بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

ص: 3

الإخوان المسلمون

ص: 4

الاتجاهات المختلفة داخل الإخوان المسلمين...65

التيار المحافظ و القطبي...67

الإصلاحيون...71

الإخوان المسلمون خارج مصر...75

الإخوان المسلمون في سورية...78

الإخوان المسلمين في فلسطين...82

الإخوان المسلمون في السودان...86

الإخوان المسلمون في اليمن...87

الإخوان المسلمون في إيران...91

الإخوان المسلمون في تونس...92

الإخوان المسلمون في الأردن...94

الإخوان المسلمون في سائر البلدان...96

خاتمة...97

المصادر...99

ص: 6

انطلاقاً من ذلك، ارتأى سماحة آية الله العظمی مکارم شيرازي (دام ظله الوارف) بحكمته و نظرته الثاقبة مواجهة هذه التيارات المتطرّفة و التكفيرية بالفكر و المنطق العلمي، فكان الحل الأنجع للخروج من هذه المحنة المبادرة إلى إقامة المؤتمر العالمي حول «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة و التكفيرية» و الذي حضره نخبة من أبرز العلماء و المفكرين في العالم الإسلامي.

إنّ الأثر الطيب الذي تركه عقد هذا المؤتمر لدى العلماء و المفكرين و المراكز الثقافية في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية، و إلحاحهم على ضرورة إدامة زخم التواصل و التعاطي البنّاء بين علماء الإسلام، و وجوب الحفاظ على الوحدة و التآلف بينهم للقضاء على التطرّف و التكفير، كلّ هذه العوامل شجّعت ساحة آية الله العظمی مکارم شيرازي (دام ظله الوارف) الرئيس الأعلى للمؤتمر، على الموافقة على تأسيس أمانة دائمة للمؤتمر تأخذ على عاتقها مهمة التصدّي للتيارات المتطرّفة و التكفيرية.

و في هذا السياق، انطلقت أعمال الأمانة العامة منذ نیسان/ أبريل 2015م بأقسامها الثلاثة : قسم البحوث، قسم الشؤون

ص: 8

الدولية، قسم الشؤون التنفيذية، و وضعت في جدول أعمالها العديد من البرامج المتنوعة. و من الأهداف المطروحة أمام هذه الأمانة نذكر على سبيل المثال: التواصل مع أكثر من 2000 شخصية من علماء و مفكري العالم الإسلامي، سنّةً و شيعة؛ إصدار مجلة تحت عنوان «الأمة الواحدة»؛ إصدار نشرة خبرية لرصد و تحليل التيارات التكفيرية و سبل مواجهتها؛ إصدار سلسلة منشورات حول التيارات التكفيرية؛ عقد ندوات علمية بالتعاون مع مختلف المراكز و الجامعات في البلدان الإسلامية؛ فضلاً عن عقد مؤتمر في السنوات القادمة إن شاء الله، بنفس عظمة المؤتمر السابق، لبحث أهداف الأمانة العامة، هذه الأهداف السامية التي نأمل أن تتحقّق بفضل الله و منّه و بتظافر جهود العلماء الأفاضل في العالم الإسلامي.

و فيما يلي نعرض على القرّاء الأعزاء بعضاً من إصدارات الأمانة العامة للمؤتمر.

قسم البحوث

ص: 9

ص: 10

و الاختلاف في العالم الإسلامي من الشدّة و العمق بحيث لا يمكن لأحد أن يحلم بإقامة دولة الخلافة. من ناحية ثانية، انبری بعض المستنيرين المصريين، من بينهم علي عبد الرازق مؤلف كتاب الإسلام و أصول الحكم، إلى التشكيك في أصل الخلافة، مؤكّداً أن الخلافة الإسلامية ليس لها أساس شرعي و هي أمر عُرفي، من هنا، فإنّ السعي لإحياء أمر عرفي في عصر لا يمتلك أيّ موقع أو مكانة، هو في الحقيقة فعل عبثي.

لقد أثار طرح هذه الأفكار في مصر في ذلك الوقت انعكاسات واسعة، و تشكّلت جماعات كثيرة كرد فعل على تأليف الكتاب، تأييداً أو رفضاً لتلك الأفكار. من هذه الجماعات التي أفرزتها الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في عقد الثلاثينات من القرن الماضي في مصر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسّست على يد حسن البنّا في عام 1928م. تبلورت هذه الجماعة و ظهرت إلى الساحة على هدي آراء رشيد رضا و بهدف تأسيس حكومة إسلامية، رافعة شعار «الإسلام هو الحل» و شعار «نحن سلفيون». لقد مرّت الجماعة بمراحل مختلفة و عصيبة، و سعت

ص: 12

على مدى تسعة عقود إلى إقامة حكومة إسلامية في مصر و سائر البلدان الإسلامية.

في الوقت الحاضر، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أكبر جماعة ضمن حركات الإسلام السياسي، و التي استطاعت أن تتمدّد حتى في البلدان غير الإسلامية، و تركت آثاراً عظيمة و كبيرة على الحياة السياسية للمسلمين، لكنّها مع ذلك عجزت حتى الآن أن تحقّق هدفها الأصلي، أعني إقامة الحكومة الإسلامية.

لقد تبنّت جماعة الإخوان، مستلهمة من أفكار رشید رضا، رؤية إصلاحية قوامها العودة إلى الإسلام و اعتماد القرآن الكريم و السنّة المطهرة و فهم السلف كمرجعية. و أضفت الجماعة صبغة سلفية على هذه الرؤية من خلال رفض المعتقدات و الأعمال التي ليس لها جذور في القرآن و السنّة، على حد زعمها، و انسلّت إلى العلوم الإسلامية عبر ترجمة النصوص اليونانية و الفارسية.

بيد أنّ مخالفة جماعة الإخوان المسلمين لبعض مشهور العقائد و الأصول الوهابية، جعل الجماعة تتمایز عن هذه الفرقة، و وضعها في خانة السلفية الإصلاحية لرشید رضا.

و على الرغم من وجود اختلافات جوهرية بين الإخوان

ص: 13

المسلمين و بين الوهابية، فقد نزع بعض الأعضاء في الجماعة صوب الوهابية و ذلك بسبب تأثّره بالأجواء الاجتماعية(1) و الحوادث التاريخية(2)، و بعد رجوع هذا البعض إلى مصر انشطر الفكر الإخواني إلى مدرستين إصلاحية و سلفية(3).

وقد واجهت هاتان المدرستان تیاراً فكرية ثالثاً برز داخل الإخوان المسلمين يتبنّي الآراء و الأفكار الثورية لسيد قطب.

و السمة الأصلية للفكر الثالث مخالفته للحكام العلمانيين. و قد تولّدت من رحم أفكار سيد قطب العديد من التيارات الجهادية، طرحت نقاشات و مطارحات كثيرة في أوساط الإخوان المسلمين في الفترة من 1960 إلى حوالي العام 2000م كان معظم المرشدين العامين للجماعة في مصر هم من المدرسة الإصلاحية مثل حسن الهضيبي و عمر التلمساني، في حين أنّ

ص: 14

المرشدين الجدد كانوا من نمط سيد قطب منهم على سبيل المثال محمد بديع و محمد عاكف اللذين طغت عليهما الخلفية الفكرية السلفية الثورية، و قد وصل هؤلاء المرشدين إلى زعامة تشکیلات جماعة الإخوان المسلمين.

لطالما كان إلى جانب المرشدين العامّين للإخوان المسلمين زعماء روحيين أيضاً. فبعد حسن البنّا الذي جمع بين منصب المرشد العام و الزعامة الروحية، درجت العادة أن ينفصل المنصبين عن بعضهما، فعدا حسن البنا، تعاقب على منصب الزعامة الروحية للجماعة كل من: سيد قطب و محمد الغزالی و حالياً الدكتور يوسف القرضاوي على التوالي. و من أهم الخصائص التي ميّزت الزعماء الروحيين للجماعة على مدى السبعين سنة الماضية هي: الحالة الثورية لسيد قطب و حالة الهدوء و الاعتدال لمحمد الغزالي و الحالة السلفية ليوسف القرضاوي .

بعد وصول محمد مرسي، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، إلى سدّة الرئاسة المصرية اشتدّت الصراعات المذهبية و الطائفية في العالم الإسلامي و ذلك بسبب فتحه الأبواب على مصراعيها للنفوذ السلفي و الوهابي و سوء إدارته. و قد أتاحت

ص: 15

هذه الصراعات فرصة سانحة لكي تصطاد الولايات المتحدة و التيار الوهابي في الماء العكر و استغلال الظروف و ليتجرّع المسلمون مرارة الأوضاع السيئة، و تستعر نيران الحرب المذهبية و الطائفية في العالم الإسلامي.

نأمل أن تكون جماعة الإخوان المسلمين قد أخذت العبرة من الحوادث التي وقعت في عهد محمد مرسي لتتخلّى عن بعض سياساتها المتطرّفة.

في الحقيقة، لو كان أداء محمد مرسي و جماعة الإخوان جيداً، و كانوا واعين لطبيعة الظروف، لكنّا شهدنا اليوم ازدهار الصحوة الإسلامية في سائر بلدان العالم الإسلامي، و توقف زحف التيارات التكفيرية في العراق و سوریا. نتمنى أن تتمكن جماعة الإخوان من إعادة بناء صفوفها، و أن تهيّئ نفسها لمستقبل أفضل في ظل تعایش سلمي مع سائر التيارات الفكرية المصرية.

و تلميذه محمد عبده، غير أنّ التحول الفكري لرشید رضا من أشعري مصلح إلى سلفي محض قلب المعادلة رأساً على عقب، و حرف تيار الصحوة الإسلامية عن مساره، و على خطى رشید رضا أعلنت جماعة الإخوان المسلمين نفسها جماعة سلفية.

ولد محمد رشید رضا في سورية، و تعلّم القرآن و القراءة و الكتابة عند أبيه في مسقط رأسه بالقلمون. درس في مدينة طرابلس الرياضيات و الجغرافيا، و في المدرسة الوطنية الإسلامية العلوم الدينية و المنطق و الفلسفة الطبيعية. انساق نحو التصوف بفضل كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، فانخرط في الطريقة النقشبندية لفترة معينة. و في نفس الوقت عارض الرقص و السماع و بعض المستحسنات الصوفية و ذلك استناداً إلى آثار الغزالي(1). حصل على إجازة تدريس العلوم الدينية و هو في سن 32 سنة، و بالتزامن مع ذلك كان يشارك في حلقات دروس الحديث. دراسته للحديث أتاحت له الاطلاع على كتب ابن تيمية و ابن القيم. و هنا انقدحت في نفسه شرارة التشكيك بالتصوف فتخلّى عنه بعد فترة، و انساق وراء أفكار ابن تيمية و محمد بن عبد

ص: 17

الوهاب(1). بعد فترة تعرّف على أفكار الشيخ جمال الدين الأفغاني و الشيخ محمد عبده في مجلة العروة الوثقی، و انشدّ للأفكار الإصلاحية للأفغاني و عبده، فعمل على التوفيق بين هذه الأفكار الإصلاحية و بين أفكار ابن تيمية، ليتمثّل في النهاية الفكر السلفي الإصلاحي و يجعله قاعدة لأفكاره. يصف يوسف القرضاوي رشيد رضا بزعيم «السلفية المستنيرة» حيث لم يلتفت إليه الوهابيون ولم يكترثوا له بسبب أفكاره الإصلاحية(2).

كان رشید رضا مهاجم الفساد المستشري في الدولة العثمانية بكل شجاعة و جرأة، و قد تعرّض بسبب ذلك لمضايقات كثيرة من قبل السلطات العثمانية فاضطرّ للهجرة إلى مصر، و أصدر فيها مجلة المنار بالتعاون مع الشيخ محمد عبده . لقد أكّد رشید رضا في العدد الأول من مجلة المنار على أنّ الهدف من إصدار المجلة هو الإصلاح الديني و الاجتماعي، لكنّه اتبع أسلوباً جديداً في إصلاح المجتمع، جمع بين الحركة الإسلامية لجمال الدين الأفغاني المقترنة بالعمل السياسي(3)، و بين منهج الشيخ

ص: 18

محمد عبده التجديدي و الإصلاح عبر التربية و التعليم(1)، و كذلك، نشره لأفكار ابن تيمية السلفية. من جملة القضايا التي لفتت انتباهه و سلّط الضوء عليها في مجلته المنار هي التربية و التعليم الإسلامي. استمر رشید رضا بإصدار المنار، و أسّس بعد فترة مؤسسة «دار التعليم و الارشاد» لينهض من خلال إعداد الدعاة الدينيين بمهمة التصدّي للنشاطات التبشيرية للمسيحيين(2). على الرغم من أنّ رشید رضا عكف في البداية تقليداً لأستاذه محمد عبده على النشاطات العلمية و التربوية و ذلك بسبب الضغوط التي مارستها حكومة مصر عليه، لكنّه بعد سقوط الدولة العثمانية و ما طرأ من انفتاح على الأجواء السياسية و بروز فراغ الخلافة، اتجه إلى التنظير و ممارسة النشاط السياسي، و تجلّى ذلك في تأليفه كتاب الخلافة أو الامامة

ص: 19

العظمی.(1) بعد سقوط الدولة العثمانية و قيام الدولتين البريطانية و الفرنسية بإعادة رسم حدود بلدان المنطقة طبقاً لمعاهدة سایکس بیکو، ترأس رشید رضا لجنة أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق العرب في مؤتمر جنيف.

