفت هذا فنقول :

هذه العقيدة ، وهي القول بالرجعة المذكورة ليست من ضروريات الدين ولا المذهب ، فإن فيها خلافاً بين الشيعة الإمامية ، فبعضهم يقول بثبوتها وبعضهم يقول بنفيها وبعضهم يقول بالتوقف ، ولكل قائل وجه .

فالقائل بثبوتها يتمسك بالأخبار الواردة عن أهل البيت علیهم السلام التي تزيد على ست مئة حديث كما قيل .

والقائل بالنفي يتمسك بأن هذه الأحاديث على كثرتها مختلفة مضطربة غير متفقة على معنى،فلا يصح الاعتماد عليها في الأمر الاعتقادي،فإن هذا الاختلاف أسقطها من درجة الاعتبار.

والقائل بالتوقف يقول : لا أقول بثبوتها لاحتمال عدم صحة الأخبار ، ولا أقول بنفيها لاحتمال صحتها ، بل أتدين بما هو الواقع عند الله سبحانه وتعالى .

أقول : وقد تطلق الرجعة ويراد بها رجعة النبي صلی الله علیه وآله أو أحد المعصومين الأحد عشر علیهم السلام في هذه الدنيا بعد موت القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف)أو قتله،لئلا تخلو الأرض من حجة من العترة الطاهرة ، كما ذكر ذلك العلامة الحجة الشيخ محمد الحسين المظفري قدس سره في كتابه( الثقلان الكتاب والعترة ) ص 76 ، والوجه في ذلك أن نقول :

ص: 196


1- البقرة ، 259

قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ( أوشك أن أدعى فأجيب ، إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله جل جلاله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وان اللطيف الخبير اخبرني : أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ).

أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :

- أحدهما في آخر ص17

- والثاني في آخر ص 26 من الجزء الثالث من مسنده،وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد من الرواة عن أبي سعيد وهو ( الحديث 945 ) من أحاديث الكنزص 47 من جزئه الأول (1)

ووجه الاستدلال على المطلوب بهذا الحديث أن نقول :

لا يخفى ما في هذا الحديث من النص على أن الكتاب والعترة لن يفترقا

حتى يردا على رسول الله صلی الله علیه وآله الحوض .

إذا عرفت هذا فنقول :

إنه إذا قام القائم المهدي عجل الله تعالی فرجه ، واستقام إلى ما شاء الله حتى تنتهي دولته العادلة ، وبما أنه بشر لابد له من الموت أو القتل ، فإذا مات أو قتل فإما أن تقوم القيامة وإما أن يبعث الله أحد المعصومين يقوم مقامه ، لئلا يفترق القرآن والعترة ، وإلا فالحديث غير صحيح ، وقد فرض أنه متفق على صحته من الفريقين،هذاخلف فتحصل أن هذه الرجعة جائزة الوقوع وجائزة اللاوقوع .

وقد تطلق الرجعة ويراد بها رجعة طائفة من المؤمنين بعد الموت في هذه الدنيا في عهد القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته،

ص: 197


1- راجع : المراجعات لشرف الدین، ص50

وبرجعة قوم من أعدائه لينتقم منهم وليتأذوا بما يشاهدونه من ظهور الحق وعلو كلمة أهله ولا إشكال في إمكان ذلك وصحة وقوعه .

وأما تأويل رجعة أهل البيت عليهم السلام في أيام القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) برجعة الدولة والأمر والنهي دون رجعة الأشخاص فهو ناش عن قصور الباع والعجز عن الدفاع وضيق الحوصلة عن تحمل هذا المعنى السامي لأهل البيت عليهم السلام .

عصمنا الله وإياكم من الخطأ والزلل في القول والعمل .

وأما قول أحمد أمين في فجر الإسلام : ( فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة ) فلا قيمة له في ضوء المنطق ، بعد أن عرفت أن القرآن الكريم صرّح بثبوتها في الأمم الماضية ، فيلزم على قياس قوله:أن اليهودية ظهرت في القرآن .

ومجرد موافقة أمة لأمة أخرى في بعض الأحكام لا ضير فيه إذا كان حقاً، ألا ترى أن اليهود يختتنون والشيعة والسنة يختتنون ،وأن اليهود يحرمون لحم الخنزير والشيعة والسنة يحرمون لحم الخنزير،وهذا لا يوجب خدشاً فيالدين ولا في المذهب ، كما يراه أحمد أمين في فجر الإسلام (1).

ص: 198


1- راجع : أعیان الشیعة الجزء الأول ص 170 الطبعة الثالثة

أما أنه سيركب السحاب الشيخ فرج آل عمران قدس سره

*أما أنه سيركب السحاب(1)

المقالة الخامسة عشر :

في بصائر الدرجات ج8باب15 بعدة طرق مختلفة ، واختصاص المفيد،و إكمال الدين للصدوق ، ومنتخب الاختصاص بأربعة طرق ، والبحار بالأسانيد عن الإمام الخامس محمد بن علي الباقر علیه السلام ، في وصف الإمام المنتظر القائم من آل محمد علیهم السلام أنه قال فيما قال :

( أما أنه سيركب السحاب وسيرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضيين السبع خمس عوامر وإثنتان خرباوان ).

أقول :

دلالة هذه الرواية على تعدد الأرضيين،واشتمالها على النوع البشري واضحة ، لحكمة علیه السلام بعمران خمس منها ، والعمران لا يكون إلا من أعمال الإنسان .

وأحتمل أن يكون قوله علیه السلام: ( واثنتان خرباوان ) إشارة إلى خلو أرض (عطارد) و (أورانوس) ، كما مرّ ، أو خلو أرض (فلكان) و (نبتون) ، فإن إفراط الحرفي (فلكان) من فرط قربه للشمس وكذا إفراط البرد في(نبتون) من فرط بعده عن الشمس ، مستوجب لعدم صلاحيتهما ونفي

قابليتهما لسكني الإنسان والحيوان ، كما سيأتي بيانه .

وأما قوله علیه السلام : ( ويرقى في الأسباب ) فأحتمل أن يكون إشارة إلى تكميل الأسباب السماوية الناقصة في عصرنا ، من مثل المناطيد

ص: 199


1- أجوبة المسائل الکویتیة ص 36 - 40

والطيارات وبقية المراكب الهوائية التي ترقي بالإنسان وتصعد به بمعونة البخار أو الأجنحة أو غيرها إلى السماء،فلربما تتكامل هذه الأسباب و المراكب إلى عصر المهدي القائم الموعود،بحيث تنزح بالركاب من كرتنا إلى باقي الكرات السامية.

ألا تذكر عجز الإنسان عن صعودهم إلى الهواء بمقدار باع بل ذراع ، حتى كانوا يمثلون للأمر المستحيل بالطيران في الهواء،ثم اقتدروا من ترقي العلوم وتربية الأفكار، إلى أن صعدوا في المراكب الهوائية أعالي الهواء، و رفعوا بها المدافع والأثقال،سائرة بهم فوق السحب والجبال بمئات الأميال.

وخاصة العصر الحاضر المليء بالكشفيات والصنائع الجديدة ، التي تحير العقول من عظمتها ومتانة صنعها ودقة تنظيمها ، هذه الصواريخ تبشرنا بقرب وصولنا إلى كرة القمر ، وهذه الصنائع الجديدة الهوائية تضع أمامنا الوسائل للصعود إلى الكواكب ، التي لم نصدق أن يأتي يوم نحلم بالصعود إليها.

أليست هذه الأقمار الصناعية مما يقرب إلينا ما نقرأه في هذا الحديث الشريف ، من الرقي في السماء وقطع المسافات البعيدة ، في هذا الفضاء الواسع الممتلئ بالعجائب والآيات ؟

فلا تستبعد حصول ما تظنه مستحيلا ، فلربما يأتي يوم تتهيأ لك آلة تعرج بك من كرتنا الهوائية ، فتجول في بيداء الفضاء بعد تكميل سائر المقدمات والمبادئ،وإزالة جملة الموانع العائقة في طريقك ،فتستعد حينذاك للمهاجرة إلى الكرات السامية ، والمعاشرة مع أهاليها وساكنيها، كما يحدثتا به القرآن الكريم :«وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ

ص: 200

فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ»(1)

ولهذا يمكن أن ترتقي العلوم عند س كنة هاتيك الكرات ، فينزلون إلينا بأسبابهم ، ونتعلم منهم الصعود إليهم ، والسفر إلى كراتهم .

فكل هذه الأشياء جائز مظنون ، وتحظى به النفوس القابلة ، ولو اشتريت الآن عمري بيوم من تلك الأيام السعيدة،لبعتك العمر كله رابحاً مستبشراً.

ولكن .. حدث عن الإعمار والهمم واستعداد قومنا وبلادنا ، فإنك لا تجد فيهم أو فيها حتى الآن مبادئ من آثار التمدن ، الذي كاد العالمون أن يبلغوا منتهاه.

وحسبك .. إنا نسمع بالتلسكوب والنظارات التي تريك جبال القمر ، و لم نرها في بلادنا قط .

وخلاصة ما قدمته :

أن ترقي الأسباب السماوية،بحيث تحمل المسافرين إلى الأراضي السيارة في الأزمنة الآتية أمر ظاهر مظنون ، فيجوز أن نحمل عليه قول علیه السلام في وصف القائم المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) : ( أما أنه سيركب السحاب وسيرتقي في الأسباب أسباب السماوات السبع ).

أما ركوب السحب بمعنى السيرفوق ظهورها والعلو عليها ،ميسور بحمد الله تعالى في هذا العصر أيضاً، بواسطة الطيارات والمراكب الهوائية .

وقد يكون ارتقاء المهدي علیه السلام في الأسباب ، إشارة إلى دخول العالم في طور جديد من العمران والمدينة ، هي أرقي من عصر خطاب الإمام

ص: 201


1- الحجر ، 14

الباقر علیه السلام، بما لا يقاس ولا يحصر ولا يخطر على قلب بشر ، من التفنن في وسائل الحياة وتكامل الصنائع والحاجات ، كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين علي علیه السلام في إحدى خطب نهج البلاغة ، التي هي في صفة القائم من آل محمد علیهم السلام حيث يقول:( فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون ) يعني من ظهور القائم من آل محمد عليهم السلام باتفاق الشارحين.

فبفارغ الصبرنأمل قرب ظهور المصلح المنتظر المهدي الموعود ، عند تكامل الصنائع وارتقاء أسباب السماوات على ما مرَّ، وارتقاء أسباب الأرضيين ، من صنوف نواقل البرق والبخار والذرة وغيرها ، مما لا نعلم بها الآن ، كما كانت الصنائع الحالية غير معلومة لمن قبلنا ، بل كانت غير معقولة في صدر الإسلام وعند المسلمين الأولين .

كان الأولون من أسلافنا يتلون كتاب ربهم : «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ »(1).

ثم لم يكن في علمهم وحسبانهم ما نحسه اليوم من الدوارج والبوارج، فعسى أن يحس أبناؤنا مالا نحسه اليوم،ولا نتفكر أبداً والمستقبل كشاف.

( والليل حبلى فما يدريك ما تلد )

ص: 202


1- النحل ، 7 -8

المهدي المنتظر الشيخ عبد الحميد الخطي قدس سره

*المهدي المنتظر(1)

يعتقد كثير من الناس - وبخاصة الشُداة في المعرفة ، وأصحاب النظرة الجانبية - أن فكرة المهدي المنتظر نبتت - أول ما نبتت - في تربة التشيع وتعهدها الشيعة بالسقاية والرعاية ، حتى نمت وقامت على سوقها .

وهذا قول من يتلطف منهم،وعنده أثرة من ذوق ولياقة،وهناك من يقول إنها خرافة من خرافات الشيعة ومن مبتدعات مذهبهم .

وما الذي حدا بالشيعة إلى ابتداع هذه الخرافة وتبنيها ؟

لأن الشيعة طائفة نكبت وهزمت سياسياً ولاقت في سبيل عقيدتها - من السلطات الحاكمة عبر القرون والأجيال - أنواع العذاب ، وأفانين الأذي و ضروب الاضطهاد، وحاق بها من الجور والظلم والعسف ما يشبه الأساطير : فقد شردت تحت كل كوكب ، وأعمل فيها السيف بدون رحمة ، وعلقت جثثها على المشانق ، وأنست برجالاتها أعماق السجون القاتمة ، ورفعت على جماجمها القصور ، ورويت الأرض من دمائها ،وأخذ بأكظامها، وضيق عليها الخناق ، وكمّت أفواهها ، وأحصيت عليها أنفاسها ودقات قلوبها ، وسلبت حقوق المواطن،فكان حصيلة النكبة والهزيمة والتعذيب والتنكيل، وما إلى ذلك أن راحت تعلل نفسها، وتنفس عن كبتها بالأماني الكواذب ، والأحلام الخوادع ، وفرّت من واقعها الأليم ومرارته إلى الخيال البهرج ، تبني على رمال شواطئه قصورا من الوهم ، وتحلم بدولة غيبية تحقق - في ظلها - أحلامها اللذيذة ، وتجسّد أمانيها المعسولة ، وترد كل ما فاتها من مجد وعزة ، وتضمّد جراحاتها الرغيبة،وتعيد اعتبارها السليب ، و تجمع فلولها ، وترصّ صفوفها

ص: 203


1- خاطرات الخطی، العلامة الشیخ عبد الحمید الخطی ص 11 -19.

المبعثرة، وتقيم كيانها المهزوز .. إلى آخرالمعزوفة .

وثالث يرد اعتناق الشيعة لفكرة المهدي إلى سبب غير الفشل السياسي و غيرالكبت،يرده إلى ما ورثته من الديانات القديمة التي انبثق منها التشيع.

والفرق الثلاث وإن اختلفت في الأسلوب والوسيلة فإنها تلتقي في الهدف

والغاية في اتهام الشيعة بابتداع فكرة المهدي المنتظر!!

وفات محدودي النظر والمعرفة الأغرار،كما فات المغرضين ذوي النيات السوداء،أن يردّوا فكرة المهدي المنتظر إلى أصلها الصحيح،ومنبعها الحقيقي، وعشت عيونُهم أن يبصروا نور الحقيقة الساطع.

إن فكرة المهدي المنتظر،لم تنبثق نتيجة لما حاق بالطائفة الشيعية من ضروب الظلم الصارخ وأنماط الأذى،وأشكال الاضطهاد ،ولا لهزيمتها سياسياً ، لم تنبثق من شيء من ذلك ، وإنما هي نتيجة حتمية وثمرة أصيلة لفكرة الإصلاح والأمر بالمعروف وإنكار المنكر،وفكرة الإصلاح هذه قديمة وموغلة في القدم ، ولم تكن من متفردات الإسلام ، ولا من مؤسسات نبي المسلمين صلی الله علیه وآله، لأنها وجدت في كل الأديان السماوية التي سبقت الإسلام في الظهور،وكل الأديان تبشر بفكرة المهدوية ، إنها-أي الأديان -لم تسمِّ ذلك المصلح المنتظر والفكرة المهدوية ، لأنه لكل أمة مصطلحاتها وعرفها الخاص بها ولغتها .

ووجدت فكرة المهدي المنتظر لا في الأديان السماوية فحسب ، بل وجدت في الديانة البرهمية وحتى في الزرادشتية،ويعترف ببعض ذلك حتىمن يتهم الشيعة بابتداع فكرة المهدي المنتظر،كابن خلدون وأحمد أمين ومن إليهما من مذكي أوار الطائفية ، ومشعلي نار الفتنة ، ممن جعلوا وكدهم محاربة الشيعة على جبهات متعددة،والافتئات على حقيقة التشيع، وتكدير صفاء جوهره النقي ، ومنهم من لم يقف عند الهجوم

ص: 204

على الشيعة فتجاوزهم إلى أئمتهم سلام الله وتحياته عليهم ، فتطاولوا على تلك القمم الباذخة ، وتناولوا بهُجرهم تلك الذوات المقدسية المطهرة ،و نسبوا إليهم ما ينزّه عنه سائر الناس،فابن خلدون اتهمهم بالابتداع و الشذوذ،وقرنهم بالخوارج المارقين من الدين مروق السهم من الرمية(1)،و أحمد أمين نسب إليهم اقتراف الإثم وارتكاب المحرم(2)!!

أقول حتى هؤلاء الغلاة في بعض الشيعة،اعترفوا بوجود فكرة المهدي المنتظر عند المسلمين كافةَّ ، وعلى مرَّ الأعصار ، وابن خلدون روی طائفة

كبيرة من أخبار المهدي بلغت حدَّ التواتر،ولا يقلل من شأن هاتيك الأخبار نقد ابن خلدون لها وذلك بطعنه في أسانيدها،لأن التواتر-كما هو معروف لدى علماء الحديث -لا يشترط في قبوله صحة السند ، فتقد ابن خلدون السند الأخبار المتواترة كلام فارغ ، وساقط من الاعتبار ، وإن دلَّ على شيء فعلى جهل أو على هوى في النفس .

ففكرة المهدي المنتظر كانت معروفة ومألوفة قبل انبثاق نور الإسلام الألق، وإن نبي الإسلام صلی الله علیه وآله أحد المبشرين بهذه الفكرة الإصلاحية المرتقبة، وقد يكون الرسول صلی الله علیه وآله أشدَّ المبشرين بهذه أثراً ، وأوثقهم بها صلة ، لأنها ثمرة لنواة غرسها ،ونتيجة كاملة لمقدماتها .

إذن ففكرة المهدي المنتظر ليست حصيلة ضغط الشيعة من السلطات الجائرة في العصور القاتمة ، وليست وليدة الانهزام السياسي،وليست بدعة شيعية كما يحلو لأعداء الشيعة أن يصفوها.

أحاديث المهدي المنتظر-عند فرق المسلمين -كثرت واستفاضت إلى حد

ص: 205


1- إشارة إلى قوله :(وشدَّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم ...)المقدمة :417 الفصل السابع .
2- أحمد أمين في كتابه ( المهدي والمهدوية ) .

التواتر ، ورواها أئمة المنقول وحفاظ السنة ، ودوّنها كثير منهم ، وأفردها بعضهم بالتأليف،وهذا ابن خلدون يقول في مقدمته-في الفصل الذي أداره على الفاطمي المنتظر- : ( اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ) ،أليس في هذا القول اعتراف صريح،وشهادة قاطعة على شيوع فكرةالمهدي المنتظر بين المسلمين كافة،لا عند الشيعة خاصة؟وفيه وراء ذلك كله إيماء إلى تواتر أحاديث المهدي،وهل للتواتر معنى غير إخبار جماعة بشيء يمنع العقل تواطئهم على الكذب فيه ؟

فهل تواطأ المسلمون كافة على ممر الأعصار على اختلاق أحاديث المهدي ؟! لا نظن أن ابن خلدون يملك الجرأة فيرمي المسلمين أكتعين أبصعين بالافتراء .

ولعل من الخير أن نشير إشارة -كرَّفة الجفن -لمن دون وروى أحاديث المهدي - من غير الشيعة طبعاً- من علماء السنة الذين هم فوق متناول الغمز والطعن :

1.أربعون حديثاً خرّجها الحافظ( أبو نعيم )في كتاب (ذكر نعت المهدي ).

2. ثمانية وثلاثون حديثاً، ذكرها ( ابن خلدون )في( مقدمته ) ، ويظهر منه أنه لم يذكرها إلا لينقد أسانيدها ، وعلقنا- فيما سبق -على هذا النقد من الوجهة الفنية ولا نعيد .

3.سبعون حديثاً خرجها الحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كتاب(البيان) .

4.مائة وعشرة أحاديث رواها صاحب كتاب(المخفي في مناقب المهدي ).

وأما العلماء الذين شهدوا لأحاديث المهدي بالتواترفاكثر من أن نأتي

ص: 206

على أسمائهم في هذه العجالة ، ونكتفي . الآن - بهذا العدد النزر من ذلك العدد الجم:

1. الحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كتاب ( البيان).

2. أبو الحسين الآبري،كما نقله عنه ابن حجر الهيثمي ، في( الصواعق المحرقة ).

3. الشبلنجي في كتاب ( نور الأبصار ) ص 231 .

4. زيني دحلان في كتاب ( الفتوحات الإسلامية ) ص 322.

5. السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد فضل الله الشيرازي.

6. أحمد بن محمد الصديق في رسالة ( إبراز الوهم المكنون ).

7. الإمام الشوكاني في كتاب(التوضيح في تواترما جاء في المنتظر و الدجال والمسيح).

والشيعة الاثنا عشرية لم تقم عقيدتها بوجود المهدي المنتظر على هذه الأحاديث وإن بلغت حدّ التواتر ، والتواتر من أقوى أسباب اليقين ، وإنما يقوم اعتقاد الشيعة هذا على أصول عقدية،وأدلة عقلية وسمعية ، مجال بحثها في غير هذه الكلمة العابرة .

إننا الشيعة- من صميم مذهبنا -نعتقد بوجود المهدي المنتظر ، وبضرورة بقائه، ونؤمن إيماناً جازماً بحتمية قيامه ،وبسط سيطرته على العالم كله، وملئه الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

إننا الشيعة نعتقد بوجود المهدي،وندين الله بضرورة بقائه،ونؤمن بحتمية خروجه ونترقب دولته، ونأمل أن نشرّف في ظلها ، ونؤمن أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما سلام الله الأسني ، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى ومصابيح الدجي وأعلام التقى والعروة الوثقى ، ومن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وكل من

ص: 207

لا يشاركنا هذا المعتقد على هذا المستوى الرفيع فليس منا ولا كرامة .

ولد الإمام الثاني عشر-عليه أفضل سلام وأزكى تحية-في هذه الليلة المباركة، السرية بمعاني الخير والحق والجلال ، ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255ه ، وأمه الخفرة الطاهرة نرجس رضي الله تعالى عنها ، وحين وضعته تلقى الأرض بمساجده ، وهو نظيف منظّف ، وبمولده الكريم ختم الله تعالى الإمامة ، كما ختم بجده رضی الله عنه النبوة .

ويلذّ لي أن أنقل إليكم صورة رائعة ، واصفة ملامح الإمام المنتظر على لسان شاهد عيان ، فقد التقى هذا الواصف البارع بالإمام في مكة المكرمة ، فقال واصفاً له : ( ناصع اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب، مسنون الخدّ، أقنى الأنف ، أشمّ ، أروع ، كأنه غصن بان ، وكأن غرته كوكب دري ، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياضالفضة، وله وفرة سمحاء، تطالع شحمة أذنيه ، ما رأت العيون أقصد منه، ولا أكثر حسناً ، وسكينة وحياء).

ونختم كلمتنا بهذه الدرة اللامعة من كلماته الجامعة علیه السلام : ( إن الله لا يخلي الأرض من حجة يستعلى بها ، وإمام يؤتم به ، ويقتدى بسنته ، ومنهاج قصده ).

فأنت أنت .. يا سيدي حجة الله الكبرى الحقة التي يستعلى بها،نحن من ذلك على اليقين الذي لا يرقى إليه الريب،والثقة التي لا تزعزعهاالعواصف الهوج ، ولا النكبات السود .

