الإمام علی علیه السلام فی المصنفات التاریخیة الشامیة خلال القرن العاشر الهجری

هویة الکتاب

بَحَرُ العلمْ وَ مَدَارُ الحَقّ

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية

2870 لسنة 2017

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda .

رقم تصنیف LC :

BP37 .H3 2017 .

المؤلف الشخصي:حسن، نجاة هادی.

العنوان: الإمام علی علیه السلام فی المصنفات التاریخیة الشامیة خلال القرن العاشر الهجری /

بيانات المسؤولیة نجاة هادی حسن، تقدیم السید قدوری الحسنی.

بيانات الطبعة:الطبعة الأولى

بيانات النشر: کریلاء:العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438ه- = 2017م

الوصف المالي : 288 صفحة

سلسلة النشر : سلسلة الرسائل الجامعیة (23) ؛ مؤسسة علوم نهج البلاغة

تبصرة عامة : أصل الکتاب رسالة ما جستیر

تبصره ببیلوغرافیة: الکتاب یتضمن هوامش - لائحة المصادر الصفحات (الصفحات 259 - 282).

تبصره ملاحق : یتضمن ملحق الصفحات ( 256 - 258)

مصطلح موضوع شخصي : محمد ( صلی الله علیه و آله وسلم )، نبی الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - أحادیث. .

مصطلح موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریا - فضائل.

مصطلح موضوعي شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریا - حروب.

مصطلح موضوعي جغرافی: بلاد الشام - الأحوال السیاسیة - العصر المملوکی، 1260 - 1516.

مصطلح موضوعي جغرافی: بلاد الشام - الأحوال الاجتماعیة - العصر المملوکی، 1260 - 1516.

مصطلح موضوعي جغرافی: بلاد الشام - الأحوال الاقتصادیة - العصر المملوکی، 1260 - 1516.

مصطلح موضوعي جغرافی: بلاد الشام - الأحوال الثقافیة - العصر المملوکی، 1260 - 1516.

مؤلف إضافي:الحسني،نبيل قدوري، 1965-، مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

اِلْامَام عَلیُ فِی المُصَنفَاتِ التَارِیخِیَةِ الشَامِیَّةُ خِلَال القَرْن العَاشِر الهِجِری

ص: 2

سلسلة الرسائل الجامعية - العراق وحدة الدراسات التاريخية (23)

اِلْامَام فِی المُصَنفَاتِ التَارِیخِیَةِ الشَامِیَّةُ خِلَال القَرْن العَاشِر الهِجِری

تَألِیْفُ م.م.نَجَاةُ هَادِی حَسَن

اصْدَار مُوسَّسَةُ عُلوُم نَهج البَلَاغَة فِی العَتبةَ الحُسَینَیّة المُقدّسةُ

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه- - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي ا اكبر(عليه السلام);س 1048705 مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع ا الكتروني : www.inahj.org

الايميل: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالظرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

صدق الله العلي العظيم

ص: 5

الإهداء

يا إمامي

يا سراجاً في دروب السائرينا.. وملاذاً آمناً للتائهينا

وأمنيةَ شائقٍ يتمنى.. وعقيدَ عِزّ لا يسامى

وأثيل مجدٍ لا يجارى.. وتلادِ نعمٍ لا تضاهى

ونصيف شرفٍ لا يُساوى.. متى نَرِدُ مناهلك الروية فنروى؟

يا إمامي

فرضيناك إماماً قائداً فتحاً مبينا

تنشر العدل وتجتث أصول الظالمينا

إلى عوني وأملي وسندي

إلى من يعجز اللسان عن وصفه ومدحه

إلى من تجف كلمات الثناء أمامه.. إلى نبض القلب ونور العين

إلى النجم الثاقب.. إلى الفجر والضحى

إلى ميزان الحق ولسان الصدق.. إلى نور الأتقياء والأصفياء

إلى الوتر الموتور.. إلى واقيذ والطريد

إلى يعسوب الدين والماء المعين

إلى الذي قال فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) : (لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطال ذلك اليوم حتى يظهر رجل منا أو من آل محمد يمأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظل وجورا)(1) .

اهدي هذا الجهد المتواضع إلى الإمام المهدي المنتظر القائم الحجة بن الحجة ، الغائب الحاضر صاحب العر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

الباحثة

ص: 6


1- ينظر: الخطيب البغدادي، موضع أوهام الجمع، ج 2/ص 72 ؛ الآبري، مناقب الإمام الشافعي، ج /ص 96

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعین محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى:

«مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ(1) ، كذا يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ »(2) ، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانین والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 7


1- الأنعام: 38
2- يس: 12

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنین الإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب-(سلسلة الرسائل الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثین والدارسین وإعانتهم على تبین هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بین أيدينا لنيل شهادة الماجستير في التاريخ إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفقت صاحبهتا للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن لها بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي، فقد بيّنت هذه الدراسة دور أمير المؤمنین (عليه السلام) ومسيرته حتى استشهاده في المصنفات التاريخية الشامية في القرن العاشر الهجري فنقلت تلك الأحداث التي واكبت حياته (عليه السلام) وما جرى فيها، وكيف تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع كل مرحلة كانت تمرّ عليه، خصوصاً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما تلاها من أحداث مهمة من حياة الأمة الإسلامية.

فجزى الله الباحثة خير الجزاء فقد بذلت جهدها وعلى الله أجرها.

السيد نبيل قدوري الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

المقدمة

اشارة

الحمد لله ذي القدرة والتمكین الذي أحسن كل شيء خلقهُ، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسلَه من سُلالة من ماء مهین ثم صورهُ فأحسن صُورهُ، ونفخ فيه من روحه، وفضَّلهُ على كثير من المخلوقین بقيادة الحياة بام أودع فيه من العلم والإنسانية بمنهِ وإرادته، ومن بین من اختص الله من البشر محمد وآله، فجعلهم نبراس الهداية، ومنبع العلم بعلمه وحكمته، والحمد لله الذي جعلنا من أتباع محمد وآلهِ بجودهِ وتفضلهِ، وجعلنا ممن اتَّبع أحسن القول بفضله ومنِّه، وخصَّنا بالتعرف على تراثهم ونشره، وصلى الله على المخصوص من الحكمة بأفصحها لساناً، وأوضحها دلالة وبياناً، وأظهرها حجة وسلطاناً محمد نبي الرحمة، والمؤيد بالهداية والعصمة، وعلى آله الذين اصطفاهم لوراثة كتابه، وحباهم من ثوابهِ وجعلهم للأمة هداة وأعلاماً، وبأحكام دينه قوّامین وحُكاماً، وسلم عليه وعليهم تسليماً وإنّی في هذا الجهد المتواضع لا أدّعي كماله إذ الكمال لله سبحانه ؛فأرجو من الله تعالى أن ينال حظًا من القبول وأن يجعله الله في ميزا ن حسناتي إنّه نعم المولى ونعم النصير.

أمّا بعد فإنَّ من عادة الأمم أن تفخر برجالاتها، وأمتنا الإسلامية تزخر بالرجال الأفذاذ، ومن هؤلاء الرجال أمير المؤمن ني ع يل بن أبي طالب (عليه السلام) فهو علم من أعلام الإسلام، ورمزٌ من الرموز الشامخة ؛ فهو شخصية عظيمة تركت في التاريخ الإسلامي إضاءات نيِّرة أسهمت في خلق وعي كبير ؛ فبجهوده ارتفع شأن

ص: 9

الدين الإسلامي أيَّما رفعة، وزها المسلمون به أيَّ زهو وتقدير، وْهو(عليه السلام) أول من آمن بالرسالة المحمدية، وأول مجاهد في سبيل الله، دافع عن الإسلام منذ صباه حتى ختم عمره في محراب العبادة، وإنَّا لم نجد له نظيراً في تاريخ الأمم ؛ فقد اجتمعت فيه كل صفات العالم الرباني ، فضلاً عن شجاعته التي لا تماثلها شجاعة؛ فقد كان باب مدينة العلم النبوي الذي لا ينفد نوره، وكان عالماً بعلوم إلهية حباه الله بها فضلاً منهُ ومنّاً، وبما علمهُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورباه عليها، واستطاع الإمام (عليه السلام) بجهوده أن يرسم للعرب والمسلمين طريقاً اختطّوهُ لمسيرة الحياة في الزهد، والشجاعة، والعدل، والعلوم، وقد برزت في فكره (عليه السلام) إشراقات عظيمة هدت البشرية إلى الأخذ بها، والاعمتاد عليها، وقد تحمل الإمام وهو العالم اللبيب مصاعب جمة أثرت في عمله، وجاءت بغير ما أراد (عليه السلام) أن يكون ،فعاداهُ أناس، وقاتله أناس، وبغضهُ كثيرون، وبين هذا وذاك إذ برز للإمام (عليه السلام) ما ملأ الخافقين فضائل ومعارف، فقد اتصف (عليه السلام) بصفات الكامل التي لم تجتمع بأحد سواهُ لا في الشرق، ولا في الغرب، فهو الشخصية الفريدة التي لا يوجد لها مثيل أو شبيه، وعلى الرغم من كل ذلك تبقى شخصيته مهما كُتب عنها من بحوث ودراسات تحتاج للمزيد من البحث والتقصي.

ودراسة حياة الإمام علی (عليه السلام) تمثل أهمية خاصة في المصادر الشامية في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، ومن دواعي اختياري لهذا الموضوع هو معرفة رأي المؤرخین المسلمين في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي في بلاد الشام بالإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن مختلف المذاهب الإسلامية (الشافعي والحنبلل والمالكي والحنفي)، فضلا عن أنَّ هذه الدراسة تزدحم بها التفاصيل والوقائع ازدحاماً لا يؤذن بانتهاء، تمثلت في شخصيته الفذة (عليه

ص: 10

السلام) مكارم الأخلاق، ومُثل الفضيلة والإنسانية الكاملة التي لم تقف دون بيانها براعة الكاتب، أو المؤرخ ،وقد شهد القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي ظهور عدد من المؤرخين الشاميين، وبمختلف مصنفاتهم التاريخية، وفي ضوء ما تقدم أردنا الخوض في موضوع الإمام علی (عليه السلام)، وإبراز الصحيح من حياته في صفحات هذه الدراسة، وعدم التسليم لبعض الروايات التي أوردها مؤرخو الشام في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي.

وقد واجهت الباحثة مصاعب كبيرة في الحصول على المصادر التي تطلبها البحث، وذلك لعدم توفرها في المكتبات العامة والخاصة، وبعد جهد ومشقة حصلت الباحثة على اليسير الذي أخرج البحث بصيغته المتواضعة، وقد انحصرت الأخبار التي أوردها المؤرخون الشاميون عن أمير المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام).الفصل الأول الذي ابتدأ بذكر حياته ونشأته، وحتى الفصل الرابع الذي ورد فيه استشهاد أمير المؤمنین (عليه السلام) سنة ( 40 ه/ 660 م). وقد احتوت المصادر الشامية على الكثير من الأقوال والأحاديث التي امتازت بتكرارها، ولذلك قمنا باختصار بعض منها بشكل لا يؤثر على المادة العلمية المدروسة.

وقد اشتملت الدراسة على مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة، اختص الفصل الأول بحياة الإمام (عليه السلام) ودوره في المصنفات الشامية، وجاء في مبحثین:

المبحث الأول (الإمام علی (عليه السلام) حياته ونشأته في العهد المكي)، والمبحث الثاني (دور الإمام (عليه السلام) في العهد المدني حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما الفصل الثاني فقد جاء في مبحثين أيضاً: المبحث الأول عن (السرايا والبعوث)، والمبحث الثاني عن (الغزوات والحروب)، أما الفصل الثالث فقد خصصناه ل-(دور الإمام علی (عليه السلام) في عهد الخلفاء الراشدين (11ه-- 35 ه- / -632 / 655 م))، وجاء في ثلاثة مباحث: الأول (دور الإمام علي (عليه السلام) في

ص: 11

عهد الخليفة أبی بکر (11 ه-- 23 ه-/ 634 م- 643 م))، المبحث الثانی(دور الإمام (عليه السلام) فی عهد الخليفة عمر بن الخطاب ( 13 ه-- 23 ه-/ 634 م- 643 م))، والثالث (دور الإمام (عليه السلام) في عهد الخليفة عثمان بن عفان ( 23 ه-- 35 ه-/ 623 م- 655 م))، أما الفصل الرابع فقد خصص ل-(خلافة الإمام (علیه السلام) وأبرز الأحداث فيها، وقد جاء في ثلاثة مباحث: المبحث الأول في (بيعته للخلافة)، والمبحث الثاني (جهاد الإمام (عليه السلام) ضد الخارجین على خلافته ( 35 ه- 40 ه/ 655 م-/ 660 م))، والمبحث الثالث جاء عن (استشهاده ودفنه وموضع قبره)..

وقد اعتمد البحث على العديد من المصادر والمراجع، وهي كثيرة وسوف نذكر الأساسية منها بالنسبة لموضوع البحث، ويمكن تقسيمها على :

أولاً : كتب السيرة النبوية

تُعدُّ كتب السيرة النبوية من المصادر ذات الأهمية الكبيرة، التي اعتمدناها في توثيق عدد كبير من الروايات والأحاديث النبوية عن الإمام (علیه السلام) ، التي أوردتها المصادر الشامية، ومن هذه الكتب كتاب (سبل الهدى والرشاد) لمحمد بن يوسف الشامي (ت 942 ه-/ 1535 م)، وقد ذكر فيه سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم وإع الم نبوتهِ، وشمائله، وسيرته، وأفعاله، وأحواله، وتقلباته إلى أن نقلهُ الله إلى أعلى جناته، و المؤلف لم يذكر فيه شيئاً من الأحاديث الموضوعة فيه، وقد أمدَّنا هذا الكتاب بمعلومات مهمة عن حياة الإمام (علیه السلام) في اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته، وصفاته، وفضائله، وعلمه، وزواجه، وحروبه، وغزواته التي شارك فيها إلى جانب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبطولاته، وعن شعره، وحياته مع سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، زيادة

ص: 12

على ذكر السرايا والبعوث من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها إلى اليمن.

وقد اعتمد المؤلف في كتابه على الأحاديث الكثيرة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق الإمام (علیه السلام) مجسداً فيها صفاته وشامئله الحميدة.

ومن كتب السيرة النبوية كتاب (مرشد المحتار إلى خصائص المختار) لابن طولون (ت 953 ه-/ 1546 م)، فهو يتحدث عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشمائله، وفضل الصلاة عليه، وعن الحقيقة المحمدية، وأسرارها النورانية، وقد أمد الكتاب البحث بمعلومات مفيدة، ومنها حديث الصلح الذي تم بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقريش في الحديبية الذي كتبه الإمام (علیه السلام)، وأورد الكتاب أيضاً معلومات عن ميراث فدك، وغيرها من الحوادت التاريخية التي ذكرناها مفصلة في موقعها من البحث.

وكذلك كتب السيرة المفردة ومنها: كتاب (محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب) لابن عبد الهادي (ت 909 ه-/ 1503 م)، فقد احتوى هذا الكتاب على سيرة عمر بن الخطاب وفضائله، وقد توسع في إيراد الأحاديث والأخبار في هذا الكتاب. وقد أمد الكتاب البحث بمعلومات قيمة عن الأحكام الشرعية التي أصدرها عمر في خلافته، ولكن الإمام (علیه السلام) أصدر حكماً آخر فيها مستنداً إلى القرآن والسنة، وبموافقة الخليفة عمر بن الخطاب ومنها الحكم في رجم المرأة الزانية، والحكم في طلاق الأمة، وفي لبن ناقة من مال الله وغیرها.

ص: 13

ثانياً : التاريخ العام :

من أهم الكتب التي اعتمدناها في هذا المجال كتاب (التاريخ المعتبر في أنباء من غبر) للعليمي (ت 928 ه-/ 1521 م)، ذكر فيه الحوادث العجيبة والوقائع الغريبة والعبر، وأخبار من فات ومن حضر، وفيه أخبار عن الأنبياء، وأحوال الأمم والملوك، وذكر المؤلف فيه تراجم الأعيان من الأئمة الأربعة، والتابعين والعلماء، وأفاد الكتاب البحث بمعلومات عن إسلام الإمام (علیه السلام)، وبقائه في فراش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة ليؤدي الودائع إلى أربابها، ومؤاخاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام (علیه السلام)، وزواج الإمام (علیه السلام) من فاطمة (علیه السلام)، وغزوة بدر الكبرى، فضلا عن ذكره دور الإمام (علیه السلام) في غزوة الخندق، والصلح بین رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقريش، وأيضاً مشاركة الإمام (علیه السلام) في غزوة خبير، وكذلك ذكر خلافة الخلفاء الثلاثة، ودور الإمام (علیه السلام) في حكمهم للدولة، وحروب الإمام ضد الخارجین في الجمل وصفين.

ومن كتب التاريخ السياسي كتاب (النصائح المهمة للملوك والأئمة) للشيخ علوان (ت 936 ه-/ 1526 م). ويعد هذا الكتاب من كتب التاريخ السياسي، إذ وجه فيه المؤلف خطابه للسلطان بأن عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك في فصول عن الصلاة، والزكاة، وهكذا يبدأ المؤلف بتوجيه السلطان ليبعث رسله وعماله للحث على عمل هذا المعروف، وقد قدم الكتاب معلومات مهمة للبحث، وهي أقوال الإمام (علیه السلام) عن العالم والشريعة، والسلطان، وذكر الكتاب روايات عن تواضع الإمام (علیه السلام)، وشفقته على الرعية، وعدله في العطاء، وغيرها من الحوادث.

ص: 14

ومن كتب الأدب التاريخي كتاب (أعلام السائلين) لابن طولون (ت 953 ه-/ 1546 م)، جمع فيه المؤلف الرسائل النبوية الشريفة وهي وثائق تاريخية عرفنا منها كاتبيها، وحامليها، والمرسلة إليهم بأسامئهم، وزمنهم وأمكنتهم. وقد قدم هذا الكتاب معلومات مفيدة للبحث عن الإمام (علیه السلام) منها بعثهُ (علیه السلام) إلى اليمن من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أورد كتاب النبي إلى عمير ذي مران، وإلى كل من أسلم من همدان، وغيرها من المراسلات.

ثالثاً: كتب الحديث :

أفادت هذه الكتب موضوع البحث لاسيَّما كتاب مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 ه-/ 855 م) ، فهو من أشهر كتب الحديث وأوسعها ، يحتوي على ما يزيد على 26 ألف حديث نبوي وفيه الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا توجد في الصحيحین. لقد وضع الإمام أحمد هذا الكتاب ليكون مرجعاً للمسلمين وجعله مرتباً على أسماء الصحابة الذين يروون الأحاديث كما هي طريقة المسانيد فجاء كتاباً حافلاً كبير الحجم. وقد رتب كتابه على المسانيد فجعل مرويات كل صحابي في موضع واحد. كما أفاد الكتاب البحث بالأحاديث الكثيرة التي ذكرها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإمام علی (علیه السلام) مبيناً فيها فضائله وصفاته التي تمثل مبادئ الإسلام وتعاليمه.

والكتاب الآخر هو (مسند البزاز) لمؤلفه أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ابن خلاد العتكي المعروف اشتهاراً بالبزاز، المتوفى سنة ( 292 ه-/ 905 م)، وهذا الكتاب هو أحد المسانيد الكبيرة في متون السنة وقد رتبه المؤلف وفق إسنادات الصحابة ولم يرتب أسماء الصحابة ترتيباً معجمياً بل بدأ بذكر الخلفاء الأربعة ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم ترجم للعباس فالحسن والحسین، ورتب المصنف

ص: 15

الأحاديث تحت كل صحابي على أسماء الرواة الذين رووا عنه كما ذكر الأحاديث مسندة إلا إذا ورد الحديث في أثناء الكلام على الأحاديث أو لبيان إنه ترك هذا الحديث لعلة كذا فربما علّق السند أو بعضه فيبدأ بذكر السند ثم المتن إلا إذا جاء الحديث في أثناء الكلام عليه فيؤخر السند. ونبّه على الخلاف في الألفاظ بین الرواة ونبّه على الموافقات والمخالفات والشواهد والمتابعات ونبّه على انفرادات الراوي وما يستتبع ذلك من وجود علّة أو نحو ذلك. وكشف عن العلة الخفية والجلية وميّز فيه صحيح الحديث وسقيمه ومعوجه ومستقيمه، كما تكلم عن رواة الحديث من حيث الجرح والتعديل. كما أفاد الكتاب البحث في خطبة الرسول في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم الثقل ني... وأذكركم بأهل بيتي))، وحديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما سألوه من تؤمر بعدك قال: ((إن تؤمروا علياً تجدوه هادياً مهديا))، وحديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (علیه السلام) عن الخليفتين أبي بكر وعمر بأنهما سيدا كهول أهل الجنة، وحديثه عن الإمام علي : ((ألا تستخلف علينا)) وحديثه عن الخلافة بعده ثلاثون سنة، وعن معركة الجمل وخروج عائشة لقتال الإمام علی (علیه السلام).

أما كتاب (السنن الكبرى) للنسائي (ت 303 ه-/ 915 م) فقد اشتمل على عدد من النصوص المسندة رتّبها المؤلف تحت عدّة كتب كل كتاب تحته أبواب، فضلا عن ذكر المؤلف للنص الواحد عدداً من الطرق في مكان واحد، ويشير إلى العلل الواقعة في بعض الأسانيد ولاسيما المخالفات والموافقات في الطرق والألفاظ. وقد زاد المؤلف بعض الأبواب وبعض النصوص في السنن الصغرى ليست موجودة في الكبرى، وقد ضمّن المؤلف هذا الكتاب كتباً لا تكون عادةً في كتب السنن ككتاب الفضائل، وكتاب التفسير وغيرها. وهذه محلها في الجوامع وكتب الصحاح وما أشبهها لذا لم يتعرض لها في المجتبى. لقد أفاد الكتاب البحث بالأحاديث النبوية

ص: 16

الشريفة التي رواها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن زواج الإمام علی (علیه السلام) وفي إيمانه وإسلامه وبيعة الغدير ودور الإمام في غزوة خيبر.

وكذلك كتاب (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير (ت 606 ه-/ 1209 م)، وهو كتاب جامع لغريب الحديث النبوي وغريب الآثار، وقد استفاد البحث من هذا الكتاب بتفسير المعاني وغريب الألفاظ التي وردت في أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه. أما كتاب (النهاية في اتصال الرواية) لابن عبد الهادي (ت 909 ه-/ 1503 م)، فقد عمل المؤلف في هذا الكتاب على إيراد الأحاديث، والآثار بأسانيده المتصلة في جلِّ كتبه، فأمدّ البحث بمعلومات عن الأحاديث التي قالها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (علیه السلام)، وتتصل رواية هذه الأحاديث بالسيدة فاطمة (علیه السلام) أو عبدالله بن جعفر أو عمار بن ياسر، وغيرهم من الصحابة.

رابعاً: كتب الطبقات والتراجم:

من هذه الكتب التي أفادت البحث وأغنتهُ بمعلومات قيمة كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد (ت 230 ه-/ 844 م) ، ويُعدُّ هذا الكتاب مرجعاً في السيرة النبوية والتراجم والتواريخ، فقد تناول المؤلف فيه السيرة النبوية المطهرة عارضاً لما كان يفتي في المدينة المنورة، ولجمع القرآن، وقد قدم تراجم للصحابة، ومن بعدهم التابعین، وبعض الفقهاء والعلماء، وقد أفاد الكتاب البحث بمعلومات عن اسم المترجم له ونسبه، وإسلامه، ومآثره، وما ورد في فضله ترجمة مطولة، ولذلك قمنا باختصار هذه التراجم.

ومن الكتب الأخرى كتاب (الثقات) لمؤلفه ابن حبان المتوفى سنة

ص: 17

(354 ه-/ 965 م). ويعد الكتاب من المراجع العلمية المهمة في علم الجرح والتعديل ومعرفة أحوال الرجال، ويرجع إليه أئمة هذا الشأن للكشف عن أحوال الرجال ومعرفة الثقات من المجروحین، و هذا الكتاب يعد موسوعة ضخمة في أسماء رواة الحديث، و ابن حبان يجرح الراوي ويفسر هذا الجرح غالباً ولهذا فائدة مهمة عند تعارض الجرح والتعديل في الراوي ويسوق المؤلف ما يُستنكر من حديث الراوي المترجم وهذه الفائدة من أهم فوائد هذا الكتاب. ومن فائدة ذلك أيضاً معرفة ما يُستنكر من حديث الراوي ليتمكن الباحث من النظر في حاله. كما يتميز ابن حبان في كتابه هذا بعباراته القوية. وقد قدّم الكتاب معلومات مهمة للبحث عن تراجم الرجال والشخصيات التي ورد ذكرها في البحث ترجمة وافية.

وأما كتاب (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 ه-/ 1038م) فهو حسن معتبر في التراجم وموسوعة في تاريخ النساك والزهاد ويشتمل على زهاء ( 800 ) ترجمة ويتضمن أسماء جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن الأئمة الأعلام المحققين والمتصوفة والنساك في عصره مع بعض أحاديثهم وكلامهم. وقد ابتدأ بترجمة أبي بكر وباقي الخلفاء ثم تتمة الصحابة العشرة ثم زهاد الصحابة وأهل الصفة ثم التابعین وتابعيهم ثم من يليهم إلى عصره. كما أطال المؤلف في ذكر الأسانيد وتكرار كثير من الحكايات ويعتبر أجمع كتاب وصل في تراجم النساك والزهاد من الصحابة والتابعین حتى أوائل القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. ويعد كتاب حلية الأولياء موسوعة علمية ضخمة وذلك بما حواه من مادة علمية غزيرة متعددة الجوانب، كما اشتمل الكتاب على رواية عدد كبير من الأحاديث من طرق تفرد بها أصحابها من الغرائب التي قلما توجد مسندة إلا في كتاب حلية الأولياء. وقد احتوى الكتاب على ذكر طائفة من رواة الحديث، وجاءت في تراجمهم بعض العناصر المهمة في تراجم الرواة كذكره لنسب الراوي وما وصف به من العبادة والصلاح.

ص: 18

وقد أفاد كتاب حلية الأولياء البحث بأحاديث كثيرة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإمام علي (عليه السلام) في زهده وحبه للمساكين وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علی أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وإن الإمام (عليه السلام) هو الأول في الإيمان والأوفى بعهد الله.

ومن الكتب الأخرى كتاب (الاستيعاب) لابن عبد البر (ت 463 ه-/ 1070 م)، وهو من الكتب التي ألفت في تراجم الصحابة، فترجم فيه مؤلفه لعدد كبير من الصحابة، وقد جمع فيه من صحَّت صحبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيذكر اسم الصحابي، ونسبته، وشيئاً من سيرته، وما وقع له ووفاته، وعمره، وكذلك يذكرالصحابي، ومن روى عنه وشيئاً ممن روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد استفاد البحث من كتاب الاستيعاب في ترجمة الشخصيات والرجال الذين كانوا صحابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام (عليه السلام)، وحتى غير الصحابة بدءاً بالولادة وحتى الوفاة.

أما كتاب (تقريب التهذيب) لابن حجر (ت 852 ه-/ 1448 م)، فهو كتاب الأحاديث النبوية الشريفة، وقد اقتصر ابن حجر في كتابه هذا على اسم المترجم له مختصراً، ودرجة توثيقية، ووظيفته، وتميز الكتاب بأنه لخَّص الكلام على الراوي بعبارات قصيرة جامعة محررة، وقد أورد الكتاب معلومات غاية في الأهمية للبحث، فقد ترجم للشخصيات والرجال الذين وردت أسماؤهم في البحث بشكل مختصر مفيد. أما كتاب (العقد التمام فيمن زوَّجهُ النبي عليه عليه السلام) لابن عبد الهادي (ت 909 ه-/ 1503 م)، فإنَّه يبحث في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النكاح في تزويجه بعض الصحابة، والنساء اللواتي زوجهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحق لهنَّ أن يفخرنَ بهذا الزواج، وذلك لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي زوَّجَهُن، وقد أفاد هذا الكتاب البحث بمعلومات قيمة عن

ص: 19

زواج الإمام علی (عليه السلام) من فاطمة الزهراء وذكر مهرها وجهازها، وأثاث بيت الإمام وفاطمة (عليه السلام).

ومن كتب التراجم التي اعتمدها البحث هو كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) لمجير الدين العليمي (ت 928 ه-/ 1521 م)، والكتاب خلاصة لتواريخ القدس الشريف وبلدة الخليل، وقد أضاف المؤلف في كتابه نبذة من الحوادث والوفيات، وما يتعلق به من ذكر الملوك، والكبراء، والقضاة، والعلماء حتى عام 900 ه-/ 1494 م، زيادة على ذكره بعض الحوادث التاريخية التي تخص الإمام علياً (عليه السلام).

لقد أفاد الكتاب البحث بمعلومات عن زواج الإمام علی (عليه السلام) من السيدة فاطمة (عليها السلام) وعندما أعطى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية لعلی بن أبي طالب (عليه السلام) في معركة أحد بعد مقتل مصعب، وفي الكتاب معلومات عن بيعة الإمام (عليه السلام) للخلافة ووفاته وعمره.

ومن كتب التراجم التي أفادت البحث وقدمت معلومات مهمة له، كتاب (الأئمة الاثنا عشر عند الإمامية) لابن طولون (ت 953 ه-/ 1546 م)، والكتاب عبارة عن شذرات منتقاة في تراجم الأئمة الاثنا عشر الذين تسلسلت فيهم الإمامة، أفاد الكتاب البحث بمعلومات مهمة عن اسم الإمام (عليه السلام ونسبه، وكنيته، وعلمه، وإسلامه، وهجرته، إلى المدينة، والمعارك التي شهدها مع الرسول (عليه السلام) إلا تبوك، وعن قضائه وزهده، وأشار الكتاب بمعلومات عن إعطاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية له يوم خبير وهو أرمد، وذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) آية المباهلة، وخطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، وبيعة الإمام (عليه السلام) بالغدير، كما أورد معلومات عن مقتل الإمام (عليه السلام)، ووصيته، وأولاده، وبناته، وذكر أحاديث للرسول (صلى الله

ص: 20

عليه وآله وسلم) عن ذهاب الإمام (عليه السلام) إلى اليمن.

خامساً : كتب الأنساب

كتاب (انساب الأشراف) للبلاذري (ت 279 ه-/ 891 م) يعدُّ هذا الكتاب من المصادر المهمة في دراسة الأسرة العلوية ؛ فالبلاذري اهتم بتاريخ بني هاشم بصورة عامة، وتاريخ العلويين بصورة خاصة، وقدم معلومات وافية، وإنْ كان بعضها مختصراً إلا أنّهَا ذات قيمة تاريخية، وقد أفاد البحث في ترجمة العديد من الشخصيات الواردة في البحث، وذلك بذكر نسب المترجم له وكذلك ذكر الأخبار والتقصی بها. أما كتاب (الشجرة النبوية في نسب خير البرية) لابن عبد الهادي (ت 909 ه-/ 1503 م) فالقارئ يستطيع أن يصل إلى الشخصيات الواردة في الكتاب دون إطالة، وقد أفاد الكتاب البحث بأن قدم له معلومات ذات أهمية عن بقاء الإمام (عليه السلام) في فراش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة، وذلك لإرجاع الودائع التي كانت عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأورد الكتاب معلومات عن تغسيل الإمام (عليه السلام) الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة عليه عند وفاته.

كما أورد الكتاب معلومات عن اسم الإمام (عليه السلام) وكنيته وولادته وغير ذلك، وفيه أيضاً معلومات عن زواج الإمام (عليه السلام) من السيدة الزهراء (عليه السلام) ومعلومات عن وظائف الإمام (عليه السلام) في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 21

سادساً : كتب اللغة :

ومن كتب اللغة التي اعتمد عليها البحث كتاب (العین) للفراهيدي (ت 174 ه-/ 790 م) وهو أول معجم منسق للغة العربية، يعتمد في ترتيبه على مخارج الحروف من أعمق نقطة من الحلق مروراً بحركات اللسان، وحتى أطراف الشفتين، وبذلك يكون أول حروفه العین وآخرها هو الميم، وقد قام الفراهيدي بوضع الضوابط والأسس التي يتم من خلال تطبيقها والاحتكام إليها تهذيب اللغة، ومعرفة أصالة مفرداتها، والوقوف بوجه من يدخل على العرب ما ليس من كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت، وقد أفاد كتاب الع ني البحث إفادة كبيرة، وذلك بإعطاء معاني الكلامت الغامضة والغريبة التي وردت في نصوص البحث، أما (معجم ديوان الأدب) للفارابي (ت 350 ه/ 961 م)، فقد جاء متصفاً بالإيجاز لأن مؤلفه تجنب التوسع والإطالة بالابتعاد عن المسائل الفقهية والكلامية. وقد أفاد هذا المعجم البحث فائدة كبيرة إذ قدم معانٍ للمفردات الغريبة التي جاءت في نصوص البحث.

ومثله كتاب (تهذيب اللغة) للأزهري (ت 370 ه-/ 980 م)، وقد اتبع الأزهري في كتابه نظام المخارج، وبدأ بحرف العین، واعتنى بالشواهد القرآنية والحديثية، والقراءات المختلفة، وأشار إلى المهمل، وسبب إهماله، واهتم بنسبة الأقوال إلى أصحابها، واعتنى بذكر المواضع والبلدان، وتوسع في ذكر الألفاظ، وقد أفاد البحث في تفسير معاني الكلامت والمفردات الغريبة التي وردت في نصوص البحث.

أما معجم (لسان العرب) لابن منظور (ت 711 ه-/ 1311 م)، فقد أفادنا في توضيح العديد من المصطلحات اللغوية التي احتاجت إلى المعاجم اللغوية، لتكشف لنا عن بيان معانيها، ومنها هذا الكتاب، فكان له الدور الكبير في إماطة اللثام عن

ص: 22

العديد من المصطلحات اللغوية لرجل الفصاحة والبلاغة الإمام علي (عليه السلام)، ويعد هذا الكتاب موسوعة أدبية ولغوية لغزارة مادته العلمية، واستقصائه، واستيعابه لجلِّ مفردات اللغة العربية.

أما كتاب (تاج العروس) للزّبيدي (ت 1205 ه-/ 1790 م)، فهو على تأخره يُعدُّ من أوسع معاجم اللغة، وأغزرها مادةً، وأكثرها عنايةً وجمعاً واستقصاءً لأع الم الأشخاص والبلدان، والمواضع، والنبات، والأعجمي، والمولد، والمعرب، والدخيل، حتى غدا موسوعة تضم مفردات العربية، وقد أفاد البحث فائدة في إيراد معاني للكلامت، والمصطلحات الغريبة التي جاءت في نصوص البحث.

سابعاً : كتب الجغرافية التاريخية

كتاب (المسالك والممالك) لابن خردذابة (ت 280 ه-/ 893 م)، يبدأ الكتاب بمعلومات جغرافية، ورياضية، ولاسيما وصف هيئة الأرض على أساس رأي بطليموس، ويتحدث عن اتجاه القبلة في مختلف المدن، والكتاب يعرض معلومات مهمة للغاية عن الطرق، والمسافات، وميزان الخراج، والألقاب، ومنهجه أخرى يقدم مسائل غريبة وعجيبة بعيدة عن التصديق والإذعان، وقد أفاد الكتاب البحث بمعلومات مهمة عن الطرق والمسافات، وفي وصف البلدان، والتقسيمات الإدارية فيها.

وكتاب (معجم ما استعجم) للبكري (ت 487 ه-/ 1094 م)، وهو كتاب جغرافي، ولغوي، وقد وردت فيه أخبار، وتواريخ، وأشعار من المنازل والديار، والقرى، والأمصار، ويذكر ما بها من معالم، ومشاهد، وجبال، وآثار، ومياه، وآبار، والدارات، والحرار، منسوبة محددة مبوبة على حروف المعجم، وألَّف البكري هذا

ص: 23

المعجم بسبب كثرة أسماء الأماكن التي ترد في الأحاديث، والأشعار، والسير، والتواريخ، و هذا المعجم ليس من المعاجم العامة للبلدان، إنما هو معجم لغوي دقيق من الناحية اللغوية، والنحوية، والصرفية، وقد وردت فيه أسماء البلدان وأماكن لم ترد في معجم البلدان لياقوت الحموي.

وأفاد هذا المعجم البحث بمعلومات مهمة جداً عن المدن، والأماكن، والمعالم، والقرى، والأمصار التي وردت في البحث.

وكذلك كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي ( 626 ه-/ 1228 م)، وقد أسهمت كتب الجغرافية في تحديد الكثير من المواقع الجغرافية الواردة في هذا البحث وقدمت معلومات مهمة عن بعض المدن، والأحداث التي حدثت فيها، كما أنها أوردت وصفاً للبلدان، والمدن، والدول بأسلوب عربي بليغ ومنها هذا الكتاب.

ثامناً : المراجع

اعتمد البحث على مراجع عدة، منها: كتاب (الأعلام) للزركلي (ت 1396 ه-/ 1976 م)، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين، والمستشرقين، واستوعب المؤلف -أو كاد- المشاهير من المترجم لهم على مر التاريخ، ولم يختص بطائفة دون أخرى، أو شخصية دون أخرى، أو عصر دون عصر، وإنام جعل أساس الترجمة شهرة المترجم له، وقد لخَّص وصف من يُترجم له بأنه من كان صاحب علمٍ أو خلافة، أو مُلك، أو إمارة، أو من كان من أصحاب المناصب العليا والتقدم، في دولة، أو مذهب، أو فكر، المهم أن يكون الشخص المُترجم ممن يتردد ذكرهم ويُسأل عنهم، وقد أفاد كتاب الأعلام البحث في ترجمة المشاهير من المؤرخین والمؤلفین الذين وردت أسماءهم في البحث.

ص: 24

و(معجم اللغة العربية المعاصرة) للدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت 1424 ه-/ 2003 م)، وهذا المعجم قام بإثبات كافة المعلومات التي ينتظرها مستعمل المعجم، والتي تبتعد عنها المعاجم الأخرى، أما تيسيراً للوقت، أو العجز عن تناولها، فضلا عن إطاء المعجم اهتماماً بالغاً بالمصطلحات التي تنوعت، و صاحب المعجم تجنب عيوب الأعمال السابقة، فهولم يعتمد اعتماداً كلياً على معاجم السابقين وإنما ضمَّ مادة غنية بالكلمات الشائعة، والمستعملة باستخدام تقنية حاسوبية متقدمة تم بمقتضاها إجراء مسح لغوي مكثف لمادة مكتوبة، ومسموعة تمثل اللغة العربية المعاصرة أصدق تمثيل، وقد أفاد معجم اللغة المعاصرة البحث، بتفسير المعاني، والمفردات الغامضة غير المفهومة، وإعطائها معانيٍ لتوضيح غامضها.

ص: 25

ص: 26

تمهيد بلاد الشام في القرن العاشر الهجري

اشارة

ص: 27

ص: 28

التمهيد

1- الأحوال العامة لبلاد الشام في القرن العاشر الهجري :

الحالة السياسية

قامت الدولة المملوكية في مصر على أنقاض الدولة الأيوبية وبالتالي أصبحت بلاد الشام تحت سيطرتهم أيضاً(1) .

ويبدو أن هذه المرحلة الزمنية كانت هامة في تاريخ الأمة الإسلامية في مصر وبلاد الشام وهي الفترة الممتدة من نهاية المماليك الى بداية العثمانين وما ترتب على هذا الانتقال من تغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وإدارية في مصر وبلاد الشام(2) .

فالأحداث السياسية في تلك الفترة مليئة بالفتن والاضطرابات والثورات المتكررة على السلاطين، فلذلك نجد أن عدد السلاطين الذين بويعوا في هذهِ الفترة قد وصل الى ثلاثة وعشرين سلطاناً، كما إن تلك المناطق - مصر وبلاد الشام - قد أصبحت

ص: 29


1- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، بحث منشور عى الموقع الألكروني www.alkottob.com ، ص 9
2- ابن الحمصي، حوادث الزمان، ج 1/ص 5

مسرحاً للصراع ب ني قوى متعددة(1) .

وهذا الصراع حمل عدد اً كبيراً من ابناء الجراكسة على دخول سوق النخاسة ونقلوا الى مصر. وقد اختلف هؤلاء في مقدرتهم على الحكم وقدراتهم من حيث الشخصية والعلم والجهل والدهاء والسذاجة والظلم أو العدل ،فضلا عن اضطراب الأسواق بشغب المماليك الذين يسمون (الجُلبان)(2) وقد عمَّ فسادهم في هذا العصر وصاروا أذى للناس في كل مكان وغطت مساوئهم اواخر القرن التاسع/الخامس عشر الميلادي واوائل القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وقد اشتهر عصرهم هذا بأحداث سياسية كثيرة شغلت السلاطين والنواب عن القيام بما يجب عليهم إزاء دينهم وأمتهم(3) .

وقد تعرضت دولة المماليك في مصر وبلاد الشام لكثير من الثورات الداخلية والفتن(4) .

كما اشتهر عصر المماليك بالمؤامرات وكثرة الدسائس التي تحاك في الظلام ضد اعدائهم أو ضد بعضهم، الآباء ضد الأبناء والأبناء ضد الآباء والزوجات ضد الأزواج والأولاد ضد الأمهات والأمهات ضد فلذات الأكباد(5) .

ص: 30


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 10
2- الجلبان: الجلب ما جلب من غنم أو سبي، ويقال: جلبت اليء جلباً والجليب الذي يجلب من بلد الى غيره والجلبان من المماليك. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج 1/ص 268
3- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 1/ ص 18
4- المصدر نفسه، ج 1/ ص 19
5- المصدر نفسه والصفحة

وبسبب الفوضى التي سادت بین المماليك وما يحصل بينهم من فتن واغتيالات شغلتهم عن رعيتهم جعل الأعراب يغيرون على البلاد وبخاصة المدن كالقاهرة ودمشق وكانت علاقتهم بالسلطان ونائب دمشق علاقة عداء أدت الى حصول الكوارث والفتن ، وفي سنة ( 906 ه-/ 1500 م) زاد شرهم وقطعوا الطريق على الحجاج والتجار(1) ، حتى نودي في دمشق بالجهاد ضدهم ،وفي السنة التي بعدها سنة ( 907 ه-/ 1501 م) وصلوا الى اطراف دمشق ونهبوها فخرج عليهم نائب دمشق ومعهُ مقدم البقاع ناصر الدين الحنش،(2) ثم تتالت الهجامت عليهم وهكذا كانت الحرب سجال ولم تحسم بأي حال(3) .

وربام تكون هذهِ الثورات والانتفاضات في اطراف دمشق احتجاجاً أو اعتراضاً أو رفضاً لحكم المماليك وأساليهم في سياسة البلاد ولا شك إن هذا عمل غير مشروع(4) .

ولا ريب إن الأحداث السياسية قد اظهرت ان المنطقة في تلك الحقبة تتحكم بها

ص: 31


1- المصدر نفسه، ج 1/ ص 20
2- ناصر الدين الحنش: ينتمي الى أسرة آل حنش وكان لها دور في ادارة شؤون مناطق واسعة من باد الشام في عهد المماليك الشراكسة ،وفي بداية العهد العثاني خرج ناصر الدين صاحب صيدا والبقاعن عن طاعة السلطان العثاني وقد استولى عن جان بردي الغزالي عى صيدا وفرّ الامر ناصر ثم قتل فولى السلطان سليم الاول عى بروت وصيدا. وقد اصبح ناصر بن حنش مركز قوة خال الفرة الانتقالية بن المماليك والعثمانين. ابن طولون، مفاكهة الخان في حوادث الزمان، ج 2/ص 77
3- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 1/ ص 20
4- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 1/ ص 20 - 21

ثلاث قوى تلتقي وتفترق وفقاً لمقتضيات المصلحة المتعلقة بكل منها(1) ، أما تلك القوى فهي:

1- الدولة المملوكية في مصر والشام

2- الدولة الصفوية في إيران

3- الدولة العثمانية في آسيا الصغرى وكان التنافس يجر بأطراف تلك القوى كل على حساب جارتها.

وقد سبقت الدولة المملوكية في نشوئها كلاً من الدولتين السابقتين ولقد واصلت الدولة المملوكية الثانية الجراكسة صراعها ضد الصليبيین والمغول ووصلت الحدود الشاملية للدولة الى منطقة ملطية(2) والأبلستين(3) . أما القوة الثالثة في المنطقة فهي الدولة العثمانية في آسيا الصغرى وسرعان ما اتسعت رقعتها وبقيت علاقتها بالدولة المملوكية الثانية علاقة ودية(4) .

ص: 32


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 10
2- ملطية: بفتح أوله وثانيه وسكون الطاء وهي مدينة من بناء الاسكندر فيه جامعها من بناء الصحابة كا انها تقع بأرض الروم وهي مدينة مشهورة تتاخم الشام وبها جبل فيه عن و هذه العین يخرج منها ماء عذب ضارب الى البياض يشربه الانسان لا يضره شيء فإذا جرى مسافة يسرة يصر حجراً صلداً. القزويني، آثار الباد وأخبار العباد، ج 1/ص 564 ؛ ابن عبد الحق، مراصد الاطاع، ج 3/ص 1308
3- الابلستين: بفتح الالف وضم الباء وياء ساكنة وهي مدينة مشهورة بباد الروم وقريبة من أبسس وهي مدينة أصحاب الكهف والرقيم وقيل هي مدينة دقيانوس وفيها آثار عجيبة وأصلها كلمة فارسية من البستان مركبة من الب أي شجاع وسيتان هو مكان وتكتب في التواريخ العربية أبلستين. الحموي، معجم البلدان، ج 1/ص 75
4- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 10

وقلق العثمانيون بسبب استيلاء المماليك في عهد الأشرف برسباي على جزيرة قبرص. وهكذا استمرت العلاقات الودية بين الدولتين الى إن تحرش السلطان سليم الأول ( 918 - 926 ه-/ 1512 - 1520 م) بالمماليك بحجة إنهم وقفوا موقفاً عدائياً من العثماني ني الذاهبین لمحاربة الصفويین، مما دعا السلطان الغوري الى التقارب مع إسامعيل الصفوي ( 907 - 930 ه-/ 1501 - 1524 م) والتحالف معهُ فأخذ السلطان سليم يعمل على القضاء على هذا التحالف وانتهى الإمر بهزيمة المماليك في معركة مرج دابق(1) .

وقيل: إن السلطان سليماً قطع رأس الغوري وأرسله الى اسطنبول في حین دفنت جثتهُ عند حلب والصحيح إنه لم يعلم حاله فاختير طومان باي سلطاناً سنة 922 ه- وتلقب بلقب الأشرف وهو آخر سلاطين المماليك في مصر والشام(2) .

كما ذكر خروج قانصوه الغوري(3) من مصر الى بلاد الشام لمواجهة العثمانيين في مرج دابق وهزيمتهِ ونهايتهِ ثم اجتياح العثمانيين مصر وبلاد الشام وما رافقها من حالة الفوضى والاضطراب والفتن التي قامت وسجل ثورة جان بردي الغزالي(4)

ص: 33


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 11- 13 . مرج دابق: وهي المعركة التي وقعت سنة 922 ه-/ 1516 م والتي قضى بها السلطان العثاني سليم الأول عى دولة المماليك في بلاد الشام في حلب وقتل فيها السلطان قنصوه الغوري. العسري، موجز التاريخ الاسامي منذ عهد آدم عليه السلام تاريخ ما قبل الاسلام، ج 1/ص 273
2- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 13
3- قانصوه الغوري: وهو السلطان المملوكي الذي لقب بالملك الأشرف وقد تولى حكم مر من سنة ( 906 - 922 ه-/ 1500 - 1516 م) وكان كثر الدهاء ذا رأي وفطنة وتيقظ إلا إنه شديد الطمع كثير الظلم بخيلٌ محبٌّ للعارة. العصامي، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، ج 4/ص 61
4- ثورة جان بردي الغزالي: وهي الثورة أو التمرد الذي قام به جان بردي الغزالي والي الشام على الدولة العثمانية وأعلن العصيان عليها وحاول أن يستولي عى حلب الا إنه فشل في ذلك وأمر السلطان سليمان القانوني بقمع الفتنة وقطع رأس المتمرد جان بردي وارسل الى اسطنبول. الصابي،الدولة العثمانية-عوامل النهوض وأسباب النهوض، ج 1/ص 200

بدمشق ضد العثمانيين(1) .

ومما يذكر في هذا العصر الجهود التي بذلت من قبل المماليك في رد الأخطار التي داهمت بلاد الشام. فقد بذلوا جهداً متواصلاً في صد الأخطار الكبرى التي هددت المسلمين عندئذ منها صدهم للخطر الصليبي والمغولي وحماية ثغور البلاد الإسلامية مدة حكمهم فقد كانت حروب المماليك ضد الصليبيین طويلة وعنيفة حتى امتدت الى أرمينية(2) وقبرص(3) وغيرها(4) .

شهدت الحياة السياسية في هذا العصر( أي في نهاية الدولة المملوكية) ضعف سلطان الدولة وكثرت الخلافات بین الأمراء وحصل بينهم التنازع والشقاق أحياناً كثيرة ، بينام كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها وتماسكها مما ساعدها على التغلب على دولة المماليك والاستيلاء على البلاد الشامية والمصرية وما حولها ( 922 ه-/ 1516 م)

ص: 34


1- ابن الحمصي، حوادث الزمان، ج 1/ ص 6
2- أرمينيا: وهي ناحية بن أذربيجان والروم ذات مدن وقاع وقرى كثرة أكثر أهلها نصارى وبها عجائب كثرة وبها جبل الحارث والحويرث لا يقدر أحد عى ارتقائها وقالوا إنها مقرة ملوك أرمينيا ومعهم أموالهم وذخائرهم. القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ج 1/ص 495
3- قرص: وهي جزيرة كبرة في البحر المتوسط بها مدن كثرة وقرى عامرة ومزارع وأنهار وأشجار وثمار وبها معادن الزاج القرصي الذي ليس في الباد مثله شيء وبها من المواشي ما يكفي لبلاد الفرنج. سراج الدين بن الوردي، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، ج 1/ص 169
4- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 15

وهنا تبدأ حقبة جديدة من التاريخ(1) .

فإن ما نال البلاد وأهلها في أواخر حكم المماليك قد عجل بالقضاء على دولتهم وفتح قلوب الناس للسلطان سليم الأول وخدمة كثير من أهل الشأن في البلاد قبل مجيئه، كما إنهم بدأوا يتجسسون للعثماني ني فكان ذلك من العوامل القوية التي فتّت في عضد الجيش الشركسي وإمالة القوة الى الجيش التركي، ففتحت الشام في وقعة واحدة، ولم يبك على دولة المماليك إلا من كانوا باسمها يتمتعون بالخيرات وينالون مظاهرها ويسلبون نعمها(2) .

الحالة الاجتماعية

لقد تألفت مدن القرن العاشر الهجري/السادس عشر المي الدي من عدة طبقات - مجتمع طبقي البنيان شأن المجتمعات الإقطاعية في الشرق والغرب - ورغم تفاوت طريقة الحياة بین طبقاتها لكنها قامت جنباً إلى جنب وترابطت بشبكة قوية، فهناك خيوط ربطت أفراد المجتمع بعضهم ببعض كالعادات والتقاليد والأخوية في الإسلام(3) . و كان المماليك في بلاد الشام أصحاب السيادة والطبقة المسيطرة ذات النفوذ والسلطان في حین خضع أصحاب البلاد الأصليین من أهل الشام للأمرالواقع ورضوا بام فعلهُ المماليك بهم، وقد انقسم أهل بلاد الشام الأصليین الى حضر وبدو وفضلا عن العصبيات العنصرية التي وجدت ببلاد الشام على عصر سلاطين المماليك مثل الأكراد والتركامن والأرمن فقد وجدت ببلاد الشام في ذلك العصر عصبيات عديدة مذهبية ودينية كان لها أثر كبير في الأحداث التي شهدتها

ص: 35


1- المصدر نفسه، ص 15
2- المصدر نفسه، ص 15 - 16
3- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 101

بلاد الشام(1) .

ولكن عند إمعان النظر في المجتمع يتضح انه ينقسم في الواقع الى طبقتين كبريين متميزتین في خصائصهما وصفاتهما ونظر الدولة الى كل منهما:

الأولى : الطبقة الحاكمة وتتكون من المماليك.

الثانية : الطبقة المحكومة وتتألف من فئات الشعب المختلفة.

ويمكن الإشارة الى الآثار الاجتماعية التي نتجت عن ظروف معيشية محددة كالترف والفقر فيما يلي :

1- مظاهر البذخ والإسراف في حياة الخاصة وإهمال أموال العامة.

2- انتشار المجاعات والأوبئة.

3- كثرة الأعياد الدينية والقومية والاحتفالات والمناسبات(2) .

4- إنشاء كثير من المنشآت الاجتماعية المتنوعة مثل الفنادق والخانات والوكالات والأسبلة والحمامات والبيمارستانات وامتلأت المدن بالأسواق العديدة المليئة بأصناف البضائع التي خضعت لرقابة المحتسب(3) .

وتمثلت الحياة الاجتماعية في مصر وبلاد الشام في القرن العاشر الهجري بالأعياد والمواسم والحفلات الشعبية والمواكب وإقامة الزينات في المناسبات الهامة كانتصار جيش السلطان في الحرب وهي انتصار السلطان سليمان القانوني ( 926 - 974 ه-/ 1520 -

ص: 36


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 25 - 26
2- المصدر نفسه، ص 26 - 30
3- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 30 . والمحتسب: هو من يتولى منصب الحسبة، والحسبة من الحساب، وهو منصب كان يتولاه في الدول الاسامية رئيس يرف عى الشؤون العامة من مراقبة الأسعار ورعاية الآداب. مصطفى ابراهيم وآخرون، المعجم الوسيط، ج 1/ص 171

1566 م) عام 929 ه-/ 1522 م في جزيرة رودس(1) فضلا عن ذكر موسم الحج الى الديار المقدسة(2) في الحجاز فسجل أخبار قافلة الحج والمشرفين عليها في مصر والشام في كل عام منذ خروجها من دمشق والقاهرة حتى وصولها وأخبار عودتها وما تتعرض له من مشكلات واعتداءات في الذهاب والإياب(3) .

و ذكرت أيضا جميع الجرائم وأعامل السطو والنهب والسلب التي حدثت في دمشق وضواحيها وقد كتب عن احداث سنة 927 ه-/ 1520 م وهي استمرار الغلاء بدمشق وتزايد الظلم بها وخطف النساء من الأسواق وغيرهِ من القبائح وذكر اخبار الأمراض والأوبئة التي كانت تنتشر في مصر وبلاد الشام بين الحين والآخر كما كتب عن مرض الطاعون(4) .

الحالة الاقتصادية

لقد تمثلت الحياة الاقتصادية بازدهارها وتطور التجارة والصناعة حيث كثر التجار وأهل الحرف والمهن وتوسعت مناحي الكسب(5)

ص: 37


1- جزيرة رودس: وهي الجزيرة التي فتحت في زمن السلطان سليمان القانوني فبعد أن دخل في سياسة تقارب مع فرنسا شنَّ حرباً عى رودس ابتداءً من منتصف عام 929 ه- وكانت حصناً حصيناً لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج المسلمين الأتراك الى الحجاز فضاً عن أعمالهم العدوانية لخطوط المواصات البحرية فاهتم السلطان بفتحها وأعدّ حملة عظيمة ساعده عى تحقيقها انشغال أوربا بالحرب الكبرى بن شارل الخامس وفرانسوا ملك فرنسا. الصابي، الدولة العثمانية،ج 1/ص 201
2- ابن الحمصي، حوادث الزمان، ج 3/ ص 21 - ص 22
3- المصدر نفسه، ج 3/ ص 22
4- المصدر نفسه ، ج 3/ ص 22
5- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 39

وكانت التجارة عصب الاقتصاد في مجتمع بلاد الشام وكان روادها يكوّنون فريقین، أهل اليسار وأولي النعمة وهؤلاء يأتون في المرتبة بعد أهل الدولة مباشرةً، وقد فاق بعض من هؤلاء أحياناً أصحاب السلطة ثروة وجاهاً فبنوا القصور وتنعموا بالرفاهية الزائدة، والفريق الثاني الباعة المتجولون وهم متوسطو الحال1(1) .

وكثرت مهامت المحتسب وكانت وظيفته الذهاب إلى الأسواق وتفتيش على البضائع ومنع الغش وختم المكاييل والموازين(2) .

