بطاقة تعريف: الإصفهاني، محمد تقي، 1308 - 1262
عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام/ تالیف محمدتقي الموسوي الإصفهاني «فقيه أحمد آبادي»؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام
مشخصات نشر : قم: موسسة الإمام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.
ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)
ملاحظة: عربي
ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374
ملاحظة : ج. 1422 2ق. = 40000 :1380 ریال
ملحوظة: فهرس
الموضوع: مهدويت - انتظار
صلاة
محمدبن حسن (عج)، الإمام الثاني عشر، 255ق. - .
المعرف المضاف: المدرسة الامام المهدي (عج). موسسة الامام المهدي
ترتيب الكونجرس: BP224/الف6م7 1380
تصنيف ديوي: 297/462
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-24881
ص: 1
مِکیال المُکارِم في فَوَائِدِ الدُّعَاءِ لِلقَائِمِ
تَألیفُ العَلّاَمِةِ آيَةِ اللهِ الحَاجّ مِیرزَا مُحمَّد تَقي المُوسَويّ الإصفَهَاني «فَقيهَ أحمَدَ آبَادي»
آية الله الفقيد السیّد محمّد تقي الموسوي الإصفهاني «فقيه أحمد آبادي»
و 1301 - 1368 ه. ق.
إن المعارف قد كستك مواهباً***بهدي العقيدة لا بفکر واهم
قد آرخوك موالياً أحييت***«مکیال المکارم في الدعا للقائم»
الكتاب: مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام .
التحقيق والنشر: مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم
الطبعة الرابعه: سنّة 1422 ه- تمتاز بتحقيق جديد،وصف الحروف کمبیوتریّاً
المطبعة: امیران-قم.
الكميّة: 3000 نسخة.
الناشر: حبلُ المتین: قم - ت 7752375.
شابک (دوره): 4-4-93462-964.
شابک (ج1): 2- 5 - 93462 - 964.
حقوق الطبع كلها محفوظة لمؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم المقدسة
ص: 2
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي »
«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»
ص: 3
ص: 4
الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم : بأبي وأُمّي سميي و شبيهي وشبيه موسی بن عمران .(1)
أمیرالمؤمنین علیه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء .(2)
هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته . (3)
آه آه شوقاً إلى رؤيتهم . (4)
الإمام الباقر علیه السلام : بأبي وأمّي المسمىّ باسمي، والمكنّى بكنيتي السابع من بعدي . بأبي من يملا الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماً وجوراً . (5)... أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر.(6)
الإمام الصادق علیه السلام : ... ولو أدركته لخدمته أيام حياتي . (7)
سيّدي غيبتك نفت رقادي ...
سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد.(8)
الإمام الكاظم علیه السلام : بأبي المنبدح البطن ... بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً
وراكعاً، بأبي من لا يأخذه في الله لومة لائم، بأبي القائم بأمر الله .(9)
الإمام الرضا علیه السلام : بأبي وأُمّي سمي جدي صلی الله علیه وآله وسلم وشبيهي وشبيه موسی بن عمران . (10) .
الإمام العسكري علیه السلام : الحمد لله الّذي لَم يُخرجني من الدنيا حتّی أراني الخلف من بعدي . (11)
الإمام الحجّة علیه السلام : أنا بقية الله في أرضية.(12)
ص: 5
من بين غمرات الحياة ولججها، وصروف الليالي وتقلب الأيام، انقدحت بارقة وضاءة في قلب سیّدنا العلّامة الكبير الراحل صاحب هذه الموسوعة القيمة، التي توصل حبل ولائه بمحمّد وعترته الطاهرة، وتزيده إليهم تقرباً وزلفي، وهو ممن يحمل الإخلاص الشديد والحب لهم في الولاء، والصادق في هيامه جهراً وخفاءً، حتّی استشهد دفاعاً عنهم.
ولهذا عزم أن يغتنم من بين معترك مشاغله وقتاً، ويفرد في إمامة المهدي المنتظر عجلّ الله تعالی فرجه الشريف سفراً، يكون له كرامةً وذخراً، يجمع فيه من الدعوات والابتهالات في تعجيل ظهور ابن خيرة الإماء علیه السلام ولكن عاقه عن عزيمته طوارق الزمان، وسددت إليه النائبات قسي الهموم والأحزان، حتّی إذا آن الأوان، وقبل أن يخط من كتابه سطراً، ويعبق من أريجه عطراً ...
فإذا بالإمام علیه السلام يتجلى له بأنواره القدسية، وطلعته البهية في المنام، فيغمر سیدنا المؤلف بالنفحات الندية، والهبات الزكية ويشرفه بأمر - خصه دون العباد - بكتابة ما كان عليه عازماً، وبلسان عربّي مبين، وأن يسميه
ب-«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام »
فكان (سیدنا المؤلف) خیر مبعوث لهذه الرسالة ومصطفى للأمانة، وأنه حاز من الكمالات والدرجات فيما خص بالمكرمات حيث أطاع سیّده ولباه، وأخرج کتاباً حسناً مباركاً نافعاً، فطوبى لمن تشرف في منامه بمولاه، وطوبى لكتاب رضي به الإمام علیه السلام وسمّاه؛
فالكتاب فيه الطاف وبشائر، لانّه سرّ من أسرار الغيب، وله خصوصيّة عند (بقيّة الله الأعظم عجلّ الله تعالی فرجه الشريف ) فموضوعه مستمد من المحل الأقدس وهالة مداده نبعت من فيض جنابه الارفع، فسطع الكتاب بفوائده، وشع بقلائده، فحري لل(مكيال) أن يبلج عن باسم ثغره، ويشر من ندي قطره فيتلمسه المنتظرون للفرج، ويتلاقفه المستضعفون المعدون أنفسهم لنصرة سليل
ص: 6
الأنبياء وخاتم الاوصياء الّذي طالما صبت إليه القلوب، وهفت إليه الأرواح وليكثروا من الدعوات الصادقات في ظهوره حتّی يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
ولهذا شمرت له من جدي ساعداً، وجعلته محطاً للتدقيق، ومنهلاً للتحقيق ولما انتهيت من سبر غوره بتمامه، من أوله لختامه، قلت حقاً:
(أن صدقت الرؤيا، إنا لنراك من المحسنين) فإنّه سفر نفیس، لا يورث قارءه إلا معرفة بإمامه، ولا يزيده إلآ شوقا للقائه ، وتعجيلا لظهوره.
وقد أثناه سیّدنا المؤلف في مقدمة كتابه بقوله: «فدونك كتاباً ... ونختمه بخاتمة» ولكن الأجلّ وافاه ، فبقي الكتاب يتيماً موتوراً بلا خاتمة ...
ثمّ الحمد لله أولا وآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد على ما قدر وهدى . وأنعم وأعطى، وأوضح من الصراط المستقيم، هو الّذي حبانا بدينه، واختصنا بملته ، وعرّفنا بمته سبل إحسانه ورضوانه لنسلكها ونفوز بجنات النعيم؛
وأتم الصلاة وأزكى السلام على سیّد رسله، وخاتم أنبيائه، أول النبيين میثاقا وآخرهم مبعثة، الداعي إلى الله العزيز الحكيم والسراج المنير ، الّذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، بل هو عند الله عزیز کریم؛
وعلى آله آل الله جلّ جلاله الّذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وقرن طاعتهم بطاعته، وجعلهم «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ »الأئمة المعصومين الميامين؛
سیّما خاتمهم الثاني عشر، الحجّة القائم المنتظر، المعدة لنصرة الحقّ،
ص: 7
وإقامة العدل واجتثاث الظلم والبدع، وکلّ أمر سقيم؛
وبعد، نقدم بکلّ فخر واعتزاز - للمرة الرابعة - هذا السفر الثمين، الّذي يقصر مکیال المکارم والمدائح عن عد عبارات الإطراء، وإحصاء كلمات الثناء التي ما برحت تزخ وابلها إعجابة به؛ لما تضمن من مادة قيمة، وحوى من مواضيع هامة، واشتمل على أحاديث شريفة طيبة، تسر فؤاد المتّيم المنتظر لرمز الإنسانية والسعادة والأمان، وتشفي غليل العاشق الولهان، وتبل صدى الظامئ الطالب للحقيقة، وتنير مسالك الإفهام لمن التبس عليه الأمر والبيان، وتقطع
الطريق بدامغ حججها على المنكر والمرتاب؛
کلّ ذلك بأسلوب علمي شيق، وعرض موضوعي منسق ينبئ عن صدق وصفاء عقيدة المؤلف (رحمه الله) و خلوص نيتّه، وشدّة حبّه حدّ الوله والهيام بالإمام المعصوم المنتظر الحجّة الثاني عشر عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
وبالفعل فقد كان يناجيه كلّ ساعة وأوان، ويتمنّى وصاله في كلّ آن؛
فشمله صلوات الله عليه بلطفه، حيث تجلّى له في رؤية رآها سرّت قلبه وطيّبت خاطره، وأمره علیه السلام فيها بتأليف هذا الكتاب على منهج اسمه الّذي سماه له.
- والحقّ يقال -: إن هذا من أعظم النعم، فلا عجب أن يحظى هذا الكتاب بهذه المنزلة، وتتلقفه الأيدي بتلهّف في کلّ مكان، سيما بين الإخوة المسلمين في الدول العربيّة ، والأوربّيّة، وقد كان لزيادة الطلب عليه ، ونفاد نسخه بما في ذلك النسخ المترجمة إلى اللغة الفارسيّة، دافعاً كبيراً إلى إضافة بعض اللمسات التحقيقية على هذه الطبعة من إضافة بعض التخریجات، وكتابة بعض التعليقات ودرج بعض البيانات ممّا نعتقد بأن إضافته في الهامش يساعد القارئ ويمكنه من إستيعاب المادة بشکلّ أسهل؛ فالحمد لله ربّ العالمين وما التوفيق إلا من عند الملك الوهاب ، عليه نتوکلّ و إليه المرجع والمآب .
سبط المؤلف السیّد محمّد باقر الموحد الأبطحي
ص: 8
«كتب سماحة العلاّمة المحقّق السيّد محمّد عليّ الروضاتی» هذه الرسالة بالفارسيّة، وترجمها بعض الأفاضل إلى العربيّة وأضاف إليها ، فإليهما الشكر الجزيل، ونسأله تعالى أن يوفّقهما بمزيد التوفيق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلىّ الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعترته الطيّبين الطاهرين، إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه رسالة «آثار التقوی» في أحوال و آثار سیّدنا العالم الفاضل المحقق المدقق، الفاني في ولاء أهل بيت الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، والمخلص المنقطع إلى عتبة وليّ العصر وإمام الزمان ومهديّ آل محمّد عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
أعني السيّد التقيّ النقيّ الحاج میرزا السيّد محمّد تقيّ الموسويّ الإصبهاني الشهير بالأحمد آبادي ، قدّس الله تربّته الزكيّة، وحشره مع الأئمّة الهداة المهديّين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
كتبتها لتكون مع كتاب «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام ».
الكتاب الّذي ألّفه مؤلّفه الجليل المذكور في الدعاء للإمام المنتظر علیه السلام ووجد قبولاً تامّاً في الأوساط العلميّة، وطبع مكرّراً ، وأقبل على قراءته العلماء والفضلاء.
ص: 9
أسرته العلميّة : «رُبيّ» سيّدنا المؤلّف في أُسرة علميّة طابعها التقوى خلفاً عن سلف، ولها في المجالات المختلفة رجالات وشخصيّات معروفة مشهورة يحترمهم الناس ويتوجّهون إليهم في الشؤون الدينيّة وغيرها، وامتدّت الوجهة العلميّة في الأسرة حتّى الآن حيث لا يزال فيها علماء معروفون يشار إليهم بالبنان وتعقد عليهم الآمال.
فوالده : السید میرزا عبدالرزاق بن میرزا عبدالجواد بن الحاج السيّد محمّد مهدي الموسوي نائب الصدر الأصبهاني الخراساني الملقب بافتخار الدین والمكنى بأبي عبدالله، كان من العلماء المعروفين بالإجتهاد والسداد يقيم الجماعة في جامع مشتطلوعين من يوم الجمعة 28 محرم 1319.
وعبر عنه ولده السیّد المترجم في بعض مؤلفاته ب-«العالم الربّانييّ والحبر الصمدانيّ الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، المبرا عن کلّ نقص وخطل، فقيه آل الرسول ورئيس العلماء الفحول ...».
ووالدته : بنت المرحوم الحاج میرزا حسین نائب الصدر المتوفى سنّة 1326 ه-. ق، وقد نقل في المكيال ج2 ص 310 من الطبعة الثانية رؤيا تدل على حسن حال جده الأمّيّ هذا.
وابن عمته : السیّد ميرزا اسد الله الّذي درس عنده بعض المقدمات.
وخاله: السیّد میر محمّد صادق المدرس، من أعلام المجتهدين والمدرسين بإصبهان، فقيه، مفسر جليل ينقل عنه المؤلف بعض آرائه التفسيرية .
*وأما ولده وأحفاده(1) العلماء فهم
1- ولده الحاج السیّد محمّد، وكان هو من علماء إصبهان الأفاضل، وله رسالة في ترجمة «طبيب زاده» طبعت مع کتاب «حور مقصورات» .
2- ولده الآخر الحاج السیّد عباس، وهو من أئمة الجماعة الأتقياء والخطباء
ص: 10
بإصبهان .
3- صهره السيّد مرتضى الموحّد الأبطحي، وهو من أعلام العلماء المدرسين بإصبهان، وله رسائل و أجزاء في مسائل علميّة جليلة .
4- السیّد محمّد باقر بن السیّد مرتضى الموحّد الأبطحيّ، وهو من الشخصيات العلميّة البارزة في قم، وصاحب مشاريع علميّة هامّة في الفقه والحديث والتفسير وغيرها.
طبع منها ج1-2 «المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم». .
5- السیّد محمّد عليّ بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، وهو من أجلاء العلماء بالنجف والمدرسين بإصبهان، وله مؤلفات قيمة في الفقه والحديث
والرجال طبع منها ج1-2 «تهذيب المقال في شرح كتاب النجاشي في الرجال» .
6- السیّد عليّ بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، من أفاضل العلماء بقم.
7- السیّد محمّد رضا بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، من أفاضل قم.
8- السیّد حجّة بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي من أفاضل إصبهان .
9- السیّد حسن بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي.
10 - السیّد حسين بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي.
أساتذته وشيوخه: تتلمذ رضوان الله عليه على جماعة من الشيوخ والعلماء وذكر جملة منهم في طيات مؤلفاته مع احترام بالغ وإجلال، كما أنه أجيز اجتهادة ورواية من بعض أساتذته مع التفخيم والإعظام.
وإليك فيما يلي بعض من وقفنا على أسمائهم من أساتذته وشيوخ إجازاته :
1- والده السیّد عبدالرزاق الموسوي.
2- ابن عمته السیّد ميرزا اسد الله، درس عنده فنَّي النحو والتصريف.
3- السیّد محمود الحسينيّ الگلشاديّ الإصبهانيّ، قرأ عليه المغني وغيره، ونقل بعض آرائه الأدبيّة في تأليفه.
ص: 11
4- السیّد أبي القاسم الدهکردي، أجازه اجتهاداً ورواية .
5- المولى الشيخ عبد الكريم الجزي، أجازه رواية .
6- الحاج آقا منير الدين البروجردي الإصبهاني.
7- الحاج میرزا بديع «الدربّ إمامي».
8- المولى محمّد الكاشاني.
وقد كتب إجازة الحديث لصديقنا الأستاذ المحقق المرحوم المعلم الحبيب آبادي في كتابيه «وظيفة الأنام» و «نور الأبصار» ونحن نروي بواسطة الأستاذ عنه بين المولد والوفاة: ولد رضوان الله عليه في سنّة 1301 ه. ق بإصبهان(1) وتوفي بها سنّة 1368، فيكون مجموع السنين التي عاشها في الدنيا 47 سنّة وهذا يعني أنه لم يتعد الشباب إلى الكهولة، ولكن مع ذلك تعدت آثاره العلميّة ومساعيه المشكورة عن طور البداءة إلى مرحلة النضج الكامل والعمق والأصالة، ويعود هذا إلى خلوص نیته وإخلاصه في طلب العلم و طي مراحل التعليم، وجده في العمل الخالص والتوجه إلى الله تعالى وانقطاعه عن سواه.
هذا بالإضافة إلى أنه كان شديد الإخلاص لأهل بيت الرسول، أئمة الهدی عليهم الصلاة والسلام ، كثير التوسل بهم في کلّ حالاته وأحواله ، مقتديا بهداهم في جميع أقواله وأعماله، لا يتخطى عن تعاليمهم المقدسة وإرشاداتهم القويمة.
وخاصة الإمام المنتظر الحجّة بن الحسن عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
فإنّه بلغ شوطاً بعيداً في معرفته علیه السلام والوظائف التي يجب أن يلتزم بها أهل الإيمان في زمن غيبته من الدعاء له والتوسل بذیل عنايته ، وآل به الأمر أن ألف في هذا الموضوع كتباً ورسائل مهمة مفيدة أهمها كتابه القيم «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم» الّذي سنذكره بتفصيل .
ص: 12
التوجه إلى الله تعالی :
في حياة سیّدنا المؤلف - أعلى الله مقامه الشريف - تبرز نقطة جليلة يجب الإنتباه إليها والإلتفات إلى مغزاها، وهي أنه لم يهتم بشؤون الدنيا وزخارفها مقتنعة باليسير من العيش، ومكتفيا بالقليل من الدنيا، واضعاً نصب عينيه ما أثر عن أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام : «عز من قنع وذل من طمع» و«القناعة كنز لا يفنى»
تمسك في الأمور المادية بالقناعة معرضا عن الخلق، ومقبلا على العلم والكمال لم يطلب جاهاً و جلالاً ، ولم يسع في جمع المال وادخاره، عمر آخرته ودنياه بولاء أهل البيت علیهم السلام وجعله ذخيرته ليوم عقباه، واكتفى بذلك عن زخارف الدنيا و بهار جها.
خلّف - مع قلّة سنيّ عمره - آثاراً علميّة وأولاداً صالحين هي أحسن الذخائر وأجلّ المآثر، ولا يزال أحفاده ينالون من بركات أنفاسه القدسية، وهم أحلاف التقى والصدق «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»من عباده الصالحين.
لقد كان زمنه مليئاً بالأحداث والمشاکلّ يشمل البلاد القتل والنهب والغلاء والقحط و نفوذ الفرق الضالة والنحل الباطلة، وخاصة مدينة إصبهان امتازت في تلك الأيام بأشد أنواع البلايا والمحن، ومع هذا كله ترى في الزوايا نفوسا - ومنهم سیّدنا المترجم - استكملت إيمانها وتوجهت بقلوب مطمئنة إلى العلم والعمل، لم تؤثر فيهم الأحداث، ولم تزلزلهم المصائب، ولم يتوانوا عن الجد والدأب ولو قارناهم بغير هم لرأينا بعد المسافة بينهم و لظهر حقيقة کلّ واحد منهم، وحينذاك حقّ أن نقول «رحم الله معشر الماضين من العلماء العاملين».
و من وجوه نشاطات السیّد المترجم في حاشية أعماله العلميّة استنساخ طائفة من الكتب الثمينة التي كان يحتاجها في دراساته و مطالعاته، منها كتاب «نصاب الصبيان» كتبه سنّة 1310، و«المفصّل» للزمخشري وفرغ منه سنّة 1319 ه.ق و«توضيح الألغاز» للفاضل الايجي وفرغ منه سنّة 1317، و«شرح الكافية »
ص: 13
للخبيصي، و«كتاب في النحو» نسخه سنّة 1317، وغيرها من الكتب .
1- «تذكرة الطالبين في ترجمة آداب المتعلمين» مثنوي فارسي في أكثر من مائتي بيت، نظمه بطلب من الميرزا أحمد الأديب الجواهري في سنّة 1319 .(1)
2- «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»، وهو هذا الكتاب.
3- «أبواب الجئات في آداب الجمعات»، وهو فارسي أتمه سنّة 1326، وهو في الخامس والعشرين من عمره.
4- «بساتين الجنان في المعاني والبيان»، شرح عربّي على أرجوزة المولی محمّد، وتم تأليفه في شهر صفر سنّة 1319.
5- «آداب صلاة الليل» عربّي الفه بطلب أحد الفضلاء.
6- «وظيفة الانام في زمن غيبة الإمام» فارسي في جزئين مطبوع مرتين .
7- «نور الابصار في فضيلة الإنتظار» فارسي
8-« کنز الغنائم في فوائد الدعاء للقائم» فارسي.
9- «سراج القبور» في آداب صلاة الليل.
10- «توضيح الشواهد» في توضيح شواهد کتاب «جامع الشواهد» .
11- «ترغيب الطلاب» في النحو
12- «أنيس المتفردین».
13- تحفة المتأدبين في شرح هداية الطالبين» .
14- «کتاب المنابر» في المواعظ.
10- «دیوان شعره» ويتخلص فيه با «تقيّ».
16- «محاسن الأديب في دقائق الأعاريب»، تمّ في الرابع من جمادى الآخرة
سنّة 1319 .
ص: 14
شعره: كان سیّدنا المترجم رضوان الله تعالى عليه ينظم قصائد و أبياتا في ساعات الفراغ، وخصص نظمه بأهل البيت علیهم السلام وخاصة في الإمام المهدي علیه السلام .
وترى أشعاره مبثوثة في مؤلفاته ورسائله، وكان يتخلص فيها با «تقي» وربّما تخلص با «شرعي زاده» وإليك بعض أشعاره:
قال في إمامنا الحجّة المنتظر :
ای وصل تو غاية المراد دل ما ***وی ذکر توزیب وزیور محفل ما
اندر دل ما لشکر غم منزل کرد*** زانروز که دور گشتی از منزل ما
وقال :
ياربّ فرجی که ما اسیریم*** یا ربّ کرمی که ما فقیریم
مائیم لئيم وتو کريمي*** ما غرق گناهیم و تو رحيمي
وقال من قصيدة طويلة :
گر همی جوئی وصال یار را ***کن برون از قلب خود اغیار را
چونکه آن یعقوب شیخ المرسلين ***حب يوسف گشت در قلبش مکین
چونکه غیر آمد بدل دلدار رفت ***شد مقام ظاهر واسرار رفت
حقّ تعالی خواست بیدارش کند*** فارغ از هر چیز جز یارش کند
مبتلایش کرد بر درد فراق*** ماه روی یوسفش شد در محاق
وقال في المعمي:
چیست آن هیئتی که جانش نیست ***می زند نعره و زبانش نیست
گاه می گرید وندارد چشم*** گاه می خندد ودهانش نیست
وقال في الحجّة :
زدوری رخت ای پادشا محسن وجمال ***رسیده جان بلب عاشقان تعال تعال
بذکر حسن تو کرو بیان عالم قدس ***يسبحون له بالغدو والآصال
امام مهدی هادی شهنشه دو جهان*** سمي ختم رسل ماحي رسوم ضلال(1)
ص: 15
أول من ترجمه - على ما أعلم - العالم الفاضل الكامل صديقنا المرحوم الميرزا محمّد عليّ المعلم الحبیب آبادی (1308 - 1396) في ثلاثة كتب من مؤلفاته ، فقال في كتابه المخطوط (الأمالي) ص129:
«من كبار علماء إصبهان وساداتها الأجلاء، كان يقيم الجماعة في مسجدمشهد السیّد إسماعيل بن زید بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب خلفا عن والده السیّد میرزا عبدالرزاق الموسوي، وكان كثير الإشتغال بجمع الأخبار والآثار الواردة في الإمام المهدي علیه السلام ... أمه بنت المرحوم الحاج میرزا حسین نائب الصدر، وخاله الفقيه الحاج میر محمّد صادق المدرس ... وكان له شعرمتوسط في الحجّة المنتظر يتخلص فيه «تقي» ... وخطه جميل جيد».
وقال أيضاً في كتابه «مقالات مبسوطة».
«تتلمذ على كبار أساتذة إصبهان ... حتّی أصبح من العلماء المبرزين ومن مسلمي الإجتهاد ... وحصلت المودة بيني وبينه سنین قبل وفاته، وزرته مكررة في بيته بمحلة «یزد آباد» من محال إصبهان ... عاش سني عمره قنعة متعففة وسافر إلى مكة المكرمة والعراق للحج وزيارة الأئمة المعصومین علیهم السلام مرارة نيابة عن بعض المؤمنين، وفي شهر رجب من سنّة 1368 باع ما يملكه من قليل المتاع وسافر إلى العراق وبعد العودة أصيب بمرض أودى بحياته ...».
وقال أيضاً في كتابه «مکارم الآثار» ذیل وقائع سنّة 1301 :
«... وكان سیّداً نجيباً وفقيهاً أديباً، ومن العلماء الممتازين بإصبهان، كان له خط مليح وشعر جيد ...
كان للناس عقيدة به في كتابة العرائض إلى الإمام المنتظر علیه السلام وزيارة عاشوراء، وتشرفت بخدمته مكرراً ، واستفدت منه كثيراً ... »
وقال آية الله شيخنا العلّامة المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه «نقباء البشر» ص258:
ص: 16
«عالم فاضل وخطيب بارع ... كان من العلماء الاعلام القائمين بالوظائف الشرعية وإمامة الجماعة والوعظ وغيرها ...».
وقال شيخ الأدباء المرحوم الحاج میرزا حسن خان الأنصاري المعروف بشیخ جابري في كتابه «تاريخ إصبهان 53/3 » :
«الميرزا السیّد محمّد تقي بن الميرزا عبدالرزاق الأحمد آبادي من المعاصرين وهو صاحب تألیف .. إتصلت صداقتنا به سنین، وكان والده جميل الخط توقي شابّاً ...».
وكتب السیّد الفاضل الصالح الحاج السیّد مصلح الدین ترجمة مختصرة أيضاً لسیّدنا المؤلف في كتابه «رجال إصبهان»، فليراجع.
كما قد ترجم له أيضاً الزركلي في «الأعلام 289/6 » و کحالة في «معجم المؤلفين 9ر131» ومشار في «مؤلفين كتب جابي 2/ 282».
واشتبه كحالة في مدفنه حيث ذکر همدان بدلا من إصبهان . فلينتبه .
ص: 17
إجازة له:
صورة إجازة الآقا السیّد أبي القاسم بن محمّد باقر الدهکردي(1) دام ظله للآقا الحاج میرزا محمّد تقي اليزدآبادي سلمه الله تعالی .
نقلت من نسخة نقلت هي من نسخة الأصل التي هي بخطه الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي أوضح لأوليائه سبيل المعرفة والإيقان، وسهل لعباده طرق الخير والرضوان. مفضل مداد العلماء على دماء الشهداء ومبلغهم إلى أعلى درجات السعداء ، والصلاة الدائمة على فاتحة کتاب التكوين وخاتمة رقيمة الإيجاد واليقين، والسلام على أوصيائه المعصومین شموس فلك الولاية والإرشاد والهداية سيما على من به ختم الولاية وتمت الكلمة .
ثمّ إنّه لما تعلقت المشية الإلهية بحفظ هذا الدين القويم والصراط المستقیم جعل في کلّ قرن علماء عدولا ينفون عن هذا الدين شبه الجاهلين وتحريف المنتحلين، وممن وجدناه في قرننا هذا سالكة مسلك الرشاد وناهج منهج السداد ناشرة لأخبار الأئمة المعصومين متفقها في الدين جناب العالم العامل والفاضل الكامل الجامع للكمالات النفسانية والحائز للمراتب الإيمانية المهذب الصفي والألمعي الزكي أخونا وصديقنا «الحاج میرزا محمّد تقي» أدام الله تأييده فإنا قد وجدناه بعد قراءته علينا شطرة من المباحث الأصولية والمسائل الفقهية صاحب الذهن الوقاد والفهم النقاد وجودة القريحة والسليقة المستقيمة، خارجاً عن ذل التبعية إلى عز الإستقلال، وبالغا رتبة الإجتهاد، مروجا للدين ناشراً الاحكام سیّد المرسلين مفخراً للسادة العلوية افتخاراً للشيعة الإمامية، لا زال سحاب فضله ممطاراً على المستفيدين والمستهدين.
ص: 18
ثمّ إني أجزته أدام الله أيامه أن يروي عتي الكتب الأربعة التي عليها المدار في جميع الأعصار والأمصار والجوامع الثلاثة من الوافي والبحار والوسائل المشتهرة في الآفاق المتواترة عن مؤلفيها المعروفين كالشمس في رابعة النهار وسائر الأصول المعتمدة والكتب الفقهية والأصولية الدائرة بين الإمامية المعلومة انتسابها إلى مصنفيها، وما أبرزته في قالب التأليف والتصنيف من كتاب «منیر الوسيلة . كذا» ورسالة «اللمعات» في شرح دعاء السمات و شرح شرائع الإسلام في الفقه «وتنقيح المباني في علم أصول الفقه بحقّ روايتي عن مشايخي الكرام أنار الله برهانهم بطرقي الصحيحة المعتمدة .
1- منهم : السیّد السند المضطلع اليلمعي الآقا میر محمّد هاشم الإصفهاني عن الشيخ الأعظم والأستاذ الأفخم علم الهدی و كهف التقى مولانا الشيخ مرتضی الأنصاري، عن المولى الأجلّ الفاضل الملا أحمد النراقي، عن شيخه السیّد المستند بحر العلوم السیّد مهدي الطباطبائي النجفي، عن شيخه الوحيد البهبهاني عن والده الأكمل مولانا محمّد أكمل، عن عدة من مشايخه منهم غواص «بحار الأنوار» مولانا محمّد باقر المجلسي الإصفهاني عن مشايخه المذكورين في بحار الأنوار» في مجلد إجازاته وفي أول أربعينه وسائر إجازاته الموجودة عندي بخطه الشريف إلى أن ينتهي إلى أجدادنا المعصومين الأئمة الهادین علیهم السلام .
2- ومنهم : علامة العلماء المحققين أستاذ الفضلاء المدققین مولانا محمّد كاظم الهروي الطوسي النجفي عن السیّد صاحب الكرامات الباهرة السیّد السند محمّد باقر القزويني (1)الحلاوي عن الفقيه الكبير الشيخ جعفر النجفي، صاحب
ص: 19
«کشف الغطاء» عن الوحيد البهبهاني عن والده الأكمل، عن العلّامة المجلسي عن والده المقدس التقي، عن شيخ الإسلام شيخنا البهائي، عن والده المبرأ من کلّ شين الشيخ حسين، عن أفقه الفقهاء الراشدين شيخنا الشهيد الثاني، عن شيخه الأجلّ عليّ بن عبدالعالي الميسي، عن الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذن الجزيني، عن الشيخ ضياء الدين، عن والده السعيد الشهيد محمّد بن مكي، عن فخر المحققين، عن والده العلّامة آية الله في الأرضين، عن المحقق جعفر بن سعید صاحب الشرائع السیّد فخار بن معد الموسوي، عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي ، عن الشيخ الفقيه العماد أبي عليّ الحسن بن أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره القدوسي، عن والده المذكور اسمه السني آنفة ، عن الشيخ الإمام المفيد محمّد بن محمّد النعمان، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه، عن الشيخ الجليل أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بأسانيده المذكورة في كتابه الكافي في الأصول والفروع.
3- ومنهم : العالم الثقة الميرزا محمّد حسن بن العالم الفقيه آقا محمّد عليّ النجفي ، عن الشيخ الكبير صاحب الجواهر، عن الشيخ الفقيه الأكبر صاحب کشف الغطاء الشيخ جعفر النجفي بالإسناد المتقدم المتصل إلى الشيخ الكليني .
4- ومنهم: الشيخ الفقيه المحدث النبيل «المقدس - كذا» من کلّ شين الحاج میرزا حسين النوري القطن في بلدة سامراء، عن خاتم المجتهدين الشيخ مرتضی الأنصاري، عن مستنده في مناهج الأحكام المولى أحمد النراقي، عن آية الله بحر العلوم السیّد مهدي الطباطبائي النجفي، عن الوحيد البهبهاني، عن والده الأكمل محمّد أكمل، عن ذي الفيض القدسي العلّامة المجلسي صاحب کتاب بحار الأنوار بسنده المتصل إلى الأئمة الأطهار المذكورة في إجازات البحار .
فليرو عنّي أدام الله تأييده ما شاء وأحب وأجاز لمن شاء وأحب وأذنت له التصرف في الأمور الحسبية الراجعة إلى الحاكم الشرعي وأوصيه أدام الله توفيقاته بملازمة التقوى والتورع عن المكاره، وحسن الظن بالله تعالی
ص: 20
والإصلاح بين الناس فإنّه من أفضل عامة الخيرات، والإعتزال عن مجالس الحسرة، والإكثار في الكلام الموجب للندامة، والتقليل في الطعام والكلام والمنام، وملازمة صحبة الكرام فإنّه يوجب قوة القلب وشهامة النفس، وأسأله أن لا ينساني من صالح الدعاء خصوصا في أعقاب الصلوات ومظان إجابة الدعوات .
نمّقه بيده الدائرة أحوج المربّوبين إلى خالق البرية السیّد أبو القاسم الدهکردي ثمّ النجفي في الثاني عشر من شهر محرم الحرام من شهور سنّة 1334 أربع وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية على هاجرها آلاف التحية .
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»
کتاب قيم جليل مبتكر، يستعرض المؤلف فيه كثيراً من المسائل المتعلقة بعقيدة «المهدوية» وموضوع الحجّة المنتظر علیه آلاف الصلاة والسلام، تحت عنوان الدعاء له والتضرع إلى الله تعالی لحفظه علیه السلام من المكاره والآفات .
سافر المؤلف إلى حج بیت الله الحرام في سنّة 1330 وظهر الوباء الشديد بمكة المكرمة، فاكتسح كثيرة من الزائرين والحجاج؛
فعاهد الله تعالى أن يقوم بتأليف هذا الكتاب إذا عاد إلى وطنه سالماً، وبعد العودة أنجز ما عاهد فكانت هذه الصحائف المليئة بالتحقيقات العلميّة والتدقيقات الرشيقة والمباحث التي لا غنى لطلاب العلم عنها .
يشير رضوان الله عليه في مقدمة الكتاب إلى أن شدة شوقه إلى لقاء الإمام المنتظر علیه السلام ساقته إلي زيارته في المنام والتشرف بخدمته، وبأمر منه أتم الكتاب وهو الّذي اختار اسمه، وسماه به لامره عجلّ الله تعالی فرجه .
والحقّ يقال إن الكتاب مرآة صافية لذوق المؤلف السليم وذوق أساتذته
ص: 21
الاعلام، وهو أنموذج ممتاز للتحقيق العلمي الصحيح الّذي كان دارجة في الحوزة العلميّة بإصبهان أوائل هذا القرن الّذي نعيش نحن في أواخره.
إنّه يشتمل على بحوث مختلفة بالغة الأهمية في الحديث والفقه والكلام والرجال وحتّی الفلسفة والأدب بأسلوب متقن رصين وإستنتاجات صائبة .
ويكفي للتدليل على ما قلنا الإشارة إلى ما استنبطه المؤلف في ج2 ص 359 من الطبعة الثانية، حيث كشف في تنبيه له عن اشتباهين لعلمين من أعلام العلم الأول منها في كتاب «الغيبة» لشيخ الطائفة الطوسي ونسبه إلى خطأ النساخ والثاني منهما في مشيخة الصدوق من کتاب «مستدرك الوسائل».
والجدير بالإلتفات ما جاء بعد هذا التنبيه حيث يقول :
«وأمثال هذه الأمور ممّا يبعث العالم على الفحص والتبع ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله، فعليكم ياإخواني بالسعي والإجتهاد، فإن الله لا يخيب کلّ مرتاد» إنتهی .
يحتوي الكتاب على ثمانية أبواب کعدد أبواب جنّة المأوى، وقد طبع لاول مرة باهتمام أولاده الأماجد في إصبهان سنّة 1369 في 587 صفحة .
وها هو الآن يطبع في قم بحلته القشيبة وطباعته المتقنة في جزءين .
في شهر رجب من سنّة 1348 ذهب رحمه الله إلى العراق زائراً، وبعد أن عاد إلى وطنه تمرض في أواخر شهر شعبان ولازم الفراش حتّی أتته المنية بعد مضي ساعتين ونصف من ليلة الثلاثاء 25 شهر رمضان المبارك من السنّة المذكورة ودفن بمقبرة تخت فولاد بجوار والده الشريف في الحظيرة .