هذه عقيدتنا نجهر بها غيرهيّابين،على رغم أنف المرجفين والمكذبين و المنافقين،ومن لم يرضَ فليضرب برأسه عرض الجدار،وليمت المبغض بغيظه ... والسلام عليكمورحمة الله وبركاته .

1383/8/14 ه

ص: 208

من أحاديث المهدي علیه السلام

*من أحاديث المهدي علیه السلام(1)

الخطيب السيد محمد آل إدريس رحمة الله

اشارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

قوله تعالى : «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(2)

اللغة :

الزيور : الكتاب ، والزبور هو كتاب داود .

والذكر : ما تقدمه من الكتب السماوية ، كصحائف إبراهيم وتوراةموسی.

والمعنى:أن الحكم والسلطان في الأرض وإن كان الآن بأيدي الطغاة الفجرة فإن الله سينقله من أيديهم إلى الطيبين الأخيار لا محالة ، وعندها يعمّ الأمن والعدل الكرة الأرضية وينعم بخيراتها وبركاتها الناس كل الناس .

وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وصحيحة ، منها ما رواه أبو داود في كتاب السنن وهو أحد الصحاح الستة : قال رسول الله صلی الله علیه وآله ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3)

ص: 209


1- مناهل الأدباء وحديقة الخطباء ، ص303 - 315 ، وهو عبارة عن مجالس حسينية ، ولذا يلاحظ في الموضوع الأثر الخطابي واضحاً بيناً.
2- الأنبياء ،105
3- سنن أبي داود 2 : 460 كتاب المهدي، ومثله في ( الإمام المهدي عند أهل السنة )1 :81 ح 10222ونحوه ، ح 10219 ، وح10220، ح 10224

وقانون الحياة لا يأبى ذلك بل يقره ويؤكده .وإذا كانت القوة الآن بأيدي الوحوش الضارية المتسلطة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيره ، فإنه لا شيء يمنع أن تتحول القوة في يوم من الأيام من أيدي أهل البغي و الضلال إلى أيدي أهل الحق والعدالة ، بل إن غريزة حب البقاء والتحرر من الظلم والمبدأ القائل : كل ما على الأرض يتحرك تماماً كالأرض ، وإن دوام الحال من المحال ؛ كل ذلك وما إليه يحتم أن القوة في النهاية تكون (1) للأصلح الأكفأ وهذا شيء لا بد منه، إلا أنه لا يكون إلا بعد الاختبار والتصفية ليتميز المؤمن من المنافق ، وهو الاختبار من بعض أسرار غيبته وهذا الاختبار اختبار المؤمن من المنافق يجري في كل زمان .

في الكافي عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام،قال:(لما أظهر الله تعالی نبوة نوح علیه السلام وأيقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى ووثب الكافرون من قومه إليه بالضرب المبرح،حتى مكث في بعض الأوقات مغشياً عليه ويجري الدم من أذنه ثم أفاق ، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه ، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليل نهار فيهربون ، ويدعوهم سراً فلا يجيبون ، ويدعوهم علانية فيولون ، فهمّ بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم ، وجلس بعد صلاة الفجر فهبط عليه وفد من السماء السادسة ،وهم ثلاثة أملاك فسلمواعليه ثم قالوا له : يا نبي الله حاجتنا أن تؤخر الدعاء على قومك فإنها أول سطوة لله على الأرض ، فقال : وقد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى .

وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون،حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة جلس في وقت ضحى النهار للدعاء ، فهبط إليه وفد من السماء السابعة فسلموا عليه وسألوه مثل ماسأله الوفد الأول فأجابهم مثل ما أجاب أولئك .

ص: 210


1- التفسير الكاشف 5 :302 - 303 ، في تفسير سورة الأنبياء آية :105

ثم عاود قومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة فتمت تسعمائة سنة ، فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج ، فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا فهبط جبريل وقال: إن الله تبارك وتعالى قد أجاب دعوتك فقل للشيعة : يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر ، فعرفهم ذلك واستبشروا ففعلوا ذلك وراعوه حتى أثمرثم سألوه أن ينجز لهم الوعد ، فسأل الله ذلك فأوحى إليه : قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر ، فرجت عنكم.

فلما ظنوا أن الخلف وقع عليهم ارتد منهم الثلث وبقي الثلثان ، فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى أثمر أتوا به نوحاً فسألوه أن ينجز لهم الوعد ، فسأل الله عزوجل عن ذلك فأوحى الله إليه كلوا التمر واغرسوا النوى ، فارتد الثلث الآخر وبقي الثلث ، فأكلو التمر وغرسوا النوى ، فلما أثمر أتوا به نوحاً فأخبروه وقالوا : لم يبقَ منا إلا القليل ، ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك ، فصلی نوح علیه السلام وقال : يا رب إنه لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة ، وإني أخاف علهم الهلاك ، فأوحى الله إليه : قد أجيبت دعوتك ، فاصنع الفلك ، فكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة )(1).

وورد في سبب التأخير تصفية المؤمنين من الكفار المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويسترون الكفر،فالعوامل السابقة في ذلك الاختبار هي نفس العوامل في هذا الزمان ، أكثر الناس عادت إليهم جاهليتهم وتبدلت الأوضاع رأساً على عقب ، هذه الأغاني بدلت عوض الدعاء ، والسينما بدل المساجد .

ص: 211


1- كمال الدين 1 : 133 -134 ب (2) في ذكر ظهور نوح علیه السلام بالنبوة بعد ذلك ، ح2، وفي الكافي8 : 80 -81باختلاف، والنور المبين : 60 في أحوال نوح .

ويقول الحسن بن علي علیه السلام: ( لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرا بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضاً ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتي يشهد بعضكم بالكفر على بعض . قلت : ما في ذلك خير؟ قال : الخير كله في ذلك ، عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله )(1)

وروى الباقر في قوله تعالى :«وْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا »(2)هو الاختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض.

يقول المفيد بسنده عن الرضا علیه السلام:(لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا القليل ) ثم قرأ :«الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(3) .

والظاهر أن المراد بذلك ارتداد الكثير عن الدين حتى لا يبقى إلا القليل

وهم خالصو الإيمان .

وروى الحارث بن حصيرة عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: (كونوا في الناس كالنحل في الطير ، ليس شيء من الطير إلا وهو يستضعفها ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل بها ما يفعل ، خالطوا الناس بأبدانكم وزائلوهم بقلوبكم وأعمالكم ، فإن لكل امرئ ما اكتسب من الإثم ، وهو يوم القيامة مع من أحب ، أما أنكم لن تروا ماتحبون وما تأملون يا معشر الشيعة حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض ، وحتي يسمي بعضكم بعضاَ كذابين ، وحتى لا يبقى منكم على هذا الأمر، إلا كالكحل في العين والملح في الزاد )(4).

ص: 212


1- غيبة الطوسي 437 -438في علائم ظهور الحجة عجل الله فرجه ح429، وعنه بحار الأنوار52 : 211، ح58 وإثبات الهداة 3 :726، ح 48، والخرائج والجرائح 3 :1153، ح59
2- الأنعام ، 65
3- العنكبوت ،1 - 2
4- غيبة النعماني: 217، 17 ، وبحار الأنوار 2: 79، ح70

وسأضرب لكم مثلاً ، وهو مثل رجل كان له طعام نقّاه وطيّبه ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله ، ثم عاد إليه فإذا هوقد أصابه طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده،ولم يزل كذلك حتى بقيت رزماً كرزمة الأندر ، يعني قليلاً، لا يضره السوس شيئاً وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً.

يعني يكون قوياً في دينه ومستحكماً في إيمانه وثابتاً على إمامة إمامه لا يعترضه الشك،هو كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، ويعبد الله حق عبادته ، وينتظر قيام حجته ، فإن أدرك الحجة فهنيئاً له وإن لم يدركه فهو كمن أدركه.

وروى البرقي عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : ( من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر،كمن هو مع القائم في فسطاطه ، قال : ثم مكث هنيئة ، ثم قال : لا ، بل كمن قارع بسيفه ، ثم قال : لا والله ، كمن استشهد مع رسول الله صلی الله علیه وآله )(1)

وهذه أكثر العلامات قد ظهرت، عن جعفر الصادق علیه السلام عن أبيه ، أن النبي صلی الله علیه وآله قال:(كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟قيل أو يكون ذلك يا رسول الله ؟!قال : نعم، وشر من ذلك . كيف بكم إذا أتيتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك ؟! قال : نعم ، وشرمن ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ )(2)

روحي فداك يا رسول الله كلامك معجز ومنطبق على زماننا هذا .

روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : ( سمعته يقول : يظهر

ص: 213


1- بحار الانوار ، 25: 126، ح18 ، نقلا عن المحاسن.
2- بحار الانوار ، 97 :91 ، ح82 نقلاً عن مشکاة الانوار

في آخر الزمان واقتراب الساعة - وهو شر الأزمنة -نسوة كاشفات عاريات متبرجات من الدين ، داخلات في الفتن ، مائلات إلى الشهوات ، مسرعات إلى اللذات ، مستحلات للمحرمات في جهنم خالدات )(1)

ويقول صلی الله علیه وآله: ( سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه،ولا من الإسلام إلا اسمة،يسمون به وهم أبعد الناس عنه،مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى،فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء ، ومنهم خرجت الفتنة وإليهم تعود )(2)

وقال صلی الله علیه وآله:( إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنا ، وتقل الرجال وتكثر النساء ، حتى أن الخمسين امرأة فيهن واحد من الرجال )(3)

ويقول الإمام الصادق في حديث طويل : ( إذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفا كما ينكفي الماء ، ورأيت أهل الباطل قد استعملوا على أهل الحق ، ورأيت الشر ظاهراً لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء( اللواط و المساحقة ) ورأيت المومن صامتاً لا يقبل قوله ، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر الكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت ورايت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله ، ورأيت الغلام يعطي ما تعطى المرأة ، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهي ولا يؤخذ على يده ، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع .. ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزوجل، ورأيت الأمر

ص: 214


1- من لا يحضره الفقيه ، 3 : 281ب (111)المذموم من أخلاق النساء وصفاتهن، ح5
2- بحار الأنوار ،2 :109 ، ح 14 نقلا عن ثواب الأعمال.
3- روضة الواعظین ، 485، مجلس في ذكر أشراط الساعة .

بالمعروف ذليلاً... ورايت معيشة الرجل من دبره،ومعيشة المرأة من فرجها ،ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال ... ورايت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال ، ورأيت أكثر الناس وخيربيت من يساعد النساء على فسقهن ... ورايت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يتسافدون كما تتساند البهائم(1)... ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ، ورایت اعلام الحق قد درست ، فكن على حذر واطلب من الله تعالى النجاة )(2)

وقال صلی الله علیه وآله :(إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة بعد الألف فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال ، وذلك لأن الخلق في المائتين بعد الألف أهل الحرب والقتل،فتربية جرو خير من تربية ولد ، وأن تلد المرأة حية خير من أن تلد الولد )(3).

فيخرج الإمام على هذه الأوضاع الفاسدة فيعدلها وينصر المستضعفين و إليه الإشارة «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(4) أراد الله ب«ألَّذِينَ أستُضعِفُوأ»هم المؤمنون الفقراء الصابرون ، يكونون في زمان المهدي فَیَمُنّ الله عليهم بالخير والرفاهية عند ظهور

ص: 215


1- السفاد : نزو الذكر على الأنثى .
2- الكافي ،8 :83 -32حديث أبي عبد الله مع المنصور في موكبه، ج7، وعنه بحار الأنوار 254 :52ح 147، سفينة النجاة : 313
3- روح البيان ،273:1في تفسير سورة البقرة، آية:35 وعنه عقائد الإمامية2 :322، وصدره في زبدة البيان :505 ، ومثله في مسند الشيعة13 :16 ، ومثله في تذكرة الموضوعات:223
4- القصص ، 5

المهدي علیه السلام ، بعد أن أضطهدهم الأغنياء الفاسقون المانعون عنهم حقوقهم، لأنه إذا ظهر علیه السلام يأخذ من الأغنياء حقوق الفقراء و يجعلهم في الحياة سواء لأن المهدي معناه يهدي الناس إلى أمر مضلول عنه.

وقد اتفق المسلمون المؤمنون أنه سيخرج في آخر الزمان رجل يسمى المهدي، يصلح الأمم الإنسانية بعد أن يظلم بعضهم بعضأ ويجور بعضهم على بعض،فيظهر المهدي فينصر الضعيف على القوي الظالم الجائر،فيبسط العدل ويمحق الجور ، وهو منصور مؤيد من الله ، يخرج على يديه كنوز الأرض ويكون أنصاره المؤمنين المخلصين وألوفاً من الملائكة المقربين .

وفيما ورد عن سيد المرسلين : أن أكثر أعدائه العلماء والفقهاء والمعلمين من المسلمين ( إشارة إلى علماء السوء ) .وقد اتفق المسلمون أن المهدي يكون من نسل علي وفاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله...(1)

أنصاره وأعوانه علیه السلام:

ويظهر المهدي على بعض المؤمنين ويرونه ويراهم ولكن لا يعرفونه ، وله

أنصار في الأرض معدود في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا(2).

يقول ابن بابويه: جاء رجل إلى الصادق علیه السلام فقال له : ( يا بن رسول الله كيف يكون قيام القائم ؟ وكيف حال الناس عند قيامه ؟ ومن أنصاره وأعوانه ؟

فقال الصادق علیه السلام : يقوم القائم إذا أضاع الناس الصلاة ، واتبعوا الشهوات، وأطاع المرء زوجته وعصى والديه ، وركبت الفروج السروج ، وتزيا

ص: 216


1- هاهنا صفحتان تقريباً حذفناهما اختصارا ، ولأنهما لا يؤثران على تسسل الموضوع .
2- كمال الدين ،2 :654ب (57) علامات خروج القسائم علیه السلام ، ح21 ، وبحار الأنوار52:286ح19.

الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وابتغوا الحرام وتركوا الحلال،وأكثرأنصاره بلاد في أعمال الشقيق من بيوت وربوع تفرق في سواحل البحروا وطئة الجبال .

قيل : يا بن رسول الله هؤلاء شيعتكم ومحبوكم ؟

و قال : نعم هؤلاء شيعتنا ومحبونا والمؤمنون لغريتا والحافظون لسرنا ،و اللينة قلوبهم لنا والقاسية قلوبهم على أعدائنا،وهم سكان السفينة في حال غيبتنا تمحل البلاد دون بلادهم،لا يصابون بالصواعق،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، أولئك المرحومون المغفور لحيهم وميتهم ، وذكرهم وأنثاهم وأسودهم وأبيضهم،وإن فيهم رجالاً ينتظرون والله يحب المنتظرين)(1)، والانتظار هوانتظار المهدي .

يقول الصادق علیه السلام: ( فكأني بالمهدي ظهر يوم السبت عاشر محرم الذي قتل فيه جده الحسین علیه السلام، فإذا ظهر وضع سيفه على عاتقه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن شماله،وجبريل ينادي بين السماء والأرض : ظهر الإمام المهدي من آل محمد، فيرتفع الظلم والجور من الأرض فيمر الذئب بين الشاة فلا تنفر منه،ويعرف عدوه من خاصته بالتوسم بالوجوه ، ويعرف صاحب الحق بلا بينة ، ويرد كل حق إلى صاحبه ، وتخرج الأرض كنوزها وتنزل السماء بركاتها،ولم يبق أهل دين حتى يظهر الإسلام و يعترفوا بالإيمان كما قال تعالى : «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا»(2))(3)

ص: 217


1- لم يعثر عليه ولكن ورد مثله في مختصر البصائر:127 في أحاديث الرجعة، وإلزام الناصب2 132 139 ،137و علائم ظهور القاءم ، وفي الغيبة للطوسي :453، ح 459 بلفظ: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت ... إلخ .
2- آل عمران ،83
3- لم أعثر عليه ولكن ورد مثله في غيبة النعماني :262 - 265، ح13، وبحار الأنوار285 :52ح17 ونحوه

وقال أبو جعفر علیه السلام: ( فتكون دولتا آخر الدول )(1)

لكل أناس دولة يرقبونها *** ودولتنا في آخر الدهر

وقال دعبل :

فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري *** فغير بعيد كل ماهو آت

ولا تجزعي من مدة الجور إنني *** كأني بهاقد آذنت بشتاتِ

شفيت ولم أترك لنفسي ريبة *** ورويت منهم منصلي وقناتي

وروي أنه إذا قام المهدي يأتي أرض كربلاء فتجري دموع عينيه على خديه فيقول : ما هذه الأرض التي أحزنتني ؟ فيقال له : هذه أرض كربلاء التي قتل بها جدك الحسين علیه السلام ، فيقول : السلام عليك يا جداه ، فيخرج صوت من داخل الضريح :وعليك السلام يا ولداه ، إلى الآن تأخر ظهورك وقد كسرت الأعداء جناحي صدري : ثم يحفر المهدي بسيفه عند قبر الحسين علیه السلام فيستخرج طفلاً صغيراً مذبوحاً وهو جثة بلا رأس فيغضب ويقول: يا رب ما ذنب هذا الطفل؟فيضع سيفه على عاتقه ويضع أنصاره سيوفهم على عواتقهم ويقتلون أعداء الله.

شعارهم يا ثار آل محمد *** إذا أسرت نار الوطيس

وفي استنهاض المهدي أشعار كثيرة وقصائد طويلة قالها الشعراء أكثرها للسيد حيدر الحلي صاحب الحوليات ....إلخ .

ص: 218


1- بحار الأنوار ، 332:52 ، ح58 ، نقلاً عن غيبة الطوسي ولكنه ورد عن أبي جعفر علیه السلام ومثله في إلزام الناصب282: 2

بین المبدأ و التطبیق الشيخ عبد الله الخنيزي

*بین المبدأ و التطبیق(1)

موضوع المهدي والمهدوية في الإسلام،موضوع جذري بين المواضيع الإسلامية ،وحوله نقاشات علميةٌ مركزةٌ هادفةٌ ،تنفي عنه الشبه وتزيل اللبس و تكشف الغموض وتدحض التهم وتفضح الزيف ، مدعمةً بالحجج الدامغة والبرهنة القوية.

وموضوعٌ-كهذا-دار حوله النقاش حتى احتدم،لا يتيسر عرضٌ حوله بجلاءٍ من أجل توضيحٍ، في الدقائق المعدودات والوقت المحدد .

وهو -كما قلت -موضوع جذريُّ، لأنه مسلّمٌ به في الأصل ،من جميع المسلمين ، فالقول الكليُّ به ، يكاد يكون ضرورةً ؛ وما النقاش الذي أشرت إليه ، إلا في نواحي فرعيةٍ وجانبيةٍ ، بالنسبة للفكرة ذاتها، حيث ينحصر النقاش حول الموضوع في هذا البيت ، الذي حدد هذا الاختلاف :

فمن قائلٍ: بالقشر لب وجوده *** ومن قائلٍ: قد ذُبَّ عن لبه القشر

أي : إن النقاش محصورٌ في دائرة وجوده بالفعل أم بالقوة ؟هل وُجد أم سيوجد ؟

أما أصل الفكرة - فكرة المهدوية - وضرورة وجوده وخروجه،فشيءٌ متسالمٌ عليه ، مقَرُّبه ، بل إن هذه الفكرة والقول بها تكاد تتعدى المسلمين إلى غيرهم من الديانات السماوية ، التي سبقت الإسلام،خاتمة الرسالات العليا، ونهاية مطافها .

ص: 219


1- ضوء في الظل ، ص 207 -222، وكتب فضيلة الشيخ مقدمة لها: (كُتبت تلبيةً لطلب جماعةٍ، أقامت احتفالاً بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام المهدي علیه السلام، وألقاها كاتبها في ذلك الاحتفال المقام في ( الكويكب ) بالقطيف ، ليلة 1382/8/15 ه- 1963/12/31 م)

وليس يعني هذا أن لا يشذَّ أحدٌ عن القول به، لعاطفةٍ جامحةٍ وهوىَّ طاغٍ، أو رواسب من : زیغٍ وضلالٍ والحادٍ باطنٍ، يجد في الشك لذةً ، وفي الإنكار مرتكزاً لشهرةٍ، وفي الخلاف طريقاً لمعرفةٍ على حد قاعدة (خالف تُعرف ).

وبعد أن يتم التسليم بالأصل ، يكون النقاش العلمي في حدود الخلاف الموضوعي؛ وعندما يحتكم العقل للبرهنة ، ويقدم الأدلة المعتمدة في الموضوع، تتسلسل معنا النتائج واضحةً مقنعةً بينةً ظاهرةً ، يرتضيها كل

طالبٍ للحقيقة ، غير مواربٍ أو مداجٍ فيها .

وبعد أن ينحصر الخلاف بين القائلين بالفكرة ،وقد رأينا أن لا نعرض للأدلة القائمة على إثبات الفكرة في أساسها، لأنها من الوضوح بمكان، ولو شئنا ذلك لتضاعف الوقت وتطاولت السطور، لذلك اعتبرنا الأصل مسلماً به .

أما من كان منه على شك فنحيله على المصادر الإسلامية ، التي تثبت هذا الموضوع وتحكم به وتفرض القول به على كل من يرى في قول قائدنا محمد صلی الله علیه وآله وعمله ، منهجاً يجب عليه اتباعه والتصديق به والعمل عليه ، لا من يقول برسالته ، ويتيه - في ذات الوقت - وراء هذا المسلك العقدي المنحرف، أو ذاك الملتوي .

بعد انحصار الخلاف في هذه الدائرة،يتسلسل معنا النقاش فيها حول و جوده، أي : هل وُجد ؟ أم لا؟

وهنا تقوم البرهنة التأريخية ، التي تثبت أنه وُجد ، وأن اسمه كاسم جده وهو المجدد لدين جده، وهو المقيم للدولة الإسلامية، تخفق رايتها على أقطار المعمورة في نواحيها المتشعبة، حاملةً العدالة الإسلامية،و المثل و القيم، التي يحفل بها هذا النظام الباقي، وهذه الرسالة الخالدة، حيث تتجسد هذه الننلم، على المستری انتطبيقي الشامل .

ص: 220

وقد احتكم لهذه البرهنة التأريخية فآمن بها، أربعون عالماً، وافقوا الشيعة في قولها بوجوده، وأنه هو الذي تقول به الشيعة : المهديُّ محمدٌ بن العسكري الحسن بن الهادي عليِّ بن الجواد محمدٍ،مرتفعاً في هذا النسب الشامخ والجذر الواشجة،حتى يرتبط بعليِّ وفاطمة بضعة الرسول الأعظم، طبقاً لما نصت به الأحاديث، التي تشير إلى أن المهدي من ولد عليِّ و فاطمة .

وتعترض - بعد هذا - شبهاتٌ، يتشبثُ بها من يحاول الطعن في المعتقد، أومن يضيق عقله لاستيعاب أي اكتشافٍ علميِّ أو غزوٍ فضائيِّ، ينبثق عن فكر مخلوقٍ محددٍ أيضاً .

.. ويروح يؤمن ويكفر، ويصدق ويكذب، ويأخذ ويرد، ويعطي ويمنع، وإن كان ما أخذه أغرب مما رده، وما كفر به أقرب - حتى للذهن المحدود والفكر المنغلق -مما آمن به ؛ ولكنه مشدود التفكير، محدود الإدراك ؛ بل هو موجَّهٌ لا إرادة عنده ولا استقلال .