إن الازدهار التجاري كان أحد ركائز الحكم في هذا العصر، وكان للموقع التجاري الأثر الفعال في ذلك، فقد أصبحت منطقة بلاد الشام مركزاً للتجارة العالمية ،من الشرق جاءت المنتجات الشرقية وعن طريق المدن الشامية وصلت هذه التجارة إلى أوربا وبهذا أصبحت مركزاً للتجار الأجانب وخاصة أهل البندقية(3) .

غير ان هذا الثراء الاقتصادي أخذ في الانهيار بسبب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وجشع الس الطين واضطراب الأمن(4) .

الحالة العلمية

إن العلامء هم الطبقة البارزة في المجتمع الإس المي وهم حفاظ الحديث ومدوّنو التاريخ وهي من أهم العلوم عند العرب في القرون الوسطى، وقد اهتم بها الدارسون والمستشرقون الذين أرادوا الوقوف على أحوال الأمة في قرنٍ أو عصرٍ من العصور، ولهذا فإن دراسة هذه الطبقة وحياتها في ب الد الشام تعطي معلومات مهمة وتلقي

ص: 38


1- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 17 - 18
2- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 39
3- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 21
4- المرجع نفسه والصفحة

الضوء على حياة المجتمع بمختلف وجوهه(1) .

وقد كانت دمشق مأوى للعملاء أكثر من غيرها من مدن بلاد الشام، فقد توافد إليها هؤلاء العملاء في العصر المملوكي من الجزيرة وبغداد وفلسطين، إذ وجدوا فيها الترحيب والتشجيع والأمان ومجالات الدراسة والتحصيل فضلاً عن الانتعاش الاقتصادي وتوفير سبل العيش والفرصة لإنماء رغباتهم المختلفة، وبهذا شهدت دمشق وغيرها من المدن الشامية عصر نهضة بقدوم هؤلاء العملاء، وقد ازدهرت دراسة الحديث والفقه وتأتي مدينة حلب في المرتبة الثانية بعد دمشق كمركز ثقافي علمي. وجد المماليك في العلم وسيلة لجلب قلوب أبناء الشعب ومؤازرتهم(2) .

و ازدهرت الحياة العلمية والثقافية إبّان هذا العصر وغدت دولتهم محط الأنظار ومهبط العلامء وسكنهم وذلك لما أصاب عاصمة الخلافة العباسية بغداد على أيدي المغول سنة 656 ه-/ 1258 م، فكانت مصر والشام مسكن العلامء من المشرق والمغرب(3) .

ومن مظاهر الحركة العلمية في هذا العصر عناية سلاطين المماليك وحرصهم على إنشاء المؤسسات التعليمية من مدارس ومكتبات ورصدت لها الأوقاف لاستدامة الصرف على المدرسین والعلماء(4) . ومن تلك المدارس: المدرسة الظاهرية بدمشق التي أسسها الظاهر بيبرس سنة 659 ه-، والمدرسة المنصورية التي بناها قلاوون داخل باب المارستان(5) . ومن الأسباب الأخرى التي أسهمت في ازدياد النشاط

ص: 39


1- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 39
2- المرجع نفسه، ص 11- 23
3- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 32
4- المصدر نفسه، ص 33
5- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 33 . والمارستان: والجمع مارستانات، والمارستان بكر الراء دار المرضى وهي لفظة فارسية معربة مركبة من بيار: وتعني مريض، وسيتان: وتهني موضع. دوزي، تكملة المعاجم العربية، ج 10 /ص 9

العلمي في بلاد الشام هو كثرة المكتبات في المدارس، فقد كانت المدارس مليئة بخزائن الكتب الوافية لغرض إفادة المدرسین والطلاب، ومن هذه المكتبات ما احتوته خزائن المدرسة العمرية حيث احتوت عدة خزائن للكتب الموقوفة من أناس عدة(1) . وكذلك الأوقاف على المدارس ودور التعليم، فقد حرص السلاطين المماليك وغيرهم ممن أنشأ المدارس على استمرارها في أداء رسالتها في نشر العلم وتعليم الأمة، فقد اهتموا بنظام الأوقاف فمن خلاله يتم تأمین الموارد المالية اللازمة للنفقة على تلك المدارس وغيرها من دور العلم(2) .

وقد أدرك الحكام المماليك والعثمانيون من بعدهم أهمية العلم والعلامء، فأقاموا لهم المدارس والمساجد والزوايا وهذا شيء جديد بالنسبة لأمثالهم من الحكام الذين لا يتمتعون بأي ماضٍ أدبي أو علمي(3) .

وهكذا فالعلماء لم يكونوا طبقة اجتماعية مميزة غير متجانسة أو متداخلة مع غيرها من الطبقات بل كانت حلقة تجمع بينها كلها، وقد لعبوا دور الوسطاء الذين جمعوا أطراف المجتمع بعضها مع بعض، كما اشتهر علامء بلاد الشام بكثرة أسفارهم طلباً للعلم في بعض الأحيان أو لسامع حديث لعالم مشهور، والأماكن التي قصدوها هي القاهرة، ومكة، والقدس ودمشق(4) .

ص: 40


1- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 1/ص 29
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 30
3- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 23
4- المرجع نفسه، ص 27 - 50

2- مؤرخو الشام في القرن العاشر الهجري ومنهجهم في الكتابة والتأليف

يمكن القول بأن مؤرخي الشام في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي الذين اعتمدهم البحث آثروا الإيجاز والاختصار في أكثر مؤلفاتهم وهذا ما جعل القارئ يصل إلى المعلومة دون إطالة وإسهاب وقد يكتفي الكتاب بالإشارة العابرة إلى النسب مثلاً بذكر الاسم ويصل إلى معلومات لا تتجاوز بضع كلمات لتتجلى واضحة أمام القارئ كام في كتاب (الشجرة النبوية) لابن عبد الهادي (ت 909 ه-/ 1503 م)، وكتاب (العقد التامم فيمن زوجهُ النبي (عليه السلام))، لابن عبد الهادي أيضاً، أما كتاب (محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب)، وهو لابن عبد الهادي كذلك، فقد رتّبه على أبواب عدة وهي مئة باب شملت سيرة عمر بن الخطاب، وقد تعددت المصادر لدى المؤلف حيث يورد الحادثة التاريخية من مصادر عدة، ولم يعنى المؤلف بالحكم على المتن أو الإسناد إلا نادراً، وقد ظهر تكرار كثير من الأحاديث والآثار، وقد اعتمد المؤلف على مادة كبيرة من الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابع ني ومن بعدهم.

وكذا الحال في كتاب (النهاية في اتصال الرواية) وهو لابن عبد الهادي، وقد خصصه في اتصال سند الرواية أما بالأئمة أو الصحابة أو التابعین. وأيضاً في كتاب (محض الخ الص في مناقب سعد بن أبي وقاص) لابن عبد الهادي أيضاً فقد عني المؤلف في جعل ترجمته في خمسة وستين باباً منسقة حاوية جميع أحواله وأقواله وأفعاله وشيئاً من مسانيده ونبذاً متفرقة حوله. وقد كان المؤلف حريصاً على تفريق بعض الأحاديث على الأبواب لاشتمالها على أكثر من فضيلة له فيها.

أما كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) لمجير الدين العليمي (ت928 ه-/ 1521 م) الذي قال فيه: ((فهذا مختصراستخرت الله تعالى في جمعهِ وسألتهُ

ص: 41

المعونة لي بفضلهِ في ترتيب وضعهِ وقد تمكنت من أن أجمعهُ من كتب المتقدمین وأهذب ألفاظهِ من فوائد المؤرخ ني وتراجم الأعيان على وجه الاختصار فاستعنت بالله سبحانه فيام قصدته))(1) . وقد صاغ العليمي كتابه بأسلوب دقيق يمتاز بالرشاقة والرصانة والأمانة العلمية، كما قدم لنا المؤلف صورة دقيقة واضحة المعالم بينة القسمات حول حدود المدينتین القدس والخليل والأحياء التي كانت تضمها فضلاً من الأبنية والمدارس والحمامات والزوايا والُربَّط والمساجد. كما يشير إلى التطورات المستجدة فيهام ولاسيما عند حديثه عن الربع الأخير من القرن التاسع الهجري الذي يحاول المؤلف رصد التحولات الاجتماعية والعمرانية والسياسية في المدينة.

أما كتاب (التاريخ المعت رب في انباء من غبر) للعُليمي، فقد عمد المؤلف فيه إلى تدوين التاريخ بدءاً من آدم (عليه السلام) وحتى عام 896 ه-/ 1492 م مرتباً على السنين وقد اعتمد فيه على الحوليات والحديث عن نشأة الكون والأنبياء منذ عهد آدم وحتى خاتم المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،فضلا عن أن العليمي قصر همه على ذكر تراجم الأعيان من الصحابة والتابعین وذكر الحكامء والصلحاء مؤثراً في سرده الاختصار على التطويل والإكثار بأسلوب سهل ، بعيداٍ عن التعقيد في ذكر الأحداث(2) ، و ذكر سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسلوب مختصر مليح حتى انتهى إلى وفاته(3) .

والحال أيضاً في كتاب (النصائح المهمة للملوك والأئمة) للشيخ علوان (ت 936 ه-/ 1526 م) الذي مال فيه الى الاختصار، إضافة الى تحذيره في كتابهِ العلماء

ص: 42


1- الأنس الجليل، مقدمة المحقق، ج 1/ص 1
2- التاريخ المعتبر، مقدمة المحقق، ج 1/ص 8
3- المصدر نفسه، ج 1/ ص 9

من قبول هدايا الأمراء وتحذيرهُ هذا مستنبط من قصة بلقيس مع النبي سليمان (عليه السلام) ونهج المؤلف في وعظهِ للسلطان الانتقال بین الترغيب والترهيب والترقيق والاعتبار بمن غبر من الجبابرة، كام بینَّ المؤلف أن النصر والعزة للدولة يكونان بالانتصار للضعفاء والأخذ على أيدي المعتدين، كما يلاحظ في الكتاب غلبة الجانب القصصیي والإخباري والوعظي وكذلك استدلاله بالقرآن بآية في سورة يوسف «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ »(1) .

أما رسالة (قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج) لعي بن الحسین الكركي (ت 940 ه-/ 1533 م) ،التي تسمى ب-(الرسالة الخراجية)، فيبدوأن المؤلف قد التزم طابع عصره من تبويب رسالته وفق تمهيد ومقدمات خمس بمثابة فصول ومقالة، المقدمة الأولى تناولت أقسام الأرضين والثانية الأرض المفتوحة عنوة، والثالثة أرض الأنفال، والرابعة تحديد المفتوحة عنوة، والخامسة تحديد دلالة الخراج، والرسالة مستجمعة لهدف البحث وهو الخراج وما يتصل به من ظواهر مرتبطة بمشروعيته زمن الغيبة.

وأيضاً كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) للشامي (ت 942 ه-/ 1535 م )، وقال الشامي ((وقبل الشروع في مقاصد الكتاب أُثبت ما فيه من الأبواب وهي نحو ألف باب))(2) . فضلا عن إشارته بالقول: ((هذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلثمائة كتاب، وتحريت فيه الصواب، وذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من مبدأ خلقه إلى أن نقله الله إلى أعلى جناته))(3) .

كما تميز الكتاب بحسن التنسيق وإحكام التبويب وغزارة المادة وجزيل المباحث

ص: 43


1- يوسف: آية 101 ؛ النصائح المهمة، ص
2- سبل الهدى، ج 1/ص 6
3- المصدر نفسه، ج 1/ص 1

وجم الفوائد.

وكتاب (الأئمة الإثنا عشر) لابن طولون، فقد سلك في هذا الكتاب طريقة الجمع فجمع شذراته من تواليف الذين سبقوه ولم يتوسع بها بل آثر الإيجاز. وقد ذكر أسماء المصادر التي أخذ عنها مثل طبقات ابن سعد وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي. والكتاب جامع أخبار الأئمة، والأحاديث التي ساقها المؤلف في آخر الكتاب ربط روايته بالأئمة الكرام.

أما كتاب (الأحاديث المائة المشتملة على مائة نسبة إلى الصنائع)، فقد جمع ابن طولون فيه الأحاديث المائة مشتملة على مائة نسبة إلى صنعة ما اتخذها من ترجم له من أصحاب الحِرف، وقد رتبها على نسق بديع وحسب حروف الهجاء ثم يتبعها بحديث.

وعن كتاب (إعلام السائلين في سيرة سيد المرسلين)، لابن طولون (ت 953 ه-/ 1546 م) فإنه كتاب تاريخ لأنه صورة لبزوغ فجر الدعوة الإسلامية، وكتاب أدب ، إذ إنه أوتي جوامع الكلم فجاءت رسائله في أوجز عبارة وأدق لفظ، وكونه كتاب لغة فلأن في تلك الرسائل النبوية ألفاظاً جاءت في مواضعها مشتقة من أصولها، وكتاب دعوة فلأن ممُلی الرسائل سيد الرسل وإمام الدعاة صدع بما أمر ودعا إلى ربه على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة. والكتاب فيه تكرار لتراجم بعض الأع الم كالمغيرة بن شعبة والإمام علي(عليه السلام ).

وفي كتاب (مرشد المحتار إلى خصائص المختار) لابن طولون نجدفيه خصائص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاتهِ بصورة دقيقة ومحققة معتمداً على أقوال العلماء فيه، وقد جعل الكتاب واضحاً مرتباً جامعاً في مادته مهذباً في أبوابه وفصوله

ص: 44

ومسائله. فضلا عن رتب كتابه على مقدمة وثمانية فصول.

وفي كتاب (وبل الغمام فيمن زوجه النبي (عليه السلام)) لابن طولون أيضاً نلحظ أنه كتيب مختصر يبحث في سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النكاح.

وكتاب )(نشر اللطايف في تاريخ وج(1) والطائف) لابن عراق الكناني (ت 963 ه-/ 1555 م)، قدم المؤلف دراسة تاريخية عن مدينة الطائف ومن سكنها من الصحابة والتابعین ومن مات فيها ودفن بها من العلماء والمؤرخین وقسمها إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول عن مدينة الطائف وفضلها وسبب تسميتها، والثاني عن دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهجرته إلى الطائف، والثالث في فضل أهم الصحابة الذين نفوا أو ذهبوا إلى هذا المكان وعاشوا به حقبة من عمرهم. أما الخاتمة فكانت بياناً لأهم الآثار والعامرة الإسلامية التي خلفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غزوة الطائف، والآبار التي شرب منها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي كتاب (در الحبب) لابن الحنبلی (ت 971 ه-/ 1563 م)، نرى انه تاريخ عام من سنة 863 ه- الى سنة 971 ه- وقد ترجم المؤلف فيه لرجالات عصره ومن سبقهم بجيل من رجالات أواخر القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي وأوائل القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، واتبع المؤلف طريقة المعاجم في ترتيب ترجماته، فهو يرتب التراجم ترتيباً هجائياً حسب الحرف الأول من اسم المترجم له دون أن يعنى في ترتيب الأسماء المتشابهة بالحرف الثاني، أو بأسماء الآباء أو الكنى. كما عني المؤلف بتاريخ وفاة المترجم وذكر الأحداث التي جرت له مع

ص: 45


1- وج: وهي بلد بالطائف. الرازي، مختار الصحاح، ص 333

المترجم له. فضلا عن عنايته بالأحداث - أي أحداث عصره.

أما كتاب (الدر النضيد في ادب المفيد والمستفيد) للغزي (ت 984 ه-/ 1576 م)، فقد رتب المؤلف الرسالة على مقدمة وستة أبواب وخاتمة، المقدمة في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية، الباب الأول في فضيلة الاشتغال بالعلم، الباب الثاني في أقسام العلم الشرعي، الباب الثالث في آداب المعلم والمتعلم، والباب الرابع في آداب الفتوى والمفتي، والباب الخامس في شروط المناظرة وآدابها، الباب السادس والأخير في الأدب مع الكتب وما يتعلق بها تصحيحاً وضبطاً وحم الً وشراءً.

فالقرن العاشر الهجري/السادس عشر المي الدي هو قرن العلامء الزاهر وخاصة في الدور السياسي الذي أدّوه، فهم طبقة مميزة منفصلة عن باقي أجهزة الدولة تتمتع بالإعفاء من دفع الضرائب وكانت كنقابة بحد ذاتها تقف متراصة بوجه القانون المدني وتتمتع بالاستقلال الذاتي في توزيع مواردها ومدخولها والحرية الكافية في طرق تدريسهم فالعلماء حافظوا على التراث القديم وأبقوا المجتمع مصبوغاً بصبغة إسلامية مميزة(1) .

إن الحقبة الزمنية التي عالجها البحث قد أبرزت تأثر المدرسة التاريخية الشامية منذ نشوئها بالواقع السياسي سلباً أو إيجاباً. وقد أدت الظروف السياسية إلى ازدهار الحياة العلمية والثقافية وخاصةً إبان عصر المماليك والعثماني ني من بعدهم وأصبحت بلاد الشام مسكن العلماء ومحط رحال الفضلاء ،وهذه السمة أهم ما طبعت به الكتابات التاريخية الشامية التي ختمت القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي وابتدأت بالسنوات الأولى من القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي.

ص: 46


1- صعيدي، العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري، ص 107

الفصل الأول:حياة الإمام علي (عليه السلام) ودوره في المصنفات الشامية

اشارة

ص: 47

ص: 48

المبحث الأول الإمام علي (عليه السلام)حياته ونشأته في العهد المكي في المصنفات الشامية

ولادته

ولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة في البيت الحرام لث الث عشرة ليلة خلت من رجب بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(1) . وصادفت ولادة الإمام علي في عام واحد مع الزبير بن العوام وطلحة(2) وسعد بن أبي وقاص(3) .

ولم تشر المصادر الشامية إلى ولادة الإمام علي (عليه السلام) غير ابن عبد الهادي في كتاب الشجرة النبوية، ولا توجد أية أسباب توضح هذا الأمر.

ص: 49


1- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 86
2- طلحة بن عبيدالله بن عثان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، يكنى أبا محمد وهو المسمى طلحة الفياض، قتل يوم الجمل سنة 36 ه- وهو ابن ثاث وستين. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 282
3- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 87 . وسعد بن أبي وقاص بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري، يكنى أبا إسحاق، . مات بالعقيق سنة 55 ه- عى المشهور. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 232

اسمه ونسبه

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المكي المدني الكوفي، أمير المؤمنين، ابن عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،واسم أبي طالب عبد مناف، وهو المشهور، وقيل: إنَّ اسمه كنيته، وأم علی(رضي الله عنهما)، فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّة، وهي أول هاشميّة ولدت هاشميّا، أسلمت وهاجرت إلى المدينة(1) . وكان (عليه السلام) أصغر أخويه سناً فأخوه طالب أكبر من عقيل بع رش سنين، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أكبر من علي بعشر سنين(2).

وذكر (الشامي) (ت 942 ه--/ 1535 م) رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن علی بن أبي طالب (عليه السلام) ولد وأبوه غائب فسمته أمه حيدرة(3) فغيرَّه أبوه إلى علي(4) .

وقد استشهد الإمام (عليه السلام) بهذا الاسم - حيدرة - في أرجوزة له بمعركة الخندق حین خرج يبارز مرحب اليهودي، فقال مرتجزاً(5) :

ص: 50


1- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 262 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 245 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثني عشر، ص 47
2- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 158
3- سبل الهدى والرشاد، ج 12 /ص 246 . والحيدرة: مأخوذ من الحَدْر، وهو نتوء يظهر في الجلد من الضرب، وقيل: هو اسم من أسماء الأسد. الفارابي، معجم ديوان الأدب، ج 2/ص 44
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 246
5- المصدر نفسه، ج 12 /ص 268. وينظر: النويري، نهاية الأرب، ج 17 /ص 254

أنا الذي سمَّتني أمي حيدرة *** كليث(1) غاباتٍ كريه المنظره أوفيهم بالصاع(2) كيل السندرة(3)

أما والدا الإمام (عليه السلام) فأبوه أبو طالب كان كافل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما توفي عبد المطلب، وذلك أنه لما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا أولاده كلهم إلى كفالة رسول الله وحفظه والقيام بنصره، وكلهم نكل وعجز ولم يبذل من نفسه ذلك إلا أبو طالب، وقاه بنفسه دونهم بعد أن رباه حق التربية وكفله حق الكفالة ورعاه حق الرعاية(4) . وقد أجمعت شيعة آل أبي طالب وأهل بيته وعلماء ولده على أنه أسلم ولكنه أخفى إسلامه اتقاء المشركين واستمالة لهم حتى يحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونطق بذلك في شعره، ومنه قوله(5) :

ص: 51


1- الليث: اسم من أساء الأسد، واشتقاقه من اللوث وهو شدة الجسم والصلابة، واستليث الرجل إذا قوي واشتد. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 1/ص 433
2- الصاع: مكيال معروف، وهو أربعة أمداد عند أهل المدينة، وثمانية أرطال عند أهل الكوفة. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 2/ص 1076 ؛ الخوارزمي، مفاتيح العلوم، ج 1/ص 29
3- السندرة: مكيال كبیر، واختلفوا فيه، فقيل هو مكيال كبر مثل القنقل واسع كثراً، والمعنى من القول: إني أقتلكم قتلاً واسعاً كثراً. وقيل السندرة: العجلة، يقال: سندري إذا كان مستعجلاً في أموره حاداً، والمعنى: أقاتلكم بالعجلة وأبادركم قبل الفرار. ينظر: الفراهيدي، العن، ج 7/ص 340 ؛ الأزهري، تهذيب اللغة، ج 13 /ص 103
4- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 162
5- المصدر نفسه، ص 162 - 163 . وينظر: ابن حجة الحموي، ثمرات الأوراق، ج 2/ص 4

واللهِ لنْ يصلوا إليك بجمعهم *** حتى أوّسدَ في الرابِ دفينا

ودعوتني وزعمتَ أنّكَ صادقٌ *** ولقد صدقتَ أو كنتَ قبلُ أمينا

وعرضتَ ديناً قد شهدتَ بأنّه *** من خرِ أديانِ البريةِ دينا

فاقصدْ لأمركَ ما عليك غضاضةً(1) *** وابشر بذاك وقُرَّ منك عيونا

لولا الملامةُ أو حذاري سُبَّةٍ *** لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا

أما أم الإمام (عليه السلام) فهي فاطمة بنت أسد فكانت خير مربيةٍ وأمٍ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاة أمّه، ويبدو أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تعلق بها كثيراً وأحبها حبّاً جمّاً حتى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يناديها بأمّي، وروي أنّه لمّا ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله (صلى اللهعليه وآله وسلم) فجلس عند رأسها، فقال: رحمك الله يا أمّي، كنت أمّي بعد أمّي، تجوع ني وتشبعينی وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبا وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله تعالى والدّار الآخرة، ثم أمر أن تغسّل ثلاثا ثلاثا، فلام بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده، ثم خلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قميصه فألبسها إيّاه وكفّنها ببرد(2) فوقه، ثم دعا رسول الله

ص: 52


1- غضاضة: من الغضن، وغضّ النبات وغره: صار طرياً ناضراً. والغضُ: غض البر، ومنه قوله: تلحقه في ذلك غضاضة: أي أمر يغض له بره. والغضاضة: الفتور في الطرف. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 8/ص 7 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4/ص 383
2- الرد: وهي الردة وجمعها بُرد، وهي الشملة المخططة، وقيل البرد معروف من برود العصب والوشي، وأما البردة فهي كساء مربع فيه صفرة ونحو ذلك. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 14 / ص 76 ؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 1/ص 295

(صلى الله عليه وآله وسلم) أسامة بن زيد(1) ، وأبا أيّوب الأنصاريّ(2) ، وعمر ابن الخطاب، وغلاما أسود يحفرون فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللّحد حفره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده وأخرج ترابه، فلماّ فرغ دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبرها فاضطجع فيه، ثم قال: الله الّذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجّتها(3) ، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيك والأنبياء الذين من قبلی، فإنّك أرحم الراحمین، وكبّر عليها أربعا، وأدخلوها اللّحد هو والعبّاس وأبو بكر الصّديق، فلما سوى عليها الترّاب، قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد فقال: إنّ ألبستها قمي يص لتلبس من ثياب الجنّة واضطجعت في قبرها لأخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّا كانت أحسن خلق الله إليّ صنيعا بعد أبي طالب(4) .

وهذا كله يدل على المكانة الكبيرة لوالدي الإمام علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرفاناً منه لما قدماه له وهو صغير، فقد كف اله يتيماً،

ص: 53


1- أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن النعان بن عامر، يكنى بأبي زيد. مات سنة ثاث وخمسن ومائة وهو ابن بضعة وسبعين سنة. ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 1/ ص 398
2- أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد بن كُليب بن ثعلبة بن عبد عوف من بني النجار، غلبت كنيته عى أسمه. شهد سائر المشاهد مع النبي (صى الله عليه وآله وسلم) وعليه نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حن قدم المدينة مهاجراً فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه ثم انتقل. مات في القسطنطينية في زمان معاوية، وكانت غزواته تحت راية يزيد الذي كان أميرهم سنة 50 ه أو51 ه-. ابن حديدة، المصباح المي، ج 1/ص 88
3- لقنها حجتها: لقنها من التلقن أي فهمها، والتلقن هو المشافهة أو مشافهة الغر بالتعليم، وإلقاء القول إليه ليأخذه عنك. ينظر: الزبيدي، تاج العروس، ج 36 /ص 124 ؛ دوزي، تكملة المعاجم، ج 9/ص 267
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 245 - 246

وربياه صغيراً، واعتنيا به، حتى كبُر واشتد وبلغ مبلغ الرجال، ومنعا عنه أذى قريش حین تربصوا به الأذى، فكان هذا العمل - دفن فاطمة - من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاءً لما قدماه له.

كناه (عليه السلام)

كنية الإمام عليّ (عليه السلام) (أبو الحسن)، وكنّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، (أبا تراب) فكان أحبّ ما ينادى به إليه(1) . ولم ت رش المصادر الشامية إلى سبب تلك الكنية، أما كنيته (أبو الحسن) فهي على ما يبدو نسبة إلى ابنه الحسن بن علی (عليه السلام).

نشأته (عليه السلام)

نشأ الإمام علي (عليه السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبین (الشامي) ذلك بالقول: ((كان ممّا أنعم الله على علي أنّه كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الإسلام، لما أراد الله به الخير، وذلك أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس عمه: وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق فخفف عنه من عياله فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنّا نريد أنْ نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقي ال فاصنعا ما شئتما... فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فضمه إليه، وأخذ العباس

ص: 54


1- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 262 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 245 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثني عشر، ص 47

جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعثه الله نبيا فاتبعه وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه))(1) .

وكان لنشأة الإمام علی (عليه السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأثير كبير على مجمل حياة الإمام، ولذلك تخلَّق بأخلاق سيد البشر وصفاته الحميدة، التي نزل القرآن الكريم بمدحها إذ قال:«وَإِنَّكَ لَعَلىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ»(2) ، فأخذ الإمام من تلك الصفات، وتشرب من هذه الأخلاق.

إسلامه

لا خلالف بین المسلمين على أن الإمام عليًّا (عليه السلام) أسلم وهو لا يزال صغيراً، لم يبلغ الحلم بعد، وقد ذكر (الشامي) قصة إسلام الإمام علي (عليه السلام)، قائلاً ما نصه: ((كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة يصليان سراً ثم إنّ علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي: ما هذا يا محمد؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له وإلى عبادته وكفرٌ باللات والعزى(3) . فقال علی: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب،وكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفشى عليه سره قبل أن يستعلمن

ص: 55


1- سبل الهدى، ج 2/ص 403 - 404
2- القلم : 4
3- الات والعزى: الات صنم كان لثقيف، والعزى سمرة كانت لغطفان يعبدونها وكانوا بنو عليها بيتاً وأقاموا بها سدنة، فبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إليها فهدم البيت وأحرق السّمُرة. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 1/ص 66 ، ج 15 /ص 105

أمره، فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم هذا، فمكث علي تلك الليلة، ثم إنّ الله تبارك وتعالى أوقع في قلب علی الإس الم فأصبح غاديا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جاءه فقال: ماذا عرضت علی يا محمد: فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد(1) ؛ ففعل علی (عليه السلام) وأسلم، فمكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم إسلالمه ولم يظهره))(2) . وعلَّق (الشامي) على ذلك بالقول: إنّه ممّا أنعم الله على علي (عليه السلام) أنّه كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الإس الم لما أراد الله به من الخير(3) .

ويبدو لنا أنّ هذا الأمر بعيد عن الدقة، لأنّ الشامي نفسه يُقرُّ بأنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) لم يسجد لصنم قط، فكيف يأمره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يكفر بال الت والعزى؟ وروى أيضاً أنّ الإمام (عليه السلام) كان يلازم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بداية الدعوة فيقول (الشامي): ((وذكر بعض أهل العلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا ح رضت الصلاة خرج إلى شعاب(4) مكة وخرج

ص: 56


1- الانداد: جمع ندّ بالكر وهو مثل الشيء الذي يُضادّه في أموره، ويُنادُّه أي يخالفه، ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى وفي التنزيل العزيز:«ومِنَ النَاس مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أنْدَادًا»[البقرة : 165] أي أضداداً وأشباهاً. ابن منظور، لسان العرب، ج 3/ص 411
2- سبل الهدى، ج 2/ص 403
3- المصدر نفسه والصفحة
4- شعاب: الشِعب بالكسر: الطريق، وقيل: الطريق في الجبل والجمع شعاب، والشعاب: فجوة أو انفراج بن جبلین، طريق أو ممر جبلي. ينظر: الفيومي، المصباح المنر، ج 1/ص 313

معه علي بن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلاة ،فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إنّ أبا طالب عثر عليهام يوما وهما يصليان فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

يا ابن أخي ما هذا الذي تدين به، قال: أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت))(1) .

ونقل عن أبي طالب أنّه قال لعلي: ((أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال:

يا أبت آمنت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدقت بما جاء به وصليت معه، فزعموا أنّه قال له: أما إنّه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه))(2) . وروي عن علی (عليه السلام) فقال: ((ظهر علينا أبو طالب وأنا أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ماذا تصنعان؟ فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام فقال: ما بالذي تقول من بأس، ولكن والله لا تعلوني استي(3) أبدا))(4) .

ص: 57


1- سبل الهدى، ج 2/ص 404
2- المصدر نفسه، ج 2/ص 404
3- استي: الاست: الثوب المُسدّى، وكذلك استي: تركته عى حاله، والأستي الذي يسميه النساجون السّتي وهو الذي يرفع ثم تدخل الخيوط بن الخيوط. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 13 /ص 33 ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 14 /ص 370
4- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 404

يدعك إلا إلى خير فالزمه))(1) . وروى عن علي (عليه السلام) فقال: ((ظهر علينا أبو طالب وأنا أص يل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ماذا تصنعان؟ فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام فقال: ما بالذي تقول من بأس، ولكن والله لا تعلوني استي(2) أبدا))(3) .

ويبدو أنّ هذا القول بعيد عن الحقيقة، كون أبي طالب لا يمكن أن يصدر منه هذا الكلام لأنه كان المدافع الأول عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الإسلام في بداية الدعوة، فكيف يعقل أن يكون الحامي ويتكلم بهذا الكلام الذي لا يدل إلا عن عدم قناعة أبي طالب بالدين الجديد وبما يفعله ابن أخيه وابنه، فضلاً عن ذلك كيف يعقل أن يأمر أبو طالب ابنه ((أما إنّه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه))(4) ولا يأخذ هو بام جاء به إن كان يعلم بأنّه خير؟.

وأشار (الشامي) إلى أنّ علياً أسلم قبل أبي بكر، وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه حتى لقيه أبوه فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وآزر ابن عمك وانصره(5) .

وذكرت المصادر قصة دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهله وعشيرته

ص: 58


1- المصدر نفسه، ج 2/ص 404
2- استي: الاست: الثوب المُسدّى، وكذلك استي: تركته عى حاله، والأستي الذي يسميه النساجون السّتي وهو الذي يرفع ثم تدخل الخيوط بن الخيوط. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 13 /ص 33 ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 14 /ص 370
3- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 404
4- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 404
5- المصدر نفسه والصفحة

ودور الإمام علی (عليه السلام) بالقول: ((لما نزلت:«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا علي اصنع لنا رجل شاة على صاع من طعام - وفي رواية: مد(2) - وأعد لنا عس(3) لبن ثم أجمع بني عبد المطلب، قال علی: ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، منهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فقدمت إليهم تلك الجفنة(4) ، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها حذية(5) فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: كلوا باسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما ترى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا، والله إن كان الرجل الواحد منهم لي رشب مثله))(6) . وفي رواية: ((من يأكل المسنة(7) ويشرب العس. فلام أراد

ص: 59


1- الشعراء : 214
2- مد: المُد مكيال معروف والجمع مِداد، عيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحر والتقدير. وهذا تمثيل يراد به التقريب، لأن الكلام لا يدخل في العدد والمِداد كالمَدَد، يقال: مددت اليء مداً ومِدداً وهو ما يكثر به ويُزاد. ينظر: ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 1/ص 11 5 ؛ مجد الدين بن الأثير، النهاية، ج 4/ص 307
3- عُس: هو القدح الضخم، وقيل أكبر من الغمر. ينظر: الفراهيدي، العين، ج 1/ص 74
4- الجفنة: هي القصعة، وأعظم القصاع: الجفنة ثم القصعة تليها، وهي تشبع العشرة ثم الصحفة التي تشبع الخمسة ونحوهم. ابن الاجدابي، كفاية المتحفظ، ج 1/ص 223
5- حذية: الحذية: القطعة، يقال: حذية مني: أي قطعة، حُذيت يريد قُطعت مني. والحذية: ما قُطع أو قطّع من اللحم طولاً. إبراهيم الحربي، غريب الحديث، ج 3/ص 1190
6- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 434
7- المسنة: هي الكبيرة من النعاج والهرمة والضخمة. المرسي، المحكم، ج 1/ص 381

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكلمهم بدره أبو لهب(1) إلى الكلام فقال:

لهد(2) ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما كان الغد قال: يا علي عد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ففعلت ثم جمعتهم إليه فصنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كم صنع بالأمس فأكلوا وشربوا حتى نهلوا(3) ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إنّ قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. ثم قال: من يؤازرني على ما أنا عليه؟ قال علی: فقلت: أنا يا رسول الله وإنّی أحدثهم سنا وسكت القوم. ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك. قال: دعوه فلن يألو(4) ابن عمه خيرا(5) .

وهذا النص يدل دلالة أكيدة على إن الإمام (عليه السلام) هو أول من آزر ووقف إلى جانب الرسول عندما دعا عشيرته وقومه إلى الدين الجديد وطلب منه النصرة والتأييد.

ص: 60


1- أبو لهب: اسمه عبد العُزى بن عبد المطلب، كان فائق الجمال فكناه أبوه أبا لهب لذلك، وكنيته أبو عتيبة. مات بعد وقعة بدر بسبعة أيام ولم يشهدها، لأنه وجّه العاص بن هشام المخزومي مكانه. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 4/ص 303
2- لهد: من الّلهد: الصدم الشديد في الصدر، والبعر اللّهيد: الذي أصاب جنبه ضغطةً من حمل ثقيل فأورثه داءً أفسد عليه رئته فهو ملهود. الفراهيدي، العين، ج 4/ص 25
3- نهلوا: من أنهل، يقال: أنهلت الابل: وهو أول سقيها، والناهل في كلام العرب: العطشان، والناهل: الذي شرب حتى روى. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 6/ص 160
4- فلن يألو: أي لا يقر عن الخر، وكذلك معناه: لا يدعه ولا يزال يفعله. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 1/ص 31 ؛ المرسي، المحكم، ج 1/ص 447
5- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 434

أما تاريخ إسلامه فقد ذُكِر أنّ علی بن أبي طالب (عليه السلام) أسلم في السنة الأولى من البعثة النبوية(1) . كام ذُكر بأنّه أسلم وعمره إحدى عشة سنة(2) ، وأنّه أحد السابقين إلى الإسلام، ولم يسجد لصنم قط(3) . وقد أُختلف في أول من أسلم من الأمة، فنقل المؤرخ (ابن طولون) (ت 953 ه-/ 1546 م) آراء عديدة حول ذلك فقال: ((وقد اختلف العلامء، في أول من أسلم من الأمة. فقيل: خديجة، وقيل: أبو بكر، وقيل: علی، والصحيح خديجة، ثم أبو بكر، ثم علی))(4) . وأكد (ابن طولون) على أن أوّل من أسلم خديجة (رضي الله عنها)، وإنمّا الخلاف في الأول بعدها ، وهذا ما أجمع عليه العلامء(5) .

وهذا التأكيد على أن الإمام عليًّا (عليه السلام) هو أول من أسلم لا يختلف عليه المؤرخون، إلاّ أنّ بعضهم يذهب إلى أنّه لم يبلغ مبلغ الرجال وهذا ما يدفعهم إلى أن يفرقوا بین إسلام الرجال الآخرين وبين إس الم الإمام (عليه السلام).

وزاد (ابن طولون) قائاً: ((والأورع(6) أن يقال: أوّل من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر، ومن الصبيان: علي، ومن النساء: خديجة

ص: 61


1- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 164
2- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 158 ؛ العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 178
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248
4- الأئمة الاثنا عشر، ص 48
5- المصدر نفسه والصفحة
6- الأورع: تكون بمعنى الجميل، يقال رجل أورع وامرأة روعاء، والأورع هو مثال التقديم والتأخر. ينظر: ابن السكيت، الكنز اللغوي، ج 1/ص 231

(عليها السلام)،ومن الموالي: زيد بن حارثة(1) ، ومن العبيد: بال))(2) . وذكر (العليمي) (ت 928 ه-/ 1521 م) أنه: ((أول من صلى علي، وقيل أول من أسلم أبو بكر، وأول ذكر أسلم بعد علي زيد بن حارثة، ثم أسلم أبو بكر وأسلم عى يده عثمان بن عفان والزبیر بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف(3) ، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيدالله، فجاء بهم إلى رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم) فأسلموا وصلّوا وكان هؤلاء النفر هم الذين سبقوا للإسام))(4) .

إلا أنه على الرغم من ذلك، ذكر (ابن طولون) آراء عدد من الصحابة ، الذين نُقل عنهم بأنّ الإمام عليًّا أول من أسلم قائلاً: ((وممن قال بأنّ عليّا أوّلهم

ص: 62


1- زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر، يكنى أبا محمد وأمه أم أيمن واسمها بركة، حاضنة رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم) ومولاته، ولم يفارق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وولد له أسامة بمكة. استشهد يوم مؤتة في حياة النبي )صى الله عليه وآله وسلم) سنة ثمان للهجرة وهو ابن خمس وخمسین. ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 1/ص 61 ؛ ابن حجر تقريب التهذيب، ج 1/ص 222
2- الأئمة الاثنا عشر، ص 48 . بلال: هو بلال بن رباح، يكنى أبا عبدالله، أسلم أول ما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان أمية يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيلقيه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع عى صدره، حتى اشراه أبو بكر من أمية. وكان بال أول من أذن. توفي سنة 20 ه-/ 640 م بمدينة دمشق وهو ابن بضع وستين سنة. الباذري، أنساب الأشراف، ج 1/ص 184
3- عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، كان أسمه في الجاهلية عبد عمرو فساه رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم) حن أسلم عبد الرحمن، يكنى أبا محمد ولد بعد عام الفيل بعر سنين، وأسلم قبل أن يدخل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دار الأرقم. وهو أحد العرة، مات سنة 32 ه-، وقيل غیر ذلك. ابن سعد، الطبقات، ج 3/ ص 92 ؛ ابن حجر تقريب التهذيب، ج 1/ص 348
4- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 84 - 85

إسلاما، عبدالله بن عبّاس(1) ،وأنس بن مالك(2) ، وزيد بن أرقم))(3) . و أورد ابن (طولون) رأياً آخر، نسبه إلى أحد الصحابة وهو بريدة(4) الذي قال: ((أولهم إسلاما خديجة، ثم علي (عليهما السلام))(5) .و أضاف (ابن طولون) قائلًا: ((وحكي

ص: 63


1- هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، ولد في الشعب وبنو هاشم محصورون قبل خروجهم منه بيسر، وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ابن ثاث عشرة سنة، دعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفهم في القرآن، وكان يسمى البحر والحر لسعة علمه. توفي سنة 68 ه-/ 687 م. ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 1/ص 114 ؛ ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 309
2- أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب، خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وروي عنه قوله: خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين فما أمرني بأمر توانيت عنه أو صنعته فلامني وإن لامني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدر أن يكون لكان، وقد عمر طوياً ومات بالبرة سنة 93 ه-. ابن سعد، الطبقات، ج 7/ص 12
3- الأئمة الاثنا عشر، ص 48 . وزيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعان الأنصاري، اختلف في كنيته، فقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو سعد، وقيل أبو سعيد، وقيل: أبو أنيسة، غزا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع عشرة غزوة، نزل الكوفة وسكنها حتى توفي سنة 68 ه-. ابن العديم، بغية الطلب، ج 9/ص 3973
4- بريدة: هو بريدة بن الحُصيب بن عبدالله بن الحارث بن الاعرج، يكنى أبا عبدالله، أسلم حین مرّ به رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم) في هجرته من مكة إلى المدينة فانتهى إلى الغنم أتاه بريدة فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسام فأسلم هو ومن معه وكانوا زهاء ثمانن بيتاً، وقدم بعد أن قضت بدر وأحد إلى المدينة، وأقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، وبعثه النبي على أسلم وغفار يصدقهم. وظل في المدينة حتى مُصرت البصرة فتحول إليها ثم خرج منها غازياً إلى خراسان فمات بمرو في ملك يزيد بن معاوية. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ص 182
5- الأئمة الاثنا عشر، ص 48

مثله عن أبي ذر(1) ، والمقداد(2)، وجابر(3) ، وأبو سعيد الخدري(4) ، والحسن البصري(5) ، وغيرهم))(6) .

ص: 64


1- أبو ذر: اختلف في اسمه ونسبه، فقيل جندب، وقيل: برير بن أشعر، وقيل: جنادة بن السكن، والمشهور جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مُليل بن ضمرة، وقيل جُنادة، روي أنه كان يتعبد قبل مبعث النبي )(صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث سنين، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة وهو رابع الإسام وأول من حيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحية الإسام، وقد شهد له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصدق وبايعه عى أن لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي بالربذة سنة 32 ه-/ 652 م ودفن بها وولي غسله وتكفينه والصاة عليه عبدالله بن مسعود في نفر من المسلمين. ينظر: أبو نعيم الاصبهاني، معرفة الصحابة، ج 2/ص 557 ؛ الجياني، ألقاب الصحابة، ج 1/ص 44
2- المقداد: هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة، يكنى أبا معبد، وكان حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية فتبناه، فكان يقال له المقداد بن الأسود، فلا نزل القرآن «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ»[الأحزاب : 5] قيل المقداد بن عمرو. هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). مات بالجرف عى ثلاثة أميال من المدينة فحمل حتى دفن بالبقيع وصلى عليه عثمان بن عفان وذلك سنة 33 ه-، وهو ابن سبعين سنة أو نحوها. ابن سعد، الطبقات، ج 3/ص 119
3- جابر: هو جابر عبدالله بن عمرو، يكنى أبا عبدالله، مات سنة 78 ه- وقد كفَّ بره وهو ابن أربع وتسعين سنة، وهو آخر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موتاً بالمدينة. الباذري، أنساب الأشراف، ج 1/ص 248
4- أبو سعيد الخدري: هو مالك بن سنان بن عبيدالله بن ثعلبة بن عبيد بن الابجر وهو خدرة بن عوف، من كبار الصحابة وأفاضل الأنصار، حفظ أحاديثَ كثرة عن رسول الله. مات سنة 54 ه-. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 1/ص 192
5- الحسن البصري: هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار التابعي البري الأنصاري مولاهم، مولى زيد بن ثابت، وقيل مولى جميل بن قطبة، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، وقد روى عن عدد كبير من الصحابة. مات سنة 110 ه-. النووي، تهذيب الأسماء، ج 1/ص 161
6- الأئمة الاثنا عشر، ص 49

وذكر (العليمي) قائلاً: ((اختلف العلامء في أول من أسلم مع الاتفاق أنّ خديجة أول خلق الله إسلاماً))(1) .

ويؤكد ذلك أيضاً بأن أورد حديثاً عن الإمام علی (عليه السلام) يقول فيه: ((أنا عبدالله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الناس))(2) .

وهذه الروايات تدل على أنّه )(عليه السلام) أول الناس إسلاماً من الرجال أو الصبيان، وتواترت الأخبار والروايات بذلك، أما من يعمل على تقسيم المسلمين إلى رجال وصبيان فهذا الأمر لا يُراد به إلا إلباس الحق ثوباً آخر غير ثوب الحقيقة، فعلي ابن أبي طالب (عليه السلام) هو أول من أسلم ومن آمن وصلى، ويدل على ذلك ما ذكره (الشامي) قائلاً: ((بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء))(3) .

وأكد (الشامي) أنّ علياً (عليه السلام) أول من أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ((وقد روي أنّ علي بن أبي طالب أول من أسلم بعد خديجة))(4) . كما قيل إنَّه: ((أول من اسلم مطلقاً خديجة، وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ، وكان مخفياً إسلامه، وأول رجل عربي بالغ أسلم وأظهر أسلامه أبو بكر بن أبي قحافة))(5) .

ص: 65


1- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 84
2- المصدر نفسه والجزء والصفحة
3- سبل الهدى، ج 2/ص 405
4- المصدر نفسه، ج 2/ص 407
5- سبل الهدى، ج 2/ص 407

فيام ذكر (العليمي) أنّ ((أول من أسلم علي، وكان عمره تسع سنين))(1). ويرى أنّ موجب الاختلاف بالنسبة إلى علي وأبي بكر، بأنّ أبا بكر أول من أظهر إسلامه وأن علياً أول من أسلم بعد خديجة(2) .

ويبدو أنّ هذا الأمر فيه مغالاة، كون أبي طالب كان يساعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحميه ويكف عنه أذى قريش على مرأى ومسمع قريش كلها وبصورة علنية، فلماذا يخاف الإمام علي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أبيه ويكتم إسلامه وهو يعلم أنّ أباه يساعده، بل الأجدر أن يطلب من ابنه أن يبقى معه ويساعده هو الآخر، وهذا الأقرب للواقع!

وروى (الشامي) تأكيداً لقوله هذا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) إذ قال لها: ((أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً))(3)، وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها: ))أما ترض ني أنّ زوجك أول المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً، فإنّك سيدة نساء أمتي))(4) .

وأورد أيضاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: ((أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش... أنت أولهم إيمانا بالله - وفي لفظ : أول المؤمن ني إيمانا بالله - وأوفاهم بعهد الله وأقومهم

ص: 66


1- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 84
2- الشامي، سبل الهدى، ج 2/ص 407
3- أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ص 764 ؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج 20 /ص 229
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 251 . وينظر أيضاً: النسائي، السنن الكبرى، ج 7/ص 456 ؛ الطحاوي، شرح مشكل الاثار، ج 1/ص 138

بأمر الله...))(1) . كما استشهد (الشامي) بشعر علی بن أبي طالب (عليه السلام) في إسلامه، إذ قال(2) :

سبقتكموا إلى الإسلام طراً *** صغراً ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي الولاء معاً عليكم *** رسول الله يوم غدير خم (3)

صفاته

ذكر المؤرخون صفاته الجسدية، وأسهبوا في تقديم وصف دقيق لجسمه الشريف، فذُكر أنّه (عليه السلام): ((كان ضخم البطن، شاسع المنكبین، ضخم الذراعین مستدقهما(4)، ضخم عضد الساق فوق الربعة(5) ، ضخم المنكبین، طويل اللحية عظيمها قد ملأت صدره، أبيض الرأس واللحية، إن عيَّنته من قريب قلت: أسمر، أصلع، شديد الصلع))(6) .

ص: 67


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 259 . وينظر: أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج 1/ص 65
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 268 . وينظر: الجراوي، الحماسة المغربية، ج 1/ 568
3- الربعة: يقال: رجل ربعٌ وربعةٌ ومربوع معتدل الخلق. والربعة معروفة، والجمع رباع، ورجل ربعة: بن الطويل والقصر. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 2/ص 225 ؛ ابن سيده، المخصص، ج 1/ ص 184
4- مستدقهما: المستدق من كل شيء، ما دقَّ منه واسرق، ومن الساعد مقدمه مما يي الرسغ والخصر من الإنسان والحيوان وسطه وهو المستدق. الزبيدي، تاج العروس، ج 11/ص 170
5- الربعة: يقال: رجل ربعٌ وربعةٌ ومربوع معتدل الخلق. والربعة معروفة، والجمع رباع، ورجل ربعة: بن الطويل والقصر. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 2/ص 225 ؛ ابن سيده، المخصص، ج 1/ ص 184
6- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 246

وهذه الصفات لا يمكن تصديقها وخاصة صفة (البطين) لأن الإمام كان مشهوراً بالزهد ولا يأكل إلا القليل من الطعام(1) .

ووصفه (العليمي) بالقول: ((كان علي بن أبي طالب شديد الأدمة، عظيم العينين، بطيناً، أصلعاً، عظيم اللحية، كثير شعر الصدر مائلاً إلى القصر، حسن الوجه لا يُغير شيبته كثير التبسم))(2) . وقد روي بأن صفاته الأخلاقية الخاصة بالتدين متجسدة في وصف ضرار بن ضمرة الكناني(3) للإمام علی (عليه السلام) حين دخل على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: ((كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، كثير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم يضئ مثل اللؤلؤ المكنون المنظوم، يعظم أهل

ص: 68


1- ينظر: ص 48 من هذا الفصل
2- التاريخ المعتبر،ج 1/ص 277 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر،ص 58 مع اختلاف بسيط في النص
3- ضرار بن ضمرة : اختلف المؤرخون في اسمه ولقبه اختلافاً كبیراً، فذكروا أنّ اسمه ضرار بن مرة الشيباني، وقيل ضرار بن عمرو من بني ضبة، وقيل ضرار بن ضمرة الصدائي، وقيل ضرار الضبابي أو الضبائي. ولم تقدم تلك المصادر أي ترجمة لهذه الشخصية، ولم تذكر كذلك أي حادثة أخرى له سوى هذه الرواية. ويبدو أن السبب في عدم ذكر المصادر له هو عدم وجود روايات أخرى له غر رواية وصفه للإمام (عليه السلام) لمعاوية لذلك أحجمت تلك المصادر عنه. فضاً عن عدم الاتفاق على اسم ثابت له. وأكثر ما ذكرته تلك المصادر أنه كان من خُلّص أصحاب الإمام علي (عليه السلام) وأحد البكائن الأربعة، وقيل أنه حفر قره قبل موته بخمس عرة سنة وكان يأتيه فيختم فيه القرآن، وكان ثقة مأموناً. مات سنة 32 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 338 ؛ ابن حبان، الثقات، ج 6/ص 484

الدين، ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله))(1) .

ويستمر ضرار بإعطاء شهادته بحق الإمام علي (عليه السلام) واصفاً زهده وعفته وشدة تدينه، فيقول: ((فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله(2) وغارت نجومه يميل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين فكأنّی أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا:

إلي تغررت، وإلي تشوفت؟ هيهات هيهات غري غيري قد بنتك ثلاثا فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطؤك كثير، آه آه، من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فوكفت(3) دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: هذا أبو الحسن، كيف وَجْدُك عليه يا ضرار؟ قال: وَجْدُ من ذبح ولدها في حجرها، لا ترقأ دمعها(4)، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج))(5) .

وقد قدم مؤرخو هذا القرن صورة مفصلة عن صفات الأخلاق التي تحلى بها (عليه السلام) في الورع والزهد والتواضع، وفيام يخص تواضعه فقد ذُكر أنّه: ((كان متواضعاً له ورع(6) في الدين، وشفقة على الرعية، وكان يقول: لست بنبي ولا يوحى

ص: 69


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 265 - 266
2- أرخى سدوله: السدول: الأستار، وكذلك هي: ما جلل به الهودج من الثياب، والسدل: الستر، وجمعه أسدال. الزبيدي، تاج العروس، ج 29 /ص 195
3- وكفت: أي سالت. والمعنى سالت الدموع وذرفت الدموع، وأنها كانت تقطر قطراً. ابن سيده، المخصص، ج 1/ص 115
4- لا ترقأ دمعها: ترقأ فهو يرقأ رقوءاً: إذا سكن، ورقاً الدمع إذا انقطع، ولا ترقأ أي لا تسكن ولا تنقطع دمعها. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 224
5- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 266
6- الورع: العِفّة وهي الكف عما لا ينبغي. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 6/ص 100

إليَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فام أمرتكم به من طاعة، فحق عليكم طاعتي، فيام أحببتم أو كرهتم))(1) .

وكان يمشي في الأسواق فيأخذ سيور النعل ويلقطها فيرميها لصاحبها ويرشد الضال، ويُعین الحمَّال على الحمولة وهو يقرأ هذه الآية: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(2) .

وشوهد وهو يبيع سيفا له في السوق، ويقول: من يشتري مني هذا السيف، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته قط(3) :

ومن سموه وتواضعه، أنّه كان يحفظ كرامة رعيته ويحميهم، وخاصة من يأتيه سائلاً حاجة، أو طالباً لمعروف، ومن ذلك ما روي أن رجلاً قال له: ((يا أمير المؤمنين إنّ لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك ، فقال علی (عليه السلام): اكتب على الأرض فإنّ أكره أن أرى ذل المسألة في وجهك، فكتب إنّ محتاج، فقال: عَلَیَّ بحلة(4) فأُتيَ بها فأخذها الرجل فلبسها ثم أنشأ قائلاً(5):

ص: 70


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 178
2- القصص : 83 . ينظر: الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 178
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 267 . وينظر: أبو بكر الخوارزمي، الأمثال المولدة، ج 1/ص 333
4- حلة: الحى لا تكون إلا بثوبن، وهي إزار ورداء من جنس واحد، وإنما سميت حلة لأنها تحل على لابسها كما يحل الرجل على الأرض. الانباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، ج 1/ص 448
5- ابن عبد الهادي، بدء العلقة،ص 57 . وينظر: ابن رشيق،العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ج 1/ص 29

كسوتني حلة تبى محاسنها *** فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي قلت مكرمة *** ولست تبغي با قد نلتهُ بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه *** كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في زهو توافقه *** وكل عبد سيجزى بالذي عملا

فقال علیٌّ: عَلَیَّ بالدنانير فأتي بمائة دينار فدفعها إليه فقال الأصبغ(1) : يا أمير المؤمنین حلة ومائة دينار؟ قال : نعم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي))(2) .

كما روي عن الإمام (عليه السلام) في عدم حبه للمال قوله: ((من وسع عليه في دنياه فلم يعلم إنه مكر به فهو مخدوع عن غفلة))(3) .

وقال (عليه السلام) في ذم الدنيا: الدنيا جيفة فمن أراد شيئا منها، فليصبر على مخالطة الكلاب(4) . ومما يروى من شعره في الزهد وذم الدنيا(5) :

ص: 71


1- الاصبغ بن نباتة: بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع بن دارم من بني تميم وقد روى عن عي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان من أصحابه وكان صاحب شُرطة علي (عليه السلام) ويكنى بأبي القاسم. وقد اختلف في وفاته فقيل 101 ه- وقيل 11 ه-. ابن سعد،الطبقات الكبرى،ج 6/ ص 247
2- ابن عبد الهادي، بدء العلقة، ص 57 . وينظر أيضاً: أبو داود السجستاني، سنن بأبي داود، ج 4/ ص 261 ؛ أبو الشيخ الأصبهاني، الأمثال في الحديث النبوي، ج 1/ص 283
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 267
4- المصدر نفسه، ج 12 /ص 267 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 51
5- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 267 . وينظر: ابن حبيب النيسابوري، عقلاء المجانين، ج 1/ص 69

حقيق بالتواضع من يموت *** ويكفي المرء من دنياه قوت

فما للمرء يصبح ذا هموم *** وحرص ليس يدركه النعوت

صنيع مليكنا حَسنٌ جميل *** وما أرزاقه عنا تفوت

وروي عنه (عليه السلام) قال: ((لقد رأيتني وإنّ لأربط الحجر على بطني من الجوع وإنّ صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار، وفى رواية وإنّ صدقتي اليوم لأربع ني ألفا))(1) . وروي: أنّه ما بنى لبنة على لبنة(2) ولا قصبة على قصبة، وأنّه كان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم(3) .

ولم يدخر قط ما لا يقارب هذا المبلغ، ولم يترك ح ني توفي إلا ستمائة درهم(4) .

