رقم الإیداع في دار الکتب و الوثائق العراقیة 1353 لسنة 2016م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنیف LC:
2016 BP38. 09 .N4 G4.
المؤلف الشخصي: الغزي، بدور عبود إیدام.
العنوان: أقوال الإمام علي علیه السلام في التراث النحوي واللغوي.
بیان المسؤولیة: تألیف بدور عبود إیدام الغزي؛ تقدیم سید نبیل قدوري الحسني.
بیانات الطبعة: الطبعة الأولی.
بیانات النشر:
کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1437ه-= 2016م.
الوصف المادي: 360صفحة.
سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة ببیلوغرافیة: یتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات321 - 351).
تبصرة:عامة:
تبصرة محتویات:
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة - 40هجریا - نحو.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة - 40هجریا - أدب.
مصطلح موضوعي: اللغة العربیة - نحو.
مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربیة.
مصطلح موضوعي: اللغة العربیة - علم الدلالة.
مصطلح موضوعي: الأدب العربي - تاریخ ونقد.
مؤلف إضافي: الحسني، نبیل قدوي حسن، 1965م، مقدم.
عنوان إضافي:
تمت الفهرسة قبل النشر في مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
أقوال الإمام علي علیه السلام في التراث النحوي واللغوي
ص: 2
جمیع الحقوق محفوظة
للعتبة الحسینیة المقدسة
الطبعة الأُولی
1437 ه- - 2016 م
العراق: کربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاکبر علیه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 - 07815016633
الموقع الألکتروني: www.inaj.org
Email: Inahj.org@gmail.com
ص: 3
بسم الله الرحمن الرحیم
«إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ»
صدق الله العلي العظیم
سورة المائدة الآیة: 55
ص: 4
ص: 5
إلی أوّل من وضع اصول العربیِة وحدّ حدودها إذْ قال:
«الکلام اسمٌ وفعلٌ وحرف» إلی سیدي و مولاي امیرمؤمنین علي بن أبي طالب علیه السلام الباحثة
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤسسة الحمد للهِ علی ما أنعم وله الشُّکر بما ألهم والثناء بما قدَّم، الصلاة والسلام علی خیر النِّعم وأتمِّها محمّد وآله الأطهار الأخیار.
أمَّا بعد:
فإنّ مما یُحفِّزه عنوان البحث الموسوم ب- (أقول الإمام علي علیه السلام في التراث النحوي واللغوي) هو الدعوة الی الکتابة في استقراء التراث الإنساني، وبیان أقوال الإمام علي علیه السلام في حقوله المعرفیة کافة.
ومن ثم: كیف لا تحتار العقول بأقواله؛ وتعجز عن إدراك كُنه فعاله وصفاته، وهو مع هذا یُنادي: «إنَّما أنا عبدٌ من عبید محمد صلی الله علیه واله وسلم»(1)، فکیف یکون قدر السید وهذا قدر عبده فصلِّ اللهم علیهما والهما كأفضل وأتمِّ ما صلیت علی إبراهیم وال إبراهیم.
وكیف تکتسب العربیة عروبتها إن لم تستند علی أقواله وترجع إلی آثاره، وهي التي
ص: 7
تطايرت ألبابها في قوله: «قیمة کلِّ امرءٍ ما يُحسِن».
ولعلَّ الاستشهاد بقول صاحب كتاب (البیان والتبين)، مع كونه أموي الهوى إلا أنّه يغني عن البیان في أثر اقوال الإمام علي علیه السلام في التراث اللغوي فیقول: (فلو لم نقف في هذا الکتاب إلا علی هذه الکلمة لوجدناها شافیة كافیة ومجزیة مغنیة؛ بل لوجدناها فاضلة عن الکفایة، وغیر مقصِّرة عن الغاية، وأحسن الکلام ما كان قلیله مغني عن كثیره وكان الله تعالی قد ألبسه من الجلالة، وغشَّاه من نور الحکمة علی حسب نیَّة صاحبه، وتقوی قائله، فإذا كان المعنی شریفاً. واللفظ بلیغاً، وكان صحیح الطبع بعیداً من الاستکراه، ومنزهاً عن الاخلال، مصوناً عن التکلف صنع في القلب صنیع الغیث في التربة الکریمة)(1).
فجزى الله الباحثة عن عملها في هذه الرسالة الجامعیة الموسومة ب- (أقوال الإمام علي علیه السلام في التراث النحوي واللغوي) كلّ خیر، فقد بذلت فیها جهدها لبیان حقٍّ من حقوق الإمام علي علیه السلام في هذا الحقل المعرفي وآخر دعوانا «أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).
السید نبیل قدوری حسن الحسنی رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
ص: 9
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحیم
المقدمة الحَمْدُ لله رَبَّ العالمين، خالِقِ السَّماوات والأرضين، والصَّلاةُ والسَّلام على أشْرف المُرْسلين (مُحمَّد المُصطفى) سيَّد الأَولين والآخرين، وعلى أهْل بَیْته الغرِّ الميَامين، الذين انتخبهم الله تعإلى هُداةً للبشر أجمعين، ولا سيما صهره وابن عمَّه ووصيَّه وخليفته و سَیّد عُترَته الصّدّيق الأَكبر والفاروق الأعظم عليّ بن أبي طالب علیه السلام.
أمّا بعد:
فلقد کَتَب عن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام کثیرٌ من العلماء، إذْ إنَّ الإمام علیاً علیه السلام وليُّ المؤمنین بعد الرسول صلّی الله علیه و آله و سلم، وعالمٌ متمكنٌ في العلوم جميعها الفقهية واللغوية، وهو الذي تربى في احضان النبوة ونَهَلَ علمه منها، إذ يقول الرسول الكريم محمد صلّی الله علیه و آله و سلم:
ص: 11
«أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتی بابه»(1).
وفي هذا المقام یقول عباس محمود العقاد: «فقلَّ أن سمعنا بعلم من العلوم الإسلامية أو العلوم القديمة لم ينسب إليه، وقلَّ أن تحدث الناس بفضل لم ينحلوه إِياه، وقلَّ أن يوجه الثناء بالعلم إلى أحد من الأوائل إلا كانت له مساهمة فیه»(2). ویقول أیضاً: «تبقی له الهدایةُ الأولی في التوحيد الإسلامي والفقه الإسلامي وعلم النحو العربي وفنّ الكتابة العربية مما يجوز لنا أن نسميه اساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف كلّها في الصدر الأول في الإسلام»(3).
هذه الرسالة تحمل بعض ما يتعلق بعلم أميرالمؤمنين علیه السلام في التراث النحوي واللغوي) فكان باقتراح من الأُستاذ الدكتور رياض يونس السواد، وبعد عرضه على استاذي المشرف د. رافد مطشر أبدی قبوله واستحسانه ووجّهني إلی خطة مفصلة لدراسة أقوال الإمام علي علیه السلام في التراث النحوي واللغوي وبهذا فقد شاء الله تعإلى أن يفتح لي طريقاً يوصلني إلى أقوال أمير البلغاء وسیّد الأوصياء في كتب النحو واللغة، فكلام الإمام علي علیه السلام أشرف الکلام وأبلغهُ بعد کلام الله تبارك و تعإلی وکلام نبیه صلّی الله علیه و آله و سلم لما فيه من آيات توحيد وحكمة(4).
ص: 12
يقول الشريف الرضي (ت 406 ه-) في مقدمة نهج البلاغة: «أما کلامه فهو البحر الذي لا یُساجَل، والجم الذي لا یُحافل»(1). وبعد الإنتهاء من مرحلة جمع مادة ثلاثة فصول یسبقها تمهید و تعقبها خاتمة ضمت مختصراً بأشهر النتائج التي توصل إلیها البحث.
أمّا التمهید مثل توطئة للرسالة، وکان بعنوان: الإمام علي علیه السلام بلاغتهُ وفصاحتهُ وشيءٌ من علومه، وأمّا الفصل الأول فعنوانه (المستوی النحوي في أقوال الإمام علي علیه السلام و ضمَّ ثلاثة مباحث، فالمبحث الأول درستُ فیه أثر الإمام علي علیه السلام في نشأة النحو العربي، والمبحث الثاني: تناولتُ فیه ما جاء من أقوال الإمام علي علیه السلام في باب الأسماء، والمبحث الثالث: تناولتُ فیه ما جاء من أقوال الإمام علي علیه السلام في باب الأفعال والحروف.
أمّا الفصل الثاني فعنوانه (المستوی الصرفي في أقوال الإمام علي علیه السلام وضمَّ ثلاثة مباحث، فالمبحث الأول: تناولت فيه أبنية الأسماء، والمبحث الثاني:
تناولت فيه أبنية الأفعال، والمبحث الثالث: تناولت فيه موضوعات أخری وهي النسب والتصغير.
وکان الفصل الثالث بعنوان (المستوی الدلالي في أقوال الإمام علي علیه السلام، وضمَّ ثلاثة مباحث، المبحث الأول: المشترك اللفظي، والمبحث الثاني: الترادف، والمبحث الثالث: التضاد. وانتهى بخاتمة أودعنا فيها أشهر النتائج التي كشف عنها البحث.
وقد اعتمد البحث مجموعة من المصادر والمراجع التي أعانت الباحثة
ص: 13
على جمع المادة وكتابتها ومنها كتب النحو: وكان كتاب سيبويه (ت 180 ه-) في مقدمتها، والمقتضب للمبرد (ت 285 ه-)، والأصول في النحو لأبن السراج (ت 316 ه-) وشرح الرضي على كافية ابن الحاجب للرضي الاستراباذي (ت 686 ه-) وغيرها.
والمعجمات اللغوية ومنها معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه-)، وتهذيب اللغة للأزهري (ت 370 ه-)، ومقاييس اللغة لأبن فارس (ت 395 ه-)، وأساس البلاغة للزمخشري (ت 538 ه-)، ولسان العرب لأبن منظور (ت 711 ه-) وغيرها من معجمات اللغة .
وهناك كتب عامة اهتمت بعلوم اللغة كأضداد ابن الأنباري (ت 328 ه-)، وأضداد أبي الطيب اللغوي (ت 351 ه-)، المزهر للسيوطي (ت 911 ه-) وغيرها، وكذلك عُدتُ إلى كتب المحدثين ومنها فقه اللغة للدكتور علي عبد الواحد، وفصول في فقه العربية للدكتور رمضان عبد التواب، والترادف في اللغة للدكتور حاكم الزيادي.
وكتب الصرف كشرح الرضي على شافية ابن الحاجب للرضي الاستراباذي، وتصريف الأسماء لمحمد الطنطاوي، وأبنية الصرف في كتاب سيبويه للدكتورة خديجة الحديثي وغيرها من الكتب الصرفية التي أغنت البحث.
وكان لكتاب نهج البلاغة النصيب الأوفر في هذه الدراسة إذ حاولت توثيق أغلب الأقوال المنسوبة للإمام علي علیه السلام منه.
وقد أفادت الباحثة ومن الكتب التي أهتمت بدراسة كتاب نهج البلاغة منها منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للراوندي ( 573 ه-)، وشرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ( 656 ه-)، وشرح نهج البلاغة لميثم البحراني (ت 679 ه-)،
ص: 14
ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للخوئي ( 1324 ه-).
وكانت المنهجية المتبعة في البحث على الوجه الآتي: ذكر الموضوع وبيان تعريفهِ ثم الرجوع إلى آراء العلماء وإشاراتهم إليه، ثم ذكر قول الإمام علي علیه السلام من كتب النحو أو المعجمات، ثم أبين موضع الشاهد، وإذا كان لقول الإمام علیه السلام شواهد مماثلة اهتديت إليها أي من خلال البحث أوردها، ومن ثم توضيح دلالة قئل الإمام علي علیه السلام ومعرفة المراد منه بشكل موجز وأحياناً نتعداه إذا كان المعنى لا يحتاج إلى بيان، وكذلك نسبة الشاهد الشعري إلى قائله اعتماداً على ديوانه مع الإشارة إلى اماكن وجوده في كتب النحو واللغة وكذلك تخريج الآيات القرآنية الكريمة التي تأتي ضمن نص مقتبس في المتن.
وان البحث لم يعتمد على استقراء كل أقوال الإمام علي علیه السلام بل اخذ في کل باب أمثله كافية للبرهنة.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي المشرف الأُستاذ المساعد الدكتور رافد مطشر السعيدان على ما قدمه من جهد ونصح وتوجیه حتی یتم هذا العمل ویری النور فله فائق شکري واحترامي.
وبعد فإنَّني لا أدَّعي الكمال في هذا العمل، إذ الكمال لله وحده، غير أَنَّني بذلت جهداً فإن أصبت فمن الله، وإنَّ أخطأت فمن نفسي.
وآخر دعوانا أسأل أن الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأسألهُ تعإلى أن يكون عملي خالصاً لوجههِ الكريم.
ص: 15
ص: 16
إنَّ في کلامِّ علي علیه السلام ثروةً معنویة جعلت له مکانةً خاصةً، إذْ یعدُّ إمام الفصحاء وسیّد البلغاء وإمام الخطباء بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم، وقد قیل في کلامه هو دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين، وقد سقط الجبارون لسماع بعض كلامه ومات بعض الناس تأثراً بوعظه(1). وأعجب العلماء ببلاغة الإمام علیه السلام وفصاحته، ومن ذلك أن عبد الحميد الكاتب قال: حفظت سبعين خطبة من خطب الأَصلع فغاضت ثم فاضت، وقال ابن نباتة المصري: حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب(2). وأخبر المسعودي أن الناس حفظت من خطب الإمام علیه السلام في سائر مقاماته اربعمائة ونيفاً وثمانين خطبة جاء بها على البديهة وتداول الناس
ص: 17
عنه ذلك قولاً وعملاً(1).
وهكذا فقد ذُكر للعلماء أقوال كثيرة تدّل على بلاغة الإمام علي علیه السلام، ومن ذلك ما قاله عامر الشعبي: «تکلّم أمیر المؤمنین علیه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً، فقأن عيون البلاغة، وايتمن جواهر الحكمة وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن: ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب أما اللواتي في المناجاة فقال:
«كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا، أنت كما تحب»(2).
وأما اللاتي في الحكمة فقال: «قيمةُ کلّ امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوء تحت لسانه»(3).
وأما اللاتي في الأدب فقال:
«امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغنِ عمن شئت تکن نظیره»(4) (5).
وقال ابن عبد البر القرطبي (ت 463 ه-) معلقاً على حكمة الإمام علي علیه السلام «قيمة كلّ أمرئ ما یحسن» يقال: إنَّ قول علي بن أبي طالب «قيمة كلّ أمریٴ ما
ص: 18
يحسن لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة احض على طلب العلم منها»(1)، وقال عنها أیضاً: «من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس إليه كلّ مطير، ونظمه جماعة من الشعراء اعجاباً به وكلفاً بحسنه»(2)، أمَّا ما قاله صاحب البيان والتبيين عن هذه الحكمة: «فلو لم نقف في هذا الکتاب ألاّ علی هذه الکلمة لوجدناها کافیة شافیة، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره وكأن الله تعإلى قد البسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه، و تقوی قائله، فإذا كان المعنى شريفاً، واللفظ بليغاً، وكان صحيح الطبع بعيدا من الاستكراه، ومنزها عن الإخلال مصوناً عن التكلف، صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة...»(3). وهكذا فهذه الأقوال تدل على علوِّ منزلة الإمام علي علیه السلام في البلاغة والفصاحة فالإمام علیه السلام أفصح من كلِّ ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرین، إلا کلام الله سبحانه، وكلام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم(4). وقد قال الشریف الرضي (ت 406 ه-): « إذْ کان أمیر المؤمنین علیه السلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه علیه السلام ظهر مکنونها وعنه أخذت قوانینها، وعلی أمثلته حذا کلّ قائل خطیب وبکلامه استعان کلّ واعظ بلیغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وقد تقدم وتأخروا؛ لأنَّ کلامه علیه السلام الکلام الذي علیه مسحة
ص: 19
من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي»(1).
وهذا ما يدلُّ على أن البلاغة واضحة في كلام الإمام علي علیه السلام، والمعروف أنَّ أغلب کلام الإمام علي علیه السلام قد جمع في كتاب (نهج البلاغة) علي يد الشريف الرضي (ت 406 ه-) وقد اشتمل على عدد كبير من الخطب والرسائل والوصايا والحکم ویبلغ عددها «مائةً وثلاثاً وثمانین خطبةً، وتسعاً وسبعین بين كتاب ووصیة وعهد، وأربعمائة وثمانٍ وثمانین کلمةً قصیرة»(2).
و سْمي الكتاب بنهج البلاغة؛ لأنه يفتح للناظر فيه أبوابها ويُقرُّ عليه طلابها، فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه الله سبحانه وتعإلى عن شَبَهِ الخلق، ما هو بلال ك لّ غلة، وشفاء كلّ علةٍ، وجلاء كلّ شبهة(3). وهكذا وصف الإمام علي علیه السلام بالبلاغة، أي اشتهرالإمام علیه السلام ببلاغته کما اشتهر في السیاسة ببطولته، وفي الدين بتقواه، ولعل الخطب التي ألقاها في اتباعه هي في الواقع أكثر الخطب العربية بلاغة وصدقاً، كما أنها في الوقت نفسه أكثرها عددا(4).
وقد نزل في حق الإمام علي علیه السلام آیات کثیرة، إذ أکد کثیر من المفسرین في تفاسيرهم على نزول آيات في حق الإمام علي علیه السلام.
فعن ابن عباس أنَّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم قال: ما أنزل الله آیة فیها:
ص: 20
«یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمنوا» إلاّ وعليُّ على رأسها وأميرها(1).
ومن الآيات التي نزلت في الإمام علي علیه السلام:
1- قال تعإلى:
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» [المائدة: 55] لقد أجمع أغلب المفسّرين على أنَّ هذه الآية نزلت في حق الإمام علي علیه السلام لما تصدّق بخاتمة على المسكين في الصلاة قال الزمخشري (ت 538 ه-) عن قوله (وهم راكعون): «هو حال من یؤتون الزکاة بمعنی یؤتون الزکاة بمعنی یؤتونها في حال رکوعهم في الصلاة، وأنَّها نزلت في الإمام علي علیه السلام حین سأله سائل وهو راکع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثيراً عما تفسد بمثله صلاته، فإنْ کان السبب فیه رجلاً واحداً لیرغب الناس في مثثل فعله فینالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء، حتى إنْ لزمهم أمر لايقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها»(2).
2- قال تعإلى:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ
ص: 21
بِالْعِبَادِ» [البقرة: 207] روی القرطبي (ت 671 ه-) في تفسيره «قیل نزلت في علي (رضي الله عنه) حین ترکه النبي صلّی الله علیه و آله و سلم في فراشه لیلة خرج إلی الغار»(1).
وروی ابن الأثير (ت 630 ه-) بأسناده إلى أبي اسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي إذْ قال: رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام في فراشه، وقال له «اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، فإنَّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله» فأوحی الله إلي جبرائیل و میکائیل علیه السلام: أني آخیت بینکما وجعلت عمر أحدکما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما، أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا، فكان جبرائيل عند رأس علي وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي، من مثلك يا ابن أبي طالب، یُباهي الله عزّوجلّ به الملائكة؟ فأنزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن الإمام علي علیه السلام هذه الآیة(2).
3- قال تعإلى:
«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» [البقرة: 274]
ص: 22
روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام إذ کانت معه أربعة دراهم، فتصدق بدرهم لیلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم جهراً(1).
4- قال تعإلى:
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» [المائدة: 67].
إِنَّ هذه الآية نزلت يوم الغدير فامتثل النبي أمر الله تعإلى بالتبليغ وأعلن ولایة الإمام علي علیه السلام علی رؤوس الاشهاد بقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(2).
5- قال تعإلى:
«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(3).
6- قال تعإلى:
ص: 23
«أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [التوبة: 19].
نزلت هذه الآية المباركة في الإمام علي علیه السلام والعبّاس وشیبه، فقال العبّاس: أنا أفضل لأن سقایة الحاج بیدي، وقال شیبه: أنا أفضل لأن حجاجة البيت بيدي، وقال الأمام علي علیه السلام أنا أفضل فإني آمنت قبلكما وهاجرت وجاهدت، فأنزل الله تعإلى هذه الآية(1).
وهكذا فكانت هذه الآيات أمثلةً مختارة من الآيات الشريفة التي نزلت في حقّه علیه السلام وبحسب ما ذکره المفسّرون.
کان الإمام علي علیه السلام غزیر العلم، وقد شهد له بذلك کثیر من العلماء قدیماً وحدیثاً. فقد کان ابن عباس یقول: إذا جاء الثبت عن الإمام علي علیه السلام لم نعدل به، وکان الإمام علي علیه السلام یقول: سلوني عن کتاب الله، فوالله ما نزلت آیة من کتاب الله في لیل ولا نهار ولا مسیر ولا مقام إلا وقد اقرأنیها(2).
فالإمام علیه السلام کان ذا علم بالقرآن الکریم ومن أدلة علمه بالقرآن ما روي عن الإمام جعفر بم محمد الصادق علیه السلام، إذ قال: «کان علي علیه السلام صاحب حلال و حرام وعلم بالقرآن و نحن علی منهاجه»(3).
ومن أدلة علمه بالقرآن ما قاله ابن عباس: «فإذا علمي بالقرآن في علم علّي
ص: 24
كالقرارة في المُثْعَنجز(1) (2).
وقد برع الإمام علي علیه السلام أیضاً في العلوم جمیعها کالعلوم الفقهیة واللغویة وأولیات علم الحساب ومن فقهه علیه السلام ما روي عن عمر (رضي الله عنه) أنه أُتي بامرأه قد ولدت لستة أشهر فهّم برجمها، فقال له الإمام علي علیه السلام خاصمتك بکتاب الله خصمتك إنَّ الله تعإلى يقول:
«وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا» [الأحقاف: 15] ويقول جلّ تعإلى:
«وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ» [لقمان: 14].
فإذا کانت مدة الرضاعة حولین کاملین أي أربعة و عشرین شهراً وکان حمله وفصاله ثلاثین شهراً، فالحمل فیها ستة أشهر، فخلی عمر سبیل المرأة وثبت الحکم لصالح المرأة، وعندها قال عمر: لولا علي لهلك عمر(3).
أمّا علمه بالحساب فقد قال عباس محمود العقاد في هذا المقام «وفي أخباره، مما يدلُّ على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه وأحكامه. ومن هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث؛ لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن الغازاً تکدّ في حلّها العقول»(4).
ومن المسائل الحسابية التي برع الإمام علي علیه السلام في حلّها
ص: 25
ما يُعرف بالمسألة الدينارية، إذْ يقال: إِنَّ امرأة جاءت إلى الإمام، وشكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار، ولم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد، فقال لها: لعله ترك زوجة وابنتين وأُماً. واثنى عشر أخاً وأنت؟ فكان كما قال. وهنا تتجلى قوة علمهِ وحدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة وليس فقط ذلك، بل العلاقة فيما بينهم وجنسهم وحصة كلّ منهم، إذْ َإِنَّ هذه المراءة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف وأخذ حقها، لذلك قال لها: خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة، وخلف أماً لها السدس مائة، وخلف زوجة لها الثمن خمسة وسبعون، وخلّف معك اثني عشر أخاً لكل أخ ديناران ولكِ دينار قالت نعم ... فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية، أي لو جمعت هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة دينار(1).
وغيرها من المسائل كثير التي برع الإمام علیه السلام في حلها(2).
وقد ورد في شعر منسوب للإمام علیه السلام تعبیرات تخصّ الحساب، إذْ ذکر العدد ستين والنصف والثلث(3)، إذْ قال في حسبة العمر(4):
إذا عاش الفتى ستين عاماً فنصف العمر تمحقه الليالي ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً من شمالِ
ص: 26
وثلث النصف آمل وحرص وشغل بالمكاسبِ والعيالِ وبرع الإمام علي علیه السلام في علم الهندسة، إذْ یُروی أنَّ رجلین جالسین في زمن عمر ومرَّ بهما عبد مقیّد، فقال أحدهما: إن لم يكن في قيده كذا وكذا فأمرأته طالق ثلاثاً وحلف الآخر بخلاف ما قاله، فسأل مولى العبد أن يحل قيده حتى يعرف وزنه، فأبى فارتفعا إلى عمر فقال لهما: اعتزلا نساءكما، وبعث إلى علي علیه السلام وسأله عن ذلك فدعا بإجانة(1) فأمر الغلام أن يجعل رجله فيها ثم أمر أن يصب الماء حتى غمر القيد والرجل ثم علم في الإجانة علامة وأمره أن يرفع قيده عن ساقه، فنزل الماء عن العلامة، فدعا بالحديد فوضعه في الإجانة حتى تراجع الماء إلى موضعه، ثم أمر أن يوزن الماء فوزن فكان وزنه بمثل وزن القيد، وأخرج القيد فوزن فكان مثل ذلك(2).
وهكذا فالإمام علي علیه السلام عالمٌ متمکنٌ في العلوم جمیعها.
ص: 27
ص: 28
ص: 29
ص: 30
العربي لقد كثر كلام العلماء حول نشأة النحو العربي إذ «یکتنف نشأة علم النحو بعض الغموض وتختلف فيها الروايات؛ ذلك لأنَّها عملية خلق يشترك فيها عادة أكثر من عاملِ، يسهم فيها أكثر من شخص، وربما تبرز الفكرة في عدة أماكن، وفي أزمنة متفاوتة، ويدّعي كلّ فريق قصب السبق إليها، ومع ذلك فإنَّ کلّ الروایات تجمع أنَّ الإمام علیاً علیه السلام هو الذي وضع الخطة الأولى، وأنَّ أبا الأسود(1) بدأبتنفیذها»(2).
وهذا يدلُ على أنَّ هناك روايات كثيرة تسند أصول النحو للإمام علي علیه السلام وأنَّ النحو العربي نشأ في البصرة وهذا ما أجمعتعليه المصادر إذْ قال د. سعيد الأفغاني: «الذي تجمع علیه المصادر أنَّ النحو نشأ بالبصرة، وبها نما واتسع وتكامل وتفلسف وأنَّ رؤوسه بنزعتيه السماعية والقياسية كلهم بصريون وأنَّ علي بن أبي طالب القى على أبي الأسود شيئاً من
ص: 31
أصوله ثم قال له: «انحُ هذا النحو فسمي نحواً»(1).
نشأ النحو العربي في المدة التي زار فيها الإمام علي البصرة وذلك ما بين 22 جمادی الأولی وأوائل رجب لسنة 36 ه-، إذْ مكث الإمام علي علیه السلام في البصرة مدة شهرين وكان أبو الأسود الدؤلي قاضياً على البصرة وتم اللقاء لأول مرة بین الإمام علي علیه السلام وبين أبي الأسود وحدثت معركة الجمل وانتصر فيها الإمام علي علیه السلام انتصاراً رائعاً(2). وإنَّ بعض الباحثين استنكروا نشأة النحو في هذه المدة؛ لأنَّ الإمام علي علیه السلام جاء إلى البصرة محارباً ومقاتلاً(3)، ولكن اللقاء العلمي تم بين الإمام علي علیه السلام وكان لقاء لا يحتاج إلى وقت، بل يحتاج إلى موافقة وتبادل الآراء خدمة في الدين واللغة إذْ كان أبو الأسود مجهزاً بهذا العلم قبل مجيء الإمام وانتظر حتى زالت الحرب وعرض الأمر على الإمام فوافقه»(4).
وفي ضوء ما تقدم يتبين أنَّ النحو العربي ظهر في عهد الإمام علي بن أبي طالب بعملٍ من الإمام نفسهِ أو بتنفيذ من أبي الأسود الدؤلي. وقد قسم الشيخ الطنطاوي أطوار النحو العربي على اربعة أطوار وحدّد الطور الأول من عصر أبي الأسود إلى عصر الخليل(5).
والخلاصة في ذلك أنَّ نشأة النحو العربي كثرت حولها الإختلافات والنقاش
ص: 32
وبقي النحو منذ عهد الإمام علي علیه السلام (ت 40 ه-) شيخ البصريين والكسائي (ت 189 ه-) شيخ الكوفيين عربياً خالصاً.
لقد وضع الإمام علي علیه السلام النحو العربي من أجل الحفاظ علی لغة القرآن واهتم بجمعه بعد وفاة الرسول صلّی الله علیه و آله و سلم، وإنَّ ملازمته للرسول صلّی الله علیه و آله و سلم جعلته یستقي منابع اللغة ممن أوتي جوامع الكلم، وقد اشتهر بعبقرية فذة جعلته متفوقاً في كلّ المعضلات، فلا غرابة أن يعمل فكره في حفظ لغة القرآن، واختراع صناعة جديدة تحفظ لغة الذكر، وتسهل على المسلمين تقويم السنتهم وأقلامهم(1).
وهكذا لابُدَّ من معرفة ولادة النحو العربي ودور الإمام علي علیه السلام في وضع اصول النحو، قال أبو البركات بن الأنباري (ت 577 ه-): إنَّ أول من وضع النحو الإمام علي علیه السلام؛ فقد روي عن أبي الأسود أنه سئل من أين لك هذا النحو؟ قال تلقيت حدوده من علي بن أبي طالب(2).
وقد أعتمد كثير من العلماء رأي ابن الأنباري من خلال قوله: «اعلم أیّد ك الله بالتوفيق، وأرشدك إلى سواء الطريق، أنَّ أوّل من وضع علم العربية وأسس قواعده وحدّ حدوده امير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي»(3)، واستندَ إلی ذلكمن خلال قول أبي الأسود الدؤلي
ص: 33
«قال: دخلت على امير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) فوجدت في يده رقعه فقلت ما هذه يا امير المؤمنين؟ قال: إنَّي تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء، فأردت أن اضع لهم شيئاً ترجعون إليه وتعتمدون عليه، فقلت: إن فعلت هذا يا امير المؤمنين احييتنا وبقيت فينا هذه اللغة ثم القى إليّ الرقعة، وفيها مكتوب: الكلام كله اسم وفعل وحرف، فلأسم ما انبأ عن المسمى والفعل ما انبأ عن حركة المسمى والحرف ما انبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي تتبعه وزد فيه ما وقع لك واعلم يا ابا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لاظاهر ولا مضمر وإنَّما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر»(1).
وقال ايضاً: «وضعت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والإستفهام إلى أنَّ وصلت إلى باب إنَّ واخواتها، ولم اذكر (لكنّ) فقال لي: لمَ تركتها فقلت: لم احسبها منها، قال فزدها فيها وكنتُ كلما وضعتُ باباً من أبواب النحو عرضته عليه إلى إنَّ حصلت ما فيه الكفاية قال: ما احسن هذا النحو الذي قد نحوت»(2).
وفيما يأتي أشهر الروايات التي تسند أصول النحو للإمام علي:
هناك كثير من الروايات التي تؤكد أنَّ الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام هو الذي وضع النحو وبدأ أبو الأسود بتنفيذها. قال أبو الطیب اللغوي (ت351 ه-): «کان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي الذي أخذ ذلك عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ لأنَّه سمع لحناً،
ص: 34
فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفاً وأشار له إلى الرفع والنصب والجر»(1).
وأمّا أبو بكر الزبيدي (ت 379 ه-) فيدلي بشهادته لأبي الأسود الدؤلي قائلاً: «تلقيته من علي بن أبي طالب»(2). وفي روایة أخری قال: «القی إليَّ علي أصولاًاحتذیت علیها»(3)، ويتحدث السيرافي (ت 386 ه-) عن نشأة النحو إذْ قال: بدأت بالبصرة على يد أبي الأسود الدؤلي وأخذ عن الإمام علي علیه السلام العربیة وکان أفصح الناس(4). أمّا ابن النديم (ت 380 ه-) فقد قال: «زعم أکثر العلماء أنَّالنحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي وأنَّ أبا الأسود أخذ ذلك عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب»(5)، وقد ذكر ابن النديم رأياً يدل على أصل النحو وواضعه قائلاً: «كان بمدينة الحديثة رجل يقال له محمد بن الحسين ويعرف بإبن أبي بعرة... جماعة له خزانة لم أرَ لأحد مثلها كبيرة تحتوي على قطعة من الكتب العربية في النحو واللغة والأدب والكتب القديمة فلقي هذا الرجل دفعات فأنس بها وكان نفوراً ضنيناً بما عنده خائفاً من بني حمدان، فأخرج لي قمطراً كبيراً...
ورأيت فيه ما يدّل على أنَّ النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي اربعة أوراق أحسبها من ورق الصين، ترجمتها هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود، بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق: هذا خط علان النحوي، وتحته: هذا خط النضر بن شميل»(6).
ص: 35
وقد تحدث ابن الأنباري ايضاً عن هذا الموضوع إذ قال: «إنَّ أول من وضع علم العربية وأسس قواعده وحدّ حدوده امير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأخذه عنه أبي الأسود الدؤلي»(1).
ومن الروايات التي تسند أصول النحو إلى الإمام علي علیه السلام قال ابن الجوزي (ت 597 ه-): «أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي (ت 69 ه-) وأخذ عن علي بن أبي طالب العربیة وقد لحن الناس فأخبر علیاً علیه السلام، فأعطاه أصولاً بني منها وعمل بعده عليها»(2). وذکر القفظي (ت646 ه-) أنَّ أول من وضع النحو الأمام علي علیه السلام، وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي وأنَّه رای بمصر في زمن الطلب بأیدي الوارقین جزء فیه أبواب من النحو علی أنها مقدمة علي علیه السلام التي أخذها عنه أبو الأسود الدؤلي وذکر ايضاً أنَّ الإمام علي علیه السلام ذکر اقسام الکلام وأضاف «لکنَّ» إلی «إنَّ» عندما اغفل إدراجها أبو الأسود الدؤلي(3). وهكذا فالإمام علي علیه السلام وضع أصول النحو من خلال الروایات التي تثبت ذلك.
وذكر ابن خلكان (ت 681 ه-) «أنَّ الإمام علیاً (رضي الله عنه)، وضع لأبي الأسود أقسام الکلام ثم رخصه إلیه وقال له: تمم علی هذا»(4). وقد ذكر ابن كثير الدمشقي (ت 774 ه-) أصول النحو للإمام علي علیه السلام إذْ قال: « إنّما أخذه عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب، ذكر له الإمام: الكلام: اسم وفعل وحرف وآنَّ أبا الأسود نحا نحوه»
ص: 36
وذهب ابن الجزري (ت 833 ه-) إلى أنَّ أبا الأسود «أول من وضع مسائل في النحو بإشارة علي (رضي الله عنه)، فلما عرضها على علي، قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فسمي النحو نحواً»(1).
وفي ضوء ذلك يتبين تطابق الروايات التي تدل على أنَّ أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي وأخذه عن الإمام علي علیه السلام، وروی العسقلاني (ت 852 ه-)عن أبي علي القالي عن الزجاج عن المبرد قال: «أوّل من وضع العربیة ونقط المصاحف أبو الأسود وسُئِل أبو الأسود عمن نهج له الطريق، قال: تلقيته عن علي بن أبي طالب»(2)، وهكذا فهناك شهادات كثيرة سجلها القدماء تؤكد أصول النحو للإمام علي علیه السلام ما ذکره السیوطی (ت 911 ه-):
«اشتهر أنَّ أول من وضع النحو علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لأبي الأسود الدؤلي»(3).
وذكر السیّد محسن الأمين الكثير من الروايات التي تسند أصول النحو للإمام علي علیه السلام إذْ قال: «أول من وضع النحو بإتفاق الرواة وأهل العلم امیر المؤمنین علي بن أبي طالب علیه السلام القاها إلى أبي الأسود الدؤلي»(4). وذکر ایضاً رأي ابن أبي الحدید في أول شرح نهج البلاغة، إذْ قال: إنَّ الإمام علیاً علیه السلام هو الذي ابتدع علم النحو وانشأه واملی علی أبي الأسود جوامعه(5).
وقال ابن شهر آشوب (ت 588 ه-): «روي أنَّ أبا الأسود الدؤلي کان
ص: 37
يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي (بالياء) فقال: الله وهو يريد المتوفى (بالألف) ثم أخبر امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وقال له: یا امیر المؤمنين ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم وأشك إن تطاول عليها الزمان أن تضمحل»(1). فهذه الروايات كلها مجتمعة تثبت أنَّ الإمام علي علیه السلام وضع النحو وأبو الأسود بدأ بتنفيذها .
أطلق على النحو العربي مصطلحات عدّة - قبل هذا الأسم وهي العربية والكلام والإعراب إلى إنَّ سمي أخيراً بالنحو فمثلاً مصطلح العربية اطلقه القدماء على علم النحو فقد روي عن ابن سلام (ت 224 ه-) قال: «أول من أسس العربية وفتح بابها وانهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي»(2).
أمّا مصطلح الكلام اطلقه أبو الأسود على النحو إذذ قال: «هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام فدخلوا فيه، فصاروا لنا أخوة فلو علمناهم الكلام»(3)، فأبو الأسود يعني بالكلام علم النحو، أمّا مصطلح الإعراب اطلق على النحو إذ «ذكر السيوطي (ت 911 ه-) رواية عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما قال وليعلم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب»(4).
وهكذا تعددت المصطلحات إلى أنَّ سمي بالنحو.
ص: 38
المراد بلفظة (نحو) في اللغة بحسب ما ذكره ابن منظور (ت 711 ه-): «تعني القصد والطريق نحاه ينحوه وينحاه نحواً وانتحاء، ونحو العربية منه»(1).
وفي الإصطلاح مثلما عرّفه الشريف الجرجاني ( 816 ه-) إذْ قال: «النحو هو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية من الإعراب والبناء وغيرهما»(2).
وإنَّ مصطلح النحو عربيّ الأصل أمّا كيف جاء هذا المصطلح فهناك الكثير من الروايات التي تؤكد أن هذه التسمية اطلقها الإمام علي علیه السلام، ومن هذه الروايات، رواية ابن النديم، إذْ بين سبب التسمية قال: «عندما القی الإمام لأبي الأسود أصولاً في النحو قال: أبو الأسود الدؤلي «واستأذنته أنَّ أصنع نحو ما صنع فسمي ذلك نحواً»(3). وقد ذکر ابن الأنباري أنَّ أبا الأسود کان إذا أشكل عليه شيء راجع امير المؤمنين علیه السلام وأتی به إلیه فاستحسنه وقال: نعم ما نحوت، أي قصدت فللتفاؤل بلفظ علي علیه السلام سمي هذا النحو نحواً(4).
وفي ضوء هذه الروایات نستنتج أنَّ الإمام علی علیه السلام هو أول من أطلق هذه التسمیة، وما قاله ابن الجزري في هذا هذا الشأن: «عندما عرض أبو الأسود الدؤلي مسائل النحو علی الإمام إلی أنَّ حصل ما فیه الکفایة قال: «ما احسن هذا النحو الذي نحوت» فلذلك سمي النحو نحواً»(5).
ص: 39
وذكر السيد محسن الأمين سبب تسمية هذا العلم بالنحو قال: « سمّي هذا العلم نحواً؛ لأنَّه لما القى أصوله إلى أبي الأسود قال له انحُ هذا النحو واضف إليه ما وقع إليك أو؛ لأنَّه لما زاد عليه وأتى به إليه قال له: نعم ما نحوت أو ما احسن هذا النحو الذي نحوت»(1).
وتحدث الشيخ أبو الحسن سلامة النحوي أنَّ الإمام علي علیه السلام لما القی الصحیفة إلى أبي الأسود الدؤلي قال له: انحُ نحو هذا ولهذا سمي النحو نحواً(2).
في ضوء ذلك يتبين أنَّ الإمام علي علیه السلام هو الذي اطلق هذه التسمیة إذ وجدنا أغلب الدارسين الذين ذكروا لفظة (نحو) يُشير إلى تلك الحادثة التي جمعت الإمام علي علیه السلام مع أبي الأسود الدؤلي وقولهِ: علیه السلام وعُدّت أسماً لهذاالعلم بعد أن کان مدلولها اللغوي يعني (القصد) بحسب ما ذكرهُ أصحاب المعجمات.
ص: 40
وهما ركنا الجملة الإسمية قال سيبويه (ت 180 ه-): «المبتدأ والمبني علیه رفع... فهو مسند ومسند اليه»(1). ویقصد بالمبنيعلی المبتدأ الخبر، والمسند اليه لا يغني أحدهما عن الآخر ولا يجد المتكلم منهما بدا(2). فالمبتدأ «هو الاسم المجرد من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وأن القصد فيه ان یکون اولاً لثان مبتدأ به»(3).
أمَّا الخبر «هو الذي یستفیده السامع ویصیر به المبتدأ كلاماً وبالخبر يقع التصديق والتكذيب»(4). ومن الموضوعات التي وردت فیها أقوال الإمام علي علیه السلام في کتب النحویین واللغویین في باب الأسماء:
ص: 41
من أقوال الإمام علي علیه السلام التي استدل بها في هذا الموضوع قوله: «أنتم والساعة في قَرَن واحد»(1).
أورده الرضي الاستراباذي (ت 686 ه-) عند تناوله لحذف الخبر وجوباً اذا وقع بعد المبتدأ «واواً» نحو قولهم: « كلُّ رجلٍ وضیعتُهُ»، إذ ذهب البصریون إلی حذف الخبر وجوباً والتقدير عندهم «کلُّ رجلٍ وضیعتُهُ مقترنان» ویقدر الخبر بعد واو المعیة، امَّا الكوفيون فذهبوا إلى أن (وضیعتُهُ) خبر المبتدأ، لأن الواو بمعنى (مع) والمعنى عندهم «کلُّ رجلٍ مع ضیعته»(2).
وبعد أن عرض الرضي الاستراباذي حجج المذهبين في المسألة ذهب إلى أن «حذف الخبر في مثل هذا غالب لا واجب، وهذا رأي التزمه الكوفيون فيما بعد أي اذا وليّ معطوفاً على مبتدأ فعل لأحدهما واقع على الآخر جاز أن يكون ذلك الفعل خبراً سواء دلّ ذلك الفعل على التفاعل او لا نحو قوله «زید والریح یباریهما» فيباريها خبر عنهما وفي نهج البلاغة «أَنْتُم والساعة في قرَنٍ واحدٍ»(3) ومثل ذلك ایضاً قول الإمام علي علیه السلام:
«فهم والجَنة کمن قد رآها»(4)
ص: 42
أورد الرضّي هذا الشاهد للدلالة على جواز الحذف لتضمن الخبر ضميريهما «ذهب الكوفيون إلى أنّ خبر المبتدأ اذا كان اسماً محضاً يتضمّن ضميراً يرجع إلى المبتدأ نحو «زَیدٌ أخوك، وعمرو غلامُك » وذهب البصریون إلی أنّه لا یتضمَّن ضمیراً وأجمعوا على أنَّهُ اذا كان صفةً أنه يتحمّلُ الضمير نحو «زیدٌ قائمٌ، وعمرو حسنٌ» وما أشبه ذلك(1). ومن ذلك يتضح لنا ان الخبر يحذف بوجود قرينة تدل علیه وأن من القرائن المجوّزه لحذف الخبر «الاستفهام عن المخبر عنه كقولك زید لمن قال من عندك اي زید عندي والعطف علیه نحو «زید قائم وعمرو » اي وعمرو كذلك، وهذا من الحذف الجائز، لأن المحذوف فيه لا يزيد ذكره على ما حصل بالقرینة التي دلّت علیه»(2). وقد يكون الأولى في ذلك حذف الخبر لأن الحذف اتّساع وتصرف وذلك في الخبر من دون المبتدأ فالخبر يكون مفرداً جامداً ومشتقاً وصلة أمّا المبتدأ لا يكون إلا اسماً مفرداً نحو قوله تعإلى:
«طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ» [محمد: 21].