و بناء على هذا، كانت الشخصية السلفية لرشید رضا ذات بعدين، البعد الأول، إصلاحي يهدف إلى إيقاظ المجتمع من أجل تشكيل حكومة إسلامية و تنفيذ إصلاحات سياسية، و البعد الثاني، بحسب زعمه، مكافحة البدع الصوفية و الخرافات و الأمور الشركية للعوام. في بداية الأمر، تجلت سلفية رشید رضا في معارضته لسنن عوام الناس مثل البناء على القبور و إشعال الشموع فيها. و بدأت تتّضح معالم هذه المعارضة بعد مطالعته لآثار ابن تيمية و ابن القيم، و اكتملت و وصلت ذروتها عند مطالعته کتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب(2).

أمّا سلفيته الإصلاحية فقد تبلورت خلال قراءته لمجلة العروة الوثقی، و ترسخت و اكتملت بعد سقوط الدولة العثمانية و

ص: 20

إعادة تأسيس الحكومة الوهابية في الرياض. لقد عزّز اهتمام رشید رضا بالوهابية كبديل للخلافة الضائعة توجهاته السلفية الوهابية(1) . كان رشيد رضا يطرح أفكاره و آراءه في مجلة المنار ليطلع عليها مسلمو العالم. و كان حسن البنّا أحد قراء المجلة المذكورة، و من المناصرين المتحمّسين لأفكاره الإصلاحية المتعلقة بالعودة إلى إسلام السلف و القضاء على التقاليد و البدع الصوفية في المجتمع، و الاعتقاد بضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية و إحياء الخلافة(2). غير أنّ الفرق المهم بين رشید رضا و حسن البنّا هو في قدرة الأخير على التعبئة الجماهيرية. فرشید رضا كان عالماً يدعو إلى أفكاره عبر المجلة و الكتاب و كحد أقصى من خلال تأسيس المدارس، في حين كان حسن البنّا، يدعو الناس العاديين و الشباب الجامعي إلى الانخراط في المنظمات و التشكيلات لكي يُلبس أهداف رشید رضا ثوب الواقع. مع ذلك کان حسن البنّا أكثر تمسكاً بالوحدة الإسلامية و تسامحاً مع مناوئيه من رشيد رضا، لذلك كان يتجنّب الخوض

ص: 21

في القضايا الخلافية. و هو ما يفسّر تعريفه لجماعة الإخوان بأنّها حقيقة صوفية و في نفس الوقت دعوة سلفية. لم يتنكّر البنّا للتصوّف لكنّه كان يؤيّده في حدود القرآن الكريم و السنّة المطهرة، و كان يعتبر أنّه مدين في تربيته الأخلاقية للطريقة الصوفية. كان يعتقد أنّ فهم السلف أرجح، لكنّه مع ذلك كان يطرح تصوّراً عن فهم السلف يختلف عمّا تطرحه الوهابية. صحيح أنّ البنّا لم يكن يعتقد بالتوسّل إلّا أنّه لم يرفضه صراحةً إذ كان يقول أنّه موضوع خلافي فرعي بين المسلمين. كان البنّا يحرّم البناء على القبور و الاستغاثة بالأموات، و لكن دون أن يعتبر ذلك شركاً. كان يهدف من سكوته في القضايا العقدية التي تعتبر الحد الفاصل بين السلفية و الأشعرية، إلى تعبئة جميع المسلمين في مقابل الأعداء الأجانب، و السعي إلى إرساء أسس التعايش السلمي بين المسلمين(1).

حلّت بالبلاد الإسلامية نتيجة لإلغاء الخلافة العثمانية في عام 1924م و انتشار الأفكار الغربية و شيوع الفساد و اللادينية في المجتمع المصري، دعا حسن البنّا مختلف شرائح المجتمع و الشباب إلى الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين. و كانت دعوته متأثّرة بحركة الصحوة الإسلامية للشيخ جمال الدين الأفغاني و الشيخ محمد عبده. كان البنّا متابعاً جيداً لأفكار رشید رضا في مجلة المنار و قد اقتبس منه فكرة إنشاء الحكومة الإسلامية انطلاقاً من صحوة الشعوب و النزوع نحو السلف و الإسلام الخالص الخالي من الشوائب و الانحرافات. لهذا السبب، يعتقد البعض أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي وليدة مدرسة رشید رضا الفكرية(1) . و كان من نتيجة الحوارات و الخطب التي ألقاها حسن البنّا تشکیل جمعية من ستّة أشخاص في مدينة الإسماعيلية، أقسموا على التضحية بأنفسهم من أجل رفع كلمة الإسلام. و قد اختارت الجمعية حسن البنّا لزعامتها، و بناءً على اقتراحه أطلق اسم «الإخوان المسلمون» على الجمعية المذكورة(2).

ص: 23

بدأ البنّا بوصفه زعيماً للإخوان المسلمين حواراته و خطبه في مختلف المحافل و الميادين لدعوة الناس للانخراط في هذه الجماعة. وسرعان ما تنامت الجماعة و توسّعت. في عام 1929م حصل البنّا على ترخيص رسمي لنشاطات الجماعة تحت اسم «جمعية الإخوان المسلمين»، و بدأت بمنح العضوية للأفراد في المدن والبلدات المحاذية للإسماعيلية. تأسّس الفرع الثاني لهذه الجماعة في مدينة القاهرة. و قد قسّم البنّا نشاطات جمعية الإخوان المسلمين ضمن برنامج طويل الأمد إلى ثلاث مراحل هي: الدعوة إلى الدين؛ تنظيم جمعية الإخوان؛ النشاط و الكفاح. لقد استغرقت هذه المراحل الثلاث منذ بدء نشاط الجمعية و حتى اغتيال البنّا عشرين سنة. أقدم البنّا على بناء مساجد و نوادي و ورش خاصة للإخوان من خلال الإعانات و القروض التي كان يأخذها من التجار، حتى أنّه لم يرفض هدية الشركة البريطانية لقناة السويس، لكنّه رفض المساعدات الحكومية المشروطة بالتعاون معها. لم يكن نهجه في التعريف بالجماعة كتشکیل دیني يثير حساسية الحكومة أو البلاط أو الإنجليز الذين كان لهم نفوذ في مصر آنذاك، و كان يمتلكون

ص: 24

قناة السويس؛ و لكن مع توسّع تشكيلات الإخوان و انتشارها، راحت الجماعات الأخرى تكیل مختلف التهم للإخوان.

في عام 1930 م سافر عضوان في البرلمان عن جماعة الإخوان إلى فلسطين و التقيا بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.

عملت مجموعة من الطلبة السوريين في مصر المنتمين إلى جماعة الإخوان في تلك السنوات على تشكيل فرق مختلفة، و قد اتحدت فيما بينها في عامي 1937 و 1938 م لتشكّل أول فرع للإخوان خارج مصر(1).

في ذلك الوقت، كان عدد من الأحزاب مثل حزب الوفد و حركة مصر الفتاة بما لديه من تشکیلات خاصة منهمك في النشاط السياسي. و أعلنت هذه الأحزاب عن معارضتها للأسلوب الديني الذي بايعت به جماعة الإخوان الملك فاروق ذي الثمانية عشر عاماً في مراسيم تتويجه التي جرت في عام 1937 م. و قد اعتبر حزب الوفد هذا التصرّف بمثابة إقحام الدين في أمور لا تعنيه، و من هنا جاءت معارضته لتصرّف

ص: 25

الإخوان(1). و قد أدّت هذه الحادثة إلى اعتراض البلاط على الوفد و وقوفه إلى جانب الإخوان. من ناحية أخرى، استمرّ الإخوان في ترتيب أوضاعهم و تأسیس مکتب للدعوة و مكتب للإرشاد بالإضافة إلى عقد المؤتمرات الدورية و تشكيل فرق الكشافة، و قرّر حسن البنّا استغلال التوتر الحاصل بين حزب الوفد وبين البلاط، فأعلن أنّ الجماعة من الآن فصاعداً ستقوم بتوظيف سلطتها الاجتماعية لممارسة الضغوط على الحكومة. قبل ذلك، كان البنّا يرسل رسائل إلى الملك و إلى رؤساء الحكومات لينصحهم و يعظهم، لكنّه قرّر في عام 1938 م أن يتحوّل من وضع الداعية و الناصح إلى المشاركة في الكفاح السياسي. طبعاً كان البنّا يعارض أيّة ممارسة للعنف و الثورة و الانقلاب العسكري، و كان يعتبر الأسلوب الصحيح في الكفاح هو الأسلوب السلمي و كان يحثّ عليه دائماً. غير أنّ هذا الأسلوب السلمي للبنّا و إيمانه بالطرق القانونية لم يرق لبعض الأعضاء في الإخوان فانفصل هذا البعض عن الجماعة ليؤسّس جمعية مستقلة له تحت عنوان «جمعية شباب محمد». بعد سنتين أُرسل البنّا إلى

ص: 26

المنفي بضغط من الإنجليز و عُطّلت نشاطات الإخوان، و لكن لم يمض وقت طويل حتى أُعيد إلى البلاد بضغط من البرلمان. في عام 1942م رشّح البنّا نفسه لانتخابات عضوية البرلمان، لكنّه انسحب بالتوافق مع حزب الوفد، غير أنّه في المقابل حقّق للإخوان حرية أكبر في العمل. على سبيل المثال، عكف البنّا، على غرار الأحزاب المصرية الأخرى التي كانت تشكّل مجموعات سرية للقيام بنشاطات عسكرية، على تشكيل جماعة سرية و تدريب أعضائها على فنون القتال.

كان الهدف من تشكيل هذه الجماعة محاربة المحتلين الأجانب، و رفع الموانع التي تقف في طريق الدعوة إلى الدين . لكنّ البعض يعتقد أنّ البنّا وافق على تشكيل هذه المجموعة من أجل تهدئة أنصاره المتحمسين(1). و أول عمل نفذته هذه المجموعة على الصعيد الداخلي هو اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء و رئيس حزب الوفد في عام 1945م و ذلك بتهمة تزوير الانتخابات و منع دخول الإخوان إلى البرلمان.

ص: 27

بعد عام واحد اتّخذ فرع الإخوان المسلمين في فلسطين الصفة الرسمية بعد سنوات من النشاط . كما افتتحت الجماعة فروعاً لها في كل من الأردن و السودان و بدأت نشاطاتها رسمياً. في نفس السنة، اجتمع أعضاء هذه الفروع في مكة المكرمة بحضور حسن البنّا زعيم الجماعة من أجل تبادل الآراء حول قضايا العالم الإسلامي. على الرغم من أنّ الحكومة السعودية كانت تبدي تعاوناً مع جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّها، مع ذلك، لم تسمح بافتتاح مكتب لها على أراضيها(1). في مصر، كانت هناك بعض الخلافات بين حزب الوفد و جماعة الإخوان المسلمين حول مسألة المشاركة في الانتخابات و تأييد أو رفض معاهدات مصر مع البريطانيين. و أدّت هذه الخلافات إلى بروز صراعات بين الحزبين. فقد ساند بعض أعضاء الإخوان الذين كان لهم رأي مخالف للبنّا، وجهة نظر حزب الوفد، فوقع انشقاق في صفوف الإخوان؛ لكنّ موقف البنّا تعزّز و استعاد من جديد السيطرة على أوضاع الجماعة بعد طرح خطة تقسيم فلسطين عام 1948 م و مشاركة الإخوان في الحرب ضدّ إسرائيل. في تلك السنة

ص: 28

حدث انقلاب ضدّ الإمام الزيدي في اليمن كان للإخوان دور في التمهيد له، و أعلن البنّا عن مساندته لهذا الانقلاب(1). لقد بعثت حادثة الانقلاب هذه برسالة إلى ملك مصر مفادها أنّ الجماعة قادرة على تدبير انقلاب ضد الملك أيضاً. بالإضافة إلى النشاطات السياسية و دعم الانقلابيين في اليمن، شارك أعضاء من الإخوان في الحرب ضد إسرائيل أيضاً. كانت حكومة النقراشي تعارض تدخل مصر في الحرب ضد إسرائيل، لكنّها دخلت الحرب بأمر من الملك فاروق. في الوقت الذي كان فيه أعضاء الإخوان يخوضون معركتهم ضد إسرائيل في جبهات القتال، قام النقراشي، رئيس الوزراء المصري آنذاك بحلّ جماعة الإخوان، و أمر باعتقال أعضائها. و کرد فعل على ذلك قام التنظيم السرّي للإخوان المسلمين باغتيال النقراشي في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1948 و كان حسن البنّا آنذاك في الديار المقدسة يؤدي مناسك الحج. على الرغم من استنكار البنّا الحادث الاغتيال، إلّا أنّ أصابع الاتهام كانت تتجه إليه و تتهمه

ص: 29

بالمسؤولية عن الحادث، و بعد شهرين تم اغتياله. من بين الأسباب التي تقف وراء اغتيال البنّا، خشية الملك فاروق من قيام جماعة الإخوان بتدبير انقلاب ضده(1)، و كذلك، من نشاطات الجماعة لتحرير فلسطين(2).