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله للإمام (عليه السلام): ((يا علي إنّ الله قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار(5) عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا(6) منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا

ص: 72


1- ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 51
2- لبنة عى لبنة: اللبن ككتف: المروب من الطن مربعاً للبناء، ويقال فيه بالكر وبكسرتن فكابل لغة، والواحدة لبنة. ويقال: لبنة تلبيناً: اتخذه والمقصود ما بنى لبنة عى لبنة: ما اشتغل بعمارة الدنيا ولم يتفق بالهوى في عمارتها لأنها مبغوضة لله منذ خلقها، إذ هي سبب انقطاع عباده عن عبادته، ولهذا لما بنى النبي (صلى الله عليه وآله) مسجده اقتر فيه وقال: (عريش كعريش موسى) ولم يشتغل فيه بالتشديد وزخرف الدنيا مع كونه مسجداً فا ظنك بغره. المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 12 /ص 94
3- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 52
4- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 51
5- الأبرار: جمع البر، وجمع البار: البررَة، وفان يبرُّ خالقه أي يطيعه، وامرأة برّةٌ بولدها وبارةٌ. وهو كثراً ما يخص بالأولياء والزهاد. ابن منظور، لسان العرب، ج 4/ص 54
6- لا ترزأ من الدنيا: ترزأ ورزأ روزاءاً فهو رازئ ومرزوء، ورزء الشخص: أصابه مصيبة، ورزأ مال شريكه أخذ منه شيئاً فنقصه، ومعنى لا ترزأ من الدنيا شيئاً: لا تأخذ من الدنيا شيئاً فتنقصها ولا تصيب منها. عمر، معجم اللغة العربية، ج 2/ص 883

ويرضون بك إماما))(1) .

وأمّا زهده فذُكر أنّه (عليه السلام): ((كان يضع قبضة من دقيق الشعير في قدح، فيصب عليه الماء فيقتاته، وكان قميصه بثلاثة دراهم، كمُّه إلى الرسغين(2) ، ويقول: الحمد لله الذي هذا من رياسته))(3) . وقيل له: لم ترقع قميصك؟ قال: لأنّه يخشع القلب ويقتدي به المؤمن، ويبعد من الكبر، وأتي بفالوذج(4) فوضع بين يديه، فقال: إنّك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، ولكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتده))(5) .

وكان يتعفف عن الأخذ من بيت المال مهام كانت شدة حاجته له، فقد رُئيَ يوماً بالخورنق(6) يرعد تحت قطيفة(7) ، فقيل له: إنّ الله قد جعل لك ولأهل

ص: 73


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 259 . ينظر أيضاً: أبو نعيم الاصبهاني، حلية الأولياء، ج 1/ص 71
2- الرسغين: الرسغ: هو مفصل ما بین الساعد والكف، أو بن الساق والقدم، ورُسغ القدم: المفصل المشكل من ربط عظام القدم السفلية مع عظم الكامل، وجمعه أرساغ وأرسغ. عمر، معجم اللغة العربية، ج 2/ص 887
3- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 178
4- فالوذج: الفالوذ: هي حلواء معروفة وهو الذي يؤكل ويسوّى من لُبِّ الحنطة. وهي لفظة فارسية معربة، و الحلواء لابد أن تختم بالهاء عى أصل اللسان الفارسي وإذا عُرِّبت أُبدلت الهاء جياً فقالوا فالوذج. الزبيدي، تاج العروس، ج 9/ص 454
5- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 266
6- الخورنق: اسم قر بالحرة بظهر الكوفة، وهو فارسي معرب، بناه النعان الأكبر الذي يقال له الأعور، وهو الذي لبس المسوح. وقيل بناه النعان بن المنذر، وكانت مدة بنائه عشرين سنة. الزبيدي، تاج العروس، ج 12 /ص 96
7- القطيفة: الدثار المخمل المعروف. ينظر: المرسي، المخصص، ج 1/ص 363

بيتك في هذا المال حقاً وأنت تصنع بنفسك ما تصنع، فقال: والله، ما أرزاكم من مالكم شيئا إنّا لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة(1) .

ولما كان بيت المال يمتلأ بالذهب والفضة، ينادي في الناس فيعطى جميع ما فيه للمسلمين، وهو يقول: ((يا بيضاء يا صفراء غرِّي غيري، ها وها حتى ما بقي فيه درهم ولا دينار، ونضحه(2) وصلى فيه ركعت ني ليشهد له يوم القيامة))(3) .

وهذا إن دلَّ على شيء إنما يدل على زهد الإمام علي (عليه السلام) وأنه كان لا يبقي لنفسه من حطام الدنيا شيئاً، وفي ذلك من الدروس والعبر المستلهمة من حياة الإمام الشيء الكثير، فهو من جانب يعطي دروساً للناس حول الزهد في الدنيا، متخذا من نفسه الكريمة مثالاً ليحتذى به، فالإمام بكل ما انطوى عليه من حسب ونسب عاليين، ومقام كبير بين المسلمين - فهو الخليفة والإمام والقائد - يقدم نفسه أنموذجا للمسلمين بزهده وتواضعه وإيمانه، ومن جانب آخر هذه هي صفات علي ابن أبي طالب (عليه السلام) بلا تكلُّف، وكيف لا يكون بمثل هذه الصفات وقد ربّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجره الطاهر، ونشأ معه في بيته وتحت رعايته الكريمة.

فضائله

أما فضائل ومناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأكثر من أن تحصى(4) ، وتواترها في المصادر أكثر من أن يستوعبه بحث أو كتاب، وقد أولى مؤرخو القرن

ص: 74


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 266 - 267
2- نضحه: معناها رشُّه بالماء رشّاً أو يرشّه بالماء. ابن منظور، لسان العرب، ج 6/ص 303
3- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 178
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 263

العاشر/السادس عشر الميلادي - فترة البحث - هذه الفضائل عناية كبيرة، وأوردوا أحاديث كثيرة في فضله ومناقبه، ويقدم الإمام علي (عليه السلام) نفسه مثالا لرعيته في العفة والزهد والتدين، وكان تصرفه إنطلاقاً من إيمانه الراسخ بالرسالة المحمدية والإسلام الذي يعمل على تقديم إنسان مؤمن بالله سبحانه، طائع له. ومن ذلك ما رووه من قول الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي))(1) .

وأكدت ذلك رواية نقلها ابن (عبد الهادي) حول ما دار من محاورة سعد بن أبي وقاص معاوية بن أبي سفيان، وقد دخل سعد على معاوية فقال له: مالك لا تقاتل معنا؟ فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي، فقال معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة. فقال معاوية: أما إنّ لو سمعته منه لما قاتلت عليا، وفي رواية من وجه آخر: إن هذا الكلام كان بينهام وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية وإنهام قاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد (2) .

و روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لعلي (عليه السلام):

أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش: أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم وأعدلهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية وأنصرهم(3) ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه

ص: 75


1- ابن عبد الهادي، محض الخاص، ص 60 ؛ محض الصواب، ج 3/ص 789 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 252 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 52 ؛ مع اختاف بسيط في النص. وينظر أيضاً: ابن أبي شيبة، المصنف، ج 6/ص 366
2- محض الخلاص، ص 228
3- الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 12 /ص 259 . وينظر: ابن ابي عاصم، السنة، ج 2/ص 596 ؛ المحامي، امالي المحامي، ج 1/ص 203

صفاتة

وآله وسلم) لعلي: قم يا علي فقد برئت، وما سألت الله شيئا إلاّ سألت الله لك مثله، إلاّ أنّه قيل لا نبوة بعدك(1) . وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: ((ما من نبي إلا وله نظير في أمتي وعلي نظيري))(2) .

وهذا إن دلَّ على شيء إنّما يدل على أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) كان وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذلك لأنّ هارون كان وزيراً لموسى (عليه السلام) كما جاء في قوله تعالى على لسان موسى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)»(3) .

والوزير - في العرف الإداري - يحتل المرتبة الثانية في الدولة بعد الخليفة أو الملك أو القائد، ويحمل أعباء ومسؤوليات الدولة مشيراً ومسانداً وظهيراً، وعلي (عليه السلام) كان كذلك بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أن نشأ في حجره حتى وفاته. كمّا دلّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنّ مفهوم الوزارة قد بدأ منذ عهد الرسول، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد على كون الإمام علي (عليه السلام) هو الوزير.

ومن فضائل الإمام علي (عليه السلام) الأخرى التي ذكرتها المصادر الشامية، ما تم في غدير خم، إذ قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليل (عليه السلام):

((من كنت وليه فع يل وليه، وهو وليكم بعدي: أي يلی أمركم))(4) ، وورد أيضاً بلفظ: ((إلا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن، ومن كنت وليه فهذا علي وليه))(5) ،

وفي

ص: 76


1- الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 12 /ص 262
2- المصدر نفسه، ج 12 /ص 175 . وينظر أيضاً: ابن الاعرابي، معجم ابن الاعرابي، ج 1/ص 301
3- سورة طه: الآيات 29 - 32
4- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 361 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ ص 585 ؛ النسائي، السنن الكرى، ج 7/ص 310 ؛ الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج 5/ص 18
5- ورد هذا الحديث بألفاظ وطرق عدة، إلا أنها تحمل المعنى نفسه . ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 253 ، 257 ، 260

لفظ آخر: ((من كنت مولاه فع يل مولاه))(1) .

وهذا يدل على أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) نصبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعده خليفة على المسلمين في غدير خم، ولم يأت التنصيب إلّا بعد نزول قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ »(2) . والمراد بهذه البيعة أنّ علياً أصبح ولي المؤمن ني بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وولي كل مؤمن ومؤمنة والخليفة بعده.

و ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((علی مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا وعلي، علي بن أبي طالب ينجز عدلي ويقضي ديني))(3) ، وقال أيضاً:

((علی مع القرآن، والقرآن مع عليّ لن يفترقا حتّى يردا على الحوض))(4) .

ومن فضائله والمراد بهذه البيعة أنّ الدالة على حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له، وتأكيدا لذلك في أكثر من كلام وموضع، وقد ورد منها على لسان الإمام علي (عليه السلام) نفسه أنّه قال: ((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي إلي، أن لا يحبني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّ منافق))(5) ، وجاء تأكيد هذا الحديث على لسان أبي سعيد الخدري إذ قال: (( كنا نعرف المنافق ني ببغضهم علياً))(6) .

ص: 77


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 278 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 54
2- المائدة : 67
3- الترمذي، سنن الترمذي، ج 6/ص 79 ؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج 6/ص 221
4- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 261 . وينظر أيضاً: الطراني، المعجم الأوسط، ج 5/ص 135 ؛ ابن البيع، المستدرك عى الصحيحن، ج 3/ص 134
5- ابن أبي شيبة، المصنف، ج 6/ص 365 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج 15 /ص 367
6- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 55 - 56

وأوردت المصادر الشامية العديد من الروايات التي تؤكد حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام) وتفضيله إياه، ومن هذه الروايات: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودته عبادة))(1) .

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((يا علي محبك محبي، ومبغضك مبغضي))(2) ، وقوله أيضاً: ((من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله))(3) ، وكذلك قوله: ((يا علي، من أحبك فبحبي أحبك، فإن العبد لا ينال ولايتي إلّا بحبك))(4) . وروي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنّ الله- عز وجل- أمرني بحبّ أربعة - وفي لفظ - أنّ الله- عز وجل- يحبّ من أصحابي أربعة: وأخبرني أنّه يحبّهم عليّ منهم، وأبو ذرّ منهم، ومقداد وسلمان(5) ))(6) .

ص: 78


1- ينظر: الطبراني، المعجم الكبير، ج 11/ص 65
2- ينظر: الطبراني، المعجم الكبير، ج 6/ص 239
3- ينظر: المصدر نفسه، ج 23 /ص 380
4- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 254 - 255
5- ينظر الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 252 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 54 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ص 648
6- سلمان: هو سلمان الفارسي، أصله من اصطخر إلّا أن أباه نزل رامهرمز من كور الأهواز وكان مجوسياً، وقيل: من أهل أصبهان، وهو من موالي رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم)، وكان مكاتباً فاشراه وأعتقه، أسلم عند قدوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وكان قبل ذلك يقرأ الكتب ويطلب الدين، وكان عبداً لقوم من بني قريظة فكاتبهم فأدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابته وعتق وهو إلى بني هاشم. شهد سلمان الخندق ولم يتخلف عن غزوة من غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). نزل الكوفة ومات بالمدائن في خلافة علي (عليه السلام) سنة ست وثلاثن. ينظر: الباذري، أنساب الأشراف، ج 1/ص 485 ؛ ابن سعد، الطبقات، ج 6/ ص 95

ومن الروايات الأخرى الدالة على فضله: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((يا علي، طوبى(1) لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك))(2) . وقوله أيضاً: ((من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله))(3) . ونقلت المصادر تشديد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنبيهه إلى أنّ الإمام عليًّا أصلب إيماناً وأكثر الصحابة طاعة لله، إذ قال: ((أيها الناس لا تشكوا عليا فإنه والله لأخيشن(4) في دين الله))(5) . وقوله كذلك: ((علي بن أبي طالب باب حطة(6) من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا))(7) . وقوله كذلك: ((يا علی إن فيك من عيسى مثلا، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها))(8) .

ص: 79


1- طوبى: اختلف في معناها، فقال أهل اللغة، معناها: خر لهم، وقال ابن عباس: هي اسم الجنة بالحبشية، وقال عكرمة: معناها: النعمى لهم، وقيل إنّ معناها: الحسنى لهم، وروي عن قتادة: إنّها كلمة عربية، تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا. الانباري، الزاهر في معاني الناس، ج 1/ ص 449
2- ابن عبد الهادي، النهاية في اتصال الرواية، ص 63 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ص 680
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 255 . وينظر أيضاً: الطبراني، المعجم الكبير، ج 12 /ص 423
4- أخيشن: معناها الرجل الخشن في دينه إذا كان متشدداً فيه. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 1/ ص 603
5- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 258 . ينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 18 /ص 337
6- باب حطة: قال بعض المفسرين، حطة معناها: حط ذنوبنا عنا، ولو قرئت (حِطّة) كانت وجها في العربية، كأن قيل لهم قولوا: أحطط عنا ذنوبنا حِطة. وقيل إنا قيل لبني إسرائيل «وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ»[البقرة : 58] كي يستحيطوا بها أوزارهم فتحط الأزهري، تهذيب اللغة، ج 3/ص 268
7- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 262
8- المصدر نفسه، ج 12 /ص 262 . وينظر أيضاً: ابن أبي عاصم، السنة، ج 2/ص 477

ومن فضائله (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال يوم خيبر: ((لأعطيّن الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبهُ الله ورسوله))(1) ، فبات الناس يدوكون(2) ليلتهم أيّم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين عليّ ابن أبي طالب؟ فقيل: يا رسول الله! هو يشتكي عينيه، فقال: أرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عينيه، ودعا له فبرئ، حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية(3) . كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لا ينبغي لأحد أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي))(4). وكان يدخل المسجد وهو جنب وهو طريقه ليس له طريق غيره(5) . وذكرت المصادر أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب الشارعة(6) في المسجد وترك باب علي(7) .

وقد ذكرت المصادر قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن(8) كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا،

ص: 80


1- ينظر: البخاري، الصحيح، ج 5/ص 18
2- يدوكون: أي يخوضون فيمن يدفعها إليه، يقال: الناس في دوكة إذا كانوا في اختاط وخوض. وبات القوم يدوكون دوكاً: إذا باتوا في اختاط ودوران وشاكته الشوكة. ينظر: ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، ج 1/ص 397 ؛ الفارابي، معجم ديوان الأدب، ج 3/ص 399
3- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 52 - 53
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 262 . وينظر أيضاً: الكلاباذي، بحر الفوائد، ج 1/ص 104 ؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج 23 /ص 372
5- ابن طولون، مرشد المحتار، ص 139
6- الأبواب الشارعة: أي المفتوحة. مجد الدين بن الأثير، النهاية، ج 2/ص 460
7- ابن عبد الهادي، محض الخلاص، ص 311 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 3/ص 98
8- تأويل القرآن: التأويل: من أوّل يؤوّل تأوياً أي رجع وعاد، والتأوّل والتأويل: تفسر الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غر لفظه. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 15 /ص 329

قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، ولكنه خاصف النعل(1) ، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها))(2) . كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((إن الله لم يبعث نبياً قط إلا جعل ذريته من صلبه ، غيري، فإن الله جعل ذريتي من صلب علي))(3) .

وقد وردت آيات في فضائل الإمام علي والسيدة الزهراء (عليهما السلام) وهي آية التطهير وآية المباهلة، وذكر (الشامي) عن أبي سعيد قال: لما دخل علي بفاطمة (عليها السلام) جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعین صباحا إلى بابها يقول:

((السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله ويطهركم تطهيرا، «ِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(4) ))(5) . و ذكر رواية عن ابن عباس (رض) قال: شهدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي عند وقت كل صلاة فيقول: ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت «ِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»))(6) .

وروي عن عائشة أنّها قالت: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غداة وعليه مرط(7) مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسین فأدخلهما معهم، ثم جاء علي فأدخله معهم فأجلس حسنا وحسينا في حجره وجلس علي عن يمينه، وجلست

ص: 81


1- خاصف النعل: أي خاطها بالمخصف خرزها أصلحها. عمر، معجم اللغة العربية، ج 1/ص 653
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 250 ؛ وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 17 /ص 390 ؛ ابو يعى، مسند أبي يعلى، ج 2/ص 341
3- ابن طولون، مرشد المحتار، ص 225 . وينظر: الطبراني، المعجم الكبير، ج 3/ص 43
4- الأحزاب : 33
5- سبل الهدى، ج 11/ص 438
6- المصدر نفسه، ج 11/ص 439
7- مرط: كساء من صوف أو خز أو كتان، وقيل هو الإزار. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 1/ ص 377

فاطمة عن شامله(1).

وفي آية المباهلة روي أنه لما نزلت هذه الآية «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(2) ، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي(3) .

وهذا إن دلَّ على شيء إنّام يدل على ما لعلي (عليه السلام) وفاطمة سيدة النساء (عليه السلام) من خصوصية عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ الله سبحانه قد كرمهم وكرم نسلهم، وما فعل رسول الله هذا إلّا ليري الناس فضل هذا البيت عند الله سبحانه وعنده (صلى الله عليه وآله وسلم). كما يدل على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حین سأله الإمام علي (عليه السلام): أيناأحب إليك؟ قال: هي أحب إليَّ منك وأنت أعز ع يلَّ منها(4) . وهذه الآيات تعتبر من الفضائل العظيمة للإمام والسيدة الزهراء والحسن والحسیني(عليه السلام).

ص: 82


1- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 438
2- آل عمران : 61
3- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 53 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 44 /ص 119
4- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 477

المبحث الثاني دور الإمام علي (عليه السلام) في العهد المدني حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

الهجرة إلى المدينة

دور الإمام علي (عليه السلام) في العهد المدني حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)1ه- - 11 ه-/ 622 - 632 م

الهجرة إلى المدينة

بعد أن ازداد أذى قريش للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، وأصبح وجودهم في مكة خطراً يهدد حياتهم، أمرهم النبي أن يهاجروا إلى المدينة. والسبب في ذلك أن قريشاً أجمعوا على قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتى جبريل وأخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك وقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وأخبره بمكر القوم وأذن الله تعالى له بالخروج، فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: ((نم على فراشي وتسج(1) ببردي هذا الحضرمي الأخ رض، فنم فيه فإنّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم))، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينام في برده ذلك إذا نام(2) .

ص: 83


1- تسج: تسجى الشخص، أي تغطى بردائه أو بعباءته. عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 2/ ص1038
2- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 326

وعندما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بالهجرة إلى المدينة أقام هو بمكة ينتظر ما يؤمر به وتخلّف معه أبو بكر وعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

وكان اتفاق الكفار أن يأخذوا من كل قبيلة رجلاً ليضربوه بسيوفهم ضربة واحدة ليضيع دمه في القبائل، وبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر علياً أن ينام على فراشه وأن يتشح ب ربده الأخضر(1) .

فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: (( نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم ))، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذري ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات:« یس وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَکِیمِ إِنَّکَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِینَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ » إلى قوله تعالى: «فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(2) ، فَلم یبق منهم رجل إلاّ وقد وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ؛ فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: (( ما تنتظرون ههنا ))؟ قالوا: محمدا، قال: (خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلاّ وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفا ترون ما بكم)؟ قال: ((فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب))، ثم جعلوا يتطلعون فرون عليا على الفراش متسجيا برد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقولون: والله إنّ هذا لمحمد نائا عليه برده ؛ فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي (عليه السلام) من الفراش، فقالوا: ((والله لقد صدقنا الذي

ص: 84


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 108 . ويتشح: اتشح فان بثوبه: لبسه، أدخله تحت إبطه فألقاه على منكبه، وتغطى به ثم أخرج طرفه الذي ألقاه على عاتقه الأيشر من تحت يده اليمنى، ثم عقد طرفيها على صدره كما يفعل المحرم. ينظر: عمر، معجم اللغة العربية، ج 3/ص 2444
2- يس: الآيات 1- 9

كان حدثناه))(1) .

وكان المشركون يرجون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل علي يتوضأ فإذا هو علي، فقالوا: إنّك للئيم، إنّك لتتضور(2) وكان صاحبك لا يتضور وقد استنكرناه منك(3) .

وروى (الشامي) عن ابن عباس قوله: ((شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نام مكانه))(4) . وأشار (ابن عبد الهادي) إلى أنّه حين هاجر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة ومعه أبو بكر، كان بعمر ثلاث وخمس ني سنة، ودخل المدينة يوم الاثنین لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وكان التاريخ من ذلك، ثم حول إلى المحرم(5) .

وروي عن ع يل بن الحسین (عليه السلام) أنّه قال: إنّ أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله، علي، وقال في ذلك شعرا(6) :

ص: 85


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 108 - 109 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 327
2- تتضور: من الضور، وضارَّه الأمر أي ضرّه، والضر والضورة: الجوعة، والتضور: التلوي والصياح من وجع الضرب أو الجوع أي يتضور. ابن منظور، لسان العرب، ج 4/ص 494
3- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 327
4- المصدر نفسه والصفحة
5- الشجرة النبوية، ص16
6- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 328

وقيت بنفي خر من وطئ الحصى *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به *** فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا *** موقى وفي حفظ الإله وفي سر

وبت أراعيهم وما يتهمونني *** وقد وطنت نفي عى القتل والأسر

ويرى (الشامي) أنّ السبب المانع لهم من التقحم تلك الليلة على الإمام علي (عليه السلام) وهم يظنونه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّم لم يزالوا قياما حتى أصبحوا، أنّ بعض أهل السير ذكروا السبب المانع من ذلك مع قصر الجدار وأنّهم إنّما جاؤوا لقتله، أنّهم هموا بالولوج عليه فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنّا لسبَّة في العرب أن يتحدث عنا أنا تسوَّرنا الحيطان على بنات العم وهتكنا ستر حرمتنا، ويؤكد ذلك بالقول: ((فهذا هو الذي أقامهم بالباب حتى أصبحوا ينتظرون خروجه ثم طمست أبصارهم عنه حین خرج))(1).

ويبدو أنّ هذه الرواية يشوبها الشك، فمن تضافر على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخشى أن يتسوّر الجدار على الناس، فما أقدموا عليه هو أعظم جرماً عند العرب من التسوّر على بيت من بيوت العرب، سيما وأنّ هذا البيت هو من بيوت بني هاشم، فهم كانوا مصمم ني على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء أكان في البيت أم خارجه، وفي نهاية الأمر اقتحموا الدار ووجدوا علياً (عليه السلام) مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فام منعهم هتك حرمة البيت من شيء.

فيما ذكر إنّ السبب الذي دعا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إلقاء التراب

ص: 86


1- المصدر نفسه، ج 3/ص 329 - 330

على رؤوسهم بالقول: ((الحكمة في كون الموضوع على رأسهم ترابا دون غيره الإشارة لهم بأنّم الأرذلون الأصغرون الذين أرغموا وألصقوا بالرغام وهوالتراب، وأنّه سيلصقهم بالتراب بعد هذا))(1) .

وأشارت المصادر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف الإمام عليًّا (عليه السلام) حین هاجر من مكة إلى المدينة، وأمره أنّ يقيم بعده بمكة أياماً حتى يؤدي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يلحقه بأهله ؛ ففعل ذلك(2) . وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلم عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلّا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته(3) .

و صول الإمام (عليه السلام) إلى المدينة

أقام الإمام ع يل بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة بعد خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أياما حتى أدى للناس ودائعهم التي كانت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفه ليردها، ثم خرج فلحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقباء(4) فنزل عند كلثوم بن الهدم(5) ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 87


1- المصدر نفسه، ج 3/ص 330
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 108 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 49
3- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 338
4- قُباء: بضم أوله وهو موضع في طريق مكة من البرة والآخر بالمدينة وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم* كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصي ركعتن. البكري، معجم ما استعجم، ج 3/ ص 1045
5- كلثوم بن الهدم: هو كلثوم بن الهدم الأنصاري من عمرو بن عوف، صاحب رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُعرف بذلك، وكان شيخاً كبراً أسلم قبل نزول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة، وهو الذي نزل عليه النبي (صى الله عليه وآله وسلم) في حین قدومه في هجرته من مكة إلى المدينة فأقام عنده أربعة أيام ثم خرج إلى أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه حتى بنى مساكنه وانتقل إليها. توفي قبل بدر بيسر، وقيل أن كلثوم أول من مات من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد قدومه المدينة لم يدرك شيئاً من مشاهده. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 3/ص

وسلم) قد نزل عنده ح ني قدم المدينة(1) .

وروي عن الإمام علی (عليه السلام) قصة نزوله بقباء بقوله: ((كنت نزلت بقباء وكانت امرأة مسلمة لا زوج لها، فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه فاستربت(2) شأنه، فقلت لها: يا أمة الله،

من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجین إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف(3) ، قد عرف أنّی امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال: احتطبي بها، فكان علي يأثُر ذلك من أمر سهل بن حنيف حین هلك عنده بالعراق))(4) .

ص: 88


1- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 379
2- استربت: من الريب أي الشك والاسم الريبة، وهي التهمة والشك، واسربت إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه. الرازي، مختار الصحاح، ج 1/ص 132
3- سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث، يكنى أبا سعد. شهد بدراً وأحداً وثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد، وبايعه عى الموت وجعل ينضح يومئذٍ بالنبل وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (نبلوا سهلاً فإنه سهل)، كما شهد أيضاً المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشهد كذلك صفن مع الإمام علي. مات سنة 38 ه-. ابن سعد، الطبقات الكرى، ج 3/ ص 358
4- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 379 - 380

وهذه الرواية تدل على إن الإمام عليًّا (عليه السلام) كان غيوراً على المرأة ولاسيما إذا كانت مسلمة، ولا أحد عندها، وهذا ليس بالأمر الغريب على الأخلاق المحمدية.

المؤاخاة

عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وصوله إلى المدينة المنورة إلى فعل يهدف إلى إشاعة التكافل الاجتماعي بین المهاجرين فيما بينهم من جهة، وبین المهاجرين والأنصار من جهة أخرى، و آخى بين المسلمين، وبعد أن آخى بينهم آخى بينه وبین الإمام علي (عليه السلام)(1) .

وذكرت بعض المصادر التاريخية عن عبدالله بن عمر(2) أنه قال: ((آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بین أصحابه، فآخى بین أبي بكر وعمر، وفلانا، حتى بقي علي (رضي الله عنه)، فقال: يا رسول الله آخيت ب ني أصحابك ولم تؤاخ بيني وبین أحد، فقال رسول الله: ((أما ترضى أن أكون أخاك))؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت، قال: (فأنت أخي في الدنيا والآخرة))(3) . كما ذكر أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأصحابه: ((تواخوا وهذا أخي)) - يعني علي بن أبي طالب

ص: 89


1- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 192 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 527
2- عبدالله بن عمر بن الخطاب: أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي، قيل مات سنة 73 ه- وبلغ 87 سنة وكان في الجيش الذي أغار به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بني المصطلق. البخاري، التاريخ الكبير، ج 5/ص 2
3- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 527 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 47 . مع اختلاف في النص. وينظر أيضاً: الترمذي، سنن الترمذي، ج 6/ص 80 ؛ ابن الإعرابي، معجم ابن الإعرابي، ج 2/ ص 681

(عليه السلام)1). وقال له:((أنت أخي في الدنيا والآخرة))(1) . وروى (العليمي) أنّ الإمام (عليه السلام) أشار إلى ذلك أيام خلافته بالقول: ((فكان علّی يقول على منبر الكوفة أيام خلافته: أنا عبدالله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))3(2) .

وقد أشار (الشامي) إلى رأي ابن تيمية (ت 728 ه-/ 1327 م) الذي أنكر المؤاخاة بین المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام)، وذكر أنّه يرى أنّ السبب في ذلك: ((لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم بعضا ولتتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاته لأحد ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري))(3) ، ويؤكد ذلك بالقول: ((أنّ ذلك ردّ للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة ؛ لأنّ بعض المهاجرين كان أقوى من بعض في المال والعشيرة والقوة، فآخى بین الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا تظهر حكمة مؤاخاة (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (رضي الله عنه)، لأنّه هو الذي كان يقوم بعلی من عهد الصبا قبل البعثة واستمر، وكذلك مؤاخاة حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة لأنّ زيدا مولاهم، فقد ثبتت إخوتهما وهما من المهاجرين))(4) .

وذكرت المصادر أنّ المؤاخاة بین المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى للهجرة(5) . وروي عن الإمام علي (عليه السلام) شعر يفتخر فيه بمؤاخاته

ص: 90


1- المصدر نفسه، ج 3/ص 529
2- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 529
3- سبل الهدى، ج 3/ص 534 . وينظر أيضاً: ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج 4/ص 32
4- الشامي، سبل الهدى، ج 3/ص 534
5- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 165 ؛ العليمي، الأنس الجليل، ص 192

لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرتها المصادر التاريخية الشامية، ومن هذه الأبيات قوله(1) :

محمد النبي أخي وصهري *** وحمزة سيد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يمي ويضحي *** يطیرُ مع المائكة ابن أمي

زواجه (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام)

تزوج الإمام علي (عليها السلام) من فاطمة (عليها السلام)، وبنى بها بعد بدر بأربعة أشهر، أي سنة 2ه-/ 623 م، بحسب ما ذكرته المصادر الشامية(2) .

وذكرت المصادر أنّ زواجه (عليها السلام) من فاطمة (عليها السلام) كان بأمر الله تعالى، كام نقلوا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أكثر من حادثة ورواية، ومن هذه الروايات ما نقله (العليمي) قائلاً: ((إِنّ الله سبحانه وتعال عقد فاطمة لعلي في السماء فنزل الوحي بذلك فَجمع الصحابة لذلك وأرسل وراء علي بن أبي طالب وأخبره بالخبر فعقد النَّبِي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد علي على فاطمة))(3) .

وأكد (الشامي) ذلك بما رواه عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: ((كنت قاعدا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: إنّ الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علی))(4) ، كما روى عن أنس، قال: ((كنت قاعدا عند رسول الله (صلى

ص: 91


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 267 . وينظر: الجراوي، الحماسة المغربية، ج 1/ص 567
2- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 165 ؛ العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 194 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 47
3- الأنس الجليل، ج 1/ص 194
4- سبل الهدى، ج 11/ص 477 . وينظر أيضاً: الطراني، المعجم الكبر، ج 10 /ص 156 ؛ الآجري الشريعة، ج 5/ص 2129

الله عليه وآله وسلم) فغشيه الوحي فلما سرى عنه قال: يا أنس، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله تعالى أمرني أن أزوج عليًّا من فاطمة))(1) .

وقد روي أنّه لما خطب علی (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام)، دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها: ((أي بنية إنّ ابن عمك قد خطبك فماذا تقولین، فبكت ثم قالت كأنّك إنّما ادخرتني لفقير قريش، فقال: والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء، فقالت: رضيت بما رضي الله لي ورسوله، ثم خرج من عندها))(2) .

ويبدو لنا أنّ هذه الرواية لا يمكن تصديقها، ولا يمكن الركون إليها، ذلك أنّ من تربى بحجر النبي الطاهر صاحب النفس الكبيرة والكرم والسخاء، ومن جاء القرآن الكريم بمدحه، لا يمكن أن ينظر إلى الناس بمنظر الغنى والفقر، لاسيما وأنّها تعرف مقام علي (عليه السلام) عند أبيها، وبلائه ووقوفه بجانبه في كل الأوقات، فهو شخص غير خاف عنها، زيادة على ذلك فإن أخلاق سيدة النساء (عليها السلام) لا يمكن أن تكون بهذه السطحية - حاشاها .

وكان يطلبها الكثير من الصحابة مهاجرين وأنصار، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزوجها لأحد منهم: كانت فاطمة تذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يذكرها أحد إلّا صدعته حتى يئسوا منها(3) . ومن الصحابة

ص: 92


1- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 478
2- ابن عبد الهادي، العقد التمام، ص 28 ؛ ابن طولون، وبل الغمام، ص 43 - 44
3- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 480

الذين طلبوها أبو بكر، فقد روي أنّ عمر بن الخطاب أتى أبا بكر فقال: ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يزوجني، قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج إنّك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الإسلام قال: فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة، إذا رأيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طيب نفس وإقبالاعليك فاذكري له أنّ ذكرت فاطمة فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي، قال: فجاء رسول الله فرأت منه طيب نفس وإقبال فقالت يا رسول الله إن أبا بكر ذكر فاطمة وأمرني أن أذكرها، فقال: حتى ينزل القضاء فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه، وددت أنّ لم أذكر له الذي ذكرت، ثم إن أبا بكر جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي، وقدمي في الإسلام قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت وأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر، فقال: هلكت وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعرض عني، ثم طلبها عمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتاه وقعد بین يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الإسلام، وإنّی وإنّی، قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها، ثم إن أبا بكر وعمر انطلقا إلى علی وأرادوه أن يطلب مثل الذي طلبوه، قال علی (عليه السلام): فأتياني وأنا في سبيل، فقالا: بنت عمك تخطب فنبهاني لأمر فقمت لأجر ردائي، طرف على عاتقي، والطرف الآخر في الآخر، حتى أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلقيتهُ(1) .

وروي أيضاً أنّ سعد بن معاذ(2) لقي الإمام عليًّا (عليه السلام) فقال له: إنّ والله

ص: 93


1- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 479 - 480
2- سعد بن معاذ بن النعان بن أمرئ القيس بن مالك بن الأوس يكنى أبا عمرو، شهد بدراً وأحداً واستشهد في الخندق من سنة 5ه- وقد وجد عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجداً شديداً. أبو نعيم الاصبهاني، معرفة الصحابة، ج 3/ص 1241

ما أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبسها إلّا عليك، فقال له: علي (عليه السلام): فلم ترى ذلك، فوالله ما أنا بأحد الرجلین ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها، إنّی لأول من أسلم فقال سعد فإني أعزم عليك لتفرجنها عني، فإنّ لي في ذلك فرجا قال: أقول ماذا؟ قال: يقول: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (مرحبا)، كلمة ضعيفة، ثم رجع إلى سعد، فقال: قد فعلت ما أمرتني به فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة، فقال سعد: أنكحك رسول الله والذي بعثه بالحق، إنه لا خلف ولا كذب عنده، وأعزم عليك لتأتينه غدا، فلتقولن يا نبي الله، متى تبنيني بأهلي؟ فقال علي: هذه أشد علي من الأولى أو لا أقول: يا رسول الله، حاجتي؟ قال: قل كما أمرتك، فانطلق علي، فقال: يا رسول الله، متى تبنيني بأهلی؟ قال: الليلة إن شاء الله، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أوعندك شيء تصدقها به؟ فقلت: فرسي وبُدني، يعني درعي الحطمية(1) ، قال: أمّا فرسك لابد لك منها، وأما بُدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانین درهماً، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: يا بلال ابغنا بها طيباً(2) .

ص: 94


1- الحطمية: الدرع الحطمية منسوبة إلى إنسان، وقوله (الحطيم من البيت) والحطيم: الحجرُ من الكعبة. والدرع الحطمية: هي الثقيلة العريضة، وقال بعضهم هي التي تحطم السيوف أي تكسرها، وقيل منسوب إلى حطمة بن محارب وهو بطن من عبد القيس كانوا يعملون الدروع فنَسبت إليهم ينظر: ابراهيم الحربي، غريب الحديث، ج 2/ص 389 ؛ الخطابي، غريب الحديث، ج 1/ص 291
2- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 480 - 481

وأوردت المصادر أيضاً رواية عن الإمام (عليه السلام) يذكر فيها خطبته لفاطمة (عليه السلام) يقول فيها: أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها، فقال: أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا، وكذا قال: هي عندي، قال: فأعطها إياه، ثم قال:

لا تحدث شيئا حتى آتيكما، فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء، فلما رآنا تحشحشنا(1) ، فدعا فأتيا بإناء فدعا فيه، ثم رشه علينا، فقلت: يا رسول الله أينا أحب إليك؟ قال: هي أحبّ إلي منك، وأنت أعز علي منها(2) .

وعلى الرغم من اختلاف هذه الروايات في كيفية حصول الخطبة والزواج، إلّا أنّ النتيجة التي نخرج منها هي أنّ المصادر الشامية أجمعت على أنّ زواج الإمام علي (عليه السلام) كان بأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا ما كان يجبر رسول الله (صلى اللهعليه وآله وسلم) على رد من يجيء لخطبتها من الصحابة على اختلاف مكانتهم وقربهم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فأمرها - كما هو واضح من النصوص أعلاه - موكول لله سبحانه وتعالى ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسبقه إلى تزويجها، ممّا يدل على المكانة الكبيرة التي جعلها الله عز وجل لهذا الزواج المبارك.

ص: 95


1- تحشحشنا: أي تحركنا للنهوض، وتحشش القوم: إذا تحركوا. ينظر: الخطابي، غريب الحديث، ج 1/ ص 291 ؛ قاسم السر قسطي، الدلائل في غريب الحديث، ج 2/ص 674
2- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 477 ؛ ابن طولون، وبل الغمام، ص 42 . وينظر أيضاً: ابن عبد الهادي، العقد التمام، ص 27 - 28 . باختلاف قليل في النص. ومعنى الحديث: أنها أقرب إلي وألوَطُ بالقلب منك. أما قوله أنت أعز عليّ منها: معناه أنت أعظم قدراً وأرفع محاً. الخطابي، غريب الحديث، ج 1/ص 291 ؛ الحميدي، مسند الحميدي،ج 1/ص 171 ؛ سعيد بن منصور، سنن سعيد،ج 1/ ص 196

أمّا صداقها، فقد أشار (الشامي) إلى رواية عن الإمام علي (عليه السلام)، قال:

((خطبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة، فباع علیّ درعاً له وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانین درهما، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثا في الثياب، ومجَّ(1) في جرة من ماء، فأمرهم أن يغتسلوا به))(2) .

أمّا عن جهازها فقد روي عن جابر (رضي الله عنه) قال: ((كان فراش علي وفاطمة ليلة عرسهما إهاب كبش))(3) . وعن أسماء بنت عميس، قالت: تزوجت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على درع ومنشفة بمغفرة ونصف قطيفة بيضاء، وقدح وإنها كانت تستتر بكم درعها، وما لها خمار، وقالت فاطمة (عليها السلام): أعطاني رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أُصعا(4) من تمر ومن شعير، فقال: ((إذا دخلن عليك نساء الأنصار فأطعميهنّ منه))(5) .

و روي عن الإمام علی (عليه السلام) قال: (ما كان لنا إلّا أهاب كبش ننام على

ص: 96


1- مجَّ: الميم والجيم كلمتان إحداهما تخليط في شيء، والثانية رميٌ للشيء بسرعة. ومجَّ الشراب من فيه أي رمى به، وأمجَّ الرجل: أسرع في عدوه. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5/ ص 268
2- سبل الهدى، ج 11/ص 478
3- المصدر نفسه، ج 11/ص 483 . أهاب كبش: أهاب بمعنى جلد، وكل جلد عند العرب إهاب، وجمعه: أُهُبْ وأُهَب. الأزهري، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، ج 1/ص 21
4- أصعاً: في جمع الصاع: آصعُ وآصعاً، والصواب: أصوع. وكلام العرب الفَرق هو إناء يأخذ ستة عشر مُداً وذلك ثلاثة أصوع. ينظر: الصفدي، تصحيح التصحيف، ج 1/ص 66 ؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 10 /ص 306
5- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 482 - 483

ناحیتة و فیة تعجن فامة علی ناحیة))(1) .

لما جهز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السيدة فاطمة إلى علي (عليه السلام) بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيین وسقاء وجرتین(2) .

وذُكر أنّ عمر السيدة فاطمة، عند زواجها من علي (عليه السلام) خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة وكان ذلك في النصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبني بها في ذي الحجة، وقيل: تزوجها في رجب وقيل: في صفر وسنهُ (عليه السلام) يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ولم يتزوج عليها حتى ماتت (عليه السلام)(3) .

وقد روي على لسان أسماء بنت عميس قالت: خطبني علي فبلغ ذلك السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت إن أسماء متزوجة علي بن أبي طالب فقال لها: ((ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله))(4) .

كما روي عن ابن عباس (رض) أن عليا (عليه السلام) خطب بنت أبي جهل فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن كنت تزوجتها فرد علينا ابنتنا، والله لا تجتمع

ص: 97


1- المصدر نفسه، ج 11/ص 482
2- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 482 ؛ ابن طولون، وبل الغمام، ص 36
3- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 476
4- المصدر نفسه، ج 11/ 487 - 488

بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل))(1) .

وهذه الرواية لا يمكن تصديقها لأن السيدة (عليها السلام) كانت صابرة مع الإمام على جهد العيش وضيقه وإن لها مكانة وتقديراً كبيرين عند الإمام (عليها السلام) وهو لم يقدم على الزواج من غيرها إلا بعد وفاتها. فضلا عن أن أخلاق الإمام واعتزازه بالرسول وما يكنّه له من حب واحترام يقف حائلاً بينه وب ني هذه الخطبة.

هذا فضلا عن أن الإمام عليًّا (عليها السلام) كان يفتخر بهذا الزواج وبأولاده كثيراً وهم أسباط النبوة، وقال في ذلك شعراً:

وبنت محمد سكني وعُرسي *** منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها *** وأيكم له قسم كقسمي(2)

وكان رسول الله يتعهدهما بالرعاية، فقد روي عن فاطمة (عليها السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاها يوما فقال: ((أين ابناي؟ يعني: حسنا وحسينا، قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: اذهب بهما، فإنّ أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدهما يلعبان في شربة بین أيديهما فضل من تمر، فقال:

يا علي ألا تقلب ابناي قبل أن يشتد الحر، قال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله، حتى أجمع لفاطمة شيئا من التمر، فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدهما وحمل علي الآخر، حتى قبلهما))(3) .

ص: 98


1- المصدر نفسه، ج 11/ص 488 . وينظر: الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 9/ص 203
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 267 - 268 . وينظر: الجراوي، الحماسة المغربية، ج 1/ص 568
3- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 492

وعن علي (عليها السلام) أنّه قال لفاطمة (عليها السلام) ذات يوم: والله لقد سنوت(1) حتى اشتكيت صدري، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله، لقد طحنت حتى مجلت(2) يداي فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما جاء بك أي بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتينا جميعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي: يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: يا رسول الله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخذ منا فقال: والله، لا أعطيكام وأدع أهل الصفة(3) تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجعا ؛ فأتاهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد دخلا في قطيفتهام إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهام، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا فقال: مكانكما، ثم قال: ألا أخبركام بخير ممّا سألتماني، قالا: بلى، فقال: كلمامت علمنيهن جبريل، فقال:

تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، فإذا أويتام إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاث ني واحمدا ثلاثا وثلاثین وكبرا أربعا وثلاثين، قال الإمام علي (عليها السلام): فوالله ما تركتهنّ منذ سمعت ذلك من رسول الله (صلى الله عليه

ص: 99


1- سنوت: سنوت الأرض أي سقيتها وحملت مُسنية، والسواني جمع سانية وهي الناقة التي يستقى عليها، ومعنى سنوت هنا سقيتُ. مجد الدين بن الأثر، النهاية، ج 2/ص 415
2- أهل الصفة: هم الفقراء الضعافُ الذين لا دفاع بهم وكانوا أخلاطاً من قبائل شتى ومع كل واحد وفضة، يتخذون من الصفة التي في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مكاناً لهم. ابن منظور، لسان العرب، ج 7/ص 251 . وينظر أيضاً: الحُميدي، مسند الحُميدي، ج 1/ص 174 ؛ احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 2/ص 34
3- مجلت: مجل تمجل أي مرنت، وأمجلها العمل أي صلبت، وقيل المجل أن يكون بن الجلد واللحم ماء. والمجلة: هي قشرة رقيقة يجتمع فيها الماء من أثر العمل، وجاءت الإبل كأنها المجل: أي ممتلئة رواء، وذلك أعظم ما يكون من ريها. ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج 7/ص 453

وآله وسلم) قال: فقيل له : ولا ليلة صفین؟ فقال: ولا ليلة صفین(1) .

وهذه الرواية لا يمكن الأخذ بها والركون إليها لأن الإمام والسيدة (عليهما السلام) هما أكبر من أن يطلبا المال من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والرسول يرفض بالقول: لا أعطيكما وأدع أهل الصفة، ولو كان عندهما (عليهما السلام) مالاً لشاركاه (صلى الله عليه وآله وسلم) في إعطاء أهل الصفة.

مرض فاطمة (عليها السلام) ووفاتها

وقد روي أنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) توفيت بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لستة أشهر، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: مكثت فاطمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أشهر، وما رُئيت ضاحكة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا أنّم قد امتروا(2) في طرف نابها(3).

وروي عن أم سلمة قالت: ((اشتكت السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه، اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه،

ص: 100


1- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 491 - 492 . وينظر أيضاً: ابن عبد الهادي، العقد التما، ص 22 - 23 ؛ ابن طولون، وبل الغمام، ص 37 - 38 باختاف قليل. وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 2/ص 203
2- امتروا: امترا فيه أي ارتاب وشك فيه وتردد. عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 3/ 2091
3- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 493

أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واضطجعت واستقبلت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه، إنّ مقبوضة الآن، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته)(1) .

وروي عن فاطمة (عليها السلام) أنّها قالت لأسماء يا أسماء، إنّی قد استقبحت هذا الذي يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحتتها(2) ، ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا تُدخلي علّی أحداً ثم اصنعي بي هكذا، فلمّا توفيت صنع بها ما أمرت بعد أن غسلتها أسماء وعلي (عليها السلام))(3) .

وروي أنّ فاطمة (عليها السلام) لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا، فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن، فلبستها ومست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا يكشف عورتها إذا أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها(4) .-1 .

ص: 101


1- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 494
2- فحتتها: فحتت وحت يحت، وحتَّ الشجرة: قشرها، وأنحتّ الورق عن الشجر: سقط عنه. عمر، معجم اللغة العربية، ج 1/ص 440
3- الشامي، سبل الهدى، ج 11/ص 494
4- المصدر نفسه، ج 11/ص 493

زوجات الإمام (عليه السلام) بعد الصديقة الطاهرة وأولاده

ذكر ابن (طولون) أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) تزوج خمس نسوة، وولد له سبعة وعشرون ولداً، منهم اثنا عشر ذكراً وخمسَ عشرة أنثى(1) .

وذُكر إن زواج الإمام علي (عليه السلام) بعد وفاة الصديقة فاطمة (عليها السلام) بأمامة(2) بوصية من فاطمة (عليها السلام)(3) . فلما حضرت أمير المؤمنين الوفاة، قال لأمامة لا آمن أن يخطبك معاوية، فإن كنتِ لابدَّ لكِ من الحاجة للرجال فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب(4) عشيراً، وبعد وفاته خطبها معاوية وبذل لها مئة ألف دينار فأرسلت إلى المغيرة: إن كان بك إلينا حاجة فأقبل، فزوجها منه الحسین بن علي (عليه السلام) فولدت له يحيى وبه كان يكنى(5) .

و تزوج ليلى بنت مسعود وله منها عبيدالله وأبو بكر، و تزوج الصهباء(6) وله منها عمر ورقية، وتزوج من أسماء وله منها يحيى، و تزوج من أم البنين(7) وله منها

ص: 102


1- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 58 - 60
2- أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمها زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). تزوجها الإمام علي (عليه السلام) بعد فاطمة (عليها السلام) فقتل عنها ولم تلد له شيئاً فخلف عليها المغرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. ماتت في حدود الخمسن للهجرة. ابن سعد، الطبقات، ج 8/ص 185 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 9/ص 217
3- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 121
4- المغرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه ضريبة بنت سعيد بن القشب بن جندب بن عبدالله بن رافع من الازد. ابن سعد، الطبقات، ج 5/ص 16
5- 5 ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 121
6- الصهباء: وهي أم حبيب التغلبية بنت ربيعة بن بجر بن العبد بن الحارث بن وائل، وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد حین أغار على بني تغلب بناحية عن التمر وأرسلها الى أبي بكر مع بقية السبي فصارت الى علي أي اشراها منه. ابن سعد، الطبقات الكرى، ج 3/ص 14
7- أم البنن: وهي فاطمة بنت حزام بن ربيعة بن الوحيد وهو عامر بن كعب بن كلاب، تزوجها علي بن ابي طالب (عليه السلام) بعد وفاة السيدة الزهراء (عليها السلام)، وقد توفيت سنة 64 ه- في 13 جمادي الثانية. ابن ماكولا، الإكمال، ج 1/ص 518

(جعفر والعباس وعبدالله وعثمان)، وأم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وأم الكرام ونفيسة وأم سلمة وأمامة وأم أبيها ((وسائر أولاده لأمهات أولاد شتى))، وكذلك من ولده عمر ومحمد الأصغر(1) . و تزوج خولة بنت جعفر(2) الحنفية وله منها محمد والمعروف بابن الحنفية(3) ، وقد بشَّر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام ع يل بالقول: ((سيولد لك بعدي غلام وقد تجعله اسمي وكنيتي ولا يحل لأحدٍ من أمتي بعده))(4) ، وقد وُصف بأنه كان رجلاً تابعياً مدنياً ثقة(5) . فضلاً عن أبنائه: الحسن والحسین ومحسن وأمّ كلثوم وزينب الك ربى وكلّهم من فاطمة (عليها السلام)(6).

ص: 103


1- الائمة الاثنا عشر، ص 58 - 60
2- خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة ابن الدول بن حنيفة بن لجيم، يقال بأنها كانت من سبي اليمامة وصارت إلى علي (عليه السلام)، وقيل بل كانت سندية سوداء وكانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم، وذكر البغوي أنها كانت من سبي بني حنيفة، فولدت له محمد بن علي الذي يعرف بمحمد ابن الحنفية، وقيل أن أبا بكر وهبها علياً. ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 4/ص 169 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 5/ص 55
3- محمد بن الحنفية: هو أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وأمه خولة بنت جعفر، يكنى أبا القاسم، ولد لسنتين أو ثاث بقین من خلافة عمر، كان كثر العلم، وَرِعاً، ثقة تابعياً مدنياً، من أفاضل بيته. كان حامل راية أبيه في الجمل. توفي سنة 81 ه- وهو ابن ثاث وستين سنة ودفن بالبقيع. ابن سعد، الطبقات، ج 5/ص 67 ؛ ابن عراق، نشر اللطائف، ص 11 3 - 114
4- ابن عراق، نر اللطائف، ص 112 - 113 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ 676 ؛ ابن المغازلي، مناقب أمير المؤمنين، ج 1/ص 357
5- المصدر نفسه، ص 114
6- ينظر: ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 58 - 59

ص: 104

الفصل الثاني:الحياة الجهادية للإمام علي (عليه السلام) حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

اشارة

ص: 105

ص: 106

المبحث الأول الوظائف والسرايا والبعوث

الوظائف التي تقلدها الإمام علي (عليه السلام) في عهد الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)

تقلد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مناصب عدة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها القضاء، فقد كان (عليه السلام) من قضاته في أمور كثيرة انتدبها له (صلى الله عليه وآله وسلم)، كذلك كان (عليه السلام) من أصحاب الشرطة(1) ، ومقيمي الحد له(2) ، زيادة على ذلك كان خازن دار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والقائم على نفقاته (3) .

و كان الإمام علي (عليه السلام) حامل راية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 107


1- أصحاب الشرطة: الشرطة جمع شرطي والشرطات هي هيئة مكلفة بحفظ الأمن وتنظيم السیر وتطبيق القانون في الباد وصاحب الشرطة رئيسها، ويقال: الشرطة طائفة من أعوان الولاة. ابن منظور، لسان العرب، ج 7/ص 330
2- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 153 . مقيمو الحد: هم الأشخاص المكلفون بإقامة الحدود، والحدود هي العقوبات المتخذة بحق المخالفين. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 3/ص 270
3- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 154

في أغلب المعارك التي شارك بها(1) . فقد أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء في مواطن كثيرة، أعطاه الراية يوم خيبر، وأخبر أنّ الفتح يكون على يديه(2) .

وكان (عليه السلام) من أبرز المفتین في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلا عن كون الإمام علي سيفًا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(3) . وسنتناول فيما يأتي بعض هذه الوظائف ونماذج من أفعاله (عليه السلام) في الوظيفة بحسب ما توفر لنا من معلومات وجدناها في مصادر القرن العاشر الهجري.

الكتابة

على الرغم من اختلاف العلماء - متقدمین ومحدثین - حول عدد كُتَّاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيفية كتابتهم له، وأنّهم ثلاثة وأربعون أو اثنان وأربعون أو ثلاثة وعشرون أو سبعة عشر أو غير ذلك من الأعداد، إلّا أنّ المتفق عليه عند الجميع أنّ علي بن أبي طالب لم يختلف فيه أحد من المؤرخين كونه كان كاتباً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(4) .

وقد كان كاتباً للوحي، كما كان كاتباً له (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بينه وبين رؤساء القبائل والملوك وغيرهم ممّن كان يكاتبهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(5) ، ومن أبرز ما كتب الإمام علي (عليه السلام) ووثقته المصادر الشامية أنّه

ص: 108


1- المصدر نفسه، ص 155
2- ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 49 - 50
3- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 309 ، 424
4- ابن طولون، إعلام السائلين، ص 24 - 25
5- ابن طولون، إعلام السائلين، ص 25

كتب بيده الشريفة كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمير بن ذي مران(1)، وإلى كل من أسلم من همدان(2) فضلا عن كتابته (عليه السلام) كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بني شمخ(3) من جهينة، وكذلك بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكتابه إلى جميل بن ردَّام العُذري(4). وغيرها الكثير من الكتب التي كان يرسلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بعض المسلمين، ثم ختم هذه الكتب بالعهد الذي عهده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمرو بن حزم، وهو عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حین أرسله إلى اليمن(5) .

ص: 109


1- عُمر بن ذي مران : عُمر ذي مِران القَيل بن أفلح بن شرحبيل بن ربيعة كتب إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلم وابنه يزيد بن عُمیر. وهو جد مجالد بن سعيد الهمداني ونزل الكوفة. لم نعثر على سنة وفاته في المصادر التي ترجمت له. ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 129
2- ابن طولون، إعام السائلين، ص 91 . وهمدان: هي كورة في اليمن بن صعدة وصنعاء فيها ثلاث مدن يقيم فيها أولاد حمیر ولهم فيها زروع وفواكه ومراعي وحقوق. مجهول المؤلف، حدود العالم من المشرق إلى المغرب، ج 1/ص 171
3- بني شمخ : وهي بطن من العرب العدنانية وشمخ بن فزارة بطن أيضاً وشمخ الجبل يشمخ شموخاً (علا) وارتفع وطال. وشمخ الرجل بأنفه تكر وارتفع وعزّ. القلقشندي، نهاية الأرب، ج 1/ ص 307 ؛ الزبيدي، تاج العروس، ج 7/ص 283
4- ابن طولون، إعام السائلين، ص 158 . وجميل بن ردام: وهو جميل بن عبدالله بن قميئة العذري، ولم يكن أبوه يعرف إلا بابن قميئة، وهو الشاعر المشهور صاحب بثينة. الآمدي، المؤتلف والمختلف، ج 1/ص 212
5- ينظر تلك الرسائل في: ابن طولون، إعام السائلين، ص 163 . عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن غنمة الأنصاري، شهد الخندق وهو ابن خمس عرة سنة، وهو أول مشهد شهده هو وزيد بن ثابت، ومات عمرو سنة 51 ه- في إمارة معاوية وكانت كنيته أبو الضحاك، وقد استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على نجران وهو ابن سبع عرة سنة. ابن حبان، الثقات، ج 3/ ص 266

القضاء

ومن أبرز الوظائف التي قلدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام) القضاء، فقد كان النبي يوكله في بعض المرات القضاء بين المسلمين، أو يبعثه إلى بعض الأمصار ليقضي هناك، فضلاً عن تعليمهم القرآن ومبادئ الدين الإسلامي. وقد أُطلق على الإمام علي (عليه السلام) أقضى القضاة(1) ،((فلا حرج أنّ يطلق على أعدل قضاة الزمان أو الاقليم))(2) . وروي عن ابن مسعود قوله: ((كُنا نتحدث أن أقضى المدينة علي (عليه السلام))(3) . وكذلك ورد عن عبدالله بن عباس:

((أقضانا علي))(4) .

