مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب دراسته دلالیة

هویة الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 348 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC: BP39.5.A24 2017 المؤلف الشخصی: عبدالعالی، سعید عکاب.

العنوان: مرویات الإمام علی (علیه السلام) فی لسان العرب: دراسة دلالیة بيان المسؤولیة: سعید عکاب عبدالعالی، تقدیم سید نبیل الحسنی الکربلائی.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 256 صفحة.

سلسلة النشر: سلسلة الرسائل الجامعیة / العراق - وحدة علوم اللغة العربیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببیلوغرافية: الکتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 229 - 254).

تبصرة محتویات:

موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث - دراسة دلالیة.

موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - کلمات قصار.

مصطلح موضوعي: اللغة العربیة، علم الدلالة..

مصطلح موضوعي: علم الدلالة.

مصطلح موضوعي: اللغة العربیة - اشتقاق.

مؤلف إضافی: ابن منظور، محمد بن مکرم بن علی، 630 - 711 هجریاً - لسان العرب - دراسة.

مؤلف إضافی: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

عنوان إضافی: لسان العرب - دراسة.

مؤلف إضافی: الحسنی الکربلائی، نبیل قدوری، 1965 -، مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب دراسته دلالیة

ص: 2

سلسلة الرسائل الجامعية - العراق وحدة علوم اللغة العربية (14)

مرويات الإمام علي (عليه السلام) في لسان العرب دراسته دلالیة

تألیف شعید عکاب عبدالعالی إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Info@Inahj.org

تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، و لاتعبر بالظرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ» صدق الله العليُّ العظيم (الرَّحمن / 1 - 4)

ص: 5

الإهداء

إلى خيرِ من نطقَ بالضَّادِ وأعربَ بالفُصحى سيِّدِنا محمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم إلى أبي وأمِّي.....برًّا وإحسانًا.

إلى زوجتي المخلصة....حبًّا ووفاءً.

إلى قرَّة عيني ونور دربي....أولادي.

أهدي ثمرةَ هذا العملِ المُتواضعِ.

سعيد

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خیر الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمیر المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسیر بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: »مَا فَرَّطْنَا فِی الْكِتَابِ مِنْ شَیْءٍ» (الأنعام: 38)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِينٍ» (يس: 12)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول الى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم

ص: 7

والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسیرة أمیر المؤمنين الإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل الجامعية)، والتي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية إلى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمیر المؤمنين علی (عليه السلام) والسیر على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربية إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزوّد منها بغية بيان أثر تلك المرويات العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في الدلالات المعجمية إضافة إلى الدلالات الصرفية والمشتقات وأقسامها والجموع والأفعال.

فضلاً عن الدلالات السياقية (اللغوية - العاطفية - الحال) لتختم الدراسة بالدلالة المعجمية (بين الترادف، والاشترك اللفظي، والتضاد) لينتج منها صورة جمالية تلهم المتلقي في تكامل الاتساق النصي وتماسك بنيته.

فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

المقدّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمینَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على من اصطُفِيَ من الخلق، وانتُجِبَ من الورى، محمَّدٍ وآله أُولي الفضل والنُّهى، وعلى الصَّحب ممَّن ارتضى.

أمَّا بعد؛ فإنَّ لسانَ العربِ لابنِ منظور (ت 711 ه) من المعجمات المهمَّة في اللُّغة العربيَّة، إذ حفظ لنا معظم ما جاء في المعجمات العربيَّة قبل عصره، ويُعدُّ موسوعة لغويَّة ضخمة يفيد منها اللُّغويّ والنَّحويّ والأديب والفقيه والمُحدِّث؛ إذ حفظَ لنا تراثَ الأمَّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ من أحاديثَ وأقوالٍ وفنون بلاغيَّة.

تعدَّدت الدِّراساتُ في (لسانِ العربِ)، وانشغل به كثيرٌ من الباحثينَ؛ لأنَّه استقصى في مادَّة معجمِهِ خمسة معجمات من الأصول، هي (تهذيب اللُّغة) للأزهريّ (ت 370 ه) و (تاج اللُّغة وصحاح العربيّة) للجوهريّ (ت 398 ه)، و (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيده (458 ه)، و (حواشي ابن بريّ) لعبد الله بن بَرّي (ت 582 ه)، و (النِّهاية في غريب الحديثِ والأثر) لابن الأثير (ت 606 ه)، مستوعبًا موادَّها، ضامًّا بعضَها إلى بعضٍ. وممَّا جمعه من هذه الأصول ما رُويَ من حديث عليٍّ (عليه السَّلام) مستَشهَدَاً

ص: 9

به (تأسيسًا، أو تصحيحًا) في كثیرٍ من المعاني، وَلم يكن بحثي لتلك الشَّواهد بحثًا إحصائيًّا؛ لوجودِ دراسةٍ في جامعة النَّجاح الوطنيَّة في فلسطين بعنوان (ما بني من ألفاظ اللُّغة على أقوال الإمام علیٍّ في لسان العرب)؛ إذ جمعَ الباحثُ هذه الأقوال بحسب مادِّتها مع الإشارة إلى اختلاف الرِّواية مع ما جمعه الشَّريفُ الرَّضيّ في (نهج البلاغةِ)، فهيَ لم تكن دراسةً دلاليَّةً تستوعب هذه المرويَّات كما ينبغي؛ لذا عزمت - بعد التَّوكل على الله - أنْ يكونَ عنوان رسالتي (مرويَّات الإمام عليٍّ) (عليه السّلام) في لسان العرب - دراسة دلاليَّة) وقد قسَّمتُها على: تمهيد، وثلاثة فصول تعقبها خاتمة.

عرضتُ في التَّمهيد حديثَ الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في المدوَّنات اللُّغويَّة، وَقسَّمتُهُ على ثلاثةِ أقسام: الأوَّل تكلَّمتُ فيه على تأصيل مرويَّات الإمام في النِّتاج المعجميّ، والثَّاني تناولت فيه حديثه في الكتب اللُّغويَّة، والثَّالثُ ذكرت فيه حديثه في المعجمات ومنهج أصحابها في إيراده.

أمَّا الفصلُ الأوَّلُ؛ فتناولتُ فيه الدَّلالة الصَّرفيّة، وتكوَّن من أربعةِ مباحث، سبقتها توطئةٌ في معنى الدَّلالة الصَّرفيَّة، إذ عُنيَ المبحث الأوَّل بدراسة دلالةِ المُشتقَّات، وأقسامها، والثَّاني تكفَّل ببيانِ دلالة المصادر الواردة في المرويَّاتِ، والثَّالث عرضتُ فيه دلالةَ جمُوع التَّكسیر وأنواعها، أمَّا المبحثُ الرَّابع؛ فكانَ في دلالةِ أبنيةِ الفعلِ، وَقُسِّم على قسمينِ، الأفعال الثُّلاثيَّة المزيدة، والأفعال الرُّباعيَّة المزيدة، وَلم أتناول الفعل المجرَّد؛ لقلَّة ما له من دلالاتٍ في المرويَّاتِ. وقد أهملتُ الدَّلالة الصَّوتيَّة؛ لعدم توافر الشَّواهد الكافية عليها في المرويَّات؛ لذا اكتفيت بالدَّلالة الصَّرفيَّة.

واختصَّ الفصل الثَّاني بالدَّلالة السِّياقيَّة، وتكوَّن من مبحثينِ، سبقتهما توطئةٌ في معنى الدَّلالة السِّياقيَّة، إذ كانَ المبحث الأوَّل في مفهومِ السِّياقِ وَأنماطه في المرويَّات، وقُسِّمَ على ثلاثة محاور، هي السِّياق اللُّغويّ، والسِّياق العاطفيّ، وسياق

ص: 10

الموقف (الحال)، ولم أتناول السِّياق الثَّقافيّ؛ لأنَّه يعتمدُ في أمثلته على إتيانِ المتكلِّم به باختلافِ البيئة والزَّمنِ، والإمام عِلِیٌّ (عليه السَّلام) عاشَ في بيئةٍ واحدةٍ وزمنٍ واحدٍ، لذا لم أعثر على شاهدٍ يمثِّلُه في المرويَّات، والمبحث الثَّاني كانَ في العلاقاتِ السِّياقيَّة، وتضمَّنَ خمسة محاور: الاستفهام، وَالأمر، والنَّهي، والتَّقديم والتَّأخیر، والذِّكر والحذف.

وكانَ الفصل الثَّالث في الدَّلالة المعجميَّة، وتكوّن من مبحثينِ، سبقتهما توطئةٌ في معنى الدَّلالة المعجميَّة، إذ كانَ المبحث الأوَّل في دراسةِ الظَّواهر الدَّلاليَّة في المرويَّات، واقتصرَ على دراسة الترَّادف، والمُشترك اللَّفظيّ، وَالتَّضادّ؛ لكثرةِ ما جاءَ منها في المرويَّات، واختصَّ المبحثُ الثَّاني بالتَّغیُّر الدَّلاليّ في المرويَّات، وَكان في ثلاثةِ محاور، الأوَّل في عمومِ الدَّلالة، والثَّاني في تخصيصها، والثَّالث في انتقالها (المجاز).

وَقد قفيِّتُ هذه الفصول بخاتمةٍ مثَّلتْ قطفاً عرضتُ فيها أهمَّ النَّتائجِ الَّتي توصَّلتُ إليها.

واعتمدَ البحث على مصادر ومراجع كثیرةٍ ومنوَّعة في اللُّغة والتَّفسیر والنَّحو والصرَّف وأمَّات الكتب النَّحويَّة مثل: الكتاب لسيبويه (ت 180 ه)، والمقتضب للمبرّد (285 ه)، والأصول في النَّحو لابن السّرّاج (ت 316 ه)، والخصائص لابن جنّيّ (ت 392 ه)، وأهمّ المعجمات العربيَّة مثل كتاب العين للخليل (ت 175 ه) والجمهرة لابن دريد (ت 321 ه) والتَّهذيب للأزهريّ، والصِّحاح للجوهريّ، ومقاييس اللُّغة لابن فارس (ت 395 ه) وغيرها من معجمات اللُّغة الأخرى، فضلًا عن أهمِّ الكتب اللُّغويَّة والدَّلاليَّة الحديثة.

وَأفاد الباحث من الكتب الَّتي تتعلَّق بكتاب نهج البلاغة، ومنها شروحهُ، كشرح

ص: 11

نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ت 656 ه)، تحقيق الدُّكتور أبو الفضل إبراهيم الَّذي كان الشَّرح المُعتمد في توثيق النُّصوص العلويَّة؛ لكونهِ التَّحقيق المُفضَّل لدى كثير من الدَّارسين والباحثين، ونهج البلاغة للشَّيخ محمَّد عبده (ت 1323 ه).

ومن الكتبِ الَّتي اهتمَّتْ بدراسةِ كتابِ نهجِ البلاغةِ ونصوصه المُباركة الكتب الآتية:

منهاجُ البراعةِ في شرحِ نهجِ البلاغةِ للرَّاونديّ (ت 573 ه)، وفي ظلالِ نهج البلاغةِ لمحمّد جواد مغنية، ومنهاجُ البراعةِ للخوئيّ، وتوضيحُ نهجِ البلاغةِ للشِّیرازيّ وغيرها من الدِّراساتِ القديمةِ والحديثةِ الَّتي استعانَ الباحثُ بها مُسْتخلِصًا ما يهمُّ موضوع البحثِ.

وقد سار الباحث على منهجٍ موحَّدٍ في هذا البحثِ، وهو ذكر الموضوعِ وبيان ماهيَّتهِ، ثُمَّ الرُّجوع إلى آراءِ العلماء وإشاراتهم إليه، ثُمَّ التماس الشَّاهد ممَّا استشهد به ابن منظور من المرويَّاتِ، ثُمَّ بيان الكلمات الَّتي وردتْ بهذا الوزنِ في النَّصِّ المُستشهد بهِ وبيان نوع البناءِ والفعلِ الَّذي يرتبطُ بهِ ذلك البِناء، ومن ثَمَّ توضيح دلالتهِ في النَّصِّ العَلَويّ ومعرفة المُراد من قولهِ (عليه السّلام) بشكلٍ موجزٍ.

وأخیرًا إذا كان لابدَّ لي من أنْ أشكرَ أحدًا، فأوَّل من أقدِّمُ له شكري وتقديري هو أستاذي المُشرف الدُّكتور عليّ حلو حوَّاس، إذ كان عونًا ومسدِّدًا لخطاي جزاهُ الله خیر الجزاء، وأسأل الله أنْ يَمُنَّ عليه بدوامِ التَّوفيقِ والصِّحَّةِ والعافية؛ ليستمرَّ عطاؤه في خدمةِ اللُّغةِ العربيَّةِ، لغةِ القرآنِ الكريمِ. ولكلِّ أساتذة القسم شكري وتقديري، وأخصُّ بالشُّكرِ والتَّقدير الأستاذ المساعد الدُّكتور عصام كاظم الغالبيّ، الَّذي على يديه فُتِحتْ آفاقُ موضوع بحثي هذا، وأشكر كُلَّ زملائي ومن أمدَّني بنصيحةٍ أو

ص: 12

مشورةٍ، وأقدِّم شكري إلى صديقي حسين جاسم؛ لما قدَّمه لي من معونةٍ في إتمامِ هذا العملِ، وأشكر كُلَّ من وقف معي وآزرني، داعيًا المولى سبحانه أنْ يُنعمَ على الجميع بالسَّلامةِ والعافيةِ، إنَّه سميعٌ مُجيبٌ.

وأودُّ أنْ أذكرَ أنَّ قد بذلتُ في هذا البحث جُهدًا ليكونَ ناضجًا وسديدًا قدر الإمكان، ولا أدَّعي فيه الكمالَ؛ لأنَّ الكمالَ المطلق لله وحده، وأختمُ قولي هذا بالحمدِ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد وآله الطَّيبين الطَّاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامينِ المنتجبينَ.

الباحث سعيد عكاب عبدالعالي

ص: 13

ص: 14

التَّمهيد

ص: 15

ص: 16

حديثُ الإمامِ عليّ (عليه السَّلام) في المُدَوَّناتِ اللُّغويَّةِ

أوَّلًا: تأصيلُ مرويَّاتِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) في النِّتاجِ المعجميّ تُعَدُّ المُعجماتُ من أعظمِ مصادرِ اللُّغة العربيَّةِ، إذ إنَّ الهدفَ الرَّئيسَ من وضعِها هو إزالةُ الغموضِ والإبهامِ عن الألفاظِ، وهناكَ هدفٌ آخر في غايةِ الأهمِّيَّةِ، هو حفظُ اللُّغة، إذ يقولُ الدُّكتورُ حلمي خليل: (إنَّ فكرةَ الاستعمالِ لم تكنْ من أهدافِ المُعجم العربيّ قديماً، وإنَّما كان هدفُهُ الأوَّلُ حفظَ اللُّغة)(1)؛ وذلكَ لغيابِ التَّدوينِ في حينِها.

إنَّ الباكورةَ الأولى للمُعجمِ العربيّ كانت في صدرِ الإسلامِ، وحَاملُ اللِّواءِ فيها هو عبدُ اللهِ بن عبَّاس (ت 68 ه)، إذ كانَ يتصدَّرُ لتفسیرِ الغوامضِ والمُشكلاتِ الَّتي تواجهُ المسلمينَ الأوائل في فَهمِ القرآنِ الكَريمِ، فحينما لا يجدونَ تفسیرًا لبعضِ الألفاظِ يذهبونَ إليه ويسألونه عنها، وهو أوَّلُ من يُعزَى إليهِ كِتابٌ في غريبِ القرآنِ(2).

وعلى هذا الرَّأي يمكننا أنْ نعدَّ تفسیرَ ابنِ عبَّاس للقرآن الكريم نواةً للمعجمِ العربيّ، ولكن لم يصلْ إلينا ما ألَّفه ابنُ عبَّاس في هذا الشَّأنِ وهو كتابُ (غريب

ص: 17


1- مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 123
2- ينظر: المعجمات العربية - نقد وتقويم، نوريّة ذاكر محمود: 11 - 12

القرآن)؛ لذلك عُدَّ أقدم مؤلَّفٍ يحملُ هذا الاسم، هو لأبي سعيد إبَّان بن تغلب بن رباح البكريّ (ت 141 ه)، إذ يقولُ عنه ياقوتُ الحمويّ (ت 626 ه): «كان قارئًا فقيهًا لغويًّا، تَبدَّى وسمعَ من العربِ وحكى عنهم، وصنَّف كتابَ الغريبِ في القرآن، وذكر شواهده من الشِّعر»(1)، بعد ذلك جاءت مرحلةُ جمعِ الكلمات حيثما اتَّفقَ، فالعالِمُ يرحل إلى البادية يسمع كلمةَ مطرٍ، وكلمةَ طيرٍ، وأخرى في الزَّرعِ فيدوِّن كلَّ ما يسمع، بعدها جاءت مرحلة الرَّسائل اللُّغويَّة الفريدة الَّتي اختصَّت بخلق الإنسان والحيوان، وممَّا يتعلَّق بألوانِ حياتهم، وعدَّتهم فيها، ومنها ما انفرد بحصرِ الألفاظ الخاصَّة بالشَّاة والنِّعم، والخيل، والإبل وغيرها(2).

وهؤلاءِ اللُّغويُّونَ وضعوا أساسَ المرحلة الأولى من مراحل المعجم العربيّ، فكانت تلك الرَّسائلُ والدِّراسات الميدانيَّة مادَّة المعجمات العربيَّة، غير أنَّ هذا النَّوعَ من المؤلَّفاتِ لا يصدقُ عليها اسم المعجمِ بما يحمله من دقَّةٍ وتنظيمٍ وشرحٍ للَّفظةِ ومشتقَّاتِها، في حين نرى ذلك متجسِّدًا في كتابِ العينِ الَّذي ألَّفه الخليلُ بن أحمد الفراهيديّ، وهو الرَّائدُ في هذا الميدان، إذ يقول الدُّكتورُ حسينُ نصَّار: «أقدمُ معجم حقٍّ عرَفه الترُّاثُ العربيّ هو كتاب العينِ»(3)، ثمَّ تتابعَ التَّأليفُ، فألَّف ابن دريد (جمهرة اللُّغة)، وألَّف الأزهريّ (التَّهذيب)، والجوهريّ (الصِّحاح)، والزَّمخشريّ (ت 5 38 ه) (أساس البلاغة) وغيرها.

تُمثِّلُ المعجامت العربيَّة مصدرًا مهمًّاًّ للباحثِ في الدِّراسات اللُّغويَّة والأدبيَّة، ولا

ص: 18


1- معجم الأدباء: 1 / 38
2- ينظر: بحوث ومقالات في اللغة، رمضان عبد التواب: 143، ومقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 106
3- المعجم العربي، حسين نصار: 22

سيَّما بعد أنْ ظهرت المعجمات الكبرى، واتَّسع منهجها ليشمل كثيرًا من شؤون الحياة العربيَّة لغويًّا وأدبيًّا وفكريًّا وتاريخيًّا وما إلى ذلك، فضلاً عن الهدف الأساسيّ وهو جمع ألفاظ اللُّغة وتحديد صيغها ومعانيها وما يَعْرِض لها أحيانًا من اختلاف بين لهجات القبائل، أو اختلاف بين آراء أهل اللُّغة، أو ما أشبه ذلك.

ونَشْأَةُ هذه المعجمات لم تَحْدُثْ إلا بعد ظهور أنماط مختلفة من التَّأليف، إذ مرَّ المعجم العربيّ بمراحلَ ثلاثٍ هي:

1- جمع الألفاظ عشوائيًّا، وتُعدُّ هذه المرحلةُ مرحلة (المعجم المنطوق)، إذ يذهبُ العلماءُ لمشافهةِ الأعرابِ، ورواية اللُّغة عنهم، وهناك رواةٌ اتَّخذوا من روايةِ اللُّغة صناعةً يتكسَّبونَ منها، فيأتونَ إلى البصرةِ والكوفةِ لرِواية اللُّغة، أو للاحتكامِ إلى نطقهم وكلامهم عندما يختلف علماءُ اللُّغة والنَّحو بشأنِ بعضِ وجوه الإعرابِ، ومن هؤلاءِ الَّذين يتكلَّمونَ العربيَّة سليقةً: شبل الضُّبَعِيّ، وأبو مهديَّة، وأبو ضَمْضَم، وأبو مسحَل الأعرابيّ، وأبو البيداء الرِّياحيّ وغيرهم(1).

2- جمعُ الألفاظ وتدوينها، وهي الَّتي بينها رابطٌ لفظيّ أو معنويّ، وتسمَّى مرحلةَ (الرَّسائل اللُّغويَّة) إذ كان اللُّغويُّون الأقدمونَ، يسيحون في الجزيرة العربيَّة، يسألونَ البدو، ويكتبونَ عنهم. وقد سألَ الكسائيُّ (ت 189 ه) الخليلَ بن أحمد قائلًا:

من أين أخذتَ علمَكَ هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج الكسائيُّ إلى البادية ورجع وقد أنفد (خمس عشرة) قنينةَ حبرٍ في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ(2).

ص: 19


1- ينظر: الفهرست، لابن النديم (ت 438 ه): 1 / 69، ومقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 100 - 101
2- ينظر: تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (ت 463 ه): 13 / 345

3- مرحلةُ المعجماتِ النَّاضجة، وتُمثِّلُ هذه المرحلةُ النُّضجَ في التَّفكیرِ، والاتِّجاه إلى استيعاب ألفاظ اللُّغة كلِّها في كتابٍ واحدٍ تبعًا لمنهجٍ وغايةٍ معيَّنة أيضًا، فإنْ كانت الغاية هي تقديم معاني الألفاظ وضبط صيغها لمن يطلب هذه المعاني والصِّيَغَ، كان منهج التَّصنيف يُبْنَى على أساسٍ لفظيٍّ، وهذا ما عُرِفَ بمعجمات الألفاظ، وإذا كانت الغايةُ تقديمَ كلمة لمعنى يدور في خَلَد المرءِ دون أنْ يجدَ لديه كلمة تعبِّر عنه، كان منهج التَّصنيف يُبْنَى على أساسِ الموضوعاتِ والمعاني، وهو ما عُرِفَ بمعجمما المعاني.

مَرَّ المُعجمُ العربيّ بمرحلتينِ مُهمَّتينِ قبلَ ظهورهِ، هما الجمعُ والوضعُ، ويُمثِّلُ الجمعُ المرحلةَ الأولى من تكوينهِ، إذ اعتمدَ اللُّغويُّونَ على طريقتينِ في جمع المادَّةِ هما السَّماعُ والرِّوايةُ، واحتلَّتا مكانةً مهمَّةً في نقلِ الأخبارِ والقراءاتِ والتَّفسیرِ والحديثِ.

بدأتْ حركةُ جمعِ اللُّغة، أو التُّراثِ القوليّ للعرب بناءً على دوافع دينيَّةٍ من ناحيةٍ، ولغويَّةٍ من ناحيةٍ أخرى، واعتمدتْ حركةُ هذا الجمعِ على السَّماعِ والرِّوايةِ، ثُمَّ حلَّت الكتابةُ محلَّ الرِّوايةِ بعدَ أنْ سارَا جنبًا إلى جنبٍ في توثيقِ المادَّةِ اللُّغويَّةِ، ولا نستطيعُ أنْ نتجاوزَ حركةَ الجمعِ دونَ أنْ نتوقَّفَ عندَ فكرةِ الاحتجاج الَّتي أثَّرت بصورةٍ مباشرةٍ في مادَّةِ المُعجمِ(1).

اعتمدَ علماءُ اللُّغة في أخذهم المادَّةَ اللُّغويَّة على الشِّعرِ؛ وهو المصدرُ الأساسيّ للمادَّةِ اللُّغويَّة، وقسَّموا الشِّعرَ والشُّعراءَ على طبقاتٍ أربع(2):

ص: 20


1- ينظر: مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 99
2- ينظر: خزانة الأدب، للبغدادي (ت 1093 ه): 1 / 8، والبحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر: 47

الطَّبقةُ الأولى: وهم شعراء العصر الجاهليّ.

الطَّبقةُ الثَّانية: وهم الشُّعراء المخضرمونَ، الَّذينَ أدركوا الجاهليَّةَ والإسلامَ.

الطَّبقةُ الثَّالثة: وهم المتقدِّمونَ، ويُقالُ لهم الإسلاميُّونَ.

الطَّبقةُ الرَّابعةُ: وُهم المولِّدونَ، ويُقالُ لهم المحدَثونَ.

واجمعَ اللُّغويونَ - كما يقولُ البغداديّ - على صحَّةِ الاحتجاجِ في اللُّغة والنَّحوِ والصرَّف بشعراءِ الطَّبقتينِ الأولى والثَّانية(1).

أمَّا الطَّبقةُ الثَّالثةُ؛ فقد اختلفوا في صحةِ الاستشهادِ بها، فمنهم من استشهدَ بأشعارهم ومنهم من منعَ ذلك.

وأمَّا الطَّبقةُ الرَّابعة؛ فالصَّحيحُ أنَّهم لا يستشهدون بشعرائها البتَّةَ، وهم طبقة المولّدينَ والمحدثينَ، ومعَ ذلكَ فقد رُويَ أنَّ سيبويه استشهدَ بشعرِ بشَّار خوفًا من لسانهِ(2).

ولم يكتفِ القدماءُ من الرُّوَاةِ واللُّغويينَ بهذا التَّقسيمِ للشِّعرِ والشُّعراءِ، بل حدَّدوا مدَّةً زمنيَّةً للاحتجاجِ، فجعلوا منتصفَ القرنِ الثَّاني للهجرةِ حدًّا زمنيًّا للاحتجاج في الحواضرِ، ونهاية القرن الرَّابع الهجريّ حدًّا زمنيًّا للاحتجاجِ في البواديّ(3).

ومثلما اختلفوا بشأنِ تقسيم الشُّعراء على طبقاتٍ اختلفوا أيضًا في صحَّة

ص: 21


1- ينظر: خزانة الأدب: 1 / 6
2- ينظر: البحث اللغويّ عند العرب: 47
3- ينظر: مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 115

الاستشهاد بالحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ، فجوَّزه بعضهم ومنعه آخرونَ، وأدلى كُلُّ فريقٍ بحجَّتهِ، فالَّذينَ منعوا الاستشهاد قالوا: إنَّ الحديثَ يُروى بمعناه دونَ لفظه أحيانًا، والشَّاهدُ يحتاجُ إلى اللَّفظِ، وقالَ آخرونَ: إنَّ ذلك لا يقلِّلُ من القيمةِ اللُّغويَّةِ للأحاديث، إذ إنَّ الرُّوَاةَ كانوا يعيشونَ في عصر الاحتجاج، ولم تكن اللُّغة قد فسُدت بعد، فيُعدّ كلامهم حجَّةً ولو كانَ بالمعنى دونَ اللَّفظِ(1).

ومن الَّذينَ أجازوا الاستشهادَ بالحديثِ ابْنُ مالك (ت 672 ه)، ومنهم أيضًا من أجازَ الاستشهاد بحديثِ أهل البيتِ (عليهم السَّلام) فضلاً عن حديثِ النَّبيِّ (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم) قالَ البغداديّ: «وأمَّا الاسْتِدْلال بِحَدِيث النَّبِيِّ؛ فقد جوَّزه ابن مَالك وتَبِعَهُ الشَّارِحُ المُحَقِّقُ في ذَلِك وزَاد عليه بالاحتجاج بِكَلَمِ أهلِ البَيْتِ (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهم) وقد مَنعه ابنُ الصَّائغ (ت 720 ه)، وأَبو حَيَّان (ت 745 ه)، وَسَنَدهمَا أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الْأَحَادِيث لم تنقل كَمَا سَمِعت من النَّبِي، وَإِنَّمَا رويت بِالْمَعْنَى، وَثَانِيهمَا أَنَّ أَئِمَّة النَّحو المُتَقَدِّمين من المِصرينِ لم يحتجُّوا بِشيَءٍ مِنْهُ»(2).

وقد عاش الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام) في ذروةِ عصرِ الاحتجاجِ، إذ نجد كثيرًا من المُعجماتِ قد زخرت بأقواله مستشهدة في تأصيلِ قاعدةٍ أو تصحيحها ابتداءً من العينِ وانتهاءً بالمعجمِ الوَسيطِ.

ونجدُ أنَّ أصحابَ المعجماتِ عندما يستشهدونَ بحديثِ الإمام (عليه السَّلام)، يذكرونَ اسمَهُ وينسبونَ إليه القولَ صراحةً، ولا يغفلون عنه، وقد وردَ حديثُهُ في كتابِ العينِ (ثماني) مرَّاتٍ، وفي جمهرةِ اللُّغة (اثنتي عشرة) مرَّةً، وفي تهذيبِ اللُّغة (ستًا

ص: 22


1- ينظر: خزانة الأدب: 1 / 9
2- المصدر نفسه: الجزء والصحيفة أنفسهما

وثمانين) مرَّةً، وفي الصِّحاحِ (إحدى عشرة) مرَّةً، وفي المقاييسِ (عشر) مرَّاتٍ، وفي المُحكمِ والمُحيطِ الأعظمِ (أربعًا وأربعين) مرَّةً، وفي المُخصَّصِ (ستَّ) مرَّاتٍ، وفي أساسِ البلاغةِ (عشر) مرَّاتٍ، وفي النِّهايةِ في غريبِ الحديثِ والأثرِ (ستمائة) مرَّةٍ، وفي لسانِ العربِ (ثمانمائة وخمسين) مرَّةً، وفي المعجمِ الوَسيطِ (ستًا وعشرينَ) مرَّةً.

ثانيًا: حديثه في الكتب اللُّغويَّة والأدبيَّة لقد كانَ كلامُ أمیرِ المؤمنين عليٍّ (عليه السَّلام) موضعَ عنايةٍ واهتمامٍ لدى الباحثينَ والدَّارسينَ منذُ القديمِ، وهذا غیر مُسْتَغْرَبٍ، إذ يقول (عليه السَّلام):

«وإِنَّا لَأُمَرَاءُ اَلْكَلاَمِ وفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ وعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ»(1)، ولا عجب؛ فأمیر المؤمنين (عليه السَّلام) هو أمیرُ البيانِ وواضعُ علم النَّحو، إذ يقول الزَّجّاجيّ (ت 337 ه): «عَنْ أَبِی الأَسْوَدِ الدُّؤَلِیِّ (ت 69 ه)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلىَ عَلِیٍّ بْنِ أَبِ طَالِبٍ (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهُ)، فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقًا مُتَفَكِّرًا، فَقُلْتُ: فِيمَ تُفَكِّرُ يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «إِنِّی سمعتُ بِبَلَدِكُمْ هُنَا لَحْنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ كِتَابًا فِی أُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ»، فَقُلْتُ:

إِنْ فَعَلْتَ هَذَا أَحْيَيْتَنَا وَبَقِيتَ فِينَا هَذِهِ اللُّغَةُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ثَلاثٍ فَأَلْقَى لِی صَحِيفَةً فِيهَا: بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْكَلامُ كُلُّهُ اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، فَالاسْمُ: مَا أنبأ عَنِ الْمُسَمَّى، وَالْفِعْلُ مَا أنبأ عَنْ حَرَكَةِ الْمُسَمَّى، وَالْحَرْفُ مَا أنبأ عَنْ مَعْنًى لَيْسَ بِاسْمٍ وَلا فِعْلٍ»(2)، وقال جلال الدِّين السُّيُوطيّ (ت 911 ه): «ثُمَّ كانَ أوَّلَ من رَسمَ للنَّاس النَّحوَ أبو الأسودِ الدُّؤلي، وكانَ أبو الأسودِ أخذَ ذلك عن أمیرِ المؤمنينَ علیِّ بنِ أبي طالب (رضي الله عنه)، وكانَ أعلمَ النَّاس بكلامِ العربِ، وزعموا أنَّه كانَ يُجيبُ في

ص: 23


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 13 / 12
2- الأمالي: 288

كلِّ لغةٍ»(1)، وهذا الوصفُ الَّذي وصفَهُ السُّيُوطيُّ، بأنَّه أعلمُ النَّاس بكلامِ العربِ هو أمرٌ طبيعيٌّ، ولا مبالغةَ فيه، إذ إنَّنا نجدُ صدى بلاغةِ الرَّسولِ محمَّدٍ (صلىَّ اللهُ عليه وآله وسلَّم) وفصاحته جليَّةً وواضحةً في أدبِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام)، فقد كانت تلك الفصاحةُ العذبةُ، واللُّغة السَّليمةُ الخالصةُ الَّتي وهبها الله لرسوله الكريم (صلّی الله عليه وآله وسلَّم) يعيها الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام) بأُذنٍ واعيةٍ، وقلب سليم ذاكر، وعقل راجح حافظ(2)، وليس في أهل هذه اللُّغة إلا قائلٌ بأنَّ كلامَ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) هو أشرفُ الكلام، وأبلغه بعد كلام الباري (عزَّ وجلَّ)، وكلام نبيِّهِ محمَّدٍ (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم)، فهو ابن هذه اللُّغة الَّتي شرَّفها اللهُ بكتابه؛ فكان كلامه أغزر مادَّةً، وأرفع أسلوبًا، وأجمعَ المعاني إجلالًا(3).

تذكر كثیرٌ من الرِّوايات: «أنَّ أوَّلَ من وضعَ علمَ العربيَّة وأسَّس قواعدَه، وحدَّ حدوده أمیرُ المؤمنين علیٌ بنُ أبي طالب (عليه السَّلام) وأخذَ عنه أبو الأسود الدُّؤلي، وأخذ عن أبي الأسود نصر بن عاصم (ت 89 ه) وعبد الرَّحمن بن هرمز»(4)، ومن العلماءِ القدماءِ الَّذين نقلوا هذا الخبرَ ابنُ الأنباريّ (ت 328 ه)، إذ ورد عنه، أنَّ أبا الأسودِ أخذ النَّحوَ عن الإمامِ عليِّ (عليه السَّلام)، والقصَّة معروفة، وقد رويت بأكثرَ من شكلٍ(5).

ص: 24


1- المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 2 / 341
2- ينظر: التصوير الفني في خطب الإمام علّي (عليه السلام)، د. عباس الفحام: 42
3- ينظر: نهج البلاغة، محمد عبده: 1 / 22
4- أصول علم العربية في المدينة، عبدالرزاق بن فراج الصاعدي: 1 / 299
5- ينظر: إيضاح الوقف والابتداء، لابن الأنباري: 1 / 43

هذا فيما يخصُّ النَّحو، وليس الصَّرف بمعزل عن النَّحو، إذ لا يمكن فصل الصَّرف عن النَّحو؛ «لذلكَ كانَ التَّصريفُ قسيمًا للنَّحو لا قسمًا منه»(1)، فهو يدرسُ بنيةَ الكلمة، وما يطرأُ عليها من تغیُّراتٍ، وقد لخَّصَ ابنُ جنّيّ ذلك بقوله: «فالتَّصريفُ إنَّما هو لمعرفةِ أنفسِ الكلمِ الثَّابتةِ، والنَّحو هو لمعرفةِ أحواله المتنقِّلة، ألا ترى أنَّك إذا قلت:

قام بكرٌ، ومررت ببكرٍ، فإنَّك إنَّما خالفت بين حركات حروف الإعراب لاختلافِ العامل ولم تتعرَّض لباقي الكلمة»(2)، ولمَّا كانت أكثر الرِّوايات تقول: إنَّ نَشْأةَ النَّحو على يد الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)، فقد وردت روايات تؤكِّد أنَّ علم الصرَّف وضعه وأسَّسه الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام)، إذ يقول أحمد الحملاويّ: «واضعه - علم الصَّرف - معاذ الهراء (ت 187 ه)، وقيل: سيِّدنا عليٌّ، كرَّم اللّه وجهه»(3)، فعليٌّ (عليه السَّلام) رجلُ الرِّواية والخطابة، وما روي عنه في النَّحو وريادته ليس تأليفًا يستغرقُ الوقت، ولكنَّه لفتةٌ من بداهةِ السَّليقةِ، إذ نجدُ كثیرًا من علماءِ اللُّغةِ يستشهدونَ بأقواله في تصحيحِ قاعدة أو تأسيس أخرى، فهذا ابنُ جنِّيّ من علماءِ اللُّغةِ وروَّادها عندما يتناولُ الاشتقاقَ الأكبرَ ويصلُ إلى تقليبِ مادَّةِ (ج ب ر) يقولُ: فهي - أين وقعت - تدلُّ على القوَّة والشِّدة، ثمَّ يأتي بقولٍ للإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) في ذلك: «ومنه قول علیٍّ صلوات اللّه عليه: إِلَی اللَّهِ أَشْتَكِي عُجَرِي وبُجَرِي، تأويلُه همومي وأحزاني، وطريقُهُ أنَّ العُجرةَ كلُّ عقدةٍ في الجسدِ فإذا كانت في البطنِ والسّرةِ غلظتْ ونتأتْ فاشتدَّ مسُّها وأمرُها»(4).

ص: 25


1- المهذب في علم التصريف، هاشم طه شلاش وزميلاه: 12
2- المنصف: 1 / 4
3- شذا العرف في فن الصرف: 11
4- الخصائص، لابن جني: 2 / 396

وقد نجد بيتًا من شعر الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) قد استشهد به أكثرُ من عالِمٍ في بابٍ من أبوابِ النَّحوِ أو الصرَّفِ، ومثال ذلك ما جاء في باب التَّعجُّب ما قاله محمَّد بن الحسن الصَّائغ: «وأمَّا نحو (أَفْعِل به)؛ فلا يُحْذَف منه المُتعَجَّب منه إلَّا إذا دلَّ على المُتعجَّب منه دليلٌ، وكان المعنى واضحًا عند الحذف؛ ومنه قول علیٍّ بن أبي طالب (رضي الله عنه):

جَزَى اللهُ عنِّي والجزاءُ بلُطفِهِ ربيعةَ خيرًا: ما أعفَّ! وأكرمَا!»(1) ثُمَّ يأتي أبو القاسم المراديّ (ت 749 ه) بالشَّاهد نفسه، إذ يقول: «يجوزُ حذف الاسم المنصوب بعد (ما أفعل)، والمجرور بعد (أفعل)، فمثالُ حذفِهِ بعد (ما أفعل) قول علیٍّ (رضي الله عنه):

جَزى اللهُ عَنِّي والجزاءُ بلطفِهِ *** رَبيعةَ خيرًا: ما أعفّ! وأكْرمَا!(2)

ومن الشَّواهد الَّتي كرَّرها أكثرُ العلماءِ مَا جاءَ في بابِ التَّعجُّبِ، إذ يقول ابن عقيل (ت 769 ه) في التَّعجُّب: «وقول عليٍّ (كرَّم الله وجهه) وقد مرَّ بعمَّارٍ فمسحَ الترُّابَ عن وجهه: أَعْزِزْ علیَّ أبا اليقظان، أَنْ أراكَ صريعًا مُجَدَّلًا»(3)، وكانَ ذلك في جواز الفصل بالنِّداء بين فعل التَّعجُّب والفاعِل، ثمَّ نجدُ الشَّاهد نفسَه يورده الأشمونيّ (ت 900 ه) بقوله: «وهذا مُصحِّحٌ للفصلِ بالنِّداء»(4).

ص: 26


1- اللمحة في شرح الملحة: 1 / 512
2- توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 2 / 889
3- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 3 / 157
4- شرح الاشموني على ألفية ابن مالك: 2 / 373

ولمَّا كان كلامُ أمیرِ المؤمنين عليٍّ (عليه السَّلام) لا يُدانى في البلاغة والفصاحة؛ اسْتُدِلَّ به على اسميَّة (الَّذي) المصدريَّة؛ لوجودِ اللاَّمِ فيها، فقد استندَ رضيّ الدِّين الاسترباديّ (ت 686 ه) إلى قولِ الامامِ (عليه السَّلام): «نَزلَتْ أنْفُسُهم في البَلاءِ كالَّذي نَزلَتْ في الرَّخَاءِ»(1)، أي: نزولًا كالنُّزولِ الَّذي نَزلَتْ في الرَّخَاء، في القولِ باسميَّة (الَّذي)(2).

ومن شواهده أيضًا، قولُهُ: «ولا ريبَ في أنَّ التَّمييزَ في: نِعْمَ، ومَا بعدَه: عن المفردِ، وهو الضَّمیر، وأمَّا فيما قبله، أعني من ياله، إلى ويله؛ فينتظر، فإنْ كان الضَّمیرُ فيها مُبهمًا لا يُعْرَفُ المَقصودُ منه فالتَّمييز عن المفرد أيضًا كقوله، (كرَّمَ الله وجهه) في نهج البلاغة: «يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ»(3))(4) وإذا تتبَّعنا كتابَ الكافيةِ وجدناه زاخرًا بأقوالِ الإمامِ تصحيحًا أو تأسيسًا، وكذلك كتاب الشَّافية في كثرة شواهدِهِ من نهج البلاغةِ، ولا تخلو كتبُ التَّصريفِ من أقوالِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) من ناحية الاستشهاد، فهذا ابن عصفور الأشبيليّ (ت 669 ه) يقول: «وليسَ حرفٌ من الحروفِ له غنَّةٌ إلا النُّونَ والميمَ؛ لذلك تُسمعُ النُّونَ كالميمِ، ويقعان في القوافي المكفأة فلا يكونُ ذلك عيبًا، نحو قوله:

ما تنقِمُ الحربُ العَوانُ مِنِّي؟ *** بَازِل عَامينِ حَديثٌ سِنِّي

ص: 27


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 10 / 132
2- ينظر: شرح الكافية: 3 / 52
3- نهج البلاغة، محمد عبده: 2 / 456
4- شرح الكافية: 2 / 60

والبيتُ في ديوانِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام)(1).

أمَّا من ناحيةِ أدبِه (عليه السَّلام)؛ فقد زخرتْ كتبُ الأدبِ بأقوالِهِ وحكمِهِ، وحَفِظَتْ كتبُ التَّاريخِ والأدبِ جانبًا كبیرًا منها، كالجاحظ (ت 255 ه) في البيان والتَّبيين، وابن قتيبة (ت 276 ه) في الإمامة والسِّياسة وعيون الأخبار والمعارف والطَّبريّ (ت 310 ه) في تاريخه، وابن عبد ربِّه (ت 328 ه) في العقدِ الفريدِ، والمسعوديّ (ت 364 ه) في مروج الذَّهب، فلو أخذنا الجانب الأدبيّ للإمامِ لوجدنا كثیرًا من العلماء، مِمَّن زخرتْ كتبُهم بأقواله، وهذا غير مُسْتَغْرَب، فقد رَوَى صاحبُ البُلغة في الفرق بين المذكَّر والمؤنَّث قال: «قالَ تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ واعِيَةٌ)(2)، جاء في الحديثِ لمَّا أُنزلتْ هذه الآيةُ قال رسولُ اللهِ (صلَّی الله عليه وسلَّم): اللَّهمَّ اجعلْها أذنَ علیٍّ، قال ابن عبَّاس: فكان علیٌّ (رضي الله عنه) أوعى النَّاس، أي: أحفظُهم»(3).

وبهذا نجد الإمامَ يحفظُ كثيرًا من الأمثالِ العربيَّة، والشِّعر الجاهليّ، جاء في مجمع الأمثال، «لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطُاعُ»(4)، قَالَه الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام) في خطبته الَّتي يعاتب فيها أصحابه(5)، وأورد مثلاً آخرَ عن أمیرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السَّلام): «أَحْرَزَ امْرأً أَجْلُهُ»(6)، قاله حين قيل له: أتلقى عدوَّك حاسرًا؟ يقال: هذا أصدق مثلاً ضربته

ص: 28


1- الممتع الكبير في التصريف: 192
2- الحاقة: 12
3- البلغة في الفرق بين الذكر والمؤنث، لأبي البركات الأنباري (ت 577 ه): 1 / 68
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2 / 75
5- ينظر: مجمع الأمثال، للميداني (ت 518 ه): 1 / 60
6- نهج السعادة، للشيخ المحمودي: 1 / 311

العرب(1).

ومن أقوالِهِ المشهورةِ الَّتي أوردَهَا أبو هلال العسكريّ (ت 395 ه)،عندما كانَ يتحدَّثُ عن السَّفرِ: «وسُمِّيَ السَّفرُ سَفَرًا؛ لِأَنَّهُ يُسفرُ عَن الْأَخْلاَقِ، أَي: يكْشفُ عَنْهَا»(2)، ثُمَّ يَأتي بشاهدٍ على ذلك من أقوالِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام): «السَّفرُ مِيزانُ القومِ»(3)، وقد ورد الحديثُ في شرحِ النَّهج بهذا الشَّكل: «السَّفَرُ مِيزانُ الأخلاقِ»(4)، وهذا يبدو واضحًا وجليًّا للقارئ؛ لأنَّ السَّفرَ كاشفٌ عن أخلاقِ الإنسانِ.

وممَّا وردَ في كتبِ الأدب والبَلاغة في بابِ الحكمةِ، مَا رواه أمينُ الدَّولة بن هبة الله الطَّرابلسيّ (ت 515 ه) قائلاً: «سألَه بعضُ النَّاس، فقال له: يا أمیرَ المؤمنين، عِظني وأوجزْ. فقال (عليه السَّلام): الدُّنيا سَاعةٌ فاجعلْهَا طَاعَةً»(5)، وهذه العبارة - مع قصرها - حوت معانيَ كبیرةً، وعظة لمن أراد أن يتَّعظ؛ فهو يبينِّ قصر الدُّنيا مع رؤيتنا لها طويلة؛ وذلك لانشغالنا بأمورها، فلو تنبَّهنا على قصرها ما فاتتنا طاعةُ الله فيها. وهذا القولُ لم يردْ في نهجِ البلاغةِ.

ومن حِكَمِهِ (عليه السَّلامِ)، ما جاءَ في كتابِ صيدِ الأفكارِ في الأدبِ: «لا راحة لحسود، ولا أخًا لملول، ولا محبّ لسيئ الخُلُق»(6)، وعند قراءة هذه الحكم نرى ما

ص: 29


1- ينظر: مجمع الأمثال: 1 / 214
2- جمهرة الأمثال: 1 / 106
3- جمهرة الأمثال: 1 / 106
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 20 / 294
5- المجموع اللفيف: 1 / 83
6- ينظر: صيد الأفكار في الأدب والأخلاق الحكم، للقاضي حسين بن محمّد المهديّ: 1 / 482

يدلُّ على عقلٍ راجحٍ، ولسانٍ فصيحٍ، وأديبٍ بارعٍ، وهذا الحديثُ لم يَردْ في (نهجِ البلاغةِ)، ونجد له كلامًا آخر في خزانة الأدب في موضوع التَّورية المهيَّأة، إذ يقول ابنُ حجَّة الحَمويُّ: «القسمُ الثَّاني من التَّوريةِ المهيَّأةِ: وهو الَّذي تَتَهَيْأُ فيه التَّورية بلفظِهِ من بعد، ومن أمثلته نثرًا قول الإمام علیّ بن أبي طالب (كرَّم الله وجهه) في الأشعث بن قيس: «إنَّه كان يَحُولُ الشِّمالَ باليمينِ» فالشِّمال يحتمل أنْ يكونَ جمع شَمْلَةٍ، وهذا هو المعنى البعيد المُورَّى عنه، ويحتمل أن يُراد بها الشِّامل الَّتي هي إحدى اليدينِ، وهذا هو المعنى القريب المُورَّى به، ولولا ذكر اليمين بعد الشِّامل لمَا تنبَّه السَّامع لمَعنى اليدِ»(1).

الحديثُ وردَ في شرح النَّهجِ بهذا الشَّكلِ: «إنَّ أبا هذا كانَ يَنْسجُ الشِّمالَ باليمينِ»(2).

وما ذُكِرَ في هذه الكتبِ من أقوالٍ وشواهدَ للإمامِ كان غَيْضًا مِنْ فَيْضٍ، فقد جاء كلامه (عليه السَّلام) في كتبِ غريبِ الحديثِ، لأبي عبيدة الهرويّ (ت 207 ه)، ولابن قتيبة، والزَّمخشريّ في الفائق، وابن الأثیر في النِّهاية، وكذلك كتب النَّقد والبلاغة، كالصِّناعتين لأبي هلال العسكريّ، فهذه الكتب تزخر بأقوال الإمام وحِكمِهِ وخُطبه وشواهده(3).

ص: 30


1- خزانة الأدب: 2 / 248
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمّد تقيّ التّستريّ: 9 / 15
3- ينظر: التصوير الفني: 9

ثالثًا:حديثه في المعجمات ومنهج أصحابها في إيراده لقد حاولَ علماءُ اللُّغة استنباطَ معانٍ جديدةٍ غیر المعاني المتداولةِ من كلمات الامام (عليه السَّلام)، وخیر مثال على ذلك ما قاله ابن الأنباريّ حين استنبط معنًى جديدًا لكلمة (سُمُود) من كلام أمیر المؤمنين: «مَالي أراكم سُمُودًا»(1)، إذ قالَ:

«السُّمُود: القيام»(2)، واستنبطوا أيضا معنى (قَتَل) من لفظ (أرْدَى)، وذلك من شعرِ أمیر المؤمنينَ (عليه السَّلام):

ولا تَصْحَبْ أخا الجَهْل *** وإيَّاك وإيَّاه

فكم مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى *** حليمًا حين آخاه

إذ استعمل (أرْدَى) بمعنى (قَتَلَ)(3).

ومن يقرأ (نهج البلاغة) يجد كثیرًا من العبارات الَّتي أخذتْ مكانها في لغةِ العرب، وهي مجموع الاستعارات والكنايات الَّتي استعملها أمیر المؤمنين (عليه السَّلام) في خطبه ورسائله، ومنها قوله: «خیرُ النِّساء الحارقة» ومعنى الحارقة المرأة الضيِّقة الفَرْج(4).

ومن العبارات الَّتي رويت عن الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في المعجمات ولم تُسْمَع

ص: 31


1- الحديث رُويَ في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد باختلاف لفظة (سمود) بلفظة (سامدين): 19 / 123
2- الأضداد، لابن الأنباري: 43
3- ينظر:علوم نهج البلاغة، د. محسن باقر الموسوي: 277، وزهر الأكم في الأمثال والحكم، للحسن بن مسعود اليوسي (ت 1102 ه): 3 / 65، ومجاني الأدب في حدائق العرب، لرزق الله بن يوسف: 3 / 127
4- ينظر: علوم نهج البلاغة،: 277

من قبله ما ذكره ابن الأنباريّ بقوله: «وأوَّلُ من قال ماعَدا مِمَّا بَدَا، علیُ بن أبي طالبٍ (رضي الله عنه)، وذلك أنَّه لمَّا قدمَ البصرةَ، قال لعبد الله بن عبَّاس: امضِ إلى الزُّبیرِ، ولا تأتِ طلحةَ، واقرأ عليه السَّلام، وقل له: يقولُ لك: عرفتني بالحجازِ وأنكرتني بالعراقِ، فما عَدَا مِمَّا بَدَا»(1)، ومعنى ذلكَ، «ما شَغَلَكَ؟ ومَا مَنَعَكَ ممَّا كان بدا لك من نُصْرَتِی من البدا الَّذي يبدو للإنسانِ؟!»(2) ومن هنا تأتي القيمةُ اللُّغويَّة لكلامِ الإمام في المُعجمات العربيَّة لمَا تركه من أثرٍ، تصحيحًا أو تأسيسًا. ومعنى التَّأسيس هو أنْ يأتيَ صاحب المعجم بمعنى للفظة معيَّنة لم يروَ قبل الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)، أو يأتيَ بمفردةٍ لم تسمعْ من لسان العرب من قبل، وبهذا يكون قد أسَّسَ جديدًا، ومن أمثلة ذلك ما قاله ابن دريد: «الصَّعْل والصَّعْلة من قَوْلهم: ظليم أصْعَلُ ونعامة صَعْلاءُ، وهُو صِغَر الرَّأْس ودقّة الْعُنُق، ولم يجِئ أصْعَلُ في شعر فصيح إِلَّا أَنَّه قد جَاءَ في حَدِيث عَلیٍّ، (رَضِی الله تَعَالَ عَنهُ): «كَأَنِّی بحبشيٍّ أصْعَلَ أصْلَمَ»(3)، ويُقَال: اصعالَّتِ النَّخلةُ، إِذا دَقَّ رأسُها»(4).

ومن الألفاظ الَّتي دخلتِ العربيَّة على لسانه (عليه السَّلام) كلمة (المُخَيِّس)، وتعني الخائن، وأوَّلُ من استعملها أمیرُ المؤمنينَ (عليه السَّلام)، يقولُ ابن دريد:

«خَاس بالعهد يخيس خيسانًا، إذا نَكثَ وغَدَرَ، وخيَّسْت الشَّیء تخييسًا فخاسَ يَخِيسُ إذا ليّنْته ومرَّنْته، وبه سُمِّي المخيِّسُ الَّذي يَخيسُ فيهِ بِکَسْر الياء لا غیر، وكَانَ أوَّلَ من

ص: 32


1- الزاهر في معاني كلام الناس: 2 / 93
2- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2 / 164
3- المصدر نفسه 19 / 120
4- الجمهرة (صعل): 2 / 886 - 887

سَمَّى المُخَيسَ مُخَيسًا عَلیُّ بن أبي طَالب رَضِی الله عَنهُ»(1).

ومن الألفاظ الأعجميَّةِ الَّتي استعملها الإمامُ، (عليه السَّلام) ولم تكن مستعملة من قبل لفظةُ (قَالُون)، إذ رُوِيَ عنه (عليه السَّلام)، «إنَّه سألَ شُيحًا عن مسألةِ في الفرائضِ، فلمَّا أجابه شريح، فقالَ له الإمامُ: «قَالُون «،وهي كلمةُ روميَّةٌ ومعناها:

أصَبْتَ»(2).

ومن أمثلةِ ذلك لفظةُ (قَوْصَرَّة(، يقولُ ابنُ دريد: «وأمَّا قَوْصَرَّة التَّمر؛ فلا أحسبُها عربيَّةً محضةً وإنْ كانوا قد تكلَّموا بها، وقد جاء في الشِّعرِ الفصيحِ، شعر أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السَّلام):

أفلحَ مَن كانتْ لهُ قَوْصَرَّة *** يَأكلُ مِنها كُلَّ يومٍ مَرَّة»(3)

وابنُ دريد لا يقرُّ بعربيَّتها، ولعلَّ السَّبب يعودُ إلى الأوزانِ العربيَّة، فلا يوجدُ في العربيَّة وزن (فَوْعَلَّة).

ومن المعاني الَّتي سجَّلها أصحابُ المُعجماتِ معنى كلمةِ (الأسَل) وهو المُحدَّد من كُلِّ شيءٍ، قال الأزهريُّ: «الأسَلُ: نباتٌ لَهُ أغصانٌ كثیرةٌ دِقاق، لَا ورَق لَهُ، ومَنبِتُه الماءُ الرَّاكد؛ يُتَّخَذ مِنْهُ الغرابيلُ بالعِراق، الْوَاحِدَة أَسَلة؛ وإِنَّمَا سُمِّي القَنَا أَسَلاً تَشْبِيها بِطُولِهِ واستوائه ورُوِي عَن علیٍّ، (رَضِی الله عَنهُ) أَنَّه قَالَ: «لَا قَوَد إلَّا بالأَسَل»، فالأسَل عند عليٍّ (عَلَيْهِ السَّلام) كلُّ مَا أُرِقَّ مِنَ الحديدِ وحُدِّد مِن سَيْفٍ أو سِكِّينٍ أو

ص: 33


1- المصدر نفسه (خيس): 1 / 600 - 601، وينظر: علوم نهج البلاغة: 278
2- الرامز على الصحاح، السيد محمد بن السيد حسن (ت 866 ه): 1 / 62
3- الجمهرة (قوصر): 2 / 1177

سِنانٍ»(1).

ومن أمثلة ذلك أيضًا معنى لفظة (السَّاق) وهو النَّفْس، قالَ ابن سيده الأندلسيّ:

«والسَّاقُ، النَّفسُ، ومنه قَولُ عليٍّ (رضي الله عنه) في حرب الشّرُاة: «لَا بُدَّ لِی مِنْ قِتالهم ولَوْ تَلِفَتْ سَاقِي» التَّفسیرُ لأبي عمر الزَّاهد عن أبي العبَّاس، حكاه الهروِيّ»(2). وأورد ابنُ الأثیر هذا المعنى نفسه بقوله: «في حَدِيثِ الْقِيَامَةِ... السَّاقُ في اللُّغة الأمرُ الشَّديدُ، وكشْفُ السَّاقِ مثَلٌ في شدَّة الأمْر... ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهُ) قَالَ في حَرْب الشُّراة: «لَا بُدَّ لِی مِنْ قِتالهم ولَوْ تَلِفَتْ سَاقِي»، قَالَ ثَعْلَبٌ: السَّاقُ هَاهُنَا النَّفْس»(3)، وقولُ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) هذا لم يرد في نهج البلاغة.

ومن المفردات الَّتي صُحِّحَت معانيها كلمة (الرَّكْب)، كانوا يطلقونها على من يَركب الإبلَ والخيلَ، بعد ذلك خُصِّصَت بركبان الخيلِ، إذ يقول ابن سيده: «والرَّكْبُ: رُكْبان الإبِل، اسم للجمع ولَيْسَ بتكسیر: رَاكب، وقَالَ الْأَخْفَش:

هُو جمع، وهم العَشَرة فَمَا فَوْقهم، وأرى أَنَّ الرَّكب قد يكون للخيل والإِبِل، وفي التَّنزِيل، (والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُم)(4)، فقد يجوزُ أَنْ يَكُونُوا رَكْب خيل وأَنْ يَكُونُوا رَكْب إبل وقد يجوزُ أَنْ يكونَ الْجَيْش مِنهُمَا جَمِيعًا وقَول علیّ (رَضِی الله عَنهُ): مَا كَانَ مَعَنا يومئذٍ فَرَسٌ إِلا فَرَسٌ عَليهِ المِقْدادُ بنُ الأَسْوَدِ، يُصحَّحُ أَنَّ الرَّكب هَاهُنَا رُكَّاب الْإِبِل»(5)، وهذا الحديثُ لم يردْ في نهج البلاغة.

ص: 34


1- التهذيب (أسل): 13 / 52، وينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (أسل): 1 / 49
2- المحكم والمحيط الأعظم (س و ق): 6 / 526
3- النهاية في غريب الحديث والأثر (سوق): 2 / 422 - 423
4- الأنفال: 42
5- المحكم والمحيط الأعظم (ر ك ب): 7 / 13

وقد كانَ كلام الإمامِ (عليه السَّلام) معيارًا للفصاحةِ والصَّواب اللُّغويّ، فمن العبارات الَّتي أُقِرَّ بفصاحتها وصوابها استنادًا إلى كلامه (عليه السَّلام)، ما جاء في معجم الصَّواب اللُّغويّ (رأيتُه غيرَ مرةٍ)، وكان الرَّأي أنَّها غيرُ صحيحةٍ، بسبب توهُّم كونِها غیرَ عربيَّةٍ، ومعناها أكثر من مرَّةٍ. وأثبت صوابها بأنَّها فصيحةٌ، إذ إنَّها وردت في كلامِ أمیرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السَّلام) قال: «بأنِّی سمعتُ رسولَ اللهِ (صلىَّ الله عليه واله وسلَّم) يقولُ: في غیرِ مَوطنٍ»(1)، أيْ: في مواطن كثیرة(2).

وممَّا جاءَ تصحيحًا ما أورده الدُّكتور أحمد مختار عمر في تعديةِ الفعل (أوْلى) إلى المفعول الثَّاني بنفسه، إذ قالَ: «أوردت المعاجم الفعل (أوْلَ) متعدِّيًا بنفسه إلى المفعول الثَّاني، كما جَاء في كلامِ الفُصحاءِ»(3)، ثُمَّ يستشهدُ بقولِ الإمامِ عليٍّ، (عليه السَّلام): «أَوْلاَهُ اَللَّهُ رِضْوَانَهُ»(4)، إذ جعل رضوانَه مفعولًا به ثانياً للفعلِ (أوْلَی).

أمَّا منهجُ ابنِ منظور في مروياتِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام)، فقد اكتفى بنقلِ الرِّواية من المصدر الَّذي أخذَ منه ولم يُغیِّر شيئًا، فهو لم يزد روايةً على ما وجد في الأصول الخمسة الَّتي نقل منها، إذ قال في مقدِّمة اللِّسان: «ولَيْسَ لي في هَذَا الْكتاب فَضِيلَةٌ أمتُّ بهَا، ولَا وسِيلَة أتمسَّك بِسَبَبِهَا، سوى أَنِّی جمعت فيهِ مَا تفرَّق في تِلْكَ الْكتب من الْعُلُوم، وبسطتُ القَوْل فيهِ ولم أشْبع باليسیر، وطالِبُ الْعلم منهوم»(5)، وهذا يعني أنَّ الرِّوايات الموجودة في اللِّسان ليس لابن منظور علاقة في الاستشهادِ

ص: 35


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 17 / 88
2- ينظر: معجم الصواب اللغوي، أحمد مختار عمر: 1 / 566
3- المصدر نفسه: 1 / 91
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 16 / 142
5- مقدمة لسان العرب: 1 / 8

بها سوى نقلها مع الأصل الَّذي وردت لأجله، والمتتبِّع للرِّوايات في لسان العرب لم يجد روايةً خارجةً عن المُعجمات الَّتي نقل عنها ابن منظور، ولم يتدخَّل في سند رواية بصحَّةٍ أو ضعفٍ أو ردٍّ، وإنَّما أوْكَلَ ذلك للَّذي نقل عنه فقال: «فَمن وقف فيهِ على صَوَابٍ أَو زللٍ، أَو صِحَّةٍ أَو خللٍ، فعهدته على المصنِّف الأوّل، وحمده وذمُّه لأصله الَّذي عَلَيهِ المعوَّل»(1)، وهذا لا يُعدُّ مثلبة على ابن منظور، فلسان العرب من المعجمات المهمَّة؛ إذ إنَّه حفظ لنا معظم ما جاء في المعجمات العربيَّة قبل عصره، وهو موسوعة لغويَّة ضخمة يفيد منها اللُّغويُّ والنَّحويُّ والأديب والفقيه والمحدِّث.

والملحوظة الَّتي تلفت النَّظر، هي أسماءُ أكثرِ المعجمات العربيَّة، إذ إنَّها أسماء ذات دلالات تقويميَّة، عدا كتاب العين، فمثلاً، العباب، ولسان العرب، والقاموس المحيط، تدلُّ هذه المجموعة على الإحاطة والشُّمول(2)، وأطلق ابن منظور على معجمه اسم (لسان العرب) وأراد بذلك أن يكون محيطًا وشاملً لجميع كلام العرب، إذ كانت دوافع ابن منظور في تأليف معجمه لا تكاد تختلف عن دوافع حركة التَّأليف في عصره في شتَّى العلوم والفنون، والغرض من هذا هو الحفاظ على تُراث الأمَّة العربيَّة من الضَّياع، وقد صرَّح بذلك في مقدّمة اللّسان فقال: «فإنَّنِي لم أقصُدْ سِوى حفظ أصُول هَذِه اللُّغة النَّبَوِيَّة وضبط فَضلهَا، إِذْ عَلَيْهَا مدَار أَحْكَام الْكتاب الْعَزِيز والسُّنَّة النَّبَوِيَّة»(3).

ولم يختلف مفهوم الحفظ عند ابن منظور عمَّا عند غیره من أصحاب المعجمات الَّتي سبقته، ولكنَّه تضمَّن حفظ التُّراث العربيّ الإسلاميّ، فلا نراه يقف عند

ص: 36


1- المصدر نفسه: الجزء والصفحية أنفسهما
2- ينظر: مقدمة في التراث المعجمي العربي: 122 - 123
3- مقدمة لسان العرب: 1 / 8

مفردات اللُّغة وشرحها من حيث هي مادَّة المعجم، وهذه غاية المعجميّ الأولى، وإنَّما يتجاوز ذلك إلى علوم ومعارف أخرى، كما يقول في مقدّمة اللِّسان: «وقصدتُ توشيحَهُ بجليلِ الْأَخْبَارِ، وجَمِيلِ الْآثَارِ، مُضَافًا إِلَی مَا فيهِ من آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، والْكَلَام على معجزاتِ الذِّكرِ الْحَكِيمِ، ليتحلَّى بترصيعِ دررِها عقدُه، ويكون على مدَار الْآيَات والْأَخْبَارِ والْثَارِ والأمثالِ والأشعار حلُّه وعقدُه»(1)، فما جاءَ به ابن منظور من الآيات والأحاديث والأخبار والآثار، لم يكن للاستشهادِ اللُّغويّ فحسب، وإنَّما تجاوزه إلى غرضٍ آخر، وهو بيانُ تُراثِ الأمَّة الإسلاميَّة وحفظه، ومن هذا التُّراث تلك الأخبارُ والآثارُ الَّتي رويت عن أمیرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السَّلام).

وكُلُّ من له أدنى معرفة بعليٍّ (عليه السَّلام) وتاريخه وسیرة حياته، سيوقنُ بأنَّه الإنسانُ الكاملُ بعد رسول الله (صلىَّ الله عليه واله وسلَّم)، فكان نهجُ البلاغة بحرًا من العلم ومُحيطًا من الحِكمةِ وكنزًا لا ينضبُ وحديقةً غنَّاء بالزُّهورِ وسماءً مزيَّنةً بالنُّجوم ومصدرًا لسعادةِ الإنسانِ في مَسیرته الدُّنيويَّة(2)، وهو من الآثار المهمَّة، ففيه من «غرائب الفصاحة، وجواهر البلاغة العربيَّة، وثواقب الكلم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة ما لا يوجدُ مجتمعًا في كلامٍ، ولا مجموع الأطرافِ في كتابٍ»(3)، فكلامُه (عليه السَّلام)، «دونَ كلامِ الخَالقِ وفوقَ كلامِ المَخلوقِينَ»(4).

ص: 37


1- المصدر نفسه: الجزء والصحيفة أنفسهما
2- ينظر: تحفة الولاية في شرح نهج البلاغة، مكارم الشّيرازي: 1 / 150
3- نهج البلاغة، محمد عبده: 11
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 24

ص: 38

الفصلُ الأوَّلُ الدَّلالةُ الصَّرفيَّةُ

اشارة

المبحثُ الأوَّلُ: أبنيةُ المُشتقَّاتِ المَبحثُ الثَّاني: المَصادِرُ المَبحثُ الثَّالثُ: جموعُ التَّكسيرِ المَبْحثُ الرَّابع: أبنيةُ الأفعالِ

ص: 39

ص: 40

الدَّلالةُ الصَّرفيَّةُ تَوطئة قبلَ الحديثِ عن الدَّلالةِ الصَّرفيَّة يجبُ أنْ نُعرِّفَ الدَّلالة بصورةٍ عامَّة، ونبينِّ فروعَها، ثمَّ نبينِّ مَعنى الدَّلالة الصَّرفيَّةِ.

للدَّلالة لغةً عدَّةُ معانٍ، منها: الإرشادُ والهدايةُ، وهي مصدرُ دلَّ يدلُّ دَلالةً ودِلالةً فهو دالٌّ ودليلٌ والمفعول منه مَدلُول(1)، ويقال: دَللتَكَ على الشيَّء دَلالة ودِلالة، ودُلُولًا ودُلُولةً، إذا أرشدتُكَ إليهِ(2)، وهذا يعني أنَّ الدَّلالة لا تختصُّ باللُّغة فقط وإنَّما هي عامَّة في كلِّ ما يوصلُ الإنسانَ إلى مَطلوبهِ، وقد بيَّنَ ذلك الجاحظ بقوله: «ومتى دلَّ الشيَّء على معنًى، فقد أخبر عنه وإنْ كان صامتًا، وأشار إليه وإنْ كان ساكتًا، وهذا القولُ شائعٌ في جميعِ اللُّغاتِ ومُتَّفقٌ عليه مع إفراط الاختلافاتِ»(3).

أمَّا في الاصطلاحِ؛ فتعني دراسة المعنى، وهي فرع من علوم اللُّغة يتناول نظريَّة المعنى(4). وهذا يعني أنَّ معرفة المعنى تعتمدُ على علم الدَّلالة اعتمادًا كلِّيًّا، ولمَّا كان

ص: 41


1- ينظر: تاج اللغة وصحاح العربية (دلل)، للجوهري: 2 / 1672
2- ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع، لأبي الفضل البعلي (ت 709 ه): 336
3- البيان والتبيين: 1 / 81
4- ينظر: علم الدّلالة، فريد عوض: 48

كذلك؛ وجب تقسيم هذا العلم على أقسام هي: الدَّلالة الصَّوتيَّة، والدَّلالة الصَّرفيَّة، والدَّلالة النَّحويَّة، والدَّلالة المعجميَّة، والدَّلالة السِّياقيَّة.