ص: 22
كلمة آية الله المحقق الشيخ لطف الله الصافي في كتابه «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام »:
إن كتاب «مکیال المکارم» کتاب کبیر حسن نافع لم أر مثله في موضوعه أفرده مصنفه «رحمه الله» لذكر فوائد الدعاء للقائم علیه السلام وما ورد في الأدعية له ولفرجه وما يتقرب به إليه، وقد جمع فيه أدعية كثيرة جليلة من الكتب المفيدة، وذكر فيه من الآداب والفوائد أو الجهات الموجبة للدعاء له والآثار المترتبة عليه والأوقات و الحالات والأماكن التي يتأكد فيها الدعاء له ما لايتسعه هذا الكتاب .
وللمؤلف «رحمه الله» في مقدمة كتابه «نور الأبصار» بالفارسي الطبعة الثانية 1401ترجمة قد ذكرها نجله الأكبر حجّة الإسلام الحاج السیّد محمّد فقيه الاحمدآبادي معربّا عما تفضل به عن حياة المؤلف العلميّة والدينية «المحقق الآية ... السیّد محمّد عليّ الموحد الأبطحي» فللقارئ أن يرجع إليه بطوله.
وفي كتاب «شهدای روحانيت في المائة الأخيرة» ج2 ص 59-64بالفارسي ذكر حياة المؤلف هذا ، وسبب شهادته «فقيه أهل البيت المتفاني لولائهم علیهم السلام »
أقدم شكري الجزيل وثنائي العاطر الجميل للإخوة الأفاضل الّذين عاضدوني في مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام في الحوزة العلميّة بقم «مرکز تحقيق أخبار أهل البيت صلوات الله عليهم» لاخراج هذا السفر القيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.
«رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ».
سبط المؤلف
محمّد باقر نجلّ آية الله السیّد مرتضى الموحد الأبطحي
ص: 23
قال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم :
«من أحب أن يلقى الله وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامهفليتو الحجّة صاحب الزمان المنتظر علیه السلام
«الأربعين لحافظ أهل السنّة ابن أبي الفوارس ح 4 »
کتب سماحة آية الله العلّامة المحقق الأستاذ ...
الحاج آقا «لطف الله الصافي الگلپایگاني» دامت برکاته مؤلف کتاب «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام » هذه الرسالة بعنوان «من لهذا العالم»؟ مقدمة لهذا الكتاب «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام » .
فله الفضل وشكر جزيل.
ص: 24
بسم الله الرحمن الرحيم
من لهذا العالم المليء بالفساد والفواصل والفوارق والمظالم؟
من لدفع هذه الأساليب الإلحادية التي أهوت بالإنسانية في أسفل در کات الحيوانية؟
من لدحض هذه الشبهات التي أشغلت أفكار شبابنا وشيبتنا وفتياننا وفتياتنا؟
من لإزالة هذا الخوف والإضطراب والعناء الّذي استولى على جميع البرية؟
من للشرائع الإلهية التي عطلت وألغيت رسميّاً و ...؟
من ذا الّذي يقوم بإذن الله بإزالة هذه الخلاعة والدعارة التي شملت البلاد؟
من الّذي يرفع الله به المستضعفين، ويؤمن به الخائفين، وينجي به الصالحين ويضع به المستكبرين، ويهلك به الجبارين، ويجتث به أصول الظالمين؟
من هو المصلح الّذي بشّر الله به الأمم بلسان أنبيائه وما أوحي إليهم في كتبه وصحفه؟ .
من الموعود الّذي يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً؟
فمتى يقوم بأمر الله القائم الّذي لما قرأ دعبل قصيدته التائيّة المشهورة على الرضا علیه السلام فذكره بقوله:
خروج إمام لا محالة لازم ***يقوم على اسم الله والبركات
وضع الرضا علیه السلام يده على رأسه وتواضع قائماً ودعا له بالفرج، فقال :
«اللّهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه »(1)؟
إلى متى يبقى في حجاب الغيبة؟ فقد ظهر كثير من علائم ظهوره وعضنا البلاء
ص: 25
فها هو الجور قد عم البلاد ، والفتن قد شملت الآفاق، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وخرجت النساء کاشفات عاريات متبرجات، خارجات من الدين داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مستحلات للمحرمات، لم يبق من القرآن إلا قراءته في الإذاعات والمسجلات، ومن الإسلام إلا الإسم، يسمون به وهم أبعد الناس منه ، يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب.
وها هي الصلاة قد أُمّيتت، والأمانة قد ضيعت، والخمرّ يباع ويشربّ علانية وأهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ ، والأموال الكثيرة تصرف في معصية الله، وتنفق في سخطه، والولاة يقربون أهل الكفر، ويبعدون أهل الخير والحدود قد عطلت والسلطان يذل المؤمن للكافر، والرجل يتكلم بشيء من الحقّ ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه ، ويقول هذا عنك موضوع، وظهر الإستخفاف بالوالدين، والنساء قد دخلن فيما لا ينبغي لهن دخوله، والقضاة يقضون بغير ما أنزل الله واستحل الربّا لا یری به بأس والرجال تشبهوا بالنساء، والنساء تشبهن بالرجال، وكثر الطلاق، وكثر أولاد الزنا، وظهر القينات والمعازف، وتداعى علينا الأمم كما تداعى الأكلة على القصاع لكراهيتنا الموت وحبنا للدنيا، وركبت ذوات الفروج السروج وتغنوا بالقرآن، وتعلموه لغير الله واتخذوه مزامير، وهدر فتيق الباطل بعد كظوم وتواخى الناس على الفجور، يمسي الرجل مؤمناً، ويصبح كافراً، تحزن ذوات الأولاد وتفرح العواقر(1)
فمتى تطلع شمس الإقبال والسعادة من مشرق بيت الوحي والرسالة والولاية؟
سبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء، فالله أكبر الّذي جعل لکلّ عسر يسرة، ولکلّ ضيق رخاء، ولکلّ فتنة
ص: 26
مخرجا، ولکلّ شدة فرجا .
فلاتيأسوا يا إخواني من روح الله، إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا تحسبوا قوة الظالمين وسلطة الكافرين شيئاً، فإنّهم على شفا حفرة الهلاك والدمار، وعن قريب يزول ملكهم، ويبور سعيهم.
وإن أمعنت النظر يا أخي في كتاب ربّك القرآن الكريم وفي الأحاديث المروية عن نبيك والأئمة الطيبين من عترته، زاد رجاؤك بالمستقبل الزاهر، وبعد عنك اليأس والكسل، وليبعثك النشاط والأمل إلى السعي والعمل، ولادیت واجبك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعرفت مسؤولياتك وما أنت مسؤول عنه قبال دينك وكتاب دينك وأحكامه، ولعرفت أن الّذي خلق العباد لا يهملهم سدى، ولا يتركهم في تيّار هذه الخسائر والمهالك، وأن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً.
وتعرف أن البشرية ليست محكوماً عليها بالبؤس والشقاء والظلم وأن الأرض الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
رسالة الإسلام : كما تعرف، وتيقن أن المبشَّر به في لسان الأنبياء، والكتب السماويّة، والقرآن الكريم والسنّة النبوية، والأحاديث المرويّة عن العترة الطاهرة، والآثار المخرجة عن الصحابة هو «ابن الإمام الحسن العسكري بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام » وهو الإمام الثاني عشر، والعدل المشتهر، وصاحب الزمان أرواح العالمين له الفداء.
فالله لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين حيث يقول :
«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »(1)
ص: 27
وقال تعالى جده :«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا »(1)
وقال عز اسمه: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ» (2) وقال تبارك وتعالى:«وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ *فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ »(3)
وقال رسول الله الصادق المصدَّق : لا تقوم الساعة حتّی تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ، ثمّ يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً . (4)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّی يملك رجل من أهل بيتي يظهر الإسلام، ولا يخلف وعده، وهو على وعده قدير . (5)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحدٌ لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج رجل من أمتّي، يواطئ إسمه إسمي، وکنیته کنیتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .منتخب الأثر: 149 ح 23، 150 ح26، 169 ح 80.
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : أبشروا بالمهدي - قالها ثلاثاً - يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شدید، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله . منتخب الأثر: 149 ح 23، 150 ح26، 169 ح 80.
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : الأئمة من بعدي إثنا عشر، أولهم أنت يا عليّ، وآخرهم القائم الّذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربّها .(6)
ص: 28
وقال صلی الله علیه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: الأئمة بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم .(1)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إن عليا إمام أمتّي من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الّذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر .
فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال : يا رسول الله لولدك القائم غيبة؟
قال : إي وربّي ليمحّصنّ الّذين آمنوا ويمحقّ الكافرين.
يا جابر ، إن هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله ، مطويّ من عباد الله وإيّاك والشكّ فيه فإنّ الشكّ في أمر الله عزّ وجلّ كفر .(2)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : والّذي نفسي بيده إنّ مهديّ هذه الأمة الّذي يصلّي عیسی خلفه منّا ثمّ ضربّ يده على منكب الحسين علیه السلام ، وقال : من هذا، من هذا .(3)
وقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : تنقض الفتن حتّی لا يقول أحد: (لا إله إلا الله) وقال بعضهم: لا يقال (الله الله) ثمّ ضربّ يعسوب الدين بذنبه ثمّ يبعث الله قوماً كقزع الخريف، وإني لأعرف إسم أمیرهم، ومناخ ركابهم . (4)
وقال علیه السلام : إن ابني هذا - يعني الحسين - السیّد كما سماه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة الحقّ، وإظهار الجور، ويفرح لخروجه أهل السماء وسكّانها - إلى أن قال - يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(5)
وقال في خطبة من خطبه : وليكونن من يخلفني في أهل بيتي رجل يأمر بأمر
ص: 29
الله، قوي، يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح مفصح يشتدّ فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء، ويقبل فيه الرشاء - الخطبة . (1)
وقال في خطبة أخرى : فنحن أنوار السماوات والأرض، وسفن النجاة، وفينا مکنون العلم ، وإلينا مصير الأمور، وبمهديّنا تقطع الحجج، فهو خاتم الائمة ومنقذ الأمة . (2)
وقال الإمام السبط الأكبر الحسن المجتبی محدثاً عن أبيه عليّ بن أبي طالب أنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تذهب الدنيا حتّی يقوم بأمر أمتّي رجل من ولد الحسين يملا الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً .(3)
وقال سیّدنا أبو الشهداء و سیّد أهل الإباء أبو عبدالله الحسین علیه السلام :
منّا اثنا عشر أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحقّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحقّ على الدين كله، ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون، ويقال لهم : «مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» .
أما إن الصابرين في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهدين بالسيف بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . (4)
وقال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام في حديث رواه عنه أبو خالد:
تمتد الغيبة بولی الله عزّ وجلّ الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده يا أبا خالد، إن أهل زمان غیبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل کلّ زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين
ص: 30
يدي رسول الله بالسيف، أولئك هم المخلصون حقاً وشیعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عزّ وجلّ سراً وجهراً، وقال : إنتظار الفرج من أفضل العمل . (1)
وقال الإمام أبو جعفر محمّد الباقر علیه السلام - في حديث - : إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين علیه السلام الأئمة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إثنا عشر الثاني عشر هو القائم . (2)
وقال الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام :
إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، الحديث.(3)
وفي حديث آخر، قال : هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سیّدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ فيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربّها، وينزل روح الله عیسی بن مریم علیه السلام فيصلي خلفه فتشرق الأرض بنور ربّها، ولا تبقى في الأرض قطعة عبد فيها غير الله عزّ وجلّ إلا عبد الله عزّ وجلّ فيها، ويكون الدين كله لله، ولو كره المشركون.(4)
وقال الإمام أبو إبراهيم موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام - في حديث -:
القائم الّذي يطهر الأرض من أعداء الله ، ويملاها عدلا كما ملئت جوراً ، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام، ويثبت فيها آخرون.
ثمّ قال علیه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم، الحديث.(5)
ص: 31
وقال الإمام أبو الحسن عليّ بن موسی الرضا علیه السلام - في حديث -:
الإمام بعدي إبني محمّد، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد عليّ ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، فيملا الأرض قسطا كما ملئت جوراً وظلماً. (1)
وقال الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد علیه السلام :
إن القائم منّا هو المهدي الّذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره وهو الثالث من ولدي، والّذي بعث محمّداً بالنبوّة، وخصّنا بالإمامة، إنّه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً - إلى أن قال -:
أفضل أعمال شیعتنا انتظار الفرج .(2)
وقال الإمام أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي علیه السلام :
الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . (3)
وقال الإمام أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام :
أما إن لولدي غيبةً يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله .
وقال في حديث آخر:
أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة .(4)
وممّا وجد بخطه علیه السلام : أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب، ونسوا الله ربّ الأربّاب، والنبي، وساقي الكوثر في مواطن الحساب، ولظى والطامّة الكبرى، ونعيم يوم المآب .
ص: 32
فنحن السنام الأعظم، وفينا النبوة والإمامة والكرم، ونحن منار الهدى، والعروة الوثقى، والأنبياء كانوا يغترفون من أنوارنا، ويقتفون آثارنا، وسيظهر الله مهديّنا على الخلق، والسيف المسلول لإظهار الحقّ.
وهذا بخط الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام .(1)
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وقليل من كثير ، ومن سیر کتب الأحاديث والجوامع المعتمدة يعرف أن النبیّ والأئمة من أهل بيته علیهم السلام بشروا الناس بظهور المهدي علیه السلام في البشائر المؤكدة الصريحة المتواترة، وأن ذلك كان عقيدة السلف من عصر النبیّ والصحابة وقام اتفاق المسلمين عليه، ولا اعتناء بمناقشة البعض في بعض الخصوصيات والصفات، لقلة مصادره أولبعض الأغراض والدعايات بعد ماورد فيه من الأحاديث المعينة لشخصه وصفاته ونسبه
وقد أخرج محدثوا الفريقين من أربّاب الجوامع والكتب هذه الأحاديث عن جمع من الصحابة، مثل:
(1) أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام .
(2) وسیّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیهاالسلام .
(3) والإمام الحسن المجتبى علیه السلام .
(4) والإمام الحسين سیّد الشهداء علیه السلام .
(5) وأم سلمة.
(6) وعائشة .
(7) وعبدالله بن مسعود .
(8) وعبدالله بن عباس .
(9) وعبدالله بن عمر.
(10) وعبدالله بن عمرو .
(11) وسلمان.
(12) وأبي أيوب الأنصاري .
(13) وأبي عليّ الهلالي .
(14) وجابر بن عبدالله الأنصاري
ص: 33
(15) وجابر بن سمرة .
(16) وثوبان .
(17) وأبي سعيد الخدري .
(18) وعبدالرحمان بن عوف .
(19) وأبي سلمى.
(20) وأبي هريرة.
(21) وأنس بن مالك.
(22) وعوف بن مالك .
(23) وحذيفة بن اليمان .
(24) وأبي ليلى الأنصاري .
(25) وجابر بن ماجد الصدفي .
(26) وعدي بن حاتم.
(27) وطلحة بن عبيدالله .
(28) وقرة بن إياس المزني .
(29) وعبدالله بن الحارث .
(30) وأبي أمامة .
(31) وعمرو بن العاص .
(32) وعمّار بن یاسر .
(33) وأبي الطفيل .
(34) و أويس الثقفي .
كما أخرج أكابر أهل السنّة من حفّاظهم ومحدثيهم طوائف كثيرة من هذه الأحاديث في مسانیدهم وسننهم وصحاحهم، وجوامعهم فقلّما يوجد کتاب حديث لم تكن فيه رواية أو أثر في المهدي علیه السلام فإليك أسماء بعض كتبهم :
(1) مسند أحمد.
(2) السنن الترمذي .
(3و4) کنز العمال ومنتخبه لعليّ المتقي الهندي المكي.
(5) سنن أبي داود.
(6) سنن ابن ماجة .
(7) صحیح مسلم.
(8) صحيح البخاري .
(9) ينابيع المودة للقندوزي .
(10) مودة القربى للهمداني .
(11) فرائد السمطين للحمويني الشافعي .
(12 و 13) المناقب والمقتل للخوارزمي .
(14) الأربعين للحافظ ابن أبي الفوارس .
(15) مصابیح السنّة للبغوي .
(16) التاج الجامع للأصول للشيخ منصور عليّ ناصف .
ص: 34
(17) الصواعق لابن حجر .
(18) جواهر العقدين للسمهودي
(19) السنن للبيهقي .
(20) الجامع الصغير للسيوطي .
(21) جامع الأصول لابن الأثير .
(22) تيسير الوصول لابن الدبيع الشيباني .
(23) المستدرك للحاكم.
(26 - 24) المعجم الكبير، والأوسط، والصغير للطبراني .
(27) الدرّ المنثور للسيوطي.
(28) نور الأبصار للشبلنجي .
(29) إسعاف الراغبين للصبان.
(30) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي .
(31) تاريخ إصبهان لابن مندة .
(32 و 33) تاريخ إصبهان، وحلية الأولياء لأبي نعيم .
(34، 35) تفسير الثعلبي، والعرايس له .
(36) فردوس الأخبار للديلمي.
(37) ذخائر العقبی لمحب الدين الطبري .
(38) تذکرة الخواص للسبط ابن الجوزي .
(39) فوائد الأخبار لأبي بكر الإسكاف .
(40) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
(41) الغرائب للنيسابوري .
(42) تفسير الفخر الرازي.
(43) نظرة عابرة للكوثري .
(44) البيان والتبيين للجاحظ.
(45) الفتن للنعيم التابعي .
(46) العوالي لابن حاتم.
(47) تلخيص الخطيب .
(48) بدائع الزهور لمحمّد بن أحمد الحنفي .
(49) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي .
(50) تاریخ ابن عساکر .
(51) السيرة الحلبية لعليّ بن برهان الدين الحلبي .
ص: 35
(52) السنن لأبي عمرو الداني.
(53) السنن للنسائي .
(54) الجمع بين الصحيحين للعبدري.
(55) فضائل الصحابة للقرطبي .
(56) تهذيب الآثار للطبري.
(57) المتفق والمفترق للخطيب .
(58) تاریخ ابن الجوزي.
(59) الملاحم لابن منادي .
(60) الفوائد لأبي نعيم.
(61) أسد الغابة لابن الأثير .
(62) الإعلام بحكم عیسی علیه السلام للسيوطي.
(63) الفتن لأبي يحيی
(64) کنوز الحقّائق للمناوي.
(65) الفتن للسليلي.
(66) عقيدة أهل الإسلام للغماري.
(67) صحيح ابن حبان .
(68) مسند الروياني.
(69) المناقب لابن المغازلي .
(70) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني . (1)
(71) الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي .
(72) غاية المأمول للشيخ منصور عليّ ناصف .
(73) شرح سيرة الرسول لعبدالرحمان الحنفي السهيلي .
(74) غريب الحديث لابن قتيبة.
(75) سنن أبي عمر المقري .
(76) التذكرة لعبدالوهاب الشعراني.
(77) الإشاعة للبرزنجي المدني .
(78) الإذاعة للسیّد محمّد صدیق حسن.
(79) الإستيعاب لابن عبد البر .
(80) مسند أبي عوانة.
(81) مجمع الزوائد للهيثمي .
(82) لوامع الأنوار البهية للسفاريني الحنبلي .
(83) حجج الكرامة للسیّد محمّد صديق .
(84) إبراز الوهم المكنون له.
(85) مسند أبي يعلى .
ص: 36
(86) الإفراد للدارقطني.
(87) المصتف للبيهقي .
(88) الحربّيات لأبي الحسن الحربّي .
(89) نظم المتناثر من الحديث المتواتر لمحمّد بن جعفر الكناني .
(90) التصريح بما تواتر في نزول المسيح للشيخ محمّد أنور الكشميري .
(91) إقامة البرهان للغماري.
(92) المنار لابن القيم
(93) معجم البلدان الياقوت الحموي.
(94) مقاليد الكنوز لأحمد محمّد شاكر.
(95) شرح الديوان للميبدي .
(96) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي.
(97) مناقب الشافعي لمحمّد بن حسن الأسنوي .
(98) مسند بزار .
(99) دلائل النبوة للبيهقي .
(100) جمع الجوامع للسيوطي .
(101) تلخيص المستدرك للذهبي .
(102) الفتوح لابن اعثمّ الكوفي .
(103) لوامع العقول للكشخانوي .
(104) تلخيص المتشابه للخطيب .
(105) شرح ورد السحر لأبي عبد السلام عمر الشبراوي.
(106) التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح للشوكاني .
(107) الهدية الندية للسیّد مصطفى البكري .
(108) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني .
(109) روح المعاني للآلوسي.
(110) لسان المیزان : لإبن حجر .
(111) أرجح المطالب : للشيخ عبيدالله آمرّ تسري الهندي الحنفي .
(112) نهاية البداية والنهاية : لابن كثير الدمشقي المتوفى سنّة 774 .
ص: 37
ولا يخفى عليك أيضاً أن للقوم في المهدي المنتظر وما يرجع إليه كتباً مفردة لا بأس بذكر أسماء بعضها ممّا اطلعت عليها . فمنها :
1- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : للعالم الشهير ملا عليّ المتقي المتوفى سنّة 975.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان : للكنجي الشافعي المتوفى سنّة 658.
3- عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر : لجمال الدین یوسف الدمشقي من أعلام القرن السابع.
4- مناقب المهدي علیه السلام : لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنّة 430.
5- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر : لابن حجر المتوفى سنّة 974
6- العرف الوردي في أخبار المهدي : للسيوطي المتوفى سنّة 911.
7- مهدي آل الرسول : لعليّ بن سلطان محمّد الهروي الحنفي .
8- فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر : للشيخ مرعي .
9- المشربّ الوردي في مذهب المهدي: لعليّ القاري.
10- فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر : للمقدسي.
11۔ منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي : الشهاب الدين أحمد الخليجي الحلواني الشافعي.
12- العطر الوردي بشرح القطر الشهدي: للبليسي .
13- تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان : لابن كمال باشا الحنفي المتوفى سنّة 940.
14- إرشاد المستهدي في بعض الأحاديث والآثار الواردة في شأن الإمام المهدي : لمحمّد عليّ حسين البكري المدني.
15- أحاديث المهدي، وأخبار المهدي : لأبي بكر بن خيثمة .
16- الأحاديث القاضية بخروج المهدي : لمحمّد بن إسماعيل الأمیر اليماني المتوفى سنّة 751.
ص: 38
17- الهدية الندية فيما جاء في فضل ذات المهدية : لقطب الدین مصطفی بن كمال الدين عليّ بن عبدالقادر البكري الدمشقي الحنفي، المتوفى 1162.
18- الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أنه عیسی أو المهدي المنتظرة للشيخ محمّد حبیب الله بن مایابي الجكني الشنقيطي المدني.
19- النظم الواضح المبين : للشيخ عبدالقادر بن محمّد سالم.
20- أحوال صاحب الزمان : للشيخ سعد الدين الحموي.
21- الأربعين من أحاديث المهدي : لأبي العلاء الهمداني، كما في ذخائر العقبی
22- تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر : لمحمّد بن عبدالعزيز بن مافع (كما في مقدمة الينابيع).
23- تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان : لعليّ المتقي.
24 - الرد على من حكم وقضى بأن المهدي جاء ومضي : لملاّ عليّ القاري المتوفى سنّة 1014.
25- علامات المهدي: للسيوطي.
26۔ المهدي : لشمس الدين بن قيم الجوزية، المتوفى سنّة 751.
27 - المهدي : إلى ما ورد في المهدي : لشمس الدين محمّد بن طولون.
28 - النجم الثاقب في بيان أن المهدي من أولاد عليّ بن أبي طالب.
29- الهدية المهدوية : لأبي الرجاء محمّد الهندي.
30- کتاب المهدي: لأبي داود صاحب السنن .
31- الفواصم عن الفتن القواصم، كما ذكر في السيرة الحلبية ج1 ص227.
32- رسالة في المهدي علیه السلام : لابن كثير الدمشقي .
33- كلمتان هامّتان. 1- نصف شعبان. 2- والمهدي المنتظر : لمحمّد زكي إبراهيم المعاصر .
ص: 39
34- رسالة في رد من أنكر أن عيسى علیه السلام إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح : للسيوطي.
35- فصل الحكم بالعدل وفضل الإمام العادل .
ثمّ اعلم أنه مضافاً إلى ماذكر قد صرح جمع من أكابر أهل السنّة بتواتر أحاديث المهدي علیه السلام وباتفاق المسلمين على ظهوره .
كما قد صرح جمع منهم بأنه هو ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام وصرحوا بولادته وتاريخه، وغيبته وبقائه حيّاً إلى أن يظهره الله تعالى .(1)
هذا مختصر الكلام في شأن الموضوع عند أهل السنّة، وكمال اعتناء أكابرهم وعلمائهم به، وأما الشيعة الإثنا عشرية فأحاديثهم ومقالاتهم وكتبهم في ذلك أكثر من أن تحصی. (2)
نذكر نموذجاً منها في مقدمة هذا الكتاب الّذي بين يديك کتاب :
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام »
الكتاب الّذي يعربّ عن طول باع مؤلّفه وسعة تتبعه وتفكيره لم نعرف له نظيراً في بابه، ولم نطلع في ما كتب حول المهدوية على كتاب مفرد في آداب الدعاء للمهدي علیه السلام وفوائده غير هذا الكتاب، ولقد أدى مؤلّفه العلّامة حقّ التأليف، والتنقيب حول ذلك، وبين تكاليف الرعية بالنسبة إليه علیه السلام.
ص: 40
وهذا الكتاب الشريف وإن صنف في فوائد الدعاء لمولانا القائم أرواحنا فداه ولكنه موسوعة كبيرة في کلّ ما يتعلق به علیه السلام ممّا هو مذكور في كتب الأحاديث والجوامع الكبيرة المعتمدة، ولو أسماه «موسوعة الإمام المهدي أو موسوعة المهدي المنتظر» لكان أيضاً بذلك جدير، ووقع الإسم على المسمى.
فلله درّ مؤلّفه البارع المخلص الوليّ الوفيّ لإمامه ، العلّامة الحجّة الآية «السیّد محمّد تقي الموسوي» وعليه أجره و برّه فيما تحمّل في سبيل إخراج هذا الأثر الجليل من العناء الّذي لا يعرفه إلا الأوحدي من أهل التأليف والتنقيب.
فهنيئاً له لتأليف هذا الكتاب ما أكرمه الله من التوفيق الّذي لا يكرم به إلا أهل الإخلاص والوفاء، وذوي النيات الصادقة، والقلوب السليمة، والمتمسکین بحبل العترة الهادية .
فاعرف يا أخي قدر هذا الكتاب واقرأه بکلّ إمعان ، فأنت تجد فيه کلّ ما تريد أن تعرفه من شؤون المهدي علیه السلام ، وحياته الغالية العزيزة، وتاريخه، وسماته وصفاته . فاقرأه حتّی تعرف أن واجب کلّ مسلم أن يكون دائما في السير والحركة حتّی يصل هو والعالم إلى نقطة الكمال، ولا تقاعد ولا تكاسل عن العمل حتّی يملأ الله الأرض به قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً.
فالدعاء له يجب أن يكون عوناً للجهاد والعمل الدائب في تحقيق أهدافه ومقاصده، فمن اتکلّ على الدعاء وترك العمل خاب وضلّ، ومن اتکلّ على العمل و ترك الدعاء كان من الخاسرين . قال الله تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ »(1)
وقال جلّ وعز: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»(2).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
لطف الله الصافي الگلپایگانی
5 جمادی الثانية 1398
ص: 41
ص: 42
بسم الله الرحمن الرحيم
(وهو حسبي)
یا من حارت في كبرياء هويته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا من عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب العظمته، ووجلت القلوب من خيفته ، ربّ أنت في الدارين رجائي، جلّ قدسك عن ثنائي، سبحانك لا أبلغ حمدك، ولا أحصي ثناءك، أنت كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون. أحمدك على تظافر نعمائك، وتكاثر آلائك وأُصلّي وأُسلم على خاتم أنبيائك، وأفضل أصفيائك محمّد وآله المعصومين حججك وأمنائك؛ ولاسيما المدخر للإنتقام من أعدائك، الّذي بفرجه فرج اولیائك، واللعنة الدائمة المضاعفة على أعدائهم أعدائك.
أما بعد، فيقول العبد المذنب الضعيف الخاطئ المهجور اللهيف الغريق في بحر الأماني، محمّد تقي، ابن العالم الربّاني والحبر الصمداني مولاي الميرزا عبدالرزاق الموسوي الإصفهاني عفى الله عن جرائمهما، وجمع الله تعالی بينهما وبين إمامهما.
إن أحقّ الأمور وأوجبها عقلاً و شرعاً أداء حقّ من له حقّ عليك (1)، ومكافاة من أحسن إليك، ولا ريب أن أعظم الناس حقّاً علينا (2) وأوفرهم إحساناً إلينا وأكثرهم منناً ونعماً لدينا، من جعل الله تعالى معرفته تمام دیننا، والإذعان له
ص: 43
مکمّل یقیننا، وانتظار فرجه أفضل أعمالنا، وزيارته غاية آمالنا، أعني «صاحب الزمان»، وحامل راية العدل والإحسان، وماحي آثار الكفر والطغيان .
الّذي أمرنا بمتابعته، ونهينا عن تسميته، ثاني عشر الأئمة المعصومين، وخاتم الأوصياء المرضيين، القائم المنتظر الرضي ابن الزكي الحسن العسكري عجلّ الله تعالی فرجه، وسهل مخرجه، ولا فرق بيننا وبينه في الدنيا والآخرة.
لمؤلّفه
بنفسي مَن مِن هجره أنا ضائل***ومن اللواء الفتح والنصر حامل
بنفسي إماماً قائماً غاب شخصه***وليس له في العالمين ممّاثل
بنفسي من يحيي شريعة جدّه***ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
ويجتث أصل الظالمين وفرعهم***ويحيي به رسم العليّ والفضائل
فيا ربّ عجلّ في ظهور إمامنا***وهذا دعاء للبرية شامل
وحيث أنا لا نقدر على أداء حقوقه على التحقيق، وشكر وُجُوده وجوده كما يليق، وجب علينا الإستباق إلى الميسور، فإنّه لا يسقط بالمعسور.
وأفضل الأمور في زمان غیبته انتظار فرجه، والدعاء له، والمسابقة إلى ما يسره، ويزلف لديه، ويتقرب به إليه.
وقد ذكرت في الباب الثامن من كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات(1) نيفاً وثمانين فائدة من الفوائد الدنيوية والأخروية المترتبة على الدعاء لفرجه علیه السلام .
ص: 44
ثمّ سنح لي أن أفرد لذلك كتاباً يشتمل على تلك الفوائد، وينظم فيه تلك الفرائد، فعاقني عن ذلك نوائب الزمان، وتوارد الأحزان، حتّی تجلی لي في المنام من لا أقدر على وصفه بالقلم والكلام، أعني مولاي وإمامي المنتظر وحبيب قلبي المنکسر، وقال لي ببيان أبهج من وصل الحبيب، وأهيج من صوت العندليب، ما لفظه:
این کتاب را بنويس وعربّي هم بنویس و نام او را بگذار :
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»
فانتبهت کالعطشان، وأسفت أسف اللهفان، وعزمت إطاعة أمره الأعلى وقلت : كلمة الله هي العليا؛
ثمّ لم يساعدني التوفيق حتّی سافرت في العام الماضي 1330، وهي السنّة المتممة للثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة إلى البيت العتيق، ولما تأطّم هنالك الوباء، وتلاطم اللأواء
عاهدت الله جلّ جلاله، وعمّ نواله إن يخلّصني من المهالك، ويسهّل لي إلى وطني المسالك - أشرع في تصنيف ذلك .
ص: 45
فمنّ عليَّ بالسلامة ممّا كنت أخاف، وكم له لدي من المواهب والألطاف فشرعت فيه إمتثالا لقوله عز من قائل:
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(1)
وقوله المطاع الاعلى:
«وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا »(2)
فدونك كتاباً ک-
«فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ » (3)
«لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً*فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ »(4)
لها أبواب ثمانية
«لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » (5)
ونختمه بخاتمة فوائدها دائمة
«لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ»(6)
«خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ »(7)
«لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ»(8)
ص: 46
ويدل على ذلك(1) العقل والنقل :
أما الأول : فلأن العلل المحوجة إلى وجود النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم هي المحوجة إلى وجود الوصي علیه السلام بعد وفاة النبي، والجهة الموجبة للرجوع إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم هي الموجبة للرجوع إلى الوصي بعينها، فيجب على الله تعالی نصبه، وعلى الناس معرفته، لتوقف اتباعه على معرفته . (2)
ص: 47
ص: 48
وأما الثاني : فمتواتر لكنا نذكر نبذاً ممّا رواه ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي روماً للإختصار:
1- فمنها : في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ: «وللهِ الأسماءُ الحسنی فادعُوهُ بِها» (1)قال :
نحن والله الأسماء الحسني التي(2) لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا .(3)
أقول: لعل التعبير عنهم بالأسماء لكونهم أدلاء على الله، وعلامات قدرته وجبروته ، كما أن الاسم علامة لصاحبه، دال عليه، والله تعالى هو العالم . ويشهد لذلك:
مارواه الكليني (رحمه الله) في الصحيح عن الرضا علیه السلام في قول الله عزّوجلّ :
«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(4)
قال علیه السلام : نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(5)
ص: 49
2- ومنها : في الصحيح عن العبد الصالح علیه السلام قال :
إن الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتّی يعرف(1). (2)
أقول: يشير إلى وجوب إقامة الحجّة على الله تعالى، وأن معرفته لا تتمّ إلا بوجود الإمام، فيجب معرفته على الناس ونصبه على الله.
3- ومنها : في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام - في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة علیهم السلام وصفاتهم -:
إن الله عزّ وجلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه، وأبلج (3) بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة (4) إسلامه، لأن الله تبارك وتعالی نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجّة على أهل مواده وعالمه (5) وألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمد بسبب إلى السماء، لا ينقطع عنه مواده ، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا
ص: 50
بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى (1) ومعيات السنن ومشبهات (2) الفتن،
فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين علیه السلام من عقب کلّ إمام، يصطفيهم لذلك، ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً، علماً بیناً، وهادياً نيراً، وإماماً قيماً، وحجّة عالمة، أئمة من الله «يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (3) حجج الله ودعاته، ورعاته على خلقه، يدين بهداهم العباد، وتستهل(4) بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد (5).
جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها. .
فالإمام هو المنتجب المرتضی، والهادي المنتجي (6) والقائم المرتجی،
اصطفاه الله [تعالی] بذلك واصطنعه على عينه (7)في الذر (8)حين ذرأه، وفي البرية حين برأه ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبواً (9)بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره،
بقية من آدم علیه السلام وخيرة من ذرية نوح علیه السلام و مصطفی من آل إبراهيم علیه السلام ، وسلالة من إسماعيل علیه السلام ، وصفوة من عترة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
لم يزل مرعيّاً بعين الله، يحفظه ويكلؤه بستره، مطروداً عنه حبائل إبليس
ص: 51
وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق (1)، ونفوث کلّ فاسق، مصروفاً عنه قوارف(2) السوء، مبرءاً من العاهات، محجوباً عن الآفات ، معصوماً من الزلات مصوناً(3) عن الفواحش كلها، معروفاً بالحلم والبر في يفاعه(4) منسوباً إلى العفاف .. والعلم والفضل عند انتهائه ، مسنداً إليه أمر والده، صامتاً عن المنطق في حياته .