كما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام عليًّا (عليه السلام) إلى اليمن ليقضي بينهم هناك، ويذكر (بن طولون) عن الإمام علي (عليه السلام) قوله حین بعثه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نصه: ((بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله إنّك تبعثني إلى قوم أسنُّ منّي لأقضي بينهم، قال: اذهب فإنّ الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك))(5) .

وحین بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا موسى الأشعري(6)

ص: 110


1- ابن الحنبلي، در الحبب، ج 1/ص 560
2- المصدر نفسه والصفحة
3- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 50
4- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 1/ص 352
5- الأئمة الاثنا عشر، ص 119 . وينظر أيضاً: النسائي، السنن الكبرى، ج 7/ص 422 ؛ البيهقي، السنن الكبرى، ج 10 /ص 237
6- أبو موسى الاشعري: أسمه عبدالله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر، قدم مكة فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أحيحة، أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر، وقيل: إن أبا موسى ليس من مهاجرة الحبشة وليس له حلف في قريش، وقد كان أسلم بمكة قديماً ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو وناسٌ من الاشعريين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر فقالوا: قدم أبو موسى مع أهل السفينتين. مات سنة 42 ه-، وقيل 52 ه- في خلافة معاوية بن أبي سفيان. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ص 78

ومعاذ بن جبل(1) إلى اليمن داعین إلى الإسلام، أسلم عامة أهل اليمن ملوكهم وعامتهم طوعاً من غير قتال ثم بعث الإمام علي (عليه السلام) إليهم، ووافاه(2) بمكة في حجة الوداع(3) .

يمكن القول إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن داعین إلى الإسلام، ثم بعث الإمام عليًّا (عليه السلام) إلى اليمن للقضاء، ثم أتى الإمام إلى الرسول في حجة الوداع في مكة.

ومن نماذج قضائه باليمن، ما ورد في حادثة البئر، فقد ذكر (الشامي) ذلك بالقول: احتفر قوم بئراً باليمن فأصبحوا وقد سقط فيها أسد، فنظروا إليه، فسقط إنسان بالبئر فتعلّق بآخر وتعلّق الآخر بآخر حتى كانوا في البئر أربعة فقتلهم الأسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله. فتحاكموا إلى علي (عليه السلام)، فقال: ربع دية(4)

ص: 111


1- هو معاذ بن جبل بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد، شهد معاذ بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). توفي في طاعون عمواس بالشام سنة 18 ه- وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وليس له عقب. ابن سعد، الطبقات، ج 3/ص 437
2- وافاه: اي أتاه. الفارابي، معجم ديوان الأدب ،ج 3/ص 279
3- ابن طولون، إعلام السائلين، ص 21
4- الدية : الدية هي العقل والأصل: أن الإبل كانت تجمع بفناء ولي المقتول وتعقل فسميت الدية عقاً وإن كانت ورقاً أو عيناً. ينظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4/ص 71

وثلث دية ونصف دية ودية تامة: للأسفل ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية من أجل أنه هلك فوقه واحد، وللأعلى الدّية كاملة، فإنّ رضيتم فهو بينكم قضاء وإنّ لم ترضوا فلا حقّ لكم حتى تأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقضي بينكم. فلام أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصّوا عليه خبرهم، فقال: أنا أقضي بينكم إن شاء الله تعالى، فقال بعضهم: يا رسول الله إنّ عليّا قد قضى بيننا، قال: فيم قضى؟ ؛ فأخبروه، فقال: هو كما قضى به(1) .

تأميره على بعض السرايا

كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث الإمام عليًّا (عليه السلام) في بعض الأمور التي يبلغ فيها أوامره، أو لغرض دعوة القبائل إلى الإس الم، أو يبعثه للحرب، وعن أم عطية (رضي الله عنها)(2) قالت: ((بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشاً فيه علي فسمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

(اللهم لا تمتني حتى تُريني علياً))(3) ، مما يدل على المكانة الكبيرة للإمام علي (عليه السلام) عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ومن هذه البعوث:

ص: 112


1- سبل الهدى، ج 6/ص 364
2- أم عطية: وهي نسيبة بنت الحارث وقيل نسيبة بنت كعب، وتكنى بأم عمارة وتعد في أهل البصرة وكانت من كبار نساء الصحابة، وتغزو كثراً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تمرض المرضى وتداوي الجرحى وشهدت غسل ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زينب، وكانت من جماعة الصحابة وعلماء التابعن في البرة، لها عن النبي أحاديث وروى عنها بعض الصحابة. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4/ص 1947
3- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 55 . وينظر أيضاً: الترمذي، سنن الترمذي، ج 6/ص 94

بعثه (عليه السلام) لليمن

وجَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخالد بن سعيد بن العاص(1) إلى اليمن وقال: إذا اجتمعتما فعليّ الأمير، وإذا افترقتما فكل واحد منكام أمير. فاجتمعا، وبلغ عمرو بن معد يكرب(2) فابتدره علي مكانهما، فأقبل على جماعة من قومه فلماّ دنا منهما قال: دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فإنّی لم أسمّ لأحد قط إلّا هابني، فلماّ دنا منهما نادى: أنا أبو ثور وأنا عمرو بن معد يكرب، فابتدره علّی وخالد، وكلاهما يقول لصاحبه: خلّني وإياه، ويفديه بأبيه وأمّه، فقال عمرو، إذ سمع قولهما: العرب تفزّع بي وأراني لهؤلاء جزراً(3) ، فانصرف عنهما، وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة، وكان شاعرا محسنا(4) .

وروت تلك المصادر أيضاً رواية دلّت على المعنى نفسه من حب الرسول للإمام

ص: 113


1- خالد بن سعيد: هو خالد بن سعيد بن العاص بن هشام بن المغرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، أسلم يوم فتح مكة وأقام بمكة ولم يهاجر وله عقب. قتل يوم أجنادين بمرج الصفر سنة 14 ه- في صدر خلافة عمر بن الخطاب. ابن سعد، الطبقات، ج 1/ص 345 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب،ج 2/ ص 422
2- هو عمر بن معد يكرب بن عبدالله بن عمرو بن عُصم بن عمرو بن زبيد أبو ثور الزبيدي، من أبطال العرب في الجاهلية، وأدرك الاسلام فقدم عى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسلم، وله بالقادسية بلاء حسن، وكانت له مشورة في الحرب ورأي لذا استعان به عمر بن الخطاب فأرسله إلى سعد بن أبي وقاص وكتب اليه أن يصدر عن مشورته في الحرب. مات بقرية من قرى نهاوند يقال لها روذة، بعد أن جرح في معركة نهاوند سنة 21 ه-/ 641 م. ابو نعيم الاصبهاني، معرفة الصحابة، ج 4/ ص 2017 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 46 /ص 389
3- جزراً : أي قطعة وصار القوم جزراً إذا اقتتلوا وجزر السباع اللحم الذي تأكله. ينظر: الزبيدي، تاج العروس، ج 10 / ص 415
4- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 374

وأنّه لا يرضى إلّا برضاه، فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى اليمن جيشین وأمر عليا على أحدهما وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: ((إذا كان قتال فع يل رضي الله تعالى عنه الأمير))، قال: فافتتح علي حصنا فغنمت أواقٍ(1) ذوات عدد، وأخذ علي منه جارية، قال: فكتب معي خالد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلام قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرأ الكتاب رأيته يتغير لونه فقال: ((ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله تعالى ورسوله؟))(2)، فقلت: أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله، إنما أنا رسول، فسكت، وعن بريدة، قال: أصبنا سبياً (3) فكتب خالد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

ابعث إلينا من يخمسه، وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا إلى خالد ليقبض منه الخمس، - وفي رواية: ليقسم الفيء(4) - فقبض منه فخمس وقسم، واصطفى علي سبية، فأصبح وقد اغتسل ليلا، وكنت أبغض عليا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا لبغضه عليا، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ وفي رواية: فقلت: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال ألم تر إلى الوصيفة فإنها صارت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم في آل علي فوقعت

ص: 114


1- أواقي: الوقية وزن من أوزان الدهن، وهي سبعة مثاقيل، وجمعها أواقي وأواق، والاوقية عند العرب أربعون درهماً. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 279
2- ابن ابي شيبة، المصنف، ج 1/ص 96
3- سبياً: السبي والسباء: الأسر، وقد سبيت العدو سبياً وسيباء إذا أسرته، الجوهري، الصحاح، ج 6/ ص 2371
4- الفيء: وهو المال الذي أفاء الله عى المسلمين ففاء إليهم أي رجع إليهم با قتال، وكل من صولح عليه المسلمون من أموال من خالف دينهم، هي فيء، وأصل الكلمة: من فاء يفيء إذا رجع، ومنه قيل للظل من آخر النهار فيء لأن الشمس فاءت عنه إذا رجعت. وجمع الفيء أفياء وفيوء. الأزهري، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، ج 1/ص 187

بها، فلام قدمنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت له ذلك، وفي رواية:

فكتب خالد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول صدق(1) ، فإذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد احمر وجهه فقال: ((من كنت وليه فعلي وليه))، ثم قال: ((يا بريدة أتبغض عليا؟)) فقلت: نعم، قال: ((لا تبغضه فإن له الخمس أكثر من ذلك))، وفي رواية: ((والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة وإن كنت تحبه فازدد له حبا))، وفي رواية:

((لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي))، قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب إلي من علي(2) .

وهذه الرواية تؤكد على حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام (عليه السلام)، ويذكر بأن الإمام هو الولي من بعد.

كما ذكر (العليمي) نقلاً عن الإمام محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الملقب بالجواد (عليه السلام) رواية عن الإمام علي (عليه السلام) قال: ((بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني: يا علي ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، يا علی عليك بالدُلجة - وهو السير في آخر الليل - فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، يا علي أغدُ(3) ؛ فإن الله بارك لأمتي في

ص: 115


1- أفول صدق: حالة من الضعف التدريجي وتتبع النمو أو العظمة أو النجاح. عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 1/ص 104
2- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 358 - 359 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2/ ص 688 ؛ مسند أحمد، ج 38 /ص 117
3- أغدُ: بمعنى إذهب عني وانصرف. عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 2/ص 1598

بكورها(1) ))(2) .

وكان البعث (وهي سرية علي بن أبي طالب (عليه السلام) المرة الثانية) في رمضان وأمره أن يعسكر بقناة فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه(3) . فعقد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربّعة فجعلها في رأس الرّمح ثم دفعها إليه وعمّمه بيده عمامة ثلاثة أكوار وجعل له ذراعاً بين يديه وشبراً من ورائه وقال له: ((امض ولا تلتفت))(4) .

فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما أصنع؟ قال: ((إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلّا الله محمد رسول الله، فإن قالوا نعم فمرهم بالصلاة فإن أجابوا فمرهم بالزكاة فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت))(5) .

فخرج علیّ في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلماّ انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج(6) فرّق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم

ص: 116


1- بكورها: باكرت الشيء أي بكّرت له، والباكور: المبكر في الادراك من كل شيء، والبكور هنا الساري في آخر الليل وأول النهار. الفراهيدي، العين، ج 5/ص 365
2- التاريخ المعتبر، ج 3/ص 145 - 146 . وينظر أيضاً: الطبراني، المعجم الأوسط، ج 6/ص 365
3- تتام: تتام القوم أي جاءوا كلهم وتمّوا. عمر، معجم اللغة العربية، ج 1/ ص 301
4- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 362
5- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 362 ؛ الغزي، الدر النضيد، ص 36 . مع اختاف بسيط في النص وينظر أيضاً: أبو يعلى، مسند أبي يعلى، ج 13 /ص 531
6- مذحج : وهي قبيلة من اليمن وسموا مذحج لأن آبائهم مالك بن أدد وُلد عى أكمة أسمها مذحج فسمي مذحجاً. نشوان الحميري، شمس العلوم، ج 4/ص 2247

وسبايا نساء وأطفالا ونعما وشاء وغير ذلك. فجعل علیّ على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعا(1) .

ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا أصحابه بالنّبل والحجارة.

فلما رأى أنّهم لا يريدون إلّا القتال صفّ أصحابه ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السّلمي(2) فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي(3) فقتله الأسود وأخذ سلبه(4) .

ثم حمل عليهم الإمام عليّ (عليه السلام) وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرّقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائما وكفّ الإمام عليّ (عليه السلام) عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا. وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى، وجمع الإمام علّی ما أصاب من تلك الغنائم، فجزّأها خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها، فخرج أول السّهمان سهم الخمس وقسم علی (عليه السلام) على أصحابه بقيّة المغنم، ولم ينفّل أحد من الناس شيئا، وكان من كان قبله يعطون خيلهم

ص: 117


1- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 362
2- مسعود بن سنان السلمي: وقيل إن مسعود بن الأسود حليف لبني غنم من بني سلمة وهو من الأنصار وقد شهد أحداً واستشهد يوم اليمامة. ابن حجر، الإصابة، ج 6/ص 79
3- الأسود بن الخزاعي: هو الأسود بن خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع من خزاعة، حدّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً يوم فتح مكة، ولم تقدم المصادر ترجمة وافية له ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 13
4- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 362 - 363 . وسلبه: هو أخذ الشيء بخفة واختطاف فيقال سلبتهُ ثوبهُ سلباً. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 3/ 92

الخاص دون غيرهم من الخمس ثم يخبرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فلا يردّه عليهم فطلبوا ذلك من علّی فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى فيه رأيه(1) .

وأقام فيهم يقرئهم القرآن ويعلّمهم الشرائع، وكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني(2) يخبره الخبر، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علیّ بذلك فانصرف عليّ راجعاً، فلمّا كان بالفتق(3) تعجّل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره الخبر وخلّف على أصحابه والخمس أبا رافع(4) ، فوافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة قد قدمها للحج، وكان في الخمس

ص: 118


1- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 363
2- عبدالله بن عمرو بن عوف المزني، كنيته أبو بكر، صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل البصرة بعد ذلك وله بها عقب. وهو أحد البكائن الذين نزلت فيهم: «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ»[التوبة : 92 ]، وكانوا ستة نفر. ابن سعد، الطبقات، ج 7/ص 23 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 3/ص 960
3- الفتق: قرية بالطائف، كبیرة تقع على الطريق من مكة إلى اليمن. الحموي، معجم البلدان، ج 4/ ص 235 ؛ ابن خرداذبة، المسالك والممالك، ج 1/ص 134
4- أبو رافع : هو مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واسمه أسلم، كان عبداً للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما بر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسلام العباس أعتقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما كان بعد بدر هاجر أبو رافع إلى المدينة وأقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوَّجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمى مولاته وكان كاتباً لعي بن أبي طالب (عليه السلام). مات بالمدينة بعد قتل عثمان بن عفان. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ ص 55

ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة(1) ونِعَم وشَاء مّما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم، فسأل أصحاب عليّ أبا رافع أنّ يكسوهم ثياباً يحرمون فيها فكساهم منها ثوب ني ثوبین(2) . فلما كانوا بالسّدرة داخلين خرج علّی ليتلقّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟، فقال: (كلّموني ففرقت من شكايتهم وظننت أنّ هذا ليسهل عليك وقد كان من قبلك يفعل هذا بهم)). فقال: ((قد رأيت امتناعي من ذلك ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفت فتعطيهم))؛ فنزع عليّ الحلل منهم(3) .

فلمّا قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شكوه، فدعا عليّا (عليه السلام)، فقال: ((ما لأصحابك يشكونك؟)) قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا وحبست الخمس حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك. فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(4) .

بعثه (عليه السلام) للحج سنة 9ه-/ 630 م

بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر سنة 9ه-/ 630 م ليحج بالناس ومعه عشرون بدنة(5) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثلاثمائة رجل، فلما

ص: 119


1- معكومة : من عَكم، يقال عكم المتاع: إذا شدهُ بالعِكام، وعكم البعر: إذا شدَّ عليه العِكم. وأحمال معكومة: أي أحمال مشدودة شداً بالعكام. نشوان الحميري، شمس العلوم، ج 7/ص 4701
2- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 363
3- المصدر نفسه، ج 6/ص 363 - 364
4- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 364
5- بدنة: هي الناقة، وسميت بدنة بالعظم أما لسمنها أو لسنها. الدينوري، غريب الحديث، ج 1/ ص 219

كان بذي الحليفة(1) أرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام عليًّا )عليه السلام) عنه وأمره بقراءة آيات من أول سورة براءة على الناس وأن ينادي: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فعاد أبو بكر وقال: يا رسول الله أنزل فيَّ شيء؟ قال: لا ولكن لا يُبلِّغ عني إلّ أنا أو رجل مني(2) .

وعلّق (الشامي) أنّ السبب في ذلك: أنّ عادة العرب كانت أنّه لا يحل العقود(3) ويعقدها إلّا المطاع أو رجل من أهل بيته(4) .

فسار أبو بكر أميراً على الموسم وع يل بن أبي طالب (عليه السلام) يؤذن ببراءة يوم الأضحى، وأن لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف عريان(5) .

ص: 120


1- ذا الحُليفة: بضم الحاء وفتح اللام والفاء، ماء لبني جشم بينهم وبین خفاجة العقلن وهي من المدينة على ستة أميال. القاضي عياض، مشارق الانوار، ج 1/ص 221
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 174
3- لا يحل العقود: العقود: العهود، وقيل الفرائض التي ألزموها، وهي التي يعقدها بعضهم على بعض على ما يُوجبه الدين، واحدها عقد، ومعنى لا تحل العقود: لا تحل العهود، ولا يعهدها إلا المطاع. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 1/ص 134
4- سبل الهدى، ج 12 /ص 324
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 174

المبحث الثاني : الغزوات والحروب

اشارة

عانى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيراً من أذى المشركین وظلمهم له ولأتباعه ؛ لذلك اضطر (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة إلى المدينة، ولم يُؤذن له بالقتال إلّا بعد سنة من هجرته إلى المدينة، ونزول الآية الكريمة: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»1). وقد خاض (عليه الصلاة والسلام) العديد من المعارك ضد المشركین لإعلاء كلمة الله ونشر الرسالة الساموية التي كُلِّف بتبليغها من قبل الله تعالى للناس كافة. ولمّا كان الإمام علي (عليه السلام) موضع ثقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد شارك (عليه السلام) في كل غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أشركه (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل الحروب والغزوات، وكان حاملاً لراية الحق والإسلام في الحرب.

شارك الإمام علي (عليه السلام) في كل غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا غزوة تبوك، إذ خلَّفه فيها على المدينة. وعُرف الإمام بشدته وبراعته في القتال، وأنّه رجل مبادئ مشهود له بالشجاعة والبطولة والخبرة العسكرية، وذلك لبعد نظره في هذا المجال، فضلاً عن أنّ له معرفة كبيرة بالحروب، وكان حذراً متيقظاً.

ص: 121

العظمى في القتال فيقدم بها في بحر العدوّ وشهد معه مشاهده كلّها وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد معه أحداً وبايعه على الموت، وكان من أشجع النّاس، لم يبارز أحدا قطّ إلّا قتله(1) . وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا(2) . كما روي عن أنس أنّه قال: ((بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علی بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلا فقال: لا تدعه من خلفه، وقل له لا يقاتلهم حتى يدعوهم))(3) .

وذكر (الشامي)، نقلا عن المصادر التاريخية، أنّه كان مكتوباً على سيف علي بن أبي طالب (عليه السلام)(4) :

للناس حرصٌ على الدنيا بتدبرِ *** وصفوهُا لكَ ممزوجُ بتكديرِ

لم يُرزَقوها بعقلٍ بعدما قسَمَتْ *** لكنّهم رُزِقوها بالمقاديرِ

كم من أديبٍ لبيبٍ لا تساعِدُهُ *** وأحمقٍ نالَ دنياهُ بتقصرِ

لو كانَ عن قوّةٍ أو عن مغالبةٍ *** طارَ البزُاةُ بأرزاق العصافر(5)

ص: 122


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248
2- المصدر نفسه، ج 9/ص 143
3- المصدر نفسه، ج 9/ص 150
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 269 . توسع (ابن طولون) في ذكره سيف علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: هو ذو الفقار وفيه فائدتان: الأولى، الفقار: بفتح الفاء، وأصل الفقار: عظام الظهر، ومفرده فقارة بالفتح. وفي حديث زيد بن ثابت ما بن عجب الذنب إلى فقارة القفا اثنتان وثلاثون فقارة في كل فقارة احد وثلاثون ديناراً. الثانية: هذا السيف كان للعاص بن نبيه فقتل وأخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعطاه لعي وانتقل في أولاده، ورآه الأصمعي مع الرشيد متقلداً به، وبه ثماني عشرة فقارة. مرشد المحتار، ص 109
5- ابن حبيب النيسابوري، عقلاء المجانين، ج 1/ص 42

الغزوات التي شارك بها الإمام علي (عليه السلام)

معركة بدر سنة 2ه-/ 623م

معركة بدر سنة(1) سنة 2ه-/ 623 م

نقلت بعض المصادر الشامية تفاصيل معركة بدر، وأوضحت دور الإمام علي (عليه السلام) فيها، فقد ذُكر أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج من المدينة لثلاث خلون من رمضان ومعه ثلالث مئة وثلاثة عشر رجلاً، ولم يكن فيهم إلّا فارسان، وكانت الإبل سبعين يتعاقبون عليها، وقد جاءت الأخبار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ العير قاربت بدراً، وأنّ المشركين خرجوا ليمنعوا عنها، ثم ارتحل (عليه السلام) ونزل في بدر(2) .

وأشار سعد بن معاذ ببناء عريش(3) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعُمل وجلس عليه ومعه أبو بكر وأقبلت قريش فلماّ رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها(4) وفخرها تُكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني به))(5) .

ص: 123


1- بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه. الحموي، معجم البلدان، ج 1/ص 357
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 11 8 - 119
3- العريش: ما يستظل به من شجرٍ ونحوه، والعريش أيضاً: شبه الهودج. ابن سيده، المخصص، ج 1/ص 512
4- خيلائها: خيلاء: التكبر والإعجاب بالنفس. الزبيدي، تاج العروس، ج 18 /ص 454
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 119

وتقاربوا وبرز من المشركين عتبة بن ربيعة(1) وشيبة بن ربيعة(2) والوليد بن عتبة، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبارز عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب(3) عتبة، وحمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(4) شيبة، وعلي بن أبي طالب الوليد بن عتبة(5) .

ص: 124


1- عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بنیق بن كلاب القرشي، كنيته أبو هاشم، وقيل أن اسمه خالد، وقيل شيبة، وقيل هاشم. مات في خلافة عثان بن عفان. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 52 /ص 267 ؛ ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 680
2- شيبة بن ربيعة بن عبد شمس من زعماء قريش في الجاهلية، وهو أحد الذين نزلت فيهم الآية «كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ»(الحجر: 90 ) وهم سبعة عر رجلاً من قريش اقتسموا عقبات مكة في بدء ظهور الإسلام، وجعلوا دأبهم في أيام موسم الحج أن يصدوا الناس عى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما كانت وقعة بدر حضرها شيبة مع مشركيهم ونحر تسع ذبائح لإطعام رجالهم وقتل فيها قتله عبيدة بن الحارث. ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1/ص 152 ؛ ابن حبان، الثقات، ج 3/ ص 312 ؛ الزركلي، الأعلام، ج 3/ص 181
3- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، يكنى أبا الحارث، وقيل أبو معاوية. كان أسنّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعر سنين، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان له قدر ومنزلة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأول سرية بعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عبيدة بن الحارث سنة اثنتن في ثمانین راكباً، ويقال: في ستين من المهاجرين ليس فيها من الأنصار أحد. قتل عبيدة يوم بدر وهو ابن ثلاث وستين سنة. ابن حبان، الثقات، ج 3/ص 88 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 3/ص 1020
4- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخوه من الرضاعة، أرضعتها ثويبة الاسلمية، يكنى أبا عمارة، أسلم في السنة الثانية من النبوة، كان أسنّ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأربع سنين، شهد بدراً وأبى فيها باءً حسناً. قتل في معركة أحد وقتله وحشي ابن حرب الحبي وسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الشهداء بل خر الشهداء. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 13 /ص 104
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 119

وكان دوراً بطولياً ابتدأ حین رفض المشركون مبارزة بعض الأنصار الذين خرجوا لهم، فنادوا، يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فناداهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ارجعوا إلى مصافّكم(1) وليقم إليهم بنو عمّهم))، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عبيدة بن الحارث، وحمزة، وعلّی وقال لهم: ((قاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيّكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله)) ؛ فلماّ قاموا ودنوا معهم قالوا: ((من أنتم، قالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة- وكان أسنّ القوم- عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علیّ الوليد بن عتبة. فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأمّا علیّ فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة، بينهما ضربتین كلاهما أثبت صاحبه))(2) .

وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها، وكرّ حمزة وعلیّ بأسيافهما على عتبة فذفّفا(3) عليه واحتملا صاحبهام، فحازاه إلى أصحابه، ولما جاءوا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أضجعوه إلى جانب موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(4) .

فأفرشه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدمه الشريفة، وقال عبيدة: يا رسول الله لو أنّ أبا طالب حيّ لعلم أنّ أحق بقوله:

كذبتم وبيت الله نُبزى محمّداً *** ولمّا نطاعن حوله ونناضلِ

ونسلِمَهُ حتّى نصرَّعَ حوله *** ونذهلَ عن أبنائنِا والحائلِ(5)

ص: 125


1- مصافكم: موقفكم أو مكان اصطفافكم. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 12 /ص 83
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 57 - 58
3- فذفّفا: ذفف على الجريح: إذا اجهز عليه. أبو علي القالي، الاتباع، ج 1/ص 73
4- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 58
5- عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب، ج 6/ص 196

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أشهد أنّك شهيد))(1) . وروي عن قيس بن عباد(2) قوله: ((سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً أنّ هذه الآية: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»)(3) ، نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلّی، وعبيدة ابن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة))(4) .

ويؤكد الإمام علی (عليه السلام) ذلك إذ قال: ((نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة وعلیّ وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة))(5) . وقتل حمزة شيبة، وعلي الوليد، وضرب كل واحد من عبيدة وعتبة صاحبه وكرَّ علي وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله ثم مات(6) .

ورُوي عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: ((أنا أول من يجثو للخصومة بین يدي الله عز وجل يوم القيامة))(7) .

ص: 126


1- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 58
2- قيس بن عباد: هو قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، يكنى أبا عبد الملك، ولاه الإمام علي (عليه السلام) مصر ثم عزله عنها فقدم المدينة ثم لحق بعي بالكوفة فلم يزل معه وكان على شرطة الخميس، حتى قتل الإمام، فصار مع الحسن بن علي (عليه السلام) فوجهه عى مقدمته يريد الشام وبعد الصلح مع معاوية رجع قيس إلى المدينة فلم يزل بها حتى توفي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان. ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 121
3- الحج : 19
4- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 58
5- المصدر نفسه والصفحة
6- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 119
7- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 58

وروى (الشامي) عن الإمام علی (عليه السلام) قوله: ((لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت مسرعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنظر ما فعل، فإذا هو ساجد يقول: (يا حي يا قيّوم) لا يزيد عليهما، ثم رجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال. ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك))(1) .

وذكر (الشامي) أنّ الله نصر نبيه بالملائكة، قال تعالى: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ »(2) ، ويؤيد ذلك ما روي عن علي (عليه السلام) أنّه قال: ((بينام أنا أمتح(3) من قليب(4) بدر جاءت ريح شديدة ما رأيت مثلها قطّ، ثم ذهبت، ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قطّ إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح شديدة، قال: فكانت الريح الأولى جبريل (عليه السلام)، نزل في ألف من الملائكة، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمین رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان أبو بكر عن يمينه، وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا في المیسرة، فلما هزم الله تعالى أعداءه حملني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فرسه، فجمزت بي، فلمّا جمزت خررت على عنقها فدعوت ربّی فأمسكني، فلمّا استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى خضبت هذا،

ص: 127


1- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 59
2- الأنفال : 9. ينظر: سبل الهدى، ج 4/ص 61
3- أمتح : إمتاح الماء من البئر: اغترف منه. ابن منظور، لسان العرب، ج 2/ص 588
4- قليب: القليب: هو البئر قبل أن تطوى، فإذا طويت: فهي الطويّ، والجمع القُلُب، وقيل: القليب اسم من أسماء البئر، وسميت قليباً لأنه قُلِبَ تُرابها. ابن منظور، لسان العرب، ج 1/ص 689

و أشار إلی إبطه))(1) .

ولمّا بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرق الظّبية(2) أمر بقتل عقبة ابن أبي معيط(3) ، فقال: يا محمد من للصّبية. قال: (النار). فقال: أأقتل من بین قريش ص ربا؟! فقال عمر: حنّ قدح ليس منها، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري وقد قتله الإمام علي (عليه السلام) والذي أسره عبدالله بن سلمة وصدق الله تعالى رسوله في قوله لعقبة ((إن وجدتك خارج مكة ضربت عنقك صبراً))(4) .

وقد قتل منهم علي (عليه السلام 25 رجلاً فكان بالنصف وزيادة، وكان المسلمون والملائكة، بأقل من النصف(5) .

وهذا يدلُّ على شجاعة الإمام علي وشدة بأسه في المعارك ويقينه وبصيرته، وهو ما يغني الباحث عن الكلام والوصف.

ولمّا وصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصفراء(6) راجعاً من بدر، أمر

ص: 128


1- الشامي، سبل الهدى،ج 4/ص 61 - 62
2- عرق الظبية: هو من الروحاء على ثلاثة أميال مما يي المدينة، وبها مسجد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ينظر: الحموي، معجم البلدان، ج 4/ص 58
3- عقبة بن أبي معيط: هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس من مقدمي قريش في الجاهلية كنيته أبو الوليد، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر وقتلوه ثم صلبوه وهو أول مصلوب في الاسلام. الزركلي، الاعلام، ج 4/ص 240
4- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 97
5- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 158
6- الصفراء: وهو وادي الصفراء من ناحية المدينة. وادٍ كثر النخل والزرع والخر في طريق الحاج وسلكه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غیر مرة وبينه وبن بدر مرحلة وهي قرية كثرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلها. الحموي، معجم البلدان، ج 3/ص 412

علياً بضرب عنق النضر بن الحارث(1) ، وكان من شدة عداوته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تلا النبي القرآن يقول لقريش ما يأتيكم محمد إلّا بأساطير الأولين(2) .

غزوة أحد سنة 3ه-/ 624 م

موقعت معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة(3) ، وقد تجهز لها المشركون بجيش من ثلاثة آلاف رجل فيهم سبع مئة دارع(4) ، ومعهم مئتا فارس، وكان بقيادة أبي سفيان ابن حرب ومعه زوجته، وأخرجوا معهم نساءهم وكان جملة النساء خمس عشرة امرأة، ومعهنّ الدفوف يعزفْنَ عليها ويبكیْنَ على قتلى بدر ويحرضْنَ المشركين على حرب المسلمين(5) .

وقد روي عن دور الإمام علي في تلك الغزوة بالتفصيل، وسلط الضوء على

ص: 129


1- النضر بن الحارث العبدري بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار، يكنى أبا فائدة، وكان أشد قريش معاداة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكذيب والاذى، وكان صاحب أحاديث ونظر في كتب الفرس، ومخالطة النصارى واليهود. قتل يوم بدر وأُلقي في القليب. الباذري، أنساب الاشراف، ج 1/ص 139 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1/ص 251
2- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 121 . أساطير الاولین: أكاذيبهم المسطورة في كتبهم، والاساطير: الاباطيل والاحاديث العجيبة. عمر، معجم اللغة العربية، ج 1/ص 93
3- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 165
4- دارع: رجل دارع: عليه الدرع، وأدرع الرجل وتدرع إذا لبس الدرع. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 2/ ص 631
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 123

أفعاله وبطولاته فيها، فذكرت أنّه لما قتل مصعب بن عمير(1) أعطى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)(2) ، وأنزل الله نصره على المسلمين، وانهزم المشركون فطمعت الرماة بالغنيمة، وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بملازمته، فأتى خالد بن الوليد(3) مع خيل المشركين من خلف المسلمين، ووقع الصراخ إنّ محمداً قتل وانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو، وكان يوم بلاء على المسلمين، وكانت عدد الشهداء منهم سبعين رجلاً، وعدة قتلى المشركین اثن ني وعشرين رجلاً(4) . وذكر عن الزبير بن العوام قوله: ((عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه- وفي لفظ: فبسطوا أيديهم- كلّ إنسان يقول: أنا، فقال: من يأخذه بحقّه؟) فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم))(5) .

ونقلوا عن قتادة بن النعامن(6) قوله: أن عليّا قام فطلبه فقال له: اجلس، ثم قال

ص: 130


1- مصعب بن عمر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأنصار يقرأ القرآن بالمدينة قبل قدوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة فأسلم على يده خلق كثر وشهد بدراً وأحداً وكان معه اللواء حتى قتل يوم أحد. وليس لمصعب عقب إلّا من ابنته زينب التي تزوجها عبدالله بن أبي أمية. الزبري، نسب قريش، ج 1/ص 254
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 124 - 125
3- خالد بن الوليد بن المغرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم المخزومي، سيف الله يكنى أبا سليمان، أسلم بن الحديبية والفتح، وكان أمراً عى قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح إلى أن مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 191
4- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 196 - 197 ؛ التاريخ المعتبر، ج 1/ص 125
5- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 285
6- قتادة بن النعمان: هو قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري، صحابي شهد بدر وهو أخو أبي سعيد لأمه، مات سنة 23 ه-. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ ص 454

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من يأخذه بحقّه؟) فقام إليه أبو دُجانة، فقال: يا رسول الله، وما حقه؟ قال: (أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني)(1) .

ولمّا اشتدّ القتال يومئذ جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي بن أبي طالب أن قدّم الراية، فتقدم علّی وقال: أنا أبو القصم(2) ، وصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فلم يبربز إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أنّ قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، كذبتم، واللات لو تعلمون أنّ ذلك حقّ لخرج إلي بعضكم، فبرز إليه الإمام علي (عليه السلام) فالتقيا بین الصّف ني فبدره ع يلّ فصرعه، ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرّحم، وعرفت أنّ الله تعالى قد قتله(3) .

ويبین لنا هذا النص مدى شجاعة الإمام علي (عليه السلام) وعفته، إذ نراه يكف عن قتل مشركٍ لأنّه استقبله بعورته وعمل على كشفها حفاظاً على سلامته، لأنّه كان يعرف أنّ هذا الفعل لا تقره عادات العرب وتقاليدها، وأفضل من يحفظ هذه التقاليد هو الإمام علي (عليه السلام) والذين عرفوا حفاظه على أعراف العرب، فضلاً عن الدين الإسلامي الذي لا يقرُّ ذلك.

وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 131


1- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 285
2- أبو القصم: هو لقب للإمام عي بن أبي طالب (عليه السلام) لقب به نفسه يوم أحد، والقصم: جمع قصمة وهي العضلة المهلكة. ينظر: ابن هشام، السرة النبوية، ج 2/ص 73 ؛ السهيلي، الروض الأنف، ج 5/ص 461
3- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 287 - 288

وسلم) فقال: (كأنّ مردف كبشا)(1) ، فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلميّ(2) يمدح الإمام عليًّا (عليه السلام)(3) :

الله أيّ مذبّب عن حرمة *** أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا

جادت يداكَ لهم بعاجلِ طعنةٍ *** تركت طليحة للجبن مجدّلا

وشددت شدّةَ باسلٍ فكشفتهم *** بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا

وعللت سيفَكَ بالدّماء ولم تكن *** لردَّهُ حرّانَ حتّى ينها وبايع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين، وهم: علّی، والزبير، وطلحة. وخمسة من الأنصار: أبو دجانة، والحارث بن الصّمّة(4) ، والحباب بن المنذر(5) ، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل

ص: 132


1- مردف كبشاً: أردف اليء توالى وتتابع، وأردف الشخص تبعه أو جاء بعده، وأردف الراكب: أركبه خلفه. عمر، معجم اللغة العربية، ج 2/ص 880 ؛ دوزي، تكملة المعاجم العربية، ج 5/ص 123
2- الحجاج بن عاط السلمي: هو الحجاج بن عاط بن خالد بن ثوبرة، من أهل الحجاز وكان يسكن المدينة وبنى بها مسجداً في بني أمية ونسب إليه. قيل إنه مات في أول خلافة عمر بن الخطاب. ابن حبان، الثقات، ج 3/ص 86
3- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 288 . وينظر: الجراوي، الحماسة المغربية، ج 1/ص 160
4- الحارث بن الصمة: هو أبو جُهيم بن الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك الأنصاري، من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد بقي إلى خلافة معاوية. قتل يوم بئر معونة شهيداً. ابن حبان، الثقات، ج 3/ص 74
5- الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب، يكنى أبا عمرو، شهد بدراً وأحد وثبت يومئذٍ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). توفي في خلافة عمر بن الخطاب وليس له عقب. ابن سعد، الطبقات، ج 3/ص 427

منهم أحد(1) .

ويصوِّر الإمام علی (عليه السلام) موقفه مما أُشيع عن مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما تبادر إلى ذهنه آنذاك، وردة فعله فقال: ((لمّا انجلى الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد نظرت في القتلى، فلم أر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: والله ما كان ليفرّ وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بام صنعنا، فرفع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل، فك رست جفن سيفي(2) ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم، أي يقاتلهم (صلى الله عليه وآلهوسلم))(3) .

وهذا الموقف يصوِّر بدقة مدى إيمان الإمام (عليه السلام) بما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مبادئ سامية آمن بها وصدَّقها، حتى كان مستعداً للموت في سبيلها، بل لقد ربط وجوده في هذه الدنيا بوجودها ووجود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فحین سمع أنّه قتل أيقن البقاء بعده لا خير فيه، وهذا كله إيماناً بالإسلام وبمبادئه ومثله.

وقاتل الإمام علي عن رسول الله (عليه السلام) من ناحية، وأبو دُجانة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص من ناحية، وانفرد علی بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل(4)، فدخل وسطهم بالسّيف يضرب به وقد اشتملوا عليه، حتى أفضى إلى

ص: 133


1- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 293
2- جفن سيفي: جفن السيف الغمد الذي يوضع فيه. الازهري، تهذيب اللغة، ج 11/ص 77
3- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 293
4- عكرمة بن أبي جهل: هو عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، أسلم يوم الفتح وأقام بمكة، فلا كان حجة الوداع استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على هوازن يُصدّقها فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يومئذٍ بتبالة ثم خرج إلى الشام مجاهداً فقتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر. ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 4

آخرهم، ثم كرّهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء(1) .

فلمّا عرف المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبلوا عليه ورأوه سالما ولم يصبه شيء فرحوا بذلك فرحاً شديداً، ونهضوا به، ونهض معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعلی بن أبي طالب (عليه السلام)، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصّمّة، ورهط من المسلمين(2) . ولما انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فم الشّعب خرج علی بن أبي طالب حتّى ملأ درقته(3) من المهراس(4) ، فجاء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)- ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدّم، وصبّ على رأسه وهو يقول: ((اشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه (صلى الله عليه وآلهوسلم))(5).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جرح يوم أحد في وجهه، وكسرت رباعيته(6) ، وهُشّمت البيضة على رأسه، وحین انصرف المشركون، خرج النساء إلى

ص: 134


1- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 301
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 307
3- درقته: الدرقة: ترس من جلود ويجمع على دُرق وأدراق. الفراهيدي، العين،ج 5/ص 115
4- المهراس: حجر منقور مستطيل يملأ ماءً ليتوضأ فيه. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 6/ص 77
5- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 310
6- الرباعية: وهي السن التي بعد الثنية وهي أربع محيطات بالثنايا اثنان من فوق واثنان من أسفل. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 1/ص 280

الصحابة، فكانت فاطمة فيمن خرج، جعلت تغسل جراحته وعلی يسكب الماء بالمجنّ(1) فتزايد الدّم، فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير، فأحرقته بالنّار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرّماد وكمّدته حتى لصق بالجرح، فاستمسك الدّم(2) .

وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعداً أن ينادي: ألّا يتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جريح من بني عبد الأشهل، فتخلّف كلّ مجروح، فباتوا يوقدون النّيران، ويداوون الجرحى، ومضى سعد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جاء بيته، فام نزل نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن فرسه إلّا حملا، واتّكأ على سعد بن عبادة(3) وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته، فلمّا انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: ((اغسلی عن هذا دمه، فو الله لقد صدقني اليوم))(4) ، وناولها علی (عليه السلام) سيفه، فقال:(وهذا، فاغسلی عنه دمه، فو الله لقد صدقني اليوم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة))(5) .

وهذه شهادة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق الإمام علی (عليه

ص: 135


1- المجن: وهو الترس، وسمي بذلك لأنه يواري حامله أي يسره. ابن منظور، لسان العرب، ج 13 /ص 94
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 310
3- سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي، أحد الاجواد، شهد بدراً، وقال أصحاب المغازي أنه لم يشارك لأنه تهيأ للخروج فنهش فأقام. مات بأرض الشام سنة 15 ه-. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 231
4- ابن البيع، المستدرك، ج 3/ص 27
5- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 336

السلام) وجهاده بین يديه، ويؤكد ذلك ما روي عن ابن أبي نجيح(1) أنه قال: نادى مناد يوم أحد(2) :

لا سيف إلّا ذو الفقار *** ولا فتّى إلّا عليّ

وذكر (ابن طولون) رواية عن سعيد بن المسيب(3) قوله: ((أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربة))(4) .

وقتل الإمام علی (عليه السلام) يوم أحد طلحة العبدري وكان معه لواء قريش، ثم والى بينهم كلما رفع اللواء منهم رجل قتله، حتى كفى الله المؤمن ني القتال، وفي ذلك يقول (عليه السلام) شعراً (5) :

أميطي دماء القوم عنه فإنّه *** سقى آل عبد الدار كأس حميمِ

لعمري لقد جاهدتُ في نرِ أحمدٍ *** ومرضاة ربِّ العباد رحيمِ

ص: 136


1- ابن أبي نجيح: هو عبدالله بن أبي نجيح الثقفي مولى لآل الاخنس، كنيته أبو يسار، وأسم أبي نجيحيسار، كان ممن يسكن المدينة مدة ومكة زماناً، وكان من علماء الناس بالقرآن. مات سنة 131 / 748 م أو 132 ه-/ 749 م. ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، ج 1/ص 229
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 336
3- سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي، أحد العلاء الاثبات الفقهاء الكبار، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعن أوسع علماً منه، مات سنة اربع وتسعين للهجرة وقد ناهز الثمانین. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 15 / 163 ؛ ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 241
4- الائمة الاثنا عشر، ص 49
5- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 158 - 159

غزوة بني النضير سنة 4ه

لم تُشر المصادر الشامية إلى سبب حدوث تلك الغزوة والتي من أجلها سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم، ولا نعلم الأسباب التي أدت بتلك المصادر العزوف عن ذكر هذه الغزوة، ولم يُشر إليها سوى الشامي، فذكر (الشامي) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سار إلى بني النضير، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم(1) ، وحُملت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبة من الخشب عليها مسوح(2) أرسل بها سعد بن عبادة وصلى الرسول العصر بفضاء بني النّضير، فلما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه قاموا على جدر حصونهم، معهم النّبل والحجارة، واعتزلتهم بنو قريظة، فلم يعينوهم بسلاح ولا رجال، ولم يقربوهم، فجعلت بنو النضير يرمون ذلك اليوم بالنّبل والحجارة، وبعد أن صلى العشاء رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيته في عشرة من أصحابه، واستعمل الإمام عليًّا (عليه السلام) على العسكر، وبات المسلمون يحاصرونهم

ص: 137


1- ابن أم مكتوم: اختلفوا في اسمه فقيل عبدالله، وقيل عمرو، إلّا أنّهم اجتمعوا على نسبه فقالوا: ابن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة، أسلم بمكة قديماً، وكان ضرير البصر وقدم المدينة مهاجراً بعد بدر بيسر فنزل دار مخرمة بن نوفل، وكان يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة مع بلال وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخلفه عى المدينة يصلي بالناس في عامة غزواته. شهد القادسية ومعه الراية ثم رجع إلى المدينة فمات بها. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ص 154
2- مسوح: جمع مسح وهو فارسي معرب ومعناه: الكساء الغليظ من الشعر، وهو ثوب الراهب. ابن سيده، المحكم، ج 3/ص 219

ويكربون حتى الفجر، فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه(1) .

وصلىّ الرسول بالناس في فضاء بني خطمة(2) ، وأمر بلالًا فضرب القبّة في موضع المسجد الصغير الذي بفضاء بني خطمة، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القبّة، ولزم حصارهم، فلماّ كانت ليلة من الليالي فقد علی (عليه السلام) قرب العشاء، فقال الناس: يا رسول الله، ما نرى عليّا، قال: (دعوه، فإنّه في بعض شأنكم)، فعن قليل جاء برأس عزوك، وقد كمن له حین خرج يطلب غرّة(3) من المسلمين، وكان شجاعاً رامياً، فشدّ عليه فقتله، وفرّ من كان معه، وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عليّ أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة من أصحابه فأدركوا اليهود الذين فرّوا من علّی، فقتلوهم وطرحت رؤوسهم في بعض البئار.

وكان سعد بن عبادة يحمل التّمر إلى المسلمين(4) .

ويبدو أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أرسل الإمام (عليه السلام) في مهمة خاصة أوكل إليه فيها قتل بعض فرسان اليهود الذين كانوا يخرجون من الحصن لمقاتلة المسلمين، ويبدو أنّها كانت سرية فلم يعلم بها المسلمون، وهذه إحدى ستراتيجيات الحرب المهمة التي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطبقها وهي مباغتة العدو، وعمل كمائن لتنفيذ تلك المهمة، ولعل أهم أسباب نجاح هذه المهمة هو عامل السرية، لذلك عمد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى

ص: 138


1- سبل الهدى، ج 4/ص 458
2- بنو خطمة: موضع في أعى المدينة بن تبوك والمدينة وفيه مسجد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). والخطام أيضاً: حبل يجعل في طرفه حلقة ثم يقلد البعر ثم يثنى على مخطمه. الحموي، معجم البلدان، ج 2/ص 379 ؛ ابن عبد الحق، مراصد الاطاع، ج 1/ص 474
3- غِرة: أي على غفلة. الازهري، تهذيب اللغة، ج 8/ص 17
4- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 459

إخفاء الأمر عن الصحابة، ليس لقلة ثقته بهم وإنّما لتحقيق أهم عنصر من عناصرها وهو سرِّية التنفيذ. فضلاً عن اختيار عناصر المهمة من الذين يتمتعون بمواصفات خاصة تبعاً لنوعية هذه المهمة، وهنا كان اختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علی لوجود تلك المواصفات فيه، فشجاعته تغني عن الكلام، وطاعته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يختلف عليها اثنان، والصبر والتأني في تنفيذ الأمر وغيرها من الصفات التي وجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّها تتوفر في شخص الإمام وهو الأجدر بتنفيذها.

غزوة الخندق سنة 5ه-/ 626 م

لعل من أهم المعارك التي خاضها المسلمون مع مشركي قريش كانت غزوة الخندق.

وذكرت المصادر الشامية هذه المعركة مبينة أحداثها ووقائعها، ومنها ما ذكره (العليمي) الذي قال: إنّ نفراً من اليهود هم الذين حرضوا الأحزاب على رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم))، وقالوا لهم: ((إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله))، وقالوا: ((دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق، فأنزل الله تعالى فيهم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا«أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ» إلى قوله: «وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا»(1) ))(2) .

وقعت غزوة الخندق في السنة الخامسة للهجرة، وشهد الإمام علي بن أبي طالب

ص: 139


1- النساء: 51 - 55
2- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 130

(عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الغزوة وكانت له بها آثار محمودة(1) ، وتحدثت المصادر الشامية بالتفصيل عن دور الإمام علی (عليه السلام) فيها والذي يكاد يكون أهم الأدوار بل الأثر العسكري الوحيد الذي حدث فيها.

أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرابطا والمشركون يحاصرونه، بضعا وعشرين ليلة، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال من الخندق، إلّا الرّمي بالسهام والحجارة، ثم إنّ رؤساء المشركین وسادتهم أجمعوا على أنْ يغدوا جميعا لقتال المسلمين، ثم إنّ بعض المشركین يريدون أن يقحموا خيلهم الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً قد أغفله المسلمون فجعلوا يكرهون خيلهم ويضربونها حتى اقتحمت، فعبر عكرمة(2) ، وضرار بن الخطاب(3) ، وهبيرة بن أبي وهب(4) ، وعمرو بن عبد ود، وأقام سائر المشرك ني من وراء الخندق ولم يعبروا، فجالت بالذين دخلوا خيلهم في السّبخة بین الخندق وسَلْع(5) ، وخرج نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثّغرة التي أقحموا منها خيلهم ؛ وقد وقف

ص: 140


1- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 166 ؛ ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 49
2- عكرمة: هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغرة المخزومي قتل يوم اجنادين في عهد عمر وهو ابن 62 سنة وقيل إنه قتل يوم اليرموك في خلافة ابي بكر ولا عقب له. ابن حبان، الثقات، ج 3/ص 310
3- ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثیر بن عمرو بن شيبان القرشي الفهري، كان أبوه الخطاب رئيس بني فهر في زمانه، وكان ضرار من فرسان قريش وشجعانهم وشعرائهم المجودين. استشهد يوم اليمامة. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 2/ص 748
4- هو هبرة بن أبي وهب بن مروان بن زائد بن عمران بن مخزوم، كان شاعراً من رجال قريش المعدودين، وكان شديد العداوة لله ورسوله. ينظر: أبو نر الكلاباذي، الهداية والارشاد، ج 2/ ص 852 ؛ الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ج 1/ص 257
5- سِلْع: موضع بالحجاز، والسلع أيضاً: نبات سام. الفراهيدي، العين، ج 1/ص 335

عمر بن عبدود(1) هو وخيله ودعا إلى البراز، فقام علی بن أبي طالب (عليه السلام) فاستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأذن له، وأعطاه سيفه وعمّمه، وقال: (اللهمّ أعنه عليه)، فمشى إليه وهو يقول(2) :

لا تعجلنّ فقد أتا *** ك مجيب صوتك غيرعاجز

ذو نيّةٍ وبصيرة *** والصّدق من خر الغرائز

إني لأرجو أن أقي *** م عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجاء يبقى *** ذكرها عند الهزاهز

وهنا تتضح شجاعة الإمام علی (عليه السلام) وإقدامه في الحروب، على الرغم من حداثة سنِّه آنذاك، فلم يخش قوة عمر بن عبد ود وشهرته بكونه من فرسان قريش والعرب المعدودين، ولا خبرته في الحرب، فخرج لقتاله يطلب بذلك رضا الله ورسوله، ونصرة الإسلام، وهذا ما ينبئ به أسلوبه في الحديث مع عمرو، قبل المبارزة، فيذكر (الشامي) أنّ الإمام (عليه السلام) قال له: يا عمرو إنّك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها، قال: أجل، فقال علی:

فإنّی أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله، وتسلم لرب العالمين، قال: يا ابن أخي أخّر عنّي هذه، قال: وأخرى ترجع إلى بلادك، فإن يكُ محمد صادقا كنت أسعد الناس به، وإن يكُ كاذباً كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تحدّث به نساء قريش أبداً، قال: فالثالثة؟ قال: البراز، فضحك عمرو وقال: إنّ هذه لخصلة ما كنت

ص: 141


1- عمرو بن ود العامري: هو عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن معد بن عدنان العامري القرشي وكان قائد المشركن في غزوة الخندق (الاحزاب) وقُتل في غزوة الخندق على يد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان يطالب المسلمين بأن يخرج له أحد يقاتله ولم يجبه أحد حتى انبرى له علي (عليه السلام) بعدما أذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). الواقدي، المغازي، ج 2/ ص 496 ؛ الزركلي، الاعلام، ج 3/ص 254
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 532 - 533

أظن أنّ أحداً من العرب يرومني(1) عليها، فمن أنت؟ قال: أنا علی بن أبي طالب.

قال: يا ابن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك، فإنّ أكره أن أهريق دمك، فقال علي (عليه السلام): لكنّي والله لا أكره أن أهريق دمك، فغضب عمرو، فنزل عن فرسه وعقرها، وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار، ثم أقبل نحو عليّ مغضبا، واستقبله علّی بدرقته، ودنا أحدهما من الآخر وثارت بينهما غبرة، فضربه عمرو فاتّقى علّی الضّربة بالدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجّه(2) ، وضربه عليّ على حبل عاتقه(3) فسقط وثار العجاج، وقيل: طعنه في ترقوته(4) حتى أخرجها من مراقّه(5) ، فسقط.

وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التكبير فعرف أنّ عليّا قد قتله(6) . فثمّ علی (عليه السلام) وهو يقول(7) :

ص: 142


1- يرومني: أي يطلبني عليها. الازهري، تهذيب اللغة، ج 15 /ص 202
2- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 533 - 534
3- حبل عاتقه: حبل العاتق: وصلة ما بن العاتق والمنكب، والحبل: هو الوريد. الازهري، تهذيب اللغة، ج 5/ص 51
4- ترقوته: الترقوة: هو وصل عظم بن ثغرة النحر والعاتق في الجانبین وجمعها التراقي، وقد ترقيتُ فلاناً: إذا أصبت ترقوته. الازهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 61
5- مراقه: المراق: هو أسفل البطن وما حوله حيث استرق الجلد. ابن سيده، المخصص، ج 1/ص 157
6- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 534
7- المصدر نفسه والصفحة. وينظر أيضاً: العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 133

نصرَ الحجارة من سفاهةِ رأيهٍ *** ونصرتُ ربَّ محمّدٍ بصوابي

فصدرتُ حنَ تركتَهُ متجدّلا *** كالجذعِ بنَ دكادكٍ(1) وروابي

وعففتُ عن أثوابهٍ لو أنّني *** كنت المقطّر بَزَّني أثوابي

لا تحسبنَّ اللهَ خاذل دينهٍ *** ونبيّه يا معرَ الأحزاب(2)

ثم أقبل علی (عليه السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجهه يتهلّل، ولم يكن للعرب درع خير من درعه، ولم يستلبه لأنّه اتّقاه بسوءته(3) ، فاستحياه، وخرجت خيولهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق(4) ، وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه وهو منهزم عن عمرو(5) .

وتدل هذه الرواية على شجاعة منقطعة النظير، وقمة في البسالة والرجولة التي لم تخرج عن الإسلام وتعاليمه القاضية بدعوة الناس إلى الإسلام أولاً، كما لم تخرج عن أعراف العرب وتقاليدهم غير المنافية للإسلام، وكان أسلوب المحاورة ينم على حنكة عالية تمتع بها الإمام (عليه السلام) على رغم صغر سنه آنذاك، كما ينم على ذكاء كبير يدل على معرفة وإطلاع واسع، فقد ألزم عمرو بما كان ألزم نفسه به من قبل، أي أنّه تحدث معه على وفق ما كان يؤمن به عمرو من مبادئ آمن وعمل بها في حياته، فلم يكن مخرج عمرو منها بالهینِّ، وكان الإمام يعلم تمام العلم أنّ عمرو لم

ص: 143


1- الدكاك: الدكداك من الرمل، ما التبد بالأرض ولم يرتفع، وجمعه دكادك، أي أن أرضهم ليست ذات حُزونة، ويجمع على دكادك. مجد الدين بن الأثير، النهاية، ج 2/ص 128
2- الحصري، زهر الآداب، ج 1/ص 83
3- سوءته: السوءة: الفعلة القبيحة، وهي: العورة، نشوان الحميري، شمس العلوم، ج 5/ص 3254
4- الشامي، سبل الهدى، ج 4/ص 534
5- المصدر نفسه والصفحة

يكن بالذي يرجع عما خرج إليه من قتال المسلمين، لذا كان على عمرو الاختيار بين أن يُسلم أو يقاتل ويُقتل، وهذا ما كان ينشده الإمام (عليه السلام).