أثار تردّد الهضيبي المستمر على البلاط و طريقته الاستبدادية في قيادة الجماعة و الفارق الكبير بينه و بين حسن البنّا، أثارت استياء عاماً في صفوف الجماعة.

على الرغم من تأييد غالبية جماعة الإخوان و دعمها لانقلاب الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر، و إنهاء الحكم الملكي لفاروق، لم يعبّر الهضيبي عن أيّ موقف حتى بعد مضي شهر واحد على الانقلاب. فمن جهة، إنّ العلاقة الحميمة بين فاروق و الهضيبي و تعاطي الأخير ببرودة مع انقلاب الضباط الأحرار الذي كان يحظى بتأييد الفريق المعارض له (للهضيبي)، و من جهة ثانية عدم اكتراث الضباط الأحرار لآراء الإخوان فيما يتعلق بالحكومة الدينية، هذه الأسباب سجّلت بداية تأزّم العلاقة بين الإخوان و الضباط الأحرار، على الرغم من أن حكومة الثورة أصدرت قرارات بإطلاق سراح السجناء السياسيين بما فيهم أعضاء الإخوان المسلمين، و إصدار أوامر بالتحقيق في مقتل حسن البنّا، إلّا أنّ الجماعة كانت تزعم بأنّ هذه السياسة لم تكن دعماً للإخوان بل لتطبيق العدالة. لقد سعی الهضيبي بمساعدة الضباط الإخوانيين إلى حثّ عبد الناصر على

ص: 31

القبول بمطالباته و الاهتمام بالقوانين الإسلامية. في المقابل، ما انفك عبد الناصر يقدّم الدعم المعارضي الهضيبي في داخل صفوف الجماعة لتضييق الخناق عليه. لقد توّج هذا الشدّ و الجذب الذي أدّى في النهاية إلى زجّ الهضيبي في السجن، إلى حادثة المنشية الشهيرة(1) في عام 1954 م حيث تعرّض جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال فاشلة، و اتُّهم الإخوان المسلمين بتدبير الحادثة فاعتقل زعماء الإخوان عقب ذلك و زجّ بهم في السجون، و حُكم على سبعة منهم بالإعدام و البقية بالسجن. تم تنفيذ أحكام الإعدام على الرغم من الاعتراضات الشديدة، و استثني الهضيبي من حكم الإعدام و خُفّف إلى السجن المؤبّد. في تلك الظروف، اضطر الإخوان إلى نقل نشاطاتهم إلى سورية، و بدأ مكتب الإخوان هناك بنشاطات كبيرة. ظلّ سجناء الإخوان في زنزانات النظام حتى وفاة عبد الناصر و وصول أنور السادات للحكم.

في ظروف الاعتقال الصعبة انتشر الفكر التكفيري بين سجناء الشباب الإخواني المتطرّف، و اتّخذ بعضهم کتاب معالم في

ص: 32

الطريق لسيد قطب بوصلة لأفكاره فنحا صوب تكفير المجتمع برمته. إزاء هذا التيار القطبي الذي شاع في السجون، كتب الهضيبي كتابه دعاة لا قضاة مبيّناً أنّ الإخوان هم دعاة للدين لا قضاة يحكمون على سرائر الناس و إيمانهم(1). أمّا سيد قطب فقد أطلق سراحه لأسباب مرضية، و لكن أعيد سجنه و أعدم في عام 1966م بتهمة تزعّمه لتنظيم سرّي و التآمر على الدولة.

بعد وصول أنور السادات إلى السلطة أطلق سراح سجناء جماعة الإخوان، من جملتهم الهضيبي، في عام 1971 م. استأنفت الجماعة نشاطها من جديد، لكنّه نشاط كان يعكس تشتت الجماعة، و لم تفلح جهود الهضيبي في لم شملها و إعادة اللحمة إليها في تحقيق نتائج تذكر. في عام 1973 م توفي الهضيبي و خلفه عمر التلمساني مرشدة عامة للجماعة، الذي استطاع أن يبعث الروح في تشكيلات الإخوان مجدداً من خلال تغيير رؤية الجماعة للنظام الحزبي الداخلي و طبيعة المواجهة مع أحزاب مصر. في هذه الفترة تأسّس مجلس الإخوان (الهيئة التأسيسية السابقة) بالاقتراع السري، و تكفّل هذا المجلس لفترة محدود

ص: 33

بمهمة اختيار أعضاء مكتب الدعوة العامة و المرشد العام، فتحوّلت جماعة الإخوان المسلمين من جماعة مستأثرة بالقرار مخالفة للنظام الحزبي، إلى حزب سياسي يقبل بتعدّد الأحزاب. في ذلك الوقت، لم تكن جماعة الإخوان قد حصلت بعد على ترخيص بالعمل الحزبي. لم تعجب السياسة المنفتحة و المعتدلة العمر التلمساني الجيل التقليدي في الإخوان؛ خصوصاً و أنّ هذه الفئة كانت تعارض بشدة سياسة السادات في الصلح مع إسرائيل. لقد مهّدت معارضة الإخوان لمعاهدة كامب ديفيد و السلام مع إسرائيل لمواجهة بين السادات و الإخوان و الجماعات الإسلامية المتطرفة، انتهت باغتيال السادات في عام 1981 م على يد خالد الإسلامبولي، عضو جماعة الجهاد الإسلامي. بعد ذلك جاء الرئيس مبارك و طرح سياسة المصالحة الوطنية. فقد حاول مبارك التصدّي للجماعات الإسلامية المتطرّفة، و التمييز بينها و بين جماعة الإخوان. في الحقيقة، إنّ التهاء الدولة بالجماعات المتطرّفة مثل جماعة الجهاد الإسلامي و جماعة المسلمين(1) أدّى إلى غفلتها عن جماعة الإخوان التي استطاعت أن

ص: 34

تستعيد قدرتها و نفوذها لدرجة قامت بمقاطعة الانتخابات في عام 1990 م للضغط على الدولة من أجل إصلاح قوانین الانتخابات. بعد فترة، دخلت قوات صدام الكويت و احتلت هذا البلد، ما مهّد لمجيء القوات الأمريكية إلى المنطقة، فاعترضت جماعة الإخوان على موقف مبارك. و كانت هذه المعارضة نقطة البداية للتوتّر و الأزمة بين الإخوان و مبارك.

بدأ مبارك منذ عام 1994 م اتّباع سياسة التصدّي للإخوان فاعتقل زعماءها و بعض أعضائها، و استمرّ على هذا النهج حتى اندلاع شرارة ثورة يناير في عام 2011م في مصر. مع ذلك، فقد شهدت مصر أجواءً سياسية منفتحة إلى حدّ ما و ذلك في الفترة من 2004 إلى 2009م استطاعت في ظله جماعة الإخوان أن تفوز بخمسة مقاعد في المجلس و ذلك بدخول أعضائها كأشخاص مستقلين في الانتخابات. هذا في الوقت الذي لم تكن الجماعة تمارس نشاطها كحزب رسمي، و لكن سرعان ما

ص: 35

تبددت هذه الأجواء بعد تعديل قانون الانتخابات، و عادت الجماعة لتواجه الدولة من جديد(1). في هذه الفترة انشطر الإخوان إلى تيارين إصلاحي و تقليدي، حيث أعلن التيار الإصلاحي أنّ جماعة الإخوان تحولت من تنظيم عالمي إلى حزب وطني يلتزم قواعد الديمقراطية، لدرجة أنّه يوافق على الإشراف العام على الجماعة و يقرّ جميع حقوق المواطنة من جملتها حق المساواة بين المرأة و الرجل و بين المسلم و غير المسلم، و يؤيد حق المرأة في تبوء منصب رئاسة الجمهورية، كما أنّ هذا الحزب يلتزم تعهدات الدولة تجاه سائر البلدان بما فيها إسرائيل. هذا، في الوقت الذي ظلّ التيار التقليدي متمسكاً بأفكاره المحافظة، و بدأ يعارض التيار الإصلاحي في الجماعة(2). و الموقف الذي أعلنه مصطفی مشهور أحد زعماء الإخوان المحافظين حول ترشح الأقباط المنصب رئاسة الجمهورية أدّى إلى حدوث توتّر في أوضاع المجتمع المصري(3). في عام 2010م أعلن الإخوان مرة أخرى

ص: 36

رفضهم لتبوّء المرأة و الأقباط منصب رئاسة الجمهورية، و لذلك قاطعوا الانتخابات الرئاسية في عام 2011م.

خلال أحداث ثورة يناير في مصر عام 2011 م، راحت تشکیلات تنظيم الإخوان تفتّش عن حل سلمي و التحاور مع المجلس العسكري الحاكم، لكنّ شباب الإخوان نزلوا إلى الشارع ولم يكترثوا لمواقف زعمائهم و رفضوا التفاوض مع العسكر.

الإسلامية أثارت حفيظة سائر الأحزاب الأخرى، لأنّ الإخوان دخلوا الساحة السياسية تحت غطاء حزب سياسي مدني تعددي، لكنّهم بعد فوزهم في الانتخابات تحوّلوا إلى مقولة إقامة الحكومة الدينية(1). و بالتزامن مع هذه الأحداث، قرّر فريق من الإخوان يحمل أفكاراً إصلاحية الانشقاق عن الإخوان و تشکیل حزب الوسط الإسلامي. و كان قوام هذا الفريق المعارضون للتيار التقليدي المحافظ في الإخوان، و كانوا يعتزمون تأسیس حزب سياسي منذ 15 سنة. في أجواء ما بعد الثورة في مصر بدأت الجماعة الإسلامية، التي ترفع شعار تكفير المجتمع، و السلفيون أيضاً يفكّرون في تشكيل أحزاب سياسية . و قد أثمر التحالف بين الجماعات الإسلامية في الانتخابات الرئاسية عام 2012م، في مصر، عن فوز محمد مرسی كأول رئيس للجمهورية بعد الثورة. لكنّ عجز هذا الأخير عن إدارة البلاد و إطلاق سراح السلفيين المتطرّفين و الجهاديين من السجون زاد من أجواء عدم الاستقرار و العنف في مصر(2)، ما

ص: 38

أدّى إلى اندلاع التظاهرات المعادية لمرسي، و قد طالب المعارضون بتنحي مرسي عن السلطة، و بالفعل تمت تنحيته في الثالث من حزيران/يونيو 2013م، بانقلاب عسكري حيث ألقى قائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي بياناً حظي بدعم و تأييد الزعماء المعارضين للحكومة من بينهم محمد البرادعي، و الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر و بابا الأقباط في مصر ، و هو الآن (محمد مرسي) يقبع في السجن حتى تحكم اللاعدالة المصرية بشأن رئيس الجمهورية المنتخب.

في الختام، لا بد أن نشير إلى هذه النقطة و هي أنّه على الرغم من الأداء السيء لمرسي أثناء رئاسته للجمهورية، و سخطنا عليه بسبب بعض المواقف الخاصة التي اتخذها، يجب أن نعلم بأنّه كان الرئيس المنتخب لمصر، و أنّ الانقلاب عليه لم يكن عملاً صحيحاً. فإذا كان الشعب المصري لا يرغب فيه، كان بمقدوره أن يتحمل و يصبر و أن لا ينتخبه في الانتخابات الرئاسية التالية. الملاحظة الأخرى هي أنّه على الرغم من أنّ شباب مصر هم الذين فجّروا الثورة، إلّا أنّ البعض كان يبحث عن مصالحه

ص: 39

الخاصة، و البعض الآخر مثل الإخوان المسلمين كان يبحث، بالإضافة إلى مصالحه، عن تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر.

بناءً على هذا، يجب تجاوز الأخطاء و استلهام الدروس و العبر من هذه الحوادث، و أن لا يتسبّبوا بسلوكهم الخاطئ مرة أخرى بتأخير الصحوة الإسلامية، و أن لا يهدّدوا الوحدة الإسلامية؛ الوحدة التي طالما أكّد عليها حسن البنّا كثيراً و كان يعتصر قلبه دماً من أجل تحقيقها، لكنّ أتباعه لم ينجحوا في الاختبار ولم يخرجوا منه مرفوعي الرأس ، بل كانوا يصبّون الزيت على النار و يرقصون حول هذه النار.