كيف يبقى إنسانٌ طيلة هذه المدة؟وينسى ماحفل به التأريخ من المعمرين الذين تتطاول بهم مدد الحياة دون ما غايةٍ،سوى العمرالطويل، أي : دون أن يكون هذا المعمَّر مذخوراً لغايةٍ ؟ بل وينسى حتى سيده إبليس-وهو من تلاميذه - وقد استجاب الله له، فأنظره إلى اليوم المعلوم.

ولسنا - هنا - في محاولة لنقض هذا الاعتراض، أو مناقشة هذا الرأي، بعد أن أشرنا -في صدر هذا الكلام - إلى النقاشات العلمية المركزة الهادفة،التي اجتثت هذه التهم، فتهافتت تحت ضوء التحليل العلمي وانتهت آثارها، لدي من يقنع بالدليل، غير متعنتٍ لرأيٍ، يراد منه الإيمان به،أو بثه للتضليل.

ولكن ما تجدر الإشارة إليه - وإن لم يكن مجال لتبسيطٍ - أن نفهم بأنَّ

ص: 221

القول بالمهدي-وهو حلقةُ النهاية من سلسلة الإمامة لدى الشيعة -يتصل اتصالاً وثيقاً؛ بل هو الضرورة، التي تأتي نتيجةً حتميَّةً من كون الإسلام دين الحياة، وأنه نظامٌ شاملٌ يهدف إلى تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى،

حتى تُظلَّ كل شبرٍ في أرض الله الواسعة المدى .

فإذا كان الإسلام، هو النظام الشامل، والخالد الباقي حتى فناء الحياة الدنيا، والذي ينظم ويتدخل في شؤون الحياة كلها، ويواكب ركبها المغذَّ، وينظم لها السبل، ويرفع لها المنار، ويهديها سواء الصراط، دونما تعثرٍ أو إدلاجٍ.

إذا كان هذا - وإنه لهُوَ - فإن الضرورة تحتم ، أو إذا شئنا أن نتقيد بالتعبير المهذب، قلنا: إن اللطف الإلهي، يدعو لأن يقوم على هذا النظام الشامل الأصلح من يرعاه، ويجدده تجديداً صوره الحديث النبوي، بدفع الزيف عنه:

( في كل خلفٍ من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذاالدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين )(1).

أو كما أشار لذلك إمام المتقين علي علیه السلام في إحدى خطبه :

( ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبيٍّ مرسلٍ،أو كتابٍ منزلٍ،أو حجةٍ لأظمةٍ، أو محجةٍ قائمةٍ )(2).

ذلك أن أدعياء الدين، والمزيفين لجوهره كثيرون ؛ حيث لا يُتخذ لديهم إلا وسيلةً، يلهم رغائبهم الواطئة ، وأمانيَّهُمُ الدُّون ؛ فهم - في ادعائهم الإسلام - يُضرونه أكثر من نفعهم له، لأنهم يُحرفونه عن واقعة، ويشوهون معالمه، ويعبثون بتعاليمه، ويعطلون قوانينه ..

ص: 222


1- الفصول المهمة :170 و کلمة حول الرویة :44
2- شرح النهج :113 :1

ومنهم من يدعيه وهو يطعنه ؛يَّدعيه وهو يُنكر عليه صلاحيَّته للزمن،و مسايرته للحياة ؛ يدَّعيه وهو يخنق فيه الروح ؛ يدعيه وهو يفصله عن الدولة؛ يدعيه وهو يقطع أوصاله ويفكك حلقاته،فيأخذ منه ويدع ؛يدعيه ويدعي الدفاع عنه، في هذه التجزئة، لكليَّته الشاملة وحقيقته الكبرى .

ولنعد إلى النقطة التي أردنا الإشارة لها، ولو بإيماءة بعيدة، رغم مايحتاجه الموضوع ، من بسطٍ وتوضيحٍ : تعترض الأنظمة التي تطبق في هذه الحياة عقبتان، عليها أن تجتازهما ، بما فيهما من : مخاوفَ ومشاكلَ :

الأولى :تنتابه في وضعه،في مواده الدستورية، وفقرات قانونه،وما يعترض ذلك من صلاحيةٍ وفسادٍ .

والثانية: في تطبيقه ، لئلا يختلف المبدأ لدى التطبيق .

ولكي نختصر الطريق والوقت معاً، نري: أن الإسلامٍ كنظامٍ شاملٍ،لم تعترضه العقبة الأولى،ولم يمر بها، ولا عرفها في دربه ؛ لأن الإسلام نظام إلهيٌّ، يرتفع عن الأنظمة الوضعية، ولا يتعرض لما تتعرض له تلك، من نقصٍ وقصورٍ ، هما ما يسميان بالتطور والرقي.

لأن واضع الإسلام عليمٌ بحاجيات الناس، غير جاهل بنهاية الشوط،الذي يصله تقدمهم ورقيهم وتطورهم وحضارتهم . فواضعه .جلّ علاه - نظر إلى ذلك ، بعلمه السرمدي ، الذي لا يجهل جزيء الذرة، وما في تركيبها من عناصر، وما تنتجه هذه العناصر، حين تتفاعل.

ثم هو يرتفع عما يتعرض له واضعو النظم الوضعية من: عواطف إنسانيةٍ، ونزعاتٍ نفسيةٍ ، وتأثيراتٍ تأتيه من جميع نواحيه ، ورواسب تعود به إلى بيئته أو معتقده ، وغيرهذا وذاك ، مما يتعرض له الإنسان في هذه الحياة، من أحداثٍ تختلف تأثيراتها عليه : قوةً وضعفاً، امتداداً وقصراً،

ص: 223

عمقاً وضحالةً...

ومن العبث:أن يُقاس نظامٌ تنزل من الفيض الأعلى،بنظامٍ انبثق من مستوى الفكر الإنساني المخلوق .. وهل لهما أن يُجمعا في قرنٍ ؟

فالنظام الوضعي، لو قدر لواضعه أن يدعه يحمل ما يحمل، من صفات: الكمال والصفاء والنقاء والرفعة والسمو، ويجمع كل الصفات الحميدة ، وأعطي الفكر الثاقب، الذي يستطيع به، أن تتعدى نظرته راهن حاضره، إلى مدىً من مستقبله، فإنه لا يتجاوز في نظرته - الكاشفة هذه - الجيل الذي يعيشه، لأكثر من الجيل الذي يرى نبتة أبنائه،في أماليدهم الضعاف.

ثم هو - إلى هذا - لا يستطيع أن يتجنب ما يحدث من أخطاء، ويكمل ما تبدو من نواقص، ويستمر هذا النظام في طوره التصاعدي - على قاعدة (

التطور والارتقاء )-فلا يصل إلى قمة كماله - لو سلمنا باستقامة ذلك - إلا بعد أن يمر هذا النظام الوضعي، بأدوارٍ تجريبيةٍ، لمعرفة ما يلائم ويوافق، واستبعاد ما ينفر ويختلف عن:الطباع البشرية،ونزعاتها النفسية،و حاجاتها الضرورية، وتصحيح هذه الأخطاء.

وهو مثل الدور التجريبي، الذي تمر به المكتشفات العلمية - على اختلاف أنواعها - حتى يأمن مكتشفها، ما فيها من أخطاء، يُجنبها الإنسان أقيم ما في الحياة، وأغلى ما وجد فيها.

فإذا جاز أن تمر تلك المكتشفات، بهذا الدور التجريبي،والضحايا فيه بعض الحيوانات والحشرات، التي يكافحها الإنسان، في سبيل إبادتها، أو بعض الحيوانات الأخرى، مما سخرها الله له، في خلقه إياها .

فهل يجوز أن يكون المجتمع الإنساني-في ظل النظام الوضعي-محل لتجرية، وحقلها التجريبي، ليطبق عليه هذا النظام أو ذاك، فتذهب الضحايا تلو الضحايا ؟

ص: 224

وقد رأينا من ذلك ما ينخلع له القلب الإنساني، ألماً ومرارةً، في رتلٍ من الضحايا، تكثر وتقل، بمقدار مدة الزمن، الذي يمر به المجتمع، في فترته التجريبية ، ثم ما على واضع هذا النظام، إلا أن يصرخ، متحدياً كرامة الإنسان وقيم الحياة :

إنه قد وقعت أخطاءٌ يجب تداركها، وأنه أصيب القائمون على تطبيق هذا النظام بنوبةٍ من غرور النصر، وأن على الأمة أن تغتفر هذه الأخطاء، و تتناسى تلك الضحايا، في سبيل التجرية، التي أشارت إلى نقاط الضعف، حيث ستقوى، وتُصلح الغلطات .

وعلى الأمة أن ترضى بالواقع المر، وتعاود التجربة، مرةً وأخرى، ومراتٍ و أكثر، ما دام ما يسمى ب ( النقد الذاتي )، على طرف اللسان في عذرٍ هو أقبح من فعل ... !

ولكن النظام الإسلامي القويم، وقد تجنب الدور التجريبي هذا ، وكفر بهذا الذي يُسمى ( تطوراً و ارتقاءً ) لأنه جاء ممن لا تخفى عليه خافيةً، ومِمَّنٌ طبع هذا الإنسان،في صورته التي خلقها في أحسن تقويم، كان أدنى إليه من حبل الوريد، وأعرف منه بنفسه، وأعلم منه بخفاياه وتركيبه،و أدرى منه بماضيهوحاضره ومستقبله، وكل ما يدور حوله في هذه الحياة، أو تحته أو فوقه .

إن هذا النظام ، وقد نجا من آثار هذه العقبة، ولم تعترض دريه، لأنه يمر بدربٍ ملتوٍ أو متعثرٍ، فإنه -في نفس الوقت- نجا من أي أثرٍ لتلك العقبة الأخرى، التي تعترض المبدأ حين التطبيق، مما يجعل التفاوت بين: المبدأ، والتطبيق ، والاختلاف بين : المحتوى والتجسيد ، والتباين بين : الفكرة ومعطاها ...

فهو . كنظام إلهيِّ - نجا في أصله من أي خطأ، ولم تكن له حاجةٌ لأن

ص: 225

يمر بدورٍ ، حتى يصل إلى الكمال ، ولم يسر في طريق الهبوط، حتى يسعى نحو الارتقاء، ولم يتقلب في أدوار متطورةٍ متباينةٍ.

ولم يأت نتيجة تناقضاتٍ، تأتي مناقضةً لشيءٍ سابقٍ، حتى تصل إلى مرتبةٍ تنتقض فيها القاعدة على نفسها ، في مماحكةٍ ممجوجةٍ تافهةٍ ، يسعى إلى تركيزها نظامٌ وضعيٌّ ، فشل لدى التطبيق ، فرجع على نفسه إلى الوراء - في رأيه - خطواتٍ ، كدور من أدوار التطور، المتناقض على بعضه، ليصل - في الأخير- إلى شيوعيةٍ شاملةٍ، تشاع فيها الأموال والأعراض، وما في الحياة من : لذةٍ وشهوةٍ، في غيبية - أستغفر الله !- في سدومٍ من دخان الحشيش، المتصاعد من : أدمغةٍ مأفونةٍ ، وطباعٍ ملتويةٍ ، وتربيةٍ منحطةٍ.

إن الإسلام - كنظام إلهيِّ - وقد نجا من هذه العقبة الأولى،لم يجعل للعقبة الثانية سبيلاً ، لأن تعترض نظامه ، متى جرى التجسيد الكامل المحتواه الشامل، ومتى أُفسح المجال لأن يُقدم عطاءه السخي ، في جميع مناحي الحياة .

إن المشكلة التي تعترض الأنظمة - لدى التطبيق - تكون نتيجةً سببين: أحدهما يرجع إلى النظام ذاته، والآخر يرجع إلى القائم على تطبيق النظام وتجسيد محتواه، وما تتعرض له النفس من انحرافٍ وتجنٍّ، وما تحفل به من (ظلمٍ) هو شيمة لها - إن صدَّقنا أبا الطيب في دعواه-ما لم تكن هناك علةٌ مانعةٌ . وحينئذٍ يتأرجح هذا النظام- في تطبيقه - في مسالك ، بعضها

يكون قريباً من العدل ، وبعضها يكون صورةً للظلم .

وتبدو-هنا-شهوة السيطرة والتحكم، والتشبث بالسلطة، في أبشع صورها، حتى تستبيح ما لا تستبيحه الوحوش الضارية في غاباتها، متى رأى أن الدَّست يميد تحته ، وأن كرسي الحكم تستل منه المسامير، التي جعلت منه الأريكة الوثيرة ، والحبيبة لديه .

ص: 226

وهنا ينسى العقديُّ عقيدته ، التي كان يرفع بها عقيرته، وينسى المتشدق شعاراته، التي كان يهتف بها، مدوياً مجلجلاً صارخاً، يصك الأسماع بنبراته المبحوحة ، ويتخلى المتفيهق عن مبادئه، التي يفلسفها ويصيغها في مرصوف الكلمات وبريق العبارات .

فلا يهمه الدم يراق أو يسفح...ولا يهمه أن ينقلب كل ما هتف به و نادی إلى ضده، فالمُلكُ عقيمٌ-كما قال ملكٌ عباسيُّ- ولو نازعه فيه الرسول ، الذي يحكم باسمه-مدعياً الخلافة عنه-لضرب خيشومه بالسيف!

والإسلام إذ ابتعد عن تلك العقبة، لم يكن ليجهن صعوبة هذه العقبة الأخرى، وما فيها من ضررٍ بالغٍ، لا ينقص عن تلك أذىً ومرارةً، فأحاط موضوع التطبيق بسياجٍ منيعٍ، وحصَّنه بقواه الجبارة، التي تكفل الحفاظ عليه، حتى تنسجم الفكرة مع المعطى، ولا يختلف المحتوى عن التجسيد

ولا يتبدل المبدأ لدى التطبيق .

اختار لحمل رسالة الإسلام أعظم شخصيةٍ، جبلتها يد الله الصَّناع، فكان المثل الكامل للمبدأ والرسالة، وكان التجسيد الواضح الصحيح لها .

ولكن الرسول الأعظم ، وإن ارتفع بمثله ومزاياه، وقيمة وخصائصه، التي تميزه عن سوه، إلا أنه لم يرتفع عن بشريته - وهي تتمة مزاياه - في تعرضها للأحداث الخارجية، من مرضٍ، ومن نهايةٍ محتومةٍ لكل إنسانٍ، و هي : الموت . فهل تبقى الرسالة، بدون قائمٍ عليها، وراعٍ حفيظٍ، وهي الرسالة الخالدة خلود الحياة ؟

إذن فلابد من إنسانٍ، يمثل الرسول، في خصائصه ومزاياه تلك، ليقوم بدر التمثيل عنه، في مهمته تلك التي تتعدي التبليغ للرسالة،إلى الحفاظ عليها، وتحويلها من فكرةٍ إلى واقعٍ مُعاشٍ .

ص: 227

ومن هنا كانت الإمامة - لدى الشيعة - أصلاً خامساً، يبتني عليها الإسلام، ويأتي دورها الترتيبي بعد النبوة، لأنها امتدادٌ لها، وخلافةٌ عنها .

وإنه بالرغم من النصوص،التي جاءت أصولاً ثابتةً لقاعدة الحكم في الإسلام ،التي تحرص على نظافة الحاكم لتجعل منه القدوة، ويشترط فيه كل الشروط القيادية، التي تؤهله لمسك الزمام، وإدارة الدفة، وتتشدد في تلك الشروط ، إلى حد القسوة، وتفرض عليه كل الفروض، التي ترتفع به إلى المستوى القيادي، بحيث يكون هذا الارتفاع، على المستوى الفكري و الأخلاقي، والتجسيدي للتعاليم ، لا أن يرتفع في مظهر ماديِّ،أو ما إلى ذلك ؛ بل عليه أن يكون- في هذه الناحية - مساوياً لأضعف ضعيفٍ، ليكون له القدوة والأسوة، التي بها يتأسى،فلا يمتاز عنه في:مظهرٍ أو ملبس أو مسكنٍ...

إنه بالرغم من النصوص هذه ، التي لا يسعنا أن نعرض لشيء منها ...

فإنه لم يكتف بهذا؛ إذ لا يمنع من يصل للحكم فينحرف به نصُّ،لا يتعدى - في نظر المنحرف - حروفه، ولا يتعدى نطاقه عن محتوى الكلمة وهو الذي لا يخشى حساباً، ولا يخاف عقاباً من الله - وليس يعني هذا انعدام من يصلح للحكم، فيطبق تلك الأنظمة في محتواها العام،ويُجسد حقيقتها الرائعة على الصعيد العملي، انعداماً يُلحقه بالمستحيل.

ولكن هذا لا يعني أن نأمن الانحراف ، وهوأكثر من الاعتدال ، مادامت النفس البشرية، بعواطفها الجياشة، ونزوتها المختلفة... وإنه لمما ينا في صلاح المجتمع واستقامته : أن يبقى تحت تأثير هذه العواطف وتلك النزوات .

وإذا كان الإسلام لم يرضَ لا جتمع أن يكون محطة تجارب للأنظمة من أجل الارتفاع بالنظام نفسه ، إلى الأحسن أو الأصلح، فوضع النظام الأصلح و الأكمل؛ منذ تأسيسه فهل يرضى أن تكون القيادة لمن ينحرف

ص: 228

بها ؟!

لذلك...فكما اختار الله لرسالته من رأى فيه الصلاحية،لحمل العبء و التبليغ والتطبيق - وهو ( أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ ) - فقد اختار لهذه الرسالة، من يواصل حملها، والحفاظ على معالمها، وتطبيقها، ونفي زيف المحرفين عنها، لتواكب الأزمنة، وتساير الأعصر...

وكان القادة من أهل البيت - الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً - هم قادة الموكب الزاحف، نحو الحق والعدل؛ وكانوا أئمة الهدى والرشاد، وكانوا التجسيد الرائع للنظام الأصلح، في اتحادٍ متماسكٍ، يشدهم بجدهم الأعظم، ويجعل منهم عدل القرآن، الذي تكفل الله بحفظه، كما ضمن استمرار وجودهم به، بعد أن جعل الرسول منهم ومنه: ثقلين لا يفترقان مدى الحياة؛ بل يرِدان- هُم والقرآن - عليه الحوض...

فكما أن القرآن باقٍ، فإن وجود واحدٍ منهم ممتدٌّ ببقائه، لا افتراق بينهما .. ولئن لم تقم لأهل البيت دولةٌ، تكون دولة الحق والعدل، وقد نُحُّوا عما ندبهم إليه الله سبحانه، فكان ذلك امتحاناً للعباد وتمحيصاً، وكان ذلك من سوء حظ المجتمع الإسلامي ونكسته، وسبيلاً لغزو المبادئ المنحرفة،و العقائد السوداء المضللة ...

إن كان ذلك في الماضي،فإن الله قد اذَّخر لدينه،من ينفي عنه زيف المحرفين ، وتضليل المنحرفين، وزيغ المبطلين، يوم تقوم دولةُ الحق، دولة الإسلام الكبرى، فتخفق رايةً كراية رسول الله،يحملها أحد أبنائه،من القادة الهداة، يطابق اسمُه اسمَه، وخُلُقُه خُلُقَه، وكنيتُه كنيتَه،وتشده إليه وشائج العقيدة، والتي تتجدد، فتعم الدنيا راية العدالة، ويملأ الدنيا حقاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً .

وها نحن نهتف - بهذه المناسبة الفضلى : مولد هذا القائد العظيم :

ص: 229

(اللهم إنا نرغب إليك في دولةٍ كريمةٍ تعز بها الإسلام وأهله،وتذل بهاالنفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى سبيلك، والقادة إلى دينك، وتبلغنا بها شرف الدنيا والآخرة ).

فعجِّل يا رب - وأنت خير مرجوٍّ- فرج وليك، ليكافح فينا هذا الانحراف، الذي غزانا في عقر دورنا، بعقائده المختلفة الشوهاء، وجعلنا تخبط في الديجور، ويعود بنا إلى صفاء دينك الأسمى ، والله هو المرجو الكل خيرٍ.

القطيف :1383/8/14 ه-1963/12/31 م

ص: 230

الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الشيخ محسن علي المعلم

اشارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد واله الميامين الهداة

الإمام المهدي علیه السلام:

تحتل قضية ( الإمام المهدي ) حيزاً كبيراً في الفكر الإسلامي، وأهمية كبرى لدى المسلمين ، وقد أشبعَت بالبحث في كثير من شؤونها حتى أُلفت فيها كتب عديدة يقع بعضها في مجلدات .

ولست هنا في صدد عرض ما فرغ منه المؤلفون والباحثون وإنما القصد التركيز على جملة من الركائز والإلفات إلى بعض مواطن اللبس التي يقع فيها قسم ممن يتناول الموضوع جهلاً أو تجاهلاً.

فأقول ومن الله أستمد السداد والتوفيق للرشاد والإرشاد :

الإمامة والأمامية الاثنا عشر:

وقد اختلفت الأمة في قضية الإمامة مصدراً وشروطاً وصلاحيات ، والذي يعنيني بيان وجهة نظر ( الإمامية الاثني عشرية ) فهم القائلون : بأن الإمامة)منصب إلهي يتولى التعيين فيه الله جل جلاله ولا تناله يد الجعل، فلا شأن لاختيار غير الله - سبحانه - لا نصاً أو شوری او انتخاباً، ولهم على ذلك براهينهم العقلية والنقلية (كتاباً وسنة ).

الإمام المهدي آخر الأئمة:

فهو:محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن

ص: 231

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وهذه سلسلة آبائه الكرام الذين تعتقد ( الشيعة الإمامية الاثني عشرية)

بإمامتهم مترتبين بدأ من الإمام الحسين مسبوقا بإمامة أخيه الإمام الحسن بعد أبيه الإمام أمير المؤمنين عليهم السلام.

ومن ثمّ فقضية( الإمام المهدي ) ليست منفصلة موضوعاً وحكماً عن موضوع الإمامة والأئمة بل هي جزء من كل وختام العقد ونهاية السلسلة ، ولابد في معالجة موضوعها من دراسة( الإمامة )بكل فصولها وحلقاتها .

الالتقاء والافتراق:

يقف الباحث حول(الإمام المهدي ) على إطباق المسلمين واتفاق رأيهم في ذات قضيته ، أما الشيعة الاثنا عشرية فمعلوم منهم وعنهم ضرورة ذلك وأنها معتقدهم في الصميم،وقد أفاضوا الحديث فيها قديماً وحديثاً و بمختلف مناهج البحث ومتعدد موضوعاته .

وأمّا السنة فتلك مقولة أعلامهم بل ومؤلفاتهم الكثيرة سابقاً ولاحقاً تجهر بالتواتر وتصرح بوفرة الروايات وصحة الأسانيد ، وشذّ من خالف منهم في ذلك حتى انبرى من تصدی منهم لرد مقولته .

نعم..يختلف الطرفان حول بعض شؤونه،فما هي مقومات الإمامة ؟ و شرائط الإمام ؟ وهل ولد أم لا ؟ ومن هو نسباً؟

فالإمامية الاثنا عشرية قاطبة قائلة بولادته في مدينة(سامراء )،والأعم

الأغلب من السنة على خلاف ذلك .