فضللاً عن هذا كله، تبرز نفسه الشريفة الكريمة والأصيلة التي تأبى عليه أخذ سلب رجل استقبله بسوءته لأنّه ليس من فعل الشرفاء، فتركها وعاد إلى مكانه دون أن تمتد يده إليها، على الرغم من قيمة ذلك السلب بين العرب التي يتمنى كل رجل أن يكون محله ليأخذه. ولكنها النفس العربية الأبية التي كان عليها الإمام علي (عليه السلام)، والتي ميزت بينه وبین غيره من الرجال.

ثم إنّ الله تعالى أهبَّ ريح الصبا(1) كام قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا»(2) ، فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم وانقلبوا خاسرين(3) .

غزوة بني قريظة سنة 5ه-/ 626م

بعد عودة المسلمين من غزوة الأحزاب وانقضاء شرّ المهاجمین، عاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة ووضع المسلمون السلاح، فلمّا كان الظهر أتى جبريل

ص: 144


1- ريح الصبا: وهي ريح لطيفة مهبها جهة الشرق، ويقال: هبَّت ريح الصبا أي نسيم الصبا. عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 2/ص 1267
2- الأحزاب : 9
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 133

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أقد وضعت السلاح؟ قال: نعم، قال: ما وضعت الملائكة السلاح إنّ الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة - وهم من اليهود - فإني عامد إليهم فمزلزل بهم(1) .

فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً فنادى من كان سامعاً مطيعاً فلايُصلین العصر إلّا في بني قريظة(2) ، وقدّم علياً إليهم برايته ثم تلاحق الناس، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم، ولبس سلاحه وتجهَّز، وسبق الإمام علّی (عليه السلام) في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة(3) - إلى بني قريظة(4).

وينقل (الشامي) عن أبي قتادة قوله: ((انتهينا إلى بني قريظة، فلماّ رأونا أيقنوا بالشرّ، وغرز علی الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم(5) يشتمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه. قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا:

السّيف بيننا وبينكم، وانتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بني قريظة،فنزل قريبا من حصنهم على بئر أنّا(6) بأسفل حرّة بني قريظة(7) ، فلمّا رآه علی (عليه

ص: 145


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 134
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 134
3- أبو قتادة: اُختلف في اسمه، فقيل: النعان بن ربعي، وقيل عمرو بن ربعي، وهو أنصاري، شهد أحداً، توفي بالمدينة سنة 54 ه- وهو ابن سبعين سنة. ابن سعد، الطبقات، ج 6/ص 94
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 134
5- صياصيهم: كل ما يمتنع به وهي الحصون. الأزهري، تهذيب اللغة،ج 12 / ص 186
6- بئر أُنا: هي بئر من آبار بني قريظة من ناحية أموالهم. عاتق البادي، معجم المعالم الجغرافية، ج 1/ص 52
7- حرة بني قريظة: وهي الحرة الشرقية التي تقع بالقرب من مسجد بني قريظة وهو في شرقي مسجد الشمس. والحرة: هي الارض التي تركبها حجارة سود وهي اللابة وجمعها لابات فإذا كثرت فهي اللوب وللمدينة لابنتان من جانبيها. السمهودي، وفاء الوفاء، ج 3/ص 34

السلام) رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمرني أن ألزم اللّواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أذاهم وشتمهم))(1) .

وقال الإمام علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث، فإنّ الله تعالى كافيك اليهود ؛ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لم تأمرني بالرجوع؟) فكتمه ما سمع، فقال: (أظنّك سمعت منهم لي أذى) فقال: نعم يا رسول الله. قال: (لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً)(2) .

فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم، وتقدّمه أسيد بن الحضير(3) فقال: يا أعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتّى تموتوا جوعاً، إنّما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر، فقالوا: يا ابن الحضير: نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّا ولا ذمة(4) ، ودنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وترّسنا عنه(5) ، ونادى بأعلى صوته نفراً من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال: ((أجيبوا يا إخوة

ص: 146


1- سبل الهدى، ج 5/ص 10 - 11- 12
2- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 12
3- أسيد بن الحضر: هو أسيد بن الحضر بن سماك بن عتيك بن أمرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل، يكنى أبا يحيى، كان أبوه حُضر الكتائب شريفاً في الجاهلية وكان رئيس الأوس يوم بعاث، وقد قتل فيها، ولما هاجر رسول الله إلى المدينة بعدها بست سنين كان أسيد سيد قومه، ويُعد من عقلائهم وذوي رأيهم. توفي في شعبان سنة عشرين للهجرة ودفن بالبقيع. ابن سعد، الطبقات، ج 3/ ص 453
4- إلّا ولا ذمة: أي ولا أماناً، قال تعالى:«كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ»[التوبة : 8]، والذمة العهد، وقيل: الإلّ: هي الحلف. الازهري، تهذيب اللغة، ج 14 /ص 300
5- ترسنا عنه: ترس فان أي توقى بالترس، وهي صفحة من الفولاذ مستديرة أو بيضة الشكل تُحمل لوقاية الوجه والرأس من الضربات، وترسنا عنه: أي توقينا عنه أو منه بالرس. عمر، معجم اللغة العربية، ج 1/ص 289

القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني؟! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً، واجتمع المسلمون عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشاءً، وبعث سعد بن عبادة بأحمال تمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، فكان طعامهم، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ: نعم الطّعام التّمر))(1) .

وأشار (العليمي) إلى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حاصرهم خمساً وعشرين ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ولمّا اشتد بهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فردّ الحكم إلى سعد بن معاذ فحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية والنساء وتقسم الأموال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعةٍ))(2) .

وعلى الرغم من أنّ المصادر الشامية لم تذكر أسباب هذه الغزوة، إلّا أنّه يبدو من خلال الروايات أنّا كانت بسبب نفرٍ من اليهود حرضوا الأحزاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعمل على مساعدتهم من داخل المدينة وإن رسول الله خرج إلى بني قريظة بأمرٍ من الله عز وجل.

ص: 147


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 12
2- التاريخ المعتر، ج 1/ص 134 ؛ الأنس الجليل، ج 1/ص 199 . وأرقعة: يقال: رقعت الثوب ورقّعته، والسماوات السبع يقال لها سبعة أرقعة، كل سماء منها رَقعت التي تليها، فكانت حلقاً لها كما يرقَّع الثوب بالرُقعة، ويقال الرقيع: السماء الدنيا التي تلي الأرض سميت رقيعاً لأنها رقعت بالأنوار التي فيها. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 1/ص 158 . وينظر أيضاً: ابن زنجويه: الأموال، ج 1/ص 343 ؛ الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج 15 /ص 247 ؛ ابن أبي أسامة، بغية الباحث، ج 2/ص 705

صلح الحديبية سنة 6ه-/ 627 م

خرج رسول الله )(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمرة الحديبية السنة السادسة للهجرة(1) . وقد خرج من المدينة في ذي القعدة معتمراً لا يريد حرباً، وساق الهدي(2) وأحرم بالعمرة، وسار حتى وصل ثنية المرار(3) مهبط الحديبية، أسفل مكة والحديبية(4) .

وتأهبت قريش للقتال، وبعثوا رسولهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عثامن بن عفان يُعلِمهم أنّه لم يأت الحرب، وإنّما جاء زائراً ومعظماً لهذا البيت، فلمّا وصل إليهم أمسكوه وحبسوه، وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتله ؛ فدعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فبايع الناس على الموت، ثم أتاه الخبر أنّ عثمان لم يقتل، ثم وقع الصلح بین رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبین قريش(5) .

ص: 148


1- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 166
2- الهدي: ما يكون من الابل والبقر والغنم ويقتي إهداؤها إلى موضع لقوله تعالى: «هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ» (المائدة: 95 )، فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي، والعرب تسمي الإبل هدياً، وسميت بذلك لأنها تهدى إلى بيت الله الحرام. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 6/ص 204
3- ثنية المرار: هي مهبط الحديبية، والمرار بالضم: شجر مُر إذا أكلتها الإبل قلَصت مشافِرُها فبدت أسنانها. الفروز آبادي، القاموس المحيط، ج 1/ص 474
4- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 199
5- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 199 - 200

وبعثوا سهيل بن عمرو(1) في الصلح ؛ فأجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم دعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ((اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)(2) ، فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باٌسمك اللهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو شهدت أنّك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله، سهيل بن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وأنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأشهدوا في ذلك الكتاب على الصلح رجالاً من المسلمين والمشركني))(3) .

ويذكر (الشامي) رواية أخرى فيام يخص محو لفظة الرسالة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيذكر أنّه حين اعترض سهيل على ذلك، قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي امحه، فقال علی: ما أنا بالّذي أمحوه، فجعل علّی يتلكّأ، وأبى أن يكتب إلّا محمد رسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد(4) .

ص: 149


1- سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك، يكنى أبا يزيد، من أشراف قريش ورؤسائهم والمنظور إليه منهم، شهد مع المشركن بدراً فأسر، وكان يقال له ذو الأنياب. وقيل أنه توفي بالشام سنة 18 ه-. ابن عساكر، تاريخ دمشق،ج 1/ص 141 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات،ج 16 / ص 18
2- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 200 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 88
3- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 200 . وينظر أيضاً: ابن أبي شيبة، المصنف، ج 7/ص 385 ؛ احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 2/ص 85
4- سبل الهدى، ج 5/ص 88 ؛ ابن طولون، مرشد المحتار، ص 69 . باختلاف في النص

وهذا إخبار من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علی (عليه السلام) بأنّه سيلاقي الأمر نفسه فيما بعد، وهو ما حصل في الصلح الذي انعقد بعد معركة صفین بین الإمام علی (عليه السلام) وبین معاوية، وقد أصر عمرو بن العاص على محو هذه اللفظة.

وذكر أيضاً أن أسيد بن الحضير وسعد بن عبادة أخذا بيد علی ومنعاه أن يكتب إلّا (محمد رسول الله)، وإلّا فالسّيف بيننا وبينهم، فارتفعت الأصوات، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخفضهم ويومئ بيده إليهم: اسكتوا. فقال: أرنيه، فأراه إياه فمحاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده وقال: اكتب محمد بن عبد الله(1) .

ويذكر (الشامي) نقلاً عن الزهري (ت 124 ه/ 744 م) سبب فعل الرسول ذلك بالقول: ((وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسألوني خطّة(2) يعظّمون بها حرمات الله إلّا أعطيتهم إياها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسهيل على أن تخلّوا بيننا وبین البيت، فنطوف، فقال سهيل: لا والله لا تحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة(3) ، ولكن لك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: على أنّه لا يأتيك منّا أحد بغير إذن وليّه - وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا ،فقال المسلمون: سبحانالله، أيكتب هذا؟ كيف يرد إلى المشركین وقد جاء مسلما، فقال رسول الله (صلى الله

ص: 150


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 88 - 89 . وينظر أيضاً: البيهقي، السنن الكرى، ج 7/ص 68 ؛ أبو داود الطيالسي، مسند الطيالسي، ج 2/ص 87
2- خطّة: الخطة هي الحال والأمر والخطب، ولا يسألوني خطة: أي أنه عرض عليكم خُطة رُشدٍ فأقبلوها أي أمراً واضحاً في الهدى والاستقامة. مجد الدين بن الأثر، النهاية، ج 2/ص 48
3- ضغطة: الضُغطة بالضم: الشدة، وأخذت فلاناً ضغطة، إذا ضيقت عليه لتُكرهه عى الشيء. الجوهري، الصحاح، ج 3/ص 1140

عليه وآله وسلم): ((نعم إنّه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم إلينا سيجعل الله له فرجاً ومخرجا))(1) .

ويبدو لنا أنّ تلكؤ الإمام علی (عليه السلام) في تنفيذ هذا الأمر لم يكن مخالفةً منه لرسول الله وإنّما شدة يقينه وإيمانه بمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلا هذا الأمر يبدو صعب التقبل.

غزوة خيبر سنة 7ه-/ 628م

غزوة خيبر(2) سنة 7ه-/ 628 م

ذكر (العليمي) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا رجع من الحديبية أقام بالمدينة، ثم خرج في منتصف المحرم سنة سبع وسار في ألفٍ وأربعمائة فارس(3) .

عن علی (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأخذه الشّقيقة فيمكث اليوم واليومین لا يخرج، فلمّا نزل خيبر أخذته الشّقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح. ثم أرسل عمر فأخذ راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول، ثم رجع،

ص: 151


1- سبل الهدى، ج 5/ص 89 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 31 /ص 249 ؛ البيهقي، السنن الكبرى، ج 9/ص 366
2- خیبر: بلد کثیرالماء و الزرع والأهل ، و کان یسمی ریف الحجاز و أکثر محصولاته التمر لکثرة نخیله قدیما حتی قال حسان: فإنّا ومن يهدي القصائد نحونا *** كمستبضع تمراً إلى أهل خيبرا ولخير أودية كبرة تجعل مياهه ثرَّارة تسيل على وجه الأرض، ويبعد عن المدينة 165 كيلاً شمالاً على طريق الشام. عاتق البلادي، معجم المعالم، ج 1/ص 118
3- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 142 - 143

ولم يكن فتح. وقيل: إنّ الغلبة كانت لليهود في اليومین، فأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال: ((لأعطین الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة يفتح الله على يديه))(1) .

فذكر (الشامي) عن بريدة قال: ((فبتنا طيّبة أنفسنا أن يفتح غداً، وبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّم يعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم يرجو أن يعطاها، فقال عمر: فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ))(2) .

ويبدو من هذه الرواية أنّ المسلمين ترقبوا ذلك الأمر لسببين الأول إنّه إخبار من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه يحب الله ورسوله، وهي شهادة ما بعدها شهادة، وتكون دليلاً على إيمان ذلك الرجل، والسبب الثاني هو أنّ الله سيوفقه لفتح الحصن، ومن يحظَ بتوفيق الله فإنّه موفق في حياته ومسدد، لذا كان المسلمون جميعاً يتمنون أن يشير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه، وهذا ما يفسر قول عمر فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ.

كما قال بريدة: ((فما منّا رجل له من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة إلّا وهو يرجو أن يكون ذلك الرّجل، حتى تطاولت أنالها(3) ، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منّة، وكان الإمام علي (عليه السلام) تخلف عن رسول الله

ص: 152


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 193 - 194 ؛ ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 52 . باختاف بسيط في النص. وينظر أيضاً: النسائي، السنن الكبرى، ج 7/ص 311 ؛ ابن أبي عاصم، السنة، ج 2/ ص 608
2- سبل الهدى، ج 5/ص 194 . النسائي، السنن الكبرى، ج 7/ص 311 ؛ ابن أبي عاصم، السنة، ج 2/ ص 608
3- أنالها: أنالُ وتنول علينا فان بيء أي أعطانا شيئاً يسراً، والنوال: العطاء. ابن منظور، لسان العرب، ج 11/ص 683

(صلى الله عليه وآله وسلم) لرمد شديد كان به لا يبصر، فلمّا سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج فلحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(1) .

وجاء علی (عليه السلام) حتى أناخ قريبا، وهو رمد، قد عصب عينيه بشقّ برد قطري(2) ، فلمّا أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلىّ الغداة، ثمّ دعا باللّواء، وقام قائما فوعظ الناس، ثم قال: أين علي؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال:

فأرسلوا إليه ؛ قال سلمة: فجئت به أقوده، فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: مالكَ؟، قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدّامي. قال: أدنُ مني، فقال علی: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده(3) فدلك بها عيني، فبرأ كأن لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علی حتى مضى لسبيله، ودعا له وأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم.

ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى- وحق رسوله، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النّعم))(4) . ثم إنّ

ص: 153


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 194
2- شق برد قطري: القِطر: نوع من البرود، والبرود القطرية: وهي حمرٌ لها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل هي منسوبة إلى قطر وخُففّت وكُرت القاف فقالوا: قِطْري، والأصل قُطري. ابن منظور، لسان العرب، ج 5/ص 106
3- ألية يده: هي ألية الخنصر، اللحمة التي تحتها وهية ألية اليد، والألية هي الشحمة. ابن منظور، لسان العرب، ج 14 /ص 43
4- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 194 - 195 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 52 - 53 . وينظر أيضاً: العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ ص 144 . وحمر النعم: النعم: الإبل، وحمرها: كرامتها وأعلاها منزلة، والنعم لا يقع إلا على الإبل، والأنعام تقع عى الإبل والبقر والغنم، فإذا انفردت الإبل قيل لها: نعمٌ وأنعام. الانباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، ج 2/ص 280 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 37 /ص 477 ؛ البخاري، الصحيح، ج 5/ص 134

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت قال: علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله فخرجوا، فخرج بها والله يأنح(1) يهرول هرولة. حتى ركزها تحت الحصن فاطّلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علی، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه(2) .

وهذا الأمر فيه دلالة على أنّ فتح علی لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله تعالى على يديه(3) .

وقاتل الإمام علی (عليه السلام) ذلك اليوم قتالاً كبيراً وبارز العديد من فرسان اليهود وقتلهم، ومنهم الحارث(4) أخو مرحب(5) الذي خرج في عاديته(6) فقتله الإمام علی (عليه السلام) ثم برز بعده فارس يسمى عامر، وكان رجلاً جسيماً طويلاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حین برز: (أترونه خمسة أذرع؟)، فخرج إليه الإمام علی (عليه السلام) فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب

ص: 154


1- يأنح: إذا تأذى من مرض أو بُهر فلا يئن. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 5/ص 166
2- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 195 . وينظر: مسلم، الصحيح، ج 4/ص 1871
3- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 195
4- الحارث اليهودي، هو ابو مرحب اليهودي وقتله الامام علي (عليه السلام) يوم خيبر كما قيل إن الحارث هو أخو مرحب. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 55 /ص 267
5- مرحب اليهودي: بفتح الميم والحاء قتل كافراً يوم خيبر واختلفوا في قاتله فقيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقيل محمد بن مسلمة الأنصاري وقد روي بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفّل يوم خيبر محمد بن مسلمة سلب مرحب وأكدت المصادر بأن علياً قاتل مرحب. النووي، تهذيب الأسماء، ج 2/ص 86
6- عاديته: يريد بها أصحابه وأعوانه، والعادية هي خيل تعدو للغارة. الخطابي، غريب الحديث، ج 2/ص 388

ساقيه فبرك، ثم ذفّف عليه، وأخذ سلاحه(1) . ثم برز ياسر وهو يقول(2) :

قد علمت خير أنّی ياسر *** شاكي السّاح(3) بطل مغاور

إذا اللّيوث أقبلت تبادر *** وأحجمت عن صولة المساور

إنّ حسامي فيه موت حاضر

وكان من أشدّائهم، وكان معه حربة يحوس(4) النّاس بها حوساً، فبرز له الإمام علی (عليه السلام)، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت ألا خلّيت بيني وبينه، ففعل، فقالت صفيّة لمّا خرج إليه الزبير: يا رسول الله يقتل ابني؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بل ابنك يقتله إن شاء الله(5) . فخرج إليه الزّبير وهو يقول:

قد علمت خيبر أنّ زبّار *** قرم لقرم(6) غیر نكس فرّار

ابن حماة المجد، ابن الأخيار *** ياسر لا يغررك جمع الكفّار فجمعهم مثل السّاب الختّار(7)

ص: 155


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 195 - 196
2- المصدر نفسه، ج 5/ص 196 . وينظر: النويري، نهاية الأرب، ج 17 /ص 254
3- قرم لقرم: سمي الرئيس من الرجال المقرم لأنه شبّه بالمقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه عندهم. الازهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 120
4- يحوس: الاحوس: هو الشجاع الذي لا يبرح مكانه في الحرب والجمع حوس. وحوس الرجل إذا كان شجاعاً، ويقال: الذئب يحوس الغنم: أي يفرقها. ينظر: ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 1/ص 536 ؛ الفارابي، معجم ديوان الادب، ج 3/ص 394
5- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 196
6- المصدر نفسه، ج 5/ص 196 . وينظر: النويري، نهاية الأرب، ج 17 /ص 254
7- الختّار: الغدّار ويقال: الختُر: أسوأ الغدر. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 7/ص 130

ثمّ التقيا فقتله الزّبير، وذُكر أنّ عليا هو الذي قتل ياسراً(1) . ثم إنّ مرحباً خرج وهو يخطر بسيفه، وعليه مغفر يماني(2) وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول(3) :

قد علمت خير أنّ مرحب *** شاكي السّاح بطل مجرّب

أطعن أحياناً وحيناً أضربُ *** إذا اللّيوث أقبلت تلهّب

فبرز له علی بن أبي طالب (عليه السلام) وعليه جبّة أرجوان(4) حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول(5) :

أنا الذي سمتني أمي حيدره(6) *** ليث بغابات شديد القسورة(7) أوفيهم بالصّاع كيل السّندرة(8)

ص: 156


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 196
2- مغفر يماني: يغفر غفراً: ستره، وكل شيء سرتهُ فقد غفرتهُ ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأس: مِغفر. ابن منظور، لسان العرب، ج 5/ص 25
3- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 201 ؛ التاريخ المعتر، ج 1/ص 144 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 197 . وينظر أيضاً: العكبري، شرح ديوان المتنبي، ج 2/ص 396
4- جبَّة أرجوان: وهي قطيفة حمراء والأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة وهي لفظة فارسية معربة. الجوهري، الصحاح، ج 6/ص 2353
5- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 197 - 198 . وقد أوردها العليمي أيضاً باختلاف في الأبيات فيكتابه التاريخ المعتبر، ج 1/ص 144 - 145
6- مغفر يماني: يغفر غفراً: ستره، وكل شيء سرتهُ فقد غفرتهُ ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأس: مِغفر. ابن منظور، لسان العرب، ج 5/ص 25
7- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 201 ؛ التاريخ المعتر، ج 1/ص 144 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 197 . وينظر أيضاً: العكبري، شرح ديوان المتنبي، ج 2/ص 396
8- السندرة: مكيال كبير. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 4/ص 237

فاختلفا ضربتین، فبدره علی (عليه السلام) بضربة فقد البيضة(1) والمغفر ورأسه ووقع في الأحراش وسمع أهل العسكر صوت ضربته وقام النّاس مع علّی حتى أخذ المدينة(2) .

وقد ناقش (الشامي) الآراء التي ذكرت بأنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) لم يقتل مرحباً، ووضح ذلك بالقول: ((وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة،... من وجهین: أحدهما: أنّه أصحّ إسناداً، الثاني: أنّ جابراً لم يشهد خيبراً، وقد شهدها سلمة وبريدة، وأبو رافع وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من أنّ محمد ابن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومرّ به علی فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم. وصحح أبو عمر أنّ عليا (عليه السلام) هو الذي قتل مرحباً))(3) . وذكر (العليمي) أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) كان له الدور الأكبر في فتح خيبر، بل وذكر أنّ الفتح كان على يديه، فقال: ((وكان فتح خيبر في صفر على يد علی (عليه السلام))(4) . وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على الدور الكبير الذي لعبه الإمام علي (عليه السلام) في هذه المعركة، وجهاده الذي لا يوصف في سبيل رفع راية الإسلام ودحر أعدائه في بداية تكوين الدولة الإسلامية.

ولعل من أبرز ما نقلته المصادر التاريخية هو قلع الإمام علی (عليه السلام) لباب

ص: 157


1- قدّ البيضة: قدّ يقدُّ، ورجل قداد: يَقِدُ الكلام وهو تشقيقه إياه وكثرته، وتقدد البعر: سمن بعد الهزال فرأيت أثر السمن يأخذ فيه. ومعنى يقد: يشق وسطها، والقديد اشتقاقه منه، وقدّ البيضة أي شقّ البيضة من وسطها. الفراهيدي، العين، ج 5/ص 17
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 145 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 198
3- سبل الهدى، ج 5/ص 200
4- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 145

خيبر، فيذكر (الشامي) ما رواه أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرجنا مع علی بن أبي طالب (عليه السلام) حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برايته، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترّسه من يده فتناول علی باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله تعالى عليه، ثمّ ألقاه من يده ح ني فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أنّ نقلب ذلك الباب، فما نقلبه(1) .

كما ذكر أيضاً أنّ عليا (عليه السلام) حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها، وأنّه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا(2) .

وهذا يدل على ما وهب الله سبحانه للإمام علی (عليه السلام) من قوة ربانية لم يحظَ بها غيره من المسلمين العارف ني بحقه فقد أيَّده الله بها كرامةً له لدينه ولرسوله الكريم.

وبعد حصار خيبر بضع عشر ليلة وفتحها حاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأموال كلها وسأله اليهود أهل خيبر على أن يُساقيهم(3) على النصف من ثمارهم ويخرجهم متى شاء، ففعل ذلك وفعل مثل ذلك أهل فدك(4) .

ص: 158


1- سبل الهدى، ج 5/ص 200
2- المصدر نفسه، ج 5/ص 201
3- يساقيهم: المساقاة: تعني دفع شخص شجره وأرضه إليه ليعمِّرها ويسقيها ويقوم على إصلاحهاعى أن يكون له سهم معلوم من الربح والمحصول. عمر، معجم اللغة، ج 2/ص 1081
4- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 145 . وفدك: قرية بناحية الحجاز ذات عن فوّارة ونخيل كثرة، أفاءها الله جل وعز على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبينها وبن المدينة يومان. ينظر: القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 2/ص 167 ؛ الأزهري، تهذيب اللغة، ج 10 /ص 73

عمرة القضاء سنة 7ه-/ 628

خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذي القعدة سنة سبع للهجرة معتمراً، وساق معه سبعين بدنة(1) ، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلمّا كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالوا: لا نقر بهذا لو نعلم أنّك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبدالله، فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبدالله(2) . ثم قال لعلی (عليه السلام): أمحُ رسول الله، فقال علی (عليه السلام):

والله لا أمحوك أبداً(3) .

ويبدو أن مشركي قريش ظلوا على عنادهم وكفرهم، وكرروا ما فعلوه بصلح الحديبية قبل عام، وأصروا على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمحو لفظ الرسالة، فضلاً عن موقف الإمام علي (عليه السلام) الرافض لمحوه.

لذا فقد أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله ألّا يدخل مكة السلاح إلّا السيف في القراب(4) ، وأنّه لا يخرج

ص: 159


1- البدنة: تقع على الناقة والبقرة والبعر الذكر مما يجوز في الهدي والأضاحي ولا تقع عى الشاة، وسميت بدنة لعظمها، وجمعها البُدن، ولأنها تبدن أي تسمن. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 14 /ص 102
2- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 203
3- المصدر نفسه والصفحة. وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 30 /ص 594 ؛ البخاري، الصحيح، ج 4/ص 103
4- القِراب: هو شبه جراب من أدم يضع الراكب فيه سيفه. الأزهري، تهذيب اللغة،ج 9/ص 109

من أهلها بأحدٍ إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحداً إن أراد أن يقيم بها(1) .

وهذه الشروط أقرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه، فلمّا دخل المسجد اضطبع(2) بردائه ورمل(3) في أربعة أشواط من الطواف، ثم خرج إلى الصفا والمروة فسعى بينهما، وتزوج في سفره هذا ميمونة بنت الحارث(4) وهو محرم(5) ، وهي آخر امرأة تزوجها، وأقام بمكة ثلاثاً، فأرسل المشركون إليه مع علي (عليه السلام): ليخرج عنهم ؛ فخرج بميمونة وانصرف إلى المدينة (صلى الله عليه وآله وسلم)(6) .

ص: 160


1- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 203 - 204 . ينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 30 / ص 594 ؛ البخاري، الصحيح، ج 5/ص 141
2- اضطبع: اضطبع بثوبه اذا ادخله من تحت يده اليمنى فألقاه على منكبه الأير وأبدى ضبعيه وهما عضداه. نشوان الحميري، شمس العلوم، ج 6/ص 3920
3- رمّل: رَملَ يرملُ رملاً وهو فوق المشي ودون العدو، كما يرملُ الحاج أو المعتمر. إبراهيم الحربي، غريب الحديث، ج 3/ص 1152
4- ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجیر بن الهُزم، كانت تحت مسعود بن عمرو الثقفي في الجاهلية ثم فارقها فخلف عليها أبو رُهم بن عبد العزى فتوفي عنها، فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّجه إياها العباس بن عبد المطلب وكان يي أمرها وهي أخت أم الفضل بنت الحارث الهلالية لأمها وأبيها، وكان أسمها برّة فسماها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ميمونة. توفيت سنة 61 ه- وهي آخر من مات من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان لها ثمانون سنة. ابن سعد، الطبقات، ج 8/ص 104
5- محرم: يقال للنازل في الحرم: مُرم وللخارج منه مُحل، وذلك أنه ما دام في الحرم يُحرم عليه الصيد والقتال وإذا خرج منه حلّ له ذلك. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 3/ص 281
6- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 204

نقض الصلح وفتح مکة سنة 8ه-/ 629 م

وسبب ذلك - نقض الصلح الذي كان ب ني قريش وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - أَن بني بكر بن عبد مناف عَدَتْ على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوثير، وكانت خزاعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنو بكر في عهد قريش في صلح الحديبية وكانت بينهم حروب في الجاهلية(1) .

ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم المؤمنین أم حبيبة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طوته عنه ،فقال ما أدري أرغبت لي عن هذا الفراش أم رغبت به عني، قالت: بل هو فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت رجل مشرك نجس، قال والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر(2) ؛ ثمّ خرج وأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلمه فلم يرد عليه شيئا فذهب إلى أبي بكر ثمّ إلى عمر ثمّ إلى علي (عليه السلام) على أن يكلموا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره وتشفع بهم فلم يفعلوا، فقال لعلی: ((يا أبا الحسن إنّی أرى الأمور قد اشتدت علّی فانصحني فقال: والله لا أعلم شيئا يغني عنك ولكنّك سيد بني كنانة فقم فأجره(3) بین الناس والحق بأرضك قال أَوَ تَرى ذلك يغني عني شيئا؟ قال لا والله ما أظنّه ولكن لا أجد لك غير ذلك))(4) .

ص: 161


1- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 204
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 205 ؛ التاريخ المعتبر، ج 1/ص 154
3- أجِره: أي أمنه وعرفه ما يجب عليه أن يعرفه من أمر الله، ثم أبلغه فأمنه لئا يُصاب بسوء. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 11/ص 120
4- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 205 ؛ التاريخ المعتبر، ج 1/ص 154

وهذه الرواية تدل على مدى تسامح الإمام علي (عليه السلام) مع مشركي قريش حین قدر المسلمون عليهم، على الرغم ممّا عاناه المسلمون منهم.

وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير بن العوام أن يدخل ببعض الناس من كُدى(1) ، وأمر سعد بن عبادة سيد الخزرج أن يدخل ببعض الناس من ثنية كداء(2) . ثم أمر الإمام عليًّا (عليه السلام) أن يأخذ الراية منه فيدخل بها لمّا بلغه من قول سعد ((اليوم يوم الملحمة اليوم نستحل(3) الحرمة))(4) .

ودخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كدا وهو على ناقته يقرأ سورة الفتح ويرجع وَكَانَ فتح مكة في رمضان وقد دخل مكة وملكها عنوة(5) . ولمّا جاء وقت الظهر يوم الفتح أذن ب الل على ظهر الكعبة فقال الحارث بن هشام(6) ليتني مت قبل هذا(7) .

ص: 162


1- كُدى: بضم الكاف مشدد الياء جبان قرب مكة، وهي العقبة الصغرى التي بأعى الكعبة التي يهبط منها عى الابطح والمقرة تحتها على اليسار. القاضي عياض، مشارق الانوار، ج 1/ ص 350
2- كُداء: بفتح الكاف وهو بأعى مكة وهو الذي سعوا أن يدخلوا منه والذي دخل منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجه. الزبيدي، تاج العروس، ج 39 /ص 385
3- نستحل الحرمة: الحرمة: الحشمة، وحرمات الله: مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها، وانتهاك الحرمة: تناولها بما لا يحل. ينظر: ابن فارس، مجمل اللغة، ج 1/ ص 846 ؛ الجوهري، الصحاح، ج 4/ص 1613
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 156
5- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 207 .والعنوة: قهراً بالسيف. الفراهيدي، العين، ج 2/ص 252
6- هو الحارث بن هشام بن المغرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن من مسلمة الفتح، مات بالشام في خلافة عمر. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ ص 148
7- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 208

وقام علی (عليه السلام) ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة(1) مع السقاية(2) ،فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أين عثمان بن طلحة(3) ؟ فدعي لَهُ فقال: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء وقال خذوها تالدة(4) خالدة لا ينزعها منكم إلَّا الظّالم، يا عثمان إنّ الله استأمنكم على بيته فكلوا مّما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف(5) .

وبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسروها ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدعو في بيته صنماً إلا كسره، ولما بعث السرايا حول مكة يدعوهم إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال.

وكانت من السرايا سرية خالد بن الوليد فنزل على ماء لبني خزيمة فأقبلوا بالسلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فإنّ الناس قد أسلموا، فوضعوه فدعاهم إلى الإسلام

ص: 163


1- الحجابة: وهي السدانة في كلام العرب والحجابة السادن أي الحاجب وهو السدنة الجماعة، وسدن: السدن أي الستر والدين هو الحاجب وسدنة البيت حُجابُه. ابن سلام، غريب الحديث، ج 1/ص 237 ؛ الفراهيدي، كتاب العين، ج 7/ص 228
2- السقاية: هي آبار تحفر ويباعد ما بينها ثم يخرق ما بن كل بئرين بقناة تؤدي الماء من الأولى إلى التي تليها حتى يجتمع الماء إلى آخرتهن، يستخدمها أهل مكة لسقي الحجيج الوافدين إلى مكة. ابن سلام، غريب الحديث، ج 1/ص 269
3- عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن كلاب العبدري، الحجبي وهو صحابي شهير وقد هاجر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هدنة الحديبية في صفر سنة 8 ه- ومات سنة 42 ه-، وقيل استشهد بأجنادين. ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 384
4- تالدة: يقال للشيء الدائم الذي لا يزول تالدٌ. مجد الدين بن الأثیر، النهاية، ج 1/ص 151 . وينظر: الازرقي، أخبار مكة، ج 1/ص 267
5- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 208 ؛ التاريخ المعتبر، ج 1/ص 160

فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا(1) ، فقتل منهم من قتل فلمّا بلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع يديه وقال اللّهم إني أبرأ إليك ممّا صنع خالد - مرتین - ثمّ أرسل علی بن أبي طالب (عليه السلام) بمال وأمره أن يؤدي لهم الدماء والأموال ففعل ذلك ثمّ سألهم هل بقي لكم دم أو مال؟ فقالوا لا وكان قد فضل مع علی (عليه السلام) قليل مال فدفعه إليهم زيادة تطيب لقلوبهم وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فأعجبه(2) .

ثم جلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الصفا(3) واجتمع الناس لبيعته على الإسلام فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فبايع الرجال ثم النساء وأهدر دم ستة رجال وأربع نسوة، وأول الرجال عكرمة بن أبي جهل وهبَّار بن الأسود وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ومقيس ابن صبابة وعبدالله بن هلال والحويرث بن نُفيل(4) كان يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويهجوه، فلقيه علی بن أبي طالب (عليه السلام) فقتله(5) .

ص: 164


1- صبأنا: يقال: صبأ فان إذا خرج من دين إلى دين غیره، وكانت العرب تسمي النبي (صى الله عليه وآله وسلم) الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسام. مجد الدين بن الأثیر، النهاية، ج 3/ص 3
2- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 209 ؛ التاريخ المعتر، ج 1/ص 161 . ينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 10 /ص 445 ؛ البخاري، الصحيح، ج 5/ص 160
3- الصفا: لغة: هي الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئاً، والصفا والمروة جبان بن بطحاء مكة والمسجد. الحموي، معجم البلدان، ج 3/ص 411
4- الحويرث بن نفيل - وقيل ابن نفیر - بن بجیر بن عبد بن قصي أهدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه يوم الفتح. ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ج 1/ص 128
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 158 - 159

إلقاء صنم قريش سنة 8ه-/ 629 م

روي عن الإمام علی (عليه السلام) أنّه قال: انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أتى بي الكعبة، فقال: اجلس، فجلست بجنب الكعبة، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على منكبي فقال: انهض، فنهضت، فلمّا رأى ضعفي تحته قال: اجلس، فجلست، ثم قال: يا علّی، اصعد على منكبي ففعلت، فلمّ نهض بي خيّل إليّ لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة، وتنحّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ألق صنمهم الأكبر، وكان من نحاس موتّد(1) بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال رسول الله )(صلى الله عليه وآله وسلم): عالجه، ويقول لي: إيه«وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(2) جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ؛ فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه(3) .

غزوة حنين سنة 8ه-/ 629 م

وقعت هذه الغزوة في السنة الثامنة للهجرة(4) ، وذُكر دور الإمام علي (عليه السلام) فيها، فقد ذُكر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ يوم حنين كفّا من حصی أبيض فرمى به وقال: (هزموا ورب الكعبة) وكان علی (عليه السلام)

ص: 165


1- موتد: وهي تعني ثبت ويقال وتد الشخص أي ثبتهُ ودعمّهُ وتد الخيمة ثبتها بالأوتاد. عمر، معجم اللغة العربية، ج 3/ص 2394
2- الإسراء : 81
3- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 356 - 357 . وينظر أيضاً: ابن البيع، المستدرك عى الصحيحن، ج 2/ص 398
4- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 167

يومئذ أشدّ الناس قتالاً بین يديه(1) لمّا فرّ النّاس يوم حنین عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل يقول:

أنا النَبِيُّ لا كَذِبْ *** أنا ابنُ عَبدِ المُطَّلبْ(2)

فلم يبق معه إلّا أربعة، ثلاثة من بني هاشم، وهم الإمام علی (عليه السلام)، والعبّاس وهما بین يديه، وأبو سفيان بن الحارث(3) آخذ بالعنان، ورجل من غيرهم وهو ابن مسعود من جانبه الأيسر، قال: فليس يقبل أحد إلّا قُتل، والمشركون حوله صرعى(4) . وقد أُصيب الإمام علی (عليه السلام) يومئذ بضعة عشر ضربة(5) .

ص: 166


1- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 478 . ينظر أيضاً: أبو يعلى، مسند أبي يعى، ج 6/ص 289 ؛ الطبراني، المعجم الأوسط، ج 5/ص 20
2- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 478 . ينظر أيضاً: أبو يعلى، مسند أبي يعى، ج 6/ص 289 ؛ الطبراني، المعجم الأوسط، ج 5/ص 20
3- أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، واسمه المغرة، كان أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة أرضعته حليمة أياماً وكان يألف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان له تُرباً، فلما بُعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاداه وهجاه - وكان شاعراً - فمكث عشرين سنة عدواً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تخلف عن موضع تسیر فيه قريش لقتال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّه أسلم يوم الفتح وشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح مكة ويوم حُنن والطائف هو وابنه جعفر وثبتا معه يوم انكشف الناس يوم حنن. حج عاماً فحلقه الحاق بمنىً وفي رأسه ثؤول فقطعه الحاق فات سنة 20 ه- وصى عليه عمر بن الخطاب. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ص 36
4- الشامي، سبل الهدى، ج 5/ص 485
5- المصدر نفسه والصفحة

سرية الإمام علی (صلی الله علیه وآله وسلم) إلی الفُلس 9 ه-

وعدد أفراد هذه السرية يتراوح ما بين مئةٍ وخمسین رجلاً ومائتين من الأنصار، فأغاروا على أحياء من العرب وشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخرّبوه وملأوا أيديهم من السّبي والنّعم والشّاء وكان في السّبي سفّانة(1) أخت عدي بن حاتم(2) ، وهرب عدي إلى الشام، ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب(3)

ص: 167


1- سفانة: هي سفانة بنت حاتم الطائي أخت عدي بن حاتم سبيت فقُدم بها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة مع سبايا من طيء فحبسها أياماً ثم منّ عليها بالسلم وأعطاها نفقة وكسوة وردّها إلى مأمنها وأشارت إلى أخيها عدي بن حاتم بالقدوم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أسلمت فحسن أسلامها. أبو نعيم الاصبهاني، معرفة الصحابة، ج 6/ص 3312
2- عدي بن حاتم بن عبدالله بن سعد الطائي، أبو طريف، صحابي مشهور وكان ممن ثبت على الإسام في الردة وحروب الإمام علي ومات سنة 68 ه- وهو ابن مائة وعشرين سنة. ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، ج 1/ص 388
3- الرسوب: وهو من السيوف السبعة التي أهدت بلقيس لسليمان (عليه السلام) والأخر هو سيف الحارث بن أبي شمر الغساني ثم صار للنبي (صلى الله عليه وآله). الزبيدي، تاج العروس، ج 2/ص 497

والمخذم(1) - كان الحارث بن أبي شمر(2) قلّده إياهما- وسيف يقال له اليماني وثلاثة أدرع(3) .

وقسَّم الإمام علی (عليه السلام) الغنائم بین المقاتلین، وعزلوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صفيا ورسوبا والمخذم، وعزل الخمس، كما قام (عليه السلام) بعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة(4) .

وكأنّه (عليه السلام) كان يُدرك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيمنّ عليهم حین يردون عليه، وهذا الإدراك كانت له دوافعه وأسبابه، فالإمام يعلم ويعرف من هو حاتم الطائي، فهو أهل كرم وضيافة، وما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذي يغض الطرف عن تلك الصفات الحميدة التي جاء القرآن بمدحها في كتابه الكريم، ومن أكرم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المبعوث بأسمى الرسالات السماموية، التي من أهم أهدافها تنمية مكارم الأخلاق، والخصال الحميدة ومنها العفو والكرم.

وهو ما تحقق فعلاً فحین مرّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخت عدي بن

ص: 168


1- المخذم: القاطع، والخذم: القطع، وهو سيف كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). الزمخشري، الفائق في غريب الحديث، ج 3/ص 132
2- الحارث بن أبي شمر: هو الحارث بن هانئ بن أبي شمر بن جبلة بن عدي، وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كانت إقامته بغوطة دمشق وأدرك الاسلام فأرسل اليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً مع شجاع بن وهب ومات سنة 8ه-/ 629 م. ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 1/ ص 688 ؛ ابن المستوفي، تاريخ اربل، ج 2/ص 239
3- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 334
4- المصدر نفسه والصفحة

حاتم، قامت إليه وكلّمته أن يمن عليها فمنّ عليها فأسلمت وخرجت إلى أخيها فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدم عليه(1) .

غزوة تبوك سنة 9ه-/ 630م

وهذه الغزوة هي الغزوة الوحيدة التي تخلَّف عنها الإمام (عليه السلام) بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) ، إذ طلب منه المقام في المدينة، وقد حدثت هذه الغزوة سنة 9ه-/ 630 م(3) ، إذ أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتجهيز لغزو الروم وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة ورَّى(4) بغيرها وكان الحر شديداً والب الد مجدبة والناس في عسرة، ولذلك سمي هذا الجيش ب-(جيش العسرة) وكانت الثمار قد طابت فأحب الناس المقام فيثمارهم فتجهزوا على كُره وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالنفقة فأنفق أبو بكر جميع ماله وأنفق عثمان نفقة عظيمة(5) .

وتخلف عن هذه الغزوة عبدالله بن أُبي المنافق ومن تبعه من المنافقین، و تخلف

ص: 169


1- الشامي، سبل الهدى، ج 6/ص 334
2- ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 49
3- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 167
4- ورّى: ستره وأظهر غيره، والتورية: الستر. ينظر: الانباري، الزاهر، ج 1/ص 230
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 167

عنها أيضاً ثلاثة من الأنصار وهم: كعب بن مالك(1) ومُرارة بن الربيع(2) وهلال بن أمية(3) . واستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهله ع يل بن أبي طالب (عليه السلام) فأرجف(4) به المنافقون وقالوا: ما خلَّفه إلّ استثقالًا له، فلمّا سمع علی بذلك أخذ سلاحه ولحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره بما قال المنافقون، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((كذبوا وإنمّا خلَّفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي))(5) .

ويبدو أنّ عدم اصطحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علی (عليه السلام)، قد يعود إلى خشية الرسول مما قد يقدم عليه المنافقون الذين تخلفوا عن الغزوة في المدينة، ولعل وجود الإمام (عليه السلام) سيكون من العوامل الرادعة

ص: 170


1- كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري السلمي المدني، صحابي مشهور وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا. مات في خلافة الإمام علي (عليه السلام). ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1/ص 746
2- مُرارة بن الربيع: هو مُرارة بن الربيع بن ربيعة الأنصاري العمري، وقيل: هو مرارة بن ربعي بن عدي الخزرجي، شهد بدراً، ونزل القرآن بشأن تخلفه مع بعض الصحابة بقوله تعالى: «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» [التوبة : 118 ]. ابن الأثیر، أسد الغابة، ج 5/ ص 129
3- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 167 - 168 . وهلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم ابن عامر بن كعب الأوس البدري، وهو أحد البكائن الثلاثة الذي تاب الله عليهم في سورة براءة «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» [التوبة : 11 8 ]. ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ج 1/ص 344
4- أرجف: أي حرك، وقيل أرجف الأرض بهم أي حركها، والرجفة معناها الحركة. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 11/ص 31 ؛ الانباري، الزاهر، ج 1/ص 189
5- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 168 . وينظر أيضاً: ابن عبد الهادي، محض الخاص، ص 60 - 61 . مع اختاف بالنص

لذلك، وهو ما يُعدُّ حذراً من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وزيادة في الاطمئنان. فضلاً عما يدل عليه الحديث من فضل بحق الإمام (عليه السلام).

تجهيز الإمام علي (عليه السلام) للرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) عند وفاته

ذُكر نقلاً عن زيد بن أرقم قال: (قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً فينا بین مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكَّر ثم قال: أمّا بعد ألا أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب))(1). وذكر (الشامي) وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علی بتغسيله وتكفينه، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((يا علی، أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني وتواريني في حفرتي، وتفي بذمّتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة))(2) .

كما روي أنّ رسول الله (عليه السلام) قال: ((إنّ وصيي، وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب))(3) .

وهذه الوصايا تدل على أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعتبر الإمام خليفته في نفسه وأهله، حتى أنّه عهد إليه بتنفيذ وصيته في كل ما يخصه بعد وفاته.

وتوفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة يوم الاثنین مستهل شهر ربيع

ص: 171


1- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 53 - 54 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 32 / ص 11
2- سبل الهدى، ج 12 /ص 259 . وينظر أيضاً: الشجري، ترتيب الامالي الخميسية للشجري، ج 1/ ص 185
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 252 . الطبراني، المعجم الكبير، ج 6/ص 221

الأول سنة إحدى عشرة للهجرة، وعمره ثلاثة وستون عاماً، وتنفيذاً لوصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) تولى غسله الإمام علی (عليه السلام) يساعده في ذلك عمّه العباس الذي كان يصبُّ الماء عليه، وثوبه عليه لم يُنزع، وكُفِّن في ثلاثة أثواب، وصلى عليه المسلمون فرادى، ودفن في بيت أم المؤمنین عائشة، وصلى عليه جبريل (عليه السلام) في ملائكة الله عز وجل، وصلى عليه العباس وعلی (عليه السلام) في بني هاشم، ثم دخل المهاجرون والأنصار ثم الناس لا يؤمهم أحد ثم النساء ثم الصبيان(1) .

ص: 172


1- ينظر: ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية،ص 16 ، ص 168 ؛ العليمي، الأنس الجليل،ج 1/ص 218

الفصل الثالث : دور الامام علي (عليه السلام) في عهد الخلفاء الراشدين (11 ه- - 35 ه-/ 632 م - 655 م)

اشارة

ص: 173

ص: 174

المبحث الأول : في عهد الخليفة أبي بكر 11 - 13 ه-/ 632 م- 634 م

إسلامه وبيعته للخلافة

اختلف المؤرخون الشاميون في زمن إسلام أبي بكر وترتيبه بین من أسلم، فقد ذكر (العليمي) قائلاً: ((اختلف العلماء في أول من أسلم مع الاتفاق أنّ خديجة أول خلق الله إسلاماً))(1) .

وذهب (ابن طولون) إلى الرأي نفسه على أنّه لا خلاف بین العلماء أنّ أوّل من أسلم خديجة (رضي الله عنها)، وإنّما الخلاف في الأول بعدها(2)، فيما ذكر (ابن عبد الهادي) أنّ أبا بكر أول من أظهر إسلامه(3) .

وهذا الخلاف بین المؤرخین يكاد يكون متواتراً ولم يتفق عليه العلماء، وقد نرى بعضهم يميلون إلى تقسيم المسلمين الأوائل وإضفاء صفة أول المسلمين على أشخاص عدّة، تورعاً منهم في الجزم على شخص بعينه، مثلام ذهب إلى ذلك (ابن

ص: 175


1- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 84
2- الأئمة الاثنا عشر، ص 48
3- محض الخلاص، ص 188

طولون) الذي قال: ((والأورع أن يقال: أوّل من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر، ومن الصبيان: علی))(1) .

أمّا خلافته، فقد أشار (العليمي) إلى أنّ أبا بكر بويع بالخلافة في اليوم الذي قبضفيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سقيفة بني ساعدة في العشر الأواسط من ربيع الأول سنة 11ه-/ 632 م(2) .

وقد ذكر (العليمي) كذلك امتناع جماعة عن بيعته وميلهم إلى الإمام علی(3) ، إلّا أنّه لم يسمِّ هؤلاء الجماعة.

ولم يذكر أيّ من المؤرخین الشاميين بيعة الإمام علی (عليه السلام) له - أي أبي بكر - سوى (العليمي) الذي ذكر: أن عمر بن الخطاب توجه إلى علي بن أبي طالب بأمر من أبي بكر فحرض إليه وبايعه، وقيل إنّ علياً لم يبايع حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر لموت أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)(4) .

ويبدو أنّ إحجام المؤرخین عن ذكر ذلك يعود إلى حساسية موضوع الخلافة عندهم، فحین يقرون بأنّ هناك من لم يبايع أبا بكر بالخلافة، وأنّ جماعة من المسلمين انحازت إلى الإمام علی (عليه السلام) ؛ فإن ذلك يعني عدم إقرار هؤلاء بأحقية أبي بكر بالخلافة وإنّهم يرون الإمام علياً أحقّ بها منه، وهذا الأمر لابدّ له من تبرير وذكر أسباب ذلك، لذلك أحجم المؤرخون عن ذكره. وجدير بالذكر أن مدة خلافة

ص: 176


1- الأئمة الاثنا عشر، ص 48
2- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 242
3- المصدر نفسه، ج 1/ص 242
4- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 242

أبي بكر كانت سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام(1) .

ويبدو أنّ مسألة تفضيل الخلفاء الراشدين الأربعة وبحسب زمن خلافتهم كانت مترسخة في أذهان المؤرخین الشاميين خلال القرن المذكور، فقد كانوا يقرون بفضل هؤلاء الأربعة ويفاضلون بينهم بحسب ترتيبهم بالخلافة، لذلك أشارت المصادر الشامية إلى جملة من الأحاديث التي تتحدث عن فضل الخلفاء الراشدين، ومن بينهم أبو بكر، فقد روى (الشامي) حديثاً نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((إنّ الله تعالى أمرني أن أتّذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علّی ظهراً))(2) . وذكر أيضاً عن أبي هريرة: ((أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ((هبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إنّ الله يقرئك السلام، ويقول لك:

يأتي يوم القيامة كلّ أمّتك عطاشى إلّا من أحبّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا))(3) .

زيادة على ذلك فقد أوردت المصادر الشامية أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تتحدث عن فضل أبي بكر، منها ما نقلوه من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((أرأف - وفي لفظ أرحم - أمّتي بأمّتي أبو بكر))(4)، وكذلك حديث: ((ما من نبي إلّا وله نظير في أمّتي: أبو بكر نظير إبراهيم))(5) .

وكذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري قال: ((كنت مع رسول الله (صلى الله عليه

ص: 177


1- المصدر نفسه والصفحة
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 174 . وينظر أيضاً: أبو نعيم الأصبهاني، فضائل الخلفاء الأربعة، ج 1/ص 180
3- سبل الهدى، ج 12 /ص 174 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 21 /ص 406 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، ج 6/ص 135
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 171
5- المصدر نفسه، ج 12 /ص 175 . وينظر أيضاً: ابن الإعرابي، معجم ابن الإعرابي، ج 1/ص 301

وآله وسلم) في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشّته بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فحمد الله))(1) . ونسب (ابن عبد الهادي) إلى الإمام علی قوله: ((بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا معه في المسجد ليس معنا ثالث إذ أقبل أبو بكر وعمر كل واحد منهام أخذ بيد صاحبه فقال: ياعلی هذان سيدا كهول أهل الجنة ممن قضى من الأولین والآخرين ما خلا النبيین والمرسلين يا علی لا تخبرهما بذلك))، قال فام أخبرتهما حتى ماتا ولو كانا حيین ما حدثتُ بهذا الحديث أحداً7(2) .

وهذه الروايات التي أوردتها المصادر الشامية وغيرها الكثير ربّما كان الغرض من إيرادها التأكيد على أفضلية أبي بكر على سائر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الأحق بالخلافة منهم وعلى وجه الخصوص الإمام علي (عليه السلام)، لاسيما وأن المصادر الشامية موَّهت في بعض الأحيان على رغبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلافة الإمام علی، ومن ذلك ما أورده (الشامي) بالقول:

((قالوا: يا رسول الله، ألا تستخلف علينا؟ قال: إنّی إنْ استخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم العذاب، فقالوا: ألا تستخلف أبا بكر، قال: إنْ استخلفتموه تجدوه ضعيفا في بدنه قويّا في أمر الله، فقالوا: ألا تستخلف عليّا قال: إنْ استخلفتموه ولن تفعلوا يسلك بكم الطريق المستقيم، وتجدوه هاديّا مهديّاً))(3) . وعلى الرغم من

ص: 178


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 176 . وينظر أيضاً: البخاري، الصحيح، ج 5/ص 13 ؛ البزاز، مسند البزاز، ج 14 /ص 55
2- محض الصواب، ج 1/ص 226 . وينظر أيضاً: أبو بكر الشافعي، كتاب الغيلانيات، ج 1/ص 56
3- سبل الهدى، ج 12 /ص 187 . وينظر أيضاً: البزاز، مسند البزاز، ج 7/ص 299 ؛ الكلاباذي، بحر الفوائد، ج 1/ص 279

أن هذا الحديث يستدل به المؤرخون على أحقية أبي بكر بالخلافة، إلّا أنّه يحمل بین طياته ما يؤكد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم بأنّ المسلمين لن يولوا الإمام عليًّا (عليه السلام) الخلافة، رغم أفضليته على سائر الصحابة.

و حاول بعض المؤرخین جعل أمر تنصيب أبي بكر بالخلافة على أنّه أمر من الله سبحانه ورويت في ذلك بعض الأحاديث التي تؤكده، منها ما ذكره (الشامي) بالقول : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((أُريت دلوا دُليت من السّماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيبها(1) فشرب شربا ضعيفا،... ثم جاء علی فأخذ بعراقيبها فانتشطت(2) منه، وانتضح عليه منها))(3) .

موقف الإمام علي (عليه السلام) من خلافة أبي بكر

ركزت المصادر الشامية في حديثها عن الخليفة أبي بكر والإمام علي (عليه السلام) على العلاقات الجيدة بينهما ولم تذكر ما يخالف ذلك إلّا في روايات قليلة يفهم منها عدم رضا الإمام علی (عليه السلام) تولي أبي بكر الخلافة دونه، ومن ذلك ما ذكره (ابن طولون) قال : ((إنّ أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علی: هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت: أتحب أن أأذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى

ص: 179


1- عراقيبها : مفردها عرقوب، ومعناها العصب الغليظ المؤثر فوق عقب الإنسان، وهو عرق مؤثر خلف الكعبن. كما إنها تأتي بمعنى المنحنى والمنعطف والطريق الضيق في متن الجبل، وعراقيب الأمور صعابها وعراقيلها. ابن منظور، لسان العرب، ج 1/ص 594 ؛ عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 2/ص 1488
2- أنتشطت : أي انتزعت. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 11/ 215
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 175 . ينظر أيضاً: الطبراني، المعجم الكبير، ج 7/ص 231

رضيت))(1) .