أي المطلوب منكم طاعة او طاعة مثل لكم(3). وهكذا يردُ حذف الخبر في اللغة اذا وجدت قرينة دالة عليه، وهو يحذف جوازاً ووجوباً(4).
إنّ هذا الباب الإخبار طويل قال المُبرِّد (ت 285 ه-): «إنَّ هذا الباب عبرَةٌ لکلّ کلام وهو خبر والخبر ما جاز تصدیق قائله وتکذیبه فعند القول: اخبر عن «زید
ص: 43
في الدار» بالذّي قلت: « الذي هو في الدار زيد» فهو ضمیر زید ورفع في صلة الذي بالابتداء وأنَّ في الدار خبره»(1). وقد جعل النحویون هذا الباب حداً من الحدود فعند القول کیف الإخبار عن «قام زيد» بالذي فیکون الجواب «الذي قام زیدٌ» فالذي مبتدأ وقام صلته وفیه ضمیر یرجع الیه وهو في المعنی زیدٌ، لأن الضمير هو الذي والذي هو زيد فهو في المعنى فاعل(2). وقد بیّن ابن عقيل (ت 769 ه-) بشرحه «أنَّ هذا الباب وَضَعه النحویون لإمتحان الطالب وتَدْرِیبه کما وضعوا باب التمرین في التصریف فاذا قیل اخبر عن اسم من الأسماء ب- (الذي) فظاهر هذا اللفظ أنك تجعل (الّذي) خبراً عن ذلك الأسم لكن الأَمر ليس كذلك بل المجعول خبراً هو ذلك الأسم والمخبر عنه انما هو (الّذي) وان الباء في (بالّذي) بمعنى عن فكأنما قيل (اخبر عن الّذي»(3).
ومن أقول الإمام علي علیه السلام التي استدل بها في هذا الموضوع قوله من الرجز(4).
أنا الذّي سَمَّتْني أُمِّي حَیْدَرَةْ *** أَکِیلُکم بالسَّیْف کَیْلَ السَّنْدَرَةْ
فقد استشهد بهِ بعض النحويين منهم ابن الشجري (ت 542 ه-) إذ رأی «عند عودة ضمیر المتکلم إلی الموصول یرفع الموصول خبراً عن ضمیر المتکلم»(5) وقد استشهد به أیضا ابن عصفور (ت 669 ه-) فقد رأی أنه لا یجوز حذف الصلة إلا
ص: 44
اذا كان في الكلام ما يدل عليها فموضع الشاهد في قول الإمام علي علیه السلام: «أنا الذّي سمّتني».
فالفعل سمَّى صلة للموصول على معناه ولو حُمِل على اللفظ لقال أنا الذّي سمّته أُمّة(1).
واستشهد به ايضاً الرضّي الاستراباذي (ت 686 ه-) في شرحه على كافية ابن الحاجب اذ بیّن انه عند الإخبار عن ضمير المتكلم او المخاطب بالّذي فلا بدّ أن يكون الضمير القائم مقامه غائباً، وذلك لرجوعه إلى الأسم الموصول، فالذي في قول الإمام علي علیه السلام خبر عن ضمیر المتکلم(2).
التعجب اسلوب من الأسالیب الإنشائیة یُعبّر بهِ عن الإنفعال الذي یحدث في النفس قال المُبرِّد: «هذا باب الفعل الذي یتعدي إلی مفعول وفاعله مبهم ولا یتصرف تصرف غیره من الأفعال ویلزم طریقةً واحدة؛ لأن المعنی لزمه علی ذلك»(3).
وللتعجب صيغتان: (ما أفعله) وهو ان تأتي ب- (ما) التي تفيد التعجب ثم بأفعل وبعدها الأسم المتعجب منه منصوباً كقوله تعإلى:
«فَما أصْبَرَهُمْ عَلَی النّار» [البقرة: 17].
أمّا الصیغة الثانیة فهي أفَعِلْ به کقوله تعإلی:
ص: 45
«أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ» [مریم: 28](1).
ويجوز حذف المتعجب منه في صيغة ما أفعله، اذا دلّ عليه دليل من سياق الكلام.
ومن اقوال الإمام علي علیه السلام التي تدل علی ذلك قوله(2):
جزی اللهُ عنَّا والجزاءُ بِفَضلِهِ *** رَبِیعة خیراً ما أعفّ وأکرما
إذ استشهد به كثير من النحاة منهم المرادي (ت 749 ه-)(3) ومحمد علي الصبّان (ت 1206 ه-)(4)، وخالد بن عبد الله الأزهري (ت 905 ه-)(5). إذ حذف المتعجب منه لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام اذ التقدير ما أعفّها واكرمها وبذلك حذف الأسم المنصوب وهو مفعول فعل التعجب وذلك لقيام قرينة تدل عليه(6). وفي ضوء ما عرضناه يتبين جواز حذف مفعول فعل التعجب ما افعل اذا دلّ ما قبله عليه ويجب ان يكون مختصاً لتحصل به الفائدة ومثل ذلك قول الشاعر(7):
ص: 46
أری أُمَّ عمرو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرَا *** بُکَاءً عَلَی عَمْروٍ وَمَاکانَ أصْبَرا
إذ حذف مفعول فعل التعجب لدلالة ما قبله عليه فالتقدير «ما کن اصبرها»(1) وكذلك يجوز حذف المتعجب منه في صيغة «افعِل به» شریطة ان یکون أفعِلْ معطوفاً علی مذکور معه مثل ذلك المحذوف نحو «احسن بصاحب المروءة وأکرِم» اي أکِرم بصاحب المروءة ومنه قوله تعإلی:
«أسْمِعْ بِهِمْ وأبصر» [مريم: 38].
التقدير: وأبصر بهم فحذف بهم، لأنه معطوف على مذكور (2)
سمّي بذلك، لأنه مطلق من القیود، اي غیر مقیّد بخلاف المفعولات الأخری(3). والمفعول المطلق «هو اسم ما قبله فاعل مذکور بمعناه»(4) . وقد بیّن الرضّي الاستراباذي سبب المطلق علی بقیة المفاعیل أنه المفعول الحقیقی الذي أوجده فاعل الفعل المذکور وفعله ولأجل قیام هذه المفعول به صار فاعلاً»(5). وفي ضوء ذلك یتبین ان المفعول هو المفعول الحقیقی الذي احدثه الفاعل.
ص: 47
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي استشهد بها في المفعول المطلق ما استشهد بها في المفعول المطلق ما استشهد به الرضي الاستراباذي في شرحه لکافیة ابن الحاجب قوله:
«نَحْمَدُهُ عَلَی عَظِیم إحسَانِهِ وَنَیِّر بُرْهَانِه وَنَوامي فَضْلِهِ وامْتِنَانِهِ حَمْداً یَکُونُ لَحِقّه أداءً»(1).
إن الإمام علي علیه السلام نظر في قوله إلی ما سیق من أنواع نِعم الله وهي عظیم إحسانه بالخلق والإیجاد علی وفق الحکمة والمنفعة ثم بإنارة برهانه في متقن صنعه و محکمه وعلی السنة رسله لسوقنا في صراطه المستقیم إلی جنات النعیم ثم بإضافته نوامی فضله وامتنانه بکفایتنا في حیاتنا الدنیا(2). ففي قول الإمام علي علیه السلام حذف عامل المفعول المطلق وقال الرضي الاستراباذي عن حذف عامل المفعول المطلق «أعلم انه لا بدّ في الواجب الحذف والجائز من القرینة»(3). فالمصادر إذا لم یأتِ بعدها ما یبینها ویعیّن ما تعلقت به من فاعل او مفعول أما بحرف جر أبو بإضافة المصدر الیه فلا یجوز حذف فعله نحو سقاك الله سقیاً وکذلك نحو قال الإمام علي علیه السلام الذي تقدم ذکره(4). ویجوز حذف عامل المفعول المطلق إذا وقع تفصیلاً لأثر مضمون جملة متقدمة نحو قوله تعإلی:
«فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً» [محمد: 4].
فحذف عامل المصدر هنا لتفضیل عاقبة ما قبله أي فإمَّا تَمنّون منّا وإمّا
ص: 48
تفادون فداءً(1). أي في قوله تعإلى: «فَشُدُّوا الْوَثَاقَ» جملة تتضمن: شد الوثاق والمطلوب من شدّ الوثاق إمَّا قتلٌ أو منُّ أو فداءٌ فقد فصّل الله هذا «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً»(2). وقد يكون حذف عامل المفعول المطلق جائزاً لدليل حالي أو مقالي كأن يقال: لمن قَدِمَ من السّفر قدوماً مباركأً ولمن أراد الحجّ حجاً مبروراً(3). وهذا یَدلُ على أنَّ عامل المفعول المطلق يحذف جوازاً لقرینة إذ کان غیرمؤکد أمّا إذا کان عامله مؤکداً یمتنعُ حذفه(4).
ويسمى المفعول لأجله، قال سيبويه: (ت 180 ه-) «هذا باب ما یُنصب من المصادر لأنه عذرٌ لوقوع فانتصب لأنَّهُ موقوع له، ولأنَّهُ تفسیرٌ لما قبله لم کان، ولیس بصفة لما قبله ولا منه فإنتصب کما أنتصب دِرهم في قولك عشرون دِرهماً وذلك قولك فعلت ذاك حذار الشر وفعلت ذاك مخافة فلان وإدخار فلان، فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له، كأنه قيل لم فَعلَتَ كذا وكذا؟ فقال لکذا وکذا ولکنه لما طرح اللام عمل فیه ما قبله»(5). والمفعول له لا یکون إلا مصدراً والعامل فیه غیر مشتق منه(6). وقد حدّه ابن مالك
ص: 49
(ت 672 ه-) على أنه «المصدر المعلَّل به حدث شارکه في الوقت ظاهراً أو مقدراً والفاعل تحقیقاً أو تقدیراً»(1). وعلی ذلك فأن المفعول له مصدر يقدر باللام المعلل به حدث شاركه في الفاعل والزّمان. ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت في هذا الموضوع قوله:
« فأعطاه اللهُ النَّظرَةَ استِحقاقاً لِلسَّخْطةِ واسْتِتْماماً لِلَبلیَّةِ»(2).
أورده الرّضي الاستراباذي عند تناوله باب المفعول له، إذ يذهب جمهور النحويين إلى أن المفعول له يشارك عامله في الوقت والفاعل، وبعض النحويين لا يشترطون التشارك في الفاعل(3). ولم يذكر الرّضي الاستراباذي منع اشتراط التشارك في الفاعل، وان كان يری أن ذلك هو الأغلب، اذ قال مستدلاً بكلام الإمام علي علیه السلام: «وبعض النحاة لا یشترط تشارکها في الفاعل، وهو الذي یقوی في ظني، وإن کان الأغلب هو الأول، والدلیل علی جواز التشارك قول أمیر المؤمنین علي علیه السلام في نهج البلاغة:
« فأعْطاهُ اللهُ النَّظرَة استِحقاقاً للسُّخطَةِ وإستِتْماماً لِلبَلیّةِ».
والمستحق للسُّخطةِ إبليس والمعطي للنَّظرَةِ هو الله تعإلى فلا يكون استحقاقاً حالاً من المفعول، لأن استتماماً يكون حالاً من الفاعل»(4).
وهكذا نجد الرّضي الاستراباذي يجيز اشتراط عدم تشارك المفعول له
ص: 50
وعامله في الفاعل اعتماداً على قول الإمام علیه السلام ورأي بعض النحویین وقوله علیه السلام حذف قبله تقدیراً فسأل النظرة وذلك قوله أنظرني فأعطاه الله النظر إلى يوم الوقت المعلوم كقوله تعإلى:
«قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِﻟﻰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(1) [الحجر: 37].
ومن الشواهد التي وردت على عدم التشارك قول العجاج(2):
یَرْکَبُ کُلُّ عاقِرٍ جُمْهُورِ *** مَخَافةً وَزَعَلَ المَحْبورِ
والهَوْلَ مِنْ تَهَوُّل الهُبُور
(فالهَوْلَ) في هذا الشاهد بمعنى الإفزاع لا الفزع إذ يقال: هالَنِي الأمر يَهُولني هولاً(3)، وإنَّ الثور ليس بمفزع بل هو فزع، وهذا دليل على عدم التشارك(4). وقد أجاز ابو علي الفارسي (ت 377 ه-) عدم المقارنة في الزمان نحو قوله تعإلى:
«هَٰذَا يَوْمُ فَنْفَعُ الصَّادِقِﻴﻦَ صِدْقُهُمْ» [المائدة: 119].
بنصب صدقهم، إذ أن معناه لصدقهم في الدنيا(5). ويتضح في ضوء ما عرضناه أنَّ المصدر ينتصب لتضمنه العلّة الحقيقية وهو التشارك في الوقت والفاعل وقد يجوز عدم التشارك.
ص: 51
من المصطلحات التي استعملها الخليل(1). وتابعه النحويون في استعماله(2).
وهو من المنصوبات(3) لأنه يكون في حالة النصب منصوباً بمحذوف تقديره استثني وتدل عليه كلمة الإستثناء ويتكون من المستثنى منه والمستثنى وأداة الاستثناء. والاستثناء هو «أخراج حکم المستثنی من حکم المستثنی منه بأستعمال (إلا) أو إحدی أدوات الاستثناء وهي خلا، وعدا، وحاشا، وغير وسوی»(4).
وهكذا یَحِدُّ النحاة الاستثناء بأنه «هو الاخراج بإلا أو أحدی أخواتها لما کان داخلاً او منزلة الداخل»(5). وفي ضوء ذلك يتبين أن الاستثناء لا يتم إلا بأدوات الاستثناء وادوات الاستثناء یبینها المُبرِّد «ماکان اسماً (غیر) و (سوی) و (سوَاء) وما كان حرفاً (إلا) و (حاشا) و (خلا) و(عدا) و(لا يكون»)(6). والاستثناء موضوع واسع ویکون علی أنواع فینقسم الاستثناء إلی تام ومفرغ وینقسم التام إلی متصل، ومنقطع(7). ومن أنواع الاسثتناء التي استدل بها بأقوالٌ للإمام علي علیه السلام:
ص: 52
معنى الاستثناء المفرغ «هو ما حُذِف من جملتهِ المستثنی منهُ و شرطهِ أن یکون الکلام غیر موجب، بأن یسبق بنفي أو نهي أو استفهام»(1). أي المستثنی منه غیر مذکور والمستثنی یعرب بحسب موقعه في الجملة قال ابن الحاجب (ت 246 ه-): «ویعرب علی حسب العوامل اذا کان المستثنی منه غیر مذکور، وهو في غیر الموجَب لیفید، مثل «ماضَربَني إلاّ زید» إلا ان یستقیم المعنی، نحو «قرأت إلاّ یوم کذا» ومن ثم لم یجز ما زال زیدٌ إلاّ عالماً»(2). ولا یکون هذا الاستثناء إلاّ في غیر الموجب، وهو المسبوق بنفي، أو استفهام نحو قوله تعإلی:
«هَلْ هذا إِلاَّ بﺸََﺮٌ مِثْلُكُمْ» [الانبياء: 3].
ولا يجوز وقوعه في الموجب، فلا يصح أن يقال «حَضَرَ إلاّ خالد» لأن المعنی حضر جمیع الناس إلاّ خالداً(3). وهکذا فالعامل المتقدم علی (إلاّ) یجوز تفرغه بالنظر إلى المعمولات كالفاعل، ونائب الفاعل، والحال أي يجب أن يكون المستثنى بإلاّ على حسب ما يطلبه العامل قبله متى ما حذف المستثنى منه من الكلام فيفرغ ما قبل إلاّ للعمل فيما بعدّها كما لو كانت إلا غير موجودة(4).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي استشهد بها في ذلك قوله:
«قد کنتُ وما اُهدّد بالحرب»(5).
ص: 53
استدل به الرضي الاستراباذي على مجيء الواو في خبر كان بغير (إلاّ) تشبيهاً بالحالیّة أي «يقع بعد إلاّ من الملحقات بالمفعول: الحال، نحو: «ما جاء زیدٌ إلاّ راکباً» والتمييز، نحو «ما أمتلأ الإناء إلاّماءً» ونحو قوله تعإلی:
«وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ» [الحجر: 4].
الواو للحال وأتوا بها لحصول الفصل بين الموصوف وصفته التي هي جملة إلاّ، فجيء بالواو رابطة، ونحو ذلك في خبر (ليس) و (ما)... وربما جاء الواو في خبر (کان) بغیر (إلاّ) كقول الإمام علیه السلام: «قد کنت وما أهدَّد بالحرب»، تشبیهها بالحالیة»(1). اي يجوز التفريغ لجميع المعمولات، إلاّ المفعول معه، والمصدر المؤكد فلا يقال: «ما سرت إلاّ والأشجار، وما زرعت إلاّ زرعاً»، وسبب المنع وقع التناقض بذکر المعنى مثبتاً أو منفياً قبل (إلاّ) ثم مخالفته بعد (إلاّ)(2) . وفي ضوء ذلك يتبين أنّ ما بعد إلاّ يعرب بحسب حاجة الجملة إلى فاعل، أو مبتدأ أو حال أو مفعول به .
ورد فيها قول الإمام علي علیه السلام:
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت للدلالة علی ذلك قوله علیه السلام:
«واللهِ لابنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطِّفْلِ بثدْي أمِّهِ»(1).
أحتج به الرضّي الاستراباذي في جواز تأخير حالين عن عاملهما (أفعل التفضيل)، إذ يذهب النحويون إلى ان الحال تتقدم على عاملها وجوباً اذا كان العامل فيها اسم تفضيل عاملاً في حالين فُضِّل صاحب إحداهما على صاحب الأُخری او کان صاحبهما واحداً في المعنی، مفضلاً علی نفسه في حالة دون أخری نحو (زیدٌ قائماً أحسنُ منه قاعداً)(2).
ویری بعض النحویین في هذه الحالة وجوب تقدیم الحال التي للمفضل إذ یتئسط اسم التفضیل بینهما نحو «هذا بسراً أطيب منه رطباً» فأنتصب بسراً علی الحال(3). ولکنَّ الرضّي الاستراباذي یُجیز تأخیر الحالین عن اسم التفضیل اعتماداً علی قول الإمام علي علیه السلام مبیناً عدم ورود سماع یؤید ذلك إذ قال: «ومع هذا کله فلا أری بأن یقال ههنا، وإن لم يسمع، زيد أحسن قائماً منه قاعداً» کما قال علي علیه السلام في الجارِّ: «واللهُ لابنُ أبي طالب، آنسُ بالموتِ من الطِّفلِ بثدي أمِّهِ». وقد أشار إلی رأي الرضّي الاستراباذي هذا الدکتور عباس حسن إذ قال: «أجاز فریق من النحاة ما یشیع الیوم في بعض الأسالیب، من تأخیر الحالین معاً عن أفعل التفضیل،
ص: 55
بشرط أن تقع بعده الحال الاولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه، نحو(المتعلمُ أقدرُ تاجراً منه زارعاً)(1). والمعنی في کلام الإمام علي علیه السلام «اکّد تکذیبهم في دعوی جزعه من الموت بالقسم البارانه آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه وذلك أمر بين من حاله علیه السلام اذ کان سیّد العارفین بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم وان محبة الموت والانس به متمکن من نفوس اولیاء الله لکونه وسیلة لهم إلی لقاء أعظم محبوب... وانما کان آنس به من الطفل بثدي أُمّه لأنَّ محبة الطفل للثدي، وانسه به وميله اليه في معرض الزوال وأمّا ميله إلى لقاء ربه ميل عقلي باق فأين أحدهما من الآخر»(2).
يُعدُّ التمييز من المكملات المنصوبة في الدرس النحوي، والتمييز مصطلح بصري والتفسير مصطلح كوفي يقابله وهما جميعاً بمعنى واحد عند النحاة(3).
وعرّف النحویون التمییز علی أنه: «اسم نکرة بمعنی (من) مبین لإبهام اسم أو نسبة»(4). وقد یکون معناه «اسماً نکرة منصوباً مفسر لما انبهم من الذوات»(5).
وذهب إلی المعنی نفسهُ الرضّي الاستراباذي(6)، وابن عقیل(7). وأن التمییز قسمان:
ص: 56
مبين إبهام ذات ومبين إبهام نسبة(1). ويأتي بعد الأعداد والمقادير ويأتي أيضا بعد الصفة المشبهة وأسم التفضيل وبعد فعل التعجب وأفعال المدح والذم(2).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي احتج بها في التمییز قوله:
«فطيبوا عن أنفسَكم نفساً»(3).
استدل الرضي الاستراباذي بهذا الشاهد للدلالة على أنَّ التمييز يلتزم الإفراد وعدم المطابقة إذا لم يكن جنساً. وقد فصّل ابن الحاجب أحوال مطابقة التمييز للمقصود من ذلك أفراداً وتثنية وجمعاً(4).
ولكن الرضّي الاستراباذي ذهب إلى ان الأولى اذا كان التمييز اسماً غير جنس وأمِن اللبس إفرادُ التمييز وعدم مطابقته كما في قوله تعإلى:
«فَأِن طِبْنَ لَکُمْ عَن شَيءٍ مِّنْهُ نَفْساً»[النساء: 4]. وكما في قول الإمام علیه السلام:
«فطیبوا عن انفسکم نفساً».
وأمَّا إذا أُلْبس فمطابقة المقصود واجبة كما في قوله تعإلى:
«وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا»(5) [القمر: 12].
فالتفجير للعيون في المعنى أوقع على الأرض في اللفظ وقد حصل بذلك
ص: 57
معنى الشمول(1). أي جعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصلها فجرنا عيون الأرض فغير إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الابهام والتفسیر(2). ف-(نفساً) في قول الإمام علي علیه السلام التزم الإفراد وعدم المطابقة، لأنه لیس جنساً. ونصب علی التمییز وحده، لأن التمييز لا يكون إلّا واحداً وإن کان معنی الجمع(3). وقال الخوئي: «ونفساً منصوب علی التمییز؛ لأن من حق التمییز أن یکون فرداً مع الأُمن من اللبس»(4).
والمعنى من كلام الإمام علي علیه السلام أي کونوا مسرورین بتقدیم نفوسکم في مرضاة ربکم؛ لأن في ذلك حياتكم الأبدية(5). فالمراد بالنفس الأولى الزائلة بالقتل وبالثانية النفس المدبرة لهذا البدن(6).
وذهب آبن مالك إلى انه يجب ترك المطابقة «ان کان معنی التمییز واحداً لیس له أفراد متعددة، ومعنی الاسم السابق متعدداً نحو کرُم الأولاد أباً، أو کان التمییز غیر الأسم السابق، ولكن الأسم السابق مفرداً والتمييز جمع متعدد غير مصدر وقصد بجمعه إزالة لَبْس محتمل، نحو: نظُف زيد ثيابه فلو طابق التمييز الأسم السابق لوقع في الوهم أن المقصود ثوب واحد ولأزالة هذا الاحتمال والوهم جمع التمييز، أو كان التمييز مصدراً لا يقصد أن تختلف أنواعه نحو
ص: 58
«زکّا الأتقیاء سعیاً»(1). ويجب المطابقة ان كان كل من التمييز والأسم السابق علیه في الجملة لشي واحد، اي ان مدلول كل منهما هو مدلول الآخر(2). وفي ضوء ما عرضناه يتبیّن أنَّ التمييز يجب ترك المطابقه فيه اذا أمِن اللبس أمّا إذا أُلبس فيجب فيه المطابقة.
من الأبنية التي تستعمل استعمال الفعل فيكون له فاعل، ومفعول، فالمصدر «هو الحدث»(3). ویعمل المصدر عمل الفعل، لأن الفعل اشتق منه وبُني مثله للأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل نحو «عجبتُ من ضرب زيد عمراً» إذا كان زيد فاعل و «عجبت من ضرب زید عمرو» إذا کان زید مفعولاً(4). فالمصدر يكون نائباً مناب الفعل(5). وهكذا يعمل المصدر عمل فعله تعدياً ولزوماً ويجري مجراه واختلف النحاة في الفعل والمصدر وأيُّهما مشتق من صاحبه:
« ذهب الکوفیّون إلی أنّ المصدر مُشتَق من الفعل وفرع علیه نحو «ضَرَبَ ضرباً» وذهب البصریون إلی انّ الفعل مشتق من المصدر و فرع علیه»(6).
ومن أقوال الإمام عليا علیه السلام لتي ورد فیها المصدر قوله:
ص: 59
«وقّت عنكم نَبْوَته»(1).
استدل الرضّي الاستراباذي بقول الإمام علي علیه السلام عند تناوله مسأله إعمل المصدر، إذ یری ابن هشام ان المصدر يعمل عمل فعله ماضياً وغيره، إذا لم یکن مفعولاً مطلقاً. ولا يجيزون تقدم معموله عليه(2). وقد ذهب الرضي الاستراباذي إلى جواز تقدم معمول المصدر، اذا كان ظرفاً أو شبهه، محتجاً بالاستعمال القرآني وبكلام الإمام علي علیه السلام وبکثرة ألسماع إذ قال «وأنا لا أری منعاً من تقدم معموله عليه إذا كان ظرفاً او شبهه نحو قولك: «اللهم ارزقني من عدوِّك ألبراءة واليك الفرارُ» قال تعإلی:
«وَلَا تَأْخُذْکُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ» [النور: 2].
وقال تعإلى: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهَ السّعْيَ» [الصافّات: 102].
ومثله في کلامهم کثیر»(3). وهکذا ففي قول الإمام علي علیه السلام تقدّم معمول المصدر عنکم علی المصدر نَبوته. وامعنی من کلام الإمام:
«نبأ السيف اذا لم يعمل في ألضريبة والمراد بقلة نبوته دوام تأثيره»(4).
وهكذا جواز تقدم معمول المصدر عليه.
اختلف النحويون بمعنى «من» التفضیلیة فذهب سیبویه إلی أنها لإبتداء
ص: 60
الغایة وقد تفید أیضاً معنی التبعیض(1). وقد وافقه المُبِّرد في ذلك(2). وكذلك المرادي ذهب إلى ما ذهب اليه سيبويه والمُبِّرد(3). وقد تكون من التفضيلية بمعنى المجاوزة قال ابن مالك: «إنّها بمعنی المجاوزة نحو «زيد أفضل من عمرو» ولو کان البتداء مقصوداً جاز أن یقع بعدها»(4). ويجرُّ المفضل بمن التفضيلية اذا کان افعل التفضیل مجرداً من ال والاضافة نحو قوله تعإلی:
«وَلَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَیٰ» [الضحی: 4].
ويلزم ألإفراد والتذكير(5). ففي قوله تعإلى وللآخرة يريد الدارين اي ان حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، وهو السبق والتقدم على جميع انبياء الله ورسله(6). فاللام في قوله تعإلى جواب القسم هما كون الآخرة خيراً له من الاولى(7). وفي ضوء ما عرضناه يتبیّن أن أفعل التفضيل اذا كان مجرداً تتصل به «من» لفظاً وتقديراً جَارَّةً للمفضل.
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فیها أفعل التفضیل مجرداً والمفضل مجروراً بمن قوله:
ص: 61
لئن أصوم يوماً من شعبان أحبُّ اليّ من أن أفطر يوماً من رمضان»(1).
ففي قول الإمام علي علیه السلام ورد أفعل التفضیل أحبّ مجرداً من أل والإضافة وجرّ المفضل بمن وشارك المجرور بمن التفضيلية المفضل في المعنى تقديراً، قال الرضّي الاستراباذي: «ولا یخلو المجرور بمن التفضیلیة من مشاركة المفضل في المعنی إما تحقیقاً کما في: زیدٌ أحسن من عمرو، وإمّا تقدیراً، کقول الإمام علي علیه السلام (لئن أصوم یوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر یوماً من رمضان)»(2).
لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدَّره الإمام علي علیه السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم يوم من شعبان علیه، فکأنه قال: هبْ أنه محبوب عندي أیضاً الیس صوم یوم من شعبان أحبَّ منه(3). ومثل ذلك قول الإمام علي: المخالف، فقدَّره الإمام عليشعبان عليه، فكأنه «اللهم أبدلني بهم خيراً مِنهُم»(4).
أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر فأنه ليس فيهم خیرٌ(5). وقوله أيضاً:
« وأبْدِلُهم بي شرَّاً منِّي»(6).
ص: 62
أي في أعتقادهم ايضاً والا فلم يكن في الإمام علي علیه السلام شر(1). وهکذا فأفعل التفضیل في قول لإمام علي علیه السلام هما خير وشر، قد جُرّدوا من أل والإضافة وشارك المجرور بمن التفضيلية المفضل في المعنى ومثل ذلك قوله تعإلى:
«أَصْحَابُ الْجَنّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرً» [الفرقان: 24](2).
فالخير هنا تفضيل مجرد من أل والإضافة وهو تهكُم بالمشركين(3). أي أنّ «المؤمنين خیرٌ في الآخرة مستقراً من مستقر الكفار وأحسنُ مقیلاً مِنْ مَقیلهم لو فرض أن یکون لهم ذلك، أو على أنهم خیرٌ في الآخرة منهم في الدنيا»(4). وفي ضوء ما تقدَّم يتبيَّن مشاركة المجرور بمن التفضيلية المفضل في المعنى إمّا تحقيقاً وإمّا تقديراً.
كل لفظها مفرد، ومعناها جمع فهي كجميع فيحمل على لفظها بالإفراد وعلى معناها بالجمع.
قال المُبرِّد: «وليس الحملِ على المعنى ببعيد بل هو وجه جديد قال تعإلى:
«وَکُلٌ أَتَوْهُ دَاخِرِینَ» [النمل: 87](5).
ففي قوله تعإلى قرأ حفص عن عاصم وحمزة (أتوه) فعلاً ماضياً(6)، وقرأ قتادة
ص: 63
(اتاه)(1)، وقرأ الحسن والاعمش والاعرج (دَخِرین) بغیر الف(2)، فالجمع علی المعنی والتوحید علی اللفظ(3). وتأتي كل للإحاطة والعموم وهي بمعنى أجمعين فعند القول «مررتُ بهم کُلُّهم» فإنَ کُلُّهم بمعنی جمیعهم(4). وقد تأتي کل لرفع اللبس، والخصوص عند التأکید بها فعند القول «قَبَضْتُ المال»، يحتمل أن يكون جميع المال أو بعضه فلما أکد بکل زال اللبس(5). وقد یکون معنی کل بحسب ما تصاف الیه قال ابن مالك: في کل المضافة إلی النکرة «یجب مراعاة معناها»(6). وهکذا فتأتي کل مضافة ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت فیها کل مضافة قوله(7):
فَلَمَّا تَبَیَّنَّا الهُدیَ کَانَ کُلُّنا *** عَلَی طَاعَةِ الرَّحْمن وَالحَقِّ والتُّقَی
إذ استشهد به كثیرٌ من النحاة منهم ابن هشام(8)، وابن مالك(9)، والأشموني(10)، والسیوطي(11). ففي قول الإمام علي علیه السلام وردت کل مضافة
ص: 64
إلى الضمير وحكمها الإبتداء أي كل مبتدأ وما بعده خبر وإسم كان ضمير شأن قال ابن هشام: «أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به، وحكمها أن لا يعمل فیها غالباً إلاّ الإبتداء، کقوله تعإلی:
«وَﻛُﻠُّهُمْ آيِيهِ» [مريم: 95].
لأن الإبتداء عامل معنوي»(1)، ومثل ذلك قول الشاعر(2):
یَمِیدُ إذا والَتْ علیه دِلاؤهُ *** فَیَصْدُرُ عنه کُلُّها وهو ناهِلُ
فکُلُّها هنا مضافة إلى الضمير. قال ابن الشجري: «وفي الحدیث عن (کل) لأن لفظها لفظ واحد ومعناها جمع کقوله تعإلی:
«كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ» [البقرة: 285](3).
فوجد ضمير كل في آمن على معنى: كل واحد منهم آمن، وكان يجوز أن یجمع، کقوله: «وَکُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِینَ»(4) [النمل: 87].
ويتضح في ضوء ما عرضناه أنَّ كل تأتي مضافة إلى الضمير ولا يكون حكمها إلاّ الإبتداء.
تُعدُّ صيغة أفعل التفضيل إحدی الصیغ التي تختص بها اللغة العربیة وتأتي
ص: 65
هذه الصيغة مجردة من أل أو مقترنة بأل أو نكرة أو مضافة.
ويصاغ اسم التفضيل من كل فعل ثلاثي مجرد، وتام، ومثبت، ومتصرف، وقابل معناه للكثرة غير مبني للمفعول، ولا معبر عن فاعله بأفعل فعلاء(1).
وهكذا يصاغ أفعل التفضيل من كل فعل إستوفى الشروط المذكورة.
ومن الصيغ التي ورد فيها قول الإمام علي علیه السلام صیغة أوّل قال سیبویه «أوَّل اسم على أربعة احرف وأوَّل على وزن أفعل يدلك على ذلك قولهم: هو أوَّل منه، ومررتُ بأوَّل منه، ومررتُ بأوَّل منه»(2).
وذكر ابن الحاجب أنَّ: «أوَّل کأسبق معنی وتصریفاً واستعمالاً وتقول في تصریفه، الاوَّل، الأَوَّلان، الأوَّلُون، الأوائل، الأَوْلى، الأوّليانْ، الأَوْلَیَات، الأول»(3).
فأسبق على وزن أفعل، وهذا ما ذهب إليه البصريون، وورد مثنى (أَوَّل) على (أوْليان) في قوله تعإلى:
«فَآخَرَانِ فَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الّذِینَ اسْتَحَقّ عَلَیْهِمُ الْأَوْلَیَانِ» [المائدة: 107].
ذكر أبو البقاء العكبري (ت 616 ه-): «الْأوْلَیَانِ یقرأ بالألف علی تثبیة أوّلی»(4). وکذلك إختلف في تأنیث أوّل فذکر الرضّي الاستراباذي أنَّ: «قولهم:
ص: 66
أوّلةٌ، وأوّلتان فمن كلام العوام، وليس بصحيح»(1).
وقال أبو حیّان (ت 745 ه-): إِنَّ مؤنثه أوّلْه بالتاء مصروفة، نحو أرملة، فصرفت لوزن الفعل ودخول تاء التأنيث عليها(2). فعدَّ أبو حیّان أنّ (أوّل) يؤنث بالتاء، مثل (أرْمَل)، وعدّ الضّي الاستراباذي ذلك من كلام العوام.
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فیها ذلك قوله:
«أحمدُهُ أوَّلاً بَادِئاً»(3).
أورده الرضّي الاستراباذي عند تناوله لأستعمال إسم التفضيل (أوّل) وبيان وصفيته وإعرابه اذا خلا من ذكر الموصوف قبله ظاهراً أو من ذكر من التفضیلیة إذ قال: «لم تعتبر وصیفته الا مع ذکر الموصوف قبله ظاهراً، نحو یوماً أوّل، أو ذکر (من) التفضیلیة بعده ظاهرةً، إذ هي دلیل علی أن (أفعل)، لیس إسماً صریحا، کأفکل وأبدع، فإن خلا منها معاً ولم یکن مع اللام والإضافة، دخل فیه التنوین مع الجر لخفاء وصفیته، وذلك کقول علي علیه السلام: «أحمدُهُ أوَّلا بَادِئاً». ویقال: ما ترکت له أوّلاً ولا آخراً»(4). والمعنی من کلام الإمام علي علیه السلام: «أصدّق بالله الأول بلا أول کان قبله»(5).
ص: 67
أي كأنه قال قبل كل شيء، وأن الأول نقيض الآخر، أصله اوءل على أفعل مهموز الوسط وقلبت الهمزة واواً وأدغم(1). وهكذا فإنَّ أوّل يكون معرفة ونکرة، ویکون ظرفاً واسماً، نحو «أبدأ بهذا أوّلُ» فیبنی علی الضم(2).
وفي ضوء ذلك یتبین أنّ أوّلِ لا تعد وصفیته إلاّ بذکر الموصوف قبله.
من الأسماء الموصوله ولها لغات عدة، أي يرد اسم الموصول (الذي) في لغات القبائل بأشكال مختلفة ففي لغة ربيعة بن مضر، وبلحارث بن كعب القحطانية يرد بصيغة (اللذِ)، و(اللذْ)، وفي لغة حمير يرد بصيغة (ذي)، وعند طيئ فهو: (ذو) في الرفع، و(ذا) في النصب، و(ذي) في الجر، وهو بصيغة واحدة للمذكر والمؤنث، والمفرد، والجمع، والعاقل وغير العاقل(3). وتُوصل الذي بأربعة اشياء بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء ولا بد أن يكون صلتها ما يرجع إليها(4). أي لا بد في الجملة من ضمير يعود على إسم الموصول، أو ما يغني عن الضمير.
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فيها الأسم الموصول (الذي) قوله:
«نَزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء»(5).
استدلّ به الرضي الاستراباذي على أنّ (الّذّي) المصدرية لا خلاف في إسميتها
ص: 68
لِلاّم التي فیها(1).
والمعنى من كلام الإمام علي علیه السلام أي لا تقنط من بلاء ینزل بها ولا تبطر برخاء یُصیبها بل مقامها في الحالین مقام الشکر(2). والّذي في قول الإمام علي علیه السلام صفة مصدر محذوف، والضمیر العائد اليه محذوف أيضاً، والتقدير «نزلت کالنزول الذي الذي نزلته في الرخاء»(3)، ويحتمل أن يكون المراد بالّذي. الذين محذوف النون کما في قوله تعإلى:
«کَالذِي خَاضُوا» [التوبة: 69].
أي المقصود تشبيههم حال نزول انفسهم منهم في البلاء بالذين نزلت أنفسهم في الرخاء(4). وهكذا فالذي تكون مصدرية أي یُسبَك منها ومن صلتها مصدرٌ وهذا ما زعمه يونس والفراء وتبعهما ابن مالك نحو قوله تعإلى:
«ذَلِك الّذِي یُبَشّرُ اللهُ عِبادَه» [الشوری: 23].
فالذي هنا مصدرية والتقدير ذلك تبشير الله(5). وفي ضوء ذلك يتبين أنّ الذي يوصف بها مصدر ثم يحذف المصدر وتقام الذي مقامه.
(إذ) من الظروف المبنية التركيب وقد تكون إسماً للزمن الماضي او المستقبل
ص: 69
والدليل على اسميتها الإخبار بها، وابدالها من الأسْم، والإضافة اليها بغير تأويل كقوله تعإلى:
«بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا» [آل عمران: 8].
وقد تكون للمفاجأة ولا تكون للمفاجأة إلّا بَعْدَ بَیْنَا أَو بَیْنَما(1).
وقد ذهب إلى ذلك كثير من النحاة منهم المُبرِّد(2)، والمرادي(3)، وابن هشام(4).
وصرَّح ابن مالك بحرفيتها(5). ولا تكون إذ إلاّ مبنية، ذلك لإفتقارها إلى ما بعدها من الجمل لما عُوّضَ منها(6).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت فیها (إذ) في جواب (بَیْنا) قوله:
«بَیْنَا هو یَسْتَقِیلُهَا في حَیَاتِهِ، إذ عَقَدَها لآخر بَعْدَ وفاتِهِ»(7).
فالإمام علیه السلام أشار في قوله إلی أبي بکر وطلبه الإقالة... إنما هو لثقله وکثرة شرائطه وشدة مراعاة إجراء أحوال الخلق مع اختلاف طبائهم(8). وإستدّل
ص: 70
به الرضي الاستراباذي عند حديثه عن (إذ) و (إذا) وهما للمفاجأة في جواب (بينا) و(بينما) رادّ رأیاً للأصمعي (ت 216 ه-) معولاً على الأفصح والفصيح في الاستعمال إذ قال:«ولا يجيء بعد (إذ) المفاجأه إلا الفعل الماضي وبعد (إذا) المفاجأة إلّا الإسمية، وكان الأصمعي لا يستفصح إلا تركهما في جواب بينا وبينما لكثرة مجيء جوابهما من دونهما والكثرة لا تدل على أن المكثور غير فصیح، بل تدل علی ان الأکثر أفصح، إلا تری إلی قول أمیر المؤمنین علي علیه السلام، وهو من الفصاحة، بحیث هو:
«بَیْنَا هو یَسْتَقِیلها في حَیَاتِهِ، إذ عَقَدَها لآخر بَعْدَ وفَاتِهِ»(1).
وما ذهب اليه الرضي الاسترابادي ذهب اليه قبله سيبويه، إذ أورد (إذ) واقعة في جواب (بينما) عند حديثه عن (إذا) إذ قال: وتكون (إذ) مثلها أيضاً، ولا یلیها إلا الفعل الموجب وذلك قولك «بَیْنما أنا کذلك إذا جاءَ زیدُ»(2).
وأشار ابن هشام إلى وقوع (إذ) في جواب بينا وبينما مشيراً إلى رأي سيبويه في المسألة فقال:
«أن تكون للمفاجأة نصَّ على ذلك سيبويه وهي الواقعة بعد بينا وبینما»(3).
وفي ضوء ذلك يتبیّن أنّ إذ تقع في جواب «بینا، وبینما». ولا تکون إلّا للمفاجأة ومثل ذلك قول الشاعر(4):
استَقْدِرِ اللهَ خَیْراً ورْضَیَنَّ به *** فَبینَمَا العُسْرُ إذْ دَارَتْ مَیَاسِیرُ
ص: 71
ص: 72
يكاد يجمع النحاة القدماء (بصريون وكوفيون) على ان الكلم في العربية ينقسمإلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف، جاء ذلك على لسان: سيبويه، والكسائي والفراء والمُبرِّد والزجّاج وابن السراج وغيرهم. وهكذا فالفعل أحد اقسام الکلام ورکن من أرکان الجملة الفعلیة، وحدّه سیبویه بقوله: «وأمَّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنیت لما مضی ولما یکون ولم یقع وما هو کائن لم ینقطع»(1). وقد اختلف العلماء في حدّ الفعل وتقسيماته فذكروا له اكثر من تعريف منها: «أن الفعل ما دلّ على حدوث شيء في زمان محدود»(2). ویقسمه الجمهور علی ثلاثة اقسام تبعاً لهذه الدلالة هي: الماضي، والمضارع، والأمر وابنية الأفعال في العربية ثلاثية أو رباعية وقد يزاد في بنائها حرف أو حرفان أو ثلاثة لإداء معانٍ
ص: 73
مختلفة ووضع العلماء علامات تمیّز الفعل من غيره من أقسام الكلام(1). ومن النصوص التي وردت فیها أقوال الإمام علي علیه السلام: في باب الأفعال:
وهو أحد اقسام الفعل، ويدل على اقتران حدث بزمان قبل زمانك(2).