أجل .. إن أمة من أعلام السنة يذهبون مذهب الشيعة الإمامية ويتفقون معهم في الرأي، فقد أحصى الباحثون جمّاً غفيراً بلغوا أكثر من ( 65) ممن صرحوا بولادته ووجوده . وأرشد القارئ الكريم إلى مراجعة كتاب

ص: 232

(المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية )(1).

بل وادّعي بعضهم التشرف بلقائه والاجتماع بحضرته كما جاء في ترجمة بعضهم .

السرداب:

وهو كما قال أحد العلماء - سرداب الدار التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم : الإمام علي بن محمد الهادي ، وولده الإمام الحسن بن علي العسكري ،وولده الإمام المهدي عليهم السلام ، كما سكنوا أيضاً في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه وجرت لهم فيه الكرامات و المعجزات، وغاب المهدي علیه السلام بعدما سكنه ، ولذلك تتبرك الشيعة وغيرها به ، وتصلي لربها فيه وتدعوه ، وتطلب منه حوائجها طلباً لبركته بسكني آل رسول الله فيه وتشريفهم له.

وليس من الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب أو غائب فيه، كما يرميهم به من يريد التشنيع ، وينسب إليهم في ذلك أمورا لا حقيقة لها، مثل أنهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون : أخرج إلينا يا مولانا ، فإن هذا كذب وافتراء ، حتى أن بعض من ذكر ذلك قال: إنه ( بالحلة ) مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة .

وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه ،وهذا الأمر لا يختص بالشيعة في تبركهم بالأمكنة الشريفة فليتقٍ الله المرجفون . انتهى (2).

ص: 233


1- لمؤلفه الشيخ نجم الدين العسكري ، ج1 من ص181إلى ص226، الباب السادس عشر.
2- الكنى والألقاب ، 236/3

وبعد ..

ا.إن مسائل الفكر والاعتقاد يجب أن تدرس وتناقش بموضوعية ووقوف على الأدلة وأخذها من مصادرها المعتمدة عند أربابها .

ب. إن العقيدة أسمى وأقدس شيء لدى المؤمن،والكلمة أمانة مقدسة، فمن عدم اللياقة المبادرة إلى النبز بالغلو ، ومن الجهل التسرع بوصمة الخرافة دونما استيعاب أو فهم للأدلة لدى المتهمين فتُجرح العواطف الدينية تشهّیاً.

ج.إن من اللافت حقاً وفرة المشتركات الروائية بين الطرفين في شأن (المهدي) ، وهذه حقيقة جلية يقف عليها من جاس خلال الديار فتری :

1.الشيخ نجم الدين العسكري يعنون كتابه(المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية ) وكفى بعنوانه بياناً لمحتواه .

2.الشيخ لطف الله الصافي يصدر كتابه (منتخب الأثر في الإمام الثاني

عشر) بالمصادر المودعة فيها الروايات من مجاميع الأحاديث لدى الطرفين.

3.والشيخ مهدي الفقيه الإيماني يفرد كتابه(الإمام المهدي عند أهل السنة) فيجمع نصوص عدة مؤلفات وفصولاً ومقالات لأصناف من الرواة و المحدثين والمؤلفين يعرضها مصورة من أصولها ، وقد بلغ ما عرضه (67) نصاً جاءت في662 صفحة ، وختمها بخاتمة أورد فيها قائمة بمؤلفات أخرى في الموضوع لم يرد ذكرها في ثنايا كتابه ، وهو مجموع طريف.

4. الشيخ علي الكوراني، فقد كتب(موسوعة أحاديث المهدي )في خمسة مجلدات .

د) إنني لم أعرض لأدلة الإمامة ، وإثبات غيبة الإمام بعد ولادته فهي كما أسلفت أشبعت بحثاً ومناقشة وردّاً لما أثير حولها من شبهٍ ولبس ، وإنما عرضت أصول المسألة ومواطن الاتفاق والافتراق .

ه)وأنتهز هذه المناسبة الباعثة لهذا البحث فأدعو مخلصاً أرباب الفكر

ص: 234

وحملة الأقلام إلى معالجة الموضوعات العقدية والخلافية بما يليق بهم و بها،وبما يحبون لغيرهم أن يتحلوا به من أناة وعلم مستسقى من أهله (لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره )وإخلاص في القصد ونزاهة في العرض ،فبذلك يسمو الفكر وتعمر سوق العلم والمعرفة .

والله أسأل أن ينير أفكارنا وبصائرنا بالحق والهدى ، ويعصمنا من الزلل والخطل في القول والعمل ، وأن يجمع كلمتنا على البر والتقوى ويوفقنا للتي هي أقوم وأهدی . والحمد لله حمداً يليق بآلائه ونعمائه ، والصلاة على صفوة الخلق سيدنا محمد وآله الهداة المهديين.

ص: 235

ص: 236

أحاديث شريفة الشيخ محسن علي المعلم

اشارة

*أحادیث شریفة(1)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

النص العاشر:

محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً،عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: أجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمة الله عند أحمد بن إسحاق ، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء،وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة ، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة(2)، وأغلق باب التوبة ، فلم يك «یَنفَعُ نَفساً إیمَنُهَا لَم تَکُن ءَامَنَت مِن قَبلُ أو کَسَبَت فِی إِیمَنِهَا خَیرًا» ، فأولئك أشرار من خلق الله عزوجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة ، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً، وإن إبراهيم علیه السلام سأل ربه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى«قَالَ أَوَلَم تُومِن قَالَ بَلَی وَلَکِن لِیَطمَئنَّ قَلبِی»

وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن علیه السلام قال: سألته وقلت:من أعامل؟أو عمّن آخذ ؟وقول من أقبل ؟ فقال له: العمري ثقتي ، فما أدّى إليك عني فعني يؤدي ، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد علیه السلام عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عني فعني يؤديان،وما قالا لك فعني يقولان،فاسمع لهما وأطعمها ، فإنهما القتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.

ص: 237


1- جزء من کتاب قید التألیف ، یحتوی علی شرح أحادیث شریفة .
2- في بعض النسخ (وقعت الحجة)

قال:فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال:سل حاجتك فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد علیه السلام ؟ فقال: إي والله ، ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات، قلت: فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك،ولا أقول هذا من عندي،فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه علیه السلام.

فإن الأمر عند السلطان، إن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقسم میراثه وأخذه من لا حقّ له فيه،وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب،فاتقوا الله و أمسكوا عن ذلك.

قال الكليني رحمة الله: وحدثني شيخ من أصحابنا - ذهب عني اسمه - أن أباعمرو سأل عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا )(1).

والحديث يتضمن حقائق جمة، ومعارف مهمة،نأتي عليها ضمن نقاط:

الأولى : طرافة الرواية ، وأجواؤها والفئة المجتمعة،الحميري والشيخ أبو عمرو العمري وأحمد بن إسحاق ، وعناية أحمد بالسؤال عن خلف الإمام العسكري علیه السلام ، فيغمز الحميري ليحركه على المسألة عن الموضوع الأهم.

الثانية:لباقة الحميري ولطف تمهيده لسؤاله،وتقديمه بياناً لمحض اعتقاده: إن الأرض لا تخلو من حجة ما بقي التكليف،وغاية ذلك قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، وهي أمد التوبة ، وعندها يغلق بابها .

وذلك مدلول قول الحق عظمت حجته وجلت حكمته :«لَا یَنفَعُ نَفساً إیمَنُهَا لَم تَکُن ءامَنَت مِن قَبلُ أَو کَسَبَت فِی إِیمَنِهَا خَیرًا»(2)،وأولئك الذين أوصد باب التوبة في

ص: 238


1- الکافي ،ج1 ، ص 329 - 330، باب(في تسمیة من رآه علیه السلام)ح1
2- الأنعام ،158

وجوهمم،شرار خلق الله ، حيث لم يفيئوا إلى الحق بعد قيام الحجة ، و انقضاء المهلة ، وارتفاع التكليف.

الثالثة:إذن..فمن يملك تلكم المعرفة ويحوي ذلكم العلم فما باعث

سؤاله؟!

أجل..إنه زيادة اليقين ، وبلوغ الغاية منه،وله فيما حكاه القرآن عن خليل الرحمن خير مبرر وعاذر «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»(1).

الرابعة:المسؤول المأمون والسفير المؤتمن، إنه الولي المخلص،والوكيل العدل ، والثقة المعتمد ، لدي حجج الله على خلقه وخلفائه في عباده .

فهذا أبو علي أحمد بن إسحاق يروي في جلالة قدره وعلو مقامه، عن الإمام أبي الحسن علیه السلام: سألته وقلت له : من أعامل ؟ وعمّن آخذ ؛ وقول من أقبل ؟ فقال له : العمري ثقتي،فما أدّى إليك فعني يؤدي ، وما قال لك عني ، فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنه الثقة المأمون .

وهذا الإمام أبو محمد عليهما السلام يجيبه عن مثل ذلك بقوله : العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا فعني يؤديان،وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنهم الثقتان المأمونان .

فهل بعد قول إمامين إلا الإحالة على المطّلع الخبير،الطبين بالأمرالواقف على السر ؟؟

فما كان من هذا الثقة الجليل إلا تجسد صفاته ، وتمثل كمالاته .

( فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ، ثم قال : سل حاجتك ).

إنه الخضوع والخشوع ، والشكر على عظيم النعمة ، وبليغ المنّة ، وإنه

ص: 239


1- البقرة ،260

التواضع والبكاء عمّا تجيش به النفس من شؤون ازدحمت فرقّ لها القلب ، وانهملت لجلالها العين ، وأثمرت التوطئة ثمرها،وأن للحميري اقتطافها .

(أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد علیه السلام؟).

فقال العمري رحمة الله:إي والله ورقبته مثل ذا-وأومأ بيده-،إنه قول الخبير وشهادة البصير،يُصَدِّر قول بقسمه،ويؤكد خبره بالإشارة إلى المحسوس والملموس ، فيطمع ذلك الحميري ليسأل عمّا يعنيه ، ويردف بما يهمه .

( فبقيت واحدة فقال لي: هات، قلت: فالاسم ؟).

وتلك حكاية الفترة العصيبة، فالمأموم لا يقف على معرفة اسم إمامه، ويا لها من مصيبة ، وهنا مختبر الأمانة،وموطن الصيانة،واحتمال السر، وكتمان الأمر ، ويا له من موقف حرج مر.

( محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك )،( ولا أقول هذا من عندي ،فليس لي أن أحلل ولا أحرم ، ولكن عنه علیه السلام. ).

ولماذا كل هذا ؟

إنه الظرف العصيب،والمحنة القائمة ، والبلية النازلة بالبقية من حجج الله وال محمد علیهم السلام ، فقد عصفت بهم العواصف ،وعمّت بم الخطوب ، وشملهم البلاء.

( فإن الأمر عند السلطان، أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقسم میراثه وأخذه من لا حقّ له فيه ، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً).

فقد تبدد الشمل ، وانتهب الثقل ، وروّع الأهل،وفُتشت النساء والجواري وحبسن ، وقُطِع ما أمر الله به أن يُوصَل ، فلا محيص في مثل هذا المأزق الحرج، ولا مناص في مثل هذا البلاء الواسع المبرم ، إلا الصمت والإعراض ، والسكون والإغماض .

ص: 240

( وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك ).

هذا .. وللفقهاء آراء في هذه المسألة ، حكماً وموضوعاً، حفلت به بحوثهم المستوعبة .

عجلّ الله لوليه الفرج،وسهّل له المخرج،وأزال بظهوره البلاء،ورفع العناء، وأرانا الرخاء .

ومن حديث الإمام المهدي علیه السلام:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد > قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب قال :

قال أبو عبد الله علیه السلام : أول من يبايع القائم علیه السلام جبرئيل ، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعة ، ثم يضع رجلاً على بيت الله الحرام ، ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق « أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ»(1)(2)

وظهور الإمام بعد طول انتظار، وامتداد غيبة واحتجاب،حدث عالمي خطير، وأمر مفاجئ مثير ، فلا بد له من إعلام يماثله ، وتعريف يليق به.

فجرى لخاتم الأوصياء محمد المهدي سنن ما جرى لجده خاتم المرسلین محمد، من الإرهاصات والبشائر والنذر ، تأييداً للأمر الإلهي،وإقامة للحجة على الخلق .

ويتولى أمر البيعة الأمين على وحي الله الملك المقدس جبرائیل علیه السلام، فهو أول من يبايع .

ص: 241


1- النحل ، 1
2- كمال الدين وتمام النعمة ، ص671، باب ( في نوادر الكتاب ) ح18

وتحمل هذه الظاهرة النادرة توفر الأسباب لتحقيق الوعد الإلهي «لِیُظهِرَهُ عَلَی ألدِّینِ کُلِّهِ»(1)، بنحو خارق معجز، ولعل في تمثّل ( الملك الأمين) طيراً ومن الألوان بياضاً، رمزاً لاتساع وعمق النفوذ ، وسرعة انبثاثه .

ومنطلق قيام الإمام بأعباء الإمامة،هوذات منطلق قيام جده النبي بأعباء النبوة والرسالة.وكما أسري بالنبي المصطفى إلى المسجد الأقصى المبارك،هو وما حوله ، فها هو الأمين يحمل دعوة خليفة ذلكم المرسل ،وقيامه بما استخلف فيه .

ولعل ثَمَّت تناسباًمميزاً مضافاً إلى هذا اقتضى اخصاص (بیت المقدس) ألا وهو: أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، كان موطنه ومنطلق دعوته هناك،وهو من أولياء الإمام وأنصاره وداعي قومه إلى الإيمان بما يؤمن به.

ولما كانت إمامة الإمام الثاني عشر من آل محمد ، تمثل الحلقة الأخيرة من منظومة( الدين الإلهي )فالإسلام خاتمة الأديان،والإمام المهدي خاتمة الأوصياء القائمين بأمره،فلابد لها من إبلاغ كفءثقلها،ونسق مبتداها، فكما قال الأمين جبريل عن ربه تبارك وتعالى في شأن الرسالة والرسول«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(2)و «إِنِّی رَسُولُ إللهِ إِلَیکُم جَمِیعٍا»(3).

فهو اليوم يملأ الآفاق صوته،ويسمع كل ذي سمع مقولته ، فالأمران إلهيان يلتقيان ، وبينهما وشيجة أوثق من لحمة في سداه ، فدين الإسلام افتتح بمحمد واختتم بمحمد(صلى الله على محمد وآل محمد وقائم آل محمد).

ص: 242


1- الأعراف ، 158
2- الأنبیاء ،107
3- التوبة ، 33

من هو إمام المسلمين في هذا العصر؟ الشيخ علي آل محسن

اشارة

*من هو إمام المسلمين في هذا العصر؟(1)

تمهيد:

إن مسألة معرفة إمام العصر من المسائل المهمة التي تترتب عليها أعظم المصالح الدينية والدنيوية، وتُؤدى بها أهم الوظائف الشرعية، وقد وردت فيها أحاديث صحيحة مشتملة على التحذير الشديد، ونصف من مات جاهلاً بها بأن ميتته جاهلية .

مضافاً إلى أن علماء أهل السنة أكدوا في مصنفاتهم على أن نصب الإمام في كل عصر واجب على المسلمين كافة، بل جعلوه من أعظم الواجبات الدينية التي لا يسع المسلمين تركها أو التهاون في المبادرة إليها.

قال الإيجي في المواقف : نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً..

وقال : إنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال أبو بكر (رض) في خطبته :(ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به )، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله صلی الله علیه وآله ، ولم يزل على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متّبع في كل عصر ...(2)

وقال الماوردي:وعقدها-أي الإمامة لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع(3)،وقال ابن حجر:قال النووي:أجمعوا على أنه يجب نصب خليفة ، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل(4)،وقال التفتازاني : نصب

ص: 243


1- مسائل خلافیة حار فیها أهل السنة ، ص 217 - 241
2- المواقف ، ص359 ، و الإیجی عاش بین سنة 700ه و سنة 756 ه
3- الأحکام السلطانیة ، ص29
4- فتح البادری ، 176/13

الإمام واجب على الخلق ، سمعاً عندنا وعند عامة المعتزلة(1)، وقال ابن حزم: إن رسول الله صلی الله علیه وآله نص على وجوب الإمامة، وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة(2)، وقال : لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس فيعنقه لإمام بيعة(3)... إلى غير ذلك مما يطول ذكره(4) .

ومع كل ذلك فإن أهل السنة بعد عصر الخلافة عندهم أطبقوا على ترك هذا الواجب ، بل تركوا الخوض في هذه المسألة وتجنبوا البحث فيها من قريب أو بعيد،فلا نرى منهم اهتماماً بالبحث في هذا الأمر مع عظم أهميته، حتى تركه من تعرض لشرح تلك الأحاديث وقابله بالإعراض والإهمال الشديدين(5) . ولعل السبب في ذلك خشية علماء أهل السنة من سخط حكّام عصرهم إذا نفوا عنهم أهليتهم لإمامة المسلمين، وخوفهم من العامة، وحذرهم من تخطئة كل أهل السنة في ترك أمر مهم واجب لا ينبغي تركه .

والأحاديث المروية في هذه المسألة كثيرة ، وإليك بعضاً منها :

حديث من مات وليس في عنقه بيعة:

أخرج مسلم في صحيحه والبيهقي في السنن والهيثمي في مجمع الزوائد و التبريزي في مشكاة المصابيح والألباني في السلسلة الصحيحة وغيرهم ،

ص: 244


1- شرح المقاصد ،235/5
2- الفصل في الملل والأهواء والنحل ، 169/4
3- المحلى ، 420/8
4- راجع إن شئت كلام ابن حزم في الفصل في الملل 149/4، والبغدادي في الفرق بين الفرق، ص 349
5- خذ مثالاً على ذلك : الإمام النووي الذي شرح صحيح مسلم ، فإنه لم يعلّق بحرف واحد على حديث(من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ، راجع صحيح مسلم بشرح النووي 240/12، مع أن النووي توفي سنة 676ه بعد سقوط الخلافة العباسية وتشتت بلاد المسلمين إلى دويلات على كل دولة خليفة .

عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال:(من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )(1).

وأخرج أحمد في المسند والهيثمي في مجمع الزوائد وأبو داود الطيالسي في مسنده وابن حيان في صحيحه وأبو نعيم في حليته والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عنه صلی الله علیه وآله أنه قال: ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية )(2).

وفي رواية أخرجها الهيثمي وابن أبي عاصم ، أن النبي صلی الله علیه وآله قال : ( من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية )(3) .

وفي رواية أخرى : ( من مات وليست عليه طاعة مات ميتةجاهلية )(4).

تأملات في الحديث:

قوله صلی الله علیه وآله: من مات : فيه إشعار إلى أن بيعة أمام المسلمين الحق ينبغي المبادرة إليها وعدم إهمالها أو التهاون فيها خشية مباغتة الموت والوقوع في الهلاك.

قوله صلی الله علیه وآله : وليس في عنقه بيعة: أي ولم تكن بيعة ملازمة له لا تنفك

ص: 245


1- صحيح مسلم 1478/3 كتاب الإمارة باب13ح 58 ، السنن الكبرى 156/8 ،مجمع الزوائد 218/5، مشكاة المصابيح1088/2ح 3674، سلسلة الأحاديث الصحيحة715/2 ح 984.
2- مسند أحمد 96/4، مجمع الزوائد 218/5، مسند الطيالسي ص 259، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 49/7 ، حلية الأولياء 224/3، كنز العمال 103/1ح 464 ، 65/6 ح 14863.
3- مجمع الزوائد 224/5 ،225 ، كتاب السنة ص489 ح1057 ، قال الألباني :إسناده حسن ورجاله ثقات ...
4- مسند أحمد 446/3 ، كنز العمال 65/6ح 14861، كتاب السنة ص 490ح 1058، المطالب العالية 228/2

عنه، كما في قوله تعالى:«وَکُلَّ إِنسَنٍ أَلزَمنهُ طَئِرَهُ فِي عُنُقِهِ»، فلا يجوز نقض بيعة إمام الحق ولا النكث عنها ، ولأجل الدلالة على اللزوم لم يعبِّرب (من مات ولم يبايع إماماً...).

والبيعة:هي المعاقدة والمعاهدة على السمع والطاعة ، ولعلها مأخوذة من البيع، فكان من بايع الإمام قد باع نفسه للإمام ، وأعطاه طاعته وسمعه ونصرته .

وعليه فلا تقع البيعة إلا مع الإمام الحاضر الحي ،دون الإمام الغابر الميت، لأن الميت لا تتحقق معه المعاهدة ،واعتقاد إمامة الأئمة الماضين لا يستلزم تحقق البيعة لهم.

وقوله:الإمام:يدل على أنه لا يجوز مبايعة أكثر من إمام واحد في عصرواحد ، وهذا مما اتفقت عليه كلمة المسلمين ودلّت عليه الأحاديث الصحيحة عند الفريقين .

فمما ورد من طرق أهل السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )(1) ، وعن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال: (... وستكون خلفاء فتكثر.قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول )(2).

قال النووي: في هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلی الله علیه وآله، ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، و وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول [أم] جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخرين غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء ... واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد،

ص: 246


1- صحيح مسلم1480/3 كتاب الإمارة، باب 15 ح 61، السنن الكبرى 144/8
2- صحيح مسلم1471/3كتاب الإمارة، باب 10 ح 44

سواء اتسعت دار الإسلام أم لا(1).

وقال البغدادي : وقالوا - أي أهل السنة -: لا تصح الإمامة إلا لواحد يفي

جميع أرض الإسلام(2) .

ونص على ذلك أيضاً ابن حزم(3) والماوردي (4) والتفتازاني (5)وغيرهم .

مات ميتة جاهلية : ميتة على وزن فِعلة، وهو اسم هيئة، والمعنى : مات

كميتة أهل الجاهلية .

قال النووي : أي على صفة موتهم من حيث هي فوضى لا إمام لهم (6).

أقول:لعل تشبيه موت من ترك بيعة إمام الزمان بميتة أهل الجاهلية من حيث أن ترك تلك البيعة يستلزم ترك متابعة إمام الحق،ويؤدي إلى متابعة أئمة الجور،وهذا مسبب للوقوع في الضلال،فتكون حاله حال أهل الجاهلية الذين يموتون على ضلال .

مؤهلات إمام المسلمين وصفاته:

اشارة

إن إمام العصر لا بد أن تتوفر فيه عدة مزايا تؤهّله لأن يكون إماماً على سائر المسلمين دون غيره ، وقد ذكر علماء أهل السنة بعضاً من تلك المزايا التي ينبغي توفرها في إمام المسلمين ، ومع أنهم اختلفوا في بعض الصفات إلا أنهم يكادون يتفقون على بعض آخر منها . فمما اشترطوه :

ص: 247


1- صحيح مسلم بشرح النووي 231/12
2- الفرق بين الفرق ص 350
3- الفصل في الملل والأهواء والنحل 150/4 ، المحلي 422/8
4- الأحكام السلطانية ص37
5- شرح المقاصد 233/5
6- المصدر السابق 238/12
أولاً : أن يكون قرشياً:

فلا تصح إمامة غير القرشي كائناً من كان،وذلك لقول النبي صلی الله علیه وآله :(الأئمة من قريش )(1) .