ويفهم من هذا الحديث أنّ فاطمة كانت غاضبة على أبي بكر، ولم تكن ترغب في أن يدخل عليها، ولولا تدخل الإمام علی (عليه السلام) لما أذنت له، مما يؤكد على وجود خلاف بينهما. إلّا أنّ المصادر الشامية لم تذكر سبباً لذلك الخلاف وأحجمت عنه.

ويمكن القول إنّ موضوع الخلاف بین آل علی (عليه السلام) وبین أبي بكر كان يخص الخلافة، وأن الإمام عليًّا (عليه السلام) لم يبايعه واعتصم في بيته مع بعض الصحابة.

كما تبنت بعض المصادر الشامية وجهة نظر أخرى تدعيام لموقف أبي بكر مفادها أن معارضة علی (عليه السلام) لم تكن بالنص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما كان موقفاً شخصياً من الإمام (عليه السلام) لأنّه يرى نفسه الأحق بالخلافة، فقد روي عن الإمام الحسن (عليه السلام) قال: ((لما قدم علی رضي الله عنه البصرة قام إليه ابن الكواء(2) وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت به تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض أعهد من رسول الله، فحدثنا فأنت الموثوق والمأمون على ما سقت، فقال: أمّا أنْ يكون عندي من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدّق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك عهد ما

ص: 180


1- مرشد المحتار، ص 118
2- ابن الكوّاء: هو أبو عمرو عبد الله بن عمرو، وقيل عبدالله بن محمد اليشكري، وهو الذي يقال له ابن الكوّاء من رؤوس الخوارج، كان قد شهد صفن مع الإمام علي (عليه السلام). الفالوجي، المعجم الصغر، ج 1/ص 320

تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلّ بُردي هذا، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُقتل قتلاً، ولم يمت فجاءةً، مكث في مرضه أياماً وليالي وهو يرى المؤذن فيؤذنه في صلاة فيأمر أبا بكر فيصلی بالناس وهو يرى مكاني، وأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتُنَّ صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدينا من رضيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لديننا وكان الصلاة أصل الإسلام وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر فكان لذلك أه الً، لم يختلف عليه منا اثنان... فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بین يديه الحدود بسوطي))(1) .

وأكّدت إنَّ أغلب الروايات الواردة في المصادر الشامية على رضا الإمام علی (عليه السلام) بخلافة أبي بكر والقبول بها، بل وحتى الدفاع عنها ضد من يحاول الاعتراض عليها، ومن تلك الروايات ما ذكره (ابن عبد الهادي) بالقول: ((بلغ علياً رضي الله عنه أنّ ابن السوداء(2) ينتقص أبا بكر وعمر فدعا به ودعا له بالسيف وهمَّ بقتله، فكُلّم فيه، فقال: لا يساكئني ببلدة أنا فيها؛ فسيرَّه إلى المدائن))(3) .

وهذه الرواية تناقض ما ورد سابقاً من روايات، ومنها رواية ابن عبد الهادي نفسه، التي تدل على معارضة الإمام علی (عليه السلام) لخلافته.

ص: 181


1- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 3/ص 863 - 865
2- ابن السوداء: هو عبدالله بن سبأ رأس الطائفة السبئية، التي كانت تقول بألوهية الإمام علي، أصله من اليمن، وقيل أنه يهودي أظهر الإسلام ورحل إلى الحجاز فالبرة فالكوفة ودخل دمشق أيام عثمان بن عفان فأخرجه أهلها فانرف إلى مصر وجهر ببدعته، ونفاه الإمام علي إلى المدائن. وسبب لقبه بابن السوداء أنّ أمّه كانت سوداء البرة. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 29 /ص 4
3- محض الصواب، ج 3/ص 944

وحین خرج جيش أسامة من المدينة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) طمع الأعراب فيها فجعل أبو بكر الحرس على أنقاب المدينة يبيتون حولها منهم علي والزبير وطلحة وسعد ثم خرج مع أبي بكر إلى الإعراب(1) .

ويفهم من هذه الروايات أنّ المصادر الشامية لم تتطرق إلى معارضة الإمام علی (عليه السلام) لخلافة أبي بكر، وإنّما ركزت فيما ذكرته من روايات على حسن العلاقة بينهام، مؤكدةً على أنّ الإمام (عليه السلام) كان مؤيداً لخلافته بل ومباركاً لها، وأنّه عمل تحت إمرة الخليفة ونفذ كل ما طلبه منه.

ويبدو لنا أنّ السبب في ذلك كان التأكيد على أنّ خلافة أبي بكر كانت بمباركة جميع الصحابة، وربما أوحى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأمر من خلال أمره له بالصلاة بالمسلمين في مرض موته، وواقع الأمر أن قبول الإمام علی (عليه السلام) بما صار إليه أمر الخلافة كان قبولاً بالأمر الواقع الذي فرضته الظروف آنذاك ولم يكن قبولاً عن رضا واقتناع منه.

ص: 182


1- ابن عبد الهادي، محض الخلاص، ص 65 - 66

المبحث الثاني : في عهد الخليفة عمر بن الخطاب 13 - 23 ه-/ 634م -643م

دور الإمام علي (عليه السلام) في عهد الخليفة عمر

لم تتطرق المصادر الشامية إلى موقف الإمام (عليه السلام) من خلافة عمر بشكل واضح، فقد رويت معارضة أصحاب الإمام علی (عليه السلام) لبيعة عمر في رواية وردت عند (ابن عبد الهادي) جاء فيها: ((بينا طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن - جلوس عند أبي بكر في مرضه عواداً فقال أبو بكر: ابعثوا إلى عمر فأتاه فدخل عليه فلمّا دخل حسّت نفوسهم أنّه خيرته فتفرقوا عنه وخرجوا وتركوهما فجلسوا في المسجد وأرسلوا إلى علی (عليه السلام) ونفر معه فوجدوا علياً في حائط فتوافوا إليه واجتمعوا وقالوا: يا علی يا فلان، إنّ خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مستخلف عمر وقد علم الناس أنّ إسلامنا كان قبل إسلام عمر وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه ولا سلطان له فأدخلوا بنا عليه نسأله فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه، ففعلوا فقال أبو بكر: اجمعوا لي الناس ففعلوا أخبركم من اخترت لكم فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله اليهم حتى وضعه على المنبر فقام فيهم باختيار عمر لهم ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم فقالوا: ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال: أقول: استخلفت عليهم

ص: 183

خير أهلك))(1) .

يبدو من هذا النص بأن أصحاب الإمام علی (عليه السلام) كانوا غير راضین على تولية الخليفة أبي بكر لعمر بن الخطاب، وإن هناك من هو أحق بالخلافة من عمر.

إلّا أنّ ما روته تلك المصادر من أنّ الخليفة عمر بن الخطاب كان كثيراً ما يطلب النصيحة من الإمام (عليه السلام) وفي الكثير من المواقف والمسائل التي تعترضه، ومن تلك المواقف ما نقلته تلك المصادر عن أبي سعيد الخدري قال: (( حججنا مع عمر بن الخطاب أول حجة حجها من إمارته فلام دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبله واستلمه وقال: أعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّ رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلك واستلمك ما قبلتك ولا استلمتك، فقال علی (عليه السلام): بلى إنّه ليضر وينفع ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول، قال الله عز وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(2) ، فلمّا أقروا أنّه الرب عز وجل وأنّم العبيد كتب ميثاقهم في رقّ ثم ألقمه الحجر وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة فهو؛ أمین الله في هذا المكان، فقال عمر: لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن))(3) .

ويفهم من كلام الخليفة عمر أنّه غير مقتنع بتقبيل الحجر الأسود إلّا أنّه يعمل

ص: 184


1- محض الصواب، ج 1/ص 288
2- الأعراف: 172 . وينظر: ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 529 ؛ الشيخ علوان، مخطوطة نسات الأسحار، ورقة 28 . مع اختاف في النص
3- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 529

على وفق ما رآه من فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّه يعتقد أنّ الناس قد أنسوا بلمس الحجارة في الجاهلية وعبادتها1(1) ، ولهذا قام الإمام (عليه السلام) بتصحيح هذا المفهوم الخاطئ عند الخليفة، ممّا أدى به إلى الاعتراف بجميل ما صنع الإمام معه حتى أنّه تمنى على الله أن لا يبقيه بأرض ليس فيها علی (عليه السلام).

وروى أبو سلامة(2) قال: ((انتهيت إلى عمر وهو ي رضرب رجالًا ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه حتى فرق بينهم، ثم قال: يا ف الن، قلت: لبيك، قال:

لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء، قال: ثم اندفع فلقيه علی (عليه السلام) فقال: أخاف أن أكون هلكت؟ قال: وما أهلكك؟ قال: ضربت رجالاً ونساءً في حرم الله عز وجل، قال: أنت راعٍ من الرعاة فإن كنت على نصح وإصلاح فلن يعاقبك الله، وإن كنت ضربتهم على غش فأنت الظالم المجرم))(3) .

و يتضح من هذه الرواية أنّ الخليفة عمر بعد أنّ قام بضرب هؤلاء الناس تبادر إلى ذهنه بأنّه ربّما قد يكون ارتكب خطأ بحقهم أو كان ظالماً معهم، خاصة وأنّ حادثة الضرب حصلت في الحرم، لذا التجأ إلى الإمام (عليه السلام) يستفتيه في هذه المسألة.

وكان الخليفة عمر يعتمد على الإمام علی (عليه السلام) في المسائل العسكرية، وفي أمور أخرى ذات علاقة بهذا الجانب وهي عندما يذهب إلى فتح أو تحرير بلد

ص: 185


1- المصدر نفسه والصفحة
2- ابو سامة: وهو عبدالله بن أبي حدر الأسلمي واسم ابي حدر سلامة بن عمیر بن أبي سامة بن هوازن، له صحبة ويكنى أبا محمد وأول مشاهده الحديبية وخير وما بعدها، وتوفي سنة 71 ه-. ابن الاثیر، أسد الغابة، ج 3/ص 106
3- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 622

فإنه يستخلف الإمام مكانه في المدينة، ومن ذلك في سنة 14 ه-/ 635 م، ركب عمر بن الخطاب في أول يوم من المحرم بالجيوش من المدينة إلى مكان يقال له صِرار(1) ، فعسكر به عازماً على غزو العراق بنفسه واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب (عليه السلام) واستصحب معه عثمان بن عفان وسادات الصحابة، وعقد مجلساً يستشير فيه الصحابة فيما عزم عليه وأرسل إلى علی فقدم من المدينة فاستشارهم وكلهم وافقه على الذهاب إلّا عبد الرحمن بن عوف فإنّه قال له: إني أخشى إن كُسرت أن يضعف المسلمون في سائر البلاد وإنّی أرى أنْ تبعث رجلاً إلى المدينة - العراق - فاستصوبوا رأيه(2) .

وكان الإمام علی (عليه السلام) في بعض الأحيان يستصوب رأي الخليفة عمر ويستحسن ما يقوم به من عمل إذا كان متوافقاً مع الشريعة، ومن ذلك ما روي في كيفية تعامله مع الغنائم التي بعث بها سعد بن أبي وقاص بعد انتصاره وفتحه العراق، ما نصه: ((فحصل من الفيء أمر عظيم ومن الأموال ما لا يحصی، فشرع سعد في تخميس ما وجد واستوهب سعد أربعة أخماس البساط وبعثه إلى عمر مع الخمس، فلما رأى عمر ذلك بكى وقال: إنّ قوماً أدّوا هذا لأمناء، فقال له علی:

إنّك عففت فعفّوا(3) ، ولو رتعت لرتعوا(4) ))(5) .

ص: 186


1- صرار: موضع عى ثلاثة أميال من المدينة عى طريق العراق. الحموي،معجم البلدان،ج 3/ ص 398
2- ابن عبد الهادي، محض الخلاص، ص 67
3- عففت: عفّ يعفُّ عفةً وعفافاً، وعفَّ الشخص: أي تجنب سيء القول والعمل، وكفَّ عا لا يحل ولا يجمل. عمر، معجم اللغة العربية، ج 2/ص 1521
4- رتعوا: الرتع هو الأكل والشرب في الخصب، ورتعوا أيضاً: شبعوا في الأكل. إبراهيم الحربي، غريب الحديث، ج 1/ص 212 ؛ ابن سيده، المخصص، ج 4/ص 370
5- ابن عبد الهادي، محض الخلاص، ص 107

ومعنى قول الإمام علي (عليه السلام) إنْ عففت عن أكل مال المسلمين دون وجه حق فاقتدى بك المسلمون، ولو فعلت العكس وأكلت أموال المسلمين بالباطل لاقتدي بك أيضاً لأنّك سلطانهم والناس تقتدي بحكامها.

ومن القضايا التي رجع فيها الخليفة عمر إلى رأي الإمام علي (عليه السلام) مسألة المال الذي جاء لعمر بن الخطاب بعد فتح القادسية، فقد ((جمع عمر الناس بالمدينة حین انتهى إليه فتح القادسية، ودمشق، فقال: إنّی كنت امرءاً تاجراً، وقد شغلتموني بأمركم هذا، فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال؟ فأكثر القوم، وعلّی (عليه السلام) ساكت، فقال: يا علی ما تقول؟ قال: ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف، وليس لك من هذا الأمر غيره، فقال: القول ما قال علي بن أبي طالب))(1) .

وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً من أن الخليفة عمر كان يدرك مدى علم الإمام (عليه السلام) بالأحكام والمسائل الشرعية والدينية وخاصة مسألة الأموال والحقوق المترتبة عليها، لذا نراه يستشير كثيراً من الصحابة، إلّا أنّه لا يستوقفه رأي رجل منهم إلّا الإمام علی (عليه السلام)، فيقطع هذا النزاع ويحسم الآراء المتقاطعة والمتضاربة برأي واحد هو رأي الإمام علی (عليه السلام).

ومن بین القضايا التي استشار فيها الخليفة عمر الإمام عليًّا (عليه السلام) مسألة التاريخ الذي اتفق المسلمون على وضعه لما له من أهمية كبيرة، فكتب التاريخ بمشورة الإمام علی (عليه السلام)، إذ روي حول ذلك بالقول: ((جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب (عليه السلام): «منذ خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أرض الشرّك» يعني

ص: 187


1- محض الصواب، ج 2/ص 487

من يوم هاجر. قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب))(1) .

وحین كان الخليفة عمر بن الخطاب يخرج بنفسه لمباشرة الفتوح الإسلامية، كان يستخلف على المدينة، (وهي عاصمة الدولة آنذاك )الإمام عليّا (عليه السلام)، مثلما فعل حین أراد الخروج إلى العراق، وكذلك حین خروجه إلى بيت المقدس عندما طلب أهلها من أبي عبيدة أن يصالحهم على صلح أهل الشام بشرط أن يكون عمر بن الخطاب متولياً أمر الصلح، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك فتقدم عمر إلى القدس وفتحها واستخلف على المدينة علی بن أبي طالب وذلك سنة 15 ه-/ 636 م(2) .

وهذا يدل على أن الخليفة عمر بن الخطاب يعتمد على الإمام علي (عليه السلام) في العديد من الأمور، وأنّ له مكانة كبيرة عند الخليفة، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي ترك في كل مجال من مجالات الحياة وجوانبها المختلفة سجلاً كبيراً حافلاً بالعطاء، وتركة علمية كبيرة نهلها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما استخلافه للإمام علی (عليه السلام) على المدينة عند خروجه منها إلّا لأنّه كان على معرفة ودراية كاملة بقدرات الإمام الدينية والإدارية والسياسية، فضلاً عن العسكرية.

وليس أدل على ذلك من فعل الخليفة عمر حین جاءه كتاب أبي عبيدة في مسألة صلح أهل إيليا(3) ، ((فلمّا قدم الكتاب على عمر دعا برؤساء المسلمين إليه وقرأ عليهم

ص: 188


1- المصدر نفسه، ج 1/ص 316
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 248
3- أيليا: بفتح الهمزة، مدينة بالشام وهي بيت المقدس وهي مدينة قديمة جليلة على جبل يصعد اليها من كل جانب وهي طويلة من المغرب الى المرق وفي طرفها الغربي باب البحر وهذا الباب عليه قبة داود عليه السلام وفي طرفها الشرقي باب يسمى باب الرحمة. وقالوا اإنها من عجائب الدنيا. ابن عبد المنعم الحميري، الروض المعطار، ج 1/ص 68

كتاب أبي عبيدة واستشارهم في الذي كتب إليه فقال له عثمان: إنّ الله تعالى قد أذلهم وحصرهم وضيَّق عليهم وهم في كل يوم يزدادون نقصاً وهزالاً وضعفاً ورعباً فإنّ أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنّك بأمرهم مستخف ولشأنهم حاقر غير معظم فلا يلبثون إلّا قليلاً حتى ينزلوا على الحكم ويعطوا الجزية فقال عمر ما ترون هل عند أحدكم رأي غير هذا الرأي؟))(1) ، ويبدو أنّ الخليفة عمر لم يقتنع بهذا الرأي فطلب رأياً آخر، فقال علی ابن أبي طالب (عليه السلام): ((نعم عندي غير هذا الرأي، قال:

ما هو؟ قال: إنّهم قد سألوا المنزلة التي لهم فيها الذل والصغار وهو على المسلمين فتح ولهم فيه عزّ وهم يعطونكها الآن في العاجل في عافية ليس بينك وبین ذلك إلّا أن تقدم عليهم، ولك في القدوم عليهم الأجر في كل ظمأ ومخمصة(2) ، وفي قطع كل واد وفي كل نفقة حتى تقدم عليهم، فإذا قدمت عليهم كان الأمن والعافية والصلاح والفتح، ولست آمن إن أيسوا من قبولك الصلح منهم أن يتمسكوا بحصنهم فيأتيهم عدو لنا أو يأتيهم منهم مدد فيدخل على المسلمين بلاء ويطول بهم حصار فيصيب المسلمين من الجهد والجوع ما يصيبهم ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرشقونهم بالنشاب أَو يقذفونهم بالمناجيق، فإن أصاب بعض المسلمين تمنيتم إنّكم افتديتم قتل رجل من المسلمين بمشرك إلى منقطع التراب، وكان المسلم لذلك من إخوانه أهلا فقال عمر قد أحسن عُثْمَان النّظر في مكيدة العدو وأحسن علی بن أبي طالب النّظر لأهل الإِسلام سيروا على اسم الله فإنّ سائر))(3) .

ص: 189


1- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 250
2- مخمصة: المخمصة: المجاعة، ويعبر عن الخمص بالجوع، ومنه القول: اصابتنا مخمصة: أي مجاعة شديدة. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 1/ص 241
3- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 250 - 251

ونرى كيف استحسن الخليفة عمر رأي الإمام علی (عليه السلام) وتبعه دون تردد لأنّه علم أنّه الرأي الأصوب، وقد صدر من شخص خبير بالأمور العسكرية،فضلاً عن خوفه على مصالح المسلمين وغيرته الكبيرة على الدين، وعلى إعلاء راية الإسلام عالياً.

و كان الخليفة عمر بن الخطاب كثير الاعتزاز بالإمام (عليه السلام) ولا يقبل فيه قولاً يمس به، وهو يعرف مكانة الإمام في الإسلام، فقد ورد قول الخليفة: ((كفوا عن علی فإنّی سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في علی ثلالث خصال لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة نفد والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متكئ على علی حتى ضرب بيده على منكبه، ثم قال: يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إس الماً ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى))(1) .

الخليفة عمر وميراث النبي (صلى الله عليه و آله وسلم)

على الرغم ممّا قدمناه من روايات وأحاديث عن علاقة الخليفة عمر بالإمام علی (عليه السلام) واستشارته في معظم الأمور الخلافية التي تعترضه، إلّا أنّ هناك مسألة خلافية مهمة وهي ميراث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليه السلام) الذي منعه عمر عنها، فقد ذكر (ابن عبد الهادي) نقلاً عن أم المؤمنين عائشة ((فأمّا صدقته يعني: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، وأما خي رب وفدك(2) فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله (صلى الله

ص: 190


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 253 . وينظر أيضاً: ابن أبي عاصم، السنة، ج 2/ص 602 ؛ ضياء الدين المقدسي، الأحاديث المختارة أو المستخرج، ج 3/ص 207
2- فدك: قرية بناحية الحجاز ذات عن فوَّارة ونخيل كثرة أفاءها عز وجل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان النبي قد وهبها في حياته لفاطمة (عليها السلام). الأزهري، تهذيب اللغة، ج 10 /ص 73

عليه وآله وسلم) كانت لحقوقه التي تعروه(1) ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، فهما على ذلك إلى اليوم))(2) .

وجدير بالذكر أن فدك قد أعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة بعد نزول الآية المباركة «وَآتِ ذَا الْقُرْبَی حَقَّهُ»(3) ، ويشك (ابن طولون) في صحة هذا الأمر ويعدّه غير صحيح وأنّ الحديث الذي أشار إلى فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا غير صحيح أيضاً، وقد قال في ذلك: ((وأما حديث أبي سعيد: لما نزلت «وَآتِ ذَا الْقُرْبَ حَقَّهُ» دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وأعطاها فدك، ولو كان هذا الحديث صحيحاً لما طلبت فاطمة والعباس وعلي ميراثهم من فدك، ولو كان عطية لفاطمة لطلبت الجميع. ولأنّ ابن عباس وغيره من المفسرين اتفقوا على أنّ سورة بني إسرائيل مكية وفدك إنما أفاء الله على رسوله بالمدينة في أواخر عهده، ولأنّه لو صَحَّ ذلك لم يخف على أكابر الصحابة، فإن قيل: إنْ زال الإشكال من جهة فاطمة (عليها السلام) لم يزل من جهة العباس وعلی))(4) .

ويبدو لنا أنّ ما ذهب إليه (ابن طولون) بعيد عن الحقيقة، إذ إنّ فدك هي نحلة النبي لفاطمة (عليها السلالم)، أمّا ميراثه فيختلف عن ذلك، فالميراث ما تعلق بالنبي ممّا ترك من أموال وغيرها، وهذا ما طالب به العباس والإمام علي (عليه السلام)، أمّا

ص: 191


1- تعروه: تعتريه، وتغشاه وتنتابه، والمعنى حقوقه التي تغشاه وتعرض له. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 2/ص 77
2- محض الصواب، ج 2/ص 477 - 478
3- الإسراء : 26
4- مرشد المحتار، ص 118

قضية فدك فلا تتعلق بالميراث لأنّها نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته.

ويدافع عن دعواه هذه بالقول: ((إن عمر بن الخطاب قال للعباس وعلي انشدكما بالله الذي تقوم بإذنه السامء والأرض أتعلمان أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه، قالا: نعم، فإذا كان علي والعباس سمعا هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أقرا به حين ناشدهما عمر فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا إنّما سمعاه من أبي بكر في زمنه بحيث أفاد عندها العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر، فالجواب أن يحمل الأمر في ذلك على ما تقدم في قصة فاطمة وأنّ كلاً من علی والعباس وفاطمة اعتقدوا أنّ العموم في آية الميراث مخصوص ولذلك نسب عمر إلى علی والعباس أنّهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك، وأما مخاصمة علی والعباس بعد ذلك ثانياً عند عمر))(1) .

ثم يحاول (ابن طولون) الاستدراك على ما ذكره بالقول: ((لم تكن في الميراث وإنّام في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف... وإنّما اختلفا في قسمتها وسألا عمر أن يقسمها بينهام نصفین ليستبد كل واحد بولايته فلم يرَ عمر أن يوقع القسمة على الصدقة وعلى هذا اتفق أكثر الشراح))(2) .

ويؤكد ذلك بالقول: ((ومعنى فغلبه عليها علي: أي الولاية واستدل بقول عمر:

فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد: فهذا يبین أنّهما اختصام إليه في رأي حدث لهما في أسباب الولاية والحفظ ،فرام كل منهما التفرد به ولا يجوز عليهما أن

ص: 192


1- المصدر نفسه، ص 118 - 119 . وينظر أيضاً: ابن راهويه، مسند ابن راهويه، ج 2/ص 341 ؛ احمد ابن حنبل، مسند احمد، ج 43 /ص 302
2- مرشد المحتار، ص 119

يكونا طلباه بأن يجعله ميراثاً ويرده ملكاً بعد أن كانا سألوه في أيام خلافة أبي بكر وتخليا عن الدعوى فيه فكيف يجوز ذلك والخليفة عمر يناشدها الله تعالى: هل تعلمان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فيعترفان به والقوم الحضور يشهدون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثل ذلك وكذلك طلب علی فإنّه ليس بوارث مع وجود العباس))(1) .

وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقاً على الرغم من أنّنا لا نتفق معه في هذه الرواية، إذ إنّ العباس عمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام عليًّا (عليه السلام) أكبر من أن يختلفا على ذلك، ثم أية ولاية للصدقة يريدانها وهم ممنوعون من الصدقة وتم منعهم من حقهم في الخمس؟ فضلاً عن أنّ الخليفت ني أبا بكر وعمر قد منعا آل بيت محمد (عليهم السلام) من وراثة النبي بدعوى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ الأنبياء لا يورثون، فما جدوى النزاع على الولاية بأي حال.

زيادة على ذلك لو أنّ الإمام علياً (عليه السلام) والعباس يعلمون بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا ويقرّان به، فإنّ ذلك معناه أنّ دعواهما باطلة وحاشاهما أن يكون لهما في الباطل دعوة، فلا سابقة الإمام في الإسلام ولا جهاده بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قدمه في سبيل إعلاء كلمة (لا اله إلّا الله) بالتي تتفق مع تلك الدعوى الباطلة.

وذكر ابن طولون: ((إنّ الأخبار لم تختلف عن علی، أنه لما أفضت إليه الخلافة وخلص الأمر له أجراها على الصدقة ولم يغير شيئاً من سبيلها، قال: ويشبه أن يكون عمر إنّما منعها القسمة احتياطاً ؛ فالصدقة لا تجوز في الأموال المملوكة، ولو سمح له بالقسمة لكان لا يؤمن أن يكون ذلك ذريعة لمن يريد أن يتملكها بعد علی والعباس

ص: 193


1- مرشد المحتار، ص 119

ممّن ليس له بصيرتهما في العلم ولا يقينهما في الدين، فرأى أن يتركها على الجملة التي هي عليها ومنع أن يحول عليهما السهام ،فيوهم أنّ ذلك إنّما كان لرأي حدث منه فيها أوجب اعادتها إلى الملك بعد اقتطاعها عنه إلى الصدقة))(1) .

زواج عمر من أم كلثوم بنت الإمام علي (عليه السلام)

روى (العليمي) أنّ عمر بن الخطاب تزوج من أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمها فاطمة (عليها السلام) سنة 17 ه-/ 638 م(2) ، وكان له من الولد: فاطمة وزيد(3) .

وأشار (ابن عبد الهادي) إلى قصة هذا الزواج بالقول: ((لما خطب عمر أمّ كلثوم بنت علی بن أبي طالب، فقال له علی: إنّها صغيرة، فقال له عمر: زوجنيها يا أبا الحسن، فإنّ أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد؛ فقال له علی: أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها، فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك له، فقال: قولي له قد رضيته، ووضع يده على ساقها فكشفه، فقالت له: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنین لكسرتُ أنفك، ثم خرجت، حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء، فقال: يا بُنيّة، فإنّه زوجك؛ فجاء عمر بن الخطاب إلى مجلس المهاجرين الأوّلین، فقال لهم: زفوني، فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنین؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلّا نسبي وسببي وصهري، وكان لي به السبب والنسب، وأردت أن أجمع إليه الصهر، فزفوه وأصدقها

ص: 194


1- المصدر نفسه، ص 119 - 120
2- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 249
3- المصدر نفسه، ج 1/ص 253

عمر أربعین ألف درهم، فولدت له زيداً ورقية))(1) .

وهي رواية مشكوك بصحتها اجمالاً، فمن غير المعقول أن يعمد الإمام علي (عليه السلام) إلى إرسال ابنته إلى بيت عمر، ولا يمكن لعمر أن يكشف عن ساق أم كلثوم، فهذه ليست من شيم العرب ولا من أخلاقهم. فعلی (عليه السلام) رمز المبادئ والقيم والأخلاق، فهو ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أحرص الناس على عفة وشرف المرأة المسلمة - وغير المسلمة عامة - فضلاً عن أن تكون هذه المرأة ابنته أم كلثوم لأن ذلك بعيدٌ عن الأخ الق العربية المعروفة بعفتها عن أعراض الناس عامة، وأخلاق آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة.

ص: 195


1- الشجرة النبوية، ص 120 ؛ محض الصواب، ج 3/ص 887 - 888 . وينظر أيضاً: ابن المغازلي، مناقب أمر المؤمنن، ج 1/ص 167 ؛ الآجري، الشريعة، ج 5/ص 2201

قضاء الإمام علي (عليه السلام) في عهد الخليفة عمر

1- قضية المرأة التي ولدت لستة أشهر

حفظت لنا المصادر التاريخية الشامية العديد من قصص الحكم التي عرضت للخليفة عمر بن الخطاب وأصدر فيها أحكاما وقضى بها على وفق منظور معین، وفهم للنص بحسب وجهة نظره التي كان يعتقد بصحتها، فاجتهد فيها رأيه وقضى بما كان يعتقد به، إلّا أنّ تدخل الإمام علی (عليه السلام) فيها، واستشارة عمر له في بعضها الآخر أدى إلى تراجع الخليفة عن قضائه فيها والركون إلى حكم الإمام (عليه السلام) بعد تفسيره إياه بصورة جلية وواضحة مستنداً في حكمه إلى القرآن الكريم وفهمه الصحيح لحيثيات القضية التي أمامه. ولعل من أبرز تلك القضايا المرأة التي ولدت لستة أشهر، وكان عمر قد همّ برجمها، فقد علّق (الشامي) على تلك الرواية قال: ((رفع إلى عمر بن الخطاب امرأة ولدت لستّة أشهر، فسأل عنها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علی: لا رجم عليها ألا ترى أنّه تعالى يقول: ﴿«وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا»﴾(1) )، وقال: «وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ»(2)، وكان الحمل ههنا ستة أشهر، فتركها عمر قال: ثم بلغنا أنّا ولدت لستّة أشهر))(3) .

وهذه القضية تعد من القضايا المهمة ؛ لأنّ لها تبعات كثيرة، وهي في نهاية الأمر تتعلق بالفهم الصحيح للقرآن الكريم، وكيفية التعامل مع نصوصه فيام يخص الأحكام والقضايا التي يبنى عليها الفقه الإسلامي، ولعلّ من تبعات هذه القضية، ما يترتب على المرأة لو لم يفهم النص القرآني بالصورة التي وضحها الإمام علي (عليه

ص: 196


1- الأحقاف : 15
2- لقمان : 14
3- سبل الهدى، ج 12 /ص 249

السلام)، إذ أنّا سوف تعتبر زانية وترجم لذلك، والولد المولود سوف يعد ابن زنا وهذا سيحمِّله الكثير من التبعات النفسية والمادية والأخلاقية والاجتماعية، فهو في المجتمع سيتعرض إلى الكثير من النقص لكونه ابن حرام، كما سيحرمه من أن يرث أباه لو كان قدّر له أن يرث، فضلاً عن ازدراء الناس واحتقارهم له، والى غير ذلك من التبعات. فوق كل ذلك إنّه ظلم لإنسان بريء، كل ذلك بسبب الفهم الخاطئ والموروثات الخاطئة التي يحملها الناس في أذهانهم، والتي قد يبنون عليها حكماً خاطئاً يضر ببعض الناس، من دون الالتفات إلى ما جاء في القرآن الكريم من قيمة علمية تدحض هذه الأخطاء وتنظم العلاقات بین الناس على وفق منظور شرعي واجتماعي.

2- قضية المرأة الزانية

والقصة كام رويت: ((أنّ عمر أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم علّی (عليه السلام) فقال: ما هذه؟ قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها علّی من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردّكم؟ قالوا: ردنا عليّ، فقال: ما فعل هذا إلّا لشيء قد علمه، فأرسل إلى عليّ فجاء هو شبيه المغضب، فقال:

ما لك رددت هؤلاء؟ فقال: أما سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى(1) حتى يعقل. قال علّی: هذه مُبتلاة بني فلان، فعلّه أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدري، قال: وأنا لا أدري، فلم يرجمها))(2) .

ص: 197


1- المبتى: هو المبتى ببلية يعدم معها العافية فحينئذٍ يعرف قدرها . الأزهري، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، ج 1/ص 94 . إلا أن المقصود هنا هو المجنون
2- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 604 . وينظر أيضاً: ابن راهويه، مسند ابن راهويه، ج 3/ص 988 ؛ احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 2/ص 266 ؛ ابن ماجه،سنن ابن ماجه، ج 1/ص 658

يتبین من هذه القصة أنّ بعض الأحكام قد تبنى على مجرد تصور غير كامل عن القضية، فالفعل باطل ويستحق العقوبة، إلّا أنّ ما يكمن خلف هذا التصرف قد يرفع العقوبة عن الشخص المسيء، بمعنى أنّ فعل السوء يرتبط بالفرد نفسه، فإن كان لا يدرك ما يفعل سقطت عنه العقوبة، وهم المشمولون بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السابق، الذي استشهد به الإمام علی (عليه السلام)، والفهم الصحيح لهذا الحديث هو الذي أسقط به العقوبة عن تلك المرأة المتهمة بالزنا.

3- حكم طلاق الأَمَة

((أتى عمر بن الخطاب رج الن سألاه عن طلاق الأمة، فقام معهما يمشي حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل، فقال: ما ترى في طلاق الأَمَة(1) ؟ فرفع رأسه إليه ثم أومأ إليه بإصبعيه السبابة والوسطى، فقال لهما عمر: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنین فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومأ إليك؟ فقال لهما: ما تدريان من هذا؟ هذا علّی بن أبي طالب، أشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسمعته وهو يقول: إنّ السماوات السبع والأرضین السبع لو وضعتا في كفّة، ووضع إيمان علّی في كفّة ميزان لرجّح إيمان علّی))(2) .

وهذه القصة توضح مدى اعتماد الخليفة عمر بن الخطاب على الإمام علی (عليه السلام) في القضاء والبت بالكثير من الأمور التي تتعلق بالفقه الإسلامي، وهذا

ص: 198


1- الأمة: نقيض الحرة، وهي المرأة ذات العبودية، والجمع إماء. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 15 / ص 460
2- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 605 . ينظر أيضاً: ابن المغازلي، مناقب أمر المؤمنن، ج 1/ص 354

راجع إلى كون الصحابة يعلمون مدى علم الإمام ويقرون به، وما دلَّ عليه مدح الخليفة عمر له بأن إيمانه يرجح على السموات والأرض ما هو إلّا دليل على ذلك.

4- حكم الإمام في لبن الناقة

روي أنّه كان لعمر ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً، فأنكره، فقال:

ويحك من أين هذا اللبن؟ قال: يا أمير المؤمن ني إن الناقة انفلت(1) عليها ولدها فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله، فقال له عمر ويحك سقيتني ناراً، ادع لي عليّ بن أبي طالب، فدعاه، فقال: إنّ هذا عمد إلى ناقة من مال الله فسقاني لبنها أفتحله لي؟ قال: نعم، هو حلال لك ولحمها(2) .

ص: 199


1- انفلت: الفلتةُ: الأمر الذي يقع من غیر إحكام، يقال: كان الأمر فلتة أي مفاجأة. الفراهيدي، العین، ج 8/ص 122
2- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 2/ص 610

المبحث الثالث: في عهد الخليفة عثمان بن عفان 23 - 35 ه-/ 643 م- 655 م

موقف الإمام علي (عليه السلام) من خلافة عثمان

لما مات الخليفة عمر بن الخطاب اجتمع أهل الشورى وهم: علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، ومضى علي إلى العباس وتكلم معه، فقال له: هذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم له غيرنا، وأيم الله لا نناله إلّا بشر لا ينفع معه خير(1) .

ثم جمع عبد الرحمن بن عوف الناس بعد أن خرّج نفسه عن الخلافة فدعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتین من بعده؟ فقال: أرجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثامن وقال:

((اللهم اسمع واشهد أنّ جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان)) وبايعه(2) .

فقال علي: ((ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثامن إلّا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن))، فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك حجة وسبيلاً، فخرج علي وهو يقول:

ص: 200


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 255 - 256
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 256

سيبلغ الكتاب أجله(1) . وكانت بيعته بالخلافة سنة 24 ه-/ 644 م، ومدة خلافته إحدى عشرة سنة(2) .

ويبدو أنّ الإمام (عليه السلام) لم يكن راضياً بما آلت إليه نتيجة الشورى، وتنصيب عثمان بن عفان خليفة، لأنه كان يرى نفسه الشريفة أحق بالخلافة ممّن سبقوه، وهو ما أكده (عليه السلام) بقوله: ((ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا فيه))، فالأمر كانت له جذور تمتد إلى يوم السقيفة وتنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين على الرغم من كونه أحق بها منه لسابقته ونصرته وجهاده في الإسلام، فضلاً عن علمه وتقواه، وهو ما صرَّح به الخليفة عمر بن الخطاب بقوله: ((إن يولّوها الأجلحَ(3) يسلك بهم الطريق))(4) .

وإنّه (عليه السلام) كان يدرك جيداً أنّ أمر الخلافة لن يؤول إليه، وإنّه كان يشك بنوايا عبد الرحمن بن عوف، وأنّ الأمر لا يعدو اتفاقاً بينه وبین عثمان على تولية عثامن، على أن يقوم عثمان بردها إلى عبد الرحمن، وهو ما يتضح من قوله (عليه السلام): (( والله ما ولّيت عثمان إلّا ليرد الأمر إليك))(5) .

وعلى الرغم من ذلك فقد كان الإمام علي (عليه السلام) أول من حاول الدفاع عن الخليفة عثمان حین حوصر من قبل بعض الناقمین عليه، إذ جاء إليه فاستأذنه في قتال المحاصرين له فقال الخليفة عثمان: ((انشد الله رجلاً رأى لله حقاً وأقرَّ أنّ

ص: 201


1- المصدر نفسه والصفحة
2- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 169
3- الأجلح: الجلح وهو ذهاب الشعر من مقدم الرأس وإذا انحر الشعر عن جانبي الجبهة فهو أنزع، فإذا زاد قليلاً فهو أجلح، وجمع الاجلح: جُلح وجلحان. الازهري، تهذيب اللغة، ج 4/ ص 90
4- ابن عبد الهادي، محض الصواب، ج 3/ص 832
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 256

عليه حقاً أن لا يهريق بسببي ملء محجمة من دم أو يهريق دمه فيَّ))، وأعاد علي عليه القول فأجابه بمثل ما أجابه، فقال علي (عليه السلام): ((اللهم إنّك تعلم إنّا بذلنا المجهود))(1) .

ولم تذكر المصادر الشامية موقف الإمام علي (عليه السلام) من محاصرة عثمان سوى إن الإمام أراد قتال المحاصرين ومساعدة الخليفة عثمان ولكن الخليفة رفض قتال المحاصرين.

قضاء الإمام علي (عليه السلام) في عهد الخليفة عثمان

على الرغم من فرة الحكم الطويلة نسبياً للخليفة عثان، إلّا أنّ المصادر الشامية لم تذكر له قضايا كثرة حكم فيها الخليفة، ولا نعلم سبب ذلك، فضا عن أنّهم أهملوا الجوانب الأخرى في ذلك العصر، فجاءت المعلومات حول قضاء الخليفة عثمان قليلة ولا تتعدى الحادثة الواحدة التي حصلت للمرأة التي ولدت لستة أشهر، وهي القصة التي تكررت أحداثها تقريباً، في عهد الخليفة عمر، فقد روي أنّه ((تزوّج رجل امرأة من جهينة، فولدت له تماماً لستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليّا فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت غلاما لستّة أشهر، وهل يكون ذلك؟ قال عليّ أما سمعت الله تعالى يقول: «وَحَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا»(2) ، وقال «حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ»(3)، فكم تجده بقي إلّ ستّة أشهر؟ فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، عليّ بالمرأة فوجدوها قد فُرغ منها(4) ، وكان من قولها لأختها: يا أخيّة، لا تحزني فو الله، ما كشف فرجي أحد قطّ غیره(5)

ص: 202


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 177
2- الأحقاف : 15
3- البقرة : 233
4- فرغ منها: أي قضى وحكم. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 170
5- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248 - 249

الفصل الرابع:خلافة الإمام علي (عليه السلام) وأبرز الأحداث فيها (35 - 40 ه-/ 655 - 660 م)

اشارة

ص: 203

ص: 204

المبحث الأول: بيعته (عليه السلام) للخلافة

اشارة

لم تقدم المصادر الشامية معلومات وافية عن بيعة الإمام علي (عليه السلام)، ولم تنقل تفاصيل الأحداث التي تلت مقتل الخليفة عثمان بن عفان، كون هذه الأحداث انعكست على تحول موقف الناس في المدينة إلى أن يُقبلوا بأجمعهم إلى الطلب من الإمام القبول بالخلافة، بعد ما أثرت تلك الأحداث على الموقف السياسي العام في المدينة، وتحول الأنظار إلى الإمام علي (عليه السلام)، ولشعور الناس بأنّه المنقذ الحقيقي لهم في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الدولة بعد مقتل عثمان، ووجود أكثر من شخص كان يمنّي نفسه بالخلافة، ولكون الإمام بنظرهم هو الأجدر والأصلح لقيادة الأمة، فقد اتجهت إليه الأنظار. إلّا أنّ المصادر لم تشر إلى كل تلك الأحداث الهامة، واكتفت بالحديث عن البيعة مباشرة دون الدخول بالتفاصيل، ويبدو أنّ السبب في ذلك هو حساسية تلك الأحداث بالنسبة لبعض الشخصيات الإسلامية ومنها على وجه الخصوص الخليفة عثمان.

بويع الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)( بعد قتل عثمان بن عفان يوم الجمعة لخمس بقین من ذي الحجة سنة خمس وثلاثین، جاءت الصحابة وغيرهم إلى دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالوا:

ص: 205

نبايعك فأنت أحق بها، فقال: أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، فأبوا عليه ؛ فأتى المسجد فبايعوه، وقيل: بايعوه في بيته(1) . وأول من بايعه طلحة بن عبدالله، وكانت يد طلحة مشلولة بعد إصابته في معركة أحد، فقال حبيب بن ذؤيب(2) : إنا لله، أول من بدأ بالبيعة يدٌ شلّاء، لا يتم هذا الأمر، وبايعه الزبير والباقون(3) .

وذكر (العليمي) امتناع جماعة من الصحابة عن البيعة، وقد سُمّوا بالمعتزلة لاعتزالهم بيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)(4) . ولم يُسمِّ (العليمي) من امتنع عن البيعة، ولم يعط أية تفاصيل عن هؤلاء كما لم يذكر مواقفهم السياسية تجاه بيعة الإمام، كما لم يتطرق إلى ذكر سبب امتناعهم عن البيعة. ثم ذكر أنه: ((بعد مبايعة الإمام علي(عليه السلام) بأربعة أشهر هرب طلحة والزبير إلى مكة وقالا: إنما بايعنا خشية على نفوسنا))(5) . والإمام علي (عليه السلام) هو أول خليفة من بني هاشم(6) ، ولم يلِ الخلافة بعده مَنْ أمُّه هاشمية غير الأمين العباسي ( 193 - 198 ه-/ 808 - 813 م)(7) .

وقد حُددت خلافة الإمام (عليه السلام) بأربعة سنين وتسعة أشهر(8) .

ص: 206


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 263
2- حبيب بن ذؤيب: وقيل إن اسمه حبيب بن ذؤيب الأسلمي، وهو من بني مالك، وهو صاحب هدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانت له دار في المدينة، وبقي إلى زمن معاوية بن أبي سفيان. ابن سعد، الطبقات، ج 4/ص 241
3- ينظر: العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 263 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 247 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 57 . مع اختاف بالنص
4- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 263
5- المصدر نفسه والصفحة
6- ابن طولون، الأئمة الأثنا عشر، ص 47
7- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 352
8- العليمي، الانس الجليل، ج 1/ص 269

وقد تجنبت المصادر الشامية بصورة عامة الحديث عن الأحداث السياسية التي تلت بيعة الإمام علي (عليه السلام)، ولم تبين الأسباب التي أدت بالبعض إلى رفض بيعة الإمام والخروج عن إجماع الأمة الإسلامية التي بايعته بإجماعها، وقد أشار (العليمي) إلى ما حصل من معاوية ورفضه بيعة الإمام (عليه السلام)، بالقول:

((ووقع بينه وبین معاوية بن أبي سفيان ما هو مشهور ممّا ليس في ذكره فائدة والسكوت عنه أولى))(1) . ويبدو أنّ العليمي تجنب الخوض في ذلك خشية الدخول في مسألة خلافة معاوية بعد أن صالحه الإمام الحسن واستيلائه عليها كونه خرج على إمام زمانه وهذا معناه أنه على باطل في دعواه، لذلك فضَّل السكوت.

وأشار (العليمي) كذلك إلى أن الخلافة في الدولة الإسلامية تنتهي بانتهاء خلافة الإمام الحسن (عليه السلام)، مشيراً إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حین قال: ((الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكاً عضوضاً))(2) ، وكان آخر ولاية الحسن تمام ثلاثين سنة(3) . وقد فصَّل ذلك بالقول: ((لأنّ أبا بكر تقلدها سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وعمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام، وعثمان اثنتي عشر سنة إلّا أثني عشر يوماً، وعلي أربع سنوات وتسعة أشهر، والحسن نحو ستة أشهر، فذلك ثلاثون سنة))(4) .

ص: 207


1- المصدر نفسه والصفحة
2- الأنس الجليل، ج 1/ص 269 . والعضوض: يقال ركية عضوض: أي بعيدة القعر، وزمن عضوض أي شديد، والمعنى أنه يشق عليكم ويجهدكم. نشوان الحمیري، شمس العلوم، ج 7/ ص 4295 . وينظر أيضاً: البزاز، مسند البزاز، ج 9/ص 280 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج 15 /ص 392 ؛ ابن بطة، الإبانة الكبرى، ج 8/ص 205
3- العليمي، الأنس الجليل، ج 1/ص 269
4- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 281

عدالة الإمام علي (عليه السلام) في خلافته

قامت سيرة الإمام علي (عليه السلام) في أثناء فترة خلافته على العدل والمساواة ونبذ الظلم عن الرعية، واتخذ منهجاً سوياً طريقه العدل ونهجه المساواة بین أفراد المجتمع المسلم، ومراعاة أوضاع الناس بشتى طوائفهم ودياناتهم. وقد عبر عن تلك السياسة بما روي عنه بالقول: ((العالم حديقة سياجها الشريعة، والشريعة سلطان تجب له الطاعة، والطاعة سياسة يقوم بها الملك، والملك راعٍ يقصده الجيش، والجيش أعوان يتكفلهم المال، والمال رزقٌ تجمعه الرعية، والرعية سواد يستعبدهم العدل، والعدل أساس يقوم به العالم))(1) .

وهذا النهج من العدل كان مسلك الإمام في تعامله مع الناس، كونه المسؤول الأول في الدولة وعليه تقع مسؤولية إدارتها، والحفاظ على حقوق الرعية من أوليات عمل الإمام (عليه السلام)، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح من خ الل كيفية تعامله مع ما يرد إليه من أموال مختلفة المصادر كانت تشكل إيرادات بيت المال، فكان إذا ورد عليه مال لم يترك منه شيئاً حتّى يقسّمه، وكان يكنس بيت المال ويصليّ فيه، ويقول: يا دنيا غرّي غيري(2) . وكان (عليه السلام) يحرص على أن يكون عماله من الأشخاص أصحاب الدين والأمناء على وظائفهم والسائرين بسيرته في الرعية من حيث إشاعة العدل والمساواة بین الناس، وهو ما عبّر عنه (الشامي) بالقول: ((ولم يخصّ بالولايات إلّا أهل الدّيانات))(3) .

وقد أشار (الشامي) أيضاً إلى أنّ الإمام علياً (عليه السلام) سار لمّا وليّ الخلافة

ص: 208


1- الشيخ علوان، النصائح المهمة، ص 156 - 157
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248
3- المصدر نفسه والصفحة

بسيرة أبي بكر وعمر في القسم والتسوية بین الناس(1) . وهذا الكلام صحيح فيما يخص العطاء وتوزيعه في عهد الخليفة أبي بكر، إلّا أنّه بعيد عن الدقة في عهد الخليفة عمر، فالخليفة الأول سار على النهج نفسه الذي وضعه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يخص العطاء، إذ إنّ الرسول كان يقوم بتوزيعه بالتساوي بین المسلمين من دون تمييز بينهم، أمّا الخليفة عمر فقد قام بتوزيعه على وفق السبق في الإسلام والهجرة والقرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). في حین أعاده الإمام علي (عليه السلام) إلى ما كان عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكان (عليه السلام) يراعي حقوق الناس، ويقدم لهم النصح والإرشاد فيما يخص معايشهم وتنظيم أعمالهم، ومراعاة مصالح الدولة كذلك بما يخدم المجتمع ككل، فقد كان (عليه السلام) يشجع المسلمين على إحياء الأراضي الموات(2) ، وزراعتها لما فيها من فائدة له وللمسلمين عموماً بما تدره من مواد غذائية مختلفة، وكذلك العائد المادي مقابل ما يفرض عليها من أجرة تجبى إلى بيت المال، تسهم في أعطيات المسلمين، وقد روي قول الإمام الصادق (عليه السلام) في ذلك: ((كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضاً من المؤمن ني فهي له وعليه طسقها))(3) .

وكان من أولوياته (عليه السلام) المحافظة على المال العام وتنظيم شؤونه، لاسيما ما يتعلق بالأراضي الزراعية الخراجية، وهي التي تكون عند أهل الذمة، لأن

ص: 209


1- المصدر نفسه والصفحة
2- الأراضي الموات: هي الأرض التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها بوجه من وجوه الانتفاع. قلعجي، معجم لغة الفقهاء، ج 1/ص 55
3- الكركي، قاطعة اللجاج، ص 49 . وطسقها: الطسق: لفظ فارسي معرب، يعني: ما يوضع من الوظيفة عى الجربان من الخراج المقرر عى الأرض. ابن منظور، لسان العرب، ج 10 / ص 225 . وينظر أيضاً: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 23 /ص 7 ؛ ابن زنجويه، الأموال، ج 2/ص 652

الإسلام فرض الخراج على تلك الأراضي ما دامت بحوزتهم، وهم على دينهم، وهذا يشكل مورداً هاماً لبيت المال، وأخذ أمير المؤمنين على عاتقه المحافظة عليه وتنظيم جبايته، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: ((رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل مسلم اشترى أرضاً من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنین (عليه السلام): له ما لنا، وعليه ما علينا، مسلما أو كافراً، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم))(1) .

وهذا يدل على حرص أمير المؤمن ني علي (عليه السلام) على حقوق المسلمين وحمايتها أفراداً وجماعات. فمن له حق يأخذه، ومن عليه واجب يؤديه، وهذا مفهوم دولة العدالة الاجتماعية التي أقرها الإمام (عليه السلام)، وعمل على تطبيق قوانينهاعلى كل أبنائها مسلمين أو غير مسلمين.

فضلاً عن ذلك فقد أكد عليه الإمام الباقر (عليه السلام) حين سُئل عن سيرة الإمام علي في الأرض التي فتحت عنوة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ((إنّ أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين))(2) .

ولم يقف عدل أمير المؤمنین (عليه السلام) عند المسلمين، بل شمل أهل الذمة أيضاً، فقد راعى الإمام وضعهم وكونهم مواطنین لديهم حقوق وعليهم واجبات تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، ولكون حمايتهم واجبة على المسلمين بسبب عقد الذمة المعقود بین الطرفین، ويتضح ذلك من وصيته لعمال الخراج بالرأفة والرحمة بأهل الذمة،وأن لا يتشددوا في جباية الخراج، وأن يأخذوا حق المسلمين فقط دون ظلمهم، ولعل أبرز ما يذكر في ذلك ما رواه مصعب بن يزيد الأنصاري - أحد

ص: 210


1- الكركي، قاطعة اللجاج، ص 51
2- المصدر نفسه، ص 67

عمال الإمام علي (عليه السلام) على الخراج - بقوله: ((استعملني أمير المؤمنین علي ابن أبي طالب (عليه السلام) على أربعة رساتيق(1): المدائن(2) ، البهقباذات(3) ، ونهر سير(4) ، ونهر جوير، ونهر الملك(5) ، وأمرني أن أضع على كل جريب(6) زرع غليظ درهماً ونصفاً، وعلى كل جريب وسط درهماً، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، وعلى كل جريب كرم عشرة، وأمرني أن ألقي على كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق وابن السبيل ولا أخذ منه شيئاً، وأمرني أن أضع الدهاقین(7) الذين يركبون البراذين(8) ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربع ني درهما،

ص: 211


1- رساتيق: الرستاق مفرد وهو الصف، ويقال: رزدق، وهو معرب وأصله بالفارسية رُسته، ويقال رزداق ورستاق، والجمع رساتيق وهي السواد. ابن منظور، لسان العرب ج 10 / ص
2- المدائن: تقع جنوب بغداد، وهي المدينة الكبرى التي كان بها إيوان كسرى. العزيزي، الكتاب العزيزي، ج 1/ص 119
3- البهقباذات: ومفردها بهقباذ، اسم لثاث كور ببغداد من أعمال سقي الفرات منسوبة الى قباذ ابن فیروز والد أنو شروان بن قباذ العادل، منها بهقباذ الاعى وهو ستة طساسيج، والبهقباذ الاوسط وهو اربعة طساسيج، والبهقباذ الاسفل وهو خمسة طساسيج. الحموي، معجم البلدان، ج 1/ص 516
4- نهر سیر: ويقال لها نهر شر: وهي المدينة التي تقع في جانب بساباط المدائن. العزيزي، الكتاب العزيزي، ج 1/ص 119
5- نهر الملك: وهي كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى، يقال أنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة، قيل أن أول من حفره سليمان بن داود (عليها السلام)، وقيل حفره الاسكندر لما خرب السواد. الحموي، معجم البلدان، ج 5/ص 324
6- جريب: بفتح الأول وكسر الراء المهملة، ثلاث آلاف وستمائة ذراع، وقيل أنه ستون ذراعاً في ستين وقيل أن قياسه يختلف باختاف البلدان. الأحمد نكري، دستور العلاء، ج 1/ص 268
7- الدهاقن: الدهقان معرب يطلق على رئيس القرية وعى التاجر، وعلى من له مال وعقار ودالة مكسورة. الفيومي، المصباح المنير، ج 1/ص 201
8- البراذين: مفردها برذون، وهي الدابة، والانثى برذونة، والجمع البراذين، وهي من الخيل ما كان من غير نتاج العِراب. ابن منظور، لسان العرب، ج 13 /ص 51

وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل رجل أربعة وعشرين درهما، وعلى سفلتهم(1) وفقرائهم على كل إنسان منهم اثني عشر درهماً قال: وجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة))(2) .

ولأنّ الفلاحین هم من أكثر الناس تعرضاً للظلم ومصادرة حقوقهم، فقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام (عليه السلام) بالفلاحين خيراً، وأن لا يظلموا حقوقهم، ولا يزاد على ما فُرض عليهم من جزية أو خراج على أرضهم، وأن لا يُستعمل المسلمون في سخرة(3) ، فقد روي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

((أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا عليه السلام عند موته، فقال:

يا علي لا يُظلم الفلاحون بحضرتك ولا يزاد على أرض وضعت عليها، ولا سخرة على مسلم))(4) .

الأثر الفكري للإمام (عليه السلام)

كان الإمام علي (عليه السلام) من العلوم بالمحل العالي(5) ، وذكرت المصادر التاريخية عن علمه (عليه السلام) بصورة مستفيضة، وأوردت روايات كثيرة تتحدث عن فضل هذا العلم، وهو من الأمور المسلم بها نظراً لتواتر الأحاديث عنه، فقد

ص: 212


1- سفلتهم: السفِلة وهو أراذل الناس ومن العرب من يخفف فيقول: السفْلة، ويقال فان من سَفلة القوم إذا كان من أراذلهم. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 12 /ص 298
2- الكركي، قاطعة اللجاج، ص 65
3- سخرة: يسخَّر في العمل بغر أجر ولا ثمن، ويقال هو خادمه. نشوان الحمري، شمس العلوم، ج 5/ص 315
4- المصدر نفسه، ص 90
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 262

ذكرت المصادر الشامية أحاديث عن الرسول (عليه السلام) أكدت على كون الإمام (عليه السلام) أعلم الصحابة وأفقههم، ومن هذه الأحاديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أنا مدينة العلم وعلى بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب))(1) ، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أعطي علي تسعة أعشار(2) العلم، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي، فإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم يعدل عنه إلى غيره))(3) . وقوله أيضاً:

((علي باب علمي ومب ني لأمتي ما أرسلت به من بعدي))(4) .