والفعل الماضي يستعمل للدلالة على ان الحدث وقع في أثناء الكلام. وكانت تسميته بالفعل الماضي مبنية على مقالاتهم بدلالته على الزمان الماضي(3).
والفعل الماضي دائماً مبني اي انه لا يتغير اعرابه تبعاً للعوامل الداخلة عليه ویُبنى على الفتح اذا اتصلت به الفُ الأثنين ویُبنی على الضم اذا اتصلت به واو الجماعه ویُبنی على السكون اذا اتصلت به تاء الفاعل المتحركة(4)، وقد ينصرف الفعل الماضي للإستقبال.
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فیها الفعل الماضي قوله:
«أجْزَأ امرُؤُ قِرْنَهُ وآسی أخَاهُ بنَفْسِهِ»(5).
ص: 74
استدل الرضّي الاستراباذي بهذا الشاهد على ان الماضي ينصرف إلى الإستقبال بالإنشاء الطلبي إذ قال: «اعلم أنَ الماضي ينصرف إلى الإستقبال بالإنشاء الطلبي إمَا دعاءً نحو «رحمك الله» وإمَا أمراً كقول الإمام علي علیه السلام «أجزأ امْرؤ قِرْنَهُ وآسی أخاهُ بِنَفْسِهِ»»(1).
فاجزأ وآسى في قول الإمام علي علیه السلام فعلان ماضيان في معنى الأمر والتقدير وليجزِ أمرؤ قِرْنه وهو خصمه وکفوه في الحرب(2). والمعنى من كلامه اي ليقاومه وليواسي أخاه بنفسه في الذبّ عنه ولا يفر من قرنه اعتماداً على أخيه في دفعه فيجتمع على أخيه وقرن أخيه(3).
وواضح انصراف دلالة الفعل الماضي (اجزأ وآسى) إلى الأمر. فالفعل الماضي ينصرف إلى الإستقبال أمَّا بالإنشاء المقصود به الطلب وذلك كالدعاء له أوعليه نحو «غَفَرَ الله لك» اي ليغفر الله لك، أو الوعد والوعيد نحو قوله تعإلى:
«إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِینَ» [الحجر: 95](4).
وينصرف الفعل الماضي إلى الإستقبال عند دخول اداة الشرط عليه ك- (إن) نحو قوله تعإلى:
«وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا» [الاسراء: 8].
و(إذا) نحو قوله تعإلى:
«إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ» [النصر: 1](5).
ص: 75
فأداة الشرط (إن) صرفت الفعل الماضي في قوله تعإلى «إنْ عدتم» إلی الإستقبال أي «إن عدتُّم إلی المعصیة، عُدْنا إلی العقوبة»(1). وكذلك أداة الشرط (إذا) صرفت الفعل الماضي في قوله تعإلی:
«إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ» [النصر: 1] للإستقبال(2).
وفي ضوء ما تقدم يتبين أنَّ الفعل الماضي ينصرف إلى الاستقبال بالإنشاء الطلبي.
من الأساليب النحوية التي استخدمها العرب للتعبير عن المدح أو الذم اسلوب نعم ويئس وغيرهما من الأفعال التي تسد مسدها. فسيبويه یری ان نعم وبئس اصلان وضعا في الرّداءة والصلاح ولا يكون منهما فعل لغیر هذا المعنى فمثلاً عند القول هذه الدار نعمتِ البلدُ فإنه لما كانت البلد الدار أقحمت التاء(3). وفي ضوء ذلك اختلف النحاة في نعم وبئس أفعلان أم اسمان؟ ذهب الكوفيون إلى أَن نِعْم وبئسَ اسمان مبتدآنِ والدليل على ذلك هو دخول حرف الخفض عليهما نحو قول حسان بن ثابت رضي الله عنه(4):
أَلَسْتُ بِنِعْمَ الجَارُ یُؤْلِفُ بَیْتَهُ *** أَخاقِلّةٍ أو مُعْدِمَ المالِ مُصْرِما
وذهب البصريون إلى انهما فعلان ماضيان لا يتصرفان والدليل على فعليتهما
ص: 76
اتصال الضمير المرفوع بهما نحو نِعْمَا رجلين وكذلك اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما نحو «نِعْمَت المرأةُ ویئست الجاریةُ»؛ لأنها تختص بالفعل الماضي(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت في هذا الموضوع قوله:
«ولنِعْمَ دارٌ من لم یَرْضَ بها داراً»(2).
استدل به الرضي الاسترابادي عند حديثه عن جواز اسناد (نعم وبئس) إلى الأسم الموصول الذي يفيد الجنس لا العهد اذ يذهب المُبرِّد (ت 285 ه-) إلى ذلك اذ قال: (ولو قلت نعم الذي في الدار انت لم يجز، لأن الذي بصلته مقصود اليه بعينه. فقد خرج من موضع الأسم الذي لا يكون للجنس... فإن قلت: قد جاء:
«وَالّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ» [الزمر: 33].
فمعناه الجنس، فإن الذي اذا كانت على هذا المذهب صلحت بعد نعم وبئس)(3). وقد وافق الرضي الاستراباذي المُبرِّد وابا علي فيما ذهبا اليه في هذه المسألة داعماً رأيه بالشواهد إذ قال: (ولا يمتنع عند أبي علي والمُبرِّد، وهو الحق خلافاً لغيرهما، إسناد نعم وبئس إلى (الذي) الجنسية. وكذا (من) و(ما) وأعني بالجنسیة ما تکون صلتها عامة، وفي نهج البلاغة: «وَلِنَعْمَ دَارُ مَنْ لم یَرْضَ بها داراً» قال(4):
ص: 77
فَنِعْمَ مَزْکاً مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهُبَهُ *** ونِعْمَ مَنْ هو في سِرًّ وإعلانِ»(1)
وذهب إلى هذا الرأي أيضاً ابن مالك (ت 672 ه-) إذ قال: «فمقتضی النظر الصحيح الاّيجوز مطلقاً ولا يمتنع مطلقاً، بل إذا قُصد بالّذي الموصولة الجنس جاز، وإذا قُصد به العهد منع وهذا مذهب المُبرِّد والفارسي وهو الصحيح»(2).
والإمام علي علیه السلام أراد بقوله «مدح الدنيا بإعتبار استعمالها على الوجه المقصود بالعنایة الإلهیة وهو الإعتبار بها من دون الرضی بها لذاتها وإتخاذها وطناً ودار منصوب علی التمییز یقوم مقام إسم الجنس الذي هو إسم نِعْمَ ذذا حذف»(3).
فها هنا مسألتان(4):
1- ان اسم الجنس الذي هو اسم نعم وبئس تضاف في العادة إلى ما فيه الألف واللام كقولنا (صاحب القوم) وقد أضاف هنا إلى ما ليس فيه الألف واللام.
2- إنه جمع بين اسم الجنس والنكرة التي تبدل منه، وأضاف داراً إلى من لم یرضَ بها، لأنَّ الدُّنيا إنما تكون داراً ممدوحة بإعتبار كونها دار من لم يرض بها.
وفي ضوء ما تقدّم يتبين جواز اسناد نعم وبئس إلى (الذي) الجنسية أو (من) و(ما) اللتين بمعنى الذي.
ص: 78
استعمل للتعجب اساليب وصيغ كثيرة، ومن أشهر صيغهِ هما «ما أفْعَله»، و «افْعِل به» كما ذكرنا فيما سبق .
وإن مسألة الفصل بين فعل التعجب و معموله اختلف فيها كثير من النحاة قدماء ومحدثین إذ رأی سيبويه إنه لا يجوز الفصل بين فعل التعجب و معموله؛ لأن فعل التعجب لا یتصرف وقد لزم طریقة واحدة(1)، وقد وافقه في ذلك کثیر من النحاة کالأخفش والمُبرِّد وبعض البصریین(2).
ومنهم من أجاز الفصل بين فعل التعجب ومعموله أمَّا بالظرف والجار والمجرور أو بالنداء نحو «ما أَحْسَنَ في الدار زیداً» و «ما احسن الیوم عمراً» إذ قالوا لیس فعل التعجب بأضعف من الحروف المشبهة بالفعل(3).
ومنه قول الشاعر:
أقیمُ بِدارِ الحَزْمِ مَا دَامَ حَزْمُها *** وأحْرِ إذا حالَتْ بأنْ أتحوَّلا(4)
فقد فصل في هذا الشاهد بين الفعل و معموله بالظرف، وهو قوله: إذا حالت.
ص: 79
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فيها الفصل بين فعل التعجب ومعموله قوله:
«أعزز علي ابا اليقظان أن أراكَ صريعاً مجدَّلاً »(1).
فقد فصل بين فعل التعجب (أعزز) ومعموله المصدر المؤول (أن أراك) بالمجرور، والنداء (عليَّ) (ابا اليقظان) وهذا يدل على جواز الفصل بالنداء.
قال ابن مالك: «وهذا مُصَحِّح للفصل بالنداء»(2).
وقد ورد الفصل في النثر في قول عمرو بن معد یکرب: «لله درُّ بني سُلیم ما احسن في الهیجاء لقاءها، واکرم في اللزبات عطاءها، واثبت في المکرمات بَقَاءَها» فقد فصل بين فعل التعجب ومعموله بالجار والمجرورفي الهيجاء، وفي اللزبات، وفي المكرمات(3).
وعليه فأن حجة المانعين للفصل بين فعل التعجب ومعموله يرون ان التعجب یجري مجری الأمثال للزومهِ طریقة واحدة لا یتصرف فیها في التقدیم والتأخیر ولا في الفصل(4). أمَّا الذین یجیزون الفصل فأحتجوا بأن فعل التعجب مع ضعفه لا ینحط عن درجة (إنَّ) في الحروف لأنه أُجیر الفصل بالظرف في (إنَّ) نحو «إنَّ في الدار زیداً»(5). ومما تجدر الإشارة الیه في هذا الجانب ان
ص: 80
الظرف والمجرور لو تعلق كل منهما بمعمول فعل التعجب فلا يجوز الفصل بهما فلا یقال في «ما احسن معتکفاً في المسجد، وأحسن بجالس عندك بجالس»(1). ومن النحاة من یتجه إلی جواز الفصل لوروده في کلامهم نثراً أو شعراً(2). وأما قول النحاة بأن جملة التعجب لا یمکن التصرف به لأنها جرت مجری الأمثال فهو تضییق علی اللغة العربیة لا یتفق مع مرونتها وسعتها(3). وهکذا فقد أجاز بعض النحاة الفصل بین فعل التعجب ومعموله.
يُعدُّ إسلوب القسم من الأساليب الخبرية في اللغة العربية يراد به تأكيد شيء لدی السامع من ءجل محو أي شك في ذهنه إذ رأی سیبویه: «أنّ القسم هو توکید للکلام فإذا حُلفَ علی فعلٍ غیر منفي لم یقع لزمته اللام ولزمت اللام النون الخفیفة أو الثقلیة في آخر الکلمة نحو والله لأفعلن»(4). وللقسم أدوات تُوصِّل الحلف إلی المُقسَم به؛ لأنَّ الحلف مضمر مطرح لعلم السامع به. وأدوات القسم والمقسم به تکون حروفاً مثل (الواو، والباء، والتاء، واللام) أو فعلاً مثل (حلف، واقسم)(5). وهذه الأدوات لاتدخل إلا علی محلوف أي فیها معنی الیمین أو ما یدل علیه أي إنَّ من الأفعال أشیاء فیها معنی الیمین
ص: 81
يجري من الفعل بعدها مجراه بعد قولك: والله وذلك نحو «أقسمُ لافعلنَّ» و»أشهدُ لأفعلنَّ»(1).
والقسم جملة يؤكد بها جملة أخرِی في اللفظ أو في التقدیر فأمّا باللفظ نحو «اقسِمُ باللهِ» وأما في التقدیر نحو «باللهِ»، «وباللهِ»(2).
وجملة القسم تحتاج إلى جواب. وتدخل على جملة جواب القسم اداة من ادوات التوکید وهي «إنّ، وأنّ، ولام القسم، ونون التوکید الثقیلة ونون التوکید الخفیفة، ولام الابتداء»(3). وهكذا فللقسم جملتان بمنزلة جملة واحدة وهي إمّا ان تكون فعلية وإمّا ان تكون إسمية(4).
ومن أقوال الإمام عليا علیه السلام التي ورد فیها القسم قوله:
«قد والله لَقُوا الله»(5).
ففي قول الإمام علي علیه السلام حُذِفَ جواب القسم؛ لان القسم توسط الکلام قال الرضي الاستراباذي: «ویحذف جواب القسم، إذا اعترض أو تقدم ما یدل علیه نحو (زید والله قائم) و(قام زید والله) وهذا الکلام الذي توسّطه القسم، او تأخر عنه هو من حيث المعنى جواب القسم»(6). وفي ضوء ذلك یتبین أنّ جواب القسم لا یجوز حذفه إلا إذا توسط بین شیئین أو جاء بکلام یدل علی الجواب.
ص: 82
الشرط واحد من اساليب اللغة المتعددة، ويعتمد ركنين هما فعل الشرط، وجوابه وتسبقهما اداة الشرط أي إن اسلوب الشرط اسلوب لغوي يُبنى على جزأین الاول منزّل منزلة السبب، والثانّي منزّل منزلة المسبب(1). ومعناهُ «هو وقوع الشيء لوقوع غیره»(2). أي أنْ يتوقف الثاني على الأول فإذا وقع الاول وقع الثاني(3). ومن أدوات الشرط هي (إنْ) المکسورة و(مَنْ) و(ما)، (مهما) و(أي) و(أنّي) و(أیْن) و(متی) و(حیثما) و(إذ ما)(4). وهذه الأدوات کُلُّها تجزم الشرط والجواب قال سیبویه: «أعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال وینجزم الجواب بها قبله»(5). فالعنصر المکونة للجملة الشرطیة ثلاثة هي الاداة وترکیب فعل الشرط، وترکیب الجواب أو الجزاء. أنّ الأصل في ترکیب جواب الشرط أن یکون ترکیباً إسنادیاً فعلیاً(6). «لأن الجواب شئ موقوف دخوله في الوجود علی دخول شرطه، والأفعال هي التي تحدث وتنقضي، ویتوقف دخول بعضها علی وجود بعض»(7).
ص: 83
وأنَّ جواب الشرط يكون على وجهين أحدهما بالفاء، والآخر بغير الفاء(1).
أي إن كان الجزاء مما يصلح أن يقع شرطاً فلا حاجة إلى رابطة بينه وبين الشرط؛ لأن بينهما مناسبة لفظية من حيث صلاحية وقوعه موقعه، وإن لم يصلح لهُ فلا بد من رابط بینهما، وأولی الأشیاء به الفاء(2). «لأنها تفید السبیة، ولمناسبتها للجزاء في المعنی، إذ معناها التعقیب بلا فصل، کما أن الجزاء یعقب الشرط»(3). ویعلق الدکتور مهدي المخزومي عن ذلك بقوله: «والفاء هنا أداة وصل، أو موصول حرفي یستخدم للقیام بمثل هذه الوظیفة اللغویة کغیرها من أدواة الوصل»(4).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فیها الشرط قوله:
«وإنْ فَعلَ اللهُ ذلكَ لكم أتؤمنونَ»(5).
إستدلّ الرضّي الاستراباذي بهذا الشاهد على عدم دخول الفاء على جواب الشرط إذ کان مصدّراً بهمزة إستفهام؛ «لان الهمزة من بین جمیع ما یغیّر معنی الکلام، يجوز دخولها كما تقدم على أداة الشرط، فيقدّر تقديم الهمزة على أداة الشرط نحو قولك: إنْ أکرمتك أتکرمني، کأنك قلت أئِنْ أکرمك تکرمني وکقول علي علیه السلام:
«وإنْ فعل اللهُ ذلك لكم أتؤمنونَ»(6).
ص: 84
وهكذا ورد جواب الشرط في قول الإمام علي علیه السلام بغیر الفاء، لانه مصدّر بهمزة الاستفهام ومثل ذلك قوله تعإلى:
«أَرَأَیْتَ إِنْ کَذّبَ وَتَوَلَّی * أَلَمْ یعلم بِأَنّ الله یَرَیٰ» [العلق: 13 - 14].
فجواب قوله [إن کذب وتولی] هو [ألم یعلم بأن الله یری](1).
أمّا صاحب الکشاف فقد رأی وجوب الاقتران بالفاء والتقدیر في قوله تعإلی:
«أرَأیْتَ إن کذَّبَ وَتَوَلَّی أَلَمْ یَعْلَم» [العلق: 13 - 14].
إن کذّب وتولی فالله عالم به، أي کنایة عن توعده وتکون جملة «ألم یعلم بأن الله یری» مستأنفة لإنکار جهل المکذّب بأن الله سیعاقبه(2). وتحذف الفاء من جواب الشرط أیضاً اذا کان مضارعاً مجرداً أو مُصَدَّراً بلا؛ ذلك لأنها صالحان للحال والاستقبال نحو قوله تعإلی:
«إن تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعَاءَکمْ»(3) [الفاطر: 14].
فجملة [إن تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعَاءَکُمْ] استئاف مقرر لما قبله(4).
وفي ضوء ما عرضناه یتبین جواز حذف الفاء من جواب الشرط إذا کان مصدراً بهمزة الاستفهام أو اذا کان مضارعاً مجرداً أو مصَدَّراً بلا.
ینتصب الفعل المضارع بأنْ المضمرة بعد فاء السببیّة وفاء السببیة حرف
ص: 85
عطف يفيد الترتيب والتعقيب مع دلالته على السببیّة(1). قال سيبويه: «اعلم أن ما انتصب في باب الفاء ينتصب على إضمار (أنْ) وما لم ينتصب فإنّه يشرك الفعل الأول فيما دخل فيه أو يكون في موضع مبتدأ ومبني على مبتدأ أو موضع اسم مما سوی ذلك»(2). وقد أتّبع ابن السراج سيبويه في ذلك فقال « أي أن ما ينصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحد وكل ذلك على أضمار (أنْ) إلاّ أن المعاني مختلفة»(3).
فالفعل المضارع ينتصب بعد فاء السببیّة بشرطين أن تکون نصاً في السبب وأن یتقدمها نفي أو طلب: كالأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني كقوله تعإلى:
«لا یُقْضی عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا» [فاطر: 36].
وكقوله تعإلى: «وَلَا يَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي» [طه: 81].
وهكذا أضمرت أنْ بعد فاء السببية، لأن أنْ مع الفعل بمنزلة الأسم وأن الفعل يكون سبباً للثاني أي من حق الفعل أن ينتصب بعد فاء السببیّة بأن المضمرة(4).
فإن لم تكن الفاء للسببیّة، بل كانت للعطف على الفعل قبلها أو كانت للاستئناف لم ينصب بعدها بأن مضمرة الفعل بل يعرب في الحالة الاولى بإعراب ما عطف عليه، كقوله تعإلى:
«وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» [المرسلات: 36].
ص: 86
اي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم، ويرفع في الحالة الثانية كقوله تعإلى:
«إِنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس: 82].
فجملة یکون لیست داخلة في مقول القول بل هي مستأنفة(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد في ذلك قوله:
«لا يخرج لكم من أمري رضیً فترضونه، ولاسخط فتجتمعون عليه»(2).
استشهد بهِ للدلالة على أن ما بعد الفاء على القطع والاستئناف وليس في الفاء معنی السببیّة إذ قال الرضي الاستراباذي: «فاء العطف الصِّرف: إمِّا عاطفة للإسم نحو ما کان منك إتیان فحدیث، وإمّا عاطفة للفعل على الفعل نحو ما تأتیَني فتحدثني. فيكون النفي في الموضعين شيئاً واحداً واقعاً على المعطوف والمعطوف عليه معاً، ويجوز أن يكون قول الامام علي علیه السلام:
«لا یخرج لکم من أمری رضیً فترضونه ولا سخط فتجتمعون عليه».
بهذا المعنى»(3).
وهكذا فالرضي الاستراباذي أحتج بأن فاء العطف لا تفيد السببیّة إلّا إذا عطفت جملة على جملة وذا مفقود لأن الجمهور قال: التقدير في نحو زرني فأكرمك ليكن منك زيادة فإكرام مني فعطفوا المصدر المنسبك من أن وصلتها
ص: 87
على مصدر متصيد من الفعل السابق فلذلك أدّعی الرضي أنها لمحض السببية وأن ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوباً والتقدير عنده زرني فإكرامك ثابت(1). هكذا يتبیّن أن الفعل بعد الفاء له ثلاثة أحوال(2):
1. النصب وذلك إذا قُصد بالفاء السبب.
2. العطف وذلك إذا كان الثاني بمعنى الاول.
3. الاستئناف.
لح حرف نفي وجزم تنفي الماضي في المعنی نحو «لم یخرج زید»(3). وقد تدخل علی الفعل المضارع لنفیه وجزمه وقلبه ماضیاً نحو قوله تعإلی:
«لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ»[الاخلاص: 3](4).
وقد تُلغى لم فيبطل عملها حيث يبين ذلك المرادي: «أن یکون ملغی لا عمل له فیرتفع الفعل المضارع بعده»(5).
كقول الشاعر(6):
ص: 88
لَوْ لَا فَوَارِسُ مِنْ ذُهْلٍ وأُسْرَتُهُمْ *** یَوْمَ الصُّلَیفَاءِ لم یُوْفُونَ بالْجارِ
ففي هذا الشاهد رفع الفعل المضارع يوفون بعد (لم) لأنه الغي عملها قال ابن مالك (ت 672 ه-): «إنّ الرفع بعد (لم) لغة قوم من العرب»(1). وقد تترك لم عمل الجزم للفعل المضارع إلی عمل النصب فیه مقرناً هذا الحکم من (لن) لتشابهما في النفي نحو قوله تعإلی:
«أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» [الانشراح: 1](2).
وقد أختلف القُرَّاء في قراءة هذه الآية إذ قرأها الجمهور «الم نشرحْ» بسكون الحاء لدخول لم عليها. أما أبو جعفر فقرأها (ألم نشرحَ) بفتح الحاء قال ابن جني (ت 392 ه-): حدثنا ابو العباس العروضي، قال سمعت أبا جعفر المنصور یقرأ «الم نشرحَ» بفتح الحاء». وقد رفض ابن مجاهد (ت 324 ه-) هذه القراءة إذ قال: «وهذا غیر جائز أصلاً»(3). وقال الزمخشري (ت 538 ه-) معلقاً علی قراءة (نشرحَ): «لَعَلّهُ بیّنَ الحاءَ وأشبَعها في مخرجها فظنّ السامع أنه فتحَها»(4). وصرحَّ ابن مالك في أول شرح التسهیل أنّ هذه
ص: 89
القراءةَ لغةٌ لبعض العرب إغتراراً بقراءة بعض السلف(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي ورد فیها النصب بلم قوله(2):
في أي یشومَيَّ من الموت أفِر *** أيوم لم یُقدَرَ ام یومَ قُدِرْ
إذ استشهد به كثير من النحاة منهم ابن جني(3). وابن عصفور(4). وابن هشام(5). ومن المحدثين الدكتور عبد العال سالم مكرم(6).
فنصب الفعل المضارع یُقْدَرَ بعد لم، ولم يوافق على هذا بعض العلماء فقد ذهبوا إلى ان النصب في الآية والبيت على أن الأصل: نَشرحَنَ، ویقدَرَنَ، ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلاً عليها، وقد اعترض على هذا بأن فيه شذوذين: توكيد المنفي بلم وحذف النون لغير وقف ولاساكنين(7). وقد يكون الأصل يقدرْ بالسكون ثم لمّا تجاورَت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة، وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمحرك مجری المحرك والمحرك مجری الساکن، إعطاء للجار حکم مجاوره(8).
ص: 90
ومن الممكن أن يخرج ما نصب من الفعل المضارع بلم على أنه من قبيل الاتباع عن طریق نقل حرکة المتحرك إلى الساكن قبله مباشرة من كلمة أُخری فقراءة أبي جعفر المنصور «ألم نشرحَ» بفتح الحاء إتباعاً لفتحه اللام بعدها وربما کانت أیضاً إتباعاً للمفتوح قبلها ففتحها إذاً فتحة إتباع ولیس فتحة إعراب ولا بناء(1).
ويبدو أنّ تحريفاً حصل في النقل للنصوص، إذ إنَّ الإبدال واردٌ بين الميم واللاّم فصوت الميم شفوي أنفي مجهور(2)، والنون صوت أسناني لثوي أنفي مجهور؛ لذلك الإبدال يكون وارداً بين الصوتين(3).
وهي إحدی نواصب الفعل المضارع قال سیبویه: «إعلم أنَّ هذه الأفعال لها حروف تعمل فیها فتنصبا لا تعمل في الأسماء وهي (أنْ) وذلك قولك (أرید أنْ تفعل»)(4). وأن المخفّفة تعمل ظاهرة ومضمرة وتسمی أمّ الباب(5). وأن یدل العامل في أن المخففة علی العلم أو الیقین أي «أنّ (أنْ) المخففة من الحروف
ص: 91
المصدرية، فإذا قيل أن المصدرية فاللفظ صالح ل- (أن) الناصبة للفعل ول- (أنْ) المخففة العامل فیها فعل علم»(1). وقد تقع أن المخففة بعد لفظ دال علی معنی غیر الیقین وتکون أمَّا في موضع رفع نحو قوله تعإلی:
«وَعَسَی أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً» [البقرة: 216].
أو في موضع نصب كقوله تعإلى:
«یَقُولُونَ نَخْشیٰ أنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ» [المائدة: 52](2).
وهكذا فإن الداخلة على لفظ غير دال على اليقين تكون في موضع رفع أو في موضع نصب ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت فیها (أنْ) مخففة قوله:
«وددتُ أنْ أخي فلاناً کان حاضراً»(3).
استدل به الرضّي الاستراباذي عند تناوله لنصب الفعل المضارع إذ يری سیبویه انه یضعف أن یقال: «أرجو أنك تفعلُ» و«أطمع أنك فاعلٌ»(4). ووافقه الزمخشري في ذلك فقال: «إنَّ الفعل الذي یدخل علی أن المفتوحه مشددة کانت او مخففة یجب أن یشاکلها في التحقیق»(5).
ص: 92
وبعد أن اورد الرضي الاستراباذي هذين الرأيين ردّ رأي الزمخشري إذ قال:
«وفيه نظر لقوله:
ودِدْتُ وما تُغْنِي الوِدَادَةُ أنَّني *** بما في ضَمیرِ الحاجِبیِّةِ عالِمٌ(1)
وفي نهج البلاغة «وددت أنْ أخي فلاناً کان حاضراً»، و كذا في تعليل المصنف للمنع من ذلك بقوله: لو قلت: أتمنى أنك تقوم لكان كالمتضاد، قال: لأن التمني يدل على توقع القيام، و »أنّ» تدل علی ثبوت خبرها وتحققه، وذلك لأنا لا نسلم أن «أنّ» دال علی ثبوت خبره وتحققه، بل علی أن خبره مبالغ فیه مؤکد: فیصح أن یثبت هذا المؤکد نحو قولك: تحقق أنك قائم، وأن ینفي نحو قولك لم یثبت أن زیداً قائم، وأنا شاكٌ في أنه قائم، ولو کان بین معنی التمني ومعنی «أنَّ» تناقیاً، أو کالتنافي لم یجز: لیت أنك قائم»(2).
من الحروف المشبهة بالفعل قال سیبویه: «هذا باب الحروف الخمسه التي تعمل فیما بعدها کعمل الفعل فیما بعده»(3). وحكمها أنها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب الأول ويسمى أسمها وترفع الآخر ويسمى خبرها نحو «کأنَّ العلمَ نورٌ»(4). ومعنی (کأنَّ) التشبیه المؤکدُ لأنها في الأصل مرکبة من (أنّ) التوکیدیة وکاف التشبیه فأصل «کأنَّ زیداً الأسد» «إنَّ زیداً کالأسد»(5).
ص: 93
وقد تخفف كأنَّ وحكمها في التخفيف كحكم (أنَّ) إذ يجب إعمالها، ووجب أن يكون اسمها ضمير الشأن المحذوف(1). وهكذا فكأنّ تخفف حملاً على أن المفتوحة فيكون منصوبها ضمير شأن نحو:
وصَدْرٍ مِشْرق النَّحْرِ *** کَأنْ ثدیاهُ حُقَّانِ(2)
قال الأخفش الأوسط (ت 215 ه-): «أي کأنَّهُ ثدیاهُ حقان، وقال بعضهم (کأن ثدییه) فخففهما واعملها ولم یضمر فیها کما قال قال تعإلی:
«إِنْ ﻛُﻞُّ غَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ» [الطارق: 4].
اراد معنى الثقيلة فأعملها كما يعمل الثقيلة ولم يضمر فيها»(3).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت فیها (کأنَّ) مخففة قوله:
«کأنْ قد وَرَدَتِ الاظغانُ»(4).
استدلّ الرضي الاستراباذي بقول الإمام علیه السلام للدلالة علی مجيء الجملة الفعلیة بعد (کأن) المهملة(5). وهکذا عندما تخفف (کأنْ) یصح دخولها علی الجمل إسمیة کانت أم فعلیة، فإ« کانت إسمیة لم تحتج إلی فاصل بینهما وبین
ص: 94
کأن كقول الشاعر(1):
عَبَأتُ له رُمْحاً طویلاً وألَةً *** کأنْ قَبَسٌ تُعْلی بها حین تشرَعُ
فقد جاء هنا بعد كأنَّ جملة اسمية خبراً لها وأسمها ضمير شأن(2).
اما اذا كانت الجملة التي تدخل عليها (كأنْ) المخففة فعلية وجب الفصل بينها وبين الجملة الواقعة خبراً ويكون الفصل اما بقد نحو قول النابغة الذبياني(3):
أفِدَ التَّرحَّلُ غَیْرَ أنّ رِکَابَنَا *** لَّما تَزُلْ بِرِحَالنَا وکأنْ قدٍ
أي وكأن قد زالت بها فحذفت الجملة الواقعة خبراً لكأنْ وفصل بينها بقد(4). وقد يكون الفصل ب- (لم)(5). كقوله تعإلى:
«کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ» [یونس: 24].
فخففت «کأنْ» هنا ودخلت علی الجملة الفعلیة وفصل بینها وبین الفعل تَغْنِ بلم ومثل ذلك ایضاً قوله تعإلی:
«کَأَنْ لَمْ یَدْعُنَا إِلَیٰ ضُرٍّ مَسّهُ» [یونس: 12].
ص: 95
قال الطوسي (ت 460 ه-): «وکأن هي المخففة من الثقیلة، وتقدیره: کأنَّه لم یدعنا»(1). وفي ضوء مآ عرضناه یتبین إذا خففت (کأنْ) تدخل علی الجملة الفعلیة کما في قول الإمام علي علیه السلام وتدخل ایضاً علی الجملة الاسمیة.
من حروف الجر والمعنى الرئيس لها هو الألصاق وقد ذكر لها معان أخری أیضاً تحمل هذا المعنی. قال سیبویه: «انما هي للإلزاق والاختلاط، وذلك قولك خرجت بزید ودخلت به وضربته بالسوط، الزقت ضربك إیّاه بالسوظ فما اتسع من هذا في الکلام فهذا أصله»(2). والإلصاق ضربان حقیقي نحو «أمسکنُ الحبل بیدي» ومجازي نحو «مررتُ بزید»(3). ومن معانیها ایضاً الإستعانة «وهي الداخلة علی آلة الفعل نحو «قطعت بالسکین» و«کتبتُ بالقلم»»(4). وقد تأتي الباء للمصاحبة کقوله تعإلی:
«وَقَدْ دَخَلُوا بِالْکُفْرِ» [المائدة: 61](5).
فالباء في قوله (بالكفر) للملابسة(6).
وقد تأتي الباء أیضاً للتعدیة وأکثر ما تُعدَّي الفعل القاصر، تقول في «ذَهَبَ
ص: 96
زیدٌ»، ذهبتُ بزید، وأذهبتهُ، ومنه قوله تعإلی:
«ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ» [البقرة: 17].
فهذا المعنى مختص بالباء(1).
وتدل الباء أيضا على الظرفية(2) كقول الشاعر(3):
مَا بُکاءُ الکَبِیرِ بالْأَطْلالِ *** وسُؤالي وَمَا یُرَدُّ سُؤالي
فالباء في هذا الشاهد للظرفية اي في الأطلال وهكذا تعددت معاني الباء فتدل على معانٍ كثيرة وقد تأتي الباء زائدة وهي أكثر حروف الجر زيادة.
ومن أقوال الإمآ» علي علیه السلام التي وردت فیها الباء زائدة قوله:
«لا خیرَ بخير بعدَهُ النَارُ»(4).
استدلَّ الرضي الاستراباذي به على زيادة حرف الجر الباء في خبر (لا التبرئة) اذ قال: «وزائدة في النفي بليس نحو ليس زيد براكب، وبما، نحو ما زید براکب، وقیل بلا التبرئة ایضاً نحو «لا خیرَ بخیر بعده النار»»(5).
فالباء في قوله علیه السلام وردت زائدة في خبر لا التبرئة. وقد یکون موضع بعده
ص: 97
النار جر؛ لأنه صفة خير المجرور ويكون معنى الباء معنى (في) نحو زيد بالدار وفي الدار وتقدیر الکلام «لا خیر في خیر نعقبه النار»(1). وهکذا فالباء تزاد في النفي والإثبات(2). وفي ضوء ذلك یتبین أُنَّ الباء تأتي زائدة في مواطن کثیرة.
تُعد ما المصدرية إحدی أشهر الموصولات بالعربیة، تدخل علی الفعل ماضیاً کان أو مضارعاً وتؤول مع فعلها بمصدر صریح یعرب بحسب موقعه في الجملة(3). واختلف النحاة في حقیقة (ما) هذه وتأصیلِها أ هی إسم أم حرف؟ فذهب سیبویه (ت 180 ه-)(4)، وجمهور النحاة(5)، إلی أنها حرف فلا یعود علیها ضمیر من صلتها(6). وما المصدریة إذا کانت حرفاً لم تحتج إلی العائد فتقدیر قوله تعإلی:
«وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ» [البقرة: 3].
«من رزقهم ینفقون»(7).
اي لم یعد ضمیر علیها وهذه احد الدلائل البیّنة أنَّ (ما) المصدریة حرف
ص: 98
وليس باسم. وذهب الأخفش الأوسط (ت 215 ه-)(1)، والمبرِّد (ت 285 ه-)(2)، وابن السراج (ت 316 ه-)(3). إلى انها اسم. فتفتقر إلى ضمير فإذا قلت: يعجبني ما صنعت، فتقدیره عند سیبویه: «یعجبني صُنْعُك»، وعند الأخفش الأوسط الصُنْع الذي صنعته(4). وما المصدریة تکون وقتیة وهي التي تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان کقوله تعإلی:
«خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض» [هود: 107](5).
فما في قوله تعإلى: «مادامت» مصدریة ظرفیة اي: مدة دوام السماوات والأرض(6). وقد تکون غیر وقتیة: «وهي التي تقدر مع صلتها بمصدر نحو قوله تعإلی:
«وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ» [التوبة: 25](7).
فما في قوله [بما رحبت] مصدرية، والباءبمعنى مع أي مع رحبها(8).
ص: 99
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت فیها ما المصدریة قوله:
«بَقوُا في الدُّنْیا ما الدُّنْیا باقیة»(1).
احتج الرضي الاستراباذي بهذا الشاهد عند تناوله صلة (ما) المصدرية، فأورد رأي سيبويه الذي يذهب فيه إلى ان صلة (ما) المصدرية لا تكون الا فعلية(2).
ويذهب غيره إلى جواز مجيئها اسمية(3). وبعد أن اورد الرضي الاستراباذي الرأیین مال إلی الراي الثاني اذ قال: «وصلة ما المصدرية لا تكون عند سيبويه الا فعلیة، وجوز غیرهُ أن تکون اسمیة ایضاً، وهو الحق وإن کان ذلك قلیلاً کما ورد في نهج البلاغة «بقوافي الدُّنْیَا مَا الدُّنْیَا بَاقِیَة» وقال الشاعر(4):
أعَلاقَةً أُمَّ الوَلِید بَعْدَمَا *** أفْنانُ رأْسِكَ کآلثُغُام المُخْلِسِ»(5).
ففي هذا الشاهد وردت ما المصدرية صلتها اسمية خلافاً لسيبويه فإنه جعل ما كافة(6). وفي ضوء ما عرضناه يتبين ان ما المصدرية اما ان تكون صلتها اسمية او تكون فعلية.
ص: 100
ص: 101
ص: 102
یُعدُّ المصدر هو الأصل في الدلالة على الحدث أي هو الأسم الذي يدلُّ على الحدث الجاري على الفعل المجرد من الزمان وإنْ كان الزمان من ملازماته وضروریاته(1). والمصدر عند سیبویه: «الحدث والحدثان والفعل»(2). وقد یکون المصدر هو الذي صدرت عنه الأفعال وأشْتُقَّت منه(3). وقد قیل: إن المصدر لیس بفعل محض، إذْ لو کان فعلاً محضاً لا تنفی عنه التنوین، ولو کان أسماً محضاً لثُنّي وجُمِعَ، وسُمِّي مصدراً لصدوره عن الفعل الماضي، ولتوسطه في الصرف مکان المصدر من الجسد(4). وهکذا فالمصدر یدل علی الحدث.
إنَّ أبنیة الفعل ثلاثیة، ورباعیة، وخماسیة، وسداسیة ولکل بناء منها مصدره.
ص: 103
وفيما يأتي أبنية المصادر التي وردت في أقوال الإمام علي علیه السلام:
إِنَّ هذا البناء يدل على الاضطراب و التحرك والتقلب(1). ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت علی هذا الوزن في کتب اللغة:
1. المَیَدان: کقوله:
«فسکنت من المَیَدان لِرُسُوب الجبال»(2).
فالمَیَدان مصدر مادَ یَمِیدُ وهو بمعنی الاضطراب(3).
وهکذا فالمَیَدان هنا جاء مصدراً دال علی الاضطراب للفعل الثلاثي مَادَ علی وزن (فَعَل).
2. زَیَفان: کقوله:
«بعد زَیَفان وثباته»(4).
فالزَیَفان مصدر دال علی الحرکة من الفعل الثلاثي زَیَف علی وزن (فَعَل) وهو التَّبَخْترُ في المَشْي(5).
ص: 104
وهکذا فهذه أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءن علی وزن فَعَلان.
إنَّ مصدر الفعل الثلاثي المزید بهمزة قطع یأتي علی (إِفعال) ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت علی زنة هذا المصدر:
1. إثْخَان:کقوله:
«أوطائکم إثْخَانُ الجِراحة»(1).
فإثْخَان مصدر للفعل الثلاثي المزید بهمزة قطع (أثخن) والإثخان في کلِّ شيء قوَّتُه وشدَّتُه. ورجل أثخنته الجِراحة أوهنته(2).
2. الإسهَاب: کقوله:
«وضُرِب علی قلبه بالإسهاب»(3).
فالإسهاب مصدر للفعل الثلاثي المزید بهمزة قطع (أَسْهَبَ) علی وزن أفعل والمراد به «ذهاب العقل»(4).
ص: 105
ویکون مصدراً لکل فعل علی وزن (فَعَّل) قال سیبویه: «أما فَعَّلتُ فالمصدر منه علی التفعیل، جعلوا التاء التي في أوله بدلاً من العین الزائدة في فَعَّلْتُ، وجعلوا الیاء بمنزلة الف الأفعال فغیروا أوله کما غیروا آخره، وذلك في قولك کسَّرتُه تکسیراً، وعذَّبته تعذیباً»(1). ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی هذا البناء في المعجمات اللغویة:
1. تَلْخِیص: کقوله:
«أنه قعد لِتَلْخِیص ما الْتبَس علی غیره»(2).
فتلخیص مصدر للفعل الثلاثي المضعف لخَّص علی وزن (فعَّل) والمراد به: «التَّقریب والاخْتِصار إذ یقال: لَخّصْتُ القَولَ أي اقتصرت فیه واختصرت منه ما یحتاج الیه»(3).
2. تَهْزِیع: کقوله:
«إیاکم وتَهْزِیع الأَخلاقِ وتَصَرُّفَها»(4).
فتهزیع مصدر للفعل الثلاثي المضعف هزّع علی وزن (فعّل) ویدل علی التّفریق والتکسیر(5).
ص: 106
3. التَشْرِیع: کقوله:
«إنّ أَهوَنُ السَّقي التشریعُ»(1).
فالتشريع مصدر الفعل الثلاثي المُضَعَّف (شَرَّع) على وزن (فَعَّل).
4. تَشْرِیق: کقوله:
«لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع»(2).
فالتّشريق مصدر الفعل الثلاثي المُضَعَّف (شَرَّق) على وزن (فَعَّل) والمراد به: «صاةَ العِید وإنّما أُخِذَ من شروق الشمس لأنّ ذلك وقتُها»(3).
5. تَصْوِیح: کقوله:
«فبادِرُوا العِلم قبل تَصْویح نَبْتِه»(4).
فتصویح مصدر الفعل الثلاثي المُضَعَّف (صَوَّح) علی وزن (فَعَّل) إذ یقال:
«صَوَّحَ النباتُ إذا یبِس وتَشَقَّق»(5). وهکذا فهذه أقوال الإمام علیه السلام التي
ص: 107
جاءت علی وزن (تَفْعیل).
إنَّ صیغة (فَعْلَلَة) تأتي مصدراً لکل فعل رباعي علی وزن (فَعْلَلَ)(1) ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی هذه الزنة:
1. وَعْوَعَة: کقوله:
«وأنْتم تَنْفِرُون عنه نُفُور المِعْزَی من وَعْوَعَةِ الأسد»(2).
فوَعْوَعَة مصدر للفعل الرباعي المجرد وَعْوَع، والمراد بوَعْوَعة الأَسَدِ صَوْتهُ(3).
2. بَرْبَرة: کقوله:
«قاموا لهم تَعَذمُر وبربَرة»(4).
فبَرْبَرة مصدر للفعل الرباعي المجرد بَرْبَر والمراد به: «التّخلیط في الکلام في غضبٍ ونفور»(5).
3. جَذْعَمة: کقوله:
ص: 108
«مات والله أبو بكرٍ وأنا جَذْعمة»(1).
فجَذْ عَمَة مصدر للفعل الرباعي المجرد جذْ عَمَ به وأنا جَذ عٌ أي حدیثُ السِّنِّ(2).
4. السَنْدَرة: کقوله:
«أکیلکم بالسّیفِ کیل السًّندرة»(3).
فالسَندرة مصدر للفعل الرباعي سَنْدَرَ.
5. مَضْمَضة: کقوله:
«ولا تذوقوا النّومَ غِراراً او مَضْمَضة»(4).
فمَضْمَضَة مصدر للفعل الرباعي المجرد مَضْمَض والمراد به: «أي لّما جعل للموت ذوقاً أمرهم الّا ینالوا منه إلا بألسِنَتِهم ولا یُسِیغوه فشبَّهه بالمَضْمَضة بالماء وإلقائه من الفم من غیر أبْتلاع»(5).