قال المناوي:ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث،فشرطوا كون الإمام قرشياً(2).

وقال:قال عياض :اشتراط كون الإمام قرشیاً مذهب كافة العلماء ،وقد عدوها من مسائل الإجماع، ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة .

وقال أيضاً: به - أي بهذا الحديث - احتج الشيخان يوم السقيفة ، فقبله

الصحب وأجمعوا عليه(3) .

ونص أيضاً على اشتراط القرشية في الإمام:عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق(4) ، وابن حزم في الفصل والملل والأهواء والنحل(5)

ص: 248


1- أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 4/3 ،183، 421/129، والطيالسي في مسنده ص284، 125 والحاكم في مستدركه501/4 و صححه ووافقه الذهبي وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير480/1، أبو نعيم في حلية الأولياء5/1 ، 7/171 ، 123/242 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 192/5، والبيهقي في السنن الكبرى 4/3 ،76/121 ،و الطبراني في المعجم الصغير 152/1، والألباني في صحيح الجامع الصغير534/1، قال أبو نعيم في الحلية 171/3: هذا حديث مشهور ثابت من حديث أنس، وقال البيهقي في السنن 121/3: مشهور من حديث أنس، وعدّه من الأحاديث المتواترة السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة ص 248، والكتاني في نظم المتاثر ص169وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 152/4وغيرهم،واستقصى الألباني طرق هذا الحديث وصححها في إرواء الغليل 298/2 - 301ونفى الشك في تواتر الحديث .
2- فيض القدير 189/3
3- المصدر السابق 190/3
4- الفرق بين الفرق ص 349
5- الفصل في الملل والأهواء والنحل 152/4

والمحلى(1) ، والتفتازاني في شرح المقاصد(2)، والماوردي في الأحكام السلطانية(3)، والغزالي في قواعد العقائد(4) وغيرهم.

ثانياً: أن يكون عالماً مجتهداً:

قال الإيجي:الجمهور على أن أهل الإمامة مجتهد في الأصول والفروع ،

ليقوم بأمور الدين(5).

وقال عبد القاهر البغدادي:وأوجبوا-أي أهل السنة-من العلم له مقدار ما يصير به من أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية(6) .

ونص أيضاً على لزوم كون إمام المسلمين مجتهداً في الأحكام الشرعية:الماوردي في الأحكام السلطانية(7)والتفتازاني (8)والباقلاني في التمهيد(9) وغيرهم .

ثالثاً: أن يكون عادلاً غير فاسق:

قال البغدادي بعد أن ذكر شرط العدالة في الإمام:وأوجبوا - أي أهل السنة - من عدالته أن يكون ممن يجوز حكم الحاكم بشهادته ،وذلك بأن يكون عدلاً في دينه ، مُصلحاً لماله وحاله ، غير مرتكب لكبيرة ولا

ص: 249


1- المحلي 420/8
2- شرح المقاصد 243/5
3- الأحكام السلطانية ص32
4- قواعد العقائد ص 230
5- المواقف ص 389
6- الفرق بين الفرق ص349
7- الأحكام السلطانية ص 31
8- شرح المقاصد233/5
9- التمهيد ص 181 عن كتاب الإلهيات 518/2

مُصر على صغيرة، ولا تارك للمروءة في جل أسبابه (1).

وقال الإيجي : يجب أن يكون عدلاً لئلا يجور.وذكر أنه شرط بالإجماع .(2)و نص على اشتراط العدالة في إمام المسلمين الماوردي(3)في الأحكام السلطانية والغزالي في قواعد العقائد (4)والتفتازاني في شرح المقاصد(5) وغيرهم.

إلى غيرها من الصفات التي ذكروها، وفيما ذكرناه كفاية .

حيرة أهل السنة في هذا العصر:

عندما نلقي نظرة على واقع أهل السنة في هذا العصر نجد أنهم لم يبايعوا إماماً واحداً لهم مع وجوبه عليهم ، بل مع كونه من أعظم الواجبات كما مر مفصلاً ، فلم يبايعوا واحداً من حكام المسلمين المعاصرين ولا غيرهم إماماً لهم، إما لأن الإمام يجب أن يكون قرشياً وجل حكام المسلمين اليوم ليسوا من قريش ، والقرشي منهم لم يقم دليل على إمامته العامة على كل المسلمين لا عند أهل السنة ولا عند غيرهم ، وإما لعدم توفر الصفات الأخرى فيه .

جواب الإشكال ورده:

اشارة

قد يقال:إن أهل السنة في بعض البلاد الإسلامية بايعوا حكامهم بيعةشرعية صحيحة، وبذلك يكونون قد أدّوا ما فرضه الله عليهم من مبايعة إمام لهم في هذا الزمان .

ص: 250


1- الفرق بين الفرق ص349
2- المواقف ص389
3- الأحكام السطانية ص 31
4- قواعد العقائد ص 230
5- شرح المقاصد 233/5

والجواب :

1. على فرض حصول بيعة ( شرعية ) الحاكم من حكام المسلمين في بلدما، فإن باقي أهل السنة في كل البلاد الأخرى لم يبايعوا ذلك الحاكم، فإما أن تكون بيعة المبايعين صحيحة فيجب على غيرهم متابعتهم فيها ، وحيث لم يفعلوا فقد تركوا أهم الواجبات عليهم ، وإما أن تكون تلك البيعة باطلة فلا اعتبار بها ، فوجودها كعدمها.

2. أن أولئك المبايعين إنما بايعوه على السمع والطاعة وعلى كونه حاكماً على بلادهم ، لا كونه خليفة أو إماماً لكل المسلمين ، ولذلك لم نرَ حاكماً معاصراً ادعى الخلافة أو الإمامة على كل المسلمين،والذي يتأذى به الفرض هو البيعة على النحو الثاني لا الأول.

3. أن الخليفة الحق لا تثبت خلافتة عندهم إلا بالنص من الله ورسوله،أو بنص إمام الحق الذي قبله ، أو بالشورى من المسلمين كافة ، أو بالقهر والغلبة على سائر بلاد الإسلام ، وشيء من ذلك كله لم يتم الحاكم معاصر كما هو واضح.

وتثبت الخلافة أيضاً ببيعة أهل الحل والعقد،وعليه فإن كان أولئك المبايعون هم أهل الحل والعقد(1)فبيعتهم صحيحة ، وإلا فلا ، ولا تكون مُلزِمة بغيرهم، وتكون مشمولة لقول عمر: فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا(2).

4. أن مبايعتهم لذلك الحاكم معارَضة بمبايعة غيرهم لحاكم آخرفي

ص: 251


1- أهل الحل والعقد : هم أصحاب الرأي والدين والمشورة في المسلمين ، الذي يلزم غيرهم متابعتهم عند أل السنة ، مثل الصحابة في المدينة بعد زمان النبي صلی الله علیه وآله .
2- صحيح البخاري 100/9كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف وهو الحديث الذي تقدم تخريجه في حديثنا عن بيعة أبي بكر وأنها كانت فلتة في الفصل الثاني .

بلاد أخرى من بلاد المسلمين ، ولا يصح بيعة خليفتين في عصر واحد، ومع تحقق ذلك فإحدى البيعتين باطلة قطعاً .

ثم إن البيعة لا تصح إلا إذا كان الحاكم قرشياً عادلاً مجتهداً كما مرّ.

والحاصل : أن كل أهل السنة لم يبايعوا إماماً واحداً لهم من الحُكّام المعاصرين ولا من غيرهم ، وبذلك يكونون قد تركوا واجباً من أعظم الواجبات الشرعية ، وتخلوا عن وظيفة من أهم الوظائف الدينية .

جواب آخر ورده:

وقد يقال أيضاً: إن كل واحد من أهل السنة اتبع إماماً من أئمة المسلمين، ومن الواضح المعلوم أن أهل السنة منهم من يتبع أبا حنيفة النعمان، ومنهم منيتبع مالك بن أنس، ومنهم من يتبع محمد بن إدريس الشافعي، ومنهم من يتبع أحمد بن حنبل، فكل واحد منهم يموت وفي عنقه بيعة الإمام من هؤلاء الأئمة ، فلا إشكال عليهم حينئذ .

والجواب :

1.أن محل الكلام هو مبايعة الإمام الذي يتولى أمور المسلمين ويكون حاكماً له سلطة زمنية على الناس، وهذا هو الذي أوجبه علماء أهل السنة فيما تقدم من عباراتهم، ودلّت عليه الأحاديث السابقة،وليس محل البحث هو علماء الدين الذين يعمل الناس بفتاواهم، فإن هؤلاء لا تجب مبايعتهم بالاتفاق، بل يجب سؤالهم لمعرفة الأحكام الشرعية لا غير، كما قال جلَّ شأنه :«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

2.لم يُفتِ أحد من أئمة المذاهب الأربعة بوجوب أخذ البيعة له أو لغيرة من فقهاء الأمصار، ولم ينقل أحد من أعلام أهل السنة أن البيعة أُخِذَت

ص: 252


1- سورة الأنبیاء ، الآیة 7

لهم، لا في عصورهم ولا في العصور المتأخرة عنهم،ولو كانت البيعة لهم واجبة لبينوا ذلك للناس وحثوهم عليها .

3.أنا قلنا فيما مر أن البيعة هي المعاهدة، وهي لا تتحقق إلا مع الإمام الحي الحاضر، وعليه فلا يمكن مبايعة واحد من الأئمة الماضين، لأنها مفاعلة بين طرفين ، والميت لا يعلم ببيعة الحي له ولا تقع منه معاهدة معه على شيء، وهو واضح لا يحتاج إلى زيادة تفصيل .

جواب ثالث ورده:

فإن أجابوا عن هذه المسألة بأن إمام المسلمين واحد من العلماء المعاصرين من أهل السنة .

فالجواب:

1. ما قلناه فيما تقدم يأتي هنا أيضاً، فإن محل الكلام في الإمام الذي يتولى أمور المسلمين ويكون حاكماً عليهم، وليس الكلام في أئمة العلم، فإن أئمة العلم لا تجب بيعتهم عند أهل السنة.

2. قلنا فيما تقدم أنه يشترط في الإمام أن يكون مجتهداً، وحيث أن أهل السنة قد أغلقوا باب الاجتهاد، وحصروا التقليد في أئمة المذاهب الأربعة، فلا يوجد في علماء هذا العصر إلا المقلدة، ومن يدعي الاجتهاد منهم لا يوافقونه على اجتهاده ولا يسلمون له به، فحينئذ لا يصلح واحد منهم لإمامة المسلمين .

3. لو سلمنا أن واحداً من العلماء المعاصرين فيه الأهلية للإمامة عندهم، إلا أنه لا يكون إماماً بمجرد كونه أهلاً للإمامة، وذلك لأن علماء أهل السنة أنفسهم اعتبروا أيضاً في إمام المسلمين أن يبايعه أهل الحل والعقد، أو يكون مبسوط اليد على بلاد المسلمين متسلطاً عليها ، ولأجل ذلك عدّوا معاوية مثلاً من الخلفاء الاثني عشر الذين بشربهم النبي صلی الله علیه وآله

ص: 253

كما مر مفصلاً، ولم يعدوا منهم من هو خير منه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار المعاصرين له الذين لم تكن لهم إمرة، ولا غيرهم ممن وصفوهم بأنهم من المبشرين بالجنة ، كسعد بن أبي وقاص مثلاً ، كما لم يعدوا من الخلفاء الاثني عشر علماء الصحابة كابن عباس وابن مسعود وغيرهما .

جواب رابع ورده:

فإن قالوا :إنا نسلم أن أهل السنة تركوا القيام بهذا الفرض فلم يبايعوا إماماً في هذا العصر ولا في العصور المتقدمة التي تلت عصر الخلافة، لكن لا تلزم المعصية والضلالة والموت ميتةجاهلية، وذلك إنما يلزم لو تركوه عن قدرة واختيار لا عن عجز واضطرار(1) .

فالجواب:

1. أنا لا نسلّم أن أهل السنة عاجزون عن بيعة إمام لهم في هذا العصر، لأن البيعة هي نوع من إظهار الطاعة للحاكم، وهذا مقدور عليه، ويمكن لعلماء أهل السنة أن يرشدوا العوام في جميع البلاد إلى مبايعة من يرونه الأصلح للإمامة من حكام المسلمين أو من غيرهم .

وخوفهم من سخط حكام بلادهم لا يسوغ لهم ترك بيان فريضة من أهم الفرائض ووظيفة من أعظم الوظائف، لأن أهل السنة لايرون جواز التقية من الحاكم المسلم،ولهذا عدّوا من فضائل الإمام مالك بن أنس والإمام أحمد ابن حنبل وغيرهما الجهر ببيان المعتقد مع ما كان فيه من سخط الخلفاء والوقوع في المحنة.

هذا مع أن هناك منابر دولية يتمكن بها من بيان كل عقيدة وإيضاح كل وظيفة بلا أي محذور ولا خوف ولاضرر ، وهذا أمر مقدور للكل أو

ص: 254


1- هذا الجواب للتفتازاني في شرح المقاصد 239/5

للأغلب ، مع أنَّا لانرى أحداً من أهل السنة قام به.

2. مع الإغماض عن كل ذلك وتسليم أن أهل السنة عاجزون عن مبايعة إمام لهم ، فهذا يرفع الإثم والعقاب عنهم ، لأن الله جلَّ شأنه لا يكلف الناس بما لايطيقون ، أما أن ميتتهم لا تكون بسبب الاضطرار جاهلية فهذا لا نسلم به، فإن أهل الفترة - الذي عاشوا في الجاهلية وهم لا يعلمون بدين سماوي، وكانوا مستضعفين في الأرض، ولايفقهون من أمرهم إلا ما يتعلق بمعاشهم - فإن هؤلاء لا يعذبون ، عملاً بقوله جل شأنه:«وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبعَثَ رَسُولاً»، مع أنهم لا شك في كونهم ضلالا ، لأن كل

من لم يتبع الحق - وإن كان معذوراً - فهو ضال .

وما نحن فيه كذلك،فإن حديث مسلم نص على أن كل من لم تكن في عنقه بيعة لإمام فميتته جاهلية ، وبإطلاقه يشمل من كان معذوراً لجهل أو اضطرار أو عجز أو غير ذلك.

وعلى ضوء ما تقدم نقول : إن أهل السنة في جميع البلاد الإسلامية إما أن يكون فيهم من هو أهل للإمامة ومتصف بالصفات التي ذكروها ، فحينئذ يجب عليهم أن يبايعوه إماما لهم .

وإما أن لا يكون فيهم من يتصف بالصفات المزيوة،فالواجب عليهم حينئذ بيعة رجل منهم يكون إماماً على جميع المسلمين، ولا يجوز ترك المسلمين من دون إمام برأو فاجر، هذا ما نص عليه علماؤهم في مصنفاتهم.

وأهل السنة في جميع البلدان لم يبايعوا إماماً لهم،فهم بأجمعهم أوأكثرهم مخالفون لفتاوى علمائهم التي دلت على أنه يجب على المسلمين في كل عصر أن يبايعوا من يصلح منهم للإمامة،ومعرضون عن الأحاديث الصحيحة ، غير عاملين بمضمونها، وبذلك تكون ميتتهم جاهلية بنص

ص: 255

الأحاديث السابقة .

وأما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى أن إمام هذا العصر هو المهدي المنتظر الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام . فهو الإمام الحق على مسلك الشيعة وعلى مسلك أهل السنة أيضاً.

أما على مسلك الشيعة فيدل على ذلك أدلة كثيرة ، نكتفي ببعضها :

الدليل الأول : أن إمام المسلمين يجب أن يكون معصوماً:

ويدل على ذلك أمور:

1. أن غير المعصوم لا يوثق بصحة قوله،ويُشك في نفاذ أمره وحكمه، لاحتمال خطئه ونسيانه وغفلته وجهله وكذبة ، فلا يتوجه الأمر بطاعته مطلقاً في قوله تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(1)

فإن الله سبحانه ساوى بين طاعته جلَّ وعلا وطاعة أولي الأمر- وهم

الأئمة - وذلك لانتفاء الخطأ في الكل .

2.أن غير المعصوم ظالم لنفسه،لوقوع المعاصي منه ، فكل من ارتكب معصية فقد ظلم نفسه على أقل تقدير، فلا يصلح حينئذ للإمامة، لقوله تعالى:« قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(2)فذكر الظالمين بصيغة العموم يشمل من ظلم نفسه ومن ظلم غيره، ومراده بالعهد في الآية هو الإمامة بدليل الكلام المتقدم فيها .

3.أن الإمامة العظمى التي يتوقف عليها بقاء الدين واستقامة أمور المسلمين لا يصلح أن توكل إلى إمام يخطئ ويصيب، لأن ذلك يترتب عليه انمحاق الدين وتبدّل الأحكام مع توالي الأئمة وتطاول الأزمنة ، ولهذا عصم الله سبحانه أنبياءه ورسله من كل ذلك ، لأنهم القائمون بتبليغ

ص: 256


1- سورة النساء ، الآیة 59.
2- سورة البقرة ، الآیة 124

الشرائع والأحكام ، حياطة للدين وحفظاً لأحكام شريعة سيد المرسلين .

إذا اتضح ذلك كله نقول:إن إمامة العصر متعينة في الإمام المهدي علیه السلام، وذلك لأن المهدي علیه السلام معصوم بنص النبي صلی الله علیه وآله، إذ قال : ( يملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً)(1)، وذلك لا يتم إلا بعصمته وتمام معرفته بأحكام الدين . قال البرزنجي : وأما عصمة المهدي ففي حكمه(2).

ثم قال : لا يحكم المهدي إلا بما يلقى إليه من عند الله ، الذي بعثه إليه يسدده، وذلك هو الشرع الحنيفي المحمدي، الذي لو كان محمد صلی الله علیه وآله حياً ورُفعت إليه تلك النازلة ، لم يحكم فيها إلا بحكم هذا الإمام .. ولذا قال صلی الله علیه وآله في صفته : ( يقفو أثري لا يخطئ ) فعرفنا أنه متبع لا مشرع وأنه معصوم ، ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه معصوم من الخطأ، فإن حكم الرسول لا ينسب إلى الخطأ،فإنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى(3).

وعليه .. فإن قلنا بعصمة الإمام المهدي علیه السلام ووجوده في هذا العصرتعينت إمامته، لأن الأمة أجمعت على أن غير المهدي في هذا الزمان ليس بمعصوم، وإلا خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، وهذا باطل بالاتفاق .

ص: 257


1- أخرجه أبو داود في سننه 106/4، 107ح 4282، 4283، 428، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 807/3 ، 808ح3601، 3602، 3604، مشكاة المصابيح 1501/3 ح5454 ، 5452 . الجامع الصغير 438/2ح 7489 ، 7490 ورمزله بالصحة،صحيح الجامع الصغير 938/2ح5305 ، مسند أحمد بن حنبل 27/3 ،28 ، 36 ، 37 ، 52 ، 70
2- الإشاعة لأشراط الساعة، ص108
3- المصدر السابق، ص110

الدليل الثاني : أن إمام المسلمين يجب أن يكون منصوصاً عليه:

ويدل على ذلك :

1.أنه قد ثبت اشتراط العصمة في الإمام، والعصمة أمر نفساني لا يعلمه الناس، فلابد من نص العالم بخفايا النفوس وخبايا القلوب جلّ وعلا.

2.أن ترك التنصيص على الإمام يفتح باب الخلاف ويفضي إلى النزاع،کما وقع في سقيفة بني ساعدة، واستمر منها الخلاف في الخلافة إلى يومنا هذا، مع أن الله أمر بالأُلفة ونبذ الفرقة،حيث قال:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(1) وقال :«وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»(2)، فلا يصح حينئذ بحال أن يفتح الله للمسلمين باباً واسعاً للفرقة والنزاع،فيوكل اختيار الخليفة إليهم يتنازعون فيه

3.أن غير النص-وهو الشوری-في أكثر الأحوال لا يفضي إلى تنصيب الأفضل، لأن اختيار الخليفة كثيراً ما يكون بداعي المصالح الشخصية والمنافع الفردية ، أو بباعث الميول النفسية واتباع العصبية ، والناس قد ينصرفون عن أفضل رجل في الأمة إذا كان حازماً في الحق،أو قليل المال والأعوان و العشيرة.هذا إذا عرف الناس من هو الأفضل،وربما لا يميزونه ولايشخصونه، ولا سيما إذا كان بعيداً عن دائرة الضوء وأماكن الأحداث.

وعليه..فلا يصح أن يوكل الله سبحانه أمر الإمامة العظمى إلى الناس الذين وصف أكثرهم في كتابه العزيز بأوصاف سيئة،ونعتهم بنعوت قبيحة

فقال :«وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّ»(3)«وَمَآ

ص: 258


1- سورة آل عمران ، الآیة 103
2- سورة الأنفال ، الآیة 46.
3- سورة الأنعام ، الآیة 116

أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»(1)«وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(2) « وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ»(3) ... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة .

فلا مناص حينئذ من النص على الإمام،لأنه سبحانه هو العالم بمصالح خلقه وبأولأهم بالإمامة وأجدرهم بالخلافة .

4.أن الإمامة خلافة لله ورسوله، والإمام خليفة لهما ، ولا تكون الخلافة عنهما إلا بقولهما .

5.أن آيات القرآن العزيزقد أوضحت بأجلى بيان أن جعل النبي والإمام والوزير والخليفة موكل إلى الله ، ولم نرَ في كتاب الله العزيز آية أشارت إلى أن شيئاً من ذلك موكل إلى الناس .

أما جعل الأنبياء فيدل عليه قوله جلّ وعلا :«اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ»(4)« وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا»(5)«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ»(6)«اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»(7)« إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»(8).

وأما جعل الخليفة والإمام والوزير ، فيدل عليه قوله تعالى :«یَدَاوُدُ إِنَّا

ص: 259


1- سورة يوسف، الآية 103.
2- سورة الأعراف، الآية 187.
3- سورة المؤمنون ، الآية 70
4- سورة المائدة، الآية 20
5- سورة مريم، الآية 49.
6- سورة الحديد، الآية 26.
7- سورة الأنعام، الآية 124.
8- سورة القصص، الآية 7.

جَعَلنَکَ خَلِیفَةً فِی ألأَرضِ»(1)«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(2) وقوله سبحانه :«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(3)«قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(4)«وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»(5)«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا »(6)وقوله جلّ من قائل: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي»(7) .

هذه هي سنة الله جلّ وعلا الجارية في خلقه والثابته في دينه«سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»(8).

فإذا اتضح ذلك نقول : إن الإمام المهدي علیه السلام إما أن يكون هو ذلك الإمام المنصوص عليه في هذا الزمان، فيثبت المطلوب ، وإما إذا لم نقل بوجوده فضلاً عن النص عليه فقد خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، لأن غير الإمام المهدي علیه السلام قد أجمعت الأمة على أنه غير منصوص عليه، و خلو الزمان من متأهل للإمامة باطل بإجماع المسلمين.