وسنتناولُ في هذا الفصلِ الدَّلالة الصَّرفيَّة، إذ عُدَّ الصرَّفُ مِنْ أفضلِ علُومِ العَرَبِيَّةِ وأجْدرِهَا بِالعنايَةِ؛ لأنَّهُ يَخْتصُّ بِبنْيَةِ الألفَاظِ العربيَّةِ ويجْرِي منْها مَجرى الميزانِ والمِعيارِ؛ فهو يتناولُ البِنيَةَ الَّتي تمثِّلُهَا الصِّيغُ والمقاطِعُ والعناصرُ الصَّوتيَّةُ الَّتي تؤدِّي معاني صرفيَّة أو نحويَّة، وما يَعتري الكلمةَ من زِيادةٍ، أو حذفٍ، أو قلبٍ، أو اعتلالٍ، وغیر ذلكَ. كما يَدرسُ الدَّلالة الخاصَّةَ بكلِّ بِنيةٍ يتبيَّنُ بها كون اللَّفظِ اسمًا أو فعلً، أو كونه نوعًا من الأسماءِ أنفسِها، فمنها المصادِرُ والمُشتقَّاتُ والجُمُوعُ وغیرُ ذلك(1).

وقد عَرَّف ابنُ الحاجبِ هذا العلم بأنّهُ: «علمٌ بأصولِ أبنيةِ الكلمِ الَّتي ليستْ بإعرابٍ»(2)، وعدَّه من العلومِ الَّتي ليسَ لدارسِ العربيَّةِ غنًى عنها، ومن قبلهِ قالَ ابنُ جنِّيّ: «وهذا القبيلُ، أعني: التَّصرُّفَ، يحتاجُ إليه جميعُ أهلِ العربيَّةِ أتمَّ حاجةٍ، وبهم إليهِ أشدُّ فاقةٍ؛ لأنَّهُ ميزانُ العربيَّةِ وبهِ تُعرَفُ أصولُ كلامِ العربِ من الزَّوائدِ الدَّاخلةِ عليها»(3).

ويَدرُسُ علمُ الصَّرفِ أحوالَ الكلمةِ في مُستويين(4):

1- مُستوى البِنيةِ: إذ يبحثُ في الميزانِ الصرَّفِّی وما يَعتريه من تغیُّرٍ وتبدُّلٍ في

ص: 42


1- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة، محمود عكاشة: 61، ومبادئ اللسانيات، أحمد محمد قدور: 18
2- شرح الشافية، للرضي: 1 / 1
3- المنصف، لابن جني: 1 / 2
4- ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها، تمام حسان: 83، والبحث الدّلالي في التبيان في تفسير القران، ابتهال كاصد الزيدي (أطروحة دكتوراه): 65

حالاتِ الإفرادِ والتَّثنيةِ والجمعِ والتَّصغیرِ والنَّسبِ والاشتقاقِ ومَا إليها.

2- مُستوى الصِّيغَةِ: وهي البِنيةُ الثَّابتةُ بأصولِها وحركاتِهَا، وهِيَ الهيأةُ أو الصُّورةُ أو القالبُ اللَّغويُّ الثَّابتُ الَّذي تَظهرُ فيهِ الكلمةُ. وقدْ عرَّفَ أبو البقاءِ الكَفَويّ (ت 1094 ه) الصِّيغَةَ بقولهِ: «هِيَ الهَيْئَةُ العَارِضَةُ للفظٍ بِاعْتِبَارِ الحَرَكَاتِ والسَّكَنَاتِ وتَقْدِيم بعض الحُرُوفِ على بعضٍ، وهِي صُورَةُ الكَلِمَةِ والحروفُ مادَّتُهَا»(1)، إذ تَرجعُ جميعُ الألفاظِ في اللُّغة إلى مَبانٍ وصيغٍ مُدَّدةٍ تتعيَّنُ بموجبِهَا المعاني الوظيفيَّة والصَّرفيَّة الَّتي سمَّاهَا ابنُ جنِّيّ: (الدَّلالة الصّناعيَّة)(2) للألفاظِ وهِي تأتي لديهِ بعدَ الدَّلالة اللَّفظيَّةِ من حيثُ قوَّة المعنى، فلكي نحصلَ على كلمةٍ ذات دَلالةٍ خاصَّةٍ، لابدَّ أنْ نُرتِّبَ أصواتهَا ترتيبًا مُعيَّنًا يُعطِينَا معنًى مُحدَّدًا.

وللصِّيغةِ أهمِّيَّةٌ كُبرى في إثراءِ اللُّغة؛ إذ بوَساطتِهَا يمكنُ زيادةُ ألفاظٍ جديدةٍ على وزنِ الصِّيغةِ الأصليَّةِ نفسِها وهوَ مَا يسمَّى ب (التَّوليد)، «فإذا أردْنَا أنْ نضِيفَ إلى اللُّغة كلمةً جديدةً فإنَّنَا ننظُرُ فيمَا لدَينَا من صيغٍ صرفِيَّةٍ، وفيمَا تدلُّ عليه كلُّ صيغةٍ من المَعانِی، ثمَّ نقيسُ المعنى الَّذي نريدُ التَّعبیرَ عنهُ على المَعاني الَّتي تدلُّ عليها الصِّيغُ، فإذا صادفتنا الصِّيغة المُرادة صُغْنَا الكلمةَ الجديدةَ على غِرارِهَا توليدًا أو ارتجالًا»(3).

وقُسِّمتِ الوحداتُ الصَّرفيَّةُ ذات الدَّلالة على نوعينِ(4):

النَّوعُ الأولُ: الأوزانُ الصَّرفيَّةُ، مثل، أوزان الأفعالِ، والمَصادرِ، والمُشتقَّاتِ (اسم الفاعلِ، واسم المفعولِ، والصِّفة المشبَّهَة، واسمي الزَّمَانِ والمكانِ، واسم الآلةِ)،

ص: 43


1- الكليات: 1 / 560
2- ينظر: الخصائص: 3 / 98
3- اللغة العربية معناها ومبناها: 151
4- ينظر: التحليل اللغوي في ضو علم الدّلالة: 61

وأوزان التَّكسیرِ والتَّصغیرِ.

النَّوعُ الثَّاني: الزِّيادةُ أو الإلصَاقُ، وهو زيادَةُ صوامت خاصَّة بِالدَّلالة، وهِي إمَّا سَوابقُ أو لواحِقُ أو حَشو للكلمةِ. نحو: (رَحِمَ فهو راحِم، ومَرحوم، ورَحيم، واسترَحَمَ استرِحامًا فهو مُسترحِم).

وقَد اهتمَّ علماءُ العربيَّةِ بمباحثِ الصرَّفِ والتَفتوا إلى دَلالةِ تلكَ الصِّيغِ الصَّرفيَّةِ، وفَرَّقُوا بَينَ الصِّيغةِ والبنيَةِ مِن حيثُ الدَّلالةُ(1)، وأثر مَا تَتَعرَّضُ لَهُ مِن زياداتٍ في تغيُّرِ المعنى، وأوَّلُهم في ذلكَ الخليلُ بن أحمد الفراهيديّ، وسيبويه(2)، ثمَّ توسَّعَ الآخرونَ في العنايةِ بالدَّلالة الصَّرفيَّةِ، أمثال: ابن قتيبةَ(3) والمبرّد(4)، وابن السَّرَّاجِ(5)، وابن جِنِّيّ(6)، والزَّمَخشريّ(7)، وابن الحاجبِ(8)، وابن عصفور(9)، والرَّضِّ الاسترباذيّ(10). وقَدْ سَارَ المُحدثونَ من بَعدِهمْ على نَهْجِهِم، إلَّا أنَّهمْ اهتمُّوا كثیرًا بتِلكَ الزِّيَاداتِ الَّتي سمَّوهَا (مورفيمات)، أو وحدَاتٍ صرفيّةً(11).

ص: 44


1- ينظر: مقدمة في علم اللغة العربية، علي زوين: 19
2- ينظر: الكتاب: 4 / 14 - 15
3- ينظر: أدب الكاتب: 333 - 373
4- ينظر: المقتضب : 2 / 113 - 114، 209
5- ينظر: الأصول في النحو: 3 / 85
6- ينظر: الخصائص: 2 / 152 - 155
7- المفصل في صنعة الإعراب: 82 - 83
8- ينظر: الشافية: 1 / 65 - 112
9- ينظر: الممتع في التصريف: 1 / 180 - 195
10- شرح الشافية: 1 / 65 - 112، 151 - 188
11- ينظر: مبادئ اللسانيات: 185

المبحثُ الاوَّلُ دلالة المُشتقَّاتِ

أوَّلًا: اسمُ الفَاعِلِ

اسمُ الفَاعلِ «هو الَّذي يَعْمَلُ عَمَلَ فعْلِهِ ويَجرِي عليه، ويطَّرِدُ القِيَاسُ فيهِ»(1)، ويُشْتَقُّ هَذا الاسمُ من الفعلِ المبنيّ للمعلُومِ، ويُفيدُ الدَّلالة علىَ تجدُّدِ الفعلِ، ويُصاغُ من الثُّلاثيّ على زِنةِ فاعِلٍ، ومن غيرِ الثُّلاثيّ علَی زِنةِ الفعلِ معَ قلبِ حرفِ المضارعةِ ميمًا مضمومةً وكسر مَا قبل الآخرِ(2)، وقدْ عرَّفَهُ الدُّكتورُ عبده الرَّاجحيُّ فقال: «هو اسم يُشتقُّ من الفعل؛ للدَّلالة على وَصْفِ من قامَ بالفعل»(3).

وقد اختلف العلماءُ فيمَا يدلُّ عليه اسمُ الفَاعِلِ، فذهبَ أكثرُهمْ إلى أنَّهُ يدلُّ على

ص: 45


1- الأصول في النحو: 1 / 122 - 123، وينظر: شرح الكافية: 2 / 199
2- ينظر: المقتضب: 1 / 74، وشرح ابن عقيل: 3 / 135 - 136، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ابن هشام الأنصاري (ت 761 ه): 1 / 243 - 245
3- التطبيق الصرفي: 73

التَّجدُّدِ والحدوثِ(1)، وذهبَ بعضٌ مِنهم إلى أنَّهُ يدلُّ على الثُّبوتِ(2)، قالَ عبدُ القاهر الجرجَانيُّ (ت 471 ه): «إنَّ موضوعَ الاسمِ على أنْ يثبتَ بِهِ المعنى للشيَّءِ من غيرِ أنْ يقتضيَ تجدُّدهُ شيئًا بعدَ شيءٍ، فإذا قلتَ: (زيدٌ منطلقٌ) فقدْ أثبتَّ الانطلاقَ فعلًا لهُ من غیرِ أنْ تجعلَهُ يتجدَّدُ ويحدثُ منه شيئًا فشيئًا، بلْ يكونُ المعنى فيهِ كالمعنى في قولِكَ: (زيدٌ طويلٌ وعمرو قصیرٌ)، فكمَا لا يقصدُ هاهنَا أنْ تجعلَ الطُّولَ والقصرَ يتجدَّدانِ ويحدثانِ، بلْ توجبهمَا وتثبتهمَا فقطْ، وتقضي بوجودِهمَا على الإطلاقِ، كذلكَ لا تتعرَّضُ في قولِكَ: (زيدٌ مُنطلقٌ) لأكثرَ من إثباتِهِ لزيدٍ»(3).

ويَبْدُو أنَّ الجرجَانيَّ بَالغَ في قَضِيَّةِ دَلالةِ (اسم الفاعِلِ) علىَ الثُّبوتِ والاسْتقْرَارِ، فهو لا يَرقى إلى مُستوى دَلالةِ الصِّفةِ المُشبَّهةِ، ففِي كلمةِ (رَحِيم) يجمعُ اللُّغويُّونَ علَی أنَّ هذه الصِّيغةَ تفيدُ الثُّبوتَ والاستمرار، وتزيدُ في دلالتِهَا على كلمةِ (رَاحِم) وقد استمدَّتْ هذه الزِّيادةَ من تلكَ الصِّيغةِ المعيَّنةِ، فاستعمالُ كلمةِ (رَحِيم) يمدُّ السَّامعَ بقدرٍ من الدَّلالة لم يكنْ ليصلَ المتكلِّمُ إليهِ أو يتصوَّرَهُ لو استعملَ كلمةَ (رَاحِم)(4).

والحقُّ أنَّ اسمَ الفاعلَ فيهِ دلالةٌ على الثّبوت مقارنةً بفعلِهِ الَّذي اشتقَّ منهُ، إلَّا أنَّهُ لا يصلُ إلى مَا تَصِلُ إليهِ الصِّفةُ المُشبَّهَةُ من الثُّبوتِ والاستقرارِ.

ولمَّا كانَ اسمُ الفَاعلِ مُشبهًا للفعلِ المضارعِ لفظًا ومعنًى، أمَّا من حيثُ اللفظ فيشبِهُهُ في تتَابعِ حركاتِهِ وسكناتِهِ، وأمَّا من حيثُ المعنى فيشبهُهُ في دَلالتِهِ على الحالِ

ص: 46


1- ينظر: الخصائص: 3 / 103، وأوضح المسالك: 3 / 216، والتعريفات، للجرجانّي: 15
2- ينظر: دلائل الإعجاز: 134، 133، والبحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي: 1 / 41
3- دلائل الإعجاز: 133 - 134
4- ينظر: دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس: 47

والاستقبالِ، وكانَ الفعلُ المضارعُ دَالًّا على التَّجدُّدِ والحدوثِ، ويقصدُ بالحدوثِ التَّغيیر؛ كانَ لابدَّ أنْ يدلَّ اسمُ الفاعلِ على شيءٍ من دَلالةِ الفعلِ المضارعِ، فكانتْ دَلالةُ اسمِ الفاعلِ على التَّجدُّدِ والحدوثِ، وبهذِهِ الدَّلالة تميَّزَ اسمُ الفاعلِ منِ الصِّفةِ المُشبَّهَةِ، وكذلكَ فإنَّ دَلالتهُ على الثُّبوتِ ميَّزتْهُ من الفعلِ المضارعِ، فاسمُ الفاعلِ يقعُ وسَطًا بينَ الفعلِ والصِّفةِ المُشبَّهةِ، فهو أدومُ وأثبتُ من الفعلِ، ولكنَّه لا يَرقى إلى ثبوتِ الصِّفةِ المُشبَّهةِ، إذ إنَّ لفظةَ (قائم) أدومُ وأثبتُ من لفظةِ (يقومُ)، ولكنَّ ثبوتَهَا لا يرقى إلى ثبوتِ (أحمر، أو طويل، أو دميم)، فإنَّهُ يمكنُ الانفكاكُ عنِ القيامِ إلى الجلوسِ أو غیرِه، ولكنْ لا يمكنُ الانفكاكُ عنِ الطُّولِ أو الدّمَامةِ أو القصرِ. . .(1).

أبنيةُ اسم الفاعل أ. صياغته من الفعل الثُّلاثيّ يُصَاغُ اسمُ الفَاعِلِ مِنِ الفعْلِ الثُّلاثيّ المُجرَّدِ علَى زِنَةِ (فاعِل)، ويكثرُ هَذَا البنَاءُ من (فَعَلَ) اللاَّزمِ والمتعدِّي، و (فَعِل) المُتعدِّي(2).

وقدْ جَاءَ هذا البناءُ في المرويَّات نحو (أربعينَ) مرَّةً، وهو حافلٌ بشحنَاتٍ دَلاليَّةٍ أسهمتْ بشكلٍ كبيرٍ في إبرازِ دَلالةِ النَّصِّ. ومنهَا ما يأتي:

1- قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى (نَوَّر): «وَفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (کَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ): نَائِرَاتُ الأَحكام ومُنِيرات الإِسلام، النَّائِرَاتُ الوَاضِحَاتُ البَيِّنَاتُ، والمُنِیرَاتُ كَذَلِكَ، فالأُولى

ص: 47


1- ينظر: معاني الأبنية في العربية، فاضل السامرائي: 46
2- ينظر: شرح ابن عقيل: 3 / 134، والاشتقاق، عبد الله أمين: 247، والمدخل الى علم النحو والصرف، عبد العزيز عتيق: 84

مِنْ نارَ، والثَّانِيَةُ مِنْ أَنار، وأَنار لازمٌ ومُتَعَدٍّ»(1).

قالَ الأزهريُّ في معنى ذلكَ: «يُرِيدُ: الواضحات البَيِّنات. يُقَالُ: نَارَ الشيَّءُ، وأنارَ، واستنارَ، إِذا وضحَ»(2)، النَّائراتُ: الوَاضحاتُ، البيِّناتُ والمنیراتُ: كذلكَ، إلَّا أنَّ معنى الأولى من نَارَ، والثَّانيَة من أنارَ، وأنارَ يأتي لازمًا ومتعدِّيًا، فنقولُ: (أنَارهَا زيدٌ)(3). وربَّمَا يأتي الفعلُ (نار) بمعنى (أنارَ) كمَا قَالَ أبو جعفر النَّحَّاس (ت 338 ه):

«نائرات، من نارَ الشَّیء، ويُقَالُ: أنارَ، إذا وضحَ، فأتى باللُّغتينِ جمِيعًا»(4)، ويأتي لازمًا في قوله «أنار الثوب وناره ونیّره: أعلمه وألحمه»(5)، فأتى أميرُ المؤمنينَ (عليه السَّلام) باسمِ الفَاعلِ ولم يأتِ بِفعلِهِ؛ للدَّلالةِ على الثُّبوتِ والتَّجدُّدِ في بيانِ الأحكامِ لمنْ أرادَ ذلكَ، وهَذا لا يَتأتَّى إلَّا برسالةِ السَّماء ومن جَاءَ بها، فَلو أتَى بِالفعْلِ (نارَ الأحكامَ) لمْ يَكُنِ البَيَانُ والتَّوضِيحُ دَائمًا، ولاقْتَصرَ التَّوضِيحُ في زَمنِ الرِّسالةِ فحسب، ولم يستمرَّ بعدَها؛ ولهذا سَمَّى الكوفيُّونَ اسمَ الفاعِلِ (الفعل الدَّائم)، وهو يقابلُ عندَهم الفعلَ الماضي، والفعلَ المستقبلَ الشَّامل لفعلي المضارعِ والأمرِ في اصطلاحِ البصريّينَ(6).

الحديث ورد في نهج البلاغة، قالَ ابن أبي الحديد: «نائراتُ الأحكَامِ، ومُنِیراتُ الإسلامِ، يريدُ الواضحاتِ البيِّناتِ، يقالُ: نارَ الشيَّءُ وأنارَ، إذا وضحَ»(7).

ص: 48


1- لسان العرب: 5 / 240
2- التهذيب (نور): 15 / 170
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (نور): 5 / 125
4- عمدة الكتاب، لابي جعفر النحاس: 307
5- أساس البلاغة: 2 / 315
6- ينظر: المدارس النحوية، شوقي ضيف: 166
7- شرح نهج البلاغة: 19 / 137

2- قالَ ابنُ منظور في بيان معنى (السَّامِد): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ أَنَّه خَرَجَ إِلى المَسْجِدِ والنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ لِلصَّلاةِ قِيَامًا فَقَالَ: مَا لِی أَراكم سَامِدِينَ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ سَامِدِينَ يَعْنِي القِيَامَ؛ قَالَ المُبَرِّدُ: السَّامِدُ القَائِمُ في تَحیُّر»(1).

قَالَ الخليلُ: «والسَّامِدُ: القائمُ، وكُلُّ رافعٍ رأسَهُ فهو سَامِدٌ»(2)، وقَالَ ابنُ الأثيرِ:

«السَّامِدُ: المُنْتَصِبُ إِذَا كَانَ رَافعًا رأسَهُ ناصِبًا صَدْرَهُ»(3)، وهذا يعني ليسَ كُلُّ قائمٍ سامدًا، فلا يكونُ سامدًا إلَّا بإضافةِ صفاتٍ أخرى، منْها، الانتصابُ، ورَفْعُ الرَّأسِ، وقدْ تُضافُ لهَا صفةٌ أخرى (التَّحیُّر)، ونعني بالتَّحیُّر: «يقال: حَارَ بَصَرُهُ يَحارُ حَیْرَةً وحَیرًا، وذلك إذا نظرتَ إلى الشَّيءِ فَغَشِيَ بَصَرُك، وهو حَیْرانُ تائه، والجميع: حَيَارَى»(4)، ويُضاف إلى ذلك سلب الهداية، «وتحیَّر واستحارَ وحارَ، لم يهتدِ لسبيلِهِ»(5)، وبهذا وردَ من مَعاني السُّمُود، القيَام مع التَّحیُّر، قَالَ أبو الفتحِ، برهانُ الدِّينِ الخوارزميّ المُطَرِّزِيّ (ت 610 ه): «السَّامِدُ: القَائِمُ في تَحَیُّرٍ(6)، ولهَا معانٍ أخرى ذكرَهَا الأزهريُّ قَائلاً: «قالَ ثَعْلَب عَن ابْنِ الأَعرَابِی: السَّامدُ: اللَّاهي، والسَّامدُ: الغافلُ. والسَّامدُ: السَّاهي. والسَّامد: المتكبِّرُ، والسَّامدُ: القَائمُ»(7)، وقيلَ

ص: 49


1- لسان العرب (سمد): 3 / 219
2- العين (سمد): 7 / 235
3- النهاية في غريب الحديث والأثر (سمَد): 2 / 398
4- العين (ح ي ر): 3 / 288
5- التهذيب (ح ي ر): 3 / 435
6- المغرب في ترتيب المعرب (س م د): 234
7- التهذيب (سمد): 12 / 263

للْمُغنِّي: سامدٌ؛ لرفعهِ رَأسَهُ(1). وجَاءَ في كتابِ اللهِ العزيزِ: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ)(2)، قالَ الزَّمخشريّ في تفسیر هذه الآية: «شَامِخُونَ مُبَرطِمُونَ، وقيل: لاهونَ لاعبونَ. وقال بعضُهم لجاريته: اسمدي لنا، أي: غنِّي لنا»(3).

وقد أرادَ الامامُ عليٌّ (عليه السَّلام) بهذه اللَّفظةِ القيامَ مع التَّحیُّر، إذْ ذكرَ نشوانُ بن سعيد الحِمْيرىُّ (ت 573 ه) معنى الحديثِ فَقَالَ: «كانوا يكرهُونَ انْتَظَارَ الإِمَامِ قِيَامًا، ولكِنْ قَعُودًا. ويَقُولُونَ: ذَلكَ السُّمُودُ»(4). فَقَدْ جَاءَ بِاسْمِ الفَاعِلِ للدَّلالَةِ على تجدُّدِ سُمُودِهم وحيرتِهم، وهذه صفةٌ ملازمةٌ لهمْ، ولو جَاءَ بالفعلِ (تَسمُدونَ) بدلًا من (سامِدينَ)؛ لكانتْ صفةً عارِضةً اقتصرتْ على وقتِ التَّكلُّمِ وانتهتْ.

ومعنى الحديث كما وردَ في شرح النَّهج، قالَ ابن أبي الحديد: «أي: قائمينَ، وكلُّ رافعٍ رأسَه فهو سَامدٌ، وكانوا يَكرهون أنْ ينتظروا الإمامَ قيامًا ولكن قعودًا، والسَّامدُ في غیرِ هذا المَوضعِ: اللَّهي اللَّاعب»(5).

3- قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى (دَمِيغ): «رَجُلٌ دَمِيغٌ ومَدْموغ: خَرَجَ دِماغُه، ودَمَغَه: أَصابَ دِماغَه. ودَمَغَه دَمْغًا: شَجَّه حَتَّى بَلَغَتِ الشَّجَّةُ الدِّمَاغَ، واسْمُهَا الدّامِغةُ. وفي حَدِيث عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): دامِغِ جَيْشاتِ الأَباطِيل، أَي: مُهْلِكِها،

ص: 50


1- ينظر: الفائق في غريب الحديث والأثر، للزمخشري (سَمَد): 2 / 199
2- النجم: 61
3- الكشاف، للزمخشري: 4 / 430
4- شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (سَمَد): 5 / 3206
5- شرح نهج البلاغة: 19 / 123

يُقَالُ: دَمَغَه دَمْغًا إِذَا أَصابَ دِماغَهُ فَقَتَلَهُ»(1).

قالَ ابنُ قتيبة في معنى (دَامِغ): «دَامِغِ جيشاتِ الأباطيلِ، يُرِيدُ المُهلكَ لمَا نجمَ وارتفعَ من الأباطيلِ، وأصلُ الدَّمغِ من الدِّمَاغِ، كَأَنَّهُ الَّذي يَضْربُ وسطَ الرَّأْسِ فَيَدْمِغ، أَيْ: يُصِيبُ الدِّمَاغَ»(2).

وأصلُ الكلمةِ صفةٌ لرسولِ اللهِ (صلىَّ اللهُ عليه وآله وسلَّمَ)، فهو مُهلك مَا ارتفعَ من الأباطيلِ ولو جيشتْ، ومعنى جيشاتِ، مأخوذٌ من جَاشَ الشيَّء، أي:

ارتفعَ، وجاشَ الماءُ إذا طمى، وجاشتِ النَّفسُ إذا ارتفعَ قدرُهَا ومكانتها(3). وجاءَ في كتابِ اللهِ العزيزِ قوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)(4)، وقالَ الزَّمخشَريّ في تفسیرِ هذه الآيةِ: «والدَّمغُ، تصويرًا لإبطالهِ وإهدارهِ ومحقهِ، فجعلَهُ كأنَّهُ جرمٌ صلبٌ كالصَّخرةِ مثلاً، قذفَ بِهِ على جرمٍ رخوٍ أجوفَ فدمغَهُ»(5)، فاستعارَ ذَلكَ المعنى، ودَمَغَ الحقُّ الباطِلَ: مَحاهُ وتغلَّبَ عليه، وأبطله ومحقَهُ، وكذلكَ قَهرهُ، وعلاهُ، وكُلُّ ذَلكَ علَى وجهِ الاستعارةِ(6).

استعملَ الإمامُ (عليه السَّلام) اسمَ الفاعِلِ (دامغ) للدَّلالةِ علَی تجدُّدِ دمغِ النَّبيّ (صلَّی اللهُ عليه واله وسلَّمَ) جيشاتِ الأباطيلِ حتَّى بعدَ وفاتِهِ، ولو قَالَ الإمامُ (عليه

ص: 51


1- لسان العرب (دمغ): 6 / 277
2- غريب الحديث، لابن قتيبة: 2 / 146
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 136
4- الانبياء: 18
5- الكشاف: 18 / 323
6- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (د م غ)، احمد مختار عمر: 1 / 769

السَّلام): (دَمَغَ)؛ لَكَانَ الدَّمْغُ حَصَلَ في وقْتٍ مَاضٍ ولَمْ يَستَمِرَّ ويَتجدَّدْ، وانتهى بانتهاءِ زمنِ الرِّسالةِ الإسلاميَّةِ، أمَّا لو قالَ: (دميغُ جيشاتِ الأباطيلِ)؛ لكانَ الدَّمغُ ثابتًا ومستقرًّا، إلَّا أنَّهُ لا تجدُّدَ فيهِ، والرِّسالةُ الإسلاميَّةُ تتطلَّبُ التَّجديدَ والتَّغييرَ، ولا يناسِبُ هذا المقامَ إلَّا اسمُ الفاعلِ، لأنَّهُ يدلُّ على التَّجديدِ والتَّغيیرِ مقارنةً بالصِّفةِ المشبَّهةِ(1).

ب. صِياغتُهُ منْ غيرِ الثُّلاثيّ أمَّا صِياغةُ اسمِ الفَاعلِ من غیرِ الثُّلاثيّ؛ فتكون بإبدالِ حرفِ المضارعِةِ ميمًا مَضمومةً وكسرِ مَا قبلَ الآخرِ(2). وبناء اسمِ الفاعلِ من غيرِ الثُّلاثيّ وردَ في المرويَّاتِ نحو (ثماني عشرة) مرَّةً، وليسَ موضوعُ البحث إحصاءَ هذه الأبنيةِ، وإنَّمَا الغرضُ منه تبيانُ دَلالةِ البنيةِ داخلَ السِّياقِ المُستعمَلَة فيهِ، ومنها ما يأتي:

1- قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمةِ (مُتَمَاحِل): «والمُتَمَاحِلُ: الطَّوِيلُ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: إِنَّ مِنْ ورائكم أُمورًا مُتَمَاحِلَة، أَي: فِتَنًا طَوِيلَةَ المُدَّةِ تطولُ أَيَّامُها ويَعْظُمُ خَطَرُها ويَشتدُّ كَلَبُها، وقِيلَ: يَطُولُ أَمرها»(3).

وصيغةُ (مُتَمَاحِلَة) اسمُ فاعلٍ من (تَمَاحَلَ)، على زِنةِ (تَفَاعَل)، «تَفَاعَلَ يتفَاعلُ تَفَاعلاً واسمُ الفاعِلِ علَى: مُتفاعِل والمفعول متفاعَل»(4)، ومعناهَا، طَويلةُ المدَّةِ، كمَا قالَ ابنُ الجوزيّ (ت 597 ه): «أمورًا متماحلةً، أَي: فتنًا طَوِيلَةَ المدَّةِ، والمتماحلُ من

ص: 52


1- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدّلالة: 71
2- ينظر: المقتضب: 1 / 74، وشرح الأشموني: 2 / 244، وشرح ابن عقيل: 3 / 137
3- لسان العرب (محل): 11 / 617
4- الأصول في النحو: 3 / 227

الرِّجَالِ: الطَّوِيلُ»(1)، ويُطْلَقُ علَى الأَمُورِ والفِتَنِ مَجَازًا، «ومِنِ المَجَازِ: أمرٌ مُتَمَاحِلٌ، وفِتْنَةٌ مُتَمَاحِلَةٌ: مُتَطَاوِلَةٌ لا تَكَادُ تَنْقضيِ»(2).

جَاءَ تعبيرُ الإمامِ عَلِبٍّ (عليه السَّلام) باسمِ الفاعلِ (مُتَمَاحِل) للدَّلالةِ على الاستمرارِ والتَّجدُّد لمنْ عاشَ الفتنةَ؛ لأنَّ الفتنَ الطَّويلةَ تجعلُ الإنسانَ مضطربًا، يخرجُ من أمرٍ ويدخلُ في أمرٍ آخَر، ولا يكادُ يميزُ الصَّوابَ من الخطأ، والمُتَمَاحل: البعيد الممتدُّ(3)، ولا يناسبُ هذا المقامَ إلَّا اسمُ الفاعلِ (مُتَمَاحِل) من الفعلِ (تَمَاحَل) الَّذي يدلُّ على المُشاركةِ؛ فالإنسانُ ينفعلُ مع الفتنةِ فيشارك غيرَه فيها، فإمَّا أنْ يتمالكَ نفسَهُ فينجو، أو يَركْس فيها، فيخسر الدُّنيا والآخرةَ، ولو جَاء بالفعلِ (تَتَمَاحَل) بدلً من اسمِ الفاعلِ، لكانَ الأمرُ يقتصرُ على زمنِ الفعلِ ولا يتعدَّاهُ، ومن جانبٍ آخر، لو عبَّرَ باسمِ الفاعلِ من الفعلِ الثُّلاثيّ الَّذي لا يدلُّ على المشاركةِ (مَاحَل)؛ لكانتِ الفتنةُ طويلةً بنفسِهَا، والفتنةُ لا تطولُ بنفسِهَا، وإنَّما تطولُ بمشاركةِ النَّاس فيها، وركونهم إليهَا، فأتى ب (مُتَمَاحِلَة)؛ ليدلَّ علَى ذلكَ.

2- قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى (أدْغَلَ): «وأَصل الدَّغَل الشَّجَرُ المُلْتَفُّ الَّذي يَكْمُن أَهلُ الفَسَادِ فيهِ، وقِيلَ: هُو مِنْ قَوْلِهِمْ أَدْغَلْتُ في هَذَا الأَمر إِذا أَدخلت فيهِ مَا يُخَالِفُهُ ويُفْسِدُهُ؛ ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ): لَيْسَ المُؤْمِنُ بالمُدْغِل؛ هُو اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ أَدْغَلَ»(4).

ص: 53


1- غريب الحديث (م ح ل): 2 / 346
2- أساس البلاغة (م ح ل)، للزمخشري: 2 / 197
3- ينظر: نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، للمحمودي: 2 / 665
4- لسان العرب (دغل): 11 / 245

قالَ ابنُ دريد في معنى مُدغلٍ: «أدغلَ الرَّجلُ يُدغِل إدغالًا فَهُو مُدْغِل، إِذا فسُدَ قلبُهُ وخَانَ»(1). وقدِ استعملتْ هذهِ اللَّفظةُ في معانٍ أخرى، لكنَّهَا قريبةٌ ممَّا تقدَّمَ، قالَ ابنُ سيده: «وأدْغل في الأَمرِ: أَدخلَ فيهِ مَا يُفْسِدهُ ويُخَالِفهُ. ورَجلٌ مُدْغلٌ: مُخَابٌّ مُفْسدٌ»(2).

الحديثُ يَتَعلَّقُ بِالإيمانِ، ولا يَكُونُ الإيمَانُ إلَّا في القلْبِ، إذ إنَّ المُقامَ مَقَامُ تجددٍ واستمرارٍ، ولا يَصحُّ معهُ إلَّا اسمُ الفاعلِ الَّذي يشتملُ على ذلكَ، فلا يكونُ إيمانٌ مع إدغال (إفساد)، فمَا دامَ الإيمانُ موجودًا فلا إدغالَ معهُ، فهُمَا لا يجتمعانِ أبدًا، وعليه (ليسَ المؤمنُ بالمدغِلِ).

وردَ الحديثُ في نهج البلاغة، وبالشَّكلِ نفسه(3).

ج. ما جَاءَ علَى وزنِ فعيل بمعنى فَاعِل لقد وردت صيغةُ (فعيل) بمعنى (فاعل) كثیرًا في كلام العرب، مثل: شريف، وضريب، ونضيج، ونصيح، ورشيد، ورحيم، وقدير، ونصیر، وشفيع، وشهيد، ورقيب، وغيرها، وهي قياسيَّة في معنى المبالغةِ والصِّفة المشبَّهة إذا تعذَّر الاشتقاق من الثُّلاثيّ على وزن (فاعِل)، أو كانت له دلالةٌ مختلفةٌ عن معنى الجذرِ، أو كان الفعل لازمًا، فضلاً عن كون هذه الصِّيغة تدلُّ على المبالغةِ في الفعلِ(4).

ص: 54


1- الجمهرة (دغل): 2 / 670
2- المحكم والمحيط الاعظم، (د غ ل): 5 / 465
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 18 / 239
4- ينظر: أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك: 3 / 217، والنحو الوافي، عباس حسن: 3 / 259

وقد جاءَ هذا البناءُ في المرويَّات (مرَّتين)، ومنه قولُ ابن منظور: «وفِ حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): وشَهِيدُكَ عَلَی أُمَّتِك يَوْمَ القِيَامَةِ، أَي: شاهِدُك»(1).

قالَ الخليلُ: «والشَّهادةُ أنْ تقول: استُشْهِدُ فلانٌ فهو شهيد، وقد شهد علَیَّ فلانٌ بكذا شَهادةً، وهو: شاهد وشهيد»(2). قالَ الزَّمخشريّ: «شهيدُكَ، أَي: الشَّاهِدُ علَى أمَّتهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»(3)، والشَّهيدُ: اسمٌ من أسماءِ اللهِ الحسنى، ومعناهُ: الحاضِرُ المُشاهِدُ، والمُطَّلِعُ علَى مَا لا يعلمُهُ المخلوقونَ إلَّا بالمشَاهدةِ والحضورِ، وجاءَ وصفُ النَّبيّ (صلَّی اللهُ عليه وآله وسلَّمَ)من هَذا البَابِ، فقدْ جعلَه اللهُ شاهدًا علَى هَذه الأُمَّةِ، كمَا جاءَ في القرآنِ العظيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا)(4)، ورويَ الحديثِ في شرح النَّهج بهذا الشَّكلِ، «وشهيدُك يوم الدِّين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحقِّ رحمة»(5)، باختلافِ عبارة (يوم القيامة).

إنَّ ورودَ صِيغة (فَعِيل) بمعنى (فاعل) يَكونُ الوصفُ بِهَا أبلغَ من الوصفِ بصيغةِ (فاعل)(6)، اذ جاءَ في الذِّكرِ الحكيمِ قوله تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ واللهُ عَلَى كُلِّ شَیْءٍ شَهِيدٌ)(7)، أيْ: شَاهدٌ. والفرق بين الشَّاهد والشَّهيد

ص: 55


1- لسان العرب (شهد): 3 / 240
2- العين، (شهد): 3 / 398
3- الفائق في غريب الحديث (باب الدّال): 1 / 417
4- الأحزاب: 45
5- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 6 / 284
6- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدِّلالة: 74
7- البروج: 9

أنَّ «الشَّاهد بمعنى الحدوث، والشَّهيد بمعنى الثُّبوت، فإنَّه إذا تحمَّل الشَّهادةَ فهو شاهدٌ باعتبار حدوث تَحَمُّلِهِ، فإذا ثبت تَحَمُّلُهُ لها زمانين أو أكثر فهو شهيد»(1)، وهذا اللَّفظ يَدلُّ علَى الحَالِ والاستقبَالِ، ولا يُناسِبُ هَذا المقامَ إلَّا اسمُ الفَاعِلِ، فهو يدلُّ على ثبوتِ الشَّهادةِ وتجدُّدِهَا في الحَالِ والاستقبالِ، وأرادَ الإمَامُ (عليه السَّلام) وصفَ النَّبيّ) (صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ) بالشَّهادةِ في يومِ القيامَةِ؛ فجاءَ باسمِ الفَاعِلِ (شهيد) بدلًا مِن (شَاهد)؛ ليتنَاسَبَ والمَعنى المُرادَ.

ثانيًا: صيغ المبالغة

هي من المُشتقَّات الملحقةِ باسمِ الفاعلِ، تأتي للدَّلالةِ على المُبالغةِ والكثرةِ في الحدثِ المَنسوبِ إلى الذَّاتِ على وجهِ التَّغیُّرِ والحدوثِ، وتأتي على أوزانٍ، وأشهرُها، (فَعّال، وفَعُول، ومِفعال، وفَعيل، وفَعِل)(2). وتشتركُ هذه الأبنيةُ في دَلالةٍ مركزيَّةٍ واحدةٍ، هِي المبالغةُ، لكنَّها تحملُ دلالاتٍ فرعيَّةً مختلفةً؛ لتُناسبَ سياقَ المعنى الَّذي يُرادُ التَّعبیرُ عنهُ، واختلافُ الأوزانِ يدلُّ على اختلافِ المعاني، وإلَّا جازَ الاستغناءُ عنهَا جميعها بِبناءٍ واحدٍ(3). وتختلفُ هذه الأبنية فيما بينها، فنجد «اسمَ الفاعل يُحوَّلُ للمبالغةِ والتَّكثیرِ إلى (فعَّال، وفَعول، ومِفعال) بكثرة، والى فعيل، وفعِل»(4)، أقلّ منها في اللُّغة العربيَّةِ. ولا تجيء (صيغ المبالغة)، إلَّا من مصدرِ فعلٍ قابلٍ للزِّيادةِ، فلا يُقالُ:

موَّات ولا قَتَّالٌ، في شخصٍ ماتَ أو قُتلَ؛ إذ لا تفاوتَ في الموتِ والقتلِ، إذا قُصدَ

ص: 56


1- الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري: 292
2- ينظر: شرح الكافية الشافية، لابن مالك: 1 / 60، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: 3 / 184، وهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسيوطي: 3 / 74
3- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 85
4- ضياء السالك إلى أوضح المسالك، محمد عبد العزيز الجبار: 3 / 16

معنى الموتِ والقتلِ(1).

وأبنيةِ المبالغةِ الَّتي وردتْ في مرويَّات الإمامِ (عليه السَّلام)، بلغت (عشرين) مرَّة، وبصيغٍ مختلفةٍ، منها الآتي:

1- (فَعَّال) بفتح الفاء وتشديد العين: تُعدُّ من أقوى صِيغِ المبالغةِ للدَّلالةِ على الشَّيء الَّذي يَتَكرَّرُ فعلُهُ، مثل (كَذَّاب، كَفَّار، غفَّار)، أو الشَّيءِ المُلازمِ لصَاحِبهِ حتَّى صَارَ حرفةً لصاحبِهِ، مثل (نَجَّار، حفَّار، خيَّاط)، وهذه حِرَفٌ تَقتضي المُلازمة والدّوام لمن يُوصفُ بها(2)، وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات (ع رش) مرَّات.

استشهدَ ابنُ منظور بحديثِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) في بيانِ معنى (الخَبْط)، فقالَ: «الخَبْطُ كلُّ سْیرٍ عَلَى غَیْرِ هُدًى. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ): خَبَّاطُ عَشواتٍ، أَي: يَخْبِطُ في الظَّلاَمِ، وهُو الَّذي يَمْشِی في اللَّيْلِ بِلَا مِصْباح فَيَتَحَیَّرُ ويَضلُّ، فَرُبَّمَا تَردَّى في بِئْرٍ، فَهُو كَقَوْلِهِمْ: يَخْبِط في عَمْياء إِذا رَكِبَ أَمرًا بجَهالة»(3). وقد رُويَ الحديثُ في نهجِ البلاغَةِ بالشَّكلِ الآتي: «. . . جاهلٌ، خبَّاطُ جهالاتٍ، عاشٍ رَكَّابُ عشواتٍ»(4).

وخبَّاطٌ، صيغةُ مُبالغةٍ، أيْ: دائمُ الخبطِ ومستمرٌّ على ذلكَ، وهذا الوصفُ ملازمٌ لهُ، ومُتجدِّدٌ فيهِ. ومعنى خبَّاطِ عشواتٍ، أَيْ: «خبط ظلمات، وخابط العشوة

ص: 57


1- ينظر: النحو الوافي: 3 / 269
2- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 85
3- لسان العرب، (خبط): 7 / 282
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 283

نَحْو: واطىء العشوة. وهُو الَّذي يمشي في اللَّيْل بِلاَ مِصْبَاحٍ فيتحیَّر ويَضلّ، ورُبَّمَا تردَّى في بِئْر، أَو سقطَ على سَبُعٍ»(1). يلمسُ القارئُ في النَّصِّ صورةَ ذلكَ الإنسانِ الجَاهلِ، الَّذي نصبَ نفسه قاضيًا يحكمُ بين العبادِ، وقد ركنَ إلى هواه في حكمِهِ بينهم، وتومئ هذه اللَّفظةُ إلى كثرةِ وقوعِهِ في الخطأ، ومجانبتِهِ للصَّواب، إذ لم يَعتمدْ في أقوالِهِ وأحكامِهِ على أصلٍ ثابتٍ، أو قاعدةٍ صحيحةٍ، ولا يدري ما لَهُ ممَّا عليه، فكثيرًا ما يخبطُ، ولا يتوانى في إصدارِ القراراتِ والأحكامِ، فهو يحكمُ بمَا يُمليهِ عليه هواهُ، وما تقتضيه نفسُهُ(2)، فأصبحتْ هذه الصِّفةُ ملازمةً لهُ، ومُتجدِّدةً فيهِ.

2- صِيغةُ (فَعُول)، من صيغِ المُبالغةِ الَّتي تدلُّ على من دامَ منهُ الفعلُ أو أكثرَ منه أو قوي عليه، ويوصفُ بها المُذكَّرُ والمؤنَّثُ فلا تلحقها التَّاء(3)، نحو: (رجلٌ صبورٌ، وامرأةٌ صبورٌ، وشكورٌ، وغفورٌ...)، ولا يُجمعُ جمعَ مذكَّرٍ سالمًا؛ مراعاةً للأصلِ الَّذي نُقِلَ عنه، وهو أسماءُ الذَّواتِ، الصَّبرُ، والشُّكرُ، والمغفرة(4)، وقد تكرَّرت هذه الصِّيغة في المرويَّات (تسع) مرَّاتٍ.

قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى (الظَّنّ): «ومِنْهُ قَوْلُهُمْ: الحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كرَّم الله وجهَه): إِن المُؤْمِنَ لَا يُمْسی ولا يُصْبِحُ إِلَّا ونَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، أَي: مُتَّهَمَة لَدَيْهِ»(5)

ص: 58


1- غريب الحديث، لابن قتيبة: 2 / 120، والنهاية في غريب الحديث والأثر (خبط): 2 / 8
2- ينظر: نهج البلاغة، محمد عبده: 74، وأبنية المشتقات في نهج البلاغة، ميثاق عبد الزهرة (رسالة ماجستير): 33
3- ينظر: إسفار الفصيح، للهروي (ت 433 ه): 2 / 784، و التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 87
4- ينظر: معاني الأبنية: 116
5- لسان العرب، (ظنّ): 13 / 274

في الحديثِ كلمةٌ على زِنةِ (فَعول) هي (ظَنُون)، وهي من أبنيةِ المبالغةِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الثُّلاثيّ (ظَنَّ)، بمعنى، اتَّهمَ، أيْ: كثيرُ (الاتِّهام)(1)، أرادَ الإمامُ (عليه السَّلام)، أنْ يصفَ لنا حَالَ المؤمنِ الحقيقيِّ، الَّذي لا تغرُّهُ نفسُهُ، وما تحوي من إيمانٍ، وهذا البعدُ الأخلاقيُّ جَاءَ مناسبًا التَّعبیر الَّذي أوردهُ بصيغةِ المبالغةِ الَّتي تُعطينا دَلالةَ الثُّبوتِ والتَّجدُّدِ، فهو يُمسی متَّهمًا نفسَه، ويُصبحُ وهو على اتِّهامِهِ إيَّاها بالتَّقصیرِ والابتعادِ عن السَّاحة الإلهيَّة، وهذا يُعطيها (النَّفس) جانبًا كبیرًا من التَّرويضِ، والتَّزودِ بالطَّاعاتِ، والابتعادِ عن المعاصي، وهو ما يُسمَّى ب (محاسبةِ النَّفسِ)، إذ المعنى حقيقيّ لا مجازَ فيه، والمرادُ أنَّ المؤمن سيِّئ الظَّنِّ بنفسه(2).

3- صِيغة (مِفْعَال) وهذا البناءُ من أبنيةِ المبالغةِ الَّتي تدلُّ على تكرارِ وقوعِ الحدثِ والمداومةِ عليه، بحيثُ يُصبحُ كالعادةِ في صَاحبِهِ(3)، فتُوصَف المرأة الَّتي تَلِدُ الذُّكور فقط بأنها (مِذكَار)، والتي تَلِدُ الإناث فقط (مِئْنَاث). ويبدو أنَّ صيغةَ (مِفْعَال) منقولةٌ من اسمِ الآلةِ، فأصبحتْ هذه الصِّيغةُ تدلُّ على الكثرةِ والمبالغةِ(4).

وقد جاءَ هذا البناءُ في المرويَّات (أربع) مرَّاتٍ، منها قول ابن منظور في بيان معنى (مِسْياح): «والمِسْياحُ الَّذي يَسِيحُ في الأَرض بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ؛ وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهُ): أُولئك أُمَّةُ الهُدى لَيْسُوا بالمَساييح ولَا بالمَذاييع البُذُرِ؛ يَعْنِي الَّذِينَ يَسِيحون في الأَرض بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ والإِفساد بَيْنَ النَّاسِ، والمَذَايِيعُ الَّذِينَ يُذِيعُونَ

ص: 59


1- ينظر: التهذيب (ظن): 14 / 260، ومعجم اللغة العربية المعاصرة (ظ ن ن): 2 / 1441
2- ينظر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 12 / 127
3- ينظر: أدب الكاتب: 293، والمقتضب: 2 / 114، والصاحبي، لابن فارس: 170
4- ينظر: معاني الأبنية: 110، والتحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 86

الفَوَاحِشَ»(1).

في الحديثِ كلمتانِ هما (مَساييح، ومَذاييع) وهما جمعٌ، ومفردهُمَا (مِسياح، ومِذياع) على زِنة (مِفْعال)، ومشتقَّتانِ من الفعلِ الثُّلاثيّ (ساحَ، وذاعَ). قالَ ابنُ فارس في معنى (مَساييح، ومَذاييع): «فَإِنَّ المَذَايِيعَ جَمْعُ مِذْيَاعٍ، وهُو الَّذي يُذِيعُ السِّرَّ لَا يَكْتُمُهُ.

والمَسَايِيحُ، هُمُ الَّذِينَ يَسِيحُونَ في الأَرْضِ بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ والإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ»(2)، أرادَ الامامُ (عليه السَّلام) أن يُبيِّنَ صفةً من صِفاتِ الأئمَّةِ الهُداةِ، بأنَّهم ليسو بالمساييحِ، ولا بالمذاييعِ، فكلمةُ مِسياح ومِذياع، تنطبقُ على من بالغ وأكثر من تكرارِ الفعلِ حتَّى صارَ كالعادةِ له، وهذا لا يتلاءمُ وأئمَّة الأُمَّةِ الهُداة إلى طريقِ الحقِّ والأمانِ.

ويؤكِّد هذا المعنى ما قاله الشَّارح الرَّاونديّ: «والمَساييح جمع مِسياح، وهو الَّذي يسيحُ بين النَّاسِ الفسادَ والنَّمائمَ، والمذاييعُ جمعُ مذياع، وهو الَّذي إذا سمع لغیره بفاحشةٍ أذاعها ونوَّه بها، والبُذُرُ جمعُ بَذُور، وهو الَّذي يكثر سفههُ ويلغو منطقهُ»(3).

أمَّا باقي صِيغ المبالغةِ (فعيل، فَعِل)؛ فلم أعثرْ على شاهدٍ عليها في المرويَّات.

ص: 60


1- لسان العرب (سيح): 2 / 493
2- المقاييس (سيح): 3 / 120
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 444

ثالثًا: الصِّفةُ المشبَّهةُ

وهِي من المُشتقَّات الَّتي يُوصفُ بها على وجهِ الدّوامِ، وأشار إلى ذلك كثیر من القدماء(1)، وعرَّفها ابن هشام بقولِهِ: «هي الصِّفةُ المَصوغَةُ لغیرِ تفضيلٍ؛ لإفادةِ الثُّبوتِ»(2)، وهى لفظٌ مَصُوغٌ من مصدرِ اللاَّزمِ(3)، وتكونُ صياغَتُهَا بكثرةٍ من الفعلِ اللاَّزمِ من بابِ (فَعِل) المكسور العين في الماضي، وباب (فَعُل) المضموم العين في الماضي، وتَقلُّ في نحو (فَعَل) المفتوح العين في الماضي، وتُقاسُ من غیرِ الثُّلاثيِّ على زِنةِ اسمِ الفاعلِ أو المفعولِ من ذلكَ الفعلِ، بشرطِ أنْ يكونَ المعنى على جهةِ الدّوامِ والثُّبوتِ؛ للفرقِ بينه وبينها(4).

ومن أبنيةِ الصِّفةِ المُشبَّهةِ الَّتي وردتْ في المرويَّات، ما يأتي:

1- (فَعِل) بفتح الفاء وكسر العين، وهو من الأوزانِ المُشتركَةِ بين (الباب الرَّابعِ)، و (الباب الخَامِس)(5)، وتأتي للدَّلالةِ على الأدواءِ أو العللِ نحو، (وَجِع، وسَلِس، وتَعِب)، وكذلكَ تأتي للدِّلالةِ على السَّجايا، نحو (شَكِس، ووَقِح، ونَكِد، وفرِح، وقَلِق)، ويأتي للدَّلالة على الصِّفات العارضة الطَّارئة، غير الرَّاسخة(6)، ممَّا يَحصَلُ

ص: 61


1- ينظر: المفصل في صنعة الاعراب: 293، وشرح الكافية الشافية: 2 / 1054، وتوضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، للمرادي: 2 / 875
2- قطر الندى وبل الصدى: 277
3- ينظر: شذا العرف في فن الصرف: 63
4- ينظر: أوضح المسالك: 3 / 219 - 220، وشرح ابن عقيل: 3 / 141، وحاشية الصبان على شرح الأشموني، محمد بن علي الصبان (ت 1206 ه): 3 / 5
5- ينظر: المهذب في علم التصريف: 255
6- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 27، وأوضح المسالك: 3 / 243، وشرح التصريح، للوقاد (ت 905 ه): 2 / 78

ويُسْرعُ زوالُهُ، مقارنةً بصيغ الصِّفة المشبَّهة الأخرى مثل (فَعِيل) نحو: رَحِيم(1).

وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات (خمس) مرَّاتٍ. ومنها ما قالَه ابنُ منظور في معنى (الخَضِرَة): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: أَنَّه خَطَبَ بِالكُوفَةِ في آخِرِ عُمرِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيفٍ الذَّيَّالَ المَيَّالَ يَلْبَسُ فَرْوَتَهَا ويأْكل خَضِرَتَها، يَعْنِي غَضَّها وناعِمَها وهَنِيئَها»(2).

ومعنى (يأكلُ خَضِرتها)، أنَّه: «يَأْكُل الطَّريَّ النَّاعمَ من طعامِها تنعُّمًا وإتْرافًا فَضَربَ الفَرْوَةَ والخَضِزَةَ لذَلِك مثلاً، والضَّمِیرُ للدُّنيا»(3). والخَضرُ يُوصفُ به العيشُ، إِذا كَانَ غَضًّا رافهًا، قالَ ابنُ دريد: «عيشٌ خَضِرٌ، إذا كانَ رافهًا. . . وفي كَلَامِ عَلیِّ بن أبي طَالب (عليه السَّلام)، إِنَّ الدّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَضِرَةٌ»(4)، قالَ الرَّضيّ:

«ويأكلُ خَضِرَتكم، يستأصلُ أموالَكم، ويذيبُ شحمتَكم مثله، وكلتا اللَّفظتينِ استعارةٌ»(5).

يجدُ المتأمِّلُ في النَّصِّ صورةً يرسمُهَا الإمامُ (عليه السَّلام)، للدُّنيا الفانيةِ، على الرغم مَّما بها من لذَّةٍ ومتعةٍ، ففي كلمةِ (خَضِرَتها) وصفٌ ليسَ على وجهِ الدّوامِ والثُّبوتِ، إذا ما قِيسَ على حياةِ شخصٍ معيَّنٍ، فكلُّ ما فيها متغيِّرٌ ومتبدِّلٌ، ومن هذا

ص: 62


1- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 72، والتحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 77
2- لسان العرب (خضر): 4 / 244
3- الفائق في غريب الحديث: 3 / 110
4- الجمهرة (خضر): 1 / 587
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 7 / 277

المنطلقِ جاءَ وصفُ أمیرِ المؤمنينَ (عليه السَّلام) لها بهذه الصِّيغةِ (فَعِل) الَّتي تدلُّ على اللَّون.

2- (أفْعَل) ومؤنَّثه (فَعْلاَء)، وهو ما دلَّ على حليةٍ ظاهرةٍ، أو عيبٍ، أو لونٍ مثلُ (أكْحَل، وأعْرَج، وأحْمَر)(1)، ويُصاغُ من (فَعِل) اللَّازمِ، قياسًا مطَّردًا، أي: (الباب الرَّابع). وقدْ جاءَ هذا البناءُ (أفْعل) في المرويَّات، بدلالتِهِ الَّتي عُرِف بها في مواطنَ عددها (ستّ) مرَّاتٍ. منها ما يأتي:

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (أبْظَر): «ورَجُلٌ أَبْظَر: في شَفَتِهِ العُليَا طُولٌ مَعَ نُتُوء في وسَطِهَا، وهِيَ الحِثْرِمَةُ مَا لَمْ تُطِلْ، فإِذا طَالَتْ قَلِيلًا فَالرَّجُلُ حِينَئِذٍ أَبْظر.

ورُوِيَ عَن عَلِیٍّ أَنَّه أَتى في فَرِيضَةٍ وعِنْدَهُ شُرَيْحٌ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ: مَا تَقُولُ فيهَا أَيُّها العَبْدُ الأَبْظَر؟»(2).

ومعنى الأَبْظَر، «النَّاتِئ الشَّفَة العُلْيا مَعَ طُولها»(3)، وقالَ ابنُ دريد، في البُظَارَةِ:

«والبُظَارَةُ: اللَّحمةُ في الشَّفَةِ العُليا إِذا عظُمتْ قَلِيلاً»(4). ولفظةُ (الأبْظَر) جاءتْ من (بَظِر، يَبظَرُ)، فهو (أبْظَر) ومؤنَّثهُ (بَظْرَاء) ويدلُّ على عيبٍ لا يُفارقُ صاحبَهُ، ولها معانٍ أخرى، قالَ ابنُ فَارس: «فَالبُظَارَةُ اللُّحْمَةُ المُتَدَلِّيَةُ مِنْ ضَرْعِ الشَّاةِ، وهِيَ

ص: 63


1- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 144
2- لسان العرب (بظر): 4 / 70
3- العين (بظر): 8 / 160، والمخصص، لابن سيده: 1 / 124، وأساس البلاغة (ب ظ ر): 1 / 66
4- الجمهرة (بظر): 1 / 316

الحَلَمَةُ»(1)، وتدلُّ على الرَّجُلِ الصَّخَّاب، أي: الطَّويل اللِّسان(2).

المتأمِّلُ في الحديثِ، يرى في ظاهرِ كلامِ الإمامِ (عليه السَّلام)، صفتينِ، هما (العبد، والأبظرُ)، فأمَّا نعته ب (العبد)؛ ف «لِأَنَّهُ وقع عليه سبيٌ في الجَاهِلِيَّة»(3)، وأمَّا نعْتُه ب (الأبْظَر)؛ فهيَ توحي بوجودِ عيبٍ عند شريح، ولكنْ لا جزمَ بمعرفةِ ذلكَ العيبِ، فقدْ يكونُ العيبُ تلكَ الزَّائدةَ اللَّحميةَ في الشَّفَةِ، أو رُبَما قصدَ الإمامُ ب (الأبْظَر) طول اللِّسانِ وهو الراجح لدى الباحث؛ لأنَّ الإمام لا يعيب شخصًا بخلقته، وعلى كلِّ حالٍ، فهي صفةٌ لا تنفكُّ عن صاحِبِها، ولو عبَّر الإمامُ بصيغةِ (فَعِل)، وقَالَ: (بَظِر)، لصحَّتِ العبارةُ(4)، ولكنَّ هذه الصِّيغةَ (فَعِل) لا تلزمُ الموْصوف بها دائمًا، ولا تَستمرُّ فيهِ كما هي الحال في صيغةِ (أفْعَل)(5)؛ فنراهُ عدلَ عنها، واستعمل صيغةَ (أفْعَل)، فقالَ: (الأبْظَر).

3- (فَعَل) بفتح الفاء والعين، يُصاغُ هذا البناءُ من الفعلِ الثُّلاثيِّ (فَعُل)، أي:

(الباب الخامس)، نحو: حَسُن، وبَطُل(6).

وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات في مواضعَ كثیرة، بلغت (تسعَ عشرةَ) مرَّة. نذكرُ منها الآتي:

ص: 64


1- ينظر: المقاييس (بظر): 1 / 262
2- ينظر: المغرب في ترتيب المعرب (بظر): 46، وتاج العروس (بظر)، للزبيدي (ت 1205 ه) 10 / 217
3- الفائق في غريب الحديث: 1 / 118، وينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 123
4- ينظر: الكتاب: 4 / 25 - 26
5- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 27، وأوضح السالك: 3 / 243، وشرح التصريح على التوضيح، لزين الدين الجرجاوي (ت 905 ه): 2 / 78
6- ينظر: شذا العرف في فن الصرف: 64

قالَ ابنُ منظور في بيانِ دلالةِ كلمةِ (اليَفَن): «اليَفَنُ: الشَّيْخُ الكَبِيرُ؛ وفي كَلَمِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): أَيُّها اليَفَنُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ القَتِیرُ؛ اليَفَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الشَّيْخُ الكَبِیرُ، والقَتِیرُ: الشَّيْبُ»(1)، في النَّصِّ كلمةٌ على زِنَةِ (فَعَل) هي (يَفَنُ)، وهي من أبنيةِ الصِّفةِ المشبَّهةِ، مُشتقَّةٌ من الفعلِ الثُّلاثيِّ (يَفُنَ)، وهو الشَّيخُ الكبیرُ، والياء فيه أصليَّةُ(2).

أرادَ الإمامُ أن يُبيِّنَ مَرْحلةً من مراحلِ عمرِ الإنسانِ، وهو في نهايةِ عمرهِ، إذ لا يسْتَطيعُ أن يدفعَ عن نفسهِ الضَّرَ، ولا يَجلبُ لها النَّفعَ؛ فنعتهُ باليَفَن، واليَفنُ، صفةٌ مُشبَّهةٌ على زنةِ (فَعَل)، وهذه الصِّفةُ لا تنفكُّ عن صاحبِهَا؛ فلا يمكنُ أن يَعودَ الإنسانُ إلى شَبابهِ بَعدَ دخولهِ سنَّ الشَّيخوخةِ، وهذا دليلٌ على أنَّ هذه الصِّيغةَ تَلْزمُ الموصوفِ بها، وتستقرُّ فيهِ.

4- (فَعْل) بفتح الفاء وسكونِ العينِ، ويُصاغُ من الفعلِ الثُّلاثيِّ (فَعِل) أو (فَعُل)، أيْ: هو مُشتركٌ بينَ البابينِ (الرَّابع، والخامس)، نحو (سَبِط - سَبْط، وضَخُم - ضَخْم(3).

وقد وردَ هذا البناءُ فيَ مواضعَ من المرويَّات في لسانِ العربِ نحو (خمس) مرَّاتٍ، منها ما يأتي:

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (حَمْش): «والحَمْشُ والحُمُوشةُ والحَماشةُ:

الدّقَّةُ. ولِثَةٌ حَمْشَةٌ: دَقِيقَةٌ حَسَنةٌ. وهُو حَمْشُ السَّاقَيْن والذّراعَيْ، بالتَّسكين، وحَمِيشُهما

ص: 65


1- لسان العرب (يفن): 13 / 457
2- ينظر: العين (يفن): 8 / 377
3- ينظر: المهذب في علم التصريف: 255

وأَحْمَشُهما. . . ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ في هَدْمِ الكَعْبَةِ: كأَنِّ بِرَجُلٍ أَصْعَلَ أَصْمَعَ حَمْش السَّاقَيْنِ قاعدٌ عَلَيهَا وهِي تُهْدم»(1).

قالَ ابنُ فارس في أصلِ (حَمْش): «الحَاءُ والمِيمُ والشِّينُ أَصْلاَنِ: أَحَدُهُمَا التِهَابُ الشَّيْءِ وهَيْجُهُ، والثَّانِی الدِّقَّةُ. فَالأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: أَحْمَشْتُ الرَّجُلَ: أَغْضَبْتُهُ، والأَصْلُ الثَّانِی قَوْلُهُمْ لِلدَّقِيقِ القَوَائِمِ حَمْشٌ، وقَدْ حَمُشَتْ قَوَائِمُهُ»(2). ويبدو أنَّ لفظة (حَمْش) الواردة في الحديثِ تنتمي في معناها إلى الأصل الثَّاني. إذ وردَ في شرحِ نهجِ البلاغةِ في معنى هذه اللَّفظةِ، «وحَمْشُ السَّاقينِ بالتَّسكينِ: دقيقُها»(3).

نلمسُ في الحديثِ وصفًا دقيقًا لذلكَ الرَّجُلِ الَّذي يهدمُ الكعبةَ، وهو جَالسٌ عليها، فوصفهُ بصغر الرَّأسِ والأُذنينِ، فقالَ: (أَصْعَلَ أَصْمَعَ)، ثمَّ وصفهُ بدقَّةِ السَّاقينِ فقالَ: (حَمْش)، فكأنَّ الإمامَ انتقلَ منَ الأعلى إلى الأسفلِ بوصفِ ذَلكَ الرَّجُلِ. وهذه الصِّفةُ (حمْش) على زِنةِ (فَعْل)، لا تنفكُّ عنْ صاحِبِها.

ص: 66


1- لسان العرب (حمش): 6 / 288
2- المقاييس (حمش): 2 / 104 - 105
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 120

رابعًا: اسمُ المفْعُولِ

اسمُ المفعولِ: هو الاسمُ الَّذي يُصاغُ للدَّلالةِ على الحدثِ، وذاتِ مَن وقعَ عليه الفعلُ(1)، على وجهِ التَّجدُّدِ، والثُّبوتِ(2). فهو يدلُّ على الثُّبوت إذا قيس بفعلهِ، ويدلُّ على الحدوثِ إذا قيس بالصِّفة المشبَّهةِ.

يُصاغُ اسمُ المفعولِ من الثُّلاثيّ على زِنَةِ (مفعول) نحو: (مضروب، ومكتوب، ومأسور، ومقهور... من ضربَ، وكتبَ، وأسر، وقهر...)، ويُصاغُ من غيرِ الثُّلاثيّ على زِنَةِ مضَارعِهِ المبنيّ للمجهولِ، بإبدالِ حرفِ المضارعةِ ميمًا مضمومةً، وفَتْحِ مَا قبلَ آخرِهِ، نحو: مُرَج، مُفتَتح، مُستَشَار من أخرج، افتتح،استشار(3)، وتكونُ صياغتُهُ من الفعلِ المتعدِّي، ولا يُصاغُ من اللاَّزمِ إلَّا مع الجارِ والمجرورِ والمصدر(4).

أبنيةُ اسمِ المَفعولِ أ. ما جاءَ على زِنةِ (مفعول) وردَ هذا البناءُ في المرويَّات نحو (اثنتي عشرة) مرَّة. ومنها الآتي:

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمةِ (مَسُوط): «والمِسْواطِ، وهُو خَشَبَةٌ يُحَرّكُ بِهَا مَا فيهَا ليخْتَلِطَ، كأَنه يُحَرِّك النَّاسَ للمعصيةِ ويَجْمَعُهُمْ فيهَا. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ

ص: 67


1- ينظر: أوضح المسالك: 3 / 96، وشرح التصريح على التوضيح: 2 / 23
2- ينظر: معاني الأبنية: 53
3- ينظر: المفصل في صنعة الإعراب: 291، والنحو الواضح في قواعد اللغة العربية، علّي الجارم ومصطفى امين: 1 / 328، والتطبيق الصرفي: 78 - 79
4- ينظر: اللمع في العربية، لابن جني: 32، 33، 34، وقطر الندى وبل الصدى: 187

اللَّهُ وجْهَهُ): لتُساطُنَّ سَوْطَ القِدْر، وحَدِيثُهُ مَعَ فاطمةَ، (رِضْوَانُ اللِّهَ عليهمَ): مَسُوطٌ لَحْمُها بِدَمي ولَحْمي، أَي: مَمْزوجٌ ومَخْلُوط»(1).

فِی هذا النَّصِّ كلمةٌ على زِنةِ (مَفُول)، هيَ (مَسُوط)، وهيَ من أبنيةِ اسمِ المفعولِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الثُّلاثيِّ المبنيّ للمجهول (سِيطَ)، والسَّوط: خَلْطُكَ الشيَّءَ بالشيَّء، ومَزْجهُ حتَّى يُصبحَ شيئًا واحدًا(2)، تتَجَلَّی في النَّصِّ حقيقةٌ، وهيَ أنَّ ارتباطَ الإمامِ بزوجِهِ الزَّهراءِ (رِضْوَانُ اللَّهِ عليهمَا)، لمْ يَكنِ اعتباطًا كسائرِ الزِّيجاتِ، وإنَّما كانَ تحصيلَ حاصلٍ، فهما قدْ خُلِط وامتزجَ لحمهُمَا ودمهُمَا مسبقًا، والدَّليلُ ورودُ اسمِ المفعولِ (مَسُوط) في الحديثِ المذكورِ آنفاً، وهذا يعني أنَّ السَّوطَ حدثَ قبل الزَّواجِ واستمرَّ، وأنَّ هناك من قامَ بالسَّوط، ولو عبَّرَ باسمِ الفَاعلِ بدلًا من اسمِ المفعولِ (مَسُوط)؛ لكانتِ المسألةُ مختلفةً؛ فلا يمكنُ أنْ يكونَ السَّوطُ قدْ حدثَ بنفسِهِ ولكنَّ اسمَ المفعولِ يدلَّ على ذات المفعولِ، دونَ ذات الفاعلِ(3)، فَحَذْفُ الفاعلِ له أغراضٌ وغاياتٌ منها: عدم معرفة الفاعل، أو الخوف على الفاعل أو منه، والعلم به بداهةً، أو إيجاز الكلام، أو للتّعظيم أو التَّحقير(4). ف (مَسُوط) دلَّتْ على من وقعَ عليه السَّوطُ، وعلى من قام به، وهو الخالق (جلَّ جلاله)، وقد حُذِفَ للتَّعظيم، مع الثُّبوتِ والاستمرارِ.

الحديث لم يردْ في نهج البلاغة، وقد رواه ابنُ الأثیر في النَّهاية(5)، وهو من منظوم

ص: 68


1- لسان العرب (سوط): 7 / 326
2- ينظر: العين (سوط): 7 / 278، وتاج العروس (س و ط): 19 / 391
3- ينظر: معاني الأبنية: 53
4- ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 1 / 583
5- ينظر: والنهاية في غريب الحديث والأثر (سوط): 2 / 421

شعره من قصيدةٍ يفخر بها بالفضائل على معاوية(1).