والحديث عن علم الإمام (عليه السلام) يطول بيانه ويتشعب حديثه، فقد روي: أنّه ما كان أحد يقول سلوني غير علي(5). وكان سؤال الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل والمعضلات مشهور(6) . وورد عن بريدة أنّه حین نزل قوله تعالى: «لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(7) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام): ((يا علي إنّ الله تعالى أمرني أنّ أدنيك ولا أقصيك، وأنْ أعلمك، وأنْ تعي وحق لك أنْ تعي، سألت ربي أنّ يجعلها أذنك، فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا فنسيته))(8) .

ص: 213


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 253
2- أعشار: من العشر وهو الجزء من أجزاء العشرة. ابن منظور، لسان العرب، ج 4/ص 570
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 51
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 254
5- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 51 ؛ الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 248
6- ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 51
7- الحاقة : 12
8- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 249 . وينظر أيضاً: البزاز، مسند البزاز، ج 6/ص 211 ؛ الاجري، الشريعة، ج 4/ص 2094 ؛ ابن المغازلي، مناقب أمير المؤمنين، ج 1/ص 384

وقد أوردت المصادر الشامية أحاديث كثيرة عن الإمام علي (عليه السلام) تؤكد فيها علم الإمام وبراعته، فاستعرضت لذلك نامذج من أقواله، ومن هذه الأقوال:

وصيته لكميل بن زياد، التي تحتوي على وصايا تختلف بمواضيعها وما تنص عليه، فمنها الديني والاجتماعي والعلمي وغير ذلك، ففي الجانب الاجتماعي يؤكد على أصناف الناس إذ قال: ((القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج(1) رعاع أتباع كل ناعق، مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق))(2) .

وهنا نراه (عليه السلام) يصنف الناس إلى ثلاثة أصناف، ويبین أنّ لكل صنف منهم نهج يختلف باختلاف رؤيته ومصلحته، لذا فهو يقدم صورة متكاملة عن الإنسان ووضعه داخل المجتمع، وعلى المسلمين التمييز بین هذه الأصناف.

ثم يعقد (عليه السلام) مقارنة بین العلم والمال، ويبین قيمة العلم لحامله، مقارنةً بالمال، فالعلم يخلد الرجل بعد موته ويُيي ذكره، فيما المال لن يقدم للإنسان شيئاً من ذلك، بل يزول المال بزوال صاحبه. ويعرض الإمام المقارنات الكثيرة بین المال والعلم، فيقدم بذلك صورة رائعة على مقدار الفرق بينهما. فيقول (عليه السلام): ((العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تفنيه النفقة، العلم حاكم، والمال محكوم عليه، ومحبة العالم دين يدان بها العلم، يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة

ص: 214


1- همج: الهمجة من الناس: الأحمق الذي لا يتماسك، والهمج جمع الهمجة، وأصل الهمج في كلام العرب: البعوض، الواحدة همجة، ويقال للرذال من الناس همجٌ هامج. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 6/ص 46
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 265

المال تزول بزواله، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه، وأشار بيده إلى صدره، إن ههنا علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا(1) غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا، فيستظهر لحجج الله تعالى على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقاداً لأهل الحق، لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك(2) في قلبه بأول عارض من شبهة، لاذا ولا ذاك أو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغرى بجمع الأموال والادخار وليسا من دعاة الدين، أقرب شبها بهام الأنعام السائمة(3) ، كذاك يموت هذا العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله عز وجل بحجة الله، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عز وجل عن حججه، حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعونها في قلوب أشباههم،

ص: 215


1- لقنا: القنا: هو الذي يرتفع وسطه من طرفيه وتسمو أرنبته وتدقّ، رجل أقنى وأمرأة قنواء. وقد يوصف بالقنا البازي والفرس، وهو عيب في الفرس ومدحٌ في الصقر. ولقد قيل في أقنى قولان: أحدهما أقنى: أرخى، والآخر: جُعل الغنى أصاً لصاحبه ثابتاً، ومن ذلك قولك: اقتنيت كذا وكذا: أي عملت عى أنه يكون عندي لأخرجه من يدي. وقيل: أقنى: أعطاه ما يدخره بعد الكفاية. الأزهري، تهذيب اللغة، ج 9/ص 237 ؛ ابن سيده، المخصص، ج 1/ص 119
2- اقتدح يقتدح إقتداحاً فهو مقتَدِح ومُقتَدح، واقتدح الأمر: تدبره ونظر فيه، وأقتدح بالزّند: ضرب به حجراً لتخرج النار منه، ويقتدح الشك: أي تدبر الشك في قلبه. عمر، معجم اللغة العربية، ج 3/ ص 1778
3- السائمة: سامت الماشية إذا دخل بعضها في بعض في الرعي، وسام الجراد يسوم سوماً إذا دخل بعضه في بعض، والسوام: الإبل السائمة أي الراعية، وسام الرجل ماشيته يسومها سوماً إذا رعاها. فالأنعام السائمة هي الإبل الراعية ودخل بعضها في بعض في الرعي. ينظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ج 3/ص 11 ؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 2/ص 862

هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا(1) ما استوعر(2) منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه، هاه هاه، شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم))(3) .

وكان (عليه السلام) يوصي كثيراً بالعلم ولزوم التعلم، وقد ورد عنه قوله:

((تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنّما أهله الذين يعملون به، وسيأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره))(4) . وقوله (عليه السلام): ((المرء مخبوء تحت لسانه، تكلموا تعرفوا، ما ضاع أمرؤ عرف قدره)(5) .

وكذلك قوله (عليه السلام): ((العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلم لا يسده إلّا خلف منه))(6)، وقوله (عليه السلام): ((كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأمنه من هو فيه))(7) ، وما ينسب إليه (عليه السلام) شعراً في العلم(8):

ص: 216


1- فاستلانوا: من استلان - يلن - اللنّ ضد الخشونة، وقد لان الشيء يلن ليناً وألينهُ صرَّه ليّناً، ويقال: ألانهُ عى النقصان والتما مثل أطاله وأطوله. وأستلانه أي عدّه ليِّناً، وتلّنَ له تملَّق. فاستلانوا: أي عدُّوه ليّنا وصرّوه ليّناً. الرازي، مختار الصحاح، ج 1/ص 288
2- استوعر من يستوعر استيعاراً فهو مستوعر. واستوعر المكان: عدّه أو وجده وعراً يصعب السیر فيه، وقد استوعر طريق الجبل فاختار طريقاً أسهل. عمر، معجم اللغة العربية، ج 3/ص 2467
3- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 265 ؛ الغزي، الدر النضيد، ص 40 . باختلاف في النص
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 271
5- المصدر نفسه، ج 12 /ص 267
6- الغزي، الدر النضيد، ص 39
7- المصدر نفسه، ص 40
8- المصدر نفسه، ص 44 . وينظر: الجرجاني، أسرار البلاغة، ج 1/ص 265

ما الفخرُ إلّا لأهل العلم إنّهمُ *** على الهدى لمن استهدى أدلاءُ

وقدر كلِّ إمرئ ما كان يُسنُه *** والجاهلون لأهل العلمِ أعداءُ

فَفُز بعلمٍ ولا تجهل بهِ أبداً *** فالناس موتى وأهلُ العلمِ أحياءُ

وينسب له (عليه السلام) أيضاً(1) :

فلا تصحب أخا الجهل *** وإيّاك وإيّاه

فكم من جاهلٍ أردى(2) *** حليماً حن آخاهُ

يُقاسُ المرءُ بالمرءِ *** إذا ما هو ماشاهُ

وللشيء من الشيء *** مقاييسٌ وأشباهُ

وقد جاء عن الإمام علي (عليه السلام) جملة من الآداب أوصى بها الإمام علي (عليه السلام) حملة العلم والمتعلمین، منها قوله (عليه السلام): ((إنّ من حق العالم أنْ لا تُكثِر عليه السؤال ولا تعنته في الجواب، وأنْ لا تلحَّ عليه إذا أعرض، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل))(3) . وكذلك قال (عليه السلام): ((ولا تغمز بعينك غيره، وأن لا تسار في مجلسه، وأن لا تطلب زلته، وإن زلَّ قبلت معذرته، وأن لا تقول: قال فلان خلاف قولك، وأن لا تُفشِ له سراً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تحفظه شاهداً وغائباً، وأن تعم القوم بالسلام، وأن تخصه بالتحية، وأن تجلس بین يديه، وعليك أن توقِّره

ص: 217


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 269 . وينظر: ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج 2/ص 180
2- أردى: يردي إرداءً والمفعول مُردى، أردى فلاناً أي أهلكه، وأرداه الدهر. وأرداه قتياً: أي صرعه، وأردى: أسقطه. عمر، معجم اللغة العربية، ج 2/ص 881
3- الغزي، الدر النضيد، ص 147

لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقتَ القوم إلى خدمته، وأن لا تمل من طول صحبته، إنّما هو كالنخلة ينتظر متى يسقط عليك منها منفعة))(1) . فضلاً عن ذلك كله، كان الإمام علي (عليه السلام) لا ينسى أن يذكر الناس ويعظهم ويرشدهم إلى الطريق السليم في دينهم ودنياهم، وكان للوعظ نصيب في فكر الإمام (عليه السلام)، فهو الموجه والواعظ للناس والمذكر لهم بيوم القيامة والحساب، وأن لا ينسى الإنسان في غمرة انشغاله بأمور دنياه، أمور آخرته، فكان (عليه السلام) كثير النصح لهم، وينقل (الشامي) إحدى تلك المواعظ، إذ يقول (عليه السلام) صعد المن رب بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ((عباد الله، الموت ليس فيه فوت، ثم قال: النّجاء النّجاء(2) ، والرّجاء الرّجاء، وراءكم طالب حثيث، القبر فاحذروا ضغطته ووحشته، ألا وإنّ القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ألّا أنّه يتكلّم في ذلك اليوم ثلالث مرات، فيقول: أنا بيت الظّلمة، أنا بيت الدّود، أنا بيت الوحشة، ألا وإنّ وراء ذلك يوم يشيب فيه الصّغير، ويسكر فيه الكبير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد، ألا وإنّ وراء ذلك ما هو أشدّ منه، نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وخازنها مالك، ثمّ بكى وبكى المسلمون حوله، ثم قال: ألا وإنّ وراء ذلك جنّة عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتقین، أحلّنا الله وإياكم دار النّعيم، وأجارنا وإيّاكم من العذاب الأليم))(3) .

ص: 218


1- الغزي، الدر النضيد، ص 147
2- النجاء: هو الخلاص من الشيء. ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج 7/ص 556
3- سبل الهدى، ج 12 /ص 271

المبحث الثاني: جهاد الإمام في خلافته

اشارة

على الرغم من أنّ بيعة أمير المؤمنین (عليه السلام) كانت بإجماع من حضر من المسلمين في المدينة، ولم يكن هناك اعتراض على ذلك من قبلهم، إلّ أنّ الإمام (عليه السلام) تعرض فيما بعد إلى حملة معارضة قوية بدأها طلحة والزبير، ثم تبعهما معاوية الذي رفض بيعة الإمام وأقنع أهل الشام برفض بيعته ونادى بالثأر من قتلة الخليفة عثمان بن عفان.

ولم تتطرق المصادر الشامية إلى ذكر أسباب رفض هؤلاء للبيعة ومناقشتها، إلا أنها - كام تبدو - لم تكن وليدة لحظتها، وإنّما كانت لها أسباب وجذور متأصلة أهمها الطمع بالخلافة. وهذا ما يدل عليه قول الإمام علي (عليه السلام): ((عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(1) ))(2) . ويفهم

ص: 219


1- الناكثن والقاسطين والمارقن: الناكثن من النكث: نقض العهد، والاسم النكث بالكسر، وقد نكث ينكث، وأراد بهم أهل وقعة الجمل لأنّهم كانوا بايعوه ثم نقضوا بيعته وقاتلوه. وأراد بالقاسطين: المائلین عن الحق، وهم أهل الشام، وبالمارقن، الخارجین عن الدين، وهم الخوارج. مجد الدين بن الأثر، النهاية، ج 5/ص 114
2- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 250 . ينظر أيضاً: أبي يعلى، مسند أبو يعى، ج 1/ص 397 ؛الهيثمي، المقصد العلي، ج 2/ص 380

من ذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر الإمام بأنّه ستكون هناك معارضة شديدة لحكمه بيّنها له، فبعضهم سينكث بيعته، وبعضهم سيميل عن الحق وآخرون يمرقون من الدين. وهذه الفئات الثلاث هي التي شكلت المعارضة السياسية لحكم الإمام علي (عليه السلام) فيما بعد، واحتاجت إلى جهد كبير من أجل القضاء عليها وإخمادها، وعلى الرغم من نجاح ذلك مع الناكثین والخوارج، وتمكن الإمام (عليه السلام) من القضاء عليهم، إلّا أنّ الأمر لم ينجح كلياً مع معاوية وأهل الشام،على الرغم من تحقق النصر العسكري عليهم. وسنستعرض في هذا المبحث أهم المعارك التي خاضها الإمام (عليه السلام) مع معارضيه في فترة خلافته.

حربه مع الناكثين (واقعة الجمل) 36 ه-/ 656 م

بعد مبايعة الناس في المدينة للإمام علي (عليه السلام)، ثم مبايعة الأمصار الإسلامية الباقية له، قام بعض الصحابة بالخروج عن هذا الإجماع لأسباب لم توضحها المصادر الشامية، واكتفت بالتلميح ببعضها الآخر. ومن بین الذين خرجوا عليه أم المؤمنین عائشة ومعها طلحة والزبير، وقد سبق تحذير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها من هذا الخروج، فقد روي إلى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر خروج أحد أمهات المؤمنین، فضحكت عائشة فقال: ((انظري يا حميراء ألا تكوني أنت، ثم ألتفت إلى علی (عليه السلام) فقال: إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها))(1) .

ص: 220


1- الشامي، سبل الهدى، ج 10 /ص 552 . وينظر أيضاً: ابن ماجه، سنن ابن ماجه، ج 2/ص 826 ؛ ابن البيع، المستدرك على الصحيحن، ج 3/ص 129

كما روي قوله أيضاً: ((أيتكنّ صاحبة الجمل الأحمر الأدبب(1) تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب(2) ، يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجو بعدما كادت))(3) .

ولما استقر علي (عليه السلام) في الخلافة، فارقه طلحة والزبير ولحقا بمكة، واتفقا مع عائشة وكانت قد مضت إلى الحج وعثمان محاصر، ولمّا بلغ عائشة قتل الخليفة عثامن اعتظمت ذلك ودعت إلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبدالله بن عامر وجماعة من بني أمية، وجمعوا لذلك جمعاً عظيماً، واتفق رأيهم على المضي إلى البصرة للاستيلاء عليها وقالوا: معاوية بالشام قد كفانا أمرها، وكان عبدالله ابن عمر قد قدم من المدينة فدعوه إلى المسير معهم فامتنع، وساروا وأعطى يُعلى ابن منية(4) أم المؤمنين عائشة الجمل المسمى بعسكر(5) .

وفي طريقهم مرّوا على مكان يسمى الحوأب فنبحتهم كلابه، فسألت عائشة عنه، فقيل لها: هذا ماء الحوأب، ويذكر (العليمي) أنّ عائشة صرخت بأعلى صوتها وقالت:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول وعنده

ص: 221


1- الأدبب: أي كثير الشعر. نشوان الحميري، شمس العلوم، ج 3/ص 1659
2- الحوأب: ماء معروف، وهو قريب من البرة منسوب إلى الحوأب بنت كلب بن وبرة. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 2/ص 1018
3- الشامي، سبل الهدى، ج 10 /ص 552 . وينظر أيضاً: البزاز، مسند البزاز، ج 11/ص 73 ؛ الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج 14 /ص 265
4- يعلى بن منية: هو يعى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظي، يكنى أبا صفوان، ينسب حيناً إلى أبيه وحيناً إلى أمه، أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً والطائف وتبوك، ولاه أبو بكر عى حلوان، وولاه عمر عى بعض باد اليمن. قتل سنة 38 ه- بصفن وكان مع الإمام علي (عليه السلام) بعد أن شهد الجمل مع عائشة. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4/ ص 1585
5- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 263 - 264

بعض نساؤه: ليت شعري أيتكنّ تنبحها كلاب الحوأب؟ ثم ضربت عضد بعيرها وقالت: ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب فأناخوها يوماً وليلة، فقال لها عبدالله بن الزبير(1) : إنّه كذب - يعني ليس هذا ماء الحوأب(2) . وهذا يدل على أنّ عملهم هذا كان مدبراً ومتفقاً عليه، حتى لو اقتضى الأمر أن يعمدوا إلى الكذب.

ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء فقد أدرككم علی بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة واستولوا عليها بعد قتال مع عثمان بن حُنيف(3) وقُتل من أصحابه أربعون رجلاً، وأُمسك عثمان فنُتفت لحيته وحواجبه وسُجن ثم أُطلق(4).

ولمّا بلغ علياً (عليه السلام) مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة، سار نحوهم في أربعة آلاف من أهل المدينة منهم أربعمائة ممّن بايع تحت الشجرة، وثمانمائة من الأنصار، وكان مسيره في ربيع الآخر سنة 36 ه-/ 656 م، ولمّا وصل ذي قار أتاه عثمان بن حنيف، وقال: يا أمير المؤمنین بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد(5) ،

ص: 222


1- عبدالله بن الزبر بن العوام الاسدي، ولد بعد الهجرة بعشرين شهراً وهو أول مولود ولد بعد الهجرة، ادعى الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان. قتل بمكة سنة 73 ه-. ابن أبي الخیر، خلاصة تهذيب الكال، ج 1/ص 197
2- التاريخ المعتر، ج 1/ص 264 . وينظر أيضاً: معمر بن راشد، الجامع، ج 11/ص 365 ؛ ضياء الدين المقدسي، الأحاديث المختارة، ج 12 /ص 160
3- عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي، استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة، كما استعمله الإمام علي (عليه السلام) على البرة قبل الجمل. مات في ملك معاوية بن أبي سفيان. ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، ج 1/ص 383
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 264
5- أمرد: الأمرد هو الذي خداه أملسان لا شعر فيها. الانباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، ج 1/ ص 155

فقال: أصبت أجراً وخيراً(1) .

والتقى الجمعان عند مكان يقال له الخريبة(2) ، وكانت عائشة راكبة الجمل المسمى عسكر في هودج، وقد صار مثل القنفذ من النشاب، وتمت الهزيمة على أصحاب عائشة وطلحة والزبير(3) .

وذُكر أنّ عدد القتلى يوم الجمل من الفريقین بلغ ع رشة آلاف(4) . وقد أسفرت الحرب عن مقتل طلحة بعدما رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله، وكلاهما كان مع عائشة، وذكر (العليمي) السبب بقوله: ((إنّه طلب بذلك أخذ ثأر عثامن منه لأنّه نسبه إلى أنّه أعان على قتل عثامن))(5) .

وهذا يدل على أنّ معسكر عائشة كان غير متوافق في الآراء ومختلفاً بالأهواء، غير متفق ني على شيء إلّا على حرب الإمام علي (عليه السلام)، أمّا رغباتهم فتختلف باختلاف مصالحهم، فلم يكن الهدف من خروجهم الطلب بدم عثامن كما كانوا يقولون، وإنّما كان لكل منهم رغبة في الخلافة من دون صاحبه، ولمّا لم تتحقق رغباتهم وانهزموا في الحرب التجأوا إلى تصفية حساباتهم مع بعضهم.

وذكر (ابن عبد الهادي) أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) دعا طلحة يوم الجمل فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فرجع طلحة عن قتاله واعتزل في بعض الصفوف،

ص: 223


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 264 - 265
2- الخُريبة: بضم أوله عى لفظ تصغر: من أعمال البصرة، سميت بذلك لأن المرزبان ابتناها قراً ثم خُرب فبناها المسلمون وسموها الخريبة. ابن الفقيه، البلدان، ج 1/ص 237
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 265
4- المصدر نفسه، ج 1/ص 266
5- المصدر نفسه، ج 1/ص 265

فرماه مروان بن الحكم بسهم في لبته(1) ، فلم يزل ينزف حتى مات(2). وقد روي أن الإمام عليًّا (عليه السلام) حین طاف على القتلى من أصحاب الجمل رأى طلحة قتيلاً فقال: ((إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لقد كنت أكره أن أرى قريشاً صرعى))(3) .

أمّا الزبير بن العوام، فقد ترك أرض المعركة قبل بدايتها، وذلك لأن الإمام عليًّا(عليه السلام) ناداه وانفرد به وذكَّره أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهام وقد وجدهما معاً - وكان يوجه كلامه للزبير -: ((أما إنّك ستقاتل علياً وأنت له ظالم))(4) ، فذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال، فأتبعه ابن جرموز(5) فقتله بموضع يعرف بوادي السباع(6) وجاء بسيفه إلى علي (عليه السلام)، فقال علي: ((بشِّر قاتل ابن صفية بالنار))(7) .

وتؤكد هذه الروايات التي نقلتها المصادر الشامية في معرض حديثها عن معركة الجمل على أنّ من خرج على الإمام علي في فترة خلافته كان على باطل بدليل حديث

ص: 224


1- لبته: هو موضع القلادة من الصدر. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 1/ص 791
2- الشجرة النبوية، ص 87
3- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 265 - 266
4- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 135 . وينظر أيضاً: ابن البيع، المستدرك عى الصحيحن، ج 3/ص 413 ؛ الكلاباذي، بحر الفوائد، ج 1/ص 147
5- ابن جرموز: وهو ابن جرموز بن عبدالله ويقال عمر ويقال عمرو وقيل عمرة بن جرموز السعدي وهو الذي قتل الزبیر بن العوام في وادي السباع. ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 2/ص 515
6- وادي السباع: هو وادٍ بین البرة ومكة، بينهما خمسة أميال، وهو من نواحي الكوفة، وسمي بذلك نسبةً إلى أسماء بنت دريم بن القین لأن أولادها كان يقال لهم السباع وهم كلب وأسد والذئب والفهد وثعلب وسرحان وبرك وهو الكركدن. الحموي، معجم البلدان، ج 5/ص 343
7- ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 135

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للزبير. وقطعت على خطام(1) الجمل أيدٍ كثيرة، وقتل من الفريقین خلق كثير، ولمّا كثر القتل على خطام الجمل، قال الإمام علي (عليه السلام): اعقروا الناقة، فضربه رجل فسقط فبقيت عائشة في هودجها إلى الليل، فأدخلها محمد بن أبي بكر(2) أخوها إلى البصرة. وقد أنزلها في دار عبدالله ابن خلف(3) . ثم أمر علي (عليه السلام) عائشة بالرجوع إلى المدينة، وأن تقرّ في بيتها؛ فسارت في مستهل رجب وشيعها الناس وجهزها الإمام علي (عليه السلام) بما احتاجت إليه وسيرَّ معها أولاده مسيرة يوم، وتوجهت إلى مكة وأقامت للحج تلك السنة ثم رجعت إلى المدينة(4) .

أمّا الإمام علي (عليه السلام) فإنّه بعد انقضاء المعركة توجه إلى الكوفة ونزلها وانتظم له الأمر بالعراق ومصر واليمن والحرمین وخراسان، ولم يبقَ خارجاً عنه إلّا الشام وفيه معاوية، وأهل الشام مطيعون له(5) .

ص: 225


1- خطام: خطام البعر أنفه، والمراد به أن يؤخذ حبل من ليف أو شعر أو كتان فيجعل في أحد طرفيه حلقة ثم يشد الطرف الآخر حتى يصر كالحلقة، ثم يقاد البعر ثم يثنى عى مخطمه. مجد الدين بن الأثير، النهاية، ج 2/ص 50
2- محمد بن أبي بكر التيمي، ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، وهو أحد من ألَّب على عثمان واقتحم الدار، صاحب أمر المؤمنن علي (عليه السلام) وشهد معه الجمل وصفن، ثم قتل بمر سنة 38 ه-. ابن أبي الخر، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، ج 1/ص 329
3- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 265 . عبدالله بن خلف: بن أسعد بن عامر بن بضاعة بن سبيع بن جثعمة بن سعد بن مليح بن عمرو بن ربيعة الخزاعي وهو والد طلحة الطلحات كان كاتباً لعمر بن الخطاب على ديوان البصرة وأمه جنيبة بنت أبي طلحة العبدري وقتل مع عائشة يوم الجمل وشهد أخوه عثان بن خلف وقعة الجمل مع علي. ابن الأثیر، أسد الغابة، ج 3/ص 120
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 266
5- المصدر نفسه، ج 1/ص 266

حربه مع القاسطين (معركة صفين)

حربه مع القاسطين (معركة صفين)(1)

بعد انقضاء حرب الجمل، واستقرار الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة، بعث جرير بن عبدالله البجلي(2) ليأخذ البيعة على معاوية ويطلب منه الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار، وسار جرير إلى معاوية فماطله، وكان معه عمرو بن العاص بفلسطين واتفقا على قتال علي (عليه السلام))(3) .

ولمّا قدم عمرو على معاوية واتفقا على حرب الإمام (عليه السلام)، قدم جرير بن عبدالله البجلي إلى الإمام علي فأعلمه بذلك، فسار علي من الكوفة إلى جهة معاوية، وسار عمرو ومعاوية من دمشق بأهل الشام إلى جهة الإمام (عليه السلام)، وتأنى معاوية في مسيره حتى اجتمعت الجموع بصفين وخرجت سنة 36 ه-/ 656 م والأمر على ذلك، ودخلت سنة 37 ه-/ 657 م والجيشان بصفين ومضى المحرم ولم يكن بينهم قتال بل مراسلات فقط، ووقعت المعركة في شهر صفر، وكانت بينهم وقعات كثيرة قدرت بتسعين وقعة، وكانت مدة مقامهم في صف ني مئة وعشرة أيام(4) .

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) تقدم إلى أصحابه - قبل القتال - وأوصاهم: ((أن لا تقاتلوهم حتى يبدؤوا هم بالقتال وأن لا تقتلوا مدبراً وأن لا تأخذوا شيئاً من أموالهم، وأن لا تكشفوا عورة))(5) . وذكر (العليمي) أنّ

ص: 226


1- صفن: وهي قرية قديمة بقرب الرقة عى شاطئ الفرات من الجانب الغربي. القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ج 1/ص 214
2- جرير بن عبدالله بن جابر البجي، صحابي مشهور، كان يلقب بيوسف هذه الأمة. مات سنة 51 ه-، وقيل بعدها. ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، ج 1/ص 139
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 266
4- المصدر نفسه، ج 1/ص 267
5- المصدر نفسه والصفة

عدد القتلى بصفین من أهل الشام بلغ خمسة وأربعین ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرين ألفاً منهم ستة وعشرون رجلاً من أهل بدر(1) .

ومن أبرز من قتل في المعركة عمار بن ياسر الصحابي الجليل وكان مع الإمام علي (عليه السلام)، وقاتل قتالاً عظيماً وكان قد نيَّف على التسعين، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال ((تقتل عمار الفئة الباغية))(2) .

ويحمل هذا الحديث دلالة على أنّ أهل الشام ومعاوية هم أهل البغي بدلالة هذا الحديث، ولكونه كان يقاتل مع الإمام علي (عليه السلام)، وأنّ دعوى معاوية بالمطالبة بدم عثمان كانت دعوى باطلة، وخروجه لقتال الإمام كان طمعاً بالخلافة وليس غير ذلك، وما فعله من تأليب أهل الشام وحشدهم لهذا الغرض كان يخفي بین جنباته طمع معاوية بالخلافة، واتخذ من حادثة قتل الخليفة عثمان ذريعة لمطالبه المبطنة تلك بحجة أنّه ولي دم الخليفة المقتول.

ويبدو أنّ مقتل عمار بن ياسر كان قد أخذ مأخذه في عسكر الإمام علي (عليه السلام) وأيقن أصحابه بأنهم على الحق وأنّ أهل الشام على باطل، لما سمعوه من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمار، زيادة على ذلك أنّ مقتل هذا الصحابي الجليل قد شحذ الهمم ووطن النفوس على الشجاعة، فانتدب إثنا عشر ألفاً وحمل بهم الإمام علي (عليه السلام) على معسكر معاوية فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض، ثم تقاتلوا وكانت ليلة الجمعة واستمر القتال إلى الصبح(3) . ويروى أنّ علياً (عليه السلام) كبَّر تلك الليلة أربع مئة تكبيرة، وكانت عادته أنّه كلّما قتل قتيلاً

ص: 227


1- المصدر نفسه والصفحة
2- وينظر أيضاً: ابن الجعد، مسند ابن الجعد، ج 1/ص 183 ؛ ابن أبي شيبة، المصنف، ج 7/ص 552
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 276 - 268

كبرَّ، ودام القتال إلى ضحى يوم الجمعة، ولما رأى عمرو ذلك قال لمعاوية: ((هلم نرفع المصاحف على الرماح ونقول هذا كتاب الله بيننا وبينكم))، ففعلوا ذلك(1) .

وهذه حيلة من عمرو ومعاوية أرادوا بها التخلص من ضربات جيش الإمام علي (عليه السلام) وأن يحولوا موازين القوى لصالحهم بعد أن أنهكتهم بسالة أهل الكوفة وشجاعتهم، وقد نجحت هذه الحيلة، لأنّ أهل العراق لمّا رأوا ذلك قصدوا الإجابة، فقال الإمام علي (عليه السلام): ((امضوا على حقكم وصدقكم في قتال عدوكم))، ثم حاول تنبيههم إلى أنّ هذا الأمر لا يعدو كونه مكراً وخديعة من قبل معاوية وأهل الشام ليوقعوا الخلاف بين صفوفهم، فقال: ((ويحكم، والله ما رفعوها إلّا خديعة ومكيدة ))(2) .

ولما كفُّوا عن القتال فسألوا معاوية لأي شيء رفعت المصاحف؟ فقال: تبعثوا حكماً منكم وحكماً منّا ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله ثم نتبع ما اتفقا عليه، فوقعت الإجابة من الفريقین إلى ذلك(3) .

إلى أنّ الاختلاف بین أصحاب الإمام علي (عليه السلام) لم ينته عند هذا الحد، ووقع اختلاف فيمن يكون حكماً فاستقر الحال على أن يكون أبو موسى الأشعري من جهة الإمام علي (عليه السلام)، وأخرج معاوية عمرو بن العاص(4) .

وتوضح شقة الخلاف ب ني الطرفین بما رواه (العليمي) حول مسألة الاتفاق بين الحكم ني، فقال: ((والتقى الحكامن عند الإمام علي (عليه السلام) وكتبوا بحضوره

ص: 228


1- المصدر نفسه، ج 1/ص 268
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 268
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 268
4- المصدر نفسه والصفحة

كتاباً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى أمير المؤمنین علی، فقال:

عمرو، هو أميركم، وأمّا أميرنا فلا، فقال الأحنف: لا تمسح اسم أمير المؤمنين، فقال الأشعث بن قيس: أمح هذا الاسم، فأجاب علي ومحاه، وقال علي: الله أكبر مشبه بنبيه، وإنّی والله لكاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الحديبية فكتب محمد رسول الله، فقالوا: لست برسول الله ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فأمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمحوه، فقلت: لا أستطيع، فقال: فأرني، فأريته فمحاه بيده، فقال لي: إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب، فقال عمرو: سبحان الله أشبهنا بالكفار ونحن مؤمنون))(1) .

ومن خلال هذا النص يتضح مدى عناد هؤلاء وضلالهم، وأنهم تشبهوا بالكفار يوم الحديبية وعاملوا الإمام (عليه السلام)، كما عامله الكفار من قبل، وأصروا على محو اسم الإمارة كما أصر الكفار على محو النبوة من اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى ذلك في محاولة لتذكير هؤلاء العصاة بما فعل الكفار من قبل، إلّا أنّ تشبثهم بالدنيا وطمعهم فيها جعلهم لا يفكرون في آخرتهم ولا في دينهم.

وأمّا الكتاب الذي كتبوه بينهم فكان ممّا تضمنه: ((هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي علی على أهل الكوفة ومن معهم، وقاضي معاوية على أهل الشام ومن معهم، إنّنا ننزل عند حكم الله وكتابه ونحيي ما أحيا ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله وهما أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص، عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله فبالسنة العادلة، وأخذ الحكمان من علی ومعاوية ومن الجُندين المواثيق أنّهما أمينان على أنفسهما وأهلهام والأمة، فهام أنصار الأمة على الذي يتقاضيان عليه، وأجّلا القضاء إلى رمضان من

ص: 229


1- المصدر نفسه، ج 1/ص 268 - 269

هذه السنة، وإنْ أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه. وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشر ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمین بدومة الجندل فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا في العام المقبل بأذرج))(1) .

ثم سار الإمام علي (عليه السلام) إلى الكوفة ودخلها، ولم يدخل الخوارج معه واعتزلوا عنه، وفي الموعد المحدد لإقرار نتيجة التحكيم، بعث الإمام علي أربعمائة رجل فيهم أبو موسى الأشعري وعبدالله بن عباس ليصلي بالناس ولم يحضر الإمام(عليه السلام)، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل، ثم جاء معاوية واجتمعوا بأذرج وشهد معهم عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير والمغيرة بن شعبة، والتقى الحكامن فدعا عمرو أبا موسى الأشعري أن يجعل الأمر إلى معاوية فأبى وقال:

((لم أكن لأوليه وأدع المهاجرين الأولين))(2) . ودعا أبو موسى عمراً إلى أن يجعل الأمر إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب فأبى عمرو، ثم قال عمرو: ما ترى أنت؟ فقال: أرى أن نخلع علياً ومعاوية ونجعل الأمر شورى بین المسلمين، فأظهر له عمرو أنّ هذا هو الرأي ووافقه عليه(3) . ثم أقبلا إلى الناس وقد اجتمعوا فقال أبو موسى: إنّ رأينا قد اتفق على أمر نرجو به صلاح هذه الأمة، فقال عمرو: صدق، تقدم فتكلم يا أبا موسى، فلماّ تقدم لحقه عبدالله بن عباس وقال له: ويحك والله إني أظن أنه خدعك، إن كنتما قد اتفقنا على أمر فقدمه قبلك فأنا لا آمن أن يخالفك، فقال أبو موسى: إنا قد اتفقنا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((يا أيّا الناس إنّا لم نرَ أصلح لأمر هذه الأمة من أمر قد اجتمع عليه رأيي ورأي عمرو وهو أن نخلع علياً ومعاوية وتستقبل هذه

ص: 230


1- العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 269 . وأذرج: ويقال أذرح بفتح الهمزة وسكون الدال المعجمة وراء مضمومة وحاء مهملة، مدينة من أداني الشام تلقاء الراة، وقيل هي فلسطين، وبينها وبین جربا ثلاثة أيام. القاضي عياض، مشارق الأنوار، ج 1/ص 58
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 270
3- المصدر نفسه، ج 1/ص 270

الأمة الأمر فيولوا منهم من أحبوا وإنّی قد خلعت علياً ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً ثم تنحى))(1) .

ثم قام عمرو فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ((إنّ هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي فإنه وليّ عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه))(2) ، فقال له أبو موسى: ((مالك لا وفقك الله غدرتوفجرت))(3) .

ثم ركب أبو موسى ولحق بمكة حياءً من الناس وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة، وكان هذا الأمر عاملاً في تقوية موقف معاوية بين أهل الشام بخصوص موقفه المطالب بالخلافة(4) .

ومن خلال الروايات التي ذكرناها يتضح أنّ معاوية وعمرو بن العاص بعد أن أعيتهم المواجهة العسكرية مع أهل العراق بقيادة الإمام علي (عليه السلام)، لجأوا إلى الحيلة في تحقيق الانتصار وإشاعة الخلاف بین جند العراق، وهو ما نجحوا فيه بامتياز، لأنّ أفراد جيش الإمام كانت أهواؤهم مختلفة، ومواقفهم متذبذبة، وطاعتهم للإمام علي (عليه السلام) لم تكن كطاعة أهل الشام لمعاوية، لذلك استطاع معاوية فرض إرادته على أهل العراق، ساعده في تحقيق هذا الأمر تسارع بعض أصحاب الإمام إلى تنفيذ مطالب معاوية وتمرير خدعته برفع المصاحف، بفعل عدم فهمهم لأهداف معاوية وقصده منها، حتى أنّهم اختاروا حكماً على شاكلتهم ممّن يجهل

ص: 231


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 270 - 271
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 271
3- المصدر نفسه والصفحة
4- المصدر نفسه والصفحة

مرامي معاوية وعمرو بن العاص وأهدافه، لذلك نراه يخدع بسهولة، ويمر مخطط معاوية بنجاح من خلالهم. بعد ذلك يستثمر معاوية هذا الأمر ليحاول تقوية أمره عن طريق إرسال جيوش من المقاتلین لمهاجمة بعض المدن المهمة الواقعة تحت حكم الإمام علي (عليه السلام)، فقد جهز سنة 38 ه-/ 658 م جيشاً بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر لقتال محمد بن أبي بكر، فقاتله وهزمه، وتمكن من قتل محمد بن أبي بكر وأحرق جثته بالنار، ودخل عمرو إلى مصر وبايع أهلها لمعاوية، ولمّا بلغ عائشة قتل أخيها جزعت عليه وبقيت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص، وضمت عيال أخيها إليها، ولمّا بلغ الإمام علي (عليه السلام) مقتله جزع عليه وقال: عند الله نحتسبه(1) .

وفي سنة 40 ه-/ 660 م، سيرَّ معاوية بسر بن أرطأة(2) في عسكر إلى الحجاز فأتى المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عاملاً للإمام علي (عليه السلام) عليها، فهرب ولحق بالإمام إلى الكوفة، ودخل بسر المدينة وسفك فيها الدماء واستكره الناس على البيعة لمعاوية(3) . سار بعدها إلى اليمن فقتل ألوفاً من الناس، فهرب منه عبيدالله بن العباس عامل أمير المؤمنین علي (عليه السلام) باليمن، فوجد بسر ابنين لعبيدالله فذبحهما(4) .

وتعد مثل هذه الأعمال من الأعمال الوحشية التي يرتكبها إنسان يدعي أنه مسلم

ص: 232


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 271 - 272
2- بسر بن أرطأة: بضم الباء وسكون السین ويقال ابن أبي أرطأة، واسمه عمرو بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام، شهد صفن مع معاوية وكان شديداً على علي وأصحابه، كما قيل بأنه توفي في المدينة أيام معاوية، وقيل توفي في الشام أيام عبد الملك بن مروان. ابن الأثر، أسد الغابة، ج 1/ص 213
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 272 - 273
4- المصدر نفسه، ج 1/ص 273

يقوم بقتل الناس من أجل السلطة، فضلاً عن قيامه بذبح الأطفال ويعد هذا العمل من الجرائم الإنسانية الكبيرة التي لا ترضى بها أي شريعة أودين، إلّا أنّ معاوية وقواده كبسرٍ وعمرو بن العاص فعلوا ما هو أكثر من ذلك طلباً للسلطة، ومخالفة للحق الذي يمثله الإمام علي (عليه السلام).

وبعث معاوية سراياه بالغارات على بعض أعمال علي، فتقوم بنهب الأموال وترجع إليه، وتهزم الناس، وتتابع الغارات على بلاد علي (عليه السلام)(1) ، كل ذلك لأجل إثارة الفزع والخوف بين صفوف الناس في ظل خلافة الإمام علي (عليه السلام). وحین يطلب الإمام علي من الناس أن تخرج لحرب معاوية يتقاعسون عنه ولا يخرجون(2) . وحین كان الإمام علی (عليه السلام) يحاول حض الناس على المسير إلى قتال معاوية يتقاعدون ويقولون: نستريح ونصلح عدتنا(3) .

ولم يكن أمام الإمام علی (عليه السلام) حل لهذا التقاعس من قبل جنوده، ولم يجد له وسيلة وكأنّ الناس قد جزعت من الحرب أو سرى بينهم الخوف، أو انعدمت منهم الطاعة لإمامهم، فكان الإمام (عليه السلام) يقنت بالصلاة ويدعو على معاوية وعلى عمرو بن العاص وغيرهم(4) . وهذا يدل على أنّه لا حيلة للإمام علي (عليه السلام) أمام جزع أصحابه وعدم طاعتهم له، على الرغم من أنّم يعلمون أنّه الأحق بالخلافة والإمام المفترض الطاعة.

وهنا لابد من الإشارة إلى إن حرب الإمام (عليه السلام) في معركة صفین لم

ص: 233


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 272
2- المصدر نفسه والصفحة
3- المصدر نفسه، ج 1/ص 271
4- المصدر نفسه، ج 1/ص 272

تذكرها المصادر الشامية المعتمدة في البحث إلا (التاريخ المعتبر) وكذلك الحال فی معركة الجمل، فقد أشارت إليها المصادر الشامية إشارات بسيطة وقليلة دون ذكر أحداثها بشكل مفصل لأن المدرسة الشامية مدرسة أموية ولا تحبذ ذكر انتصارات الإمام علي (عليه السلام).

حربه مع المارقين (الخوارج) سنة 37 ه-/ 657 م

لم تتطرق المصادر الشامية إلى ذكر حرب الإمام مع الخوارج إلّا بإشارات قليلة وعند مؤرخ واحد، فيما عدا ذلك لم نجد لهذه الحرب ذكراً ولا حتى إشارة عابرة، ولا نعلم السبب في ذلك، فقد أشار (العليمي) إلى أنّه لمّا اعتزلت الخوارج علياً (عليه السلام) دعاهم إلى الحق فامتنعوا وقتلوا كلّ من أرسله إليهم وكانوا أربعة آلاف ووعظهم ونهاهم عن القتال فتفرقت منهم جماعة وبقي مع عبدالله بن وهب(1) جماعة على ضلالتهم وقاتلوا فقُتلوا عن آخرهم، ولم يُقتل من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) سوى سبعة أنفس أولهم يزيد بن نويرة(2) وهو ممن شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غزوة أحد(3) .

ص: 234


1- عبدالله بن وهب : وهو من بني راسب بن مالك بن ميدعان بن نصر بن الأزد، شهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص، ثم كان مع الامام علي في حروبه، فلا وقع التحكيم أنكره الخوارج واجتمعوا بالنهروان وقد أُمر عليهم عبدالله بن وهب، وكان عجباً في كثرة العبادة حتى لُقب ذا الثفنات وذلك لكثرة سجوده. وقد قتل في معركة النهروان. ابن حجر، الاصابة، ج 5/ص 78
2- يزيد بن نويرة: هو أول قتيل قتل من أصحاب علي يوم النهروان وهو من الأنصار، شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة مرتن. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 1/ص 218
3- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 271

المبحث الثالث: استشهاده (عليه السلام) ودفنه وموضع قبره

استشهاد الإمام (عليه السلام)

وردت روايات عدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تؤكد على استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وعظيم جرم قاتله، وهذا يدل على المكانة العظيمة للإمام ومنزلته عند الله سبحانه ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هذه الروايات قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((يا علي ستقتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني))(1) .

وكذلك ورد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): ((من أشقى الناس من الأوّلين؟ قال: عاقر النّاقة(2) ، قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله

ص: 235


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 260 . وينظر أيضاً: المرعشي، شرح إحقاق الحق، ج 5/ص 635
2- عاقر الناقة: هو عاقر ناقة النبي صالح (عليه السلام) وأسمه قُدار بن سالف الذي يُقال له أحمر ثمود، ولهذا سمّت العرب الجزار قُدار تشبيهاً لقُدار عاقر ناقة صالح، وقوم صالح هم ثمود. الجوهري، الصحاح، ج 2/ص 787

أعلم، قال: قاتلك))(1).

ويؤكد (ابن طولون) أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر الإمام عليًّا (عليه السلام) ((بأنه سيقتل، ونقلوا عنه آثاراً كثيرة تدل على أنه علم السنة والشهر والليلة التي يُقتل فيها))(2).

وكان الإمام علي (عليه السلام) كثيراً ما يقول: ((ما يحسب أشقاها، أو ما ينتظر، ثم يقول: لتخضبنّ هذه، ويشير إلى لحيته الكريمة، من هذه، ويشير إلى هامته))(3) .

كما روي عن جابر بن عبدالله أنّه قال: ((إنّك امرؤ مستخلف وإنك مقتول، وإنّ هذه مخضوبة من هذه))(4) .

وهذا كله يشير إلى أنّ الإمام (عليه السلام) كان مطلعاً على وقت وفاته وكيفيتها، وذلك بإخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المتكرر له، وإنّ أهم الأسباب التي تدفع إلى قتله هي مواقفه تجاه الباطل بأشكاله كلها، فكان (عليه السلام) موطّناً نفسه على تقبل ذلك وانتظاره بصبر وشوق إلى لقاء ربه، بعد أن أضنته مواقف أغلب المسلمين المعاندة له والتي كانت تفضل مصالحها الشخصية على مصلحة الإسلام.

ويؤكد ذلك ما روي عن الإمام الحسن (عليه السلام) في الليلة التي استشهد فيها الإمام علي (عليه السلام) إذ قال: دخلت على أبي ليلة قتل صباحها فوجدتّه يصلّی، فلماّ انصرف، قال: يا بنيّ، إنّ بتّ البارحة أوقظ أهلي لأنّها ليلة الجمعة، صبيحة

ص: 236


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 272 . وينظر أيضاً: ابو يعلى، مسند ابي يعلى، ج 1/ص 377 ؛ الهيثمي، المقصد العي، ج 3/ص 191
2- الائمة الاثنا عشر، ص 57
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 272
4- المصدر نفسه، ج 10 /ص 558

قدر لسبع عشرة من رمضان فملكتني عيناي، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمّتك من اللأواء(1) واللدد(2) ؟ فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم من هو شرّ منيّ، قال الحسن: فبينما هو يحدّثني إذا جاء مؤذّنه ابن التياح(3) فأذّنه بالصّلاة، فلما خرج المؤذّن بین يديه، ونادى بالصّلاة اعترضه ابن ملجم))(4) .

وذُكر أنّه كان مع ابن ملجم شخص يدعى شبيب(5)، ضرب الإمام هو الآخر ولم يصبه لأنّ ضربته كانت في الطاق(6) ، وكان سيف ابن ملجم مسموماً، ونادى علّی:

لا يفوتنّكم الرجل، فشد الناس عليهما في كل ناحية فهرب شبيب، وقبض على ابن ملجم، فقال علي (عليه السلام): ((أطعموه واسقوه، فإن عشت فأنا وليّ دمي فإن

ص: 237


1- اللاواء: هي الشدة والبلية. الفراهيدي، العين، ج 8/ص 354
2- اللدد: هو شدة الخصومة. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5/ص 203
3- ابن التيّاح: وقيل هو عامر بن النبّاح، مؤذن عي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد دخل على الامام (عليه السلام) فجر يوم ضرب وقال له الصاة، وروى عن علي (عليه السلام) في المكاتبة حديثاً قال: كاتبت فأتيت علياً فقلت إني قد كاتبت فقال هل عندك شيء، فقلت: لا، فقال: اجمعوا لأخيكم، قال: فجمعوا لي مكاتبتي وفضلت فضلة فأتيت بها علياً فقال اجعلها في المكاتبن. ابن سعد، الطبقات الكرى، ج 6/ص 233
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 273 . ينظر أيضاً: الآجري، الشريعة، ج 4/ص 2105 ؛ اللالكائي، كرامات الاولياء، ج 9/ص 133
5- هو شبيب بن بجرة الاشجعي الخارجي، اشرك مع ابن ملجم في قتل الإمام علي (عليه السلام). الدار قطني، المؤتلف والمختلف، ج 1/ص 251
6- الطاق: هو عقد البناء حيثما كان، والجمع أطواق. ابن سيده، المخصص،ج 1/ص 506 ه-

شئت أن أعفو أو أقتصّ، قال تعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»(1) . .إن متّ فاقتلوه کما قتلنی«وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(2) ))(3) . ولنا أن ننظر إلى مدى تسامح أمير المؤمنین علي (عليه السلام) وعدله حتى مع قاتله، فهو في حاله هذه ويوصي بقاتله خيراً، وأن لا يعتدوا عليه أو يمثلوا به. وواقع الأمر أنّ ذلك ليس بغريب عمن ربّته الرسالة المحمدية، وغذّته يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن نذر نفسه للإسلام فداءً منذ أن شب في بيت الوحي.

وقد روي إنه انتدب ثلاثة من الخوارج هم عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبدالله التميمي(4) ، وعمرو بن بكر التميمي(5) ؛ فاجتمعوا بمكة وتعاقدوا على قتل الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال الآخر: أنا لعمرو، وتعاهدوا أن لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، وتواعدوا ليلة عشرة من رمضان سنة 40 ه-/ 660 م، فتوجّه كلّ واحد إلى المصر الّذي فيه صاحبه الّذي يريد قتله، فضرب ابن ملجم عليّا بسيف مسموم في جبهته، فأوصله إلى دماغه في اللّيلة المذكورة

ص: 238


1- المائدة : 45
2- البقرة : 190
3- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 273
4- الرك: هو الحجاج بن عبدالله من بني سعد بن زيد بن مناة والمعروف بالرك، وهو أول من عارض في التحكيم لما سمع بذكر الحكمین في صفین، وخرج عن الفريقین. الزركلي، الاعام، ج 2/ ص 168
5- عمر بن بكر التميمي: وهو ابو الجعد الضمري من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، اختلف في اسمه فقيل اسمه دارع وقيل جنادة وقيل عمرو بن بكر، قتله عمرو بن العاص سنة 40 ه-.ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4/ص 1620

ليلة الجمعة، ولما ضربه ابن ملجم قال: فزت، وربّ الكعبة(1) .

أما البرك فإنّه ذهب لمعاوية فطعنه بخنجر في إليته وهو قائم يصلي فأخذ وأوقف بین يديه، فقال له: ويلك من أنت؟ وما خبرك؟ فقال له: لا تقتلني فإنا ثلاثة تبايعنا على قتلك وقتل علي وعمرو فاحبسني عندك فإن كانا قتلا فخلي سبيلي فأمر معاوية بقتله فقتل في ذلك اليوم(2) .

في حین انطلق عمرو بن بكر التميمي إلى عمرو بن العاص ليقتله، فوجد خارجة ابن حبيبة(3) صاحب شرطته يصلي بالناس، لتخلف عمرو عن الصلاة لعارض عرض له، فظنّ إنّه عمرو فضربه بالسيف فقتله، فأخذ وأوقف بین يدي عمرو فسأله عن خبره فقص عليه القصة وأخبره أنّ علياً ومعاوية قد قتلا في هذه الليلة، فأمر به أن يقتل، ولما قُدِّم للقتل جزع، فقيل له: أتجزع من الموت وقد قدمت على هذا الفعل؟ فقال: لا والله ولكن يفوز صاحباي بقتل علي ومعاوية ولا أفوز بقتل عمرو، فأمر عمرو ب رضب عنقه وصلبه(4) .

وهذه الرواية تشير إلى إصرار هؤلاء الخوارج وتصميمهم على قتل أمير المؤمنين

ص: 239


1- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 273 - 274 ؛ العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ ص 273 - 275 ؛ ابن طولون، الائمة الاثنا عشر، ص 57 - 58 ؛ ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 86 . مع اختاف في النص
2- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ ص 276
3- خارجة بن حبيبة: هو خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبدالله، أسلم قدياً وصحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم خرج فنزل مر وكان قاضياً لعمرو بن العاص وظل حتى قتله عمرو بن بكر سنة 40 ه-. ابن سعد، الطبقات، ج 7/ص 496
4- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ص 276

علي (عليه السلام) ومعاوية وعمرو بن العاص لأنّهم اعتقدوا أنّهم السبب في شق عصا الطاعة للمسلمين، بينما كان السبب الحقيقي هو أطماع معاوية بالخلافة ومساندة عمرو بن العاص له في مساعيه هذه على حساب المصلحة العامة للإسلام ووحدة الصف المسلم، فالإمام بويع بإجماع من حضر من المسلمين في المدينة آنذاك باستثناء نفر قليل، ثم بدأت أطماع الطامعين في الخلافة تشكل حجر عثرة أمام الإمام في مسعاه لإقامة دولة الحق والعدالة، فبدأ أصحاب الجمل بنكث البيعة، ثم قام معاوية بعدما كان السبب الرئيس في شق صفوف المسلمين برفعه للمصاحف، وانطلاء الحيلة على جمع من أصحاب الإمام ممن لا يفهمون من الإسلام شيئاً، فأغراهم رفع المصاحف بأنّ معاوية يريد حكم القرآن بينه وبین الإمام علي (عليه السلام)، بينما هو يريد أن يشق صفوفهم، وحین امتنع الإمام عن القبول أجبره هؤلاء - ومن ضمنهم الثلاثة عبد الرحمن والبرك وعمرو - على قبول التحكيم، فلاّم جاءت النتيجة غير متوافقة مع فكرهم، انتفضوا على الإمام وحمّلوه مسؤولية هذه النتيجة، وتناسوا أنهم السبب الرئيس في المشكلة، وهذا هو ديدن الجهلاء، فهم دائماً يلقون بالمسؤولية على عاتق غيرهم على الرغم من كونهم المسببين لها.

و تذكر المصادر إن رجلاً من القوم قال: ((ألا تعهد يا أمير المؤمنین؟ قال: لا، ولكن أتركهم كام تركهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(1).

وهذا النص غير دقيق لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الإمام عليًّا (عليه السلام) ولياً من بعده في بيعة الغدير، ولم يترك المسلمين هكذا دون أن يعين لهم من يتولى أمرهم، أما الإمام فلم يجعل من بعده على المسلمين.

ص: 240


1- العليمي، التاريخ المعتبر، ج 1/ ص 275

وصيته للإمام الحسن (عليه السلام)

أوصى الإمام علي (عليه السلام) حین حضرته الوفاة الإمامين الحسن والحسین (عليهام السلام) ((بتقوى الله عز وجل وبالصلاة والزكاة والصيام، وغفر الذنوب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجاهل،، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، وتلاوة القرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، ووصاهما بأخيهام محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظهما ولا يقطع أمراً دونهما، وكتب ذلك كله في كتاب وصيته))(1) .

وقد نقل (الشامي) نص وصية الإمام (عليه السلام) بقوله: ((بسم الله الرحمن الرّحيم، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنّه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(2) ،«قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» «لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»(3) ،أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم، وطاعته، وحسن عبادته، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(4) ،«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(5) ، فإنّی سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: صلاح ذات البین أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام وانظروا إلى

ص: 241


1- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 274
2- التوبة : 33
3- الأنعام : 162 - 163
4- آل عمران : 102
5- آل عمران : 103

ذوي رحمكم فصلوهم ولا تبغوا الدّنيا، ولا تبكوا على ما زوى(1) عنكم منها، وقولوا الحقّ وارحموا اليتيم، وكونوا للظّالم خصما، وللمظلوم نصرا، واعملوا بام في كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله ولا يأخذكم في الله لومة لائم، ثمّ ليهون عليكم الحساب، الله الله في الصّلاة، فإنّها عمود دينكم، والله الله في الجهاد في سبيل الله تعالى بأموالكم وأنفسكم، الله الله في الزّكاة فإنّا تطفئ غضب الرّبّ، والله الله في ذرّيّة نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بأهل بيته وأصحابه، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم ولا تخافنّ في الله لومة لائم، يكفكم الله- عز وجل- من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، كما أمركم الله- عز وجل-، ولا تتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فيولي الأمر لشراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وعليكم بالتّواصل والتّباذل، وإِيَّاكم والتَّدابُر والتَّقَاطع والتَّفَرُّق «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2)، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم بيتكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم ينطق إلّا بلا إله إلّا الله، ولمّا احتضر جعل يكثر من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا إله إلّا الله لا يقول غيرها حتى قبض، وهو ابن ث الث وستّين سنة، وقيل إنّ آخر كلامه: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ» «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ »(3) )(4) .

ص: 242


1- زوى: هو أصل يدل على إنضام وتجمع، يقال: زويت الشيء: جمعته، ومعنى ما زوى عنكم: أي ما جمع وقبض. ينظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 3/ص 34
2- المائدة : 2
3- الزلزلة : 7- 8
4- سبل الهدى، ج 1/ص 274 - 275

أمّا مصير ابن ملجم فقد أشار(العليمي) إلى أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) صلى الفجر - بعد وفاة الإمام علي (عليه السلام)- وصعد المنبر فأراد الكلام فخنقته العبرة ثم انطلق فحمد الله وأثنى عليه واحتسب عند الله مصابه ووعظ ثم أطرق فبكى الناس بكاءً شديداً ثم نزل (عليه السلام) فجرد سيفه ودعا بابن ملجم ثم قام إليه فضربه بالسيف فاتقاه ابن ملجم بيده ثم أسرع فيه السيف فقتله(1) .