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبته، وبلغ منتهي مدة والده علیه السلام فمضى، وصار أمر الله إليه من بعده، وقلده دينه، وجعله الحجّة على عباده، وقيمه في بلاده ، وأيده بروحه، وآتاه علمه، وأنبأه فصل بیانه، واستودعه سره، وانتدبه (5) لعظیم أمره، وأنبأه فضل بیان علمه، ونصبه علما لخلقه، وجعله حجّة على أهل عالمه، وضياء لأهل دينه، والقيم على عباده، رضي الله به إماماً لهم، استودعه سره، واستحفظه علمه، واستخبأه (6) حكمته، واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم أمره، وأحيا به مناهج سبيله، وفرائضه وحدوده، فقام بالعدل - عند تحير أهل الجهل، وتحيير أهل الجدل - بالنور الساطع، والشفاء النافع، بالحقّ الأبلج والبيان اللائح من کلّ مخرج، على طريق المنهج، الّذي مضى عليه الصادقون من آبائه علیه السلام فليس يجهل حقّ هذا العالم إلا شقي، ولا يجحده إلآ غوي، ولا يصد عنه إلا جري على الله جلّ وعلا. إنتهى بطوله .(7)
ص: 52
4- ومنها : بسند الصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : لا يكون العبد مؤمنا حتّی يعرف الله ورسوله والأئمة علیهم السلام كلهم وإمام زمانه ويرد إليه و يسلم له، ثمّ قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول؟ !(1)
5- ومنها : في الصحيح عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام :
أخبرني عن معرفة الإمام منکم واجبة على جميع الخلق؟
فقال : إن الله عزّ وجلّ بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم إلى الناس أجمعين رسولاً وحجّة الله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واتبعه وصدّقه، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه، ويعرف حقهما(2) ، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما .(3)
أقول: يريد أن وجوب معرفة الله ورسوله مقدم رتبة على وجوب معرفة الإمام، لا نفي وجوب معرفة الإمام عمن لا يعرف الله ورسوله.
6- ومنها : في الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: کلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله (4) ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جتها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها، فحنت إليها، واغترت بها، فباتت معها في ربّضتها (5)فلمّا أن ساق الراعي قطيعه، أنکرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحبيت إليها ، واغترت بها، فصاح
ص: 53
بها الراعي: الحقّي براعيك وقطيعك، فإنك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة (1)، متحيرة نادةً (2)لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها ، أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمّد؛
من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ، ظاهراً عادلاً ، أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق.
واعلم يا محمّد، أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها«كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ »(3). (4)
قوله علیه السلام : طاهراً إن كان بالمهملة، فالمعنى طاهر عن الأرجاس والذنوب وهو معنی کونه معصوماً،
وإن كان بالمعجمة، فالمعنى ظاهر وجوده وحجّيّته بالدلائل الواضحة ، والعلائم اللائحة، وإن كان شخصه غائباً عن الأبصار القاصرة .(5)
7- ومنها: بسند کالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت،
ص: 54
ومن لا يعرف الله عزّ وجلّ و«لا» يعرف الإمام ما أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله، هكذا والله ضلالا.(1)
8- ومنها : في الصحيح عنه علیه السلام قال :
ذروة الأمر وسنامه(2)، ومفتاحه ، وباب الأشياء (3)ورضى الرحمان تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته،
ثمّ قال : إن الله عزّ وجلّ يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا » (4)
أما لو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ماكان له على الله حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان . (5)
9- ومنها : في الصحيح عن عيسى بن السري أبي اليسع، قال:
قلت لأبي عبدالله علیه السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، الّذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، و لم يقبل الله منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله، و لم يضق(6) به ممّا هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله؟
فقال : شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛
والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال الزكاة ؛
والولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها: ولاية آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
ص: 55
قال : فقلت له : هل في الولاية شيء(1) دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟
قال: نعم، قال الله عزّ وجلّ:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(2)
وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية
وكان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وكان عليّاً وقال الآخرون : كان معاوية ،
ثمّ كان الحسن، ثمّ كان الحسين
وقال الآخرون: یزید بن معاوية و حسین بن علي، ولا سواء ولا سواء .
قال : ثمّ سكت علیه السلام ، ثمّ قال : أزيدك؟
فقال له حكم الاعور: نعم، جعلت فداك ؛
قال : ثمّ كان عليّ بن الحسين، ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر
ص: 56
وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر علیه السلام وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتّی كان أبو جعفر ففتح لهم، وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتّی صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس؛ وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،
وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه، إذ بلغت نفسك هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - وانقطعت عنك الدنيا، تقول: لقد كنت على أمر حسن. (1)
10- ومنها : في الصحيح عن الحارث بن المغيرة، قال :
قلت لأبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ؟ قال : نعم، قلت : جاهلية جهلاء، أو جاهلية لا يعرف إمامه؟
قال علیه السلام : جاهلية كفر و نفاق وضلال. (2)
أقول : الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جداً.
11- ومنها : ما روي في كمال الدين : عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال :
من شك في أربعة فقد کفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالى، أحدها : معرفة الإمام في کلّ زمان و أوان بشخصه ونعته.(3)
12- وفيه : أيضاً عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من أنكر القائم من ولدي في زمان غیبته مات ميتة جاهلية . (4)
وفيه : عنه علیه السلام عن آبائه ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني .(5)
ص: 57
13- وفي غيبة النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال :
من بات ليلة لا يعرف فيها إمام زمانه مات ميتة جاهلية .(1)
إلى غير ذلك من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
وأما المراد من المعرفة التي يجب تحصيلها فسيأتي في صدر الباب الثامن(2) أن الواجب من المعرفة أمران:
أحدهما: معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه، والثاني :
معرفة صفاته وخصائصه التي يمتاز بها عن غيره، فانتظر لتفصيله إن شاء الله
تنبيه :
قال المتأخرون من المجتهدين :
الخبر الصحيح ما كان راويه في کلّ طبقة عدلاً إمامياً،
وقال المتقدمون: هو ما حصل الاطمئنان بصدوره عن المعصوم،
ومرادي بالصحيح في هذا الباب، هو المعنى الأول، وكلما عبرت فيه :
بسند کالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، فهو الصحيح بالمعنى الثاني .
ص: 58
إعلم - ثبتك الله وإيانا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وجمع بيننا وبين الخلف المنتظر من العترة الطاهرة - أنه لا طريق إلى إثبات الإمامة إلا النص وظهور المعجزة، وذلك لأن من شرط الإمام أن يكون معصوماً، وهي [واجبة] وإلا لا نتقض الغرض من نصبه، وهو محال، والأدلة على وجوب العصمة فيه كثيرة مذكورة في محلها، وهي كيفية نفسانية، ومرتبة خفية باطنية ، لايعلمها إلا الله تعالى شأنه ومن ألهمه الله تعالی علم ذلك، فالواجب على الله تعالی أن يعينه لعباده إما بالنص عليه على لسان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو الإمام السابق عليه ، وإما بإجراء المعجزة على يديه، وإذا تعين الإمام من الله فالواجب على الناس أن يرجعوا إليه ويعتمدوا عليه: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا »(1) ويشهد لما ذكرنا الأحاديث المتواترة معنی :
ص: 59
14- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي(1) في الإحتجاج، وهذا الحديث وإن كان طويلا لكنه يشتمل على فوائد جمة وأمور مهمة ويثبت إمامة مولانا بالنص والمعجزة، وأنه ليس للأمة في نصب الإمام خيرة، فلا غرو أن نذكره بطوله، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل قبوله.
قال رہ: إحتجاج الحجّة القائم المنتظر صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه :
سعد بن عبدالله القمي الأشعري قال : بلیت بأشد النواصب منازعة، فقال الي يوما بعد ما ناظرته: تباً لك ولأصحابك، أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم، وبالجحود لمحبّة النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لهم، فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام،
ألا تعلمون أن رسول الله إنما ذهب به ليلة الغار لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه! ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته ، وأراد أن يصون نفسه كما يصون خاصة نفسه ، كي لا يختل حال الدين من بعده، ويكون الإسلام منتظماً، وقد أقام علياً على فراشه، لما كان في علمه أنه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله، لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه، لا جرم لم يبال من قتله !!
قال سعد: إني قلت على ذلك أجوبة، لكنها غير مسكتة ، ثمّ قال :
معاشر الروافض، تقولون أن الأول والثاني كانا ينافقان، وتستدلون على ذلك بليلة العقبة .
ثمّ قال لي: أخبرني عن إسلامهما، كان من طوع ورغبة، أو كان عن إكراه وإجبار؟ فاحترزت عن جواب ذلك، وقلت مع نفسي: إن كنت أجبته بأنه كان عن طوع، فيقول : لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق .
ص: 60
وإن قلت : كان عن إكراه وإجبار، لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتّی يكون إسلامهما بإكراه وقهر .
فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي، فأخذت طوماراً وكتبت بضعاً وأربعين مسالة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها ، فقلت :
ادفعها إلى صاحب مولاي أبي محمّد الحسن بن عليّ [العسكري] **** الّذي كان في قم، أحمد بن إسحاق، فلمّا طلبته كان هو قد ذهب، فمشيت على أثره فأدركته، وقلت الحال معه.
فقال لي: جئ معي إلى سر من رأى، حتّی نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام ، فذهبت معه إلى سر من رأى، ثمّ جئنا إلى باب دار مولانا علیه السلام فاستاذنا [للدخول] عليه، فأذن لنا فدخلنا الدار، وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري، وكان فيه مائة وستون صرة من الذهب والورق على کلّ واحدة منها خاتم صاحبها، الّذي دفعها إليه.
ولما دخلنا ووقع أعيننا على [وجه] أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام كان وجهه كالقمر ليلة البدر، وقد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن والجمال، وكان على رأسه ذؤابتان، وكان بين يديه رمان من الذهب قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة ، قد أهداه واحد من رؤساء البصرة، وكان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس، فكلما أراد أن يكتب شيئا أخذ الغلام يده ، فألقى الرمان حتّی يذهب الغلام إليه ويجيء به ، فلمّا ترك يده يكتب ما شاء.
ثمّ فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي العسكري علیه السلام فنظر إلى الغلام، وقال : فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.
فقال علیه السلام : يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة؟
ثمّ قال : يا بن إسحاق، أخرج ما في الجراب ليميز بين الحرام والحلال، ثمّ أخرج صرة، فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، مشتمل على
ص: 61
اثنين وستين دیناراً، فيها من ثمن حجرة باعها، وكانت إرثاً عن أبيه ، خمسة وأربعون دیناراً، ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر دیناراً، وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير .
فقال مولانا علیه السلام : صدقت يا بنيّ، دلّ الرجل على الحرام منها، فقال الغلام: في هذه العين دینار بسكّة الرّيّ تاريخه في سنّة كذا، قد ذهب نصف نقشه عنه، وثلاثة أقطاع قراضة بالوزن دانق ونصف [دانق]، في هذه الصرة الحرام هذا القدر، فإن صاحب هذه الصرة في سنّة كذا في شهر كذا كان له عند نساج - وهو من جملة جيرانه - من وربع، فأتي على ذلك زمان كثير، فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك، فما صدقه، وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ من ونصف، ثمّ أمر حتّی نسج منه ثوب، وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثمّ حل عقدها، فوجد الدينار والقراضة كما أخبر .
ثمّ أخرج صرة أخرى، فقال الغلام علیه السلام : هذا لفلان بن فلان، من المحلة الفلانية بقم، والعين فيها خمسون دینارة، ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها
قال : لم؟ فقال علیه السلام : من أجلّ أن هذه الدنانير [من] ثمن الحنطة، وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له، فأخذ نصيبه بكيل كامل، وأعطى نصيبه بكيل ناقص، فقال مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام: صدقت يا بنيّ.
ثمّ قال علیه السلام : يابن إسحاق، احمل هذه الصرر، وبلغ أصحابها، وأوص بتبليغها إلى أصحابها، فإنّه لا حاجة بنا إليها.
ثمّ قال : جئ إلي بثوب تلك العجوز، فقال أحمد بن إسحاق :
كان ذلك في حقيبة فنسيته ، ثمّ مشى أحمد بن إسحاق ليجيء بذلك .
فنظر إلىَّ مولانا أبو محمّد العسكري علیه السلام وقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال علیه السلام : المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي .
ص: 62
قال : فاسال قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك، فقلت :
یا مولانا وابن مولانا، روي لنا أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعل طلاق نسائه إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام حتّی أنه بعث في يوم الجمل رسولا إلى عائشة ، وقال :
إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الّذي حصل منك، وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة ، فإن امتنعت وإلا طلقتك.
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوض حكمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام ، فقال علیه السلام : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا أبا الحسن إن هذا شرف باقٍ مادمن لله على طاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلّقها من الأزواج، وأسقطها من شرف أُمّية المؤمنين .
ثمّ قلت : أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة ذلك، يجوز البعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها،
فقال علیه السلام : تلك الفاحشة : السحقّ وليست بالزنا، فإنّها إذا زنت يقام عليها الحد، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لاجلّ الحد الّذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله بر جمها فقد أخزاها، ليس لأحد أن يقربها.
ثمّ قلت : أخبرني يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن قول الله عزّ وجلّ لنبيه موسی علیه السلام «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» (1) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من أهاب الميتة، فقال علیه السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لاته ما خلا الأمر فيها من خطبين، إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة، أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسى جائزة فيها، فجاز الموسى علیه السلام أن يكون لابسها في تلك البقعة، وإن كانت مقدّسة مطهّرة،
ص: 63
وإن كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه ممّا لم يجز، وهذا كفر.
قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها، قال علیه السلام : إن موسى كان بالواد المقدس، فقال : يا ربّ، إلي أخلصت لك المحبة منّي وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله، فقال الله تبارك وتعالى:
«فاخلَع نَعلَيكَ» أي إنزع حب أهلك من قلبك، إن كانت محبتك لي خالصاً وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً
فقلت : أخبرني عن تأويل «کهیعص » قال علیه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب، اطلع الله عليها عبده زكريا، ثمّ قصّها على محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
وذلك أن زکریا علیه السلام سأل ربّه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئیل، فعلمه إياها، فكان زكريا علیه السلام إذا ذکر محمّداً وعلياًّ وفاطمة والحسن علیهم السلام سری عنه همه، وانجلی کربّه، وإذا ذكر اسم الحسين علیه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (1)، فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلیت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور (2)زفرتي؟
فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته .
فقال : «کهیعص » ، فالكاف : إسم کربّلاء ، والهاء : هلاك العترة، والياء : يزيد، وهو ظالم الحسين علیه السلام والعين : عطشه، والصاد: صبره.
فلمّا سمع بذلك زکریا علیه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه : إلهي أفجع خیر جميع خلقك بولده! إلهي أنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ! إلهي ألبس علياً وفاطمة ثوب هذه المصيبة ! إلهي أتُحل کربّة هذه المصيبة بساحتهما ، ثمّ كان يقول:
إلهي ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه، فافتنّي بحبّه، ثمّ
ص: 64
افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده، فرزقه الله تعالى يحيى، وفجعه به وكان حمل یحیی ستة أشهر، وحمل الحسين علیه السلام كذلك
فقلت : أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام الانفسهم، قال علیه السلام : مصلح او مفسد؟ قلت: مصلح،
قال : هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال : فهي العلة، أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم.
قال علیه السلام : أخبرني عن الرسل الّذين اصطفاهم الله، وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصم، إذ هم أعلام الأمم، فأهدى إلى ثبت الإختيار، ومنهم موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالإختيار، أن يقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا،
قال علیه السلام : فهذا موسی کلیم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، إختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا من لم يشك في إيمانهم، وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين.
قال الله عزّ وجلّ : «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا »(1)
فلمّا وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد،
علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور، وما تكن الضمائر وينصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح، ثمّ قال مولانا علیه السلام :
یا سعد، من ادعى (2) - وهو خصمك - أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار، فإنّه خاف عليه كما خاف على نفسه، لما علم أنه الخليفة
ص: 65
من بعده على أمته ، لأنه لم يكن من حكم الإختفاء أن يذهب بغيره معه، وإنما أقام علياً على مبيته، لاته علم: أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنه يكون لعليّ من يقوم مقامه في الأمور.
لم لا تنقض عليه بقولك : أولستم تقولون: إن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنّة، وصيرها موقوفة على أعمّار هؤلاء الأربعة: أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ علیه السلام فإنّهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟
فإن خصمك لم يجد بدأً من قوله: بلی، قلت له : فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده، كان هذه الثلاثة خلفاء أمته من بعده، فلم ذهب بخليفة واحد وهو أبو بكر إلى الغار، ولم يذهب بهذه الثلاثة؟
فعلى هذا الأساس يكون النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مستخفاً بهم دون أبي بكر، فإنّه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلمّا لم يفعل ذلك بهم یکون متهاوناً بحقوقهم، وتاركاً للشفقة عليهم، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعاً على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر.
وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لم لم تقل : بل إنّهما أسلما طمعاً، وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة، وملاحم قصة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ويقولون لهما: يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل، إلا أنه يدعي النبوة، ولا يكون من النبوة في شيء.
فلمّا ظهر أمر رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] فساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسول الله طمعاً أن يجدا من جهة ولاية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولاية بلد إذا انتظم أمره، وحسن باله ، واستقامت ولايته،
فلمّا أيسا من ذلك، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة، وتلثّما(1) مثل من تلثّم
ص: 66
منهم، فنفروا بدابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتسقطه، ويصير هالكاً بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا، وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءاعلياً علیه السلام وبايعاه طمعاً أن تكون لکلّ واحد منهما ولاية، فلمّا لم يكن ذلك ، وأيسا من الولاية نكثا بيعته وخرجا عليه، حتّی آل أمر کلّ واحد منهما إلى ما يؤول أمر من ينكث العهود والمواثيق .
ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام لصلاته، وقام القائم علیه السلام معه ، فرجعت من عندهما، وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت : ما أبطأك وما أبكاك ؟ قال : قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا بأس عليك، فاخبره، فدخل عليه وانصرف من عنده متبسماً، وهو يصلي على محمّد وأهل بيته، فقلت : ما الخبر؟
فقال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا علیه السلام يصلي عليه
قال سعد: فحمدنا الله جلّ ذكره على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا علیه السلام أي اماً فلا نرى الغلام بين يديه.
فلمّا كان يوم الوداع، دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً، وقال :
يا بن رسول الله، قد دنت الرحلة، واشتدت المحنة، فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك، وعلى سیّدة النساء أمك فاطمة الزهراء، وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك، وعلى الأئمة من بعدهما آبائك، وأن يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب إليه أن يعليّ كعبك، ویکبت عدوك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك، قال: فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا علیه السلام حتّی استهملت(1) دموعه، وتقاطرت عبراته .
ص: 67
ثمّ قال : يا بن إسحاق، لا تكلف في دعائك شططاً، فإنك ملاق الله في صدرك هذا، فخر أحمد مغشيا عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا علیه السلام يده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر درهماً، فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، والله لا يضيع أجر المحسنين.
قال سعد: فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا علیه السلام من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن إسحاق، وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطناً بها.
ثمّ قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع کلّ واحد إلى مرقده، قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح، أصابتني فكرة، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم، خادم مولانا أبي محمّد علیه السلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم، وختم بالمحبوب رزیتکم، قد فرغنا من غسل صاحبكم، ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنّه من أكرمكم محلاً عند سیدکم، ثمّ غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتّی قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله . (1)
15- ومنها: ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام : أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم لرجل فرجل حتّی ينتهي الأمر إلى صاحبه .(2)
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن إمامة مولانا وسیّدنا الحجّة بن الحسن
ص: 68
العسكري صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه ثابتة بكلا الطريقين، أعني بالنص والمعجزة المتواترین،
فلنذكر نبذاً منها في فصلين، لئلا يكون هذا الكتاب خالياً عن الدليل، والله
يقضي بالحقّ وهو يهدي السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل :
16- فمنها : ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال : أقبل أمیرالمؤمنین علیه السلام ومعه الحسن بن عليّ علیه السلام ، وهو متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أمیرالمؤمنین، فرد عليه السلام، فجلس، ثمّ قال :
يا أمیرالمؤمنین، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم وإن تكن الأخرى، علمت أنك وهم شرع سواء .
فقال له أمیرالمؤمنین علیه السلام : سلني عما بدا لك،
قال : أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وینسی؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمیر المؤمنین علیه السلام إلى الحسن، فقال : يا أبا محمّد، أجبه ، قال :
فأجابه الحسن علیه السلام ، فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والقائم بحجته - واشار إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام - ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته . وأشار إلى الحسن علیه السلام - وأشهد أن الحسین ابن عليّ وصي اخيه، والقائم بحجته بعده
ص: 69
وأشهد على عليّ بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن على أنه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد، وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنه القائم بأمر موسی بن جعفر، وأشهد على محمّد بن علي أنه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد ابن علي، وأشهد على الحسن بن عليّ بأنه القائم بأمر عليّ بن محمّد،
وأشهد على رجل من ولد الحسن لایکنّی، ولايُسمّى حتّی يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً،
والسلام عليك يا أمیرالمؤمنین ورحمة الله وبركاته . ثمّ قام فمضى .
فقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : يا أبا محمّد، اتبعه، فانظر أين يقصد،؟
فخرج الحسن بن عليّ علیه السلام فقال : ما كان إلا أن وضع رجله خارجة من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله،
فرجعت إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام فأعلمته، فقال : يا أبا محمّد، أتعرفه؟ قلت : الله ورسوله وأمیرالمؤمنین أعلم، قال : هو الخضر علیه السلام . (1)
17- ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق الفقيه السديد أبو جعفر محمّد بن علي ابن حسین بن موسی بن بابويه القمي (رحمه الله) في إكمال الدين وإتمام النعمة بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن يونس بن عبدالرحمان، قال :
دخلت على موسی بن جعفر علیه السلام فقلت له: يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أنت القائم بالحقّ ؟
فقال : أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الّذي يطهر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملاها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ص: 70
ثمّ قال علیه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، هم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة . (1)
18- ومنها : ما روي في الخرائج، أن محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام إذ دخل عليه المعلّی بن خنیس باكياً، فقال : وما يبكيك؟
قال : بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم فضل، وأنكم وهم شيء واحد، فسكت، ثمّ دعا بطبق من تمرّ، فأخذ منه تمرة فشقها نصفين، وأکلّ التمرة، وغرس النوى في الأرض فنبته الله فحمل بسراً، فأخذ منها واحدة فشقها نصفين وأکلّ وأخرج منها رقة ودفعه إلى المعلى وقال له: إقرأ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمّد رسول الله عليّ المرتضی والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، وعدهم واحداً واحداً إلى العسكري وابنه .(2)
19- ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن الريان بن الصلت، قال :
قلت للرضا علیه السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟
فقال : أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالّذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما تري من ضعف بدني !
وإن القائم هو الّذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتّی لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان علیه السلام
ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثمّ يظهره فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً . (3)
ص: 71
20- ومنها : ما رواه في الصحيح عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر علیه السلام يقول:
الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟
فقلت : ولم، جعلني الله فداك؟ فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت: فكيف نذكره؟
قال علیه السلام : قولوا: الحجّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم . (1)
21- ومنها: ما رواه الصدوق في الصحيح، عن عثمان بن سعيد العمري قال : سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه علیهم السلام : إن الأرض لا تخلو من حجّة الله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية .
فقال علیه السلام : إن هذا حقّ كما أن النهار حق،
فقيل له: يابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فمن الحجّة والإمام بعدك؟
فقال علیه السلام : إبني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج،
فكأني أنظر إلى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة . (2)
أقول: قد روى الشيخ الثقة الجليل عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز القمي (رحمه الله) في كتاب كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر مائة وسبعين حدیثاً من طرق الفريقين كلها مشتملة على التصريح بالقائم المنتظر،
وفيها كفاية لمن اعتبر، وهداية لمن استبصر ، ولعلنا نذكر بعضها في سائر أبواب هذا الكتاب، وإلى الله أدعو وإليه مآب .
ص: 72
22- فمنها : ما رواه الصدوق عن محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) يقول :
لما ولد الخلف المهدي علیه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه، وهو يقول:
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ » (1). (2)
23- ومنها : أنه هبط من السماء حين ولد طيور بيضاء، ومسحت أجنحتها على رأسه ووجهه، وسائر جسده، ثمّ طارت، فقال أبو محمّد :
تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج .(3)
24- ومنها : ما فيه بسند صحيح عن محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري قال : اجتمع عندي مال للقائم علیه السلام خمسمائة درهم تنقص منها عشرين درهماً فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ إلي محمّد بن جعفر القبض.
وفيه : وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما . (4)
أقول: ورواه في الكافي عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوري (مثله) بأدنی تفاوت في اللفظ .(5)
ص: 73
25- ومنها : ما رواه أيضاً في الصحيح عن محمّد بن هارون، قال : كانت للغريم علیه السلام عليّ خمسمائة دينار، فأنا ليلة ببغداد، وقد كان لها ريح وظلمة ، وقد فزعت فزعاً شديداً وفكرت فيما عليّ ولي وقلت في نفسي: حوانیت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دیناراً وقد جعلتها للغريم لا بخمسمائة دينار .
قال : فجاءني من يتسلم مني الحوانيت، وما كتبت إليه في شيء من ذلك من قبل أن أطلق به لساني ولا أخبرت به أحداً .(1)
26- ومنها : أن عليّ بن محمّد الصيمري كتب إليه علیه السلام يسأل كفناً، فورد «أنه يحتاج إليه سنّة ثمانين أو إحدى وثمانين» فمات رحمه الله في الوقت الّذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر .(2)
أقول: من جملة معجزاته الباهرة وكراماته الظاهرة حصول المقاصد بإلقاء رقعة الإستغاثة به علیه السلام ، وهذا أمر مشاهد بالعيان ومجربّ بالوجدان .
وسنذكرها في خاتمة هذا الكتاب، والله هو الهادي إلى الصواب
وإن شئت أن تطلع على معجزاته فارجع إلى الكتب المعدة لذلك لكي تتضح لك المسالك، مثل كتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، والخرائج للشيخ سعيد بن هبة الله، وبحار الأنوار للفاضل الكامل مولانا محمّد باقر المجلسي والنجم الثاقب للعالم الكامل مولانا الحاج میرزا حسين النوري، شكر الله تعالی مساعيهم الجميلة، وأثابهم بالأيادي الجزيلة،
وإني لو ذكرت أكثر ممّا رویت لعاقني عمّا على نفسي قضيت.
وما ذكرت كاف إذا كان أحد في البيت .
ص: 74
وهي كثيرة جليلة لا أكاد أحصيها، ولا أستطيع الغوص فيها، فمثلها البحر الزاخر، واليم المایر، غير أني أغترف منه غرفة، وأبتغي بذلك القرية، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
فمنها : حقّ الوجود،
فإنّه السبب في وجودك وکلّ موجود، ولولاه ما خلقت أنت ولا غيرك ، بل لولاه ما خلقت أرض ولا فلك، لولاه لم يقترن بالأول الثاني .
27- ويدل على ذلك : قوله علیه السلام في التوقيع الشريف المروي في الإحتجاج : «ونحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا»(1) ومعنى هذا الكلام يجري على وجهين : أحدهما ما ذكر صلوات الله عليه في توقيع آخر :
28- روي في الإحتجاج: أنه اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا.
فقال قوم: هذا محال، لا يجوز على الله تعالى لان الأجسام لا يقدر على
ص: 75
خلقها غير الله عزّ وجلّ، وقال آخرون : بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم، فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً.
فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان، فتسألوه عن ذلك، ليوضح لكم الحقّ فيه، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضیت الجماعة بأبي جعفر، وسلمت، وأجابت - إلى قوله - فكتبوا المسألة، وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته :
إن الله تعالى هو الّذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لانّه ليس بجسم ولاحال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير .
وأما الأئمة علیهم السلام فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجابا المسألتهم وإعظاماً لحقهم، إنتهى .(1)
وحاصل هذا الوجه: أنه وآباءه علیهم السلام هم الوسائط في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات، وإليه أشير في دعاء الندبة :
«أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء»(2) ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جدا في العرف واللغة.
والوجه الثاني: أنه المقصود الأصلية والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه الباری تعالی شأنه، وكذا آباءه الطاهرين علیهم السلام فهم العلة الغائية، وخلق ما سواهم لاجلهم .
ويؤيّد ذلك ما روي عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : نحن صنائع ربّنا، والخلق(3)بعد صنائع لنا (4)، والأحاديث الدالة عليه متظافرة:
29۔ منها : ما رواه الصدوق في الإكمال مسنداً عن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام
ص: 76
عن أبيه موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما خلق الله خلقاً أفضل منّي، ولا أكرم عليه منّي.
قال عليّ علیه السلام : فقلت: يا رسول الله، فأنت أفضل أم جبرئيل؟
فقال علیه السلام : يا عليّ إن الله تبارك وتعالی فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، فإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.
يا علي، الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون اللذين آمنوا بولايتنا، يا عليّ، لولا نحن ما خلق الله آدم و حوّا، ولا الجنّة ولا النّار، ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى التوحيد، ومعرفة ربّنا عزّ وجلّ، وتسبيحه ، وتقديسه، وتهليله!
لان أول ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتمجيده .
ثمّ خلق الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً، استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأننا، هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا:
لا إله إلا الله، فلمّا شاهدوا كبر محلنا، كبرنا الله، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال، وأنه عظيم المحل.
فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزة والقوة ، قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت الملائكة : لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه من فرض الطاعة قلنا: الحمد الله، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت
ص: 77
الملائكة : الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده، ثمّ إن الله تعالى خلق آدم علیه السلام ؟ وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة، لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وإنّه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنی مثنى ، ثمّ قال : تقدم یا محمّد، فقلت : يا جبرئیل، أتقدم عليك؟
فقال : نعم، لأن الله تبارك وتعالى اسمه فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة. فتقدمت، وصليت بهم ولا فخر.
فلمّا انتهينا إلى حجب النور، قال لي جبرئيل علیه السلام : تقدم یا محمّد، وتخلف عنّي، فقلت : يا جبرئیل، في مثل هذا الموضع تفارقني؟
فقال : يا محمّد، إن هذا إنتهاء حدي الّذي وضعه الله لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي، لتعدي حدود ربّي جلّ جلاله، فزخّ بي(1) ربّي زخّة في النور، حتّی انتهيت إلى حيث ما شاء الله عزّ وجلّ من ملكوته .
فنودیت : يا محمّد، فقلت: لبيك ربّي وسعديك، تباركت وتعاليت فنوديت: يا محمّد، أنت عبدي، وأنا ربّك، فإيّاي فاعبد، وعليّ فتوكل، فإنّك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجّتي في بريّتي، لمن تبعك خلقت جنّتي، ولمن عصاك وخالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتّي ولشيعتك أوجبت ثوابي.
فقلت : يا ربّ، ومن أوصيائي؟ فنوديت : يا محمّد، إن أوصياءك المکتوبون على ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربّي - إلى ساق العرش، فرأيت إثني عشر نوراً، في کلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه إسم کلّ وصي من أوصيائي أولهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتّي .
ص: 78
فقلت : يا ربّ أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنودیت : يا محمّد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي، وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك و خیر خلقي بعدك، وعزتي وجلالي، لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتّي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملکنّه مشارق الأرض ومغاربّها، ولأسخّرن له الرياح، ولأذلل له الرقاب الصعاب، ولأرقينّه في الأسباب، ولانصرنّه بجندي، ولأمدّنّه بملائكتي حتّی يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثمّ لأديمن ملکه، ولأداولنّ الايام بين أوليائي إلى يوم القيامة، والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على نبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما .(1)
30- ومنها : حقّ البقاء في الدنيا، فلولاه ما حييت في الدنيا ساعة، ولا وجدت على الأرض ساحة، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام (رحمه الله) في الكافي بسند صحيح، عن الوشاء (2) قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام :
هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا ، قلت : إنا نروى (3) أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله عزّ وجلّ على العباد . قال : لا تبقى، إذاً لساخت .(4)
31- وفي رواية أخرى : عن أبي عبدالله علیه السلام :
لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت . (5)
32- وروى الصدوق (رحمه الله) في الإكمال بسند قوي كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن عليّ بن أبي حمزة الثمالي(6)، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام قال :
ص: 79
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : حدثني جبرئيل، عن ربّ العزة جلّ جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمّدا عبدي ورسولي، وأن عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخله الجنّة برحمتّي ونجيّته من النار بعفوي وأبحت له جواري، وأوجبت له کرامتّي، وأتممت عليه نعمتّي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن ساء رحمته، وإن فرمنّي دعوته، وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابی فتحته .
ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمّدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن عليّ بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتّي، وصغر عظمتّي وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني، وما أنا بظلام للعبيد. فقام جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال :
یا رسول الله، ومن الأئمة من ولد عليّ بن أبي طالب؟
قال صلی الله علیه وآله وسلم : الحسن والحسين سیّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سیّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن علي، وستدرکه یا جابر ، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسی بن جعفر، ثم الرضا عليّ بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن علي، ثمّ النقي عليّ بن محمّد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أمتّي، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً،
هؤلاء یا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عزّ وجلّ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم
ص: 80
يحفظ الأرض أن تميد بأهلها . (1)
33- وعن غيبة النعماني: عن الصادق، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجّة الله عزّ وجلّ ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الارض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها(2) ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا. (3)
ومنها : حقّ القرابة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
ففي سورة حمعسق «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(4)
34- وعن أبي جعفر علیه السلام قال : هم الأئمة علیهم السلام . (5)
وفي حديث نداء القائم علیه السلام حين ظهوره في مكة : وأسالكم بحقّ الله، وحقّ رسوله وبحقي، فإن لي عليكم حقّ القربي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(6)
ومنها : حقّ المنعم على المتنعم، وحقّ واسطة النعمة:
30- ففي الحديث النبوي، قال صلی الله علیه وآله وسلم : من أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتّی تعلموا [من أنفسكم] أنكم كافأتموه . (7)
وقد اجتمع الحقّان لمولانا صاحب الزمان علیه السلام فإن ما ينتفع به أهل کلّ زمان إنما هو ببركة إمام زمانهم علیه السلام ،
ويدل على ما ذكرنا ما في زيارة الجامعة «وأولياء النعم». (8)
36- وما في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ص: 81
إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق(1) في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الّذي يؤتي منه، وبابه(2) الّذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه ،
بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله . (3)
37- وفي الخرائج : عنه علیه السلام : يا داود، لولانا ما اطّردت الأنهار، ولا أينعت الثمار، ولا اخضرت الأشجار. (4)
38- ومافي الكافي: في حديث مرفوع عن أبي جعفر علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : خلق الله آدم، وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم علیه السلام فلرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وما كان لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو للأئمة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .(5)
39- وفي حديث آخر : الدنيا وما فيها الله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتق الله، وليؤد حقّ الله تبارك وتعالى، وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه.(6)
40- وفي دار السلام من کتاب بصائر الدرجات : عن أبي حمزة، عن عليّ ابن الحسين علیهما السلام : يا أبا حمزة، لا تنامن قبل طلوع الشمس، فإني أكرهها لك، إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها .(7)
ص: 82
ومنها حقّ الوالد على الولد: فإن الشيعة مخلوقون من فاضل طينتهم، كما أن الولد مخلوق من والده :
41- وفي الكافي: عن الرضا علیه السلام : الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق . (1)
وعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنا وعليّ أبوا هذه الأمة .(2)
42- وعن أبي عبدالله علیه السلام : إن الله خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شیعتنا من عليين، وخلق أجسادهم من دون ذلك فمن أجلّ ذلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحنّ إلينا .(3)
43- وعن أبي جعفر علیه السلام : إن الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شیعتنا ممّا خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لانّها خلقت ممّا خلقنا، الخبر. (4)
44. وفي الإكمال : عن عمر بن سالم صاحب السابري، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن هذه الآية : «أصلُها ثابِتٌ وفَرعُها في السَّماء »(5) ، قال :
أصلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفرعها أمیرالمؤمنین علیه السلام ، والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها، والله إن الرجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة.(6)
45- وفي البحار ، عن أمالي الشيخ الطوسي (رحمه الله)، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرها
ص: 83
ومحبوهم من أمتّي ورقها .(1)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا، مروية في الكافي والبرهان وغيرهما(2) تركناها حذراً من الإطالة، والعارف تكفيه الإشارة، ولله درّ من قال (3):
ياحبذا دوحة في الخلد نابتة ***ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة*** ثمّ اللقاح عليّ سیّد البشر
والهاشميان سبطاها لها ثمر*** والشيعة الورق الملتف بالثمر
هذا مقال رسول الله جاء به*** أهل الروايات في العالي من الخبر
إني بحبهم أرجو النجاة غدا*** والفوز مع زمرة من أحسن الزمرّ (4)
ومنها حقّ السیّد على العبد:
46- ففي الزيارة الجامعة: «والسادة الولاة» .(5)
47- وفي الحديث النبوي صلی الله علیه وآله وسلم من طريق المخالفين :
نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة، أنا وأخي عليّ ، وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي علیهم السلام. (6)
أقول: بيان سيادة الأئمة علیهم السلام لنا يظهر ممّا مرّ، ومعنی سیادتهم علیهم السلام كونهم أولى بك منك في جميع أمورك كما قال الله تعالی :
48- «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ »(7)
49- روي في كفاية الأثر: مسنداً عن الحسين بن عليّ علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعليّ علیه السلام : أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم،
ص: 84
ثمّ أنت يا عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
ثمّ بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجّة بن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمة أبرار، هم مع الحقّ والحقّ معهم. (1)
50- و قريب منه في الإكمال والكافي من طريق آخر.(2)
51- وعن أبي الحسن الرضا علیه السلام : إن الناس عبيد لنا في الطاعة .(3)
52- ومنها : حقّ العالم على المتعلم، فهو وآباؤه الطاهرون هم الراسخون
في العلم، كما في عدة روايات عن الصادق ع(4) وقد أمر الناس بالسؤال عنهم في قوله تعالى : «فَاسألُوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتم لا تَعلَمون»(5)
«ومنها حقّ الإمام على الرعية»
53 - ففي الكافي : بإسناده عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام: ما حق الإمام على الناس؟ قال علیه السلام: حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، «الخبر».(6)
ص: 85
54- وفي خطبة أمیرالمؤمنین علیه السلام المروية في روضة الكافي :
قال : أما بعد، فقد جعل الله تعالی لي عليكم حقاًً بولاية أمركم، ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذکره بها منكم - إلى أن قال - في ذكر الحقّوق التي فرضها الله تعالی : فأعظم ما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقّوق حقّ الوالي على الرعية، إلخ.(1)
فهذه نبذة من حقوقه علیه السلام على الأنام .