ب. ما صِيغَ من غيرِ الثُّلاثيِّ على زِنَةِ (مُفَعَّل) ورد هذا البناء (مُفعَّل) في المرويَّاتِ نحو (خمسَ عشرة) مرَّة، منها ما جاءَ به ابنُ منظور في بيانِ معنى (مُتَبَّر) : «وهؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فيهِ، أَي: مُكَسَّرٌ مُهْلَكٌ، وفي حَدِيثِ عليٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ): عَجْزٌ حَاضِرٌ ورَأْيٌ مُتَبَّر، أَي: مهلَك. وتَبَّرَهُ هُو: كَسَّرَهُ وأَذهبَهُ»(2).

فِی النَّصِّ كلمةٌ على زِنةِ (مُفعَّل)، هيَ (مُتَبَّر)، وهيَ من أبنيةِ اسمِ المفعولِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الرُّباعِيّ (تُبِّرَ)، قال ابن فارس في التَّبَار: «والتَّبَارُ: الهلاكُ، وأمرٌ مُتبّرٌ»(3).

وقدْ جاءَ في الذَّكرِ الحكيم قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فيهِ وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(4). قالَ القرطبيّ (ت 671 ه) في تفسیر الآية «التَّبَارُ: الهَلاَكُ، وكُلُّ إِنَاءٍ مُكَسَّرٍ مُتَبَّرٌ. وأَمْرٌ مُتَبَّرٌ، أَيْ: إِنَّ العَابِدَ والمَعْبُودَ مُهْلَكَانِ»(5).

وكلامُ عليٍّ (عليه السَّلام)، من كِتابٍ لهُ إلى كُميلِ بنِ زِيادِ النَّخعيّ وهو عَاملُهُ على (هيت) يُنكرُ عليه ترْكَهُ دَفْعَ مَنْ يَجتازُ بهِ مِنْ جَيشِ العَدوِّ طَالبًا الغَارةَ، إذ إنَّ من

ص: 69


1- ينظر: الحماسة المغربية، أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجرّاوي (ت 609 ه): 1 / 568
2- لسان العرب (تبر): 4 / 88
3- مجمل اللغة، لابن فارس (تبر): 1 / 153
4- الأعراف: 139
5- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 7 / 273

العجز الحاضر أنْ يُهمِلَ الوالي ما وليه، ويتكلَّف ما ليس من تكليفه(1). جَاءَ تعبیرُ الإمامِ (عليه السَّلام)، ب (مُتَبَّر) للدَّلالةِ على هلاكِ الرَّأي، فإذا سُبِقَ الرَّأي بحضورِ العجزِ، فلا محَالةَ من هلاكهِ. ويهلك الرَّأي إمَّا بهلاكِ صاحبِهِ، أو برأي آخر، بغضِّ النَّظر عن صَوابهِ، فجاءَ تعبيرُ الإمامِ (عليه السَّلام)، باسمِ المفعولِ (مُتَبَّر) للدَّلالةِ على هلاكِ الرَّأي برأي آخر، وهذا ضعفٌ بِصاحبِهِ.

خامسًا: اسمُ التَّفضيلِ

اسمُ التَّفضيلِ: وهُو الصِّفةُ الدَّالَّة على المُشَاركَة والزِّيَادَة نَحْو أفضل وأعلم وأكْثر على زنة (أفْعَل)، أي: دلَّ على شَيئينِ اشتركا في صفةٍ، وزادَ أحدُهما على الآخرِ في تلكَ الصِّفةِ(2). ولهُ وزنٌ واحدٌ هو (أفْعَل)، وقد ورد في المرويَّاتِ (أربع) مرَّاتٍ.

أمَّا حالاتُه من حيثُ المعنى؛ فهي ثلاثٌ(3):

1- الدَّلالة على شيئينِ اشتركا في صفةٍ، وزادَ أحدُهما على الآخرِ في تلكَ الصِّفةِ نحو: (أنا أكثرُ من محمَّدٍ مالًا).

2- أن يُرادَ به إثبات الوصفِ لمحلِّه من غیرِ نظرٍ إلى تفصيلٍ، (محمَّدٌ وعلیٌّ أعدلا الخلقِ)، أيْ: هما العادلانِ، ولا عدلَ في غيرِهِمَا، وهنا تجبُ المُطابقةُ.

3- أنْ يُرادَ به أنَّ شيئًا زادَ في صفةِ نفسهِ على شيءٍ آخر في صفتهِ، فلا يكونُ بينهمَا

ص: 70


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 17 / 149
2- ينظر: قطر الندى وبل الصدى: 280
3- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدّلالة: 88

وصفٌ مُشتركٌ، نحو: (العسلُ أحلى من الخلِّ)، و (الشِّتاءُ أَبردُ من الصَّيفِ)، والمعنى:

أنَّ العسلَ زادَ في حلاوتِهِ على الخلِّ في حموضتِهِ، والشِّتاءُ زادَ في بردِهِ على الصَّيفِ في حرِّهِ.

ويأتي اسمُ التَّفضيلِ في الكلامِ مُجرَّدًا من الإضافة، أو مُضافًا، أو مُعرَّفًا بالألفِ واللاَّم. ويكونُ بمعنى بعضٍ، إنْ أُضِيفَ إلى معرفةٍ، وبمعنى كلٍّ، إنْ أُضيفَ إلى نكرةٍ؛ ولهذا يُقالُ: (أفضلُ الرَّجُلين زيدٌ، وأفضلُ رجلينِ الزَّيدانِ)(1).

يُصاغُ اسمُ التَّفضيلِ من الفعلِ الثُّلاثيِّ، المُجرَّدِ، التَّامِ، المُتَصرِّفِ المبنيّ للمعلوم، والقابل للتَّفاوِتِ، فَلا يُشتقُّ من الأفعالِ الَّتي لا تَفَاوتَ فيها نحو: (مَاتَ، و فَنِي، فلا يُقالُ: هو أفنى، وأموت)، وأنْ لا يَكون الوصفُ مِنهُ عَلى وزنِ (أفعل، فَعلاء)(2).

وقدْ وردَ اسمُ التَّفضيلِ في مَواضِعَ قليلةٍ في مرويَّات الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام)، ومِن ذَلكَ قَولُ ابنِ منظور في معنى (البَشّ): «البَشّ: اللُّطْفُ في المسأَلة والإِقبالُ عَلَی الرَّجُل، وقِيلَ: هُو أَنْ يَضْحَكَ لَهُ ويَلْقَاهُ لِقَاءً جَمِيلاً، والمَعْنَيَانِ مُقْتَرِبان، والبَشاشة:

طَلَاقَةُ الوَجْهِ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رِضْوَانُ اللَّه عليه): إِذا اجْتَمَعَ المُسْلِمَانِ فتَذاكَرا غَفَرَ اللُّهَ لأَبَشِّهِما بِصاحِبه»(3).

في النَّصِّ كلمةٌ على زِنَةِ (أفْعَل)، هِي (أَبَشّ) وهي اسمُ تفضيلٍ، مُشتقَّةٌ منِ الفعلِ الثُّلاثيِّ (بَشَّ)، قَالَ الخليلُ: «البَشُّ: اللُّطفُ في المسألةِ، والإقبالُ على أخيكَ، تقولُ:

ص: 71


1- ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 3 / 941
2- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 3 / 174 - 175، وشرح الكافية الشافية: 2 / 1121
3- لسان العرب (بشش): 6 / 266

بَششْتُ بشًّا وبَشَاشةً»(1).

قالَ ابن الأثیر في معنى البَشاشةِ: «البَشّ: فَرَحُ الصَّديقِ بِالصَّدِيقِ، واللُّطفُ في المَسْأَلَةِ والإِقْبَالُ عليه، وقَدْ بَشِشْتُ بِهِ أَبَشُّ»(2)، والبشاشة تعني طلاقة الوجه(3).

يتَجلَّى في النَّصِّ بُعدٌ أخلاقيٌّ مهمٌّ، وهو ضرورةُ لقاءِ المسلمينَ بالبِشْرِ وطلاقةِ الوَجهِ، كَمَا أكَّدتْهَا وحثَّتْ عليها كثیرٌ من الأحاديث، وجَاءَ تعبیرُ الإمَامِ (عليه السَّلام)، باسمِ التَّفضيلِ (أبشّ) مُضَافًا إلى الضَّميرِ وهو أحدُ المَعارفِ - وكمَا هو مَعْلومٌ، إنَّ اسمَ التَّفضيلِ إذا أُضيفَ إلى المَعرفةِ دلَّ على (البعضيَّة)، أيْ: كِلاهُمَا بشٌّ، ولكنِ الفائزُ مَن كان أكثرَ بَشَاشَةً، وبِهَذا نُجمِلُ القولَ بَأنَّ: البَشَاشَةَ مُتَجدِّدةٌ ومُلازمةٌ لأخلاقِ المُؤمنِ، وِلكنَّهَا متفاوتةٌ بينَ هَذا وذَاكَ.

ص: 72


1- العين (بشّ): 6 / 223
2- النهاية في غريب الحديث والأثر (بشّ): 1 / 130
3- ينظر: تاج العروس (ب ش ش): 17 / 80

المبحثُ الثَّاني المَصَادرُ

اشارة

المَصدرُ لغةً المَصدرُ في اللُّغة، يَعني: الرُّجُوع، صَدَرَ، يَصْدُرُ (بالضَّمِّ)، ويَصْدِرُ (بالكَسْرِ)، صُدُورًا وصَدْرًا(1).

المَصدرُ اصطلاحًا المصدر في الاصطلاح هو: «كُلُّ اسمٍ دَلَّ على حَدَثٍ»(2). وعرَّفهُ ابنُ الحاجبِ بأنَّهُ:

«اسمُ الحدثِ الجاري على الفعلِ»(3)، وسَمَّى ابنُ عصفور المصدرَ اسمَ الفِعْلِ(4).

أصالةُ المصدرِ شَهِدَ الدَّرسُ اللُّغويُّ العربيُّ اختلافًا بينَ المذهبينِ البصريّ والكوفيّ في الفعلِ

ص: 73


1- ينظر: تاج العروس (ص د ر): 12 / 294
2- اللمع في العربية: 131
3- شرح الكافية الشافية: 2 / 191
4- ينظر: المقرَّب: 1 / 144

والمَصدرِ، أيُّهُمَا أَصلٌ للآخر؟ ذَهبَ البصريُّونَ إلى أصَالةِ المَصْدرِ، ومَا عدَاهُ مِن الفعلِ وسائرِ المُشتقَّات فهيَ فُروعٌ مِنه، ومأخوذةٌ عنْهُ، قالَ الخليل في المصدرِ: «أصلُ الكلمة الَّذي تصدرُ عنه الأفعال»(1).

أمَّا سيبويه؛ فسمَّى (المصدر) الحدثَ. قال: «واعلمْ أَنَّ بعضَ الكلامِ أثقلُ منَ الأسماءِ؛ لأنَّ الأسماءَ هِيَ الأولى وهِيَ أشدُّ تمكُّنًا، فمنَ ثَمَّ لمْ يَلحقْها تَنْوينٌ، ولَحِقهَا الجَزمُ والسُّكونُ وإنَّمَا هِيَ منَ الأسْمَاءِ، ألا تَرَى أنَّ الفعلَ لابدَّ لهُ مِن الاسمِ وإلَّا لمْ يَكنْ كَلامًا، والاسمُ قَدْ يَسْتغنِي عَنِ الفعْلِ»(2)، ثُمَّ قَالَ في الأفعَالِ: «وأمَّا الفعْلُ فأمثلةٌ أُخِذتْ مِنْ لفْظِ أحْدَاثِ الأسْمَاءِ»(3)، وأحْدَاثُ الأسْمَاءِ هِيَ المَصَادِرُ.

وذهب الكُوفيُّونَ إلى كَونِ الفعلِ أصْلاً للأسمَاءِ، وغيرِهَا من المُشتقَّات. يَقولُ الفرَّاءُ (ت 207 ه): «المَصْدرُ مأخوذٌ من الفِعلِ، والفعلُ سابقٌ لهُ وهو ثانٍ بَعدَهُ»(4).

دَلالةُ المصدرِ.

يَدلُّ المصدرُ على الحدثِ المُطْلق، دونَ التَّقييدِ بِزمانٍ، قالَ العكبريّ (ت 616 ه):

«فإنَّ لفظَ المصدرِ لا يَدلُّ على زَمَانٍ البتَّةَ، وإنَّمَا الزَّمَانُ من مُلازماتِهِ»(5)، وإلى هذا

ص: 74


1- العين (صدر): 7 / 94
2- الكتاب: 1 / 20
3- المصدر نفسه: 1 / 12
4- معاني القرآن: 2 / 64
5- مسائل خلافية في النحو: 45

أشار ابنُ يعيشَ (ت 643 ه) بِقوله: «والمَصَادِرُ لا تَدلُّ على الزَّمنِ من جِهةِ اللَّفظِ، وإنَّمَا الزَّمانُ من لوازمِهَا وضَرُوراتِهَا»(1).

ويمكنُ القولُ: إنَّ الوصفَ بالمصدرِ أقوى دَلالةً من الوصِف بالصِّفةِ؛ لأنَّ الوصفَ بِالمَصدرِ يُشعرُ بأنَّ المَوصُوفَ صَارَ في الحقِيقةِ مَخلُوقًا من ذَلكَ الفعْلِ؛ لِكثْرةِ تَعاطِيهِ لَهُ واعتِيادِهِ عليه، ويَدلُّ كذَلكَ على أنَّ هذا المعنَى لَهُ، مثلُ قَوْلِنَا: (هذا رجُلٌ عدلٌ)؛ فلَكثرةِ تعاطِيهِ العَدلَ، أصْبحَ العَدلُ من لوازمِهِ، ومن معَانِيهِ(2)، فكأنَّ العدلَ تجسَّدَ به وصارَ مادَّةً له.

وأشْهرُ تقسيماتِ الصَّرفيينَ للمصَادِرِ تقومُ علَى أساسِ التَّجرُّدِ والزِّيِادَةِ في فعلِهِ، وهَذَا مَا سيعتمدُهُ الباحث في هَذا البَابِ.

أوَّلًا: مَصادرُ الأفعالِ المُجرَّدَةِ

مصادرُ الأفعالِ الثُّلاثيَّةِ المجرَّدةِ لحظَ الصَّرفيُّونَ تعدُّدَ مصادرِ الأفعالِ الثُّلاثيَّةِ المجرَّدةِ، وهذا التَّعدُّدُ علَّلَهُ المُبرِّد بقولِهِ: «اعْلَم أَنَّ هَذَا الضَّرْب من المصادرِ يَجِيءُ على أَمْثِلَةٍ كَثِیرَةٍ بزوائدَ وغیرِ زَوَائِد؛ وذَلِكَ أَنَّ مَجازها مجَازُ الأَسْمَاءِ، والأسماءُ لَا تقعُ بِقِيَاسٍ»(3)، ولكنَّ هذهِ القاعدةَ في الفعل الثُّلاثيِّ خاصَّةً، «فإِذا خرجت الأَفعالُ من الثَّلَاثَةِ لم يكنْ كُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا إِلَّا علَی

ص: 75


1- شرح المفصل: 1 / 23
2- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدّلالة: 67
3- المقتضب: 2 / 124

طَريقَةٍ واحِدَةٍ ولم تخْتَلفْ مصَادِرُهَا»(1).

أمَّا أبنيةُ المَصَادِرِ الَّتي وردتْ في المرويَّات؛ فنذكرُ منْهَا، بحسب قوَّتِها في الدَّلالة، الآتي:

1- (فَعْل) بفتحِ الفاء وسكونِ العين، تُعدُّ هذهِ الصِّيغةُ مَصدرًا قَيَاسِيًّا مُطَّرِدًا للأفعَالِ الثُّلاثيَّةِ (المتَعدِّية) عندَ أكثرِ اللُّغويينَ، فَعَل يفْعِل، وفَعَل يفعُل، وفعِل يفعَل، وغیر المتعدِّية في فعُل يفعُل، والغالبُ في مَصادرِ تلكَ الأفعَالِ أنْ تكونَ علىَ هذَا البِنَاءِ(2).

ومن معاني هذه الصِّيغة (فَعْل) في العربيَّة(3):

أ. الغلبة (غلبة المقابل)، نحو: قَهَرَ قَهْرًا، وقَسَرَ قَسْرًا.

ب. الإصابة، والإنالة، نحو: جَلَدَ جَلْدًا، ولَحَم لَحْمًا.

ج. الحركة والاضطراب، نحو: رجِع رَجْعًا، ومضِغ مَضْغًا، ودكَّ دَكًّا.

د. الانفعالات، نحو: خافَ خَوْفًا، وراعَ رَوْعًا، وجاعَ جَوْعًا.

ه. التَّفريق، نحو: فَصَل فَصْلً، وقطَعَ قَطْعًا.

ودلالات (فَعْل) في اللُّغة العربيَّةِ كثیرةٌ، فَلا يمكنُ حَصرُها في مَجالاتٍ دلاليَّةٍ

ص: 76


1- المصدر نفسه: 1 / 72
2- ينظر: المقتضب: 1 / 124، وشرح الشافية، للرضي: 1 / 156، وشرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: 2 / 123
3- ينظر: ارتشاف الضّرب، لأبي حيان الأندلسي: 168، وأبنية المصادر في نهج البلاغة، فائزة عبد الأمير شمران، (رسالة ماجستير): 34، 37

مُحدَّدةٍ، فَهي لا تقتصرُ على معنًى مُعيَّنٍ؛ لذا يكونُ للسِّياقِ دورٌ مهمٌّ في تَديدِ دَلالاتِهَا.

وقدْ جَاءَ هذا البناءُ في المرويَّات نحو (أربعين) مرَّةً، وبِدلالاتٍ مُختلفةٍ، منْهَا ما يأتي:

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى (الوَفْر): «الوَفْرُ مِنَ المَالِ والمَتَاعِ: الكثیرُ الواسعُ، وقِيلَ: هُو العامُّ مِنْ كُلِّ شَیْءٍ، والجَمْعُ وُفُورٌ؛ وقَدْ وفَرَ المالُ والنَّباتُ والشَّیءُ بِنَفْسِهِ وفْرًا ووُفُورًا ووفِرَةً. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهُ): ولَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْرًا، الوَفْرُ: المَالُ الكَثِيرُ»(1).

وردتْ في النَّصِّ كلمةٌ على زِنَةِ (فَعْل) هي (وَفْرًا)، وهي مِن أبنيةِ مَصادرِ الأفعال الثُّلاثيِّةِ، ومن بَابِ (وَعَدَ يعِدُ). قالَ أحمدُ بن مُحمَّد الفيُّوميُّ (ت 770 ه) فِی معنَى (وَفَرَ): «وَفَرَ الشَّيْءُ يَفِرُ مِنْ بَابِ (وَعَدَ) وُفُورًا، تَمَّ وكَمُلَ، ووَفَرْتُهُ وفْرًا مِنْ بَابِ (وَعَدَ أَيْضًا)، أَتْمَمْتُهُ، وأَكْمَلْتُهُ، يَتَعَدَّى ولَا يَتَعَدَّى»(2). وقد يُراد ب (وَفْر) الكثرةُ في كُلِّ شيءٍ، قالَ الفيروزآباديّ (ت 817 ه): «الوَفْرُ: الغِنَى، من المالِ والمَتاعِ: الكثيرُ الواسعُ، أو العامُّ من كلِّ شيءٍ»(3).

دَلَّ المَصدرُ (وَفْرًا) على معنيينِ، وهما: (المالُ، والكثرةُ)، ولو جِيءَ بلفظ (المال) بدلًا من (الوَفْر) لمَا دلَّ علَى الكثرةِ والسِّعَةِ في الغنى. وهنا يمكنُ أنْ يُضافَ معنًى جديدٌ إلى (فَعْل) هو الكثرة.

ص: 77


1- لسان العربِ (وفر): 5 / 287، وينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 205
2- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (و ف ر): 2 / 666
3- القاموس المحيط (الوفر): 1 / 493

2- (فَعَل) بفتح الفاءِ والعينِ، هِيَ صيغَةٌ قياسيَّةٌ في (فَعِل) اللاَّزم(1)، وتكون سماعيَّةً في (فَعَلَ) لازمًا ومتعدِّيًا، وفي (فَعِل) المتعدِّي - إذا لم يدلَّا (فَعَلَ، وفَعِلَ المتعدِّيانِ) على حِرفةٍ أو ما في معناها - وفي (فَعُل)، وفي (فَعِل) اللاَّزمِ، في غيرِ المعاني الَّتي حدَّدَها اللُّغويُّونَ لهذهِ الصِّيغةِ، ومن أمثلة ذلك: كرُم كرَمًا، وبطِرَ بطَرًا(2).

لقد رَبَط اللُّغويُّون صِيغة (فَعَل) بمعانٍ مُتعدِّدةٍ، وهذهِ الصِّيغةُ تكون مطَّردةً في (فَعِل) اللاَّزمِ لتدُلَّ على معَانٍ، منْها(3):

1. التَّرك والزُّهد: نحو: أَجِم أَجَمًا، وسَنِق سَنَقًا، وغَرِض غَرَضًا.

2. الدَّاء ومَا شَابهَه: ومثالهُ (وَجِع وجَعًا، ومَرِض مَرَضًا).

3. الذُّعر أو الخوف: ومثاله (فَزِع فَزَعًا، ووَجِل وجَلًا، وجِر وجَرًا).

4. الحزنُ وضِدُّه: ومثالهُ: (حَزِنَ حَزَنًا)، وقالوا: (أَشِرَ أَشَرًا، وفَرِحَ فَرَحًا).

5. الهيج والخِفَّة: نحو: (أرج أرَجًا وحَمِس حَمَسًا)، وقالوا: (سَلِسَ سَلسًا، وقَلِق قَلَقًا وهو قلِقٌ، ونزِق نَزَقًا وهو نَزِقٌ) وقدْ جَاءَ هذا البناءُ في مرويَّات الإمامِ (عليه السَّلام)، (سبعَ عشرة) مرَّة وبدلالاتٍ مختلفةٍ، منْها الآتي:

قال ابنُ منظور في بيان معنى كلمةِ (الجَرَضَ): «والجَرِيضُ: أَنْ يَحْرَضَ عَلَی نَفْسِهِ

ص: 78


1- ينظر: شرح ابن عقيل: 2 / 123
2- ينظر: المهذب في علم التصريف: 211 - 212
3- ينظر: الكتاب: 4 / 16 - 25، 24، 21، وأبنية المصادر في نهج البلاغة: 45 - 46

إِذا قَضَی. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: هَلْ يَنْتَظِرُ أَهلُ بَضاضةِ الشَّباب إِلَّا عَلَزَ القَلَقِ وغَصَصَ الجَرَض؟ الجَرَض، بِالتَّحْرِيكِ، هُو أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ الحَلْقَ، والإِنسان جَرِيضٌ»(1).

ممَّا جَاءَ في النَّصِّ كلمةُ (الجَرَض)، هِيَ مصدرٌ ل (جَرِضَ)، وهيَ قريبةٌ من معنى الدَّاءِ في الإنسانِ، يقولُ الخليل: «إنَّهُ ليَجْرِضُ الرِّيقَ على همٍّ وحَزَنٍ، ويَحْرَضُ على الرِّيقِ غَيظًا، أي: يبتلِعهُ... ومَاتَ جَرِيضًا، أي: مَرِيضًا مَغمُومًا، وقَدْ جَرِضَ يَحْرَضُ جَرَضًا شَدِيدًا»(2)، والجَرَضُ هو الغَصَصُ بالرِّيقِ خاصَّةً، وبهذا قالَ ابن دريد: «الجَرَضُ: الغصَص بالرِّيق يُقَال: جَرِضَ يَحْرَضُ جَرَضًا إِذا اغتصَّ»(3).

قالَ ابنُ أبي الحديدِ: «والجَرِيضُ: الرِّيقُ يُغَصُّ بهِ، جَرَضَ بريقهِ بالفتحِ، يَحْرِضُ بالكسرِ، مثل (كَسَر يكسِرُ)، وهو أنْ يبلعَ ريقَهُ علَى هَمٍّ وحَزَنٍ بِالجُهْدِ»(4).

أراد الإمامُ (عليه السَّلام)، أنْ يذكرَ مصیرَ الإنسانِ، ومَا ينتظرُهُ من همُومٍ وهلعٍ وتوجُّعٍ، والجَرَضُ مصدرٌ يَدلُّ علَى معنًى قريبٍ من الدَّاءِ في الإنسانِ، وهَذا من المعاني الصَّرفيَّةِ الَّتي حدَّدَهَا الصَّرفيُّونَ لهذهِ الصِّيغةِ من المَصَادِرِ.

ص: 79


1- لسان العربِ (جرض): 7 / 130
2- العين (جرض): 6 / 43
3- الجمهرة (ج ر ض): 1 / 459
4- شرح نهج البلاغة، لابن ابي الحديد: 6 / 260

مصَادرُ الأفعالِ الرُّباعيَّةِ المجرَّدَةِ للفعلِ الرُّبَاعِيِّ المجرَّدِ صيغةٌ واحدةٌ، هي (فَعْلَلَ)، ويكونُ لازمًا، مثل (حَشرَج، وغَرغرَ عند الموت)، ومتعدِّيًا، مثل (دَحرجَ)، والمصادر الرُّباعيَّة تكونُ أكثر الصِّيغ تعبیرًا عن الحدث، فالتِّكرير في الصِّيغةِ يدلُّ على تكرير الحدث، قالَ ابن جنِّيّ: «إنَّك تجدُ المصادرَ الرُّباعيَّة المضعَّفة تأتي للتَّكرير نحو: الزَّعزعة، والقلقلة، والصَّلصلة، والقعقعة والصَّعصعة»(1)، كما يدلُّ تقطيع الفعلِ على تقطيع الحدث، نحو: صَرْصَر، جَعْجَع، زَلْزَل(2).

ومنه ما اشْتُقَّ من أسماءِ الأعيانِ، مثل (فلفلت الطَّعامَ، وزعفرت الثَّوبَ)، ومنه المنْحُوتُ، مثل (بَسْمَلَ، وحَوْقَلَ)(3).

أمَّا مصدر الفعل الرُّباعيّ المُجرَّدِ (فَعْلَل)، ولما أُلحق بهِ من الثُّلاثيّ المزيدِ بحرف، نحو (شَمْلل، وحَوْقَل)؛ فَقَد اتَّفقَ الصَّرفيُّونَ على أنْ تكونَ لمصدَرِهِ صيغتَانِ، هما: فَعْلَلة، وفِعْلال، نحو زلزلة وزِلزال(4).

وقد وردَ هذا البنَاءُ (فَعْلَل)، في مَواضعَ قليلةٍ في المرويَّات بلغت (خمس) مرَّاتٍ.

ومنْها ما يأتي:

ص: 80


1- الخصائص: 2 / 155
2- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 70
3- ينظر: ضياء السالك إلى أضح المسالك: 3 / 38
4- ينظر: المقتضب: 2 / 95 - 96، وشرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: 2 / 131 - 132، وشذا العرف: 59 - 60، والمهذب في علم التصريف: 247

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظة (وَعْوَع): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: وأَنتم تَنْفرُون عَنْهُ نُفُور المِعْزَى مِنْ وَعْوَعة الأَسَدِ، أَي: صوْته. ووَعْواعُ النَّاسِ: ضَجَّتُهم»(1).

في النَّصِّ كَلمةٌ علَى زِنَةِ (فَعْللَة)، هِي (وَعْوَعَة)، وهِيَ مصدَرٌ للفعلِ الرُّبَاعيّ اللَّزِمِ (وَعْوَعَ)، ويعني في اللُّغة، صَوتًا من أصواتِ الحيوَاناتِ، قَالَ الخليلُ:

«والوَعْوَعَةُ: مِن أصواتِ الكِلابِ وبنَاتِ آوَى. . . . وتقولُ: وعْوَعَتِ الكلبَةُ وعْوَعةً، والمَصدَرُ الوَعْواع، لا يُكْسَرُ على (وِعْواع) نحو زِلْزال كراهيةً للكَسْر في الواو»(2).

والمصدرُ الرُّبَاعيّ المُضعَّفُ فيهِ «شيءٌ من حكايةٍ لصوتٍ مَا، وفيهِ أيضًا تَتَّضحُ الصِّلةُ بينَ الصَّوتِ والمدلولِ وهو مَا يُدعَى ب (eipotamono) ونستطيعُ أنْ نردَّ إلى هذا جميعَ الكلماتِ الَّتي تُعربُ عنِ الأصواتِ الَّتي ألصقهَا العربُ بِالمصادِرِ الَّتي تخرجُ منها هَذه الأصواتُ»(3).

والتَّضعيفُ في الكلمةِ يُكسبها قوَّةً وزِيادةً ومبالغةً، فضلاً عن أنَّ العربَ لمحوا في هذا التَّضعيفِ طريقةً حَسنةً لحكايةِ الأصوات(4)، وهَذا مَا نَلمسهُ في خطابِ الإمام (عليه السَّلام) لأصحابهِ الَّذينَ سَلكَ بهم سُبلَ الهدايَةِ الَّتي توصِلهم إلى الحقِّ والدِّفاعِ عنه، وهُم يَنفرونَ منه نفورَ المعزى من صوتِ الأسدِ، وهذا التَّشبيهُ يدلُّ علَى أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام)، قدْ يئسَ من أصحابهِ الَّذينَ ابتعدوا عنْ طَريقِ الحَقِّ(5)؛

ص: 81


1- لسان العرب (وعوع): 5 / 402
2- العين (وعوع): 1 / 113
3- الفعل زمانه وأبنيته، إبراهيم السامرائي: 195
4- ينظر: المصدر نفسه: 195
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، عباس الموسويّ: 2 / 382

فاستعملَ المصدرَ الدَّالَّ على ديمومةِ الحدثِ وتكرارهِ، من دون الارتباطِ بزمنٍ محدَّدٍ، وهذهِ الدَّلالة من دلالاتِ (فَعْللة). وأمَّا (فِعلال)؛ فلا شاهدَ في المرويَّات عليه.

ثَانيًا: مَصادرُ الأفعالِ المزِيدةِ على ثَلاثةِ أحرفٍ

الفعلُ المَزيدُ: هو مَا زيدَ على حرُوفهِ الأصليَّةِ حرفٌ أو أكثرُ، وهو في العربيَّةِ نوعانِ: مزيدُ الثُّلاثيّ، ومزيدُ الرُّبَاعيّ، ولكُلٍّ منهمَا أبْنيةٌ ومصَادرُ. وهذهِ المصادِرُ قياسيَّةٌ، أيْ: لهَا ضَوَابطُ مطَّردةٌ؛ لمعرفَةِ أوْزانهَا، من دونَ الرُّجوعِ إلى المُعجماتِ(1).

ومَا وردَ من أوْزانِ هذِهِ المصادِرِ في المرويَّات كانَ قليلًا. ومنهَا:

1- (افتعال) وهو مصدرٌ للفعلِ الثُّلاثيّ (افتعل)، المزيدِ بالهمزةِ والتَّاءِ(2). قالَ سيبويه: «وأمَّا افتعلت؛ فمصدرُهُ عليه افتعالًا، وألفُه موصولةٌ كما كانَتْ موصولةً في الفعلِ، وكذلكَ مَا كانَ علَى مثالِهِ، ولزوم الوصلِ هَاهنَا كلزومِ القطعِ في أعطيت، وذلكَ قولك: احْتَبَسْت احْتَبَاسًا، وانطلَقْت انطِلاقًا؛ لأنَّهُ على مثالِهِ ووزنِهِ»(3).

انفردت صِيغةُ (افتَعلَ) ومصدرُهَا (افتِعَال) بصفةٍ لم تكنْ موجودةً في غيرِهَا من الصِّيغِ، هِيَ صفةُ (الإبدال) ونعني بالإبدالِ «جعل حرفٍ مكانَ غیرهِ»(4)، إذ

ص: 82


1- ينظر: المهذب في علم التصريف: 220
2- ينظر: المفصل في صنعة الإعراب: 375، وشرح شافية ابن الحاجب، لركن الدّين الاسترباذي (ت 715 ه): 1 / 300، وجامع الدّروس العربية، مصطفى الغلاييني: 170، والنحو الوافي: 3 / 202، والموجز في قواعد اللغة العربية، سعيد الأفغاني: 88
3- الكتاب: 4 / 78
4- شرح الشافية، للرضي: 3 / 197

يكونُ الإبدالُ في فائِها وتائِها.

أمَّا التَّاء؛ فإنَّها تُبْدَلُ طاءً إذا سُبِقَتْ بأحدِ أصواتِ الإطباقِ الأربعةِ: الصَّاد، والضَّاد، والطَّاء، والظَّاء، فنقول في اصْتَبَر: اصْطَبَرَ والمصدر: اصطِبَارًا، وفي اضْتربَ:

اضْطَرَبَ والمصدر اضطرابًا، وفي اطْتهر: اطَّهَر، إذ وجبَ الإدغامُ؛ لاجتماعِ المْثلينِ، وسكونِ أوَّلهِمَا، وفي اظتلم: اضطلم. أَمَّا إذا سُبِقَتِ التَّاء بِالدَّالِ، أو الذَّالِ، أو الزَّاي؛ فإنَّها تُبْدَلُ دالًا، فنقولَ في (ادْتَان) مِن دَان: (ادَّان، ومصدرهُ ادِّيانًا)، وفي (اذتَكَرَ) من ذكرَ: (اذذكرَ، ومصدره اذذكارًا)، وبعد الإدغامِ تصبحُ (اذَّكر، اذّكارًا)، وفِی (ازتجَرَ) من زَجَرَ: (ازَدَجَرَ، ومصدره ازدجارًا)(1).

وقدْ بحثهُ القدمَاءُ في بابِ الإدغامِ والإبدالِ، ودرسَهُ المُحدثونَ في بابِ الاشتقاقِ وغيرهِ(2).

ذَكَرَ العلماءُ أنَّ صِيغةِ (افْتِعَال) تدلُّ على معانٍ دَلاليَّة، أشهرُهَا (المطاوعة، والمشاركة، والاتِّخاذ، والأخذ، والطَّلب. . . وغيرها)(3).

وقد وردَ هذا الوزنُ في المرويَّات مرَّتين، منها الآتي:

ص: 83


1- ينظر: اللباب في علل البناء والإعراب، للعكبري: 2 / 348، وإيجاز التعريف في علم التصريف، لابن مالك: 181 - 184، وشرح الشافية، للرضي: 3 / 277، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 4 / 244، وشذا العرف: 134
2- ينظر: المهذَّب في علم التصريف: 292
3- ينظر: المفصل في صنعة الإعراب: 373، والممتع في التصريف: 131، والمهذَب في علم التصريف: 81 - 82. لسان العرب (قسر): 5 / 92

قالَ ابنُ منظور في بيان معنى كلمةِ (قَسْر): «القَسْرُ: القَهْرُ عَلَى الكُرْه، قَسَرَه يَقْسِرُه قَسْرًا واقْتَسَرَه: غَلَبه وقَهَره، وقَسَرَه عَلَى الأَمر قَسْرًا: أَكرهه عليه، واقْتَسَرْته أَعَمُّ، وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ): مَرْبُوبونَ اقْتِسارًا، الاقْتِسارُ افْتِعال مِنَ القَسْر، وهو القَهْرُ والغَلَبَةُ».

في النَّصِّ كلمة (اقْتِسَارًا) على وزنِ (افْتِعَالًا)، هِي مصدرٌ للفعلِ الثُّلاثيّ المزيدِ بحرفينِ (الهمزة والتَّاء)، ومعنى (الاقْتِسَار)، القهرُ والغلَبةُ، قالَ ابنُ فارس: «القَافُ والسِّينُ والرَّاءُ يَدُلُّ عَلَى قَهْرٍ وغَلَبَةٍ بِشِدَّةٍ. مِنْ ذَلِكَ القَسْرُ: الغَلَبَةُ والقَهْرُ»(1).

جَاءَ تعبیرُ الإمام (عليه السَّلام)، بالمصدرِ (اقْتِسَارًا) ليصفَ حالَ العبادِ المملوكينَ بالقوَّةِ، والمغلوبِ على أمرِهم ومَشيئتِهِم. ومهما بلغوا من القوَّةِ والسُّلطانِ، فهم عبادهُ، لا يخرجون عن إرادته (جلَّ جَلالُهُ)، وإِنْ طالَ بهم الزَّمنُ وارتفعتِ الأقدارُ، وهذا المعنى يَتناسبُ والمصدرَ (اقْتِسَارًا)؛ لأنَّهُ دلَّ على المُطَاوعةِ الخاليَةِ من الزَّمنِ المُحدَّدِ. قالَ الخوئيّ في معنى الحديث: «أيْ: مملوكون من قهر وغلبة، وربَّاهم الله سبحانه من صغرهم إلى كبرهم لا عن اختيار منهم حتَّى يكون لهم الخیرة في معصية ربِّهم ومالكهم»(2).

2- (تَفْعِيل)، هِي صِيغةٌ لمصدرِ الفعلِ الرُّباعيّ (فعَّل)، مُضعَّف العينِ. و (التَّاءُ) في المصدرِ (تَفْعِيل) ورَدَتْ بدلًا، مِن العينِ الزَّائدةِ في فَعَّل(3). وهو مصدرٌ قياسيٌّ، «والمصدرُ من (أَفْعَل) على (إفْعَال)، نحو: أكْرَم إكْرَامًا، ومن (فَعَّل) على (تَفْعِيل، وتَفْعِلَة، وفِعَّال)،

ص: 84


1- المقاييس (قسر): 5 / 88
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 5 / 384
3- ينظر: الأصول في النحو: 3 / 130

نحو: ذَكَّرَ تَذْكِیرًا وتَذْكِرَة، وكَذَّبَ كِذَّابًا»(1). بشرط أنْ يكونَ صحيحَ الآخرِ، وإلَّا تُحذفُ ياءُ التَّفعيلِ، ويعوضُ عنْهَا التَّاء في تَفْعِلَة(2).

ومن معاني صِيغةِ (تَفْعِيل) الدَّلاليَّةِ في اللُّغة العربيَّةِ، (التَّكثیر، والتَّعدية، والحكاية، والاتِّخاذ، والتَّبعيض. . . وغيرها)(3).

وقدْ وردَت في المرويَّات (خمس) مرَّات، ومنها الآتي:

قال ابنُ منظور في بيانِ معنى (هَزَع): «وهَزَّعْتُ الشَّيءَ: فَرَّقْتُهُ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ): إِيَّاكم وتَهْزِيعَ الأَخْلاقِ وتَصَرُّفَها، مِنْ قَوْلِهِمْ هَزَّعْتُ الشَّیءَ تَهْزِيعًا كَسَّرْتُهُ وفَرَّقْتُه»(4).

وردتْ في النَّصِّ كلمةُ (تَهْزِيع)، وهيِ مصدرٌ للفعلِ (هَزَّعَ) مضعَّف العينِ، وتعني في اللُّغة، «وهَزَّعتُ الشَّیءَ: فرَّقْتُه»(5).

قالَ ابنُ أبي الحديدِ في مَعنى الحديثِ: «تهَزْيع الأخلاقِ: تَغِييرُها، وأَصْلُ الهَزَعِ: الكَسْرُ»(6)، وقد انتصبَ المَصدرُ (تهزيعَ) على التَّحذِيرِ، ولمَّا كان من معاني هذه الصِّيغة (التَّبعيض) ونعني به التَّفرقة والتَّغيیر، جَاءَ تعبیرُ الإمامِ (عليه السَّلام)،

ص: 85


1- إيجاز التعريف فِ علم التصريف: 74
2- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 2 / 128
3- ينظر: الكتاب: 2 / 237، وشرح الشَّافية، للرضي: 1 / 29، والمهذب في علم التصريف: 80، والتطبيق الصرفي: 39
4- لسان العرب (هزع): 8 / 370، 371
5- المحكم والمحيط الأعظم (ه ز ع): 1 / 118
6- شرح نهج البلاغة: 10 / 28

بالمصدرِ ليدلَّ على عدمِ التَّغيیرِ والتَّبعيضِ للأخلاقِ، هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر، هو دلالةُ المصدرِ بصورةٍ عامَّةٍ، إذْ يَدلُّ على الدَّيمومةِ والاستمرارِ، من دون تقيُّدٍ بزمنٍ معيَّنٍ، ومن هذا المنطلقِ نرى أنَّ استمراريَّةَ الأخلاقِ وديمومتهَا، هِي ديمومةٌ للدِّينِ في المجتمعِ بصورةٍ عامَّةٍ، وللفردِ بصورةٍ خَاصَّةٍ؛ فمنْ لا أخلاقَ لهُ لا دِينَ له، ويؤكِّدُ ذَلكَ الحَديثُ النَّبويّ، «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَّمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»(1).

ص: 86


1- السنن الكبرى، للبيهقي (ت 458 ه): 10 / 323

المبحثُ الثَّالثُ جَمعُ التَّكسيرِ

جمعُ التَّكسیرِ: «هو مَا دلَّ على أكثرَ من اثنينِ بتغيیرٍ ظاهرٍ كرَجُلٍ ورِجَالٍ أو مقدَّرٍ كفُلْك للمفردِ والجمعِ»(1). وقد أخرجَ الصَّرفيُّونَ جمعي تصحيحِ المذكَّرِ والمؤنَّثِ بعبارةِ (بتغيیرٍ ظَاهرٍ)؛ لأنَّ جمعي تصحيحِ المذكَّرِ والمؤنَّث لا تتغيَّرُ فيهمَا صورةُ المفردِ، أمَّا مَا دلَّ علَى جمعِهمَا؛ فهو من اللَّواحقِ لطرفِ مفرديهمَا(2). وسُمِّي جمعَ تكسیرٍ؛ «لأنَّهُ لم يَسلمْ فيهِ بِناءُ الواحدِ»(3)، من التَّغيرِ الظَّاهرِ أو المُقدَّرِ. وهذا الجمعُ عامٌّ في العُقلاءِ وغيرِهم، ذكورًا كَانوا أو إناثًا، وهو قسمانِ: جمعُ قلَّةٍ، وجمعُ كثرةٍ، وأبنيته سبعةٌ وعشرونَ، منْها أربعةٌ للقِلَّة، والباقي للكَثرةِ(4).

أغْلَبُ الدِّرَاسَاتِ الَّتي تنَاولتْ جَمعَ التَّكسیرِ كَانَتْ تَدْرسُهُ في قِسمَينِ: جَمع قلَّة، وجمع كثرة؛ ممَّا يجْعلُ المادَّةَ قَصِیرةً في قسمٍ، وطويلةً في قِسمٍ آخر، فَارتأيتُ أَنْ

ص: 87


1- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 4 / 114
2- ينظر: المهذب في علم التصريف: 164
3- شرح شذور الذهب، للجوجري (ت 889 ه): 1 / 203
4- ينظر: شذا العرف في فن الصرف: 85، وجامع الدّروس العربية: 2 / 28

يكونَ تقسيمِي لتلكَ الجُموعِ، يقومُ علَی أساسِ التَّجرُّدِ والزِّيَادةِ؛ فيكون ثلاثَةَ أقسامٍ:

الجُموع المجرَّدة، مثل: بُرَد، وجُرَذ، والجُموع المَزِيدَة بِحرفٍ واحدٍ، مثل: أنْهُر، وأبْحُر، والجُمُوع المَزِيدَة بِحرْفَينِ فأكْثَر، مِثل: أزْمِنَة، ودنَانير.

جُموعُ التَّكسيرِ المجرَّدةِ تَندرجُ تحتَ هذا القسمِ مجموعةٌ من الأوزانِ، فُعْل (شُقْر)، وفُعُل (شُكُر)، وفُعَل (شُرَف)، وفِعَل (بِدَع)، وتأتي هذهِ الأوزانُ للدَّلالةِ علَى جمعِ الكثرةِ في الصِّفاتِ، أو الأسماءِ، وقدْ وردَ في مرويَّات الإمامِ عِلٍّی (عليه السَّلام) في لِسانِ العربِ من هذهِ الأوزانِ بِدلالاتٍ مُختلِفةٍ ما يأتي:

1- (فُعْل) بضمِّ الفاء وسكون العين، ويطَّردُ في كلِّ وصفٍ علَى وزنِ (أفْعَل)، وفي كُلِّ صِفةٍ علَى زِنَةِ (فَعْلاء) مثل: أشقر وشقراء وشُقْر، وأبْكَم وبَكْمَاء وبُكْم(1)، وهو من أوزان جموعِ التَّكسیر الدَّالَّةِ على الكثرةِ.(2)، وقد ورد في المرويَّات (ثلاث) مرَّاتٍ.

ويجب كسرُ (فاء) هذا الجمعِ إذا كانتْ عينهُ (ياءً)، مثل: (بِيض، وعِين)، وأصلُ الجمعِ (بُيض، وعُين) بضمِّ الفاء، وقلبت الضَّمةُ كسرةً؛ لمناسبة (الياء)(3).

قالَ ابن منظور في بيانِ معنى لفظة (مُرْه): «والمَرَهُ: مرضٌ في العَيْنِ لِتَرْكِ الكُحْلِ، ومِنْهُ حَدِيث عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّهَ عَنْهُ): خُمْصُ البُطونِ مِنَ الصِّيام مُرْهُ العيونِ مِنَ البكاءِ،

ص: 88


1- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 4 / 457
2- ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 3 / 1383
3- ينظر: المهذب في علم التصريف: 173

هُو جَمْعُ الأَمْرَهِ. وسَرابٌ أَمْرَهُ، أَي: أَبيض لَيْسَ فيهِ شَیْءٌ مِنَ السَّوادِ»(1).

في النَّصِّ كلمةٌ على زنةِ (فُعْل)، هِيَ (مُرْه)، مُشتقَّةٌ من (مَرِه، يمرَه، مَرَهًا)، والمرهةُ:

البيَاض، فنقول: «رجلٌ أمرَه، وامرأة مَرهَاء»، أيْ: خلت أعينُهما من الكُحلِ(2)، وهي جمعُ تكسیر دالٌّ على جمع الكثرةِ.

ويبدو أنَّ هذه الصِّفةَ في العيونِ خاصَّةً، وربَّما تُطلقُ علَى غيرِها مجازًا، جَاءَ في أساسِ البَلاغةِ «ومن المَجَازِ: سحَابٌ أمرهُ: أبْيضُ. ونَعجَةٌ مَرهَاء: بَيضَاء يَقَقٌ لا شِيَةَ بِها، ورَجُلٌ مَرِهُ الفؤادِ: ذاهِبُهُ من شِدَّةِ المَرَضِ»(3)، وجاءَ في شرحِ الحديثِ: «ومرِهتْ عَينُ فُلانٍ، بكسرِ الرَّاءِ، إذا فسُدتْ لتركِ الكُحلِ»(4)، وقدْ يكونُ عيبًا تُصابُ به العينُ، قالَ الأزهريّ: «المَرَهُ والمُرْهةُ بياضٌ تَكْرَهُه عينُ النَّاظِرِ»(5)، ولكنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) جعلَ مَرَهَ عيونِ هؤلاءِ النَّاسِ المتَّقينَ سبَبَه البُكاء، خَوفًا مِن خَالقِهم سُبحَانَهُ وتعالى، وهو أَجلُّ مقامٍ من مقاماتِ العبوديَّةِ يصل إليهِ الإنسانُ.

جاءَ تعبیرُ الإمامِ (عليه السَّلام) بجمع التَّكسیرِ الدَّالِّ على الكثرةِ؛ ليدلَّ على ما أصابَ عيونهم من المَرهِ لكثرةِ بكائهم خوفًا من خالقهم، وهذا المعنى يكادُ يكونُ جديدًا عند الإمامِ (عليه السَّلام)، إذ جعل هؤلاء العباد قد فسدت عيونهم من كثرةِ البكاء، وهم يرجونَ رحمةَ ربِّهم، ويطلبون منه شفاءها، كما يطلب المصابُ

ص: 89


1- لسان العرب (مره): 13 / 540
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم(م ر ه): 4 / 318
3- أساس البلاغة (م ر ه): 2 / 208
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 7 / 291
5- التهذيب (مره): 6 / 160

بالمره الكُحلَ لشفاءِ ما أصابه، فهم قد استبدلوا الكُحل الَّذي يشفي المره بذكر الله وخوفهم منه، فأنزل الإمام رحمةَ اللهِ (جلَّ جلاله) منزلةَ الكُحلِ للعينِ.

الحديث ورد في نهج البلاغة بالشَّكلِ الآتي: «مُرْه العيونِ من البُكاءِ، خُمْص البطُونِ من الصِّيام»(1)، فيه تقديم جملة (مُرْه) على جملة (خُمْص).

ومعناه كما ذكره الرَّاوانديّ «مُرْه العيونِ، أي: قَرْحى العيونِ، من مَرِهَتْ عينُهُ تَمْرَه مَرَهًا: إذا فَسَدَت لِترَكِ الكُحْلِ، وهي عَينٌ مَرْهاءُ»(2).

2- (فُعَل) بضمِّ الفاء وفتح العين، ذهب الصَّرفيُّون إلى أنَّه يطَّردُ جمعًا للاسمِ على (فُعْلة) سواء أكان صحيحًا أم معتلاً أم مضعَّفًا، مثل: غُرْفة وغُرَف، وجُعَة وجُمَع، عُروة وعُرَى، ونُهْيَة ونُهَى، وعُدَّة وعُدَد، وجُدَّة وجُدَد، ويأتي في كُلِّ وصفٍ على زنةِ (فُعلَى) مؤنَّث (أفْعَل) مثل: صُغْرَى وصُغَر، وفُضْلَى وفُضَل(3)، ويدلُّ هذا الوزنُ على الكثرةِ في جموعِ التَّكسیرِ(4).

وقد وردَ هذا البناءُ في مواضعَ متفرِّقةٍ في المرويَّات بلغت (تسع) مرَّاتٍ، منها ما يأتي:

قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظة (سُدَف): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: وكُشِفَتْ عَنْهُمْ

ص: 90


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 291
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 2 / 32
3- ينظر: الكتاب: 3 / 593، وهمع الهوامع: 3 / 354، والمهذب في علم التصريف: 174
4- ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 3 / 1387

سُدَفُ الرِّيَبِ، أَي، ظُلَمُها. وأَسْدَفُوا: أَسْرَجُوا، هَوْزَنيّةٌ، أَي: لُغَة هَوازِنَ»(1).

فكلمةٌ (سُدَف) على زِنةِ (فُعَل)، وهي من أبنيةِ جمعِ التَّكسیرِ، الدَّالَّةُ على الكثرَةِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الثُّلاثيّ (سَدَفَ)، والسُّدْفة بمعنى الظُّلْمَة، وقدْ تكونُ بمعنى الضَّوء، فهيَ من الأضدادِ، قالَ الأزهريّ: «قالَ أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: السُّدْفةُ في لُغةِ تَمِيم: الظُّلْمةُ. قَالَ: والسُّدْفة في لُغَة قيْس: الضَّوء»(2).

ورُبَّما تأتي بمعنى الامتزاج، قَالَ ابن فارس: «السِّينُ والدَّالُ والفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِرْسَالِ شَیْءٍ عَلَى شَیْءٍ غِطَاءً لَهُ. يُقَالُ أَسْدَفْتُ القِنَاعَ: أَرْسَلْتُهُ، والسُّدْفَةُ:

اخْتِلاَطُ الظَّلَمِ»(3).

يكشفُ لنا الإمامُ (عليه السَّلام) في حديثهِ سرَّ الهدايةِ الَّتي جاءَ بها الرَّسولُ محمَّدٌ (صَلَّی اللهُ عليه وآله وسلَّمَ)، فبيَّنَ اختلاط الظَّلامِ بالنُّور، لِيَكونَ مناسبًا في تصويرِ سريانِ الشَّكِّ في النَّفسِ، فکما یسری الظَّلامُ ليغشى الأرض، فإنَّ الشَّكَّ يسري في قلبِ صاحبهِ حتَّى يجعلهُ صيدًا سهلً للشَّيطان، وبعد أنْ جاء النَّبيّ الأكرم (صَلَّی اللهُ عليه وآلهِ وسلَّمَ)، كشفَ هذا الظَّلامَ الَّذي خيَّمَ على قلُوب النَّاسِ؛ ليُنيرَ لهم دربَ الهدايةِ ويُرشدهم سَواء السَّبيل، فأزالَ عنهم ظلماتِ الشَّكِّ والشُّبهاتِ بما منحهم الله من العقول(4).

وقد تبيَّن لنا أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) استعملَ لفظةَ (سُدَف) على هذه الصِّيغة

ص: 91


1- لسان العرب (سدف): 9 / 148
2- التهذيب (سدف): 12 / 256
3- المقاييس (سدف): 3 / 148
4- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 5 / 386

الدَّالَّةِ على الكثرةِ؛ ليُصوِّر لنا حالَ النَّاسِ في الجاهليَّةِ وتَبُّطَهم في كثرةِ الضَّلالِ والكفرِ والابتعاد عن سبيل الحقِّ والرَّشادِ، فجاءَ بجمع الكثرةِ ليناسب ما كان عليه حالهم.

جموعُ التَّكسير المزيدةُ بِحرفٍ واحِد الصِّيغُ الواردةُ تحتَ هَذا القِسم هيَ (أفْعُل، وفِعْلَة، وفَعَلَة، وفُعْلَى، وفِعَلَة، وفُعَّل، وفِعَال، وفُعُول)، منها جمعٌ واحدٌ يدلَّ على القلَّةِ، هو (أفْعُل)، والباقي يدلُّ على جمعِ كثرةٍ.

ولم يردْ من هذه الأوزان في المرويَّاتِ إلَّا وزنٌ واحدٌ، هو (فِعَال).

ورد هذا البِناء كثيرًا في المرويَّات، بل يُعدُّ من أكثرِ أبنيةِ جموعِ التَّكسیرِ الدَّالَّة على الكثرةِ ورودًا في العربيَّةِ؛ فيجمع به ما كانَ دالًّا على الاسمِ والصِّفةِ(1).

وذكرَ ابنُ جنِّيّ أنَّه يكونُ جمعًا لبناءِ (فَعْل)، اسمًا كان أو صفةً، نحو: كَلْب وكِلاب، وثَوْب وثِياب، وقَفْر وقِفار، وبحر وبِحَار، وجَعْد وجِعَاد، ونحوها(2).

ويطَّردُ في جمعِ الأوزانِ الآتية: فَعْل وفَعْلة، اسمين أو وصفينِ، وفي فَعَل وفَعَلة، وفي فِعَل، وفي فُعْل، وفي فَعِيل وفَعِيلة، وكذلك في فَعْلانِ للمذكَّر، وفَعْلَى وفَعْلانة للمؤنَّث وفُعْلان وفُعْلانة(3).

ص: 92


1- ينظر: الممتع في التصريف: 64
2- ينظر: اللمع في العربية: 171، 174، والخصائص: 1 / 59
3- ينظر: شذا العرف في فن الصرفِ: 90

وقدْ وردَ هذا البناءُ في المرويَّات في مواضِعَ متعدِّدة، منها ما يأتي:

قالَ ابن منظور في بيانِ معنى كلمةِ (سِمَام): «السَّمُّ والسِّمُّ والسُّمُّ: القاتلُ، وجَمْعُهَا سِمامٌ، وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) يذُمُّ الدُّنْيَا: غِذَاؤُهَا سِمَام، بِالكَسْرِ؛ هُو جَمْعُ السَّمِّ القَاتِلِ. وشيءٌ مَسْمُوم: فيهِ سَمٌّ»(1).

فِی الحديثِ كلمةٌ على زنة (فِعَال) هي (سِمَام)، وهي من أبنيةِ جمعِ التَّكسیرِ، الدَّالَّةِ على الكثرَةِ، ومشتقَّةٌ من الفعل الثُّلاثيّ (سَمَّ)، والسِّمَامُ «جمعُ السَّمِّ القاتلِ»(2)، ومفردها (سَمّ، وسُمّ)، ومنهم من فرَّق بين اللَّفظينِ في المعنى، فقالَوا: السَّمُّ بالفتح سَمُّ الحيَّة خَاصَّةً، أمَّا بالضَّمِّ؛ فهو مطلقُ السُّمّ، وقالوا أيضًا: أهل العَالِيَة يَقُولُونَ:

السُّمّ والشُّهد، بالضَّمِّ، وتميمٌ تفتح السَّمَّ والشَّهد، وقَالوا: هما لُغَتَانِ: سَمّ وسُمّ(3)، ويُجمعُ على وزنينِ «سِمَام، وسُمُوم»(4)، وقد أضاف ابن منظور صيغةً ثالثةً هي (سِمّ) بكسر السين(5).

أرادَ الإمامُ (عليه السَّلام) أنْ يَصِفَ لنا حالَ الدُّنيَا معَ من ركنَ إليها، واطمأنَّ بها، وفي حديثِ الدُّنيا «قوله: غذاؤها، باعتبار ما يلزمها في الآخرة من مرارة العقاب وسوء المذاقِ»(6)، فیرى الإنسانُ الطَّعامَ، وتطيبُ له الألوانُ، ويَحلو له المذاقُ، فلا

ص: 93


1- لسان العرب (سمم): 12 / 302
2- العين (سمّ): 7 / 206
3- ينظر: التهذيب (سمّ): 12 / 223
4- تحرير ألفاظ التنبيه، لأبي زكريا النووي (ت 676 ه): 171
5- ينظر: لسان العرب (سمم): 12 / 302
6- مجمع البحرين، للشيخ الطريحي (ت 1085 ه): 2 / 423

يتنبَّه لمضانِّ ذلك الطَّعامِ، فيَقع في سِمَامِ الدُّنيا القاتِل؛ فجاءَ بصِيغةِ جمعِ التَّكسيرِ (سِمَام) الدَّالَّةِ على الكثرة، ليُناسب ما يكثر في الدُّنيا من مزالق يقع فيها الإنسانُ يكون نتيجتها الهلاك والعقاب.

نرى تعبیرَ الإمامِ (عليه السَّلام) جاءَ بلفظِ (سِمَام) وهو كما وردَ جمع (سَمّ) وهو من الأسماءِ، والتَّعبیرُ بالاسمِ يكونُ أقوى دَلالةً من الصِّفةِ؛ لأنَّ الاسمَ يدلُّ على الثُّبوتِ والاستقرارِ، فهو من ذاتيَّاتِ المُسمَّى، ومجرَّد من الحدثِ والتَّجدُّدِ، فهو جاءَ مناسبًا لمَا أرادَ الإمامُ (عليه السَّلام).

ومعنى الحديث کما جاءَ عن ابن أبي الحديد، «والسِّمام: جمعُ سَمٍّ لهذا القاتل، يُقالُ: سَمٌّ وسُمٌّ، بالفتحِ والضَّمِّ، والجمعُ سِمَام وسُموم»(1).

جموعُ التَّكسير المزيدةُ بِحرفينِ فأكثر الصِّيغُ الواردةُ تحتَ هذا القسمِ كثيرةٌ، وتشملُ الجُموعَ المزيدةَ بحرفينِ، والمزيدةَ بثلاثةٍ، وصِيغَ منتهى الجُموعِ.

وقد وردَ من هذه الأوزانِ في مرويَّات الإمام (عليه السَّلام) بدلالاتٍ مختلفةٍ، منها:

1- (أفْعَال) ورد هذا البناء كثیرًا في المرويَّات، بل هو أكثرُ أبنيةِ جُوعِ التَّكسیرِ ورودًا في المرويَّات؛ فيجمع به ما كانَ دالًّا على الاسم وعلى الصِّفةِ شذوذًا، وهو من أبنيةِ جُوعِ القلَّةِ(2)، وهو مزيد بحرفين (الهمزة، والألف).

ص: 94


1- شرح نهج البلاغة: 7 / 231
2- ينظر: الكتاب: 3 / 570، والمقتضب: 2 / 156

ويكون جمعًا لما لم يَطَّرد فيه أفْعُلٌ، كثوب وأثواب، وسيف وأسياف، وحِمْل بكسر فسكون وأحْمَال، وصُلْب بضمٍّ فسكون وأصْلاب، وباب وأبْواب، وسَبَب بفتحتين وأسْباب، وكَتِف بفتح فكسر وأكْتَاف، وعَضُد بفتحٍ فضمٍّ وأعْضَاد، وجُنُب بضمَّتين وأجْنَاب، ورُطَب بضمٍّ ففتحٍ وأرْطَاب، وإِبِل بكسرتين وآبال، وضِلَع بكسرٍ ففتح وأضْلاَع، وشذَّ جَعُ حَمْل على وزنِ أحْمَال، كما في قَولِهِ تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(1)، وكذلكَ شذَّ جمعُ (زَنْدٍ وفَرْخٍ ورَبْعٍ) على وزنِ أزنادٍ وأفراخٍ وأرباعٍ(2).

وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات (ثماني عشرة) مرَّةً، منها قولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (أنْجَاد): «ورَجُلٌ نَجُدٌ ونَجِد، أَي: شَدِيدُ البأْس. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ (رِضْوانُ اللِّهَ عليه): أَما بَنُو هَاشِمٍ فأَنْجادٌ أَمْجَادٌ، أَي: أَشِدَّاء شُجْعان؛ وقِيلَ: أَنْجاد جَمْعُ الجَمْعِ، كأَنَّه جَمَعَ نَجُدًا عَلَى نِجاد، أَو نُجُود ثُمَّ نُجُدٍ ثُمَّ أَنجادٍ»(3).

نرى في النَّصِّ كلمتين علَى زِنةِ (أفْعَال) هي (أنْجَاد، وأمْجَاد)، وهما من أبنيةِ جُموعِ القلَّةِ، ومشتقَّتان من الفعل الثُّلاثيّ (نَجَدَ) و (مَجَد)، إذ جاءَ الإمامُ (عليه السَّلام) بلفظِ الجمعِ فضلاً عن القلَّةِ فيه.

وأنجادٌ جمعُ (نَجْد، ونَجِد)، ولا يكونُ جمعًا ل (نَجِيد)، « كنَصِیر وأنْصَار، قِيَاسًا

ص: 95


1- الطلاق: 4
2- ينظر: الأصول في النحو: 2 / 426، وشذا العرف في فن الصرف: 86 - 87، وجامع الدّروس العربيّة: 2 / 33 - 34
3- لسان العرب (نجد): 3 / 418

على أَنَّ (فَعْلا، وفَعُلا) لَا يكسَّران؛ لقلَّتهما في الصِّفة، وإِنَّمَا قياسهما الواو والنُّون»(1)، وربَّما أرادوا ب (أَنْجَاد) جَمْع الجَمْعِ، كأَنَّه «جَمَعَ نَجُدًا على نِجَادٍ أَو نُجُودٍ ثمَّ نُجُدٍ ثمَّ أَنْجَادٍ»(2) ويبدو أنَّهم حملوا هذهِ الصِّفةَ على الأسماءِ، فنَجِدٌ وأَنْجاد كَانَ حكْمُه أَنْ لَا يجمع جمعَ تكسیرٍ؛ لأنَّ البناءَ إِذا قُلِب قَلَّ تكسیره، ولَا سِيَّما إِنْ كَانَ صِفَةً؛ لأَنَّ الصِّفَة أقلُّ من الِسْم، لكنَّ نَجْدًا لَمَّا وافق الاسمَ في البناء كُسِّر كَمَ يكسَّر الاسم، والاسم اشدُّ تمَكُّنًا في جمعِ التَّكسیرِ، فلا داعيَ لتأويله(3).

ومعنى أنجادٍ في حديثِ الإمامِ، (عليه السَّلام) ماضون في أمرهم وشجاعتهم، فنقول: رجل نجدٌ، أي: «ماضٍ في أمرِه، وشجاعته»(4).

أمَّا أمجادٌ؛ فَكِرامٌ، وهو جَمْعُ مَجِيد، أو مَاجِد، كَأَشْهَادٍ في شَهِيدٍ أو شَاهِدٍ(5)، فهم أهلُ شرفٍ، وكرمٍ، الحديث لم يُرو في نهج البلاغة، وإنَّما رواه الخطابيّ (ت 388 ه(6)، والزَّمخشريّ(7)، وابنُ الأثير(8).

يكشفُ لنا النَّصُّ عن حقيقةِ بني هاشم الَّذين جمعوا بين الشَّجاعة، والشَّرفِ

ص: 96


1- المحكم والمحيط الاعظم (ن ج د): 7 / 338
2- النهاية في غريب الحديث والاثر (نجد): 5 / 18
3- ينظر: الكتاب: 3 / 631
4- العين (نجد): 6 / 85
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (مجد): 4 / 298
6- ينظر: غريب الحديث للخطابي: 2 / 146
7- ينظر: الفائق في غريب الحديث (نجد): 3 / 408
8- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (مجد): 4 / 298

والكرمِ، إذ وصَفَهم الإمامُ (عليه السَّلام) بهذهِ الألفاظ الدَّالَّةِ على جمع التَّكسیر؛ ليثبتَ لهم هذهِ الصِّفاتِ، وكما هو ثابتٌ لدَلالةِ جمعِ التَّكسیر الَّذي يَكونُ أشدَّ تمكينًا في الأسماءِ، والأسماءُ أكثرُ ثبوتًا من غيرها من الألفاظ لذاتِ الموصوفِ، فجاءِ بجمع القلَّةِ؛ ليكونَ مناسبًا للأمجادِ والأنجاد الذين هم القلَّةُ بين النَّاسِ.

2- (فَعَالِيل) وهذا البناءُ من أبنيةِ جمعِ التَّكسیر، المزيدة بأكثرِ من حرفينِ، والدَّالَّة على منتهى الجُموعِ، ونعني بمنتهى الجُموعِ، كلّ جمعٍ بعد أَلفِ تكسیره حرفان، أَو ثلاثة أَوسطُها ساكنٌ مثل: (دراهم، ودنانیر)، وله تسعةَ عشَ وزنًا(1).

ويأتي هذا الوزنُ جمعًا للاسمِ والصِّفة «فالاسمُ نحو: الطَّنابيب، والفساطيط، والجلابيب. والصِّفة نحو: الشَّماليل، والرَّعاديد، والبهاليل»(2)، وعلَّةُ بنائهِ على هذهِ الصِّيغةِ جاءتْ؛ بسببِ كونه على خمسةِ أحرفٍ، ورابعه حرفُ مدٍّ، فَجُمِعَ على زنةِ (فعاليل)(3)، ويدلُّ هذا الوزنُ على الكثرةِ في الجمعِ، والمبالغةِ فيه(4).

وقد جاءَ هذا الوزنُ في المرويَّات في مواضعَ متفرِّقةٍ بلغت (ستَّ) مرَّاتٍ، منها قولُ ابنِ منظور في بيان معنى كلمة (لَهِمّ): «وفَرَسٌ لَهِمٌّ، مِثْلُ هِجَفٍّ: سَبَّاق كأَنَّه يَلْتَهِم الأَرض. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ (عليه السَّلام): وأَنتم لَهامِيمُ العَرَبِ، جَمْعُ لُهْمومٍ الجَوادُ مِنَ

ص: 97


1- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: 3 / 327، وجامع الدروس العربية: 2 / 47، والموجز في قواعد اللغة العربية: 183
2- الكتاب: 4 / 250
3- ينظر: علل النحو، لابن الوراق (ت 381 ه): 523، وشرح الشافية، للرضي: 2 / 183
4- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: 4 / 134

النَّاسِ والخيلِ، وحَكَى سِيبَويهِ لِهْمِم وهُو مُلْحَقٌ بزِهْلِقٍ، ولِذَلِكَ لَمْ يُدْغَم»(1).

في النَّصِّ كلمةٌ على زِنةِ (فَعالِيل) هي (لَهَامِيم)، وهي من أبنيةِ جموعِ التَّكسیرِ، ومن صيغِ منتهى الجُموعِ الدَّالَّة على الكثرةِ، ومشتقَّةٌ من الفعل الثُّلاثيّ (لَهِم).

قالَ الأزهريّ في معنى (لَهِمَ): « يُقَال: لَهِمْتُ الشيّءَ، وقَلَّ مَا يُقَال إِلَّا التَهَمْتُ:

وهُو ابتلاعُكَه بِمرَّة»(2)، ولَهِمٌ يُجمعُ على (لَهَامِيم)، ويرادُ به «غزيرُ الخَيْر»(3) ويطلقُ مجازًا على الخيلِ، والإبلِ، قالَ الزَّمخشريّ: «ومن المَجازِ: جوادٌ يلتهمُ الأرْضَ، وفرسٌ لهِمٌ ولِهمُومٌ من اللَّهَامِيمِ. وإبلٌ لهاميم: غِزارٌ أو سِرَاعٌ»(4).