معرض شرحه لهذه الأصول في كتاب دستور الوحدة الثقافية ، أضاف عشرة أصول أخرى إلى الأصول العشرين(1) يندرج معظمها في حقل القضايا الاجتماعية بدءاً بالأسرة و انتهاءً بالمجتمع العالمي. و على هذا الأساس، يمكن تصنيف الفكر الديني للإخوان ضمن ثلاث أقسام المعتقدات و الفقه و الأخلاق، و هي تتضمن الأصول العشرين لحسن البنّا.

النقطة التي ينبغي التركيز عليها هي أنّ الإخوان كانوا يفتّشون دائماً عن حلول للنزاعات الناشئة عن الخلافات المذهبية بين المسلمين. لهذا السبب، قلّما خاضوا في النقاط الخلافية، فقد كان دأبهم جمع الآراء المختلفة. و في هذا الإطار وجّه أحدهم سؤالاً إلى حسن البنّا حول التوسل، لكنّ البنّا و بدلاً من الإجابة على السؤال، استفسر من السائل عن الدافع وراء طرح مثل هذا السؤال، و الخوض في المسائل الخلافية، ثم دعا مخاطبيه إلى ترك هذا النوع من المسائل و السعي بدلاً من ذلك إلى تعلّم أصول الدين و العمل بالأخلاق و الفضائل و الواجبات و المستحبات(2).

ص: 41

يرون أنّ المعتقدات التأويلية الأشعرية و آراء ابن تيمية في التوحيد و الشرك محترمة بنفس المقدار .

و لأجل فهم أفضل لهذه التركيبة الفكرية، نناقش هنا مواقف الإخوان المسلمين في مجال الصفات الخبرية، و نظرتهم إلى الفرق الأخرى مثل الشيعة و المتصوفة، و بعض المسائل مثل التوسّل و زيارة القبور.

بدع الصوفية و انحرافاتها(1)؛ و الثانية، بلورة مجتمع شبيه بالمجتمع الإسلامي الذي كان سائداً في عصر السلف، أي الصحابة و التابعين(2)، مجتمع اجتمع المسلمون فيه حول خليفة واحد، و شكّلوا آنذاك أقوى سلطة في العالم. في نفس الوقت، فإنّ سلفية البنّا لا تحاكي نهج السلفيين من أتباع محمد بن عبد الوهاب، لأنّ البنّا، قبل أقوال الصحابة في حال مطابقتها للقرآن الكريم و السنّة المطهرة، و ذلك على النقيض من فكر ابن تيمية. و في مبحث الصفات الخيرية توقّف عند الظاهرية و اجتنب التكفير و سعى إلى التقريب بين المذاهب و تحقيق الوحدة بين المسلمين(3). و على الأغلب، إنّ سلفية حسن البنّا تجلّت في ميدان السياسة ، لكنّه، مع الأسف، لم يكن ببعيد عن أفكار ابن تيمية أيضاً. فقد أعلن في الأصل الثالث عشر من الأصول العشرين رفضه الولاية التكوينية للأولياء الإلهيين، و أكّد على عجزهم عن التصرّف في الكون قائلاً: «إنّهم، رضوان الله عليهم، لا يملكون

ص: 44

لأنفسهم نفعاً و لا ضراً في حياتهم أو بعد مماتهم فضلاً عن أن یهبوا شيئاً من ذلك لغيرهم».

إذن، فحسن البنّا شأنه شأن السلفيين و الوهابيين، لم يجز الاستغاثة بأرواح أولياء الله و لم يعترف لهم بالولاية التكوينية في حياتهم فضلاً عن مماتهم. لكنّه اعتبر التوسّل بأولياء الله مسألة فرعية حيث قال في ذلك:

«الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد خلقه، خلاف فرعي في كيفية الدعاء و ليس من مسائل العقيدة»(1)؛ بينما يعتبر الوهابيون ذلك شركاً و يكفّرون المتوسلين بأولياء الله في مماتهم.

كان حسن البنّا يؤمن بمشروعية أصل زيارة القبور، على النقيض من الوهابيين الذين لا يجيزون شدّ الرحال لزيارة القبور، فقد كان يقطع بضعة كيلومترات لزيارة قبر أحد أولياء الله و كان من هذه الناحية قريباً لعموم أهل السنّة، غير أنّه تحوّل من جديد صوب المذهب السلفي، فاعتبر طلب الحاجات و التبرك و إنارة القبور و الحلف بغير الله تبارك و تعالى من الكبائر التي تجب محاربتها. قال في ذلك:

ص: 45

«لكنّ الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا و ندائهم لذلك و التوسل بهم لقضاء الحاجات عن قرب أو بعد و إقامة النذور لهم و تشیید القبور و تغطيتها و إضاءتها و التمسّح بها و الحلف بغير الله و مايلحق بذلك من المبتدعات كلّها كبائر تجب محاربتها و لا نتناول هذه الاعمال سداً للذرائع»(1). ربما يكون حسن البنّا في هذا الجانب أقرب إلى السلفية، لكنّه مع ذلك يظل بعيداً عن الوهابية، إذ لم يعتبر المؤمنين بهذه الأفكار مشركين، بل وصفهم بأنّهم يرتكبون الكبائر، فعقيدته هي أنّ المسلم لا يشرك بسبب هذه الأمور.

فرق آخر بين الوهابية و بين السلفية الإخوانية هي الظاهرية، و عدم الاهتمام بالعقل في مجال التفسير و النقل و إدارة المجتمع طبقاً لما يمليه العقل. هذه الظاهرية أدّت بالسلفيين الوهابيين إلى التركيز على الأمور الظاهرية مثل ملابس المرأة و لحية الرجل و تهدیم القبور وتكفير سائر الفرق الإسلامية، في حين لم يُعر الإخوان هذه المسائل اهتماماً كبيراً، فقد كان همّهم الرئيسي وحدة المسلمين و إصلاح المجتمعات بالاستعانة بالخبرات و المكتشفات الإنسانية. كما أنّ نظرة حسن البنّا إزاء الدور الاجتماعي للمرأة و

ص: 46

الاستفادة من الفنون الرائجة في المجتمع مثل الموسيقى، و كذا الإيمان بالديمقراطية هي نظرة متباينة جداً عمّا تعتقده الوهابية. إنّ تأكيد البنّا على سلفيّة حركة الإخوان(1) و أقوال عدد آخر من الشخصيات التي تفيد بالسير على نهج السلف الصالح(2) إلى جانب عدم الالتزام بعقائد السلفيين كلّ ذلك أدّى بمعارضي الأخوان أن يتّهموا الجماعة بالتذبذب و ضبابية رؤيتها و عدم امتلاك تفسير صحيح للعقيدة الإسلامية(3). و لكن ما من شكّ في أنّ ما قصده البنّا من سلفية حركة الإخوان يختلف عن مفهوم السلفية الذي يطرحه السلفيون الوهابيون المتطرّفون. و حتى المطلّعين على شؤون الجماعات السلفية في مصر لا يدرجون جماعة الإخوان المسلمين في لائحة الجماعات السلفية(4) .

على الرغم منّ أن الإخوان المسلمين يتبعون في معتقداتم الأصول العشرين التي طرحها حسن البنّا، إلّا أن عوامل عديدة

ص: 47

دفعت بزعماء الإخوان إلى الجنوح نحو السلفية الوهابية. من جملة هذه العوامل يمكن الإشارة إلى هجرة بعض زعماء الإخوان في أيّام جمال عبد الناصر إلى العربية السعودية و انتشار الفكر السلفي و الوهابي في مصر(1) و تنامي نفوذ التيار المحافظ في منظومة الإخوان الذي ينزع إلى أفكار سيد قطب(2). و ربّما يسلّط کلام يوسف القرضاوي في هذا المجال بعض الضوء على هذه المسألة، حيث قال في إحدى المناسبات أنّ مهمة الإخوان المسلمين هي «تصويف السلفية و تسليف الصوفية»، و لهذا السبب نجد السلفية و الصوفية معاً معارضين للإخوان المسلمين.

على العرش، أم ينبغي العدول عن الظاهر و تأويل هذه الصفات لئلا توجب النقص في الله «تنزّه عن كل نقص»؟ يؤمن الأشاعرة و الماتريدية - و هما المدرستان الكبيرتان في مذهب أهل السنّة و اللتان تشكّلان أكثرية في هذا المذهب في العالم - بالتأويل لذلك قاموا بتأويل هذه الصفات - التي تُعرف بالصفات الخبرية - . بید أنّ ابن تيمية و اتّباعاً لنهج أصحاب الحديث، يعتقد بوجوب القبول بظاهر الصفات و بالتالي لا يجوز تأويلها. فهو يقول بأنّ الله يمتلك عينين و يدين، لكنّه يقول أنّ مراده هو اليد و العين اللتان تليقان بالله تبارك و تعالى. و الأمر المؤسف هو أنّ ابن تيمية ينسب هذا الفكر إلى السلف و يعتقد أنّهم، كما أصحاب الحديث، لم يجيزوا التأويل، و اعتبروا أنّ الله يملك هذه الصفات بالفعل. و يقول ابن تيمية عن هذا الفهم للسلف بأنّه الأمثل و الأصحّ و يحثّ على التأسّي به و تمثّله، لأنّ فهم الأشاعرة، على حدّ تعبيره، هو فهم الخلف، و فهم السلف أرجح من فهم الخلف.

بينما نظرة حسن البنّا إلى الصفات الخبرية عبارة عن رأي ثالث بين الرأيين السابقين، حيث كان يحثّ على الوقوف على معاني

ص: 49

هذه الصفات؛ و إن كان يعذر المتأوّلين لهذه الصفات (أي الأشاعرة). و كان يقول، بخلاف رأي ابن تيمية، بأنّ السلف لم يكن يحمل الصفات على الظاهر، و قد وقف على معانيها. و معلوم أنّ هذا الرأي يتعارض مع رأي ابن تيمية و الوهابية مئة في المئة. فبحسب رأي ابن تيمية، كان السلف يعرف معاني الصفات الخبرية، ولم يتوقّف أبداً عند معانيها. أمّا حسن البنّا فرأى أنّ السلف قد توقّف عند الصفات الخبرية و أوّلها ، علماً أنّه لا إشكال في تأويل هذه الصفات ما دام ذلك لا يتعارض مع أصول الشريعة. و قد حاول هنا التقليل من أهمية الخلاف بين الخلف (الأشاعرة) و بين السلف (أصحاب الحديث و ابن تيمية)، و القول بأنّ المسألة الأهم هي وحدة المسلمين. كما ذكر البنّا أبا حامد الغزالي و الفخر الرازي بخير مبيّناً أنّهما من مفاخر المسلمين(1)، لكنّه مع ذلك رأى أنّ نهج السلف في التوقّف أسلم و أجدر أن يُتّبع، ولم يحبّذ نهج الخلف، و لكن دون أن يجعل ذلك سبباً لتكفيرهم و ذلك لاعتقاده بأنّه حتى السلف كان يلجأ إلى التأويل، و منهم أحمد بن حنبل حيث لجأ إلى تأويل الصفات

ص: 50

الخبرية في ثلاثة مواضع(1). و ينقل يوسف القرضاوي كلام البنّا في موضوع الصفات الخبرية بشيء من التفصيل و يدافع عن موقفه، من خلال الردّ على السلفيين الذين أشكلوا على مواقف البنّا في هذا الموضوع(2). و في نفس السياق، ينتقد محمد الغزالي رأي السلفيين المعاصرين في مبحث الصفات الخبرية الذين يحملون الألفاظ على ظواهرها دون التعمّق في معانيها، و يؤمن بالتنزيه الذي يقول به الأشاعرة(3). في نفس الوقت، يؤثر التوقّف عند هذه المسائل، على غرار حسن البنّا، ولا يرى ضرورة في التركيز على هذه البحوث، و يكفي للمسلمين أن يعرفوا بوجود هذا القدر من اشتراك المواقف لدى الفريقين الواقفين و التأويليين فيما يتعلّق بتنزيه الذات الإلهية(4).

و بناءً على ما تقدم، لا يؤيّد الإخوان المسلمين أيّ من الفريقين الأشاعرة و السلفيين في دعواه ، و إنّما يختارون طريقاً ثالثاً. فهم

ص: 51

يؤثرون التوقّف عند هذه المسألة، فيعذرون الأشاعرة و يرفضون انتقادات السلفيين لهم (أي للأشاعرة).

عكف على إعداد الناس و تربيتهم، فسوف يمتلك قوة هائلة لتطوير المجتمع و دفعه إلى الإمام(1).