ص: 109
وهکذا فهذه الأقوال التي ذکرناها جاءت علی وزن (فَعْلَلَة).
إن افْتِعَال هي صیغة المصدر من أفتَعَلَ الثلاثي المزید بهمزة الوصل قبل فائه وبالتاء بعدها، أي ان مصدره بزنة فعله مع کسر ثالثة وزیادة الف قبل آخره نحو احْتَفَلَ احْتِفال(1). ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت علی زنة هذا المصدر في کتب التراث اللغوي:
1. اعْتِرَام: کقوله:
«علی حین فترة من الرسل واعْتِرَامٍ من الفتن»(2).
فاعْتِرَام مصدر للفعل الثلاثي المزید بحرفین (اعْتَرَم) علی وزن (افْتعل).
2. اقْتِساراً: کقوله:
«مربون إقْتِسَاراً»(3).
فالأقْتِسَار مصدر للفعل الثلاثي اقتسر علی وزن افْتَعَل أي ثلاثي مزید بحرفین قال ابن الأثیر: «الاقْتِسَار: افْتِعَال من القَسْر وهو القَهْر والغَلَبة»(4).
وهكذا فهذه أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی زنة هذا المصدر واستدل
ص: 110
بها اللغويون لتعضيد ما يذهبون اليه.
يكون مصدر (إِفعلَّ) أفْعِلال أَي بزنة فِعله مع كسر ثالثة وزيادة الف قبل آخره. نحو (احْمَرَّ أحْمِراراً وأخضرَّ أخْضِرَاراً)(1). وقد ورد في المعجمات قول واحد للإمام علیه السلام علی زنة ها المصدر:
-أدْهِمَام: کقوله:
«لم یمنع ضوءَ نُورِها أَدْهِمَامُ سَجْفِ اللیل المُظْلم»(2).
فالأدهِمامُ جاء على وزن (أَفْعِلَال) وهو مصدر للفعل أدهمّ على وزن (افعل) قال ابن الأثیر: «الأدْهِمامُ مصدر ادْهَمَّ أي اسوّد»(3)
له تعريفات عدّة في كتب النحو والصرف إذ أشار له سيبويه في مواضع عدة من کتابه کقوله: «هذا ما جری في الاستفهام من أسماء الفاعلین والمفعولین مجری الفعل کما یجري لغیره مجری الفعل»(4). أمَّا ابن السراج فذُکرِ أنّ «أسم الفاعل الذي یعمل عمل الفعل هو الذي یجری علی فعله ویطرد القیاس
ص: 111
فیه»(1).
وهكذا فاسم الفاعل أسم مشتق يدل على معنى مجرد وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت في المعجمات على أوزان اسم الفاعل.
إنَّ أوزان اسم الفاعل الواردة في أقوال الإمام علي علیه السلام على قسمين، الأول:
من الفعل الثلاثي المجرد وهي على وزن فاعل، والثاني من الفعل غير الثلاثي.
إنّ للفعل الثلاثي المجرّد ثلاثة أوزان هي (فَعَل) المفتوح العين، و(فَعِلَ ) المكسور العين، و(فَعُل) المضموم العين ومن أمثلة اسم الفاعل التي جاءت من الفعل الثلاثي:
1. مارِق: كقوله:
«إن من البيض ما يكون مارِقاً»(2).
فمَارِقاً اسم فاعل من الفعل الثلاثي المجرد مَرَق على وزن (فَعَل) مفتوح العین أي «مقیس في کل فعل علی وزن فَعَل»(3).
ومارِقاً تدل علی الشيء الفاسد إذ یقال مَرقَتِ البَیْضَةُ إذا فَسَدتْ(4).
2. نافجاً: کقوله:
ص: 112
«نافجاً حِضْنَیْهِ»(1).
فنافجاً اسم فاعل من الفعل الثلاثي المجرد نَفَجَ على وزن (فَعَل) وهو مقيس أيضاً كما تقدم ويدل على الرفع والتوسعة(2). وكنى به الإمام علیه السلام عن التعاظم والتفاخر(3).
3. الواغِل: کقوله:
«المتعلق بها کالواغل المُدفّع»(4).
فالواغل اسم فاعل من الفعل الثلاثي المجرد وَغِل على وزن (فَعِل) وهو مقيس والمراد به هو الذي يهجم على الشُّرَّاب ليشرب معهم وليس منهم فلا یزال مُدَفّعاً بینهم(5). کقول امريء القیس(6):
فَالیَوْمَ أُسْقَی غَیرَ مُسْتَحْقِبٍ *** إثْماً من الله ولا واغِلِ
1. قارِب: کقوله:
«وما کنت إلاّ کقارِب وَرَد وطالِبٍ وَجَد»(7).
ص: 113
فقارِب اسم فاعل من الفعل الثلاثي المجرد قَرَبَ علی وزن (فَعَلَ) وهو مقیس ویدل علی الذي یطلب الماء(1)، ومنه الحدیث «قال له صلّی الله علیه و آله و سلم رجل: یا رسول الله؛ مالي ولعیالي هارب ولا قارِب غیرها»(2).
2. آبر: کقوله:
«أصابکم حاصب ولا بقي منکم آبر»(3).
قال ابن منظور: «آبر اسم فاعل من أبَرَ المخففة»(4). ویدل علی الرجل الذي یقوم بتأبیر النخل واصلاحها اذ یقال رجل آبر للذي یأبر النّخل(5).
کقول طرفة بن العبد(6):
وليَ الأصلُ الذي في مثلِهِ *** یُصْلِحُ الآبِرُ زَرْعَ المُؤتَبِرْ
3. حارقة: كقوله:
ص: 114
فحارقة اسم فاعل من الفعل الثلاثي حَرَق على وزن (فَعَل) وهو مقيس وقد الحقت به التاء لأنه مؤنث وتدل علی «المرأة الضَّیِّقةِ الفرج والملاقي»(1).
1. داحي: كقوله:
«اللهم داحي المدحيات»(2).
فداحي اسم فاعل من الفعل الثلاثي دَحَا على وزن (فَعَل) ويراد به باسط الأرضين(3)، كقوله تعإلى:
«وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا» [النازعات: 30].
أي بسطها(4).
2. سامدین: کقول الإمام علیه السلام عندما خرج إلی المجلس والناس ینتظرونه للصلاةِ قیاماً، فقال:
«مالي أراكم سامدين»(5).
فسامدين اسم فاعل من الفعل الثلاثي المجرد (سَمَدَ) مفتوح العين وتدل
ص: 115
علی القیام قال المُبرَّد: «السامد القائم في تَحیُّر وانشد:
قُمْ فَأنْظُرْ إلیِهم *** ثُمَّ دَعْ عَنْك السُّمُودَا»(1)
1. ضامِزة کقوله:
«أفواههم ضامِزة وقلوبهم قَرِحة»(2).
فضامِزة اسم فاعل من الفعل ضَمَزَ، وهو مقیس؛ لان الماضي منه علی وزن (فَعَل) مفتوح العین والحقت به التاء؛ لأنه مؤنث وتدل علی الممسك(3)، کقول کعب بن زهیر(4):
مِنْهُ تَظَلُّ سِبَاعُ الْجوِّ ضَامِزَةً *** ولا تَمَشّی بِوَادِیهِ الأَراجیلُ
10- بازِلُ: کقوله: «بازِلُ عامین حدیث سِنّي»(5).
فبازِل اسم فاعل من الفعل الثلاثي (بَزَل)، وهو مقیس؛ لان الماضي منه علی وزن (فَعَل) والمعنی أراد «أنه مستجمع الشباب مستکمل القوة»(6).
11- کارثة: کقوله:
ص: 116
«في سکرةٍ ملْهِثَة وغَمْرَةٍ کارثةٍ»(1).
فكارثة اسم فاعل من الفعل الثلاثي کَرَث على وزن (فَعَل) والحقت التاء به؛ لأنه مؤنث وتدل على الشيءالشديد الشاق إذ يقال کَرثَه الغَمُّ أي اشتد عليه وبلَغ من المَشَقَّة(2).
12- دَامِغ: کقوله:
«دامِغُ جیشاتُ الأباطیل»(3).
فدامِغ اسم فاعل من الفعل الثلاثي دَمَغَ وهو مقيس؛ لأن الثلاثي منه على وزن (فَعَل) ويدل على المهلك إذ يقال دَمَغَهَ دمغاً إذا اصاب دِماغَه فقتله(4).
وهكذا فهذه الأقوال التي تقدّم ذكرها تدل على اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد.
إن اسم الفاعل من غير الثلاثي يكون على وزن الفعل المضارع المبني للمعلوم، بإحلال ميم مضارعة مضمومه مكان حرف المضارعة وكسر ما قبل الآخر(5). ومن أقوال الإمام علیه السلام التي ورد فیها ذلك:
ص: 117
1. مُهْطِعین: کقوله:
«سِراعاً إلى امره مُهْطِعين إلى معاده»(1).
فمُهطعين اسم فاعل من فعل ثلاثي مزيد بحرف على وزن أفعل وهو (اهطع) واسم الفاعل منه (مُهْطِع) على وزن (مُفْعِل) والإهطاع هو الإسْراعُ في العدو(2)، كقوله تعإلى:
«مُهْطِعِینَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ»[يس: 43].
أي أقبلوا مسرعين خائفين(3). وقد أشار ابن عصفور إلى ان اسم الفاعل من هذا الباب يأتي لازماً ومتعدياً، ويكون اسم الفاعل في هذا الباب للتعدية في الغالب(4).
2. المُدْغِل: کقوله:
«لیسَ المؤمْن بالمُدْغِل»(5).
فالمُدْغِل اسم فاعل من فعل ثلاثي مزيد بحرف على وزن (أفعل) قال ابن الأثير:
«المُدْغِل اسم فاعل، والداغل هو الذي يبغي لأصحابه الشَّرَّ، أي يدغل لأصحابه الشَّرَّ وهم یحسبونه خیراً»(6). وهکذا فأسم الفاعل هنا جاء علی وزن (مُفْعِل)
ص: 118
3. مُشَلِّحین: کقوله في وصف الشُّراة:
«خرجوا لُصُوصاً مُشَلِّحین»(1).
فمُشَلِّحین اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرف علی وزن (فَعّل) وهو شلَّح ویدل علی قُطَّاع الطریق(2). واسم الفاعل في هذا الباب یکون للکثرة والتعدیة في الغالب(3).
4. المُغْتَلِمین: کقوله:
«تَجَهَّزوا لِقتال المارقين المُغتَلِمین»(4).
فالمُغْتَمِلین اسم فاعل من فعل ثلاثي مزيد بحرفين وهو اغْتَلَمَ على وزن (افْتَعَلَ) واسم الفاعل منه مُغْتَلِم علی وزن (مُغْتعِل) والإغتلام «هو أن یجاوز الإنسان حد ما أمر به من الخیر المباح»(5).
5. مُعْتَلِج: کقوله:
«ونَفی مُعْتَلِج الرّیب من الناس»(6).
فمُعْتلِج اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرفین علی وزن (افْتَعَل) وهو
ص: 119
اعْتَلَج واسم الفاعل منه مُعْتلِج من لعتلجت الأمواج إذا التطمت(1).
6. المُنْکَزِم: کقوله في صفة النبي صلّی الله علیه و آله و سلم:
«لم یکن بالکزِّ(2) ولا المُنْکَزِم»(3).
فمُنکَزِم اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرفین علی وزن (أنْفَعل) وهو أنکزم والمراد به: «الصغیر الکَفِّ الصغیر القَدَم»(4) 7. مُنْدَحِق : كقوله:
«سيظهر بعدي عليكم رجل مُنْدَحِقُ البطن»(5).
فمُندَحِق اسم فاعل من فعل ثلاثي مزيد بحرفين على وزن (انفعل) وهو اندحق واسم الفاعل منه علی وزن (مُنفعِل) وتأتي هذه الصیغة «للدلالة علی المطاوعة»(6).
8. مُتَماحِلة: کقوله:
«إن من ورائكم أموراً متماحِلة»(7).
ص: 120
فمُتماحلة اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرف علی وزن (تَفاعل) وهو تَمَاحَل واسم الفاعل منه مُتَماحِل والحقت به الهاء للتأنیث علی وزن (مُتفاعِل) وتدل علی «الفتن الطویلة المدة»(1).
وهذه الصيغة تأتي للدلالة على أمرين هما المطاوعة(2). والمشاركة بين أثنین(3).
9. مُتَذائِب: کقوله:
«خرج منکم جُنَیْدُ متذَائِبٌ ضعیف»(4).
فمُتَذائِب اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرفین علی وزن تفاعل وهو تَذَائب ویدل علی المُظْطَرب إذ یقال تَذاءَبَت الرِّیح أي اضْطرب هُبوبُها(5).
10. مُتَشاکِسون: کقوله:
«أنتم شرکاء مُتَشاکِسون»(6).
فمُتشَاکِسون اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرفین علی وزن (تَفَاعل) وهو تَشَاکس واسم الفاعل منه علی وزن متفاعلِ وهو مُتشاکِس ویراد به
ص: 121
مختلفون متنازعون(1). وكقوله تعإلى:
«ضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلاً فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ» [الزمر: 29].
اي مختلفون متخاصمون(2).
11. مُتَزلِّقین: کقوله:
«أنه رأی رجلین خرجا من الحمَّام مُتَزلِّقین»(3) (4).
فمُتزلِّقین اسم فاعل من فعل ثلاثي مزید بحرفین علی وزن (تَفعَّل) وهو تزلّق واسم الفاعل منه علی وزن (مُتفعِل) وهذه الصیغة کما أشار النحاة تأتي غالباً للدلالة علی التکلف(5).
أشار الیه سیبویه بقوله: «ویَعتلُ (مَفْعُول منهما، کما اعْتلَّ (فُعِل)؛ لأن الاسم علی (فُعِلَ) (مَفْعُول)، کما أن الأسم علی (فَعَلَ) (فَاعِلٌ) فتقول (فُعِلَ): کَمزورٌ ومَصُوْغٌ، وأنّما کان الأصلَ مَزوورُ فأسکنوا الواو الاولی کما اسکنوا في (یَفْعَلُ وفَعَلَ)، وحُذِفَتْ (واو مفعُول)؛ لأنّه لا یلتقي ساکنان»(6).
ص: 122
وعرفة ابن الحاجب بقوله: «هو صفة تشتق مُن مصدرُ الفعل المتصرِّف المبني للمجهول للدلالة علی من وقع علیه الفعل حدوثاً لا ثبوتاً»(1). وهکذا فإسم المفعول وصف مشتق من الفعل المبني للمجهول للدلالة علی من وقع علیه الفعل.
وفیما یأتي أقوال الإمام علي التي وردت في المعجمات علی أوزان اسم المفعول:
سَکَرْتُ الإناء وسَجَرْته إذا املأْته(1). وکقوله تعإلی:
«وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» [الطور: 6] أي المملوء(2).
3. المسموكات: كقوله:
«اللهم بارئ المسموكات السَّبع وربِّ المدحوَّات»(3).
فالمسموكات اسم مفعول من الفعل الثلاثي (سَمَك) وتدل علی «السموات السبع»(4).
4. المخضود: كقوله:
«حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود»(5).
5. فالمخضود اسم مفعول من الفعل الثلاثي (خَضَد) ویراد به الذي قطع شوکه(6)، کقوله تعإلی:
«فِي سِدْر مَخْضُود» [الواقعه: 28].
أي السدرِ الذي لا شوك له فکأنه خُضِد شوکة وقطع أي لیس هو کسِدر الدنیا(7).
ص: 124
6. مكعوم: كقوله:
«فهم بين خائفٍ مقموع وساكت مكعوم»(1).
7. فمكعوم اسم مفعول من الفعل الثلاثي (کَعَم) ویراد به شيء یُجعل علی فم البعیر لئلا یُخرج صوتاً(2).
ومثل ذلك قول ذو الرمة(3):
بَیْنَ الرَّجا والرَّجا من جَیْبِ واصیةٍ *** یَهماءُ خابِطُها بالخَوْفِ مکعُومُ
8. منهوش: کقوله:
«کان النبي صلّی الله علیه و آله و سلم منهوش القدمین»(4).
فمنهوش اسم مفعول من الفعل الثلاثي (نهش) والمراد به مجهود مهزول(5)، ومثل ذلك قول رؤبة(6):
کَمْ مِنْ خَلِیلٍ وأَخٍ مَنْهُوشِ *** مُنْتَعش بفَضْلِکُمْ مَنْعُوشِ
9. مَعْطُوناً: کقوله:
ص: 125
«أخَذت إهاباً مَعْطُوناً فأدخلته عُنُقي»(1).
فمَطعْوُن اسم مفعول من الفعل الثلاثي (عَطِنَ) والمراد به «المَنْمَزِق»(2).
وهكذا هذه الشواهد فقط التي ذكرناها تدل على اسم المفعول من الفعل الثلاثي.
إن اسم المفعول يُصاغ من غير الثلاثي بزنة الفعل المضارع مع أبدال حرف المضارعة میماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر(3).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت في ذلك:
1. المُترَّح: کقوله:
«نهاني رسول الله عن لباس القسِّيِّ المُترَّح»(4).
فالمُتَرَّح اسم مفعول من ترَّح علی وزن (فَعَّل) وهو ثلاثي مزید بحرف واسم المفعول منه علی وزن (مُفعَّل).
2. مُتَبَّر: کقوله:
«عجزٌ حاضِرٌ ورأْيٌ مُتَبَّر»(5).
ص: 126
مُتَبَّر اسم مفعول من (تبَّر) وهو ثلاثي مضعف على وزن (فعَّل) واسم المفعول منه جاء على وزن مضارعه مع ابدال حرف المضارع ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر ويدل على المهلك وكقوله تعإلى:
«وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِینَ إِلَّا تَبَارًا»(1) [نوح: 28].
أي إلّا هلاکا(2).
3. مُضلَّعة: کقوله:
«ثياب مُضلَّعة»(3).
فمُضلَّعه اسم مفعول من (ضلَّع) على وزن (فعَّل) وتدل على الخطوط العريضة أي كالأضلاع(4).
4. مُثدَن: کقوله:
«منهم رجل مُثدَن اليد»(5).
فمُثْدَن اسم مفعول من أثدَنْتَ الشيء إذا قصَّرْته والمُثْدَن الناقص الخلق
ص: 127
وقيل معناه مُخْدَج اليد(1). فأسم المفعول هنا جاء من فعل ثلاثي مزيد بحرف على وزن افعل.
5. مُخدَج: کقوله:
«مُخدَج الید»(2).
مُخدَج اسم مفعول من اخدج على وزن افعل وهو ثلاثي مزيد بحرف والمراد به اي «ناقص الید»(3).
6. المُفْدم: کقوله:
«نهاني رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم أن أقرأ وأنا راکع، وأن البس المعَصفَر المُفْدَم».
فالمُفْدَم اسم مفعول من أفدم علی وزن (أفعل) وهو ثلاثي مزید بحرف ویدل علی «الثوب المُشبَع حمرةً کأنَّه لا یقدر علی الزّیادة علیه لتناهي حمرته فهو کالمُمْتنع»(4).
7. المُبهمات: کقوله:
«کان إذا نزل به احدی المبهمات کشفها»(5).
ص: 128
فالمُبهمات اسم مفعول من (ابهم) على وزن (أفعل) وهو ثلاثي مزيد بحرف وجاء هنا جمع مؤنث سالماً ويراد بها المعضلات و سُمِّیت مبهمة؛ لأنها ابهمت عن البيان فلم یُجعل عليها دليل(1).
8.مُنْفَسحَاً: کقوله:
«اللهم اجعل لهُ مُنسَحاً في عدلك»(2).
فمُنفسحاً اسم مفعول من (انفسح) وهو ثلاثي مزید بحرفین علی وزن (انْفَعَل) واسم المفعول منه علی وزن (مُنْفعَل) والمراد به أي أوْسع له سَعَةً في دارِ عَدْلك یوم القیامة(3).
9. مُعْتَرّ: کقوله:
«إنّ فیهم قانعاً ومُعتَرّاً»(4).
فمُعْتَرّاً اسم مفعول من اعْتَرّ علی وزن (افتعل) والمراد به الفقیر الذي لا یسأل(5)، وقد ورد ذلك في التنزیل کقوله:
«وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ» [الحج: 36].
ص: 129
أي أطعموا البائس الفقير(1).
10. المُظْطر: کقوله:
«أنه نهی عن بیع المُضطر»(2).
فالمُضْطَرّ اسم مفعول علی وزن مفتعل من الضر وأصلُه مُضْتَرِرٌ فأدْغمت الراء وقُلِبت التاء طاء لأجل الضاد. والمراد به وجهین: أحدُهما أن یُضطَر إلی العقد من طریق الإکرَاه علیه وهذا بیع فاسد والثاني أن یُضطر إلی البیع لِدَین رَکِبَه أو مؤونة تَرهَقُه فیُبیع ما في یده للضرورة(3).
11. المُعتام: کقوله:
«ورسوله المجتبی من خلائقه والمعتام»(4).
المعتام اسم مفعول من اعْتام یعتام وهو ثلاثي مزید بحرفین والمراد به المختار إذ یقال اعتام الشيء أي أختاره، والتاء زائدة(5).
وهکذا فهذه أقوال الإمام علي علیه السلام التي تدل علی اسم المفعول من غیر الثلاثي والتي ذکرها اللغویون واستشهدوا بها في مصنفاتها.
ص: 130
یُعد سيبويه من أوائل اللغويين الذين أشاروا إلى صيغة المبالغة إذ قال:
«واجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل لأنه یرید ما أراد بفاعل من إیقاع الفعل إلا انه یرید ان یحدث عن المبالغة»(1). وقال المبرِّد: «هو أن یکون الأسم علی وزن (فعَل) (فاعل) نحو «ضَرَبَ» فهو «ضَارِب» فإن أُرید تکثیر الفعب فللتکثیر أبنیة من ذلك (فعَّال) نحو «قتّال» إذا کان یکثر القتل، فأمّا قاتل فیکون للکثیر والقلیل؛ لأنه أصل»(2). وهکذا فصیغة المبالغة یحول الیها اسم الفاعل علی سبیل الکثرة والمبالغة.
فالقصد من صیغ المبالغة هو الزیادة في المعنی مع إیقاع الحدث في صیغة اسم الفاعل(3).
وفیما یأتي عرضٌ لأقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت في المعجمات علی أبنیة المبالغة:
إنَّ صیغة فعَّال أکثر الصیغ شیوعاً؛ لأنَّها تدلُّ علی المبالغة والکثرة والحرفة، والصناعة، وتقتضي الاستمرار والإعادة والمعاناة والملازمة(4). ومن أقوال
ص: 131
الإمام علیه السلام التي جاءت علی زنة (فعَّال):
1. جَبّار: کقوله:
«جَبَّار القُلوب على فِطِراتِها»(1).
فجَبّار صيغة مبالغة من جَبَرَ والمراد به: جبر العظم المكسور إذ يقال جبرتالعظم فجبر إذا كان مكسور فلأمته وأقمته أي كأنه أقام القلوب وأثبتها على ما فطرها عليه(2).
2. خَبَّاط: كقوله:
«خَبَّاط َ عَشَواتٍ»(3).
فخَبَّاط صيغة مبالغة على وزن (فعّال) والمراد به أي يخبط في الظلام، وهو الذي يمشي في الليل بلا مصباح فيتحير ويظل(4).
3. صوّاغ: کقوله:
« وأعدتُ صوّاغاً من بني قينقاع»(5).
ص: 132
فصوَّاغ صيغة مبالغة من صَوَغ وهنا جاءت تدل على الحرفة لأنَّ الصَّوّاغ یدل علی صائغ الحلي إذ یقال صاغَ یَصوغ فهو صائغ وصَوَّاغ(1).
4. جذَّاء: کقوله:
«أصولُ بِیَدٍ جذّاء»(2).
فجذَّاء صیغة مبالغة وتدل علی الید المقطوعة وکنی به الإمام علیه السلام عن قُصُور أصحابه وتقاعُدِهم عن الغَزْو فإن الجُنْد للأَمیر کالید(3). وقد کنی بها الإمام علیه السلام ایضاً لعدم النّاصر والجامع وعدم التمکّن من التصرف والصّولَة بهما(4).
5. نغّاض: کقوله:
«کان نغّاض البَطْن»(5).
فنَغّاض صیغة مبالغة من نغض وتدل علی «معَکَّنُ البطن»(6).
وأراد بذلك صفة النبي صلّی الله علیه و آله و سلم أي لما کان في العُکَن نُهُوض ونُتُوء عن مُسْتَوی البطن قیل للمعکَّن نغاض البطن(7).
ص: 133
6. حمَّال: كقوله:
«لا تناظروهُ في القرآن فإنه حمّالٌ ذو وجوه»(1).
فحمَّال صيغة مبالغة من حمل أي يحمل عليه كل تأويل فيحتملوه(2).
7. الخطَّاف: كقوله:
«نَفَقَتْك رِیاءً وسُمعةً للخَظَّاف»(3).
فالخَطَّاف بالفتح والتشديد صيغة مبالغة من خَطِفَ وهو مُبالغة في الهلاك والمراد به شیطانُ؛ لأنه یخطفُ السمع(4).
وهکذا فهذه الأقوال التي تقدّم ذکرها جاءت علی زنة (فعّال).
تُعد صیغة مِفْعَال من أوزان المبالغة التي تحمل دلالة التکثیر في الفعل فقولنا مِهْذَار، ومِضْیَاع إنما هو لمن أکثر من الهذر والتضییع.
ومن هنا فصیغة مِفْعال تکون لمن دام منه الشيء، أو جری علی عادة فیه(5). وهذا یدل علی ضرورة استمرار الفعل وتأکیده والمبالغة فیه وقد ورد للإمام
ص: 134
علي علیه السلام قول واحد علی هذه الزنة:
مِلْطَاط: کقوله:
«فأمرَتهم بلزومِ هذا المِلْطَاط حتَّی یأتِیهم أمري»(1).
فمِلطاط صيغة مبالغة تدل على التكثير والمراد به شاطیِٔ الفرات(2). ومثل ذلك حدیث ابن مسعود: «هذا المِلْطَاطُ طریق بَقیَّة المؤمنین»(3).
تُعد صیغة فَعُول من أوزان المبالغة والتکثیر في الحدث إذ تدل علی «دوام الفعل في موصوفه وتدل علی الکثرة والتکریر في العمل»(4). ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت علی هذه الزنة:
1. الجحُود: کقوله:
«هي الجحود الکنود الحیود المیود»(5).
فالجحُود صیغة مبالغة من (جحد) فالإمام علیه السلام هنا یذم الدُّنیا وأوراد بأنها
ص: 135
كثيرة الإنكار والكفران كالمرأة التي تكفر نعمة زوجها(1).
2. المیُود: کقوله:
«هي الحيود الميود»(2).
فالميود صيغة مبالغة من المصدر الميدان وهو بفتح الياء مصدر مادَ یمید(3).
وهكذا فهذا البناء من أبنية المبالغة.
3. خروط: كقوله:
«إنك لخُروط أتُؤُمَّ قوماً وهم لك کارهون»(4).
فخروُط صیغة مبالغة تحمل دلالة الکثرة أي یدل علی الرّجل المُتهوِّر في الأمور ویرکب رأسه في کل ما یرید(5).
4. العنُون: کقوله:
«ألا وهي المتصدّیة العنون»(6).
فالعنُون صیغة مبالغة من عَنَن قال ابن الأثیر: «أي التي تَتَعرّض للنَّاس
ص: 136
وفَعُول للمبالغة»(1).
5. الجبُوب: کقوله:
«رأیت المصطفی صلّی الله علیه و آله و سلم یصلّي أو یسجد علی الجبُوب»(2).
فالجَبُوب صیغة مبالغة علی وزن فعول تدل علی الأَرض الصُّلُبةُ(3).
وقد ورد ذلك أیضاً في قول أمرئ القیس(4):
فَیَبِتْنَ یَنْهَسْنَ الجَبُوبَ بِها *** وأبِیتُ مُرْتَفِقاً علی رَحْلِ
الهَبُول: کقوله:
«هَبَلَتْهُم الهبُول»(5).
فالهَبُول صیغة مبالغة تدل علی الکثرة والمراد بها: «المرأة التي لا یبقی لها ولد»(6).
6. ظنُون: کقوله:
«إن المؤمن لا یمسي ولا یصبح إلا ونفسه ظنُون عنده»(7).
ص: 137
فظنُون صيغة مبالغة وتدل على التهمة أي نفسه متهمة لديه بالخيانة والتقصير في طاعة الله تعإلی(1).
من أبررز اوزان المبالغة ما کان علی زنة (فَعِل) إذ یدل في باب المبالغة علی من صار له الفعل کالعادة(2). ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت علی زنة فَعِل:
1. خَرِصاً: کقوله:
«کنتَ خَرِصاً»(3).
فخَرِصاً صیغة مبالغة علی وزن فَعِل وتدل علی جوع مع برد(4). ومثل ذلك أیضاً ما وَرد في قول لبید(5):
فأَصْبَحَ طاوِیاً خَرِصاً خمیصاً *** کنَصْلِ السَّیْف حُودِثَ بالصِّقال
1. خَضِرَتها: کقوله:
«... ویأکل خَضِرَتها»(6).
ص: 138
فَخَضِر صیغة مبالغة تدل علی الکثرة أي یعني غضَّها وناعِمَها وهَنِیئها(1).
2. رَهِق: کقوله:
«أنّه وعظ رجلاً في صُحبة رجلٍ رَهِق»(2).
فرَهِق صیغة مبالغة تدل علی الکثیر الخِفَّة والحِدّة إذ یقال رجل فیه رَهَقٌ إذا کان یَخِفّ إلی الشَّرِّ ویَغْشاه(3).
3. المَقِر: کقوله:
«أَمَرُّ من الصَّبرِ والمَقِر»(4).
فالمَقِر صیغة مبالغة تدل علی الکثرة والمراد به الشَّيء الشدید المرارة وهو شبیه بالصَّبِر(5).
إنَّ هذه الصیغ من أوزان المبالغة غیر القیاسیة قال الرضي الاستراباذي: «والظاهر إن فعالاً مبالغة فعیل في المعنی فطُوال أبلغ من طویل، وإذا أردت زیادة المبالغة شددت العین فقلت طوّال»(6). ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت
ص: 139
على هذه الاوزان:
1. الضُّراح: كقوله:
«الضُّراح بیتُ في السماء حيال الكعبة»(1).
فالضُّراح صيغة مبالغة ويراد به بيت في السماء مُقابلُ الکعبة في الأَرض ویروی الضَّریح(2). وهکذا فلما أراد المبالغة في الوصف حول إلی الضُّراح علی وزن فُعال.
2. زُعاق: کقوله:
«دونَکها مُتْرَعةً دِهاقاً کاساً فارِغاً مُزِجت زُعاقاً».
فزُعاق صیغة مبالغة تدل علی الماء المرّالذي لا یطاق شربه(3)
ورد للإمام علي علیه السلام قول واحد علی هذه الزنة:
1. دُعّار: کقوله:
ص: 140
«أین دُعّار طيء»(1).
فدُعَّار صیغة مبالغة تدل علی الزیادة ویراد بها قُطَّاع الطریق(2).
وهکذا فهذه الأقوال التي ذکرناها جاءت علی مبنی فُعال و فُعّال.
لم یذکر لصیغة (فاعول) دلالة خاصة إذ قال سیبویه في باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة من غیر الفعل: «أمّا الألف فتلحقه ثانیة ... فأمّا ما لحقته من ذلك ثانیة، فیکون علی فاعول في الاسم والصفة فأمّا الصفة فنحو: حاطوم یقال: ماء حاطوم، وسبیل جاروف، وماء فاتور، والأسماء عاقول، وماموس، وعاطوس، وطووس»(3). وهذا البناء من أوزان المبالغة غیر القیاسیة، إذ أنَّ (فاعول) في المبالغة منقول ولیس أصلاً وهو مستعار من (فاعول) في الآلة، لأنَّ هذا البناء من أبنیة أسم الآلة ویستعمل فیه کثیراً کالساطور وهو من أدوات الجزّاز، والصاقور وهي فأس عظیمة، ومّما ذُکر من الأمثلة في اللغة الدارجة مما نُقِل فیه من الآلة إلی الوصفیة قولنا مثلاً: هو جاروشة للذي یتکلم کثیراً(4). وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی زنة فاعول:
1. غاروق: کقوله:
ص: 141
«فار التَّنُّور وفیه هلك یَغُوثُ ویَعُوقُ وهو الغاروق»(1).
فالغارُوق صیغة مبالغة علی وزن فاعول من الغَرق لأن الغَرق في زمان نوح علیه السلام(2).
1. فاثور: کقوله:
«کان بین یَدیْه یوم عِیدفاثُورٌ علیه خُبْزُ السَّمراء»(3).
ففاثُورُ اسم آلة والمراد به الخِوان(4). ونقل إلی الوصیفة وقد یشبَّه الصدر الواسع به فیسمی فاثوراً(5). ومثل ذلك أیضاً ما ورد في حدیث النبي صلّی الله علیه و آله و سلم:
«وتکون اأرض کَفاثُور الفِضة»(6).
أي الخوان.
تُعد صیغة (فُعَلَةَ) من أوزان المبالغة غیر القیاسیة نحو «نُوَمة هو الرجل کثیر النوم، سُؤله: هو الرجل کثیر المسألة، ولُوَمة: هو الرجل کثیراللوم، وعُیبَة هو
ص: 142
الرجل كثير العيب للناس وهو العیّاب والعيابة أيضاً»(1).
وکل ما کان علی (فُعَلَة) وهو وصف فهو للفاعل، نحو هُذَرة، ونُکَحة اذا کان مهذاراً، نکّاحاً، وکل ذلك بفتح العین، فان سکّنت العین من (فَعْلة) وهو وصف فهو للمفعول به، تقول: «رجل لعْنة» أي یلعنه الناس(2). وقد ورد للإمام علیه السلام قول واحد علی هذا البناء هو: «إنما ینجو من شَرَّ ذلك الزّمان کلُّ مؤمن نوَمَة، أولئك مصابیح الهدی»(3).
فالنُوَمة صیغة مبالغة علی وزن فُعَلَة وهي تدل علی الکثیر النوم(4). قال ابو عبید: «النّومَة بوزن الهمزة، الخاملُ الذّکر الغمض في الناس الذي لا یعرف الشر ولا أهله ویُؤبَه له»(5).
تُعَد صیغة تِفْعالة من الصیغ التي تحمل معنی المبالغة قال سیبویه: «هذا بابُ ما تُکثَّر فیه المصدرَ من فَعَلتُ، فتلحق الزوائد، وتبنیه بناءً آخر»(6). ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت علی زنة تِفعالة:
ص: 143
1. تِلْعَابة: کقوله:
«زَعَمَ ابنُ النّابغة أَنّي تِلْعَابةٌ»(1).
فتِلْعَابة صیغة مبالغة تدل علی الکثیر اللعب والمَرح والتاء زائدة(2).
2. تِمْراحة: کقوله:
«زَعَمَ ابنُ النّابغة أنّي تِلعابةُ تِمراحة»(3).
فتِمراحة صیغة مبالغة من المَرَحُ قال ابن الأثیر: «هو من المَرَح وهو النَّشاط والخِفَّة والتاء زائدة وهو من أبنیة المبالغة»(4).
إنَّ صیغة «أفعَوْعل» من الصیغ التي یُراد بها المبالغة والتوکید، قال سیبویه: «سألت الخلیل فقال کأنهم أرادوا المبالغة والتوکید، کما أنه إذا قال اعْشَوْشَبَتِ الأرض، فإنما یرید أن یجعل ذلك عاماً کثیراً وکذلك احْلَوْلَی»(5).
وقد ورد الإمام علي علیه السلام في المعجمات اللغویة قول قول واحد علی زنة أَفْعَوْعَل هو:
ص: 144
«أعْذَوذَب جانب منها واحلولی»(1).
فأعذوذب واحلولی صیغ مبالغة یراد بهن التوکید والمبالغة قال ابن الأثیر:
«هُمَا أَفْعَوْعَل من العُذُوبَةِ والحلاوةِ وهو أبنیه المبالغة»(2).
ذکر ابن السّراج أنّ الصفة المشبهة هي: «اسماء ینعت بها کما ینعت بأسماء الفاعلین وتذکر وتؤنث ویدخلها الألف واللام وتجمع بالوار والنون کاسم الفاعل وافعل التفضیل کما یجمع الضمیر في الفعل فإذا اجتمعت في النعت هذه الاشیاء التي ذکرت او بعضها شبهوها بأسماء الفاعلین وذلك نحو حسن وشدید»(3). وجاء في الکافیة هي ما اشتق من فعل لازم لمن قام به علی معنی الثبوت(4). وسمیت الصفة المشبهة بذلك؛ لأنها تشبه اسم الفاعل في دلالتها علی معنی، وعلی صاحبها، وفي کونها یمکن ان تثنی وتجمع(5). وکذلك لأنها اشبهت اسم الفاعل في العمل فهي «انما تعمل في ما کان من سببها معرفاً بالألف واللام أو نکرة و لا تجاوز هذا»(6).
ص: 145
تصاغ من الفعل اللازم وتدل على الحال(1). ولم يحدد سيبويه أبنية الصفة المشبهة، ولم یُفرِّق بين صيغها وصيغ أسم الفاعل وإن عقد لها باباً تكلم فيه على عملها(2). وللصفة المشبهة ثلاثة عشر وزناً موزعة على بابين هما(3):
1. باب (فَعِلَ یَفْعَلُ) وهذا الباب مختص بوزنين:
أ. أفْعَل فَعْلاءُ: هذا الوزن دال علی الألوان والعیوب والحلي نحو: أَحْمَرُ - حمراء، وأعمی - عمیاء.
ب. فَعْلانُ فَعْلی: وهذا الوزن مختصٌ بالدلالة علی الخلو والامتلاء، نحو: رَیّان رَیّا، وعَطْشَان عَطْشی.
2.باب (فَعُلَ یَفْعُلُ) وهذا الباب مختصٌ بخمسة أوزان هي:
أ. فَعَل نحو حَسَن من حَسُنَ ب. فُعُلُ نحو جُنُبُ من جَنُبَ ج. فُعَال نحو شُجَاع من شَجُعَ د. فَعَال نحو جَبَان من جَبُنَ ه-. فَعُول نحو طَهُور من طَهُر و. فَعِیل نحو کریم من کَرُمَ
ص: 146
ورأی الرضي الاستراباذي أنّ بناء (فَعِیل) یکثُر في باب (فَعُل) اللازم نحو کَرُمَ فهو کریمٌ، وشَجِیعٌ، ومن باب (فَعِلَ) نحو حَرِصَ فهو حریص(1).
وذهب الأشموني (ت 929 ه-) إلی أَنَّ بناء (فَعِیل) مقصور علی السماع في هذه الصفات نحو: (رَحِیمٌ، وعَلِیمٌ)(2).
وقد تصاغ الصفة المشبهة من غیر الثلاثي علی زنة اسم الفاعل، أي بابدال حرف المضارعة میماً مضمومة وکسر ما قبل الآخر کمُعْتِدل القامِة، ومُنْبَسِط الوجه(3).
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت في المعاجم علی أوزان الصفة المشبهة:
علی الصفة المشبهة:
لقد ذکرنا سابقاً أنَّ هذا البناء یکون للألوان والعیوب الظاهرة والحلي ومن أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت علی هذا البناء:
1. الأخْیَب: کقوله:
«ومن فاز منکم فقد فاز بالقِدحِ الأخیب»(4).
ص: 147
فالأخيب صفة مشبهة على وزن أفعَلُ والمراد به: (الذي لا نصيب له منذ قداح المَیْسِر) وهي ثلاثةٌ» «المَنیحُ، والسَّفیعُ والوَغْدُ»(1).
2. أصْعَل: کقوله:
«کأني برَجلٍ من الحَبَشةِ أصعَلَ أصمعَ قاعدٍ علیها وهي تُهدَم»(2).
فالأصعَل علی وزن افعل والأنثی منه صعلاء علی وزن فعلاء والمراد به:
«الدقیق الرأس والعُنق»(3).
3. أصمع: کقوله:
«کأني برجل من الحبشةِ أصعل أصمع قاعد علیها وهي تهدم»(4).
فالأصمع صفة مشبهة علی وزن أفعل والأنثی صمعاء علی وزن فعلاء إذ یقال رجل أصمع وأمرأة صمعاء وتدل علی الصَّغیر الأذُن(5).
4. أفوق: کقوله:
«ومن رمی منکم فقد رمی بأفوق ناصِلٍ»(6).
ص: 148
فأموق صفة مشبهة علی وزن أفعل والمعنی من کلام الإمام علیه السلام «أي رمی بسهم منکسر الفُوقِ لا نصل له»(1). وهکذا فالأَفْوَقُ السهم المکسور.
5. أزیل: کقوله:
«أنه ذکر المهدي وأنه یکون من ولد الحُسین أجلی الجبین أقنی الأنف أزیل الفخدین أفلج الثّنایا بفخذه الأیمن شامه»(2).
فأزیل صفة مشبهة وتدل علی المُتزایل الفخدین أي المتباعد ما بینهما وهو کالأفحج(3).
6. الأبظر: کقوله:
«ما تقول فیها أیُّها العبدُ الأبظَرُ»(4).
فالأبظر علی وزن أفعل ویدل علی «الّذي في شفته العلیا طول مع نتوء في وسطها»(5).
وهکذا فإن هذه الأقوال التي ذکرناها جاءت علی وزن (أفعل) وهو من أوزان الصفة المشبهة.
ص: 149
جاء هذا البناء من باب (فَعُلَ) ومن أقوال الإمام علیه السلام التي ورد فیها ذلك:
1. ثَبَج: کقوله:
«وعَلیکم الرِّواقُ المُطَنَّب فاضْرِبُوا ثَبجَه فإن الشیطان راکد في کِسْر»(1).
فَثَبَجه صفة مشبهة علی وزن (فَعَل)، والحقت به هاء التأنیث لأنتقاله من الأسمیة إلی الوصف ویراد به وسط الشيء أو معظمه وأعلاه(2)، ومثل ذلك کتاب الرسول صلّی الله علیه و آله و سلم لوائل: «وأنْطُوا الثَبَجه»(3). أي أعطوا الوَسَطَ في الصدقة(4).
2. الخَطَل: کقوله:
«فرکب بهم الزّلل وزین لهم الخَطل»(5).
فالخَطل صفة مشبهة علی وزن (فَعَل) ویراد به المنطق الفاسد(6).
3. عَلَزَ: کقوله:
ص: 150
«هل ینتظر أهل بضاضة الشباب إلا عَلَز القلق»(1).
فَعَلَزُ صفة مشبهة علی وزن فَعَل وتدل علی قلقٌ وهَلَعٌ یصیب الإنسان إذ قالت إعرابیه ترثي إبنها(2):
وإذالهُ عَلَزٌ وحَشْرَجَةٌ *** مِمَّا یَجِیشُ بهِ من الصَّدْرِ 3. قَدَمَ: کقوله:
«غیرَ نَکلٍ في قَدَم ولا واهیاً في عزم»(3).