أمَّا في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام)؛ فكان يعني ب (لَهَامِيم) «جَمْع لُهْمُوم، وهُو الجَوْاد مِنَ النَّاسِ، والخيل»(5)، قال الشَّاعر:

لا تَحْسَبَنَّ بَياضاً فيَّ مَنْقَصةً *** إِنَّ اللَّهامِيمَ في أَقْرابِها بَلَقُ(6)

الحديثُ ذكره الرَّضيّ في النَّهجِ، «وأنتم لهاميم العرب، ويآفيخ الشَّرف، والأنف

ص: 98


1- لسان العرب (لهم): 12 / 555
2- التهذيب (لهم): 6 / 169
3- المحكم والمحيط الأعظم (ل ه م): 4 / 330
4- أساس البلاغة (ل ه م): 2 / 182
5- النهاية في غريب الحديث والأثر (لهم): 4 / 282
6- البيت لابن الحبناء، وهو المغيرة بن حبناء،من ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكان به برص، الشعر والشعراء، لابن قتيبة: 1 / 394

المُقدَّم، والسّنام الأعظم»(1)، ومعناه «وأنتم لهاميمُ العربِ، الكلامُ استعارةٌ من قولِهم: فرسٌ لِهِّيم، إذا كان جوادًا غزيرَ الجَري، صرَّح بالمعنى ابنُ دريد، وليس المُرادُ: أنتم صَاحِبو الجودِ، كما توهَّمه الشُّرَّاح أخذًا من الجوهريّ، فهو زلَّ في قوله: اللُّهمومُ الجوادُ من النَّاسِ والخيلِ، ويآفيخُ جَعُ اليافوخِ: المَوضعُ الَّذي يتحرَّكُ من رأسِ الطِّفلِ»(2).

يُلمَسُ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) الحثُّ على أمرِ الجهادِ والدَّعوة إليه، وعلوُّ منزلة أصحابه، فقد جعل الإمام (عليه السَّلام) أصحابه لهاميم العربِ في الجودِ والإقدامِ، ولا يَليقُ بهم الفرارُ والهزيمةُ، وكيف تكونُ عاقبةُ من كانَ من لهاميمِ العربِ، ويآفيخِ الشَّرفِ، أنْ يأتيَ اللهَ وهو يحملُ عارَ الفِرارِ، وتَوْلِيَةَ الدُّبُر، وهذه أجملُ صورِ الاستعارةِ؛ إذ جعلَ هؤلاءِ النَّاس من لهاميم العرب، وجعلهم يآفيخَ للشَّرف. قالَ يحيى المؤيَّد بالله (ت 745 ه): «وهم الرُّؤساء، فإنَّ استعماله مجموعًا أفصحُ من استعمالهِ مفردًا، وكذا بهَاليل، فأمَّا المفردانِ منهمَا؛ فلا يكادانِ يستعملانِ في الفصاحةِ»(3)، فأتى بِصِيغةِ منتهى الجُموعِ الدَّالَّةِ على الكثرة والمبالغةِ فضلًا عن الجمعِ نفسه؛ ليكون مناسبًا لما أراده من المدحِ والثَّناء لمَن كانوا لهاميمَ ويآفيخَ للشَّرفِ.

إنَّ من يمتلكَ ذوقًا فنِّيًّا وحسًّا مرهفًا، ويتأمَّلُ في تعبیر الإمامِ (عليه السَّلام) يُدركُ أنَّهُ قدْ حقَّقَ أغراضًا في التَّأثيرِ بنفوسِ السَّامعينَ، والسِّرُّ في ذلك؛ أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) كانَ دقيقًا في اختيارِ ألفاظِهِ وعباراتِهِ، إذ يَختارُ منهَا مَا يراه قويًّا وواضحًا؛ ليُحمِّلهُ المعانيَ الَّتي يريدُ نقلَهَا إلى المجتمعِ، فخرجتْ ألفاظُهُ، وعباراتُهُ في غايةِ الرَّصانةِ والسَّبكِ، تحملُ في طيَّاتِهَا أفكارًا سَاميةً، وبذلكَ اتَّسمَ كلامُهُ بقوَّةِ التَّأثيرِ في قلوبِ المُتلقِّينَ.

ص: 99


1- نهج البلاغة، محمد عبده: 2 / 133
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 10 / 281
3- الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: 3 / 28

المَبحثُ الرَّابِعُ أبنِيةُ الأفعالِ

الأفعالُ الثُّلاثيَّةُ المَزيدةُ بِحرفٍ واحد الزِّيادةُ في المصطلحِ الصرَّفيّ: «إلحاقُ الكلمةِ ما ليس فيها»(1)، وهِي زيادةٌ في أحرفِ الكلمةِ، أمَّا الأصولُ؛ فَتلازمها في كُلِّ موضعٍ، وقد تُحذف لعلَّةٍ تصريفيَّةٍ بخلاف الزَّائد، وقد درس الأقدمون حروف الزِّيادة في أغلب كتبهم الصَّرفيَّة، وتناولها المحدثون في مؤلَّفاتهم، وجمعوها، وهي نوعان:

1- زيادةٌ من خارج أصول الكلمة، مجموعة في عبارة (سألتمونيها)(2).

2- زيادةٌ من أحرف أصول الكلمة، مثل تضعيف أحدها، نحو (سلَّمَ)(3).

ولمَّا كانت الزِّيادةُ تأتي إلحاقًا بالكلمةِ، فلابدَّ لها من زيادةٍ في المعنى على معنى الكلمةِ الأصلیّ، وذكر العلماءُ أنَّ للزِّيادة غرضين:(4)

ص: 100


1- شرح المفصل: 7 / 145
2- ينظر: المنصف: 98، والمفصل: 501، والإنصاف في مسائل الخلاف، لابن الأنباري: 1 / 177
3- ينظر: شرح شافية ابن الحاجب، لركن الدّين الاستربادي: 2 / 575
4- ينظر: الممتع الكبير: 139 - 140، وتوضيح المقاصد والمسالك: 3 / 1526 - 1527، والمهذّب في علم التصريف: 76

الأول: لفظيّ، هو تكثیرُ الكلمةِ على سبيل التَّوسع في اللُّغة؛ لكي تلحق ببناءِ الرُّباعيّ.

الثَّاني: معنويّ، ويقصدُ به الحصول على معانٍ جديدةٍ لم تكن موجودةً في الفعل عند تجرُّده؛ ولهذا قالوا قديمًا: «إنَّ الزِّيادةَ في المَبنى تقتضي - غالبًا - زيادةً في المعنى»(1).

أمَّا الزِّيادةُ في الفعلِ الثُّلاثيّ؛ فتأتي على ثلاثة أضرب:

(أفْعَل) - (فعَّل) - (فاعَل).

أ- (أفْعَل)، من مواقعِ زيادةِ الهمزةِ في الفعلِ، أنْ تقعَ قبل (فاء) الكلمةِ(2).

ومن أشهرِ معانيها: التَّعدية، والصَّيرورة، ووجود الشَّیءِ على صفةٍ، والسَّلب(3).

ومن ورودِ هذه المعاني في المرويَّاتِ ما يأتي:

1- التَّعدية: هِي أنْ تجعلَ ما كان فاعلًا للفعلِ الثُّلاثيّ مفعولً به (لأَفْعَلَ)، موصوفًا بأصل الفعلِ، نحو قامَ زيدٌ وأقمتُهُ(4). فإذا كان الفعل لازمًا صارَ بها متعدِّيًا لواحد، وإذا كان متعدِّيًا لواحد صار بها متعدِّيًا لاثنين، وإذا كان متعدِّيًا لاثنين، صار بها متعدِّيًا لثلاثة، فشأنُها أنْ تجعلَ فاعلَ الفعلِ الثُّلاثيّ مفعولً به؛ فتنقله من حالة إلى

ص: 101


1- إسفار الفصيح، لأبي سهل الهروي: 1 / 176
2- ينظر: الكتاب: 4 / 279
3- ينظر: شرح شافية ابن الحاجب، لركن الدّين الاستربادي: 1 / 249، 250
4- ينظر: المصدر نفسه: 1 / 249

أخرى تخالفها؛ فتكسب الجملة مفعولًا به جديدًا لم يكن له وجود قبل دخول همزة النَّقل، ولا يُوجد في اللُّغة ما هو متعدٍّ لاثنين، صار بالهمزة متعدِّيًا لثلاثة، إلَّا «رَأى وعَلِم المتعدِّيان لاثنين وما ضُمِّنَ معناهما من نَبَّأَ، وأَنْبَأَ، وخَبَّر، وأَخْبَر، وحدَّث»(1)، (رأى وعلم زيدٌ بكرًا قائمًا)، تقول: أريتُ أو أعلمتُ زيدًا بكرًا قائمًا(2).

وممَّا ورد في المرويَّات من صيغة (أفعل) دالًّا على التَّعدية قول ابن منظور في بيان معنى لفظة (أضْرَع): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ: أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكم، أَي: أَذلَّها، ويُقَالُ:

لِفُلاَنٍ فَرَسٌ قد ضَرِعَ بِهِ، أَي: غَلَبَه»(3).

قالَ ابنُ سيده: «ضَرَع إِلَيْهِ، يَضْرَع ضَرْعًا وضَرَاعَةً، فَهُو ضارِعٌ، من قومٍ ضَرَعَة وضُرُوع، وتَضَرَّع، كِلَاهُمَا: تذلَّل وتَخَشَّع، وأضرعتْهُ إِلَيْهِ الحَاجةُ»(4)، فنجد معنى (ضَرَع) ذَلَّ، وهو فعل لازمٌ، فلمَّا أدخلَ الإمامُ (عليه السَّلام) الهمزة عليه صارَ متعدِّيًا.

يصفُ الإمامُ (عليه السَّلام) أصحابه في هذه الخُطبةِ بصفاتٍ، منها فرارهم وتركهم الجهاد، وإغلاق أبوابِ بيوتهم خوفًا من مَنَاسِرِ (طَلائع) أهلِ الشَّام، ثمَّ بيَّن مرضهم، ودواءَه، إذ قالَ: «وإنِّی لعالِمٌ بما يُصلحكم، ويُقيم أودَكم، ولكنِّي واللهِ لا أرى

ص: 102


1- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: 2 / 72
2- ينظر: شرح شذور الذهب، لابن هشام: 484، وشذا العرف في فن الصرف: 29، والنحو الوافي: 2 / 58
3- لسان العرب (ضرع): 8 / 222
4- المحكم والمحيط الأعظم (ض ر ع): 1 / 403

إصلاحَكم بإفسادِ نَفسِی»(1)، ولكنَّ إصلاحهم فيه ضياع لدينهِ؛ لذلك ترك السَّيف الَّذي فيهِ إصلاحهم، والتجأ إلى الدُّعاءِ فقالَ: (أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكم. . .)، أيْ: أذلَّ وجوهكم، فجاءَ بلفظِ الخدودِ وأراد الوجوه، وهذا يُسمَّى (تسمية الكلِّ بالجزء).

2- الصَّیرورة: هيَ من معاني الهمزة الدَّاخلة على الفعل الثُّلاثيّ (فَعُلَ)، أي: تكون لصیرورةِ ما هو فاعل (أفْعَل) صاحب شيء وهو على وجهين: إمَّا أنْ يصیر صاحب ما اشْتُقَّ منه، نحو ألحم فلان، أي: صار ذا لحمٍ، وإمَّا أنْ يصیرَ صاحب شيءٍ هو صاحبُ ما اشْتُقَّ منه، نحو أجربَ الرَّجُلُ، أي: صار ذا إبلٍ ذاتِ جربٍ(2).

وقالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (أكْمَش): «الكَمْشُ: الرَّجُلُ السَّرِيعُ المَاضِی، رَجُلٌ كَمْشٌ وكَمِيشٌ: عَزُومٌ ماضٍ سريعٌ في أُموره، كَمِشَ كَمَشًا وكَمُشَ، بِالضَّمِّ، يَكْمُش كَماشَةً وانْكَمَشَ في أَمرِه، الأَصمعي: انْكَمَشَ في أَمرِه وانْشَمَرَ وجَدَّ بِمَعْنًى واحِدٍ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: بادَرَ مِنْ وجَلٍ وأَكْمَشَ في مَهَلٍ»(3).

قالَ الخليل: «رجلٌ كَميشٌ: عزومٌ ماضٍ، كَمُشَ يكْمُشُ كَماشةً، وانكمشَ في أمرِهِ»(4)، وقد يُرادُ بلفظةِ (كَمْش) السُّرعة في كلِّ شيءٍ، قَالَ الزَّمخشَريّ: «وانكمشَ في سعيهِ وتَكمّشَ: أسرع»(5).

ص: 103


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 102
2- ينظر: ديوان الأدب، للفارابي (ت 350 ه): 2 / 337 - 338، وأوزان الفعل ومعانيها، هاشم طه شلاش: 58
3- لسان العرب (كمش): 6 / 343
4- العين (كمش): 5 / 299
5- أساس البلاغة (ك م ش): 2 / 146

نرى في حديث الإمام (عليه السَّلام) أنَّه لم يستعملْ لفظةَ (كَمُشَ)، وإنَّمَا جاءَ ب (أكْمَش) ليدلَّ على صيرورةِ ذلك الإنسان الَّذي جدَّ وأسرع، بعد أنْ كانَ بطيئًا، وفي مهل، أيْ: في مهلةِ العملِ قبل أنْ يضيقَ عليه وقتُهُ بدنوِّ الأجلِ(1)، فدلَّت الهمزة على معنًى زائدٍ في أصلِ الفعلِ، هو الصَّيرورةُ.

3- المبالغة والتكثیر: ومن معاني الهمزة إذا جاءت مزيدةً في بداية الفعلِ، (المبالغةِ والتَّكثیر)، ولكنَّ هذا المعنى لم يتَّفقْ عليه العلماءُ، إذ ذكرَه الفارابيّ، ووافقه بعضُ علماءِ الصرَّف(2)، ومنهم من عدَّها بمعنى (فعَّل) في التَّقليلِ والتَّكثیر(3)، والأرجحُ أنْ يكونَ ل (أفعَل) معنًى دالٌّ على المبالغةِ والتَّكثیرِ؛ لأنَّ كلَّ صِيغةٍ لها معانٍ خاصَّة بها، فلا يصحُّ أنْ نجعلَ معنى صيغةٍ معيَّنةٍ في صيغةٍ أخرى، وإنْ حصلَ بينهما تقاربٌ في الدَّلالةِ.

وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات دالًّ على المبالغةِ والتَّكثیر، إذ يقولُ ابن منظور في بيانِ معنى لفظةِ (أشْنَقَ): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رِضْوانُ اللَّهِ عليه): إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، أَيْ: إنْ بالغَ في إشْناقِها خَرَمَ أَنْفَها»(4).

ومعنى (شَنَقَ) شدَّ، قالَ الخليل: «وشَنَقْتُ رأس الدَّابة إذا شددته إلى أعلى شَجرةٍ أو وتدٍ مُرتَفِعٍ»(5)، ويرادُ به رفعُ الرَّأسِ خاصَّةً، «شنقه: إِذا مدَّه بالزِّمام حَتَّى يرفع

ص: 104


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 30
2- ينظر: ديوان الأدب 2 / 337، وشرح تسهيل الفوائد، لابن مالك: 3 / 72
3- ينظر: الأصول في النّحو: 3 / 119
4- لسان العرب (شنق): 10 / 178
5- العين (شنق): 5 / 43

رَأسه»(1)، وهذا التَّعبیرُ يُطلقُ مجازًا، قالَ الزَّمخشَريّ: «ومن المَجازِ: شَنَقَ النَّاقةَ بالزِّمامِ أوِ الخطامِ إذا جَذَبَ به رأسَها؛ ليكفَّهَا كَما يكبحُ الدَّابةَ بالعنانِ»(2)، وإذا أرادَ المُتكلِّمُ التَّكثیرَ والمُبالغةَ زادَ في أوَّلِ الفعلِ همزَةً، ولهذا قالَ أمیرُ المؤمنينَ عليٌّ (عليه السَّلام): «أشْنَقَ لها خرمَ»، فأنفُ الدَّابَّةِ لا يُحرمُ إلَّا بكثرةِ الشَّدِّ والجذبِ، قالَ عِياضُ بن موسى السَّبتيّ (ت 544 ه): «يُقَال شنَقتُ النَّاقةَ وأشْنَقتُها، إِذا كففتها، وعَطَفتَ رَأسَهَا بِالزِّمامِ حَتَّى يُقَارب قَفَاهَا قَادِمةَ الرَّحْلِ»(3).

وردَ في معنى حديثِ الإمام (عليه السَّلام)، «شَنَقْتُ البَعِیرَ أَشْنَقُهُ شَنْقًا، وأَشْنَقْتُهُ إِشْنَاقًا، إِذَا كَفَفْته بزمامِهِ وأَنتَ رَاكِبهُ، أَيْ: إِنْ بالَغَ في إِشْنَاقِهَا خَرَم أنْفَها»(4)، وقولُ الإمام (عليه السَّلام): (أشْنَقَ)، كانَ دَالًّ على المبالغةِ وتكثیر الفعلِ.

ب- (فَعَّلَ) بفتحِ الفاءِ وتشديدِ العينِ المفتوحة، وهو البناء الثَّاني للفعل الثُّلاثيّ المزيد بحرفٍ واحدٍ وزيادته داخليَّة، بتضعيفِ عينِهِ (فعْعَل)، إذ إنَّ (التَّضعيف) من أحرفِ الزِّيادةِ في الفعل الثُّلاثيّ، ونعني بالتَّضعيف: زيادة أحرف أصولِ الكلمة، وليسَ بالضَّرورةِ أنْ يكونَ الفعل متعدِّيًا معها، فقد يكون متعدِّيًا وغیر متعدٍّ، فالمتعدِّي نحو: كَسَّتُه وقَطَّعتُه، وغیرُ المتعدِّي نحو: سَبَّحَ وهَلَّلَ(5).

ذكر الصَّرفيُّون للفعلِ المزيد ب (التَّضعيف) ثمانية معانٍ (الصَّیرورة، والتَّكثیرُ،

ص: 105


1- المحكم والمحيط الأعظم (ش ن ق): 6 / 168
2- أساس البلاغة (ش ن ق): 1 / 524
3- مشارق الأنوار على صحاح الآثار: 2 / 254
4- النهاية في غريب الحديث والأثر (شنق): 2 / 506
5- ينظر: الممتع في التصريف: 129

والجَعلُ على صفةٍ، والتَّسميةُ، والدُّعاءُ للشيَّء أو عليه، والقيامُ على الشيَّء، والإِزالةُ، وأنْ يُرادَ بها رمْيتُهُ بذلك)(1) ومعنى الرَّمي كقولنا: شجَّعتُه وجبَّنته، أي: رميته بالشّجاعةِ والجبنِ، والمشهورُ من هذه المعاني أربعة (الصَّیرورة، والتَّكثیرُ، والنَّسبة، والتَّعدية)(2).

وقد وردَت صِّيغةُ (فعَّلَ) في المرويَّات دالَّةً على التَّكثیر، إذ قالَ ابن منظور في بيان معنى كلمة (وَشَّجَ): «وَشَجَتِ العُرُوق والأَغصان: اشْتَبَكَتْ، ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ:

ووَشَّجَ بَيْنَهَا وبَيْنَ أَزواجها، أَي: خَلَطَ وأَلَّفَ، يُقَالُ وشَّجَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ تَوْشِيجًا، ورَحِمٌ واشِجةٌ ووَشِيجَةٌ: مُشْتَبِكَةٌ مُتَّصِلَةٌ»(3).

ومعنى وشَجَ، اشْتَبَك «يُقَالُ: وشَجَتِ العُرُوقُ والأَغْصَانُ، وكُلُّ شَیْءٍ يَشْتَبِكُ فَهُو واشِجٌ»(4)، وقالَ ابنُ فارس في معنى وشَجَ: «الواوُ والشِّينُ والجِيمُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَی اشْتِبَاكٍ وتَدَاخُلٍ»(5).

أَمَّا إذا جَاءَ الفعلُ (وَشَّجَ) مُضعَّف العينِ؛ فإنَّهُ يدلُّ على المبالغةِ والتَّكثیرِ في الفعل؛ لذلك نرى في حديث الإمام (عليه السَّلام) الفعل (وَشَّجَ) جاءَ مضعَّفَ العين؛ ليناسب المعنى الَّذي أرادهُ الإمامُ، إذ كان يصفُ في خطبتهِ خَلْقَ اللهِ السَّمواتِ، وكيف خَلَطَ وألَّفَ بينها بجليل قدرته، ودقَّةِ صنعِهِ، فتراها ملتحمةً، وفيما بينها مترابطة،

ص: 106


1- ينظر: المصدر نفسه، الجزء والصحيفة أنفسهما، وشرح الشافية، للرضي: 1 / 92 - 96
2- ينظر: المهذب في علم التصريف: 80
3- لسان العرب (وشج): 2 / 399
4- الدّلائل في غريب الحديث، للسرقسطي (ت 302 ه): 1 / 340
5- المقاييس (وشج): 6 / 114

مرتفعة بلا عمدٍ، وثابتة بلا وتدٍ، فسبحان الخالق القدير.

الأفعالُ الثُّلاثيَّةُ المَزيدةُ بِحرفينِ هو القسم الثَّاني من أبنيةِ الفعل الثُّلاثيّ المزيدِ، ويأتي على خمسةِ أضرب:

أ. افْعَلَّ ب. افتَعَل ج. انْفَعَل. د. تَفَاعَل ه. تَفعَّل وزيادةُ هذهِ الأوزانِ بعضها زيادةٌ خارجيَّة، أيْ: تكون خارجَ أحرف الكلمةِ الأصليَّة، وبعضها زيادة داخلية، ومن هذه الأوزان الواردة في المرويَّات (افْعَلَّ، وافتَعَل، وانْفَعَل)، وبدلالاتٍ مختلفةٍ.

1- (افْعَلَّ) ويأتي هذا الفعلُ لدَلالاتٍ ثلاث هي: الدَّلالةُ على لونٍ أو عيبٍ حسِّیّ(1)، والدَّلالة على التَّكثیر في الفعل، والاستعاضة به من (فَعَل)، وهي دلالةٌ مرتجلةٌ(2)، وهذا الوزنُ من مزيد الثُّلاثيّ، وليس له نظیرٌ في الرُّباعيّ(3).

وممَّا وردَ في المرويَّات دالًّا على اللَّون والمبالغةِ فيه، حديثُ الإمامِ، (عليه السَّلام) الَّذي أورده ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (احمرَّ): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَی وجْهَهُ)، أَنَّه قَالَ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البَأْس اتَّقينا بِرَسُولِ اللِّهَ، صَلىَّ اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، أَيْ:

إِذَا اشْتَدَّتِ الحَرْبُ اسْتَقْبَلْنَا العَدُوَّ بِرَسُولِ اللَّهِ، (صَلىَّ اللَّهُ عليه وسَلَّمَ) وجَعَلْنَاهُ لَنَا وِقَايَةً»(4)

ص: 107


1- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 112
2- ينظر: أبنية الصرف في كتاب سيبويه، خديجة الحديثي: 399
3- ينظر: الممتع في التصريف: 118
4- لسان العرب (حمر): 4 / 210

قالَ الخليلُ في معنى (احمَرَّ): «تقولُ: قد احْمَرَّ الشَّیءُ، إذا لَزِمَ لونَه فلم يَتَغَيَّرْ من حَالٍ إلى حَالٍ»(1)، وبهذا تكون قد بالغتَ في زيادةِ حمرتهِ، وتُطلقُ مجازًا على الموت، «وموتٌ أحْمرُ، واحْمَرَّ البَأسُ: اشتدَّ»(2)، فاحْمِرَار البأسِ، كلمة مستعارة، أي: اشتدَّت الحربُ حتَّى احْمَرَّتِ الأرضُ من الدَّم(3)، فجعل الامام (عليه السَّلام) البأسَ (أحْمَر) مجازًا، ثمَّ بالغ في ذلك اللَّون الحسِّیّ فقالَ (احْمَرَّ)، وبهذا الشَّاهد جَع لبناءِ (افعلَّ) الدَّلالتينِ (اللَّون الحسِّیّ، والمبالغة في الفعل).

يصوِّرُ لنا الإمامُ (عليه السَّلام) حال المؤمنين في الحربِ واشتدادها، فإذا عظم الخوف من العدوِّ، واشتدَّ عضاض الحرب؛ فزع المسلمونَ إلى قِتالِ رسول الله (صلَّی الله عليه وآله) بنفسِهِ، فيُنْزِل اللهُ تعالى النَّصرَ عليهم به، ويأمنون ما كانوا يخافونه بمكانته عند الله(4)، فجعلَ للبأس جسمًا، ثمَّ جعل لذلك الجسمِ لونًا أحْمَرَ، وبالغَ في حمرته؛ لتَخرُج العبارةُ بهذه الصُّورة المؤثِّرة.

2- (افتَعَل)، هو ما زيدت (الهمزة) في أوَّلهِ، و (التَّاء) بعد فائه، وحُكمُ (افْتعَلَ) أَنْ يكونَ متعدِّيًا، وقَدْ يجيءُ لازمًا إذا كانَ بمعنى (انْفَعلَ) في المطاوعةِ، فمتى جاءَ على معنى المطاوعةِ فهو غيرُ متعدٍّ، فإذا قلتَ: شَويتهُ فاشْتَوى فهو علَی معنى: انشَوى وإِذا قلتَ: اشتويتُ اللَّحمَ، أَي: اتَّخذتُ شِواءً، والأَجودُ في (افتعلَ) أَنْ يقع متعدِّيًا على غیرِ معنى الانفعالِ(5)، ولها في العربيَّةِ عدَّة معانٍ: (المطاوعة، والمشاركة، والاتِّخاذ،

ص: 108


1- العين (حمر): 3 / 226 - 227
2- أساس البلاغة (ح م ر): 1 / 212
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 14 / 49
4- ينظر: المصدر نفسه: 19 / 116
5- ينظر: الأصول في النحو: 3 / 126، والممتع في التصريف: 131

والطَّلب، والأخذ)(1).

وممَّا وردَ في المرويَّات على زنَةِ (افتعل) دالًّا على المطاوعة، حديثه الَّذي استشهد به ابن منظور في بيان معنى لفظة (ارْتَبَك) في وصف من تخبَّطَ بلا حُجَّةٍ عنده ولا دليل، فقالَ: «والرَّبْك: أَنْ تُلْقِيَ إِنْسَانًا في وحْلٍ فَيَرْتَبِكَ فيهِ ولَا يَسْتَطِيعُ الخُرُوجَ مِنْهُ ويَنْشَبُ فيهِ. وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ الله عَنْهُ): تَحَیَّرَ في الظُّلُمَاتِ وارْتَبكَ في الهَلَكَاتِ، ارْتَبَكَ في الأَمر إِذَا وقَعَ فيهِ ونَشِبَ ولَمْ يَتَخَلَّصْ»(2).

معنى الرَّبْك في اللُّغة هو «إلقاؤُكَ إنسانًا في الوَحلِ، فيرتبكَ فيهِ، ولا يستطيعُ الخرُوجَ مِنهُ. والصَّيدُ يرتَبِكُ في الحبالةِ، [إذا نشبَ فيها] وارتبكَ الرَّجُلُ في كلامِهِ:

تَتعتَعَ فيه»(3)، فهيَ كلمةٌ تدلُّ على الخَلْطِ، قال ابنُ فارس: «الرَّاءُ والبَاءُ والكَافُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلىَ خَلْطٍ واخْتِلاَطٍ، فَالرَّبْكُ: إِصْلاَحُ الثَّرِيدِ وخَلْطُهُ، ويُقَالُ لَهُ حِين يُفْعَلُ به ذَلِكَ الرَّبِيكَةُ، ويُقَالُ ارْتَبَكَ في الأَمْرِ، إِذَا لَمْ يَكَدْ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ»(4).

والرَّبْكُ يُطلقُ على الماديَّات (ما شغلَ حيزًا في الوجود)، أمَّا إذا أُطلِقَ على غیرِ المادِّيَّات؛ فيكون مَجازًا، مثل: ارْتبكَ في الوَحلِ، أيْ: نَشبَ فيه، وارْتَبكَ في الأمرِ وارْتبكَ في كلامِهِ، أيْ: تَتْعتعَ فيه، والصَّيد يَرتبكُ في الحبالةِ(5)، هذا كُلُّهُ على سبيلِ المجازِ.

ص: 109


1- ينظر: الممتع في التصريف: 131، وهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 3 / 305، والمهذب في علم التصريف: 81 - 82
2- لسان العرب (ربك): 10 / 431
3- العين (ربك): 5 / 366
4- المقاييس (ربك): 2 / 482
5- ينظر: أساس البلاغة (ر ب ك): 1 / 333

ويَبدو أنَّ ما جاءَ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) «. . . وارْتَبَكَ في. . .» كان على سبيلِ المجازِ؛ لأنَّ الهَلكاتِ لا يُرتبكُ فيها، فانزل الهلكاتِ منزلةَ ما يختلط بهِ، وجعل ذلك الإنسانَ مُرتَبِكًا في الأمرِ، أي: نشب فيه ولم يكدْ يتخلَّصُ منه(1)، فهو متحيِّرٌ في الظُّلماتِ، مطاوعٌ للهلكات ومختلطةٌ عليه الأمورِ المُشكلاتِ.

وممَّا جاءَ في المرويَّاتِ على وزنِ افتعلَ دالًّا على (الأخذ):

قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (ارتُبق): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: قَالَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: انْطَلِق إِلى العَسْكَرِ، فَمَا وجدْت مِنْ سِلاَحٍ أَو ثَوْبٍ ارْتُبِقَ فاقْبِضْه واتَّقِ اللَّهَ واجْلِسْ في بَيْتِكَ، رَبَقْتُ الشيَّءَ وارْتَبَقْته لِنَفْسِی كرَبَطْته وارْتَبَطْتُه، وهُو مِنَ الرِّبْقَة، أَي: مَا وجدتَ مِنْ شَیْءٍ أُخذ مِنْكُمْ وأُصيب فاستَرْجِعه، وكَانَ مِنْ حُكمه في أَهْلِ البَغْيِ أَنَّ مَا وُجد مِنْ مَالِهِمْ في يَدِ أَحد يُسترجَع مِنْهُ»(2).

في الحديثِ كلمةُ ارتُبِقَ، هي فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، على زنةِ افتعلَ، ومعناها: «الرِّبْقُ بالكشر: حبلٌ فيه عدَّة عُرًى، تُشَدُّ به البُهُمُ، الواحدة من العُرَى:

ربْقَةٌ... والرَّبْقُ بالفتح: مصدرُ قولك: رَبَقْتُ الجديَ أَرْبُقُهُ وأَرْبِقُهُ، إذا جعلتَ رأسَه في الرِّبْقةِ، فارتُبِقَ»(3)، وقالَ ابن فارس: «الرَّاءُ والبَاءُ والقَافُ أَصْلٌ واحِدٌ، وهُو شَیْءٌ يَدُورُ بِشَیْءٍ. كَالقِلاَدَةِ في العُنُقِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ. فَالرِّبْقَةُ: الخَيْطُ في العُنُقِ»(4).

أمّا الرِّبْقُ في حديث الإمامِ (عليه السَّلام)؛ فقد دلَّ على الأخذِ؛ لأنَّ صيغة (افتعل)

ص: 110


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 9 / 213
2- لسان العرب (ربق): 10 / 113
3- الصحاح (ربق(: 4 / 1480
4- المقاييس (ربق): 2 / 481

الَّتي ورد فيها الفعل (رَبَقَ) دلَّت على شيئينِ، احدهما الرِّبْقُ، وهو الحبلُ في العُنُقِ، والآخرُ الأخذُ، فيكون معنى الحديثِ أكثرَ تأثیراً في نفسِ المأمورِ، والمُكلَّف باسترجاعِ ما أُخذَ منه، وكأنَّه يقولُ له استرجع المال من الآخذ حتَّى ولو ارْتَبَقَهُ في عُنقهِ، أي:

جعل المأخوذَ قلادةً في عُنُقِهِ، وكَانَ من حُكْمِه في أهلِ البَغي أَلَّا يُغْنَموا ولَا يُسْبَوا، وإِنْ وجِدَ من مَالهم شَیْء في يَدِ أحدٍ اسْتُرْجِع(1).

الحديثُ لم يُذكر في نهجِ البلاغة، وإنَّما ذكرَه الخطَّابيّ(2)، والزَّمخشریّ(3)، وابنُ الأثیر(4).

3- (انْفَعَلَ)، هو ما زيدت فيه (الهمزة، والنُّون) في أوَّلِهِ، ولا يأتي إلَّا لازمًا(5)، ولَا يُبْنى من لَازمٍ، خِلافًا لأبي عَلیِّ الفَارِسِّ (ت 377 ه)، إذ قالَ: إنَّه أتى من لَازمٍ(6).

أمَّا دلالتُهُ؛ فهيَ المُطاوعةُ، قالَ ابنُ السّرَّاج: «هذَا البناءُ يجيءُ للمُطاوعةِ نحو:

قَطعتُهُ فانْقَطَعَ، وكسَرتهُ فانْكَسَرَ»(7).

وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات، دالًّا على معنى المُطاوعةِ في قولِ ابنِ منظور في بيانِ معنى كلمةِ (انْدَمَج): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ (عليه السَّلام): بَلِ انْدَمَجْتُ عَلىَ مَكنونِ

ص: 111


1- ينظر: الفائق في غريب الحديث (ربق): 2 / 30
2- ينظر: غريب الحديث للخطابي: 2 / 180
3- ينظر: الفائق في غريب الحديث (ربق): 2 / 30
4- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (ربق): 2 / 161
5- ينظر: الممتع في التصريف: 129
6- ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 3 / 306
7- الأصول في النحو: 3 / 126

علْمٍ، لَوْ بُحْتُ به لاضْطَرَبْتم اضْطِرابَ الأَرْشِيَةِ في الطَّوِيِّ البَعيدَةِ؛ أَي: اجْتَمَعْتُ عليه وانْطَوَيتُ وانْدَرَجْتُ»(1).

ومعنى الاندماجِ، الدُّخولُ، قالَ ابنُ قتيبة: «انْدَمَجَ وادّمَجَ وادومّج وانْكرَسَ، كلُّهُ إذا دَخلَ في الشيَّءِ واسْتترَ بِه»(2)، ونقولُ: «انْدَمَجَ الشَّيئانِ، إذا اتَّحدَ أحدُهما بالآخرِ»(3)، وهو مُطاوعٌ لهُ، ومن هذا المعنى يأتي حديثُ الإمامِ (عليه السَّلام)، إذْ يبيِّنُ حالَهُ وذلكَ العلم الَّذي انْطَوَى عليه، فهوَ مُنْدَمِجٌ معه، كمن دخلَ في شيءٍ واستترَ به، قالَ ابنُ أبي الحديد: «وإنَّهُ انْطَوى على عِلمٍ، هو ممتنعٌ لموجبهِ من المُنازعة، وأنَّ ذلك العلمَ لا يُباحُ به، ولو بَاحَ به؛ لاضطَربَ سامعوه كاضطرابِ الأرشيةِ، وهى الحِبالُ في البئِر البعيدَةِ القعرِ»(4). وإذا قلنا طاوعهُ العلمُ فاندمج؛ يكون المعنى مجازًا، ويَبدُو أنَّ هذا ما أرادهُ الإمام (عليه السَّلام)، والله أعلم.

الأفعالُ الثُّلاثيَّةُ المَزيدةُ بِثلاثةِ أحرف هو القسم الثَّالث من أبنيةِ الفعل الثُّلاثيّ المَزيد، ويأتي على أربعةِ أضرب: (اسْتَفْعَل، وافْعَوْعَل، وافْعَوَّل، وافْعَالَّ)(5)، نَذكرُ منها (اسْتَفْعَلَ، وافْعَوْعَلَ)،أمَّا (افعَوَّلَ، وافْعَالَّ)؛ فلم أعثرْ على شاهدٍ عليها في المرويَّاتِ.

1- (اسْتَفْعَلَ)، هو ما زيدت (الهمزة، والسِّين، والتَّاء) في أوَّلهِ، وتأتي هذه

ص: 112


1- لسان العرب (دمج): 2 / 275
2- الجراثيم، لابن قتيبة: 1 / 242
3- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (د م ج): 1 / 767
4- شرح نهج البلاغة: 1 / 213
5- ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 4 / 260، والتطبيق الصرفي: 43

الصِّيغة «متعدِّيةً وغیرَ متعدِّية، فالمتعدِّيةُ نحو: استَحسَنتُ الشَّيءَ، وغيرُ المتعدِّية نحو: استَقدَمَ واستأخَرَ»(1)، ومن معانيها، (الطَّلب، والتَّحوُّل، والاتِّخاذ، وتأتي بمعنى فَعَلَ)(2).

وممَّا جاءَ على لسانِ أمیرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السَّلام) على زِنةِ (استفعلَ) دالًّا على الاتِّخاذِ قولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (اسْتَسْفَرَ): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ أَنَّه قَالَ لِعُثْمَانَ:

إنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَسْفَرُوني بَيْنَكَ وبَيْنَهُمْ، أَي: جَعَلُونِی سَفِيرًا، وهُو الرَّسُولُ المُصْلِحُ بَينَ القَوْمِ»(3)، قالَ الفارابيّ: «السَّفير: المُصْلِحُ بينَ القَوْمِ. . . والسَّفيرُ: الرَّسُول»(4)، فلفظة (سَفَر) تَدُلُّ عَلىَ الِنْكِشَافِ والجَلاَءِ. وأَمَّا إذا أطلقَ على السَّفير بين القوم؛ فیُراد به الإصلاحُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا كَانَ هُنَاكَ مِنْ عَدَاوَةٍ وخِلاَفٍ(5).

قالَ ابنُ أبي الحديد: «اسْتَسْفَرُونِی: جَعَلُونِ سَفيرًا ووسِيطًا بينكَ وبَينهُم»(6)، أي:

اتَّخَذُونِي سَفيرًا، وهنا جاءَ البناءُ (استَفْعلَ) دالًّا على الاتِّخاذِ.

2- (افْعَوْعَلَ)، هو مَا زيدت (الهمزةُ) في أوَّلِهِ، معَ تضعيف (العين) وزيادة (واوٍ) بين العينينِ، ويأتي للمبالغةِ، والتَّكثیرِ، ورُبَّما بُنيَ عليه الفعلُ فلم يفارقْهُ نحو: اعروريتُ

ص: 113


1- الممتع في التصريف: 132
2- ينظر: شرح الشافية، للرضي: 1 / 110
3- لسان العرب (سفر): 4 / 370
4- ديوان الأدب: 1 / 405 - 406
5- ينظر: المقاييس: 3 / 82
6- شرح نهج البلاغة: 9 / 262

الفَلْو، إذا ركبتهُ بغیرِ سَرجٍ(1)، أي: للاستغناء به عن مجرَّده، وهيَ دلالةٌ ارتجاليَّةٌ(2)، ويكون متعدِّيًا وغيرَ متعدٍّ، فالمُتعدِّي نحو: احلَولَيتُ الشَّیءَ، وغير المتعدِّي نحو:

اغدَودَنَ النَّبتُ، ومعناهُ على كلِّ حالٍ المبالغةُ في الفعلِ(3).

وممَّا وردَ في المرويَّاتِ على هذا الوزنِ (افْعَوْعَل) دالًّا على الكثرةِ والمبالغةِ، قولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى كلمتي (اعْذَوْذَب واحلولى): «وفي كَلاَمِ عَلِيٍّ يَذُمُّ الدّنْيَا: اعْذَوْذَبَ جانبٌ مِنْهَا واحْلَوْلَى، هُمَا افْعَوعَلَ من العُذُوبة والحَلاوة، هو مِنْ أَبنية المُبَالِغَةِ»(4).

في الحديثِ كلمتانِ (اعْذَوْذَب، واحْلَوْلَی) هما من الفعلِ الثُّلاثيّ المزيدِ (افْعَوْعَلَ)، والدَّالّ على الكثرةِ والمبالغةِ، فكلمةُ (اعْذَوْذَبَ)، أصلُها الثُلاثيّ (عَذُبَ)، وتعني الطِّيبة، قالَ الخليلُ: «عَذُبَ الماءُ عُذوبةً فهو عَذْبٌ طيِّبٌ»(5)، وكذلك تُطلقُ على كلِّ شيءٍ مُستَحسَنٍ، فنقول: عَذُبَ الطَّعامُ أو الشَّرابُ؛ إذا كان سائغًا حسَن الطَّعمِ، ونقول: عَذُب الكلامُ أو اللَّحنُ؛ إذا كان حسَن الوقْعِ في الأذن(6).

أمَّا (احْلَوْلَی)؛ فأصلُها (حَلاَ، يَحْلُو) وتعني الحلاوة، قالَ ابنُ دريد: «الحُلو:

ص: 114


1- ينظر: الأصول في النحو: 3 / 129، والمنصف: 81، والمفصل في صنعة الأعراب: 374
2- ينظر: أبنية الصرف في كتاب سيبويه: 400
3- ينظر: الممتع في التصريفِ: 133
4- لسان العرب (عذب): 1 / 583
5- العين (عذب): 2 / 102
6- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (ع ذ ب): 2 / 1473

مَعْرُوف، حَلا الشيَّءُ يَحْلو حَلاوةً، فَهُو حُلْو كَمَا ترى»(1).

فإذا أردنا المبالغةَ، قلنا: «اعْذَوْذَبَ، واحْلَوْلَی»(2)، وهذا مَا جَاءَ في حديث الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)، قالَ ابن أبي الحديد: «اعْذَوْذَب: صَارَ عَذبًا، واحْلَوْلَی: صَارَ حلوًا، ومن هاهنا أخذَ الشَّاعرُ قولَهُ:

ألا إنَّما الدُّنيا غضارةُ أيكةٍ *** إذا اخْضرَّ منها جانبٌ جَفَّ جَانبُ

فلا تَكتَحلْ عيناكَ منها بعیرةٍ *** على ذاهِبٍ منها فإنَّكَ ذاهبُ»(3)

ص: 115


1- الجمهرة (ح ل و): 1 / 570
2- ينظر: الصاحبي: 203
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 7 / 230، والبيتان لابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد: 3 / 47

ص: 116

الفصلُ الثَّاني الدَّلالةُ السِّياقيَّةُ

اشارة

المَبحثُ الأوَّل: مفهومُ السِّياقِ و أنماطُه المَبحثُ الثَّاني: العلاقاتُ السِّياقِيَّة

ص: 117

ص: 118

تَوطِئَة

السيِّاقُ لغةً:

مُشتَقٌّ من الجذرِ اللُّغويّ (س و ق)، وهو مَصدرٌ، ساق يسُوقُ سَوْقًا وسِياقًا، فالمعنى اللُّغويّ يُشیرُ إلى دلالةِ الحدثِ، وسِيَاقُ الكَلَم تتابعُهُ وأسلوبُهُ الَّذي يجْرِي عليه، أي: التَّتابع(1).

وقالَ الزَّمخشریّ: «ومن المَجازِ... هو يسوقُ الحديثَ أحسنَ سياقٍ، وإليك يُساقُ الحديثُ، وهذا الكلامُ مَسَاقُهُ إلى كذا، وجئتُكَ بالحديثِ على سَوقِهِ: على سَرْدِه...»(2).

أمَّا اصطلاحًا؛ فهو مُستوى من مُستوياتِ التَّحليل اللُّغويّ، وفيه تتحدَّدُ دَلالةُ الكلمةِ؛ لذلك لا يمكنُ معرفة معنى الكلمة ووظيفتها إلَّا بوجودِها في سياقٍ معيَّنٍ، فمعناها يتعدَّد تبعًا للسِّياق الَّذي تقع فيه) 3((3)، قالَ الدُّكتور فريد عوض في بيان معنى

ص: 119


1- ينظر: الصّحاح (سوق): 4 / 1498، والمعجم الوسيط (س و ق) (إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزّيات، وحامد عبد القادر، ومحمّد علي النّجّار): 1 / 465
2- أساس البلاغة (سوق): 1 / 484
3- ينظر: علم الدَّلالة، أحمد مختار عمر: 69، والدَّلالة الإيحائية في الصيغة الافرادية، صفية مطهري: 21

السِّياق: «هو علاقةٌ لغويَّة، أو خارج نطاق اللُّغة يظهرُ فيها الحدثُ الكلاميّ»(1).

ويُعدُّ السِّياقُ من الوسائلِ المهمَّة في فهمِ معاني الكلماتِ، قالَ فندريس: «والاستعمالُ الجاري يكتفي دائمًا بالعباراتِ التَّقريبيَّة؛ لأنَّ لديهِ من الوسائلِ ما يُجنِّبه الوقوع في اللَّبس، إذ إنَّ السِّياقَ يُوضِّحُ معنى كلِّ كلمةِ»(2).

وقد حدَّد اللُّغويُّون للسِّياق وسائلَ تربطُ أجزاءَ الكلامِ، «إنَّ ما يجعلُ السِّياق سياقًا مُترابطًا، إنَّما هي ظواهر في طريقةِ تركيبِهِ ورصفِهِ، لولاها لكانت الكلماتُ المُتَجَاورَة غیر آخذ بعضها بحجزِ بعضٍ، في علاقاتٍ متبادلةٍ تجعلُ كُلَّ كلمةٍ منها واضحةَ الوظيفةِ في هذا السِّياق، وتنقسم الوسائلُ الَّتي تخلقُ هذا التَّابطَ على ثلاثةِ أقسام:

وسائلُ التَّماسكِ السِّياقيّ، ووسائلُ التَّوافقِ السِّياقيّ، ووسائلُ التَّأثيرِ السِّياقيّ»(3).

ومن قبلُ أشارَ الجُرجانيّ إلى أهمِّيَّةِ هذا التَّرابط، فقالَ: «واعلمْ أَنَّك إِذا رجعتَ إلى نفسِكَ علمتَ علْمًا لا يعترضُهُ الشَّكُّ، أنْ لا نَظْمَ في الكَلِم ولا ترتيبَ، حتَّى يُعلَّقَ بعضُها ببعضٍ، وينْبني بعضُها على بَعضٍ، وتُجعلَ هذه بسببٍ من تلكَ، هذا ما لا يَجهلُه عاقلٌ ولا يخْفَى على أحدٍ منَ النَّاس»(4).

ويُعدُّ المنهجُ السِّياقيّ منهجًا قويمًا في علمِ الدَّلالةِ، إذ جعلَ للسِّياقِ الدَّور الحاسِمِ في فهمِ النُّصوصِ وتحديدِ معاني الألفاظِ وضبط دلالاتها، فقد اتَّفق اللِّسانيُّون المعاصرون على أنَّ علاقةَ الكلمةِ مع الكلماتِ الأخرى في (النَّصِّ، الخطاب) هي الَّتي

ص: 120


1- علم الدَّلالة، فريد عوض: 157
2- اللغة: 301
3- مناهج البحث في اللغة: 203
4- دلائل الإعجاز: 55

تحدِّدُ معناها، وصرَّح زعيمُ المدرسة السِّياقيَّة (فيرث) بأنَّ المعنى لا ينكشفُ إلَّا من تسييق الوحدة اللُّغوية(1)، أي: وضعُها في سياقاتٍ مختلفةٍ، وعليه فإنَّ دراسةَ دلالاتِ الكلماتِ تتطلَّبُ تحليلاً للأنماطِ السِّياقيَّة والطَّبقات المقاميَّة الَّتي تردُ فيها، فمعنى الكلمةِ يتحدَّد على وفقِ السِّياقِ الَّذي تردُ فيه(2).

وقد أدرك علماؤنا القدماء أهمِّيَّةَ السِّياق في تحديدِ المعنى، وأثره الحاسِم في توجيهِ دلالاتِ العلاماتِ اللُّغويَّةِ، ولا سيَّما في نصِّ القرآنِ الكريمِ، فقد صرَّح ابن قيِّم الجوزيَّة (ت 751 ه) أنَّ السِّياقَ «من أكبرِ القرائنِ الدَّالَّةِ على مُرادِ المُتكلِّمِ، فمن أهملهُ غلط في نظرهِ وغَالطَ في مُناظرتِهِ»(3)، وتُعدُّ هذه إشارةً إلى قاعدةٍ مضمونُها:

أنَّ أفضلَ طريقةٍ للتَّفسیر، هي تفسیرُ القرآنِ بالقرآنِ(4).

دلالةُ السِّيَاقِ هي الدَّلالةُ الحاصلةُ من مُراعاةِ مَا يُحيطُ باللَّفظِ أو التَّركيبِ أو النَّصِّ من كلامٍ سابقٍ أو لاحقٍ قد يشمل النَّصَّ كلَّه أو الكتابَ بأسرِهِ، وما يُحيطُ به من ملابساتٍ غیرِ لفظيَّةٍ، أو أحوال تتعلَّقُ بالمُخاطِب والمُخاطَب، وطبيعة موضوعِ الخِطابِ وغرضه والمناسبة الَّتي اقتضتْهُ، والزَّمان والمكان الَّذين قِيل فيهما الكلامُ(5).

ص: 121


1- ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 68
2- ينظر: المصدر نفسه: 68
3- بدائع الفوائد: 4 / 9 - 10
4- ينظر: البرهان في علوم القرآن، بدر الدين الزركشي (ت 794 ه): 2 / 175
5- ينظر: دلالة السياق في القصص القرآني، محمد عبد الله يوسف: 17

وتُقسم أنماط السِّياقِ على أربعةِ أقسام(1):

أوَّلًا: السِّياق اللُّغويّ ثانيًا: السِّياق العاطفيّ ثالثًا: سياقُ الموقف (الحال) رابعًا: السِّياق الثَّقافيّ تناول الباحث في هذا الفصلِ مفهوم السِّياقِ وأنماطه، وتَمثَّلَ بدراسةِ السِّياقِ اللُّغويِّ، والسِّياقِ العاطفيّ، وسياقِ الحال، وتجاوز السِّياق الثَّقافيّ؛ نظرًا لعدمِ توافرِ الشَّواهدِ اللُّغويَّة عليه في المَرويَّات، ثمَّ عرضَ شواهد على تلك السِّياقاتِ من المرويَّاتِ، بعد ذلك تناولَ العلاقاتِ السِّياقيَّة وكانت على خمسةِ أساليب، الاستفهام، والأمر، والنَّهي، والتَّقديم والتَّأخیر، والذِّكر والحذف، ثُمَّ بيَّنَ معنى كلِّ أسلوبٍ، وكيفيَّة دراسته عند القدماء والمحدثينَ، ثمَّ عرضَ شواهدَ على تلك العلاقاتِ من المرويَّات، وموازنة تلك المرويَّات بما جمعه الشَّيف الرَّضيّ في نهجِ البلاغةِ.

ص: 122


1- ينظر: المعاجم اللغوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، محمد أحمد أبو الفرج: 121، وعلم الدَّلالة، أحمد مختار عمر: 69

المبحثُ الأوَّلُ أنماطُ السِّياق

أوَّلًا: السِّياق اللُّغويّ

يُرادُ به نَسَقُ الكلامِ الَّذي يقومُ على ارتباطِ الألفاظِ بعَلاقاتٍ سياقيَّةٍ بما قبلها ومَا بعدها(1)، أو هو «حصيلةُ استعمالِ الكلمةِ داخل نظامِ الجملةِ مُتَجاورة وكلماتٍ أخرى، ممّا يُكسبها معنًى خاصًّا محدَّدًا»(2)، ويمكنُ القولُ إنَّه مجموعُ القرائنِ اللُّغويَّةِ الَّتي تسَاعِدُ علَى فَهمِ معنًى معيَّنٍ للفظٍ ما(3). ومن أهمِّ القرائنِ الدِّلاليَّة المُساعدة على فهمِ المعنى هو حُسْنُ التَّأليفِ، وقد أشارَ إلى هذه الأهمَّيِّة قُدامى العلماء، منهم:

أبو هلالِ العسكريّ في قوله: «وحُسْنُ التَّأليفِ يزيدُ المعنى وضوحًا وشَحًا، ومع سوءِ التَّأليفِ ورداءةِ الرَّصفِ والتَّركيبِ شعبة من التَّعميةِ، فإذا كان المعنى سبيًّا، ووصفُ الكلامِ رديًّا لم يوجدْ له قبولٌ، ولم تظهرْ عليه طلاوة، وإذا كان المعنى وسطًا، ورصفُ الكلامِ جيِّدًا كان أحسنَ مَوقعًا، وأطيبَ مستمعًا... وحُسْنُ الرَّصف أنْ تُوضَعَ الألفاظُ في مواضِعِها، وتُمكَّنَ في أماكِنِها، ولا يُستعمل فيها التَّقديم والتَّأخير،

ص: 123


1- ينظر: مناهج البحث في اللغة: 199
2- مبادئ اللسانيات: 355
3- ينظر: المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث: 116

والحذف والزِّيادة إلَّا حذفًا لا يُفسدُ الكلام، ولا يعمي المعنى، وتُضَمُّ كُلُّ لفظةٍ منها إلى شكلِها، وتُضافُ إلى لفقِها»(1)، ويرادُ بحُسْنِ التَّأليفِ الحصيلة النِّهائيَّة لمجموعِ الكلماتِ.

وكذلك أشارَ الزَّركشيّ إلى أهمِّيَّةِ السِّياق بقولهِ: «دَلالةُ السِّياق: فإنَّها ترشدُ إلى تبيينِ المُجملِ والقطعِ بعدمِ احتمالِ غیرِ المرادِ وتخصيصِ العامِّ وتقييدِ المطلقِ وتنوعِ الدَّلالةِ...، وانظرْ إلى قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ(2)، كيف تجدُ سياقَهُ يدلُّ على أنَّه الذَّليلُ الحقیرُ»(3)، إذ لا يُرادُ بالآيةِ ظاهرُ معناها، وإنَّما يُراد بها التَّهكُّم، والمعنى: أنَّك أنتَ الذَّليلُ المُهان؛ لأنَّها صفةٌ للكافرِ وليسَ للمسلمِ بقرينةِ السِّياقِ، فقد تقدَّمَها تهديدٌ بالعذابِ الأليمِ يوم القيامةِ، وهو مَا نبَّه عليه قدامى البلاغيينَ(4).

ومن أمثلة السِّياق اللُّغويّ في العربيَّةِ كلمةُ (عين)(5)، فهي تردُ في سياقاتٍ لغويَّةٍ متعدِّدةٍ، تحملُ في كلِّ سياقٍ معنًى معيَّنًا، فمثلًا: (عينُ الطِّفلِ تؤلمُهُ)، وهنا العينُ الباصِرة، دلَّ على ذلك السِّياقُ، وهو ما جاء بعدها لفظةُ (تُؤلِمُهُ)، وقولنا: (في الجبلِ عينٌ جاريةٌ)، ونعني بالعينِ عينَ الماءِ، بقرينةِ لفظة جارية، وكذلك قولنا: هذا عينٌ للعدوِّ، وذاك عينٌ من الأعيان، فلكلِّ لفظةٍ معنًى خاصٌّ بها دلَّ عليه السِّياقُ اللُّغويّ.

ومن أمثلتِهِ لفظةُ (جَذْر)، فهي تَعني عند علماءِ الرِّياضياتِ رقمًا معيَّنًا، وعند علماءِ

ص: 124


1- كتاب الصِّناعتين: 161
2- الدخان : 49
3- البرهان في علوم القرآن: 2 / 200
4- ينظر: مفتاح العلوم، للسكاكي (ت 626 ه): 177، والإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني (ت 739 ه): 3 / 85
5- ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 186

الأحياءِ العروق المُمتدَّة في الأرضِ، وعند اللُّغويين أصل الكلمة، وهكذا(1).

ومن المؤكَّدِ أنَّ ما ذُكِرَ ينطبقُ على أكثرِ المفرداتِ حينَ تردُ في السِّياق، فالكلمةُ لها معنًى خاصٌّ في المعجمِ، ولها معنًى آخر مختلفٌ باختلافِ السِّياقِ الَّذي تردُ فيه.

ورد في مَرويَّات الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في لسانِ العربِ ألفاظٌ فسَّرها السِّياقُ اللُّغويّ، منها ما يأتي:

قالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمةِ (الضِّغْث): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ (عليه السَّلام) في مَسْجِدِ الكُوفَةِ: فِيهِ ثلاثُ أَعْيُنٍ أَنْبَتَتْ بالضِّغْثِ؛ يُرِيدُ بِهِ الضِّغْثَ الَّذي ضَرَبَ بِهِ أَيُّوبُ (عليه السَّلام) زوجتَه، والجمعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: أَضْغاثٌ»(2).

قالَ الفراهيديّ في معنى (الضِّغْث): «والضِّغْثُ: قبْضَةُ قضبَانٍ يَجمَعُهَا أصْلٌ واحِد»(3)، مثل: «الأسلِ، والكُرَّاثِ، والثُّمام»(4).

وممَّا وردَ من معاني (الضِّغْث) في التَّهذيبِ «الضِّغْثُ من الخَبرِ والأَمْر: مَا كَانَ مُخْتَلِطاً لَا حَقِيقَةَ لَهُ»(5)، ومن معانيها أيضًا «الحُلُمُ الَّذي لَا تأويلَ لَهُ ولَا خیرَ فِيهِ»(6).

وهذه المعاني لكلمةِ (ضِغْث) لا يحدِّدُ معناها إلَّا السِّياقُ الواردةُ فيه، فإمَّا أنْ يأتيَ

ص: 125


1- ينظر: علم اللغة بين التراث والمعاصرة، عاطف مدكور: 238
2- لسان العرب (ضغث): 2 / 164
3- العين (ضغث): 4 / 363
4- التهذيب (ضغث): 8 / 49
5- المصدر نفسه، الجزء والصحيفة أنفسهما
6- المحكم والمحيط الأعظم (ضغث): 5 / 401

لفظٌ قبلها، أو بعدَها في الجملةِ الَّتي تردُ فيها، فيبينِّ دلالتَها المقصودةَ.

أمَّا ما جاءَ في حديث الإمام (أنْبَتَتْ بالضِّغْث)؛ فأراد بالضِّغْثِ النَّبات؛ بدليل السِّياقِ اللُّغويّ الَّذي وردتْ فيه، والقرينةُ الدَّالَّةُ على ذلك ما تقدَّمها من لفظِ (أنْبَتَتْ)، فكان الضِّغثُ النَّباتَ المعروفَ آنذاكَ.

ومعنى الحديثِ كما ذكرَه ابنُ أبي الحديد في شرحِه «قال ابنُ قتيبة: قوله: (أنْبَتَتْ بالضِّغْثِ) أحسبُهُ الضِّغْثَ الَّذي ضَربَ أيُّوبُ أهلَه. والعينُ الَّتي ظهرتْ لمَّا ركضَ الماءَ برجلِهِ. قال: والباء في (بالضِّغْث) زائدة، تقديره: أنبتت الضِّغْثَ، كقوله تعالى: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(1)، وكقوله: (يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ)(2))(3)، والكلمةُ من حديثٍ له (عليه السَّلام) وهو يذكرُ مسجدَ الكوفةِ، «في زاويتِهِ فَارَ التَّنُورُ، وفيهِ هلكَ يغوثُ ويعوقُ، وهو الفاروقُ، ومنهُ يستترُ جبلُ الأهوازِ، ووسطُهُ على روضةٍ من رِياضِ الجنَّةِ، وفيهِ ثلاثُ أعين أنبتتْ بِالضِّغثِ، تذهبُ الرِّجسَ، وتطهرُ المؤمنينَ: عينٌ من لبنٍ، وعينٌ من دهنٍ، وعينٌ من ماءٍ، جانبُهُ الأيمنُ ذكرٌ، وفى جانبهِ الأيسرِ مكرٌ، ولو يعلمُ النَّاسُ مَا فيهِ من الفضلِ لأتوْهُ ولو حَبوًا»(4).

وممَّا ورد من الألفاظِ في المَرويَّات دالًّا على معناها السِّياقُ اللُّغويّ لفظةُ (كُوثَى)، إذ قالَ ابنُ منظور: «ولَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِیرِینَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا، (عليه

ص: 126


1- المؤمنون: 20
2- الإنسان: 6
3- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد: 19 / 132
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 131 - 132

السَّلام) يَقُولُ: مَنْ كَانَ سائِلًا عَنْ نِسْبَتِنا، فإِنَّا نَبَطٌ مِنْ كُوثَى»(1).

قَالَ الأزهريّ في معنى (كَوَّث): «كَوَّثَ الزَّرْعُ تَكْوِيثًا إِذا صارَ أَرْبَعَ ورَقَاتٍ وخَمْسَ ورَقَاتٍ، وهُوَ الكَوْثُ»(2).

وجاءَ في تاج العروسِ في بيانِ معنى (كُوثَى)، «وكُوثَى، بالضَّمِّ، ثَلاَث مَواضِعَ:

بَلْدَة (بالعراقِ) ببابِلَ، وتُسَمَّى كُوثَى الطَّرِيقِ، وكُوثَى رَبَّا: من نَاحيَة بابِلَ، بأَرْضِ العِرَاقِ أَيضًا، وبهَا وُلِدَ سيِّدُنا الخَليلُ (عليه السَّلام) وطُرِحَ في النَّار، ومَحَلَّةٌ بمَكَّةَ لبَنِي عبدِ الدَّارِ بن قُصيَّ»(3). وهذه المعاني كلُّها واردةٌ، ومن الممكنِ أنْ يذهبَ إليها قول الإمام، إلَّا أنَّ الَّذي يحدِّدُها، ويصحِّحُ قولَ من ذهب خلاف ذلك، هو السِّياقُ، إذ أراد الإمام (عليه السَّلام) ب (كُوثَى): العراق؛ لمجيء كلمة (نَبَط) قبلها وتعني في اللُّغةِ «قومٌ ينزلون سَوادَ العراق، والجميعُ: الأنباط»(4)، ولَو أَراد كُوثَى مَكَّةَ، لما قَالَ نَبَطٌ، وكُوثَى العِرَاقِ هِي قريةٌ ولدَ بها إبراهيم (عليه السَّلام)(5)، قالَ الأزهريّ: «وإِنَّما أَراد علیٌّ أَنَّ أَبانا إِبراهيمَ كَانَ من نَبَطِ كُوثَى، وأَنَّ نَسَبنا انْتَهى إِليه»(6)، وما أوصلنَا إلى هذا المعنَى هو ورودُ كلمةِ (كُوثَى) في ذلك السِّياقِ اللُّغويّ.

وقالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمة (دِهَاقًا): «ودَهَق الماءَ وأدْهَقه: أفْرَغهُ إِفْرَاغًا

ص: 127


1- لسان العرب (كوث): 2 / 181
2- التهذيب (كوث): 10 / 185
3- تاج العروس (كوث): 6 / 336
4- العين (نبط): 7 / 439
5- ينظر: غريب الحديث، للخطابي: 3 / 72
6- ينظر: التهذيب (كوث): 10 / 186

شَدِيدًا، وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ (رَضِیَ اللّه عنه): نُطْفةً دِهاقًا وعَلَقةً مُحاقًا، أَي: نُطْفَةً قَدْ أُفْرِغَت إِفراغًا شَدِيدًا، مِن قَوْلِهِمْ أَدْهَقْت المَاءَ أَفْرَغته إِفراغًا شَدِيدًا، فَهو إِذًا مِنَ الأَضدادِ»(1).

والدِّهاقُ في اللُّغةِ يعني: الامتلاء، «وكأسٌ دِهاقٌ: مَلأَى، وأدهقتها: شَدَدْتُ ملأَها»(2)، ويأتي بمعنَى التَّقطيع، «دهقت الشَّيءَ: كسَرتهُ وقطَعتهُ»(3)، وربَّما يأتي بمعنى الإفراغ، كما قالَ ابنُ فارس: «وأدهقتُ الماءَ، إذا أفرغتهُ إفراغًا شديدًا»(4)، وجاءَ في كتابِ الأفعالِ، لابنِ القطَّاع (ت 515 ه): دهَقتُ الرَّجُلَ دَهْقًا: أتعبتُه، ودَهَقَ من المالِ دهَقةً أعطيتُهُ، ودَهقتُهُ: غمزتُهُ غمزًا شديدًا، ودهقتُ الماءَ: صَبَبْتُهُ، وأيضًا عذبتُهُ(5).

أصبحَ لدينا عدَّة معانٍ لكلمة (دِهَاق) منها الامتلاء الشَّديدُ، والإفراغُ الشَّديد، والتَّكسیرُ والتَّقطيعُ، ولا يَميزها إلَّا السِّياقُ، اثنان منها متضادَّانِ، هما: الامتلاءُ، والإفراغُ، فوجودُ كلمةِ (نُطْفَة) في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) ذهبَ بمعنى لفظةِ (دِهَاق) إلى الامتلاءِ، أو الإفراغِ، أَيْ: نُطفة قَدْ أُفْرغَت إِفْراغًا شَدِيدًا «مِن قَوْلِهِمْ أَدْهَقْتُ المَاءَ إِذَا أفْرَغته إِفْرَاغًا شَدِيدًا»(6)، أو نُطفة قد امتلأتِ امتلاءً شديدًا بجراثيم الحياة(7)، والدّليلُ على ذلكَ السِّياقُ الَّذي وردتْ فيهِ لفظةُ (دِهَاق)، إذ تقدَّمتْها

ص: 128


1- لسان العرب (دهق): 10 / 106
2- العين (دهق): 4 / 326
3- غريب الحديث، للخطابي (دهق): 4 / 1478
4- مجمل اللغة (دهق): 1 / 337
5- ينظر: كتاب الأفعال، لابن القطاع: 1 / 340
6- النهاية في غريب الحديث والأثر (دهق): 2 / 145
7- ينظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6 / 269

لفظةُ (نُطْفَة) وهي تعني الماءَ القليل، «والنُّطفَة: مَعْرُوفَة وكلُّ مَاءٍ مُجْتَمعٌ نُطْفَةٌ، ولا يكون إِلَّا قَلِيلاً»(1).

وربَّما أرادَ الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام) بكلا المعنيين، نطفةً مملوءةً (على قلَّتها) بجراثيمِ الحياةِ، ومُفرَّغةً إفراغًا شديدًا.

ثانيًا: السِّياق العاطفيّ

هو الَّذي يحدِّدُ طبيعةَ استعمالِ الكلمةِ بينَ دلالتها الموضوعيَّة الَّتي تفيدُ العموم، ودلالتها العاطفيَّة الَّتي تفيدُ الخصوص(2)، وبهذا نجدُ أنَّ السِّياقَ هو الحكمُ في انتقاءِ اللَّفظةِ ذات التَّأثیرِ الَّذي يتلاءمُ ومُراد المتكلِّمِ، ومن هنا يكونُ «السِّياق العاطفيّ هو المُحدِّدُ لدرجةِ القوَّةِ أو الضَّعفِ في الانفعالِ، ممَّا يقتضي تأكيدًا أو مبالغةً أو اعتدالًا»(3)؛ لذا إنَّ الكلمة حينما تُنطقُ يكونُ لها «جوٌّ عاطفيٌّ يُحيطُ بها وينفذ بها ويُعطيها ألوانًا مؤقَّتةً على حسبِ استعمالِها»(4)، كما تكونُ طريقةُ الأداءِ الصَّوتيَّةُ كافيةً لشحنِ المفردات بالكثیرِ من المعاني الانفعاليَّة والعاطفيَّة؛ لأنَّها تُنطقُ وكأنَّها تمثِّلُ معناها تمثيلاً حقيقيًّا. ولا يخفى ما للإشاراتِ المُصاحبةِ للكلامِ في هذا الصَّدد من أهمِّيَّةٍ في إبرازِ المعاني الانفعاليَّة(5).

ومن أمثلةِ السِّياق العاطفيّ في اللُّغةِ العربيَّةِ، أنَّكَ تجدُهُ هو الَّذي يحدِّدُ درجةَ

ص: 129


1- الجمهرة (نطف): 2 / 921
2- ينظر: مبادئ اللسانيات: 356
3- علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 70
4- اللغة، فندريس: 235
5- مبادئ اللسانيات: 357

الانفعالِ قوَّةً وضعفًا، فالكلماتُ ذوات الشُّحنةِ التَّعبيريَّة القويَّة ترد حينَ يكونُ الحديثُ عن أمرٍ فيه غضبٌ وشدَّةُ انفعالٍ، فالمتكلِّمُ في هكذا حالة من الشُّعورِ الجامحِ، يُغالي في استعمالِ كلامتٍ ذوات شحنةٍ عاطفيَّةٍ كبیرةٍ، ومعانٍ مغالية لا يقصد معناها الحقيقيّ، فعندما نقولُ في الَّذين يَتعاركون: يَتذابحونَ أو يقتل بعضُهم بعضًا، فمستعملُ هذه الكلماتِ لا يقصد معانيها الحقيقيَّة، وتكون محمَّلة بما يعتمل في داخله من غضبٍ وانفعالٍ أو انشراحٍ وسرورٍ(1)، وهكذا أيضًا لفظةُ (كَلْب) وما تَحملُهُ من قيمٍ عاطفيَّةٍ متباينةٍ، فعند الطِّفلِ هو لعبةٌ، وعند رجُلِ الدِّينِ هو نجسٌ، وعند الفتاةِ هو الَّذي يُشكِّلُ الخوف من نباحه، وعند الصَّيادِ هو الفرحُ الأكبرُ بحفلةِ الصَّيدِ...

وهكذا، فالمستعملُ يُسبغُ عليها من عاطفتِهِ، عندما تَرِدُ على لسانِهِ مُحمَّلةً بالانفعالات النَّفسيَّة.

وممَّا وردَ في مَرويَّات الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في لسان العرب من ألفاظٍ مشحونةٍ بالتَّعبیرِ العاطفيّ قولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى (حَرِبَ): «وحَرَّبْتُ عليه غیرِی، أَي:

أَغْضَبْتُه. وحَرَّبَه أَغْضَبَه... وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عَلَيْهِ السَّلامُ) أَنه كتَب إِلَی ابْنِ عَبَّاسٍ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُمَا): لَّمَا رأَيتَ العَدُوَّ قَدْ حَرِبَ، أَيْ: غَضِبَ»(2).