ويتبين لك جملة منها في الباب الآتي إن شاء الله تعالی .
ص: 86
وهي أمور، لو وجد واحد منها في أحد لاستحقّ الدعاء بحكم العقل، أو الشرع أو الجبلة الإنسانية، بل الطبيعة الحيوانية، وقد اجتمع كلها في وجوده،
وذلك من كمال سعوده، وهي كثيرة أيضاً، لكني أذكر جملة منها على ترتیب حروف الهجاء، وأستعين من خالق الأرض والسماء، وأسأله أن يجعلني من موالي خاتم الأوصياء وآبائه البررة الأتقياء، إن ربّي لسميع الدعاء .
ينبغي الدعاء للمؤمن بمقتضى الإشتراك في الإيمان بحكم العقل والشرع :
55- ففي الكافي : مسنداً عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجلّ عليه مثل الّذي دعا لهم به، من کلّ مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أوهو آت إلى يوم القيامة ، إن العبد المؤمن ليؤمرّ به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربّ، هذا الّذي كان يدعو لنا، فشفّعنا
ص: 87
فيه، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه فينجو .(1)
56 - وفيه : مسنداً عن عيسى بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام أنا وابن أبي يعفور وعبدالله بن طلحة، فقال علیه السلام ابتداءً منه : يا بن أبي يعفور،
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي الله عزّ وجلّ وعن يمين الله، فقال ابن أبي يعفور: وما هن، جعلت فداك؟
قال : يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم الأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية، .
فبکی ابن أبي يعفور وقال : كيف يناصحه الولاية؟ قال : يا بن أبي يعفور ، إذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه ، فرج عنه، وإلا دعا الله له .
قال : ثمّ قال أبو عبدالله صلی الله علیه وآله وسلم : ثلاث لكم، وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا وأن تطأوا عقبنا، وتنتظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله عزّ وجلّ فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم، وأما الّذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهتتهم العيش ممّا يرون من فضلهم.
فقال ابن أبي يعفور : وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله؟!
فقال علیه السلام: يا بن أبي يعفور، إنّهم محجوبون بنور الله، أما بلغك الحديث أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان يقول : إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله، وعن يمين الله، وجوههم أبيض من الثلج، وأضوء من الشمس الضاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال : هؤلاء الّذين تحابوا في جلال الله . (2)
إعلم أنّ من جملة نعم الله تعالى العظيمة علينا إذنه لنا في الدعاء ومسألة حاجاتنا منه تبارك وتعالى، واستجابة دعائنا بمنه وكرمه،
ولما ثبت أن وصول جميع نعمه إلينا إنما يكون ببركة وجود إمام زماننا علیه السلام وثبت أن إجابة الدعاء من أجلّ النعم بل أعظمها، إذ به يتوصل إلى سائر نعمه تحقق عظمة حقّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام علينا بسبب كون وجوده وسيلة الحصول هذه النعمة الجسيمة، والموهبة العظيمة، فيجب علينا تلافي ذلك بالدعاء له علیه السلام وبسائر ما يحصل به شکر ذلك الإنعام.
وممّا يدل بالخصوص على كون وجود الإمام سبباً وواسطة لحصول هذا الإنعام بالنسبة إلى كافة الأنام:
57-ما رواه الصفار في بصائر الدرجات، بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأمیرالمؤمنین علیه السلام: أكتب ما أملي عليك،
قال عليّ علیه السلام: يا نبیّ الله، وتخاف النسيان؟! قال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك، لكن أكتب لشركائك .
قال: قلت: ومن شركائي يا نبیّ الله؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم: الأئمة من ولدك ، بهم يسقي أمتّي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف البلاء عنهم، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وهذا أولهم - وأومی بيده إلى الحسن علیه السلام .
ثمّ أومی بيده إلى الحسين علیه السلام - ثمّ قال صلی الله علیه وآله وسلم : الأئمة من ولدك .(1)
أقول: وهذا الحديث بملاحظة سائر عباراته صريخ في ما ذكرناه كما لا يخفی.
بالدعاء ودفع الأعداء، وكشف البأساء، وسائر ما نشير إلى جملة منها إن
ص: 89
شاء الله . وقد قال الله تعالى : «هَل جَزاءِ الإحسانِ إلا الإحسان» (1)
والإحسان باعث للدعاء بحكم العقل والشرع، ومقتضى الجبلة الإنسانيّة أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.
58. ففي الكافي : عن مسمع، عن الصادق علیه السلام، في حديث طويل : يا أبا سیار، إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كله؟ فقال ع:
يا أبا سیّار، قد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضم إليك مالك،
وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محلّلون حتّی يقوم قائمنا علیه السلام فيجبيهم طسق (2) ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم، حتّی يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة، الحديث .(3)
يأتي في حرف الظاء المعجمة(4) وفي شباهاته بجدّه الشهيد أبي عبدالله الحسين علیه السلام في حرف الكاف(5) وفي نداءاته من حرف النون (6)إن شاء الله تعالی .
59- ففي توقيعه علیه السلام إلى الشيخ المفيد : إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسین لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، إلخ .(7) .
60- ويعجبني هنا نقل واقعة ممّا ذكره العالم الفاضل الربّاني، الحاج میرزا
ص: 90
حسين النوري - ضاعف الله له النور، وأعلى درجته في دار السرور - في كتاب جنّة المأوى، في ذكر من فاز بلقاء الحجّة علیه السلام أو معجزته في الغيبة الكبرى قال :
حدّثني العالم الجليل، والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل الصفي الوفي، المولي عليّ الرشتي «طاب ثراه»، وكان عالماً برّاً تقياً زاهداً، حاوياً لأنواع العلم، بصيراً ناقداً، من تلامذة السیّد السند الأستاذ الأعظم «دام ظله»، ولما طال شكوى أهل الأرض حدود فارس، ومن والاه إليه من عدم وجود عالم عامل " کامل، نافذ الحكم فيهم، أرسله إليهم، عاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً رحمه الله، وقد صاحبته مدّةً سفراً وحضراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلا يسيراً
قال : رجعت مرة من زيارة أبي عبدالله علیه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين کربّلا وطویریج، رأيت أهلها من أهل الحلّة، ومن طويرج تفترق طريق الحلّة والنجف، واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار، لا يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ، ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكة في أكلهم وشربّهم، فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا، فأخرجنا صاحب السفينة، فكنّا نمشي على شاطئ النهر ، فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه ، وذمهم إياه وقدحهم فيه. فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السنّة ، وأبي منهم، وأُمّي من أهل الإيمان، وكنت أيضأ منهم، ولكن الله من عليّ بالتشيع ببركة الحجّة صاحب الزمان علیه السلام، فسألت عن كيفية إيمانه .
فقال : اسمي ياقوت، وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلّة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلّة، فبعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري (1) من شراء ما كنت أريده منه وحملته على حماري،
ص: 91
ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحداً منهم، وقد ذهبوا جميعا، وكان طريقنا في برية قفر (1) ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة، إلا بعد فراسخ كثيرة، فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم، فضل عتي الطريق، وبقيت متحيراً، خائفاً من السباع والعطش في يومه، فأخذت استغيث بالخلفاء والمشايخ، وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى، وتضرعت كثيراً فلم يظهر منهم شيء فقلت في نفسي: إني سمعت من أُمّي أنها كانت تقول إن لنا إماماً حياً يكنّى أبو صالح، يرشد الضالّ ويغيث الملهوف، ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أُمّي فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبی وهو يمشي معي، وعليه عمامة خضراء.
قال (رحمه الله): وأشار حينئذ إلى نبات حاقة النهر ، وقال : كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات، ثمّ دلني على الطريق، وأمرني بالدخول في دين أُمّي
وذکر کلمات نسيتها، وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة ، قال : فقلت : يا سيّدي، أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟
فقال علیه السلام: ما معناه: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد، أريد أن أغيثهم، ثمّ غاب عتي، فما مشيت إلا قليلا حتّی وصلت إلى القرية، وكانت في مسافة بعيدة، ووصلت الجماعة إليها بعدي بيوم.
فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سیّد الفقهاء السیّد مهدي القزويني «طاب ثراه» وذكرت له القصة، فعلّمني معالم ديني، فسألت عنه عملاً أتوصل به إلى لقائه علیه السلام مرّة أخرى، فقال : زر أبا عبدالله علیه السلام أربعين ليلة جمعة .
قال : فكنت أزوره من الحكة في ليالي الجُمَع إلى أن بقيت واحدة، فذهبت
من الحلّة في يوم الخميس، فلمّا وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان
ص: 92
الظلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيراً، والناس متزاحمون على الباب ، فأردت مراراً أن أتخفى وأجوز عنهم، فما تیسر لي، وإذا بصاحبي صاحب الامرّ علیه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم، عليه عمامة بيضاء، في داخل البلد فلمّا رأيته استغثت به، فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب فما رآني أحد.
فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس، وبقيت متحيراً على فراقه علیه السلام وقد ذهب عن خاطري بعض ما كان في تلك الحكاية .(1)
61- في البحار من إرشاد المفيد: عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد کلّ حقّ إلى أهله ... إلخ .(2)
وفي حديث آخر عنه علیه السلام: تخرج العجوز الضعيفة من المشرق ترید
المغربّ، ولا ينهاها أحد(3)
وفي آخر، عنه علیه السلام في قوله تعالى : «سيروا فيها لَيالِيَ وأيّاماً آمِنينَ »(4)
فقال علیه السلام: مع قائمنا أهل البيت (5)
62- وفي تفسير قوله تعالى : «ليُظهِرَه عَلَى الدّينِ كُلّهِ »(1) بظهور القائم ."(2)
63- وفي البحار : في حديث طويل عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتّي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلّة ، فيعلي أمر الله، ويظهر دين الله، ويؤيد بنصر الله، وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض عدلا وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً .(3)
64 - وفي البحار : في حديث طويل عن أبي جعفر علیه السلام: ثمّ يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم، وعلى صدورهم، فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً رسول الله . (4)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّاً، والغرض الإشارة .
وفي الإكمال : بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
لمّا أسري بي إلى السماء، أوحي إلي ربّي جلّ جلاله ، فقال :
یامحمّد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها، فجعلتك نبيّاً وشققت لك من إسمي إسماً، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً ، وجعلته وصيك وخليفتك، وزوج ابنتك، وأبا ذريتك وشققت له إسماً من أسمائي، فأنا العليّ الأعلى، وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقربين، یا محمّد، لو أن عبداً عبدني حتّی ينقطع، ويصير
ص: 94
کالشن البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي، ولا أظللته تحت عرشي، یا محمّد، تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ.
فقال عزّ وجلّ: إرفع رأسك، فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار عليّ، وفاطمة والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد وموسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد والحسن بن علي، «وم ح م د» بن الحسن القائم في وسطهم، كأنه كوكب دري قلت : يا ربّ، ومن هؤلاء؟
قال : الأئمة، وهذا القائم الّذي يحلّل حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّى طريّين، فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجلّ والسامري.(1)
65- وفي البحار، عن العلل: بإسناده عن عبدالرحيم القصير، عن أبي جعفر علیه السلام قال : أما لو قام قائمنا، لقد ردت إليه الحميراء حتّی يجلدها الحد وحتّی ينتقم لابنة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فاطمة منها، قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها الحد؟ قال : لفريتها على أمّ إبراهيم، قلت : فكيف أخره الله للقائم؟ فقال له :
إن الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم رحمة، وبعث القائم نقمة .(2)
66- وفيه : عن المزار الكبير : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام:
إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين . (3)
67- وفيه ، عن إرشاد المفيد: عنه ع: وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة .(4)
ص: 95
68- وفي الإحتجاج : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في خطبة الغدير ، قال :
ألا إن خاتم الأئمة منّا القائم المهدي [صلوات الله عليه ] ألا إنّه الظاهر على الدين [كلّه ] ألا إنّه المنتقم من الظالمين، ألا إنّه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنّه قاتل کلّ قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنّه مدرك بکلّ ثار لأولياء الله [عزّ وجلّ]،
ألا إنّه الناصر لدين الله، ألا إنّه الغراف في بحر عميق،
ألا إنّه يسم کلّ ذي فضل بفضله، وکلّ ذي جهل بجهله، ألا إنّه خيرة الله ومختاره، ألا إنّه وارث کلّ علم والمحيط به، ألا إنّه المخبر عن ربّه عزّ وجلّ والمنبّه بأمر إيمانه، ألا إنّه الرشيد السديد، ألا إنّه المفوض إليه،
ألا إنّه قد بشّر من سلف بين يديه ، ألا إنّه الباقي حجّة ولاحجّة بعده، ولا حقّ إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنّه لا غالب له، ولا منصور عليه،
ألا وإنّه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه وأُمّينه في سره وعلانيته .
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : في موضع آخر من هذه الخطبة :
معاشر الناس، النور من الله عزّ وجلّ في مسلوك ثمّ في علي، ثمّ في النسل منه، إلى القائم المهدي، الّذي يأخذ بحقّ الله، وبکلّ حقّ هو لنا ... .(1)
69 - وفي تفسير القمي : في قوله تعالى : «فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا»(2) الوقت بعث القائم، فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أُمّية وسائر الناس . (3)
70- في الدعاء المروي عنه علیه السلام بتوسط العمري (رحمه الله):
وأقم به الحدود المعطلة، والأحكام المهملة . (4)
ص: 96
71- وفي كمال الدين : عن الصادق علیه السلام في وصف زمان ظهوره:
«ويقام حدود الله» .(1)
72- وفي حديث آخر : إن إقامة حد واحد من حدود الله أزكى من المطر
أربعين يوماً وليلة .(2) كما في الحديث عن أبي جعفر علیه السلام:
ويأتي في حياة الأرض به علیه السلام ما يفيد هنا إن شاء الله .(3)
73- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام: دمان في الإسلام حلال من الله عزّ وجلّ لا يقضي فيهما أحد بحكم الله عزّ وجلّ حتّی يبعث الله القائم من أهل البيت فيحكم فيهما بحكم الله عزّ وجلّ، لا يريد فيه بينة :
الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضربّ رقبته .(4)
أقول : حدّ الزاني المحصن هو الرجم، وتخصيصه بإجراء هذا الحكم من حيث حكمه بمقتضی علمه الواقعي، وعدم درء الحد بالشبهات، كما في زمن سائر الأئمة علیهم السلام .
74- في دعاء الندبة : أين المضطر الّذي يجاب إذا دعا. (5)
75- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (رحمه الله) في قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ»(6) قال : فإنّه حدثني أبي ، عن الحسن ابن عليّ بن فضال، عن صالح بن عقبة، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
نزلت في القائم من آل محمّد علیهم السلام وهو المضطر إذا صلى في المقام رکعتین، ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء، ويجعله خليفة في الأرض . (7)
ص: 97
76- في البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في وصف القائم علیه السلام:
وتجمع إليه أموال الدنيا كلّها من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عزّ وجلّ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله ، إلخ.(1)
ويأتي في سخائه ماله دخل في المقام .(2)
وهم العلماء، لدلالة الناس وإصلاح أمورهم
77- ففي التوقيع المروي عنه علیه السلام في الإحتجاج: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي علكيم، وأنا حجّة الله . (3)
78- روى الصدوق : بإسناده عن سیّد العابدین علیه السلام أنه قال :
في القائم سنن من سبعة أنبياء - إلى أن قال علیه السلام - :
وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، الخبر .(4)
قد تقدم في الباب الثالث (5)أن جميع ما يصل إلى الخلائق من النعم الظاهرة والباطنة في زمانه إنما هو من برکات وجوده صلوات الله عليه
ص: 98
79- والأخبار في ذلك فوق حد التواتر، ولذلك قال علیه السلام في التوقيع المروي في الإحتجاج : وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب . (1)
80 -في دعاء الندبة : أين مؤلف شمل الصلاح والرضا؟ (2)
81- وفي دعاء أمر المؤمنين علیه السلام له: «واجمع به شمل الأمة» .(3)
82 -وفي حديث آخر : ويؤلف به بين القلوب المختلفة . (4)
83- وفي الكافي : عن الصادق : ويؤلف الله بين القلوب المختلفة . (5)
84- وفي البحار في الحديث المروي عن أميرالمؤمنين ، قال :
قلت : يا رسول الله، أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟
فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا بل منّا، يختم الله به الدين، كما فتح بنا، وبنا ينقذون من الفتن، كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم.(6)
وهذا الحديث مروي من طريق أهل السنّة وقد أذعنوا بصحّته والحمد لله . (7)
ص: 99
يشهد بذلك قوله علیه السلام في التوقيع المروي:
85- في الإحتجاج: أنّه أنهي إلىَّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة، في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم الا فينا، لأن الله معنا، فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائعنا(1).
ويدل على المقصود أيضاً ما في بصائر الدرجات :
86- بإسناده عن زيد الشحّام، قال : دخلت على أبي عبدالله علیه السلام فقال :
یا زید، جدّد عبادة، وأحدث توبة ، قال : نعيت إلي نفسي جعلت فداك؟
قال : فقال لي: يا زيد، ما عندنا خير لك، وأنت من شيعتنا، قال : وقلت : وكيف لي أنا أكون من شيعتكم؟
قال : فقال علیه السلام: أنت من شيعتنا، إلينا الصراط والميزان، وحساب شیعتنا، والله، لأنا أرحم بكم منكم بأنفسكم، الخبر .(2)
وأما في الآخرة :
88- فقد روي في البحار عن الصادق علیه السلام أنه قال : إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شیعتنا إلينا، فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم من الله وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أداه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم عنهم،
وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم، حتّی يدخلوا الجنّة بغير حساب .(1)
89- أقول: روي في البرهان عدة أحاديث في هذا المعنى، عن الأئمة علیهم السلام في تفسير قوله تعالى : «إنّ عَلَينا حِسابَهُم (2)، فراجع .(3)
90- يدل عليه ما روي في البحار، من كتاب المناقب :
أنّه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور، واختاروا محمّد بن عليّ النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار، وخمسين ألف درهم، وشقة من الثياب،
وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: إن الله لا يستحيي من الحقّ.
قال : فثنّیت در همها، وجاؤا بجزء فيه مسائل ملء سبعين ورقة، في كل ورقة مسألة، وباقي الورق بیاض ليكتب الجواب تحتها، وقد حزمت کلّ ورقتين بثلاث حزم، وختم عليها بثلاث خواتيم، على کلّ حزام خاتم، وقالوا: ادفع إلى الإمام ليلة، وخذ في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاکسر منها خمسة، وانظر هل أجاب عن المسائل، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال، فادفع إليه، وإلا فرد إلينا أموالنا.
فدخل على الأفطح عبدالله بن جعفر، وجربّه ، وخرج عنه، قائلا : «ربّ اهدني إلى سواء الصراط » (4) قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول:
ص: 101
أجب من تريد، فأتى بي دار موسی بن جعفر علیهما السلام، فلمّا رآني قال : لم تقنط يا أبا جعفر، ولم تفزع إلى اليهود والنصارى؟
إلي فأنا حجّة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي؟
وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به، وبدرهم شطيطة، الّذي وزنه درهم ودانقان، الّذي في الكيس، الّذي فيه أربعمائة درهماً للوازوري والشقّة التي في رزمة الأخوين البلخيين.
قال : فطار عقلي من مقاله، وأتيت بما أمرني، ووضعت ذلك قبله، فأخذ درهم شطيطة وإزارها، ثمّ استقبلني، وقال: «إن الله لا يستحيي من الحقّ» یا أبا جعفر ، أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة، وكانت أربعين درهما.
ثمّ قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا، قرية فاطمة علیهاالسلام وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام
ثمّ قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر، ووصول الشقة والدراهم، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما، واجعليّ أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عنك، وأنا أتولى الصلاة عليك،
فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاکتم عليّ فإنّه أبقى لنفسك. .
ثمّ قال علیه السلام: واردد الأموال إلى أصحابها، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا، من قبل أن تجيئنا بالجزء؟
فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحداً من وسطها، فوجدت فيه مكتوباً : ما يقول العالم علیه السلام في رجل قال : نذرت لله لأعتقن کلّ مملوك كان في رقي «قديماً»، وكان له جماعة من العبيد؟ الجواب بخطه :
ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر، والدليل على صحة ذلك قوله
تعالى : «والقمر قدرناه ...» (1) «والحديث» من ليس له ستة أشهر .
ص: 102
وفككت الختام الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال : والله لاتصدقن بمال كثير، فما يتصدّق؟
الجواب تحته بخطه : إن كان الّذي حلف من أربّاب شياه، فليتصدق بأربع
وثمانين شاة، وإن كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع وثمانين بعيراً،
وإن كان من أربّاب الدراهم، فليتصدق بأربع وثمانين درهما.
والدليل عليه قوله تعالى : «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» (1)
فعددت مواطن رسول الله قبل نزول تلك الآية، فكانت أربعة وثمانين موطنا، فكسرت الخاتم الثالث، فوجدت تحته مكتوبا :
ما يقول العالم في رجل نبش قبر میت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن؟
الجواب بخطه : يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز، ويلزم مائة دينار القطع رأس الميت، لانّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمّه قبل أن ينفخ فيه الروح، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً، المسألة إلى آخرها،
فلمّا وافی خراسان، وجد الّذين رد عليهم أموالهم ارتدوا إلى الفطحية ، وشطيطة على الحقّ، فبلغها سلامه وأعطاها صرته وشقته،
فعاشت كما قال علیه السلام فلمّا توفّيت شطيطة جاء الإمام على بعير له،
فلمّا فرغ من تجهيزها ركب بعيره، وانثنی نحو البرية، وقال علیه السلام: عرف أصحابك وأقرأهم منّي السلام، وقل لهم : إني ومن يجري مجراي من الأئمة علیهم السلام لا بد لنا من حضور جنايزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم.(2)
91- ففي الدعاء المروي عنه علیه السلام بتوسط العمريّ (رحمه الله):
وجدد به ما امتحی من دينك . (3)
ص: 103
92- وفي الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام وجدّد به ما امتحی من دينك، وبدّل من حكمك، حتّی تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضّاً. (1)
93- وفي البحار نقلا عن إرشاد المفيد، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمرقد دثر، وضلّ عنه الجمهور، وإنّما سمّي القائم مهديّاً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحقّ. (2)
94 - ومن كتاب غيبة النعماني : عن أبي جعفر علیه السلام في سيرة القائم علیه السلام: يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد . (3)
95- وعن أبي عبدالله علیه السلام في جواب من سأل عن سيرة المهدي علیه السلام قال : يصنع كما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً. (4)
96- وفي خبر آخر عن أبي جعفر علیه السلام (مثله) . (5)
97- وعنه : إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء .(6)
98- وعن أبي عبدالله صلی الله علیه وآله وسلم : الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبی للغربّاء، قال أبو بصير : فقلت : اشرح لي هذا أصلحك الله.
فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(7)
99- وعنه علیه السلام: كأني بالقائم على منبر [الكوفة] عليه قباء، فيخرج من وریان قبائه کتاباً مختوماً بخاتم ذهب فيفه ، فيقرأه على الناس، فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلم يبق إلا النقباء، فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتّی يرجعوا
ص: 104
الیه، و إنّي لا عرف الکلام الذي یتکلّم به.(1)
100- في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق : بإسناده إلى الرضا علیه السلام في تفسير حروف المعجم قال علیه السلام: والتاء تمام الأمر بقائم آل محمّد. (2)
الّذي جمعه أمیرالمؤمنین وسیّد الوصيين صلی الله علیه وآله وسلم
في البحار نقلا عن غيبة النعماني(3): عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، وقد ضربّوا الفساطيط، يعلمون الناس القرآن كما أنزل .(4)
101- وعنه علیه السلام: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قال أصبغ بن نباتة : قلت : يا أمیرالمؤمنین، أوليس هو كما أنزل؟ فقال : لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم،
وما ترك أبو لهب إلآ للإزراء على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه عمّه . (5)
102- وعن أبي عبدالله علیه السلام: كأني بشيعة عليّ في أيديهم المثاني يعلمون الناس .(6)
103- وعن إرشاد المفيد، عن أبي جعفر علیه السلام : إذا قام قائم آل محمّد علیه السلام
ص: 105
ضربّ فساطيط يعلم الناس القرآن، على ما أنزل الله عزّ وجلّ،
فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف .(1)
104- وفي الكافي : بإسناده عن سالم بن أبي سالم، قال : قرأ رجل على أبي عبدالله علیه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس،
فقال أبو عبدالله علیه السلام: كف عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتّی يقوم القائم علیه السلام، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حدّه، وأخرج المصحف الّذي كتبه عليّ علیه السلام وقال :
أخرجه عليّ علیه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله الله على محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وقد جمعته في اللوحين، فقالوا:
هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال علیه السلام: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنما كان على أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه .(2)
105- وفي الإحتجاج : أنه لمّا توفي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع عليّ علیه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا فتحه أبو بكر ، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم،
فوثب عمر وقال : يا علي، اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علیه السلام وانصرف.
ثمّ أحضروا زید بن ثابت، وكان قارئاً للقرآن ، فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن، ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك،
ثمّ قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر على القرآن الّذي ألفه، أليس قد بطل کلّ ما عملتم؟ قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر : ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه فدبر في قتله على يد
ص: 106
خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك .
فلمّا استخلف عمر سأل علياً علیه السلام لا أن يدفع إليهم القرآن فيحرقوه فيما بينهم، فقال : يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الّذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر، حتّی نجتمع عليه . فقال عليّ علیه السلام:
هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم به الحجّة علیکم، ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القران الّذي عندي لا يمسه إلا المطهرون، والأوصياء من ولدي.
فقال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟
فقال علیه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه (1) فتجري الستة به صلوات الله عليه .(2)
أقول: يمكن أن يكون هذا هو السر في تسمية القائم علیه السلام بالقرآن العظيم باعتبار أنه الآمرّ به وحامل الناس على قراءته، ومظهره ومروجه.
106- روي في البرهان : عن حسان العامري، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »(3)
قال : ليس هكذا تنزيلها، إنما هي:
ولقد آتينا السبع من المثاني، نحن هم، والقرآن العظيم : ولد الولد.(4)
107- وعن القاسم بن عروة، عنه علیه السلام عن قول الله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »، قال : سبعة أئمة والقائم . (5)
أقول : أما كونهم سبعة فيمكن أن يقال أنه باعتبار أسمائهم وتكون فاطمة علیهاالسلام مقصودة أيضاً في الحديث الأول، والقرآن العظيم : ولد الولد، وهو القائم علیه السلام وأما الحديث الثاني فبتسمية القائم علیه السلام باسم سابع وهو أحمد:
ص: 107
108- كما في البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : له إسمان : إسم يخفى وإسم يعلن، فأما الّذي يخفي فأحمد، وأما الّذي يعلن فمحمّد، إلخ.(1)
109- ويؤيده ما رواه عن يونس بن عبدالرحمان ، عمن ذكره، رفعه ، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله [تعالى]: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » قال : إن ظاهرها الحمد وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم علیه السلام (2)
وعلى هذا يكون عطف القرآن العظيم على سبع من باب تخصیصه علیه السلام بالذكر لأمور مهمة.
وأما المثاني فيمكن أن يكون المراد به جميع الآيات القرآنية، ويؤيده قوله تعالى : «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ...»(3).
ويؤيده أيضاً قوله علیه السلام في الحديث الأول : إنما هي السبع من المثاني . (4)
110- ويؤيده أيضاً قول أبي عبدالله علیه السلام في الحديث المروي سابقاً.
عن غيبة النعماني : كأني بشيعة عليّ علیه السلام في أيديهم المثاني (5)
والتعبير بذلك لتكرر نزوله، فقد نزل إلى البيت المعمور جملة واحدة في ليلة القدر مرة أولى ثمّ نزل منه إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نجوماً في مدة عشرين سنّة (6)ويمكن أن يكون المراد به خصوص فاتحة الكتاب كما عن أمیرالمؤمنین علیه السلام (7) والتعبير عنها بالمثاني إما لتكررها في کلّ فريضة ، أو لتكرر نزولها على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والتعبير عن الأئمة علیهم السلام بذلك اللفظ إما باعتبار كونهم ولد الولد
فهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بحسب عالم البشرية، وترتيب
ص: 108
الخلقة الانسانيّة، كما أن فاطمة في المرتبة الأولى؛
وإما باعتبار كونهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الكتاب الكريم، كما يشهد به حديث الثقلين المتواتر المروي من طريق المخالف والمؤالف.
111- فمن طريق المخالفين : عن أبي سعيد الخدري، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
إني تارك فيكم الثقلين، ألا إن أحدهما أكبر من الآخر:
كتاب الله [عزّ وجلّ] حبل ممدود من السماء إلى الأرض،
وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّی يردا عليّ الحوض(1)
وإما باعتبار كونهم علیه السلام في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بحسب العلوم الربّانية، والمقامات العقلانية :
112- فقد قال : أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها . (2)
113۔ وقال أمیرالمؤمنین علیه السلام: علمني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الف باب ، کلّ باب يفتح لي ألف باب .(3)
هذا ما سنح بالبال في حل الإشكال وتحقيق هذا المقال، والله العالم بحقاًئق الأحوال،
وقد قيل فيه وجوه بعيدة لا نطيل الكتاب بذكرها، من أرادها فليرجع إلى «کتاب مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار» للشيخ أبي الحسن الشريف. (4)
ص: 109
قد مضى في الباب الأول (1)ما يشهد له، ويأتي في الباب الثامن ما يدل عليه .
114- وفي كمال الدين : عن الصادق علیه السلام قال :
من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم نبوته . قال عبدالله بن أبي يعفور:
فقلت : يا سيّدي ، ومن المهدي من ولدك؟ قال علیه السلام:
الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولايحل لكم تسميته .(2)
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة يأتي بعضها في الباب الثامن إن شاء الله .(3)
في المجمع: الثائر الّذي لا يبقى على شيء حتّی يدرك ثاره، إنتهى .(4)
115- وفي زيارة عاشوراء: «فأسأل الله الّذي أكرم مقامك، وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك، مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلی الله علیه وآله وسلم » .(5)
116- وفي البحار، عن النعماني: عن أبي جعفر علیه السلام في وصفه:
ليس شأنه إلا القتل، لا يستبقي أحداً .(6)
117۔ وعن العياشي: عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر علیه السلام في تفسير قوله تعالى : «مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا » (7)، قال : هو الحسين بن عليّ علیه السلام قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم ما إذا قام طلب بثار الحسين علیه السلام فيقتل حتّی يقال قد أسرف في القتل.
ص: 110
وقال علیه السلام: المقتول الحسين علیه السلام ووليه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، «إنّه كان منصوراً»، فإنّه لا يذهب من الدنيا حتّی ينتصر برجل من آل رسول الله و يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. (1)
118- وفي رواية أخرى عن الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی : «ومَن قُتِلَ مَظلوُماً ... »
قال : نزلت في الحسين علیه السلام، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفاً . (2)
119- وفي العلل: عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا قتل جدي الحسين علیه السلام ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب، وقالوا:
إلهنا وسیّدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك . فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : قروا ملائكتي فو عزتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عزّوجلّ عن الأئمة من ولد الحسين علیه السلام للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي،
فقال الله عزّ وجلّ: بذلك القائم أنتقم منهم.(3)
120- وفي الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : فإن الحسین علیه السلام لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة، فقالوا: يا ربّنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتّی نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك، وقتلوا صفوتك، فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي ویا سماواتي ويا أرضي اسكنوا،
ثمّ کشف حجاباً من الحجب، فإذا خلفه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واثنا عشر وصيّاً له علیه السلام وأخذ بيد فلان القائم من بينهم، فقال : يا ملائكتي وياسماواتي، ويا أرضي، بهذا أنتصر، قالها ثلاث مرات . (4)
121- وفي غاية المرام للسیّد المحدّث الجليل، السیّد هاشم البحرانيّ
ص: 111
121- وفي غاية المرام للسیّد المحدّث الجليل، السیّد هاشم البحرانيّ (رحمه الله): - من طريق العامة في حديث المعراج - قال الله تعالی :
یا محمّد، تحب أن تراهم، قلت: نعم، يا ربّ، قال : فالتفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، و موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ ، والمهدي علیه السلام في ضحضاح من نور قیام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي علیه السلام - كأنه كوكب دري وقال : يا محمّد، هؤلاء الحجج، وهذا الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة والمنتقم [من أعدائي ].(1)
122. وفي البحار :- في وصف أصحاب القائم علیه السلام - عن أبي عبدالله علیه السلام : كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلآ خربّوها، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسحون بسرج الإمام علیه السلام يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم، رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم کدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار ، هم. أطوع له من الأمة لسیّدها کالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله.
شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر يمشون إلى المولى إرسالا، بهم ينصر الله إمام الحقّ . (2)
123- وعنه علیه السلام قال: إذا خرج القائم علیه السلام قتل ذراري قتلة الحسين علیه السلام بفعال آبائها . وقد علل ذلك في الحديث الرضوي بأنهم :
ص: 112
يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه . (1)
124- وفي كتاب المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ...» قال : نزلت في الحسين علیه السلام لو قتل وليه أهل الأرض ما كان مسرفاً، ووليه القائم.(2)
إعلم أن مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه أجمل الناس وأحسنهم وجها لاته أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
125- لما رواه السیّد البحرانيّ في كتاب المحجّة، وغيره : عن عمّار، عن رسول الله، أنه قال : يا عمّار، إن الله تبارك وتعالى عهد إلى أنه يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله عز وجل: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ » (3)، يكون له غيبة طويلة، يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان، يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، ويقاتل على التأويل، كما قاتلت على التنزيل، وهو سميي، وأشبه الناس بي، «الحديث» . (4)
126- وفي إكمال الدين : عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي من ولدي، إسمه إسمي، وکنیته کنیتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً. (5)
ص: 113
127- وفيه أيضاً: بسند صحيح عن الصادق، عن آبائه علیهم السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : المهدي من ولدي اسمه إسمي، وكنيته کنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، حتّی تضلّ الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل کالشهاب الثاقب، فيملأها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.(1)
128- وفيه أيضاً : مسنداً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في حديث ابن عباس : وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتّي، أشبه الناس بي في شمائله، وأقواله وأفعاله «الحديث».(2)
وإذ قد عرفت أنه أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاعلم أنه قد ثبت بالنص أن رسول الله كان أجمل الناس وجهاً وأحسنهم صورة:
129- لما رواه ثقة الإسلام في الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
كان نبیّ الله أبيض مشربّ حمرة، أدعج العينين (3)، مقرون الحاجبين، شثن (4) الأطراف، كأن الذهب أفرغ على براثنه(5)، عظیم مشاشة (6) المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعاً من شدة استرساله (7)، سربته (8) سائلة من لبَّته (9) إلى سرّته كأنّها وسط الفضة المصفّاة، وكأنّ عنقه إلى كاهله(10) إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شربّ أن يرد الماء، وإذا مشى تكفّا (11) كأنه ينزل في صبب(12)، لم ير مثل نبي الله قبله ولا بعده [صلی الله علیه وآله وسلم]. (13)
ص: 114
130- وفي البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض، مشربّ حمرة مبدح البطن(1)، عريض الفخذين، عظیم مشاش المنكبين، بظهره شامّتان، شامّة على لون جلده، وشامّة على شبه شامّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، «الحديث».(2)
131- ومن طريق المخالفين عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي طاووس أهل الجنّة . (3)
132- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربّي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الأيمن خال، كأنه کوکب درّي . (4)
133- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : المهديّ منّا أجلى الجبين، أقنى الأنف . (5)
134- وفي كتاب تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي علیه السلام:
عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال : وجه قوم من المفوضة والمقصّرة کامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد علیه السلام، قال کامل : فقلت في نفسي : أسأله علیه السلام لا يدخل الجنّة إلا من يعرف معرفتي، وقال بمقالتي؟
فلمّا دخلت على سيّدي أبي محمّد علیه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب، ويأمر بمواساة الإخوان، وينهانا عن لباس مثله، فقال علیه السلام متبسماً: یا کامل،
وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال :
ص: 115
هذا لله، وهذا لكم، فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح، فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمرّ، من أبناء أربع سنين أو مثلها
فقال : يا کامل بن إبراهيم - واقشعررت من ذلك . وألهمت أن قلت :
لبيك يا سيّدي، فقال : جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنّة إلا من يعرف معرفتك وقال بمقالتك ؟ فقلت : إي والله،
فقال علیه السلام: إذاً والله يقل داخلها، والله ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة .
قلت : يا سيّدي ومن هم؟ قال علیه السلام: قوم من حبهم لعليّ علیه السلام يحلفون بحقّه، ولا يدرون ما حقّه وفضله، ثمّ سكت صلوات الله عليه .
ثمّ قال : وجئت تسأله عن مقالة المفوضة ، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيّة
الله، فإذا [شاء] شئنا والله يقول :«وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ » (1)
ثمّ رجع الستر إلى حالته، فلم أستطع كشفه، ونظر إلي أبو محمّد علیه السلام متبسماً، فقال : يا کامل، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجّة من بعدي.
فقمت ، وخرجت ولم أعاینه بعد ذلك . (2)
135- وفي قضية محمّد بن عبيدالله القمي المنقولة في البحار ، عن غيبة الشيخ الطوسي، قال : لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته ... إلخ (3)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جداً، ولعلنا نذكر بعضها في غير هذا الباب والله الهادي إلى نهج الصواب، ولله در من قال :
قمرّ تکامل في نهاية حسنه ***مثل القضيب على رشاقة قده
فالبدر يطلع من ضیاء جبينه ***والشمس تغربّ في شقائق خده
ملك الجمال بأسره فكأنما ***حسن البرية كلها من عنده
وأما وجه تشبيهه علیه السلام بالشهاب الثاقب فلعله لأنه علیه السلام يظهر بغتة ،
ص: 116
كما ورد في عدة روایات، وكذلك الشهاب، أو لأنه يضيء حتّی يرى ضوؤه كالشهاب الثاقب، ويشهد بذلك أيضاً عدة روايات تأتي في نوره علیه السلام،
أو لأنه يطرد الشياطين ويدفعهم كما يطردون بالشهاب الثاقب.
قال الله تعالى : «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ»(1)
مرّ في الباب الثالث: ص 83 ح 40.
136- في الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام للحجّة علیه السلام في وصفه : الحاج(2)، المجاهد، المجتهد، ....(3)
137- وفي البحار، عن أبي جعفر علیه السلام: إنّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً الغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الّذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم السابغة، وسيف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل هر جاً، «الحديث». (4)
138- وعنه علیه السلام في قول الله تعالى : «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ»(5)، فقال : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها، لم يقبل منهم، ولكنهم يقتلون حتّی يوحد الله عزّ وجلّ وحتّی لا يكون شرك .(6)
139- ومنه ، عن بشير النبال قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام: إنّهم يقولون :
ص: 117
إن المهدي علیه السلام لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق محجمة دم، فقال علیه السلام: كلا، والّذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حين أدميت ربّاعيته، وشج في وجهه ، كلا والّذي نفسي بيده ، حتی نمسح نحن وأنتم العرق والعلق (1)، ثمّ مسح علیه السلام جبهته . (2)
140- وفي كمال الدين : عن عيسى الخشاب ، قال : قلت للحسين بن علي علیه السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور(3) بأبيه، المکتی بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر .(4)
أقول: قوله علیه السلام المکنّی بعمّه يعني أن من کناه «أبو جعفر».
141. كما ورد في رواية أخرى: عن الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال : (كان يوماً جالساً)(5) فقال لي: البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمّد علیه السلام وأمر بكتمانه، (وأمر أن يعق عنه ثلاثمائة شاة)
فقلت: وما اسمه؟ قال : يسمى محمّد ويکنّی (بأبي) (6)جعفر .(7)
142- وفيه أيضاً : عن محمّد بن مسلم، قال :
دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فقال لي مبتدئاً : يا محمّد بن مسلم، إن في القائم من أهل
ص: 118
بيت محمّد علیه السلام سنّة (1)من خمسة من الرسل : يونس بن متّي، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلوات الله عليهم .
فأما سنّة (2) من يونس بن متّي: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن.
وأما سنّة من يوسف بن يعقوب : فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب (النبیّ ) علیه السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه، وأهله وشیعته.
وأما ستة من موسى ع: فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته،
وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان، إلى أن أذن الله عزّ وجلّ في
ظهوره، ونصره، وأيده على عدوه.
وأما سنّة من عيسى علیه السلام فاختلاف من اختلف فيه، حتّی قالت طائفة :
ما ولد، وطائفة منهم قالت : مات، وطائفة قالت: قتل وصلب .
وأما سنّة من جده المصطفی (محمّد) صلی الله علیه وآله وسلم فخروجه بالسيف (3)، وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلی الله علیه وآله وسلم والجبارين، والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية، وأن من علامات خروجه علیه السلام خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي (من السماء) باسمه واسم أبيه .(4)
143- ففي دعاء الندبة : أين جامع الكلم على التقوى . (5)
وفي كتاب المحجّة وغيره : عن أمیرالمؤمنین في قوله تعالی :
ص: 119
«لِيظهِرهُ عَلَى الدّين كلّهِ ...» (1)حتّی لا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بكرة وعشيا .(2)
144- وعن ابن عباس - الّذي قال : أكثر ما قلت في التفسير مأخوذ عن أمیرالمؤمنین علیه السلام . قال : لا يكون ذلك حتّی لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلا (صار إلى)(3) الإسلام، حتّی تأمن الشاة والذئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتّی لا تقرض الفارة جراباً، وحتّی توضع الجزية ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(4) وذلك يكون عند قيام القائم علیه السلام . (5)
وقال عليّ بن إبراهيم عند تفسير هذه الآية : إنّها نزلت في قائم آل محمّد.(6)
145- وفي كتاب المحجّة، عن العياشي: في تفسيره عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالى :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» (7)
قال : إذا قام القائم لايبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله . (8)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً،
مرّ بعضها ويأتي بعض آخر إن شاء الله تعالی .
ص: 120
ففي تفسير قوله تعالى : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » (1) عن أبي عبدالله علیه السلام: يعني أصحاب القائم علیه السلام الثلاثمائة والبضعة عشر
قال علیه السلام: يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف .(2)
146- وعن عليّ بن الحسين [أ] و ابنه علیه السلام قال :
الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكّة،
وهو قول الله تعالى :«أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » . (3)
147- وعن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
لقد نزلت هذه الآية في المفقودين من أصحاب القائم علیه السلام «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »، إنّهم المفقودون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه، واسم أبيه ، ونسبه وحسبه
قال مفضل: فقلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيمانا؟
قال علیه السلام: الّذي يسير في السحاب نهاراً . (4)
148- وعن أبي الحسن موسی: والله، لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شیعتنا من جميع البلدان (5). ونعم ما قيل في هذا المعنى:
لقد جدت یابن الأكرمين بنعمة ***جمعت بها بين المحبين في ستر
فلا زلت بالإحسان کهفاً وملجأ ***وقد جلّ ما قد كان منك عن الشكر
149- وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه ينحط عليه الملائكة الّذين
ص: 121
كانوا مع نوح في السفينة، والّذين كانوا مع إبراهيم علیه السلام حين ألقي في النار والّذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والّذين كانوا مع عيسی حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مسومين وألف مردفين وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن عليّ علیهماالسلام فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له : منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلآ شيعوه، ولا يمرض مریض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته،
وکلّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه علیه السلام .(1)
150- وفي حديث مفضل، عن الصادق علیه السلام قال :
یا مفضّل يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون، وغسق الليل نزل إليه جبرئیل و میکائیل علیهماالسلام والملائكة صفوفاً، فيقول له جبرئیل :
يا سيّدي، قولك مقبول، وأمرك جائز فيمسح علیه السلام يده على وجهه .
ويقول : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»(2) ويقف بين الركن والمقام، فيصرخ صرخة فيقول:
يا معشر نقبائي، وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، ایتوني طائعين، فترد صيحته علیه السلام عليهم وهم في محاربهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربّها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتّی يكون كلهم بين يديه علیه السلام بين الركن والمقام،
ص: 122
فيأمر الله عزّ وجلّ النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء، فيستضيء به کلّ مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور - إلى أن قال المفضل -: ياسيّدي يقيم بمكة؟
قال علیه السلام: لا يا مفضل، بل يستخلف منها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم، فيأتونه مهطعين، مقنعي رؤوسهم، يبكون ويتضرعون، ويقولون:
یا مهدي آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم التوبة، التوبة، فيعظهم وينذرهم، ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير،
فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء،
ويقول لهم : ارجعوا فلا تبقوا منهم بشراً إلآ من آمن، فلولا أن رحمة ربّكم وسعت کلّ شيء وأنا تلك الرحمة، لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله، وبيني وبينهم، فيرجعون إليهم، فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد، لا و الله، ولا من ألف واحد.
قال المفضل: قلت: يا سيّدي، فأين تكون دار المهدي علیه السلام ومجتمع المؤمنين؟
قال علیه السلام: دار ملکه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين .
قال المفضل : يا مولاي، کلّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال : إي والله ،
لا يبقى مؤمن إلا كان بها، أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليون أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع، بشبر من ذهب،
والسبع خطة من خطط همدان، «الحديث».(1)
ولعل المراد من قوله علیه السلام: لا يبقى مؤمن إلآ كان بها أو حواليها، الكون
ص: 123
للزيارة أي زيارة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، لا الكون على الدوام للإقامة، ويشهد لذلك قوله : وليودّن (إلخ).
ويحتمل أن يكون «أو حواليها» تصحيف «أو حن إليها» كما في رواية مروية في البحار وغيره عن أبي عبدالله علیه السلام.
151- ويؤيد المعنى الأول الّذي ذكرناه ، ما في البحار عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إذا دخل القائم علیه السلام الكوفة لم يبق مؤمن إلآ وهو بها أو يجيء إليها .(1)
152- وممّا يدل على اجتماع المؤمنين عند مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه و عجلّ الله فرجه ، ما رواه الصدوق في كمال الدين : عن أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري علیه السلام ، فإنّه علیه السلام سئل عن معنى قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :
لا تعادوا الأيام فتعاديكم،
فقال علیه السلام: نعم، الأيام : نحن، بنا قامت السماوات والأرض .
فالسبت: إسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والأحد: أمیرالمؤمنین
والإثنين : الحسن والحسين، والثلاثاء: عليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق،
والأربعاء: موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وأنا ، والخميس : ابني الحسن،
والجمعة : ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الّذي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً،
فهذا معنى الأيام، ولا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة .(2)
ص: 124
6- جمع العقول(1)
153- في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم.(2)
وفي الخرائج : وأكمل به أخلاقهم - بدل الجزء الأخير - .(3)
154- وفي أصول الكافي : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم (4). (5)
أقول: الأظهر أن الضمير في يده يرجع إلى القائم علیه السلام،
155- والدليل على هذا قول الصادق علیه السلام في حديث آخر مروي في الكافي قال علیه السلام: إن هذا الأمر يصير إلى من يلوي له الحنك(6)
ص: 125
فإذا كانت من الله فيه المشيئة خرج، فيقول الناس : ما هذا الّذي كان؟ ويضع الله له بدأ على رأس رعيته . (1)
يظهر من جهاده وحربّه
156- في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
كأنّي بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه (2)
ثمّ لا يرده عليكم إلا رجل منّا أهل البيت، (الحديث).(3)
ويأتي تمامه في سخائه، وفي كشف العلوم إن شاء الله تعالی . (4)
والفرق بينه وبين الجهاد : أن الجهاد بالنسبة إلى الكفار، والحربّ یعم أهل كلمة الإسلام، كما يدل عليه آية المحارب، وغيرها.
157- وكيف كان، فيشهد لما ذكرنا ما في البحار عن النعماني:
بإسناده عن الفضيل، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد ما استقبله رسول الله علیه السلام من جهال الجاهلية .
فقلت : وكيف ذلك؟ قال: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أتى الناس وهم يعبدون الحجارة، والصخور، والعيدان، والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتی
ص: 126
الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به ، الحديث . (1)
158- وفي رواية أخرى، عنه علیه السلام:
فيتأولون عليه كتاب الله، ويقاتلونه عليه .(2)
159- وعنه علیه السلام أنه قال :
ثلاثة عشر مدينة وطائفة يحاربّ القائم أهلها ويحاربّونه :
أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أُمّية، وأهل البصرة، وأهل دمیسان، والأكراد والأعراب ، وضبة، وغنى، وباهلة ، وأزد، وأهل الري. (3)
160- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
في صاحب الأمر سنّة من موسی، وسنّة من عیسی ، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلى الله عليه وآله [وعليهم].
فأما من موسی: خائف يترقب، وأما من عیسی : فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما من يوسف علیه السلام : فالسجن والغيبة،
وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : فالقيام (بالسيف) وسيرته، وتبيين آثاره،
ثمّ يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر بيمينه، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّی يرضى الله عزّ وجلّ.
قال أبو بصير : قلت : وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟
قال : يلقي في قلبه الرحمة .(4)
161- وفي حديث مفضل عن الصادق علیه السلام قال : يخرج الحسني الفتی
ص: 127
الصبيح، من نحو الديلم، يصيح بصوت له فصيح: یا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، كنوز وأي کنوز، ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتّی يرد الكوفة، وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا، فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي علیه السلام ويقولون :
یابن رسول الله، من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول:
أخرجوا بنا إليه حتّی ننظر من هو، وما يريد؟ وهو والله يعلم أنه المهدي وأنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو، فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخاتمه وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربّوع، وناقته العضباء وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمیرالمؤمنین علیه السلام
فيخرج له ذلك، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق،
ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي، حتّی يبايعونه.
فيقول الحسني : الله أكبر، مد يدك يابن رسول الله حتّی نبايعك، فيمد يده، فيبايعه ويبایعه سائر العسكر الّذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف، المعروفون بالزيدية ، فإنّهم يقولون : ما هذا إلا سحر عظيم، فيختلط العسكران، فيقبل المهدي علیه السلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم، ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرة، فيأمر بقتلهم، فيقتلون جميعا.
ثمّ يقول لأصحابه : لا تأخذوا المصاحف، ودعوها، تكون عليهم حسرة كما بذلوها وغيروها و حرفوها، ولم يعملوا بما فيها ، الحديث . (1)
والأخبار في هذا الباب كثيرة، يأتي بعضها في قتل الكافرين بسيفه إن شاء
الله تعالى . (2)
ص: 128
162- روى الصدوق في كمال الدين : بسند صحيح عن محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) قال : والله ، إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم کلّ سنة ، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه .(1)
أقول: والّذي يدل على استحباب الدعاء للحجاج من حيث حجه بيت الله :
163- ما رواه في الفقيه : عن الصادق علیه السلام قال : إذا كان عشية عرفة بعث الله عزّ وجلّ ملكين يتصفحان وجوه الناس، فإذا فقدا رجلا قد عود نفسه الحج قال أحدهما لصاحبه: يا فلان، ما فعل فلان؟
قال : فيقول الله أعلم، قال: فيقول أحدهما : اللهمّ إن كان حبسه عن الحج فقرأ فأغنه، وإن كان حبسه دین فاقض عنه دينه، وإن كان حبسه مرض فاشفه وإن كان حبسه موت فاغفر له وارحمه، إنتهی . (2)
فإن هذا الحديث يدل على استحباب الدعاء لمن عود نفسه الحج، كما لا يخفى، ويأتي في شباهته بالخضر ما يناسب المقام إن شاء الله تعالی . (3)
164- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ : «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا »(4) قال : يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم علیه السلام بعد موتها - يعني بموتها كفر أهلها - والكافر ميت . (5)
165- وفي كتاب المحجّة : عن ابن عباس، في قوله تعالى : «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا »يعني يصلح الله الأرض بقائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم بعد موتها يعني [من] بعد جور أهل مملكتها،
ص: 129
«قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ - بقائم آل محمّد - لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» .(1)
166- وعن أبي إبراهيم علیه السلام، في قول الله عزّ وجلّ: «يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » ، قال : ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله عزّ وجلّ رجالا فيحيون العدل فتحي الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا. (2)
167- وفي الجواهر ، عن سدير ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام:
حد يقام في الأرض أزکی فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها .(3)
168- وفي المحجّة : عن الحلبي، أنه سأل أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله عز وجل: «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » قال علیه السلام : العدل بعد الجور . (4)
يظهر ممّا يأتي في «خلقه» إن شاء الله تعالی .(5)
وبالجملة : کلّ إحسانه إلينا ثمرة حبه لنا إن شاء الله تعالی.
لكن، لا يخفى عليك أن حبه لنا ليس إلا من جهة الإيمان بالله، والإطاعة له عزّ وجلّ، فإن أردت حبه صلوات الله عليه لك، فعليك بإطاعة الله تعالی وإياك ، إياك أن تؤذيه و تعاديه بمخالفة الله جلّ جلاله، فتكون ممن قال الله عزّ وجلّ في حقه: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا »(1)
169- روي في دار السلام : عن الباقر علیه السلام أنه قال لجابر الجعفي:
ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد منكم حجّة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، ولا ينال ولايتنا إلا بالعمل والورع.(2)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وكما أن إطاعة الله تعالی توجب کمال المحبة ، فكذلك العصيان يوجب زوالها:
170- روي في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال أمیرالمؤمنین علیه السلام :
ما من عبد إلا وعليه أربعون جُنّة، حتّی يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجُنن، فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها
قال : فما يدع شيئاً من القبيح إلا قارفه حتّی يتمدح إلى الناس بفعله القبيح
فيقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه ، وإنا لنستحيي ممّا يصنع، فيوحي الله عزّ وجلّ إليهم: أن ارفعوا أجنحتكم عنه ، فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت، فعند ذلك ينهتك ستره في السماء، وستره في الأرض فيقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر، فيوحي الله عزّ وجلّ إليهم : لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه . (3)
ص: 131
171- روي في كمال الدين : بإسناده عن أبان بن تغلب قال :
قال أبو عبدالله علیه السلام: سيأتي في مسجد كم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا - يعني مسجد مكة - يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوب على کلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالی ریحاً، فتنادي بکلّ واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان علیه السلام ولا يريد عليه بينة . (1)
172- وفيه أيضاً: عنه ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام: إذا قام القائم علیه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمان إلا عرفه، صالح هو أم طالح؟
لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقیم.(2)
173- وفي البحار، عن كتاب الغيبة للسیّد عليّ بن عبدالحمید (رحمه الله) :
بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضربّ قدامه بالسيف وهو قضاء آدم علیه السلام، فيقدمهم فيضربّ أعناقهم،
ثمّ يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضربّ قدامه بالسيف، وهو قضاء داود علیه السلام فيقدمهم فيضربّ أعناقهم،
ثمّ يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضربّ قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم علیه السلام فيقدمهم فيضربّ أعناقهم.
ثمّ يقضي الرابعة وهو قضاء محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فلا ينكرها أحد عليه . (3)
ص: 132
174- في البحار، عن النعماني : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
بينا الرجل على رأس القائم بأمره وينهاه، إذ قال : أديروه فيديرونه إلى قدامه ، فيأمر بضربّ عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه .(1)
175- وعن إرشاد المفيد، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر کلّ قوم بما اسبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم
قال الله سبحانه : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ» (2)(3)
176- وعن عبدالله بن المغيرة، عنه علیه السلام قال :
إذا قام القائم من آل محمّد علیه السلام أقام خمسمائة من قريش فضربّ أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة أخرى، حتّی يفعل ذلك ستّ مرّات، قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا، قال علیه السلام: نعم، منهم ومن مواليهم. (4)
177- وعنه علیه السلام قال : إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه ، وحول المقام إلى الموضع الّذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها : هؤلاء سراق الكعبة . (5)
أقول: قد مرّ ما يدل عليه، ويأتي إن شاء الله تعالى في قتل الكافرين، وفي هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق .(6)
ص: 133
178- في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي وائل، قال :
نظر أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام إلى الحسين، فقال : إن ابني هذا سیّد، كما سماه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّداً، وسيخرج الله من صلبه رجلا باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق، وإظهار للجور والله لو لم يخرج لضربّت عنقه(1) يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ....(2)
179- ومن طريق المخالفين عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلا اسمه إسمي وخلقه خلقي، الحديث . (3)
وقد مرّ بعض الأخبار في جماله علیه السلام فراجع . (4)
والخلق كما في كتب اللغة : السجية، فمعنی کون خلقه كخلق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شباهته به في عامة صفاته وسجاياه، لا خصوص حسن المعاشرة وغير ذلك.
ويؤيد ما ذكرنا : أن صاحب کشف الغمة نقل عن محمّد بن يوسف الشافعي في كفاية الطالب، أنه قال بعد ذكر هذا الحديث : ومعنى قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «خلقه خلقي» من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي علیه السلام من الكفار لدين الله تعالی كما كان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد قال تعالى : «إنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (5)
قال الفقير إلى الله تعالى عليّ بن عیسی «عفى الله عنه» :
ص: 134
العجب من قوله: من أحسن الكنايات، إلى آخر الكلام، ومن أين تحجر على الخلق فجعله مقصوراً على الإنتقام فقط! وهو عام في جميع أخلاق النبي صلی الله علیه وآله وسلم: من كرمه، وشرفه، وعلمه وحلمه، وشجاعته، وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها في صدر هذا الكتاب وأعجب من قوله : ذكر الآية دليلا على ما قرره إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه .(1)
180- في الكافي : بإسناده عن زرارة، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن للقائم علیه السلام غيبة قبل أن يقوم، قلت : ولم؟
قال : إنّه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل . (2)
181- وفي حديث آخر : عن زرارة، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال : قلت : ولم؟
قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -.
ثمّ قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الّذي يُشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول : حمل، ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله عزّ وجلّ يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون
قال زرارة : فقلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟
قال علیه السلام يا زرارة ، إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء : «اللهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك .
اللهمّ عرّفني رسولك، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك،
ص: 135
اللهمّ عرّفني حجتك، فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني».(1)
أقول: قد ورد هذا الدعاء في حديث آخر هكذا:
اللهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني
نبیّك فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرفه قطّ، اللهمّ عرّفني حجتك، فإنك إن لم
تعرّفني حجتك، ضللت عن ديني . (2)
182- وفي الكافي : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في خطبة له : وإنك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور، كي لا تبطل حجتك، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم....(3)
ومرّ في الباب الثاني عن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال :
هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه .(4)
183- وفي كمال الدين : بإسناده عن سیّد العابدین علیه السلام:
في القائم سنّة من سبعة أنبياء : (5)
سنّة من أبينا آدم علیه السلام وسنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسی، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيوب، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم .
فأما من آدم ونوح : فطول العمر، وأما من إبراهيم : فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسی : فالخوف والغيبة، وأما من عیسی : فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب: فالفرج بعد البلوى،
وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : فالخروج بالسيف . (6)
ص: 136
184- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام قال : في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء علیهم السلام: سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، فأما من موسى : فخائف يترقب، وأما من يوسف : فالسجن،
وأما من عیسی : فيقال : إنّه مات ولم يمت، وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فالسيف .(1)
185- وفيه : عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام قال :
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ». (2)(3)
186- وفيه : بإسناده عن زرارة ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد يا يقول : إن للقائم غيبة(4) قبل أن يقوم، قلت : ولم ذلك، جعلت فداك؟
قال : يخاف . وأشار بيده إلى بطنه وعنقه - ...(5)
187- وفي كتاب المحجّة : عن الصادق علیه السلام في تفسير قول الله عزّ وجلّ :
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(6)، قال علیه السلام: نزلت في القائم وأصحابه . (7)
188- ويدل عليه أيضاً: ما في كفاية الأثر : من طريق العامة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : الخلفاء بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين علیه السلام والتاسع مهديهم، فطوبی لمحبيهم، والويل لمبغضيهم.(1)
189- وفيه : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا تقوم الساعة حتّی يقوم قائم الحقّ منّا، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ، فمن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك،
فالله الله عباد الله، إئتوه ولو على الثلج، فإنّه خليفة الله . (2)
190- ويدل عليه أيضاً: ما في البحار، عن كشف الغمة من طريق العامة :
عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي :
هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه .(3)
191- ومن طريق العامة أيضاً : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : يقتل عند كنزكم ثلاثة :
كلهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تجيء الرايات السود، فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم، ثمّ يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنّه خليفة الله المهدي. (4)
192- في حديث كميل المروي في دار السلام :
قال أمیر المؤمنین علیه السلام : یا کمیل، ما من علم إلا وأنا أفتحه، وما من شيء إلا والقائم علیه السلام يختمه، الخبر . (5)
ص: 138
أقول: المراد بشيء، إما العلم، بقرينة صدر الكلام، وإما جميع الكمالات والأخلاق الحسنّة، والعلوم والمعارف الحقّة التي أظهر سائر الأئمة بعضها بمقتضی صلاح زمانهم،
والقائم عجلّ الله تعالی فرجه يظهر جميعها فالجميع يختم بظهوره.
193- ويؤيد ذلك ما رواه الصدوق (رحمه الله): عن أبي عبدالله علیه السلام عن آبائه صلوات الله عليهم ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
إن الله عزّ وجلّ اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار منّي علياً، وفضله على جميع الأوصياء، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسین الأوصياء من ولده ، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الضالین، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم.(1)
194- وفي الكافي - في حديث الراهب الّذي أسلم بید مولانا الكاظم علیه السلام-
ثمّ إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف (2) نزلت،
فتبين في الأرض منها أربعة، وبقي في الهواء منها أربعة،
على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء، ومن يفسرها؟
قال علیه السلام : ذاك قائمنا، ينزله الله عليه، فيفسره، وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، الحديث . (3)
ص: 139
ويأتي في كشف العلوم لهم ما يدل على المقصود إن شاء الله تعالى .(1)
يجب عليه إطاعة لأمر الله، ودفعا لأعدائه ، وحفظاً لنفسه، لما عرفت في خلقه في حديث أمیرالمؤمنین عليّ أنه لو لم يخرج لضربّت عنقه(2).
ويأتي في أخبار غيبته ونداءاته (3) ما يناسب المقام، فلاتغفل .
195- ففي التوقيع المروي في آخر الإحتجاج، عنه علیه السلام:
لانّنا من وراء حفظهم بالدعاء الّذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب .... (4)
وقال السیّد الأجلّ عليّ بن طاووس «رحمه الله» في المهج: وكنت أنا بسر من رأي، فسمعت سحراً دعاءه علیه السلام، فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات : وأبقهم (أو قال : وأحيهم) في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنّة ثمان وثلاثين وستمائة ، إنتهی كلامه رفع مقامه .(5)
196- وفي الكافي : بإسناده عن أبي عبدالله ؟ عن رسول الله في خطبته في مسجد الخیف قال : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة (6) لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم (7)محيطة من ورائهم.(8)
ص: 140
197- وفي الكافي أيضاً : بإسناده عن رجل من قريش من أهل مكة ، قال : قال سفيان الثوري: إذهب بنا إلى جعفر بن محمّد علیه السلام. قال : فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان : يا أبا عبدالله، حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في مسجد الخيف ، قال : دعني حتّی أذهب في حاجتي فإني قد ركبت، فإذا جئت حدثتك، فقال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما حدثتني، قال : فنزل، فقال له سفيان :
مر لي بدواة وقرطاس حتّی أثبته، فدعا به، ثمّ قال علیه السلام: أكتب
بسم الله الرحمن الرحيم، خطبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في مسجد الخیف: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها (1) وبلغها من لم تبلغه، يا أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
ثلاث لا يغل عليهن قلب امریء مسلم:
إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافی (2) دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم.
فكتبه سفيان، ثمّ عرضه عليه، وركب أبو عبدالله علیه السلام و وجئت أنا وسفيان فلمّا كنا في بعض الطريق، قال لي : كما أنت حتّی أنظر في هذا الحديث.
فقلت له : قد والله ألزم أبو عبدالله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا فقال : وأي شيء ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرّفناه ، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة
ص: 141
الّذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومروان ابن الحكم، وکلّ من لا تجوز شهادته عندنا، ولا تجوز الصلاة خلفهم؟!
وقوله : واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟
مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة، وهدم الكعبة ، ونکح أمه ، فهو على إيمان جبرئیل و میکائیل؟
أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عزّ وجلّ، ويكون ماشاء إبليس؟
أو حروري يتبرأ من عليّ بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟
أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده، ليس الإيمان شيء غيرها؟!!
قال : ويحك، وأي شيء يقولون؟ فقلت يقولون: إن عليّ بن أبي طالب علیه السلام والله الإمام الّذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته،
قال : فأخذ الكتاب فخرقه، ثمّ قال : لا تخبر بها أحداً .(1)
198- ويدل على دعاء إمام کلّ زمان لشيعته أيضاً (2)، ما روي في البحار، عن مناقب ابن شهر آشوب، عن موسی بن سیار، قال :
كنت مع الرضا علیه السلام وقد أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثني (3)رجله عن فرسه، ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثمّ أقبل يلوذ بها، كما تلوذ السخلة بأمها.
ثمّ أقبل عليّ وقال : يا موسی بن سیار، من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لا ذنب عليه، حتّی إذا وضع الرجل على شفير قبره، رأيت سيّدي قد أقبل، فأفرج الناس عن الجنازة حتّی بدا له الميت،
ص: 142
فوضع يده على صدره، ثمّ قال :
یا فلان بن فلان، أبشر بالجنّة، فلا خوف عليك بعد هذه الساعة.
فقلت : جعلت فداك ، هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال علیه السلام لي: يا موسی بن سیار، أما علمت أنا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شیعتنا صباحا ومساء، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه .(1)
199 - ويدل على المقصود أيضاً : ما روي عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في حديث رميلة، قال : يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه، ولا يحزن إلا حزنا بحزنه، ولا يدعو إلا أمنا لدعائه ، ولا يسكت إلآ دعونا له، الخبر .(2)
ويأتي بطوله في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .(3)
هذا، وأنت إذا لاحظت توقيعاته الشريفة المروية في كتاب الإحتجاج كفاك في هذا الباب، والله الهادي إلى نهج الصواب .
200- ويدل على المقصود أيضاً : ما رواه محمّد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي الربّيع الشامي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام :
بلغني عن عمرو بن إسحاق حدیث، فقال : اعرضه، قال : دخل عليّ أمیرالمؤمنین علیه السلام فرأى صفرة في وجهه.
قال علیه السلام: ما هذه الصفرة؟ فذكر وجعاً به ، فقال له عليّ علیه السلام : إنا لنفرح لفرحكم، ونحزن لحزنكم، ونمرض لمرضكم، وندعو لكم، وتدعون فنؤمن
قال عمرو : قد عرفت ما قلت، ولكن كيف ندعو فتؤمن؟ فقال علیه السلام: إنا سواء علينا البادي والحاضر، فقال أبو عبدالله علیه السلام : صدق عمرو. (4)
ص: 143
201- في زيارته علیه السلام : السلام عليك يا داعي الله، وربّاني آياته .(1)
وفي الجامعة : السلام على الأئمة الدعاة، والقادة الهداة .(2)
202- وفي حديث عبدالعزيز بن مسلم المروي في الكافي والكمال، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام: الإمام أُمّين الله في خلقه ، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله ....(3)
203- وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا أذن الله عزّ وجلّ للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ويعمل فيهم بعمله،
فيبعث الله جلّ جلاله جبرئيل علیه السلام حتّی يأتيه ، فينزل على الحطيم، ثمّ يقول له : إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم علیه السلام.
فيقول جبرئیل علیه السلام: أنا أول من يبايعك ، ابسط يدك ، فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فيبايعونه، ويقيم بمكة، حتّی يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثمّ يسير منها إلى المدينة . (4)
204- وعن أبي جعفر علیه السلام في حديث طويل: ثمّ ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله، وسنّة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعليّ بن أبي طالب علیه السلام والبراءة من عدوه ....(5)
ص: 144
205- وعنه علیه السلام: إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء .(1)
206- وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء، فقلت : اشرح لي هذا أصلحك الله .
فقال علیه السلام: يستأنف الداعي منا دعاء جديداً كما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. (2)
قد مضى بعض ما يدل عليه في حرف الألف . (3)
207- ويدل عليه أيضاً ما في الخرائج: روی علان، عن طريف، عن نصر الخادم، قال: دخلت على صاحب الزمان علیه السلام وهو في المهد، فقال لي : علي بالصندل الأحمر، فأتيته به ، فقال علیه السلام: أتعرّفني؟ قلت: نعم، أنت سيّدي، وابن سيّدي، فقال علیه السلام: ليس عن هذا سألتك ، قلت : فسر لي.
قال علیه السلام: أنا خاتم الاوصياء، وبي يدفع البلاء عن أهلي وشيعتي .(4)
208- وفي غاية المرام من مسند أحمد بن حنبل: بإسناده عن عليّ علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:
النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض . (5)
209- وفيه عن الحمويني من أعيان علماء العامة : بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتّي .(6)
ص: 145
210- وفي كفاية الأثر : بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال :
سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول : أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، قيل : یا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟
قال: نعم، الأئمة بعدي إثنا عشر إماماً، تسعة من صلب الحسین علیه السلام أمناء معصومون، ومنّا مهدي هذه الأمة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي .(1)
211- وفيه : عن الحسين بن عليّ علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
أول ما خلق الله حجبه، فكتب على حواشيها (2): لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق العرش، فكتب على أركانه : لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق الأرضين فكتب على أطوارها (3): لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق اللوح فكتب على حدوده: لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه.