فَقَدَم صفة مشبهة علی وزن (فَعَل) وتدل علی الشجاع إذ یقال رجل قُدُمٌ وقَدَمٌ شجاع(4). ومثل ذلك حدیث النبي صلّی الله علیه و آله و سلم:
«طوُبَی لعبد مُغْبَرَ قُدُمٍ في سبیل الله»(5).
أي شجاع.
4. اللَّدَدَ: ومنه حدیث الإمام علي علیه السلام:
«رأیت النبيَّ صلّی الله علیه و آله و سلم في النَّوم فقلت: یا رسول الله ماذا لَقیتُ بُعْدك من الأود واللَّدَدَ»(6).
ص: 151
فاللّدَد صفة مشبهة علی وزن (فَعَل) وتدل علی الخصومة الشدیدة(1)، ومنه قوله تعإلی:
«وتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًا» [مریم: 97].
أي خُصَماء عُوج عن الحق وقیل صُمُّ عنه(2).
5. الیَفَن: کقوله:
«أَیُّها الَیَفَنُ الذي قد لَهَزَهُ القَتِیرُ»(3).
فالیَفَن صفة مشبهة علی وزن (فَعَل) وتدل علی الشیخ الکبیر(4). قال الأعشی(5):
ومت إِنْ أَرَی الدَّهْرَ في صرفهِ *** یُغادِرُ مِنْ شَارِخٍ أَو یَفَنْ
فالیَفَن هنا الکبیر.
جاء هذا البناء من باب (فَعُل) ومن أقوال الإمام علیه السلام التي وردت في ذلك:
1. قُلُص: کقوله:
«علی قُلُص نواجٍ»(6).
ص: 152
فقُلُص صفة مشبهة وتدلُ علی النافة الطویلة القوائم أي سمو الناقة الطویلة القوائم قلُوُصاً(1)، ومثل ذلك حدیث ذي المِشعار «أتَوْكَ علی قُلُص نَواجٍ»(2).
2. السُّهُب: کقوله:
«وفرَّقها بسُهُب بیدها»(3).
فالسُهُب صفة مشبهة علی وزن (فُعُل) وتدل علی الأرض الواسعة(4). وهکذا فهذه الأمثله التي ذکرناها جاءت علی وزن (فُعُل) وهو من أبنیة الصفة المشبهة.
یعرّف علی أنّه اسم مشتق من الفعل لوصف من زاد علی غیره في أصل الفعل تفضیلاً کأحسن وأفضل أو تنقیضاً کأقبح، وهو یصاغ علی وزن أفعل(5).
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت علی صیغة أفعل التفضیل في المعجمات:
1. لابشَّهما: کقوله:
ص: 153
«إذا اجتمع المسلمانِ فتذاكر غَفَرَ اللهُ لأبشَّهما لصاحبه»(1).
فأبشَّهُما هنا جاءت علی مبنی أفعل التفضیل إذ تدل علی «فرح الصَّدِیقِ بالصَّدیقِ عِنْدَ اللّقَاءِ»(2)، أي من کان أکثر بشاشةً لصاحبه.
2. أحْدَبَهم: : کما في حدیث الإمام علي علیه السلام یصف أبا بکر:
«وأَحْدَبُهم علی المسلمین»(3).
فأحدَبَهُم هنا جاءت علی مبنی أفعل التفضیل أَي «أَعْطَفُهم وأَشْفَقُهم مَن حَدِبَ علیه یَحْدَبُ إذا عَطَفَ»(4).
3. أصقب: کقوله:
«أنه کان إذا بالقتیل وُجِدَ بین القریتین، حُمِلَ علی أصقبِ القریتین إلیه»(5).
أصقب جاءت في قول الإمام علي علیه السلام علی مبنی أفعل التفضیل إذ تدل علی القُرب إذ یقال: هذا أصْقَبُ من هذا أي أقرب(6). وهکذا فأصقب تدل
ص: 154
على التفضيل.
1. الأوسط: كقوله:
«خیرُ النّاسِ النمّطُ الأَوسط یلحقُ بهم التّالي ویَرجِعُ إلیهم الغالي»(1).
2. فالأَوسط هنا أسم تفضیل من (وَسَطَ) الثّلاثي ویدل علی «المُتَوَسِّطُ بین الغالي والتَّالي أي خیر الأمور أوساطُها»(2).
یُعدُّ جمع التکسیر من أوسع الأبواب الصرفیة کما أنّ له أوزاناً کثیرة، بعضها یستعمل للعدد القلیل الذي لا یتجاوز العشرة، وبعضها یستعمل للعدد الکثیر الذي یزید علیها.
وجمع التکسیر: هو ما دلَّ علی أکثر من أثنین بصیغة تخالف صیغة مفردة مخالفة ظاهرة ومقدرة(3).
وهکذا فجمع التکسیر من أوسع الأبواب الصرفیة إذ یقسم باعتبار القلّة والکثرة إلی قسمین جمع القلّة، وجمع الکثرة. في حین ذهب غیرهم أنّ هذا التقسیم لیس مستقیماً في کلام العرب کلّه، إذ یُعترض علیه بما یأتي: هناك أسماء لیس لها إلا نوع واحد من الجمع، قد یکون جمع قلّة وقد یکون جمع کثرة، ثم ان
ص: 155
العرب الفُصحاء لم یراعوا هذا في کلامهم، فکثیراً ما یجتمع عندهم جمع القلّة وجمع الکثرة في موضع واحد ویکون للمفرد غیر جمع، وکثیراً ما نری علی حد قولهم جمع القلّة یوضع في موضع الکثرة وجمع الکثرة یوضع للقلّة(1).
وفي ضوء ما عرضناه یتبیّن أنَّ لجموع التکسیر أوزاناً کثیرة متنوعة وهي نوعان:
وهو ما وضع للعدد القلیل أي من ثلاثة إلی عشرة(2). ومن صیغ جمع القلّة التي وردت في أقوال الإمام علیه السلام في المصادر اللغویة:
ویجمع علی هذا الوزن کل ما لم يطرد فيه (أفعُل) وهو (فَعْل) المعتل العین، یقول ابم مالك: «ولّما تقرر المطرد جمعه علی (أفْعُل) من الثلاثي نبّهت أن ما سوه من الثلاثي إذا کان أسماً غیر صفة اطرد جمعه علی (أفعال»)(3).
کثوب أثیاب، وبیت أبیات، وحِمل أحمال، وسبَب أسباب، وکَتِف بفتح فکسِر أکتاف، وصُلْب أصلاب، وعَضُد أعضاد، وإبل آبال، ورُطَب أرطب، وعِنَب أعناب(4).
وذکر سیبویه أن (فَعْل) صحیح العین لا یجمع علی (أفعل) وما جمع
ص: 156
عليه منه يعد شاذاً(1). في حين جعل بعضهم (فَعْل) لكثرة الأمثلة الواردة علیه قیاساً ،ي جمع] (أفعال) فذکر مائة وأثنین واربعین لفظاً علی هذا الجمع ومفرده علی زنة (فَعْل) ثم قرر أن الوزن مقیس في هذا الجمع، ولکنّ غیره أعترض علی هذا الرأي(2).
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت علی زنة (أفْعال) أنجاد: کقوله:
«أمّا بنو هاشم فأنجاد أمجاد»(3).
فأنجاد علی وزن أفعال إذ قیل أنجاد جمع الجمع کأنه جمع نَجُدٌ علی نِجاد أو نُجُود ثم أنجاد(4). قال ابن الأثیر: «ولا حاجة إلی ذلك لأنّ أفعالاً في فَعُل وفَعِل مطرّد نحو عَضُد وأَعضاد وکَتِف»(5). وهکذا فأنْجاد جمع نَجُد وتدل علی الأشِداء الشجعان(6)، وهو جمع مقیس أي أن مفردهُ لیس ممّا یطرد فیه أفْعُل.
1. أمجاد: کقوله:
«أما بنو هاشم فأنجاد أمجاد»(7).
ص: 157
فأمجاد جمع مجید کأشهاد في شهِید وتدل في قول الإمام علي علیه السلام علی الأشراف الکرام(1). وأن هذا الجمع من هذه الصیغة مما کسِّر علی أَفعال من الوصف بوزن فعیل علی خلاف القیاس(2). أمَّا جمع الأسم فهو من القیاس ک- (سریر أسرار)(3). وهکذا فأمجاد علی وزن أفعال وهو من جموع القلة.
2. أعیان: کقوله:
«إنَّ أعیان بني الأم یتوارثون دون بني العلات»(4).
فأعیان جمع عَیْن وتدل علی: «الأخْوَة لأب واحدٍ وأمًّ واحِدة»(5). وهو مقیس؛ لأن هذا الجمع یطرد في کل أسم أجوف علی وزن (فَعْل) ک- (صوت: أصوات، وثوب: أثواب، وقوس: أقواس)(6).
3. أغباش: کقوله:
«قمش علماً غاراً بأَغباش الفتنة»(7).
ص: 158
4. فأغباش جمع الغَبَشَ وهو شدة الظلمة(1)، أي أن مفردها غَبَشَ على وزن (فَعَل) بفتح الفاء والعین، وهو جمع مقیس؛ إذ یری بعضهم أنه يجمع على هذه الصیغة ما کان علی وزن (فَعَل)(2).
5. أهدام: كقوله:
«لبسنا أهدام البِلى»(3).
فالأهدام الأخْلاق من الثِّياب واحِدها هِدْم بالكسر(4). وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع يطرد في ما كان على وزن (فِعل) بكسر الفاء.
6. أهضام: كقوله:
«فَأَنَا نَذِیرٌ لَکُمْ أَن تُصْبِحُوا صَرْعَی بأَثْنَاءِ هذا النَّهْرِ، وَأهضَام هذا الغائظ»(5).
فأهضام جمع هِضم بكسر الفاء، أي كما ذُكرنا بأن هذا الجمع يطرد في ما کان علی وزن (فِعل) قال أبن منظور: «الأَهْضامُ الغُیوبُ واحدها هِضْمٌ وهو ما غیَّبها عن الناظر»(6).
ص: 159
7. أوهاق: كقوله:
«وأعْلقت المرءَ أوهاقُ المنیّة»(1).
فأوهاق جمع وَهَقَ بالتحريك(2)، وتدل على الحبال التي تطرح في أعناق الدواب حتّى تؤخذ(3). أي أن مفردها وَهَق على وزن (فَعَل) بفتح الفاء والعين وهو جمع مقيس.
8. أكوار: كقوله:
«لیس فیما تُخْرِج أَکْوارُ النَّحْل صدَقة»(4).
فأکْوار جمع على وزن أفعال واحدها كُور بالضم وهو بيت النحل والزَّنابير أراد أنه ليس في العسل صدقة(5). وهذا جمع مقيس؛ لأن مفرده معتل العين.
9. أوتار: كقوله:
«فأدركت أوتار ما طلبوا»(6).
فأوتار جمع وِتِر بالكسر، وهي الجناية(7). وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع
ص: 160
يطرد في كل أسم ثلاثي معتل الفاء نحو: وقت: أوقات، وصف: أوصاف، وِكر: أوكار(1).
10. أقزام: كقوله في ذم أهل الشام:
«وجُفَاةُ طغامُ عبیدُ أقزام»(2).
فأقزام جمع قَزَم ويدلُ على اللئيم الدَّنيء الصغير الجُثة الذي لا غناء عنده وهو في الأصل مصدرٌ يقع على الواحد والأثنين والجمع والذَّكر والأنثى(3).
وهذا جمع مقيس أيضاً؛ لأنه يجمع على هذه الصيغة ما كان على وزن (فَعَل).
11. أكظامها: كقوله:
«لعلَّ الله یُصلِحُ أَمر هذه الأُمة ولا یأخذ بأکْظامِها»(4).
فأکْظام جمع کَظَم قال ابن الأثير: «هي جمع کَظَم بالتحریك وهو مَخْرَجُ النَّفس من الحلق»(5). وهو مقیس کما ورد في المثال السابق. وهکذا فالأقوال التي وردت تدل علی جمع القلة علی صیغة أفعال.
ص: 161
ويطرد في كل اسم مذكر رباعي بمدة قبل الآخر نحو طعام أطعِمة، ورغيف أرْغِفة، وعمود أعْمِدة. كما يطرد في (فعال) بفتح أوله أو كسره، مُضعّف اللام أو معتلها نحو أبتّة، وأزمّة، وأقبيه، وأكسية، ولا يجمعان على غيره إلا شذوذاً(1).
وقد أضاف السيوطي اليها ما كان على وزن (فُعال) كغُراب أغربة(2). وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على زنة أفْعِلة:
1. أدِلّة: کقوله علیه السلام في صفة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:
«يخرجون من عنده أدِلّةً»(3).
أدِلّة جمع دليل أي بما قد علِموا فيدلون الناس عليه أي يخرجون من عنده فقهاء فجعلهُم أنفُسَهم أدلّةً(4).
وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع يطرد في كل أسم رباعي مذكر قبل آخره حرف مد.
2. الأسِرّة: كقوله:
«کأنَّ ماءَ الذّهبِ یجري في صفحةِ خدِّة، ورَونَقَ الجمالِ یطرَّد في أَسِرّةِ جبینِهِ»(5).
ص: 162
فالأسِرّة جمع سِرَرٍ وأسارير فهو جمع الجمع(1). أي في هذا الشاهد شذ جمع سِرَرٍ على أسرة الذي جاء مفرده (فِعَل) وهو ثلاثي فخرّج بعض المحدثين هذا الشذوذ السماعي، بأنهم حملوا الوصف على الاسم فقلبوا حكم الاسم على الوصف لخفة الاسم(2).
يدل على عشرة إلى ما لا نهاية وهذا ما ذهب اليه سيبويه(3). أي هو ما وضع للعدد الكثير وجموع الكثرة متعددة، وكثيرة وقد تباينت بين العلماء من حيث العدد، فكانت عند ابن مالك كالآتي: (فُعْل)، و(فُعُل)، و(فِعَل)، و(فُعَل)،و(فَعَلَة)، و(فَعْلی)، و(فِعَلة)، و(فُعَّل)، و(فَعَّال)، و(فِعال)، و(فُعُول)، و(فِعلان)، (فُعلان)، و(فُعلاء)، و(أفْعلاء)، و(فَوَاعِل)، و(فَعائل)، و(فَعَالِى)، و(فَعَالَى)، و(فعالِىَّ)، و(فَعَالِل) وشبه فعالل: (أفاعل)، (مَفاعِل)، و(فَعَل) وحددها بأنها تأتي جمعاً لفاعل في الفاظ مخصوصة(4).
أمّا (فعالة) و(فَعيل) فقد أشار اليهما سيبويه(5). و(فُعَإلی)، و(فُعَال)، و(فُعلى)، ذكرها الأشموني نقلاً عن ابن الحاجب. أمّا الصيغ التي لم تلحقها الهاء في آخرها لتأنيث أو تأكيد الجمع فهي: فُعُول، وفعال، ومفاعل(6). وهكذا
ص: 163
فهذه صيغ جموع الكثرة التي أوردها النحاة، ومن صيغ جموع الكثرة التي وردت في أقوال الإمام علي علیه السلام والتي ذکرها بعض اللغویین:
وينقاس في (أفعل) ومؤنثة (فعلاء) صفتين كحُمْر بضم فسكون، في جمعأحمر وحمراء، و خُضْر في أخضر وخضراء. يكون جمعاً ل- (أفعل) الذي لا مؤنث له أصلاً كأحمر للعظيم الحمرة، وكذا لفعلاء الذي لا أفعل له كقرناء. ويكثر في الشعر ضمّ عينه إن صحت هي ولامه ولم يضعّف بخلاف نحو بيض وعمي وغُرّ فلا یُضم؛ لأعتدال العين في الأول واللام في الثاني والتضعيف في الثالث(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذه الزنة:
1. مُرْهُ: کقوله:
«مُرهُ العیون من الکباء»(2).
فمُرْهُ جمع الأمْرَه وهو مرضُ في العين لترك الکُحْلِ فيها(3). وهو مقيس؛ لأن مفرده أمْرَه على وزن أفعل ومؤنثه مرهاء على وزن فعلاء إذ يقال: «عین مَرُها، لیس فیها الکحل»(4).
ص: 164
2. مُقّ: كقوله:
«من أراد المُفاخرة بالأولاد فعليه بالمُقِّ من النساء»(1).
فمُقّ جمع أمَقّ أي النساء الطوال إذ یقال: «رجل أمَقّ وأمرأَة مقَّاء»(2). وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع يطرد في كل أسم على وزن أفعل ومؤنثة فعلاء.
وهكذا جمع ما كان من النعوت على وزن (أفْعل) ومؤنثه (فعلاء) على (فُعْل) مضمومة الأَول ساكنة الثاني.
یَطرد هذا البناء في ما كان اسماً على (فُعْلَة) بضم فسكون سواء أكان صحيحاً أم معتلاً أم مضاعفاً، وفي الوصف على (فُعْلی) بضم فسكون أنثى أفعل نحو غرفة غُرَف، وعُدّة عُدَد، وعروة عری، وحجة حُجج وشذّ (بُهْمة) وصف للرجل الشجاع (بُهْم) كما شذّ جمع (رُؤیا) بضم الأول، و(نَوْبة، وقَرْیة) بفتح أولهما، و(لحِیة) بكسرة، و(تُخَمة) بضم ففتح للمصدرية في الأول، وانتفاء ضم الفاء في الثلاثة بعده وفتح عين الأخير(3). وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا الجمع:
1. قُحَماً: کقوله:
ص: 165
«إنّ للخُصومةِ قُحَماً»(1).
فقُحماً جمع قُحْمة وهي بمعنى «الأمور العظام الشاقة»(2). کقول ذو الرمة يصف الإبل وشدة ما تلقى من السير حتَّى تُجْهِض اوْلادَها(3):
یُطَرِّحْنَ بالأَوْلادِ أَوْ یَلْتَزمْنها *** علی قُحَم بینَ الفَلا والمَناهِل
وهذا جمع مقيس؛ لأن مفرده قُحْمة على وزن (فُعْلَة) فقد جمعت على هذاالبناء أعني (فُعَل)؛ لأن هذا البناء یُطرد في (فُعْلة) بضم الفاء أسماً ويستوي في ذلك صحيح اللام ومضاعفها(4).
2. اللّؤم: كقوله:
«تَجَلْبَبوُا السکینة واکْمِلوا اللُّؤم»(5).
اللُّؤم جمع لامْة على غير قياس فكأَنَّ واحدته لُؤْمة وتدل على الدرع(6).
وهذا الجمع غير مقيس.
ص: 166
1. ثُكن: كقوله:
«يدخل البيت المعمور كلَّ يومٍ سبعون الف ملكٍ على ثُكنهم»(1).
فثُکنَ جمع واحدتها ثُکْنة وتدل على الرَّايات والعلامات(2)، قال طرفة بن العبد(3):
وهَانِئاً هَانِئاً في الحيِّ مُومِسَةً *** ناطَتِ سِخَاباً وناطَتْ فَوْقَهُ ثُکَناً
فثُکناً هنا تدل على الرايات. وهذا الجمع مقيس؛ لأن هذا البناء يطرد في كل أسم على وزن (فُعْلة) بضم الفاء.
2. حُجَز: كقوله:
«هُمْ أشَدُّنا حُجَزاً»(4).
فحُجَز جمع حُجْزة والمراد بها: الصبر على الشِّدّة والجَهْد إذ يقال رجل شديد الحُجْزة أي صبور على الشِّدة والجَهْد(5). وهو جمع مقيس كما تقدم في الأمثلة السابقة؛ لأن مفرده على وزن (فُعْلة).
3. الضُّبَى: كقوله:
ص: 167
«نافحوا بالظُّبى»(1).
فالظُّبَى جمع ظُبة وأصل الظُّبَة ظُبَوٌ بوزن صُرَد فحذفت الواو وعوّض منها الهاء وتدل على طرف السيف وحَدَّه(2).
وهكذا فالأقوال التي ذكرناها تدل على جمع الكثرة على وزن (فُعَل).
يكثر أستعمال هذه الصيغة في جمع التكسير(3). وتقاس في (فَعْل) و(فَعْلة) أسمين كانا أو صفتين نحو: كعب وكعبَة کِعاب، و صَعْب وصَعْبة: صِعاب، ونَعْجة: نِعاج و خَدَلة: خِدال، و ثَوْب التي تبدل الواو ياء في الجمع ثِياب وندر فيما عينه أو فاؤه الياء كضیْف ضِياف(4). وتقاس أيضاً فيما كان على حرفين وليست فيه علامة التأنيث كدَم: دِماء(5). وتقاس هذه الصيغة ايضاً في (فَعَل)، و(فَعَلَة) اسمين صحيحي اللام، ما لم يضاعفا أو تعتل لامهما، وليست عينهما ولامهما، ولیست عینهما ولامهما من جنس، وذلك نحو جَمَل: جِمال، و رَقَبة رِقاب وكذلك تقاس في (فِعل) اسماً كذِئب: ذِئاب، وَقَدَح: قِداح وهي تقاس أيضاً في (فُعْل) اسماً غير واوي العين ولا يائي اللام كرَمْح: رِماح وتقاس ايضاً في (فعيل) و(فَعيلة) صحيحي اللام بمعنى فاعل، كظريف: ظِراف، وتلزم هذه الصيغة فيما عينهُ واو من هذا النوع
ص: 168
فلا يجمع غيرها كطويل وطويلة: طوال، وشاع هذا الوزن في جمع كل وصف على (فَعلان) للمذكر، و(فَعَلى) للمؤنث و(فُعلان) له و( فُعلانة) لهما كغضبان غضبى وغِضاب(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذه الصيغة:
1. سِمام: كقوله:
«غذاؤها سِمام»(2).
فسِمام جمع السَّمُّ القاتل(3). وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع يطرد في كل أسم على وزن (فَعَل) لامه صحيحة(4).
2. ذِهابُها: كقوله:
«لا قَزَعٌ ربَابُها ولا شَفَّان ذِهابُها»(5).
3. فذهاب جمع كثرة والمراد بها الأمطار اللَّیّنَة واحدتها ذِهْبة أي المَطْرة، وفي الكلام مضاف محذوف تقديرُه ولا ذات شِفان ذِهابُها(6). ومثل ذلك قول
ص: 169
الشَّاعِر(1):
تَوَضَّحْنَ في قَرْنِ الغَزَالَةِ بَعْدَمَا *** تَرَشَّفْنَ دِرَّاتِ الذَّهابِ الرّکائِكِ
فالذِّهاب هنا جمع ذِهْبة وهذا جمع غير مقيس؛ لأنه لا یُطرد في ما كان على وزن (فِعلة).
4. الشِّمال: كما جاء في حديث الإمام علي علیه السلام:
«إنَّ أبا هذا كان یَنْسج الشِّمال بيمينه»(2).
فالشِّمال جمع شَمْلة، وهو الکِساء والمئزرُ يتَّسع به(3).
وهذا جمع مقيس؛ لأنه يطرد في كل أسم على وزن (فَعْلة).
5. الوِذام: كقوله:
«لَئن وَلیتُ بَني أمیَّة لأنْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصاب الوِذَامَ التِربَة»(4).
فالوِذامَ جمع وَذَمَةٌ والمراد بها الخُزَز من الکَرِش والکَبِد السَّاقِطَة في التُّراب فالقَصَّابُ یبالغ في نَفْضِها(5).
ص: 170
وهو مقيس؛ لأن هذا الجمع يطرد في كل أسم على وزن (فَعَلة) وهكذا فالأمثلة التي ذکرناها من أقوال الإمام علي علیه السلام جاءت علی وزن (فِعال).
ویطرّد في كل أسم على (فَعِل) بفتح فكسر على أن يكون صحيح العين، ككَبِد: كبُود، ووعل: وُعُول، ونَمِر: نُمُور(1). ويطرد ايضاً في كل أسم على (فَعْل) كنَسْر: نُسُور، وصكّ: صُکُوك، وإنَّ هذا البناء لا يقيس على (فُعُول) في الأجوف الواوي(2).
وحُفظ هذا البناء في (فَعَل) خالياً من حروف العلّة ك- (أَسَدَ: أُسُوُد، وذكر: ذُکُور، وشَجَن: شُجُون(3). ورأی سيبويه إنّ بني المضاعف على (فُعُول) هو القياس(4).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا البناء:
1.خُلُوف: کقول الإمام علیه السلام حین سُئل عن القُبْلة للصائم:
«وما أَرَبُك إلی خُلُوف فیها»(5).
فخُلُوف جمع خَلف ويراد به تغير طعم الفم لتأخُّرِ الطعام(6). ومثل ذلك ما
ص: 171
روي عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلم:
«وَ لخُلُوُف فم الصائم أطیبُ عندَ اللهِ من ریحِ المِسْكِ»(1).
وهذا الجمع مقيس؛ لأن مفرده على وزن (فَعَل) أي يطرد هذا الجمع في (فَعَل) خالياً من حروف العلّة.
2. نُکُوص: كقوله:
«قَدَّمَ لِلْوثْبة یداً وأخَّر للنَّکوص رِجلاً»(2).
فنکُوُص جمع نَکَص ویراد به: «الرُّجوع إلی وراء وهو القَهْقَرَی»(3). وکقوله تعإلی:
«فَکُنْتُمْ عَلَی أَعْقَابِكُمْ يَنْكِصُونَ» [المؤمنين: 66].
أي ترجعون القَهْقَری، وتعرضون عن سماعها أشد الإعراض والرجوع والقهقری هي أقبح المشیة، لأنه لا یری ما وراءه(4).
وهذا الجمع مقيس أيضاً كما في الشاهد السابق؛ لأن مفردة نَکَص على وزن (فَعَل).
وهکذا فأقوال الإمام علي علیه السلام هنا جاءت على وزن (فُعُول) وهو من أبنية جموع الکثرة.
ص: 172
يطرد هذا البناء في (فاعِلة) أسماً أو صفة، عاقلاً أم غير عاقل، كناصية: نواصٍ، وفي أسم على وزن (فوعل) أو (فَوْعَلة) كجَوْهر جواهر، وصَوْمعة صوامِع(1).
ويطرد هذا البناء أيضاً في (فاعل) بفتح العين أو كسرها سواء أكان اسماً أم وصفاً كحائض حوائض، وخاتم خواتم، وكاهل كواهل(2). وأضاف بعض العلماء ما كان على (فاعلاء) نافقاء نوافق، وقاصعاء قواصع(3).
ومن أقول الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذه الزنة:
1. حوازب: كقوله:
«نزلت كرائه الأمور وحوازب الخطوب»(4).
فحوازب جمع حازب وهو الأمر الشديد(5) إذ يقال: أمْرٌ حازِبٌ وحَزِیبٌ شدیدٌ(6). وهو جمع مقيس؛ لأن مفرد حوازب حازب وهو أسم على وزن فاعِل بكسر العين أي يطرد هذا البناء في ما كان على وزن (فاعِل).
ص: 173
2. دواجي: كقوله:
«یُوشِكُ أنْ یَغشاکُم دواجي ظُلَلِه»(1).
فدَواجِي جمع داجية وتدل على الظُلمة(2). وهو جمع مقيس؛ لأن مفرد هذا الجمع على وزن (فاعلة) صفة.
3. هوامد: كقوله:
« أخْرَج به من هَوامِد الأرض النَّباتَ»(3).
فهوامد جمع هامدة وتدل على الأرض المستنّة أي التي لا يكون فيها حياةٌ ولا نَبْت ولا عُود(4). وهو كما تقدّم جمع مقيس؛ لانَّ مفرد هذا الجمع على وزن (فاعلة).
4. نوازغها: كقوله:
«ولم تَرْم الشُّکوكُ بنَوازِغها عَزیمةَ إیمانهم»(5).
فنوازغ جمع نازِغة، قال ابن الأثير: «النَّوازغُ: جمع نازِعة من النَّزغ: وهو
ص: 174
الطَّعْن والفساد»(1). وهو جمع مقيس ايضاً لأن مفرده على وزن فاعلة.
5. حواني: كقوله:
«هل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلا حواني الهرم»(2).
فحَواني جمع حانية وهي التي تحني ظهر الشيخ وتنكبُّه(3) وهو جمع مقيس كما تقدّم في الأمثلة السابقة؛ لأنَّ مفرده على وزن (فاعلة).
6. المَواجِن: کقوله:
«ما شَبَّهْتُ وَقْعَ السُّیوف علی الَهام إلّا بوَقْع البَیازِر علی المَواجِن»(4).
فالمَواجِنن جمع مِیجَنَة قال ابن الأثير: «جمع مِیجَنَة وهي المِدَقّة یقال وجن القَصَّارُ الثوبَ یَجِنُه وجْناً إذا دَقَّة والمیم زائدة وهي مِفْعَلة بالکسر»(5). ونحو ذلك أیضاً قول الشاعر(6):
رِقابٌ کالمُوَاجِنِ خاظِیاتٌ *** وأسْتاهٌ عَلَی الأکْوارِ کُومُ
ص: 175
فالمواجِن هنا جمع مِيجَنَة، وهذا الجمع غير مقيس؛ لأن مفرده على وزن(مِفْعَلة) وهذا لم يطرد.
7. النَّواحِب: كقوله:
«فهل دفَعَتِ الأَقارِبُ أو نَفَعَتِ النَّواحِبُ»(1).
فالنَّواحِب البواكي جمع ناحبة وهي الباكية(2). وهذا جمع مقيس؛ لأن مفردة على وزن (فاعِلة).
فهذه الأمثلة مجتمعة من جموع الكثرة وجاءت على وزن فواعل.
ويطّرد في رباعي مؤنث، ثالثه مدّة، سواء كان تأنيثه بالتاء أو بالألف مطلقاً. أو بالمعنى كسحابة سحائب، وصحيفة صحائف، وحلوبة حلائب، وعجوز عجائز وشمال شمائل، وحُباری حبائر ويشترط في ذي التاء الا تكون بمعنى مفعولة، إلا فعيلة. وشذ ذبيحة ذبائح، وجزور جزائر(3). وأشترط بعضهم فيما كان من ذوات التاء أن يكون أسماً لا صفة إلا فعيلة؛ ولهذا لا تجمع جبانة على جبائن(4). ويطرد في (فِعالة) كجِ ِ جنازة جنائز، وعمامة عمائم و(فَعالَة) كحمامة حمائم، و(فُعَالة) كذؤابة ذوائب(5).
ص: 176
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا البناء:
1. الربائث: كقوله:
«غَدَت الشیاطینُ برَایتها فیأخُذُن الناس بالرَّبائِث فیُذکِّرونهم الحاجات»(1).
فالرَّبائث جمع رَبِیثَة وهو الأمرُ یَحْبس الإنسان عن مَهامِّة(2). وهو جمع مقيس؛ لأنه يطّرد في رباعي مؤنث ثالثه مدّة.
2. مرائر: كقوله:
«إنَّ الله جعل الموت قاطعاً لمرائر أقرانها»(3).
قال ابن الأثير: «امَرائر: الجبالُ المفتولةُ علی أکثر من طاقِ واحدها: مرِیرٌ ومَرِیرةٌ»(4). وهذا جمع مقيس؛ لأنه أطرد في رباعي مؤنث ثالثه مدّة كمرير أو رباعي مؤنث ثالثة مدّة مختوم بتاء التأنیث کَمرِیرةٌ.
3. كبائس: كقوله:
«كبائس اللؤلؤ الرَّطب»(5).
ص: 177
فکَبائس جَمْع کِباسَة وهي العذق التّام بِمَشاريخه ورُطبَه(1).
وهو مقيس؛ لأن مفرده على وزن (فِعالَة).
4. نتائِق: كقوله:
«والكعبةُ أقلُّ نتائِقِ الدُّنيا قدراً»(2).
فالنَتَائِقُ جمع نتيقة على وزن فعيلة في معنى مفعولة من النّتق وهو أن تقلع الشيء فترفعه من مكانه لترمي به هذا هو الاصل(3). وهو مقيس؛ لأنه يطرد في ماكان مفرده على وزن فعيلة بمعنى مفعوله.
یری بعض العلماء أنه جمع مقيس في (أفْعولة) كأضحوكة، وفي (أفْعول) كأسبوع، و(أفعيل) كإبريق اباريق(4). ويقاس أيضاً في (أفْعَال) كانعام أناعيم وأقوال أقاويل(5).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا البناء:
1. أهَاضِیبه: كقوله:
«تَمْرِیهِ الجَنُوبُ دِرَرَ أهاضِیبِه ودُفَعَ شآبِیبه»(6).
ص: 178
فأهَاضيبه جمع الجمع أي جمع هضبٍ وهو المطر على أهضاب ثم أهاضيب، كقَوْلٍ وأقْوالٍ وأقاويل(1). وهو مقيس؛ لأن مفرده على وزن (أفعال).
2. أداحيّ: كقوله:
« لا تكونوا كقيضِ بيضٍ في أداحِيّ»(2).
فالأداحيّ جمع الأُدْحي وهو الموضع الذي تَبِیضُ فيه النَّعامة و تُفرِّخ وهي أُفْعُوُل من دَحَوتُ لأنها تَدْحُوه بِرجْلِهاها أي تَبْسُطه ثم تبيض فيه(3). وهو مقيس؛لأنَّ مفرده على وزن أُفعول.
وهكذا فهذه الأمثلة من أقوال الإمام علي علیه السلام جاءت علی وزن أفَاعِیل.
بعض العلماء أنه جمع مقيس في ما كان رابعه حرف مَدّ أولين من الثلاثي المزيد، وذلك في (فِعلال) كقِرطاط قراطيط(4). ويقاس في الرباعي المزيد بمَدّة قبل آخره وذلك في (فِعْلِیل) كقنديلَ قناديل، وفي (فَعْلُول) ككرسوع كراسيع وفي (فُعْلول) كعصفور عصافير وفي (فِعْلول) كبرذون براذين(5).
وأيضاً يقاس في الرباعي المزيد بحرفين أو أكثر حذف بعضها، وبقيت
ص: 179
بعد الحذف مدّة رابعة وذلك في (فیْعَلُول)كعيضموز عضاميز، وفي (فَنْعَليل) كمَنْجَنيق مجانيق(1).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذه الزنة:
1. شآبيبة: كقوله:
« تمرية الجنوب دررَ أهاضيبة ودفع شآبيبة»(2).
فالشآبيب جمع شَؤْبُوب وهو الدُّفعةُ من المَطر(3). وهو مقيس؛ لأن مفرده على وزن (فُعْلُول).
2. لهاميم: كقوله:
«وأنتم لهاميم العرب»(4).
فلهاميم جمع لُهْموم وهو الجواد من الناس والخيل(5). قال الجوهري(6):
لا تَحْسَبَنَّ بَیاضاً فِي مَنْقَصَةً *** إنَّ اللَّهامیمَ في أقْرابِها بَلَقُ
وهو مقيس؛ لان مفرده على وزن (فُعْلُول)
ص: 180
3. عساليجها: كقوله:
«تعليق اللؤلؤ الرطب في عساليجها»(1).
فعَسَاليج جمع عُسْلُوج وهو الغصن إذا يبس وذهبت طراوته(2). نحو حدیث طهفة «ومات عُسلوج»(3). وهكذا فقول الإمام علیه السلام في عسالیجها أي في أغصانها وهو مقيس؛ لأن مفرده على وزن (فَعْلُول).
4. عقابيل: كقوله:
«ثم قَرَن بِسَعَتها عَقابیل فاقتها»(4).
فعقابيل جمع عُقْبُول و عُقْبُولة وتدل على ما یخْرج من الحُمَّى بالشَّفَتَین في غبِّها(5)، كقول رؤبة(6): من وِرْد حُمَّی أسْأرت عقابلا وهو مقيس كالأمثلة السابقة؛ لأن مفردة على وزن (فُعْلُول).
5. عرانين: كقوله:
«وفجرنا ينابيع العيون من عرانين أنوفها»(7).
ص: 181
فعرانين جمع عِرنين وهو رأس الأنف(1). وهذا جمع مقيس؛ لأنَّ مفرده رباعي مزيد بمد قبل آخره على وزن (فِعليل).
6. حَدَابیر: كقوله:
«اللَّهُمَّ خرجنا الیك حین اعتکرت علینا حَدَابِیرُ السِّنین»(2).
فحَدَابِير جمع حِدبار وهي الناقة التي بَدَ عَظْمُ ظَهْرَها ونشزت حَراقِیفُها من الهُزال فشَبّه بها السِّنِين التي یَکْثُر فيها الجَدْب والقَحط(3).
وهذا جمع مقيس؛ لأن مفرده حدبر وهو ثلاثي مزيد قبل آخره حرف مد علی وزن (فِعلال) وهکذا أقوال الإمام علیه السلام هنا جاءت على وزن (فعاليل) وهو من أبنية جموع الکَثرة.
یری بعض العلماء أنه جمع مقيس في (مُفْعَلِل) كمقعنس مقاعس بحذف النون واحدی السینین وهذا رأي سيبويه(4). ويقاس هذا الجمع أيضاً فيما كان مزيداً من الثلاثي بحرف أو أكثر لا لغرض الحاقة بالرباعي المجرد او المزيد أو الخماسي المجرد والمزید ولیست أحدی زياداته حرف مدّ أو لين قبل
ص: 182
وهو مبدوء بالميم، وذلك في (مِفْعَل) صفة لمؤنث أو مذكر كمدعس مداعس و(مُفْتَعِل) کمُغْتَلِم مَغَالِم. و(مُفْعِل) صفة لمؤنث خالية من التاء كمشدن مشادن. ويقاس هذا الجمع أيضاً في (مُفْعَّل) كمُؤَخَّر مآخر وفي (مُنْفَعِل) كمنطلق مطالق وفي ( مُسْتَفْعِل) كمستقدم مقادم.
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا البناء:
1. مَعابِلة: كقوله:
«تَکْتْنَّفکم غَوائله وأقْصَدَتْکم مَعَابله».
مَعَابِل جمع مِعْبَلةً قال ابن الأثیر: «المعابل: نِصَالٌ عِراضٌ طِوالٌ الواحدة مِعْبلة». ومنه حدیث عاصم بن ثابت: «تَزِلُّ عن صَفحَتِي المَعابِلُ». وهو مقیس؛ لأن مفرده ثلاثي مزید علی وزن (مِفْعَل) والتاء زائدة.
2. مَنَاسر: کقوله:
«کلما أظلَّ علیکم مَنْسَر من مَناسِر أهل الشام أَغلق کلُّ رَجُل منکم بابه».
فمَناسِر جمع مِنْسَر ویراد به: «القِطعة من الجَیش تَمُرّ قدّامُ الجیش الکبیر 1) ينظر: أبنية الصرف في كتاب سيبويه: 314 2) ينظر: كتاب سيبويه: 3 / 640 3) نهج البلاغة: 367، خطبة: 230، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 378، ولسان العرب: 11 / 420 مادة (عبل)، وتاج العروس: 22 / 292 مادة (عبل) 4) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 378، ولسان العرب: 11 / 420 مادة (عبل) 5) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 378 6) نهج البلاغة: 88، خطبة: 69، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 112، ولسان العرب: 5 / 204 مادة (نسر)، وتاج العروس: 35 / 353 مادة (نسر)
ص: 183
والمیم زائدة»(1). وهو مقيس؛ لأن مفرده على وزن ( مِفْعَل).
3. المَطَافِل: كقوله:
«فأَقْبَلْتم إليّ إقبالَ العُوذ المَطافِل»(2).
فالمطافل جمع مُطفِل وهو جمع بغير إشباع وتدل على النَّاقةُ القريبَة العهد بالنّتاج معها طِفلها، أي أنَّهم جاءوا بأجْمَعُهم كِبَارِهم وصغَارِهم(3). وهومقيس؛ لأن مفرده صفة مؤنثة خالية من التاء على وزن (مُفْعِل).
4. مَهافِي: كقوله:
«إلى منابت الشِّيح ومهافي الرِّيح»(4).
فمهافي جمع مهفى «وهو موضع هُبُوبِها من البَراريّ»(5). وهومقیس؛ لأنه لا يطرد في ما كان مفرده على وزن (مَفْعَل). وهكذا فهذه الأقوال التي ذكرناها تدل على جمع الكثرة وهي على مبنى (مفاعل).
یری بعض العلماء أنه جمع مقيس في الثلاثي المزيد بحرفين أو أكثر حذفت
ص: 184
زوائده فبقي على أربعة أحرف أحدها الميم في أوله وذلك بتعويض الياء عن الأحرف المحذوفة كمُنْطَلق مَطَالِيق، ومُقَدَّم مَقَادِیم(1). ويقاس هذا الجمع أيضاً في ما جاء من الصفةِ على أكثر من أربعة أحرف وذلك في (مِفْعیلٌ) كمِهْذار مَهَاذير وفي (مِفْعیلٌ) كمِحْضیر مَحَاضیر، ومئشير مآشير وفي (مفعول) كمكسور مكاسير، وملعون ملاعين(2).
ومن أقوال الإمام علي السلام التي وردت على هذا الجمع:
1. المساييح: كقوله:
«أولئك أُمة الهدی لیسوا بالمساییح ولا المذاییح البُذُر»(3).
فالمساييح جمع مسياح وهو الذي يسيح في الأرض بالنَّميمة والشّر(4). وهذا جمع مقيس؛ لأن مفرده جاء في أكثر من أربعة أحرف على وزن (مِفْعال).
2. مخاريق: كقوله:
«البرقُ مخاریقُ الملائکة»(5).
ص: 185
فمخاریق جمع واحدها مِخراق وهو ثوب یُلَف ویَضْرب به الصبیانُ بعضهم بعضاً، والإمام علیه السلام أراد أنها آلة تزجُر بها الملائکة وتسُوقه(1)، کقول عمرو بن کلثوم(2):
کأَنَّ سُیُوفَنَا مِنّا ومِنْهُم *** مَخارِیْقٌ بأَیْدِي لاعِبِیْنَا
وهو مقیس؛ لأن مفرده علی وزن (مِفْعال).
3. المذاییع: کقوله:
«لیسوا بالمذاییع البُذُر»(3).
فالمذاييع جمع مذياع وهو من أذاع الشّيء إذا أفشاه، والمراد بهم الذين یُشِیعُون الفواحش(4). وكما ذُکرنا في الأمثلة السابقة جمع مقيس؛ لأن مفرده على وزن (مِفْعال).
ومن أقوال لإمام علي علیه السلام التي وردت علی هذا الجمع:
1. حيازيمك: كقوله:
أشدُد حیازِیمَكَ لِلمَوْتِ *** فَإنَّ المَوْتَ لاقِیکَا(1).
فالحيازيم جمع الحيزوم وهو الصدر وقيل وسطه وهذا الأمر كناية عن التشمّر للأمر والاستعداد له إذ يقال إذ حُمِّل مكروهة شدَّ الحَيازِيم(2). وهو غير مقيس؛ لأن هذا الجمع يقاس في ما كان مفرده على وزن (فيعال).
2. دياجير: كقوله:
«تغريد ذوات المنطيق في دياجير الأوكار»(3).
قال ابن الأثیر: «الدیاجیرُ جمعُ دَیْجُور وهو الظّلام والواو والیاء زائدتان»(4).
وهكذا فهذه الأوزان جاءت على وزن فياعيل وهو من جموع الكثرة.