قالَ الجوهريّ في معنى (حَرِبَ): «وحَرِبَ الرَّجُل بالكسر: اشتدَّ غضبُهُ. ورجلٌ حَرِبٌ، وأسدٌ حَرِبٌ. والتَّحريبُ: التَّحريشُ. وحَرَّبْتُه، أيْ: أغْضبتُهُ»(3)، وقد يكون (التَّحرِيب) هو السَّلبُ، أو شدَّةُ الغضبِ؛ لسلبِ شيءٍ ما، قالَ ابن فارس: «يُقَالُ: حَرَبْتُهُ مَالَهُ، وقَدْ حُرِبَ مَالَهُ، أَيْ: سُلِبَهُ، حَرَبًا... ويُقَالُ أَسَدٌ حَرِبٌ، أَيْ: مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ كَأَنَّهُ

ص: 130


1- ينظر: الألسنية محاضرات في علم الدلالة، نسيم عون: 160، ومبادئ اللسانيات: 357
2- لسان العرب (حرب): 1 / 304
3- الصحاح (حرب): 1 / 108

حُرِبَ شَيْئًا، أَيْ: سُلِبَهُ»(1)، فيكون معنى (الحَرِب) المركزيّ هو السَّلب، لكنَّه عِلَّةٌ مُوجِدَةٌ للغضبِ، قالَ الزَّمخشریّ في هذا المعنى: «ومن المجازِ: حَرِبَ الرَّجُلُ حَرَبًا:

غَضِبَ فهو حَرِب، وحرّبتُه أنا. وأسدٌ حَرِبٌ ومحرِبٌ، شبه بمن أصابَهُ الحَربُ في شدَّةِ غضبِهِ»(2).

لمَّا كانت كلمةُ (حَرِبَ) تعني اشتدَّ غضبُهُ؛ فهي تَحملُ دلالتينِ: الغضب، والشِّدَّة، فيكون المعنى الَّذي أراده الإمام (عليه السَّلام): أنَّ العدوَّ اشتدَّ غضبُهُ؛ خوفًا من سَلْبِ ما كان تحتَ يدِهِ، فجاءَ التَّعبیرُ بهذه اللَّفظةِ الشَّديدةِ الانفعالِ.

جاءَ في شرحِ نهجِ البلاغةِ معنى (حَرِبَ) في قول الإمام (عليه السَّلام): «حَرِبَ ك (فَرِحَ) اشتد غضبُهُ واستأسدَ في القِتالِ»(3).

وممَّا جاءَ في المَرويَّات من الألفاظِ الَّتي تحمل معنى السِّياق العاطفيّ كلمةُ (مهطعينَ)، قالَ ابنُ منظور: «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): سِراعًا إِلى أَمره، مُهْطِعِين إِلى مَعادِه، الإِهْطاعُ: الإِسْراعُ في العَدْوِ. وأَهْطَعَ البعيرُ في سیْرِه واسْتَهْطَعَ إِذا أَسْرَعَ»(4).

قالَ الخليلُ في معنى الإهطاعِ: «المُهْطِعُ: المُقْبِلُ ببصرهِ على الشيَّءِ لا يَرفَعُهُ»(5)، وقد يرادُ بالإهطاع أنْ يُقْبِلَ الإنسانُ مُسْرِعًا خائفًا، قالَ ابن دريد: «هَطَعَ وأهطعَ فَهُو

ص: 131


1- المقاييس (حرب): 2 / 48
2- أساس البلاغة: 1 / 178
3- نهج البلاغة، تعليق: صبحي الصالح: 690
4- لسان العرب (هطع): 8 / 372
5- العين (هطع): 1 / 101

هاطِع ومُهْطِع، إِذا أقْبَلَ مُسرعًا خَائفًا، لَا يكون ذَلِك إِلَّا مَعَ خوفٍ»(1)، ويضاف إلى هذه المعاني معنًى آخر، هو الذُّلُّ والخضوعِ فأهطع: «مَن يَنْظُرُ في ذُلٍّ وخُضُوعٍ لا يُقْلِعُ بَصَرَه، أو السَّاكِتُ المُنْطَلِقُ إلى مَن هَتَفَ بهِ»(2).

وهذه المعاني الَّتي وردت لكلمةِ (مُهْطعِين)، قد تكونُ متباينةً بين شخصٍ وآخر، فعند الرَّاعي تعني الإسراعَ، إذا قصد بها إبلَهُ، وعند رجلِ التَّفسیرِ تعني الإقبالَ والإسراعَ، وعند الشَّاعر - إذا هجا - تعني الذُّلَّ والخضوعَ، ولا شكَّ أنَّ هذه المعاني منها ما يكونُ محمودًا، ومنها ما يكونُ مذمومًا، تبعًا لما يُسبغُ عليها المُتكلِّمُ من عاطفتهِ عند ورودها في سياقِ كلامِهِ، وما تحملُ من انفعالاتٍ نفسيَّةٍ.

إنَّ هذه الصُّورةَ الَّتي يُصوِّرُها لنا الإمام، (عليه السَّلام) النَّابعة من خيالهِ، قد أفضی عليها شيئًا من عاطفتِهِ في اختياره ألفاظًا مَشحونةً بالانفعالاتِ النَّفسيَّة، وهي خروج الإنسانِ من قبرِهِ، مُسرعًا خَائفًا من هولِ ذلك اليوم إلى المحلِّ الَّذي قرَّره اللهُ (سبحانه وتعالى) لعودةِ الإنسان، وهو المحشر(3).

ومنه أيضًا، ما استشهدَ به ابنُ منظور في بيانِ معنى (الادْهِمَام): «والدُّهْمُ ثَلاَثُ لَيَالٍ مِنَ الشَّهرِ؛ لأَنَّها دُهْمٌ. وفِ حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِها ادْهِمامُ سَجْفِ اللَّيْلِ المُظلِمِ، الادْهِمامُ: مَصْدَرُ ادْهَمَّ، أَي: اسْوَدَّ. والادْهِيمامُ:

مَصْدَرُ ادْهامَّ كالاحْمرار والاحْمِیرار في احْمَرَّ واحْمارَّ»(4).

ص: 132


1- الجمهرة (هطع): 2 / 917
2- القاموس المحيط (هطع): 1 / 775
3- ينظر: نهج البلاغة، تعليق (الشيرازي): 120
4- لسان العرب (دهم): 12 / 210

نجدُ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةَ (ادْهِمَام)، وتعني في اللُّغةِ: السَّواد «الأَدْهَمُ: الأَسودُ، وبه دُهْمةٌ شَديدةٌ. وادْهامَّ الزَّرْعُ، إذا علاهُ السَّوادُ رِيًّا»(1)، وقد يُرادُ بالدَّهْم: الجماعة، قالَ الأزهريّ: «الدَّهْمُ: الجَمَاعَة الكَثِیرَة. وقد دَهَمُونا، أَي: جَاءُونَا بمَرَّةٍ جمَاعَة»(2)، ولكنَّ ابنَ فارس أرجعَهُ (الدَّهْم) إلى أصلٍ واحدٍ، «الدَّالُ والهَاءُ والمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى غِشْيَانِ الشيَّءِ في ظَلاَمٍ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ فَيَسْتَوِي الظَّلاَمُ وغَیْرُهُ، يُقَالُ: مَرَّ دَهْمٌ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ: طَائِفَةٌ»(3).

كَلِمَتَا (ادْهِمَام، وسَوَاد)، كَلِمَتَانِ مُتَرَادِفَتَانِ، إلَّا أنَّهما يَختلفانِ عند حدودِ استعمالهما؛ لأنَّ كلَّ مُستَعْمِلٍ له انتماءٌ ينحازُ له، فكريًّا وعاطفيًّا؛ فلكلِّ مُتكلِّمٍ نزعةٌ عاطفيَّةٌ تجاه كلمةٍ من الكلماتِ، مع أنَّها تُشاركُ أو تُرادفُ كلمةً أخرى في عمومِ الموضوعِ، إلَّا أنَّ لكلِّ كلمةٍ خصوصيَّتها، فكلمةُ (ادْهِمَام) تُعطي معنى السَّواد، إلَّا أنَّها أكثرُ تأثیرًا في نَفسِ السَّامعِ من كلمةِ (سَوَاد)؛ لاشتمالهِا على السَّواد وشدَّته.

وَرُوي الحديثُ في نَهجِ البلاغةِ باختلافِ لفظةِ (ادْهِمَام)، فقد جاءتْ بزيادةِ لامٍ بعد الدَّالِ «لم يمنعْ ضوءَ نورِها ادْلِهْمَامُ سَجُفِ اللّيلِ المُظلِمِ»(4).

قالَ ابنُ أبي الحديد في شرح الحديثِ: «إنَّ إدْلِهْمَامَ سَوادِ اللَّيلِ (أي: شدَّة ظلمتِهِ) لم يَمنع الكواكبَ من الإضاءةِ، وكذلك أيضًا لم يمنعْ ظلامُ اللَّيلِ القمرَ من تلألؤ نورِهِ، وإنَّما خصَّ القمرَ بالذِّكرِ وإنْ كانَ من جملةِ الكواكب؛ لشرفِهِ بما يَظْهَرُ للأبصَارِ من

ص: 133


1- العين (دهم): 4 / 31
2- التهذيب (دهم): 6 / 124
3- المقاييس (دهم): 2 / 307
4- نهج البلاغة، محمد عبده: 365

عظمِ حَجمِهِ، وشدَّة إضاءتِهِ، فصَارَ كقوله تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمَّانٌ)(1)، وقد رَوى بعضُ الرُّواةِ (ادْلِهْمَامَ) بالنَّصب، وجعله مفعولًا، و (ضوءُ نورِها) بالرَّفع وجعله فاعلاً، وهذه الرِّوايةُ أحسنُ في صِناعةِ الكتابةِ لمكانِ الازدواجِ، أيْ: لا القمر ولا الكواكب تمنعُ اللَّيلُ من الظُّلمةِ، ولا اللَّيل يمنع الكواكب والقمر من الإضاءة»(2).

إنَّ ما أراده الإمامُ (عليه السَّلام) هو التَّأثیرُ في قلوبِ الآخرين، ولا شكَّ أنَّ لفظةَ (ادْهِمَام أو ادْلِهْمَام) هي أقوى تأثیرًا، وأنفذُ ولُولجًا في قلوبِ السَّامعينَ من أيِّ لفظةٍ أخرى في هذا المعنى؛ لمَا تحملُهُ من انفعالٍ شديدِ التَّأثیرِ في قلوبِ الآخرينَ.

ثالثًا: سياق الموقف (الحال)

يُرادُ به ظروفُ الخطابِ وملابساته الخارجيَّة الَّتي تَشتملُ على الطَّبقاتِ المقاميَّةِ المُختلفِة المُتباينةِ الَّتي ينجزُ ضمنها الكلام، والَّتي سمَّاها علماؤنا: سياق الحالِ، أو المقام، وقالوا: لكلِّ مقامٍ مَقالٌ، و لكلِّ كلمةٍ مع صاحبتِهَا مقامٌ(3)، ويشملُ ذلك الزَّمان والمكان وحال الأشخاصِ: المُتكلِّمينَ والمُخاطَبينَ، وهذا النَّوعُ يشتملُ على القرائنِ الحاليَّةِ الَّتي تُسهِمُ في الكَشفِ عن المُرادِ، وقد سَمَّاه المُفسِّرونَ: أسبابَ النُّزولِ، ويندرجُ ضمنها (مُراعاةُ حالِ المخَاطَبِ) و (غرضُ المُتكلِّمِ).

وسياقُ الحالِ، يشملُ أنواع النَّشاطِ اللُّغويّ جميعًا (كلامًا، وكتابةً)، أيْ: هو جملةُ العناصرِ المُكِّونةِ للمَوقفِ الكلاميّ أو للحالِ الكلاميَّة، ومن هذه العناصرِ المكوِّنةِ

ص: 134


1- الرحمن: 68
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 86
3- ينظر: اللغة العربيَّة معناها ومبناها: 364

للحالِ الكلاميَّة(1):

1- شخصيَّةُ المُتكلِّمِ والسَّامع، وتكوينهما الثَّقافيّ، وبيان ما لذلك من علاقةٍ بالسُّلُوكِ اللُّغويّ.

2- العواملُ والظَّواهرُ الاجتماعيَّةُ ذات العلاقةِ باللُّغةِ والسُّلُوكِ اللُّغويّ لمن يُشاركُ في المَوقفِ الكلاميّ، وكلّ ما يطرأ في أثناء الكلامِ ممَّن يشهدُ الموقفَ الكلاميّ من انفعالٍ أو أيّ ضربٍ من ضروبِ الاستجابةِ، وكلّ ما يتعلَّقُ بالمَوقفِ الكلاميّ، أيًّا كانت درجة تعلُّقِهِ.

3- أثرُ النَّصِّ الكلاميّ في المُشتركينَ، كالاقتناعِ، أو الألمِ، أو الإغراءِ، أو الضَّحكِ.

ومن الأمثلةِ الواردة في العربيَّةِ، الَّتي تدلُّ على الصِّلة الوثيقةِ بين الكلامِ والمقامِ ما وردَ في قضيَّةِ التَّحكيمِ المشهورةِ من قولِ الخوارج: «لا حكمَ إلَّا للهِ»، إذ جاءَ جوابُ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) بقوله: «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِهَا بَاطِلٌ»(2). لقد أرادَ الإمامُ (عليه السَّلام) بذلكَ أنَّ هتافَ الخوارجِ كلامٌ دينيٌّ صحيحٌ، لكنَّ المقامَ هو إلزامٌ سياسيّ عن طريقِ الدِّينِ، فالمقالُ هنا من الدِّينِ، والمقامُ من السِّياسةِ، إذ كانَ من الواجبِ على النَّاسِ أنْ يفهموا بعد أنْ ردَّ الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام) بكلمتهِ المشهورةِ، ويميزوا المقالَ في ضوء المقامِ(3).

إنَّ مراعاةَ المقامِ تجعلُ المتكلِّمَ يعدلُ عن استعمالِ الكلماتِ الَّتي تنطبقُ على الحالةِ

ص: 135


1- ينظر: علم اللغة، محمود السعران: 310 - 311
2- ينظر: نهج البلاغة، محمد عبده: 1 / 113
3- ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها: 338

الَّتي يصادفُها خوفًا أو تأدّبًا، ومثالُهُ ما وردَ على لسانِ الأحنفِ بن قيس حينَ سألَه معاويةُ بن أبي سفيان عن رأيهِ في أخذِ البيعةِ بولايةِ العهدِ لابنِهِ يزيدَ، مع أنَّه لم يكن حَسَنَ السِّیرةِ في النَّاسِ، فقالَ الأحنف قولتَهُ الشَّهيرةَ: «أخافُ اللَّه إنْ كذبتُ، وأخافكم إنْ صدقتُ»(1)، فكانتِ الكنايةُ أبلغَ من التَّصريحِ، وأقدر على إيصالِ المعنى من التَّوضيحِ، وكلَّمَا كان الكلامُ موافقًا أحوال المقامِ كانَ مَقبولًا ومُستحسنًا في ظرفِهِ وحينِهِ، وليسَ مهمًّا أنْ يَتارَ المتكلِّم كلمةً ذات دلالةٍ موضوعيَّةٍ دقيقةٍ، وإنَّما المهمُّ وجودُ المُناسبةِ بينَ الكلامِ والمَوقفِ(2).

ومن المَرويَّات الَّتي استشهد بها ابنُ منظور والَّتي يمكنُ تفسیرُها على وجهِ سياقِ الموقفِ (الحال) قولُهُ في بيانِ معنى كلمةِ (نَكَصَ)، إذ قالَ: «ونَكَصَ الرَّجُلُ يَنْكِصُ:

رَجعَ إِلى خَلْفِه ... وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُ) وصِفِّينَ: قَدَّمَ للوَثْبةِ يَدًا وأَخَّرَ للنُّكُوصِ رِجْلاً، النُّكُوصُ: الرُّجوعُ إِلى ورَاءٍ وهُوَ القَهْقَرَى»(3).

ومعنى النُّكُوصِ في اللُّغة الإحجامُ، قالَ الخليلُ: «النُّكُوصُ: الإحجام. نَكَصَ هو وأَنْكَصَهُ غیره. والنَّكِيصةُ: التَّأخرُ عن الشيَّءِ»(4)، وربَّما استُعمِلَ (النُّكُوص) في الرُّجُوعِ عن الخیرِ خاصَّةً، قالَ ابنُ دريد: «نَكَصَ الرَّجُلُ عَن الأَمر نَكْصًا ونُكوصًا، إِذا تكأكأ عَنهُ. ونَكَصَ على عَقِبَيْه: رَجَعَ عمّا كَانَ عَلَيْهِ من خيرٍ، وكَذَا فُسِّرَ في التَّنْزِيلِ،

ص: 136


1- وفيات الأعيان، لابن خلكان (ت 681 ه): 2 / 500
2- ينظر: مبادئ اللسانيات: 358
3- لسان العرب (نكص): 7 / 101
4- العين (نكص): 5 / 303

واللهُ أعلم، ولَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا في الرُّجُوعِ عَن الخَیْر خَاصَّةً، ورُبَّمَا قِيلَ في الشَّرِّ»(1)، وكذلك وردَ في القاموسِ المحيطِ نَفي دِلالة النُّكوصِ على الرُّجُوعِ عن الشَّرِّ، «ونَكَصَ على عَقِبَيْهِ: رَجَعَ عَمَّا كانَ عليه من خَيْرٍ، خاصٌّ بالرُّجُوعِ عن الخَيْرِ، ووهِمَ الجَوْهَرِيُّ في إطْلاَقِهِ، أو في الشَّرِّ نادِرٌ»(2).

وبهذا نصلُ إلى أنَّ المعنى المركزيّ للنُّكُوصِ وهو الرُّجُوعُ، وعن الخیرِ خاصَّةً، ولكن لا يمكنُ تفسیر حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) على هذا الوجه؛ لأنَّ من قصدَهُ الإمامُ بالحديثِ مُسبقًا لم يكنْ من أهلِ الخیرِ مطلقًا، فَإذا أخذنَا الظُّروفَ الزَّمانيَّةَ والمكانيَّةَ تمكَّنا من الوصولِ إلى مَقصودِ الإمامِ (عليه السَّلام).

جاءَ في شرحِ نَهجِ البلاغةِ: «فإنَّ الشَّيطانَ كامنٌ في كسرِه، يَحتملُ وجهينِ: أحدُهما أنْ يعني به الشَّيطان الحقيقيّ، وهو إبليس، والثَّاني: أنْ يعني به معاويةَ، والثَّاني هو الأظهرُ للقرينةِ الَّتي تؤيِّدُهُ، وهى قوله: (قد قدَّمَ للوثبةِ يدًا، وأخَّرَ للنُّكُوصِ رِجْلًا)، أي: إنْ جبنتم وثبَ، وإنْ شجعتم نَكَصَ، أي: تأخَّرَ وفرَّ، ومن حمله على الوجه الأوَّلِ، جعلَه من بابِ المَجازِ، أي: أنَّ إبليسَ كالإنسانِ الَّذي تعتَوِرُهُ دواعٍ مختلفة بحسبِ المُتجدِّداتِ، فإنْ أنتم صدقتم عدوَّكم القتالَ فرَّ عنكم بفرارِ عدوِّكم، وإنْ تخاذلتُم وتواكلتُم طمع فيكم بطمعِهِ، وأقدَمَ عليكم بإقدامِهِ»(3)، وسياقُ الموقفِ يكشفُ لنا المعنى الَّذي أراده الإمامُ (عليه السَّلام)، وهو التَّقهقرُ والرُّجُوعُ عنِ الشَّرِّ.

وممَّا جاءَ في اللِّسانِ من أقوالِ الإمام علیٍّ، (عليه السَّلام) في بيانِ معنى (نَأنَأ)،

ص: 137


1- الجمهرة (نكص): 2 / 896
2- القاموس المحيط (نكص): 633
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 5 / 174

قالَ ابنُ منظور: «قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: ومِن ذَلِكَ قَوْلُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُ) لسليمانَ بْنِ صُرَدٍ، وكَانَ قَد تَخَلَّفَ عَنهُ يَوْمَ الجَمَلِ ثُمَّ أَتاه، فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ، (رَضِیَ اللهُ عَنْهُ): تَنَأْنَأْتَ وتَراخَيْتَ، فَكَيْفَ رأَيتَ صُنْعَ اللهِ؟ قَوْلُهُ: تَنَأْنَأْتَ يُرِيدُ ضَعُفْتَ واسْتَرْخَيْتَ»(1).

في الحديث كلمة (تَنَأنَأ)، وتعني في اللُّغةِ: ضَعف، قالَ الخليلُ: «النَّأنأةُ: الضَّعْفُ والعَجْزُ في الأَمْر»(2)، وقد يُرادُ به النَّهي والكفُّ عن الشيَّء(3)، أو رُبَّمَا يُرادُ بِهِ خلطُ الأمورِ بعضها ببعضٍ، قالَ الجوهريّ: «نَأْنَأْتُ في الرَّأي: إذا خلَّطْتَ فيه تخليطًا ولم تُبرمْه»(4).

أمَّا المعنى الَّذي أراده الإمامُ (عليه السَّلام)؛ فهو الضَّعفُ والخذلانُ، بدلالةِ سياقِ الحال (الزَّمان)؛ لأنَّ الموقفَ الَّذي أبداه الإمامُ كان موقف لومٍ وعتابٍ، ويظهرُ من ذَلكَ تقصيرُ (سليمان بن صرد) في نصرةِ الإمامِ في حربِ الجملِ، فالمقالُ وصفٌ لسليمانَ، والمقامُ مقامُ تأنيبٍ، ولومٍ، وعتابٍ.

ومعنى الحديثِ في شرحِ النَّهجِ أنَّه «دخلَ سليمانُ بن صرد الخزاعيّ على عليٍّ (عليه السَّلام) عند مرجعِهِ من البصرةِ، فعاتبَهُ وعذلَهُ وقال له: ارْتَبْتَ وتَرَبَّصْتَ ورَاوَغْتَ، وقدْ كنتَ من أوثقِ النَّاسِ في نفسِی، وأسرعهم فيمَا أظنُّ إلى نصرتِی، فمَا قعدَ بكَ عن أهلِ بيتِ نبيكَ؟ ومَا زهدكَ في نصرِتِهِم؟ فقالَ: يا أمیرَ المؤمنينَ،

ص: 138


1- لسان العرب (نأنأ): 1 / 161
2- العين (نأنأ): 8 / 395
3- ينظر: التهذيب (نأنأ): 15 / 391
4- الصحاح (نأنأ): 1 / 74

لا تردَّن الأمورَ على أعقابِا، ولا تؤنّبني بما مَضی مِنها، واستبقْ مودَّتِ تخلصْ لكَ نصيحتِي»(1).

ومنه أيضًا، ما استشهدَ به ابنُ منظور في بيانِ معنى (الاغْتِلامِ): «والاغْتِلام: مُجَاوَزَةُ الحَدِّ ... وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُ): قَالَ تَجَهَّزوا لِقِتَالِ المارِقِين المُغْتَلمين»(2).

في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةٌ على زنةِ (مُفتَعَلِينَ)، وهِي اسم فاعِلٍ من الفعل الثُّلاثيّ المزيدِ بالهمزة والتَّاء (اغْتَلَم) على وزنِ (افْتَعَل).

قالَ الأزهريّ في معنى الاغْتِلامِ: «قَالَ الكسَائيّ: الاغتلامُ: أَنْ يجاوزَ الإِنسَان حدَّ مَا أُمرَ بِهِ من الخَیْرَ والمُباحِ»(3)، وقد جُمِعَتْ معاني الاغْتِلاَمِ في قولِ ابن فارس: «الغَيْنُ واللاَّمُ والمِيمُ أَصلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَدَاثَةٍ وهَيْجِ شَهْوَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الغُلَامُ، هو الطَّارُّ الشَّارِبِ، وهُوَ بَيِّنُ الغُلُومِيَّةِ والغُلُومَةِ، والجَمْعُ غِلْمَةٌ وغِلْمَانٌ، ومِنْ بَابِهِ:

اغْتَلَمَ الفَحْلُ غُلْمَةً: هَاجَ مِنْ شَهوَةِ الضِّرَابِ»(4).

ويبدو أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) أرادَ أنْ يَشْحذَ هِممَ المؤمنين؛ ليتجهَّزوا لقتالِ هؤلاءِ الضَّالِّينَ الخارجينَ عن الإسلامِ، فوصفهم بالمارقين والمُغتلمينَ، وأراد بالمُغتلمينَ:

الَّذينَ تجاوزوا حدودَ مَا أُمروا بِهِ من الدِّين وطاعَةِ الإِمَام، ويُؤكِّدُ هذا المعنى دونَ غیره سياقُ الحال (المَوقف)؛ لأنَّ الأحوالَ الَّتي جرى فيها الكلامُ كانت تعجُّ بتجهيز

ص: 139


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 3 / 105
2- لسان العرب (غلم): 12 / 439
3- التهذيب (غلم): 8 / 136
4- المقاييس (غلم): 4 / 387

الجيش للقتالِ، فلا مجالَ لأنْ يكونَ للمُغتلمينَ غیر هذا المعنى، فلا يمكنُ أنْ يكونَ معنى المُغتلمينَ: المُتجاوزينَ الحدَّ بالخیرِ والمُباحِ، ولا المُتجاوزينَ بالشَّهوة؛ للسَّببِ الَّذي ذكرناه.

أمَّا مَعنى الحديثِ في نَهج البلاغةِ؛ فلم أعثرْ عليه، ويبدو أنَّه لم يذكره الشَّريف الرَّضيّ فيما جمعه من كلامِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام)، وقد ذكره الأزهريّ(1).

والزَّمخشريّ(2)، وابن الأثیر(3).

ص: 140


1- ينظر: التهذيب (غلم): 8 / 136
2- ينظر: الفائق في غريب الحديث (غلم): 3 / 74
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (غلم): 3 / 382

المَبحثُ الثَّانِی العلاقاتُ السِّياقيَّة

اشارة

نستطيعُ أنْ نعرِّف العلاقاتِ السِّياقيَّة بأنَّها «قرائن معنويَّة تفيدُ في تحديدِ المعنى»(1)، فقد يخرجُ الكلامُ إلى معانٍ أخرى تُفهمُ بدلالة السِّياق، فلا يعود الاستفهامُ استفهامًا حقيقيًّا، ولا الأمرُ أمرًا طلبيًّا على سبيلِ الإيجابِ، ولا النَّهي نهيًا طلبيًّا على سبيلِ الإلزام، وكذا في بقيةِ العلاقات.

وهذه العلاقاتُ على ضربينِ: طلبٌ، وغیرُ طلبٍ(2)، والأوَّل يستدعي «مطلوبًا غیر حاصل وقت الطَّلب؛ لامتناعِ تحصيل الحاصلِ، وهو المقصود بالنَّظرِ هنا»(3).

والثَّاني غیر الطَّلبي، وهو ما لا يستدعي مطلوبًا، وله أساليبُ متعدِّدةٌ، منها التَّقديم والتَّأخیر، والحذف والذِّكر...(4).

ص: 141


1- اللغة العربية معناها ومبناها: 191
2- ينظر: مفتاح العلوم: 414 - 415، والإيضاح: 3 / 51، وبغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، عبد المتعال الصعيدي: 2 / 249
3- الإيضاح: 3 / 52
4- ينظر: جواهر البلاغة، أحمد الهاشمي: 64

وعندما يأتي المتكلِّمُ بأسلوبٍ إنشائيٍّ معيَّنٍ مثل الاستفهام، أو الأمر، أو النَّهي، أو... ويَخرجُ عن معناه الحقيقيّ إلى أغراضٍ أخرى تُفهمُ من السِّياق؛ لوجود علاقةٍ معيَّنةٍ، وهذه العلاقةُ إمَّا أنْ تكونَ لفظيَّةً، أو معنويَّة، لذا جُمِعَتْ هذه الأساليبُ تحت عنوانِ العلاقاتِ السِّياقيَّةِ.

وسيكونُ البحثُ في مجموعةٍ من الأساليبِ، وتُرِكَ الباقي؛ لقلَّةِ الشَّواهدِ الواردةِ عليها في المرويَّات.

أوَّلًا: أسلوبُ الاستفهَام

يُعرَّفُ الاستفهامُ: بأنَّه طلبُ الفهمِ على وجه الاستعلاءِ(1)، إذ يطلبُ المتكلِّمُ فهمَ صورِ الأشيَاءِ المُرتسمةِ في الذِّهنِ(2)، غیر أنَّه يَخرجُ في كثیرٍ من الأحيانِ عن دَلالتِهِ الحقيقيَّةِ إلى دَلالاتٍ مجازيَّةٍ مختلفةٍ تَبعًا لاخْتِلافِ المقاماتِ والأحوالِ، ويستدلُّ علَى ذَلكَ بتتبُّعِ سِيَاقِ الكَلامِ ومُقتضَی الحَالِ(3).

ولا ينعقدُ الاستفهامُ إلَّا بوساطةِ أدواتٍ، وهيَ على نوعينِ:

1- حروف: مثل (الهمزة، وهل)، وتُستعملُ الهمزةُ لطلَبِ التَّصدِيقِ، وهو إدراكُ النِّيَّةِ، أيْ: تعيينُهَا، وتستعملُ للتَّصوُّرِ كَذلكَ. وأمَّا هل؛ فلا يُطلبُ بها غیْرُ

ص: 142


1- ينظر: الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني (ت 745 ه): 3 / 158
2- ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: 1 / 17
3- ينظر: الكليات: 98 - 99، وجواهر البلاغة: 77 - 79

التَّصديقِ(1).

2- أسمَاء: مثلُ (من و ما و أيَّان ... وغير ذلك) ولكلٍّ مِنهَا استعمَلهُ الخَاصُّ بِهِ.

ولمَّا كانت المقاماتُ مختلفةً ولا يمكنُ الإحاطة بِهَا؛ تنوَّعتِ المعَانِی الَّتي يَدلُّ عليهَا الاستِفهَامُ، وأدَّى ذلكَ إلى ثراءِ المعنى، وامتدادِ الدَّلالاتِ، وبلاغةِ التَّصوِيرِ، ويَقتضِی الوقوفُ علىَ المَعَانِی البلاغيَّةِ للاستفهامِ تأمُّلًا في سِياقِ الكَلامِ، ومعرفةً بمقَامِ المُتكلِّمِ والمخاطَبِ وطبيعةِ الموقِفِ، وهيَ «في كَثيرٍ مِن صورِهَا سوانحُ ضعيفَةٌ أشْبهُ بِالأسْرَارِ الغَامضَةِ تَجري في النَّفسِ جَريًا خفِيًّا، تَحسُّهَا ولا تَستطيعُ وصفَهَا، فَقولُنَا - مثلً - إنَّ هَذا الاستِفْهامَ يُفيدُ التَّقرير،َ قَولٌ ناقصٌ في كثِيرٍ مِن الصُّورِ؛ لأنَّ مَا في هذا الاستِفْهامِ شَیءٌ يَختلفُ عن مَحضِ التَّقريرِ وإنْ أفادَه، وإلَّا لكَانتْ وسيلةُ التَّقريرِ هِيَ طَريقُ أدائِهِ»(2).

وسنحاولُ تَوضيحَ دَلالةِ السِّياقِ في الكَشفِ عَن المعَاني الَّتي خَرجَ إليها الاستِفهامُ في مَرويَّات الإمامِ (عليه السَّلام)، وقدْ وردَ الاستِفهامُ فِيها (خمسَ عشرةَ) مرَّةً، وكلُّها لم تأتِ علىَ المَعنى الحقيقيّ للاستِفهامِ، بلْ خَرجتْ لمعَانٍ أخرى، مِنها:

1- النَّهي، وهو «قولُ القائلِ لمن دونه لا تفعل»(3)، وقد يُرادُ بالاستِفهامِ النَّهي عن أمرٍ مَكروهٍ(4)، وممَّا جَاءَ في المَرويَّات دالًّا علَی ذَلكَ:

ص: 143


1- ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي: 341، والتطبيق النحوي، عبده الراجحي: 301
2- دلالة التراكيب، محمد محمد أبو موسى: 217
3- التعريفات: 243
4- ينظر: جواهر البلاغة: 77

قَالَ ابنُ مَنظُور في بَيانِ معنَى (الخُلُوف): «الخُلُوف تَغَیُّرُ طَعْمِ الفَمِ؛ لتأَخُّرِ الطَّعَامِ، ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ، (عَلَيْهِ السَّلامُ) حِينَ سُئل عَنِ القُبْلة للصَّائِمِ فَقَالَ: ومَا أَرَبُك إلى خُلُوف فِيهَا؟»(1).

ومعنَى الحَدِيث، أنَّ السَّائلَ أرادَ الاسْتفسَارَ عنِ القُبلةِ لمن كَانَ صَائمًا، فأجابَ الإمامُ (عليه السَّلام) بجملةٍ استفهاميَّةٍ تَصدَّرتْ بِأدَاةِ الاستفهَامِ (ما)، الَّتي تَختصُّ بغیرِ العَاقِل، بَعدَهَا جَاءَ بالمُستَفْهَمِ عنه (أَرَبُكَ)، وتَعنِي في اللُّغةِ: الحَاجَة، قَالَ ابنُ فارس: «الهَمْزَةُ والرَّاءُ والبَاءُ لَهَا أَرْبَعَةُ أُصُولٍ إِلَيهَا تَرْجِعُ الفُرُوعُ: وهِيَ الحَاجَةُ، والعَقْلُ، والنَّصِيبُ، والعَقْدُ. فَأَمَّا الحَاجَةُ فَقَالَ الخَلِيلُ: الأَرَبُ: الحَاجَةُ، ومَا أَرَبُكَ إِلَی هَذَا، أَيْ: مَا حَاجَتُكَ. والمَأرَبَةُ والمَأرُبَةُ والإِرْبَةُ، كُلُّ ذَلِكَ الحَاجَةُ»(2)، والخُلُوفُ، تغيُّرُ رائحةِ الفم، قالَ الزَّبيديّ: «الخُلُوفُ، بالضَّمِّ، بِمعنَى تَغَیُّرِ الفَمِ هُو المَشْهُورُ، الَّذي صرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ اللُّغةِ»(3).

وبِهذا يَكونُ المعنَى (ومَا حَاجتُكَ إلى القُبلةِ إذَا تَغیَّرتْ رَائحَةُ الفَمِ)، ويُفهمُ من سِياقِ الجُملةِ النَّهِي عن القُبلةِ للصَّائمِ علَی وجهِ الكَرَاهِية؛ لأنَّها لمْ تَكنْ مِن المُفطِراتِ للصَّائِمِ، وهذا الحديثُ لم يردْ فِيما جمعَه الشَّيفُ الرَّضيّ.

2- التَّوبيخُ أو التَّبكيتُ، ونعني به «الملامةَ، وبَّختُهُ بسوءِ فِعلِهِ»(4)، أي: لُمْتُه

ص: 144


1- لسان العرب (خلف): 9 / 93
2- المقاييس (أرب): 1 / 89
3- تاج العروس (خ ل ف): 23 / 266
4- العين (وبخ): 4 / 315

على ذلك الفعلِ، وهو مِن المعَانِ الَّتي يَخرجُ إليهَا الاستِفهامُ(1).

وممَّا جاءَ في المَرويَّات دَالًّا عليه، قولُ ابنِ مَنظُور في بيانِ مَعنَى (نأنأ): «ومِن ذَلِكَ قَوْلُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُ) لسليمانَ بْنِ صُرَدٍ، وكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ يَوْمَ الجَمَلِ ثُمَّ أَتاهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّه عَنْهُ): تَنَأْنَأْتَ وتَراخَيْتَ، فَكَيْفَ رأَيتَ صُنْعَ اللِّه؟ قَوْلُهُ: تَنَأْنَأْتَ يُرِيدُ ضَعُفْتَ واسْتَرْخَيْتَ»(2).

وردَتْ في الحديثِ جُلةُ استِفهامٍ، ولم يَكنِ الاستِفهامُ فيها حَقيقيًّا، بلْ خَرجَ إلى مَعنى التَّأنيبِ، وهَو اللَّومُ والعِتابُ؛ لأنَّ الكَلامَ المُوجَّه لسلَيمانَ كانَ الغَرضُ مِنه العِتاب واللَّوم؛ لتخلُّفِهِ عَن واقعةِ الجَملِ آنذاك؛ فدلَّ السِّياقُ على مَعنى الاستِفهامِ المَذكُورِ. وقَد سَبقَ بيَانُ مَعنْى الحَديثِ في هَذا البَحثِ(3).

3- التَّعجُّب هو «استعظامُ فعل فاعلٍ ظاهر المزيَّة فيه، وقيل: إنَّ التَّعجُّب يكون ممَّا يظهرُ معناه، ويخفى سببه»(4)، ويُدَلُّ عليه بصيغ مختلفة، منها الاستفهامُ، ويَأتي في المقامَاتِ الَّتي تَكونُ فِيها أمورٌ مُخالفةٌ للمَعهودِ، وممَّا جاءَ في المَرويَّاتِ دَالًّا علىَ ذَلكَ:

قالَ ابنُ مَنظُور في بيانِ مَعنى (مُزقَّقَا): «قَالَ سَلاَّمٌ: أَرْسلَنِي أَهِلی وأَنا غُلَامٌ إِلى علِّیٍّ فَدَخَلْتُ عليه فَقَالَ: مَا لِی أَراكَ مُزَقَّقًا؟ أَيْ: مَحذُوفَ شَعَرِ الرَّأْسِ كُلِّهِ، وهُو مِنَ الزِّقّ:

ص: 145


1- ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة: 3 / 79، وجواهر البلاغة: 78
2- لسان العرب (نأنأ): 1 / 161
3- ينظر: المبحث الأوّل من هذا الفصل: 104
4- اللمحة في شرح الملحة: 1 / 503

الجِلْدُ يُجَزُّ شَعَرُهُ ولَا يُنْتَفُ نَتْفَ الأَدِيمِ»(1).

الشَّاهدُ في الحديثِ كَلمةُ (مُزَقَّقًا)، ومعنَاهَا: جَزُّ الشَّعَرِ، «زَقَقَ الجلْدَ سَلَخَهُ من قِبَلِ الرَّأْسِ ليجعلَ مِنْهُ زَقًّا، وفُلَانًا جزَّ شعرَ رَأسِهِ كُلَّهُ»(2)، والشَّاهدُ وردَ في جُلةِ استفهامٍ خَرجَتْ إلى معنَى التَّعجُّبِ، أيْ: أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام)، لمَّا دخلَ (عليهِ سلاَّم) علىَ غیرِ هيأَتِهِ المَألُوفَة وكان المُتوقَّعُ منه وجود الشَّعر وعدم جزِّه؛ سَألهُ عَن ذَلكَ مُتعجِّبًا، وقدْ دلَّ على ذلكَ السِّياقِ؛ لأنَّ صِيغَةَ (مَا لِی أراك، أو ما لِی لاأرى) قد تردُ في مَعنى التَّعجُّبِ(3)، فهي نظير قوله تعالى: (مَا لِيَ لَا أَرَى الهُدْهُدَ)(4)، فتكون (ما) استفهاميَّة بمعنى التَّعجُّب(5).

وهذا الحديثُ ذكرَهُ الزَّمخشريُّ،(6) وابنُ الأثيرِ(7)، ولم يردْ في كتابِ نَجِ البَلاغَةِ.

4- التَّنبيهُ على الضَّلالِ، يَخرجُ الاستفهامُ إلى هذا المعنى «من بابِ المَجازِ المُرسلِ الَّذي علاقتُهُ اللُّزُومِيَّة؛ إذ هو من استعمالِ اسمِ الملزومِ في اللاَّزمِ، فالاستفهامُ عن الشيَّءِ يستلزمُ تنْبِيهَ المخاطَبِ عليه، وتوجيه ذهنِهِ إليه، وذلك يَسْتلزمُ تَنَبُّهَهُ

ص: 146


1- لسان العرب (زقق): 10 / 143
2- المعجم الوسيط (زقق): 396
3- ينظر: علوم البلاغة: 74، وبغية الإيضاح: 2 / 260
4- النمل: 20
5- ينظر: موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، للوقاد: 170
6- ينظر: الفائق في غريب الحديث (زقق): 2 / 188
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (زقق): 2 / 306

للضَّلالِ»(1)، ويُعرفُ هذَا الغَرضُ بِدلالةِ سياقِ الجملة الاستفهاميَّة، وممَّا جاءَ في المَرويَّات دَالًّا علَيهِ:

قَالَ ابنُ مَنظُور في بيانِ مَعنى (يَعْمَهُونَ): «ومَعْنَى يَعْمَهُونَ: يَتَحَیَّرُونَ. وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّه وجْهَهُ): فأَينَ تَذْهَبُونَ بَلْ كَيْفَ تعمهونَ؟ قَالَ ابْنُ الأثیر: العَمَهُ في البَصِیرَةِ كَالعَمَى في البصرَ»(2).

وردَ الشَّاهدُ في لسَان العَربِ؛ لبيانِ مَعنى (تَعمَهونَ)، وقدْ ذكرهُ ابنُ الأثيرِ «العَمَه في البَصِیرة كالعَمَى في البَصَر»(3).

الشَّاهدُ يتكوَّنُ مِن جُملتَينِ استفهامِيَّتينِ، خَرجَ الاستِفهامُ فِيهمَا إلى مَعنى التَّنبِيهِ علَى الضَّلالِ؛ بِدَلالَةِ السِّياقِ الَّذي وردتْ فِيه، إذ سَبق هَذا الكَلامَ قَولُ الإمامِ (عليه السَّلام): «لاَ يَعْرِفُ بَابَ الهُدَى فَيَتَّبِعَهُ ولاَ بَابَ العَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ»(4)، فَقدْ وصَفَهم بِالضَّلالةِ والعَمى، وشَبَّههَم بِالأَموَاتِ، ثُمَّ نبَّههم على المَصِیرِ الَّذي يَنتظرُهم، والَّذي لا مَفرَّ مِنهُ.

وقد وردَ الحَديثُ في نهجِ البَلاغةِ، ولكنَّ فِيه اخْتلافًا، على النَّحو الآتي: «...فأينَ تَذهبُونَ، وأنَّى تُؤفكونَ، والأعْلامُ قَائِمةٌ، والآيَاتُ واضِحَةٌ، والمنَارُ مَنصُوبَةٌ، فأينَ يُتَاهُ بِكمْ، وكيفَ تَعمهونَ وبينكُم عِترةُ نبيِّكُم...»(5).

ص: 147


1- الإيضاح في علوم البلاغة: 3 / 69، وينظر: بغية الإيضاح: 2 / 260
2- لسان العرب (عمه): 13 / 519
3- النهاية في غريب الحديث والأثر (عمه): 3 / 304
4- شرح نهج البلاغةِ، لابن أبي الحديد: 6 / 373
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 6 / 188 - 189

4- الإنكَارُ، وهو مِن المعَاني الَّتي يَخرجُ إليهَا الاستِفهامُ، فإذا أراد المُتكلِّمُ الإنكارَ، أتى به على مِنوالِ النَّفي، مثل قولك: أأنت ضربت عليًّا؟ لمن لم يصدرُ منه الضَّربُ البتَّة(1)، وممَّا جَاءَ في المَرويَّاتِ دَالًّا علَيه: قَالَ ابنُ مَنظُور في بيانِ مَعنَى لفظةِ (النَّواحِب): «وفِی حديثِ علیٍّ: فَهَلْ دَفَعَتِ الأَقاربُ، ونَفَعَتِ النَّواحِبُ؟ أَي:

الَبَوَاكِي، جَمْعُ ناحِبةٍ»(2).

في الحَديثِ استفْهامٌ تَصديقيٌّ تَصدَّرَ ب (هل) الَّتي يُطلبُ بِها التَّصدِيق، ولمَّا كَانتِ النَّتيجةُ عدمَ نفعِ الميِّتِ من دَفعِ الموتِ عَنهُ، ولا إرجاعه بالنَّحيبِ وإنْ كَثُرَ؛ جَاءَ كَلامُ الإمامِ (عليه السَّلام) في مَعنى الإنكارِ الإبطاليّ (التَّكذيبيّ)، «وقوله: فهل دَفعتِ الأقاربُ: استفهامٌ إنكاريٌّ إبطاليٌّ على حدِّ قوله: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالبَنِينَ)(3))(4).

فَهو يَستنكرُ دَفعَ أهلِ الميِّتِ وذويه عنهُ، ونوحِهم عليه؛ لأنَّهُ لا يَنفعُهُ بِشيءٍ، والحديثُ ورد في نهجِ البلَاغةِ وتناولهُ ابنُ أبي الحديدِ شارحًا «يقولُ: إنَّ الميِّتَ عندَ نَزولِ الأمرِ بِهِ يَتلفَّتُ مُستَغيثًا بِنصرةِ أهلِهِ وولدِهِ، أيْ: يَستنصرُ ويَستصْرخُ بِهم، والنَّواحبُ: جمعُ نَاحِبةٍ، وهيَ الرَّافِعةُ صَوتَها بِالبُكاءِ، ويُروى: النَّوادِب»(5)

ص: 148


1- ينظر: مفتاح العلوم: 315
2- لسان العرب (نحب): 1 / 750
3- الإسراء: 40
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 7 / 395
5- شرح نهج البلاغة: 6 / 260

ثانيًا: أسلوب الأمر

يُعرَّفُ الأمرُ بأَنَّهُ «قَولٌ يُنبئُ عن استِدعاءِ الفِعلِ من جِهةِ الغَیرِ علَى جِهةِ الاستِعلاءِ»(1)، وقدْ عرَّفه الجرجانيّ بقوله: «وهو قَولُ القائلِ لمنْ دونَهُ افْعَلْ»(2)، والفرقُ بينه وبين الالتماسِ يكونُ بحسبِ الرُّتبةِ، أي: إذا كان المُخاطَبُ أقلَّ رتبةً من المُتكلِّمِ على جهة الاستعلاء فهو الأمرُ، وإذا كان المُتكلِّمُ مُساويًا للمُخاطَبِ في الرُّتبةِ فهو الالتماسُ(3).

أمَّا مِن حيثُ دِلالةُ فعلِ الأمرِ علىَ الزَّمنِ؛ «فإنَّ فعلَ الأمرِ، هو فعلٌ غَیرُ واقعٍ في زَمنٍ مُحدَّدٍ، ولأنَّ الأمرَ ليسَ فِعلاً واقعًا في المَاضِی ولا الحَاضِرِ ولا المُستقْبَلِ، إنَّمَا هو فعلٌ يُطلبُ وقوعُه بِهذَا الأسلُوبِ»(4)، فَلا يُعرفُ زَمنُ فعلِ الأمرِ إلَّا إذَا ذُكِرتْ لَهُ قَرينةٌ تَدلُّ علَى الزَّمنِ، وتحدِّدُهُ، ويُؤدَّى الأمرُ في العربيَّةِ بصِيغٍ أربع:

1- فعلُ الأمرِ(5): نَحو قَول عَلِیٍّ (عليه السَّلام): «فاتَّقِ اللهَ فيمَا لَديكَ وانظرْ في حقِّهِ عليك وارجعْ إلى معرفةِ مَا لا تُعذَرُ بجهَالتِه»(6).

ص: 149


1- الطراز: 3 / 155
2- التعريفات: 38
3- ينظر: الطراز: 1 / 26
4- نحو التيسير، أحمد عبد الستار الجواري: 116
5- ينظر: شرح الكافية الشافية: 1 / 171
6- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد : 16 / 6

2- الفعلُ المُضارعُ المَسبوقُ بِلامِ الأمرِ(1): نحو قوله تَعَالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ولْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ)(2).

3- اسمُ فعلِ الأمرِ(3): نَحو قَول عَلِیٍّ (عليه السَّلام): «عليكمْ بكتابِ اللهِ؛ فإنَّهُ الحبلُ المتينُ، والنُّورُ المبين»(4)، وكَذلكَ نَزالِ، ودراكِ... وغیر ذلك.

4- المَصدرُ النَّائبُ عَن فِعلِ الأمرِ(5): نحو قَوله تَعَالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ)(6).

وقد تَخرجُ صِيغُ الأمرِ عن معنَاهَا الأصْلِیّ (الإيجَابُ والإلزام) إلى مَعانٍ أخْرَى تُعرَفُ مِن سِياقِ الكَلامِ، وقرائنِ الأحْوَالِ.

أمَّا مَا جَاءَ في المَرويَّات من صِيغِ الأمرِ؛ فقد بلغت (ستينَ) مرَّةً، اغلبُهَا دَلَّ على أمرٍ حقيقيٍّ، ومنهَا مَا خَرجَ عَن مَعنَاهُ لأغراضٍ أخرى، وسنعرضُ لأهمِّها، وبيانِ دَلالتِهَا مِن السِّياقِ.

وأهمُّ الأغْراضِ الَّتي دَلَّ عليهَا أسلُوبُ الأمْرِ في المَرويَّات، مَا يَأتي:

ص: 150


1- ينظر: اللامات، للزجاجي (ت 337 ه): 92، وجواهر البلاغة: 65
2- الحج: 29
3- ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 2 / 386
4- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 9 / 203
5- ينظر: شرح الكافية الشافية: 1 / 219، وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، د. قيس الأوسي: 113
6- محمد: 4

1- النُّصحُ أو الإرشَادُ، هو من الأغراضِ الَّتي يَخرجُ إليها الأمرُ(1)، وممَّا جَاءَ في المَرويَّاتِ دالًّا عليهِ:

قَالَ ابنُ منظور في بَيانِ دِلالةِ لَفظةِ (آسِ): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): آسِ بَيْنَهم في اللَّحْظَة والنَّظْرة. وآسَيْت فُلَانًا بِمُصِيبَتِهِ إِذَا عَزَّيته، وذَلِكَ إِذَا ضَربْت له الأُسَا، وهُو أَنْ تَقُولَ لَهُ مَا لَك تَحْزَن»(2).

الحَديثُ من كتابٍ لَه إلى بعضِ عُمَّالِهِ، وقد اختُلِفَ فيه، قالَ محمَّد تقيّ التُّستريّ: «المُرادُ بهِ مالكُ الأشترُ، ولم يتفطَّنْ لهُ ابنُ أَبِی الحديدِ وابنُ ميثم»(3)، ومعنَاه:

أنَّ الإمَامَ (عليه السَّلام) أمره بالمُسَاواةِ مَعهُم حتَّى في اللّحظةِ والنَّظرةِ؛ لئِلاَّ يَطمعَ العُظماءُ في حَيفهِ مع الرَّعيَّةِ، ولا يَيأسَ الضُّعفاءُ مِن عَدلِهِ عَليهم، ثُمَّ علَّلَ تِلكَ اللَّحظة بقوله: (فإنَّ اللهَ يُسائِلُكم... الخ) كَي لا يُظنَّ أنَّ عدمَ التَّسويةِ في اللَّحظةِ والنَّظرةِ مِمَّا لا يُعتنى بِه، ولا يُحاسبُ عليهِ(4).

اسْتعملَ الإمامُ (عليه السَّلام) صِيغةَ فِعلِ الأمرِ (آسِ) للتَّعبیرِ عَن طَلبهِ، ويبدو لنا أنَّ الأمرَ قَدْ خَرجَ عَن مَعناهُ الحقيقيّ إلى مَعنى النُّصحِ والإرشَادِ؛ بِدلالةِ السِّياقِ، إذ وردَ بعدَ جُملةِ الأمْرِ قولهُ (عليه السَّلام): «فإنَّ اللهَ تَعالى يُسائلكم مَعشرَ عبادِهِ عَن الصَّغیرةِ مِن أعمالِكم والكبیرةِ، والظَّاهرةِ والمَستُورةِ، فإنْ يُعذِّبْ فأنتم أظلمُ، وإنْ

ص: 151


1- ينظر: جواهر البلاغة: 74
2- لسان العرب (أسا): 14 / 35
3- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 7 / 599
4- ينظر: منهاج البراعة: 19 / 86

يعفُ فَهو أَكْرَمُ»(1)، وقولُ الإمامِ هذا أبلغُ غَاياتِ النُّصحِ والإرشادِ.

2- الإهانةُ(2)، ويأتي هذا المعنى «إذا استُعمِلتِ الصِّيغةُ في مقامِ عدمِ الاعتدادِ بِشأنِ المَأمورِ»(3)، وهو مِن المعاني الَّتي يَخرجُ إليهَا الأمرُ، ومن ذَلكَ قَولُ ابنِ مَنظور في اللِّسانِ في بيانِ مَعنى (الخُنَّاز): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللهُ وجْهَهُ) أَنَّه قَضَی قَضَاءً فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الحَرُورِيَّة فَقَالَ لَهُ: اسْكتْ يَا خُنَّاز؛ الخُنَّاز: الوَزَغة، وَهِيَ الَّتي يُقَالُ لَهَا سامُّ أَبْرَص»(4).

جاءَتْ كَلمةُ (خُنَّاز) في جُملةِ الأمرِ وتعني في اللُّغةِ الوَزَغَة، قالَ ابنُ سيده: «والخُنَّازُ:

الوَزَغَة. وفِی المَثَلِ: مَا الخوافي كالقِلَبَة، ولَا الخُنَّاز كالثُّعَبَة. فالخوافي، بلُغَةِ أهلِ نجد:

السّعَفَاتُ اللَّواتي يَلِينَ القِلَبَة، يُسمِّيها أهلُ الحجازِ: العَوَاهِنَ. والثُّعَبَةُ: دابَّة أكبرُ من الوَزَغَة تلدغُ فَتقتُل»(5)، فنعتَهُ بالوَزَغَةِ لخفَّتِهِ ولجاجتِهِ، كما سمِّيتْ تلك الدُّويبة بالوَزَغَةِ(6)، وكذلك ينعت الضُّعفاءُ من الرِّجالِ ب (الأوْزَاغ)(7)، فأراد الإمامُ (عليه السَّلام) أنْ يصفَ ذلك الرَّجُلَ بعدمِ الاتِّزانِ والضَّعْف فأتى بلفظةِ (خُنَّازِ) في جملةِ الأمرِ الدَّالَّةِ علىَ الإهَانةِ للمُعترضِ كَمَا هوَ واضحٌ.

ص: 152


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 15 / 163
2- ينظر: الطراز: 3 / 156
3- المنهاج الواضح للبلاغة، حامد عوني: 2 / 90
4- لسان العرب (خنز): 5 / 347
5- المحكم والمحيط الأعظم (خنز): 5 / 100
6- ينظر: القاموس المحيط: 790
7- ينظر: تاج العروس (وزغ): 22 / 591

وهذا الحَديثُ لَمْ يَردْ في النَّهجِ، إلَّا أنَّهُ قَدْ ذَكرهُ ابنُ الجوزيّ(1)، وابنُ الأثيرِ(2).

3- الدُّعاءُ، هو صدورُ الأمرِ ممَّن هو أقلُّ مرتبةً إلى من هو أعلى منه، أي: الإتيانُ بصيغةِ الأمرِ ليس على وجهِ الاستعلاء(3)، وهو مِن الأغراضِ الَّتي يَخرجُ إليها الأمرُ مَجَازًا، ومِنهُ:

قَالَ ابنُ منظور في بيانِ مَعنى كلمةِ (مَفْسَحًا): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مُنْفَسَحًا في عَدْلِك، أَي: أَوسِع لَهُ سَعَةً في دَارِ عَدْلك يَوْمَ القِيَامَةِ؛ ويُرْوَى: في عَدْنِك، بِالنُّونِ، يَعْنِي جنَّةَ عَدْنٍ»(4).

ومعنى الحديثِ في النَّهجِ، ما قالَهُ الرَّاونديُّ: «ورويَ (مُفْتَسَحًا) وهو مَوضعُ الافتساحِ، أي: الاتِّساعُ، أيْ: مَصدرٌ، وأفسحْ لَهُ مَفسَحًا، أيْ: وسِّع لَهُ المُقامَ في ظِلِّك»(5)، وقدْ رُويَ الحديثُ برواياتٍ مُخْتَلِفةٍ فِی كلمة (مُفْتَسَح)، فجَاءَ في الفَائقِ(6)، والنَّهايةِ(7) بلفظِ (مُفْتَسَح)، وفِی اللّسانِ(8) جَاءَ بِلفظِ (مُنْفَسَح)، أمَّا في النَّهجِ(9)؛ فقد

ص: 153


1- ينظر: غريب الحديث (خنز): 1 / 310
2- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (خنز): 2 / 83
3- ينظر: مفتاح العلوم: 318
4- لسان العرب (فسح): 2 / 543
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 305
6- ينظر: الفائق في غريب الحديث (دحو): 1 / 416
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (فسح): 3 / 445
8- ينظر: لسان العرب (فسح): 2 / 543
9- ينظر: منهاج البراعة، للراوندي: 2 / 543

رُويَ مَفسَحًا.

فالخطابُ هُنا تَمثَّلَ بِأسلُوبٍ طَلَبيٍّ علَی سَبيلِ التَّضرُّعِ، وكانَ منَ الأدنَى (المَخلوقِ) إلى الأعلَی (الخالِق)، إذ ليسَ من المَعقول أنْ يُؤمرَ اللهُ (جلَّ جلاله)؛ لهذا كانَ أمْرًا مَجازِيًّا لا استعلاءَ فِيه ولا إلزامَ، فخرجَ إلَی معنى الدُّعاءِ.

4- الدّوامُ أو الاستمرارُ، وهذا مِن المَعاني الَّتي يَخرجُ إليها الأمرُ(1)، ومن ذَلكَ قولُ ابنِ مَنظور في بَيانِ مَعنى (صَمْد): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: فَصَمْدًا صَمْدًا حتَّى يَتَجلَّی لَكُمْ عَمُودُ الحَقِّ. وبَيْتٌ مُصَمَّد، بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: مَقْصود»(2).

جَاءَ الأمرُ في الحَديثِ بِالمَصدرِ النَّائبِ عن فِعلهِ (صَمْدًا)، ويفيدُ الأمرُ بالمَصدرِ التَّكرارَ مع الاختصَارِ، قَالَ الزَّمخشريّ في إنابةِ المَصدر عَن الفعلِ في قوله تعالى:

(فَضَرْبَ الرِّقَابِ)(3): «فَحُذِفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ فأُنيبَ مَنابَهُ مُضافًا إلى المَفعولِ، وفيهِ اختصارٌ مَع إعطَاءِ مَعنى التَّوكيد؛ لأنَّك تَذكرُ المَصدرَ وتدلَّ عَلى الفِعلِ بالنَّصبَةِ الَّتي فِيهِ»(4)، أيْ: قَصْدًا بَعدَ قَصْدٍ، وهذا مَا يَدلُّ علىَ المُداوَمَةِ والاستمرارِ اللَّذينِ يَخْرجُ إليهما الأمرُ(5).

أمَّا مَعنى الحَديثِ كَمَا وردَ في شَرحِ النَّهجِ؛ فهو «فصَمْدًا صَمْدًا، أي: اصمُدوا صَمْدًا صَمْدتُ لفلانٍ، أيْ: قَصَدتُ لهُ. وقولُهُ حتَّى يَنجَلِی لَكمْ عمُودُ الحَقِّ، أيْ:

ص: 154


1- ينظر: مفتاح العلوم: 321
2- لسان العرب (صمد): 3 / 258
3- محمد: 4
4- الكشّاف: 4 / 316
5- ينظر: جواهر البلاغةِ: 66

يَسطعُ نُورُه وضوؤُهُ وهذَا مِن بَابِ الاستِعَارةِ»(1).

5- التَّكوينُ، ونعني به أن يتصدَّرَ جملةَ الأمرِ الفعلُ (كنْ، أو كونوا)، وهو مِن المَعَانِی الَّتي يَخرجُ إليهَا الأمرُ(2)، وممَّا جَاءَ في شَواهِدِ ابنِ مَنظور قَولُهُ: «ويُقَالُ: نَحْنُ عَلَى أَوْفَازٍ، أَيْ: عَلَى سَفَرٍ قَد أَشْخَصْنا، وإِنَّا على أَوْفَاز، وفِ حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّه تَعَالَی وجْهَهُ): كُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ، الوَفَزُ: العَجَلة»(3).

ومعنَى الحَدِيثِ كمَا ذَكرهُ الخوئي في شَرحهِ: «أمرَهمْ أنْ يَكونُوا فِيها علَی سِرعةِ في قَطعِ عقبَاتِها وعَجلٍ في الارتحالِ عَنهَا؛ لأنَّ التَّأنِّی فِيها يَستَلزِمُ الالتفَات إلى لذَّاتِها، والغفلَة عَن المَقصدِ الحقِّ، واستعارَ لَهُ لفظَ الظُّهورِ، وهِي الرِّكابُ مَطايَا الآخرةِ، وهِيَ الأعمَالُ الصَّالِحةُ وتَقريبُهَا للزَّيَالِ هو العنايَةُ بِالأعمَالِ المُقرِّبةِ إلى الآخرةِ، المُستلزِمَة للبُعدِ عَن الدُّنيَا والإعراض عنهَا ومفَارقتهَا»(4).

فالأمرُ الواردُ في الحَديثِ لَمْ يَكُنْ علَی سَبيلِ الإلزامِ، إذ جَاءَ بِالفعلِ (كُونُوا) الدَّالِّ علَى التَّكوينِ، وهو مِن الأغراضِ الَّتي يَخرجُ إليهَا الأمرُ(5).

ص: 155


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 5 / 175
2- ينظر: الكليات: 179
3- لسان العربِ (وفز): 5 / 430
4- منهاج البراعة، للخوئي: 8 / 301 - 302
5- ينظر: البلاغة العربية، عبد الرحمن بن حسن حبنَّكَة: 1 / 244

ثالِثًا: أسلوبُ النَّهِي

يَرى النُّحاةُ أنَّ النَّهي نَفيُ الأمرِ، إذْ يَقولُ سيبويه: «لا تضربْ، نَفي لقولِهِ [اضْرب]»(1)، وقالَ ابنُ السَّرَّاجِ: « فَكَمَا أنَّ الأمرَ يُرادُ به الإِيجَابُ فَكذلكَ النَّهي يُرادُ بِهِ النَّفِي»(2).

أمَّا البَلاغِيُّونَ؛ فإنَّهم يَشتَرِطُونَ الاستِعلاءَ في صِيغة (لا تَفْعلْ)؛ لأجلِ تَسميتِهَا نهيًا، فإنْ لمْ تُستعمَلْ علَی سَبيلِ الاستعلاءِ، سمَّوها (دُعاءً) أو (التِمَاسًا)، فعندمَا تَصدرُ مِن الأدنَى إلَی الأعلَی على سَبيلِ التَّضرُّعِ تُسمَّى دُعاءً، وإنِ استُعمِلتْ في حقِّ المُساوِي في الرُّتبةِ سُمِّيتِ التِمَاسًا(3).

ولمَّا كانَ لكلِّ أسلوبٍ أدواتُه الَّتي يَتحقَّقُ بِها، فإنَّ للنَّهِي أداةً واحدةً فَقط هِي (لا) النَّاهيَةُ، وهي الَّتي يُطلبُ بِها تَركُ الفِعلِ، والنُّحاةُ يُجمعونَ علَى أنَّ (لا) النَّاهيَة تَختصُّ بِالدُّخولِ علَى الفِعلِ المُضارعِ فَتقتَضيِ جَزمَهُ(4).

ويَخرجُ النَّهي عن دلالتِهِ الحقيقيَّة إلى دلالاتٍ أخرى تُستفادُ من السِّياقِ، ومُقتضَی الحَالِ.

أمَّا مَا جَاءَ في مَرويَّاتِ الإمامِ عليٍّ، (عليه السَّلام) في اللِّسانِ مِن صِيغِ النَّهي؛ فَهِيَ نحو (عشْر) مرَّاتٍ، اغلبُها دَلَّ علَى نَهي حقيقِيّ، ومِنها مَا خَرجَ عن مَعنَاه لأغراضٍ أخرى، أهمُّهَا.

ص: 156


1- الكتاب: 1 / 136
2- الأصول في النحو: 2 / 157
3- ينظر: مفتاح العلوم: 320، وأساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 466
4- ينظر: الطراز: 3 / 157، والمنهاج الواضح للبلاغة: 2 / 92

1- الإرشَادُ، هو من الأغراضِ الَّتي يَخرجُ إليها النَّهِي(1)، وممَّا وردَ في المرويَّات من ذَلكَ، قَولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى لفظةِ (حَمَّال): «وفِی حَدِيثِ عَلِلٍّ: لَا تُنَاظِروهم بِالقُرْآنِ فإِنَّ القُرْآنَ حَمَّال ذُو وُجُوه، أَي: يُحْمَل عَلَيهِ كُلُّ تأويلٍ فيحْتَمِله، وذُو وُجُوهٍ، أَيْ: ذُو مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ»(2).

في الحَديثِ نَهي علَى وجهِ الإرشادِ، وهو من وصيَّةٍ لَهُ لعبد الله بنِ العبَّاسِ لمَّا بعثهُ للاحتجاجِ على الخوارجِ ليناظرَهمْ، ويأخذ علِيهم بالحُجَّةِ، ونهاهُ ألَّا يحاججَهم بالقرآنِ؛ لأنَّ ظاهرَهُ أنيقٌ، وباطنَهُ عميقٌ، لا تَنقضيِ عجائِبُهُ، ولا تفنى غرائِبُهُ، ثُمَّ أمرَهُ بِأنْ يَطلبَ منهُم الاحتكامَ إلى السُّنَّةِ(3)، قالَ ابنُ أبِی الحدِيدِ: «فإنْ قُلت: فَهلْ حَاجَّهمْ بِوصِيَّتهِ؟ قُلتُ: لا بلْ حَاجَّهم بِالقرآنِ»(4)، فَلو لم يَكنِ النَّهي إرشاديًّا، لمَا جَازَ لَهُ مُخالفتهُ، وإنْ كانَ لا يَنبغي لَهُ المُخالفَة مِن بابِ تركِ الأوْلى.

وقد ورد في نَجِ البلاغة بالشَّكل الآتي، «لاَ تُخَاصِمْهُمْ بِالقُرْآنِ فَإِنَّ القُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ...»(5).

2- بَيانُ العَاقِبةِ، هو مِن المعَاني الَّتي يَخرجُ إليها النَّهي عن مَعناه الحقيقيّ(6)، وممَّا جَاءَ في اللِّسَانِ دَالًّا على ذَلكَ:

ص: 157


1- ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة: 2 / 88، وجواهر البلاغة: 76
2- لسان العرب (حمل): 11 / 175
3- ينظر: في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 4 / 101 - 102
4- شرح نهج البلاغة: 18 / 71
5- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 10 / 419
6- ينظر: جواهر البلاغة: 76

ما رواه ابنُ مَنظور مُستشهدًا في بيانِ مَعنى لفظةِ (قَيْض): «قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الجَوْهَرِيُّ: والقَيْضُ مَا تفلَّقَ مِنْ قُشور البَيْضِ الأَعلى، صَوابُهُ مِنْ قِشْر البَيْضِ الأَعلى بِإِفْرَادِ القِشْشرِ لأَنَّه قَد وصَفَهُ بالأَعلى، وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رِضْوانُ اللِّه عَلَيْهِ): لَا تَكُونُوا كقَيْض بَيْضٍ في أَداحٍ يَكُونُ كَسْرُها وِزْرًا، ويَخْرُجُ ضِغَانُهَا شَّرًا»(1).

في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) نَهْي (لا تكونوا)، وهو من خُطبةٍ لَه كانَ يَأمرُ النَّاسَ بِالتزامِ الأخَلاقِ والآدابِ، وينهَاهُم عنِ الرَّذائلِ ونتائجهَا، ومن جملةِ ذَلكَ النَّهِي مَا جَاءَ في هذَا الحَديثِ، ولكنَّه رُويَ في النَّهجِ مختَلِفًا عَمَّا جَاءَ في اللِّسانِ، إذ وردَ في النَّهج بالشَّكلِ الآتي، «ولاَ تَكُونُوا كَجُفَاةِ الجَاهِلِيَّةِ، لاَ في الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، ولا عَنِ اَللهِ يَعْقِلُونَ، كَقَيْضِ بَيْضٍ في أَدَاحٍ، يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْرًا، ويُخْرِجُ حِضَانُهَا شَّرًا»(2).

ومَعنَاه، «نَهاهُم عن خُلُقِ الجاهليَّةِ في الجَفاءِ والقَسوةِ، وقالَ: إنَّهم لا يتَفقَّهونَ في دِينٍ، ولا يَعقلونَ عنِ اللهِ مَا يَأمُرُهمْ بِه ... ورويَ: (تَتَفَقَّهُونَ) بتاءِ الخِطابِ، ثمَّ شبَّهَهم ببيضِ الأفاعي في الأعشَاشِ، يُظنُّ بيضَ القطا، فَلا يَحلُّ لمَن رآهُ أنْ يكسرَه؛ لأنَّه يظنُّه بيضَ القطا، وحِضانُهُ يَخرُجُ شرًّا؛ لأنَّهُ يَفْقَصُ عنْ أفعَى»(3)، والنَّهي في هذه الحالِ يكونُ لبيانِ العاقبةِ؛ فكمَا كانَت نتيجةُ عدمِ كسرِ البيضِ المذكورِ شرًّا، كانتْ عاقبةُ تلك الأخلاقِ الَّتي نهى عنها شرًّا.