في ذات الوقت، فإنّ التصوّف الذي يحظى بترحيب الإخوان هو الذي يتأطّر بإطار الشريعة و يستند إلى القرآن الكريم و السنّة المطهرة(2). فقد قال البنّا في هذا المجال، لا يشكّل الكشف و الشهود دليلاً شرعياً(3). وفي الحقيقة، إنّ متصوّفة الإخوان المسلمين يرفضون نظرية وحدة الوجود لدى ابن عربي و كذا التصوف الفلسفي(4)، و يعتبرون أنّ هذا التصوّف يحمل، في الأغلب، طابعاً تربوياً و أخلاقياً. يقول محمد الغزالي، الزعيم الروحي للإخوان المسلمين إنّ التصوّف يتألف من ثلاثة عناصر هي: إيمان في القلب نابع من العقل؛ تهذيب النفس و تزكيتها مع اكتساب المناقب الأخلاقية، و تحقير الحياة الدنيا في مقابل الآخرة(5). و ابن تيمية أيضاً لا يؤيّد في التصوّف إلّا هذا البعد أي

ص: 53

البعد الأخلاقي(1). و بسبب تأييد الإخوان للتصوّف، فإنّ الوهابيين ينعتونهم بالمتصوّفة الضالّون المبتدعون(2)، و في المقابل، فإنّه لمّا كان تصوّف الإخوان خالياً من المستحسنات الصوفية و المبادئ الفلسفية لابن عربي، فإنّ المتصوّفة تتهم الإخوان بتبنّي الفكر الوهابي(3).

بصدد التقارب و تجسير العلاقة بين الإخوان و الشيعة و تجسّد ذلك في قبوله دعوة العلامة القمي لتشكيل دار التقريب و الالتقاء بآية الله الكاشاني في مكة، و وصلت هذه العلاقة ذروتها عندما أقام الإخوان إحدى مناسباتهم المهمة في الجامعة المصرية بحضور الشهید نواب صفوي الذي ألقى كلمة بالمناسبة(1).

إنّ آراء جماعة الإخوان القريبة من الشيعة في مجال العودة إلى الإسلام و إقامة الحكومة الإسلامية أدّت إلى إعلان مساندتها للثورة الإسلامية الإيرانية بعد انتصارها و تقديم الدعم لها، من خلال حضور رموز الجماعة إلى إيران و الالتقاء بالإمام الخميني و تقديم التهنئة بانتصار الثورة(2). إنّ دعم الإخوان المستمر للشيعة و لإيران أثار انتقادات الوهابيين الشديدة ضدّ الإخوان(3). و لكن بعد اندلاع الصراع بين الإخوان المسلمين في سورية و بين نظام الرئيس حافظ الأسد و دعم إيران للنظام في سورية و ما أعقب ذلك من حملة إعلامية ضدّ إيران في وسائل

ص: 55

الإعلام العربية و الغربية، كل ذلك دفع العلاقات بين الإخوان المسلمين و إيران نحو الفتور و التوتّر، وقد بلغ ذروته عندما أعلن بعض أعضاء الجماعة تأييده و مساندته لصدام في الحرب التي فرضت على إيران على مدى ثماني سنوات. و مع ذلك لم تتبنّ الجماعة موقف صلاح أبو اسماعيل الذي زار العراق آنذاك و وجّه إساءات إلى إيران، حيث اعتبر مرشد الجماعة عمر التلمساني ذلك الموقف موقفاً شخصياً لا يمت للجماعة بصلة(1). كما أنّ تقديم إيران الدعم من جديد للنظام في سوريا و للرئيس بشار الأسد في السنوات الأخيرة أثار مرة أخرى انتقادات من قبل بعض الإخوانيين لهذا الدعم الإيراني، و هو ما ظهر جلياً في مواقف الرئيس محمد مرسي، الرئيس المصري المعزول، تجاه الشيعة و إيران. كما أثارت الحملة الدعائية لوسائل الإعلام العربية و الفوبيا التي أشعلتها ضد إيران بذريعة نشر المذهب الشيعي أيضاً أثارت مواقف معادية ليوسف القرضاوي تجاه إيران. و لكن، مع ذلك، ظلّت المواقف العامة للإخوان متمسكة بالتعاطي مع سائر المذاهب و الحركات الإسلامية .

ص: 56

رئيسي صوب القضايا الاجتماعية و السياسية. ذكر البنّا في الأصل الخامس عشر من أصوله العشرين، بأنّ التوسّل من ضمن الحالات الخلافية و الفروع الفقهية، و لا يعتبر من الأصول العقدية. بالنتيجة، لا يعتبر المتوسّل مشركاً(1). يبيّن الغزالي في مبحث التوسل بجاه النبي، بعد أن يطرح رأيين اثنين، عدم أهمية الخلاف في هذه المسألة، و يصف دعاء الأموات و التوسّل بهم لقضاء الحاجات شرك أحمق(2). و يحاول في هذا المجال في إطار بيان حكم هذه المسائل، أن يقلّل من أهميتها في المجتمع. من هنا يأتي نقد الوهابيين للإخوان بسبب تقاعسهم في الدعوة إلى التوحيد و محاربة الشرك فيما يتعلق بمسألة الأموات(3).

الحديث، و على الرغم من زعمهم بأنّهم حنابلة، لكنّهم يعارضون تقليد أئمة المذاهب السنّية و يدّعون أنّه من أجل فهم الأحكام لا بدّ من الرجوع المباشر إلى القرآن الكريم و الحديث الشريف لاستنباط الأحكام الدينية. على هذا النحو، فقد فتحوا نافذة صغيرة على الاجتهاد الفقهي، واستطاعوا بلورة فقههم و عقائدهم على أساس ظواهر القرآن الكريم و السنّة الشريفة.

في تعريفه للإخوان يبيّن عمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة بأنّ أعضاء جماعة الإخوان لا ينتمون لأيّة مدرسة فقهية، و إنّ معظم شخصياتها و رموزها من الأفراد العاديين من مختلف شرائح المجتمع، الذين خاضوا في القضايا الاجتماعية أكثر من خوضهم في القضايا العلمية، و كانوا مجاهدين في سبيل الله(1). في نفس الوقت، فإنّ بعض أعضاء الإخوان ممّن عكف على البحث و التحقيق في مجال الفقه، قد حرّر نفسه من قيود تقليد أئمة أهل السنّة، و تعاطي مع موضوع الاجتهاد و استنباط الأحكام الشرعية من زاوية الاجتهاد. و هذا الأمر، كما نعرف، مستوحى من رأي ابن تيمية في انفتاح باب الاجتهاد، و قد طرح هو نفسه

ص: 59

بعض الاجتهادات التي تتعارض مع آراء الأئمة الأربعة لأهل السنّة. وعلى الرغم من أنّ الإخوان المسلمين لا يعتقدون بغلق باب الاجتهاد، لكنّهم يجيزون اتباع أئمة الفقه لأهل السنّة. كما أنّهم يرون أنّ الحاجة إلى الاجتهاد في العصر الحاضر أصبحت أكبر ممّا كانت عليه في العصور الماضية، و أنّه بالإضافة إلى الاجتهاد الفردي، لا بدّ من القيام باجتهاد جماعي من أجل إتاحة الفرصة لمناقشة قضايا العصر في أجواء علمية و تخصصية بعيداً عن أيّة ضغوطات اجتماعية(1) . يستعرض يوسف القرضاوي في كتابيه فقه الأولويات، و كيف نتعامل مع السنّة النبوية و غيرها من الكتب، أصوله و مبادئه في الاجتهاد. و الشيخ الغزالي أيضاً يوجّه نقداً إلى فكرة الاستغناء عن فتاوى أئمة الفقه و الرجوع المباشر إلى القرآن و الحديث، و في نفس الوقت يرى أنّ التعصّب لمذهب فقهي بعينه يعدّ إشكالية بالنسبة للفقه(2). الأمر الذي يفسّر عدم تمسّکه بأيّ من المذاهب الفقهية(3)، بل ولوج میدان الاجتهاد بالاستناد إلى التراث العلمي و الأصولي الذي ورثناه عنهم.

ص: 60

فالشيخ الغزالي، بالإضافة إلى دراسة المصادر الدينية، يأخذ المصالح أيضاً بعين الاعتبار(1). نفس الشيء بالنسبة لسيد سابق، و هو أحد فقهاء الإخوان، الذي يشير في بداية كتابه فقه السنة إلى أئمة المذاهب الفقهية الأربعة لأهل السنّة، و يقول أنّهم كانوا ینهون الناس من تقليدهم. ثم يضيف قائلاً: «بعد هؤلاء الأئمة تقاعس الناس عن الاجتهاد و تمسكوا بالتقليد فبدأوا يعتقدون بانسداد الاجتهاد»(2).

و هكذا، بدأ فقهاء الإخوان بتأليف الكتب الفقهية، و تبيين أحكام الدین استناداً إلى استنباطاتهم و اجتهاداتهم الشخصية، و هو ما رفضه مقلّدوا المذاهب الأربعة لأهل السنّة، لا بل أثار ذلك انتقادات الوهابيين أيضاً، الذين اعتبروا الإخوان أتباع مذهب توفيقي(3) ،(4) فالإخوان، بحسب وجهة نظرهم، يفتّشون في فتاوى الفقهاء عمّا ينسجم مع مذاقهم، و يعرضوه كمذهب

ص: 61

فقهي جديد. ويبدو أنّ حسن البنّا نفسه كان أيضاً معارضاً لانسداد باب الاجتهاد(1)، ولم يكن يعتنق مذهباً فقهياً خاصاً، بل قرأ الكتب الفقهية الشافعية و الحنفية و المالكية، و كان يفتّش بنفسه عن الأدلة(2). و كذلك سيد قطب، فمع أنّه لم يكن من فقهاء الإخوان إلّا أنّه لم يكن يقلّد مذهباً خاصاً، و كان يعتقد بعدم المشقة في الأحكام الإسلامية(3). من هنا يمكن القول بأنّ زعماء الإخوان كانوا من المنادين بفتح باب الاجتهاد، لكنّهم، للأسف، كانوا يعانون من تشتت واسع في الآراء و الأقوال يتراوح بين التقليدية الشديدة و بين التغرّب العلماني، يعزوه البعض إلى عدم إلمامهم بالمصادر الإسلامية و عدم تقليدهم لشخص معين.

مناحي الحياة الإنسانية، لذلك، فهو يمتلك قوانين للقضايا الاجتماعية للإنسان من بينها السياسة و الحكومة. تعتقد الجماعة أنّ الدين لا ينفصل عن السياسة، و إنّما السياسة جزء من الدين الإسلامي. يسهب القرضاوي في كتابه الدين والسياسية في مناقشة هذه المسألة، و من هذا المنطلق، تقول الجماعة بأنّه استناداً إلى حكم الدين و الضرورة العقلية يجب على المسلمين أن يسعوا الإقامة الحكومة الإسلامية بهدف تطبيق الدين و الدعوة إليه و الدفاع عنه.

لقد ناضلت جماعة الإخوان المسلمين طيلة ثمانين عاماً من أجل تحقيق حلم تأسيس الحكومة الإسلامية، ليس عن طريق تغيير مفاجئ في رأس السلطة عبر القيام بانقلاب عسكري و ما شابه، و إنّما تأسیس مجتمع راسخ ينشد أفراده تطبيق الأحكام الإسلامية على يد الحاكم. و بحسب رأي الجماعة، فإنّ هذه الحكومة تتمحور حول أحكام الإسلام و يقودها شخص منتخب من قبل الشعب، يكون مسؤولاً أمامهم. و أقصى حالة مثالية لهذه الحكومة هي الحكومة العالمية، التي تجمع جميع المسلمين تحت قيادة إمام أعظم و جهاز للخلافة، و تدعو غير

ص: 63

المسلمين جميعاً إلى الدخول في الإسلام، و تعلن الجهاد ضد أعداء الدعوة إلى الدين. الحكومة التي تنشدها جماعة الإخوان و تتطلّع إليها تضطلع بمهام و وظائف عديدة و مختلفة، تنقسم عموماً، إلى قسمين وظائف دينية و وظائف دنيوية. فالوظيفة الدينية للحكومة تتمحور حول الدعوة إلى الدين و الجهاد، و وظيفتها الدنيوية إدارة المجتمع و السعي للارتقاء بمستوى حياة المسلمين و مراعاة حقوق غير المسلمين. إنّ منصب الإمام الأعظم من وجهة نظر الجماعة لا يتحدّد بفترة زمنية محددة بل يكون على مدى الحياة، و لكن قبل تأسيس الحكومة العالمية، يجب تحديد فترة الرئاسة لزعماء البلدان الإسلامية لتكون دورية . و تقع مهمة تنحية الحاكم و تنصيبه على عاتق أهل الحل و العقد أو مجلس للخبراء، يستمدّ الحاكم مشروعيّته من آراء الشعب، و له حق الطاعة ما دام يقوم بواجباته على الوجه الصحيح. يعتبر الحاكم رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، و يقوم أيضاً بتعيين الجهاز القضائي نيابة عن الشعب. و تناط بالمجلس التشريعي مهمة وضع القوانين التي يحتاجها المجتمع، و يقوم ممثلو الشعب

ص: 64

و معهم الأحزاب بالاستعانة بوسائل الإعلام بالإشراف على أداء الحاكم.