يقاس هذا الجمع في ما كان على بناء «یَفْعُول» کیَرْبوع یرابیع ویَحْمُوم یحامیم ویَنْبوع ینابیع(5).
ص: 187
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت على هذا الجمع:
1. يآفيخ: كقوله:
«أنتم لهاميم العرب ويآفيخ الشّرف»(1).
فیآفیخ جمع یآفوخ قال اللیث: «من همز اليأفُوخ فهو على تقدير یَفْعُول ومن لم يهمز فهو على تقدير فاعول من الیَفْخ والهمز أصوب وأحسن ويراد به الموضع الذي يتحرك من وَسَط رَأسِ الطِّفل ويجمع على يآفيخ والياء زائدة»(2).
يقاس هذا الجمع في (فَعْلَل) أسماً كخَنْجَر خناجر أو صفة كقشعم قشاعم وفي (فِعْلِل) کجِنْجِن جناجِن، وفي (فِعْلَل) كضفدَع ضَفَادِع وفي (فُعْلُل) كحُبرج حبارج وفي (فِعَلّ) كقِمطر قَمَاطر(3). وهكذا فهذا الجمع يقاس في كلُّ أسم رباعي الأصول، مجرَّد كدرهم دَرَاهم أو مزيد كغضَنْفَر غضافِرَ، وكذلك الأسماءُ الخماسیّة ُ الأصول المجرَّدة كسَفَرجل سَفَارِج والمزيدة كعندليب عنادل(4).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت على هذا الجمع:
1.العَثَاعث: كقوله:
ص: 188
«ذاك زمانُ العَثاعِتِ»(1).
فالعثاعِث جمع عَثْعَثُ أي الشدائد من العَثْعَثة والإفسادِ(2). وهو جمع مقيس؛ لأنَّ مفرده على وزن (فَعْلَل).
2. شَقَاشِق: كقوله:
«إنّ كثيراً من الخطب من شقاشق الشّيطان»(3). فشقاشِق جمع شَقْشَقَة وتدل على لهاة البعير ولا تكون للعربي من الإبل، إذ سُمّي الخطباء شَقاشِقَ أي شبه المِکْثار بالبعیر الکثیر الهِدْر(4). والمعنی من کلام الإمام علیه السلام أي جعل للشیطان شَقاشِق ونسبَ الخطب الیه لما یدخل فیها من الکذب(5). وهو جمع مقیس؛ لان مفرده علی وزن (فَعْلل).
3. البیازر: کقوله:
«ما شبّهتُ وقعَ السّیوف علی إلهام إلاّ بوقع البیازر علی المیاجن»(6).
ص: 189
فالبيازر جمع كثرة واحدتها بَیْزَرَة ويراد بها العِصِيُّ الضِّخام(1). وهو مقيس؛ لأنّ مفرده على وزن (فعْلَل).
وهكذا فهذه الأقوال التي ذكرناها تدل على جمع الكثرة على صيغة (فعالل).
ص: 190
يقسم الفعل في العربية على قسمين مجرّد ومزيد فالمجزّد: ما كانت جميع حروفه أصلیّة، والمزيد ما زيد على حروفه الأصول حرف، أو حرفان، أو ثلاثة من حروف الزيادة، وحروف الزيادة في العربية، تجمعها عبارة (سألتمونيها)(1).
والغرض من الزيادة إما معنوي، یُراد منه الحصول على معنى غير موجود في المجرّد بشرط «أن یکون المعنی بعد التجرید ذا علاقة بالمعنی مع الزیادة فکلمة (آسْتَفْهَم) ذات علاقة في المعنی بکلمة (فَهِمَ)، ولذلك نحکم بزیادة الهمزة والسین والتاء»(2)، وأما لفظي، الغرض منه الإلحاق، أي إلحاق الفعل الثلاثي المزید بالفعل الرباعي(3).
والفعل المجرد ینقسم علی قسمین ثُلاثيّ ورباعي وکذلك المزید یقسم علی قسمین مزید ثُلاثي، ومزید رباعي(4).
ص: 191
وفيما يأتي أبنية الأفعال المجردة والمزيدة التي وردت فيها أقوال الإمام علیه السلام بحسب ما أستشهد به اللغويون:
يطرد هذا الوزن في المغالبة(1). وأستُثني عن هذه القاعدة الفعل المعتل، ياء العين أو لامها، مثل خاشاني فخشيته وأخشاه، وكذلك المضعّف المتعدي(2).
ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت على زنة فَعَل ومضارع یَفْعُل:
1. هَجَم: یَهْجُمُ: كقوله:
«هَجَم بهم العِلُمُ علی حقائق الأُمور فباشَروُا رَوْحَ الیقین»(3).
فالفعل (یَهْجُمُ) ثلاثي مجرّد على وزن (فَعَل) ومضارعه یَهْجُم قال ابن منظور:
هَجَم علی القوم یَهْجُم هُجُوماً أنتهی إلیهم بَغْتة وهَجَمَ علیه الخَیْل وهجم بها اللیث واستعاره الإمام علي علیه السلام للعِلم أي هجم علیهم دخلَ بغیر إذن(4).
2. صَدَقَ: یَصْدُق: کقوله:
«صَدَقَني سِنَّ بَکْرِه»(5).
ص: 192
فالفعل (صَدَق) ثلاثي مجرد على وزن (فَعَل) ومضارعه یَصْدُق، فالصِّدْق نقيض الكذب صَدَق یَصْدُق صَدْقاً وصِدقاً وهذا مَثَل يضرب للصادق في خبره والمُصَدِّقُ الذي یُصَدِّقك(1).
3. لاطَ: یَلُوط: كقوله:
«ولاطَها بالبِلَّة حتی لَزِبَت».
فالفعل (لَاطَ) ثلاثي مجرد على وزن (فَعَل) ومضارعه (یَلُوط) ويراد به اللُّصوق إذ يقال: لاطَ الشَّيءْ إذا لصق(2). وفي قول الإمام علیه السلام: «ولاطها بالبِلَّة» أي لصقت ولزمت، ولاطَهَا: أي طلاها بالطّين(3).
4. عَلَا: یَعْلُو: کقوله:
«عَلَوتَ إذ ظَلَعوا»(4).
فالفعل (عَلَا) ثلاثي مجرد على وزن (فَعَل) ومضارعه یَعْلُوا ويراد بكلام الإمام علیه السلام أي أنقطعوا وتأخروا لتقصیرهم، والقول في وصف أبي بکر(5).
ص: 193
5. حَاصَ: یَحُوص: كما جاء في حديث الإمام علیه السلام:
«أنه اشْتری قمِیصاً فقطع ما فَضَل من الکُمَّینِ عن یَدِه ثم قال للخیَّاط حُصْه»(1).
فالفعل (حاصَ) کما تقدم في الأمثله أیضاً ثلاثي مجرد ومضارعه یَحُوص ویدل علی الخیاطة إذ یقال حاصَ الثوب یَحُوصُه حوصاً وحِیاصةً، أي خاطَه(2).
6. خَلَا: یَخْلُوا: کقوله:
«وخَلاکُمْ ذَمَّ مالم تشْرُدوا»(3).
فالفعل (خَلَا) ثلاثي مجرد علی وزن فَعَل ومضارعه یَخْلُوا والمراد في قول الإمام علیه السلام أي أُعْذِرْت وسَقَط عنك الذَّمُّ إذ یقال: افْعَلْ ذلك وخَلاك ذَمَّ(4)، کقول عبد الله بن رواحة(5):
فشَأنكِ فانْعُمٌ وخَلاكِ ذَمُّ *** وَلَا أرْجِعْ إلی أهْلِي وَرَائِي
7.زَکَا: یَزْکُو: کقوله: «المالُ تنقُصهُ النَّفقة والعِلم یَزْکُو علی الإنفاق»(6).
ص: 194
فالفعل (یَزْکُو) مضارع وماضيه ثلاثي مجرد هو (زَکَا) على وزن (فَعَل) والزكاء النَّماء والرَّیْع زَکاء یَزْکُو زَکاء وزکُوّاً فاستعار الإمام علیه السلام للعلم الزَّکاء وإن لم یکن ذا جِزْم(1) أي یزداد نماء(2). وهكذا فهذه الأقوال جاءت على بناء (فَعَل) ومضارعه یَفْعُل.
یَکْثُرُ استعمال هذا الوزن في معانٍ كثيرة وهو أخَفُّ الأوزان. وهذا ما ذهب إلیهِ سیبویه إذ قال: «وليس شيءٌ في الكلام أكثرُ من فَعَلَ»(3). وقد أشار الرضيّ لخفَّتِه لم یَخْتَص بمعنى من المعاني بل أُسْتُعْمَل في جميعها، لأنَّ اللفظ إذا خَفّ کَثُرَ استعماله وأتّسَعَ التَصَرُّفُ فیه»(4).
ویأتي مضارع (فَعَل) علی ثلاث صیغ هي (یَفْعَل، ویَفْعِل، ویَفْعُل) ومن أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی زنة فَعلَ ومضارعة یَفْعِل:
1. أَرَزَ: یَأرِزُ: کقوله:
«جَعَل الجبال للأرض عماداً وأرَزَ فیها أوتاداً»(5).
ص: 195
فالفعل (أرَزَ) على وزن فَعَل ومضارعه یَأْرِزُ ویراد به التجمّع والتضّمامّ(1)، قال الرسول صلّی الله علیه و آله و سلم:
«إنَّ الإِسلام لیَأرِزُ إلی المدینة کما تأَرِزُ الحیةُّ إلی جُحرها»(2).
أي ینضم إلیها وقول الإمام: «أرَزَ فیها أوتاداً» أي أثبتها فیها فهي من أرِزتُ الشَّجرةُ تأرِزُ إذا ثبتت في الأرض(3).
1. عَمَسَ: یَعْمِسُ: کقوله:
«إلاّ وإنَّ معاوية قادَ لِمَّة من الغواة و عَمَسَ عليهم الخَبَر»(4).
فالفعل (عَمَسَ) علی وزن (فَعَلَ) ومضارعه یَعْمِس والعَمس أن تُری أنك لا تَعْرِف الأمْر وأنت به عارف(5)، وعَمَسَ علیهم الخبر أي أعماه وستره(6).
2. کَذَبَ: یَکْذِبُ: کقوله:
«کَذَبَتْك الحارِقَةُ»(7).
ص: 196
فالفعل (کَذَبَ) كما تقدم ايضاً على وزن فَعَل ومضارعه یَکْذِب والكذب ضد الصدق.
3. وَأَلَ: یَئِلُ: کقوله: «إنَّ دِرْعَه كانت صدْراً بلا ظَهر فقيل له: لو احْتَرَزت من ظهْرك فقال: إذا أمکنت من ظهْري فلا وأَلْتُ»(1).
فالفعل (وَأَل) علی وزن فَعَل ومضارعه یَئِلُ ویراد به أي إذا إلتجأ إلی موضع ونجا(2). وکقوله تعإلی:
«لّن یَحجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً» [الکهف: 58].
أي ملجأ يلجؤون اليه فيعتصمون من العذاب والموئل اسم مكان من وأَلَ یئل(3).
4. ضَرَبَ: یَضْرِب: کقوله:
«فإذا کان ذلك ضَرَب یَعْسُوبُ الدِّین بذَنَبِهِ»(4).
فالفعل (ضَرَبَ) على وزن فَعَل ومضارعه یَضْرب، الضاد والراء والباء أصلٌ واحد ثم یُستعار ویحمل علیه إذ یقال إن الإسراع إلی السَّیر ضرب ویقال ایضاً ضربت في الأرض إذا سافرت(5)، وضَرب في قول الإمام علیه السلام یراد بها
ص: 197
الإسراع، أي أسرع الذهاب في الأرض فِراراً من الفِتن(1).
5. فَلَقَ: یَفْلِق: كقوله:
«فَوَ الَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأ النَّسَمَة»(2).
فالفعل (فَلَقَ) ثلاثي مجرد على وزن (فَعَلَ) ومضارعه یًفْلِق والفَلْق الشق مصدر فَلَقه یَفْلِقهُ فَلْقاً أي شقه وکقوله تعإلی:
«فَالِقُ الإِصْبَاحِ» [الأنعام: 96](3).
أي شاقّ عمود الصبح من ظلمة الليل(4). وقد ورد ذلك في دعاء الصباح.
6. عَذَمَ: یَعْذِم:
«لَتَجِدَنَّ بني أُمَیَّةَ لَکُمْ أرْبَابَ سُوْءٍ بَعْدِي کالنَّابِ الضَّرُوس تَعْذِمُ بفیها»(5).
فعَذَم فعل ثلاثي على وزن (فَعَل) كما تقدم في الأمثلة السابقة قال ابن منظور: «عَذَمَ یَعْذِمُ عَذْماً والعَذْمُ العَضُّ والأکْلُ بجفاء»(6).
ص: 198
بفتح الفاء وكسر العين، وعين مضارعه مفتوحة وكسرها شاذ إذ جزم الصرفيون أن فعِل مضارعه دائماً یَفْعَل إلا القليل الشاذ مكسور العين(1). وهذا البناء يجاء به للدلالة على الملازمة، وذلك في الفرح والأدواء وما شابهها، نحو:
فَرِح، ووجِعَ، وحَزِنَ. وفي الشبع والإمتلاء وضدهما، نحو: شَبِع، و سَکِر، والألوان والحلية والعيوب، نحو: سَوِد، وحَوِرَ، وشَتِرَ(2).
وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت علی زنة فَعِل ومضارعه یَفْعَل:
1. تَئِق: یَئْتأَّقُ: كقوله:
«أتْأَقُ الحِیاض بمواتحة(3)»(4).
فالفعل (تَئِقَ) ثلاثي مجرد على وزن (فَعِلَ) ومضارعه یَئْتِق والتَّأَقُ شدَّة الإمتلاء قال ابن سیدة: «تَئِقَ السِّقاء یَتْأَق فهو تَئِق أمْتلأَ وأتأقه هو إتآقاً»(5)
ص: 199
ومثل ذلك قول النابغة(1):
یَنْضَحْنَ نَضْحَ المَزادِ الوُفْرِ *** أتْأَقَّها شَدُّ الرُّواةِ بماءٌ غیرُ مَشْرُوبٍ
وهكذا ف- (فَعِلَ) هنا يدل على الإمتلاء.
2. خَضِمَ: یَخْضَم: كقوله:
« فقام اليه بَنُو أمَیَّة یَخْضَمُون مَالَ الله خَضْمَ الإبل نَبْتَةَ الرَّبیع»(2).
فالفعل (خَضِمَ) ثلاثي مجرد على وزن (فَعِلَ) ومضارعه یَخْضَم والخَضْم یدل علی الأکل بأقصی الأضراس(3). والمعنی من کلام الإمام علي علیه السلام اي یأکلون الدنیا أکل الإبل نبات الربیع وهذا کنایة عن کثرة توسعهم في أکل مال المسلمین(4).
3. عَهِدَ: یَعْهَد: کقوله:
«عَهِدَ إليّ النبيُّ الأُميُّ»(5).
فالفعل (عَهِدَ) ثلاثي مجرد كما تقدم في الأمثلة السابقة على وزن (فَعِل) ومضارعه یَعْهد، والعَهْد الوصية قال تعإلى:
ص: 200
«أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یَا بَنِي آدَمَ» [یس: 60](1).
أي عهد الله لهم بأن يعبدوه ولا يعبدوا غيره(2).
4. فَشِلَ: یَفْشَل: کقوله یصف أبا بکر:
«كنت للدِّين یَعْسُوباً أولاً حين نَفَر الناسُ عنه وآخراً حين فَشِلوا»(3).
فالفعل (فَشِلَ) ثلاثي مجرد على وزن (فَعِل) ومضارعه یَفْشَل ويدل على الرجل الضعيف الجبان إذ يقال َفَشِل الرجل فَشَلاً فهو فشِل. کَسِلَ وضَعُف وتراخی وجَبُن کقوله تعإلی:
وتراخى و َ ج ُ بن كقوله تعإلى:
«وَلاَيَنَازَعُواْفَتَفْشَلُواْ» [الأنفال: 46](4).
أي لا تختلفوا فتجبنوا(5).
5. حَلِي: یَحْلَی: کقوله:
«حَلِیَت الدنيا في أعْينُهم»(6).
فالفعل حَلِي ثلاثي مجرد على وزن (فَعِل) ومضارعه یَحْلَى إذ يقال حَلِيَ الشيءُ
ص: 201
یَعْني یَحْلی إذا استَحْسَنته وحَلا بِفَمِي یَحْلو(1). وفي قول الإمام علیه السلام حَلِیَت الدنبا أي استحسنوها وفضلوها علی الآخرة(2).
فهذه الأقوال التي تقدّم ذكرها جاءت على بناء (فَعِلَ) ومضارعه (یَفْعَل)
هذه الصيغة من أبنية الفعل الثلاثي المزيد بحرف وهو التضعيف، وذكر بعض علماء اللغة أنَّ (فَعَّل) يؤاخي أفعل في التعدية(3)، وقد تنبه الرضيّ الاستراباذي لذلك فقال: «الأَولی أنْ یُقال في مقام التّعدیة وهو بمعنی: جعل الشيءُ ذا أصله لیَعُمَّ، نحو فحَّی القدر، أي جعلها ذات فحّ، وشسّع النّعل أي جعلها ذات شسع»(4). وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت عند اللغوین علی هذا الزنة:
1. َ ذمَّرَ: كقوله:
«إلا وإنَّ الشيطان قد ذَمَّرَ حزْبه»(5).
فالفعل (ذَمَّر) ثلاثي مزيد على وزن (فَعّل) ويدل على اللّوْمُ والحَضُّ معاً إذ یقال ذَمَرَه ذَمْراً لامَهُ وحضَّهُ وحَثَّهُ(6)، والمعنی من کلام الإمام علیه السلام أي
ص: 202
حضهم وشجعهم(1).
2. سَمّج: كقوله:
«عاثَ في کلِّ جارِحَةٍ منه جَدیدُ بلیً سَمَّجَها»(2).
فالفعل (سَمّج) ثلاثي مزيد على وزن (فعّل) من سَمُج أي قَبُح إذ یقال سَمُج الشيء قَبُح یَسْمُجُ سَماجَةً إذا لم یکن فیه مَلاحَةٌ(3). والمعنی من کلامه أي أوقع الفساد کل جارحة من جوارحهم(4).
3. شَذَّب: كقوله:
«شَذَّبَهم عَنَّا تَخَزُّمُ الآجال»(5).
فالفعل (شَذَّب) ثلاثي مزيد على وزن (فعَّل) من شَذَب أي قطع إذ یقال شَذَبَ الشيء: قَطَعَه و شَذَبَ النخلة إذا قَطَع عَنْها شَذَبها أي جریدها(6). فصیغة فَعَّل هنا تدل علی الکثرة.
4. صَدّق: کقوله:
«الذي جاء بالصِّدق محمد صلّی الله علیه و آله و سلم والذي صدَّق به أبو بکر»(7).
ص: 203
فالفعل (صدّق) ثلاثي مزيد على وزن (فعّل) من التصديق(1). قال تعإلى:
«وَالَّذِي جَاء بِالصِّدقَ بِهِ» [الزمر: 33].
أي الذي جاء بالصدق الرسول صلّی الله علیه و آله و سلم وصحابته الذي صدقوا به(2).
5. وَشَّج: كقوله:
«ووشَّجَ بينها وبين أزواجِها»(3).
فوَشَّج فعل ثلاثي مزید علی وزن (فَعَّل) من وَشَج قال ابن فارس: «الواو والشین والجیم کلمةٌ تدلُّ علی اشتباكٍ وتداخل يقال: وَجَت الأغصانُ اشتبكت وكل شيء اشتَبَك فهو واشج»(4). ووشّج فژ قول الإمام علي علیه السلام تدل علی الاختلاط أي خلط بینهم والّف بینهم من الأُلفة وليس التّألیف ویقال وَشَّجَ الله بینهم توشیجاً(5).
فهذه الأقول التي تقدم ذکرها جاءت علی مبنی (فَعَّل).
ذكر الصرفيون أنه يجيء من الأفعال الدالة على الألوان والعيوب بقصد
ص: 204
اظهار قوتها والمبالغة فيها وذلك نحو: أبيضّ وأسودّ واعورَّ(1).
وقد جاء للإمام علي علیه السلام بعض النصوص التي ذکرها اللغویون منها قولاً واحداً علی هذا البناء دالاً به علی اللون مفیداً المبالغة فیه وهو:
احْمَرَّ: كقوله:
«کُنّا إذا احمرّ البأسُ اتقّینا برسولِ الله صلّی الله علیه و آله و سلم فلم یکن أَحَدٌ منا اقربَ إلی العَدو منه».
فاحمرَّ علی وزن (أفْعَلَّ)، وفي قول الإمام علیه السلام: «احْمَرَّ البأس» یقال هو الموت الأحمر والموت الأسود(2)، وقيل معناه الشديد قال أبو عبيد:
«فکأنه أراد بقوله أحْمَرّ البأسُ أي صار في الشدة والهول مثل ذلك(3)».
صيغة من صيغ الفعل الثلاثي المزيد بحرفين هما الهمزة في أوله والتاء بعد فائه، نحو أجْتَمَعَ واعْتَزَلَ(4). ويكون افتعل متعدياً كما يكون لازماً قال ابن
ص: 205
عُصْفُور: وتکون افتعل متعدّیة، فالمعتدُّیةُ نحو أکْتَسَبَ، واقْتَلَعَ وغیر المعتدّیة نحو افْتَقَر، واسْتَقَی(1). وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت الأفعال فیها علی زنة افْتَعَل:
«إني لأحْتَشم أن لا أدع له یَداً»(2).
فالفعل (احْتَشَم) ثلاثي مزيد على وزن (افْتَعَل) من (حَشَم) فالحاء والشين والميم أصل مشترك وهو الغَضَب أو قريب منه أي الانقباض والاستحياء(3)، وقوله «إني لأحْتَشم» أي استحي وانقبض(4).
2. ارْتَبَكَ: کقوله:«تَحَیَّرَ في الظُمات وإرْتَبَكَ في اَلْهَلَکاتِ»(5).
1. (فإرْتَبَك) فعل ثلاثي مزيد على وزن (افْتَعَلَ) من (رَبَك) أي خَلَط إذ يقال أرْبَکه رَبْکاً خلطته فارْتَبَكَ أي أختلط وإرْتَبَك الرجلُ في الأمر أي نشِب(6).
ص: 206
وقول الإمام ارتبك في الهلكات أي إذا وقع فيه ونشب ولم يتخلّص(1).
2. ارْتَطَمَ: كقوله:
« من اتّجر قبل أن یَتَفَقَّه ارتَطَم في الرِّبا ثم أرْتَطَم ثم ارْتَطَم»(2).
فالفعل (ارْتَطَم) ثلاثي مزيد على وزن (افْتَعَل) من رَطَمَ إذ یقال رَطَمه یَرْطُمُه رَطماً فأرْتَطَم أي أوحله في أمر لا یَخْرج منه وارْتَطَم في الطین وقع فيه فتخبط وارْتطم عليه الأمر إذا لم یَقْدِر في الخروج منه(3). والمعنى في قول الإمام علیه السلام أي وقع به وتخبط فيه(4):
3. اضْطَلَع: کقوله في صفة النبي صلّی الله علیه و آله و سلم:
«حُمِّلَ فَاضْطَّلَعَ بأمْرِكَ لطَاعَتِك»(5).
فأضْطَّلع ثلاثي مزيد على وزن (افْتَعَل) من الضَّلاعةِ وهي القوة إذ يقال (اضْطَلَعَ) بحمله أي قوي علیه ونَهَضَ به(6).
4. انْتَجَی: کقوله: حینَ دعاهُ رسولُ الله صلّی الله علیه و آله و سلم یوم الطائف فانْتَجاه فقال الناس
ص: 207
لقد طال نجواه فقال:
«ما انْتَجَیْتُه ولكن اللهَ انْتَجاه»(1).
فالفعل (آنْتجى) ثلاثي مزيد على وزن (افْتَعَل) من (نَجَا) والنَّجاءُ الخلاص من الشيء، وفي قوله «ولکنَّ اللهَ انتجاهُ» أي أمَرَني أَن أُناجیَهُ(2).
المزید بحرفین:
ذُكر الصرفيون أن هذا الوزن يستَعمل لبيان المطاوعة من الفعل الثلاثي العلاجي(3)، وذلك نحو كسرته فانْکَسَر، ومحوته فانْمَحَى، وحسرته فانْحَسَر، وهذا البناء لا يكون إلا لازماً ولكنه مشتق من الثلاثي المتعدي، لذلك شذذ الصرفیون مجیثه من الثلاثي اللازم نحو هوی یهوی فهو مهوٍ.
وقد يستعمل (انْفَعَلَ) من دون قصد المطاوعة وإنما هو شبيه ب- (فَعَلَ) وذلك نحو أنْطَلَق، وانْکَمَش، وانْجَرَد، وانْبَلَج الصبح أي أضاء وإنْجَبَر الکسر أي جَبَر(4).
وقد ورد للإمام علي علیه السلام قولاً واحداً علی هذا البناء:
انْدَمَج: کقوله:
ص: 208
«بل انْدَمَجْتُ علی مکنونِ عِلم لو بُحْتَ به لأضْطَرَبْتُم اضْطِرابَ الأَرْشِیةِ في الطَّويِّ البَعیدَة»(1).
فالفعل انْدَمَجَ ثلاثي مزيد بحرفين على وزن (انْفَعَل) من (دَمَجَ) قال الجوهري: «دَمَجَ الشيءُ دُموجاً، إذا دخل في الشيء واستحکم فیه، وکذلك انْدَمَجَ وادَّمَجَ بتشدید الدال»(2).
وفي قول الإمام علیه السلام بل انْدَمَجَتُ أي اجْتَمعتْ علیه وانطویتُ وانْدَرجتُ(3).
وهذه الصيغة من أبنية الفعل الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف وهي الهمزة والسين والتاء. واسْتَفْعَلَ يأتي على ضربين متعدٍ وغير متعدٍ ، ومثال المتعدّي قولهم استخفَّهُ واستقبحَهُ ومثال اللّازم نحو قولهم استقدم واستأخر(4).
وتُؤخذ صيغة (اسْتَفْعَلَ) من فعل ثلاثيّ متعدٍ، وقد تؤخذ من فعل ثلاثي لازم، فمثال الأول قولهم اسْتَعْصَم واسْتَعْلَم من (عصَم وعلِم) وكلاهما فعل متعدٍ، ومثال الثاني اسْتَحْسَنَ واسْتَقْبَحَ، وهما مأخوذان من الفعل اللازم (حسُن وقبُح)(5).
وفيما يأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت علی هذه الصیغة:
1. اسْتلان: كقوله بذكر العلماء والأتقياء:
ص: 209
«فباشَرُوا رُوحَ الیقین واسْتلانُوا ما استَخْشنَ المُترفُون»(1).
فالفعل (استلان) على وزن اسْتَفْعل وقد اشتق من الفعل الثلاثي (لين) اللام والياء والنون كلمة واحدة، وهي اللِّین: ضدُّ الخشونة ویقال هو في لَیَانٍ من عَیش أي في نعمة»(2). وهكذا فاللّيان هنا نعمَةُ العیش(3).
2. اسْتَبَدّ: كقوله:
«کنا نَرَی أَن لنا في هذا الأَمر حقاً فاسْتَبْدَدتم علینا»(4).
فالفعل (استبدّ) على وزن اسْتَفْعَل وقد أشتق من الفعل الثلاثي بدَد ويدل علی تفریق قال ابن منظور: «التّبدید التفریق یقال شَملٌ (مُبَدَّد) و (بدَّد الشيء) فتَبَدَّد فرّقه فتقرّق... واسْتَبَدَّ فلانٌ بکذا، أي أنفرد به»(5)، واستبدَّ في قول الإمام علي علیه السلام تدل علی الانفراد إذ یقال استبد بالأمر إذا انفرد به من دون غیره(6).
اسْتَسْفَر: کقوله:
ص: 210
«إنّ النَّاس اسْتَسْفَرُونِي بيني وبينك»(1).
فالفعل (اسْتَسْفَر) على وزن استفعل وقد اشتق من الفعل الثلاثي (سَفَرَ) قال ابن فارس: «السّين والفاء والراء أصلٌ واحدٌ ويدلُّ على الانكشاف والجلاء من ذلك السَّفَر سمّي بذلك لأنَّ الناس ينكشفون عن اماكنهم وأما قولهم سَفَرَ بَیْن القوم سِفارة إذا اصلح»(2). وآسْتَسْفَرَ في قول الإمام علیه السلام تدل علی السَّفِیرُ أي جَعَلُوني سَفِیراً بینك وبينهم وهو الرَّسُول المُصْلح بين القوم إذ يقال سَفرَتُ بين القوم أسْفِرُ سِفَارة إذ سَعَيت بينهم في الإصْلاح، فصيغة اسْتَفْعَل هنا بمعنى جعل(3).
1. اسْتَشْرَف: كقوله:
«أُمرنا في الأضاحي أن نستشرف العین والأذن»(4).
فالفعل (اسْتَشْرَف) على وزن اسْتَفْعَل، وقد اشتق من الفعل الثلاثي (شرف) فالشين والراء والفاء أصلٌ يدلُّ على علوٍّ وإرتفاع... ويقال اسْتَشرَفتُ الشيء إذا رفعت بصرك تنظر اليه(5). وصيغة اسْتَفْعَل في قول الإمام علیه السلام جاءت بمعنی
ص: 211
الطلب أي أمر النظر إلى الأضاحي ونتأمل سلامتها من آفة تكون بها، وآفة العين عورُها، وآفة الأذن قطعُها فإذا سَلِمت الأُضْحِية من العَوَر في العين والجَدْع في الأذن جاز أن یُضَحَّی بها(1).
فهذه أقوال الإمام علیه السلام التي جاءت على صيغة الفعل الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف (اسْتَفْعَل).
فاعلُه من الأفعال «البناء للمجهول» إن الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ظاهرة لغوية ذات خصوصية في مصطلحاتها، وانتشارها، وتطورها، وانحسارها، ووجود هذه الظاهرة لا يقتصر على العربية فحسب، بل إنها ظاهرة سامية، وإن كانت اللغات السامية تتباين فيما بينها فيها، ولاسيما في الاحتفاظ بها وفي الإفادة منها(2).
والمراد بالفعل المبني للمجهول: «هو ما استغنی عن فاعله، فأقیم المفعول مقامه، وأسند إلیه معدولاً عن صیغة (فَعَلَ) إلی (فُعلَ) ویسمّی ما لم یسمَّ فاعله»(3).
وقد عَبَّر عنه ابن مالك إذ قال(4):
یَنُوب مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعلِ *** فِیما لَهُ کنیلَ خیر نائلِ
ص: 212
وتعددت المصطلحات الدالة على هذه الظاهرة إذ أطلق عليه «بالمبني للمفعول»(1) و«المبني للمجهول»(2) وهذا المصطلح هو الأكثرُ تداولاً عند اللغويين المحدثين إذ يتّصف باتساع الدلالة.
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي وردت الأفعال فيها مبنية للمجهول وبحسب ما استشهد به اللغويون:
1. شُنَّت: كقوله:
«اتَّخَذْتُموه وَرَاءَکم ظِهْرِیّاً حتی شُنَّتْ علیکم الغاراتُ»(3).
فالفعل (شُنَّ) بني للمجهول من الفعل الثلاثي المضعف (شَنَّ) إذ يجوز فيه ضم الفاء وهذا كما ورد في قول الإمام علیه السلام وقد یجوز فیه ایضاً کسر الفاء والإشام والمراد بشَنَّ عليهم الغارةَ یَشُنُّها وأشنَّ أي صَبَّها و بَثَّها و َ فرَّقها من كل وجه(4).
2. طُعِن: كقوله:
«والله لَودَّ معاويةُ أَنه ما بقي من بني هاشم نافِخُ ضَرَمةٍ إلّا طُعِن في نَیْطِه»(5).
ص: 213
فالفعل طُعِن بني للمجهول من الفعل الماضي (طَعنَ) أي بضم أوله وكسر ما قبل آخره، قال ابن منظور: «ویُروی طُعِنَ علی ما لم یُسَمَّ فاعِلهُ، ومن ابْتَدَأ بشيءٍ أو دَخَلَه فَقَد طَعَن به، وطَعَن في نیطه: أي في جنازته»(1).
3. دُيِّث: كقوله:
«فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه أَلْبَسَهُ الله الذل... ودُیِّث بالصغار»(2).
فالفعل دُيِّث بني للمجهول من الفعل الثلاثي المزيد دَیَث أي بضم أوله وكسر ما قبل آخره وأصل الدّيث التّليين، وهو الإذلال أي ذُلِّل بالصَّغار(3)، إذ يقال: ديثه ذلله، وطريق مديث أي مذلل(4).
4. یُذَفَّف: كما ورد في قوله:
«أنه أمر يوم الجَمَل فَنُودِي أن لا یُتْبَعَ مُدْبِرٌ ولا يُقْتَل أَسیرٌ ولا یُذفَّف على جَرِیح»(5).
فیُذَفَّف بُني للمجهول من الفعل المضارع، أي بضم حرف المضارعة وفتح ما قبل الآخر وأصل التذفيف الاجهاز على الجريح وقتله وتحريره(6).
ص: 214
5. حيصت: كقوله:
«الثیاب المُتَدَاعِیَةُ کُلِّمَا حیصت من جانبٍ تَهَتکت من آخر»(1).
فالفعل حيص بني للمجهول من الفعل الماضي الثلاثي الأجوف حاص أي كسر أوله مع قلب الألف ياء ففي بناء هذا الفعل ثلاث لغات(2).
والمراد بحيصت أي خيطت فالثياب المتداعية الخلق كأن بعضها يدعو بعضاً ويناديه بالانخراق إذا مس باليد وهذه استعارة حسنة أي كلما خيطت من جانب تخرقت من آخر(3).
6. سيم: كقوله:
«من ترك الجهاد أَلْبَسَه الله الذِّلَّة وسِیم الخَسْفَ»(4).
فالفعل سيم بني للمجهول من الفعل (سوم) معتل العين ففي فائه ثلاث لغات وهي (سِيم) بكسرها، و(سُوم) بضمها،والإشمام(5). وأصل سیم من السمة وهي العلامة(6)، ومعنی قول الإمام علي علیه السلام «سیم الخسف»
ص: 215
أي كلف الذل(1).
7. قُوِّلته: كقوله: عندما سمع أمراه تندُب عمر:
«أما والله ما قالته ولكن قُوِّلتْه»(2).
فالفعل قُوِّل بني للمجهول من الفعل الأجوف (قال) أي بضم الفاء وقلب الألف واواً لإنضمام ما قبلها والمراد به لُقَّنَتْه و عُلِّمَتْه و ُ أُلقِيَ على لسانها يعني ما جانب الإلهام أي حقيق بما قالته فيه(3). وهكذا فهذه الأقوال التي وردت في الفعل المبني للمجهول.
ص: 216
تُعَد ظاهرة التصغير من الظواهر الصرفية التي اختصت بها الأسماء من دون الأفعال، إذ ترمي في مجملها إلى الإيجاز والإختصار. قال الرضي الاستراباذي:
«اعلم أنهم قصدوا بالتصغير النسبة إلى الاختصار كما في التثنية والجمع وغير ذلك، إذ قولهم رُجَیل أخف من رجل صغیر»(1).
والتصغیرُ شيٌ اجتزیٴَ بهِ عن وصف الاسم بالصغرِ وبُني أَولهُ على الضمِّ، وجُعلَ ثالثُهُ ياءً ساكنةً قبلها فَتحة(2)، أي هو تغيير يطرأ على بُنية الاسم وهيئته، فيجعله على وزن (فُعَیْل) أو (فُعَیْعِل) أو (فُعَیْعِیل) بالطريقة الخاصة المؤدية إلى هذا التغيير، أي بتحويل الاسم إلى صيغ التصغير المعروفة(3). قال سيبويه: «أعلم أنَّ التصغیر إِنَّما هو في الکلام علی ثلاثة أمثلة (فُعیلٍ)، و(فُعیعلٍ)، و(فُعَیعِیل»)(4).
ص: 217
وهكذا فالأوزان الثلاثة تسمى «صیغ التصغیر» لأنها مختصة به. والتصغیر یرد ذکره أحیاناً في مصنّفات القدماء بأسم (التحقیر) وقد تکرر هذا في کتاب سیبویه(1).
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي ذکرها اللغویون تمثل التصغیر:
1. ذُهيبة: كقوله:
«فَبَعث من الیمنِ بذُهَیْبة»(2).
فذُهَيبة تصغير ذهب أي تصغير ما كان على ثلاثة أحرف على وزن فُعَیْل قال ابن الأثیر: «هي تصغیر ذَهَب وأدخل الهاء فيها، لأنَّ الذَّهَب یُؤَنَّث والمُؤنث الثُّلاثِي إذا صُغِّر الحق في تصغیرهُ الهاءُ نحو قُوَیَسَة وشُمَیسَة. وقیل هو تصغیرُ ذَهَبة علی نیَّة القطعة فصغَّرها علی لفظها والجمع الاذهاب والذّهوب»(3).
2. قُوَیْریرة : كقوله:
« ما أصبتُ منذُ وليتُ ُ ت عملي إلّا هذه القُوَیْریرة أهداها الي الدِّهقانُ»(4).
فقُوَیْریرة تصغير قارورة أي تصغير ما كان على خمسة أحرف يكون على وزن (فُعَیْعيل).
ص: 218
3. الصُّليعاء: كقوله:
«أنَّ أعرابیاً سأل النبي صلّی الله علیه و آله و سلم عن الصُّليعاء والقُرَیعاء»(1).
فالصُّلَيعاء تصغير صَلْعاء وهي اسم على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث یکون تصغیره علی وزن فُعیلاء قال سیبویه: «ما کان علی ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنیث لا تکسر الحرف الذي بعد یاء التصغیر، ولا یغیر الألفان عن حالهما قبل التصغیر لأنهما بمنزلة الهاء نحو حُمیرَاء في حمراء»(2).
4. القُریعاء: کقوله:
«أنَّ أعرابیاً سأل النبي صلّی الله علیه و آله و سلم عن الصُّلیعاء والقُرَیْعاءِ»(3).
فالقُرَیْعاءِ تصغير قرعاء على وزن فُعَیْلاء وهي كما تقدم في المثال السابق اسم على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث.
5. حُميراء: كقوله:
«إیّاك أن تکونیها یاحُمیراءُ»(4).
فحُمَیراء تصغیر حمراء علی وزن فُعَیْلاء قال ابن منظور: «إنَّ العرب تقول
ص: 219
أمرأة حمراء أي بيضاء وفي هذا الحديث يعني عائشة كان يقول لها أحياناً تصغير الحمراء یرید البیضاء»(1).
من الأساليب اللغوية المستعملة في اللغة العربية وقد عرَّفه الرضي الاستراباذي علی أنَّه «الاسم الملحق بآخره ياء مشددّة مكسور ما قبلها للدلالة على نسبته للمجرد عنها»(2).
وسمّی سیبویه النسب إضافة قال:
«أعلم أنَّك إذا أضفت رجلاً إلى رجل فجعلته من آل ذلك الرجل ألحقت ياءي الإضافة، فإن أضفته إلى بلد فجعلته من أهله ألحقت ياءي الإضافة وكذلك إن أضفت سائر الأسماء إلى البلاد أو إلى حيِّ أو قبیلة»(3). وعملية النسب تتكون من شيئين اثنين: «من اسم مجرد من الياء المشددة مثل عرب وعراق، ونحوهما ويسمى (المنسوب إليه) أو (المضاف إلیه) ومن اسم متصل بیاءین ویسمی المنسوب أو (المضاف»)(4).
ويترتب على ذلك ثلاثة تغييرات تطرأ على بنية الكلمة: تغيير لفظيّ، وتغيير معنويّ، وتغيير نحوي وهو ما أوضحته كتب النحو، والصرف(5).
وفیما یأتي أقوال الإمام علي علیه السلام التي جاءت منسوبة عند اللغويين:
ص: 220
1. قرويُّ: كقوله:
«أنه أُتِي بِضبٍّ فلم يأکُلُه وقال أنه قَرَويُّ»(1).
فقَرَوي منسوب إلى قرية قال ابن الأثير: «اقَرَويُّ منسوب إلی القَرْیة علی غیر قیاس وهو مذهب یونس والقياس قَرْئيُّ»(2). أي نسب هنا إلی أسم مختوم بتاء التأنیث فحذفت التاء والمعنی من کلام الإمام علیه السلام إنما یأکُله أَهل القُری والبَوادي والضِّباع دون أَهل المدن(3).
2. دارِيٍّ: کقوله:
«کأنّه قِلَعُ داريٍّ عَنَجَة نُوتیَّة»(4).
فداريِّ منسوب إلى دَارين، والداريّ بتشديد الياء العطَّار قالوا لأنه نسب إلى دَارِین وهو موضع في البحر يؤتى منه بالطيب وهو أيضاً شراع منسوب إلى هذا الموضع البحري(5).
3. دَوِيّ: كقوله:
«إلی مَرْعیً وبي مَشْرَبٍ دَوِيٍّ»(6).
ص: 221
فدَويّ هنا منسوب إلی دَوٍ من دَوِيَ، بالکسر یَدْوَي، ویراد به أي فیه داء(1).
4. اندروردیّة: كقوله:
«أنّه أقبل وعلیه أنْدَرْوَرْدِیّةٌ»(2).
فأندروردیّة منسوب إلى اندرورد، أي نسب إلى صانع أو مكان وقيل هو فوق التَّبّان ودون السّراویل تغطّي الركبة، وكذلك الأندر(3)، قرية بالشام مُشتَهِرة بالکُروم(4).
5. قرملیّاً: كقوله:
«أنّ قرملیاً تردّي في بئر»(5).
فقرملیّا منسوب إلی قِرمل والقِرمِلْي من لإبل الصغیر الجسم الکثیر الوبر ویقال له: قِرمل وکأن القِرمْليّ منسوب الیه(6).
6. ربّانيّ: كقوله:
ص: 222
«الناسُ ثلاثة: عالِم ربّاني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق»(1).
قال ابن الأثیر: «الربّانّي منسوب إلى الرّب، بزيادة الألف والنّون للمبالغة، وقیل هو من الرب بمعنى التربية، كانوا يربون المُتَعَلِّمین بِصغار العُلوم قبل کبارها، والرَّبَّانيُّ العالم الراسخ في العِلم والدين أَو الذي یَطْلُب بعلْمِه وجه اللهِ وقيل العالِم العامِل المُعلِّم»(2).
ص: 223
ص: 224
ص: 225
ص: 226
إن تعدد معاني اللفظ في السياق ظاهرة لغوية نجدها في كثير من اللغات وقد عرف علماء اللغة المشترك اللفظي:
يعني المخالطة والمقارنة ومنه قوله تعإلى:
«وَأَشْرِکْهُ فِي أَمْرِي» [طه: 32].
ويقال: اشتَركنا بمعنى تشارَكنا، وقد أشْترك الرجلان وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر ومنه فريضة مَشتَركة: يستوي فيها المقتسمون وطريق مشترك: يستوي فيه الناس، واسم مُشتَرك: تشترك فيه معانِ كثيرة(1).