فمن زعم أنه يحب النبیّ ولا يحب الوصي، فقد كذب،
ومن زعم أنه يعرف النبیّ ولا يعرف الوصي فقد کفر.
ثمّ قال علیه السلام: ألا إن أهل بيتي أمان لكم، فأحبوهم بحبي(4)، وتمسكوا بهم لن تضلوا، قيل: فمن أهل بيتك يا نبیّ الله؟
قال علیه السلام: عليّ وسبطاي وتسعة من ولد الحسين، أئمة أبرار، أمناء معصومون ألا إنّهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي .(5)
212- وفي غاية المرام : بإسناده عن جابر الجعفي، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام: لاي شيء يحتاج إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والإمام؟
ص: 146
فقال علیه السلام : لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عزّ وجلّ يرفع العذاب
عن أهل الأرض إذا كان فيها نبیّ أو إمام، قال الله عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » (1)
وقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتی أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتی أهل الأرض ما يكرهون.(2)
213- وفي الإكمال والأمالي : بسنده (3)عن سیّد العابدين علیه السلام، قال :
نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الّذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد (4) بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .
ثمّ قال علیه السلام: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة الله فيها ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله .
قال سليمان : فقلت للصادق علیه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور قال علیه السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب . (5)
أقول: وجه تشبيهه علیه السلام بالشمس يأتي إن شاء الله تعالى في نفعه. (6)
ص: 147
214- وعن سیّد الساجدين علیه السلام، قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شیعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد ....(1)
وهذا أيضاً من برکات وجوده وكمال جوده
215- روي في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلّ جلاله فيقول: عبادي (2) وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبکم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، لولاكم لانزلت عليهم عذابي .(3)
أما في زمن غيبته فبدعائه، كما عرفت، وأما في زمن حضوره فقد ظهر من حربّه وجهاده، ويظهر من قتل الكافرين بسيفه، ومن ذلة الأعداء بيده . (4)
216- في الكافي، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إذا قام القائم عرض الإيمان على کلّ ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه ، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه
ص: 148
الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد .(1)
أقول: مرّ في حرف الألف ما يدل عليه . (2)
217- وفي الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : إن للحقّ دولة، وللباطل
دولة، وکلّ واحد منهما في دولة صاحبه ذليل، «الحديث».(3)
218- وفي البحار عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ »(4)، قال ع: يعني يوم خروج القائم علیه السلام. (5)
219- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی : «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا » (6)، قال : هي والله للنصاب
قال معاوية بن عمّار : جعلت فداك ، قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية
حتّی ماتوا، قال علیه السلام: ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة . (7)
سيأتي في حرف الميم بعنوان المرابطة إن شاء الله تعالى .(8)
220- في البحار : عن ابن عباس في قوله تعالی :
«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(9)، قال : لا يكون ذلك حتّی لا يبقى يهودي، ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام، حتّی يأمن
ص: 149
الشاة والذئب، والبقرة والأسد والإنسان والحية، وحتّی لا تقرض فارة جرابا - إلى أن قال : وذلك يكون عند قيام القائم . (1) .
221- وفي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في وصفه علیه السلام: وتصطلح في ملکه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها - الخبر .(2)
222- وفيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربّي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خده الأيمن خال ، كأنه كوكب دري، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ، يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو.(3)
223- وفي حديث آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً، فقال له رجل: وما صحاحاً؟ قال : السوية بين الناس. (4)
224- وفيه، عن کتاب سعد السعود، نقلاً عن صحف إدريس علیه السلام:
وألقي في تلك الزمان الأمانة على الأرض فلا يضر شيء شيئا، ولا يخاف شيء من شيء، ثمّ تكون الهوام والمواشي بين الناس، فلا يؤذي بعضهم بعضا وأنزع حمه کلّ ذي حمة من الهوام وغيرها، وأذهب سم کلّ ما يلدغ، وأنزل بركات من السماء والأرض، وتزهر الأرض بحسن نباتها، وتخرج کلّ ثمارها وأنواع طيبها، وألقي الرأفة والرحمة بينهم ....(5)
225- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام، قال : لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء
ص: 150
قطرها، وأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتّی تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه . (1)
ومرّ في حرف الالف ما يدل على ذلك .
تظهر ممّا مرّ في جهاده وحربّه وغيرهما،
ويأتي في صبره وقتل الكافرين وغيرهما ما يدل عليه . (2)
226- في الكافي : بإسناده عن حماد بن عثمان قال :
حضرت ابا عبدالله علیه السلام وقال له رجل: أصلحك الله، ذكرت أن عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد، فقال له:
إن عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس کلّ زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت علیهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ علیه السلام وسار بسيرة عليّ علیه السلام .(3)
أقول: ولعل هذا هو المراد في قول أمیرالمؤمنین علیه السلام لأبي عبدالله
الجدلي: ألا أخبرك بأنف المهدي علیه السلام وعينه؟
قال : قلت : نعم، فضربّ بيده إلى صدره، فقال : أنا . (4)
ص: 151
لان الأنف بمعنى السیّد، والمقتدى في الأمور، والعين بمعنی من یکون كذات الشيء ونفسه، فيكون هذا الكلام كناية عن أن المهدي علیه السلام يسير بسيرة أمیرالمؤمنین علیه السلام في أفعاله، فهو أنفه : أي مقتداه في أفعاله، وعينه : أي كأنه هو في زهده، وعبادته وسيرته، وشجاعته، وسائر خصوصياته ،
وهذا استعمال شائع متعارف في المحاورات العرفية أيضاً، حيث يقال الشيء يكون مشابهاً وموافقاً لشيء آخر في تمام الخصوصيات : هذا عينه،
وأما كون الأنف بمعنى السیّد والمقتدى فيشهد له قول الشاعر :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم*** ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
والله تعالى هو العالم.
227- وفيه : عن المعلی بن خنيس قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام يوما :
جعلت فداك، ذكرت آل فلان وما هم فيه من النعيم، فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم، فقال : هيهات یا معلی ! أما والله، أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل(1)، وسياحة النهار، ولبس الخشن، وأکلّ الجشب، فزوي ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله نعمة إلا هذه .(2)
228- وفي البحار ، عن النعماني : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : ما تستعجلون بخروج القائم؟! فوالله ما لباسه إلآ الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظل السيف . (3)
229- ومنه : عن الرضا علیه السلام قال : أنتم أرخی بالا منكم يومئذ، قال الراوي :
ص: 152
وكيف؟ قال : لو قد خرج قائمنا علیه السلام لم يكن إلا العلق (1) والعرق «و» القوم على السروج، ومالباس القائم علیه السلام إلا الغليظ، وما طعامه إلا الجشب ).(2)(3)
وسائر المعصومين الكرام قطعية عند ذوي الأفهام
230- ويشهد لهذا المقام ما في البحار - في ضمن واقعة الجزيرة الخضراء - قال السیّد شمس الدين بعد أن سأله الراوي :
هل يحج الإمام علیه السلام ؟ قال : الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه علیهم السلام! نعم، يحج في کلّ عام، ويزور آباءه في المدينة ، والعراق، وطوس، على مشر فيها السلام ....(4)
وأما رجحان الدعاء لزوارهم علیهم السلام فغير خفي على من استضاء بنور الإسلام
231- ويدل عليه ما رواه ابن وهب، عن الصادق علیه السلام ، أنه دعا في سجوده الزوار الحسين بدعاء طويل، وطلب لهم الثواب الجزيل، وأثنى عليهم بالثناء الجميل، ثمّ قال : يا معاوية ، من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض(5)، وسنذكر الحديث بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالی . (6)
232- وفي البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في وصف القائم عجلّ الله تعالی فرجه
ص: 153
قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ....(1)
233- وفي البحار، عن النعماني: بإسناده عن عبدالله بن عطا، قال :
سألت أبا جعفر الباقر علیه السلام فقلت : إذا قام القائم علیه السلام بأي سيرة يسير في الناس؟
فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ويستأنف الإسلام جديداً . (2)
234- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن عبدالملك بن أعين، قال : أراني أبو جعفر علیه السلام بعض کتب عليّ علیه السلام ثمّ قال لي: لأي شيء كتبت هذه الكتب؟
قلت : ما أبين الرأي فيها، قال علیه السلام: هات،
قلت : علم أن قائمكم يقوم يوما فأحب أن يعمل بما فيها، قال: صدقت . (3)
يظهر ممّا مرّ في خلقه، ويأتي في ندائه . (4)
235- وفي البحار، عن النعماني : عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال : كأنني بدینکم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه (5)، ثمّ لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت فيعطيكم في السنّة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتّی أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى، وسنّة رسول الله .(6)
236- وفي حديث آخر : عنه علیه السلام قال : ويجتمع إليه أموال الدنيا كلها، من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله . (7)
ص: 154
237- وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من طريق العامة أنه قال : فيجيء إليه الرجل فيقول:
یا مهدي أعطني، قال : فيحتي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . (1)
238- وفي حديث آخر من طريقهم، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : والمال يومئذ کدوس، يقوم
الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ.(2)
239- وفي غاية المرام : من طريقهم، عنه صلی الله علیه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الخدري : يكون المال كدوساً، يأتيه الرجل فيسأله، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . (3)
240- وفي حديث أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بلا عدد .(4)
أقول: ويأتي في كرمه ما يناسب هذا المقام، ونعم ما قيل :
بنت المكارم وسط كفك منزلا*** فجميع مالك للأنام مباح
وإذا المكارم أقفلت أبوابها ***يوما فأنت لقفلها مفتاح
وقال آخر:
هو البحر من أي النواحي أتيته ***ولجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتّی لو أنه ***أراد انقباضة لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه*** لجاد بها فليتق الله سائله
وقال مؤلف هذا الكتاب «عفي الله تعالی عنه » ، في التضمين :
إن الّذي خلق المكارم حازها*** في ذات آدم للإمام القائم
ص: 155
تبين ما مرّ في حربّه وجهاده، ويأتي في علمه وفي قتل الكفرة.(1)
241- في غاية المرام : من طريق العامة، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنا واردكم على الحوض، وأنت يا عليّ الساقي (2)والحسن الذائد(3)، والحسين الأمر، وعليّ بن الحسين الفارض، ومحمّد بن علي الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسی بن جعفر محصي المحبين والمبغضين، وقامع المنافقين، وعليّ بن موسی مزين المؤمنين، ومحمّد بن على منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعليّ بن محمّد خطیب شیعته ومزوجهم الحور العين، والحسن بن عليّ سراج أهل الجنّة يستضيؤن به ،
والمهدي شفيعهم يوم القيامة، حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى .(4)
أقول : السرّ في تخصيص الشفاعة بمولانا الحجّة صلوات الله عليه مع أنهم جميعاً شفعاء يوم القيامة، أن شفاعتهم لا تشمل المنکرین لمولانا صاحب الزمان علیه السلام، «فَمَا لَهم مِنْ شَافِعِينَ *وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »(5)وإن أقروا بمن سبقه من الأئمة الطاهرين.
242- ولهذا ورد في الحديث المروي في كمال الدين، عن الصادق علیه السلام :
من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر
ص: 156
بجميع الأنبياء، وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم - الخبر . (1)
وفي معناه روايات أخر، وفيما ذكرناه كفاية لمن اعتبر .
243- في الكافي في تفسير قوله تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(2)عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال : نزلت في أمة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم خاصة، في کلّ قرن منهم إمام ما شاهد عليهم، ومحمّد صلی الله علیه وآله وسلم شاهد علينا .(3)
244- وعنه علیه السلام قال : نحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة .(4)
245- و عن أبي جعفر علیهما السلام في قوله تعالی :
«وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً... »(5)، قال : نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه، وحججه في أرضه ، الخبر .(6)
246- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام، قال : إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه،
وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا . (7)
247- في البحار، عن النعماني : بإسناده، سئل أبو عبدالله علیه السلام :
ص: 157
هل ولد القائم؟ قال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي .(1)
أقول: تأمل أيها اللبيب، وتأدب بهذا التأديب، ولا تؤذه أيام حياتك بصنوف سيئاتك، وسيوف کلماتك .
248- في حديث اللوح المروي في كمال الدين وغيره ، بعدة طرق في وصف القائم علیه السلام : عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، الخبر .(2)
ومرّ في بلائه ما يدل عليه، ونعم ما قيل :
فحزني ما يعقوب بث أقله ***وکلّ بلا أيوب بعض بليتي
لأنه قد جمع له أنواع البلاء، وطول ذلك يوجب اشتداده، وأنت إذا تفكرت ساعة ظهر لك حقيقة ما ذكرت،
فعليك بالدعاء له وطلب الفرج له من الله تعالى شأنه .
249- روي في دار السلام عن قصص الأنبياء: أن إبراهيم علیه السلام کان یکنّی بأبي الضيفان، وكان لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع ضيف، وربّما مشی میلا أو ميلين أو أكثر حتّی يجد ضيفاً، وضيافته قائمة إلى يوم القيامة،
وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى : «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » (3)(4)
أقول: لا يخفى أن هذه الضيافة هي الضيافة بالعلوم والسنن القائمة بوجود
ص: 158
النبیّ والإمام علیه السلام إلى يوم القيامة.
وفي زیارة يوم الجمعة : وأنا يا مولاي فيه ضيفك و جارك .(1)
وقد مضى في الباب الثالث (2)ما يناسب هذا المقام.
وقال السیّد ابن طاووس «رحمه الله تعالی» في جمال الأسبوع:
نزیلك حيث ما اتجهت رکابي*** وضيفك حيث كنت من البلاد(3)
250- ويعجبني هنا نقل حديث لا يخلو من مناسبة للمقام، ذكره في كتاب دار السلام نقلا عن مشكاة الطبرسي، قال : قال رجل لأبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام : كيف أبو دلف له أربعة آلاف قرية وقرية؟
فقال علیه السلام: إنّه ضاف به مؤمن ليلة فزوده جلة من تمرّ كان فيها أربعة آلاف تمرة وتمرة، فأعطاه الله تعالى بکلّ تمرة قرية . (4)
251- في كمال الدين، عن الصادق علیه السلام : إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا
فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الّذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدّجال، ويطهّر الأرض من کلّ جور وظلم (5)
وقد مضى ما يدل على ذلك في حرف الحاء (6) وغيره.
ص: 159
252- في البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : أما والله، لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة ، حتّی يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم من حاجة .(1)
أقول: مرّ في حرف الالف ما يناسبه، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى .(2)
يظهر من حياة الأرض به، وقتل الكافرين، وتجديد الإسلام
253- في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن منّا إماماً مظفر مستتراً، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر ، فقام بأمر الله تبارك وتعالى .(3)
254- وفي المحجّة، عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالى : «ولولا أخرتنا إلى
أجلّ قريب »(4)، إلى خروج القائم علیه السلام، فإن معه النصر والظفر .(5)
ويأتي في علمه ما يدل عليه . (6)
ص: 160
255- روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : «ولمن انتصر بعد ظُلمه - یعني القائم علیه السلام وأصحابه - فأولئك ما عليهم من سبيله»(1)، والقائم إذا قام انتصر من بني أُمّية، ومن المكذبين والنصاب، هو وأصحابه (2)
256- ورواه في المحجّة : عن محمّد بن العباس بإسناده عنه علیه السلام من طريق آخر.(3)
257- وروى عليّ بن إبراهيم، عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(4)، قال :
إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخرجته قریش من مكة ،
وإنما هو القائم علیه السلام ، إذا خرج يطلب بدم الحسين علیه السلام وهو قوله :
نحن أولياء الدم، وطلاب الدية . (5)
258- وروى السیّد(6) في البرهان، عن أبي جعفر علیهماالسلام ؛ أنه قال في هذه الآية :
في القائم وأصحابه علیه السلام.(7)
259- وفي كتاب المحجّة والبحار، عن الباقر علیه السلام : أن القائم علیه السلام يسند ظهره حين ظهوره إلى البيت الحرام مستجيراً به، ينادي - إلى أن يقول -:
وأسألكم بحقّ الله و[حق] رسوله، وبحقي، فإن لي عليكم حقّ القربي من
ص: 161
رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا،
فقد أخفنا، وظلمنا، وطردنا من ديارنا، وأبنائنا، وبغي علينا، الخبر . (1)
ويأتي بطوله في ندائه علیه السلام . (2)
260- وفي البحار : مرفوعاً عن أبي عبدالله علیه السلام قال : يقدم القائم علیه السلام حتّی يأتي النجف، فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه ، والناس معه وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور
ويقول: من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، الخبر .(3)
261- وفي كمال الدين : بإسناده عن الحسين بن عليّ علیه السلام قال :
قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الّذي يقسم میراثه، وهو حي. (4)
262- وفيه : في حديث أبي خالد الكابلي، عن عليّ بن الحسين علیهما السلام قال :
كأني بجعفر الكذاب، وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله، والموکلّ بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصاً منه على قتله، إن ظفر به، طمعاً في ميراثه حتّی يأخذه بغير حقه ... .(5)
ويأتي بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالی . (6)
263- وفي غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن رشیق، قال : بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب کلّ واحد منا فرساً ونجنب (7) آخر، ونخرج مخفين (8)لا يكون معنا قليل ولا كثير، إلا على السرج مصلی .
ص: 162
وقال لنا: إلحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة ودارة، وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً أسود، فاكبسوا الدار (1) ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه .
فوافينا سامرة، فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال : صاحبها، فو الله ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سرية، ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر، فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير، قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا . فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطربّ حتّی مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتا، فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من أجيء، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا، وما انفتل عما كان فيه ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه .
وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه ، فسألنا عن الخبر ،
فحكينا له ما رأينا، فقال : ويحكم، لقيكم أحد قبلي، وجرى منكم إلى أحد سبب شئ، أو قول؟ قلنا: لا. فقال : أنا نفي من جدي(2)، وحلف باشد أيمان له أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربّن أعناقنا،
فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته .(3)
ص: 163
تقدم في ختم العلوم به من حرف الخاء قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في وصفه :
هو ظاهرهم، وهو باطنهم. (1)
ومعنى ذلك - والله يعلم - أنه مظهر جميع العلوم الظاهرة والباطنة، التي آتاها الله النبي، والأئمة علیهم السلام، ومظهر كمالاتهم وشؤونهم جميعا.
264- ويؤيد هذا المعنى ما في تاسع البحار، عن الإختصاص : أن أمیرالمؤمنین علیه السلام كان قاعداً في المسجد، وعنده جماعة من أصحابه ،
فقالوا له : حدثنا يا أمیرالمؤمنین، فقال لهم : ويحكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون، قالوا: لا بد من أن تحدثنا.
قال علیه السلام: قوموا بنا، فدخل الدار، فقال : أنا الّذي علوت فقهرت، أنا الّذي أحيي وأُمّيت، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن فغضبوا، وقالوا: كفر، وقاموا
فقالى عليّ علیه السلام للباب : يا باب، استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب ، فقال صلوات الله وسلامه عليه :" ألم أقل لكم إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون؟ تعالوا أفسّر لكم.
أما قولي : أنا الّذي علوت فقهرت : فأنا الّذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّی آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي : أنا أحيي وأُمّيت : فأنا أحيي السنّة وأُمّيت البدعة، وأما قولي أنا الأول : فأنا أول من آمن بالله وأسلم.
وأما قولي أنا الآخر : فأنا آخر من سجي على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثوبه ودفنه،
وأما قولي أنا الظاهر والباطن : فأنا عندي علم الظاهر والباطن .(2)
وأنت إذا لاحظت ما ذكرنا ونذكر في هذا الباب، اتضح لك نهج الصواب وعلمت أنه علیه السلام مظهر جميع صفات الأئمة الأطياب، ومظهر كمالات البررة الإنجاب، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب .
ص: 164
مضى في حكمه بالحقّ ما يدل عليه . (1)
265- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إن العلم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه صلی الله علیه وآله وسلم لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّی يراه ، فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة، ومعدن العلم وموضع الرسالة (2).(3)
266- وفي البحار، عن النعماني : بإسناده عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن عليّ ،علیهم السلام قال : جاء رجل إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام، فقال له: يا أمیرالمؤمنین، نبئنا بمهديكم هذا،
فقال علیه السلام: إذا درج الدارجون (4)وقل المؤمنون، وذهب المجلبون (5) فهناك . فقال : يا أمیرالمؤمنین عليك السلام، ممن الرجل؟
فقال : من بني هاشم، من ذروة طود (6)العرب، وبحر مغيضها (7) إذا وردت ، ومجفو أهلها (8) إذا أتت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت ، لا يجبن إذا المنايا هلعت (9)
ص: 165
ولا يحور(1) إذا المؤمنون اكتنفت، ولا ينکلّ إذا الكماة (2) اصطرعت، مشمرّ مغلولب ظفر (3)، ضرغامة (4)حصد(5)، مخدش (6) ذكر (7)، سيف من سيوف الله رأس (8)قثم (9)، نشق رأسه (10) في باذخ (11) السؤدد، وغارز مجده (12)في أكرم المحتد (13) فلا يصرفنّك عن تبعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة کلّ مناص(14) إن قال فشر قائل، وإن سکت فذو دعائر(15).
ثمّ رجع إلى صفة المهدي علیه السلام ، فقال : أوسعکم کهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً، اللهمّ فاجعل بيعته خروجاً من الغمة، واجمع به شمل الأمة فإن جاز لك(16) فاعزم، ولا تنثن عنه (17) إن وفقت له، ولا تجيزنّ عنه(18) إن هديت إليه، هاه ، وأومی بيده إلى صدره - شوقا إلى رؤيته - .(19)
ص: 166
أقول: تقدم ما يدل على المقصود،
ويأتي ما يدل عليه في كشف العلوم إن شاء الله تعالى . (1)
في دعاء الندبة : أين معز الأولياء، ومذل الأعداء(2)
267- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : كأني بأصحاب القائم علیه السلام قد أحاطوا ما بين الخافقين، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم، حتّی سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم في کلّ شيء، حتّی تفخر الأرض على الأرض وتقول : مربّي اليوم رجل من أصحاب القائم علیه السلام . (3)
268- عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
«وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» (4) قال :
العذاب خروج القائم علیه السلام والأمة المعدودة [عدة] (5)أهل بدر وأصحابه . (6)
269- وقال عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»(7)
سئل أبو جعفر علیه السلام عن معنى هذا؟
فقال : نار تخرج من المغربّ، وملك يسوقها من خلفها، حتّی تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أُمّية إلا أحرقتها وأهلها، ولا
ص: 167
تدع داراً فيها وتر لآل محمّد إلا أحرقتها، وذلك المهدي علیه السلام . (1)
أقول: يأتي ما يدل على ذلك في حرف القاف . (2)
270۔ ولهذا لقب بالعدل كما في الدعاء المروي عنه لليالي شهر رمضان : اللهمّ وصل على ولي أمرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر .(3)
271- وفي حديث أبي، المروي في كمال الدين، وغيره: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال في وصفه علیه السلام: أول العدل وآخره ... (4)يريد بذلك كمال عدله،
وقلّما يخلو حدیث ذكر فيه عن ذكر عدله.
272- فعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في كمال الدين : إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الإثني عشر، أولهم أخي، وآخرهم ولدي،
قيل : یا رسول الله، ومن أخوك ؟ قال : عليّ بن أبي طالب،
قيل: فمن ولدك؟ قال : المهدي الّذي يملأها قسطا وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحقّ نبيا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج فيه ولدي المهدي ، فينزل روح الله عیسی بن مریم ، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغربّ .(5)
273- وعن سیّد الشهداء علیه السلام قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتّی يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله لا يقول. (6)
ص: 168
أقول: الأخبار في هذا المعنى متواترة جدّاً، ونذكر بعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، والّذي يظهر لي من تتبع موارد الإستعمال :
أن العدل أعم من القسط، فإن القسط يستعمل في مقام توفية حقّ الغير ، مثل مقام أداء الشهادة والقضاء، والكيل والوزن، ونحوها،
والعدل يستعمل فيما يستعمل فيه القسط وفي غيره .
وبعبارة أخرى: القسط لا يستعمل إلا فيما يرجع إلى الغير،
والعدل يستعمل في ما يرجع إلى النفس والغير .
فالعدل : موافقة الحقّ مطلقة ، والقسط : موافقة الحقّ في مورد الخلائق،
وإن شئت تصديق ما ذكرنا فارجع إلى الآيات الشريفة القرآنية المذكورة فيها العدل والقسط، والجور ضد القسط. والظلم ضد العدل، فالظلم هو التجاوز عن الحقّ مطلقة، والجور هو التجاوز عن الحقّ الراجع إلى الغير .
والأحاديث الواردة بهذا المضمون تدل على أن الحكام والرؤساء والقضاة يجورون في حكومتهم بين الناس في آخر الزمان، وهم يظلمون أنفسهم وغيرهم أيضاً، وإذا ظهر القائم علیه السلام رفع الجور، وعدل في الحكومة بينهم، واجتث أصل الظالمين وفرعهم، بحيث يشمل عدله جميع العالم فلا يظلم أحد أحداً .
274-ولذلك قال الصادق علیه السلام في الحديث المروي في البحار، وغيبة النعماني :
أما والله، ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر(1)(2)
وسيأتي بعض الأخبار المصرحة بعدله. ... ..
275- من كلام أمیرالمؤمنین علیه السلام في وصف القائم علیه السلام في بعض خطبه :
ص: 169
يعطف الهوى على الهدي إذا عطفوا الهدى على الهوي، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي . (1)
276- في البحار وغاية المرام من طريق العامة : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
يكون عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن رجل يقال له : المهدي يكون عطاؤه هنيئاً . (2)
أقول: كون عطائه هنيئاً بسبب وقوع المؤمنين قبل ظهوره في المضيقة وابتلائهم بأنواع الشدة والمصيبة :
277- كما ورد في تفسير قوله تعالى :«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ »(3)
عن الصادق علیه السلام : أنها للمؤمنين قبل قيام القائم .(4)
ويأتي الحديث، في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (5)
وفي حديث إبراهيم الكرخي المروي في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام في وصف القائم علیه السلام قال : يا إبراهيم، هو مفرج الكربّ عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل ... (6)
ويأتي بطوله في حرف الفاء إن شاء الله تعالى أيضاً. (7)
ص: 170
278- وفي تفسير «حم *عسق »(1) عن أبي جعفر علیه السلام قال : «حم» : حتم و «ع» : عذاب، و«س»: سنون کسني يوسف علیه السلام و«ق» : قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان ، إلخ.(2)
ولا يخفى أن الفرج بعد الشدة، والعطاء بعد الضيق والمشقة، أهنأ من غيره، وإلى ذلك أشار علیه السلام في صدر الحديث بقوله: «عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن» ويمكن أن يكون ذلك من جهة عدم شوب عطائه بالمن، كما هو دأب أكثر الناس، فإنّهم إن أعطوا أعطوا قليلا، ومنّوا كثيراً، ومن جهة كونه أكرم الناس وأعظمهم شأناً، ولا ريب أن عطاء الكريم أهنأ من غيره، أو من جهة كثرة عطائه .
279- فقد ورد من طريق العامة ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغیر عدد .(3)
280- وفي حديث آخر : عنه صلی الله علیه وآله وسلم في وصف القائم ع: والمال يومئذ كثير ، يقول الرجل : يا مهدي أعطني، فيقول: خذ. رواهما في غاية المرام . (4)
وتقدم في «سخائه» ما يناسب المقام . (5)
ويأتي في «کرمه» ما له دخل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى .(6)
مرّ في خوفه ما يدل عليه.
281- وفي الصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم
ص: 171
المنزل طيبة(1)، وما بثلاثين من وحشة(2). (3)
282- وفي قضية إبراهيم بن مهزيار المروية في كمال الدين و غيره،
قال علیه السلام : إن أبي علیه السلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري وتحصيناً لمحلي من مكائد(4) أهل الضلال والمردة، من أحداث الأمم الضوال - إلى آخر ما قال علیه السلام . (5)
283- يدل على ذلك ما روي عن الكاظم علیه السلام في وصفه علیه السلام : يعتوره (6) مع سمرته صفرة من سهر الليل . (7)
أقول: وهذا معنى قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في وصفه : وجهه كالدينار .(8) وقال الفاضل المحدث النوري : يعني كالدينار في الصفا والتلالؤ، والله العالم.(9)
يقول المصنف : إن الحديث الأول مروي في كتاب فلاح السائل وصلاة البحار عن الكاظم علیه السلام وبعده : بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراکعاً ... (10)
وسيأتي الحديث بتمامه في الباب السادس(11) فنسبة هذا الحديث إلى
ص: 172
الصادق علیه السلام كما وقع في «النجم الثاقب» كأنه سهو منه، فتدبر، ولعله وقف على حديث آخر.
قد أخبر بها الرسول المختار، والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما أظلم الليل وأضاء النهار .
284- ففي كمال الدين : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهديّ من ولدي، إسمه إسمي وکنیته کنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، يملأها عدة وقسطا كما ملئت جورا وظلما .(1)
285- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم أيضاً قال : المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء علیهم السلام فيملأها عدة وقسطة، كما ملئت جوراً وظلماً . (2)
286- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتّي عليّ يوم القيامة .(3)
ص: 173
287- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال للحسين علیه السلام: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل،
قال الحسين علیه السلام : فقلت له: يا أمیرالمؤمنین، وإن ذلك لكائن؟
فقال علیه السلام: إي والّذي بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلايثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون الروح اليقين، الّذين أخذ الله عزّ وجلّ میثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه .(1)
288- وعن أصبغ بن نباتة، قال :
أتيت أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب علیه السلام فوجدته متفكراً، ينكت في الأرض (2)فقلت: يا أمیر المؤمنین، مالي أراك متفكراً، تنكت في الأرض، أرغبت فيها؟ فقال : لا والله، ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط،
ولكن فكرت في مولود یکون من ظهري، الحادي عشر من ولّدي، هو المهدي، يملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام وتهتدي فيها آخرون، فقلت : يا أمیرالمؤمنین علیه السلام وإن هذا الكائن ؟
فقال علیه السلام: نعم، كما أنه مخلوق، الخبر .(3)
289- وعنه علیه السلام قال : للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة .
ص: 174
ثمّ قال علیه السلام: إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه .(1)
290- وعنه علیه السلام قال حين ذكر عنده القائم علیه السلام: أما ليغيين حتّی يقول الجاهل: ما الله في آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم حاجة .(2)
291- وعن الحسن بن عليّ علیه السلام قال :
ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الّذي يصلي روح الله عیسی بن مریم علیهما السلام خلفه، فإن الله عزّ وجلّ يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سیّدة النساء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته، في صورة شاب دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أن الله على کلّ شيء قدير .(3)
292- وعن الحسين بن عليّ علیهماالسلام قال : قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة، هو الّذي يقسم میراثه وهو حي. (4)
293- وعن عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، قال : إن للقائم منا غيبتين : أحدهما أطول من الأخرى، أما الأولى: فستة أيام وستة أشهر أو ستّة سنين (5)
ص: 175
وأما الأخرى : فيطول أمدها حتّی يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه، وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضيناه، وسلم لنا أهل البيت .(1)
294- وعن الباقر علیه السلام قوله تعالى : «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»(2) قال : هذا مولود في آخر الزمان ، هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام ....(3)
295- وعن الصادق علیه السلام في حديث ابن أبي يعفور، قال : من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم نبوته، فقلت : يا سيّدي ، ومن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته . (4)
296- وعنه علیه السلام قال : أقرب ما يكون العبد إلى الله عزّ وجلّ، وأرضی ما يكون عنه إذا افتقدوا حجّة الله، فكم يظهر لهم وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجج الله عزّوجلّ ولا بيناته،
فعندها فتوقعوا الفرج صباحا ومساء، فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه ، إذا افتقدوا حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين . (5)
297- وعنه علیه السلام قال : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي
ص: 176
طالب، وآخرهم القائم بالحقّ، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان .
والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّی يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً . (1)
298- وعن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیه السلام قال :
إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم، لا يردكم (2) أحد عنها، یا بني إنّه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتّی يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ، امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه .(3)
299- وعن الحسين بن خالد ، قال : قال عليّ بن موسى الرضا علیه السلام : لا دین لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة ،
فقيل له : يا بن رسول الله، إلى متى؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا.
فقيل له : يابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال علیه السلام : الرابع من ولدي، ابن سیّدة الإماء، يطهر الله به الأرض من کلّ جور، ويقدسها من كل ظلم، وهو الّذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه.
فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره (4)ووضع میزان العدل بين الناس، فلايظلم أحد أحداً، وهو الّذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الّذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : ألا إن حجّة الله
ص: 177
قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإن الحقّ معه وفيه، وهو قول الله عزّ وجلّ :«إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ».(1)(2)
300- وعن عبد العظيم بن عبدالله الحسني ، قال : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى علیهم السلام: إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلی الله علیه وآله وسلم الّذي يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، فقال علیه السلام:
يا أبا القاسم، ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله ولكن القائم الّذي يطهر الله عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطاً، هو الّذي تخفى على (3)الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكنيه، وهو الّذي تطوى له الأرض، ويذل له کلّ صعب ، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض،
وذلك قول الله عزّ وجلّ : «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(4) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره، فإذا أكمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله، حتّی يرضى الله تعالی.
قال عبدالعظیم: فقلت له: يا سيّدي، وكيف يعلم أن الله عزّ وجلّ قد رضي؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة،
فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما .(5)
ص: 178
301- وعن عليّ بن مهزیار، قال :
كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام أسأله عن الفرج.
فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين، فتوقعوا الفرج .(1)
302- وعن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده،
فقال لي مبتدءاً : يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم علیه السلام ولايخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض،
قال : فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض علیه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين ، فقال :
يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكنيه الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر علیه السلام ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيين غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجیل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق : فقلت : يامولاي، فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام علیه السلام بلسان عربّي فصيح ، فقال : أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق .
قال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت
ص: 179
إليه ، فقلت له : يابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال علیه السلام: طول الغيبة يا أحمد،
قلت : يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟
قال : إني وربّي حتّی يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلا من أخذ الله عزّ وجلّ عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه یا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاکرین، تكن معنا غداً في علّيّين .(1)
303- وعن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتّب، قال : كنت بمدينة السلام في السنّة التي توفي فيها الشيخ [أبو الحسن] عليّ بن محمّد السمري «قدس الله روحه»، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته :
بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب(2)مفتر(3) ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم .(4)
قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك، فقال : الله أمر هو بالغه ،
ص: 180
ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه رحمة الله ورضوانه عليه .(1)
أقول: هذه نبذة ممّا ورد عن الأئمة الأطهار، في الإخبار بغيبة الإمام الغائب عن الأبصار، رويتها بإسنادي الآتي في خاتمة الكتاب عن الشيخ الصدوق في کتاب کمال الدین وتمام النعمة،
ومضى فيما مرّ، ويأتي فيما بعد ما يناسب هذا المقام.
وينبغي هنا التنبيه على أمور :
الأول : في سبب غيبته، وهو قسمان :
الأول : ما لم يبين لنا ويتبين بعد ظهوره :
304- روى الشيخ الصدوق : بإسناده عن عبدالله بن الفضل الهاشمي ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها کلّ مبطل . فقلت : ولم جعلت فداك؟ قال علیه السلام: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر علیه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى علیه السلام إلآ وقت افتراقهما.