و تشکّل مسألة تجسير العلاقة مع سائر البلدان و الشعوب ركناً أساسياً في عقيدة الإخوان و تبرز تجلياتها بوضوح في حقل السياسة. في الحقيقة إنّ هدف حسن البنّا و بقية المفكرين المسلمين من تأسيس دار التقريب کان تحقيق الوحدة بين المسلمين بوجه الاستعمار و النضال ضدّ احتلال البلدان الإسلامية كفلسطين. و دعوة المفكرين المسلمين من مختلف الفرق الإسلامية إلى مصر و قیام أعضاء من الجماعة برحلات إلى سائر البلدان للدعوة لفكرة وحدة المسلمين و تأسیس فروع متعددة في مختلف الدول لهذا الهدف .

النشاطات المسلحة لجماعة الإخوان، فيما البعض الآخر يعارض هذه الفكرة بشدّة. و بشكل عام يمكن تمييز فريقين أو تيارين في جماعة الإخوان(1). فريق يتبنّى اتجاهات دينية متطرّفة، و ينادي بالتطبيق الكامل و دون تریّث أو تسامح للأحكام الإسلامية . يُعرف هذا الفريق في أوساط الإخوان بالتيار التنظيمي أو المحافظ. و فريق آخر يحمل ميول إصلاحية و يرغب في إدارة المجتمع استناداً إلى العقل بدلاً من الأحكام الدينية. بناءً عليه، فإنّ هذا الفريق، بخلاف الأصول الإسلامية المطروحة، لا يمانع في تولّي المرأة أو المسيحيين إدارة المجتمع الإسلامي، يُعرف هؤلاء بالإصلاحيين(2). قد تكون إحدى الخصوصيات العامة لجماعة الإخوان هي أنّها جماعة براغماتية و عملانية جداً، إذ إنّ ظروف المجتمع تؤثّر تأثيراً كبيراً على بلورة آرائها و مواقفها. و على هذا النحو، يصعب تقديم نموذج کامل لتصنيف الجماعة استناداً إلى معتقداتها الفكرية و سلوكياتها.

ص: 66

لقد مهّد تشکیل تنظيم سري له وظيفة قتالية الأرضية المناسبة لانخراط الأعضاء المتحمسين و المتطرّفين من جماعة الإخوان فيه، و ذلك ضمن تشکیلات منظمة للتدريب على الفنون العسكرية. صحيح أنّ هؤلاء الأعضاء كانوا من خيرة العناصر الإخوانية و ممّن اجتازوا مراحل اختبار كثيرة حتى تمّ اختيارهم لهذه المهمة، إلّا أنّه مع مرور الوقت أصيب بعض الأعضاء و الزعماء في هذه التشكيلات بالاستبداد و التطرّف. فالشباب الذين تدرّبوا على الفنون القتالية كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة لإظهار قدراتهم في مختلف المراحل من أجل الدفاع عن الدين و محاربة أعدائه، و تطبيق الشريعة الإسلامية. غير أنّ النهج السلمي الذي اتّبعه المرشد العام و سائر زعماء الإخوان أصاب ذلك التنظيم باليأس والإحباط، و بالنتيجة، انفلت أعضاؤه من عقال المرشد العام و راحوا ينفّذون، من تلقاء أنفسهم، عملیات اغتيال لبعض الشخصيات. و برأي البعض إنّ الاستبداد و التطرّف الذي أصاب التنظيم السري كان بمثابة تمهيد لوقوع الجماعة في المشاكل و تصدّي الحكومات لنشاطها و السبب الرئيسي وراء اغتيال حسن البنّا. ربما يقال أنّ خوض أعضاء

ص: 68

التنظيم السري معارك ضدّ إسرائيل كان يرضي غرور معنوياتهم الحماسية، و يبرّر، بالتالي، النشاط العسكري للتنظيم السري للإخوان، غير أنّ اغتيال النقراشي رئيس الوزراء المنصّب من قبل الملك فاروق، و القاضي الخازندار(1) ولّد شعور بالخطر الجدي لدى الحكومة و تصميمها على التصدّي لجماعة الإخوان و اغتيال حسن البنّا. إنّ عدم اكتراث الحكومة بالدين و مواجهتها لجماعة الإخوان المسلمين و اغتيال حسن البنّا أدّى إلى إثارة سخط الجماعة ما دفعها إلى التصميم على أخذ الثأر لدم البنّا. و هنا استغلّ جمال عبد الناصر هذه المعنويات الثورية الجياشة فأنهى حكم الملك فاروق.

غير أنّ هذه العلاقة الطيبة بين الطرفين لم تستمر طويلاً، فنشب نزاع بين الإخوان المسلمين و بين نظام جمال عبد الناصر أدّى إلى سجن أعضاء الجماعة، و تعذيبهم و إعدامهم، فاستنتج البعض في الجماعة أنّه لا بدّ من التعامل مع النظام باللغة التي يفهمها أي لغة العنف و القوة، و لا فائدة من الحوار و المداراة. كان

ص: 69

سید قطب من أشدّ المتحمّسين لثورة الضباط الأحرار، و قد تعرّض للسجن و التعذيب بعد انقلاب عبد الناصر على الإخوان المسلمين، و ألّف في السجن كتابه الشهير معالم في الطريق. في هذا الكتاب قسم المجتمعات إلى قسمين، مجتمعات جاهلية، و مجتمعات إسلامية، ثم شرح كيفية الانتقال من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي انتقالاً واسعاً و شاملاً لا تشوبه أيّة مداراة أو محاباة للباطل و الجاهلية، و على حدّ تعبيره، لا بدّ للحقّ في هذا الطريق أن يحلّ حلولاً كاملاً محلّ الباطل. من وجهة نظر سيد قطب، مهما تكن الإصلاحات و التعديلات في المجتمع الجاهلي كبيرة لا تستطيع أن تتجاوز حدود المجتمع، فيبقى أساس المجتمع، و هو طاعة غير الله، أساس جاهلي(1). على هذا الأساس، لقد اعتبر سيد قطب أيّ تصالح أو تسالم أو تعاطي مع الحكومات غير الإسلامية أمر لا طائل من ورائه، فشكّل قاعدة نظرية للروح المتطرّفة و العنيفة للشباب. بعد سنوات من التعذيب في سجون عبد الناصر، أطلق سراح أعضاء الإخوان، و لكن تولّدت من رحم هذه السجون

ص: 70

جماعات إسلامية متطرّفة مثل جماعة التكفير و الهجرة التي كانت تعتقد بكفر المجتمع برمته، و التي انشقّت عن جماعة الإخوان المسلمين. و لكن على الرغم من أنّ شريحة كبيرة من جماعة الإخوان لم تؤمن بتكفير المجتمع إلّا أنّها تأثّرت بشدّة بسيد قطب في سنوات السجن، و راحت تمارس نشاطات سرية. و هذه الشريحة كانت في غالبيتها من أعضاء التنظيم السرّي للجماعة الذين استطاعو تسلّق المناصب العليا في تشكيلات الإخوان في السنوات اللاحقة. و يعتبر مصطفی مشهور و محمد بديع و محمود عزت من أهم الوجوه البارزة في هذا التنظيم(1).

الإخوان المسلمين(1). إحدى الشخصيات البارزة في هذا التيار هو عبد المنعم أبو الفتوح(2) أمير إحدى الجماعات الإسلامية المصرية(3) الذي التحق بجماعة الإخوان المسلمين بعد أن تعرّف على عمر التلمساني(4). يعود تشكيل هذا التيار إلى أواخر أيام حسن البنّا، عندما قامت ثلّة من شباب الإخوان بتشكيل جماعة أطلق عليها « التقدميون الإسلاميون»(5)، و قرّروا أن يقوموا بدراسات أوسع من مجرّد تعاليم الإخوان. لكنّ هذه الجماعة لم تستطع استكمال نشاطها العلمي بصورة جماعية بسبب الصراع الذي نشب بين جمال عبدالناصر و الإخوان، فانتشر أعضاؤها في مختلف أنحاء العالم و استطاعوا أن يواصلوا مسيرهم من أجل تحقيق أهداف جماعة الإخوان في إطار رؤية إصلاحية. لقد وجدت هذه الجماعة نفسها في صدام فكري مع أنصار سيد قطب و ذلك في ذروة نشاط الجماعات الجهادية، و عملت، بالإضافة إلى ذلك، على

ص: 72

توجيه نقد ذاتي لجماعة الإخوان و آراء سائر الجماعات الإسلامية(1).

كان دأب الإصلاحيين الإخوانيين هو إخراج الإخوان المسلمين من الحالة السرية إلى الحالة العلنية، لكي تمارس نشاطها في النور و في إطار حزبي و رسمي، لدرجة أنّها أعلنت تمسّكها بشكل تام بلوازم الديمقراطية بمعنى إرادة الشعب - مهما کانت-. بل و ذهبت لأبعد من ذلك عندما أعلنت أنّ الإرادة الشعبية يجب أن تُحترم حتى لو كانت مخالفة للإسلام. إنّ حقوق المواطنة متساوية بالنسبة للجميع، و لا فرق بين رجل و امرأة، مسلم أو غير مسلم، فحتى المسيحيين و النساء يمكن أن يتبوّؤا منصب رئيس الجمهورية إذا اختارهم الشعب. بإمكان جميع الفئات السياسية أن تقوم بتأسيس الأحزاب و تمارس نشاطاتها دون الرجوع إلى الحكومة.

تعتقد هذه الجماعة، أنّ على جماعة الإخوان تجميد أيّ نشاط سري لها و تتحوّل إلى حزب داخلي في مصر، لا علاقة له بالجماعات في الخارج(2).

ص: 73

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران و توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات على معاهدة الصلح في كامب ديفيد طغی الفكر الثوري على الفكر الإصلاحي في المجتمع الإخواني(1). و مع بروز ظاهرة المدونات على شبكة الإنترنيت، بدأ بعض المدوّنين الإخوانيين بتوجيه النقد للتيار التنظيمي الإخواني بهدف إجراء إصلاحات في جماعة الإخوان(2)، ليشكّلوا مظهراً آخر في التيار الإصلاحي الإخواني. بعد اكتساح جماعة الإخوان الانتخابات البرلمانية لعام 2005م و تحقيق انتصارات ساحقة، تألّق من جديد الفكر الإصلاحي فطرح زعماؤه مرة أخرى آراءهم الهادفة إلى تشكيل حزب سياسي و تلبية حقوق المواطنة و الديمقراطية. على الرغم من حظوة هذه الآراء بإقبال الناس و سائر الأحزاب، إلّا أنّ زعماء جماعة الإخوان المسلمين لم يعلنوا تأييدهم لها و اعتبرت أنّها آراء شخصية لا تعني إلّا أصحابها. بعد مضي عدّة سنوات، تم إقصاء هذه الجماعة نظراً لازدياد نفوذ التيار المتطرّف و المحافظ في الإخوان خلال الانتخابات

ص: 74

الداخلية المجلس الشورى(1). و قد شكّل تعديل نظام مبارك القانون الانتخابات و التصدّي للإخوان عاملاً إضافياً في إضعاف هذا التيار في المجتمع المصري.

هي: شؤون الشرق الأوسط، شرق آسيا، آسيا الوسطى، و أوروبا. و مهمة هذه اللجان جمع المعلومات من البلدان الأخرى و طبعها في مجموعة من الكتب المخصّصة لهذا الغرض. هذا القسم، بالإضافة إلى عقده المؤتمرات حول العالم الإسلامي، كان يستقبل الطلاب و الشخصيات الأجنبية القادمة إلى مصر من مختلف البلدان، و تعزيز العلاقات معها، و كذلك إرسال مجموعات إلى البلدان الأخرى. من أوائل الشخصيات التي تم إرسالها عبد الرحمن البنّا و عبد الحكيم عابدین و قد سافرا إلى سورية و فلسطين، و التقيا بمفتي فلسطين. جزء من هذه العلاقات كانت بهدف مواجهة الاستعمار و دعم استقلال البلدان الإسلامية(1).

في عام 1937م تأسّس أول فرع للإخوان المسلمين في سورية. بعد مضي سبع سنوات، تمّ تأسيس فروع أخرى في فلسطين و السودان و الأردن و المغرب. و توالى تأسيس الفروع في ليبيا و الجزائر و تونس و بلدان الخليج الفارسي.

ص: 76

و كذلك افتتح الإخوان فروعاً لهم في أوروبا و الولايات المتحدة. و كانت هذه الفروع تفتتح تحت أسماء غير اسم الإخوان المسلمين، مثل جماعة الدعوة و الإصلاح في إيران، و جمعية الإرشاد الإسلامي في الكويت. عندما تعرّض الإخوان المسلمون لبطش عبد الناصر و حُظر نشاطهم في مصر، أخذ التنظيم العالمي للإخوان في سورية على عاتقه تمشية أمور الجماعة. و لكن لم يدم الأمر طويلاً حيث نشب خلاف بين فرعي التنظيم في سورية و الأردن، كما برز خلاف بين أعضاء الإخوان فرع سورية، فأدّى إلى قطع العلاقة بين فروع الإخوان في البلدان كافة. بناءً على هذا، كانت جماعة الإخوان في مختلف البلدان تركّز على مُثُل و أفكار حسن البنّا، و لم يكن أعضاؤها ملزمون بالتبعية التامة لتنظيم الإخوان في مصر. و كذلك الحال في إيران، فقد اتبعت جمعية الإصلاح و الدعوة نهج الإخوان، و كان يُنظر إليها كفرع من فروع تنظيم الإخوان.