وقال ابن فارس (ت 395 ه-») الشین والراء والکاف أصلان: احدهما:
ص: 227
يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر: يدل على امتداد واستقامة، فالأول الشركة: وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به احدهما، ويقال: شاركت فلاناً في الشيء، إذا صرت شريكه وأشركت فلاناً إذا جعلته شريكاً لك»(1).
إن المشترك اللفظي في الاصطلاح: «هو أن تکون اللفظة محتمله لمعنیین أو أکثر»(2). وأن اللفظ المتصف بهذه الصفة يسمى المشترك وإذا كانت المعاني المدلول عليها متضادة فاللفظ عندهم من الأضداد(3).
ومن أشهر علماء اللغة المحدثين الذين تناولوا ظاهرة الاشتراك اللفظي الدکتور علي عبد الواحد وافي إذ قال: «وذلك بأن یکون للکلمة الواحدة عدة معانِ تطلق كل منها على طريقة الحقيقة والمجاز ومن ذلك لفظ الخال الذي يطلق على أخ الأم وعلى الشامة في الوجه وعلى السحاب وعلى البعير الضخم»(4).
وقد تناول العلماء الباحثون هذه الظاهرة في القرآن الكريم تحت اسم (الوجوه والنظائر) والوجوه في اللغة: جمع وجه ووجه كل شيء مستقبله ووجه الكلام السبيل الذي نقصد به(5). وفي الاصطلاح قال الزركشي: «الوجوه اللفظ
ص: 228
المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ الامة»(1).
أمّا النظائر في اللغة: جمع نظير والنظير المثل وقيل المثل في كل شيء وفلان نظيرك، أي مثلك، ونظير الشيء مثله(2). وفي الاصطلاح النظائر الألفاظ المتواطئة(3).
اهتم علماء اللغة بهذه الظاهرة فوجهوا إليها عنايتهم واهتمامهم وقد اختلفت آراؤهم في ذلك وتباينت وانقسموا على فريقين:
لقد أدرك العلماء الأوائل وجود هذه الظاهرة في العربية، وأشهر من أدرك هذه المسألة الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه-)(4) وسيبويه(ت 180 ه-)، إذ جاء في الكتاب: «أعلم أن من کلامهم اختلاف اللفظین لإختلاف المعنیین، واختلاف اللفظین والمعنی واحد، واتفاق اللفظین واختلاف المعنیین»(5).
وأثبت ابن جني (ت 392 ه-) الاشتراك في الأسماء والأفعال وأثبته في الحروف ایضاً فقال: عن (مِن،ولا،وإنّ) «أنّها حروف وقعت مشترکة کما وقعت الأسماء مشترکة... ووقعت الأفعال مشترکة»(6).
ص: 229
وهناك من العلماء من أوجب وقوعه، وتمسك بأن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية فإذا وزعت الألفاظ على المعاني لزم الاشتراك. كما ذهب بعضهم إلى أن الأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء، والمضارع مشترك بين الحال والاستقبال والأسماء كثير فيها الاشتراك فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك اغلب(1). وهذا الرأي من الصواب لأن اللغة العربية قائمة على ثمانية وعشرين حرفاً من حروف الهجاء، والألفاظ تكون بهذه الحروف فالألفاظ إذاً محدودة في حين أن الأسماء والأفعال لا حصر لها فكان لا بد من اشتراك أكثر من فعل وأكثر من اسم في لفظ واحد(2).
وعلى رأس هذا الفريق ابن درستويه (ت 347 ه-) فقد أنكر وجود المشترك اللفظي، لأنه «لو جاز وضع لفظه واحد للدلالة علی معیین مختلفین، لما کان ذلك إبانة بل تعمیة وتغظیة»(3). وينكر أن يكون للفظ (وجد) من المعاني المختلفة ما رواه اللغويون فيه مثل قولهم (وجد) فإذا أصرفت قيل في ضد العدم وجوداً وفي المال وجداً وفي الغضب موجدة وفي الضالة وجداناً وفي الحزن وجداً(4).
وبهذا أنكر ابن درستويه وجود هذه الظاهرة في اللغة العربية وعلى الرغم من ذلك فالاشتراك ظاهرة لغوية موجودة في معظم اللغات فلا يمكن أنكار وجودها في اللغة.
ص: 230
يمكن إرجاع ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية إلى جملة من الأسباب ومن أشهر هذه الأسباب:
بعض أمثلة المشترك جاءها الاشتراك من اختلاف القبائل العربية ثم جاء جامعوا المعجمات فضموا هذه المعاني بعضها إلى بعض دون أن يعنوا بتأصيل الألفاظ مثل كلمة (السِّيد) تعني الذئب وتطلق عند هذيل على الأسد(1).
فقد تنال الأصوات الأصلية للفظ ما بعض التغير أو الحذف أو الزيادة وفقاً لقوانين التطور الصوتي فيصبح هذا اللفظ متحداً مع لفظ آخر يختلف عنه في مدلوله مثل: الفروة التي تعني الرأس والغنى وأصل الكلمة بالمعنى الثاني وهو الثروة وأبدلت الثاء فاء(2).
لعلاقة ما ثم الإكثار من استعمالها حتى يصبح إطلاق اللفظ مجازاً في قوّة استخدامه حقيقةً ومن ذلك لفظ (العين) مثلاً فأنه يطلق على العين الباصرة، وعلى العين الجارية وعلى أفضل الأشياء وأحسنها، وعلى النقد من الذهب والفضة(3).
ص: 231
وقد تستمد اللغة ألفاظاً من لغات أجنبية عنها أو قد تستعير كلمات تمثل فيها، فمثلاً البرج بمعنى الحصن قد استعارته اللغة العریبة من اللغة الیونانیة(1).
هناك ألفاظ جاءها الاشتراك من عوارض تصريفية وذلك كأن تؤدي القواعد الصرفية إلى أن تتفق لفظتان متقاربتان في صفة واحدة فينشأ عن ذلك تعدد في معنى هذه الصيغة، مثل لفظة الغروب فإنهُ يجيء مصدراً لغربت الشمس، وجمعاً للغرب وهو الدلو العظيمة(2).
ويحدث هذا عن قصد المتكلم التعمية والإبهام على السامع حيث يكون التصريح سبباً للمفسدة(3).
إذاً كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى وجود ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة. وهكذا فالمشترك واقع ملموس وحقيقة لا خيال وكثير لا قليل(4). «وإن في اشتمال العربية على قدر لا يستهان به من الألفاظ التي تنوع استعمالها بتنوع السياق دليلاً على سعتها في التعبير عن طريق الاشتراك»(5). ومن أهم ثمار قضیة
ص: 232
الاشتراك اللفظي في علوم اللغة والمعاجم هو ما استشهد به اللغويون من أقوال الإمام علي علیه السلام التي هذه الظاهرة ومن أشهر هذه الأقوال:
1. قال الأمام علي علیه السلام:
«لتُبَلْبَلُنَّ بَلبَلةً»(1).
إن لفظة بَلْبَلة جامعة لأكثر من معنى فالبَلْبَلةُ تعني بَلْبَلةُ الأَلْسُن المختلفة، إذ يقال إنَّ الله عزّ وجلّ لما أراد أن یُخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحاً فحشرتهم من كلِّ أُفق إلى بابل فبلبل اللهَ بها ألسنتهم، ثم فرَّقتهم تلك الرِّيح في البلاد(2).
وتدل البَلْبَلة أيضاً على «الحرکة والضطراب، تَبلْبَل القوم بَلبَلَة وبَلْبالاً وبِلْبالاً»(3).
وقد توسعت دلالة هذه اللفظة فتعني: الاختلاط، وتفرّق الآراء، وشدة الهم والحزن والوسواس(4).
فيكون معنى قول الأمام علي علیه السلام «لتبلبلن بلبلة» سیختلط بعضکم ببعض، بحيث تزول عزّة ذوي العزّة، وجلالة الاجلاّء، فيختلط العالم بالجاهل، والمؤمن بالفاسق، والشريف بالدنيء(5). ويحتمل أن يكون المعنى سيصيبكم همٌ وحزن شديدان، مما يؤثر عنهما وسوسة في صدوركم، تكون سبباً في تفريق آرائكم وتشتتكم(6). هذه المعاني، تجعل هذه المفردة مما اتفق لفظة، واختلف معناه أو ما
ص: 233
نسميه بالمشترك اللفظي.
2. في حديث الإمام علي علیه السلام:
«تَشَذَّرَ لي فیه بشتْمٍ وإیعاد»(1).
إنّ لفظة تَشَذَّر جامعة لأكثر من معنى إذ تدّل على التوعد والتّهَدّد(2).
كقول لُبيد(3):
غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالدُّحُولِ کأنَّهَا *** جِنُّ الَبَدِيِّ رَوَاسِیاً أَقْدَامُهَا
وهذا المعنى هو الذي أراده الإمام علي علیه السلام في قوله. وقد تدل هذه اللفظة علی النشاط إذ ذکر الأزهري قول اللیث: «التَّشَذُّرُ من النشاط والتسرُع إلى الأمر فيقال للقوم في الحرب إذا تصاولوا: تَشذُّروا»(4). وقد توسعت دلالة هذه اللفظة إذ تدل أیضاً علی التَّشذًّرُ بالثوب وهذا ما ذهب الیه ابن سیده(5). وابن فارس(6). وتدل هذه اللفظة أيضاً على التهيؤ للقتال إذ يقال إذ یقال: «تَشَذَّرَ فلانٌ إذا تهیأ للقتال وتشّذَر فَرَسهُ إذا رکبهُ»(7). وهکذا فلفظة تَشَذّرَ لها أکثر من دلالة
ص: 234
وهذا من المشترك اللفظي.
3. قال الإِمام علي علیه السلام في دعائه علی الخوارج:
«أَصَابَکم حاصِبٌ ولا بقيَ منکم آبر»(1).
إنّ لفظة حاصِبٌ تدل على معانٍ کُثر إذ يقال للرِّيح التي تحمل التراب والحصى حاصبٌ(2). ويقال أيضاً للسَّحاب الذي یَرْمِي بالبَرد والثَّلج حاصِبٌ،لأنّه یَرْمِي بهما رَمْیاً(3). كقول الأعشى(4):
لنَا حاصِبٌ مثْلٌ رِجْلِ الدَّبَی *** وجَأواءُ تُبْرِقُ عَنْها الهَیُوبا
وتدل هذه اللفظة أيضاً على العدد الكثير من الرّجَّالة وهذا معنى قول الأعشى «لنا حاصِبٌ مِثلُ رِجْلِ الدَّبی»(5). وإن قول الإمام علي علیه السلام «أصابکم حاصِبٌ» جملة إنشائية أي دعا على الخوارج بالهلاك والمعنى من كلامه أي رميتم بالحصباء من السماء(6). هذه المعاني تجعل هذه المفردة مما أتفق لفظه واختلف معناه وهو ما نسميه بالمشترك اللفظي.
ص: 235
في قومه: 4 قال الإمام علي 4- قال الإمام علي علیه السلام في قومه:
«لبئس حُشَّاشُ نار الحرب أنتم»(1).
إنّ لفظة الحُشَّاشُ جامعة لأكثر من معنى إذ تدل على الآلة التي يقطع بها الحشيش وقاطعه وجامعه إذ يقال: رجل حَشَّاش أي يجمع الحشيش(2).
والحُشَّاش في قول الإمام علیه السلام جمع حَاشٌ، من «حشَّ النارَ» إذ أوقدها والمراد «لبئس الموقدون لنار الحرب أنتم»(3). فالحُشَّاشُ هنا هو ما تحش به النار(4). أي الوقود التي توقد النار وتدل هذه اللفظة أيضاً على بقيَّة الرُّوح في المَريض(5). وقد توسّع معنى هذه اللفظة أيضاً إذ تدل على مدمن تدخين الحشيش(6). هذه المعاني تجعل هذه المفردة مما اتفق لفظه، واختلف معناه أو ما نسميه بالمشترك اللفظي.
5. قال الإمام علي علیه السلام(7):
أشدُدْ حَیازیمَكَ لِلموتِ *** فإنَّ الموت لاقِیکا
ولا بدَّ من الموتِ *** إذا حل بناديكا
إنّ لفظة حيازيمك في قول الإمام علي علیه السلام جمع واحدها حیزوم وهي من
ص: 236
ألفاظ المشترك اللفظي إذ هي جامعة لأكثر من معنى إذ تدل على الصدر أو وسط الصدر وما یُضَمُّ عليه الحِزامُ حيث تلتقي رؤوس الجَوَانِح فوق الرُّهابة بحیال الکاهل»(1). وقد ذهب إلى المعنى نفسه ابن منظور(2). وابن الأثير(3).
وهذا الكلام كناية عن التَشَمُّرِ للأمر والإستعداد له(4). وهكذا فالحيزوم الصدر أو وسطه. وقد تدل هذه اللفظة على اسم فرس كان لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد قیل أسم فرس جبریل علیه السلام(5). وهكذا فقد لحظ أن هذه اللفظة استوعبت أكثر من معنی وهذا من المشترك اللفظي.
6. في حدیث الإمام علي علیه السلام أنَّهُ أتاهُ قَوْمٌ برجلٍ فقالوا: إنَّ هذا یؤمُنا ونحن له کارهون، فقال له عليّ:
«إنك لَخروُط أتؤُمُّ قوماً وهم لك كارهون»(6).
إنّ لفظة الخروط تدل على معانٍ كُثُر أي جامعة لأكثر من معنى فأنّها تدلُ في الأصل على الذي يتهور في الأمور، ويركب رأسه في كل ما يريد بالجهل
ص: 237
وقلة المعرفة بالأمور، أي كالفَرَس الخَرُوط الذي یَجْتَذِبُ رسَنَهُ من یدِ مُمْسکة ویَمضي لوجهه(1). إذ یقال: «انخرط علينا فلان أي أندرأ بالقول السيء والفعل»(2). وهذا المعنى هو الذي أستعمله الإمام في الحديث. وتدل هذه اللفظة أيضاً على المرأة الفاجرة وتدل على الوجه إذا كان فيه طول قال الخليل: «الخَروط الفاجرة من النساء ووجه خروط إذا كان فيه طول»(3). وهکذا إنّ هذه المعاني تجعل هذه المفردة مما (اتفق لفظه، وأختلف معناه) أو ما نسميه بالمشترك اللفظي.
7. قال الإمام علي علیه السلام:
«من تَرَك الجِهادَ ألبَسَه اللهُ الذِّلَّةَ وسیمَ الخَسف»(4).
إنّ لفظة الخَسْف مِن ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى «أن تحبس الدّابة على غير علف ثم يستعار فيوضع في موضع التذلیل والهوان»(5). فالإمام علي علیه السلام أراد بقوله أن من ترك الجهاد یذل کما الدابّة التي تحبس من غیر علف. وتدل هذه اللفظة أیضاً علی
ص: 238
النقصان(1). وقد تدل لفظة الخسف أيضاً على الجَوزُ المأكول(2). وهكذا تعددت معاني هذه اللفظة إذ يمكن أن يكون لها أكثر من معنى في سياقات متعددة أما في سياق واحد فلها معنى واحد وبذلك يمكن عدَّها من باب المشترك اللفظي.
8. قال الإمام علي علیه السلام:
تِلْکُمْ قُرَیش تَمنَّاني لتَقْتُلني *** فلا وربِّك ما بَرُّوا ولا ظفِروا
فإن هَلَکْتُ فَرَهْنٌ ذِمَّتِي لکم *** بذات رَوْقَیْنِ لا یَعْفُوا لها أثرُ(3)
إنّ لفظة الرَوْقَیْنِ جامعة لأکثر من معنی فالرَوْقَیْنِ تَثْنِیة الرَّوْقِ وأراد بها الإمام علي علیه السلام الحرب الشدیدة(4). وقد تدل أيضاً على الداهية «یُقال: داهیة ذات رَوْقین إذا كانت عظيمة»(5). وهکذا تعددت معاني هذه اللفظة فتدل علی القَرْن قال ابن منظور: «الرَّوْق القَرْن والجمع أرواق»(6). وفي ضوء ما عرضناه يتبين أن هذه اللفظة استوعبت أكثر من معنى وهذا من المشترك اللفظي.
ص: 239
9. جاء في حدیث الإمام علیه السلام حین رأی رجلاً یخطب قال:
«هذا الخَطيب الشَّحْشَح»(1).
إنّ لفظة الشَّحْشَح جامعة لأكثر من معنى ففي قول الإمام علي علیه السلام تدل علی الخطيب الماهر الشَّحْشَح وهو الماهر بالخطبة الماضي بها وكلّ ماضٍ في کلام أو سیر فهو شَحْشَح»(2).
وتدل لفظة الشَّحْشَح في غير هذا الموضع على البخيل الممسك(3)، كقول الراجز يصف هدر البعير(4):
فردّد الهدر وما إن شَحْشَحا أي ما بخل بهديره وهكذا أن الأصل في الشُّح البخل، والحرص ومنه قول النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«إیّاکُم والشّحُّ»(5).
ص: 240
وقد تدل هذه اللفظة على المواظب على الشيء(1). كقول الطرماح(2):
کَأنَّ المَطایا لیلةَ الخِمْسِ عُلِّقَتْ *** بِوثَّابةٍ تَنْضُوا الرواسم شَحْشَح
وهكذا تعددت معاني هذه اللفظة فالتطور الدلالي اللغوي نقل هذا اللفظ إلی دلالة أخری وهي السرعة فوصف القط السريع ب- (الشَّحْشَح(3). اللفظ ومنه أُخذت سرعة الخطيب، لأنّ الخطيب مواظب على خطبته، جادّ فيها، مؤثر في كلماتها الفصيحة للسامعين، لهذا اطلق الإمام علیه السلام علیه صفة الشَّحْشَح(4). وقد تطلق هذه اللفظة على الرجل الغيور، والسيء الخلق والشُجاع(5). وفي ضوء ما عرضناه يتبیّن أن هذه اللفظة استوعبت أكثر من دلالة وهذا من المشترك اللفظي.
10. قال الإمام علي علیه السلام:
«ما لَکُمْ لا تُنَظِّفونَ عَذِراتکُمْ»(6).
إنَّ لفظة (العِذْرة) من ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى
ص: 241
ففي قول الامام علي علیه السلام تدل علی فِناء الدار(1)، کما في قول الحطیئة(2):
لَعَمْرِي لَقْد جَرَّبتُکم *** قِباحِ الوجُوهِ سَیِّئيِء العَذِراتِ
فالعِذرَة وردت في هذا البيت بمعنى الفناء(3). وذهب إلى المعنى نفسه الأزهري(4). وقد تدل العِذرة أيضاً على الغائط الذي يلقيه الإنسان قال أبو عبید: «وإنَّما سميت عِذرة النّاس بهذا، لأنها كانت تلقى بالأفنية فكنى عنها بإسم الفناء كما كنى بالغائط وإنَّما الغائط الأرض المطمئنة فكان أحدهم يقضي حاجته هناك»(5).
وهكذا تعددت معاني هذه اللفظة وهذا من المشترك اللفظي.
11. قال الإمام علي علیه السلام(6):
أفلَحَ مَنْ کانَتْ له مِزخَّهْ *** یَزُخُّها ثم یَنامُ الفَخَّهْ
إنَّ لفظة الفَخَّهْ من ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى إذ
ص: 242
تدل علی النفخ في النوم قال إبن درید (ت 321 ه-): «الفَخَّ أي ينام الرّجُل وينفخ في نومه»(1).
وهذا المعنى هو الذي إستعمله الإمام علیه السلام في قوله. وتدلّ هذه اللفظة ايضاً على المرأةِ القَذِرَةُ(2). أي كالفخ، وقد تدل ايضاً على المرأة الضَخمة والنّوْمُ على القَفَا وقد تدل ال َ فخَّةُ ايضاً على نَوْمُ الغَدَاةِ(3). وهكذا تعددت معاني هذه اللفظة إذ دلّت على أكثر من معنى وهذا من الممكن أن ندخله في باب المشترك اللفظي.
12. قال الإِمام علي علیه السلام:
«فَإِذَا کان ذَلِكَ ضَرَبَ یعسوب الدین بذنبه فیجتمعون إلیه کما یجتمع قَزَع الخریف»(4).
إنَّ لفظة قَزَع من ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى إذ تدل علی قطع السحاب قال الخلیل: «القَزُعُ: قِطعُ السحاب وأکثر ما یکون ذلك في زمن الخریف الواحدة قَزَعةٌ وهي رقیقة الظِّل تمر تحت السحاب الکثیر»(5).
ص: 243
وذهب إلى المعنى نفسه الأزهري(1)، والجوهري(2).
وهذا المعنى هو الذي استعمله الإمام علي علیه السلام في قوله أي قطع السحاب التي لا ماء فیها(3).
وقد تدل هذه اللفظة على الشعر الذي يترك غير محلوق أي یُحلَقَ رأس الصبي ويترك في مواضع منه الشعر متفرِّقاَ(4). كقول زهير(5):
وأشْعَث قَدْ ظَالَت قَنَازع رَأسه *** دَعَوْتُ عَلَی طُول الکَری وَدَعانِي
وتدل هذه اللفظة أيضاً على صغار الإبل(6). وفي ضوء ما عرضناه وجدنا أنَّ لفظة (قزع) قد دلّت على أكثر من معنى.
13. قال الإمام علي علیه السلام(7):
أنا الذي سَمَّتْني أُمي حَیْدَرَةْ *** أضْرِبُکُمْ ضَرْبَ غُلامٍ قَسْوَرَةْ
إن لفظة قسورة من ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى إذ
ص: 244
تدل على الصیّاد. والراعي أو جماعة الرماة كقوله تعإلى:
«فَرَّت مِن قَسْوَرَة» [المدثر: 51](1).
فقد فسرت لفظة قسورة هنا بأنَّها الرامي، أو جماعة الرماة، وأصوات الناس، أو ظلام الليل(2). وتدل هذه اللفظة ايضاً على الغلام القوي قال الزمخشري: «وغلام قسور وقسورة: قويّ وانتهى شبابه»(3). وهذا المعنی هو الذي استعمله الإمام علي علیه السلام في قوله. وتدل هذه اللفظة علی اسم من أسماء الأسد قال أهل اللغة: «القسور، والقسورة: اسمان للأسد، أنثوه كما قالوا: أسامة، إلا أن أسامة معرفة»(4). وهكذا فلفظة قسورة استوعبت أكثر من دلالة وهذا ما يسمى بالمشترك اللفظي.
14. قال الإمام علي علیه السلام:
«أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیا فَإنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ»(5).
إن لفظة قُلعة جامعة لأكثر من معنى إذ تدلُّ على التحوّل والانقلاع(6).
ص: 245
وتدل أيضاً على الرحلة أي يقال هذا منزل قُلعة أي هو للرحيل لا للبقاء(1).
وقد يقال أيضاً منزل قُلْعة أي ليست بمستوطنة ويقال أيضاً هذا مجلس قُلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقومَ مرّة بعد مرّة(2).
هذه المعاني هي التي أرادها الإمام علي علیه السلام في قوله أي أن الإمام علي علیه السلام قصد في قوله الدُّنيا فوصفها بأنها زائلة غير دائمة للإنسان وأنها دار تحول وإرتحال.
وقد توسّعت دلالة هذه اللفظة إذ تدل على الرجل الضعيف قال الخليل: «القُلْعةً الرجل الضعیف الذي إذا بُطِش به لم یثبت»(3). هذه المعاني تجعل هذه المفردة من باب المشترك اللفظي.
15. قال الإمام علي علیه السلام لمّا أُشیر علیهِ بألاّ یتبع طلحة والزبیر ولا یرصد لهما القتال:
«والله لا أكونُ كالضَّبع تسمع اللَّدْمَ فتخرج فتصاد»(4).
إن لفظة اللَّدْم جامعة لأكثر من معنى فذكر ابو عبيد إنّ معنى «اللَّدْم» هو صوت الحجر، أو الشيء یقع في الأرض، ولیس بالصوت الشدید(5)، یقال:
ص: 246
(لدِمْتُ ألدم لَدماً) ومن هذا المعنی قال ابن مقبل(1):
وَلِلفُؤادِ وَجِیبٌ تَحْتَ أَبْهرَهِ *** لَدْمَ الغُلامِ وَرَاءَ الغَیبِ بالحَجَرِ
وتابع أبو عبيد الجوهري(2)، وابن أبي الحديد(3). والمعنى من كلام الإمام علي علیه السلام أي لا اقعد عن الحرب والانتصار لنفسي وسلطاني فيكون حالي مع القوم المشار إليهم، حال الضَّبع مع صائدها(4)، والعرب تقول في رموزها وأمثالها: «أحمق من الضَّبُع»(5).
فالضبع إذا أرادوا أن يصيدوها رموا في حجرها بحجر أو يضربوا بأيديهم باب الحجر فتحسبه شيئاً تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد(6).
وقد توسع معنى هذه اللفظة إذ تدل على اللّطم والضرب بشيء ثقيل یُسْمَعْ وقعه حيث يقال التَدَمَ النساءُ إذ ضربْنَ وجوهَهن في المآتم(7). وهكذا فسّروا دلالة (اللّدم) (باللّطم) وقد نقل هذا المعنى أيضاً الفيروز آبادي(8). بزيادة معنى واحد هو: (رقع الثوب) وفي ضوء ما تقّدم يتبين أن لفظة اللّدم لها أكثر من دلالة وهذا من المشترك اللفظي.
ص: 247
16. قال الإمام علي علیه السلام:
«إنَّ الإيمان یَبْدو لمُظةً في القلْبِ، کُلَمّا ازداد الإيمان ازدادت اللُّمظَةُ»(1).
إنَّ لفظة (لمُظةً) من ألفاظ المشترك اللفظي إذ تدل هذه اللفظة على معانٍ كُثُر، فإنّها تدلُّ في الأصل على القلّة أو الأمر اليسير، تقول العرب: أخذ بيده لمُظةً من السّمن، أي شيئاً يسير بإصبعه(2).
واللمظة أيضاً: بياض يسير في يد الفرس، أو رِجله علی الأشعر وهو الأشعر نهایة الوظيف من جهة الحافر، فاللّمظة أيضاً: النقطة في شفة الدّابة السفلى أو العليا(3).
والإمام علي علیه السلام أراد باللّمظة النقطة او النکتة في القلب. وتدل اللّمظة أیضاً علی بقیة الطعام في الفم، أي یحرك الرجل لسانه لِتَتَبعُّها، وإخراجها فهو يتلمّظ ومنه قيل: تلمّظت الحية، إذا حركت لسانها(4). قال أبو عبيد «وفي هذا الحديث حجةٌ على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد أو ينقص ألا تراه يقول: كلّما ازداد الإيمان، ازدادت تلك اللمظة...»(5). والإمام علي علیه السلام مزج في استعمال لفظة اللُّمظة بین دلالتین الأولی هي «القلّة، بقوله: (یبدو لمظة)، ومما
ص: 248
یؤید معنی القلّة قوله: «كلما أزداد الإيمان ازدادت اللمظة؛ لأن معنى هذا أنّ اللمظة كانت نقطة صغيرة والثانية هي البياض، لأنه استعار (اللمظة) للإِيمان، وأن الإيمان نور القلب وأبيض عادةً، كومض البرق»(1). وهکذا فهذه المعاني مجتمعة تجعل هذه المفردة مما (اتفق لفظه، وأختلف معناه) وما نسميه (بالمشترك اللفظي).
17. قال الإمام علي علیه السلام:
«البَرْقُ مخاریق الملائکة»(2).
إن لفظة مخاريق جامعة لأكثر من معنى فالمخاريق جمع واحدها مخراقُ وهو ما يلعب به الصبيان من الخِرقِ المَفتُولةِ(3)، كقول عَمْرو بن كلثوم(4):
کأَنَّ سُیُوْفَنَا مِنّا وْمِنهُمْ *** مَخَارِیْقٌ بأیِدي لاعِبِیْنَا
والمخاريق تدل أيضاً ً ا على آلة يزجى بها الملائِکَةُ السحاب وتسوقه وهذا المعنی هو الذي استعمله الإمام علي علیه السلام في قوله(5)، قال ابن الأنباري: «شبه السوط الذي يضرب به الملائكة السحاب بالمخراق الذي يلعب به الصبيان
ص: 249
ویضرب به بعضهم بعضاً»(1) وتأتي المخاریق أیضاً بمعنی السیوف(2)، کقول کُثیر(3):
عَلَیْهنَّ شُعْثٌ کالمَخَارِیقِ کُلُّهمْ *** یُعَدُّ کَرِیماً لا جباناً ولا وغلا
فهذه المعاني تجعل هذه المفردة (مما اتفق لفظه، واختلف معناه) أو ما نسميه بالمشترك اللفظي الذي يعبّر عنه في أنّ الكلمة تُستعمل في أكثر من مجال دلالي.
18. في حدیث الإمام علي علیه السلام کتب إلی عثمان بن حنیف:
«لا تأخُذنَّ من الزُّخّة والنُّخّة شيئاً»(4).
إن لفظة النُّخّة لها أكثر من دلالة إذ تدل على أكثر من معنى فالنُّخّة اسمٌ جامعٌ للحُمر(5). وذهب إلى المعنى نفسه الصاحب بن عباد(6). وابن سیّده(7).
وتوسعت دلالة هذه اللفظة إذ تدل على البقر العوامل(8). وتدّل أيضاً علی الجمّالین قال ابن منظور: «قال قوم: النُّخّة اجمّالون فیقال لها في البادیة
ص: 250
النُّخّة»(1). وقد يقال إن هذه اللفظة تدل على كل دابّة استُعملت(2). وذكر ابن الأثير قول الفراء (ت 207 ه-) في النُّخّة إذ قال: «النُّخّة أن یاخذَ المُصَدِّق دیناراً بعد فراغه من الصدقة»(3). وفي ضوء ما تقدم لوحظ أن لفظة النُّخّة استوعبت أكثر من دلالة وهذا من المشترك اللفظي.
19. قال الإمام علي علیه السلام:
من سرَّهُ النَّساء ولا نَسَاء فلیُباكر الغداء وليقُلَّ غِشيان النِّساء ولیُحفف الرِّداء»(4).
إن لفظة النَّساء من ألفاظ المشترك اللفظي فهي جامعة لأكثر من معنى إذ تدل على البقاء(5).
وهذا المعنى هو الذي استعمله الإمام علي علیه السلام في قوله. وقد تأتي بمعنی التأخیر قال ابن قتیبة (ت 276 ه-): «والنسأ التأخير، يقال أنساه الله أجله، ونسأ الله أجله ومنه النِّسيء في كتاب الله تعإلى إنّما هو تأخير تحريم المحرَّم»(6).
ص: 251
وقد تعددت معاني هذه اللفظة إذ تدل أيضاً على الحليب الذي ماؤه أكثر من لَبَنِه(1). وفي ضوء ذلك يتبين أن هذه اللفظة استوعبت أكثر من معنى وهذا من المشترك اللفظي.
20. قال للإمام علي علیه السلام:
«خیر هذه الاُّمة النَّمَطُ الأَوسط یَلْحَقُ بهم التالي ویرجع إلیهم الغالي»(2). ان لفظه النمَّط جامعة لأکثر من معنی فالنَّمط یعني الطریقة(3). أي الطريقة من الطرائق والضّرب من الضروب إذ يقال ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضّرب(4).
وقد تدل هذه اللفظة على جماعةٌ من الناس أمْرُهُمُ واحدٌ(5). كما ورد في حديث النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«خَیْرُ النّاسِ النَّمَطُ الأَوْسَط»(6).
والمعنى الذي أراده الإمام علیه السلام أي انه کره الغُلُو والتقصیر في الدین(7). وقد
ص: 252
كثر استعمال هذه اللفظة إذ تدل على «ثوب من صوف یطرح علی الهودج والجمع أنماط ونِماط، وقد يكون النَّمط بمعنى القَرْن الذي أنت فيهم وفي دهرهم نحو حدیث النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم: «خیرُ أمتي النَّمط الذي أنا فیهم»(1) (2).
ثم توسعت دلالة النَّمط فدلّت على ضرب من البسط(3). وهكذا هذه المعاني تجعل هذه المفردة مما (أتفق لفظه، وأختلف معناه) أو ما نسميه بالمشترك اللفظي.
21. قال الإمام علي علیه السلام:
«الناسُ رجلان: عالم ومتعلَّم، وسائر الناس هَمَجٌ رَعاع»(4).
إنَّ لفظة هَمَج جامعة لأكثر من معنى ففي قول الإمام علیه السلام تطلق علی رُذال الناس قال الخليل: «وَهَمَج النَّاس: رُذالَتُهُم»(5).
فدلّت هذه اللفظة هنا على الناس الذين لا عقول لهم، وقد تطلق هذه اللفظة على البعوض أي كل دود ينفقئ عن ذُباب أو بعوض فيقال لرذالة الناس الذين يتَّبعون أهواءهم هَمَج(6). وهكذا فقد لحظ أن لفظة الهَمَج يمكن أن تستوعب
ص: 253
معنيين مشتركين وهذا من المشترك اللفظي.
22. قال الإمام علي علیه السلام حین مر بعبد الرحمن بن عتاب بن اسید(1) مقتولاً يوم الجمل فقال:
«هذا يعسوب قريش»(2).
إنّ لفظة يعسوب تدل على معانٍ كثيرة فَذُکِرَ الخليل أنَّ الیَعْسوب هو أمير النحل وفحله. وهذا المعنى هو الذي استعمله الإمام علي علیه السلام «فشبَّهه في قریش بالفحل في النحل». وتدل هذه اللفظة أيضاً على طائر يشبّه به الخيل والكلاب لضمرها(3). ومن هذا المعنى قول الشاعر بشر(4):
أبو صِبْیةٍ شُعْثٍ یُطیفُ بِشَخْصِهِ *** کوالِحُ أمثَالُ الیَعاسیبِ ضُمَّرُ
فهذه الدلالة جاءت من شبه الطائر ب- (اليعسوب) وتدل هذه اللفظة ايضاً علی معنی الجبل قال یاقوت الحموي (ت 626 ه-): «قال بعضهم: حتى إذا كنا فويق یَعْسوب»(5). ثم کثر استعمال هذه اللفظة حتی سمَّوا بها کلّ رئیس ولهذا
ص: 254
قال ابن منظور: «والیَعْسوب أمير النّحل، وذكرها، ثم كثر ذلك حتى سمّوا کلّ رئیس یَعْسوباً»(1). وقد تدل هذه اللفظة على الذهب إذ يسمى الذهب يعسوباً، على المثل لقوام الأمور به(2). وقد توسعّت دلالة (يعسوب) حتى شملت غُرّة في وجه الفرس مستطيلة تنقطع قبل أن تساوي أعلى المنخرين، وإن ارتفع على قصبة الأنف، و عَرُضَ واعتدل حتى يبلغ أسفَل الخُلَیْقاءِ فهو یَعْسُوب قلّ أو كثر ما لم يبلغ العينين(3). وقد عمّت هذه الدلالة الغرّة في وجه الفرس على عامة جسم الفرس فسمّو الفرس يعسوباً وإلى هذا المعنى ذهب الفيروز آبادي(4). وقد تدل هذه اللفظة على «ملکة النّحل، وهي أنثی وکان العرب یظنّونها ذکراً لضخامتها ویقال هو یَعْسوب قومه: رئيسهم، وكبيرهم، ومقدمهم والجمع یعاسیب»(5). وهكذا فإنَّ هذه اللفظة استوعبت أكثر من دلالة وهذا ما نسميه بالمشترك اللفظي.
ص: 255
ص: 256
تُعد ظاهرة الترادف في اللغة العربية من الظواهر اللغوية التي تضفي علی العربية ميزة خاصة إلى جانب الظواهر اللغوية الأُخری کالمشترك والتضاد.
لفظ مشتق من الفعل رَدِفَ، أو المصدر: الردف، والردف: ما تبع الشيء.
وكل شيء تبع شيئاً فهو رِدْفُهُ، وإذا تتابع شيءٌ خلف شيء، فهو الترادف والجمع الردافى. يقال جاء القوم رُدافى أي بعضهم يتبع بعضاً. والترادف التتابع والرديف الذي يرادفك(1).
ليس هناك اتفاق تام بين العلماء والدارسين قديماً وحديثاً على تعريف واحد
ص: 257
لمفهوم الترادف، وذلك لإختلافهم العريض في هذه الظاهرة(1). وأول من أشار إلى ظاهرة الترادف في الكلام سيبويه إذ قال: «اعلم أن من کلامهم اختلاف اللفظین لإختلاف المعنیین، واختلاف اللفظین والمعنی واحد... نحو: ذهب وأنطلق»(2).
والترادف هو عبارة عن الاتحاد في المفهوم، وقيل توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد(3). أمّا ابن الأنباري (ت 328 ه-) فقد جعل الترادف أحد ضربي کلام العرب قائلاً:
«وأكثر كلامهم يأتي على ضربين آخرين احدهما أن یقع اللفظان المختلفان علی المعنی الواحد كقولك البر والحنطة، والعَیْر والحمار والذئب والسيد، وجلس وقعد»(4). وفي ضوء ما تقدّم یتبین أن الترادف دلالة كلمتين أو أكثر على معنى واحد ومن أشهر المحدثين الذين تناولوا هذه الظاهرة د. ابراهيم أنيس إذ قال بعد ما ذكر شروط الترادف: «فإذا طبقّت هذه الشروط على اللغة العربية أتضح لنا أن الترادف لا يكاد يوجد في العربية القديمة وانما يمكن أن يلتمس في اللغة النموذجية الأدبية فالقرآن الكريم نزل بهذه اللغة، والذي نطق به الرسول للمرة الأُولى نری الترادف في بعض الفاظه»(5). أمّا د.
رمضان عبد التواب فقد أوجد مصطلحاً جدیداً وهو الترادف التام وذکر أنه نادر الوقوع وهو من الکلمالیات وعند وقوعه لا یکون إلا فترة قصیرة محددة، وسرعان ما تظهر الفروق المعنویة الدقیقة بین الألفاظ المترادفة بحیث یصبح
ص: 258
كل لفظ منهما مناسباً وملائماً(1).
ورأی استیفن أولمان أن المترادفات «هي الفاظ متحدة المعنی وقابلة للتبادل فیما بینها في أي سیاق»(2).
وتناول هذه الظاهرة أيضاً د. حاكم الزيادي إذ ذَکر أن فكرة الترادف عند العلماء القدامى تمثلت في اختلاف الألفاظ للمعنى الواحد، أو للشيء الواحد وبعد التطور في البحث اللغوي وجد العلماء أنه لابد من تحقيق اعتبارات لغوية معينة حين النظر إلى هذه الظاهرة لتمييزها عن غيرها(3).
وهکذا فالعلماء قدماء ومحدثون تناولوا هذه الظاهرة حتى صار الترادف سمة من سمات العربية.
لقد ذكر الباحثون القدماء والمحدثون أسباباً عدّة في نشوء الترادف في العربية أشهرها:
1. قال أهل الأصول إنّ لوقوع الأَلفاظ المترادفة سببان:
أ. «أن یکون من واضعین وهو الأکثر بأن تضع إحدی القبیلتین أحد الاسمین والأخری الاسم الآخر للمسمی الواحد من غیر أن تشعر إحداهما بالأخری، ثم یشتهر الوضعان ویخفی الواضعان أو یلتبس وضع أحدهما الآخر وهذا مبني علی کون اللغات اصطلاحیة.
ص: 259
ب. أن يكون من واضع واحد وهو الأَقل»(1).
2. تناسي الصفات والفروق: هنالك صفات تفقد عنصر الوصفية مع الزمن بالتدرج، وتجدد مدلولاتها مهما كان بينها من فوارق كما في أسماء السيف، فالحسام واليماني والقاطع يدل كل منهم على وصف خاص للسيف مغاير عمّا یدل عليه الآخر(2).
3. احتكاك لغة قريش باللهجات العربية الأخری، وهذا الاحتکاك نقل الیها طائفة کبیرة من مفردات هذه اللهجات(3).
4. الاستخدام المجازي: إن كثيراً من الكلمات التي تذكر المعاجم على أنها مترادفة معانيها لكلمات اخری، بل مستخدمة استخداماً مجازياً. فالرحمة مثلاً قد استخدمت من (الرحم) موضع المولد والمكان الذي يلد الأبناء والأخوان، فتنشأ بينهم صلة من الحب والعطف، وقد تقادمت العهود على هذا المعنى المجازي حتى أصبح حقيقة وبهذا نشأ الترادف بینهما وبین کلمات أخری مثل الرأفة(4).
5. انتقال كثير من الألفاظ السامية والمولدة والموضوعة والمشكوك في عربيتها إلى العربية وكان لكثير من هذه الألفاظ نظائر في متن العربية الأصلي(5).
ص: 260
6. إن جامعي المعجمات لشدة حرصهم على تسجيل كل شيء، دوّنوا كلمات كثيرة كانت مهجورة في الإستعمال، ومستبدلاً بها في اللغة مرادفاتها(1).
كل هذه الأسباب مجتمعة أدّت إلى وجود هذه الظاهرة التي تُعدُّ عاملاً من عوامل الثراء اللغوي في اللغة.
ذهب بعض علماء أهل اللغة إلى أن الترادف سمة من سمات اللغة العربية دالة على أتساعها في الكلام، حتى إنهم كانوا يجمعون الألفاظ المختلفة الدالة على معنى واحد.
فقطرب (ت 206 ه-) رأی أن العرب أوقعت اللفظتین علی المعنی الواحد لیدلوا علی أتساعهم في الکلام(2).
وذكر أن الرشيد سأل الأصمعي عن شعر لأبن حزام العكلي ففسّره، قال:يا اصمعي إنّ الغريب عندك لغير غريب قال: يا أمير المؤمنين لا أكون كذلك، وقد حفظت للحجر سبعين اسماً(3).
وهكذا فإن بعض العلماء يسلّمون بالترادف ولا يرونه محل نزاع أمَّا بعضهم الآخر فأخذوا يلتمسون فروقاً بين الكلمات التي عدّها من سبقوهم من المترادفات فنشأ النزاع بين علماء اللغة ووقوعه في اللغة العربية وانقسموا إلى فريقين:
ص: 261
يؤيد هذا الفريق وقوع الترادف في العربية، ويعده من أشهر خصائصها، لقد تزعم هذا الفريق ابن خالويه فهو يؤمن بفكرة الترادف ويفخر بما جمعه من كلمات كثيرة ذات معنى واحد(1)، وأيضاً من الذين آهتموا بالترادف ابن جني وعقد له باباً سماه (تلاقي المعاني، على اختلاف الأصول والمباني) وقال فيه: «هذا فصل من العربیة حسنٌ کثیر المنفعة قوي الدَّلالة علی شرف هذه اللغة وذلك أن تجد للمعنی الواحد أسماءاً کثیرة فتبحث عن أصل کل اسم منها فتجدة مفضي المعنی إلی معنی آخر صاحبه»(2).
وذلك أن الذین أثبتوا المترادفات في العربیة ابن سیده إذ قال «وکذلك أقوال علی الأسماء المترادفة التي لا یکثر بها ولا یحدث عن کثرتها طبع کقولنا في الحجارة: حجر وصفاةَ، ونقله ومن الطریق طویل وشلب وشَرْحَبٌ»(3).