الدليل الثالث : حديث الثقلين:

الذي تقدم الكلام فيه مفصلاً، وهو قول النبي صلی الله علیه وآله: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي : الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي،

ص: 260


1- سورة ص، الآية29.
2- سورة البقرة، الآية 30.
3- سورة الأنبياء، الآية 73.
4- سورة البقرة ، الآية 124.
5- سورة الفرقان، الآية 74.
6- سورة لسجدة، الآية 24.
7- سورة طه، الآيتان29- 30
8- سورة الفتح، الآية 23

ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وهو يدل على لزوم التمسك بإمام صالح للإمامة من أهل بيت النبي صلی الله علیه وآله لا يفترق عن كتاب الله في قوله وفعله،ويفهم معاني الكتاب الظاهرة والباطنة، ويعرف الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبيّن، وهو مع كل ذلك يعمل بما فيه في جميع شؤونه وكافة أحواله، لا يحيد عنه ولا يميل إلى سواه،كما مر ذلك مفصلاً.

وعليه .. فلا بد أن يكون الإمام المهدي علیه السلام موجوداً في هذا العصر، وهو المتعين للإمامة ، لأنه أهل للتمسك به ، وغيره قد أجمعت الأمة على أنه يفترق عن القرآن قولاً وعملاً، لعدم عصمته،وإلا فلا يوجد من يصلح للإمامة من أهل البيت النبوي وغيرهم في هذا الزمان وهو باطل بالاتفاق.

هذا كله على مسلك الشيعة الإمامية ، وأما على مسلك أهل السنة ، فأيضاً يكون إمام العصرهو : الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وتقريب ذلك يتم بعده وجوه :

أنه من قريش لكونه من ذرية النبي صلی الله علیه وآله ، وعادل لقوله صلی الله علیه وآله : يملؤها قسطاً وعدلاً ،وهو أعلم من سائر المجتهدين، لأنه يحكم في كل واقعة بحكم رسول الله صلی الله علیه وآله، وغيره ليس كذلك كما مر.

فإذا سلم الخصم بأنه علیه السلام هو إمام العصر فقد ثبت المطلوب ، و إلا فقد خلا الزمان من صالح للإمامة ، لأن أهل السنة وغيرهم ليس فيهم صالح للإمامة قائم بها ، والشيعة لا يرون أحداً صالحاً للإمامة غير الإمام المهدي علیه السلام، وخلو الزمان من صالح للإمامة باطل كما تقدم.

لو لم يكن الإمام المهدي علیه السلام هو إمام هذا العصر لكان جميع المسلمين آمين بتركهم هذا الفرض، فتكون الأمة المرحومة قد اجتمعت

ص: 261

على خطأ وضلال، وهذا باطل، لقوله صلی الله علیه وآله:( لا تجتمع أمتي على ضلالة أو خطأ )(1).

شبهة وجوابها :

فإن قال قائل : إن الإمام المهدي ليس بمولود ولا موجود ، وإنما سيولد في

آخر الزمان، وليس هو محمد بن الحسن العسكري كما تزعم الشيعة .

والجواب :

1.أن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هومحمد بن الحسن العسكري علیه السلام، وأنه باقٍ إلى الآن ، ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً حقاً يعتنقونه ويذبّون عنه ، فذكروه في مصنفاتهم التي صحت نسبتها إليهم .

ومن هؤلاء المذكورين :

1.محمد بن طلحة الشافعي(2)(582 - 652ه ):ذكر ذلك في كتابه (مطالب السؤول )في الباب الثاني عشر.

ص: 262


1- أخرجه الترمذي في سننه 4660/4ح2167بلفظ : إن الله لايجمع أمتي ... على ضلالة . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير378/1، وأخرجه ابن ماجة في السنن 1303/2 ح3950، وابن عاصم في كتاب السنة بالفاظ مختلفة تؤدي هذا المعنى، حسن الألباني بعضها واستجود بعضها الآخر، وصحح الألباني الحديث بلفظ : ( لاتجتمع أمتي على ضلالة ) في تخريج مشكاة المصابيح 61/1 ، وضعيف سنن ابن ماجة ص318، وكتاب السنة 41/1، وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص 460 ، وقال:وبالجملة فهو حديث مشهور المتن،ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة ، وهي عين عبارة العلجوني في كشف الخفا 350/2 ، وعده الكتاني في نظم المتناثر ص172من الأحاديث المتواترة .
2- راجع ترجمته في كتاب العبري خبر من غبر للذهبي 296/3، وطبقات الشافعية للسبكي 63/8 ، شذرات الذهب 259/5 ، البداية والنهاية 198/13

2.محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي(1) (ت 658ه) : ذكر ذلك في كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) في الباب الأخير منه ، في الدلالة على جواز بقاء المهدي علیه السلام منذ غيبته.

3. علي بن محمد ، المشهور بابن الصباغ المالكي (2)(784 - 855ه):ذكر ذلك في كتابه ( الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه(3) .

4.سبط ابن الجوزي(4)(581_654ه):ذكر ذلك في كتابه(تذكرة الخواص ) في الفصل المعقود للإمام المهدي علیه السلام(5).

5.عبد الوهاب الشعراني(6) (898 - 973): ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه(الیواقیت والجواهرفي عقائد الأكابر)و سنذكر قريباً عبارته بنصها (7).

6. محي الدين بن عربي(8) (560-63 ه) : ذكر ذلك في الباب السادس

ص: 263


1- راجع ترجمته في کتاب الوافي بالوفیات 254/5 ، و معجم المولفین 134/12، الأعلام 150/7.
2- راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 8/5 ، معجم المؤلفين 178/7.
3- الفصول المهمة، ص287 ، 286.
4- ترجم له في شذرات الذهب 266/5، الأعلام 246/8،ميزان الاعتدال 471/4،وفيات الأعيان 142/3 ، البداية والنهاية 206/13.
5- تذکرة الخواص، ص325
6- ترجم له في شذرات الذهب 372/8 ، الأعلام 180/4معجم المؤلفين 218/6، جامع كرامات الأولياء 134/2
7- عن إسعاف الراغبين ص 154
8- ترجم له في ميزان الاعتدال 659/3 ، الوافي بالوفيات 173/4، فوات الوفيات 435/3، لسان الميزان 311/5،شدرات الذهب 190/5، جامع كرامات الأولياء 118/1 ، دائرة المعارف الإسلامية231/1، سير أعلام النبلاء 48/23 ، الأعلام 281/6

والستين وثلاثمائة من كتابه ( الفتوحات المكية ).

7. صلاح الدين الصفدي(1)(696 - 764ه) : ذكر ذلك في كتابه شرح

الدائرة (2).

8. محمد بن علي بن طولون(3)(880- 953ه): نص على ذلك في كتابه (

الأئمة الاثنا عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه، وهي :

عليك بالأئمة الاثني عشر *** من آل بيت المصطفى خير البشر

أبوتراب، حسنٌ، حسينُ *** وبغضُ زين العابدين شينُ

محمد الباقركم علم دری *** والصادق ادع جعفرا بين الوری

موسى هو الكاظم وابنه علي *** لقّبه بالرضا وقدره علي

محمد التقي قلبه معمور *** علي النقي دره منثور

والعسكري الحسن المطهر *** محمد المهدي سوف يظهر(4)

وقد ذكر الميرزا حسن النوري قدس الله نفسه في كتابه(كشف الأستار)أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو المهدي المنتظر، مع اعترافه قدس سره بقلة المصادر التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان، ولعل من وقف على أكثرها يجد أضعاف

ص: 264


1- له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى 5/10، شذرات الذهب 200/6 ،العبر خبر من غبر 203/4 ، البداية والنهاية 318/14، الأعلام 315/2، معجم المؤلفين 114/4 ، وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر87/2، 88 والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 19/11 -21 والبدر الطالع للشوكاني 243/1وغيرها .
2- عن ينابيع المودة، ص471
3- له ترجمة في شذرات الذهب 298/8، الكواكب السائرة 52/2، الأعلام291/6 ، معجم المؤلفين 51/11.
4- الأئمة الاثنا عشر، ص118

هذا العدد(1).

2. أن بعض علماء أهل السنة اعترف برؤية الإمام المهدي ولقائه .

قال عبد الوهاب الشعراني في كتابه ( الیواقیت والجواهر)بعد كلام طويل:

... إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ ، فهناك يترقب خروج المهدي علیه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري علیه السلام ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين هجرية ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم علیه السلام ... هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي (2)...عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص (3) ...

والنتيجة:أن الإمام المهدي علیه السلام هو إمام هذا العصر علي كلا المسلكين: مسلك الشيعة ومسلك أهل السنة.

وأما الإشكالات التي ذكروها في هذه المسألة المتعلقة بطول عمره علیه السلام ، وبالفائدة منه حال غيبته وغير ذلك،فقد أجاب عنها علماؤنا الأعلام في مصنفاتهم بما يقطع ألسن المخالفين ويخمد تشويش المشوشين.(4)

إذا اتضح كل ما تقدم نقول :

إن أهل السنة إما أن يردوا أقوال علمائهم،ويسقطوا اعتبار إجماعاتهم، ويطرحوا حديث :( من مات وليس في عنقه بيعة )المروي في صحيح مسلم وغيره ويرفضوه، فيلزمهم إعادة النظر في كل إجماعاتهم والتحقق من

ص: 265


1- كشف الأستار، ص89
2- ذكر قصة لقائه بالإمام المهدي علیه السلام في جامع كرامات الأولياء 400/1
3- عن إسعاف الراغبين، ص154
4- راجع إن شئت كتاب المهدي للسيد صدر الدين الصدر،كشف الأستار للميرزا حسين النوري، كتابنا دليل المتحيرين، ص 329 - 339 وغيرها .

صحة مستندها، كما يلزمهم القول بأن صحيح مسلم فيه أحاديث باطلة .

وإما أن يروا صحة إجماعاتهم وصحة أحاديث صحيح مسلم فيلزمهم

حينئذ أمران :

الأول:أن يبحثوا عن إمام زمانهم الذي ثبتت إمامته عندهم في هذا العصر على جميع المسلمين ويبايعوه، وإلا فهم مقصرون في القيام بأهم الوظائف الشرعية والواجبات الدينية .

والثاني:أن يعتقدوا أن كل من كان على مذهب أهل السنة في هذاالعصر وفي العصور المتأخرة التي لم يبايعوا فيها إماماً واحداً لهم،كلهم ماتوا ميتة جاهلية، وأنهم كانوا مخطئين بتركهم واجباً من أعظم الواجبات الدينية، و وظيفة من أهم الوظائف الشرعية

«وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ»(1)

ص: 266


1- سورة الأنعام ، الآیة 66

الغيبة الكبرى بحث في الحكمة والفوائد الشيخ علي الزواد

اشارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين ، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ... وبعد ..

اتفق علماء الطائفة الحقّة أجمعون-وأيدهم الوجدان بالأدلة والبرهان- أن الأرض لا تخلو من حجة أو إمام ظاهر معلوم أو باطن مستور،من باب لطفه على العباد ، ولئلا يكون للناس على الله حجة،بل لله الحجة البالغة ، ولو خليت الأرض لساخت بأهلها،ولغارت غدرانها، ودرست أعلامها، و لأصبح أعاليها أسافلها. فصلاحها - من الله-بالإمام،ولو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة كما في الكثير من الأخبار.

ولابُدّ في كلِّ عصر من إمام شاهد، يُدعى الناس في المحشر بإمامهم و يكون عليهم شهيداً وحسيباً، فقال تعالى:«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ »(1)«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(2)

ولذلك انتجب الجليل بحكمته أوصياء لحبيبه المصطفى،وجعلهم أمناء على وحيه، وقواماً على خلقه، وشهداء يوم حشره أئمة هداة معصومين من كلِّ زلل، منزّهين عن كل نقص، مطهرين من كلِّ رجس .

عدّتهم اثنا عشر المنكر لأحدهم كمنكرهم جميعاً، ومن مات ولم

ص: 267


1- الإسراء : من الآیة 71
2- النساء :41

يعرفهم مات ميتة الكفر والضلال والجاهليّة،وآخر تلك السلسلة المحمدية والعروة الوثقى وبقيتهم ووارثهم ، الإمام الثاني عشر المنتظر، سميّ رسول الله صلی الله علیه وآله والحامل لكنيته ، ابن الإمام الحسن العسكري، الذي يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا ، ينتقم لله تعالى من أعدائه الكافرين المعاندين، وينصر أولياءه المؤمنين.

المولود في النصف من شعبان سنة 256ه ، الغائب غيبةً صغري ابتدأها باستشهاد والده علیه السلام سنة 260 ه، ودامت حتّى سنة329ه، بوفاة نائبه الرابع الأخير، وعندها بدأت غيبتهالكبرى التامّة وهي مستمرّة إلى أن يمُنّ الله تعالی ببزوغ فجر ظهوره، وطلوع تلك الشمس التي تنشر النور ويضمحلّ عندها ظلام الجهل والكفر والعصيان.

وطول غيبته لقد كثر نظائرها، وشاع وذاع أمثالها، فالخضر ونوح علیهما السلام وأصحاب الكهف وسلمان المحمدي وغيرهم الكثير الذين نطق القرآن بذكرهم أو بیِّنت الروايات أعمارهم، وتناقلت كتب السير طول بقائهم.

ولقد كثر المدّعون للباطل في هذا الزمان، وابتعد الناس عن الهدی و الصلاح، واتّكلت الناس على أنفسها، تاركة انتظار الفرج من المنتظر(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، فبين مُصرَّح بلسانه إنكارَه - صلوات الله عليه -،وبين مَن ينطق فعلُه بالإنكار، وإن لم يُفصح عن ذلك باللسان، فتعلّقت الآمال بغيره، وانتظر الناس الفرج من سواه، غافلين وناسين لمراعاته-صلوات الله عليه-لهذه الأمة، وكأنَّهم أحرص عليها منه .

ففي كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 323:بسنده عن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام - في حديث عن الغيبة بقسميها -:(...وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحّت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت ).

ص: 268

وفيه أيضاً ص326:

بسنده عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیهما السلام- في حديث -: ( إذا دارت الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأي واد سلك، وقال الطالب : أنّى يكون ذلك وقد بليت عظامه فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج ).

نعم يُنكره أكثر القائلين به لطول غيبته، بل ويخرج عن هذا الدين أكثر القائلين به لأنهم أهل حداثة وتجديد في هذا الدين القويم، وكأنّه جاء ناقصا وينتظر أمثالهم كي يقوموا على إكماله وتهذيبه، فيُنازعوا ربّ العالمين في ملكه وملكوته، ويكونوا ممن أنكره - صلوات الله عليه - وأنكر هذا الدين المنزل على المصطفى الأمين - صلى الله عليه وآله الطاهرين-.

أحببت في هذا الكتِّيب أن أساهم في تثبيت المؤمنين المنتظرين، وأتواصى مع المحبين الموالين، وأقيم الحجّة على المعاندين، فسطّرت ما وفقني إليه ربّ العالمين، سائراً على هدي محمد وآله الطاهرين في بحث فوائد وجود الإمام علیه السلام وإن كان غائباً، فإنّ الفائدة من وجوده الشريف لا تنحصر بمقام ظهوره، كما أنّ لغيبته علّة لا نعلمها ولا نُحيط بها، وهي مما خفي علينا وصرّح أئمة الهدى بأنّ تلك العلّة من مكنون السرِّ لا تُعلم إلاّ بعد ظهوره - صلوات الله وسلامه عليه-.

ففي كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ الصدوق ص482:بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام يقول : ( إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، لا بُدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولِمَ جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ؟ قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله

ص: 269

تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر علیه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى علیه السلام إلى وقت افتراقهما..).

نعم..وجه الحكمة من غيبته على النحو التام، بمعنى العلّة الحقيقيّة لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره - صلوات الله عليه - ، أمّا معرفة بعض وجوه الحكمة فهذا مما نُدركه، وقد نص أهل البيت علهم السلام على بعضها، كما سنوافيك بها أثناء البحث بتوفيق الله تعالى وتسديده.

الأول: فائدة وجوده علیه السلام في غيبته:

اشارة

إنّ فائدة الإمام علیه السلام على الخلق عظيمة، لا يمكن لأحد من الكائنات أن يحويها، ولا يصحّ في العقول إدراكها، عظمة من عظمة الله تعالى، وجلال من جلال الله تعالى، وقدس من قدس الله تعالى، خليفة الله تعالى في أرضه وحجّته على عباده، وأمينه على وحيه، وعيبة علمه وخزانة أسراره. وأهل البيت - صلوات الله وسلامه عليهم - أدرى بمن فيه، وهم العارفون بأنفسهم الواصفون لها، والذين يُقدِّرونها حق تقديرها، فلنستمع إلى شيء مما قالوه:

في الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص198: بسنده عن الإمام الرضا علیه السلام-في حديث طويل-يقول فيه:( إن الإمامة زمام الدين،ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات(1)، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن

ص: 270


1- توفير الفيء والصدقات: حفظها وادخارها لأهلها وصرفها في محلّها و عدم الإجحاف على مستحقيها .

دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجةالبالغة.

الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.

الإمام البدر المنير،والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز (1) البلدان والقفار، ولجج البحار.

الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، والمنجي من الردی.

الإمام النار على اليفاع(2) ، الحارّ لمن اصطلى به(3)، والدليل في المهالك،من فارقه فهالك .

الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل (4)، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة.

الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد

الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد(5) .

الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، و الداعي إلى الله، والذابّ عن حرم الله .

الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.

ص: 271


1- الغيهب:الظلمة وشدة السواد،وأجواز:جمع الجوز وهو من كل شيء وسطه .
2- اليفاع: ما ارتفع من الأرض.
3- الظاهر أن المراد من هذه العبارة: أن الإمام علیه السلام هو كالنار المحرقة لمن تعرّض له، في مقام إظهار شجاعته .
4- الهاطل: المطر المتتابع المتفرق العظيم القطر.
5- الداهية: الأمر العظيم . والناد: كسحاب بمعناها.

الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غيرطلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب.

فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره(1)، هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون(2)، و تصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء،و حصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء،وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأني ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا؟! أتظنون أن ذلك يوجد في غيرآل الرسول صلی الله علیه وآله .. الحديث).

ثُم لا تنحصر فائدة الإمام علیه السلام في حال ظهوره، بل الفائدة منه علیه السلام عظيمة ومتعددة حتّى في حال غيبته، فإنّ مجرّد وجوده في دار الدنيا حيّاً يكون سبباً لفوائد عميمة وجليلة،ومن هنا جاء تشبيهه علیه السلام بالشمس إذا سترتها الغيوم، فإنّ الشمس تصل فوائدها من دفئ ونور وإن كانت غائبة بين الغيوم، كما ورد عنهم علیهم السلام :

في أمالي الصدوق ص164بسنده عن سليمان الأعمش عن الإمام الصادق علیه السلام قال : (... لم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله

ص: 272


1- أي : إنّ الإمام علیه السلام لا يمكن للناس أن تختاره كما يقول المخالفون.
2- الحلوم كالالباب: العقول، وضلت وتاهت وحارت متقاربة المعاني، وخسئت أي کلّت.

فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق علیه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب ).

وفي كمال الدين ج2 ص162: بسنده عن إسحاق بن يعقوب، أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان : وأما علةما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل يقول:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ »(1)إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالا نتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدی)(2)

والتشبيه بالشمس له دلالاته الكثيرة العظيمة، وسنتعرّض لهذا التشبيه في الخاتمة إن شاء الله تعالى،ويكفينا أن نذكر هنا بعض تلك الفوائد الجليلة من وجوده المقدّس (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في زمن الغيبة الكبرى :

الفائدة الأولى: بقاء وجود العالم:

إنّ مجرّد وجوده(عجل الله تعالی فرجه الشریف) هو سبب لبقاء وجود البشر على الأرض حتى في حال غيبته، ولولا وجوده الشريف لساخت الأرض ومن عليها، لأنه العلّة الغائيّة من وجود هذا العالم الذي نعيشه، وعند انتفاء الغاية لا بُدّ أن ينتهي وينتفي المُغيّا عند الفاعل القادر الحكيم، ولبيان ذلك نقول :

ص: 273


1- المائدة : من الآیة 101
2- راجع الاحتجاج ص 263

إنّ الكون كما يحتاج إلى علّة في حدوثه،فكذلك يحتاج إلى علّة في بقائه،لأنّ الكون ممكن من الممكنات، والممكن ما تساوى فيه طرفا الوجود والعدم فحتّى يترجّح فيه الوجود يحتاج إلى ما يُرجّح وجوده على عدمه، لأنّ الوجود ليس ذاتيّاً له ، وإلاّ لو كان الوجود من ذاته لزم أن يكون واجبَ الوجود وهو خلف - أي لقد فرضناه ممكناً فكيف يكون واجباً بالذات- وكذلك الكون يحتاج إلى علّة لبقائه لنفس السبب الذي قلناه في احتياجه إلى علّة في حدوثه، لأنّه لم يخرج بحدوثه عن كونه ممكناً، وما دامت صفة الإمكان موجودة فالاحتياج إلى العلّة موجود.

والفاعل الحكيم لا يفعل إلاّ لمصلحة وغرض وغاية، فالكون كما يحتاج إلى غرض من حدوثه وابتداء وجوده فكذلك يحتاج إلى غرض وغاية في بقائه واستمرار وجوده، وعند انتفاء المصلحة والغاية والهدف من وجود الشيء فإنّ الفاعل الحكيم لا يفعله، فلا يصحّ وجود العالم ولا بقاؤه إلاّ لغاية و غرض، والفعل بلا غاية من العبث المنزّه عنه الحكيم تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. قال عزوجل:«وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ»(1).

والكون خلق من أجل الجن والإنس قال تعالى : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(2)«هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(3)«أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ»(4)

ص: 274


1- الدخان : 38
2- البقرة :22
3- البقرة :29
4- لقمان : 20

والغاية من خلق الجن والإنس هي العبادة كما قال الله تعالى :«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1) .

والعبادة تتوقّف على معرفة أمور محدودة ومنها معرفة العبادة والمعبود، وأمّا المعرفة التي لا غاية لنهايتها، ولا نهاية لأمدها، فمتوقفة على العبادة ، قال تعالى :«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(2)«وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(3) .

وتقوى الله والجهاد فيه تعالى إنما يكون بالعبادة الخالصة له تعالى .

ومن حصلت له هذه المعرفة النورانيّة التي تم فيضها عليه من الباري تعالى ، فقد حظي بالخشية من الله تعالى: « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»(4)

ومن هنا وردت بعض الروايات في تعليل الخلق بالمعرفة :

ومنها : ما في الكافي للشيخ الكليني ج1 ص 141من خطبة أمير المؤمنين علیه السلام قال فيها :

(...ابتدا ما أراد ابتداءه،وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين الجن والإنس ، ليعرفوا بذلك ربوبيته وتمكن فيهم طاعته (5)... ).