ص: 77

تبوّؤا مناصب عليا في الدولة السورية. و أثناء حرب فلسطين، شكّلوا كتيبة قتالية بقيادة مصطفى السباعي قام البنّا بتفقّدها.

بعد حلّ جماعة الإخوان في مصر و اغتيال البنّا، توجّه الاهتمام نحو إخوان سورية(1)، و طُرح على السباعي اقتراح بأن يكون المرشد العام للإخوان، لكنّه رفض هذا الاقتراح. و على الرغم من ذلك، كان تنظيم الإخوان المسلمين يدير مكتباً تنفيذياً مكوناً من إخوان سورية و الأردن و لبنان و العراق و الكويت و العربية السعودية و فلسطين. كان هذا المكتب يسعى إلى القيام بواجبات مكتب التبليغ و الأمانة العامة للإخوان، لكنّ إخوان سورية و العراق كانوا ينظرون إليه نظرة تنظيمية و ارتباطية فحسب، لا كزعيم عام لتشكيلات التنظيم. و مع تأسیس مكتب للإخوان في الأردن، حيث أيّدت بعض الجماعات الإخوانية هذه الخطوة، فيما أحدث تأسيسه شرخاً في صفوف إخوان سورية، فكانت النتيجة أن تمّ تجميد نشاطاته(2). بالنسبة لإخوان سورية فإنّهم بعد مرحلة التأسيس و النشاط العلني،

ص: 79

اجتازوا مرحلتين أخريين؛ مرحلة المواجهة مع النظام السوري، و اللجوء إلى النشاط السرّي؛ و مرحلة الصراع المسلح ضدّ النظام. في عام 1963 م وصل حزب البعث السوري الذي يحمل ميولاً اشتراكية عربية إلى السلطة بانقلاب عسكري أطاح بالحكومة السابقة. التوجهات العلمانية و غير الإسلامية للنظام الجديد إضافة إلى انتماء حكام سورية إلى الطائفة النصيرية(1) و سياسة العنف التي اتبعوها ضدّ المعارضين، كل هذه العوامل ساعدت على ظهور ظروف للمعارضة و الصدام بين الإخوان و النظام في سورية، كان من نتيجتها اندلاع احتجاجات إخوانية في مدينة حلب في نيسان/ أبريل عام 1964م راح ضحيتها 70 شخصاً من الإخوان. استمرّت احتجاجات الإخوان و تصدّي النظام السوري لها حتى عام 1979 م. في هذه السنة بدأت المرحلة الثالثة النشاطات الإخوان، إذ قامت مجموعة من

ص: 80

الإخوان بتأسيس جماعة «الطليعة المقاتلة» و التي اختارت طريق الكفاح المسلح ضد النظام السوري. في المقابل بدأ النظام السوري بقمع جماعة الإخوان بشكل تام فقام بحملة اعتقالات واسعة لأعضائها. و كردّ فعل على هذه السياسة شنّت جماعة الطليعة المقاتلة هجوماً على الكلية العسكرية، فجمعت الضباط في قاعة واحدة و أطلقت النيران الرشاشة و الرمانات اليدوية عليهم، و كانت الحصيلة 32 قتيلاً و 57 جريحاً جميعهم من الفرقة النصيرية، و قد عُرفت هذه الجريمة بحادثة المدفعية .

لقد ردّ النظام السوري على تلك الحادثة بأن أعدم خمسة عشر من عناصر الإخوان. و بعد عام شُرّع قانون يجرّم الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين و يعاقب كل من يخالف القانون بعقوبة الإعدام. على الرغم من أنّ جماعة الإخوان تبرّأت من الهجوم الذي قامت به الطليعة المقاتلة، لكنّها، في نهاية المطاف، دخلت في مواجهة عسكرية مع النظام السوري، و استطاع الأخير قمع الجماعة بشدّة. استمرّت المواجهات بين الطرفين سبع سنوات، ممّا اضطرّ من تبقّى من الإخوان في سورية إلى مغادرتها. استطاعت الفصائل المختلفة في الإخوان لم شتاتها في

ص: 81

الخارج و في عام 1991 م قامت باختيار حسن هويدي مراقباً عاماً للإخوان في سورية. ثم أعقبه في هذا المنصب صدر الدين البيانوني، و أخيراً محمد خالد شفقه الذي يحتل هذا المنصب منذ عام 2010 م. في عهد بشار الأسد، لم يطرأ تغيير يذكر على أوضاع الإخوان، و مع انطلاق شرارة الثورات في البلدان العربية، وجدت جماعة الإخوان السورية الأجواء مناسبة لمعاودة نشاطاتها، فطرحت بعض المقترحات للقيام بإصلاحات في نظام بشار الأسد، و لكن لم يمض وقت طويل حتى عادت الجماعة لتصف بشار بالمستبد و الطاغية و طالبت بتنحيته. ثم التحقت بعد ذلك بصفوف جبهة المعارضة السورية(1).

سافر عبد الرحمن البنّا و محمد أسعد الحكيم إلى فلسطين و التقيا بمفتي فلسطين(1)، لكنّ الإنجليز شكّلوا العقبة الكبرى في طريق نشاطات الإخوان في فلسطين، و قد قمعوا قبل ذلك العديد من الثورات الشعبية. بيد أنّ الدعم المادي و الإسناد العسكري الذي قدّمه الإخوان للمناضلين الفلسطينيين خلق أرضية شعبية مناسبة للإخوان. في أواسط عقد الأربعينيات، أدّى انحسار ضغوط المحتلين إلى حضور زعماء الإخوان بين صفوف الشعب الفلسطيني، و إقامة المحافل الإسلامية. كانت مجلة الإخوان تصدر يومياً في فلسطين، مؤكّدة على ظلامة الشعب الفلسطيني و تدعوه للتصدّي لليهود المحتلين. و من جهة ثانية، بدأ الطلبة الجامعيين الفلسطينيين الذين كانوا يدرسون في مصر بالتعرّف على أفكار الإخوان، و من ثم نقلها إلى فلسطين. هذه العوامل حفّزت المناضلين و الشباب الفلسطيني للانخراط في صفوف الإخوان المسلمين. لهذا السبب بدأت جمعيات مختلفة و تحت أسماء غير الإخوان المسلمين بممارسة نشاطاتها.

ص: 83

في عام 1945م بدأت هذه الجماعات تعلن عن علاقته بالإخوان، و نتيجة لذلك افتتحت فروع كثيرة للجماعة في مختلف المدن الفلسطينية.

في السنة التالية، اجتمع ممثّلوا هذه الفروع في القدس بحضور الممثل الرسمي لحسن البنّا للمصادقة على القانون الأساسي للجماعة، كما تشكّل مكتب المؤتمر الإخواني في فلسطين. لقد قدّمت جماعة الإخوان في حرب عام 1948م العديد من الشهداء و لكن مع ذلك احتلّت فلسطين بشكل كامل، و ظلّت الضفة الغربية و قطاع غزة فقط بيد الفلسطينيين. بعد الاحتلال انقسمت جماعة الإخوان الفلسطينية إلى جماعتين، جماعة في الضفة الغربية آثرت الاندماج مع إخوان الأردن، و راحت تمارس نشاطات تربوية و سياسية، لكنّ جماعة غزة عملت على ترسيخ العلاقة مع إخوان مصر، و المحافظة على توجهاتها الثورية و العسكرية. أمّا جماعة إخوان الإردن، فقد تركها العديد من أعضائها بسبب توجهاتها غير العسكرية و الاستسلامية، و شكّلوا منظمة فتح العسكرية لتحرير فلسطين. من أبرز الشخصيات في هذا الفصيل ياسر عرفات و عبد الله عزام، أحد

ص: 84

الناشطين العرب في حرب أفغانستان ضدّ السوفييت. بعد تراجع منظمة فتح عن مشروعها النضالي و تصالحها مع الكيان الصهيوني، قرّرت جماعة الإخوان في غزة بزعامة الشيخ أحمد ياسين تأسيس منظمة حماس (حركة المقاومة الإسلامية). و قد أخذت هذه المنظمة على عاتقها تنفيذ العمليات العسكرية ضدّ الكيان الغاصب، و رفض الاعتراف بإسرائيل و المصالحة معها أو حتى مواصلة الحركة السياسية في ظلّ الاحتلال، لكنّها فيما بعد شاركت في الانتخابات و استطاعت الحصول على رئاسة الحكومة الفلسطينية. بيد أنّ الحكومة الفلسطينية السابقة رفضت نتائج هذه الانتخابات فحدثت على أثر ذلك مواجهات دموية بين حماس و فتح(1). من ناحية أخرى، انخرطت منظمة حماس في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إلى جانب معارضي النظام، و أثار هذا الموقف حفيظة المسؤولين الإيرانيين و انزعاجهم، و نتيجة لذلك شهدت العلاقات بين حماس و الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعض الفتور، و قد ساءت العلاقات أكثر بعد إعلان حماس دعمها للتحالف العربي في عدوانه على اليمن.

ص: 85

قام بحلّ جماعة الإخوان في الظاهر و أسّس الجبهة الإسلامية الوطنية الإسلامية ليمارس من خلالها العمل السياسي. بيد أنّ جماعة أخرى ظلّت تعمل تحت عنوان الإخوان المسلمين و تمارس نشاطاتها الدعوية، و قد شاركت هذه الجماعة في انتخابات 2010 م بشكل واسع، بينما قام حسن الترابي بعد فترة بحلّ الجبهة الإسلامية، و واصل نشاطه مع حزب المؤتمر الوطني، و هو ائتلاف يضم العديد من الجماعات السودانية، في مقابل التنازل عن بعض المبادئ التي كان يؤمن بها(1).

هذا البلد. كان فضيل الورتلاني، و هو تاجر عضو في جماعة الإخوان المسلمين، حلقة الوصل بين الشخصيات المعارضة للإمام يحيى. و قد استطاع من خلال إرشادات و تعلیمات حسن البنّا أن يمهّد لانقلاب الضباط الأحرار في اليمن، الذي بدأ باغتيال الإمام يحيى و سيطرة المتمردين على العاصمة صنعاء، و في هذه الظروف سارع ممثّلو الإخوان بالذهاب إلى صنعاء لتقديم الدعم و التأييد للحكومة الجديدة. كما اعترفت المجلة الرسمية الناطقة باسم الإخوان المسلمين في مصر بحكومة الانقلابيين.

في الجانب الآخر، ندّدت الأنظمة الملكية في المنطقة بهذا الانقلاب، بينما ساندته الأنظمة الجمهورية مثل سورية و لبنان التي أيّدت الانقلابيين اليمنيين. مع ذلك، لم تستمر حكومة الانقلاب إلّا بضعة أشهر فقط، حيث استطاع الإمام أحمد ابن الإمام يحيى أن يجمع بعض القوات من سائر المناطق و الهجوم على العاصمة صنعاء و احتلالها(1).

استمرّ حكم الأئمة الزيديين في اليمن حتى عام 1992 م حيث أطيح به بانقلاب حزب الأحرار في اليمن الشمالي و أقيم مكانه

ص: 88

نظام جمهوري. في تلك السنة عاد الطلبة اليمنيون الذين التحقوا بجماعة الإخوان في مصر إلى اليمن، و عاودوا نشاطهم من جديد. و كان الانتشار نشاط الإخوان بهدف توسيع التنظيم الإخواني و الترويج له في اليمن و أسلمة الحكم الجمهورية نتائج باهرة. مع استلام العقيد إبراهيم الحمدي مقاليد الحكم في اليمن أتيحت الفرصة بشكل كامل لنشاطات الإخوان، حيث أثمرت مرحلة حكم العقيد الحمدي عن تأسيس مكتب التوجيه و الإرشاد الإسلامي برئاسة عبد المجيد الزنداني و اللجنة اليمنية التي شكّل الإخوان جميع أعضائها. بعد مقتل إبراهيم الحمدي و خليفته، بعد بضعة أشهر استلم الحكم في عام 1978م العقيد علي عبد الله صالح، و قد تعاون مع الإخوان المسلمين لمدة تقرب من 25 عاماً. و خلال هذه الفترة شهدت نشاطات الإخوان المسلمين في جمهورية اليمن توسعاً كبيراً للغاية. في عام 1990 م اتحد اليمان الشمالي و الجنوبي، و قام الإخوان المسلمون بتأسيس حزب الإصلاح اليمني(1). كان هذا الحزب المرتبط بالإخوان قد شارك في عدة انتخابات في الفترة من عام

ص: 89

1990 إلى 2006م و كان في كل مرة يحصل على أعلى الأصوات بعد الحزب الحاكم، الأمر الذي يفسّر المكانة المهمة للإخوان المسلمين في اليمن.