وهکذا ضمّن کتابه المخصص الکثیر من أمثله المترادفات في العربیة. ومن أنصار الترادف أیضاً الکیا(4). الذي قام بقسمة الترادف إلی قسمین یتضح ذلك من قوله «الألفاظ التي بمعنی واحد تنقسم إلی الفاظ متواردة والفاظ مترادفة فالمتواردة کما یسمی الخمر عقاراً وصهباء وقهوة، والسبع أسداً ولیثاً وضرغاماً. والمترادفة هي التي یقوم مقام لفظ لمعانِ
ص: 262
متقاربة يجمعها معنى واحد. كما يقال أصلح الفاسد، ولم الشعث ورتقَ الفتق وشعب الصدع»(1). وبذلك يری أن الترادف یشمل العبارات والجمل.
وهنالك حجة قوية تؤكد صحة ما يميل إليه هذا الفريق، فقد خرج رجل من بني عامر، إلى ذي جدن من ملوك اليمن فطلع إلى السطح والملك عليه، فلما رآه الملك قال له: ثب يريد (أقعد) فقال الرجل ليعلم الملك أني سامع ومطيع، فوثب من السطح ودقّت عنقه. فقال الملك ما شأنه فقالوا له أبيت اللعن إن الوثب في كلام نزار الطفرة أي الوثوب إلى أسفل(2). ومن علماء اللغة المحدثین الذین تناولوا هذه الظاهرة إبراهیم أنيس، ويری أن الترادف موجود في القرآن الکریم، ولا معنى لمغالاة بعض المفسرين حين يلتمسون الفروق الدقيقة. بين الفاظه المترادفة، ويری کذلك أن منکري الترادف کانوا من الاشتقاقيين، الذين أسرفوا في أرجاع كل كلمة من كلمات اللغة إلى أصل أشتقت منه(3). كذلك أثبت رمضان عبد التوّاب وجود هذه الظاهرة في اللغة إذ قال: «ورغم ما یوجد بین لفظة مترادفة وأخری، من فروق أحیاناً، فإننا لا یصلح أن ننکر الترادف فنراهم یفسرون اللفظة بالأخری»(4). وهکذا فإن ظاهرة الترادف هي سِنَّة طبیعیة أوجدتها ظروف الحیاة التي عاشتها اللغة العربیة في الجزیرة العربیة بین مجموعة من القبائل التي تمثل وحداث لغویة في أطار اللغة العامة(5).
ص: 263
ينكر هذا الفريق وجود الترادف وأول عالم أنكر هذه الظاهرة هو ابن الإعرابي (ت 231 ه-) فذکر: «أن لكل حرفين أوقعتها العرب على معنى واحد في کلّ واحد منهما لیس في صاحبه، ربّما عرفناه وربما غمض علینا فلم نلزم العرب جهله»(1). ومن أنکر وجود الترادف أیضاً ثعلب (ت 291 ه-) الذي رأی أن ما يظنّه البعض من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين في الصفات كما في الإنسان والبشر. فالأول موضوع له بإعتبار النسيان أو بإعتبار أنه يؤنس، والثاني بإعتبار أنه بادي البشرة(2). وذهب ابن فارس (ت 395 ه-) إلى ما ذهب الیه شیخه ثعلب فأنکر وقوع الترادف في العربية، إذ قال: «یسمي الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف، والمهند، والحسام والذي نقوله في هذا إن الإسم واحد هو السيف وما بعده من الألقاب صفات ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخری»(3). هذا ما ذهب الیه ابن فارس في إنکار الترادف أمَّا ابن درستويه (ت 347 ه-) فيقول: «لا یکون فعل وأفعل بمعنی واحد، كما لم يكونا على بناء واحد، إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين، فأما من لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يری کثیر من اللغویین والنحويين، وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة، وعلى ماجرت به عاداتها وتعارفها ولم يعرف السامعون لتلك العلة فيه فروقاً فظنوا انها بمعنى واحد، وتأولوا على العرب هذا التأويل من
ص: 264
ذات أنفسهم فإن كانوا قد صدقوا في رواية ذلك عن العرب فقد اخطؤوا عليهم في تأويلهم ما لا يجوز في الحكمة وليس يجيء شيء من هذا الباب إلاّ على لغتين مختلفتين، أو تشبيه شيء بشيء...»(1).
فهو ينكر أن يكون الترادف في لغة واحدة ويجوزه في لغتين ويؤكد ما ذهب اليه بقوله: «اهل اللغة أو عامتهم یزعمون أن (فعل وأفعل) بهمزة وبغیر همزة قد یجیئان بمعنی واحد، وأن قولهم: (دیربي) و(أدیر بي) من ذلك قول فاسد في القياس والعقل مخالف للحكمة والصواب لا يجوز ان يكون لفظان مختلفان بمعنى واحد إلا أن يجيء أحدهما في لغة قوم والآخر في لغة غيرهم كما يجيء في لغة العرب والعجم أو لغة رومية ولغة هندية»(2). وبذلك یندر وجود هذه في لغتین مختلفتين. ومن الذين أنكروا الترادف أيضاً أبو هلال العسكري (ت بعد 395 ه-) وألف کتاباً سمّاه «الفروق اللغویة» إذ فرّق فيه بين ألفاظ كثيرة تُعَد من الترادف ومن أشهر الألفاظ التي ذکرها الفرق بین الهم والغم، إذ یری أن الهم هو الفكر في إزالة المكروه واجتلاب المحبوب، وليس من الغم في شيء، ألا تری أنك تقول لصاحبك أهتم بحاجتي ولا يصح أن تقول أغتم بها، والغم معنى ينقبض القلب معه ويكون لوقوع ضرر قد كان، أو توقع ضرر يكون، وقد سمي الحزن الذي تطول مدته حتى يذيب البدن هماً(3). وهكذا فإنه ينبغي أن یکون للفظین المختلفین معنی واحد، لأنه یری أن كل واحد منهما يفيد بخلاف ما یفیده الآخر.
ص: 265
وأمَّا الراغب الأصفهاني (ت 502 ه-) فیقول «وينبغي أن يجعل كلام من منع على منعه في لغة واحدة فأمّا في لغتين فلا ينكره عاقل»(1). فهو یذهب في ذلك بنفي الترادف في لغة واحدة ويجوزه في لغتين. ومن علماء اللغة المحدثين الذين أنكروا الترادف محمد المبارك فقد أنكره وعدّه مرضاً من الأمراض المنتشرة في عصر الإنحطاط، الذي ضاعت فيه الفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة، فغدت مترادفة(2).
يشترط المحدثون من علماء اللغة شروطاً معينة لا بد من توافرها حتى يمكن أن يقال: بين الكلمتين ترادفاً تاماً وهي(3):
1. الاتفاق التام في المعنى بين الكلمتين أتفاقاً تاماً، في الأقل في ذهن الكثرة الغالبة لأفراد البيئة الواحدة.
2. الاتحاد في العصر، فالمحدثون حين ينظرون للمترادفات ينظرون اليها في عهد خاص وزمن معين.
3. الاتحاد في البيئة اللغوية أي أن تكون الكلمتان تنتميان إلى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجات.
4. ألاّ يكون احد اللفظين نتيجة تطور صوتي الآخر مثل (الجثل والجفل) بمعنی النمل فإحدی الکلمتین یمکن أن تعد أصلاً والأُخری تطوراً لها.
ص: 266
أقوال الإمام... علی الألفاظ المترادفة وهكذا فللترادف أهمية كبيرة وأثبته علماء اللغة في المعجمات وأستدلوا على ذلك بشواهد من القرآن الكريم والشعر العربي وكذلك بأقوال الإمام علي علیه السلام وفیما یأتي ذکرٌ لأقوال الإمام علي علیه السلام التي اشتملت علی الألفاظ المترادفة:
1. قال الإمام علي علیه السلام:
«ثم أزمَ ساکتاً طویلاً ثم رفع رأسه»(1).
2. إن لفظتي أزم،سكت في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی إذ يدلّان على الصّمْتُ فالأزم الصمت(2)، إذ يقال أزم فلان أي سكت(3). أما لفظة سكت فتدل على الصمت أيضاً إذ يقال: سَکَتَ الرّجُل، إذا صَمَتَ(4). قال الخليل: «رجل ساکوتٌ أي صموت، وهو ساکِتٌ إذ رأیته لاینطق»(5). وهكذا فإنَّ الصَّمْت يدل على الإنقطاع في الكلام ومن الألفاظ التي تأتي بمعناه أَزَمَ وسَکَت وفي ضوء ما تقدّم يتبين أن أزم وسكت من الألفاظ المترادفة إذ يدلاّن على معنى واحد.
1. قال الإمام علي علیه السلام:
«اعْذَوْذب جانبٌ منها واحْلَوْلَی»(6).
ص: 267
إنَّ لفظتي اعْذَوْذب، احْلَوْلَی في قول الإمام عل علیه السلام من الألفاظ المؤتلفة في المعنى إذ يدلاّن على الشيء الطَّيِّب أي العذوبة كالحلاوة في المعنى إذ يقال اعْذَوْذَبَ المَاءُ كاحْلَوْلَى اذا صار عَذْباً حلواً(1). وعَذُبَ الماء یُعْذُبُ عُذُوبَةً فهو عَذْبٌ طيب(2). ويقال أيضاً العذب من الماء: أي الماء الطیّب الحلو الذي لا ملوحة فيه وامرأةُ معذاب الرِّيق: أي سائِغتُهُ حُلْوَتُه(3). أمّا احْلَوْلیَ فمبالغة في العذوبة إذ یقال: «حلا الشّيءُ یَحْلو حلاوَةً واحْلَوَلَى ايضاً»(4).
قال ابن لأثیر (ت 606 ه-):
«هما افْعَوْعَل من العُذُوبَةِ والحلاوة وهو من أبنية المبالغة»(5). والمعنی من کلام الإمام علیه السلام اي صار جانب منها عذباً حلواً أي إلى غاية العُذوُبة والحلاوة وأراد في ذلك الدُّنيا(6). وهكذا فالعذوبة والحلاوة من الأَلفاظ المترادفة.
2. قال الإمام علي علیه السلام:
«البَدَادُ کَسَحاب المُبارَزَة»(7).
إنَّ لفظتي البَدَادُ، المُبارزة في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی إذ يدلّان على البِرازِ، البَدَاد بالفتح البِرازِ إذ يقال: ولو كان البَدادُ لما
ص: 268
أطاقونا، أي لو بارَزْناهم رجلٌ رجلٌ(1).
وقد يقال في الحرب: ياقوم بَدادِ بَدادِ، أي ليأخذ كل رجل قِرْنهُ في المبارزة(2).
وهكذا فالبَدَادُ، تدل على البراز في الحرب وذهب إلى المعنى نفسه ابن الأثير(3).
وابن منظور(4). أمَّا المُبارَزَة فتدل على المعنى ذاته نفسه إذ يقال: «بارز لقِرْنَ مُبَارزةً وبِرازاً»(5).
وهكذا فالبَدَادِ والمُبارزة من الألفاظ المترادفة إذ يدلاّن على معنى واحد وهو البِراز في الحرب.
3. قال الإمام علي علیه السلام لسلیمان بن صرد(6). وکان قد تخلّف یوم الجمل «تَنَأْنَأتَ وتَرَاخَیْتَ فکیف رأَیْتَ صُنْعَ الله؟»(7).
إنَّ لفظتي تَنَأْنأت، تَرَاخَیْتَ في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعني إذ یدلاّن علی الضَّعْف فالنَأنأةُ تدل علی الضَّعفِ والعَجْز في الأمر(8).
ص: 269
نحو قول ابي بکر: «طوبى لمن مات في النأنأة»(1). قال أبو عبيد: «النأنأة معناها أول الإسلام وسمي بذلك، لأنه کان قبل ان یقوی الإسلام ویکثر أهله وناصره فهو عند الناس ضعيف»(2). وهکذا فأصل النأنأة الضَّعْفُ، أمَّا تراخیت فتدل علی الضَّعْفُ أیضاً(3). والإمام علي علیه السلام اراد بقوله تَنَأنَأت اي ضعفت واسترخیت إذ یقال تَنَأْنأ الرجلُ إذا ضَعُفَ واسترخی(4). وفي ضوء ما تقدم يتبين أنَّ النأنأة والتراخي مترادفان إذ يدلان على الضَّعفِ.
4. قال الإِمام علي علیه السلام:
«حَمِسَ الوَغَی واسْتَحَرَّ الموتُ»(5).
5. إنّ لفظتي حَمِسَ، اسْتَحَرَّ في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنى فيدلاّن على معنى واحد وهو الشِّدَّة فالتحمس التشدد(6)، إذ يقال:
حَمِسَ الشَّرُّ اشتدَّ وحَمِسَ الأمرُ حَمَساً أشتدَّ ایضاً وتَحَامَسَ القومُ تحامُساً وحماساً تشادّوا واقتتلوا(7). وذُکِرَ ابن سیده (ت 458 ه-) إنَّ قریشاً سمیِّت بالحُمْس،
ص: 270
ذلك لتشدُّدهم بدينهم(1). وكذلك لفظة استَحَرَّ تدلُّ على الشِدَّة ايضاً قال ابن منظور (ت 711 ه-): «استَحَرَّ القتلُ وحَرَّ» بمعنى اشتدَّ وفي حديث عمر «وجَمْع القرآن إن القتل قد اسْتَحَرَّ یوم الیمامةِ بقُرَّاء القرآن» أي اشتدَّ وکثر وهو استفعل من الحِرِّ والشِّدَّةِ»(2). وذهب إلى المعنى نفسه الزبيدي (ت 1205 ه-)(3). والمعنى من كلام الإمام علي علیه السلام (حَمِسَ الوغی) أي أشتدَّت الحرب واسْتَحَرَّ الموتُ أشتدَّ ایضاً(4). وفي ضوء ما تقدّم یتبین أن حَمِسَ واسْتَحَرَّ من الألفاظ المترادفة.
6. قال الإمام علي علیه السلام یذم الدُّنیا:
«هي الجَحُود الکَنود الحَیُود المَیُود»(5).
إنَّ لفظتي الحَیُود، المَیُود في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی اذ يدلاّن على الميل فالحيود تدلُّ على الميل من حاد يحيد إذا مال(6).
قال ابن فارس (ت 395 ه-): «الحاء والیاء والدال أصلٌ واحد، وهو المیل والعدول عن طریق الأستواء. یقال حادَ عن الشيء یُحیدُ حَیْدَةً وحُیوداً»(7).
ص: 271
وذهب إلى المعنى نفسه ابن منظور (ت 711 ه-)(1). أمّا لفظة الميود فتدل على الميل ايضاً فالمَيد التحرُّك(2). إذ يقال مادَ مَیْداً تمايل ومادَت الأغصان تَمَایَلَتْ وغُصنٌ مائدٌ ومَیَّادٌ مائل(3). والإمام علي علیه السلام ذَمَّ في قوله الدُّنیا واراد بها أنّها کثیرة المَیل والتغیّر والاضطراب. وفي ضوء ما تقدّم یتبیّن أنّ هذه الألفاظ مترادفة إذ لها دلالة واحدة وهي المیل.
7. قال الإمام علي علیه السلام:
«وحمل شواهق الجبال البذخ على أكتافها»(4).
انَّ لفظتي شواهق، البذخ في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المؤتلفة في المعنی إذ یدلاّن علی معنی واحد هو المرتفع والعالي إذ یقال: جبل شاهق أي عالٍ مرتفع وکل ما رفع من بناء وغیره فهو شاهق(5). أمّا لفظة البذخ فتدل علی ذات المعنی ایضاً إذ یقال: جبل باذخ أي طویل عالٍ وجمعه بواذخ(6).
فالباذخ العالي من الجبال اي الجبال الشوامخ(7). والإمام علیه السلام في قوله أستعار لفظ الأکتاف للأرض لکونها محلاً لحمل ما یثقل من الجبال کما أنّ کتف الإنسان
ص: 272
وغيره من الحيوان محلّ لحمل الأثقال(1).
وفي ضوء ما عرضناه يتبیّن أن لفظة شواهق وبذخ من الألفاظ المترادفة.
8. قال الإمام علي علیه السلام في وصف النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«لم يكن بالطويل امُمَّغِط، ولا بالقصير المتردد».
إنَّ لفظتي الطويل، المُمَّغِط في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنى إذ يدلاّن على الطول فالممغط تدل على الممهك الطويل المتناهي الطول.
إذ يقال رجل مُمَّغط أي طويل.
والإمام علي علیه السلام أراد في صفة الرسول صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«لم یکن بالطویل المُمَّغِط، ولا بالتقصیر المتردد»(2).
إنَّ لفظتي الطویل، المُمَّغِط في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی إذ یدلاّن علی الطول فالممغط تدل علی الممهك الطویل المتناهي الطول(3).
إذ یقول رجل مُمَّغط أي طویل(4).
والإمام علي علیه السلام أراد في صفة الرسول صلی اللهُ علیه وآله وسلم انه لم یکن بالطویل البائن الطول، ولکنه کان ربعة بین الرجلین(5). ویروی المُمَّعِط بالعین وهي تدل علی الطول ایضاً وهذا ما رواه ابو عبید عن الأصمعي إذ قال «لم أسمع مُمَّعِطاً بهذا المعنی لغیر اللیث قال: سمعت ابا زید یقول: «رجلٌ مُمَّعط أي طویل(6)). وفي ضوء ما عرضناه یتبین أن الطویل والمُمَّغط المترادفة في المعنی.
9. قال الإمام علي علیه السلام:
ص: 273
«كنتُ كالجبل لاتُحرِّكه العواصف ولا تُزيله القواصِفُ»(1).
إنَّ لفظتي العواصِفُ، القَواصِفُ في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی إذ یدلان علی الریاح الشدیدة القویة یقال عَصَفَت الرِّيح تَعْصِفُ عَصْفاً وعَصوفاً وريحٌ عاصف: شديدة الهبوب(2). قال تعإلى:
«فَالعاصِفاتِ عَصْفاً» [المرسلات: 2].
وهي الرِّياح شديدات الهبوب، أي الرياح الناقلة للأشياء من محلّ إلى محل آخر(3). أمّا القواصِف فتدل على المعنى نفسه أيضاً اي هي الرِّيح الشديدة التي تُدَمُّر و تُکَسِّر ما حولها(4). كقوله تعإلى:
«فَیُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيحِ فَيُفْرِقكُم» [الاسراء: 69].
وهكذا فالعواصف والقواصف هي رياح العذاب التي في البحر، فالعذاب أربع العاصف والقاصف في البحر، والصِّرصر والعقيمُ في البر(5). مما سبق نستخلص أن العواصف والقواصف هما نوعان من رياح التدمير والعذاب ويشتركان ويترادفان في دلالتيهما على الرياح الشديدة القوية.
10. قال الإمام علي علیه السلام:
ص: 274
«أُمِرنا بکَسْرِ الکُوبةِ والکِنَّارَةَ والشِّیاع»(1).
إنَّ لفظتي الکُوبةِ، الکِنَّارةَ في قول الإمام علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنی إذ یدلاّن علی الطَّبْلِ قال أبو عبید (ت 224 ه-): «إنَّ محمد بن کثیر أخبرني الن الکوبة الطبل وفي کلام اهل الیمن النرد»(2). وذهب إلی المعنی نفسه ابن الأثیر(3). وابن منظور(4). وابن ابي الحدید(5). أمّا لفظة الکِنَّارَة فتدل علی الطَّبْلِ أیضاً وقد قیل هي العود(6). وهکذا أن لفظتي الکُوبَةِ والکِنَّارَة مترادفات والإمام علیه السلام اراد بقوله کسر الطبول؛ لأنّ الله سبحانه وتعإلی حرمها کما ورد في حدیث الرسول صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«إنَّ اللهَ حَرَّم الخَمْرَ والكُوبة»(7).
11. قال الإمام علي علیه السلام في وصف النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم:
«لم يكن بالمُطَهَّم ولا بالمُکَلْثَم»(8).
ص: 275
إنَّ لفظتي المُطَهَّمُ، المُکَلْثَمُ في قول الإمام علیه السلام من الألفاظ المتقاربة في المعنى إذ يدلّان على الوجه المدوَّر قال الجوهري «وجهٌ مُطَهَّمٌ أي مجتمع مدور»(1).
فالمُطَهَّمُ تدل على الوجه المستدير. وذهب إلى المعنى نفسه ابن منظور(2)، ومرتضى الزبَّيدي(3).
أمّا لفظة المُکَلْثَمُ فتدل على ذات المعنى أيضاً إذ يقال المُطَهَّمُ المدور الوجه المستدیر. وذهب إلی المعنی نفسه ابن منظور، ومرتضی الزبَّیدي.
أمّا لفظة المُکَلْثَمُ فتدل علی ذات المعنی أیضاً إذ یقال المُکلْثَم المدور الوجه(4). والإمام علي علیه السلام اراد بصفة النبي صلی اللهُ علیه وآله وسلم «أنه لم یکن مستدیر الوجْه ولا المُوَجَّنِ ولکنه مسنون الوجه»(5). وفي ضوء ما تقدّم یتبیّن أنَّ المُطَهَّم والمُکلثَمْ من الألفاظ المترادفة في المعنی، لأنهما یدلان علی معنی واحد هو أستدارة الوَجْه.
12. قال الإمام علي علیه السلام:
«نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ لا نَقْذِفُ أَبَانا ولا نَفْفُو أمَّنا»(6).
إنَّ لفظتي نَقْذِف، نَقْفُوا في قول الإمام علیه السلام من الألفاظ المؤتلفة في المعنی إذ یدلاّن علی القذف فّیَقْفوا بمعنی یَقْذِف(7).
ص: 276
قال القاسمُ بن مُخَيمرة(1): «لا حَدَّ إلا في القَفْو البیِّن» یعني القذف(2). فأصل القَذْفِ الرَّمْيُ ثُمَّ استُعمِلَ في السَّبِّ(3). أما القفوا مأخوذ من القیافة وهو تتبع الأثر إذ یقال قد قاف القائف یقوف فهو قائف قیافة فقدمت الفاء وأُخرت الواو(4). وهکذا یَفْقُوا یعني یَقْذِف وهذا من الترادف.
ص: 277
ص: 278
وهو أحد خصائص العربية اذ يتوافر في اللغة الفاظ تتصف بخاصية هي أن تستعمل اللفظة على وجهين متضادين.
جاء في كتاب العين: «اضد کل شيء ضاد شیئاً لیغلبه، والسواد ضد البیاض، والموت ضد الحياة، تقول هذا ضدّه وضديده، والليل ضد النهار إذا جاء هذا ذهب ذاك ويجمع على الأضداد»(1). وإلی المعنی نفسه ذهب الأَزهري(2). وابن منظور(3). فالضاد والدال کلمتان متبالینتان في القیاس، فالأولی الضد ضد الشيء، والمتضادان الشیئان، لا یجوز اجتماعهما في وقت واحد، کاللیل والنهار.
والکلمة الأخری الضد وهو املء بفتح الضاد یقال ضَدَّ القربة أي ملأها
ص: 279
ضداً(1). وما جاء في المصباح المنیر: «الضد هو النظير والكفء، والجمع أضداد والضد مثل الشيء والضد خلافه، وضاد مضادة إذ باينه مخالفة، والمتضادان اللّذان لا یجتمعان کاللّیل والنهار»(2). وهکذا فأصلُ المادة ضَدَدَ، وضِدُّ الشيء خلافهُ، وقد ضادَّهُ فهما متضادَّان(3).
تناول هذا المصطلح كثیرٌ من اللغويين ومنهم أبو حاتم السجستاني (ت 255 ه-) إذ قال: «یُعد التضاد جنساً من أجناس الكلام عند العرب، ویقصد به أن تؤدي اللفظة الواحدة معنیین مختلفین متضادین، وتُنبئ کُل لفظة عن المعنی الذي تحتها، وتدِلُّ علیه وتوضّح تأویلهُ»(4). وقد يكون التضاد هو أن یطلق اللفظ الواحد على معنيين أحدهما نقيض الآخر(5). ویُعدّ التضاد نوعاً من المشترك اللفظي، قال قطرب (ت 206 ه-): «والوجه الثالث: أن یتفق اللفظ ویختلف المعنی، فیدل اللفظ الواحد علی معنیین فصاعداً... ومن هذا اللفظ الواحد الذي يجيء على معنيين فصاعداً، ما يكون متضاداً في الشيء وضده»(6).
وقد عرّفه أیضا ابو الطیب اللغوي (ن 351 ه-): «الأضداد جمع ضد، وضد كل شيء ما نافاه نحو: البياض والسواد والسخاء والبخل»(7). وهکذا فالأضداد
ص: 280
الفاظ لكل منها معنيان أحدهما ضد الآخر.
ترجع نشأة التضاد في اللغة العربية، إلى جملة من الأسباب منها:
بعض الألفاظ جاءها التضاد من اختلاف القبائل في استخدامها، وذلك كلفظ (وثب) المستعمل عند مضر بمعنى طفر، وعند حمير بمعنى قعد وكلفظ (السُدْفة) فإنها كانت عند تميم بمعنى الظلمة، وعند قيس بمعنى الضوء وغيرها(1).
قال ابن الأنباري: «قال آخرون: إذا وقع الحرف على معنيين متضادين، فمحال أن يكون العربي أوقعه عليهما بمساواة منه بينهما، ولكن احد المعنيين لحي من العرب والآخر لحي غيره، ثم سمع بعضهم لغة بعض، فأخذ هؤلاء، فالجون الأبيض في لغة حي من العرب، والجون الأسود في لغة حي آخر، ثم أخذ الفريقان من الآخر»(2).
قد يكون المعنى الأصلي للكلمة عاماً، ثم يتخصص في اتجاه آخر عند قبيلة أخری. ومثال ذلك السُدْفة حرف من الأضداد، فبنو تميم يذهبون إلى انها الظلمة وقيس يذهبون إلى انها الضوء(3). والمعنى العام لهذه الكلمة في الأصل
ص: 281
الستر، فكان الليل إذا أقبل سترت ظلمته ضوء النهار(1). وقد يقع التضاد من دلالة الكلمة على معنى عام يشترك فيه الضدّان، فمن ذلك لفظ الصّریم، یقال للّیل صریم، والنهار صریم؛ لأن اللیل ینصرم من النهار والنهار ینصرم من اللیل، فأصل المعنیین من باب واحد هو القطع(2).
وقد يكون السبب في ذلك انشعابها من أصلين، فتكون في دلالتها على أحد الضدين منحدرة من أصل آخر ومثال ذلك (هجد) بمعنى نام وسهر فمن المحتمل أن يكون في معنى النوم منحدرة من هذا إذا سكن، ومن معنى السهر من جَدَّ إذا جهد، لما في السهر من الإجتهاد في منع النوم(3).
إنَّ عامل التهکّم والسخرية من العوامل التي تؤدي إلى تغير المعنى، وقلب الدلالة إلى ضدِّها في كثير من الأحيان، ومثال لذلك عزرت: عزرتُ حرف من الأضداد يقال: عزرتُ الرجل إذا أدّبته ولمته، وأيضاً يقال عزرت الرجل إذا عظمته وكرمته قال تعإلى:
«لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» [الفتح: 9](4).
ص: 282
والمراد ببتُعَزِّرُوهُ أي يقووه بالنصرة ويعظّموه(1).
قد يحدث لأصوات اللفظ الأصلية بعض التغير، أو الحذف، او الزيادة وفقاً لقوانين التطور الصوتي، فيصبحُّ اللفظ متحداً مع لفظ آخر يدل على ما يقابل معناه(2). مثال ذلك تلحلح: حرف من الأضداد يقال قد تلحلح الرجل إذا قام في الموضع وثبت، وتلحلح إذا ذال وذهب وقيلَ (تلحلح) بمعنى أقام وثبت أصله (تلحّلح) من (الإلحاح) فأستثغلوا الجمع بين ثلاثة حاءات فاستبدلوا من الثانية لاماً(3).
قد يكون الشيء صغيراً بالقياس إلى ما هو فوقه، ويكون كبيراً بالقياس إلى ما هو دونه، فيكون الكبر والصغر على هذا أمرين نسبيين، ويتجلّى هذا في كلمة الجلل مثلاً إذ تعني في اللغة: العظيم، وتعني أيضاً الصغير وهذان المعنيان المتضادان ليس لهما صفة الثبوت في الواقع الخارجي، وانهما نسبيان فهما من المعاني التي تقال عند نسبة بعضهما إلى بعض(4).
يسود في بعض القبائل اعتقاداً في الإصابة بالعين والسحر، وتلعب الكلمة
ص: 283
دوراً مهماً في هذا الاعتقاد، فيفّر المرءُ من وصف الأشياء بالحسن والجمال يقول ابن الاعرابي: كانت أمراةً لا يبقى لها ولد الا فقدته فقيل لها نَفِّري عنه فسمته قنفذا و كنّته ابا العداء فعاش(1).
قد يجيء التضاد من انتقال اللفظ عن معناه إلى معنى آخر مجازي لنكته بلاغية أو لعلاقة ما كقوله:
«نَسُواْ اللَّه فَنَسِيَهُمْ» [التوبة: 67].
فالفعل الثاني غير مستعمل في معناه الأَصلي، لأَنَّ الله لا يجوز عليه السهو، بل مستعمل في معنى الإهمال والترك المقصود على سبيل الاستعارة، وقد حسنت الاستعارة في تحقيق المجانسة بين الجزاء والعمل(2). اي النسيان مجاز عن ترك الطاعة فالمراد لم يطيعوه سبحانه فنسيهم من لطفه وفضله(3).
وأيضاً اطلاق كلمة الأُمة على الجماعة وعلى الفرد، فإنه مما لا شك أن الفرد لا يقال له أُمه، إلا على التشبيه بالجماعة على وجه المبالغة، فيقال عن هذا العالم أو ذاك: «کان أمةً وحده» یعني انه کان في رجاحة عقله، وحدة ذکائه جماعة بأسرها، فاستُعير له لفظ يطلق في العادة على الجماعة(4).
اي هناك صيغ كثيرة في العربية تستعمل للفاعل والمفعول ومن هنا ينشأ
ص: 284
التضاد كثيراً في معاني هذه الصيغ ومن أمثلة تلك الصيغ ما يأتي:
صيغة (فعول) تستعمل في العربية بمعنى (فاعل) مثل الفجوع يكون للفاجع والمفجوع. وأیْضاً الزجور يقال للزاجر وللناقة التي لا تدر حتى تزجر وتضرب(1).
وتستعمل احياناً بمعنى (مفعول) مثل رسول بمعنى مرسول وناقة سلوب بمعنى مسلوبة الولد وصيغة فعيل تأتي كذلك بمعنى (فاعل) مثل سميع وعليم وقدير، وتأتي بمعنى (مفعول) مثل دهين بمعنى مدهون، وكحيلُ بمعنى مكحول. ورويت بعض أمثلة هذه الصيغ بالمعنيين جميعاً، مثل الكري بمعنى المكتري، الغريم بمعنى الدائن والمدين وغيرهما(2).
وهو أن يتصوّر شخصان حدثين مختلفين كالبيع والشراء حدثاً واحداً وذلك حين تباع سلعة بسلعة، على سبيل المقايضة. فعندئذٍ يشعر كل منهما أنه مشتر وبائع(3). او على حد تعبير الراغب الأصفهاني (ت 502 ه-): «صح أن یتصور کل منهما مشتریاً وبائعاً»(4).
هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى شيوع ظاهرة التضاد في اللغة العربية.
مثلما هو معلوم أن التضاد نوعٌ من الاشتراك اللفظيِّ، فقد أختلف الباحثون بصدد وروده في اللغة العربية، اختلافهم في ورود المشترك اللفظيِّ
ص: 285
نفسه فأنقسموا بين مؤيد ومنكر. هناك من العلماء من أهتمّ ببيان الأضداد في مصنفاته ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 ه-) إذ يقول: «سمعت أبا زید سعید بن أوس الأنصاري یقول: الناهل في کلام العرب العطشان والناهل الذي قد شرب حتی روی والأُنثی ناهلة»(1).
ومن المُقرِّین للأضداد ایضاً ابن سیده (ت 458 ه-) فهو یری «أن باب الأضداد باب مهم في التوسع بالألفاظ وأن هذا المنكر للأضداد لو سُئِل سؤالاً: وهو: هل يوافق بأن تأتي لفظتان في اللغة متفقتان لمعنيين مختلفين فإنه ان قال لا، يكون قد خالف جمهور العلماء وجانب الصواب لأن مثل هذه الكلمات كثيرة ومثبّتة في اللغة مثل وجدت الّذي یُراد به العلم، والوجدان، والغضب، وجلست هو خلاف قمت وجلست الذي هو بمعنى اتيت نجدا، لأن نجدا يقال لها جلس وإذاً لا سبيل لأنكار مثل هذه الكلمات وفي مثل هذه الحالة تقول له: إذا جاز وقوع الحالة لشيء وخلافه جاز وقوعها لشيء وضده؛ لأن الضد من الخلاف وليس كل خلاف ضداً»(2).
ومن العلماء من أقرّ بوقوع هذه الظاهرة والّف بذلك كتاباً مستقلاً ومن هؤلاء قُطرب (ت 206 ه-)، وابن السكيت (ت 244 ه-) والسجستاني (ت 255 ه-) وابن الأنباري (ت 328 ه-) وغيرهم(3). ومن المحدثين من ذهب إلى وجود الأضداد في اللغة العربية د. رمضان عبد التواب إذ اثبت الأضداد ولكنه يخرج بعض الألفاظ من باب الأضداد ويشترط أتحاد الكلمة ومتعلقاتها في المعنيين ويستبعد
ص: 286
أضداد التصحیف والتحریف. إذ قال: «ويبقى بعد هذا مجموعة صالحة من كلمات الأضداد في العربية، ولا شك في أن ألأصل فيها كلها، دلالتها على معنى واحد غير ان هناك عوامل كثيرة أدّت إلى التَّضاد فيها»(1). وکذلك د. کَاصد یاسر الزيدي إذ يقول: «إذا کان هناك من أنکر التضاد في اللغة فإننا لا نجد لأنکاره دلیلاً یعتد به، ولا حجة يصار اليها. وذلك أن رواة اللغة ذكروا ألفاظاً استعملها العرب في معنيين متضادين فقد كان ابو زيد الأنصاري يذهب مثلاً إلى أن شمت السيف عبارة ذات معنيين أحدهما غمدته والآخر سللته»(2).
وهناك من انكر ذلك أو ضيق مفهوم التضاد في أمثلة قليلة كالدكتور إبراهيم أنيس: «حین نحلل أمثله التضاد في اللغة العربیة ونستعرضها جمیعاً، ثم نحذف منها ما یدل علی التکلف والتعسف في اختیارها یتضح لنا أن لیس بینهما ما يفيد التضاد بمعناه العلمي الدقيق إلاّ نحو عشرين كلمة في كل اللغة»(3).
ومن المنكرين لهذه الظاهرة كثير من العلماء وعلى رأسهم ابن درستويه (ت 347 ه-) وقد ورد أنه الّف كتاباً أبطال الأضداد غير أن هذا الكتاب غير موجود(4). وذكر أن ثعلباً (ت 291 ه-) أنكر الأضداد وأنه يقول: ليس في كلام العرب ضد؛ لأنه لو كان فيه ضد لكان الكلام محالاً؛ لأنه لا يرجع إلى أصل واحد(5). وهكذا فأن موقف العلماء أختلف بين مؤيد ومعارض لهذه الظاهرة.
ص: 287
أقوال الإمام علي علیه السلام التي تثبت ومن الملاحظ أن الذّين ينكرون الأضداد يعودون ليتعرفوا بها بشروط فان ابن درستویه یقول: «قد یجيء الشيء من هذا لعلل کما یجيء فعل وأفعل فیتوهم من لا يعرف العلل أنهما لمعنيين مختلفين او لحذف واختصار وقع في الكلام فربما أشتبه اللفظان وخفي ذلك على السامع والتأويل فيه خطأ، وذلك أن الفعل الذي لا یتعدی إذا احتیج إلی تعدیته علی الوضع الذي هو علیه حتی یتغیر إلی لفظ آخر توضع في أوله همزة أو یوصل به حرف جر»(1).
ويشترط ابن دريد (ت 321 ه-) في أنها لابد ان تكون من واضع واحد، وعلى الرغم من وضعه هذا الشرط، فإن الفاظ الأضداد تشكل حضوراً كبيراً ففي الجمهرة مثلاً الجون بمعنى الأبيض وبمعنى الأسود(2). وهكذا مهما يكن من أمر الجدل الذي دار حول ظاهرة التضاد ووجودها، الأضداد في اللغة إثباتاً وإنكاراً فإننا نجدُ في كتب القدماء أبواباً عن الأضداد إذ سمى الثعالبي (ت 429 ه-) فصلاً كاملاً بعنوان: تسمية المتضادين باسم واحد ومثَّل لهما بالجون للأسود والأبيض والصّريم للّيل والنهار(3).
وقد استدلَّ العلماء بكثير من أقوال الإمام علي علیه السلام التي تثبت هذه الظاهرة ومن هذه الأقوال:
1. قال الإمام علي علیه السلام:
«لقد أَتْلَعوا أعْناقَهم إلی أَمْرٍ لَمْ یکونوا أَهْلَه فَوُقصُوا دونه»(4).
ص: 288
إن لفظة (أَتلع) في قول الإمام علي علیه السلام من الألفاظ المتضادة اذ تدل علی الإرتفاع والإنخفاض فيقال لما أرتفع من الوادي وغيره (تَلْعَةً) ويقال لما یَسَفَّل و جَرَی الماء فیه لإنخفاضه تَلْعة(1). وهكذا فالتلْعةُ ما انهبَط من الأرض وقيل ما ارْتَفَع(2). وهذا من الأضداد والمعنی من کلام الإمام علیه السلام أتعلوا أعناقهم اي مدُّوها ورفعوها(3). قال الزَّبیديُّ: «أتْلَعَ الرَّجُلُ إذا مَدَّ عُنُقَهُ مُتطاوِلاً»(4).
وفي ضوء ما تقدّم يتبين أنّ أتلَع تدلُّ علی معنیین متضادین أي تدلُ علی الإرتفاع والإنخفاض.
2. قال الإمام علي علیه السلام:
«يحملها الأَخْضَرُ المُثْعَنْجِرُ(5)»(6).
3. إنّ لفظة (الأَخضر) في قول الإمام علي علیه السلام من الأضداد إذ تدل علی الأخضر والأسود فالأخضر یعني الأخضر ویعني الأسود أیضاً(7). وأنشد ابن الأنباري للأخضر قول الشمّاخ(8).
ص: 289
وَلَیْلٍ کَلَوْنِ الّسَّاجِ أسْوَدَ مُظْلمٍ قَلیلِ الوَغَی داجٍ کلونِ الأرَنْدَجِ فشبَّه الليل هنا بالطيلسان الأخضر، وهو يريد به شدّة سواده(1). وانشد أيضاً للأسود قول ذي الرمة(2).
قَدْ أعْسِفُ النَّازِخَ المَجْهُولَ مَعْسِفُهُ *** في ظلِ أخْضَرَ یَدْعُو هامَهُ البوُمُ
اي في ظل ليل اسود. وقد يقال إِنَّ الأخضر بمعنى الأسود أصله الأخدر بالدال اذ یقال شعر خُداری أي أسود، والخُداری السحاب الأسود وبعير خُداری أي شدید السواد، والخُدَارِی: الحمار الأسود، و عُقاب خُدارية أي سوداء(3).
قال ابن منظور: «الخدَر: الظلمة، وأحذر القوم أي الیلوا، ولیل أخدر وخداری أي مظلم، واختدرت القارة بالسراب أي استترت به، والخَدر: المکان المظلم الغامض»(4). ولقد تحوّلت الدال في ألسنة کثیر من العرب إلی الضّاد مع احتفاظ الکلمة بمعناها(5). وعلى هذا يكون ما جاء في باب خضر من قولهم للأسود أخضر والخُضَرة في الوان الناس السُّمْرة إذ يقال كتيبة خضراء للتي يعلوها سواد الحديد(6). والمعنى من كلام الإمام علیه السلام أي يحمل الأرض المستفادة من اليبس ماء البحر السائل، ووصف الماء بالخضرة من عادة العرب التعبير عن البحر بالأخضر؛ لأنه بصفة لون السماء فيدعى
ص: 290
أخضر(1). وقد تسمی قری العراق سوداء، لخضرتها وكثرة شجرها(2). وهكذا فالأخضر من الألفاظ المتضادة.
4. قال الإمام علي علیه السلام(3):
فلا تصحب أخا الجهِل *** وإياكَ وایّاهُ
فَکَمْ مِنْ جَاهل أرْدَی *** حلیماً حین آخاهُ
إن لفظة (أرْدَی) في قول الإمام علي علیه السلاک من الأضداد إذ تدل علی الهلاك واللإعانة فیقال أردیت الرجل إذا أهلکته ورَدَی الرَّجُل یَرْدَی إذا هلك کقوله تعإلی:
«وَمَا یُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّی» [اللیل: 11].
اي اذا هلك(4). فتَرَدّی هنا تفعّل من الردی وهو الهلاك وقد قیل تردی في حفرة القبر(5). قال اللیث: «رَدُؤَ الشيء یردؤ رداءة وإذا أصاب الإنسان شیئاً ردیئاً فهو مُردی وکذلك إذا فعل شیئاً ردیئاً»(6). وقد یقال أردیتُ الرجل إذا أعنتهُ کقوله تعإلی:
«فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا یُصَدِّقُنِي» [القصص: 34].
ص: 291
أي عوناً(1). قال أبو حیان: «الردء المعين الذي يشتد به الأمر فهو أسم لما یعان به»(2). وهکذا فأردی تدل على معنيين متضادين فتدلُّ على الهلاك وتدل على الإعانة.
5. قال الإمام علي علیه السلام:
«اقْتُلُوا الکَلْبَ الأسْودَ ذا الغُرَّتَیْن»(3).
إنّ لفظة (الأسود) في قول الإمام علي علیه السلام من الأضداد إذ تدل علی اللون الأسود وتدلُّ أيضاً على اللون الأبيض يقال: أسْوَد للأسود، ويقال دِرْهم أسود، إذا كان أبيض خالص الفضَّة جيدها(4).
قال ابن منظور «الأسود بمعنی لأبیض أصله ألأسوط بالطاء فهو من قولهم: سوط باطل أي هو الضّوء الذي یدخل من الکُوَّة»(5).
وذهب إلى المعنى نفسه الزبيدي(6). فالضوء أبيض اللون، ويقال لما يدخل من الکُوَّة منه الأسوط وذلك لشبهه بالسوط الذي يضرب به من جهة إمتداده وهيئته، ومن هنا فإن الأسوط وهو الضوء الذي يدخل من الکُوَّة، والأسوط الأبيض أي الذي لونه مثل لون هذا الضوء الذي يدخل من الکُوَّة، ولقد تحولت
ص: 292
الطاء في السنة بعض العرب إلى الدال مع احتفاظ الكلمة بمعناها(1). والإمام علیه السلام