ص: 158


1- لسان العرب (قيض): 7 / 224
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 13 / 272
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 9 / 282

رَابِعًا: أسلوبُ التَّقديمِ والتَّأخيرِ

اهتمَّ علماءُ اللُّغةِ العربيَّةِ بظاهرةِ التَّقديمِ والتَّأخیرِ وأولوها جُلَّ عنايتهمْ، قالَ سيبويه: «كأنَّهم - العرب - إنَّما يقدِّمونَ الَّذي بيانُه أهمُّ لهم، وهم ببيانهِ أغنى، وإنْ كانا جميعًا يُهِمَّانِهم ويَعْنِيانِهم»(1).

ووصفَهُ عبدُ القَاهِرِ الجُرجَانِّی بِقولِهِ: «هو بَابٌ كثيرُ الفوائدِ، جَمُّ المَحاسنِ، واسعُ التَّصرُّفِ، بعيدُ الغايةِ، لا يَزالُ يَفْتَرُّ لك عن بديعةٍ، ويُفْضي بِكَ إِلى لَطيفةٍ، ولا تَزالُ تَرى شِعرًا يَروقُك مسْمَعُهُ، ويَلْطُف لديكَ مَوقعُهُ، ثُمَّ تنظرُ فَتجدُ سَببَ أَنْ راقكَ ولطفَ عندَكَ، أنْ قُدِّمَ فِيه شيءٌ، وحُوِّلَ اللَّفظُ عن مكانٍ إلى مَكانٍ»(2).

إنَّ الألفاظَ قَوالبُ المَعانِی؛ فيجبُ أنَّ يَكونَ ترْتِيبُهَا الوضعيّ بحسبِ ترتيبِهَا الطَّبيعيّ، ومن ذَلكَ ظَاهِرةُ التَّقديمِ والتَّأخیرِ، فإنْ جاءَ الكلامُ علَى أصلِ الرُّتبَةِ المعروفةِ، لا نَسألُ عن سَببِ التَّقديمِ والتَّأخیرِ، وإنْ وُضِعَ اللَّفظُ في غَیرِ رُتبتهِ دخلَ في بابِ التَّقديمِ والتَّأخیرِ(3). قَالَ الزَّمخشريّ: «إنَّما يُقالُ مُقدَّمٌ ومؤخَّرٌ للمزالِ لا للقَارِّ في مَكَانِهِ»(4)، وقد وضعَ العلماءُ ضَوابطَ لذَلكَ، فذكرُوا أنَّه «عَلَب النَّحْوِيِّ بَيَانُ مَرَاتِبِ الكَلَامِ، فَإنَّ مَرتَبَةَ العُمْدَةِ قَبلَ مَرتَبَةِ الفَضلَةِ، ومَرتَبَةَ المُبتَدَأ قَبلَ مَرتَبَةِ الخَبَرَ، ومَرتَبَةَ مَا يَصِلُ إليهِ بِنَفسِهِ قَبلَ مَرتَبَةِ مَا يَصِلُ إليهِ بِحَرفِ الجَرِّ، وإنْ كَانَا فَضلَتَينِ، ومَرتَبَةَ المَفعُولِ الأوَّلِ قَبلَ مَرتَبَةِ المَفعُولِ الثَّانِی، وإذا اتَّصَلَ الضَّمِیرُ بِمَا مَرتَبَتُهُ التَّقدِيمُ وهو يَعُودُ على مَا مَرتَبَتُهُ التَّأخِيرُ، فلا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ؛ لأنَّهُ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا لفظًا ومَرتَبَةً، وإذَا

ص: 159


1- الكتاب: 1 / 34
2- دلائل الإعجاز: 106
3- ينظر: جواهر البلاغة: 116
4- الكشاف: 1 / 661

اتَّصَلَ الضَّمِیرُ بِمَا مَرتَبَتُهُ التَّأخِيرُ وهو يَعُودُ على مَا مَرتَبَتُهُ التَّقدِيمُ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ؛ لأَنَّهُ يَكُونُ مُقَدَّمًا لَفظًا مُؤخَّرًا رُتبَةً، فَعلى هذا يَجُوزُ (في دَارِهِ زَيْدٌ)؛ لاتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِالخَبَرِ، ومَرتَبَتُهُ التَّأخِیرُ، ولا يَجُوزُ (صَاحِبُهَا في الدَّارِ)؛ لاتِّصَالِ الضَّمِیرِ بِالمُبتَدَأ ومَرتَبَتُهُ التَّقديم»(1).

وقد جَاءَ في شَواهدِ ابنِ مَنظور من أحاديثِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلامِ) في اللِّسانِ مَا في ألفاظِهَا تَقديمٌ وتأخيرٌ، وسنبيِّنُ دِلالتهَا من سِياقِ الجُملةِ المُتضمِّنةِ لهمَا.

1- تَقديمُ مُتعلِّقاتِ الفِعل (الجَارّ والمجرور).

قَالَ ابنُ منظور في بَيانِ مَعنى (الآثِر): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ في دُعَائِهِ عَلَى الخَوارِجِ: ولَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ، أَي: مُخْبِرٌ يَرْوِي الحَدِيثَ»(2).

نجدُ أنَّ الإمامَ عليًّا (عليه السَّلام) قدَّمَ الجَّارَ والمَجرورَ في قَولِه (منْكم) على (آثِرٌ)؛ لأَنَّ الدُّعاءَ كانَ مُنصَبًّا علَى الخَوارجِ لا علَی (الآثِرِ) وهو المُخبرُ، بِخلافِ لو قَالَ: (آثِرٌ مِنْكمْ) فَإنَّ التَّركيزَ يَكونُ في الفَاعلِ (الآثِرِ)؛ فَنراهُ قُدِّمَ لغرضِ الاختصاصِ أوَّلًا، والاهتمامِ ثَانِيًا.

وقد رُويَ الحديثُ في نهجِ البَلاغةِ بِثلاثِ رِواياتٍ، قالَ الرَّضِّی (رحمه الله): «يُروَى على ثَلاثةِ أوجه: أحدُها أنْ يكونَ كمَا ذكرنَاهُ (آبِر) بالرَّاء، من قولِهِم: (رجلٌ آبِرٌ)، للَّذي يأبر النَّخلَ، أيْ: يُصلحهُ. ويُروَى (آثِر) بالثَّاء، بثلاثِ نقطٍ، يُراد به الَّذي يَأثرُ الحديثَ، أي: يَرويه ويحكيه، وهوَ أصحُّ الوَجوهِ عندِي، كأنَّهُ (عليه السَّلام) قَالَ: لا

ص: 160


1- البرهان في علوم القرانِ: 1 / 310، وينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 1 / 227 - 229
2- لسان العرب (اثر): 4 / 6

بَقى مِنكمْ مُخبرٌ. ويروى (آبِز) بالزَّاي المُعجمةِ، وهو الوَاثبُ، والهالكُ أيضًا يُقالُ لُه:

آبِز»(1).

ومنه، قولُ ابنِ منظور في بيانِ معنى (أسَلَة): « وفِی كَلَامِ عَلِیٍّ: لَمْ تَجِفَّ لطُول المُنَاجَاةِ أَسَلاتُ أَلسنتهم؛ هي جَمْعُ أَسَلَة وهِيَ طَرَف اللِّسَانِ»(2).

إِذ قَدَّمَ الإِمامُ (عليه السَّلام) قَوله (لطُولِ المُنَاجَاةِ) علَی الفَاعلِ (أَسلاَتُ ألسنَتِهمْ)، فقوله (لِطُولِ المُنَاجَاةِ) معناه هنا «عدمُ عروضِ الفُتورِ والكَلالِ عليهم في مُنَاجَاتِهم كمَا يعرضُ علينا وتجفُّ ألسنتُنا بِسببِ طُولِ المُناجاةِ»(3)، جَاءَ التَّقديمُ ليُبيِّنَ لنَا عدمَ جَفافِ الألسنةِ معَ طولِ المناجاةِ، فَلو لمْ يُقدِّمْ (لطولِ المُناجاةِ) لحصلَ لَبْسٌ وتَوَهُّمٌ، بأنَّ أسَلاتِ ألسنتِهم قد جفَّتْ؛ لطولِ المُناجاةِ، أو لأنَّ المُناجاةَ كَانت قصیرةً، فأتَى بالتَّقديمِ احتِرَاسًا مِن أَنْ يُفهمَ ذلكَ.

ويَكشفُ لنَا السِّيَاقُ معنًى آخر، هو علَّةُ عَدمِ الجَفافِ، لأنَّ طُولَ الكَلامِ عادةً يُسبِّبُ جَفافَ أسلاتِ الألسنِ، إلَّا أَنَّ هَذا الكلامَ - المناجاة - يُرطِّبُ اللِّسانَ، وكأَنَّ التَّقديمَ هنَا جَاءَ للعنايةِ والاهتاممِ لمَا فِيها مِن بُعدٍ جماليّ(4).

2- تقديمُ المَفعولِ بهِ علَى الفَاعلِ: إنَّ سياقَ الجُملةِ الفعليَّةِ المَألوفة هو أنْ تأتيَ بِالفعلِ والفاعلِ والمفعولِ به (إنْ كانَ الفعلُ متعدِّيًا) على التَّرتيبِ، فَإذا خَالفتِ الجُملةُ هذا النِّظامَ أعطتْ معنًى جديدًا، ومن ذَلكَ تَقديمُ المفعولِ بهِ علىَ فَاعِلهِ.

ص: 161


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4 / 129
2- لسان العرب (اسل): 11 / 15
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 6 / 392
4- ينظر: الخطاب في نهج البلاغةِ، إيمان عبد الحسن (رسالة ماجستير): 76

قَالَ ابنُ منظور في بيانِ مَعنى لفظةِ (حَسَّ): «وفِي الحَدِيثِ: حُسُّوهم بِالسَّيْفِ حَسًّا، أَي: استأْصلوهم قَتْلاً. وفِ حَدِيثِ عَلِیٍّ: لَقَدْ شَفى وحاوِحَ صَدْرِي حَسُّكم إِيَّاهم بالنِّصَالِ»(1).

قدَّمَ الإمامُ (عليه السَّلامِ) المفعولَ بهِ (وحاوِحَ صدْرِي) علىَ الفَاعِلِ (حسُّكمْ)، وهو من التَّقديمِ الجَائزِ، وقدْ أفادَ هذا التَّقديمُ (الاختصاص)؛ لأنَّهُ لا يَشفي صدرَه إلَّا استئصالُ هؤلاءِ الفَاسقينَ، وكانت الخُطبةُ في أحدِ أيَّامِ صِفِّينَ، وقد رُويتْ في النَّهجِ بهذا الشَّكلِ: «ولَقَد شَفَى وحَاوِحَ صَدرِي أَنْ رَأَيْتُكُم بِأَخَرَةٍ تَحُوزُونَهُم كَمَا حَازُوكُم وتُزِيلُونَهُم عَن مَوَاقِفِهِم كَمَا أَزَالُوكُم حَسًّا بِالنِّصَالِ وشَجْرًا بِالرِّمَاحِ»(2).

يَكشفُ لنَا السِّياقُ عن أمرٍ آخر فَضلاً عن التَّخصيصِ، هو مَا أصابَ صَدرَ الإمامِ مِن الغيظِ، ومَا تَجرَّعَهُ مِن تَصرّفاتِهم وأفعالِهم البَغيضَةِ، فَهو وصفَ نَفسَهُ بالمَريضِ الَّذي لا يَشفَى إلَّا بِقتلِ هؤلاءِ جَميعًا، وهذَا يَدلُّ علىَ حَالةِ اليأسِ الَّتي ألمَّتْ بِالإمامِ مِن خيرِهم، وإصلاح فسادِهم.

جَاءَ في مَعنى الحَديثِ، «قَولُهُ: (وشفا وحاوح صدري)، أيْ: حَزازتهُ، من وَحْوحَ الرَّجُلُ: إذا نفَخَ في يدِهِ مِن شدَّةِ البردِ. والوَحوحةُ: صَوتٌ مَعهُ بَحَحٌ. وقولُه: (حسًّا بِالنِّصالِ)، أيْ: قَتلاً بِها، والنَّصلُ، يقال: للسَّهم والسَّيفِ والرُّمح والسِّكين، والجمعُ نِصَالٌ ونُصُولٌ. والحسُّ من قولهم) حَسسْنَاهُم)، أي: استأصلناهُم قَتلًا، ورويَ (حشأ

ص: 162


1- لسان العرب (حسس): 6 / 52
2- بهج الصباغة: 10 / 280

بالنِّصالِ)، والحشأ إصابةُ السَّهم الجوفَ، و (النِّصال) المناصَلةُ والرَّمي»(1).

ومنْ هذا التَّقديمِ قَولُ ابنِ منظور في بيانِ مَعنَى كلمةِ (الثُّكَن): «الثُّكَنُ مَراكِزُ الأَجْنادِ عَلَى رَايَاتِهِم ومجتمعُهم عَلىَ لِوَاءِ صَاحِبِهِم وعَلَمِهِم، وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَمٌ ولَا لِواء، وواحدتُها ثُكْنةٌ. وفِ حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّه وجْهَهُ): يَدْخلُ البيتَ المعمورَ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ عَلىَ ثُكَنِهم، أَي: بِالرَّايَاتِ والعَلَامَاتِ»(2).

فِی حَديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) تقديمانِ كانَ حقُّهما التَّأخيرُ، (البيتَ، وكُلَّ يوَمٍ)، فكلمةُ (البيت) مفعولٌ بِهِ قُدِّمَ على الفاعِلِ (سبعونَ)، وهنا جاءَ التَّقديمِ لغرضِ الاهتمامِ، وهذا أحدُ الأغراضِ الَّتي يتقدمُ لأجلِها المفعولُ بِهِ(3).

أمَّا (كُلَّ يومٍ)؛ فَهو ظرفُ زمانٍ كَانَ حقُّهُ التَّأخيرُ عن الفَاعِلِ، فإذا قُدِّمَت لفظةُ (كُلٍّ) خاصَّةً أفادَت العُمومَ(4).

ومن السِّياقِ تَتبيَّنُ لنا الأهميَّةُ الَّتي أوْلاهَا الإمامُ (عليه السَّلامُ) للبيتِ المعمورِ وما لهُ من المَكانةِ العظيمةِ، جاءَ في كتابِ منهاجِ البراعةِ «فَوضَعَ لهم البيتَ المعمورَ، فقالَ طُوفُوا بِهِ ودعوا العَرشَ، فإنَّهُ لِی رضًی، فطافوا به، وهو البيتُ الَّذي يدخلُه كلَّ يومٍ سبعونَ ألف ملكٍ لا يعودونَ إليهِ، فوضعَ اللهُ البيتَ المعمورَ توبةً لأهلِ السَّماءِ، ووضعَ الكعبةَ توبةً لأهلِ الأرضِ»(5)، ثُمَّ تقديمُ الظَّرفِ الَّذي أفادَ العمومَ، أي:

ص: 163


1- منهاج البراعة، للرَّاوندي: 1 / 458
2- لسان العرب (ثكن): 13 / 80
3- ينظر: جواهر البلاغة: 116
4- ينظر: شرح شذور الذهب: 236، وشرح الأشموني لألفية ابن مالك: 2 / 340
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغةِ، للخوئي: 2 / 254

كَانَ دَخولُهم في الأيَّامِ عامَّةً بِلا استثناءٍ، فَجاءَ تَقديمُ الظَّرفِ تَأكيدًا للاهتمامِ بالبيتِ المعمورِ، وكلَّمَا كانتِ عنايتُكَ بالشَّیءِ أكثر، زدتَ فيما يؤكِّدُ ذلكَ، قالَ الدُّكتور فاضلُ السَّامرائيّ: «إنَّ التَّقديمَ إنَّما يكونُ للعنايةِ والاهتمامِ، فمَا كانتْ عنايتُكَ بِهِ أكثَر قدَّمتَهُ في الكلامِ، والعنايةُ في اللَّفظةِ لا تكونُ من أنَّها لفظةٌ معيَّنةٌ، بلْ قد تكونُ العنايةُ بحسبِ مقتَضَی الحَالِ»(1).

الحديثُ أوردَه ابنُ الأثیر(2)، ولم يذكرْهُ الشَّيفُ الرَّضيّ فيمَا جَمعَهُ مِن كلامِ أمیر المؤمنينَ عِلّیٍّ (عليه السَّلام).

خَامِسًا: أسلوبُ الذِّكرِ والحَذف

الحذفُ لغةً هو الإسقاط، قالَ الجوهريُّ: «حَذْفُ الشَّیء: إسقاطُهُ. يقالُ: حَذَفْت مِنْ شَعْري ومِنْ ذَنَبِ الدَّابَّةِ، أيْ: أخَذْت»(3).

أمَّا اصطلاحًا؛ فَهو أسلوبٌ مِن أساليبِ البَلاغةِ، وقدْ وصفهُ ضِياءُ الدِّين بنُ الأثير (ت 637 ه) بأنَّه «عجيبُ الأمرِ شَبيه بالسِّحر،ِ وذاكَ أنَّكَ تَرى فِيه تَركَ الذِّكرِ أفصَحَ مِنَ الذِّكرِ، والصَّمتَ عَن الإفادةِ أزيدَ للإفادةِ، وتجدُكَ أنطقَ مَا تكونُ إذا لم تنطقْ، وأتمَّ مَا تكونُ مبيِّنًا إذا لم تُبِنْ، وهذه جملةٌ تُنكرُها حتَّى تُخبرَ وتَدفَعُهَا حتَّى تنظرَ، والأصلُ في المَحذوفاتِ جميعِهَا علَى اختِلافِ ضرُوبِها أنْ يكونَ في الكلامِ مَا يَدلُّ علىَ المَحذوفِ»(4).

ص: 164


1- التعبير القرآني: 50
2- النهاية في غريب الحديث والأثر (ثكن): 1 / 218
3- الصحاح (حذف): 4 / 1341
4- المثل السائر في أدبِ الكاتب والشاعر: 2 / 219 - 220

وقدْ تنبَّهَ المؤيَّد بالله على أهمِّيَّةِ الحذفِ، ومَا يحقِّقُهُ مِن أغراضٍ بَلاغيَّةٍ، فَقَالَ: «لو ظهر المحذوفُ لنزلَ قدرُ الكلامِ عن علوِّ بلاغتهِ، ولصارَ إلى شيءٍ مُسترَكٍّ مُسترَذلٍ، ولكانَ مُبطلاً لما يظهر على الكلام من الطَّلاوة والحسنِ والرِّقَّةِ»(1).

ويقعُ الحذفُ في عمدةِ الكلامِ وفضلتِهِ، ويعتمدُ علىَ صَحَّةِ المَعنى النَّحويّ، فضلًا عمَّا ذكرَهُ ابنُ مالك من كونِ المَحذوفِ مُستعملًا فِيهِ؛ «لأنَّ الشيَّءَ إنَّما يجوزُ حذفُهُ مع صحَّةِ المَعنَى بِدونِهِ، إذا كانَ المَوضعُ الَّذي ادُّعيَ فيه حذفه مُستعملًا فِيهِ ثُبوتُه»(2).

ويدورُ الحديثُ في الحذفِ علَى محورَينِ رَئيسَينِ هُمَا: حَذفُ المُفرَدِ، وحَذفُ الجُملةِ(3).

أوَّلًا: حذفُ المُفردِ: ونَعنِي بِهِ حذف جزءٍ مِن عنَاصِرِ الجُملةِ؛ لتحقِيقِ غرضٍ معيَّنٍ يقتضِيه السِّياقُ، وذلكَ عندَ وجودِ القَرائنِ الدَّالَّةِ علَيه، وأهمُّ مَواضعِ الحذفِ مَا يَأتِی:

1- حذفُ الفَاعِلِ: يُحذفُ الفَاعلُ، ويُبنَى الفَعلُ للمجهولِ في بِعضِ السِّياقاتِ، ويَحلُّ مَكانه المَفعولُ بهِ، ويُعربُ نَائبًا عن الفَاعِل(4)، ومنهُ الآتي:

قَالَ ابنُ منظور في بيانِ مَعنى كلمةِ (حِمَّارة): «وحِمَارَّةُ القَدَمِ: المُشْرِفَةُ بَيْنَ أَصابعها ومَفَاصِلِهَا مِنْ فَوْقَ. وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ: ويُقْطَعُ السَّارقُ مِنْ حِمَارَّةِ القَدَمِ، هِيَ مَا أَشرف

ص: 165


1- الطراز: 2 / 51
2- شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، لابن مالك: 59
3- ينظر: المثل السائر في أدبِ الكاتب والشاعر: 2 / 220
4- ينظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفيّة ابن مالك: 2 / 87

بَيْنَ مَفْصِلِها وأَصابعها مِنْ فَوْقَ»(1).

إذ حُذفَ الفاعلُ العَائدُ على قَاطعِ القدمِ (الحاكم الشَّرعيّ)، لدلالةِ السِّياقِ عليه؛ ولأنَّ المقامَ يَقتضي هذا الحذفَ فَهو مقامُ تشريعٍ وبيانُ أحكامٍ فَلا مَجالَ للإطنابِ في الكلامِ. فَضلاً عن أنَّ السَّامعَ لديهِ العلم بِما حُذِفَ من الكلامِ.

وفي الحديثِ حذفٌ آخرُ، هو حذفُ المُضافِ وإقامةُ المضافِ إليهِ مكانَه، إذ يكونُ تقدير الكلام، (وتُقطعُ قدمُ السَّارِقِ...) فحذفت لفظةُ (قَدَم) وحلَّت محلَّها لفظة (السَّارق) وإنَّما سوَّغَ الحذفَ دِلالةُ مَا بعده عليه (حِمَّارة القدم).

وحذفُ المضافِ وإقامةُ المضافِ إليه مسألةٌ ذكرها النَّحويونَ، قالَ الزَّمخشریّ: «وإذا أمنوا الإلباسَ حذفوا المضافَ وأقاموا المُضافَ إليه مقامَهُ وأعربوه بإعرابه.

والعلمُ فيه قولُهُ تعالى: (وَاسْأَلِ القَرْيَةَ)(2)؛ لأنَّه لا يلبس أنَّ المسؤولَ أهلُها لا هي، ولا يقولون: رأيت هندًا، يَعْنُونَ رأيت غلامَ هندٍ»(3)، ويُشترَطُ لجوازِ حذف المضاف شرطان، الأوَّلُ: أنْ يقومَ دليلٌ على المحذوفِ، لئلاَّ يقع اللَّبس، والثَّاني: أنْ يكونَ المضافُ إليه مفردًا لا جملة؛ لأنَّه لو كان المضافُ إليه جملةً لم يُسْتَدَلَّ على المحذوفِ، ولم تَصُحَّ إقامةُ المضاف إليه مقامَ المضافِ المحذوفِ(4).

يَكشفُ لنَا السِّياقُ دِلالةً أخرى، هي الدَّلالة القطعيَّةُ في الأحكَامِ، إذ لا تهاونَ ولا تَراجعَ في ذَلكَ، فَلو قَالَ: (ويَقطَعُ الحَاكمُ الشَّرعيّ قدمَ السَّارقِ من...) لفَقدَ النَّصُّ

ص: 166


1- لسان العرب (حمر): 4 / 213
2- يوسف: 82
3- المفصل في صنعة الإعراب: 134 - 135
4- ينظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: 3 / 144

مَا يَحملُ من همَّةٍ وتحضيضٍ وتشْجيعٍ في تنفيذِ الأحكامِ. والحَديثُ لم يَذكرْه الشَّريفُ الرَّضيّ في النَّهج، وإنَّما ذكرَه ابنُ الأثيرِ(1).

2- حَذفُ المَوصوفِ: يُحذفُ المَوصوفُ، وتحلُّ مَحلَّه الصِّفةُ مِن دونَ الإخلال بالتَّركيبِ النَّحويّ، قالَ الزَّمخشريّ: «وحقُّ الصِّفةِ أنْ تصحبَ الموصوفَ، إلَّا إذا ظهرَ أمرُه ظُهورًا يُستغنى معه عن ذكره، فحينئذٍ يجوزُ تركُهُ وإقامةُ الصِّفة مقامه»(2)، ومن شواهده في القرآنِ الكريمِ قولُهُ تعالى: (وعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ)(3)، أَي: حور قاصرات، وقولُهُ تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)(4)، أَي: دروعًا سابغاتٍ، وقولُهُ تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً ولْيَبْكُوا كَثِیرًا)(5)، أَي: ضحكًا قَلِيلًا وبُكاءً كثيرًا(6).

ومما وردَ في المَرويَّات في لسانِ العَربِ من ذَلكَ الآتي:

قالَ ابنُ منظور في بيانِ مَعنَى لفظةِ (حِيصَ): «وفِ حَدِيثِ عَليٍّ، (كَرَّمَ اللّه وجْهَهُ): أَنَّه اشْتَرَى قَمِيصًا فقَطع مَا فَضَل مِنَ الكُمَّينِ عَنْ يَدِه ثُمَّ قَالَ للخيَّاط: حُصْه، أَي:

خِطْ كِفافه، ومِنْهُ قِيلَ لِلعَينِ الضَّيِّقة: حَوْصاء، كأَنَّما خِيطَ بِجَانِبٍ مِنهَا؛ وفِی حَدِيثِهِ الآخَرِ: كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تهتَّكَتْ مِنْ آخَر»(7).

ص: 167


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (حمر): 1 / 439
2- المفصل في صنعة الإعراب: 152
3- الصافات: 48
4- سبأ: 10 - 11
5- التوبة: 82
6- ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام: 816، 817
7- لسان العرب (حوص): 7 / 18

في النَّصِّ حَذفٌ، إذ حَذفَ المُتكلِّمُ المَوصُوفَ وأقامَ مقامه الصِّفةَ، وتقديرُ الكَلامِ (تهتَّكَتْ مِنْ جانبٍ آخَر) فَحَذْفُ المَوصوفِ (جَانِب) يَتَّفقُ مَع سِياقِ كلامِ الإمامِ في تِلك الخُطبةِ، «كَمْ أداريكُم كَمَا تُدارى البِكَارُ العَمِدَةُ، والثِّيابُ المُتداعِيةُ! كُلَّما حِيصتْ من جَانبٍ تَهتَّكتْ مِن آخر»(1)، فالإيجازُ سمةٌ غَالبَةٌ على تِلكَ الخُطبةِ، وهَذا الحَديثُ في سِياقِ ذمِّ أصحَابِهِ (عليه السَّلامُ) ودعائِهِ عليهِم، وقد سَوَّغَت الحَذفَ دلالةُ مَا قبلَه مِن الكَلامِ عليه (كُلَّما حِصيتْ مِن جَانبٍ...).

وقدْ دلَّ سِياقُ الحَذفِ هَذا على مَا يَحملُهُ الإمامُ من الآلامِ والويلاتِ الَّتي تجرَّعها من أصحابهِ؛ ممَّا جَعلهُ يَختصرُ الكلامَ ويُوجزه، قالَ ابنُ أبِی الحديدِ في بيان مَعنَى الحَديثِ: «والثِّيابُ المُتداعِيةُ: الأسمالُ الَّتي قَد أخلقتْ، وإنَّمَا سُمِّيَتْ مُتَدَاعيَةً؛ لأنَّ بعضَهَا يَتخَرَّقُ فَيدْعُو بَعضهَا إلَی مِثلِ حَالِهِ. وحِيصتْ: خِيطتْ، والحَوصُ: الخِياطَةُ، وتَهتَّكَتْ: تَخرَّقَتْ»(2).

ثانيًا: حَذفُ الجُملَةِ هو أنْ تَأتيَ بِتركيبٍ مُؤلَّفٍ مِن أكثَر مِن جُملةٍ، فَتحذفَ مِنها مَا شِئتَ بِشرطِ عدمِ الإخلالِ بِالمعنَى(3). وممَّا جَاءَ في المَرويَّاتِ مِن شَواهِد فِيها حَذفُ جُملةٍ ما يأتي:

قَالَ ابنُ منَظور في بِيانِ مَعنَى لفظةِ (وَيْ): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ: ويْلُمِّهِ كَيْلاً بِغَیْرِ ثمنٍ لَوْ أَنَّ لَهُ وِعًى، أَي: يَكِيلُ العُلوم الجَمَّة بِلاَ عِوَضٍ إِلَّا أَنَّه لَ يُصادِفُ واعِيًا»(4).

ص: 168


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 102
2- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 102
3- ينظر: المثل السائر في أدبِ الكاتب والشاعر: 2 / 221
4- لسان العرب (وَيَلَ): 11 / 740

وردت في الحديثِ لفظةُ (كَيْلاً)، وهي متعلِّقةٌ بفعلٍ محذوفٍ في جملةٍ محذوفةٍ تقديره: (أكيلُ لكمْ العلمَ والحكمَةَ كَيلاً...)، فقد حذف الفعلَ (أكيلُ) ودلَّ عليه المصدرُ المنصوبُ (كيلاً)، وحَذَفَ متعلِّقاتِه ودلَّ عليها السِّياق، قالَ الشَّيخُ محمَّدُ عبده في شرح الحديثِ: «ويلُ أمَّهِ كلمةُ استعظامٍ تقال: في مقام المدح وإنْ كان أصل وضعها لضدِّهِ... وقوله: كيلاً مصدرُ محذوفٍ(1)، أي: ... أكيل لكم العلم والحكمة كيلًا بلا ثمن لو أجد وعاءً أكيلُ فيه، أي: لو أجد نفوسًا قابلةً وعقولًا عاقلةً»(2).

والمصدرُ النَّائبُ عن فعله ما يُذكرُ بَدلًا من التَّلفُّظ بفعله، ويرادُ به التَّوكيد، قالَ الوقَّادُ: «إنَّ المصدرَ النَّائبَ عن فعلِهِ من قسمِ المَصدرِ المؤكِّدِ»(3)، فيكون التَّعبيرُ بالمصدرِ بدلًا من الفعلِ أكثرَ وقعًا في ذهنِ السَّامع؛ لذلك نرى الإمامَ (عليه السَّلام)، جاءَ بالمصدرِ (كَيْلاً) بدلًا من فعله (أكيلُ).

ومنه، قَولُ ابنِ منَظور في بِيانِ مَعنَى لفظةِ (القصّاب): «وفِی حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّه وجْهَهُ): لَئِنْ ولِيتُ بَنِي أُمَيَّةَ، لأَنْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصَّابِ الترِّابَ الوَذِمةَ؛ يريدُ اللّحومَ الَّتي تَعَفَّرَتْ بِسُقُوطِهَا في التُّراب»(4).

وردَتْ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) أداةُ الشَّرط (إنْ) مسبوقةً باللاَّمِ المُوَطِّئَةِ للقسم وجملة الشَّرط: (ولِيتُ)، وقد ورد القسم مقدَّمًا على الشَّرط، ولم يسبقهما ذو خبر؛ فحُذفتْ جملةُ جوابِ الشَّرط، «فإذا اجتمع الشَّرطُ والقسَمُ اكتُفيَ بجواب

ص: 169


1- كذا، المقصود بمصدر محذوفٍ، أيْ مصدر فعلٍ محذوفٍ
2- نهج البلاغة: 1 / 145 - 146
3- شرح التصريح على التوضيح: 1 / 499، وينظر: جامع الدروس العربية: 3 / 38
4- لسان العرب (قصب): 1 / 675

أحدهما عن جوابِ الآخر، فإنْ لم يتقدَّمهما ما يحتاج إلى خبر اكتُفيَ بجواب السَّابق منهما»(1)، فأغنى جوابُ القسمِ عن ذكرِ جوابِ الشَّرطِ، والتَّقدير: (إنْ بَقيتُ لَهم نَفَضْتُهم نفضَ القصَّابِ...).

الحديثُ وردَ في شرحِ النَّهجِ مع اختلافٍ في ألفاظِهِ على النَّحوِ الآتي: «والله لئنْ بقيتُ لهم لأنْفضنَّهم نَفْضَ اللَّحَّامِ الوِذامَ التَّرِبَة»(2).

ص: 170


1- اللمحة في شرح الملحة: 2 / 888، وينظر: توضيح المقاصد والمسالك: 3 / 1289
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6 / 174

الفَضلُ الثَّالِث الدَّلالةُ المُعجمیَّةُ

اشارة

المَبحثُ الأوَّل: الظَّواهرُ الدَّلاليَّةُ المَبحثُ الثَّانِی: التَّغيُّرُ الدَّلالِیّ

ص: 171

ص: 172

توطئة إنَّ أيَّةَ دراسةٍ لغويَّةٍ لابدَّ لها أنْ تتَّجهَ إلى دراسةِ المَعنى؛ لأنَّهُ الغايةُ الَّتي تَسعى إليها في مُستوياتها، والعلمُ الَّذي يهتم بالمعنى هو (علم الدَّلالة) وهو فَرعٌ من أفرعِ علمِ اللُّغة المهمَّةِ وقد عرفها القدماء، ودرسَها المحدثونَ في ميادينَ مختلفةٍ.

والدَّلالةُ المُعجميَّةُ، هي دَلالةُ الكلمةِ الَّتي اسْتُخدِمتْ بها في المجتمع مفردةً أو في تركيبٍ، سواء أكان المعنى حقيقيًّا، أم مجازيًّا منقولً عن معنًى حقيقيٍّ، والمُعجمُ يبحثُ معنى الكلمةِ بذكرِ معناها أو مُرادفها أو مضادِّها أو ما يُفسِّرها(1) مجرَّدًا من السِّياقِ، فلكي يحدِّد السَّامع أو الشَّخص معنى الحدث الكلاميّ لابدَّ له من معرفةِ المعاني المفردة للكلماتِ، وهو ما يعرفُ باسمِ المعنى المُعجميّ أو الدَّلالة المُعجميَّة، إذ من المُمكنِ أنْ نجدَ المَعنى المعجميّ دونَ المعنى النَّحويّ كما في الكلماتِ المفردةِ، فالمعجمُ غالبًا مَا يعتمدُ في تحديدهِ المَعنى المُعجميّ علَى الكلماتِ نفسِها، فهو يُحاولُ بيانَ معاني الرُّموزِ برموزٍ أخرى، إذ إنَّ بعضَ الكلماتِ يكونُ من السَّهلِ إدراك ما

ص: 173


1- ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة: 157

تُشیرُ إليه، فَهي تكونُ مُفسِّرةً ومُبيِّنةً لدَّلالةِ كلمةٍ أخرى(1).

والمفرداتُ لها معنًى عامٌّ في المعجمِ؛ لأنَّها ليستْ في سياقٍ محدَّدٍ، إذ السِّياق هو الَّذي يُحدِّدُ المعنى ويُقيِّده. وسببُ تعدُّدِ معنى الكلمةِ في المعجمِ كونها تَصلحُ للدُّخولِ في سياقاتٍ متعدِّدةٍ، فتأخذ من كُلِّ سياقٍ معنًى جديدًا(2).

وكُلُّ كلمةٍ من كلماتِ اللُّغة لها دلالةٌ معجميَّةٌ تستقلُّ عمَّا يمكنُ أنْ توحيه أصواتُ تلك الكلمةِ أو صيغتها من دلالاتِ زائدةٍ على تلك الدَّلالة الأساسيَّة، فمثلاً كلمة (كذَّاب) لها دلالة معجميَّةُ تدلُّ على شخصٍ اتَّصف بالكذب، ولها دلالة أخرى زائدة على دَلالتها المعجميَّة اكتسبتها من طريقِ صيغتها، هي المبالغة في الكذبِ، وتُسمَّى الدَّلالةُ الصَّرفيَّةُ، ونجدُ لفظةَ (تَفَضَّخَ) تدلُّ على تَسرُّبِ الماءِ، وهي الدَّلالة الأساسيَّة، ولها دلالة أخرى اكتسبتها من طبيعةِ أصواتها، هي القوَّةُ والعنفُ في التَّسرُّبِ، وتُسمَّى الدَّلالةُ الصَّوتيَّةُ(3). وبهذا يَتَّضحُ لنَا أنَّ الدَّلالةِ المُعجميَّة هي أساسُ معنى الكلمة، أمَّا باقي الدَّلالات؛ فهي مزيدةٌ على المعنى الأصلیّ للكلمة.

تناولتُ في هذا الفصلِ الظَّواهرَ الدَّلاليَّة، وشَملتِ الترَّادفَ، والمُشتركَ اللَّفظيّ، والتَّضادَّ، ثُمَّ بيَّنتُ معنى كُلِّ ظاهرةٍ، وكيفيَّة دراستها عند القدماء والمحدثينَ، ثمَّ عرضتُ شواهدَ على تلك الظَّواهر من المرويَّات مع الإشارةِ إلى التَّغيُّرِ الدَّلاليّ، وبيانِ علاقاته الدَّلاليِّة، وهي التَّخصيص، والتَّعميم، والانتقال، وما وردَ على ذلك من الشَّواهد في المرويَّات.

ص: 174


1- ينظر: مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي: 79
2- ينظر: علم الدلالة، فريد عوض: 51
3- ينظر: دلالة الألفاظ: 48

المَبحثُ الأوَّلُ الظَّواهرُ الدَّلاليَّةُ

أوَّلًا: التَّرَادفُ

الرَّدفُ في اللُّغة هو التَّتابُعُ، قالَ الخليلُ: «مَا تَبِعَ شَيْئًا فَهُو رِدْفُهُ، وإذا تَتَابَعَ شيءٌ خَلْفَ شيءٍ فهو الترَّادُفُ، والجميعُ: الرُّدافَی. . . ويقالُ: جَاءَ القَومُ رُدَافَی، أيْ: بعضُهُم يَتبْعُ بَعضًا. ورَدِيفُكَ: الَّذي تُردِفُهُ خَلفَكَ، ويَرْتَدِفُكَ، ويُردِفُهُ غَيرُكَ»(1).

أمَّا في الاصطلاحِ؛ فَقدْ أشارَ إليه سيبويهِ بقولِهِ: «اختلافُ اللَّفظينِ والمعنى واحدٌ نحو: ذهبَ وانطلَقَ»(2)، وقد التمسَ الجرجانيّ العلاقةَ بين المعنيينِ اللُّغويّ والاصطلاحيّ للترَّادف فعبَّرَ عنها قائلاً: «المُترادفُ مَا كانَ معناهُ واحدًا وأسماؤه كثیرةً وهو ضدُّ المُشتركِ، أخْذًا من الترَّادفِ الَّذي هو ركوبُ أحدٍ خلفَ أحدٍ آخر، كأنَّ المعنى مَركوبٌ، واللَّفظانِ راكبانِ عليه كاللَّيثِ والأسدِ»(3).

ص: 175


1- العين (ردف): 8 / 22 - 23
2- الكتاب: 1 / 24
3- التعريفات: 253

وقد اختلفَ اللُّغويُّون العَربُ القُدماءُ اختلافًا كبیرًا في إثباتِ هذه الظَّاهرة أو إنكارها(1)، ففريقٌ أثبتها واحتجَّ لوجودها بأنَّه «لو كان لكُلِّ لفظةٍ معنًى غیر الآخر، لما أمكن أنْ يُعبَّرَ عن شيءٍ بغيرِ عبارتهِ، وذلك لأنَّنا نقولُ في: لا ريبَ فيه: لا شَكَّ فيه، فلو كانَ الرَّيبُ غیر الشَّكِّ لكانت العبارة خطأً»(2)، ويَستَشْهِدُ أصحابُ هذا الرَّأي بأنَّ «ابن خالويه كان يفتخرُ بأنَّه يحفظ للسَّيف خمسينَ اسماً، وقد جمع للأسدِ خمسمائة اسمٍ، وللحيَّةِ مائتي اسمٍ»(3).

أمَّا الفريقُ الآخرُ؛ فقد أنكرَ وجودَ الترَّادفِ، وعلى رأسهِم ثعلبُ وأبو علیٍّ الفارسيّ وابنُ فارس وأبو هلال العسكريّ، ويرى هؤلاءِ أنَّ للسَّيفِ اسماً واحدًا، وأمَّا الباقي؛ فما هي إلَّا صفاتٌ للاسمِ، وكذلك الأفعال، نحو، مَضَی وذَهَبَ، وقَعَدَ وجَلَسَ، ونَامَ وهَجَعَ، فكلٌّ منها يحملُ معنًى ليسَ في الآخر، وإنَّ هناكَ فرُوقًا بينَ هذه الألفاظِ(4)، وإنْ كانت دَلالاتُها مُتقاربةً.

وأمَّا الترَّادفُ في عُرفِ اللُّغويينَ المُحدثينَ؛ فهو «ألفاظٌ متَّحدةُ المعنى، وقابلةٌ للتَّبادلِ فيما بينها في أيِّ سِياقٍ»(5)، وذلك النَّوعُ من الترَّادفِ هو الصُّورةُ المُثلى منه؛ لأنَّهُ - كما يقرُّ البحثُ اللُّغويّ الحديثُ - «نادرُ الوقوعِ إلى درجةٍ كبيرةٍ، فهو نوعٌ من الكمالياتِ الَّتي لا تستطيعُ اللُّغة أنْ تجودَ بها في سهولةٍ ويسرٍ»(6)، والسَّببُ في ذلك

ص: 176


1- ينظر: علم الدَّلالة، أحمد مختار عمر: 216
2- الصاحبي: 59
3- المزهر: 1 / 405
4- ينظر: الصاحبي: 59، والمزهر: 1 / 404، وعلم الدَّلالة، أحمد مختار عمر: 218
5- دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان: 119
6- المصدر نفسه: 119 - 120

هو أنَّ لكلِّ مفردةٍ دلالةً خاصَّةً لا تتَّفقُ معَ دلالةِ مفردةٍ أخرى، قد تُرادفُها في عُرفِ المعجميّينَ، ولكنَّ الاستعمالَ يضفي عليها دَلالاتٍ مختلفةً(1)، وذلكَ ما يجعلُ إمكانيَّة توافق دلالةِ لفظةٍ معينَّةٍ مع غيرِها لإحداثِ الترَّادفِ التَّامّ أمرًا نادرَ الوقوع.

وقد ميَّزَ كثيرٌ من المُحدَثينَ بينَ أنواعِ التَّرادفِ، وقسَّموها على النَّحو الآتي(2):

أ- الترَّادفُ الكاملُ: وذلك حين يتطابق اللَّفظانِ تمامَ المُطابقة، ولا يَشعرُ أبناءُ اللُّغة بأيِّ فرقٍ بينهما، وعلامةُ ذلكَ أنَّهم يبدلونه بحريَّةٍ تامَّةٍ في كلِّ السِّياقاتِ.

ب- شبهُ الترَّادفِ: أو التَّشابه أو التَّقارب أو التَّداخل، وذلكَ حينَ يتقاربُ اللَّفظانِ تقاربًا شديدًا، إذ يصعبُ التَّفريقُ بينهما لغیرِ المُتخصِّصِ، ولذا يستعملُها كثیرون من دون تحفُّظ، ومن هذه الألفاظِ، عام، وسنة، حول... وهكذا.

ج- التَّقاربُ الدَّلاليّ: ويكونُ ذلكَ في الألفاظِ المُتقاربةِ دلاليًّا، مع إمكان ملاحظةِ الاختلاف بين اللَّفظينِ بملمحٍ واحدٍ في الأقلِّ، ويمكنُ التَّمثيل لذلكَ في اللُّغة العربيَّةِ في كلمتي، حُلُم، ورُؤيا.

د- التَّفسيرُ: وذلكَ حينَ تكونُ بعضُ التَّعبيراتِ أقربَ إلى الفهمِ من الكلماتِ المُفسَّرة داخلَ النَّصِّ، إذ إنَّ درجةَ الفهمِ للُّغة تختلفُ من شخصٍ لآخر، فإنَّ ما يُعدُّ تفسیرًا لشخصٍ قد لا يكونُ تفسیرًا لآخر، مثل تفسیرِ الصرِّاطِ بالطَّريقِ.

ص: 177


1- ينظر: هل وقع في القرآن الكريم ترادف؟ د. رشيد العبيدي (بحث): 15
2- ينظر: علم الدَّلالة، أحمد مختار عمر: 220 - 223

ولم يَختَلفِ اللُّغويُّون المُعاصرونَ في حقيقةِ وجودِ هذه الأنواعِ من الترَّادفِ، بل يتعلَّقُ خلافُهم بالترَّادفِ الكاملِ أو التَّماثل، فمنهم من أنكرَ وقوعَه، مثل بلومفيلد، وهارس، وستورك، ولوينز، ...(1)، وهناك قلَّةٌ قليلةٌ تسمحُ بوقوعِهِ، ولكنْ بشروط(2):

1- الاتِّفاقُ في المعنى بين الكلمتينِ اتِّفاقًا تامًّا، ويكونُ ذلك في ذهنِ كثیر من أفرادِ البيئة الواحدة.

2- الاتِّحادُ في البيئةِ اللُّغويَّة، إذ تكون الكلمتانِ من لهجةٍ واحدةٍ.

3- الاتِّحادُ في العصر، إذ يكونُ استعمالُ الكلمتينِ في عصرٍ واحدٍ.

4- ألَّا يكونَ أحدُ اللَّفظينِ ناتجًا من تطوُّرٍ صَوتيٍّ للفظٍ آخر، مثل لفظ الجَثْلِ والجَفْلِ(3)، فأحدُهما متطوِّرٌ عن الآخر.

والَّذي يَميلُ إليه الباحثُ أنَّ الترَّادفَ بمعنى التَّطابق التَّام في المعنى في السَّياقات المختلفة غیرُ موجودٍ في الواقعِ اللُّغويّ، ولا يمكنُ أنْ نُقِرَّ بالترَّادف إلَّا إذا كان بمعنى التَّقارب في المعنى.

ومن الألفاظِ الَّتي جاءتْ في المرويَّات مُترادفةً - على رأي المثبتينَ لهُ - ما يأتي:

ص: 178


1- ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 224
2- ينظر: علم الدلالة، فريد عوض: 124
3- ينظر: الجمهرة (جثل): 1 / 415، والمخصص: 2 / 318

أ. جَاءَ - أتَى:

وردتْ كلمةُ (جَاءَ) في المرويَّات (مرَّتينِ):

قَالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (حِيدِي): «وقَوْلُهُمْ: حِيدِي حَيادِ هُو كَقَوْلِهِمْ:

فِيحِي فَيَاحِ، وفي خُطْبَةِ عَلِيٍّ، (كرَّم اللَّهُ وجْهَهُ): فإِذا جَاءَ القِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيادِ، حِيدي، أَيْ: مِيلِی، وحَيَادِ بِوزْنِ قَطَامِ، هو مِن ذَلِكَ»(1).

في الحديثَ وردتْ كلمةُ (جَاءَ)، وتذكرُ مُعجماتُ اللُّغة أنَّ المَجيءَ والإتيانَ كلاهما بمعنًى واحدٍ(2).

ومعنى الحديثِ، أنَّهم كانوا يتفاخرونَ في الكلامِ، فإذا جاءَ أمرُ القتَال قَالوا:

حِيدِي حَيَادِ، أيْ: جانِبِي وأعْرِضِ عنَّا، فقولُم لا يُطابقُ فعلَهم(3).

وأمَّا كلمةُ (أتَى)؛ فقد جاءتْ في المرويَّات (مرَّتينِ):

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (مِلْطَاط): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ، (كرَّم اللَّهُ وجْهَهُ):

فأَمَرتُم بِلُزُومِ هَذَا المِلْطَاطِ حتَّى يأْتيَهم أَمْرِي، يُرِيدُ بِهِ شاطِئَ الفُراتِ»(4).

ومعنَى الحديثِ، أنَّه أمرَ أصحابَهُ بعدمِ تركِ المِلطَاطِ وهو «شفيرُ الوادي، طريقٌ على ساحِلِ البحرِ، ... وفي حديثِ ابن مسعودٍ: وهذا المِلطَاطُ طريقُ بقيَّةِ المؤمنينَ

ص: 179


1- لسان العرب (حيد): 3 / 159
2- ينظر: الصحاح (أتى): 6 / 2261، والكليات: 34، وتاج العروس (أتى): 37 / 32، والمعجم الوسيط (أتى): 1 / 4
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، للحائري: 2 / 186
4- لسان العرب (ملط): 7 / 208

هُرَّابًا من الدَّجَّالِ، يعني به شَاطئ الفُراتِ، أيْ: جانِبُهُ وسَاحِلُهُ»(1).

ويخلصُ البحثُ ممَّا سبقَ أنَّه لا يفرِّقُ المُعجميونَ بينَ دِلالتي (جَاءَ) و (أتَى)، بل يُفسِّرونَ أحدَهما بالآخرِ في كثیرٍ من الأحيان، وهذا يعني أنَّهَم يرونَ أنَّ اللَّفظينِ مُترادفانِ، بلْ لم يَكونا مُتَّفقينِ في المَعنى فحسب، وإنَّما أمكنَ استبدال أحدِهما بالآخر. ولكنَّ المُتتبِّعَ لمعنى (جَاءَ، وأتَى) يجدُ بينهما فرقًا، إذ يقولُ أبو هلال العسكريّ: «الفرقُ بينَ قولِكَ جَاءَ فلانٌ وأتَى فلانٌ: أنَّ قولَكَ جَاءَ فلانٌ، كلامٌ تامٌّ لا يحتاجُ إلى صلةٍ، وقولك أتَى فلانٌ يقتضي مجيئه بشيءٍ؛ ولهذا يُقالُ: جاءَ فلانٌ نفسُهُ، ولا يُقالُ: أتى فلانٌ نفسُهُ، ثمَّ أكثر ذلك حتَّى اسْتُعْمِلَ أحدُ اللَّفظينِ في موضعِ آخر»(2)، فأبو هلال صرَّح بوجودِ فرقٍ بينهما.

وممَّن فرَّقَ بينَ المجيءِ والإتيانِ الرَّاغبُ الأصفهانيّ بقولِهِ: «المَجيءُ كالإتيانِ لكنَّ المجيءَ أعمُّ مِن الإتيانِ»(3).

وهناك نكتةٌ أخرى يذكرُها الزَّركشيّ للفعلينِ (جَاءَ) و (أتَى) في حالةِ الماضي، وهي أنَّ (جَاءَ) يقالُ: في الجواهرِ والأعيانِ، و (أتَى) في المعاني والأزمان، كقوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ(4)،وقوله تعالى: (وَأَتَيْنَاكَ بِالحَقِّ وإِنَّا لَصَادِقُونَ)(5)، وفي مقابلتها ذَهَبَ ومَضَی، يُقَالُ: ذَهَبَ في الأَعْيَانِ ومَضَی في الأَزْمَانِ؛ ولِهَذَا يُقَالُ: حُكْمُ فُلاَنٍ

ص: 180


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 2 / 122
2- الفروق اللغوية: 152
3- المفردات في غريب القرآن: 103 - 104
4- سورة يوسف: 72
5- سورة الحجر: 64

مَاضٍ ولَا يُقَالُ: ذَاهِبٌ؛ لِأَنَّ الحُكْمَ لَيْسَ مِنَ الأَعْيَانِ(1).

وممّن فرَّق بينهما أيضًا، محمَّد عبد الرَّؤوف المنَّاويّ، إذ يقولُ: «الإتيانُ مجيءٌ بسهولةٍ فهو أخصُّ من المَجيءِ، إذ الإتيانُ قد يُقالُ: باعتبارِ القصدِ، وإنْ لم يكنْ منه حصولٌ، والمجيءُ يقالُ: اعتبارًا بالحصولِ، والإتيانُ يقالُ: للمجيء بالذَّاتِ، وبالأمرِ، وبالتَّدبیرِ، وفي الخیرِ والشَّرّ والأعيانِ والأعراضِ»(2).

والَّذي يراهُ الباحثُ أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) قد فرَّق بينَ (جاءَ، وأتى)، ولم يردْ تعبیرُه على أنَّهما بمعنًى واحدٍ، فالقتالُ لا يأتي إلَّا اضطرارًا؛ لذا قالَ الإمامُ «فإذا جاءَ القتالُ...»، فاستعملَ الفعلَ (جاءَ) الَّذي يعني الاضطرارَ بالمجيء، أمَّا الأمرُ المنتظرُ من الإمامِ؛ فلا يأتي إلَّا اختيارًا؛ فاستعملَ الفعلَ (أتى) فقالَ: «...حتَّى يأتيَهم أمري» ومن يتتبَّعُ كلامَه في نهجِ البلاغةِ يجد كثيرًا من ذلكَ.

ومنه قولُهُ (عليه السَّلام) في خُطبةٍ لَهُ: «أمَا واللهِ مَا أتيتُكم اختيارًا، ولكنْ جئتُ إليكم سَوقًا»(3)، فمجيءُ الإمامِ من المدينةِ إلى البصرةِ لم يكن اختيارًا، وإنَّما ساقته المقاديرُ إليهم سوقًا، إذ خروجُهُ من المدينةِ دارِ الهجرةِ لم يكن إلَّا لقتالِ أهلِ الجملِ، واحتاجَ إلى الاستنصارِ بأهلِ الكوفةِ؛ إذ لم يكنْ جيشُ الحجازِ وافيًا بمقاتلتهم، ثمَّ اتَّصلتْ تلكَ الفتنةُ بفتنةِ أهلِ الشَّامِ؛ فاضطرَّ إلى المقامِ بينهم(4)، فاستعملَ مع الاختيارِ (أتيتُكم)، ومع الاضطرار (جئتُ إليكم)، ولو لم يكنْ بينهما فَرْقٌ دلاليٌّ؛ لمَا

ص: 181


1- ينظر: البرهان في علوم القرآن: 4 / 80 - 81
2- التوقيف على مهمات التعاريف: 32
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 127
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 128، ومنهاج البراعة، للخوئي: 5 / 186

أتَى بهما معًا في العبارةِ نفسِها، وعلى هذا الرَّأي فلا يوجدُ ترادفٌ بينَ اللَّفظينِ، وهذا ما يميلُ إليه الباحثُ.

ب. الرَّيْبُ - الشَّكُّ وردتْ كلمةُ (الرَّيب) في المرويَّات (مرَّة) واحِدةً:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (سُدَف): «وفي حَدِيثِ عَلیٍ: وكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ، أَي: ظُلَمُها. وأَسْدَفُوا: أَسْرَجُوا، هَوْزَنيّةٌ، أَي: لُغَةِ هَوازِنَ»(1).

وردَتْ في الحديثِ لفظةُ (الرِّيَبِ)، هي جمعُ رِيبةٍ، والرِّيبَةُ والرَّيْبُ في اللُّغة الشَّكّ قالَ الجوهريّ: «الرَّيْبُ: الشَّكُّ. والرَّيْبُ: ما رابَكَ من أمرٍ، والاسمُ الرِّيبَةُ بالكسرِ، وهي التُّهمة والشَّكُ»(2)، وقالَ الفيُّوميّ: «الرَّيْبُ الظَّنُّ والشَّكُّ، ورَابَنِي الشَّیءُ يَرِيبُنِي إذَا جَعَلَكَ شَاكًّا... والِسْمُ الرِّيبَةُ وجَمْعُهَا رِيَبٌ مِثْلُ: سِدْرَةٍ وسِدَرٍ»(3)، فَيكونُ معنى الحديثِ كمَا ورد في شَرحِ النَّهجِ، «أي: أُزِيلتْ عنْهُم ظُلُمَاتُ الشُّكُوكاتِ والشُّبهاتِ بِما منَحهم اللهُ من العقولِ مؤيّدًا بالرُّسُلِ»(4).

أمَّا لفظةُ (الشَّكّ)؛ فقد وردَتْ في المرويَّات (مرَّتينِ):

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (العَارِض): «وشُبْهةٌ عارِضةٌ: معترضةٌ في الفُؤَادِ. وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ، (رَضِیَ الله عَنْهُ): يَقْدَحُ الشَّكُّ في قَلْبِهِ بأَوَّلِ عارِضَةٍ

ص: 182


1- لسان العرب (سدف): 9 / 148
2- الصحاح (ريب): 1 / 141، وينظر: المقاييس (ريب): 2/ 463
3- المصباح المنير (ر ي ب): 1 / 247
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 5 / 386

منْ شُبْهَةٍ؛ وقَدْ تكونُ العارِضَةُ هُنَا مَصْدَرًا كَالعَاقِبَةِ والعَافِيَةِ»(1).

جَاءَ في الحدِيثِ كلمةُ (الشَّكّ)، وهيَ نقيضُ اليَقينِ(2)، وردَ الحديثُ في نهجِ البلاغةِ باختلافِ لفظةِ (يَقْدَح)، ونصُّهُ «يَنْقَدِحُ اَلشَّكُّ في قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ»(3)، قالَ التُّستريّ في معنَى الحديثِ: «شَبَّه (عليه السَّلامُ) عروضَ الشَّكِّ لغیرِ ذوي البَصیرةِ بِخروجِ النَّارِ من الزَّندِ عنْدَ قَدحِهِ»(4).

ويتبيَّنُ من متابعةِ المُعجماتِ اللُّغويَّةِ أنْ لا فَرْقَ بين الرَّيْبِ والشَّكّ، فهما مُترادفانِ، أحدهُمَا يُفسِّر الآخر، ويمكنُ استبدالُ أحدِهما بالآخر، قالَ الخليلُ: «الرَّيْبُ:

الشَّكُّ»(5)، وقالَ الفيُّوميّ: «الشَّكُّ الِارْتِيَابُ»(6) ولكنْ هناكَ من قالَ باختلافِهما، وجعلَ لكلٍّ منهکا معنًى خاصًّا، قالَ أبو هلال العسكريّ: «الشَّكُّ: هَو تَردُّدُ الذِّهنِ بَينَ أمرينِ عَلى حَدٍّ سَواء. وأمَّا الرَّيبُ؛ فهو شَكٌّ مَع تُهمة»(7)، وعلى هذا الرَّأي فليسَ كلُّ شَكٍّ ريبًا، أيْ: بينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ واحدٍ.

ص: 183


1- لسان العرب (عرض) : 7 / 169
2- ينظر: العين (شك): 5 / 270، والجمهرة (شكك): 1 / 139، والتهذيب (شكّ): 9 / 316، والصِّحاح (ش كك): 4 / 1594
3- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 6 / 248
4- المصدر نفسه: 5 / 268
5- العين (ريب): 8 / 287، وينظر: الصحاح (ريب): 1 / 141، ومجمل اللغة (ريب): 1 / 408، والنهاية (ريب): 2 / 286
6- المصباح المنير (ش ك ك): 1 / 320
7- الفروق اللغويّة: 1 / 264

وردَ في القرآنِ الكريمِ لفظتا (الرَّيب، والشَّكّ)، ولكلٍّ منهما معنًى خاصٌّ، إذ قالَ تعالى: (ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)(1)، وقالَ تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلىَ عَبْدِنَا)(2)، فإنَّ المُشركينَ - مع شكِّهم في القرآن الكريمِ - كانوا يتَّهِمونَ النَّبيّ (صلىَّ اللهُ عليه وآله) بأنَّه هو الَّذي افتراه وأعانَه عليه قومٌ آخرونَ.

وأمَّا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِنْ دِينِي)(3)؛ فالخطابُ للنَّاسِ عامَّةً، فمنهم من كانَ يعرف النَّبيّ (صلَّی اللهُ عليه وآله) صادِقًا وأمينًا، ولا يمكنُ أنْ يَكونَ كاذبًا وخائنًا(4)، فالمعنى شَكٌّ بلا تُهمةٍ.

وما يراه الباحثُ أنَّ الرَّأي الثَّانِی هو الأرجحُ، أيْ: إنَّ الرَّيبَ يختلفُ عن الشَّكِّ، ولكلِّ لفظةٍ دلالةٌ معيَّنةٌ، كما جاءَ في القرآنِ الكريمِ، وبهذا يظهر أنَّ الإمام، (عليه السَّلام) كان مؤمنًا بالفرق الدَّلاليّ بين اللَّفظتينِ، وقد استعملَ كلَّ لفظةٍ وما تُعطيه من معنًى دلاليٍّ.

ج. السِّنخُ - الأصلُ جاءتْ كلمتا (السِّنْخ والأصْل) في المرويَّات (مرَّة) واحِدةً، وفي مرويَّةٍ واحِدةٍ، إحداهُما مُضافةٌ إلى الأخرى.

قالَ ابنُ مَنظور في بَيانِ مَعنى (السِّنخ): «وسِنْخُ الكَلِمَةِ: أَصلُ بِنَائِهَا. وفي حَدِيثِ

ص: 184


1- البقرة: 2
2- البقرة: 23
3- يونس: 104
4- ينظر: الفروق اللغوية: 1 / 264

عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): ولَا يَظْمَأُ عَلى التَّقْوَى سِنْخُ أَصلٍ، والسِّنْخُ والأَصل واحِدٌ فَلَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفظَانِ أَضافَ أَحدَهما إِلى الآخَر»(1).

السِّنخُ في اللُّغة يعني الأصلُ، «السِّنخ: الأَصْل، وأصلُ كلِّ شَیْءٍ سِنْخُهُ، والجمعُ سُنُوخ وأسْنَاخ»(2).

أمَّا الأصْلُ؛ فَلا يختلفُ عن السِّنخِ عندَ أهلِ المعجماتِ، قالَ ابنُ قتيبة: «السِّنْخ والأَصْل واحِد»(3)، وقالَ ابنُ فارس: «الهَمْزَةُ والصَّادُ واللاَّمُ، ثَلَاثَةُ أُصُولٍ مُتَبَاعِدٍ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، أَحَدُهَا: أَسَاسُ الشيَّءِ. . . فَأَمَّا الأَوَّلُ؛ فَالأَصْلُ أَصْلُ الشيَّءِ»(4).

وكذلك عدَّهما ابنُ مالك من الألفاظ الَّتي يختلفُ لفظُها ويَتَّفِقُ معناها، مثل الأصل، والسِّنْخ، والعُنْصرُ، والنِّصَاب، والمُنْتضَی، فجعلها كلَّها بمعنًى واحدٍ(5).

وقد وردَ الحديثُ في النَّهجِ وفيه بعضُ التَّقديمِ والتَّأخیرِ، على النَّحوِ الآتي: «لاَ يَهْلِكُ عَلىَ اَلتَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ، ولاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ»(6).

وقد فسَّر الخوئيّ هذا الحدِيثَ بقولِهِ: «نبَّه (عليه السَّلام) على لزوم التَّقوى بقوله:

(ولا يهلكُ على التَّقوى سِنْخُ أصْلٍ) كان بناؤه عليه، إذ الأصلُ الَّذي كانَ بنيانه على

ص: 185


1- لسن العرب (سنخ): 3 / 26
2- الجمهرة (سنخ): 1 / 600، وينظر: التهذيب (سنخ): 7 / 84، والصحاح (سنخ): 1 / 423
3- غريب الحديث، لابن قتيبة: 2 / 121
4- المقاييس (أصل): 1 / 109، وينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (سنخ): 2 / 408
5- ينظر: الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة، لابن مالك: 49 - 50
6- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 4 / 514

التَّقوى مَحالٌ أنْ يهلكَ ويلحقَ بانيه خسرانٌ، كما قال سبحانه: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلىَ تَقْوَى مِنَ اللهِ ورِضْوَانٍ خَیْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَی شَفَا جُرُفٍ هَار)(1)، وقوله:

(ولا يَظمأُ عليها زرعُ قومٍ)؛ لأنَّ من زرعَ في أرضِ قلبِهِ زَرعًا أخرويًّا كالمعارفِ الإلهيَّةِ والعقَائدِ الحَقَّةِ، وسقاها ماءَ التَّقوى، وجعله مادَّتَها، فَلا يَلحقُ ذلك الزَّرعَ ظَماءٌ، بل عليه يَنشأُ بِأقوى سَاقٍ، وأزكى ثمرةٍ»(2).

يَتبيَّنُ من نصوصِ أصحابِ المعجماتِ، أنْ لا فرقَ بينَ السِّنْخِ والأصلِ إلَّا في اللَّفظِ، ولمَّا اختلفَ لفظُهُما جازَتْ إضافةُ أحدِهما إلى الآخرِ، فهُما لفظانِ مُترادفَانِ.

وهناكَ من يَرى عدمَ ترادفِهما، قالَ أبو هلال العسكريّ: «إنَّ السِّنْخَ هو أصلُ الشيَّءِ الدَّاخل في غیرهِ، مثل سِنخِ السِّكينِ والسَّيفِ، وهو الدَّاخل في النِّصَابِ، وسُنُوخُ الأسنانِ ما يدخلُ منها في عظم الفكِّ، فلا يقالُ: سنخٌ كما يقالُ: أصلُ ذلك، والأصلُ اسمٌ مشتركٌ يقالُ: أصلُ الحائطِ، وأصلُ الجبلِ، وأصلُ الإنسانِ، وأصلُ العداوةِ بينكَ وبينَ فلانٍ كذا، والأصلُ في هذه المسألةِ كذا، وهو في ذلك مجازٌ، وفي الجبلِ والحائطِ حقيقةٌ، وحقيقةُ أصلِ الشيَّء ما كان عليه معتمده ومن ثَمَّ سُمِّي العقلُ أصالة؛ لأنَّ معتمدَ صاحبِه عليه، ورجلٌ أصيلٌ، أي: عاقل، وحقيقةُ أصلِ الشيَّء عندي ما بُدئَ منه، ومن ثَمَّ يقال: إنَّ أصلَ الإنسانِ الترُّاب، وأصلُ هذا الحائطِ حجرٌ واحدٌ؛ لأنّه بُدئ في بُنيانه بالحجرِ والآجرِ»(3)، والفرقُ بين الكلمتينِ، أنْ جعلَ للشيَّء أصلاً داخلاً في غیره وهو السِّنخُ، وأصلً ابتدئ منه في تكوينِ ذلكَ

ص: 186


1- التوبة: 109
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 3 / 244 - 245
3- الفروق اللغوية: 286، وينظر: الفائق في غريب الحديث: 2 / 16

الشيَّء وهو الأصلُ.

وممَّن يرى عدم ترادفهما أيضًا الشَّيخُ المحموديّ، إذ يقول: «والسِّنخُ: المنبتُ، والأصلُ: قاعدة الشيَّء وما قامَ عليه»(1)، ففرَّقَ بين السِّنخِ والأصلِ، إذ جعل السِّنخ كباطنِ الأرضِ الَّذي ينشأ فيه النَّباتُ، والأصل القاعدة الَّتي يرتكزُ عليها.

وقد أشارَ محمَّد جواد مغنية إلى تفسیر هذا الحديثِ بقولِهِ: «المرادُ بالسِّنْخِ هنا التُّربة، وبالأصلِ الجذُور، والمعنى إذا قامت الأعمالُ على أساسٍ من التَّقوى كانَ العاملُ في مأمنٍ من الهلاكِ تمامًا كجذورِ الشَّجرةِ، تنبتُ في تربةٍ طيِّبةٍ، تسلمُ من الآفاتِ و العاهاتِ»(2)، فقد فرَّق بين الكلمتين، فجعلَ الشيَّءَ هو النَّبات، والسِّنْخَ هو التُّربةُ الَّتي دخلَ فيها النَّباتُ، والأصلَ هو الجذورُ الَّتي يعتمدُ عليها.

وعلى هذا التَّفسیرِ لا ترادفَ بينهما، ولكُلٍّ معناهُ، فالسِّنخُ ما دخلَ في غيرهِ واستترَ، والأصلُ ما ابتدأ منه فظهرَ. ولمَّا كانت النَّتيجةُ عدمَ الترَّادفِ - على الرَّأي الثَّاني - كانَ المَعنى (لا يَهلكُ من كانَ بِناؤه سنِخَ أساسِهِ التَّقوى، وما بُدئَ منه التَّقوى أيضًا).

ويتضحُ ممَّا سبقَ أنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) كان مُلتفتًا للفرقِ بين الكلمتينِ وما تحمله كلٌّ منهما من معنًى دلاليٍّ مُخْتَلِفٍ عن صاحبهِ؛ لذا اسْتَعْمَلَ أحدَهما مضافًا إلى الآخرِ، وكام هو واضحٌ من تفسیر الحديثِ.

ص: 187


1- نهج السعادة: 1 / 529
2- في ظلالِ نهج البلاغة: 1 / 139. منهاج البراعة للراوندي: 1 / 171

ثانيًا: المُشتركُ اللَّفظيّ

أصلُ لفظةِ (المُشترَك) من الفعلِ(شَرِكَ)، والشِّرْكَةُ هي «مُخالَطةُ الشَّريكينِ، واشترَكنَا بِمعنَى تَشارَكنَا. . . والطَّريقُ مُشتركٌ، أي: النَّاسُ فِيه شُركَاءُ، وكلُّ شيءٍ كان فِيه القومُ سواء فَهو مُشتَركٌ»(1).

أمَّا اصطلاحًا؛ فَهو «كونُ اللَّفظِ مَوضوعًا لمعنيينِ معًا على البدلِ من غیر ترجيحٍ، ويُسمَّى اشتراكًا لفظيًّا، وذلك اللَّفظُ يُسمَّى مُشتركًا لفظيًّا»(2)، أو هو «اللَّفظُ الواحدُ الدَّالُّ على معنيينِ مختلفينِ فأكثر على السَّواءِ عندَ أهلِ اللُّغة»(3).