وقد أشار (العليمي) أيضاً إلى روايات أخرى بخصوص مقتل ابن ملجم، منها إنَّ عبدالله بن جعفر قال: ((دعوني حتى أشفي نفسي منه، فقطع يديه ورجليه وأحمى مسامراً حتى صار كالجمرة ثم أكحله به ثم إنّ الناس أخذوه فدرجوه في بواري ثم طلوها بالنفط وأشعلوها بالنار))(2) .

ويبدو لنا أنّ هذه الرواية بعيدة عن الواقع، كون أهل البيت (عليهم السلام) لا يمكن أن يُقدموا على التمثيل بأسير في أيديهم لأنّ هذا العمل ينافي تعاليم الدين الحنيف ووصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن أنّا ضد وصية الإمام علي (عليه السلام)، وقد كان أوصاهم بالرفق فيه وإطعامه، وإذا قتل فضربة بضربة، فكيف يُقدم عبدالله بن جعفر على مخالفة وصية عمه (عليه السلام).

تاريخ وفاة الإمام (عليه السلام)

اختلفت المصادر الشامية فيما بينها بخصوص الليلة التي توفي بها ومقدار عمره الشريف، فقد ذكر (الشامي) ثلاثة تواريخ ولم يرجح بينهام، فقال بأنّ الإمام (عليه السلام) توفي ليلة الأحد السابع والعشرين، وقيل التاسع والعشرين، وقيل التاسع

ص: 243


1- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 275 - 276
2- المصدر نفسه، ج 1/ص 276

عشر من رمضان سنة أربعین للهجرة(1) . فيما ذهب (العليمي) إلى القول بأنه (عليه السلام) توفي ليلة الأحد تاسع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة(2) .

وذهب (ابن طولون) إلى القول بوفاته (عليه السلام) في ليلة الأحد التاسع عشر من رمضان(3) .

وذكر (ابن زهرة() أنّ ابن ملجم ضربه ليلة التاسع عشر من رمضان، وقُبض (عليه السلام) في الليلة الحادية والعشرين منه ودفن ليلاً في الغري(4) .

والملاحظ من هذه الروايات أنّ أكثر المصادر ذهبت إلى أن وفاته كانت ليلة الأحد التاسع عشر من رمضان من سنة أربعین للهجرة.

ويبدو أنَّ الرأي الراجح إنَّ ليلة الأحد التاسع عشر من رمضان هي ليلة وفاته لأنَّ أغلب المصادر الشامية ذكرت ذلك وأكدته.

أمّا تقدير عمره الشريف فقد كان محل اخت الف بين المؤرخین الشاميين، فقد ذكر (ابن طولون) عدة تواريخ منها أنّ عمره الشريف سبع وخمسون سنة، وثمان وخمسون، وثلالث وستون، وخمس وستون، وتسع وستون، إلّا أنّه رجح أن يكون ثلاثة وستين

ص: 244


1- سبل الهدى، ج 12 /ص 275
2- الأنس الجليل، ج 1/ص 269
3- الأئمة الاثنا عشر، ص 58
4- غاية الاختصار، ص 159 - 160

عاماً، قائلاً: إنّه الأصح(1) . والى ذلك ذهب (الشامي)(2) و(العليمي)(3) ، فيما ذكر (ابن عبد الهادي)، أن عمره الشريف كان ثماناً وخمسین سنة(4) .

ويبدو لنا أنّ الرأي الراجح هو أنّ عمره الشريف هو ثلالث وستون سنة، لأنّ أغلب المصادر ذكرت ذلك ومالت إليه.

تغسيل الإمام (عليه السلام) ودفنه وموضع قبره

أشارت أغلب المصادر الشامية إلى أنّ من تولى غسّل الإمام علي (عليه السلام) هما ابناه الحسن والحسین (عليهام السلالم)، وعبد الله بن جعفر ((وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، وكان عنده شيء من حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى أن يحنّط به فحنّطوه به- وصلّ عليه الحسن، ودفن في الكوفة عند قصر الإمارة، وغمّي قبره))(5) .

واختلفت الروايات في موضع قبره الشريف، فذكر (العليمي) روايات عدة منها: أنّ الإمام دفن مما يلي قبلة المسجد بالكوفة، أو عند قصر الإمارة، وذكر أيضاً أنّ الحسن (عليه السلام) حوّله إلى المدينة ودفنه بالبقيع عند قبر زوجته فاطمة (عليها

ص: 245


1- الائمة الاثنا عشر، ص 58
2- سبل الهدى، ج 12 /ص 275
3- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 275
4- الشجرة النبوية، ص 169
5- ينظر: الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 275 ؛ ابن طولون، الأئمة الاثنا عشر، ص 58 . وينظر أيضاً: ابن عبد الهادي، الشجرة النبوية، ص 169 ؛ العليمي، التاريخ المعتر، ج 1/ص 275 . مع اختلاف بالنص

السلام)، كما ذكر أن موضع قبره هو المشهور بالنجف وهو الذي يزار اليوم(1) .

كما أشار ابن زهرة إلى الاختلاف في موضع قبره (عليه السلام)، إلّا أنّه رجح أن يكون في الموضع المشهور الذي يزار فيه اليوم(2) ، وأكد ذلك في رواية عن عبدالله بن جعفر إنّه سُئِل: ((أين دفنتم أمير المؤمنین، قال: خرجنا حتى إذا كنا بظهر النجف دفنّاه هناك))(3) .

كام ذكر (الشامي) رواية مفادها: ((إنّ عليّا صبر في صندوق وكثّروا عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلماّ كان ببلاد طّيء أضلّوا البعير ليلا، فأخذته طّيء ودفنوه، ونحروا البعير، ثم حولوا قبره بعد ذلك، وقيل: وأول من حوّل من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب))(4) . وهذه الرواية يصعب تصديقها كونها تدل على تغافل وعدم اهتمام آل البيت (عليهم السلام) بالجنازة وأمير المؤمنین وبقية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما لا يمكن تصوره منهم.

إلّا أنّ الراجح من هذه الروايات أنّ موضع القبر الشريف حيث محله اليوم وهو قبلة الزائرين ومحط رحالهم، لتواتر الأخبار الكثيرة عنه في المصادر الشامية والتي ذكرنا بعضها.

ص: 246


1- التاريخ المعتبر، ج 1/ص 275
2- غاية الاختصار، ص 160
3- المصدر نفسه والصفحة
4- سبل الهدى، ج 12 /ص 275

إخفاء موضع القبر الشريف وإظهاره

لقد عُفّي قبر الإمام علي (عليه السلام) إلى أن ظهر حيث مشهده الآن(1) ، وقد ثبت أنّ الأئمة زين العابدين علي بن الحسین وجعفر الصادق وابنه موسى (عليهم السلام) زاروه في هذا المكان، ولم يزل القبر مستوراً لا يعرفه إلّا خواص أولاده وممّن يثقون به بوصية كانت منه لما علمه من دولة بني أمية من قبح اعتقادهم بعداوته وما ينتهون إليه من قبح الفعال والمقال بام تمكنوا من ذلك، فلم يزل قبره مخفياً حتى كان زمان الخليفة هارون العباسي ( 170 - 193 ه-/ 786 - 808 م) فإنّه خرج ذات يوم إلى ظهر الكوفة يتصيد هناك حمراً وحشية وغزلان فكان كلّما ألقى الصقور والكلاب عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك فترجع عنها الصقور والكلاب، فتعجب هارون من ذلك ورجع إلى الكوفة وطلب من له علم بذلك فأخبره بعض شيوخ الكوفة أنه قبر أمير المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيحكى أنّه خرج ليلاً إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي وأبعد أصحابه عنه وقام يصلي ويبكي ويقول:

يا ابن عمي والله إنّ لأعرف فضلك ولا أنكر حقك، ولكن ولدك يخرجون عليّ ويقصدون قتلي وسلب ملكي إلى أن قرب الفجر وعلي بن عيسى نائم، فما أن قرب الفجر أيقظه هارون وقال له: قم فصل عند قبر ابن عمك، قال وأي ابن عمي هو؟ قال: أمير المؤمنین علي بن أبي طالب، فقام علي بن عيسى فتوضأ وصلى وزار القبر، ثم إنّ هارون أمر فبنى عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله، إلى أنّ كان زمن عضد الدولة ابن بويه الديلمي ( 338 - 372 ه-/ 949 - 982 م) فعمره عمارة عظيمة وأخرج على ذلك أموالاً جزيلة، وعيّن له أوقافاً(2) .

ص: 247


1- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 160
2- المصدر نفسه، ص 160 - 161

ووصف ابن زهرة شكل عمارته وأسلوب بنائه فقال: ((ولم تزل عمارته إلى سنة 753 ه-/ 1352 م، وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة، وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن، وقد بقي من عامرة عضد الدولة قليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق))(1) .

فيما أشار (العليمي) أنّ عضد الدولة البويهي هو الذي أظهر قبر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة، وبنى عليه المشهد وأوصى بدفنه فيه، ويذكر أنّه حین مات دفن ببغداد ثم نقل إلى الكوفة ودفن بالمشهد الشريف(2) .

رثاؤه (عليه السلام)

إنّ فقدان شخص كأمير المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لابد وأن يترك في نفوس الكثيرين ألماً وحسرة كبيرة، فقد روي أنّ أبا الأسود الدؤلي(3) ارثى الإمام عليّا (عليه السلام) بقصيدة قال فيها(4) :-

ص: 248


1- ابن زهرة، غاية الاختصار، ص 161
2- التاريخ المعتبر، ج 3/ص 112
3- هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حِلس الدؤلي، من سادات التابعن وأعيانهم، صحب الإمام عليًّا (عليه السلام) وشهد معه وقعة صفن، وهو أول من وضع قواعد علو النحو، وقيل إنّ علياً (عليه السلام) وضع له الكلام على ثلاثة أضرب اسم وفعل وحرف، ثم دفعه إليه وقال: تمم على هذا. توفي بالبصرة سنة 69 ه- بالطاعون الجارف وعمره 85 سنة. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 7/ص 69
4- الشامي، سبل الهدى، ج 12 /ص 276 . وينظر أيضاً: النويري، نهاية الأرب، ج 20 /ص 216

ألا يا عینُ ويحكِ أسعدينا *** ألا تبكي أمر المؤمنينا

وتبكي أمُّ كلثومٍ عليه *** بعبرتها وقد رأت اليقينا

ألا قُلْ للخوارجِ حيث كانوا *** فلا قُرَّت عيون الحاسدينا

أفي شهر الصّيام فجعتمونا؟ *** بخیرِ النّاس طرّا أجمعينا

قتلتم خیرَ من ركِبَ المطايا(1) *** وذلّلها، ومن ركب السّفينا

ومن لبس النّعال ومن حذاها *** ومن قرأ المثاني والمبينا)(2)

وكلّ مناقب الخرات فيه *** وحبّ رسول ربّ العالمينا

لقد علمتْ قريشٌ حيث كانت *** بأنك خيرهم حسباً ودينا

إذا استقبلتَ وجهَ أبي حسینٍ *** رأيتَ البدرَ فوقَ النّاظرينا

وكنّا قبلَ مقتلِهِ بخرٍ *** نرى مولى رسول الله فينا

يقيمُ الحقَّ لا يرتاب فيه *** ويعدل في العدى والأقربينا

وليس بكاتم علما لديه *** ولم يخلق من المتكبرينا

كأنّ النّاس إذ فقدوا عليا *** نعامُ(3) حار في بلدٍ سنينا

فلا تشمت معاوية بن صخر *** فإنّ بقيّة الخلفاء فينا

وقل للشامتينَ بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا

ص: 249


1- المطايا: هو البعير الذي يمتطى ظهره وجمعه المطايا. الازهري، تهذيب اللغة، ج 14 /ص 32
2- المثاني: هي آيات فاتحة الكتاب، وقيل هي سور أولها البقرة وآخرها براءة، وقيل أن القرآن كله مثاني لأن القصص والأنباء تثنى فيه، والثني ضم واحد إلى واحد. الفراهيدي، العن، ج 8/ص 243
3- النعام: أسم يلزم الإبل خاصة، يذكر ويؤنث. ابن دريد، جمهرة اللغة، ج 2/ص 953

ص: 250

الخاتمة وأهم الاستنتاجات

اشارة

من المنصف القول إنّهُ على قدر المشقة التي واجهتنا في كتابة هذه الرسالة فقد وجدتُ سروراً خاصاً بالكتابة عن الإمام علي (عليه السلام) وهو شرف كبير، والبحث عن شخصيته بجدية وحرص، ومحاولة تقديم شيء جديد وإنّ كان بسيطاً فهو لذة علمية لا أجد ما يماثلها شيء، فقد كرست هذه الرسالة لدراسة حياة الإمام علي (عليه السلام) في المصادر الشامية في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وما يتصف به من خلق رفيع ينم عن هذه الشخصية العظيمة التی جسدت أروع ملاحم البطولة والتضحية في سبيل الإسلام، وهي الأكثر تميزاً ونتاجاً بعد عقلية وشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد توصل البحث إلى جملة من النتائج أهمها:

1. نشأ الإمام (عليه السلام) في ظل أسرة عظيمة اتسمت بآداب سامية، وتربى في بيت النبوة، ونشأ قوي البنيان صبوراً وشجاعاً، وذا عقيدة ثابتة، وفكر إسلامي متنوّر ممّا جعله يرتقي نحو مكارم الأخلاق ؛ فاتصف بالفضائل والخصائص التي جاءت في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة وكلام الماضين.

2. بيّنت المصادر الشامية إنّ شخصية الإمام (عليه السلام) أدت دوراً كبيراً في مسيرة الإسلام ولاسيَّما في المراحل الأولى ؛ فهو من المؤمنين الأوائل الذين وقفوا بجانب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وساندوه في بناء دولة الإسلام الجديدة، فضلاً عن ورود كثير من النصوص التي تشير إلى أنّه أوّل من أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واعتنق الإسلام منذ صباه ونعومة أظفاره.

ص: 251

3. أشارت أغلب المصادر إلى إنَّ الإمام علياً (عليه السلام) هو الحد الفاصل بین الإيمان والنفاق، وهذا واضح في أنّه لا يحب الإمام (عليه السلام) إلّا مؤمن، ولا يبغضهُ إلّا منافق، كما نصّ على ذلك حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)

4. أكدت المصادر الشامية أنَّ الإمام (عليه السلام) كان على قدر كبير من قوة العلم، وسعة الاطلاع إذ كان له إلمام بالقرآن وعلومه، وكان من أحد كتاب الوحي وحفاظه، وله اهتامم بالسنة، وهذا ما ورد في أحاديث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كون الإمام علي (عليه السلام) من أعلم الصحابة وأفقههم من ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فيأت الباب).

5. أكدت مصادر القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي على أنّ زواج الإمام علي (عليه السلام) من السيدة فاطمة الزهراء إلهي، وجاء بأمر من السماء وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الزواج عن طريق جبرائيل، وذلك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله عقد فاطمة لعلي في السماء.

6. أشارت مصادر القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي بأن الإمام علياً (عليه السلام) هو الامتداد الطبيعي والشرعي للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أطدّت على ذلك آية المباهلة وأمر رسول الله بسدّ الأبواب المشرعة في المسجد، وترك باب علي (عليه السلام).

7. الإمام (عليه السلام) لم يكن رجلاً سياسياً وإدارياً فحسب ؛ بل هو رجل عسكري لا مثيل له، وذلك بوضعه خططاً ستراتيجية عسكرية ناجحة، فقد شارك في كل المعارك مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا غزوة تبوك، وإنّ راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لدليل على بسالته وشجاعته، وإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قبل بدء المعركة يرفع يده بالدعاء له ويشايعه، ويعممه، ويعطيه السيف، ولم يذكر المؤرخون الشاميون أنّ أمير المؤمنين قد فر من إحدى المعارك،

ص: 252

فقد كان كراراً غير فرار، ويدافع عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الوقت الذي يفرّ فيه قسم من الصحابة كما في معركة أحد. إذ حقق الإمام (عليه السلام) الانتصارات في كل المعارك التي خاضها ضد أعداء الإسلام.

8. لم تلتزم الأمة الإسلامية بوصايا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاسيما فيما يخص من يخلفه، فحدث الانقلاب الخطير الذي ما زالت تبعاته تلقى على الأمة الإسلامية بضلالها ؛ فكان موقف الإمام (عليه السلام) الصبر على ما حصل، ولم يعمل على شق عصا المسلمين، ونراه صابراً يقدم النصح والمشورة، وكان هذا واضحاً من خلال وقوفه إلى جانب الخلفاء في كل صغيرة وكبيرة، وهم - أي الخلفاء - لم يستغنوا عن علمه لأنّه باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب إذا وقعت تحت يديه قضية من معضلات القضايا قال: ادعوا لي علياً وقال: لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن، وكذلك الخليفة عثمان كان يأخذ أحكام الإمام (عليه السلام) الإلهية - لأنها مستمدة من القرآن والسنة.

9. إنَّ الإمام علياً (عليه السلام) لم يطلب الخلافة يوماً، ولم تغرهِ أبداً، وكان هدفه الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي، علماً بأنّ المصادر الشامية لم تذكر الأحداث التي سبقت بيعة الإمام (عليه السلام)، والظروف التي المَّت بالأمة الإسلامية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، سوى البيعة للإمام (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويمكن القول بأنّ الحقبة التي حكم بها أمير المؤمنین (عليه السلام) كانت من أصعب الحقب التاريخية التي مرّت بها الدولة الإسلامية، فهي صعبة وغير مستقرة، وفيها كثير من الاضطرابات المتمثلة بحرب الجمل، وصفین، وقتال الخوارج في النهروان، وقد أدَّت إلى إعاقة الإمام (عليه السلام) عن تطبيق مشروعهِ الإصلاحي للدولة، لكنه بالرغم من ذلك استطاع أن يخلق النموذج المثالي لإدارة الدولة من

ص: 253

خلال تشريعاته، وقوانينه المستمدة من حكم القرآن والسنة النبوية الشريفة. ولهذا كان الإمام (عليه السلام) النموذج الأمثل في إدارة الدولة، وحقق الحكم الإلهي في مقاومة الظلم، وكان يوصي أمراء جيشه أن لا يجهزوا ولا يبدءوا القتال حتى يبدأه الخصم، ولا يأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا يكشفوا عورة، ولا يجهزوا على جريح، ولا يتعرضوا لطفل أو امرأة أو شيخ.

10 . قامت سيرة الإمام علي (عليه السلام) خلال فترة خلافته على العدل والمساواة، فاتخذ منهجاً سوياً بین أفراد المجتمع المسلم، ومراعاة الناس بشتى طوائفهم ودياناتهم، وكانت سياسة الإمام (عليه السلام) المالية تمثل سياسة الرجل الاقتصادي البارع بوضع خطط لاستثمار موارد الدولة، وتنميتها، وإدارة عطائها، وهي سياسة مالية رصينة أحيت الوضع الاقتصادي في الدولة في عهده، وكان ذلك واضحاً من خلال تعاملهِ مع ما يرد إليه من أموال مختلفة المصادر تشكل إيرادات بيت المال، إذ لم يترك منها شيئاً حتى يقسمه ويكنس بيت المال، وكان يشجع المسلمين على إحياء الأراضي الموات، وزراعتها، وبادر (عليه السلام) إلى المحافظة على المال العام وتنظيم شؤونه ولاسيما ما يتعلق بالأراضي الزراعية الخراجية.

11. اعتمدت المصادر الشامية في سرد سيرة الإمام علي (عليه السلام) على أسلوب الاختصار والإيجاز في ذكر الحوادث والأحوال لتصل المعلومات إلى القارئ بسهولة ويسر، ظنّاً من المؤرخین إنّها ذكرت في المصادر المتقدمة فلا حاجة إلى ذكرها بسرد مطول وشرح تفصيلي.

12 . لقد استهوت الباحثة على وجه الخصوص كتابات المؤرخ محمد بن يوسف الشامي لأنهُ كتب عن الإمام (عليه السلام) بشكل يختلف عن أقرانه الآخرين، وذلك برواية أحاديث كثيرة للرسول تشيد بفضائل وبطولات ومناقب الإمام التي أحجمت عنها المصادر الأخرى، وأعطاهُ المنزلة والمكانة التي يستحقها،

ص: 254

وعلى الرغم من أنّ هؤلاء المؤرخین الشاميين قد تحدثوا عن جوانب مختلفة تخص الإمام (عليه السلام) وفضائله، وأثره العلمي، وحروبه، وغزواته، ودوره في الإسلام ومساندته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووقوفه إلى جانبه في محن كثيرة تعرضت لها الدولة الإسلامية إلا أنّهم أشاروا بإشارات بسيطة إلى جوانب أخرى كانت تشكل الأهم في حياة الإمام (عليه السلام)، وهي حروب الجمل وصفین، علماً بأن المؤرخ الوحيد الذي ذكر هذه المعارك (الجمل وصفين والخوارج) وتعرض لها بشكل تفصيلي هو مجير الدين العليمي في مصنفه التاريخي (المعتبر في أبناء من غبر). وقد اضطر الإمام (عليه السلام) إلى خوض مثل هذه المعارك في حال لم يكن يرغب فيه بحرب أو قتال ضد الذين خرجوا عليه.

13 . ولابد من الإشارة إلى أن الجوانب الكثيرة من المعارك والأحداث التي خاضها الإمام في الدورين المكي والمدني قد غيَّبتها مصادر القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وذلك لأن مذاهب مؤرخي القرن العاشر ومدرستهم الأموية هي التي حددت ووجهت كتاباتهم بهذا النمط. ولم يوجد مصدر واحد من بین هذه المصادر خاص بالإمام عن حياته، سيرته، معاركه...الخ، فهي كتب تتحدث عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن سيرة شخصيات أخرى من الصحابة والتابعین وتم اقتضاب نصوص تخص الإمام من تلك المصادر.

14 . وبالرغم من ذلك وشحّة وتقصير المصادر الشامية في سردها لحياة الإمام (عليه السلام) بكل جوانبها ومناحيها فقد أنتجت صورة لامعة ومشرقة للإمام بصفاته وفضائله الأخلاقية ونبوغه الفكري والاقتصادي والقضائي والعسكري وأدواره الاستثنائية في رفع راية الحق في دولة وضع حجرها الأساس وأقام بنيانها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا نصر يضاف إلى انتصارات الإمام ويسجل بأروع وأبهى حلة في صفحات التاريخ الإسلامي.

ص: 255

صورة

ص: 256

صورة

ص: 257

صورة

ص: 258

قائمة المصادر والمراجع

* القرآن الكريم

أولاً : المخطوطات

* الشيخ علوان، علي بن عطية بن الحسن الهيتي الحموي (ت 936 ه-)، 1. نسمات الأسحار، د.ت.

ثانياً : المصادر الأولية

اشارة

* إبراهيم الحربي، أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285 ه-)،

2. غريب الحديث، تحقيق: سليمان إبراهيم محمد العايد، ط 1، جامعة أم القرى، (مكة المكرمة 1405 ه-).

* الآبري، محمد بن الحسین بن إبراهيم بن عاصم أبو الحسن الآبري السجستاني (ت 363 ه-)،

3. مناقب الإمام الشافعي، تحقيق: جمال عزون، ط 1، الدار الأثرية، 2009 .

* ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري (ت 630 ه-)،

4 . أسد الغابة، دار الفكر العربي، (بيروت 1989).

* ابن الأجدابي، إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد اللواتي (ت نحو 470 ه-)،

5. كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ في اللغة العربية، تحقيق: السائح علي حسین، دار إقرأ للطباعة والنشر والترجمة، الجماهيرية الليبية (طرابلس د.ت).

ص: 259

* الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله (ت 360 ه-)،

6 .الشريعة، تحقيق: الدكتور عبدالله بن عمر سليمان الدميجي، ط 2، دار الوطن، (الرياض 1999 ).

* أحمد بن حنبل، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (ت 241 ه-)،

7. فضائل الصحابة، تحقيق: الدكتور: وصي الله محمد عباس، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1983 ).

8 .مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الارناؤوط-عادل مرشد وآخرون، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 2001 ).

* الأحمد نكري، القاضي عبد النبي بن عبد السول (ت ق 12 ه-)،

9 .دستور العلامء، عرَّبه من الفارسية: حسن هاني فحص، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 2000 ).

* الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد بن محمد الغساني (ت 250 ه-)،

10 .أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، دار الأندلس للنشر، )(بيروت د.ت).

* الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد الهروي (ت 370 ه-)،

11 .تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط 1، دار إحياء التراث، (بيروت 2001).

12 .الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، تحقيق: مسعد عبد الرحمن السعدني، دار الطلائع، د. ت.

* ابن أبي أسامة، أبو محمد الحارث بن محمد بن داهير التميمي (ت 282 ه-)،

13 .بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق: حسین أحمد صالح الباكري، ط 1، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، (المدينة المنورة 1992 ).

ص: 260

* ابن الإعرابي، أبو سعيد بن الإعرابي احمد بن محمد بن زياد البصري الصوفي (ت 340 ه-)،

14 .معجم ابن الإعرابي، تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم بن احمد الحسيني، ط 1، دار ابن الجوزي، (السعودية 1997 ).

* الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر (ت 370 ه-)،

15 .المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، تحقيق: د. ف. كرنكو، ط 1، دار الجيل، (بيروت 1991 ).

* الأنباري، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار (ت 328 ه-)،

16.الزاهر في معاني كلمات الناس، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1992 ).

* البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي (ت 256 ه-)،

17 .التاريخ الكبير، دائرة المعارف العثمانية، (حيدر آباد الدكن د.ت).

18 .الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسننه وأيامه (صحيح البخاري)، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط 1، دار طوق النجاة (مصورة عن نسخة السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422 ه-.

* البزاز، أبو بكر احمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد العتكي (ت 292 ه-)،

19 .مسند البزاز المشهور باسم البحر الزخار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله وعادل بن سعد وصبری عبد الخالق الشافعي، ط 1 (بدأت 1988 وانتهت 2009 )، مكتبة العلوم والحكم، (المدينة المنورة).

* ابن بطة العكبري، أبو عبدالله عبيدالله بن محمد بن حمدان (ت 387 ه-)،

20 .الإبانة الكبرى، تحقيق: رضا معطي وعثامن الأثيوبي وآخرون، دار الراية للنشر والتوزيع، (الرياض د.ت).

ص: 261

* أبو البقاء الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني القريمي (ت 1094 ه-)، 21 .الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، د.ت.

* أبو بكر الخوارزمي، محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر (ت 383 ه-)،

22 .الأمثال المولدة، المجمع الثقافي، (ابو ظبي 1424 ه-).

* أبو بكر الشافعي، أبو بكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدويه البغدادي البزاز (ت 354 ه-)،

23 .كتاب الفوائد (الغيلانيات)، تحقيق: حلمي كامل أسعد عبد الهادي، ط 1، دار ابن الجوزي، (الرياض 1997 ).

* البكري، أبو عبيد عبدالله بن عبد العزيز بن محمد الأندلسي (ت 487 ه-)،

24 .المسالك والممالك، دار الغرب الإسلامي، د.ت.

25 .معجم ما استعجم من أسماء الب الد والمواضع، ط 3، عالم الكتب، (بيروت 1403 ه-).

* البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود (ت 279 ه-)،

26 .انساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، ط 1، دار الفكر، (بيروت 1996).

* ابن البيع، أبو عبدالله الحاكم محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري (ت 405 ه-)،

27 .المستدرك على الصحيحین، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1990 ).

* البيهقي، احمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي (ت 458 ه-)،

28 .السنن الك ربى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط 3، دار الكتب العلمية، (بيروت 2003).

ص: 262

* الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الضحاك (ت 279 ه-)،

29 .الجامع الكبير (سنن الترمذي)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، (بيروت 1998 ).

* ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 ه-)،

30 .منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1، مؤسسة قرطبة، 1406 ه-.

* الجراوي، ابو العباس احمد بن عبد السلام الجراوي التادلي (ت 609 ه-)،

31 .(الحماسة المغربية)، مختصر كتاب صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب، تحقيق:

محمد رضوان الداية، ط 1، دار الفكر، (بيروت 1991 ).

* الجرجاني، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو العباس القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت 471 ه-)،

32 .أسرار البلاغة، تعليق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة، د.ت.

* ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي (ت 230 ه-)، 33 .مسند ابن الجعد، تحقيق: عامر احمد حيدر، ط 1، مؤسسة نادر، (بيروت 1990 ).

* الجمحي، محمد بن سلام بن عبدالله الجمحي (ت 232 ه-)،

34 .طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، (جدة د.ت).

* الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي (ت 393 ه-)،

35 .الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطا، ط 4، دار العلم للملايین، (بيروت 1987 ).

* الجياني، أبو علي الحسين بن محمد الغساني (ت 498 ه-)،

36 .ألقاب الصحابة والتابعین في المسندين الصحيحین، تحقيق: الدكتور محمد زينهم محمد عرب ومحمود نصار، دار الفضيلة، (القاهرة د.ت).

* ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي (ت 354 ه-)،

ص: 263

37 .الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الارناؤوط، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1988 ).

38 .الثقات، ط 1، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، (الهند 1973 ).

39 .مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم، ط 1، دار الوفاء للطباعة والن رش والتوزيع، (المنصورة 1991 ).

* ابن حبيب النيسابوري، أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (ت 406 ه-،)،

40 .عقلاء المجانین، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1985 ).

* ابن حجة الحموي، تقي الدين أبو بكر بن علي (ت 837 ه-)،

41 .ثمرات الأوراق، مطبوع بهامش كتاب المستطرف في كل مستظرف للشهاب الابشيهي، دار مكتبة الجمهورية، (مصر د.ت)

* ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت 852 ه-)،

42 .الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العالمية، (بيروت 1415 ه-).

43 .تقريب التهذيب، تحقيق: محمد عوامة، ط 1، دار الرشيد، (حلب 1406 ).

* ابن حديدة، محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري (ت 783 ه-)،

44 .المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي، تحقيق: محمد عظيم الدين، عالم الكتب، (بيروت د.ت).

* ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري الأندلسي (ت 456 ه-)،

45 .جمهرة انساب العرب، تحقيق: لجنة من العلماء، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1403 ه-).

* الحصري، إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري أبو اسحق القيرواني (ت 435 ه-)،

ص: 264

46 .زهر الآداب وثمر الألباب، دار الجيل، (بيروت د.ت).

* ابن الحمصي، احمد بن محمد بن عمر الأنصاري (ت 934 ه-)،

47 .حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران، تحقيق: عبد العزيز فياض حرفوش، ط 1، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 2000 ).

* الحميدي، أبو بكر عبدالله بن الزبير بن عيسى بن عبيدالله القرشي (ت 219 ه-)،

48 .مسند الحميدي، تحقيق: حسن سليم أسد الداراني، ط 1، دار السقا، (دمشق 1996 ).

* الحموي، شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي (ت 626 ه-)،

49 .معجم البلدان، ط 2، دار صادر، (بيروت 1995 ).

* ابن الحنبلي، رضي الدين محمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي (ت 971 ه-)،

50 .در الحبب في تاريخ أعيان حلب، تحقيق: محمود حمد الفاخوري ويحيى زكريا عبارة، منشورات وزارة الثقافة، (دمشق 1972 ).

* ابن خردذابة، أبو القاسم عبيدالله بن عبدالله (ت 280 ه-)،

51 .المسالك والممالك، دار صادر، (بيروت 1989 ).

* الخزرجي، أحمد بن عبدالله بن أبي الخير بن عبد العليم الخزرجي (ت بعد 923 ه-)،

52 .خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط 5، مكتب المطبوعات الإسلامية - دار البشائر، (حلب - بيروت 1416 ه-).

* الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي (ت 388 ه-)،

53 .غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوي، دار الفكر، 1982 .

* الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي (ت 463 ه-)،

54 .تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت

ص: 265

1417 ه-).

55 .المتفق والمفترق، تحقيق: محمد صادق إيدن الحامدي، ط 1، دار القاري للطباعة والنشر والتوزيع، (دمشق 1997 ).

* ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن ابي بكر البرمكي (ت 681 ه-)،

56 .وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، (بيروت).

* الخوارزمي، محمد بن أحمد بن يوسف البلخي (ت 387 ه-)،

57 .مفاتيح العلوم، تحقيق: إبراهيم الابياري، ط 2، دار الكتاب العربي، د.ت.

* الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (ت 385 ه-)،

58 .المؤتلف والمختلف، تحقيق: موفق بن عبدالله عبد القادر، ط 1، دار الغرب الإسلامي، (بيروت 1986 ).

* ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت 321 ه-)، 559 الاشتقاق، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 1، دار الجيل، (بيروت 1991 ).

60 .جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، ط 1، دار العلم للملايین، (بيروت 1987 ).

* أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي (ت 275 ه-)،

61 .سؤالات أبي عبيد الآجري، تحقيق: محمد ع يل قاسم العمري، ط 1، الجامعة الإسلامية المدينة المنورة، (السعودية 1983 ).

62 .سنن أبو داود، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، (بيروت د.ت).

* أبو داود الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري (ت 204 ه-)،

63 .مسند أبو داود، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، ط 1، دار هجر

ص: 266

(مصر 1999 ).

* الذهبي، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (ت 748 ه-)،

64 سير أعلام النبلاء، دار الحديث، (القاهرة 2006 ).

* الرازي، زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي (ت 666 ه-)،

65 .مختار الصحاح، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، ط 5، المكتبة العصرية، (بيروت - صيدا 1999 ).

* الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه-)،

66 .محاضرا ت الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، ط 1، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، (بيروت 1420 ه-).

* ابن رشيق، ابو علي الحسن بن رشيق القيرواني الازدي (ت 463 ه-)،

67 .العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط 5، دار الجيل، (بيروت 1981 ).

* ابن راهويه، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي (ت 238 ه-)،

68 .مسند ابن راهويه، تحقيق: الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، ط 1، مكتبة الإيامن، (المدينة المنورة 1991 ).

* الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني (ت 1205 ه-)، 69 .تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحقق ني، دار الهداية، د.ت.

70 .حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق، ط 1، مطبعة المدني، (القاهرة 1990 ).

* الزبيري، مصعب بن عبدالله بن ثابت بن عبدالله (ت 236 ه-)،

71 .نسب قريش، تحقيق: ليفي بروفنسال، ط 3، دار المعارف، (القاهرة د.ت).

* الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد (ت 538 ه-)،

ص: 267

72 .أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1998 ).

73 .الفائق في غريب الحديث والأثر، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2، دار المعرفة، (لبنان د.ت).

* ابن زنجويه، أبو احمد حميد بن مخلد بن قتيبة الخراساني (ت 251 ه-)،

74 .الأموال، تحقيق: الدكتور شاكر ذيب فياض، ط 1، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، (السعودية 1986 ).

* ابن زهرة، المنسوب إلى السيد تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني (ت 921 ه-)،

75 .غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار، تحقيق: العلامة محمد صادق بحر العلوم، منشورات المطبعة الحيدرية، (النجف الاشرف 1963 ).

* سراج الدين ابن الوردي، سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر بن الوردي البكري القرشي المعري ثم الحلبي (ت 852 ه-)،

76 .خريدة العجائب وفريدة الغرائب، تحقيق: أنور محمود زناتي، ط 1، مكتبة الثقافة الإسلامية، (القاهرة 2008 ).

* ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري (ت 230 ه-)،

77 .الجزء المتمم لطبقات ابن سعد الطبقة الخامسة، تحقيق: محمد بن صامل السلمي، ط 1، مكتبة الصديق، (الطائف 1993 ).

78 .الطبقات الكبرى، تحقيق: إحسان عباس، ط 1، دار صادر، )بيروت 1968 ).

79 .الجزء المتمم لطبقات ابن سعد الطبقة الرابعة، تحقيق: الدكتور عبد العزيز عبد الله السلومي، مكتبة الصديق، (الطائف 1416 ه-).

* سعيد بن منصور، أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت 227 ه-)،

80 .سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الاعظمي، ط 1، الدار السلفية،

ص: 268

(الهند 1982 ).

* ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب ابن إسحاق (ت 244 ه-)،

81 .إصلاح المنطق، تحقيق: محمد مرعب، ط 1، دار إحياء التراث العربي، (بيروت 2002 ).

82 .الكنز اللغوي في اللسن اللغوي، تحقيق: أوغست هفنر، مكتبة المتنبي، (القاهرة د.ت).

* ابن سلام، أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 ه-)،

83 .غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، ط 1، مطبعة دار المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1964 .

* السمهودي، علي بن عبدالله بن أحمد الحسني الشافعي (ت 911 ه-)، 84 .وفاء الوفا بأخبار المصطفى، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1419 ه-).

* السهيلي، عبد الرحمن بن عبدالله بن أحمد (ت 581 ه-)،

85 .الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، ط 1، دار إحياء التراث العربي، (بيروت 1412 ه-).

* ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي (ت 458 ه-)،

86 .المحكم والمحيط الأعظم، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 2000 ).

87 .المخصص، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، ط 1، دار إحياء التراث العربي، (بيروت 1996 ).

* الشامي، محمد بن يوسف الصالحي (ت 942 ه-)،

88 .سبل الهدى والرشاد، تحقيق: ج 1وج 2، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، (القاهرة 1997 ).

89 .سبل الهدى والرشاد، ج 3، تحقيق: عبد العزيز عبد الحق حلمي، وزارة الأوقاف، (القاهرة 1997 ).

ص: 269

.90 سبل الهدى والرشاد، ج 4 وج 6، تحقيق: إبراهيم الترزي وعبد الكريم الغرباوي، وزارة الأوقاف، (القاهرة 1997 ).

91 .سبل الهدى والرشاد، ج 5، تحقيق: فهيم محمد شلتوت والدكتور جودة عبد الرحمن هلال، (القاهرة 1992 ).

92 .سبل الهدى والرشاد، ج 7، تحقيق: الدكتور علي حسن محمود حبيبة، (القاهرة 1997).

93 .سبل الهدى والرشاد، ج 8، تحقيق: محمود زايد، (القاهرة 1997 ).

94 .سبل الهدى والرشاد، ج 9، تحقيق: حامد عبد المجيد وجودة أحمد سليمان، (القاهرة 1997 ).

95 .سبل الهدى والرشاد، ج 10 وج 11، تحقيق: عبد المعز عبد الحميد الجزار، (القاهرة 1995 ).

96 .سبل الهدى والرشاد، ج 12 ، تحقيق: تحقيق: عبد المعز عبد الحميد الجزار،(القاهرة 1997 ).

* الشجري، يحيى بن الحسين بن إسماعيل بن زيد الحسني (ت 499 ه-)،

97 .ترتيب الأمالي الخميسية، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 2001 ).

* أبو الشيخ الاصبهاني، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الانصاري (ت 369 ه-)،

98 .الأمثال في الحديث النبوي، تحقيق: عبد الع يل عبد الحليم حامد، ط 2، الدار السلفية، (بومباي 1987 ).

99 .طبقات المحدثین بأصبهان والواردين عليها، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق حسین البلوشي، ط 2، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1992 ).

* الشيخ علوان، علي بن عطية بن الحسن الهيتي (ت 936 ه-)،

ص: 270

100 .النصائح المهمة للملوك والأئمة، تحقيق: موفق بن عبدالله العوض، جامعة الإمام محمد بن سعود، (السعودية 1419 ه-).

* ابن أبي شيبة، أبو بكر بن أبي شيبة عبدالله بن محمد العبسي (ت 235 ه-)،

101 .مسند بن أبي شيبة، تحقيق: عادل بن يوسف العزاوي واحمد بن فريد المزيدي، ط 1، دار الوطن، (الرياض 1997 ).

102 .المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، مكتبة الرشد، (الرياض 1409 ه-).

* الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764 ه-)،

103 .تصحيح التصحيف، تحقيق: السيد الشرقاوي، ط 1، مكتبة الخانجي، (القاهرة 1987).

104 الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الارناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، (بيروت 2000 ).

* ضياء الدين المقدسي، ضياء الدين أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 ه-)،

105 .الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، تحقيق: عبد الملك بن عبدالله بن دهيش، ط 3، دار خضر للطباعة والن رش والتوزيع، (بيروت 2000 ).

* الطبراني، سليمان بن احمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي (ت 360 ه-)،

106 .المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمین، (القاهرة د.ت).

107 .المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط 2، مكتبة ابن تيمية، د.ت.

* الطحاوي، أبو جعفر احمد بن محمد بن س المة بن عبد الملك الازدي (ت

ص: 271

321 ه-)،

108 .شرح مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الارناؤوط، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1415 ه-.

* الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت 460 ه-)،

109 .الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، ط 1، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، (قم 1414 ه-).

* ابن طولون، محمد بن علي (ت 953 ه-)،

110 .الأئمة الاثنا عشر، تحقيق: الدكتور صلاح الدين المنجد، د.ت.

111 .الأحاديث المائة، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع للنشر والتوزيع، د. ت.

112 .إعلام السائلين، تحقيق: محمود الارناؤوط، ط 2، 1987 .

113 .مرشد المحتار، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 2007).

114 .مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، تحقيق: محمد مصطفى، (القاهرة 1964).

115 .وبل الغمام، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع للنشر والتوزيع، د.ت.

* ابن أبي عاصم، أبو بكر بن أبي عاصم احمد بن عمرو الشيباني (ت 287ه-)،

116 .كتاب السنة، ط 1، المكتب الإسلامي، 1980 .

* ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد القرطبي (ت 463 ه-)،

117 .الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: ع يل محمد البجاوي، دار الجيل، (بيروت د.ت).

* العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن صالح (ت 261 ه-)،

118 .معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم

ص: 272

البستوي، ط 1، مكتبة الدار، (المدينة المنورة 1985).

* ابن عبد الحق، عبد المؤمن بن عبد الحق بن شامئل القطيعي البغدادي (ت 739 ه-)،

119 .مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، ط 1، دار الجيل (بيروت 1412ه-).

* ابن العديم، عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي (ت 660 ه-)،

120 .بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، (بيروت د.ت).

* ابن عراق الكناني، علا بن محمد بن علا بن عبد الرحمن (ت 963 ه-)،

121 .نشر اللطايف في تاريخ وج والطائف، تحقيق: الدكتور محمد علی فهيم، ط 1، زهراء الشرق، (مصر 2009 ).

* ابن عبد ربه، أبو عمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب الأندلسي )ت 328 ه(، 1122 العقد الفريد، ط 1، دار الكتب العلمية، )بيروت 1404 ه(.

* * العزيزي، الحسن بن أحمد المهلبي العزيزي )ت 380 ه(، 1123 العزيزي أو المسالك والممالك، جمعه وعلق عليه: تيسير خلف.

* * ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله )ت 571 ه(، 1124 تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والن رش والتوزيع، 1995 .

* العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (ت 111ه-)،

125 .سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1998).

* عبد القادر البغدادي، عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093 ه-)، 126 .خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 4، مكتبة الخانجي، (القاهرة 1997).

ص: 273

* العكبري، ابو البقاء عبدالله بن الحسین بن عبدالله العك ربي البغدادي (ت 616 ه-)،

127 .شرح ديوان المتنبي، تحقيق: مصطفى السقا وابراهيم الايباري وعبد الحفيظ شلبي، دار المعرفة، (بيروت د.ت).

* أبو علي القالي، إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى (ت 356 ه-)،

128 .الإتباع، تحقيق: كمال المصطفى، مكتبة الخانجي، (القاهرة د.ت).

* العليمي، مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المقدسي (ت 928 ه-)،

129 .الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ط 1، انتشارات الشريف الرضي ومطبعة أمير خم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف، 1966 .

130 .التاريخ المعتبر في أنباء من غ رب، تحقيق: لجنة من المحققین، ط 1، مؤسسة دار النوادر، (سوريا 2011).

* ابن عبد المنعم الحميري، أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبد المنعم الحميري (ت 900 ه-)،

131 .الروض المعطار في خ رب الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، ط 2، مؤسسة ناصر للثقافة، (بيروت 1980).

* ابن عبد الهادي، يوسف بن حسن بن عبد الهادي المعروف بابن المبرد الدمشقي (ت 909 ه-)،

132 .إرشاد السالك إلى مناقب مالك، تحقيق: رضوان مختار بن غربية، ط 1، دار ابن حزم للطباعة والن رش والتوزيع، (بيروت 2009).

331 .بدء العلقة بلبس الخرقة، د.ت.

431. الشجرة النبوية في نسب خير البرية، شرح وتعليق: أحمد صلاح الدين، ط 1، مكتب الجمع آرمس للكمبيوتر، (القاهرة 1977).

531. العقد التامم فيمن زوجه النبي عليه الصلاة والسلام، تحقيق: أبو إسماعيل

ص: 274

هشام بن إسامعيل السقا، دار عالم الكتب للنشر ولتوزيع، 1985 .

136 .الفهرس الوصفي للنسخ الخطية، إعداد: أبو المنذر الأزهري، ط 1، لطائف لنشر الكتب والرسائل العلمية، 2012 .

137 .محض الخلاص في مناقب سعد بن أبي وقاص، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، ط 1، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 1983).

138 .محض الصواب في فضائل أمير المؤمنین عمر بن الخطاب، تحقيق: الدكتور عبد العزيز ابن محمد بن عبد المحسن الفريح، ط 1، أضواء السلف، (السعودية 2000).

139 .النهاية في اتصال الرواية، تحقيق: لجنة مختصة من المحققین، ط 1، دار النوادر، (لبنان 2006).

* الغزي، بدر الدين محمد بن محمد (984 ه-)،

140 .الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد، اعتنى به: عبدالله محمد الكندري، ط 1، شركة البشائر الإسلامية لطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 1983).

* الفارابي، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن الحسن (ت 350 ه-)، 141 .معجم ديوان الأدب، تحقيق: أحمد مختار، دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، (القاهرة 2003).

* ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت 395 ه-)،

142 .مجمل اللغة، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، ط 2، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1986).

143 .معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد الس الم محمد هارون، دار الفكر، (القاهرة 1979).

* الفراهيدي، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم البصري (ت 170 ه-)،

144 .كتاب العین، تحقيق: مهدي المخزومي إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، د.ت.

ص: 275

* الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (ت 817 ه-)، 145 .القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، ط 8، (بيروت 2005).

* الفيومي، أحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت 770 ه-)،

146 .المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية، (بيروت د.ت).

* قاسم السرقسطي، قاسم بن ثابت بن حزم العوفي (ت 302 ه-)، 147 .الدلائل في غريب الحديث، تحقيق: محمد بن عبدالله القناص، ط 1، مكتبة العبيكان، (الرياض 2001).

* القاضي عياض، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي (ت 544 ه-)،

148 .مشارق الأنوار على صحاح الآثار، المكتبة العتيقة ودار التراث، د.ت.

* ابن قتيبة الدينوري، عبدالله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 ه-)،

149 .الجراثيم، تحقيق: محمد جاسم الحميدي، وزارة الثقافة، (دمشق د.ت).

150 .غريب الحديث، تحقيق: عبدالله الجبوري، ط 1، مطبعة العاني، (بغداد 1397 ه-).

* القزويني، زكريا بن محمد بن محمود (ت 682 ه-)،

151 .آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، (بيروت د.ت).

* القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي (ت 821 ه-)،

152 .نهاية الأرب في معرفة انساب العرب، تحقيق: إبراهيم الابياري، ط 2، دار الكتاب اللبنانيین، بيروت 1980).

* الكركي، علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي (ت 940 ه-)، 153 .قاطعة اللجاج في حل الخراج، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسین، (قم 1413 ه-).

* الكلاباذي، أبو بكر محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي (ت380 ه-)،

ص: 276

154 .بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل واحمد فريد المزيدي، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1999 ).

* الكوفي، محمد بن سليمان (ت 300 ه-)،

1561. 155- مناقب الإمام أمير المؤمنین (ع)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط 1، مطبعة النهضة، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم 1412 ه-).

* اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري (ت 418 ه-)،

156 .كرامات الأولياء، تحقيق: احمد بن سعد بن حمدان الغامدي، ط 8، دار طيبة، (السعودية 2003 ).

* ابن ماجه، أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني (ت 273 ه-)،

157 .سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي، د.ت.

* المازندراني، مولى محمد صالح (ت 1081 ه-)،

158 .شرح أصول الكافي، تحقيق: الميرزا ابو الحسن الشعراني، ط 1، دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 2000 ).

* ابن ماكولا، سعد الملك علي بن هبة الله بن جعفر (ت 475 ه-)، 159 .الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1990 ).

* مجد الدين بن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري (ت 606 ه-)،

160 .النهاية في غريب الحديث، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، (بيروت 1979 ).

* مجهول المؤلف، (ت بعد 372 ه-)،

161 .حدود العالم من المشرق إلى المغرب، تحقيق وترجمة: يوسف الهادي، الدار

ص: 277

الثقافية للنشر، (القاهرة 1423 ه-).

* المحام يل، أبو عبدالله الحسین بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الضبي (ت 330 ه-)،

162 .أمالي المحاملي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 1، دار النوادر، 2006 .

* المزي، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف (ت 742 ه-)،

163 .تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1980 ).

* ابن المستوفي، المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب اللخمي الأربلي (ت 637 ه-)،

164 .تاريخ اربل، سامي بن سيد خماس الصقار، وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد، (العراق 1980 ).

* مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري (ت 261 ه-)،

165 .المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله (ص)، تحقيق:

محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، (بيروت د.ت).

* المطرزي، ناصر بن عبد السيد أبي المكارم بن علي الخوارزمي (ت 610 ه-)،

166 .المغرب، دار الكتاب العربي، د.ت.

* معمر بن راشد، معمر بن أبي عمرو راشد الازدي (ت 153 ه-)، 167 .الجامع، تحقيق: حبيب عبد الرحمن الاعظمي، ط 2، المجلس العلمي بباكستان وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت، 1403 ه-.

* ابن المغازلي، علي بن محمد بن الطيب بن أبي يعلى بن الجلابي الواسطي (ت 483 ه-)،

168 .مناقب أمير المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تحقيق: تركي بن عبدالله الوادعي، ط 1، دار الآثار، (صنعاء 2003 ).

* المفيد، محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الحارثي المذحجي العكبري (ت

ص: 278

413 ه-)،

169 .الاختصاص، تحقيق: علی أكبر الغفاري والسيد محمود الزرندي، ط 2، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 1993).

* ابن منده، ابن منده بن محمد بن يحيى العبدي (ت 395 ه-)،

170 .معرفة الصحابة، تحقيق: عامر حسن صبري، ط 1، مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2005 .

* ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي الأنصاري (ت 711 ه-)، 171 .لسان العرب، ط 3، دار صادر، (بيروت 1414ه-).

172 .مختصر تاريخ دمشق لأبن عساكر، تحقيق: روحية النحاس ورياض عبد الحميد ومحمد مطيع، ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر، (دمشق 1984).

* النسائي، أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب بن علي الخراساني (ت 303 ه-)،

173 .السنن الكبرى، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت 2001

* نشوان الحميري، نشوان بن سعيد اليمني (ت 573 ه-)،

174 .شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، تحقيق: حسین بن عبدالله العمري ومطهر بن علي الارياني ود. يوسف محمد عبدالله، ط 1، دار الفكر المعاصر ودار الفكر، (بيروت ودمشق 1999).

* أبو نصر الكلاباذي، أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسین بن الحسن البخاري (ت 398 ه-)،

175 .الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، تحقيق: عبدالله الليثي، ط 1، دار المعرفة، (بيروت 1407 ه-).

* أبو نعيم الاصبهاني، أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق (ت430 ه-)،

176 .حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، السعادة، (مصر 1974).

177 .فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم، تحقيق: صالح بن محمد العقیل، ط1، دار

ص: 279

البخاري للنشر والتوزيع، (المدينة المنورة 1997).

178 .معرفة الصحابة، تحقيق: عادل يوسف العزاوي، ط 1، دار الوطن للنشر، (الرياض 1998).

* نور الدين الهيثمي، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه-)،

179 .مجمع الزوائد، دار الريان للتراث ودار الكتاب، (بيروت، القاهرة 1407ه-).

180 .المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، (بيروت د.ت).

* النويري، احمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي (ت 733 ه-)،

181 .نهاية الأرب في فنون الأدب، ط 1، دار الكتب والوثائق القومية، (القاهرة 1423 ه-).

* النووي، محيي الدين يحيى بن شرف (ت 676 ه-)،

182 .تحرير ألفاظ التنبيه، تحقيق: عبد الغني الدقر، ط 1، دار القلم، (دمشق 1408ه-).

183 .تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، (بيروت د.ت).

* الهروي، علي بن أبي بكر بن علي (ت 611 ه-)،

184 .الإشارات إلى معرفة الزيارات، ط 1، مكتبة الثقافة الدينية، (القاهرة 1423ه-).

* ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري (ت 213 ه-)،

185 .السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبد الحفيظ الشلبي، ط 2، مطبعة مصطفى البابي وأولاده، (مصر 1955).

* أبو هلال العسكري، الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد (ت 395 ه-)،

186 .التلخيص في معرفة أسامء الأشياء، تحقيق: عزة حسن، ط 2، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، (دمشق 1996).

187 الفروق اللغوية، تحقيق: محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة والنشر

ص: 280

والتوزيع، (القاهرة د.ت).

* الواقدي، محمد بن عمر بن واقد السهمي (ت 207 ه-)،

188 .المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، ط 3، دار الاعلمي، (بيروت 1989).

* أبو يعلى الموصلي، أبو يعلى احمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي (ت 307 ه-)، 189 مسند أبي يعلى، تحقيق: حسین سليم أسد، ط 1، دار المأمون للتراث، (دمشق 1984).

ثالثاً : المراجع

* دوزي، رينهارت آن بيتر (ت 1300)،

190 .تكملة المعاجم العربية، نقله إلى العربية: محمد سليم النعيمي، ط 1، وزارة الثقافة والإعمام العراقية، 1979 - 2000 .

* الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد الزركلي (ت 1396 ه-)،

191 .الأعلام، ط 15 ، دار العلم للملايين، (بيروت 2002).

* الصلابي، علي محمد محمد الصلابي

192 .الدولة العثمانية-عوامل النهوض وأسباب السقوط، ط 1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، (مصر 2001).

* عاتق البلادي، عاتق بن غيث بن زوير بن زاير (ت 1431 ه-)، 193 .معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، ط 1، دار مكة المكرمة للنشر والتوزيع، (مكة المكرمة 1982 ).

* العسيري، أحمد معمور العسيري،

194 .موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر 1417 ه-/ 1996 - 1997 م)، ط 1، (الرياض 1996).

* عمر، أحمد مختار (ت 1424 ه-)،

195 .الغريب والمعاجم ولغة الفقه، عالم الكتب، (القاهرة 2008).

ص: 281

196 .معجم اللغة العربية المعاصرة، ط 1، عالم الكتب، 2008 .

* العمري، أكرم بن ضياء

197 .عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثین، مكتبة العبيكان، (الكويت د.ت).

* الفالوجي، أكرم بن محمد زيادة الأثري

198 .المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري، الدار الأثرية، دار ابن عفان، (الأردن - القاهرة د.ت).

* قلعجي، محمد رواسي

199 .معجم لغة الفقهاء، ط 2، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1988 .

* المرعشي، السيد شهاب الدين بن السيد شمس الدين المرعشي النجفي (ت 1411 ه-)،

200 .شرح إحقاق الحق، تحقيق وتعليق: السيد شهاب المرعشي النجفي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم د.ت.

* مصطفى، إبراهيم وآخرون

201 .المعجم الوسيط، دار الدعوة، د.ت.

* النجار، محمد الطيب النجار (ت 1411 ه-)،

202 .القول المبين في سيرة سيد المرسلين، دار الندوة الجديدة، (بيروت - لبنان د.ت).

رابعاً: البحوث

* صعيدي، ندى زاهد صعيدي

2203. العلماء في بلاد الشام في القرن العاشر الهجري على ضوء كتاب الغزي الكواكب السائرة، بحث منشور على الموقع الالكتروني www.alkottob.com

ص: 282

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.