یابن الفضل: إن هذا الأمر أمر من أمر الله [تعالى]، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منکشف لنا. (2)
ص: 181
305- وفي التوقيع المروي في الاحتجاج عن الحجّة علیه السلام: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزّ وجلّ يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » (1)إنّه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي ... .(2)
الثاني : ما بينه الأئمة المعصومون علیهم السلام لنا وهو وجوه :
الأول : خوفه علیه السلام من القتل، كما مرّ في خوفه علیه السلام فراجع(3)، وهذا أيضاً أحد الأسباب الموجبة لخروجه بالسيف إذا ظهر، كما مرّ في حديث أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : لو لم يخرج لضربّت عنقه ...(4)، يعني يجب عليه الخروج بالسيف بعد ظهوره، حفظاً لنفسه الشريفة، فإن الظهور أعم من الخروج، فربّما يكون الإمام ظاهراً ولا يخرج بالسيف، مثل سائر الأئمة علیهم السلام سوی مولانا الحسين علیه السلام، فإنّه لو لم يخرج لقتله الأعداء كما قتلوا آباءه الطاهرين بغياً وعدوانا، وكفراً وطغياناً .
الثاني : أن لا يكون لأحد من الطواغيت في عنقه بيعة، وقد تقدم هذا الوجه في التوقيع وفي حديث الحسن المجتبى(5) وأبيه صلوات الله وسلامه عليهما.
الثالث: الإمتحان للخلق «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ»(6) كما ذكر في حديث الإمام موسی بن جعفر علیهماالسلام وحديث الصادق علیه السلام الّذي مرّ في خوفه . (7)
306- وعن الرضا علیه السلام، قال : والله ما يكون ما تمدون أعينكم إليه حتّی تمحصوا وتميزوا، وحتّی لا يبقى منكم إلا الأندر فالاندر . (8)
ص: 182
307- وعن النعماني: بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : زاد الفرات على عهد أمیرالمؤمنین فركب هو وابناه الحسن والحسين علیهماالسلام فمرّ بثقيف، فقالوا:
قد جاء عليّ يرد الماء، فقال عليّ علیه السلام: أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تميزاً لأهل الضلالة، حتّی يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد من حاجة . (1)
الرابع : أن يجري فيه سنن الأنبياء:
308- كما ورد في حديث سدير، عن الصادق علیه السلام قال : إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له : ولم ذاك ، یا بن رسول الله؟ قال : إن الله عزّ وجلّ أبي إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ,, في غيباتهم، وإنّه لا بد له یا سدیر من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(2)
أي سنناً على سنن من كان قبلكم.(3)
الخامس: أن لا تضيع ودائع الله عزّ وجلّ، أعني المؤمنين الّذين يظهرون من أصلاب الكافرين.
309- كما روي في العلل والكمال: عن أبي عبدالله علیه السلام في حديث ابن أبي عمير ، عمن ذكره، قال: قلت له - يعني أبا عبدالله علیه السلام - : ما بال أمیرالمؤمنین لم يقاتل مخالفيه في الأول؟ قال : لآية في كتاب الله عزّ وجلّ : «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(4)
قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم کافرين، وكذلك القائم علیه السلام لن يظهر أبداً، حتّی تخرج ودائع الله عزّ وجلّ، فإذا
ص: 183
خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزّوجلّ، فقتلهم. (1)
السادس : قبائح أعمالنا، وفضائح أفعالنا، فإنّها المانعة عن ظهوره علیه السلام عقوبة علينا.
310- كما عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجّة لله ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم الخبر . (2)
311. وفي توقيع الحجّة علیه السلام إلى الشيخ المفيد: ولو أن أشیاعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان . (3) .
الأمر الثاني : إعلم أنّ له علیه السلام ؛ غيبتين : إحداهما الصغرى، والثانية الكبرى
أما الصغرى : فكانت مدتها من حين وفاة أبيه إلى وفاة السمري، وكان وفاة أبيه علیه السلام لثمان خلون من ربّيع الأول، سنة ستين ومائتين، ووفاة السمري في منتصف شعبان ، سنّة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فتكون الغيبة الصغرى ثمان وستين سنّة وإن جعلت الغيبة من زمان ولادته، فهي ثلاث وسبعون سنة، فإن ولادته كانت في منتصف شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين.
312- كما في الكافي، وفيه أيضاً: بإسناده عن أحمد بن محمّد، قال :
خرج عن أبي محمّد علیه السلام ؛ حين قتل الزبيري : هذا جزاء من افترى على الله
ص: 184
في أوليائه ، زعم أنه يقتلني، وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله، وولد له ولد سماه «م ح م د) سنّة ست وخمسين ومائتين(1). (2)
الأمر الثالث : أنه ليس لغيبته الكبرى التي مبدؤها وفاة السمري (رضی الله عنه) أمد محدود، ولا أجلّ موعود، بل لله الحكم في وقت ظهوره، وإشراق نوره
ويدل على ذلك أخبار مستفيضة :
313- ففي البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): بإسناده عن الفضيل، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام : هل لهذا الأمر وقت؟
فقال : كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون.(3)
314- وعن أبي عبدالله علیه السلام قال : كذب الموقّتون، ماوقتنا فيما مضى ولا نوقت فيما يستقبل . (4)
315- وفي المحجّة: عن المفضل بن عمر، قال : سألت سيّدي أبا عبدالله الصادق علیه السلام : هل للمأمول المنتظر المهدي وقت موقت تعلمه الناس؟
فقال : حاش الله أن يوقت له وقتاً، قال : قلت : مولاي، ولم ذلك؟
قال : لانّه الساعة التي قال الله تعالى :«يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ »(5)، الخبر .(6)
ص: 185
316- وفي الصحيح، عن محمّد بن مسلم (رحمه الله)، عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : من وقت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لاحد وقتاً. (1)
317- وفي حديث محمّد بن الحنفية ، حين سئل عنه: هل لذلك وقت؟ قال: لا، لأن علم الله غلب علم الموقتين، إن الله وعد موسی ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، لم يعلمها موسى، ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلمّا جاوز الوقت قالوا: غرنا موسی، فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس وأنكر بعضهم بعضا، فعند ذلك توقعوا أمر الله صباحا ومساء .(2)
318- وفي الصحيح، عن أبي حمزة الثمالي، قال :
قلت لأبي جعفر علیه السلام: إن عليّاً علیه السلام و كان يقول : إلى السبعين بلاء، وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاءاً، فقال أبو جعفر علیه السلام :
یا ثابت إن الله تعالی کان وقت هذا الأمر في السبعين فلمّا قتل الحسین اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتا، و«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ».(3)
قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبدالله علیه السلام فقال : قد كان ذاك .(4)
319- وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك
متى خروج القائم علیه السلام ؟ فقال : يا أبا محمّد إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال
محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : كذب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إن قدام هذا الأمر خمس علامات :
ص: 186
أوليهن (1): النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء ... الخبر . (2)
320- وفي التوقيع الشريف المروي في البحار :
أما ظهور الفرج، فإنّه إلى الله، وكذب الوقّاتون .(3)
الأمر الرابع : أن الأئمة علیهم السلام قد أخبروا بكلتي غيبتيه :
321- ففي البحار عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال بعد عد الأئمة علیهم السلام : ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثمّ التفت إلينا رسول الله، فقال رافعا صوته: الحذر الحذر، إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي . قال عليّ علیه السلام: فقلت : يا رسول الله، فما يكون حاله عند غيبته؟
قال : يصبر حتّی يأذن الله له بالخروج، فيخرج (من اليمن) من قرية يقال لها: كرعة، على رأسه عمامتّي متدرع بدرعي، متقلد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ....(4)
322- وعن أبي جعفر علیه السلام أنه قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين .... (5)
323- وفي حديث آخر عنه علیه السلام: إن للقائم غیبتين يقال في إحداهما :
هلك ولا يدري في أي واد سلك .(6)
324- وعن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال لحازم بن حبيب: يا حازم، إن الصاحب هذا الأمر غيبتين ، يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول :
إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه . (7)
ص: 187
325- وفي حديث آخر عنه علیه السلام قال : للقائم غیبتان : إحداهما قصيرة والأخرى طويلة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شیعته، والأخرى لا يعلم بمكانه إلآ خاصة مواليه في دينه . (1)
الأمر الخامس: أنه في زمن غيبته يشهد الناس ويراهم، ولا يرونه :
326- ففي البحار، عن النعماني: بإسناده عن سدير الصيرفي قال:
سمعت أبا عبدالله الصادق علیه السلام يقول : إن في صاحب هذا الأمر لشبه (2)من يوسف، فقلت : فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة!
فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك! إن إخوة يوسف كانوا عقلاء، الباء، أسباطاً، أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراو دوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتّی عرفهم نفسه، وقال لهم : «أنا يوسف» فعرفوه حينئذ، فما تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جلّ وعز يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجته عنهم؟! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار یعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف؟ وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه، صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، حتّی يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتّی قال له إخوته : «أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ » (3). (4)
ص: 188
327- وعن أبي عبدالله علیه السلام قال : يفقد الناس إمامهم، فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه .(1)
الأمر السادس : إن غيبته لا تنافي اللطف الموجب لإظهار الإمام علیه السلام :
أما بالنسبة إلى المجرمين، فلأنهم السبب في خفائه ، كما عرفت في الوجه السادس(2) وأما بالنسبة إلى الصالحين، فلوجهين :
الأول : إن الله تعالى قد أعطاهم من العقول والافهام ما صارت الغيبة لهم بمنزلة المشاهدة، كما صرح به سید العابدين علیه السلام في حديث أبي خالد الكابلي الّذي يأتي ذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (3)
328- وفي حديث محمّد بن النعمان عن الصادق علیه السلام: وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين . (4)
وقد قدّمنا هذا الحديث في إخباره عن غيبة القائم .(5)
وفي حديث مفضل عنه علیه السلام، قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس وسنذكره في الباب الثامن .(6) الوجه الثاني :
أن مشاهدته علیه السلام غير ممنوعة عن بعض الصالحين ، كما يشعر بذلك قوله علیه السلام في التوقيع، الّذي قدمناه في الوجه السادس من أسباب غيبته، فراجع .(7)
329- ويدل عليه ما في قضية عليّ بن إبراهيم بن مهزیار ، ثمّ قال : ما الّذي تريد يا أبا الحسن؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالم ، قال : وما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم ... ، والحديث مذكور في تبصرة الولي وغيره (8)، فإن شئت تفصيل ذلك فاطلبه هناك، لا نشراح صدرك، وصلاح حالك
ص: 189
مضافاً إلى أن أدل الأمور على إمكان شيء وقوعه، وقد وقع الفوز بلقائه صلوات الله عليه لجمع من سلفنا الصالحين رحمة الله عليهم أجمعين .
وذكر تفصيل تلك الوقائع خارج عما نحن بصدده، ولعل الله عزّ وجلّ يوفقني لذكر طرف منها في خاتمة هذا الكتاب ، فإنّه الهادي إلى نهج الصواب، وإن شئت ما يكفيك فانظر في كتاب النجم الثاقب وکتاب جنّة المأوى، الّذين ألفهما العالم الربّاني، المستفيض بالفيض القدسي، الحاج میرزا حسین النوري الطبرسي رحمه الله تعالى ، وقال السیّد الأجلّ المرتضی، علم الهدی رضي الله تعالی عنه، في كلمات المحققين :
فإن قيل: فأي فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد، ولا ينتفع به بشر ، وبين عدمه؟ وإلا جاز إعدامه إلى حين علم الله سبحانه بتمكين الرعية له، كما جاز أن يبيحه الاستتار، حتّی يعلم منه التمكين له فيظهر .
قيل له : أولا نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه ، والقائلين بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شیعته، ومعتقدي إمامته، فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الّذي نقول إنّه لا بد في التكليف منه، لاتهم مع علمهم بوجوده علیه السلام بينهم، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم، ولزومها لهم لا بد من أن يخافوه ويهابوه في إرتكاب القبائح، ويخشوا تأديبه ومؤاخذته ، فيقل منهم فعل القبيح، إلى آخر ما أفاده، اعلى الله مقامه، وزاد له إنعامه .
وقال السیّد العالم العابد الزاهد عليّ بن طاووس (رحمه الله) في كشف المحجّة مخاطباً لولده : والطريق مفتوحة إلى إمامك علیه السلام لمن يريد الله جلّ شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه، إنتهى كلامه ، رفع مقامه .(1)
وإن ذكرت كلمات العلماء الصالحين في هذا الباب، طال الكتاب، وملّ الأصحاب، فإن قلت : إذا أثبتت جواز المشاهدة، ووقوعها، فكيف التوفيق بين
ص: 190
ذلك وبين التوقيع الّذي خرج إلى السمري! فقد صرح فيه بتكذيب من يدعي المشاهدة .
قلت : قد ذكر علماؤنا في ذلك وجوهاً ، أوجهها ما ذكره المجلسي في البحار حيث قال بعد ذكر التوقيع المذكور : لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت، وستأتي فيمن رآه، والله يعلم.(1)
إعلم أنّ للغربّة معنيين :
أحدهما: البعد عن الأهل والوطن والديار، والثاني : قلة الأعوان والأنصار، وهو - روحي فداه - غريب بكلا المعنيين، فيا عباد الله أعينوه ، ويا عباد الله انصروه . ويدل على غربّته بالمعنى الأول ما ذكرناه في عزلته(2) وبالمعنی الثاني ما مرّ في حديث الجواد علیه السلام فإذا اجتمعت له هذه العدة ، يعني ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ... (3)
فانظر أيها العاقل، کیف طالت السنون، ومضت الأعوام، ولم تجتمع هذه العدة للإمام علیه السلام فهذا أقوى شاهد على قلة أنصاره و غربّته.
330- ويدل على ذلك أيضاً ما في البحار، عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) : النفس الزكية غلام من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم إسمه محمّد بن الحسن، يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم في عصبة لهم، أدق في أعين الناس من الكحل، فإذا خرجوا بکی لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربّها، ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان .(4)
ص: 191
أقول : يدل على أن التشبيه بالكحل من جهة القلة.
قوله علیه السلام: لا يرون إلا أنهم يختطفون، أي يستلبون من جهة قلتهم.
331- ويدل على هذا المعنى ويؤيده ما في البحار، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
أصحاب المهديّ شباب لا کهول فيهم، إلا مثل كحل العين، والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.(1)
332- ويدل على غربّته بالمعنيين جميعاً : قول أمیرالمؤمنین علیه السلام في الحديث المروي في كمال الدين :
قال علیه السلام: صاحب هذا الأمر الشريد، الطريد، الفريد، الوحيد.(2)
333- وفيه : عن داود بن كثير الرقّي قال :
سألت أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام عن صاحب هذا الأمر، قال علیه السلام:
هو الطريد الوحيد الغريب، الغائب عن أهله، الموتور بأبيه علیه السلام . (3)
مرّ في حياة الأرض به علیه السلام وفي إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله ما يدل على ذلك، ويأتي في قتل الكافرين ما يدل عليه .
334- وفي المحجّة : عن زرارة، قال :
قال أبو جعفر علیه السلام: «قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً»(4) حتّی لا
يكون شركاً (5)«وَيكُونَ الدّينُ كلُّه لِلهِ»(6)
فقال علیه السلام: لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد، سیری من
ص: 192
یدرکه ما یکون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دین محمّد ما بلغ الليل، حتّی لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله . (1)
335- عن الصادق علیه السلام - في حديث -: ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ من زكاته، لا يوجد أحد يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله .(2)
أقول: يأتي تمامه في نوره من حرف النون. (3)
مرّ بعض ما يدل عليه في الباب الثالث، وبعض في هذا الباب ،
وفيه كفاية لأولي الألباب .
336- يدل عليه ما في البحار، عن العياشي في تفسيره: عن عجلان أبي صالح، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:
لا تمضي الأيام والليالي حتّی ينادي مناد من السماء : يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء،
قال : قلت : أصلحك الله، يخالط هؤلاء وهولاء بعد ذلك النداء؟
قال : كلا إنّه يقول في الكتاب:
ص: 193
«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ».(1)(2)
337- وفيه : في حديث طويل عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في وقائع زمان ظهور
القائم وخروجه -: وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر:
يا أهل الهدی اجتمعوا، وينادي مناد من قبل المغربّ بعد ما يغيب الشفق :
يا أهل الباطل اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلون الشمس، وتصفر فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرق الله بين الحقّ والباطل، وتخرج دابة الأرض وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند کهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع کلبهم، منهم رجل يقال له: ملیخا، وآخر خملاها، وهما الشاهدان المسلمان للقائم علیه السلام . (3)
338- وعن غيبة النعماني : عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد علیهماالسلام يقول : لاتذهب الدنيا حتّی ينادي مناد من السماء :
يا أهل الحقّ اجتمعوا، فيصيرون في صعيد واحد، ثمّ ينادي مرة أخرى :
يا أهل الباطل اجتمعوا، فيصيرون في صعيد واحد، قلت : فيستطيع هؤلاء أن يدخلوا في هؤلاء؟
قال : لا والله، وذلك قول الله عزّ وجلّ : «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » . (4)
أقول: ويفصل بين الحقّ والباطل بوجه آخر وهو أنه علیه السلام يعرفهم بسيماهم، فيخبط أعداءه بالسيف.
ويأتي مايدل على ذلك في قتل الكافرين بسيفه إن شاء الله تعالی .(5)
ص: 194
339- يدل عليه قوله علیه السلام في التوقيع المروي في الإحتجاج :
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم(1)، لأن الظاهر کون اسم الإشارة إشارة إلى الفرج، يعني أن فرجكم يحصل بظهوره وفرجه صلوات الله عليه، وعجلّ الله تعالی فرجه .
340- ويدل عليه أيضاً زيارة يوم الجمعة :
وهذا يوم الجمعة، وهو يومك المتوقع فيه ظهورك، والفرج فيه للمؤمنين على يديك، وقتل الكافرين بسيفك ....(2)
341- ويدل عليه أيضاً ما في كمال الدين : بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال : دخلت على أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام وإني لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام وهو غلام، فقمت إليه فقبلته، وجلست (معه)، فقال أبو عبدالله علیه السلام:
يا إبراهيم أما إنّه [ل] صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام، ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله، وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سمي جده ووارث علمه وأحكامه وفضائله ، معدن الإمامة ورأس الحكمة، يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة، حسداً له، ولكن الله عزّ وجلّ بالغ أمره ولو كره المشركون.
ويخرج الله عزّ وجلّ من صلبه تكملة اثني عشر مهديّاً، اختصهم الله بكرامته، وأحلهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر منهم، المقر به كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يذب عنه .
قال: فدخل رجل من موالي بني أُمّية، فانقطع کلامه، فعدت إلى أبي عبدالله علیه السلام أحد عشر مرة، أريد منه أن يتم الكلام، فما قدرت على ذلك،
ص: 195
فلمّا كان عام القابل من السنّة الثانية، دخلت عليه وهو جالس، فقال :
يا إبراهيم، هو مفرج الكربّ عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم
،قال إبراهيم: فما رجعت بشيء هو آنس (1)من هذا لقلبي ولا أقر لعيني .(2)
342- وعن أمیرالمؤمنین - في ذكر حال المؤمنين في زمان الجائرين -:
حتّی لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتّی تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» (3)
وهو قول ربّي عزّ وجلّ في كتابه : «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا».(4)(5)
343- وفي البحار ، عن غيبة الشيخ: عن وهب بن منبّه ، عن ابن عباس - في حديث طويل - أنه قال : يا وهب، ثمّ يخرج المهدي علیه السلام قلت : من ولدك ؟
قال : لا والله، ما هو من ولدي، ولكن من ولد عليّ علیه السلام ، فطوبى لمن أدرك زمانه، وبه يفرج الله عن الأمة حتّی يملأها قسطا وعدلا، إلى آخر الخبر .(6)
344- وفي دعاء الصادق علیه السلام في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان، المروي في كتاب الإقبال :
وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك - إلى آخر ما قال - وسيأتي إن شاء الله تعالى .(7)
ص: 196
345- في كمال الدين : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : الأئمة [من] بعدي إثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الّذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربّها.(1)
346- وفي تاسع البحار ، عن أمالي الشيخ الطوسي، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في حديث جابر : فختم الله بي النبوة، وولد عليّ فختمت به الوصية، ثمّ اجتمعت النطفتان منّي ومن عليّ فولدتا الجهر والجهير الحسنان(2) فختم الله بهما أسباط النبوة، وجعل ذرّيّتي منهما والّذي يفتح مدينة - أو قال : مدائن - الكفر، ويملا أرض الله عدلا بعد ما ملئت جوراً ....(3)
أقول: الجهر والجهير بمعنى الجميل الحسن المنظر كما ذكره أهل اللغة .
347- وفي الثالث عشر من البحار، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يملك القائم ثلاثمائة سنّة ويزداد تسعاً كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربّها، ويقتل الناس حتّی لا يبقى إلا دین محمّد يسير بسيرة سلیمان بن داود له ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض، ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله . (4)
348- وفي غاية المرام وغيره من طريق العامة، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم، قال :
المهدي من ولدي ابن أربعين سنّة، كأن وجهه کوکبه دوي، في خده
الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج
الكنوز ويفتح مدائن الشرك . (5)
ص: 197
349- وعنه أيضاً قال : لا تقوم الساعة حتّی يملك رجل من أهل بيتي ، يفتح الله القسطنطنية، و[جبل] الديلم على يده، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد الطول الله ذلك اليوم حتّی يفتحها .(1)
350- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام قال : إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في کلّ إقليم رجلا يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لاتفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها .
قال : ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا إلى الخليج، كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء،
قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها بما يريدون .(2)
351- في الكافي: عن الصادق علیه السلام قال لابن أبي يعفور: وعندي الجفر الأحمر، قال : قلت : وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال : السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل، (الخبر).(3)
يأتي ما يدل عليه في نفعه من حرف النون إن شاء الله تعالى . (4)
352- يدل على ذلك أخبار مستفيضة أو متواترة ، ففي البحار وغيره عن
ص: 198
كتاب الإختصاص : عن معاوية الدهني، عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله تعالی : «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ»(1)
فقال : يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت : يزعمون أن الله تبارك وتعالی يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة فيأمر بهم، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، فيلقون في النار، فقال علیه السلام لي : وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى (معرفة خلق أنشأهم، وهم خلقه ! )(2) فقلت :
جعلت فداك، وما ذلك؟ قال علیه السلام: لوقام قائمنا أعطاه الله السيماء، فيأمر بالكافر، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً . (3)(4)
353- وفي كتاب المحجّة : عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام: هذه نزلت في القائم علیه السلام وهويعرفهم بسيماهم، فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً (5)
354- وعن العياشي: بإسناده عن ابن بكير ، قال :
سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله [تعالى] : «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» (6)
قال علیه السلام : أنزلت في القائم علیه السلام إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربّها، فعرض عليهم الإسلام
فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمرّ به المسلم ويجب لله، ومن لم يسلم ضربّ عنقه حتّی لا يبقى في المشارق والمغاربّ أحد إلا وحد الله،
قلت : جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك!
ص: 199
فقال علیه السلام: إن الله إذا أراد أمرا قلل الكثير وكثر القليل .(1)
355- وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عن قول الله تعالى في كتابه : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (2) فقال علیه السلام: والله ما أنزل تأويلها بعد،
قلت: جعلت فداك، ومتى ينزل [تأويلها]؟
قال : حتّی يقوم القائم إن شاء الله تعالى فإذا خرج القائم علیه السلام لم يبق کافر ولا مشرك إلا كره خروجه، حتّی لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت الصخرة : يا مؤمن، في بطني كافر، أو مشرك فاقتله، قال : فيجيئه (3) فيقتله . (4)
356- وعن مفضل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله عن قول الله عزّ وجلّ «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ» (5)
قال : الأدنى : غلاء السعر(6) والأكبر : المهدي علیه السلام بالسيف .(7)
357- وعن كشف البيان، عن الصادق علیه السلام في معنى الآية أن الأدنى : القحط والجدب، والأكبر : خروج القائم المهدي علیه السلام بالسيف في آخر الزمان . (8)
358- وفي البحار، عن الإختصاص: - في حديث مرفوع - عن الصادق علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام أتی رحبة الكوفة، فقال برجله(9) هكذا - وأومأ بيده إلى
ص: 200
موضع . ثمّ قال: احفروا هنا، فيحفرون، فيستخرجون إثني عشر ألف درع وإثني عشر ألف سيف، وإثني عشر ألف بيضة، لکلّ بيضة وجهان، ثمّ يدعو إثني عشر ألف رجل من الموالي (من العرب) والعجم، فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه.(1)
359- وعن النعماني : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج، لاحب أكثرهم أن لا يروه، ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتّی يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد علیهم السلام لو كان من آل محمّد علیهم السلام لرحم.(2)
360- وعن إرشاد المفيد: عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون: البترية (3) عليهم السلاح فيقولون له: إرجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف، حتّی يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها کلّ منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتّی يرضى الله عز وعلا . (4)
أقول : الاخبار في هذا الباب كثيرة جداً، تركناها حذراً من الإطالة ،
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالی.
361- روي في البحار عن كتاب الأنوار المضيئة : - في حديث مرفوع - عن إسحاق بن عمّار قال: سألته عن إنظار الله تعالی إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه ، فقال :«قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ*إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» (5)
قال: الوقت المعلوم : يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد
ص: 201
الكوفة، وجاء إبليس حتّی يجثوا على ركبتيه ، فيقول : يا ويلاه من هذا اليوم،
فيأخذ بناصيته فيضربّ عنقه، فذلك « يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» منتهى أجله .(1)
أقول: رواه السیّد البحرانيّ في البرهان : عن الصادق علیه السلام وفي معناه روايات أخز، ولا تنافي بينها وبين ما روي في البحار والبرهان : أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقتل إبليس(2) لان الفعل(3) في الرواية الأولى على بناء المبني للمفعول فتدبر والمراد باليوم زمان الظهور، لاخصوص اليوم المتعارف، كما لا يخفی على من له تتبع في الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
3- قوة أبدان المؤمنين وقلوبهم وجوارحهم في زمان ظهوره وإنتشار نوره
362- يدل على ذلك ما روي في البحار، عن الخصال : بإسناده عن سیّد العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم کزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون حكام الأرض وسنامها. (4)
363- وفي البصائر في حديث - عن أبي جعفر الباقر علیه السلام:
فإذا وقع أمرنا وجاء مهدينا، كان الرجل من شيعتنا أجري من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربّه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد . (5)
364- وفي كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ص: 202
ما كان قول لوط علیه السلام لقومه :«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ » (1)
إلا تمتّية لقوة القائم علیه السلام ولا ذكر (2)إلا شدة أصحابه ، وإن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد القطعوها، لا يكون سيوفهم حتّی يرضى الله عزّ وجلّ . (3)
365- وفي البحار عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّه لو كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا، وجعل قلوبكم كزبر الحديد(4)، لوقذفتم بها الجبال فلقتها (5).(6)
366- وفي روضة الكافي عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتّی لا يكون بينهم وبين القائم برید، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه . (7)
367- وفي حديث آخر : عنه علیه السلام قال :
إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الّذي في المغربّ، وكذا الّذي في المغربّ یری أخاه الّذي في المشرق .(8)
368- في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
ص: 203
أيما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقض فعليه إثمّ ذلك، الخبر .(1)
369- وفي كتاب المحجّة والبحار : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طويل - قال : ثمّ يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها، فلايترك عبداً مسلماً إلاّ اشتراه وأعتقه، ولاغارماً إلا قضى دينه، ولا مظلماً لأحد من الناس إلا ردها، ولا يقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه «ودية مسلّمة إلى أهله» (2) ولايقتل قتيل إلا قضي عنه دينه وألحقّ عياله في العطاء، حتّی يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة،
والرحبة إنما كانت مسکن نوح، وهي أرض طيبة زاكية .(3)
370- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام قال : أول مايبتدئ المهدي علیه السلام أن ينادي في جميع العالم : الأمن له عند أحد من شيعتنا دین فليذكره حتّی يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة، من الذهب والفضة والأملاك فيوقيه إياه . (4)
مرّ ما يدل عليه، ويأتي في نداءاته أيضاً ،
ونكتفي في هذا المقام بذکر واقعتين :
الأولى منهما: قد وقعت للعبد الآثمّ الجاني محمّد تقي الموسوي الإصفهاني، مؤلف هذا الكتاب، وهي: أنه قد كثرت عليّ الديون قبل تأليف هذا الكتاب بثلاث سنين فتوسلت به وبآبائه علیهم السلام ذات ليلة، وذكرت حاجتي لهم، وكان في شهر رمضان، فلمّا رجعت من المسجد كان بعد طلوع الشمس فنمت، وسمعته قال لي في المنام ما لفظه: «قدری باید صبر کنی تا از مال
ص: 204
خاص دوستان خاص خود بگیریم و بتو برسانیم» .
يعني: إصبر قليلا حتّی نأخذ من خاصة أموال خواص محبينا فنعطيك فانتبهت فرحاً مسروراً، متنجزاً متشكراً محبوراً، فلمّا مضی برهة من الزمان جاءني بعض من الإخوان، كنت أعرفه بالصلاح، وأشم منه نسيم الإرتياح وأعطاني ما قضى به الديون، وسكن عنّي الشجون، وقال :
هذا من سهم الإمام علیه السلام فسررت غاية السرور شوقاً.
وقلت : « هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا»(1)
فيا إخواني في الدين وخلاني على اليقين، أوصيكم بعرض حوائجكم إليه فلا يخفي شيء من أموركم عليه.
371- ففي الكافي عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن الإمام ليسمع في بطن أمه، فإذا ولد خط بين كتفيه : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (2) فإذا صار الأمر إليه، جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل کلّ بلدة .(3)
372- وفي جنّة المأوى، عن کشف المحجّة : عن الكليني في كتاب الرسائل عمن سماه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام: إن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي به إلى ربّه ، قال :
فكتب علیه السلام : إن كانت لك حاجة فحرك شفتيك، فإن الجواب يأتيك . (4)
أقول: الأخبار في ذلك المعنى متعددة، من أرادها فليطلبها من مظائها .
الواقعة الثانية: ما في جنّة المأوی تأليف العالم الجليل الحاج میرزا حسین النوري ضاعف الله تعالى له النور، وأعلى درجته في دار السرور، قال :
في شهر جمادى الأولى من سنّة ألف ومائتين وتسعة وتسعين، ورد
ص: 205
الكاظمين علیهماالسلام رجل اسمه «آقا محمّد مهدي» وكان من قاطني بندر ملومين، من بنادر ماجین و ممالك برمة، وهو الآن في تصرف الإنجریز(1)، ومن بلدة كلكته قاعدة سلطنة ممّالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر، مع المراكب الدخانية وكان أبوه من أهل شیراز ولكنه ولد وتعيش في البندر المذكور، وابتلی قبل التاريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد، فلمّا عوفي منه بقي أصم أخرس فتوسل لشفاء مرضه بزيارة أئمة العراق علیهم السلام .
وكان له أقارب في بلدة كاظمين علیهماالسلام من التجار المعروفين، فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين يوما، فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من رأي، لطغيان الماء، فأتوا به إلى المركب، وسلموه إلى راكبيه، وهم من أهل بغداد وكربّلاء، وسألوهم المراقبة في حاله ، والنظر في حوائجه، لعدم قدرته على إبرازها.
وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجه في أموره، فلمّا ورد تلك الأرض المشرفة والناحية المقدسة، أتي إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنّة المذكورة، وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتي إلى الصفقة المباركة،
فبکی وتضرع فيها زماناً طويلاً ، وكان يكتب قبيله حاله على الجدار، ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة، فماتم بکاؤه وتضرّعه إلا وقد فتح الله تعالی لسانه، وخرج بإعجاز الحجّة علیه السلام من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق وكلام فصيح؛
وأحضر في يوم السبت في محفل تدریس سید الفقهاء وشيخ العلماء، رئيس الشيعة وتاج الشريعة، المنتهى إليه رئاسة الإمامية، سیّدنا الأفخم وأستاذنا الأعظم الحاج الأقا میرزا محمّد حسن الشيرازي «متع الله المسلمين بطول بقائه »
ص: 206
وقرأ عنده متبركاً سورة المباركة الفاتحة، بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته، وصار يوماً مشهوداً ومقاما محموداً، وفي ليلة الأحد والإثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين، وأضاءوا فضاءه من المصابيح والقناديل ونظموا القصة، ونشروها في البلاد.
وكان معه في المركب مادح أهل البيت علیهم السلام الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الصفار الزنوزي البغدادي
فقال - وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضاً وصحيحاً:
وفي عامها جئت والزائرين*** إلى بلدة سرمن قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى*** وكان سمي إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام ***وللنفس منه ... [كذا] براها
وقد قيد السقم منه الكلام ***وأطلق من مقلتيه دماها
فوافي إلى باب سرداب من*** به الناس طراً ينال مناها
يروم بغير لسان يزور ***وللنفس منه دهت بعناها
وقد صار یکتب فوق الجدار*** مافيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء*** ممن رأى أسطري وتلاها
لعل لساني يعود الفصيح*** وعليّ أزور وأدعو الإلها
إذا هو في رجل مقبل*** تراه ورى البعض من أتقياها
تأبط خیر کتاب له ***وقد جاء من حيث غاب ابن طه
فأومى إليه: أدع ما قد كتب*** وجاء فلمّا تلاه دعاها
وأوصى به سیّدة جالساً ***أن ادعوا له بالشفاء شفاها
فقام وأدخله غيبة الإمام الإ***مام المغيب من أوصیاها
وجاء إلى حفرة الصفّة ***التي هي للعين نور ضياها
وأسرج آخر فيها السراج*** وأدناه من فمه ليراها
ص: 207
هناك دعا الله مستغفراً ***وعيناه مشغولة ببكاها
ومذ عاد منها يريد الصلاة ***قد عاود النفس منه شفاها
وقد أطلق الله منه اللسان ***وتلك الصلاة أتم أداها (1)
أقول : أمثال هذه الواقعة كثيرة، تركتها حذراً من الإطناب، ولعليّ أذكر طرفا منها في هذا الكتاب ، والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب .
مرّ في حرف الحاء المهملة ما يدل عليه.
373- وفي البحار، عن دعوات الراوندي: عن الحسن بن طريف، قال :
كتبت إلى أبي محمّد العسكري علیه السلام أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى، فجاء الجواب : سألت عن الإمام، فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود علیه السلام لا يسأل البينة، الخبر .(2)
347- وفيه، عن كتاب الغيبة للسیّد عليّ بن عبدالحمید: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : أول ما يبدأ القائم علیه السلام بأنطاكية، فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصا موسى وخاتم سليمان، قال : وأسعد الناس به أهل الكوفة، وقال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي، حتّی أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنبا فيقتله، حتّی أن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار . (3)
أقول: وفي هذا المعنى قلت في أبيات أثبتناها في صدر هذا الكتاب :
بنفسي من يحيي شريعة جده ***ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة.
ص: 208
ثمّ إن هذا الحديث، يدل على أن بدء ظهوره علیه السلام من أنطاكية، والجمع بينه وبين ما روي في البحار وغيره عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه يخرج من قرية يقال لها کرعة .(1)
وفي بعض الروايات أنه يخرج من المدينة، وفي بعضها من مكة، بتعدد ظهوراته، كما يدل عليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
ويأتي ذكرها في کلّ مقام بمناسبته.
تقتضي الدعاء له لأنه من المودة، وقد قال الله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2) .
وسيأتي في ذلك زيادة تحقيق في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .
375- ولما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض، معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه والدافع عنهم بيده . (3)
أقول: وقد ورد هذا الحديث بغير هذا الطريق أيضاً .
ويأتي ذكره في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .
قد مرّ معناه، وبعض ما يدل عليه في «عدله »(4)
ونزيدك هنا عدة روایات لئلا يخلو هذا العنوان، والله تعالى هو المستعان .