وقد أشارَ سيبويه إلى ظاهرةِ المُشتركِ اللَّفظيّ، ولم يتوسَّعْ فيها تنظیرًا وتطبيقًا، وإنَّمَا اكتفى بذكرِ الفكرةِ الأساسيَّةِ الَّتي تَقومُ عليها، إذ قال: «اعلمْ أنَّ من كلامِهم اختلافَ اللَّفظينِ لاختلافِ المعنيينِ، واختلافَ اللَّفظينِ والمعنَى واحِد، واتِّفاقَ اللَّفظينِ واختلاف المعنيينِ... فاختلافُ اللَّفظينِ لاختلافِ المعنيينِ هو نحو: جَلَسَ وذَهَبَ، واختلاف اللَّفظينِ والمعنى واحدٌ نحو: ذَهَبَ وانْطَلَقَ. واتِّفاق اللَّفظينِ والمعنى مُخْتَلِف قولك: وجَدتُ عليه من المَوْجِدة، ووجَدت إذا أردتَ وجِدان الضَّالَّة، وأشباه هذا كثیرٌ»(4)، وقد اشترطَ الَّذين قَالوا بالمُشتركِ اللَّفظيّ دلالةَ الكلمةِ على معانيها المُختلِفةِ حقيقةً لا مجازًا(5)؛ ولهذا عرَّفه بعض المُحدَثينَ، «بأنْ يكونَ للكلمةِ

ص: 188


1- العين (شرك): 5 / 293، وينظر: التهذيب (شرك): 10 / 13
2- كشاف اصطلاحات الفنون، للتهاوني (ت 1158 ه): 3 / 776
3- المزهر: 1 / 369
4- الكتاب: 1 / 24
5- ينظر: مقدّمة في علم اللغة العربية: 159

الواحدةِ عدَّةُ معانٍ تُطلقُ على كُلٍّ منها عن طريقِ الحقيقةِ لا المَجَاز»(1).

ومن اللُّغويينَ من أنكرَ مفهومَ الاشتراك اللَّفظيّ أو ضيَّقَ حدوده في اللُّغة، مثلِ ابن درستويه، إذ قالَ: «إذا اتَّفقَ البناءانِ في الكلمةِ والحروفِ، ثُمَّ جَاءا لمعنيينِ مُختلفينِ لم يَكُن بُدٌّ من رجوعِهما إلى معنًى واحدٍ يشتركانِ فيه، فيصيرانِ مُتَّفقي اللَّفظِ والمعنَى»(2).

ودرس اللُّغويُّون المحدثونَ المُشترك اللَّفظي وأطلقوا عليه عنوان، «الكلماتُ المتعدِّدة المعنى المُتَّحدة الصِّيغة»(3)، ولم ينكروها، ولكن وضعوا لها عوامل وأسبابًا، منها الحقيقة والمَجاز، واقتراض الألفاظ، واللَّهجات، والتَّغیُّر الصَّوتيّ(4).

وهذا يعني أنَّ المُشترك في اللُّغة يقع في ألفاظٍ قليلةٍ قابلة للتَّأويلِ، وإلَّا من العبثِ أنْ يدلَّ اللَّفظُ الواحدُ على معنيينِ مختلفينِ(5)، ولكن يبقى المُشتركُ اللَّفظيّ ظاهرةً من ظواهرِ اللُّغةِ الَّتي لا يمكنُ إنكارها كلِّيًّا، ويمكن حدوثها لأسبابٍ معيَّنةٍ، وهذا ما يميلُ إليه الباحث.

ومن الألفاظِ التَّي جاءتْ في المروياَّتِ، وفيها اشتراكٌ لفظي ما يأتي:

ص: 189


1- فقه اللغة، للوافي: 183
2- تصحيح الفصيح: 1 / 240
3- دور الكلمة في العربيَّة: 113
4- ينظر: فصول في فقه العربيّة، رمضان عبدالتواب: 326 - 332
5- ينظر: مقدمة في علم اللغة العربيَّة: 162

أ- عَيْن لكلمةِ (عَيْن) في العربيَّةِ معانٍ متعدِّدةٌ، قالَ الخليلُ: «العَينُ النَّاظرةُ لكلِّ ذي بصرٍ، وعينُ الماءِ، وعينُ الرُّكبةِ. والعينُ من السَّحابِ مَا أقبلَ عن يَمينِ القِبلةِ، وذلك يُسمَّى العينَ. . . وعينُ الشَّمسِ: صَيْخَدُهَا. ويقالُ لكُلِّ رُكبةِ عينانِ كَأَنَّهُمَا نُقْرَتَانِ في مُقَدَّمِهَا. والعينُ المَالُ الحاضِرُ. يُقالُ: إنَّه لعينٌ غیرُ دَينٍ، أيْ: مالٌ حاضِرٌ... ويُقالُ:

لا أطلبُ أثرًا بَعدَ عَينٍ، أيْ: مُعاينةً. ويقالُ: العينُ: الدِّينارُ. . . والعينُ الَّذي تَبعثَهُ لتَجسُّسِ الخَبرِ»(1).

وقد وردتْ كلمةُ (عَيْن) في المرويَّات (ثماني) مرَّاتٍ، وبدلالاتٍ مختلفةٍ:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ مَعنى كلمةِ (نَسْتَشْرِف): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ): أُمِرْنا في الأَضاحي أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ والأُذن، مَعْنَاهُ، أَي: نتأَمَّلُ سَلاَمَتَهُمَا مِنْ آفةٍ تَكُونُ بِهِمَا، وآفةُ العَيْنِ عَوَرُها»(2).

والحديثِ يكشفُ عن استحبابِ الأضحية، وسلامةُ العينِ والأذنِ شرطُ الإِجْزَاء؛ لأنَّ معنَى قولِهِ: إذا سلمتِ الأذنُ والعينُ سلمتِ الأضحيةُ، ويدلُّ بِمفهومِهِ على أنَّهُ إذا لم تَسلمِ الأذنُ والعينُ لم تسلمِ الأضحيةُ، ومعنى عدمِ سلامتِها عدمُ كفايتها في الإتيانِ بِالمُستحبِ(3).

جَاءتْ في الحديثِ كلمةُ (العَيْن) وتعني العَيْن الباصِرة؛ لدلالةِ السِّياقِ اللُّغويّ على

ص: 190


1- العين (عين): 2 / 254، وينظر: الصحاح (عين): 6 / 2170 - 2171، وأساس البلاغة (عين): 1 / 690، وتاج العروس)عين( : 35 / 441 ، والمعجم الوسيط (عين): 2 / 641
2- لسان العربِ (شرف): 9 / 171
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للخوئي: 4 / 320

ذلك، إذ تضمَّنَ الحديثُ سلامةَ الأضاحي من آفةِ العينِ، والأضحية من الحيواناتِ الباصِرةِ.

واستعمالُ لفظةِ العينِ بمعنى العين الباصرة استعمالٌ حقيقيٌّ، قالَ الفخرُ الرَّازيّ (ت 606 ه) في معنى العينِ: «والظَّاهِرُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ في العَينِ الَّتي هِيَ آلَةُ الإِبْصَارِ ومَجَازٌ في غَيْرِهَا، أَمَّا في عُيُونِ المَاءِ فَلأَنَّهَا تُشْبِهُ العَينَ البَاصِرَةَ الَّتي يَخْرُجُ مِنهَا الدَّمعُ، أَو لأَنَّ المَاءَ الَّذي في العَينِ كَالنُّورِ الَّذي في العَينِ غَیرَ أَنَّهَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ صَارَ غَالِبًا حتَّى لا يَفْتَقِرَ إِلى القَرِينَةِ عِندَ الاسْتِعمَالِ إِلَّا لِلتَّميِيزِ بَينَ العَينَينِ، فَكَمَا لَا يُحمَلُ اللَّفظُ عَلَى العَينِ البَاصِرَةِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ، كَذَلِكَ لَا يُحمَلُ عَلىَ الفَوَّارَةِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ مِثلِ: شَرِبتُ مِنَ العَينِ واغْتَسَلتُ مِنهَا، وغَیر ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتي تُوجَدُ في اليَنبُوعِ، ويُقَالُ: عَانَهُ يَعِينُهُ إِذا أَصَابَهُ بِالعَينِ، وعَيَّنَهُ تَعيِينًا، حَقِيقَتُهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهِ العَينُ، وعَايَنَهُ مُعَايِنَةً وعِيَانًا، وعَيَّنَ، أَيْ: صَارَ بِحَيثُ تَقَعُ عَلَيه العَينُ»(1)، ويرى أغلبُ اللُّغويّينَ المحدثينَ أنَّ دلالةَ لفظة العينِ على العينِ الجارحةِ هي دلالةٌ حقيقيَّةٌ، وما سِواها هي دلالاتٌ مجازيَّةٌ(2).

وكذلك جاءَت لفظةُ (عَينْ) في المرويَّات دالَّةً عَلى معنَى العينِ النَّاظرِةِ في غيرِ هذا المَوضعِ في اللِّسانِ:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (دَمِيغ): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام):

رأَيت عَيْنَيْه عَيْنَيْ دَمِيغٍ، رَجُلٌ دَمِيغٌ ومَدْموغ: خَرَجَ دِماغُه. ودَمَغَه: أَصابَ دِماغَه»(3).

ص: 191


1- التفسير الكبير: 29 / 296
2- ينظر: مبادئ اللسانيات: 376، وعلم الدلالة، فريد عوض: 140
3- لسان العربِ (دمغ): 8 / 424

وأرادَ ب(العَيْنِ) عَينْ من أُصِيبَ بدِمَاغِهِ، فَهو شبَّه عيني ذلك الرَّجُلِ بِمن ضُرِبَ على دِمَاغِهِ، وهذا المعنى يذهبُ إلى العينِ النَّاظرةِ.

ومنه أيضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (شُكْلَة): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ (رَضِیَ الله عنه): في عَيْنيه شُكْلَةٌ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الشُّكْلة كَهَيْئَةِ الحُمْرة تَكُونُ في بَيَاضِ العَينِ، فإِذا كَانَتْ في سَوَادِ العَينِ فَهِيَ شُهْلة»(1)، وأرادَ بشُكْلَةِ العينِ اللَّون في العينِ النَّاظرةِ(2). الحديثُ ذكرهُ أبو بكر الأنباريّ(3)، والأزهريّ(4)، ولم يرد في نهج البلاغةِ.

أمَّا إذا جاءَت لفظةُ العينِ ولا يُرادُ بها العين الباصرة؛ فهي دلالاتٌ مجازيَّة، ويَحتاجُ المتكلِّمُ والسَّامعُ إلى قرينةٍ لتوضيحِ تلك العلاقاتِ المجازيَّةِ، ومن هذه العل اقاتِ:

1- المُشابهةُ، هي علاقةُ المُشابهةِ بين هيأةِ المُستعارِ منه وهيأة المُستعارِ له(5)، نحو:

شربتُ من عَينٍ صافيةٍ، أيْ: عَينِ ماءٍ، ووجْهُ الشَّبه بين العين الحقيقيَّة وعَين الماءِ هو خروج الدَّمعِ من الباصرة، وخروج الماءِ من الثَّانية.

2- الجزئيَّة، هي كون المذكور ضمن شيء آخر، وذلك فيما إذا ذكر لفظ الجزء، وأُرِيد منه الكلّ، نحو: نشرَ الحاكمُ عيونَهُ في المدينةِ، أي: الجواسيس، فالعيونُ مجازٌ

ص: 192


1- المصدر نفسه (شكل): 11 / 358
2- ينظر: غريب الحديث، لابن سلّام (ت 224 ه): 2 / 27
3- ينظر: الزَّاهر في معاني كلامِ الناس، لأبي بكر الأنباري: 1 / 456
4- ينظر: التهذيب (شكل): 10 / 16
5- ينظر: الطراز: 1 / 39

مرسلٌ، علاقته (الجزئيَّة)؛ لأنَّ كلَّ عينٍ جزءٌ من جاسوسها(1).

ولا يُخرِجُ المَجازُ كلمةَ (عَينْ) عن حدِّ المُشترك اللَّفظي، بل إنَّ المجازَ - كما يرى الدُّكتور إبراهيم أنيس - يُعدُّ أهمَّ عاملٍ من عواملِ المُشترك اللَّفظيّ(2).

وممَّا جاءَ من لفظِ العينِ غير دالٍّ على العين الباصرةِ ما يأتي:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (ضِغْث): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عَلَيْهِ السَّلام) في مَسْجِدِ الكُوفَةِ: فِيهِ ثلاثُ أَعْيُنٍ أَنْبَتَتْ بالضِّغْثِ، يُرِيدُ بِهِ الضِّغْثَ الَّذي ضَرَبَ بِهِ أَيُّوبُ، (عليه السَّلام) زوجتَه، والجمعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: أَضْغاثٌ»(3).

وردَتْ في الحديثِ لفظةُ (أعْيُنُ) مفردُها (عَيْن)، ومعناها عينُ الماءِ بدلالةِ السِّياقِ على ذَلكَ، ومَا جَاءَ بعدها من لفظِ (أنبَتَتْ بالضِّغثِ) جعلَها مَنسوبةً إلى عَينِ الماءِ خاصَّةً، وقدْ تقدَّم شرحهُ(4).

ومنه أيضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كَلمةِ (حَلِی): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام): لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهم. يُقَالُ: حَلِیَ الشيَّءُ بعَيني يَحلى إِذا استَحْسَنْته»(5).

وردَتْ في الحديثِ لفظةُ (أعْيُن) مفردها (عَيْن)، ومعناها النَّفس بدلالةِ السِّياقِ على

ص: 193


1- ينظر: الطراز: 1 / 40. وجواهر البلاغة: 253
2- ينظر: في اللهجات العربيّة: 181
3- لسان العرب (ضغث): 2 / 164
4- ينظر: الفصل الثَّاني من هذا البحث: 93
5- لسان العرب (حلا): 14 / 196

ذلك، إذ الإنسانُ لا يُدركُ حلاوةَ الدُّنيا بعينهِ النَّاظرةِ فحسب، بل بنفسهِ وبصيرتهِ.

ومعنى الحديثِ، «الحلاوةُ بالذَّوقِ وبالنَّظرِ وبالقلبِ، إلَّا أنَّهم فصَّلوا فقالوا حلا حَلا الشيَّءُ يَحْلُو في فَمِي وحَلِیَ يَحْلَى بعيني حَلاوةً وهو حَلْوٌ في كلا المعنيين. . .والأصلُ يَحْلَى بالعينِ: أيْ: فِيها»(1).

ومنه أيضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (مَهْلاً): «رُوِيَ عَن علیٍّ، (عليه السَّلام)، أَنَّه لَّما لَقِي الشُّراةَ قَالَ لأَصحابه: أَقِلُّوا البِطْنةَ وأَعْذِبوا، وإِذا سِرْتم إِلى العدوِّ فَمَهْلاً مَهْلًا، أَي: رِفْقًا رِفْقًا، وإِذا وقَعَتِ العَيْنُ عَلَى العَيْنِ فَمَهَلاً مَهَلًا، أَي:

تقدُّمًا تقدُّمًا، السَّاكِنُ الرِّفْقُ، والمُتَحَرِّكُ التَّقدُّم، أَي: إِذا سِرْتم فَتَأَنَّوْا وإِذا لَقِيتم فاحمِلوا»(2).

جاءَ لفظُ العَينِ في هذا الحديث دالًّا على المواجهةِ، إذ تكَفَّلَ السِّيَاقُ بإيضاحِ ذلكَ، إذ قالَ: (إذا سِرْتُم إلى العدوِّ. . .)، واللِّقاءُ بالعدوِّ لا يتطلَّبُ أنْ ينظُرَ احدُهم إلى الآخر فيوصي به الإمام (عليه السَّلام)، وإنَّما هيَ حَربٌ، وقِتالٌ، فأتَى لفظُ العينِ بمعنى المواجهةِ.

فكلمةُ (عَين) في المرويَّات في لسانِ العربِ متعدِّدةُ الدَّلالاتِ، فِهي تدخل تحت ما يُسمَّى ب (المُشترك اللَّفظيّ)؛ لأنَّ صورةَ لفظِها كانت واحدةً، ومعانيها متعدِّدة.

ص: 194


1- بهج الصباغةِ في شرح نهج البلاغة: 5 / 241
2- لسان العرب (مهل) : 11 / 634

ب. القَصَّابُ لكلمةِ (قَصَّاب) في العربيَّةِ عدَّةُ معانٍ، فقد جَاءَ منها في كتابِ العينِ «القَصْبُ:

القطع، والقَصَّابُ يقصبُ الشَّاةَ ويَفصلُ أعضاءَها تقصِيبًا»(1)، وقد يُرادُ بالقصَّابِ الزَّمّار، أيْ: صَاحبُ المزاميرِ(2)، وقالَ ابنُ فارس: «القَصْبُ: القَطْعُ؛ يُقَالُ قَصَبْتُهُ قَصْبًا. وسُمِّيَ القَصَّابُ قَصَّابًا لِذَلِكَ. وسَيْفٌ قَصَّابٌ، أَيْ: قَاطِعٌ، ويُقَالُ:

قَصَبْتُ الدَّابَّةَ، إِذا قَطَعْتَ عَلَيْهِ شُرْبَهُ قَبْلَ أَنْ يُرْوى. ومِنَ البَابِ: قَصَبْتُ الرَّجُلَ: إِذا عِبْتَهُ، وذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الاِسْتِعَارَةِ»(3).

وقد وردتْ كلمةُ (قَصَّاب) في المرويَّات (مرَّتينِ):

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (التَّرِبَة): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ):

نَفْضَ القَصَّاب الوِذامَ التَّرِبةَ. الأَزهريّ: التِّرابُ: الَّتي سقطتْ في التُّرابِ فَتَتَرَّبَتْ، فالقَصَّابُ يَنْفُضُها»(4).

في الحديثِ كلمةُ (القَصَّاب)، وتعني الجزَّار، ومعنى الحديثِ كما جاءَ في شرحِ النَّهجِ معَ اختلافٍ في لفظةِ (القصَّابِ) «واللهِ لئِنْ بقيتُ لَم لأنفضنَّهم نَفضَ اللَّحَّامِ الوِذامَ التَّرِبةِ. . . والوذامُ التَّرِبةُ: جمعُ وَذمَةٍ، وهي الحُزَّةُ من الكَرش أَو الكبِد تَقعُ في الترُّابِ فَتُنفَض»(5)، فالإمامُ (عليه السَّلام) أرادَ ب (القصَّاب) اللَّحَّام (الَّذي يَبيعُ اللَّحم).

ص: 195


1- العين (قصب): 5 / 68، وينظر: الجمهرة (قصب): 1 / 349
2- ينظر: التهذيب (قصب): 8 / 295
3- المقاييس (قصب): 5 / 94
4- لسان العرب (ترب): 1 / 230
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 174

أمَّا مَا جَاءَ من لفظِ (القَصَّاب) علَی غيرِ معنَى الجزَّار في اللِّسانِ من مرويَّاتِ الإمام عَلِیِّ (عليه السَّلام)؛ فَهو قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (التَّرِبة): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ): لَئِنْ ولِيتُ بَنِي أُمَيَّةَ، لأَنْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصَّابِ الترِّابَ الوذِمةَ، قَالَ: وعَنَى بالقَصَّابِ هُنَا السَّبُعَ، والتِّرابُ: أَصْلُ ذِراعِ الشَّاةِ، والسَّبُعُ إِذا أَخَذَ شَاةً قَبَضَ عَلىَ ذَلِكَ المَكانِ فَنَفَضَ الشَّاةَ»(1).

في الحديثِ كلمةُ (القصَّاب) وأرادَ بهِ السَّبُع، والظَّاهرُ أنَّ تَفسیرَ الحدِيثِ له علاقةٌ بتقديمِ كلمتي (التِّراب، والوَذِمَة) وتأخیرهما، فإذا تقدَّمتْ كلمةُ الوِذَامِ على التِّرِابِ كانَ معنى لفظةِ (القصَّاب) الجزَّار، أمَّا إذا تقدَّمت لفظةُ التِّرِابِ على الوِذَامِ يكونُ معنى القصَّابِ السَّبُع؛ لأنَّ السَّبُعَ ينفضُ أصلَ ذراعِ الشَّاةِ لا الترُّاب، أمَّا القصَّاب (الجزَّار)؛ فينْفض الترُّاب العالقَ باللَّحمِ؛ لذا نستطيعُ أنْ نقولَ: إنَّ الإمامَ (عليه السَّلام) قد عبَّرَ عن المعنيينِ، وهو مؤمنٌ باشتراكِهما بلفظةٍ واحدةٍ، هي لفظة (القصَّاب)، وقد فرَّق بينهما بدلالةِ السِّياقِ الوارد في الحديثِ بتقديمِ كلمتي (التِّراب، والوَذِمة) وتأخيرهما.

وبهذا يكونُ لكلمةِ (القصَّاب) أكثرُ من معنًى في المرويَّات، ويُمكنُ أنْ تُعدَّ من (المُشترك اللَّفظيّ) إذ لا يَميّزُها إلَّا السِّياق.

ص: 196


1- لسان العرب (قصب(): 1 / 675

ثالثًا: التَّضَادّ

التَّضادُّ أصلُهُ التَّضادُدُ، على زنةِ تَفَاعُل، مأخوذٌ من الفعلِ ضَادَدَ، وتَحرُّكُ الحرفينِ المثلينِ يَجعلُ النُّطق بهما ثقيلاً؛ لذا سُكِّنَ أوَّلُهما وأُدْغِمَ بالثَّاني، قالَ ابنُ مالك: «فإنْ تحرَّكَ المثلانِ في كلمةٍ وجبَ تسكينُ أوَّلِهما وإدغامه، نحو: اشْتَدَّ فهو مُشْتَدٌّ، والأصْلُ:

اشْتَدَدَ فهو مُشْتَدِدٌ»(1)، فصارَ تضادَّ، يتضادُّ، تضادًّا.

والضِّدُّ في اللُّغة هو «كلُّ شيءٍ ضَادَّ شيئًا ليغلبهَ، والسَّوادُ ضدُّ البياضِ، والموتُ ضدُّ الحياةِ، تقول: هذا ضدُّهُ وضديدُهُ، واللَّيلُ ضدُّ النَّهارِ، إذا جاءَ هذا وذهبَ ذاكَ»(2).

وقد عرَّفهُ أبو الطَّيِّبِ اللُّغويّ (ت 351 ه) في مقدِّمة كتابِهِ فقال: «والأضدادُ جمعُ ضدٍّ، وضَدُّ كُلِّ شيءٍ ما نافاه، نحو: البَياض والسَّواد، والسَّخاء والبُخل، والشَّجاعة والجُبن، وليس كلُّ ما خالفَ الشَّیء ضدًّا له، ألا ترى أنَّ القوَّة والجَهل مُختلفان وليسا ضِدَّين، وإنَّما ضِدُّ القُوةِ الضَّعْفُ، وضِدُّ العِلمِ الجَهلُ، فالاختلاف أعمُّ من التَّضادِّ، إذ كان كلُّ متضادَّين مختلفينِ، وليس كلُّ مختلفينِ ضدَّين»(3). وقد اختلفوا في وقوعِ هذه الظَّاهرة كما اختلفوا في التَّرادفِ والاشتراك، وأكثرهم يقولون بوقوعها، وألَّفوا فيها كثیرًا من الكُتبِ(4)، لكنَّ طائفةً أخرى منهم، أنكرتْ وقوعَ التَّضادِّ في

ص: 197


1- إيجاز التعريف في علم التصريف: 201
2- العين (ضدّ): 7 / 6
3- الأضداد في كلام العرب: 33
4- منها أضداد قطرب والأصمعي وأبي حاتم السجستاني وابن السكيت وابن الأنباري وأبي الطيب اللغوي

العربيَّةِ، ومنهم ابن درستويه الَّذي ألَّف كتابًا في إبطال الأضدادِ، ذكره السُّيُوطيّ(1)، وأشار إليه ابن درستويه نفسُهُ في مُقدِّمة كتابه (تصحيح الفصيح)(2)، كما أنكرَها أيضًا أحدُ شيوخِ أبي علیٍّ الفارسيّ، قالَ أبو عليٍّ الفارسيّ: «كانَ أحدُ شُيُوخِنَا يُنكرُ الأضدادَ الَّتي حكَاهَا أهلُ اللُّغة، وأنْ تكونَ لفظةٌ واحدةٌ لشيءٍ وضدِّه»(3).

وحجَّةُ هؤلاءِ أنَّ في دلالةِ اللَّفظِ الواحدِ على معنيينِ مُتضادينِ بُعدًا عن الإبانةِ والإفهام، ولكنَّهم على الرَّغم من ذلك أقرُّوا بوجود النَّادر منه؛ لعللٍ معيَّنةٍ، أهمُّها اختلافُ اللّهجاتِ العربيَّةِ، إذ يرى ابنُ دريد أنَّ الأضدادَ لا تكونُ إلَّا في لغةٍ واحدةٍ بقولِهِ: «الشَّعْبُ: الِفْتِرَاقُ، والشَّعْبُ: الِجْتِمَاعُ. ولَيسَ ذَلِكَ مِنَ الأَضْدَادِ، وإِنَّمَا هِيَ لُغَةٌ لِقَوْمٍ»(4)، وقد أفادَ بهذا «أنَّ شرطَ الأضدادِ أنْ يكونَ استعمالُ اللَّفظِ في المعنيينِ في لغةٍ واحدةٍ»(5).

وممَّن قالَ بالتَّضادِّ وألَّف فيه كتابًا أبو بكر بن الأنباريّ، الَّذي يسوِّغُ وقوع التَّضادِّ والاحتكام إلى السِّياقِ في بيانِ المعنى المُرادِ، إذ يقولُ في مقدِّمة كتابه: «إنَّ كلامَ العربِ يُصحِّحُ بعضُهُ بعضًا، ويرتبطُ أوَّلُهُ بآخرِه، ولا يُعرَف معنى الخطابِ منه إلَّا باستيفائهِ، واستكمال جميعِ حروفهِ، فجازَ وقوعُ اللَّفظةِ على المعنيينِ المُتضادَّينِ؛ لأنَّها يتقدَّمُها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خصوصيَّةِ أحدِ المعنيينِ دونَ الآخرِ، ولا يُرادُ بها في حالِ

ص: 198


1- ينظر: المزهر: 1 / 311
2- ينظر: تصحيح الفصيح: 1 / 359، وفقه اللغة العربية، د. كاصد ياسر الزيدي: 152
3- المخصص: 4 / 173
4- الجمهرة (شعب): 1 / 343
5- المزهر: 1 / 312، وينظر: الكليات: 1044

التَّكلُّمِ والإخبارِ إلَّا معنًى واحدٌ»(1).

والعواملُ الَّتي أدَّتْ إلى ظهورِ التَّضادِّ في اللُّغةِ - كما ذكرها القدماءُ والمحدثون - كثیرةٌ، أهمُّها:

1- اختلافُ اللَّهجاتِ، إذا دلَّت الكلمةُ على معنيينِ مُتضادَّينِ فمحالٌ أن يكونَ العربيّ أرادَ المُساواةَ بينهما، ولكنَّ أحدَ المعنيين لحيٍّ من العربِ، والمعنى الآخرُ لحيٍّ غیره، ثُمَّ سَمِع بعضُهم لغةَ بعضٍ فأخذَ هؤلاءِ عن هؤلاءِ، وهؤلاءِ عن هؤلاءِ، فَلفظةُ الجوْنِ تعني الأبيضَ في لغةِ حيٍّ من العربِ، والأسودَ في لغةِ حيٍّ آخر، ثم أخذَ أحدُ الفريقينِ من الآخر(2).

2- الاتِّساعُ في اللُّغةِ، إذا دلَّتِ الكلمةُ على معنيينِ مُتضادَّينِ، فالأصلُ لمعنًى واحدٍ، ثمَّ تداخلَ الاثنانِ على جهةِ الاتِّساعِ، فمن ذلك كلمةُ الصَّريمِ، يُقالُ: للَّيلِ صريمٌ وللنَّهارِ صريمٌ؛ لأنَّ اللَّيلَ يَنْصَرِمُ من النَّهار، والنَّهارَ يَنْصَرِمُ من اللَّيلِ، فأصلُ المعنيينِ من بابٍ واحدٍ وهو القَطْعُ(3)، ومثل ذلكَ لفظةُ الطَّربِ، فإنَّها تدلُّ على الفرحِ والحزن، والأصلُ في ذلك الخِفَّة، قالَ الجوهريّ: «خِفَّة تُصيبُ الإنسانَ لشدَّةِ حزنٍ أو سُرورٍ(4).

3- التَّفاؤلُ، هو التَّعبیرُ عن المعنى السَّيِّئ بلفظةِ المعنى الحَسنِ، ومن ذلك التَّعبيرُ

ص: 199


1- الأضداد، لابن الأنباري: 7
2- ينظر: المزهر: 1 / 315، وعلم الدلالة، أحمد مختار عمر: 204
3- ينظر: المخصص: 4 / 173، وعلم الدلالة، أحمد مختار عمر: 206
4- الصحاح (طرب): 1 / 171

عن الأمراضِ والكوارثِ والمَصائبِ بكلماتٍ حسنة المعنى، قريبة الخیرِ(1)، ومن هذه الألفاظ لفظة (السَّلِيم)، فإنَّها تطلقُ على السَّالمِ وعلى الملدوغِ.

4- التَّهكُّمُ، هو قلبُ المعنى، وتَغیُّرُ دلالةِ اللَّفظِ إلى ضدِّها؛ لغرضِ التَّأديبِ والتَّعنيف واللَّومِ، ومن ذلكَ إطلاقُ لفظةِ العاقلِ على الجاهلِ؛ للتَّهكُّمِ والاستهزاءِ(2).

5- المَجازُ والاستعارةُ، ومثالُهُ، هو إطلاقُ كلمةِ أمَّةٍ على الجماعةِ وعلى الفردِ(3).

إلَّا أنَّ المُحدثينَ قد ضيَّقوا من علاقةِ التَّضادِّ بين الألفاظِ ليُخرِجوا بذلكَ كثيرًا من الأضدادِ الَّتي أحصَاها القدماءُ، وحمَلوها على أنَّها من بابِ المَجازِ أو الاشتراكِ أو التَّغیُّر الدِّلاليّ...(4)، وهذه الأسبابُ من الممكنِ أنْ تكونَ سببَ وجودِ الأضدادِ فعلاً؛ لأنَّ وضع اللَّفظِ للشيَّءِ وضدِّه أمرٌ فيه نظرٌ، وهذا الرَّأي ما يرجِّحُهُ الباحثُ.

ومن الألفاظ الَّتي جاءتْ في المرويَّات وفيها (تضادّ) ما يأتي:

وراء ذُكرتْ كلمةُ (ورَاء) بمعنيينِ مُتضادَّينِ، قالَ ابنُ دريد: «والورَاءُ: الخَلْفُ، والورَاءُ: القُدَّامُ، وهُو من الأضدادِ»(5)، وكذلك عند أبي الطَّيِّب اللُّغويّ بمعنى

ص: 200


1- ينظر: الأضداد، لأبي الطيب اللغوي: 229. وفي اللهجات العربية، د. إبراهيم أنيس: 208
2- ينظر: الأضداد، لابن الأنباري: 285، وفصول في فقه العربيّة: 349
3- ینظر: الأضداد، لابن الأنباري: 269، ومبادئ اللسانيات: 380
4- ينظر: فصول في فقه العربية: 342 - 354
5- الجمهرة (ورأ): 1 / 236، والصحاح (ورى): 6 / 2523

خَلْفَ، وبمعنى قُدَّام(1)، وصنَّفها الخوارزميّ بقوله: «وهُو مِن ظُرُوفِ المَكَانِ بِمَعنَى خَلْفَ وقُدَّامَ وقَدْ اسْتُعِيرَ لِلزَّمَانِ»(2)، وفصَّلها الفيُّوميّ بقوله: «ووَرَاءُ كَلِمَةٌ مُؤَنَّثَةٌ تَكُونُ خَلْفًا وتَكُونُ قُدَّامًا وأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ في المَواقِيتِ من الأَيَّامِ واللَّيالِی، لِأَنَّ الوَقتَ يَأْتِ بَعْدَ مُضِيِّ الإِنسَانِ فَيَكُونُ ورَاءَهُ وإِنْ أَدْرَكَهُ الإِنسَانُ كَانَ قُدَّامَهُ»(3).

وقدْ وردتْ كلمةُ (وَرَاء) في المرويَّات (أربع) مرَّاتٍ، وبدلالاتٍ مُتضادَّةٍ:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (مُتَمَاحِل): «وفي حَدِيثِ عَلّیٍّ: إِنَّ مِن ورائكُم أُمورًا مُتَمَاحِلَةً، أَي: فِتَنًا طَوِيلَةَ المُدَّةِ تطولُ أَيَّامُها ويَعْظُمُ خَطَرُها ويَشتدُّ كَلَبُها، وقِيلَ: يَطُولُ أَمرُها»(4).

في الحدِيثِ كلمةُ (ورَائكُم)، وتعني أمامَكم أو قُدَّامكم، بدلالةِ السِّيَاقِ، فلفظةُ (مُتَمَاحِلَة) تعَني طويلة المُدَّة، ووصْفُهُ تلكَ الأمورَ بِالطُّولِ ذهبَ بمعنى (ورَائكُم) إلى المُستقبلِ.

ومعنى الحديثِ كما جَاءَ في شرحِ النَّهجِ، «قالَ ابنُ قتيبة: المُتَمَاحِلَةُ الطِّوالُ:

يَعنِي فِتَنًا يَطُولُ أمرُهَا ويَعظُمُ، ويُقالُ: رَجلٌ مُتَمَاحِلٌ، وسَبْسَبٌ مُتَمَاحِلٌ، والرُّدُحُ جَمْعُ رَدَاحٍ، وهي العَظِيمَةُ»(5).

ص: 201


1- ینظر: الأضداد، لأبي الطيب اللغوي: 412
2- المغرب في ترتيب المعرب (وراء): 481
3- المصباحُ المنير (وري): 2 / 656
4- لسان العرب (محل): 11 / 617
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 126

ومنه أيْضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ مَعنى كلمةِ (مُكْلِحًا): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: إِنَّ مِنْ ورَائِكُمْ فِتَنًا وبَلاءً مُكْلِحًا، أَي: يُكْلِحُ النَّاسَ بشدَّتِه؛ الكُلُوحُ: العُبُوس، يُقَالُ:

كَلَحَ الرَّجُلُ وأَكْلَحَهُ الهَمُّ، ودَهْرٌ كَالِحٌ عَلَی المَثَلِ»(1).

وردت في الحديثِ لفظةُ (ورَائِكُم) وتعني قُدَّامكُم؛ لأنَّ الإمامَ كان يَتكلَّمُ على الفتنةِ الَّتي سوفَ تَحِلُّ عليهم في زمنٍ لاحقٍ.

وقد رويَ الحديثُ في شرحِ نَهجِ البلاغةِ بهذا الشَّكلِ على النَّحو الآتي: «ألا وإنَّ من ورَائِكُم أمْورًا أتتْكُم جللًا مزوجًا، وبلاء مُكْلِحًا مُبْلِحًا»(2).

ومعنى الحديثِ في شرحِ النَّهج: قَالَ الشَّيخُ المَحموديّ: «أقولُ: الجللُ كالجَبلِ العظيمِ، ومُبْلِحًا: مُعْجِزًا مُعْييًا. ومُكْلِحًا: مُكْسَرُ الوجهِ مُعْبِسُهُ، أي: الأمورُ المَكْرُوهَةُ»(3).

أمَّا ما جَاءَ من لفظِ (ورَاء) بمعنَى خَلْفَ، في المرويَّات فهو ما يأتي:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (ظِهريًا): «وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ، (عليه السَّلام): اتَّخَذْتُوه ورَاءَكم ظِهْرِيًّا حتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغاراتُ، أَي: جَعَلْتُمُوهُ ورَاءَ ظُهُورِكُم»(4).

في الحدِيثِ كلمةُ (ورَاءَكُم)، وتعني خَلْفَكُم، بدلالةِ السِّيَاقِ، فلفظةُ (ظِهريًّا) هِيَ

ص: 202


1- لسان العرب (كلح): 2 / 547
2- بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة: 5 / 372، وينظر: نهج السّعادة في مستدرك نهج البلاغة: 2 / 440
3- نهج السّعادة في مستدرك نهج البلاغة: 2 / 440
4- لسان العرب (كلح): 2 / 574

الَّتي جعلتْ كلمةَ (ورَاءَكُم) لا تَحتملُ إلَّا الخَلْفَ.

ومعنى الحدِيثِ في شرحِ نهجِ البلاغةِ، «والظِّهريّ: الَّذي تجعله بظِهرٍ، أي:

تنساهُ وتغفلُ عنه، ومنه قولُهُ تعالى: (واتَّخَذْتُمُوهُ ورَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا)(1)، أي: لم تلتفتوا إليه، قالَ ابنُ سيده: واتَّخذ حاجته ظِهريًّا [يعني] استهانَ به، كأنَّه نسبها إلى الظَّهرِ على غیر قياسٍ كما قالوا في النَّسب إلى البصرةِ: بِصْرِيٌّ. وفي حديثِ عليٍّ (عليه السَّلام):

(اتَّخذتمُوه ورَاءكُم ظِهريًّا حتَّى شُنَّتْ عليكم الغاراتُ)، أي: جعلتموه ورَاءَ ظهورِكم، قال: وكَسرُ الظَّاء من تغيیراتِ النَّسبِ»(2).

ويبدو أنَّ دلالةَ لفظِ (ورَاء) مُقيَّدةٌ بالظَّرفيَّةِ، إذ تدلُّ على الخَلْفِ إذا كانت بمعنى ظرفِ المَكانِ، مثل (رَأيتُ وراءَكَ الأسدَ، وسمعتُ ورائي صَوتًا)، وتدلُّ على الأمَامِ إذا كانت بِمعنى ظرفِ الزَّمانِ (المُستقبل)، مثلُ قولِنَا: (المُحسنُ من ورائهِ الإكرامُ، والمُجرمُ من ورَائِه جهنَّمُ).

ص: 203


1- هود: 92
2- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 2 / 562

المبحثُ الثَّانِی التَّغيُّر الدَّلالِی

اشارة

التَّغیُّرُ الدَّلاليّ «ظاهرةٌ شائعةٌ في كلِّ اللُّغاتِ، يلمسُها كلُّ دارسٍ لمراحلِ نموِّ اللُّغة، وأطوارها التَّاريخيَّة»(1)، ويمكننا القول: إنَّ التَّغيُّرَ يقعُ في جانبين مُتلازمينِ:

أحدُهما داخلیّ: وهو التَّغیُّر الحاصلُ في بِنيةِ اللُّغةِ، مثل، الأسباب الصَّوتيَّة والاشتقاقيَّة والنَّحويَّة والسِّيَاقيَّة الَّتي تظهرُ في مدارِ الاستعمالِ.

والآخرُ خارجيّ: وهو مجموعُ العواملِ الاجتماعيَّة والتَّاريخيَّة والثَّقافيَّة، الَّتي بها يشيعُ التَّغیُّر الدَّلاليّ ويَنتشرُ، وأهمُّها التَّقليدُ الاجتماعيّ، وباقي العوامل (التَّاريخيَّة والثَّقافيَّة) تَنضوي تحتهُ(2).

حدَّد المُحدثون للتَّغيُّر الدَّلاليّ عدَّة أشكالٍ هي(3):

ص: 204


1- دلالة الألفاظ: 123
2- ينظر: مبادئ اللسانيات: 387
3- ينظر: دلالة الألفاظ: 152 - 167، وعلم الدلالة، أحمد مختار عمر: 243 - 250، ومبادئ اللسانيات: 391

(1) تخصيصُ الدَّلالةِ.

(2) تعميمُ الدَّلالةِ.

(3) تغيُّرُ مجالِ الدِّلالةِ.

(4) رقيّ الدَّلالةِ وهبوطها.

(5) المُبالغةُ.

وأكثرُ هذه الأنواع شيوعًا هي الثَّلاثةُ الأولى، يقولُ فندريس: «هناك تضييقٌ عندَ الخُروجِ من معنًى عامٍّ إلى معنًى خَاصٍّ. . . وهناكَ اتِّساعٌ في الحالَةِ العكسيَّةِ، أي:

عند الخروج من معنًى خاصٍّ إلى معنًى عامٍّ. . . وهناك انتقالٌ عندما يتعادَلُ المعنيانِ أو إذا كانا لا يختلفانِ من جِهةِ العمومِ والخصوصِ، كمَا في حالةِ انتقالِ الكلمةِ من المحلِّ إلى الحَالِ، أو من السَّببِ إلى المُسَبِّبِ، أو من العلامةِ الدَّالَّةِ إلى الشيَّءِ المدْلُولِ عليهِ»(1).

وسيكونُ البحث - إنْ شَاءَ اللهُ - في المرويَّاتِ مَقصورًا على هذه الأنماط الثَّلاثة؛ لشيوعها، وورودِ الأمثلةِ عليها في المرويّات.

إنَّ الألفاظَ الواردةَ في المرويَّاتِ في مجالِ التَّخصيصِ والتَّعميمِ ليسَتْ بالضَّرورة أنْ يكونَ الإمامُ (عليه السَّلام) هو أوَّل من تكلَّمَ بها مخصَّصةً أو معمَّمةً، وإنَّما جاءتْ في كلامهِ هكذا؛ لذا سيكونُ بحثنا فيها على سبيل الاستشهادِ، لا التَّأصيل، أمَّا في مجالِ انتقالِ مجرى الدَّلالة؛ فقد يكونُ الإمامُ السَّابقَ في تأصيلها.

ص: 205


1- اللغة، فندريس: 256

أوَّلًا: تخصيص الدَّلالةِ

وهو تسميةُ الخَاصِّ بالعامِّ، أو ما وُضعَ في الأصلِ عامًّا، ثُمَّ خُصَّ في الاستعمال ببعضِ أفرادِه(1). ويُسمَّى أيضًا قصرَ العامِّ، أو تخصيصَ الدَّلالة أو تضييقَ المعنى، وقد سمَّاه إبراهيمُ أنيس تخصيصَ المعنى(2)، وعدَّه أحمد مختار عمر اتِّجاهًا عكسيًّا لتوسيعِ المعنى، وقالَ: «ويعني ذلك تحويل الدَّلالةِ من المعنى الكلِّیّ إلى المعنى الجُزئيّ أو تضييق مجالهِا»(3).

ومن الألفاظ الَّتي جاءت في المرويَّات وفيها ظاهرةُ (تخصيص الدَّلالةِ) ما يأتي:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (الأمْرَه): «والمَرَهُ: مَرضٌ في العَينِ لِتَرْكِ الكُحْلِ، ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللُّهَ عَنهُ): خُمْصُ البُطُونِ مِنَ الصِّيامِ مُرْهُ العيونِ مِنَ البُكاءِ، هُو جَمْعُ الأَمْرَهِ»(4).

وردتْ في الحديثِ لفظةُ (الصِّيام) وتعني في اللُّغةِ، «تَرْكُ الأكلِ وتَرْكُ الكلامِ»(5)، وقالَ ابنُ دريد في معنى الصَّومِ: «الإِمْسَاكُ عَن المَأكلِ والمشْرَبِ. وكلُّ شَیْءٍ سَكَنتْ حَركَتُهُ فقد صَامَ يَصُوم صَومًا»(6)، ومنهم من رأى أنَّ معناه في اللُّغة «الإمساكُ عَن

ص: 206


1- ينظر: المزهر: 1 / 332
2- ينظر: دلالة الألفاظ: 152
3- علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 245
4- لسان العرب (حَدْبَر): 4 / 175
5- العين (صوم): 7 / 171
6- الجمهرة (صوم): 2 / 899

الشَّيءِ والتَّرْكُ لَهُ»(1)، أيْ: مُطلقُ الإمساكِ، وقالَ ابنُ فارس: «الصَّادُ والواوُ والمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی إِمْسَاكٍ ورُكُودٍ في مَكَانٍ»(2).

أمَّا في الشَّرع؛ فهي «الإمسَاكُ عن أشياءَ مَخصوصةٍ على وجْهٍ مخصوصٍ، ممَّن هو على صفاتٍ مَخصوصةٍ، في زمانٍ مخصوصٍ، ومن شرطِهِ انعقادُ النِّيَّةِ»(3)، وقالَ الكفويّ في المعنيينِ: «الصَّوم: هُو في الأَصلِ الإِمسَاك عَن الفِعلِ، مَطْعَمًا كَانَ أَو كلَامًا أَو مَشْيًا، وفي الشَّرْعِ: إمْسَاكُ المُكَلَّفِ بِالنِّيَّةِ من الخَيطِ الأَبْيَضِ إِلَی الخَيطِ الأسودِ عَن تنَاولِ الأطيبينِ والاسْتمنَاءِ والاسْتقَاءِ»(4).

وهذا يعني أنَّ الصَّومَ معناهُ الإمساكُ والرُّكودُ بوجهٍ عامٍّ، ثُمَّ خُصِّصَ هذا اللَّفظُ بالصَّومِ المعروفِ (الإمساكُ عن المفطراتِ في زمانٍ مخصوصٍ)، فانتقلَ معنى الدَّلالةِ من العامِّ إلى الخاصِّ.

أمَّا معنى الحديثِ؛ فقد سبقَ شرحُهُ في هذا البحثِ(5).

ومنهُ أيضًا، قَولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (ارْتَطَم): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ: مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّه ارتَطَم في الرِّبا ثُمَّ ارْتَطَم ثُمَّ ارْتَطَم، أَي: وقَعَ فِيهِ وارْتَبَك. ووقَعَ في رُطمَة ورُطُومة، أَي: في أَمرٍ يتخَبَّط فِيهِ»(6).

ص: 207


1- التهذيب (صوم): 12 / 182، وينظر: التعريفات: 136
2- المقاييس (صوم): 3 / 323
3- التبيان في تفسير القرآن، للطوسي (ت 460 ه): 1 / 56
4- الكليات: 1 / 563
5- ينظر: الفصل الأول من هذا البحث: 64
6- لسان العرب (رطم): 12 / 244

في الحديثِ كلمةِ (يَتَفَقَّه) ومعناها في اللُّغة الفهمُ، قالَ الخليلُ: «فَقِهَ يَفْقَهُ فِقْهًا إذا فَهِمَ. وأفقهتُه: بَيَّنْتُ لهُ»(1)، وقالَ الجوهريّ: «الفِقْهُ: الفهمُ. . . . تقول منه: فَقِهَ الرَّجُلُ، بالكسْرِ. وفلانٌ لا يَفْقَهُ ولا يَنْقَهُ. وأفْقَهْتُكَ الشَّیءَ. ثمَّ خُصَّ به عِلْمُ الشَّيعةِ، والعالِمُ به فَقِيهٌ، وقد فَقُهَ بالضَّمِّ فَقاهَةً، وفَقَّهَهُ اللهُ. وتَفَقَّهَ، إذا تَعَاطى ذلكَ. وفاقَهْتهُ، إذا باحثتَه في العلمِ»(2).

وعليه فَإنَّ للفظةِ (فِقْه) معنًى عامًّا، هو الفَهم، ومعنًى خاصًّا، وهو علمُ الشَّيعةِ، فاستعملَ الإمامُ، (عليه السَّلام) لفظةَ (فِقْه) بمعناها الخاصِّ، وهو علمُ الشَّيعةِ، وهذا يُسمَّى في علمِ اللُّغة، تخصيصَ الدَّلالةِ.

وقالَ محمَّد جواد مغنية في تفسیرِ هذا الحديثِ: «ارتَطَمَ: وقَعَ. والرِّبا من كبائرِ المُحرَّمَات أخذًا وعطاءً، ويكونُ في القرضِ وغیِرهِ، وله شُروطٌ، وفروعُهُ كثیرةٌ، يقعُ الالتباسُ فيها أو في الكثیرِ مِنها؛ ولذا أمرَ الإمامُ أربابَ التِّجارةِ أنْ يَتفقَّهوا في مسائلِ البَيعِ والدَّينِ؛ كيلا يَقعوا في الحرامِ»(3).

ثَانِيًا: تَعميمُ الدَّلالةِ

هو عَكسُ التَّخصيصِ، أي: «مَا وُضِع في الأصْلِ خَاصًّا ثم اسْتُعْمِلَ عامًّا»(4)، ويُسمَّى أيضًا تعميمَ الخاصِّ أو توسيعَ المعنى(5)، أو يُرادُ به «تحويلُ الدَّلالةِ من المعنى

ص: 208


1- العين (فقه): 3 / 370
2- الصحاح (فقه): 6 / 2243
3- في ظلالِ نهج البلاغة: 4 / 472
4- المزهر: 1 / 333
5- ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 243

الجزئيّ إلى المَعنى الكلِّیّ»(1).

ولا تقلُّ أهمِّيَّةُ هذا الشَّكلِ من التَّغیُّر الدِّلاليّ عن أهمِّيَّة سابقِه، فقد أدركَ علماءُ اللُّغةِ الأوائلُ هذا اللَّونَ من التَّغيُّرِ الدَّلاليّ، وأشاروا إليه في طائفةٍ من كُتبِهم، ومنهم ابنُ دريد في كتابِهِ (جمهرة اللُّغة) إذ يعقدُ فَصلاً بعنوانِ (باب الاستعاراتِ) يتحدَّث فيه عن اتِّساعِ دلالةِ طائفةٍ من الألفاظِ(2).

وكذلك الخطَّابيّ في رسالتِهِ الَّتي وضعَها في إعجازِ القرآنِ، إذ وقف عند توسُّعِ الدَّلالةِ وجَعْلِ الخاصِّ عامًّا: فقال: «وقد يُتوسَّعُ في ذلكَ حتَّى يُجعَل العَقْرُ أكلاً، وكذلك اللَّسْع؟ ... وحُكيَ أيضًا عن الأعراب: (أكلوني البراغيثُ)، فجُعِلَ قَرْصُ البرغوثِ أَكْلًا، ومثلُ هذا الكلامِ كثیرٌ»(3).

ومنهم أيضًا ابنُ فارس، إذ ذكره في كتابه (الصَّاحبيّ) في بابِ «القول في أصولِ أسماءٍ قِيسَ عليها وأُلحِقَ بها غيرُها»(4)، فضلًا عمَّا جاءَ متناثرًا في كتبِ اللُّغةِ والمُعجماتِ والتَّفاسيرِ.

أمَّا المحدثونَ؛ فلم يغفلوا عنه وتناولوه ضمنَ موضوعِ (أشكال تغیُّرِ المعنى)، ومنهم الدُّكتورُ أحمدُ مختار عمر، إذ يرى أنَّ توسيعَ المعنى هو «أنْ يُصبحَ عدد ما تشیر إليه الكلمةُ أكثرَ من السَّابق، أو يُصبحَ مجالُ استعمالِها أوسع من قبل»(5).

ص: 209


1- علم الدلالة، فريد عوض: 76
2- ينظر: الجمهرة: 3 / 432 - 434
3- بيان إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن): 42
4- الصاحبي: 58
5- علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 243

ويرى الدُّكتورُ إبراهيمُ أنيس أنَّ تعميمَ الدَّلالاتِ أقلُّ شيوعًا في اللُّغاتِ من تخصيصِها، وأقلُّ أثرًا في تطوُّرِ الدَّلالاتِ وتغيُّرها(1).

ومن الألفاظِ الَّتي جاءتْ في المرويَّاتِ وقد أصابَها التَّعميمُ ما يأتي:

قالَ ابنُ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (بَوَانِی): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام) ألقَتِ السَّماءُ بَرْكَ بَوَانِيها، يُرِيدُ مَا فِيهَا مِنَ المَطَرِ»(2).

جاءَت في الحديثِ كلمةُ (السَّمَاء) ومعناها في اللُّغةِ الارتفاعُ، قالَ الخليلُ: «سما الشيَّء يَسْمُو سُمُوًّا، أي: ارْتَفَعَ»(3)، وقالَ ابنُ دريد في معناها، «السَّمَاءُ: السَّمَاءُ المَعْرُوفَةُ، ثمَّ كَثُرَ ذَلِك حتَّى سُمِّي المَطَرُ سَمَاءً»(4)، ويُقالُ لكلِّ مَا ارتفَعَ وعَلا قد سَمَا يَسمُو، وكلُّ سَقْفٍ فَهو سَماءٌ، والسَّماءُ: السَّحَابُ، والسَّماءُ: المَطَرُ(5)، وقَالَ ابنُ فارس: «وكُلُّ عَالٍ مُطِلٍّ سَمَاءٌ، حتَّى يُقَالَ لِظَهْرِ الفَرَسِ سَمَاءٌ، ويَتَّسِعُونَ حتَّى يُسَمُّوا النَّبَاتَ سَمَاءً»(6).

وما ذُكرَ يَدلُّ على أنَّ كلمةَ سماءٍ تطلقُ على السَّماءِ المعروفةِ، ثمَّ كثُر حتَّى سُمِّيَ المطرُ سماءً، وتقول العرب: ما زِلْنا نطأُ السَّماءَ حتَّى أتيناكُم، أي: مواقع الغيثِ(7)،

ص: 210


1- ينظر: دلالة الألفاظ: 154
2- لسان العرب (بنى): 14 / 97
3- العين (سمو): 7 / 318
4- لسان العرب (بنى): 14 / 97
5- ينظر: التهذيب (سما): 13 / 79، والصحاح (سما): 6 / 2382
6- المقاييس (سمو): 3 / 98
7- ينظر: المزهر: 1 / 334

وبهذا نستطيعُ أنْ نقولَ: إنَّ السَّماءَ اسمٌ خاصٌّ (السَّماء المعروفة) ثُمَّ عُمِّمَ بكلِّ ما أظلَّ وارتفع، فاستَعْمَلَ الإمامُ (عليه السَّلام) كلمةَ السَّماءِ وكانَ يريدُ بها السَّحابَ، وهو ما يُسمَّى (تعميم الدَّلالةِ).

ورويَ الحديثُ في شرحِ نهج البلاغةِ باختلافِ كلمةِ (السَّماء)، إذ وردتْ بدلها كلمةُ (السَّحاب)، ونصُّهُ (فلمَّا ألقَتِ السَّحَابُ بركَ بَوانِيهَا. . .)(1).

قالَ الخوئيّ في بيانِ معنَى الحديثِ: «استعارَ (عليه السَّلام) لفظَ البركِ والبوانِی للسَّحابِ واسندَ إليهِ الإلقاءَ تَشبيهًا لهَا بالجَمَلِ الَّذي أثقلَهُ الحمْلُ فَرمَى بِصدرِه الأرضَ، أو بالخيمَةِ الَّتي جُرَّ عمُودُهَا»(2).

ومن أمثلةِ التَّعميمِ أيضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى لفظةِ (احمرَّ): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ تَعَالَی وجْهَهُ) أَنَّه قَالَ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقينا بِرَسُولِ اللَّهِ، (صَلىَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، أَيْ: إِذا اشْتَدَّتِ الحَرْبُ اسْتَقْبَلْنَا العَدُوَّ بِرَسُولِ اللَّهِ (صَلىَّ اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) وجَعَلْنَاهُ لَنَا وِقَايَةً»(3).

وردَتْ في الحَدِيثِ كلمةُ (البأس)، ومعناها في اللُّغةِ الحربُ(4)، وقالَ ابنُ دريد:

«والبأسُ: الحَرْبُ، ثُمَّ كثُرَ حتَّى قِيلَ: لَا بَأْسَ عَلَيكَ، أَيْ: لَا خوفَ عَلَيكَ»(5)، ومن

ص: 211


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6 / 438
2- منهاج البراعةِ في شرحِ نهج البلاغةِ: 7 / 14
3- لسان العرب (حمر): 4 / 210
4- ينظر: العين (بأس): 7 / 316
5- الجمهرة (بأس): 2 / 1022

معاني البأسِ العذابُ(1)، وهذا يعني أنَّ المعنى الخاصَّ لكلمةِ البأسِ الحربُ، ثُمَّ كثُرَ استعمَالُهُ فاكتسبَ عمومَ المعنى بعدَ أنْ كانَ خاصًّا، فصارَ يدلُّ على الشِّدَّةِ في كُلِّ شَأنٍ(2).

الحديثُ وردَ في نهجِ البلاغةِ، قالَ الشَّارحُ التُّستريّ: «وقوله (عليه السَّلام): إذا احمرَّ البأسُ كنايةٌ عن اشتدادِ الأمرِ والحربِ، ولا ريبَ في أنَّ المرادَ ذلك، ولكن اخْتُلِفَ في وجهِ الدَّلالةِ، (وقد قِيلَ في ذلك)، أي: في وجهِ الكنايةِ»(3).

ومنه أيضًا، قَولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (الحَارِقَة): «قَالَ عَلِیٌّ، (رَضِیَ اللهُ عَنْهُ): مَا صَبَر عَلَى الحارِقةِ إِلَّا أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ؛ هَذَا قَولُ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَه:

وعِنْدِي أَنَّ الحَارِقَةَ في حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ) هَذَا إِنَّمَا هُو اسْمٌ لِهَذَا الضَّرْب مِنَ الجِمَاعِ»(4).

جاءَت في الحديثِ كلمة (صَبَر) وتعني في اللُّغة حَبَسَ، «وأصلُ الصَّبْرِ الحَبْسُ، وكلُّ من حَبَس شَيْئا فقد صبَرَه»(5). وجاءَ في الصِّحاحِ، «الصَّبْرُ: حَبسُ النَّفسِ عن الجَزعِ. وقد صَبَر فلانٌ عند المَصيبة يَصْبِرُ صَبْرًا. وصَبَرْتُهُ أنا: حَبسْته»(6)، ومن معاني الصَّبرِ الصَّومُ، إذ وردَ أنَّ شَهْرَ الصَّبْرِ هُو شَهْرُ رَمَضَانَ، وأَصْلُ الصَّبْر: الحَبْسُ، فسُمِّي

ص: 212


1- ينظر: ديوان الأدب: 4 / 144، والصحاح (بأس): 3 / 906، والقاموس المحيط (بأس): 530
2- ينظر: مبادئ اللسانيات: 394
3- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 2 / 379
4- لسان العرب (حرق): 10 / 46
5- التهذيب (صبر): 12 / 121
6- الصحاح (صبر): 2 / 706، وينظر: المقاييس (صبر): 3 / 329، والمحيط الأعظم (صبر): 8 / 312

الصَّومُ صَبْرًا لِمَا فِيهِ مِن حَبْسِ النَّفسِ عَنِ الطَّعَامِ والشَّابِ والنِّكاحِ(1)، ومن معاني الصَّبْرِ أيضًا «ترك الشَّكوى من ألمِ البلوى لغيرِ اللهِ لا إلى اللهِ»(2).

ويتبيَّنُ لنا أنَّ للصَّبرِ معنًى خاصًّا هو الحبسُ، ثُمَّ توسَّعتْ دلالتُهُ فصارَ يطلقُ على معانٍ أخرى، وقد ذكره السُّيُوطيّ ضمنَ ما وضِع في الأصلِ خاصًّا ثمَّ استُعمِلَ عامًّا فقالَ: «والصَّبرُ: الحبسُ ثم قَالوا: قُتل فلانٌ صبرًا، أي: حُبس حتَّى قُتل»(3).

والحديثُ لم يروَ في نهجِ البلاغةِ، وإنَّمَّا رواه ابنُ سيده(4)، ثُمَّ نقلَهُ ابنُ منظور في اللِّسانِ(5).

ومنه أيضًا، قَولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (رُوَّاد): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (عليه السَّلام) في صِفَةِ الصَّحَابَةِ، (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجمعين): يَدْخُلُونَ رُوَّادًا ويَخَرُجُونَ أَدلَّةً، أَي: يَدْخُلُونَ طَالِبِينَ لِلعِلمِ مُلْتَمِسِينَ لِلحِلمِ مِنْ عِندِهِ ويَخْرُجُونَ أَدلَّةً هُداةً لِلنَّاسِ»(6).

في الحديثِ كلمةُ (رُوَّاد) وهي جمعُ رائدٍ، وتعني في اللُّغةِ المبَعُوث الَّذي يَرُودُ الكَلأَ

ص: 213


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (صبر): 3 / 7
2- التعريفات: 131
3- المزهر: 1 / 335
4- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم (حرق): 2 / 575
5- ينظر: لسان العرب (حرق): 10 / 46
6- لسان العرب (رود): 3 / 187

والمَنزِلَ(1)، قالَ ابنُ فارس: «والرَّوْدُ: فِعْلُ الرَّائِدِ. يُقَالُ: بَعَثْنَا رَائِدًا يَرُودُ الكَلَأَ، أَيْ: يَنْظُرُ ويَطْلُبُ»(2)، وجاءَ في تاجِ العروسِ، الرَّوْدُ: الطَّلَبُ، والرَّوْدُ: الذَّهَابُ والمَجيءُ(3).

وبهذا يمكنُ القولُ: إنَّ كلمة (الرَّائِد) من الألفاظِ الَّتي اكتسبتِ التَّعميمَ، إذ كانَت تُطلقُ على الرَّجُلِ الَّذي يطلبُ الكلأَ، ثُمَّ توسَّعَ معناها فصارَ كلُّ طالبِ حاجةٍ رائدًا، فَيطلق على الَّذي يطلبُ شيئًا مع التَّقدُّمِ والسَّبقِ، والرَّائد الَّذي يقود مركبةً فضائيَّةً، والرَّائدُ الَّذي يتقدَّمُ شعبهُ في المسیرةِ نحو أهدافه(4).

وقد رُويَ الحديثُ في شرحِ النَّهجِ بالشَّكلِ الآتي: «يدخلونَ روَّادًا، ولا يفترقونَ إلَّ عن ذواقٍ، ويخرجون أدلَّة»(5)، ومعنى الحديثِ، «رُوَّاد: جمع الرَّائد: وهو الَّذي يُقدِّمُهُ أصحَابُهُ ليُهيِّئ لهم مكانًا صالحًا لنزولِهم فيه، وكافيًا لمَا يحتاجون إليه. وقوله:

(ولا يفترقونَ إلَّا عن ذواقٍ)، أي: لا يفترقُ القادمونَ عليه (صلىَّ الله عليه وآله) عنه إلَّا بعد إذاقته (صلىَّ الله عليه وآله) إيَّاهم شيئًا من المَكارمِ ومعالي الأخلاق، والأدِلَّةُ:

جمعُ دليلٍ، أي: كان أصحابُهُ (صلىَّ الله عليه وآله) يدخلونَ عليه طالبينَ للخصبِ مُتفقِّدينَ لما يتمتَّعونَ به في الدِّينِ والدُّنيا، فيخرجونَ من عنده بالفوزِ والنَّجاحِ وهم الأدلَّاء (لمن وراءهم من قومِهم) إلى المراتعِ الخصبةِ والمَناهلِ العذبةِ»(6).

ص: 214


1- ينظر: العين (رود): 8 / 63، والتهذيب (رود): 14 / 113
2- المقاييس (رود): 2 / 457
3- ينظر: تاج العروس (رود): 8 / 121
4- ينظر: المزهر: 1 / 335، ومبادئ اللسانيات: 395
5- بهج الصباغةِ في شرح نهج البلاغة: 2 / 189
6- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 1 / 100

ثَالِثًا: انتقالُ مجرى الدَّلالةِ (المَجاز)

هو الشَّكلُ الثَّالثُ من أشكالِ التَّغیُّرِ الدَّلاليّ، وقدْ أدركَه علماءُ اللُّغةِ الأوائلُ، وأشاروا إليه في طائفةٍ من كتبِهم، ومنهم ابنُ جنِّيّ، فقد أجازَ تعمُّد نقلِ الدَّلالاتِ اللُّغويَّةِ إمَّا بتحويلِ الألفاظِ عن معانيها، أو بتحويلِ المعاني عن الألفاظِ فقال: «ثمَّ لك من بعد أنْ تَنقلَ هذه المواضعة إلى غيرِها فتقول: الَّذي اسمه إنسانٌ فليُجْعَل مكانه مَزْد، والَّذي اسمه رأسٌ فليُجْعِل مكانه سَر، وعلى هذا بقيةُ الكلامِ»(1)، وهو يعلِّل ظاهرة (إيراد المعنى المُراد بغير اللَّفظ المُعتاد) بطواعيةِ اللُّغةِ، وذلكَ أنَّ المجازَ «موضعٌ قد استعملَه العربُ واتَّبَعتْها فيه العلماء، والسَّببُ في هذا الاتِّساعِ أنَّ المعنى المرادُ مفادٌ من الموضعينِ جميعًا، فلمَّا آذنا به وأدَّيا إليه، سامحوا أنفسَهم في العبارةِ عنه؛ إذ المعاني عندهم أشرفُ من الألفاظِ»(2).

ومنهم أيضًا، الثَّعالبيُّ (ت 429 ه) إذ عقدَ في كتابهِ بابًا أسماه الكناية عمَّا يُستَقْبح ذكره بما يُسْتَحسنُ لفظُهُ، وعدَّ ذلك من سننِ العربِ(3).

أمَّا المحدثونَ؛ فتناولوه في كتبهم بالدِّراسةِ وقالوا: هو نقلُ المعنى أو تغیُّرُ مجالِ الاستعمالِ، ويحدثُ فيه انتقالُ دَلالةِ اللَّفظِ من مَجالٍ دلاليٍّ إلى مجالٍ دلاليٍّ آخر، ولكنْ ليسَ على وجهِ التَّخصيصِ أو التَّعميمِ، وإنَّما يكونُ المعنى الجديدُ مُسَاويًا للمعنى القديمِ(4).

ص: 215


1- الخصائص: 1 / 45
2- الخصائص: 2 / 468
3- ينظر: فقه اللغة وسّر العربيّة، للثعالبي: 276
4- ينظر: دلالة الألفاظ: 160، وعلم الدلالة، أحمد مختار عمر: 247

ويرى الدُّكتورُ فايزُ الدَّاية، أنّ هذا النَّوع من التَّغیُّر الدَّلاليّ يختلفُ عن سابقيه (التَّخصيص والتَّعميم) فاللَّفظُ فيه «يتَّخذُ سبيلًا يجتازُ فيه ما بينَ نقطةِ تداولِهِ ومعناهُ الأوَّل إلى نقطةٍ أخرى يجري استعماله فيها، ولا يشترطُ التَّقفية إليه على آثارِ المرحلةِ الأولى، بل يقومُ احتمال تعايشِ الدَّلالتينِ إلى جانب احتمالِ طُغيانِ الدَّلالة المتطوِّرة عن سابقتِها»(1).

ويرى الدُّكتور فريدُ عوض أنَّ هذا الشَّكلَ من التَّغیُّر الدَّلاليّ يعتمدُ على وجودِ علاقةٍ مجازيَّةٍ، إمَّا عن طريقِ الاستعارةِ، أي: استعمالِ الكلمةِ في غيرِ معناها الأصليّ؛ لوجودِ علاقةِ مشابهةٍ بين المعنيين، وإمَّا عن طريقِ المَجازِ المُرسلِ، أي: انتقالِ المعنى لعلاقةٍ غيرِ المُشابهة(2).

ومن الألفاظ الَّتي جاءت في المرويَّات، وفيها ظاهرة (الانتقال) قول ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (رِمَام): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ)، يَذُمُّ الدُّنْيَا: وأَسْبَابُها رِمامٌ، أَي: بَالِيَةٌ، وهِيَ بِالكَسْرِ جَمْعُ رُمَّةٍ، بِالضَّمِّ، وهِيَ قِطْعَةُ حَبْلٍ بَالِيَةٌ»(3).

وردتْ في حديث الإمامِ، (عليه السَّلام) كلمة (أسْبَاب) وتعني في اللُّغةِ الحبال، قالَ ابنُ دريد: «السَّبَبُ: الحَبلُ أَو الخَيطُ، والجمعُ أَسبَابٌ. وبيني وبَين فلَان سَبَب، أَي: حَبلٌ يُوصَلُ»(4)، وجاءَ في التَّهذيبِ، «وقَالَ شِمْر: قَالَ أَبُو عُبَيدة: السَّبَبُ: كلُّ

ص: 216


1- علم الدلالة العربي، فايز الدّاية: 314 - 315
2- ينظر: علم الدلالة، فريد عوض: 79
3- لسان العرب (رمم): 12 / 252
4- الجمهرة (سبب): 2 / 1000

حَبْلٍ حَدَرْته من فَوْق»(1)، وجُمِعَتْ للسَّببِ عدَّةُ معانٍ في الصِّحاحِ، قالَ الجوهريُّ:

«السَّببُ: الحَبْلُ. والسَّببُ أيضًا: كلُّ شيء يُتَوَصَّلُ بِه إلى غيرِه. والسَّبَبُ اعْتِلاقُ قَرابَةٍ.

وأسبابُ السَّماءِ: نواحيها. . . واللهُ مُسَبِّبُ الأسبابِ»(2)، وقد يُرادُ بهِ المَودَّةُ، كمَا جاءَ في تاجِ العروسِ، «(وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ(3)، أَي: الوُصَلُ والمَوَدَّاتُ، قَالَه ابْنُ عَبَّاس.