في عام 1994 م تطوّرت الوحدة بين اليمنين إلى حرب أهلية، و كان للإخوان مشاركة فعالة في تلك الحرب. على هذا الأساس، و بالإضافة إلى سيطرتهم على المراكز العلمية و الدينية، اتجه الإخوان المسلمون نحو التطرّف. و هكذا عزّز علي عبد الله صالح بمرور الوقت موقعه السياسي، و رشّح الإخوان المسلمون علي عبد الله صالح للانتخابات اليمنية في عام 1999م. و لكن بعد وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر و بدء الحرب على الإرهاب، بدأ علي عبد الله صالح بتحجيم الإخوان فأثار بذلك عداءهم و سخطهم، و دفعهم إلى الالتحاق بمعارضيه، و استطاع الإخوان أن يشكّلوا ائتلافاً معارضاً للحكومة بمشاركة سائر التيارات السياسية الأخرى، و بالتزامن مع الصحوة الإسلامية أو ما عُرف بالربيع العربي في البلدان الأخرى، نزلوا إلى الشارع للتظاهر ضدّ حكم الرئيس علي عبد الله صالح. بعد تنحيه و تولّي هادي منصور عبد ربه

ص: 90

زمام الأمور مکانه، و اختيار أحد الأعضاء في الإخوان نائباً له، رجع الإخوان مرة أخرى إلى صف الموالين للحكومة. كان إخوان اليمن منذ حكم الإمام يحيى جزءاً من معارضي الزيدية في اليمن ، و في الصراعات التي نشبت بين الحكومة و الزيود، اصطفوا إلى جانب الحكومة. و هم في الوقت الحاضر يقاتلون في الجبهة المعادية للحوثيين الزيود(1).

مسيرة الدعم المتبادلة بين حركة الإخوان المسلمين و الثورة الإسلامية الإيرانية بين مدّ و جزر. فبالإضافة إلى العلاقات التي تربط الإخوان بشيعة إيران، فقد لقيت دعوة الإخوان في أوساط أهل السنّة في إيران أيضاً رواجاً و أنصاراً، و كان أحمد مفتي زاده و ناصر سبحاني، من المؤسسين لفرع الإخوان المسلمين في إيران. بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية أسّست جماعة الإخوان في إيران حزب الإصلاح و الدعوة، و الذي ما يزال حتى يومنا هذا يمارس نشاطاته الدعوية. الأمين العام للحزب هو عبد الرحمن پیراني و له مكتب في العاصمة طهران(1).

الأجواء الجامعية و دون الاعتماد على علماء الدين. انجذب الغنوشي بشدّة إلى أفكار البنّا و سيد قطب بعد مطالعة كتبهما، و قام بمبايعة حسن الهضيبي في مكة(1)، و من ثم أسّس جماعة الإخوان في تونس. بيد أنّ بعض أعضاء الجماعة و تعبيراً عن معارضتهم للاتجاهات الإخوانية للغنوشي تركوا الجماعة. بعد انتشار الجماعة و توسّع نشاطات الطلبة الجامعيين الإخوانيين و كذا، انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اتجهت الجماعة نحو النشاط السياسي، لكنّها جوبهت برفض حكومة بورقيبة و منع نشاطاتها و سجن بعض زعمائها. في عام 1987م، أشيع في أوساط الناس أنّ راشد الغنوشي قد أعدم، فقرّر أنصار الجماعة في أوساط العسكريين و القوى الأمنية القيام بانقلاب عسكري، غير أنّ زين العابدين بن علي كان قد سبقهم إلى الانقلاب على بورقيبة و تنحيته من منصبه، و بذلك تخلّت الجماعة عن قرار الانقلاب. حاول بن علي في بداية الأمر أن يغازل الإخوان و استمالتهم فأظهر لهم جانب الود و اللين، و لكن لم يستمر الودّ طويلاً بين الطرفين حيث سرعان ما تصدّى بن علي لنشاطاتهم.

ص: 93

لقد أفرز عقدان من حكم بن علي مزيداً من المواجهة مع الإسلاميين و أوضاع اقتصادية و ثقافية سيئة، و قد تمخّض عنها انطلاق شرارة ثورة الياسمين في تونس دون أي تخطيط مسبق أو برنامج واضح، و التي أدّت إلى فرار زين العابدين بن علي من البلاد. استغلّ الإخوان هذه الفرصة المتاحة و استطاعوا في أول انتخابات برلمانية الحصول على 41 في المئة من الآراء(1).

زعامة إخوان الأردن عبد الرحمن خليفة و بقي في زعامة الجماعة المدة أربعين عاماً. تركّز نشاط إخوان الأردن على المجالات التربوية و مساندة الحكومة في القضايا السياسية. بعد هزيمة العرب أمام إسرائيل في نكسة حزيران و اندماج إخوان فلسطين مع إخوان الأردن، نشأت حركة فتح، لكنّ هذه الجماعة تخلّت بعد فترة عن النضال المسلّح، و تفرّغت مرة أخرى للقضايا التربوية و السياسية. و أعنف موقف اتّخذته جماعة الإخوان في الأردن إزاء معاهدة الصلح بين الأردن و إسرائيل هو مقاطعة الانتخابات، إلّا أنّها عادت بعد بضع سنوات إلى ميدان النشاط السياسي. مع انطلاق شرارة الثورات العربية خلال ما عُرف بالربيع العربي، سارت في شوارع الأردن أيضاً مظاهرات تطالب بإصلاح الحكومة و ليس إسقاطها. في تلك الفترة سمح ملك الأردن للإخوان دون سائر الأحزاب بمزاولة نشاطاتهم السياسية من جدید، ما يعني إفساح المجال لهم حصراً، و قد قابل الإخوان هذه اللفتة من قبل الحكومة بمزيد من المداراة و المماشاة(1).

ص: 95

إلى الشيعة، و بالتبع فإنّ مصالحهم الدينية في بعض البلدان أقرب إلى العربية السعودية و الوهابية.

لقد قرّبت المصالح المشتركة للإخوان المسلمين في سورية و اليمن بين هذين الفكرين، و قد يشكّل هذا تهديداً للشيعة و نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و يزيد نار الحرب المذهبية اضطراماً.

من هذا المنطلق، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين عبارة عن سيف ذي حدّين، ينبغي عند التعاطي معها أن نضع المشتركات نصب العين و أن نؤكّد على الأهداف السامية لحسن البنّا، و التذكير بها، و أن نقلّل من التناقض بين الطرفين و نشجّع على الوحدة بين المسلمين و الصحوة الإسلامية في مقابل الثقافة الغربية و الاستعمار الأمريكي. إنّ لفت انتباه الطرفين إلى المقاصد الراقية للإسلام في البلاد الإسلامية و الوفاق في القضايا الخلافية، لا سيّما في المجالات السياسية، يمكن أن يصنع مستقبلاً أفضل للعالم الإسلامي، على أمل ذلك اليوم الذي تتحقّق فيه الوحدة بين أجزاء العالم الإسلامي ضدّ الغرب و ظهور المنجي الموعود الإمام المهدي (عجّل الله تعالی فرجه الشریف و سهّل مخرجه).

ص: 98

10. تمام، حسام (2010 م). تحولات الاخوان المسلمين، مصر: مكتبة مدبولي، ط. 2.

11. ____ (2012 م). عبد المنعم أبو الفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية، مصر: دار الشروق، ط. 2.

12. ____ (2013 م). الاخوان المسلمون سنوات ما قبل الثورة، مصر: دار الشروق، ط. 2.

13. حوی، سعید (1408 م). جولات في الفقهين الكبير و الأكبر ، القاهرة: مؤسسة الخليج العربي.

14. خامه یار، عباس (1997 م). إيران و الإخوان المسلمون، بیروت: مركز الدراسات الاستراتيجية و البحوث، ط.1.

15. الديب، عبد العظيم (2012 م). الإخوان المسلمون و العمل السري و العنف، مصر : دار دون، ط. 2.

16. الريس، عبد العزيز بن ریس (بلا تاریخ). فتاوى أئمة أهل السنّة السلفية في جماعة التبليغ و الاخوان المسلمون، إعداد: موقع الإسلام العتيق.

17. سابق، سید (1397 ه). فقه السنّة، بیروت: دار الكتاب العربي، ط. 3.

18. السلمان، محمد بن عبد الله (1409 ه)، رشيد رضا و دعوت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الكويت: مكتبة المعلا، ط. 1.

ص: 100

19. شامية، فادي (2013 م). الاخوان المسلمون في سورية، الحركات الإسلامية في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط.1.

20. شحاتة، محمد صقر (2012 م). الوجه السلفي لجماعة الإخوان المسلمون، الإسكندرية: دار الخلفاء الراشدين - دار الفتح الإسلامي، ط.1.

21. الشقاقي، فتحي (2010 م). شیعه و سنی، غوغای ساختگی، ترجمة: السيد هادی خسروشاهی، قم: کلبه شروق.

22. شلاطه، أحمد زغلول (2013 م). «مستقبل التحولات داخل التيار السلفي في مصر»، مقاله ای از کنفرانس التحولات السلفية، الأردن: مركز الدراسات الاستراتيجية.

23. عبدالمقصود عاصي، أحمد (1430 ه). عقيدة الإخوان المسلمين، مصر: دار الوفاء، ط.1.

24. ____ (1430 ه). عقيدة سید قطب ، مصر: دار الوفا، ط. 1.

25. عبده، محمود (2004 م). محمد الغزالي داعية النهضة، بیروت: مركز الحضارة، ط.1.

26. العثيمين، محمد بن صالح (2006 م). فتاوى العقيدة ، القاهرة: دار الغد الجديد، ط. 1.

ص: 101

27. العجمي، محمد بن سيف (1409 ه). وقفات مع کتاب للدعاة فقط ، بلا مكان للنشر: ط. 2. 28. العدوی، ابراهیم احمد (بلا تاریخ). رشيد رضا الإمام المجاهد، مصر: المؤسسة المصرية العامة.

29. علي، عبد الرحيم (2010 م). الإخوان المسلمون من حسن البنّا إلى مهدي عاكف، المركز العربي للبحوث والدراسات، ط.

30. عماد، عبد الغني (2013 م). الحركات الإسلامية في الوطن العربي، بیروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط.1.

31. عودة، جهاد (2013 م). سقوط دولة الإخوان، مصر: كنوز، ط. 1.

32. الغزالي، محمد (بلا تاریخ). مستقبل الاسلام خارج أرضه ، القاهرة: دار الشروق القاهرة.

33. ____ (1424 ه). تراثنا الفكري في ميزان الشرع، مصر: دار الشروق، ط. 5.

34. ____ (2005 م). سرّ تأخر العرب، مصر: النهضة، ط. 7.

35. ____ (2005). عقيدة المسلم، مصر: النهضة، ط.4.

ص: 102

36. ____ (بلا تاریخ). السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحدیث، مصر: دار الشروق، ط. 6.

37. ____ (بلا تاریخ). دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، مصر: دار الشروق مصر.

38. القرضاوي، يوسف (1395 ه). الصحوة الإسلامية بين المراهقة إلى الرشد، مصر: دار الشروق، ط. 2.

39. ____ (1417 ه). الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، الكويت: دار القلم، ط.1.

40. ____ (1420 ه). الإخوان المسلمون، مصر: مكتبة وهبة، ط.1.

41. ____ (1428 ه). ثقافة الداعية، مصر: مكتبة وهبة، ط. 4.

42. ____ (2013 م). الدين و السياسية، القاهرة: دار الشروق، ط. 2.

43. قطب، سید (1399 ه). معالم في الطريق، بیروت: دار الشروق، ط. 6.

44. گل محمدي، علي (2011 م). اندیشه سیاسي متفكران مسالان، رشيد رضا، ج 11، طهران: معهد الدراسات الثقافية و الاجتماعية، ط.1.

ص: 103

45. لطفي، صالح (2012 م). القضية الفلسطينية و الامام حسن البنّا ، مركز الدراسات المعاصرة. 46. ليار، برونار (2009 م). جمعیت اخوان المسلمين مصر، ترجمه: عبد الله فرهي، طهران: معهد دراسات تاريخ الإسلام، ط.1.

47. محسن، محمد (1407 ه). من قتل البنّا، مصر: دار الشروق، ط. 2.

48. مصطفى دسوقي، عبده (2013 م). نشأة التنظيم الدولي الاخوان المسلمين، مؤسسة اقرأ، ط.1. 49. موسى الحسيني، اسحاق (1998 م). اخوان المسلمين، ترجمة: السيد هادی خسروشاهي، طهران: اطلاعات، ط. 2.

50. ندا، يوسف (2013 م). من داخل الاخوان المسلمين، مصر: دار الشروق مصر، ط. 2.

51. نوره بنت احسن، أم أيوب (2004 م). الأضواء السلفية على الجماعة الاخوانية، مصر: دار الآثار، ط.1.

52. ikhwanwiki.com

53. islamist-movements.com

54. khabaronline.ir

55. www.ikhwanwiki.com

ص: 104