ومنها:ما في علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1ص9 ،بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (خرج الحسين بن علي عليهماالسلام على أصحابه فقال : أيها

ص: 275


1- الذاریات :56
2- البقرة : من الآیة 282
3- العنکبوت :69
4- فاطر:من الآیة 28
5- في التوحید للشیخ الصدوق ص 33:طواعیته.

الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه،فإذا عرفوه عبدوه،فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته ).

ومنها: الحديث القدسي المشهور:(كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف ).

إلى هنا وصلنا إلى أنّ الكون خُلق من أجل الإنسان والجان، وهما قد خلقا من أجل العبادة وأصل العبادة والتوجّه إلى الله تعالى كما يتوقف على

معرفة المعبود فكذلك المعرفة المتنامية المتزايدة متوقفة على العبادة.

والمُحَقِّق لتلك العبادة على حقيقتها، والحاصل على المعرفة في غايتها، هو النبي محمد وآله الأطهار - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين - ما بزغنجم وطلع نهار .

فحتى يبقى الكون لابُدّ أن يبقى الإمام علیه السلام، فهو المحقق للغاية من الوجود ، ولو خلت الأرض منه - صلوات الله وسلامه عليه - لساخت بأهلها، ومن هنا جاءت الروايات التي تؤكِّد هذه الحقيقة اليقينيّة.

فمنها:ما في كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص201بسنده عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قلت له : ( أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت ).

وفي نفس المصدر السابق بسنده عن محمد بن الفضيل،عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : ( قلت له : أتبقى الأرض بغير إمام ؟ فقال : لا ، قلت : فإنا نروي عن أبي عبد الله علیه السلام : أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله على أهل الأرض أو على العباد،فقال:لا تبقى،إذاً لساخت).

وفي نفس المصدر السابق أيضاً بسنده عن الإمام أبي جعفر علیه السلام قال:(لو أن الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لَمَاجَت بأهلها كما يموج البحر بأهله ) .

ص: 276

قال الميرزا جواد التبريزي في صراط النجاة ج3ص 437:

( يصح القول أنهم علة غائية لخلق العباد، لا بمعنى أن الخالق يحتاج إلى الغاية،بل لأن إفاضة فيض الوجود بسبب ما سبق في علمه أنهم السابقون الكاملون في الغرض والغاية من الفيض ، والله العالم ).

ومن هنا أيضاً وردت الروايات المستفيضة الدالّة دلالة قطعية بأنّ الكون

إنّما خلق من أجل أهل البيت علیهم السلام ، ومن تلك الروايات :

حديث الكساء الصحيح المعروف المشهور الذي ورد فيه :

(...وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضاً مدحيّة،ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلاّ لأجلكم و محبتكم ...).

ومنها : الحديث المروي عن رسول الله صلی الله علیه وآله الذي قال فيه : ( إنّ أبي آدم لما رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم ، مكتوبة على ساق العرش بالنور،قال:إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك مني ؟ فقال : يا آدم .. لولا هذه الأسماء ، لما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحيّة، ولا ملَكاً مقرّباً، ولا نبيّاً مرسلاً، ولا خلقتك يا آدم ... )(1).

قال العلامة المجلسي رحمة الله في بحار الأنوار ج25 ص93:(ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق).

ولا يُحقق هذه الغاية بوجودها الحقيقي إلاّ الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، فإنّ عباداتنا صوريّة، وليست عبادة حقيقيّة يمكن أن تُقاس بعبادته علیه السلام ، لأنّ العبادة

ص: 277


1- الروضة:17، وروضة الواعظين :72، وعنهم بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 53ص23

خضوع القلب والعقل والخيال والوهم وكلّ الجوارح، وهذا لا يتحقق منا، فبوجوده تتحقق العبادة الحقيقيّة، فتتحقق غاية الخلق، وكذلك معرفتنا لا تُحقق الغاية من الخلق، وعندما لا يوجد على الأرض مَن يُحقق هذه الغاية عندئذ يكون البقاء للكون عبثياً، والله سبحانه مُنزّه عنه تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيرا .

فائدة:

إنّ العلل المتوالية يصح التعليل بكلّ واحدة منها ؛ فعندما تقوم وتُسأل عن سبب قيامك فتقول: أودّ الخروج، وعندما تُسأل عن سبب خروجك تقول: أريد الذهاب للسوق، وعندما تُسأل عن الغرض من ذهابك إلى السوق فتقول: لأجل شراء الدواء الفلاني... وهكذا تتوالى الأسباب.

ويصحُّ منك من أول الأمر أن تُعلل قيامك بأي واحدة من تلك الأسباب المتوالية، فتقول: أريد القيام من أجل الذهاب إلى السوق، ويصحُّ أن تقول أريد القيام من أجل شراء الدواء.. وهكذا.

فكذلك بالنسبة لخلق الكون يصحّ أن يُعلل بأنّه من أجل الإنسان أو من أجل العبادة أو من أجل المعرفة أو من أجل أهل البيت -عليهم أفضل التحية والسلام-. ولا منافاة في ذلك كلّه، فافهم واغتنم .

الفائدة الثانية ، واسطة الفيض الإلهي:

إنّ فيض الله تعالى الخير على الناس هو ببركة الإمام، فإن الإمام علیه السلام به یُمطر الناس، وبه يرزقون، وبه تُخرِج الأرض بركتها لهم، وبه ينزل الله تعالى كل خير عليهم.

لأنّ الإمام علیه السلام هو الأهل لتلك النعم الجليلة، وليس هناك شخص في هذا الزمان أهل لها غيره، وهذه النعم العظيمة لا يستحقّها إلاّ مَن حقق الغاية من الوجود ، ولَم وَلَن يُحقق أحد الغاية في زماننا غيره -صلوات الله وسلامه عليه -.

ص: 278

ففي كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص202 بسنده عن الإمام

الرضا علیه السلام :

(نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سره، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته، بنا يمسك الله السموات والأرض أن تزولا،وبنا ينزل الغيث و ينشر الرحمة..).

وفي الأمالي للشيخ الصدوق ص 252 بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين علیهم السلام، قال :(نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض ...)(1).

الفائدة الثالثة: الأمان لأهل الأرض:

العذاب تستحقُّه الناس من خلال معاصيها وجرأتها على مخالفة أوامرربِّها ونواهيه، وتستحق العقاب في الدنيا قبل الآخرة بسبب بعدها وأعراضها عن أولياء الله تعالى وحججه، بل تستحقّه على عظيم جُرأتها على أصفياء الله تعالى وخُلفائه .

ولكن ببركة وجود الإمام علیه السلام يرفع الله تعالى العذاب عن الناس، قال تعالى : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(2).

وروي عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال : ( النجومأمان لأهل السماء، وأهل

ص: 279


1- ورواه في کمال الدین و تمام النعمة ص207
2- الإنفال ، 33

بيتي أمان لأمتي)(1).

وفي إكمال الدين ص118 بسنده عن الإمام أبي عبد الله علیه السلام: ( إن الكواكب جعلت في السماء أماناً لأهل السماء،فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله : جُعِلَ أهل بيتي أماناً لأمتي،فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما كانوا يوعدون ).

فالإمام(عجل الله تعالی فرجه الشریف)أمان للأمّة من أن ينزل عليها العذاب كما نزل بالأمم السابقة، ولا يعني ذلك أن لا ينزل البلاء والامتحان والاختبار على الناس، قال الله تعالى : «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(2)

بل لا بُدّ من نزول البلاء على الناس حتى يتميّز الخبيث من الطبيِّب و المؤمن من الكافر، قال تعالى : «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(3)

والبلاء رحمة بالعباد يُعرِّضهم لثواب الصابرين، لأن ثواب الصابرين لا يتأتى إلاّ بالصبر، والصبر لا يتأتى إلاّ بالبلاء، فترتفع درجات المؤمنين، وعلى قدر إيمان العبد يكون بلاؤه وامتحانه .

في الكافي للشيخ الكليني ج2 ص202 بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ( ذكر عند أبي عبد الله علیه السلام البلاء وما يخص الله عزوجل به المؤمن، فقال : سئل رسول الله صلی الله علیهوآله من أشدّ الناس بلاءً في الدنيا ؟ فقال : النبيون ، ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن بعدُ على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قلّ بلاؤه ).

ص: 280


1- أمالي ابن الشيخ: 163. وعيون أخبار الرضا: 197. ومثله في صحيفة الرضا:11، عنهم بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج72 ص308، والروايات في ذلك كثيرة .
2- العنكبوت ، 2
3- الأنفال ،37

كما أن البلاء عنوان للمحبّة فإن الله تعالى إذا أحب عبداً وأراد أن يرفع

درجته ابتلاه، فإذا ابتلاه وصبر واحتسب فعند ذلك ترتفع درجته .

ففي المصدر السابق بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ( إن عظيم الأجرلمع عظيم البلاء ، وما أحب الله قوماً إلاّ ابتلاهم ).

وليس معنى ذلك أنّ كل مُبتلى هو محبوب لله تعالى، فإنّ البلاء قد يكون عقاباً وتنكيلا للكافر الفاجر، كما أنّ الله تعالى قد يبتلي الإنسان ، فيفشل العبد في البلاء والامتحان : «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»(1).

الفائدة الرابعة : إيصال الحق حال الغيبة:

الإمام علیه السلام مجعول من الله تعالى لهداية الناس وإيصالهم إلى رضوان الله تعالى وجنته، فبه تُعرف معالم الدين، وشريعة سيّد المرسلين، وبه صلاح الدين والدنيا، وغيبته علیه السلام لم تمنعه من ممارسة دوره في إيصال الحق الأهله، وهو - صلوات الله عليه - غير مهمل لمراعاة مصالح المؤمنين، وقد يلتقي مع بعض المؤمنين، ويقوم بتسديد بعض العلماء كما نقل عنه علیه السلام في توقيعه الشريف إلى الشيخ المفيد قدس سره:

( للأخ السديد والولي الرشيد، الشيخ المفيد،أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، أدام الله إعزازه ..

من مستودع العهد المأخوذ على العباد ...

بسم الله الرحمن الرحيم .. أمّا بعد ..

ص: 281


1- الکهف ، 5 -7

سلام عليك أيّها الولي (1) المخلص في الدين، المخصوصفينا باليقين، فإناّ نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، و أجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - إنه قد أُذن لنا في تشريفك بالمكاتبة،وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك،أعزّهم الله تعالی بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم، وحراسته، فقف - أَمَدَّك(2)الله بعونه على أعدائه، المارقين من دينه - على ما نذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه، بما نرسمه إن شاء الله .

نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين -حسب الذي أرانا(3) الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين - فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذُّلّ الذي أصابكم، مذ جنح كثير منكم، إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء..)(4)

وفي بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 1 ص187، عن الخصال بسنده عن أمير المؤمنين علیه السلام - في حديث-:(اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ظاهر، أو خافي (5)مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبیَّناته ....).

ص: 282


1- المولى خ ل .
2- أيّدك خ ل .
3- أراناه خ ل .
4- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج 1 ص37. واللأواء الشدّة.اصطلمكم استأصلكم.
5- وفي نسخة: أو خائف .

والأحاديث الدالّة على المطلوب كثيرة لا تخفى على من لديه أدنى تتبّع. كما أنّ من راجع كتب علمائنا الأعلام، واطّلع على ما سطّروه من لقاءات معه - صلوات الله عليه - فإنه يعلم علم اليقين أنّه (عجّل الله فرجه) قد أحاطت عنايته ورعايته هذه الأمّة.

بل كلّ مَن سلك معهم علیهم السلام سُبُل القربات، ووصلهم علیهم السلام بالزيارات، وأنس بهم في الظلمات، واستشعر وجودهم في الأرضين بعد السماوات، فإنّه لا شكّ يرى فضلهم عليه من الواضحات، ورعايتهم له من المسلّمات .

قال العلامة المجلسي في بحاره ج52، ص93: (ولقد جربنا مرارا لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور، وإعضال المسائل، والبعد عن جناب الحق تعالى،و انسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم، وتوسلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت، تنكشف تلك الأمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان ).

فإذا كان- صلوات الله وسلامه عليه - مصدراً لتلك الرحمات والفيوضات علينا فاللازم أن نقوم بما يجب علينا تجاهه، وفعل ما ينبغي لنا فعله ابتغاءً لمرضاة الله تعالى وطلباً للقرب منه، فالله تعالى أنعم علينا به، و تفضّل علينا بوجوده، ودفع عنّا العذاب تكريماً له،وأنزل علينا الغيث و أنبتت الأرض وعاشت الكائنات بفضل نوره وجُودِه .

وما حجبه عنّا إلاّ سوء الفعال، ونقض العهد الذي أخذناه في أعناقنا على موالاته ونصرته وعدم التهاون في أمره، ففي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ ومسند فاطمة علیها السلام لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وفي لفظ الأخير أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب الكعبة، وأوصله إلى الإمام علیه السلام: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قال : الإمام المحجوب عن العالم، قال:(ما هو محجوب عنكم

ص: 283

ولكن حجبه سوء أعمالكم.. الخبر) .

فعلينا أن نفي بالعهد حتى يُمنّ علينا بشرف لقائه، ففي التوقيع الشريف من الناحية المقدسة ، المروي في بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج53، ص177: (.... ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لماتأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا و نعم الوكيل، وصلواته على سيدنا البشير النذير، محمد وآله الطاهرين وسلم...).

أمّا كيف نفي بالعهد، فأقلّ ما يمكن فعله هو أن لا ننساه في ليلنا ونهارنا، وتلهج بذكره وفضله، ونعمل العبادات هديّة منّا إليه، لا لِحاجة منه إلى شيء منّا، وإنّما هي عنوان مودّتنا ومحبّتنا وشكرنا له علیه السلام.

كما أنّ اللازم علينا أن لا نفعل ما يؤذيه ویُسخطه علينا، فنجتنب عن المُحرّمات ونلتزم بالواجبات، وكُلّ فعل أحسسنا أو احتملنا فيه أذاه نبتعد عنه ونجتنبه رعاية له، وبذلك نكون قد هيأنا أنفسنا لاستقباله، وكنّا في خندق الدفاع عنه، وساحة نصرته.

فلكي نكون مُهيَّئين لنصرته (عجل الله تعالی فرجه الشریف) نحتاج إلى شحذ قوانا النفسيّة والجسديّة، فإنّ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، سواء كان قويّاً في نفسه أو في جسده، والحاجة إلى تهذيب النفوس وتربيتها أهم بكثير من تقوية الأبدان وتنميتها، وتهذيب النفوس أصعب بكثير من القتال في ساحة النزال، فإنّ محاربة النفس وشهواتها وما يُمنِّيه الشيطان اللعين صعب مُستصعب، ففي ساحة القتال مع العدو تعرف أرض المعركة وعدوّك وقوّته وأوقاته، أمّا في الحرب على النفوس لا تعرف ساحة النزال، بل كلّ مكان هو ساحة قتال، وعدوّك هنا لا تعرفه ولا تعرف مدى قوّته ولا وقت القتال،

ص: 284

فكلّ الأوقات هي أوقات قتال وكلّ لحظة فيها صفّارة إنذار.

قال العلامة النوري في جنة المأوى:(إنّه قد علم من تضاعيف تلك الحكايات أن المداومة على العبادة، والمواظبة على التضرع والإنابة، في أربعين ليلة الأربعاء في مسجد السهلة، أو ليلة الجمعة فيها، أو في مسجد الكوفة ، أو الحائر الحسيني على مشرفه السلام ، أو أربعين ليلة من أي الليالي في أي محل ومكان - كما في قصة الرمان المنقولة في البحار - طريق إلى الفوز بلقائه علیه السلام ومشاهدة جماله، وهذا عمل شائع معروف في المشهدين الشريفين ، ولهم في ذلك حكايات كثيرة ، ولم نتعرض لذكر أكثرها لعدم وصول كلّ واحد منها إلينا بطريقيعتمد عليه، إلا أن الظاهر أن العمل من الأعمال المجربة، وعليه العلماء والصلحاء والأتقياء، ولم نعثر لهم على مستند خاص وخبر مخصوص،ولعلهم عثروا عليه أو استنبطوا ذلك من كثير من الأخبار التي يستظهر منها أن للمداومة على عمل مخصوص من دعاء أو صلاة أوقراءة أو ذكر أو أكل شيء مخصوص أو تركه في أربعين يوما تأثيراً في الانتقال والترقي من درجة إلى درجة، ومن حالة إلى حالة، بل في النزول كذلك، فيستظهر منها أن في المواظبة عليه في تلك الأيام تأثيراً لإنجاح كل مهم أراده) (1).

الثاني: وجوه الحكمة من غيبته علیه السلام:

اشارة

الغيبة تحققت لبعض الأنبياء علیهم السلام ، في أزمنتهم عن أممهم ، فلم تكن غيبته علیه السلام ليس لها سابقة، بل لها نظائر في الأمم السابقة .

ففي كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص480 ، بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن للقائم منا غيبة

ص: 285


1- راجع بحار الأنوار للعلامة المجلسی ج53 ص325

يطول أمدها،فقلت له: يا ابن رسول الله ولم ذلك ؟ قال : لأن الله عزوجل أبي إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء علیهم السلام في غيباتهم ، وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى : «لَتَرکَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ»(1)أي سنن من كان قبلكم).

فمن الأنبياء الذين غابوا عن قومهم : إدريس، وصالح، وإبراهيم(2) .

ولا شكّ ولا ريب بأن غيبة الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) هي بأمر الله تعالى، لكونه علیه السلام معصوماً، وهو علیه السلام ممن لا يسبقون الله تعالى بالقول فضلاً عن العمل، وبما أنّ غيبته علیه السلام بأمره تعالى، والله سبحانه وتعالى حكيم ، فلابُدّ أن تكون غيبة الإمام علیه السلام مشتملة على المصلحة والحكمة .

وهذا ما يجب أن ينعقد عليه قلب المؤمن، لاعتقاده في الله تعالى بأنّه

حكيم، ولا يصدر منه الفعل إلاّ إذا كان مشتملا على مصلحة .

ففي كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص482 : بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام - في حديث - : ( إن هذا الأمر أمر من الله تعالى وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه عزوجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف ).

ولكننا قد نُدرك شيئاً من تلك المصالح والفوائد،ولقد صرّحت بعض

الروايات بشيء منها، فنذكرها في فوائد :

الفائدة الأولى : الحفاظ على الإمام علیه السلام:

إن مقتضى اللطف الإلهي أن ينصب هادياً، وقد فعل، لأنّ الله تعالى خلق الخلق وأراد منهم الصلاح بالعبادة والمعرفة، فحتى يُحقق غرضه يبعث وينصّب الهادين للناس، وإلاّ كان مُخلاّ بغرضه.

ص: 286


1- الانشقاق :19
2- راجع كمال الدينوتمام النعمة للشيخ الصدوق ص127، فإنه تطرّق لهذه الغيبات.

ومقتضي لُطف الإمام علیه السلام أن يقوم بوظيفة الهداية والإرشاد للناس، وقد تصدّى لذلك، كما يجب على الناس الانقياد للمعصوم، ولكنّ الناس لم تعمل بواجبها، بل عملت على مخالفة الله وأوليائه، فلقد تكالب على أهل البيت علیهم السلام الأعداء، وقويت شوكة الباطل، وتعدّت المُعاداة حدوداً لا يمكن معها بقاء الإمام علیه السلام ظاهراً مشهوراً ، فلاحقهم الأعداء ولم يتركوا لهم فرصة في إيصال الهدى للناس، ولم يتركوا سبيلا للمؤمنين يصلون من خلاله إلى سادتهم ومواليهم، فعاش أهل البيت عليهم السلام في السجون، وبقي أتباعهم بين سجين وبين مُختفي عن الأنظار لا يمكنه أن يلقى إمامه.

وتطوّر العداء حتى أصبح بعض الطالبيين-فضلاً عن غيرهم- يكيدون بأهل البيت علیهم السلام ،فتعاون بعض الطالبيين مع غيرهم كي يقوموا بالقضاء على أهل البيت علیهم السلام، فهذا جعفر الكذاب أخو الإمام العسكري علیه السلام يكيد بأخيه ويحسده على ما أعطاه الله تعالى، فكان يقول علیه السلام : إنّ مثلي ومثله كقابيل وهابيل، وعندما استشهد الإمام العسكري علیه السلام أخذ جعفر هذا بنهب وبيع كلّ ما في بيت أخيه مع علمه بأنّه ليس الوارث وإنّما الوارث هو الحجة المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، بل تعدّى وتجرأ على بيع الصبايا ، فلقد كانت هناك صبية جعفرية في دار العسكري علیه السلام يربونها فباعها، حتّى ردّها بعض العلويين بواحد وأربعين ديناراً(1).

وإذا لم يرضَ بأخيه إماماً فكيف يرضى بابن أخيه ، ولذا كان يريد أن يفتك بابن أخيه حتی تخلو الساحة له، وكان على استعداد بأن يتعاون مع أي أحد في سبيل القضاء على الإمام علیه السلام، ولذا أخبر عنه أنّه في السرداب يتعبّد فجاؤوا لقتله بعد أن حاصروا السرداب، فخرج - صلوات الله وسلامه عليه - ولم يروه، كما خرج الرسول صلی الله علیه وآله عندما حاصره كفار

ص: 287


1- راجع الکافي للشیخ الکلینی ج1 ص 542.

قریش في داره (1).

ولقد آذى الشيعةَ في دعواه الإمامة وملاحقة مَن عنده حقوق شرعيّة كي يستولي عليها وبالخصوص تلك الأموال التي ترد من أماكن بعيدة، و استعان بالحُكّام الظلمة في سبيل سلب المؤمنين تلك الأموال(2) .

ففي كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ الصدوق ص319، بسنده عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیهما السلام - في حديث - قال : ( إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فسموه الصادق، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر ، يدعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه،فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله عزوجل، والمدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله ، عند غيبة ولي الله عزوجل، ثم بكى علي بن الحسيني علیهما السلام بكاءَ شديداً، ثم قال : كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، و المغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبي جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفربه، (و) طمعاً في ميراثه حتى يأخذه بغير حقه )(3) .

ولقد تعدد سؤال الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف)في غيبته الصغرى عن جعفر الكذاب، فكانت أجوبته تنبئ عن مدى الأذى الذي لحق بالإمام علیه السلام من كثرة تمادي جعفر الكذاب في دعواه الباطلة وقيامه على الفسق والفجور.

ص: 288


1- راجع كمال الدين للشيخ الصدوق ج2ص442
2- راجع كمال الدين ج2 ص476
3- الاحتجاج للشيخ الطبرسي ، ج2 ص48. والخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ج1 ص268، وعنه البحار: 230/46 ح 5، وج 9/47 ح 4، ورواه في علل الشرائع: 234 ج1، وأورده في مقصد الراغب : 156 ( مخطوط ) ، وبعضه في دلائل الإمامة المحمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص 248، والهداية الكبرى: 248 ومناقب ابن شهرآشوب 272:4

في غيبة الطوسي: ص174 بسنده نقل التوقيع الصادر من الناحية المقدسة الذي يقول علیه السلام فيه: (وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه؟!!!

أبفقه في دين الله ؟!!! ورد فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب.