وقَالَ أَبُو زَيْد: الأَسْبَابُ: المَنَازِلُ»(4).

وقد انتقلتْ لفظةُ (أسْبَاب) في حديثِ الإمامِ عليٍّ، (عليه السَّلام) من مجالِها الحسِّیّ (الحِبَال) إلى مجالٍ معنويٍّ، إذ إنَّ الحَبلَ شيءٌ مادِّيّ أو حسِّیّ، وأسبابُ الدُّنيا معنويَّة، والسَّببُ في أصلِهِ اللُّغويّ: الحَبلُ، فَجعلَ للدُّنيا حبالً، ووصفَ تلك الحِبالَ بالرِّمَامِ (البالية)، فانتقلَ مجرى الدَّلالةِ من دون زيادةٍ أو نقصانٍ بينَ المعنيينِ.

ومعنَى الحديثِ كما جَاءَ في شَرحِ نهج البلاغةِ، «وأسبابُها رِمَامٌ، أي: حِبالُهَا حِبالٌ بَاليةٌ»(5).

ومنهُ أيضًا، قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (هَجَم): «هَجَم عَلَی القَومِ يَهْجُمُ هُجُومًا: انْتَهَى إِليهم بَغْتةً ... واسْتَعَارَهُ عليٌّ، (كرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ) للعِلمِ فَقَالَ: هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَى حَقَائِقِ الأُمُورِ فباشَرُوا رَوْحَ اليَقِينَ. وهَجَمَ عَلَيهِم: دَخَلَ، وقِيلَ:

ص: 217


1- التهذيب (سبّ): 12 / 220
2- الصحاح (سبب): 1 / 145، وينظر: الكليات: 503
3- البقرة: 166
4- تاج العروس (سبب): 3 / 39
5- بهج الصباغة في شرح نمهج البلاغة: 11 / 461

دَخَلَ بِغَیرِ إِذنٍ»(1).

وردتْ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةُ (هَجَمَ) وتعني في اللُّغةِ الدُّخول، قالَ ابنُ دريد: «هَجَمَ، وهَجَمْتَ على القَوْمِ، إِذا دخلتَ عَلَيْهِم»(2)، وجاءَ في كتابِ الزَّاهرِ، في تفسیرِ قولِم: (قد هَجَمَ اللّصُّ على القومِ) معناه، قد دخلَ عليهم(3)، ويأتي الفعلُ هجمَ لازمًا، ومتعدِّيًا، قالَ الجوهريّ: «هَجَمْتُ على الشيَّءِ بغتةً أهْجُمُ هُجومًا، وهَجَمْتُ غیرِی، يتعدَّى ولا يتعدَّى. وهَجَمَ الشِّتاءُ: دخل. وهَجَمَتْ عينُهُ، أي: غارتْ»(4).

ونستطيعُ أنْ نقولَ: إنَّ المعنى المركزيّ ل (هَجَمَ) الدُّخول، ثُمَّ يخرجُ لمعانٍ أخرى، قالَ ابنُ فارس: «الهَاءُ والجِيمُ والمِيمُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ واحِدٌ يَدُلُّ عَلىَ ورُودِ شَیْءٍ بَغْتَةً، ثُمَّ يُقَاسُ عَلىَ ذَلِكَ. يُقَالُ: هَجَمْتُ عَلىَ القَوْمِ بَغْتَةً أَهْجُمُ هُجُومًا، ورِيحٌ هَجُومٌ:

شَدِيدَةٌ تُقَطِّعُ البُيُوتَ. وهَجْمَةُ الشِّتَاءِ: شِدَّةُ بَرْدِهِ، وهو مِنْ ذَلِكَ القِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَهْجُمُ، وهَجْمَةُ الصَّيْفِ: شِدَّةُ حَرِّهِ. والهَجْمُ: القَدَحُ الكَبِيرُ»(5)، كلُّ هذه المعاني تقاسُ على معنَى الدُّخول.

أمَّا كلمة (هَجَمَ) في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام)؛ فهي تعنِي الدُّخول علَ سَبيلِ الاستعارةِ، إذ نُقِلَتِ اللَّفظةُ من المَجالِ الحسِّیّ للهجومِ (الدُّخول) إلى المجالِ المعنويّ،

ص: 218


1- لسان العرب (هجم): 12 / 600
2- الجمهرة (هجم): 1 / 496
3- ينظر: الزاهر: 1 / 448
4- الصحاح (هجم): 5 / 2055
5- المقاييس (هجم): 6 / 37

فالعِلْمُ لم يكنْ مادِّيًّا ليدخلَ عليهم، فأتى بالمعنيينِ مُتساويينِ بلا زيادةٍ.

وفي الحديثِ انتقالٌ آخر للدَّلالةِ في لفظةِ (فباشَرُوا)، ومعنى باشرَ في اللُّغةِ لامسَ، ومُباشَرَةُ الأَمرِ: أَنْ تَحْضُرَهُ بِنَفْسِكَ، وتَلِيَه بِها(1). فَاسْتَعَارَهُ الإمامُ، (عليه السَّلام) لِرَوحِ اليَقِينِ؛ لأَنَّ رَوحَ اليَقِينِ عَرَضٌ، وبيِّنٌ أَنَّ العَرَضَ لَيْسَتْ لَهُ بَشَرَةٌ(2)، فحصلَ الانتقالُ من المَحسوسِ (المادِّيّ) إلى المجرَّدِ (المعنويّ) من دون زيادةٍ تُذكَر.

وفيهِ انتقالٌ آخر، هو في لفظةِ (رَوْح) ومعنى الرَّوْح في اللُّغةِ هو ما يدخلُ على النَّفسِ من السُّرورِ والفرحِ؛ لاسْتِرَاحَةِ القلبِ من الغمِّ(3)، فاستعارَهُ الإمامُ عَلیٌّ، (عليه السَّلام) لليقينِ فَقَالَ: (فباشَرُوا رَوْحَ اليَقِين. . .) وأَرَادَ الفرحةَ والسُّرُور اللَّذين يحدثانِ من اليَقِين(4)، فكانَ الانتقالُ للدَّلالةِ من المجرِّدِ إلى المَحسوسِ؛ لأنَّ الفرحَ والسُّرُورَ لا يُحدثُهما إلَّا المادِّيّ، واليقينُ لم يكن مادِّيًّا، فأنزلَهُ الإمامُ منزلة المَادِّيّ، ونسبَ إليهِ سببَ الفرحِ والسُّرُورِ، فحصلَ انتقالُ المعنى دونَ زيادةٍ أو نقصانٍ.

الحديثُ وردَ في شرحِ نهجِ البلاغةِ، إذ وصَفَ الإمامُ (عليه السَّلام) العلماءَ بصفاتٍ حميدةٍ، وخِصالٍ حسَنَةٍ، قالَ ابنُ أبي الحديد: «إنَّ العلمَ هَجَمَ بِم على حقيقةِ الأمرِ، وانكشفَ لهم المَستورُ المُغطَّى، وباشَرُوا راحةَ اليقينِ، وبردَ القلبِ وثلجَ العلمِ، واستلانوا ما شَقَّ على المُترفينَ من النَّاسِ، ووعرَ عليهم، نحو التَّوحّد ورفض

ص: 219


1- ينظر: التهذيب (بشر): 11 / 245، وتاج العروس (بشر): 10 / 192
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم (يَشَ): 8 / 58
3- ينظر: التهذيب (روح): 5 / 139، والمحكم والمحيط الأعظم (روح): 3 / 509
4- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم (روح): 3 / 509

الشَّهواتِ، وخشونة العيشةِ»(1).

ومنه أيضًا قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (سَعْر): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ) يَحُثُّ أَصحابه: اضْرِبُوا هَبْرًا وارْموا سَعْرًا، أَيْ: رَمْيًا سَرِيعًا، شَبَّهَهُ بِاسْتِعَارِ النَّارِ»(2).

وردتْ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةُ (سَعْرًا) وتعني في اللُّغةِ الاشتعالَ، قالَ الأزهريّ: «يُقَال: سَعَرْتُ النَّارَ أسْعَرُهَا سَعْرًا إِذا أوقدتُها، وهِي مَسعُورة»(3)، وقالَ ابنُ فارس: «السِّينُ والعَينُ والرَّاءُ أَصْلٌ واحِدٌ يَدُلُّ عَلَی اشْتِعَالِ [الشَّیْءِ] واتِّقَادِهِ وارْتِفَاعِهِ. مِن ذَلِكَ السَّعِيرُ: سَعِيرُ النَّارِ. واسْتَعَارُهَا: تَوَقُّدُهَا»(4).

في الحديثِ انتقالٌ للدَّلالةِ في لفظةِ (سَعْر)، إذ جاءَ بها الإمامُ على سبيل التَّشبيه، أيْ: تُطلقُ لفظةُ (سَعْر) على اشتعالِ النَّارِ وإيقادها، فأخذه الإمامُ، (عليه السَّلام) ليأمرهم بأنْ يكونَ رميهم سريعًا شبيهًا باستعارِ النَّارِ، فتصبح ساحةُ الحربِ على الأعداءِ نارًا.

ولم يردِ الحديث في نهجِ البلاغَةِ، وإنَّما ذكره ابنُ الأثيرِ في النِّهاية(5).

ومنه أيضًا قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (ضَفَّة): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ (كَرَّمَ

ص: 220


1- شرح نهج البلاغة: 18 / 347
2- لسان العرب (سعر): 4 / 365
3- التهذيب (سعر): 2 / 53
4- المقاييس (سعرَ): 3 / 75
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (سعر): 2 / 368

اللُّهَ وجهَه): فيَقِف ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، أَي: جَانِبَيْهَا؛ الضَّفَّةُ، بِالكَسرِ والفَتحِ: جانِبُ النَّهرِ فَاستَعَارَهُ للجَفْن»(1).

وردتْ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةُ (ضَفَّتَيْ) وتعني في اللُّغةِ جانبي، قالَ الأزهريّ: «الضَّفَّةُ، والضِّفَّة لُغَتَانِ، وهما: جَانبا النَّهر اللَّذَان يَقع عَلَيهَا النَّبائِتُ، والجميع الضَّفَات، والضِّفَّات»(2)، وفرَّقَ الجوهريُّ بينَ الضِّفَّةِ بكسرِ الضَّاد، والضَّفَّة بفتحِها، إذ خَصَّ «الضِّفَّة بالكسرِ: جانب النَّهر. وضفَّتاه: جَانِباه»(3)، إذ جعلَ الضِّفَّة بكسرِ الضَّادِ لجانبِ النَّهرِ خاصَّةً، أمَّا باقي المعاني؛ فتَكون بفتحِ الضَّادِ (الضَّفَّة)، ومن معانيها مفتوحة الضَّاد ازدحامُ النَّاس على المَاء(4).

أمَّا كلمة (ضَفَّتَي) في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام)؛ فتعنِي جَانبي على سَبيلِ الاستعارةِ، إذ جعلَ للجفونِ ضَفَّتَينِ (جانبينِ) يقفُ عندهما الدَّمعُ، كما يقفُ الماءُ عند جانبي النَّهرِ، فنقلَ الإمامُ، (عليه السَّلام) معنى الضِّفَّة وهو جانبُ النَّهر إلى معنًى آخر، هو ضِفَّةُ الجُفُونِ، فكانَ النَّقلُ من الجانبِ الحسِّیّ إلى الجانبِ الحسِّیّ أيضًا.

ومعنى الحديث كام جَاءَ في شرحِ نهجِ البلاغةِ أنَّ الإمامَ كانَ يصفُ الطَّاووسَ، ويردُّ على من ادَّعى أنَّه يلقِّحُ أنثاه بدمعةٍ يَسفَحُها، فقالَ (عليه السَّلام): (ضَفَّتَى جُفُونِه) أراد جانبي جفونِهِ، والضَّفَّتانِ: الجانبانِ(5).

ص: 221


1- لسان العرب (ضفف): 9 / 207
2- التهذيب (ضفف): 1 / 323
3- الصحاح (ضفف): 4 / 1391
4- ينظر: المصدر نفسه (ضفف): الجزء والصحيفة أنفسهما
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 9 / 279

ومنهُ أيضًا قولُ ابنِ منْظور في بيانِ معنى كلمةِ (يَزْكُو): «وفي حَدِيثِ عَلِیٍّ، (كَرَّمَ اللُّهَ وجْهَهُ): المالُ تنقُصُهُ النَّفقَةُ والعِلمُ يَزْكُو عَلىَ الإِنْفَاقِ، فَاسْتَعَارَ لَهُ الزَّكاءَ، وإِنْ لَم يَكُ ذَا جِرْمٍ، وقَد زَكَّاه اللهُ وأَزْكَاه. والزَّكَاء: مَا أَخرجَه اللهُ مِنَ الثَّمَرِ»(1).

وردتْ في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) كلمةُ (يَزْكُو) وتعني في اللُّغةِ يَنمو، ويَكْثُرُ، قالَ الجوهريُّ: «وزَكا الزَّرعُ يَزْكو زَكاءً ممْدودًا، أي: نَما»(2)، ومن معاني الزَّكاءِ الطَّهارةُ، قالَ ابنُ فارس: «الزَّاءُ والكَافُ والحَرْفُ المُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی نَمَاءٍ وزِيَادَةٍ، ويُقَالُ الطَّهَارَةُ زَكَاةُ المَالِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مِمَّا يُرْجَى بِهِ زَكَاءُ المَالِ، وهُو زِيَادَتُهُ ونَمَاؤُهُ»(3)، ونستطيعُ أنْ نقولَ: إنَّه «كلُّ شيءٍ يَزْدادُ ويَسْمَنُ، فَهُو يَزْكُو زَكاءً»(4).

أمَّا كلمةُ (يَزْكُو) في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام)؛ فهي تعنِي يَنمو ويزْدادُ؛ بقرينةِ ذكرِ المالِ وما يُنقصُهُ، ولمَّا كانَ الزَّكاءُ بمعنى النُّمو والزِّيادةِ، فلا بُدَّ لهذا المعنى من جسمٍ ذي جرمٍ؛ لينموَ ويزداد، وما وصفهُ الإمامُ، (عليه السَّلام) - العلم - ممَّا لا جرْمَ لَهُ؛ لذا استعارَ لفظةَ (يَزْكُو) لينقلَ معناها من المحسوسِ إلى المُجرَّدِ على سبيلِ الاستعارةِ، دونَ زيادةٍ أو نقصانٍ بينَ المعنيينِ.

ومعنى الحديثِ كما وردَ في شرحِ نهجِ البلاغةِ، «المالُ تنقصُهُ النَّفقَةُ والعلمُ يَزكو، أي: يَنمو على الإنفاقِ... وكلُّ شيءٍ يعزُّ إذا نزرَ مَا خَلا العِلم فإنَّهُ يَعزُّ إذا غَزرَ»(5).

ص: 222


1- لسان الرب (زكا): 13 / 358
2- الصحاح (زكا): 6 / 3368
3- المقاييس (زكى): 3 / 17
4- تاج العروس (زكا): 38 / 220
5- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 6 / 256

الخاتِمة

ص: 223

ص: 224

الخاتِمة

لقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى على الباحثِ بالتَّوفيقِ والعونِ، فأتمَّ هذا الجهدَ المُتواضعَ، الَّذي حوى مادَّةً تتضمَّنُ الوقوف على مرويَّاتِ الإمامِ (عليه السّلام) وإظهار بعض ما كمن من دلالاتها، أمَّا إظهارُ جميعِ دلالاتِها؛ فهذا أمرٌ خارجٌ عن قدرةِ البَاحثِ ومقتضی عقلِهِ القاصرِ.

ومن جملةِ الأمورِ الَّتي توصَّلَ إليها الباحثُ وأكَّدَها في بحثِهِ ما يأتي:

1. كثرةُ الشَّواهدِ المنسوبةِ إلى الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) في معجم لسان العرب، فقد بلغت نحو (850) شاهدًا، ممَّا يدلُّ على اهتمامِ ابنِ منظور بمرويَّاتِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام) في معالجاتِهِ لمادَّةِ المعجمِ.

2. نقلَ ابنُ منظور مرويَّاتِ الإمامِ (عليه السَّلام) من المصادرِ الَّتي استقى منها مادَّة معجمِهِ، ولم يترك مرويَّةً إلَّ وذكرها، إذ ينقلُ المادَّةَ من المعجمِ الأصلِ مع ما استشهد به من المرويَّات دونَ أيِّ تغيیرٍ يُذكَرُ.

3. عند التَّدقيقِ في سندِ المرويَّات الَّتي جاءَ بها ابنُ منظور، لا نجدُ روايةً خارجةً عن الأصولِ الخمسةِ الَّتي أخذَ عنها، ممَّا يوضِّحُ لنا أنَّ ابن منظور لا منهجيَّةَ له في وضعِ المرويَّاتِ من جهةِ الاستشهادِ، فهو ينقلُ فحسب، وكذلك يدلّ على أمانته في النقل.

ص: 225

4. اعتمدَ أصحابُ المُعجماتِ على مرويَّاتِ الإمامِ، (عليه السَّلام) في تصحيحِ بعضِ الكلماتِ الَّتي كانَ العربُ يستعملونَها بطريقةٍ خاطئةٍ، إذ استدلَّوا بكلماتِهِ في إصلاحِ ذلك، كما نجدُ في الصِّحاحِ عندما يصحِّح الجوهريّ معنى العادياتِ من الخيلِ إلى الإبلِ اعتمادًا على ما دارَ بين الإمامِ وابنِ عبَّاس في بيانِ معناها.

5. أدخلَ كلامُ الإمامِ (عليه السَّلام) ألفاظًا جديدةً في المعجمِ العربيّ، ممَّا أدَّى إلى ثراءِ مادَّةِ المعجمِ وألفاظه، ومنها لفظةُ قَوْصَّرَة، ولفظةُ قَالُونْ، ولفظةُ المُخَيِّس....

وغيرها.

6. لم يقتصرْ ابنُ منظور على نقلِ المعنى اللَّفظيّ المُستشهد به فحسب، وإنَّما تعدَّاه لنقلِ أمورٍ أخرى، مثل نقلِ بعضِ القراءاتِ القرآنيَّةِ المرويَّةِ عن أمیرِ المؤمنينَ عليٍّ، (عليه السلَّام)، أو تفسیر غريبٍ لآيةٍ معيَّنةٍ، كما اشتملَ على أمثالٍ تَمثَّلَ بها الإمامُ، أو كانت من إنشائه، أو نَقْل أحداثٍ تاريخيَّةٍ حدثتْ في عهدِه؛ ممَّا جعل معجمه موسوعيًّا.

7. توصَّلَ الباحثُ من دراستِهِ لمرويَّاتِ الإمامِ، (عليه السَّلام) إلى أنَّ الإمامَ كان دقيقًا باختيارِ ألفاظِهِ، فقد كانَ يتوخَّى اختيار الألفاظِ ذاتِ الجرسِ الموحي، الَّتي تُحقِّقُ جوًّا إيحائيًّا ينسجمُ مع الحدثِ أو الموضوعِ الَّذي يُصوِّرُهُ، وكذلكَ فقد يُؤثِرُ الإمامُ بعضَ الأبنيةِ على بعضٍ، لما فيها من دلالةٍ إيحائيَّةٍ تقوِّي المعنى وتعضّدُهُ.

8. توصَّلَ الباحثُ من دراستِهِ للمرويَّاتِ إلى أنَّ بعضَ المباني الصَّرفيَّةِ تحملُ دلالاتٍ جديدةً في الصرَّفِ، مثل اسم الفاعلِ كما يدلُّ على التَّجدُّدِ والحدوثِ، ويدلُّ كذلك على الثُّبوتِ، فدلالتُهُ على التَّجدُّدِ والحدوثِ تميِّزه من الصَّفةِ المشبَّهةِ الَّتي تدلُّ على الثُّبوتِ، ودلالته على الثُّبوتِ تميِّزه من الفعلِ المضارعِ الَّذي يدلُّ على التَّجدُّد والحدوثِ، فهو يقع وسطًا بين الفعلِ المضارع والصِّفة المشبَّهة، وتتحدَّد دلالة اسمِ

ص: 226

الفاعلِ على الثُّبوتِ أو التَّجدُّدِ والحدوثِ من السِّياقِ الَّذي وردتْ فيه اللَّفظةُ.

9. إنَّ أبنيةَ الصِّفةِ المشبَّهةِ ليست على درجةٍ واحدةٍ من الثُّبوتِ، بل هي أقسامٌ فمنها ما يفيدُ الثُّبوت والاستمرار، ومنها ما هو دونَ ذلك، ومنها ما يدلُّ على الأعراضِ، أي: عدمِ الثُّبوتِ، مثل ما دلَّ على لونٍ أو مرضٍ.

01. توصَّل الباحثُ إلى أنّ اسمَ التَّفضيلِ کما يدلُّ على الثُّبوتِ والاستمرارِ يدلُّ كذلك على التَّجدُّدِ والتَّفاوتِ بين الفاضلِ والمفضَّل عليه، فالتَّفاوت يوحي بوجودِ تجدُّدٍ في اسمِ التَّفضيلِ.

11. إنَّ الدَّلالةَ السِّياقيَّةَ ركنٌ أساسيٌّ في معرفةِ كلامِ الإمامِ، (عليه السَّلام)؛ إذ إنَّ كثیرًا من كلماتِهِ لا يُفهمُ معناها إلَّا من السِّياقِ الواردة فيه، لذا وجبَ على من أرادَ إدراكَ ما يقصدُ الإمامُ أنْ تكونَ لديه معرفة بالتَّحليلِ الدَّلاليّ والنَّظريَّة السِّياقيّة.

21. يكثرُ في المرويَّاتِ السِّياق اللّغويّ، ثُمَّ سياق الموقفِ، ويقلُّ السِّياق العاطفيّ، أمَّا السِّياقُ الثَّقافيّ؛ فشبه معدوم.

31. الترَّادفُ من الظَّواهرِ الدِّلاليَّةِ الَّتي لا يمكنُ إنكارها، وقد وردت في المرويَّاتِ على سبيلِ التَّقاربِ الدِّلاليّ، إذ لم أجدْ فيها ترادفًا تامًّا، ولا يمكنُ أنْ نضعَ لفظةً مكان أخرى وإن ترادفتْ، فاللَّفظةُ الأصليَّةُ متوازنةٌ مع السِّياقِ، واستبدال غيرها بها يخلُّ بالمعنى. ونجدُ الإمامَ، (عليه السَّلام) في خُطَبِهِ قد يجمعُ المُترادفتينِ في السِّياقِ نفسِهِ، وإنْ لم يأتِ شاهدٌ في المرويَّاتِ على ذلكَ، إلَّ أنَّه موجودٌ في نهجِ البلاغةِ، وقد تمَّت الإشارة إلى ذلك في البحثِ.

41. ظاهرةُ الأضدادِ، وُجدتْ في المرويَّاتِ ولكنَّها قليلةٌ، وبألفاظٍ يمكنُ تخريجها

ص: 227

على سبيلِ المجازِ أو اختلافِ اللَّهجاتِ العربيَّةِ.

51. التَّغیُّرُ الدَّلاليّ من الأمورِ المهمَّة في اللُّغةِ العربيَّةِ، الَّتي يجبُ على الباحثِ في دلالةِ الألفاظِ أنْ يكونَ محيطًا بها؛ لكي لا يحصلَ لديهِ لبسٌ في تحديدِ المعاني، فقد يكونُ اللَّفظُ خُصِّصَ بعد أنْ كان عامًّا، أو عُمِّمَ بعد أنْ كانَ خاصًّا، أو كان المُتكلِّمُ لم يُرد المعنى الحقيقيّ للكلمةِ، وإنَّما أرادَ معنًى مجازيًّا لتلكَ الكلمةِ، وهو ما يُسمَّى انتقال مَجرى الدَّلالةِ.

61. وأخیرًا أقولُ إنَّ الإمامِ كانَ يختارُ من الألفاظ ما فيها قوَّةٌ ووضوحٌ وجمالٌ، ليحمِّله المعاني والأفكار الَّتي يريد نقلها إلى المجتمع، فكلامه فوقَ كلامِ البشرِ، ودونَ كلامِ اللهِ (جلَّ جلاله) وَنبيَّهِ محمَّدٍ (صلىَّ اللهُ عليه وآله وسلَّم)، ولسانُ العربِ من المُعجماتِ المَوسوعيَّةِ الَّتي ينتفعُ بها الباحثُ والدَّارسُ والعالِمُ، ويعدُّ أكثر المُعجماتِ استشهادًا بحديثِ الإمامِ عليٍّ (عليه السَّلام).

والحمدُ لله ربّ العالمين

ص: 228

المصادر والمراجع

أوَّلًا: الكتب القرآن الكريم (أ) 1. أبنية الصرّف في كتاب سيبويه، الدّكتورة خديجة الحديثيّ، منشورات مكتبة النّهضة بغداد، 1965 م.

2. الإتقان في علوم القرآن، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدّين السُّيوطيّ (ت 911 ه)، تحقيق: مركز الدّراسات القرآنيّة، دار النّشر: مجمع الملك فهد - السّعوديّة.

3. أدب الكاتب، أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ (ت 276 ه)، تحقيق:

محمّد محيي الدّين عبد الحميد، المكتبة التّجاريّة - مصر، مطبعة السّعادة بمصر، ط 4، 1382 ه - 1963 م.

4. ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان محمّد بن يوسف بن عليّ بن يوسف بن حيّان أثیر الدّين الأندلسيّ (ت 745 ه)، تحقيق: الدّكتور رجب عثمان محمّد،

ص: 229

مراجعة: رمضان عبد التّوَّاب، مكتبة الخانجيّ - القاهرة، ط 1، 1418 ه - 1998 م.

5. أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزّمخشريّ جار الله (ت 538 ه)، تحقيق: محمّد باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط 1، 1419 ه - 1998 م.

6. أساليب الطّلب عند النّحويّين والبلاغيّين، الدّكتور قيس إسماعيل الأوسيّ، منشورات بيت الحكمة، بغداد، 1988 م.

7. إسفار الفصيح، أبو سهل محمّد بن علیّ بن محمّد، الهرويّ (ت 433 ه)، تحقيق:

أحمد بن سعيد بن محمّد قشّاش، عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلاميّة، المدينة المنّورة، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط 1، 1420.

8. الاشتقاق، عبد الله أمين، مطبعة لجنة التّأليف والتّرجمة والنّشر - القاهرة، ط 1، 1956 م.

9. الأصول في النّحو، أبو بكر محمّد بن السّرّی بن سهل النّحويّ المعروف بابن السّرّاج (ت 316 ه)، تحقيق: الدّكتور عبد الحسين الفتليّ، مؤسّسة الرّسالة، لبنان - بیروت.

01. الأضداد في كلام العرب، أبو الطّيّب عبد الواحد بن علیّ اللغويّ (ت 351 ه)، تحقيق: عزة حسن، دمشق، مطبوعات المجمع العلميّ، دمشق، 1382 ه - 1963 م.

11. الأضداد في اللّغة، أبو بكر محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشار الأنباريّ (ت 328 ه)، المطبعة الحسينيّة مصر، 1325 ه.

ص: 230

21. الألسنيّة محاضرات في علم الدّلالة، الدّكتور نسيم عون، دار الفارابيّ - بيروت، 2005 م.

31. الأمالي، أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق البغداديّ النّهاونديّ الزّجّاجيّ (ت 337 ه)، تحقيق: عبد السّلام هارون، دار الجيل - بیروت، ط 2، 1407 ه - 1987 م.

41. الإنصاف في مسائل الخلاف، أبو البركات عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد الله الأنصاريّ ابن الأنباريّ (ت 577 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، ط 4، 1380 ه - 1961 م.

51. أوزان الفعل ومعانيها، الدّكتور هاشم طه شلاش، مطبعة الآداب، النّجف الأشرف، 1971 م.

61. أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، أبو محمّد عبد الله بن شهاب الأنصاريّ، ابن هشام (ت 761 ه)، تحقيق: يوسف الشّيخ محمّد البقاعيّ، دار مؤسّسة الرّسالة، لبنان - بيروت.

71. إيجاز التّعريف في علم التّصريف، أبو عبد الله جمال الدّين محمّد بن عبد الله بن مالك الطّائيّ الجيانيّ (ت 672 ه)، تحقيق: محمّد المهديّ عبد الحيّ عمّار سالم، عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلاميّة، المدينة المنوّرة، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط 1، 1422 ه - 2002 م.

81. الإيضاح في علل النّحو، أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق النّهاونديّ الزّجّاجيّ (337 ه)، تحقيق: الدّكتور مازن المبارك، دار العروبة، 1378 ه - 1959 م.

ص: 231

91. الإيضاح في علوم البلاغة، أبو المعاليّ محمّد بن عبد الرّحمن بن عمر القزوينيّ الشّافعيّ المعروف بخطيب دمشق (ت 739 ه)، تحقيق: محمّد عبد المنعم الخفاجيّ، دار الجيل - بیروت، ط 3.

02. إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله (عزّ وجل)، أبو البركات عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد الله الأنصاريّ ابن الأنباريّ (ت 577 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، ط 4، 1380 ه - 1961 م.

(ب) 12. البحر المحيط في التّفسیر، أبو حيّان محمّد بن يوسف بن علیّ بن يوسف ابن حيّان أثیر الدّين الأندلسيّ (ت 745 ه)، تحقيق: صدقي محمّد جميل، دار الفكر للطباعة والتّوزيع والنّشر، ط 2، 1978 م.

22. بحوث ومقالات في اللّغة، رمضان عبد التّوّاب، مكتبة الخانجيّ بالقاهرة، ط 3، 1415 ه - 1995 م.

32. بدائع الفوائد، أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر الدّمشقيّ المعروف بابن قيّم الجوزيّة (ت 751 ه)،، دار الكتاب العربيّ، بیروت.

42. البرهان في علوم القرآن، محمّد بن عبد الله بدر الدّين الزّركشيّ (ت 794 ه)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة عيسى البابيّ الحلبيّ وشركائه، ط 1، 1376 ه - 1957 م.

52. بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، عبد المتعال الصّعيديّ، مكتبة الآداب، ط 17، 1426 ه - 2005 م.

62. البلاغة العربيّة في ضوء الأسلوب ونظرية السّياق، أبو عليّ محمّد بركات حمدي،

ص: 232

دار وائل للنشر، عمّان، الأردن، ط 1، 2003 م.

72. البلغة في الفرق بين المذكّر والمؤنّث، أبو البركات عبد الرّحمن بن محمّد بن عبيد الله الأنصاريّ كامل الدّين الأنباريّ (ت 577 ه)، تحقيق وتقديم: الدّكتور رمضان عبد التّوّاب، مكتبة الخانجيّ - القاهرة - مصر، 1417 ه - 1996 م.

82. بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة، محمّد تقيّ التّستريّ، ط 1، طهران، دار أمیر الكبير للنشر، 1376 ه.

92. بيان إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن)، أبو سليمان أحمد ابن محمّد الخطابيّ (ت 338 ه)، تحقيق: محمّد خلف ومحمّد زغلول، دار المعارف مصر، ط 3، 1976 م.

03. البيان والتّبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانيّ بالولاء الليثيّ الشّهير بالجاحظ (ت 255 ه)، تحقيق وشرح: عبد السّلام محمّد هارون، دار النّشر: مكتبة الخانجيّ القاهرة، ط 7، 1418 ه - 1988 م.

(ت) 13. تاج العروس من جواهر القاموس، أبو الفيض محمّد بن محمّد بن عبد الرّزّاق الحسينيّ الملقّب بمرتضی الزّبيديّ (ت 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحقّقين، دار الهداية.

23. تاج اللّغة وصحاح العربيّة، إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ (ت 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفّار عطّار، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت، 1987 م.

33. تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علیّ بن ثابت بن أحمد بن مهديّ الخطيب البغداديّ (ت 463 ه)، تحقيق: الدّكتور بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلاميّ

ص: 233

- بیروت، ط 1، 1422 ه - 2002 م.

43. التّبيان في تفسیر القرآن، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ (ت 460 ه)، تحقيق وتصحيح: أحمد شوقي الأمين وأحمد حبيب قصیر، المطبعة العلميّة ومطبعة النّعمان، النّجف، 1965 م.

53. تحرير ألفاظ التّنبيه، أبو زكريا محيي الدّين يحيى بن شرف النّوويّ (ت 676 ه)، تحقيق: عبد الغنيّ الدّغر، دار القلم - دمشق، ط 1، 1408 ه.

63. التّحليل اللّغويّ في ضوء علم الدّلالة، الدّكتور محمود عكاشة، ط 1، دار النّشر للجامعات - الأردن، 1426 ه - 2005 م.

73. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن مالك جمال الدّين الطّائيّ الحيانيّ (ت 672 ه)، تحقيق: محمّد كامل بركات، دار الكتاب العربيّ للطباعة والنّشر، 1387 ه - 1967 م.

83. تصحيح الفصيح، عبد الله بن جعفر بن درستويه (ت 347 ه)، تحقيق: الدّكتور عبدالله الجبوريّ، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1975 م.

93. التّصوير الفنيّ في خطب الإمام عليّ (عليه السّلام)، الدّكتور عبَّاس عليّ حسين الفحّام، مؤسّسة دار الصَّادق الثَّقافيَّة، ط 1، 1433 ه - 2012 م.

04. التّطبيق الصّرفيّ، الدّكتور عبده الرّاجحيّ، بيروت، دار النّهضة العربيّة، 1973 م.

14. التّطبيق النّحويّ، الدّكتور عبده الرّاجحيّ، مكتبة المعارف للنشر والتّوزيع، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

24. التّعبیر القرآنيّ، الدّكتور فاضل صالح السّامرائيّ، جامعة بغداد - بيت الحكمة، 1986 م.

ص: 234

34. التّعريفات، علیّ بن محمّد بن علیّ الزّين الشّريف الجرجانيّ (ت 816 ه)، ضبطه وصحَّحه جماعة من العلماء بإشراف النّاشر، دار الكتب العلميّة بیروت - لبنان، ط 1، 1403 ه - 1983 م.

44. التّفسیر الكبیر: أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التّيميّ الرّازيّ الملقّب بفخر الدّين الرّازيّ خطيب الرّي (ت 606 ه)، دار إحياء الترّاث العربيّ - بیروت، ط 3، 1420 ه - 1999 م.

54. تهذيب اللّغة، أبو منصور محمّد بن أحمد بن الأزهريّ الهرويّ (ت 370 ه)، تحقيق: محمّد عوض مرعب، دار إحياء الترّاث العربيّ - بیروت، ط 1، 2001.

64. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفيّة ابن مالك، أبو محمّد حسن بن أمّ قاسم ابن عبد الله بن علیّ بدر الدّين المراديّ المصريّ المالكيّ (ت 749 ه)، شرح وتحقيق:

عبد الرّحمن عليّ سليمان، دار الفكر العربيّ، ط 1، 1428 ه - 2008 م.

74. التّوقيف على مهمّات التّعاريف، محمّد عبد الرّؤوف بن تاج العارفين بن علیّ ابن زين العابدين الحداديّ ثم المناويّ القاهريّ (ت 1031 ه)، تحقيق: الدُّكتور عبد الحميد صالح حمدان، عالم الكتب 38 عبد الخالق ثروت - القاهرة، ط 1، 1410 ه - 1990 م.

(ج) 84. جامع الدّروس العربيّة، مصطفى الغلايينيّ، المطبعة العصريّة للطباعة والنّشر، صيدا - بیروت، ط 28، 1414 ه - 1993 م.

94. الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح شمس الدّين الأنصاريّ الخزرجيّ القرطبيّ (ت 671 ه)، تحقيق: هشام سمير البخاريّ،

ص: 235

دار عالم الكتب، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة، 1423 ه - 2003 م.

05. الجراثيم، أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ (ت 276 ه)، تحقيق:

محمّد جاسم الحميديّ، قدَّم له: الدّكتور مسعود بوبو، وزارة الثّقافة، دمشق.

15. جمهرة الأمثال، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكريّ (ت 395 ه)، دار الفكر - بیروت.

25. جمهرة اللّغة، أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزديّ (ت 321 ه)، تحقيق:

رمزي منیر بعلبكيّ، دار العلم للملايين - بیروت، ط 1، 1987 م.

35. الجنى الدّاني في حروف المعاني، أبو محمّد حسن بن أمّ قاسم بن عبد الله بن علیّ بدر الدّين المراديّ المصريّ (ت 749 ه)، تحقيق: الدّكتور فخر الدّين قباوة - الأستاذ محمّد نديم فاضل، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط 1، 1413 ه - 1992 م.

45. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، أحمد الهاشميّ، مؤسّسة الصّادق للنّشر، مطبعة أمیر، ط 1، 1379 ه.

(ح) 55. حاشية الصّبان على شرح الأشمونيّ لألفيّة ابن مالك، أبو العرفان محمّد بن علیّ الصّبّان الشّافعيّ (ت 1206 ه)، دار الكتب العلميّة بیروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م.

65. (الحماسة المغربيّة)، مختصر كتاب صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب، أبو العباس أحمد بن عبد السّلام الجرّاويّ التّادليّ (ت 609 ه)، تحقيق: محمّد رضوان الدّاية، دار الفكر المعاصر - بیروت، ط 1، 1991 م.

ص: 236

(خ) 75. خزانة الأدب وغاية الأرب، أبو بكر بن علی بن عبد الله تقيّ الدّين الحمويّ الأزراريّ (ت 837 ه)، تحقيق: عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال - بیروت، دار البحار- بیروت، الطّبعة الأخیرة، 2004 م.

85. الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جنّيّ (ت 392 ه)، الهيأة المصريّة العامّة للكتاب، ط 4.

(د) 95. دلالة الألفاظ، الدّكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الآنجلو المصريّة، ط 1، 1958 م.

الدّلالة الإيحائية في الصّيغة الإفراديّة، الدّكتورة صفيّة مطهّريّ، اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، 2003 م.

06. دلالة التّاكيب دراسة بلاغيّة، الدّكتور محمّد محمّد أبو موسى، مكتبة وهبة، ط 2، 1408 ه - 1987 م.

16. دلائل الإعجاز، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرّحمن بن محمّد الفارسيّ الأصل الجرجانيّ (ت 471 ه)، تحقيق: محمود محمّد شاكر أبو فهر، مطبعة المدنيّ بالقاهرة - دار المدنيّ بجدّة، ط 3، 1413 ه - 1992 م.

26. الدّلائل في غريب الحديث، أبو محمّد قاسم بن ثابت بن حزم العوفيّ السّرقسطيّ (ت 302 ه)، تحقيق: الدّكتور محمّد بن عبد الله القنّاص، مكتبة العبيكان، الرّياض، ط 1، 1422 ه - 2001 م.

36. دور البصرة في نشأة الدّراسات اللّغويّة - المعجم العربيّ، الدّكتور عبد الحسين المبارك، المكتبة البصريّة.

ص: 237

46. دور الكلمة في اللّغة، ستيفن أولمان، ترجمة: كمال محمّد بشر، القاهرة، 1973 م.

56. ديوان الأدب، أبو إبراهيم بن الحسن الفارابيّ (ت 350 ه)، تحقيق: الدكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: الدّكتور إبراهيم أنيس، مؤسّسة دار الشَّعب للصّحافة والطّباعة والنشر، القاهرة، 1424 ه - 2003 م.

(ر) 66. الرّاموز على الصّحاح، السيد محمّد بن السّيد حسن (ت 866 ه)، تحقيق: الدّكتور محمّد عليّ عبد الكريم الرّدينيّ، دار أسامة - دمشق، ط 2، 1986 م.

(ز) 76. الزّاهر في معاني كلمات النّاس، أبو بكر محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشّار الأنباريّ (ت 328 ه)، تحقيق: حاتم صالح الضّامن، مؤسّسة الرّسالة - بيروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م.

86. زهر الأكم في الأمثال والحكم، أبو علیّ الحسن بن مسعود بن محمّد نور الدّين اليوسيّ (ت 1102 ه)، تحقيق: الدّكتور محمّد حجيّ، والدّكتور محمّد الأخضر، الشّكة الجديدة - دار الثّقافة، الدّار البيضاء - المغرب، ط 1، 1401 ه - 1981 م.

(س) 96. السّنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علیّ بن موسى الخُسْرَوْجِرديّ الخراسانيّ البيهقيّ (ت 458 ه)، تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بیروت - لبنان، ط 3، 1424 ه - 2003 م.

(ش) 07. الشّافية في علم التّصريف، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس جمال

ص: 238

الدّين ابن الحاجب الكرديّ المالكيّ (ت 646 ه)، تحقيق: حسن أحمد العثمان، المكتبة المكيّة - مكّة، ط 1، 1415 ه - 1995 م.

17. شذا العرف في فنّ الصّرف، الشّيخ أحمد الحملاويّ، تحقيق: نصر الله عبد الرّحمن نصر الله، مكتبة الرّشد - الرّياض.

27. شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك، عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمّد بهاء الدّين ابن عقيل القرشيّ الهامشيّ (769 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، دار الترّاث - القاهرة، دار مصر للطّباعة، سعيد جودة السّحار وشركاه، ط 20، 1400 ه - 1980 م.

37. شرح الأشمونيّ على ألفية ابن مالك، أبو الحسن علیّ بن محمّد بن عيسى نور الدّين الأشْمُونيّ الشّافعيّ (ت 900 ه)، دار الكتب العلميّة، بیروت - لبنان، ط 1، 1419 ه - 1998 م.

47. شرح التّصريح على التّوضيح، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمّد زين الدّين الجرجاويّ الأزهريّ (ت 905 ه)، دار إحياء الكتب العربيّة، مطبعة عيسى البابيّ الحلبيّ وشركائه، القاهرة.

57. شرح شافية ابن الحاجب، محمّد بن الحسن رضي الدّين الاستراباذيّ النّحويّ (ت 686 ه)، تحقيق: محمّد نور الحسن ومحمّد الزّفزاف، ومحمّد محيي الدّين عبد الحميد، دار الكتب العلميّة، بیروت، 1395 ه - 1975 م.

67. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، محمّد بن عبد المنعم بن محمّد شمس الدّين الجَوجَريّ القاهريّ الشّافعيّ (ت 889 ه)، تحقيق: نواف بن جزاء الحارثيّ، عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلاميّة، المدينة المنوّرة - المملكة العربيّة السّعوديّة، ط 1، 1423 ه - 2004 م.

ص: 239

87. شرح قطر النّدى وبل الصّدى، أبو محمّد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف جمال الدّين بن هشام (ت 761 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، القاهرة، ط 11، 1383 ه 97. شرح الكافية الشّافية، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن مالك جمال الدّين الطّائيّ الجيانيّ (ت 672 ه)، تحقيق: عبد المنعم أحمد هريدي، جامعة أمّ القرى مركز البحث العلميّ وإحياء الترّاث الإسلاميّ كلّيّة الشّيعة والدّراسات الإسلاميّة مكّة المكرَّمة، ط 1.

08. شرح الكافية في النّحو، محمّد بن الحسن رضيّ الدّين الأستراباذيّ النّحويّ (ت 686 ه)، تحقيق: عبد المنعم أحمد هريدي، جامعة أمّ القرى مركز البحث العلميّ وإحياء الترّاث الإسلاميّ كلّيّة الشّيعة والدّراسات الإسلاميّة - مكّة المكرّمة.

18. شرح المفصّل، يعيش بن عليّ بن يعيش موفق الدّين النّحويّ (ت 643 ه)، المطبعة المنيريّة.

شرح نهج البلاغة، عبَّاس علیّ الموسويّ، دار الرّسول الأكرم، دار المحجّة البيضاء، ط 1، 1998 م.

28. شرح نهج البلاغة، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد عزّ الدّين (ت 656 ه)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة عيسى البابي الحلبي وشركاه - موقع يعسوب.

38. شرح نهج البلاغة، السّيد محمّد كاظم القزوينيّ الحائريّ، مؤسّسة نهج البلاغة، طهران - إيران، ط 1، 1401 ه - 1980 م.

ص: 240

48. الشّعر والشّعراء، أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ (ت 276 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1423 ه.

58. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، نشوان بن سعيد الحمیریّ اليمنيّ (ت 573 ه)، تحقيق: الدّكتور حسين بن عبد الله العمريّ، ومطهّر بن عليّ الإريانيّ، والدّكتور يوسف محمّد عبد الله، دار الفكر المعاصر (بیروت - لبنان)، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

68. شواهد التّوضيح والتّصحيح لمشكلات الجامع الصّحيح، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن مالك جمال الدّين الطّائيّ الجيانيّ (ت 672 ه)، تحقيق: طه محسن، ط 1، 1405 ه.

(ص) 78. الصّاحبي في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزوينيّ الرّازيّ (ت 395 ه)، محمّد عليّ بيضون، ط 1، 1418 ه - 1997 م.

88. الصّناعتين، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكريّ (ت 395 ه)، تحقيق: علیّ محمّد البجاويّ، ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصريّة - بیروت، 1419 ه.

98. صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، القاضي حسين بن محمّد المهديّ - عضو المحكمة العليا للجمهوريّة اليمنيّة، سُجِّل هذا الكتاب بوزارة الثّقافة بدار الكتاب برقم إيداع (449)، لسنة 2009 م، راجعه: الأستاذ العلّامة عبد الحميد محمّد المهديّ، مكتبة المحامي: أحمد بن محمّد المهديّ.

(ض)

ص: 241

09. ضياء السّالك إلى أوضح المسالك، محمّد عبد العزيز النّجّار، مؤسّسة الرّسالة، ط 1، 1422 ه - 2001 م.

(ط) 19. الطّراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق التّنزيل، يحيى بن حمزة بن عليّ بن إبراهيم الحسينيّ العلويّ الطّالبيّ الملقّب بالمؤيّد باللَّه (ت 745 ه)، المكتبة العصريّة - بيروت، ط 1، 1423 ه.

(ع) 29. العقد الفريد، أبو عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه بن حبيب بن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربّه الأندلسيّ (ت 328 ه)، دار الكتب العلميّة- بيروت، ط 1، 1404 ه.

39. علل النّحو، أبو الحسن محمّد بن عبد الله بن العبَّاس ابن الورّاق (ت 381 ه)، تحقيق: محمود جاسم محمّد الدّرويش، مكتبة الرّشد، الرّياض - السّعوديّة، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

49. علم الدّلالة، الدّكتور أحمد مختار عمر، مكتبة دار العروبة للنشر والتّوزيع، ط 1، 1982 م.

59. علم الدّلالة دراسة نظريّة وتطبيقيّة، الدّكتور فريد عوض حيدر، ط 1، مكتبة الآداب - القاهرة، 1426 ه - 2005 م.

69. علم الدّلالة العربيّ، الدّكتور فايز الدّاية، دار الفكر، دمشق- سوريا، ط 2، 1996 م.

79. علم اللّغة بين الترّاث والمعاصرة، الدّكتور عاطف مدكور، دار الثّقافة والنّشر

ص: 242

والتّوزيع، عمان، 1989 م.

89. علم اللّغة، مقدّمة للقارئ العربيّ، الدّكتور محمود السّعران، دار النّهضة العربيّة، بیروت - لبنان، 1962 م.

99. علوم نهج البلاغة، الدّكتور السّيد محسن باقر الموسويّ، النّاشر دار العلوم للتحقيق: والطّباعة والنّشر والتّوزيع، بیروت - لبنان، ط 1، 1423 ه - 2003 م.

001. عمدة الكتاب، أبو جعفر النّحَّاس أحمد بن محمّد بن إسماعيل بن يونس المراديّ النّحويّ (ت 338 ه)، تحقيق: بسّام عبد الوهّاب الجابيّ، دار ابن حزم - الجفان والجابيّ للطباعة والنّشر، ط 1، 1425 ه - 2004 م.

101. العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيديّ البصريّ (ت 175 ه)، تحقيق: الدّكتور مهديّ المخزوميّ، والدّكتور إبراهيم السامرائيّ، دار ومكتبة الهلال.

(غ) 201. غريب الحديث، أبو سليمان حمد بن محمّد بن إبراهيم بن الخطّاب البستيّ المعروف بالخطّابيّ (ت 388 ه)، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباويّ، وخرّج أحاديثه: عبد القيّوم عبد ربّ النّبيّ، دار الفكر، 1402 ه - 1982 م.

301. غريب الحديث، أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم بن عبد الله الهرويّ البغداديّ (ت 224 ه)، تحقيق: الدّكتور محمّد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانيّة، حيدرآباد - الدّكن، ط 1، 1384 ه - 1964 م.

401. غريب الحديث، أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ (ت 276 ه) تحقيق: الدّكتور عبدالله الجبوريّ، مطبعة العانيّ، بغداد، ط 1، 1397 ه.

ص: 243

501. غريب الحديث، أبو الفرج عبد الرّحمن بن علیّ بن محمّد جمال الدّين الجوزيّ (ت 597 ه)، تحقيق: الدّكتور عبد المعطي أمين القلعجيّ، دار الكتب العلميّة - بیروت - لبنان، ط 1، 1405 ه - 1985 م.

(ف) 601. الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد جار الله الزّمخشريّ (ت 538 ه)، تحقيق: علیّ محمّد البجاويّ ومحمّد أبو الفضل ابراهيم، دار المعرفة، لبنان، ط 2.

701. فصول في فقه العربيّة: رمضان عبد التّواب، مكتبة الخانجيّ بالقاهرة، ط 6، 1420 ه - 1999 م.

801. الفعل زمانه وأبنيته، الدّكتور إبراهيم السّامرائيّ، مؤسّسة الرّسالة، بیروت، ط 3، 1403 ه - 1983 م.

901. فقه اللّغة العربيّة، كاصد ياسر الزّيديّ، مديريّة دار الكتب للطَّباعة والنَّشر، جامعة الموصل، 1987 م.

011. فقه اللغة وسرّ العربية، أبو منصور عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل الثّعالبيّ (ت 429 ه)، تحقيق: عبد الرّزاق المهديّ، إحياء التراث العربيّ، ط 1، 1422 ه - 2002 م.

111. الفهرست، أبو الفرج محمّد بن إسحاق بن محمّد الوراق البغداديّ المعتزليّ الشّيعيّ المعروف بابن النّديم (ت 438 ه)، تحقيق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة بیروت - لبنان، ط 2، 1417 ه - 1997 م.

211. في ظلال نهج البلاغة، محمّد جواد مغنية، دار العلم للملايين، ب ريوت، ط 1،

ص: 244

1972 م.

311. في اللّهجات العربيّة، الدّكتور إبراهيم أنيس، مطبعة لجنة البيان العربيّ، ط 2، 1952 م.

(ك) 411. الكتاب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقّب بسيبويه (ت 180 ه) تحقيق:

عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجيّ - القاهرة، ط 3، 1988 م.

511. كتاب الأفعال، أبو القاسم علیّ بن جعفر بن علیّ السّعديّ المعروف بابن القَطَّاع الصّقلّیّ (ت 515 ه)، عالم الكتب، ط 1، 1403 ه - 1983 م.

611. كتاب الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن مالك جمال الدّين الطّائيّ الجيانيّ (ت 672 ه)، دراسة وتحقيق: الدكتورة نجاة حسن عبدالله نولي، مركز إحياء الترّاث الإسلاميّ - مكّة المكرّمة.

711. كشّاف اصطلاحات الفنون، محمّد علیّ الفاروقيّ التّهانويّ (ت 1158 ه)، تحقيق: الدّكتور لطفي عبد البديع، مطبعة السّعادة، مصر.

811. الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد جار الله الزّمخشريّ (ت 538 ه)، دار الكتاب العربيّ، بیروت، ط 3، 1407 ه.

911. الكلِّيَّات، أبو البقاء أيّوب بن موسى الحسينيّ الكفويّ (ت 1094 ه)، تحقيق: الدّكتور عدنان درويش، ومحمّد المصريّ، مؤسّسة الرّسالة - بيروت.

(ل) 021. اللّامات، أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق البغداديّ النّهاونديّ الزّجاجيّ

ص: 245

(ت 337 ه)، تحقيق: مازن المبارك، دار الفكر - دمشق، ط 2، 1405 ه - 1985 م.

121. اللّباب في علل البناء والإعراب، أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله محبّ الدّين العكبريّ البغداديّ (ت 616 ه)، تحقيق: غازي مختار طليمات، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1995 م.

221. اللّباب في قواعد اللّغة وآلات الأدب والنّحو والصرّف والبلاغة والعروض واللّغة والمثل، محمّد علیّ السّرّاج، دار الفكر - دمشق، ط 1، 1403 ه - 1983 م.

321. لسان العرب، أبو الفضل محمّد بن مكرم بن منظور جمال الدّين الأفريقيّ المصريّ (ت 711 ه)، دار صادر- بیروت، ط 3، 1414 ه.

421. اللّغة، (فندريس)، تعريب: عبد الحميد الدّواخلیّ و محمّد القصّاص، مكتبة الأنجلو المصريّة، مطبعة لجنة البيان العربيّ، 1950 م.

521. اللّغة العربيّة معناها ومبناها، الدّكتور تمّام حسّان، عالم الكتب، ط 5، 1427 ه - 2006 م.

621. اللّمحة في شرح الملحة، أبو عبد الله محمّد بن حسن بن سباع بن أبي بكر شمس الدّين الجذاميّ المعروف بابن الصّائغ (ت 720 ه)، تحقيق: إبراهيم بن سالم الصّاعديّ، عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلاميّة، المدينة المنوّرة، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط 1، 1424 ه - 2004 م.

721. اللّمع في العربيّة، أبو الفتح عثمان بن جنّيّ (ت 392 ه)، تحقيق: فائز فارس، دار الكتب الثّقافيّة - الكويت.

(م) 821. مبادئ اللّسانيّات، أحمد محمّد قدُّور، الدّار العربيّة، بیروت - لبنان، ط 1،

ص: 246

1433 ه - 2011 م.

921. المثل السّائر في أدب الكاتب والشّاعر، أبو الفتح نصر الله بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم ضياء الدّين الشّيبانيّ الجزريّ المعروف بابن الأثير الكاتب (ت 637 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصريّة للطّباعة والنّشر - بيروت، 1420 ه.

031. مجاني الأدب في حدائق العرب، رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو (ت 1346 ه)، مطبعة الآباء اليسوعيّين، بيروت، 1913 م.

131. مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمّد بن إبراهيم النّيسابوريّ الميدانيّ (ت 518 ه)، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، دار المعرفة - بيروت، لبنان.

231. مجمع البحرين، فخر الدّين بن محمّد بن علیّ النّجفيّ الطّريحيّ (ت 1085 ه)، تحقيق: أحمد الحسينيّ، مكتبة نشر الثّقافة الإسلاميّة، ط 2، 1408 ه.

331. مجمل اللّغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا القزوينيّ الرّازيّ (ت 395 ه)، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، دار النّشر، مؤسّسة الرّسالة - بيروت، ط 2، 1406 ه - 1986 م.

431. المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علیّ بن إسماعيل بن سيده المرسيّ (ت 458 ه)، تحقيق: عبد الحميد هنداويّ، دار الكتب العلميّة - بيروت، ط 1، 1421 ه - 2000 م.

531. المخصّص، أبو الحسن علیّ بن إسماعيل بن سيده المرسيّ (ت 458 ه)، تحقيق: خليل إبراهیم جفال، دار إحياء الترّاث العربيّ - بیروت، ط 1، 1417 ه - 1996 م.

ص: 247

631. المدارس النّحوية، شوقي ضيف، دار المعارف.

731. المدخل إلى علم النّحو والصّف، الدّكتور عبد العزيز عتيق، دار النّهضة العربيّة للطباعة والنّشر، ط 2، 1967 م.

831. المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، عبد الرّحمن بن أبي بكر جلال الدّين السّيوطيّ (ت 911 ه)، تحقيق: فؤاد علیّ منصور، دار الكتب العلميّة - بیروت، ط 1، 1418 ه - 1998 م.

931. مشارق الأنوار على صحيح الآثار، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبيّ السّبتيّ (ت 544 ه)، المكتبة العتيقة ودار التّراث.

041. المصباح المنیر، أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن علیّ الفيُّوميّ) (ت 770 ه)، المكتبة العلميّة - بيروت.

141. المطلع على ألفاظ المقنع، أبو عبد الله محمّد بن أبي الفتح بن أبي الفضل شمس الدّين البعليّ (ت 709 ه)، تحقيق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب، مكتبة السّواديّ للتّوزيع، ط 1، 1423 ه - 2003 م.

241. المعاجم اللّغوية في ضوء دراسات علم اللّغة الحديث، أبو الفرج محمّد أحمد، دار النّهضة العربيّة، مصر، 1966 م.

341. معاني الأبنية في العربيّة، الدّكتور فاضل صالح السّامرائيّ، دار عماّر للنّشر والتّوزيع، عمّان - الأردن، ط 3، 1428 ه - 2007 م.

441. معاني القرآن، أبو زكريّا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الدّيلميّ الفرّاء (ت 207 ه)، تحقيق: أحمد يوسف النّجاتيّ، محمّد علیّ النّجّار، عبد الفتّاح إسماعيل الشّلبيّ، دار المصريّة للتّأليف والتّجمة - مصر، ط 1.

ص: 248

541. المعجمات العربيّة - نقد وتقويم، نوريّة ذاكر محمود، ط 1، 1411 ه - 1991 م.

641. معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله شهاب الدّين الرّوميّ الحمويّ (ت 626 ه)، تحقيق: إحسان عبَّاس، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط 1، 1414 ه - 1993 م.

741. معجم الصّواب اللّغوي دليل المثقّف العربيّ، الدّكتور أحمد مختار عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، القاهرة، ط 1، 1429 ه - 2008 م.

841. المعجم العربيّ- نشأته وتطوّره، الدّكتور حسين نصّار، دار مصر للطباعة، ط 2، 1960 م.

941. معجم الفروق في اللّغة، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكريّ (ت 395 ه()، تحقيق: الشّيخ بيت الله بيات، ومؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط 1، 1412 ه.

051. معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، أحمد مختار عبد الحميد عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، ط 1، 1429 ه - 2008 م.

151. المعجم الوسيط، مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، (إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزّيات، وحامد عبد القادر، ومحمّد عليّ النّجّار)، دار الدّعوة.

251. المغرّب في ترتيب المعرّب، أبو الفتح ناصر بن عبد السّيد أبي المكارم بن علیّ برهان الدّين الخوارزميّ المُطَرِّزِىّ (ت 610 ه)، دار الكتاب العربيّ.

351. مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب، أبو محمّد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام جمال الدّين الأنصاريّ المصريّ (ت 761 ه)، تحقيق: الدّكتور مازن المبارك، ومحمّد علیّ حمد الله، دار الفكر - دمشق، ط 6، 1985 م.

ص: 249

451. مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمّد بن علیّ السّكاكيّ الخوارزميّ الحنفيّ (ت 626 ه)، ضبطه وكتب هوامشه وعلّق عليه: نعيم زرزور، دار الكتب العلميّة، بیروت - لبنان، ط 2، 1407 ه - 1987 م.

551. المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمّد المعروف بالرّاغب الأصفهانيّ (ت 502 ه)، تحقيق: صفوان عدنان الدّاويّ، دار القلم الدّار الشّاميّة، دمشق - بیروت، ط 1، 1412 ه.

651. المفصّل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الزّمخشري (ت 538 ه)، قدّم له ووضع هوامشه وفهارسه: الدّكتور إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلميّة، بیروت - لبنان، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

751. مقاييس اللّغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزوينيّ الرّازيّ (ت 395 ه)، تحقيق: عبد السّلام محمّد هارون، دار الفكر، 1399 ه - 1979 م.

851. المقتضب، أبو العبَّاس محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر الثّماليّ الأزديّ المعروف بالمبرّد (ت 285 ه) تحقيق: محمّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب - بیروت.

951. مقدّمة في علم اللّغة العربيّة، الدّكتور علیّ زويّن، دار الكتب العلميّة للطباعة والنّشر والتّوزيع، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

061. مقدّمة لدراسة الترّاث المعجميّ، الدّكتور حلمي خليل، دار النّهضة العربيّة للطّباعة والنّشر، بیروت. ط 1، 1997 م.

161. المقرَّب، أبو الحسن علیّ بن مؤمن بن محمّد الحَضْرَميّ الإشبيليّ المعروف بابن عصفور (ت 669 ه)، تحقيق: أحمد عبد السّتّار الجواريّ وعبد الله الجبوريّ، مطبعة العانيّ، بغداد، ط 1، 1391 ه - 1971 م.

ص: 250

261. الممتع الكبیر في التّصريف، أبو الحسن علیّ بن مؤمن بن محمّد الحَضْرَميّ الإشبيليّ المعروف بابن عصفور (ت 669 ه)، مكتبة لبنان، ط 1، 1996 م.

361. مناهج البحث في اللّغة، تمّام حسّان، مكتبة الآنجلو المصريّة.

461. المنصف، شرح كتاب التّصريف لأبي عثمان المازنيّ، أبو الفتح عثمان بن جنِّيّ الموصليّ (ت 392 ه)، دار إحياء الترّاث القديم، ط 1، 1373 ه - 1954 م.

561. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، المكتبة الإسلاميّة - طهران، ط 4، 1405 ق.

661. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، أبو الحسين سعيد بن هبة الله قطب الدّين الرّاونديّ، قم - مكتبة المرعشيّ النّجفيّ العامّة، 1406 ه.

761. المنهاج الواضح للبلاغة، حامد عوني، المكتبة الأزهريّة للتراث.

861. المهذّب في علم التّصريف، الدّكتور صلاح مهدي الفرطوسيّ، والدّكتور هاشم طه شلاش، والدكتور عبد الجليل العانيّ مطابع بیروت الحديثة، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

961. الموجز في قواعد اللّغة العربيّة، سعيد بن محمّد بن أحمد الأفغانيّ، دار الفكر، بیروت - لبنان، 1424 ه - 2003 م.

071. موصل الطّلاب إلى قواعد الإعراب، خالدّ بن عبد الله بن أبي بكر بن محمّد زين الدّين الجرجاويّ الأزهريّ المصريّ وكان يعرف بالوقّاد (ت 905 ه)، تحقيق:

عبد الكريم مجاهد، الرّسالة - بیروت، ط 1، 1415 ه - 1996 م.

(ن) 171. نحو التّيسیر - دراسة ونقد منهجيّ، الدّكتور أحمد عبد السّتّار الجواريّ، مطبعة المجمع العلميّ العراقيّ، 1404 ه - 1980 م.

ص: 251

271. النّحو الواضح في قواعد اللّغة العربيّة، علیّ الجارم ومصطفى أمين، الدّار المصريّة السّعوديّة للطباعة والنّشر والتّوزيع.

371. النّحو الوافي، عبَّاس حسن، دار المعارف، القاهرة، ط 15.

471. النّهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السّعادات المبارك بن محمّد بن محمّد ابن محمّد بن عبد الكريم مجد الدّين الشّيبانيّ الجزريّ ابن الأثير (ت 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الرّاويّ، ومحمود محمّد الطّناجيّ، المكتبة العلميّة - بیروت، 1399 ه - 1979 م.

571. نهج البلاغة، تعليق آية الله العظمى السّيد محمّد الحسينيّ الشّیرازيّ، إعداد الأستاذ عبد الحسن دهيني، دار العلوم للتحقيق والطّباعة والنّشر والتّوزيع.

671. نهج البلاغة، ضبط وابتكر فهارسهُ العلميّة الدّكتور صبحي الصّالح، دار الكتاب المصريّ - القاهرة، ودار الكتاب اللّبنانيّ - بيروت، ط 4، 1425 ه - 2004 م.

871. نهج البلاغة، محمّد عبده، النّاشر: نصايح، مركز التّوزيع: قم - مكتبة الصّدر، 2004 م.

971. نهج السّعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشّيخ محمّد باقر المحموديّ، مؤسّسة الطّباعة والنّشر الإسلاميّ، طهران - إيران، ط 1، 1418 ه.

(ه) 081. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، عبد الرّحمن بن أبي بكر جلال الدّين السّيوطيّ (ت 911 ه)، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التّوفيقيّة - مصر.

(و) 181. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلّكان شمس الدّين البرمكيّ الإربليّ (ت 681 ه)، تحقيق: إحسان

ص: 252

عبّاس، دار صادر - بیروت، 1900 م.

ثانيًا: الرّسائل والأطاريح الجامعيَّة 1. أبنية المشتقّات في نهج البلاغة، ميثاق علیّ عبدالزّهرة، رسالة ماجستير، كلّيّة الآداب - البصرة، 2002 م.

2. أبنية المصادر في نهج البلاغة، فائزة عبدالأمیر شمران، رسالة ماجستير، كلّيّة التّربية للبنات - الكوفة، 2009 م.

3. البحث الدّلالي في التّبيان في تفسیر القرآن، ابتهال كاصد الزّيدي، أطروحة دكتوراه، كلّيّة التّربية للبنات، جامعة بغداد، 1424 ه - 2004 م.

4. الخطاب في نهج البلاغةِ، إيمان عبد الحسن، رسالة ماجستير، كلّيّة التّربية، جامعة بابل، 2008 م.

5. خطب نهج البلاغة - بحث في الدّلالة، أحمد هادي زيدان، رسالة ماجستير، جامعة بابل، كلّيّة التّربية، 2006 م.

6. دلالة السّياق في القصص القرآنيّ، محمّد عبد الله علیّ سيف، أطروحة دكتوراه، كلّيّة الآداب - جامعة بغداد، 2002 م.

7. ما بني من ألفاظ اللّغة على أقوال الإمام علیّ في لسان العرب، رائد عبد الله أحمد زيد، رسالة ماجستير، جامعة النّجاح الوطنيّة في نابلس، فلسطين، 1426 ه - 2005 م.

8. المثل في القرآن الكريم، عبدالهادي عبد الرّحمن، رسالة ماجستير، جامعة الكوفة، كلّيّة الآداب، 2007 م.

ص: 253

ثالثًا: البحوث والمقالات 1. أصول علم العربيّة في المدينة، عبد الرّزّاق بن فرّاج الصّاعديّ، مجلّة الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوّرة، ط 28، العددان 105 - 106، 1417 ه، 1418 ه - 1987 م، 1988 م.

2. الدّلالة في البنية العربيّة بين السّياق اللّفظيّ والسّياق الحاليّ: الدّكتور كاصد ياسر الزّيديّ، مجلّة آداب الرّافدين، جامعة الموصل، العدد السّادس والع رشون، 1995 م.

3. هل وقع في القرآن الكريم ترادف؟، الدّكتور رشيد عبد الرّحمن العبيديّ، مجلّة الذّخائر، ع / 2، س / 1، ربيع 1420 ه - 2000 م.

ص: 254

المحتویات

مقدمة المؤسسة...7

المقدّمة...9

التمهيد: حديثُ الإمامِ عليّ (عليه السَّلام) في المُدَوَّناتِ اللُّغويَّةِ...17

الفصل الاول: الدَّلالةُ الصَّفيَّةُ المبحثُ الاوَّلُ: دلالة المُشتقَّاتِ...45

أوَّلًا: اسمُ الفَاعِلِ...45

ثانيًا: صيغ المبالغة...56

ثالثًا: الصِّفةُ المشبَّهةُ...61

رابعًا: اسمُ المفْعُولِ...67

خامسًا: اسمُ التَّفضيلِ...70

المبحثُ الثَّاني: المَصَادرُ...73

أوَّلً: مصَادرُ الأفعالِ المُجرَّدَةِ...75

ثَانيًا: مَصادرُ الأفعالِ المزِيدةِ على ثَلاثةِ أحرفٍ...82

المبحثُ الثَّالثُ: جَمعُ التَّكسيرِ...87

المَبحثُ الرَّابِعُ: أبنِيةُ الأفعالِ...100

ص: 255

الفصلُ الثَّاني: الدَّلالةُ السِّياقيَّةُ توَطِئَة...119

المبحثُ الأوَّلُ: أنماطُ السِّياق...123

أوَّلًا: السِّياق اللُّغويّ...123

ثانيًا: السِّياق العاطفيّ...129

ثالثًا: سياق الموقف (الحال)...134

المَبحثُ الثَّانِی: العلاقاتُ السِّياقيَّة...141

أوَّلًا: أسلوبُ الاستفهَام...142

ثانيًا: أسلوب الأمر...149

ثالِثًا: أسلوبُ النَّهِي...156

رَابِعًا: أسلوبُ التَّقديمِ والتَّأخيرِ...159

خَامِسًا: أسلوبُ الذِّكرِ والحَذف...164

الفَصلُ الثَّالِث: الدَّلالةُ المُعجميَّةُ المبحث الاول: الظَّواهرُ الدَّلاليَّةُ...175

أوَّلًا: التَّرَادفُ...175

ثانيًا: المُشتركُ اللَّفظيّ...188

ثالثًا: التَّضَادّ...197

المبحثُ الثَّانِی: التَّغيُّر الدَّلالِّی...204

أوَّلًا: تخصيص الدَّلالةِ...206

ثَانِيًا: تَعميمُ الدَّلالةِ...208

ثَالِثًا: انتقالُ مجرى الدَّلالةِ (المَجاز)...215

الخاتِمة...225

المصادر والمراجع...229

ص: 256

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.