أم بعلم ؟!!!فما يعلم حقاً من باطل،ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها.

أم بورع ؟!!! روز فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوماً، يزعم

ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره قد تأدّی(1) إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهورة قائمة.

أم بأية ؟!!! فليأت بها، أم بحجة؟!!! فليقمها، أم بدلالة ؟!!!فليذكرها.قال الله عزوجل في كتابه :«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم حم تَنْزِیلُ الْکِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِینَ کَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ قُلْ أَرَأَیْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِی بِکِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ کَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَکَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ کَافِرِینَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا بَیِّنَاتٍ قَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِینٌ »(2) .

فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها، أو صلاة فريضة يبين حدودها، وما يجب

ص: 289


1- تادّی أي وصل
2- من سورة الأحقاف

فيها لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه، والله حسيبه ...)(1).

وهذا الوجه في غيبته (عجل الله تعالی فرجه الشریف) - أي الحفاظ على نفسه - قد ذُكر في روايات

كثيرة باختلاف في ألفاظها ومواردها منها :

ما في كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 361:

بسنده عن الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام - في حديث - : ( القائم الذي يطّهر الأرض من أعداء الله عزوجل ، ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون ).

بقي شيء :

إنّ جعفر المعروف بالكذّاب قد قرأتَ اليسير من الروايات الشريفة و توقيعات الناحية المقدسة التي تذمّه،وما ذكرناه هو نزر يسير مما ورد فيه من انتهاكات لحدود الله تعالى، ولم أجد أحداً قد نفى عنه تلك الأفعال القبيحة، حتى الذين قالوا بتوبته في آخر عمره.

وقيل أنّ الذي يدلّ على توبته التوقيع المقدس الذي يرويه الشيخ في الغيبة عن الكليني ص188، والشيخ الطبرسي في الاحتجاج ص163 بسند الشيخ عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمة الله ، أن يوصل إليه علیه السلام كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي .

فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان علیه السلام ( أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك الله ، من أمر المنكرين من أهل بيتنا وبني عمنا؛ اعلم أنه ليس بين الله عزوجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف علیه السلام....).

ص: 290


1- راجع الاحتجاج :ج 2 ص 468، وإثبات الهداة :ج1 ص 550 ب9 ح 377، والبحار: ج25 ص 181 ب 4 ح4، وفي :ج50 ص 228 ب6 ح3 ، وفي ج53 ص 193 ب31 ح 21

وقد يستدلّ بما دلّ على أن ولد فاطمة علیها السلام لا تمسّهم النار، إلاّ أننا نقول إنه مُخصص بكثير من الروايات، وأمثال هذا التوقيع صريح في تخصيصها حيث يقول علیه السلام: (ليس بين الله عزوجل وبين أحد قرابة) فالخارج عن ولايتهم علیهم السلام خارج عنهم وليس منهم ، وان قربت لُحمته.

الفائدة الثانية: الحفاظ على الشيعة:

لابُدّ من رفع المعاناة التي يعانيها الشيعة في الحفاظ على الإمام وخوفهم

عليه وعلى أنفسهم، فالشيعة عاشت فترة ترى أئمّتها في السجون والاعتقال مع قلّة الناصر، وكثرة وتمكّن العدو، فيتعذر على الشيعة الوصول إلى أئمتهم علیهم السلام والاستفادة مباشرة من علومهم، وما دام الإمام علیه السلام ظاهراً فالشيعة مُلاحقة ومُطاردة ومُعذّبة، والسجون امتلأت من المؤمنين الشيعة.

ولمّا كانت الشيعة تعيش المعاناة لذا كانوا يسألونهم مَن الأفضل هم أم من يعيش في دولة القائم علیه السلام ؟ فيجيبونهم بأنّكم أفضل لأنّكم تصبحون وتمسون وأنتم خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم . وهذا مما يدلّ على شدّة المعاناة التي يعيشها الشيعة فلا شكّ أنّ الشيعة آنذاك يسرّها أن يغيب إمامها عن الأنظار وهي مطمئنّة عليه وعلى سلامته وبالتالي تطمئن على نفسها، فيكون من اللطف هنا في مثل هذه الظروف حدوث الغيبة.

ففي الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 333 بسنده عن عمار الساباطي قال: (قلت لأبي عبد الله علیه السلام : أيما أفضل: العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته، مع الإمام منكم الظاهر؟

فقال يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك - والله - عبادتكم في السر ، مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن

ص: 291

يعبد الله عزوجل ذكره في ظهور الحق ، مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله عزوجل بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة، كتب الله عزوجل له بها عشرين حسنة ويضاعف الله عزوجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه وإمامه و نفسه، وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة ، إن الله عزوجل کریم.

قلت : جعلت فداك قد والله رغّبتني في العمل، وحثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد ؟

فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عزوجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة الحق خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم و الخوف مع عدوكم، فبذلك ضاعف الله عزوجل لكم الأعمال، فهنيئا لكم.

قلت: جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق و نحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل؟

ص: 292

فقال: سبحان الله ، أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله عزوجل في أرضه، تقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر،حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واحد فابشروا .

الفائدة الثالثة : تعريض المؤمنين إيمان أكبر:

إنّ في الغيبة تعريض المؤمنين الإيمان أكبر ويقين أعظم، فإنّ من يؤمن بالإمام ويصل إلى مرتبة يقينيّة مُعيّنة – من دون أن يراه - لمجرّد ورود الروايات عن أهل بيت العصمة لهو أعظم إيمانا ممن جَالس الإمام علیه السلام وشاهد معاجزه الباهرة وألطافه الظاهرة، ومع ذلك لم يتجاوز تلك المرتبة اليقينيّة .

ولذا ورد في ( من لا يحضره الفقيه ) للشيخ الصدوق ج4، ص366 ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله : ( يا علي . أعجب الناس إيماناً، وأعظمهم يقيناً، قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي، وحجب عنهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض )(1).

كما أنّ المؤمن في الغيبة يحظى بثواب عظيم، وإن مات على فراشه فهو كالمتشحِّط بدمه بين يدي الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف)؛ لكونه منتظراً لإمامه، حبس نفسه على مولاه، لا تهزه العواصف، ولا تُحركه الفتن، ولا تُغريه الأماني، أشدّ من الجبال الرواسي .

ففي كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 323 بسنده عن الإمام

ص: 293


1- کمال الدین و تمام النعمة للشیخ الصدوق ص 288. وعنهما و سائل الشیعة للحر العاملی ج72 ص92

علي بن الحسين سيد العابدین علیهما السلام : (مَن ثبت على موالاتنا (1) في غيبة قائمنا أعطاه الله عزوجل أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد ).

وفيه أيضاً ص 361: بسنده عن الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام- في حديث -(طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، و رضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة).

وفي كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص200 بسنده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام أنه قال : (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم(2)).

وفي نفس المصدر السابق ، بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال ذات يوم :

( ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزوجل من العباد عملاً إلاّ به ؟ فقلت : بلى ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده [ورسوله]، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا - يعني الأئمة خاصة - والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم علیه السلام، ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء. ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً(3) لكم أيتها العصابةالمرحومة ) .

ص: 294


1- في بعض النسخ : (علی ولایتنا).
2- في النسخ (کان کمن في فسطاط القائم علیه السلام)
3- في بعض النسخ( فجدوا تعطوا ،هنیئا ، هنیئا).

الخاتمة:

هذا آخر ما أحببنا إيراده في هذه الرسالة،وإن كان الموضوع يمكن أن يكون موسّعاً، وهناك مصالح راجعة إلى شخص الإمام علیه السلام كاستيعاب جميع بلاءات الأنبياء على أشكالها وطولها، ومن ضمنها أن يجمع كلّ الأوقات التي غاب فيها الأنبياء فيأتي عليها كلّها كما يظهر من بعض الروايات ، كما في علل الشرائع ج1 ص234 بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن القائم علیه السلام منا غيبة يطول أمدها، فقلت له: ولِمَ ذاك يا ابن رسول الله ؟ قال: إن الله عزوجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء علیهم السلام في غيباتهم، وأنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عزوجل : «لَتَرکَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ»(1)أي سنناً على سنن من كان قبلكم).

كما أنّ العديد من الروايات دلّت على أنّه إنّما غاب علیه السلام لئلا يجبر على البيعة لأحد من الظالمين، كما في كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص479 بسنده عن عن الإمام أبي عبد الله علیه السلام قال: صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على(هذا) الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذاخرج).

ولقد مرّ عليك في بداية هذا البحث تشبيهه في غيبته (عجل الله تعالی فرجه الشریف)بالشمس إذا سترها السحاب، وهذا التشبيه له دلالاته الكثيرة، حتى أنّ الشيخ المجلسي ذكر أنّه اهتدى إلى ستة عشر وجهاً، عدّ منها ثمانية، ولم يذكر الثمانية الأخرى، لأنّ بعض العقول أو النفوس لا يستوعب ذلك فقال:

(فقد فتحت لك من هذه الجَنة الروحانية ثمانية أبواب،ولقد فتح الله علي بفضله ثمانية أخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح

ص: 295


1- الانشقاق:19

علينا وعليك في معرفتهم ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب)(1) .

ونحن نذكر لك أيُها القارئ العزيز شيئاً من تلك الوجوه :

الأوّل : بالشمس - وإن سترها السحاب -تبقى الحياة، ولولا وجود الشمس لأصبحت الأرض غير صالحة للحياة، فتنخفض درجات الحرارة إلى حدّ لا يُمكن معه الحياة.

فكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإنه وإن كان غائباً إلاّ أنّ الحياة من دونه لا تبقى، و قد مرّ عليك أنه لولا الإمام علیه السلام لساخت الأرض ومن عليها.

الثاني : الشمس المحجوبة وإن كانت نافعة إلاّ أنّ الناس ينتظرون ظهورها كي تتمّ الفائدة منها وتكمل، وبعض البلدان التي لا تظهر عندهم الشمس إلا نادراً نجدهم ينتظرون ظهورها، وعندما تبزغ عليهم ينتشرون و يتعرّضون لأشعّة الشمس طلباً للدفء والصحّة، لأنّ الجسم الإنساني بحاجة إلى أشعة الشمس.

وكذلك الإمام(عجل الله تعالی فرجه الشریف)فإنه وإن كانت فائدة وجوده عظيمة في حال غيبته إلاّ أنّ المؤمنين المخلصين ينتظرونه لتمام الفائدة وكمالها .

الثالث : إذا ستر السحاب الشمس لا تجد أحداً ينكر وجودها، لأنها وإن لم تُرَ إلاّ أن آثارها موجودة ظاهرة بيِّنة لكلِّ ذي حسِّ سليم، وإنّ منكر وجودها مُكابر معاند.

فكذلك وجوده المقدس(عجل الله تعالی فرجه الشریف)فإن إنكاره من المُكابرة والعناد مع ظهورآثاره وتجلِّي فيوضاته لمن كان سليم الحسِّ والشعور، وكان ذا بصيرة من ربِّه تعالی .

الرابع : إنّ الشمس في بعض الأحيان يحجبها السحاب الكثيف حتى يكون النهار كالليل في الظلمة، ويكون هذا الظلام نجاة ومصلحة لمن

ص: 296


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج52، ص94

يلاحقه العدو الذي يريد الفتك به والنيل منه.

وكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإنه بلغ الظلم بشيعته حدّا بحيث أصبحت المصلحة

لهم في غيبته .

الخامس:إذا ضعُفت أبصار الناس، فإنّها لا تقوى على نور الشمس فيضرها ظهورها ونورها لعدم احتمالهم لنورها الشديد.

وكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإنّ ضعف بصائر الناس وقلّة دينهم يمنعانهم من الاستضاءة بنور الإمامة، لأنه يحملهم على المحجّة البيضاء، والحقّ الذي لا يُطيقون، ولولا غيبته (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لقلّ الشيعة في الأمصار، لعظيم بلائهم و امتحانهم وشدّة ضعفهم.

السادس : إنّ الشمس قد تظهر بين السحاب ويراها من كان مراقباً لها و منتظراً لبزوغها.

فكذلك الحجة المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإن بعض المنتظرين له المشغوفين بحبّه قد يُمنُّ عليهم برؤيته والتشرُّف بلقائه، وهذا معلوم شائع عن بعض العلماء،و لقد عقد العلامة المجلسي باباً في ذكر من رآه - صلوات الله عليه - في أوّل الجزء 52، واستدرك العلاّمة الميرزا حسين النوري على البحار في جنّة المأوى وذكر تسعاً وخمسين حكاية في من تشرفوا بلقاء الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

السابع:إنّ الشمس نفعها عظيم،والذي لا ينتفع ببعض منافعها لأمر فيه، ولحجاب جعله بينه وبين الشمس.

فكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإن نفعه عامّ ولكن بعض الناس عمي وأوجد الحجب بينه وبين الإمام فلم تصل المنفعة التامّة له بسوء فعله واختياره .

الثامن:إن الشمس منافعها تصل للناس بحسب ما هيأ كلَّ شخص من طرق وصول الفائدة إليه، وبقدر ما يرفع من الموانع

ص: 297

فكذك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإنّ عموم نفعه يصل إلى كلّ شخص،بحسب ما يهيء من سبل ويرفع من موانع وحجب.

التاسع : إنّ الناظر إلى الشمس والمنتظر لها عند تستّرها بالغيوم إنّما يكون نظره إلى العلو.

فكذلك علو مرتبة الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وشرف مقامه الرفيع يقتضي من العبد أن ينظر بنور قلبه إلى المراتب العالية، والدرجات الرفيعة حتى ينتظر أو يرى الإمام المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

العاشر : ما هو ثابت علميّاً أن الكواكب كالأرض تدور حول الشمس وفي فلكها، ولا يختلف ذلك بين ظهور الشمس وغيابها بين السحاب .

فعلى المؤمنين الموالين المنتظرين أن يكون محور أفعالهم وأقوالهم رضي إمامهم، ويدوروا في فلك هداية مولاهم، لا يخرجون عنه أبداً، سواء كان

ظاهراً أو غائباً.

الحادي عشر:لو أنّ الكواكب خرجت من فلك الشمس لاختلّ نظام

الكون وفسد، ولا يفرق الحال بين ظهور الشمس وغيبتها بين السحاب.

وكذلك الناس إذا تمرّدوا على إمامهم وخرجوا من دائرته فإنهم يتيهون و يفسد عملهم واعتقادهم، سواء كان ظاهراً أو كان غائباً.

الثاني عشر: إن الشمس مصدر للضياء بخلاف القمر فإنّ نوره مستمد من نور الشمس،فنور القمر من نور الشمس وإن خفيت الشمس علينا بسبب الغيوم.

والإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) مصدر للضياء والنور وليس نوره مستمداً من غيره من الخلق، وإن الهدى الذي عليه بعض الناس مستمدّ من نوره وإن كان غائباً.

الثالث عشر : الشمس يعجز البشر عن الوصول إليها لبعدها وعلوها،ولا يفرّق الحال بين غيبتها وظهورها.

ص: 298

فكذلك الإمام يعجز البشر عن الوصول لمقامه الشريف، وإن كان غائبا عن الأنظار، ففي الزيارة الجامعة : ( فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، و أعلى منازل المقربين، وأرفع درجات المرسلين،حيث لا يلحقه لاحق،ولايفوقه فايق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع).

الرابع عشر : إنّ الشمس لا يمكن الاقتراب منها لشدّة حرارتها.

فكذلك نور الإمامة لا يمكن لأحد أن يقترب منه، فإن العقول قاصرة عن إدراكهم، ولقد ورد عن النبي صلی الله علیه وآله أنّه قال:(يا علي،ما عرف الله إلاّ أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا )(1).

الخامس عشر:الشمس تضرّ من أطال النظر فيها،ويُكتفي في معرفةوجودها النظر الخاطف إليها، والتمعّن في آثارها.

وكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإنّ النظر والتفكر في عظيم ذاته لكونه فوق طاقة

البشر يجعل العبد يزيغ عن الحق، فيُكتفي بالنظرفي آثاره الشريفة.

السادس عشر : إنّما يتميّز الليل من النهار بالشمس وإن كانت محجوبة

بالسحاب.

فكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف)،فإن تميّز الهدى من الضلال ، والإيمان من الكفر به - صلوات الله وسلامه عليه - وإن كان غائباً.

السابع عشر:بظهور الشمس تنكشف الحقائق التي كانت مستورة بالليل.

ص: 299


1- شرف الدين النجفي في تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة:221/1ح15، وعنه مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ج2ص439، وأورده البرسي في المشارق: 112، وأخرجه في مختصر البصائر:125وفي المحتضر: 38 و165 ومناقب ابن شهرآشوب: 267/3نحوه.

وكذلك الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بظهوره تنكشف الحقائق التي انسترت عنّا في ظلمة

غيابه - صلوات الله وسلامه عليه -.

ولقد اكتفينا بهذا المقدار المحقق للغرض، ونسأل الله تعالى قبول العمل،و الثبات على ولايتهم ومحبتهم، والتوفيق لطاعتهم واجتاب معصيتهم .

كما نسأله تعالى أن يجعلنا من عبيده المخلصين له الذابين عنه،والمحامين عن ساحة قدسة والمستشهدين بين يديه .

كما نسأله تعالى ، أن يوفقنا لنصرة أوليائنا - صلوات الله عليهم أجمعين - ، ويرزقنا شفاعتهم في الدنيا والآخرة، إنه سميع قدير، وبالإجابة جدير.

ص: 300

الإمام المهدي علیه السلام الشيخ عباس العنكي

اشارة

*الإمام المهدي علیه السلام(1)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

تمهید:

قضية الإمام المهدي من العقائد المهمة والتي تحتاج إلى سعة في البحث.أما أهميتها فتظهر في عدة نقاط :

إنها جزء من أصول الدين بحسب عقيدة الشيعة الإمامية وبإثباتها يدخل

الإنسان في فرقة الإمامية الاثني عشرية وبها يخرج من تلك الطائفة .

إن هذه العقيدة تؤثر على تماسك العقيدة العامة عند الإنسان بسبب أنها تحمل بعض الجوانب الغريبة فقد تسبب الشبه والشك في مجموع المبادئ الشيعية مما ينعكس سلباً على المؤمن في عقيدته .

ولهذا نجد بعض الناس يحاول أن يحارب المذهب الشيعي من خلال تسفيه الفكر الشيعي في قضية الإمام المهدي علیه السلام .

قال ابن القيم : ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منهم كل عاقل(2) .

وأما حاجتها إلى سعة البحث فللأسباب التالية :

1.كثرة ما كتب حول هذه الفكرة ، من جمع للروايات والبحوث

ص: 301


1- هذا البحث عبارة عن دروس ألقيت في ( مجلس الزهراء علیها السلام) بالجارودية . ونشير هنا إلى أن هناك دروسا أخرى لفضيلة الشيخ مهدي العوازم في المجلس نفسه ، حول الإمام المهدي علیه السلام ، إلا أن عدم وجودها بين أيدينا لم يسمح لنا بنشرها .
2- أصول مذهب الشيعة ، د. ناصر القفاري ص 848

والدراسات ،وخلال إعدادي لهذا البحث استطعت أن أجمع ثلاثين بحثاً في القضية يبلغ البعض منها مجلدين .

واستطعت أن أقرأ - ضمن تتبع مجهد - أكثر من سبعة آلاف صفحة ، ولا شك أن استخلاص فكرة واضحة من هذا الكم الهائل من البحوث عمل مجهد .

إن هذه الفكرة تشتمل على مجموعة من الأفكار الصعبة ، مثل :

1. إمامة صبي صغير.

2. وإخفاء الحمل .

3. وطول الحياة .

1. والغيبة عن عموم الناس .

إلى غير ذلك من الأفكار التي لا يستجيب إليها كثير من الناس بسهولة و بساطة ، مما يعطل عملية البحث.

إن كثيراً من الباحثين وسائر الناس قد تناولوا هذه القضية بفكر مسبق و حكم بعدم القبول فدرسوها بسخرية أكثر من الواقعية ، فالحديث حول هذه الفكرة عند جماعة من الناس كالحديث عن الأساطير والخرافات،و هذا الجانب يصعب مهمة البحث عند الدارس والمرشد.وبعد التتبع و الدراسة المسهبة لهذه الفكرة رأيت أن أقسم البحث في ثلاثة أقسام : القسم الأول : نبحث فيه عن أصل العقيدة ، ويشمل :

1. موجز عقيدة الشيعة .

2. ما ذكر من مصادر لهذه الفكرة .

3. أدلة الشيعة .

القسم الثاني : نبحث فيه حياة المهدي ،ويشمل :

1.مولده .

2. الغيبة .

3. الظهور .

القسم الثالث : ونبحث فيه حول ظهور الإمام وحول شبهتين :

ص: 302

الأولى : شبهة التطبيق .

الثانية : شبهة الحكمة والفائدة .

القسم الأول : أصل العقيدة:

اشارة

فيه عدة بحوث :

البحث الأول : موجز عقيدة الشيعة الإمامية حول الإمام المهدي علیه السلام:

تعقد الشيعة بوجود الإمام الثاني عشر وهو محمد ابن الإمام الحسن العسكري،وأنه ولد في عام 255ه،وغاب بعد وفاة والده الحسن العسكري عام 260 ه ، وتنقسم الغيبة إلى قسمين :

الأولى : الغيبة الصغرى ، وتستمر من عام260ه إلى عام 327ه وفي هذه

الفترة كان له وكلاء نص عليهم بأشخاصهم.

الثانية : الغيبة الكبرى ، وتبدأ من عام 327ه إلى أن يأذن الله له بالخروج ، وأنه سوف يخرج ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن تمتلئ ظلماً وجوراً، ولا يوجد له في هذه المدة وكلاء نص عليهم بأشخاصهم ، ولكن وكلاءه الفقهاء العدول ، ولا يعلم أحد من الناس وقت ظهوره بالتحديد، ولا مانع من أن يراه أحد من الناس ، ولكن بدون أن يدعي الوكالة عنه .

هذه فكرة موجزة حول عقيدة الشيعة في الإمام المهدي عجل الله تعالى

فرجه الشريف.

البحث الثاني : ما ذكر من مصادر لهذه الفكرة:

قد اهتم جماعة من الكتاب بتحديد مصدر هذه الفكرة عند الشيعة و ذكر في هذه الناحية آراء نذكرها ونبين الحكم فيها :

فقد ذكروا أن فكرة الشيعة حول الإمام المهدي جاءت من ديانات أخرى غير الإسلام : قال ناصر القفاري :(إن مسألة المهدي والغيبة حسب الاعتقاد الشيعي لها جذورها في بعض الديانات والنحل، مما لا يستبعد معه

ص: 303

أن لأتباع تلك الديانات دوراً في تأسيس هذه الفكرة في أذهان الشيعة)(1)

ولشرح هذه النسبة تجد عدة اتجاهات :

أ- يميل بعضهم إلى أنها ذات أصل يهودي ولهذه عدة صور :

الصورة الأولى:لأن اليهود يعتقدون بأن (إيليا) رفع إلى السماء في الاختفاء آخر الزمان ، فهذا