376- فمنها ما في غاية المرام : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتّي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
ص: 209
ظلماً و جوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض .(1)
377- وفي حديث آخر، فيه : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة، لطول الله تلك الليلة حتّی يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، الخبر .(2)
فإن قلت : هذا الخبر مصرح بأن اسم أبيه اسم أبي النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا مناف الكون القائم ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام . قلت :
قد أجاب عن ذلك محمّد بن طلحة الشافعي، وهو من أعيان علماء العامة :
أوّلاً : بأن هذا من زيادات زائدة - أحد رواة هذا الحديث - وهو ممن عادته الزيادة في الأحاديث، ورواية أبي داود والترمذي في صحيحيهما خالية من تلك الزيادة .
وثانياً : لو فرض ورود ذلك احتمل أن يكون اسم أبي مصحف ابني ومثل ذلك كثير الوقوع.
ثالثاً : لو فرض وروده بهذا النحو أول بأن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عبّر عن الكنية بالإسم وعن الجد بالأب، فالمراد بأبيه الحسين علیه السلام، وكنيته أبو عبدالله
وهذان التعبير ان شائعان في العرف واللغة، إنتهى كلامه ملخصاً.
أقول: ليس المعول في إثبات كون الحجّة ابن الحسن صلوات الله عليه هو القائم الموعود على هذا الحديث، بل المعول على الأخبار الكثيرة المتواترة
ص: 210
الناصّة المصرّحة بذلك الّتي قدّمنا نبذة منها.
وإنما أوردت هذا الحديث مع أجوبة هذا الفاضل اللبيب لئلا يشتبه الأمر على من لاحظه، ولأن يعلم الناظر في هذا الكتاب ما جرى عليه عادة بعض رواتهم من الزيادة في الأحاديث، وقد صرح جمع منهم بأن زائدة أحد رواة هذا الحديث من ديدنه الزيادة، ولكي تعلم أن كون القائم هو ابن الحسن العسكري من الأمور المسلمة بينهم، حتّی أن الفاضل أوجب على نفسه تأويل هذا الحديث على فرض صدوره، والحمد لله تعالى على إتمام نوره،
ويعجبني هنا نقل رواية تبصر السیّد محمّد الحميري (رحمه الله) لأن فيها التصريح بالحجّة ابن الحسن، وأنه الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا :
378- روى الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في كمال الدين : بإسناده عن السیّد المذكور، قال : كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ بن الحنفية، قد ضللت في ذلك زماناً، فمن الله على بالصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط .
فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجّة الله علي وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الّذي فرض الله طاعته، وأوجب الإقتداء به
فقلت له: يا بن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك علیهم السلام في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع، فقال علیه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .
أوّلهم : أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب وآخرهم: القائم بالحقّ، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّی يظهر، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً .
قال السیّد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي الّتي أوّلها:
ص: 211
فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا ***تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبر*** وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين الله ما كنت دیناً*** به ونهاني سیّد الناس جعفر
فقلت : فهبني قد تهودت برهة*** وإلا فدیني دین من يتنصر
وإني إلى الرحمان من ذاك تائب*** وإني قد أسلمت والله أكبر
فلست بغال ما حييت وراجع*** إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر
ولا قائل حي برضوی محمّد*** وإن عاب جهال مقالي وأكثروا
ولكنه ممن مضى لسبیله*** على أفضل الحالات يقفي ويخبر
مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم ***من المصطفى فرع زكي وعنصر
إلى آخر القصيدة وهي طويلة، وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى
أيا راكباً نحو المدينة جسرة (1) ***عذافرة (2) يطوى بها کلّ سبسب (3)
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً ***فقل لولي الله وابن المهذب
ألايا أمین الله وابن أمينه*** أتوب إلى الرحمان ثمّ تأوبي
إليك من الأمر الّذي كنت مبطناً(4)*** أحاربّ فيه جاهدة کلّ معربّ
وما كان قولي في ابن خولة مطنباً ***معاندة متّي لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمّد*** وما كان فيما قال بالمتکذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ***ستيراً (5) كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما*** تغيبه بين الصفيح المنصب (6)
فيمكث حيناً ثمّ ينبع نبعة ***كنبعة جدي من الأفق کوکبِ (7)
ص: 212
يسير بنصر الله من بيت ربّه*** على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه*** فيقتلهم قتلاً کحرّان (1) مغضبِ
فلمّا روى أن ابن خولة غائب*** صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ
وقلنا هو المهدي والقائم الّذي ***يعيش به من عدله کلّ مجدبِ
فإن قلت لا فالحقّ قولك والّذي*** أمرت فحتم غير ما متعصبِ
وأشهد ربّي أن قولك حجّة ***على الناس طرّا من مطيع ومذنبِ
بأن ولي الأمر والقائم الّذي*** تطلع نفسي نحوه بتطربِّ
له غيبة لا بد من أن يغيبها*** فصلى عليه الله من متغيبِ
فیمکث حيناً ثمّ يظهر حينه (2) *** فيملك من في شرقها والمغربِّ (3)
بذاك أدين الله سرّاً وجهرةً*** ولست وإن عوتبت فيه بمعتبِ(4)
379- وفي البحار عن المناقب : عن داود الرقي، قال : بلغ السیّد الحميري أنه ذكر عند الصادق علیه السلام فقال علیه السلام: السیّد كافر، فأتاه وقال :
يا سيّدي، أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟!
قال : وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان ، ثمّ أخذ بيده، وأدخله بيتاً، فإذا في البيت قبر ، فصلى ركعتين، ثمّ ضربّ بيده على القبر، فصار القبر قطعاً، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته .
فقال له الصادق علیه السلام : من أنت؟ قال : أنا محمّد بن عليّ المسمى بابن الحنفية ، فقال علیه السلام: فمن أنا؟ قال : جعفر بن محمّد حجّة الدهر والزمان .
فخرج السیّد يقول : تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا . (5)
ص: 213
380- ومنه : عن عباد بن صهيب ، قال : كنت عند جعفر بن محمّد علیه السلام، فأتاه نعي السیّد، فدعا له وترحم عليه، فقال له رجل: يابن رسول الله، وهو يشربّ الخمرّ، ويؤمن بالرجعة، فقال علیه السلام : حدثني أبي، عن جدي :
أن محبي آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم لا يموتون إلآ تائبين، وقد تاب، ورفع مصلی کان تحته، فأخرج كتاباً من السیّد يعرفه أنه قد تاب ويسأله الدعاء .(1)
381- يدل عليه ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين :
بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا، فقيل له:
یابن رسول الله، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين علیهم السلام آخرهم القائم، الّذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجال، ويطهر الأرض من کلّ جور وظلم.(2)
382- وفيه أيضاً: بإسناده عن النزال بن سبرة، قال : خطبنا أمیر المؤمنین عليّ بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله عزّ وجلّ، وأثنى عليه، وصلى على محمّد وآله ، ثمّ قال علیه السلام: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني - ثلاثا ۔
فقام إليه صعصعة بن صوحان ، فقال : يا أمیر المؤمنین متى يخرج الدجال؟
فقال له عليّ علیه السلام: أقعد، فقد سمع الله كلامك، وعلم ما أردت ، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا، كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها، قال : نعم، يا أمیرالمؤمنین
فقال علیه السلام: إحفظ، فإن علامة ذلك :
ص: 214
إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربّا وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخرا، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان والإثمّ والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات (1)وأكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود واقتربّ الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا وعلت أصوات الفساق، واستمع منهم.
وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره ، وصدق الكاذب وائتمن الخائن، واتخذت القيان (2) والمعازف (3) ، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقّ عرفه، وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على [عمل ] الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا (4) ثم العجلّ العجل، خير المساكن يومئذ بیت المقدس، وليأتين على الناس زمان يتمتّي (5) أحدهم أنه من سكانه .
فقام إليه الأصبغ بن نباتة ، فقال : يا أمیرالمؤمنین، من الدجال؟
فقال : ألا إن الدجال صائد بن صائد (6) فالشقي من صدقه، والسعيد من كذبه، يخرج من بلدة يقال لها : إصفهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة
ص: 215
كأنّها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب: کافر، يقرأه کلّ كاتب وأُمّي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنه طعام.
يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر (1)خطوة حماره میل تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمرّ بماء إلآ غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إلي أوليائي «أنا الّذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أنا ربّكم الأعلى» وكذب عدو الله، إنّه أعور، يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإن ربّكم ليس بأعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة(2) الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق (3) ، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي المسيح عیسی بن مریم علیهماالسلام خلفه .
ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى، قلنا: وما ذلك يا أمیرالمؤمنین؟
قال : خروج دابة الأرض من عند الصفا ، معها خاتم سليمان بن داود ، وعصا موسی علیه السلام تضع الخاتم على وجه کلّ مؤمن، فينطبع فيه: هذا مؤمن حقاً وتضعه على وجه کلّ كافر فيكتب فيه: هذا كافر حقاً، حتّی أن المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر، وأن الكافر ينادي : طوبى لك يا مؤمن، وددت أني كنت مثلك فأفوز فوزاً عظيماً . ثمّ ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربّها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا
ص: 216
يقبل توبة، و«لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا »(1).
ثمّ قال علیه السلام: لا تسألوني عما يكون بعد هذا، فإنّه عهد إلي حبيبي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن لا أخبر به غير عترتي ، فقال النزال بن سبرة:
فقلت لصعصعة بن صوحان : ما عني أمیر المؤمنین علیه السلام بهذا؟
فقال صعصعة : يا بن سبرة، إن الّذي يصلي خلفه عیسی بن مریم علیهما السلام هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليّ علیهما السلام، وهو الشمس الطالعة من مغربّها، يظهر عند الركن والمقام، فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحداً.
فأخبر أمیرالمؤمنین عليه الصلاة والسلام أن حبیبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك إلآ عترته الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين .(2)
أقول: لا ريب في حكم الشرع والعقل السديد بأن قاتل هذا الكافر العنيد يستوجب أن يدعى له بالنصر والتأييد .
ثمّ إن هذا الخبر وإن كان ضعيفاً باشتماله على عدة مجاهيل، لكن أكثر ما تضمنه معتضد بغيره من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
وهاهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها:
الأولى : أن قوله علیه السلام: «والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل» يدل على أن ذلك من الأمور البدائية، التي يتطرق إليها احتمال التقدم والتأخر، وليس لها وقت معين كما أن ظهور مولانا الغائب علیه السلام أيضاً من هذا القبيل .
وقد أشرنا إلى ذلك في تنبيهات الغيبة من حرف الغين المعجمة .
الثانية : أنّ الدجال عليه اللعنة إنما يكون ساحراً، وما يخيل إلى الناس من
ص: 217
سير الشمس معه ... إلخ إنما هو بسحره، ويدل على ما ذكرنا قوله علیه السلام: «يري الناس أنه طعام» وأما قوله علیه السلام: «تطوى له الأرض» فإنما هو بسبب عظمة حماره، وهذا الكلام كناية عن سرعة سيره كما لا يخفى .
الثالثة : أن خروج دابة الأرض إنما يكون في زمن ظهور المهدي عجلّ الله تعالی فرجه وقد وردت أخبار عديدة بأن المراد بها أمیر المؤمنین صلوات الله عليه.
383- فمنها ما في البحار : بإسناده عن أبي عبدالله الجدلي، قال :
دخلت على عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال : ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليّ وعليك داخل؟ قلت: بلى، فقال : أنا عبدالله وأنا دابة الأرض، صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟
قال : قلت : بلى، قال : فضربّ بيده إلى صدره، فقال : أنا .(1)
قال مؤلف هذا الكتاب محمّد تقي الموسوي الإصفهاني عفي عنه :
قد ذكرنا معنى قوله علیه السلام: ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ... إلخ في حرف الزاء المعجمة فراجع .(2)
وأما أبو عبدالله الجدلي راوي هذا الحديث فاسمه عبيد بن عبد
ونقل السیّد المعتمد البارع السیّد مصطفى في كتاب نقد الرجال عن الخلاصة : أنه من أولياء أمیرالمؤمنین علیه السلام وخواصه . (3)
384- وفي رواية أخرى : عنه علیه السلام قال : دخلت على عليّ علیه السلام فقال :
أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال : قلت : إفعل، جعلت فداك ، قال : أتعرف أنف المهدي علیه السلام وعينه؟
قال : قلت : أنت يا أمیر المؤمنین .
ص: 218
قال علیه السلام: وحاجبا الضلالة تبدو مخازيهما في آخر الزمان .
قال : قلت : أظن والله يا أمیرالمؤمنین أنهما فلان وفلان .
فقال علیه السلام: الدابّة ! وما الدابّة ! عدلها، وصدقها، وموقع بعثها، والله مهلك من ظلمها (إلخ). (1)
385- وممّا يناسب ما ذكرناه ويؤكده ما في البحار أيضاً، عن معاني الأخبار : بإسناده عن عباية الأسدي، قال : سمعت أمیرالمؤمنین علیه السلام؛ وهو مشتكي(2) وأنا قائم عليه : لابنين بمصر منبراً، ولانقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من کلّ كور العرب، ولاسوقن العرب بعصاي هذه .
قال : قلت له: يا أمیرالمؤمنین، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت.
فقال علیه السلام: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب، يفعله رجل منّي .(3)
قال الصدوق (رضی الله عنه) : إن أمیرالمؤمنین علیه السلام اتقى عباية الأسدي في هذا الحديث لأنه كان غير محتمل لأسرار آل محمّد علیهم السلام.
386- وفي البحار أيضاً : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : قال رجل لعمّار بن ياسر : يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي، وشككتني،
قال عمّار: وأية آية هي؟ قال : قول الله تعالى : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ » (4) الآية
فاية دابة هذه؟ قال عمّار : والله ما أجلس ولا آکلّ ولا أشربّ حتّی أريكها.
فجاء عمّار مع الرجل إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو يأکلّ تمراً وزبداً، فقال : يا أبا اليقظان، هل، فجلس عمّار، وأقبل يأکلّ معه، فتعجب الرجل منه،
فلمّا قام عمّار، قال الرجل: سبحان الله ، يا أبا اليقظان، حلفت أنك لا
ص: 219
تأکلّ ولا تشربّ ولا تجلس حتّی ترينيها ! قال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل . (1)
387- وعنه علیه السلام قال : إنتهى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو نائم في المسجد، قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرکه برجله .
ثمّ قال : قم، یا دابة الله، فقال رجل من أصحابه : یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنسمي بعضنا بعضاً بهذا الإسم ؟ فقال : لا والله ، ما هو إلا له خاصة، وهو الدابّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، الخبر(2) وفيما أسمعناك كفاية إن شاء الله.
الفائدة الرابعة :
أن قوله علیه السلام في الحديث المذكور في صدر الكلام: «فعند ذلك ترفع التوبة ... إلخ» يدل على أن الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه وظهوره يقبل التوبة والإيمان ممن سبق إلى الكفر والطغيان قبل خروج دابة الأرض وإذا خرج ارتفعت التوبة ، « لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ»
وبهذا الوجه يجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب فإن بعضها يدل على أن المهدي عجلّ الله تعالی فرجه يقبل ذلك، مثل ما ذكرناه في قتل الكافرين(3) ، وحاصله أنه يعرض الإسلام عليهم فمن أطاع سلم وغنم، ومن أبي قتل و قصم، وبعضها يدل على أنه لا يقبل الإسلام ممن لم يكن مسلماً قبل ذلك، ولا يقبل توبة أحد.
388- مثل ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام، في قول الله عزّ وجلّ : «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» (4)
ص: 220
فقال علیه السلام: الآيات [هم] الأئمة(1)
والآية المنتظرة القائم علیه السلام فيومئذ لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه علیه السلام (2)
389- وفي الحديث المروي في البحار: - في وصفه - عن أبي جعفر علیه السلام: لا يستتيب أحداً، ولا يأخذه في الله لومة لائم.(3)
إلى غير ذلك من الأخبار المتعارضة بظواهرها، وحاصل هذا الجمع :
أنّه علیه السلام يقبل التوبة والإيمان من المخالفين قبل خروج الدابّة ، ولا يقبل بعد ذلك . فإن قلت : إنّه يبعد هذا الوجه -
390- ما روي في البرهان : في تفسير قوله تعالى :(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) إلخ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجّة يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله ، ولا تنقطع الحجّة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، الخبر . (4)
قلت : إنّ الناس لايصيرون معصومين عن الآثام في زمن ظهور الإمام والمقصود من هذا الخبر : أن المكلف إن عصي ثمّ تاب قبلت توبته إلى ذلك الوقت المعلوم، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة، إلخ،
ص: 221
فلا تنافي بينه وبين ما ذكرناه .
هذا ويمكن الجمع بين الأخبار السابقة بوجه آخر، لعله أحسن الوجوه :
وهو : أن المهدي علیه السلام يقبل توبة من يعلم أن إيمانه يكون عن حقيقة وإخلاص، ولا يقبل ممن يؤمن بلسانه للخلاص، ولات حین مناص،
ويشهد لهذا الوجه ما سبق من أنه علیه السلام يحكم بمقتضی علمه الباطني المختص به صلوات الله عليه ، هذا ما خطر بالبال في حل الإشكال .
وقال السیّد الجليل السیّد نعمة الله الجزائري رحمه الله تعالى في الأنوار : قد كنت كثيراً أفكر في تلك الأخبار، وأطلب وجه الجمع بينهما حتّی وفق الله تعالى للوقوف على حديث يجمع بين هذه الأخبار، وحاصله :
أن المهدي علیه السلام إذا خرج أحيا الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر محضاً، كما سيأتي بيانه، فهؤلاء الأحياء الّذين تقدم موتهم، ورأوا العذاب عياناً، وعذبوا به، واضطروا إلى الإيمان، لا يقبل المهدي علیه السلام منهم التوبة، لان توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون لما أدركه الغرق، فقال عزّ وجلّ في جوابه :«آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ »(1) فلم يقبل له توبة، ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه وتغرغرت في صدره، ورأي مكانه من النار، وعاينه، فإنّه إذا تاب لا يقبل له توبة أيضاً، فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس.
وأما الأحياء الّذين يكونون في زمان ظهوره علیه السلام ولم يسبق عليهم الموت فلا يقبل علیه السلام منهم إلا القتل، أو الإيمان، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)
أقول : هذا المطلب صحيح في نفسه لكن الاخبار السابقة آبية عن هذا الجمع لأن الظاهر منها بیان حال الأحياء، كما لا يخفى على المتأمل
والظاهر أن السیّد (رحمه الله) لما وقف على هذا الحديث ، جعله وجها للجمع بين تلك الأخبار بسليقته، وبعده غير خفي، فالوجه الوجيه هو الوجه الأول، أو الثاني
ص: 222
الّذي ذكرناه بعون الله تعالى وهو العالم .
الفائدة الخامسة :
أنه قد ظهر من قوله علیه السلام في حديث وصف الدجال : «عينه اليمنى ممسوحة»إلخ، وجه تسميته بالمسيح، ومن هذا القبيل تسمية الدرهم الأطلس الّذي لا يكون مسکوکاً بالمسيح، لاستواء سطحه، والأرض المستوية بالمسحاء.
ويظهر من صاحب القاموس وجه آخر : وهو أن الدجال سمي مسيحاً الشؤمه ؛ قال في معنى التمسيح : أن يخلق الله الشيء مباركاً، أو ملعوناً ضد
قال : والمسيح عيسی لبركته، وذكرت في إشتقاقه خمسين قولا في شرحي لمشارق الأنوار، وغيره إلى آخر ما قال ممّا لايهم ذكره.
الفائدة السادسة : قال صاحب القاموس في لغة دجلّ : الدُجَیل كزبیر، وثمامة القطران، ودجلّ البعير: طلاه به، أو عم جسمه بالهناء، ومنه الدجال المسيح لانه يعم الأرض، أو من دجل: كذب وأحرق وجامع وقطع نواحي الأرض سیراً، أو من دجلّ تدجيلا: غطي وطلي بالذهب، لتمويهه بالباطل، أو من الدجال للذهب، أو مائه ، لأن الكنوز تتبعه، أو من الدجال لفرند السيف، أو من الدجالة للرفقة العظيمة، أو من الدجال كسحاب للسرجين، لأنه ينجس وجه الأرض، أو من دُجّل الناس للُقّاطهم، لأنهم يتبعونه، إنتهى كلامه . (1)
الفائدة السابعة : قال السیّد الجزائري (رحمه الله) في الأنوار :
أما الدجال فقد عرفت في حديث الصدوق (رحمه الله) أنه يخرج من إصبهان، وفي الاخبار الكثيرة، أنه يخرج من سیستان، بلدة من بلاد العجم.
ويمكن الجمع بين الأخبار ، بأن له خروجاً مكرراً كما أن أحواله مختلفة عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، إنتهى كلامه . (2)
ص: 223
الفائدة الثامنة :
391- روی شیخنا أُمّين الدين الفضل بن الحسن الطبرسي (رحمه الله) في كتاب مجمع البيان - مرسلا: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال :
من قرأها - سورة الكهف - فهو معصوم ثمانية أيام من کلّ فتنة، فإن خرج الدجال في تلك الثمانية الأيام عصمه الله من فتنة الدجال .(1)
392- وفيه : في حديث آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال، ومن قرأ السورة كلها دخل الجنّة .مجمع البيان : 447 / 6 .
393- وفي آخر : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت، ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض، قالوا: بلى، قال صلی الله علیه وآله وسلم :
سورة أصحاب الكهف، من قرأها يوم الجمعة، غفر الله له إلى الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، وأعطي نوراً يبلغ السماء، ووقي فتنة الدجال .مجمع البيان : 447 / 6 .
394-وفي آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثمّ أدرك الدجال لم يضره ،
ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة . مجمع البيان : 447 / 6 .
إذا سمعت أنّ رجلاً متّصفاً بكمال بل كمالات، ابتلي ببلية بل بليات، بعثك عقلك إلى نصره، والقيام بفكه عن أسره، ولو لم تقدر على ذلك لابتدرت إلى الدعاء له بالفرج والخلاص، مراعياً له بالشفقة والإخلاص، إذا عرفت ذلك فنقول : إن مولانا صاحب الزمان قد حاز أطراف الكمال، ونال غاية الشرف والجلال والجمال وهو مع ذلك مبتلي ببليات من أهل الضلال، وبعيد عن الدار
ص: 224
والأهل والعيال، وهذا واضح لمن نشط عن العقال، وراقب جانب الإعتدال .
أما عظمة مصائبه علیه السلام فبمقدار عظمته، وأما عظم كمالاته فيکلّ اللسان عن صفته، وتحسر العقول عن كنه معرفته، ولعلك إذا نظرت في حذافير هذا الكتاب، اهتديت إلى هذا الباب، وارتویت من هذا الشراب.
ونزيدك هنا في بيان أنه مجمع کمالات الأنبياء والأئمة علیهم السلام ومظهر صفاتهم
395- ما رواه الشيخ الأجل، محمّد بن الحسن الحر العاملي (رحمه الله) في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، عن كتاب إثبات الرجعة، للفضل بن شاذان (رحمه الله) أنه روی - بإسناد صحيح - عن الصادق علیه السلام أنه قال :
ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالی مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجّة على الأعداء، إنتهی . (1)
ونعم ما قيل : آنچه خوبان همه دارند تو تنها داري.
396- ويدل على المقصود أيضاً ما رواه الفاضل العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام في رواية المفضل (رضی الله عنه) قال : وسیّدنا القائم علیه السلام مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم و شیث فها أنا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسی ویوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع
ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمیر المؤمنین صلوات الله عليهما، فها أنا ذا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم و أمیرالمؤمنین علیه السلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين علیهماالسلام فها أنا ذا الحسن والحسين علیهماالسلام ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين علیهم السلام فها أنا ذا الأئمة علیهم السلام ، أجيبوا إلى مسألتي، فإني أنبّئكم بما نبّئتم به
ص: 225
وما لم تنبئوا به ... إلخ . (1)
أقول: هذا الحديث يدل على اجتماع جميع صفات الأنبياء العظام ومکارم الأئمة الكرام في وجود إمام زماننا وظهورها منه .
ويدل على ذلك أيضاً، ما ذكرناه فيما سبق روايته عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال : تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم.
397- ويدل عليه أيضاً ما رواه الصدوق في كمال الدين : بإسناده عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن سنن الأنبياء علیهم السلام بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة .
قال أبو بصير : فقلت : يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سیّدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربّها، وينزل روح الله عیسی بن مریم علیهماالسلام فيصلي خلفه . الخبر .(2)
وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام ، فلنبين هذا المرام في ثلاثة فصول، بعون الملك العلام:
(آدم) أورثه الله تعالى الأرض جميعها، وجعله خليفة فيها، فقال :
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(3) .
(والحجّة علیه السلام ) يورثه الله تعالى جميع الأرض ويجعله خليفة فيها :
ص: 226
398- كما ورد عن أبي عبدالله علیه السلام في تفسير قول الله عزّ وجلّ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ» الآية (1)، أنه القائم وأصحابه، ويقول حين ظهوره بمكة ماسحاً يده على وجهه :«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ » .(2) (3)
كما في حديث مفضل (4).
399- وكما عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ويخرج وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي :
هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه .(5)
400- (آدم) بكى على الجنّة : كما عن أبي عبدالله علیه السلام:
فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّی صار في خديه أمثال الأودية .(6)
401- (القائم) قال في زيارة الناحية :
فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً . (7)
(آدم) نزل في حقه : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» (8) .
(القائم) علمه ماعلمه آدم، وما لم يعلمه آدم، فإن آدم أعطي من الإسم الاعظم خمسة وعشرين حرفاً، كما في الحديث .(9)
402- وقد أعطي نبينا صلی الله علیه وآله وسلم إثنان وسبعون حرفا. (10)
وجميع ما أعطاه الله تعالى النبیّ أعطاه أوصياءه علیهم السلام حتّی انتهى إلى مولانا القائم عجلّ الله تعالی فرجه .
403- وروی ثقة الإسلام الكليني : في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : إن العلم الّذي نزل مع آدم علیه السلام، لم يرفع، وما مات عالم إلا وقد ورث
ص: 227
علمه، إن الأرض لا تبقى بغير عالم . (1)
(آدم) أحيا الأرض بعبادة الله بعد موتها بكفر بني الجان و طغيانهم .
(القائم) يحيي الأرض بدين الله، وعبادته وعدله، وإقامة حدوده، بعد موتها بكفز أهلها وظلمهم وعصيانهم :
404- ففي البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالي :
«يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» (2)، قال : يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم علیه السلام بعد موتها، يعني بموتها : كفر أهلها، والكافر میت.(3)
405- وفي الوسائل : في قول الله عزّ وجلّ: «يُحي الأرضَ بَعدَ مَوتِها» عن أبي إبراهيم علیه السلام قال :
ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل، فتحيا الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً.(4)
406- وفيه عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنّة، وحدّ يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا (5)
هذا، وإلى متى، وحتّی متى أقول: آدم والقائم؟ وما خلق آدم إلا لأجلّ القائم .
إن الّذي خلق المكارم حازها*** في صلب آدم للإمام القائم
(هابيل علیه السلام ) قتله أقرب الناس إليه، وأمهم رحماً به، وهو أخوه قابيل .
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
ص: 228
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(1).
(القائم) روحي وأرواح العالمين فداه، أراد قتله وعزم عليه أقرب الناس إليه وأمسهم رحماً به، وهو عمه جعفر الكذاب :
407- فعن سیّد العابدین علیه السلام قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والموکلّ بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أخيه، حتّی يأخذه بغير حق. (2)
(هبة الله) لم يؤذن في إظهار علمه خوفا.
408- روى الكليني (رحمه الله) في روضة الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طویل -: إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل، فقال : يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا، وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه ، وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون :
نحن أبناء الّذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الّذي ترك قربانه ، فإنك إن أظهرت من العلم الّذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك، كما قتلت أخاك هابيل، فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان، الخبر .(3)
وكذلك القائم لم يؤذن له إلى الوقت المعلوم :
409- كما قال علیه السلام: حين سقط من بطن أمه جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبّابتیه إلى السماء ، ثمّ عطس، فقال علیه السلام:
ص: 229
الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أن حجّة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ.
رواه رئيس المحدّثين في كمال الدين .(1)
410- فعن الصادق والهادي علیهماالسلام أنه عاش خمسمائة وألفي عام .(2)
411- (القائم علیه السلام) شيخ الأوصياء، فإنّه ولد - كما في الكافي - للنصف من شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين(3)، فعمره الشريف إلى الآن، وهذا يوم الأحد عاشر ذي قعدة الحرام من سنّة إحدى وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة يكون ألفا وإحدى وثمانين سنّة وخمسة وثمانين يوما.
412- وعن سیّد العابدین علیه السلام: أن في القائم سنّة من آدم ومن نوح وهي طول العمر ... إلخ (4)وقد مرّ الخبر بتمامه . (5)
(نوح) طهر الأرض من الكافرين بكلامه .
فقال : (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) (6)
(القائم) يطهّر الأرض من الكافرين بحسامه ، حتّی لا يبقى منهم آثاراً كما مرّ (نوح) صبر ألف سنّة إلا خمسين عاماً ، قال الله :
«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» (7)
(القائم) صبر منذ أول إمامته إلى الآن،
ولا أدري إلى متى يصبر مولانا صاحب الزمان .
(نوح) من تخلف عنه غرق.
ص: 230
( القائم) من تخلف عنه هلك، كما في الحديث.(1)
(نوح) أخر الله فرجه وفرج أصحابه حتّی رجع عنه أكثر القائلين به.
(القائم) يؤخر الله تعالی فرجه وفرج أوليائه حتّی يرجع عنه أكثر القائلين به كما عن العسكري علیه السلام . (2)
(نوح) بشر بظهوره إدريس النبي.
(القائم) بشر الله تعالی بظهوره الملائكة، كما مرّ، وبشر به النبیّ والأئمة علیهم السلام بل بشر به الأنبياء السابقون، ولو ذكرنا ذلك لطال الكتاب .
(نوح) كان يبلغ صوته شرق الأرض وغربّها حين ندائه وصيحته، وكان هذا أحد معجزاته، كما في زبدة التصانيف.
413۔ (القائم علیه السلام) يقف بين الركن والمقام [حين ظهوره]، فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، إئتوني طائعين،
فترد صيحته علیه السلام عليهم، وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم، في شرق الأرض وغربّها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن کلّ رجل، فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتّی يكون كلهم بين يديه علیه السلام بين الركن والمقام ، كما في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام .(3)
( إدريس علیه السلام) وهو جد أبي نوح علیه السلام واسمه أخنوخ، رفعه الله مكاناً علياً (4)
قيل : رفع إلى السماء الرابعة، وقيل : إلى السادسة :
ص: 231
414- وفي مجمع البيان : قال مجاهد: رفع إدريس كما رفع عیسی [وهو] حي لم يمت، وقال آخرون : إنّه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة .
وروي ذلك عن أبي جعفر علیه السلام . (1)
(القائم علیه السلام )رفعه الله مكاناً عليّاً إلى السماء.
(إدريس علیه السلام) حمله الملك على جناحه فطار به في جو السماء :
415- روى عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله): عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير عمن حدثه، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه، وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء الله تعالى في ذلك البحر، فلمّا بعث الله تعالى إدریس علیه السلام جاء ذلك الملك إليه فقال : يا نبیّ الله، ادع الله لي أن يرضى عنّي، ويرد عليّ جناحي، قال : نعم فدعا إدريس ربّه، فرد الله عليه جناحه، ورضي عنه،
قال الملك لإدريس : لك إلي حاجة؟ قال: نعم، أحب أن ترفعني إلى السماء، حتّی أنظر إلى ملك الموت، فإنّه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتّی انتهى به إلى السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبّاً، فسلّم إدريس على ملك الموت، وقال له : ما لك تحرّك رأسك؟
قال : إن ربّ العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة
فقلت : يا ربّ وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام، ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام، وغلظ السماء الثالثة خمسمائة عام، وکلّ سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا؟! ثمّ قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله : «وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»(2)قال : وسمي إدريس [على نبينا وآله وعليه السلام] لكثرة دراسته للكتب، إنتهى .(3)
ص: 232
وقيل : إنّه حي في الجنّة، وهو المروي عن ابن عباس .(1)
(القائم علیه السلام) رفعه روح القدس صلوات الله عليه وطار به في جو السماء:
416- ففي الحديث المروي في كمال الدين : عن حكيمة - في باب میلاد القائم علیه السلام - : فتناوله الحسن علیه السلام منّي والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها، فقال له: احمله واحفظه، ورده إلينا في کلّ أربعين يوما، فتناوله الطير وطار به في جو السماء، واتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد علیه السلام يقول:
أستودعك الّذي أودعته أم موسی علیه السلام فبكت نرجس ، فقال لها : اسكتي، فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك، كما رد موسى إلى أمه، وذلك قوله عزّ وجلّ: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ »(2).
قالت حكيمة : قلت: وما هذا الطير؟
قال علیه السلام: هذا روح القدس، الموکلّ بالأئمة، يوفقهم ويسددهم، ويربّيهم(3) بالعلم، الخبر .(4)
(إدريس) غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما في الحديث، عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه . (5)
(القائم علیه السلام )غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما مرّ في ظلم الأعداء عليه، من حرف الظاء المعجمة.
(إدريس) طالت غيبته حتّی وقع شيعته في غاية العسر والضيق والشدة
(القائم) تطول غيبته حتّی تقع شیعته في غاية العسر والضيق والشدة .
417۔ ففي البحار : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال:
لا يزال بكم الأمر حتّی يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرهاحتّی تملأ الأرض جوراً، فلا يقدر أحد يقول: الله، ثمّ يبعث الله عزّ وجلّ رجلا مني ومن
ص: 233
عترتی ، فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جوراً . (1)
418- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : لتملان الأرض ظلماً وجوراً حتّی لا يقول أحد: الله، إلآ مستخفياً، ثمّ يأتي الله بقوم صالحين يملأونها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً (2) وقد مرّ في حرف الفاء ما يدل على ذلك.
(إدريس) لمّا طالت غيبته اتفق الناس على التوبة إلى الله فأظهره الله تعالی وكشف عنهم البؤس والشدّة .
(القائم علیه السلام ) لو اتفق الناس على التوبة إلى الله تعالى في أمره، وعزموا على نصره، لأظهره الله تعالی.
ويأتي ما يدل على ذلك في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (3)
(إدريس علیه السلام ) لما ظهر ذل له الملك الجبار وأهل قريته .
(القائم علیه السلام) إذا ظهر ذل له الملوك الجبابرة، وجميع أهل العالم،
وإن شئت الإطلاع على أحوال إدريس فانظر في الكتب المفصلة ، مثل كمال الدين، والبحار، وحياة القلوب، وغيرها.
ولو ذكرنا أكثر من ذلك صرفنا عما نحن بصدده فلنكتف بهذا المقدار، ونسأل الله تعالى أن يجمع بيننا وبين أوليائه في دار القرار .
6- باب شباهته بهود
(هود علیه السلام) قيل اسمه عابر ، بشر بظهوره نوح علیه السلام:
419- روي في كمال الدين : عن الصادق علیه السلام، قال : لما حضرت نوحا علیه السلام الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: اعلموا أنه ستكون من بعدي غيبة تظهر الطواغيت، وأن الله عزّ وجلّ يفرج عنكم بالقائم من ولدي إسمه هود، له سمت
ص: 234
وسكينة ووقار، يشبهني في خلقي وخلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالريح، فلم يزالوا يترقبون هودا علیه السلام وينتظرون ظهوره، حتّی طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هود علیه السلام عند اليأس منهم وتناهي البلاعبهم، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، التي وصفها الله تعالى ذكره فقال :«مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» (1)
ثمّ وقعت الغيبة به بعد ذلك إلى أن ظهر صالح علیه السلام. (2).
(القائم علیه السلام ) قد بشر بظهوره بعد غيبته بجميع تلك الخصوصيات کلّ واحد من آبائه الكرام عليهم الصلاة والسلام. وقد تقدم نبذ منها في باب غيبته، فراجع.
(هود علیه السلام) أهلك الله عزّ وجلّ الكافرين به بالريح العقيم، كما قال تعالى :
«إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ *مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ » . (3)
(القائم) عجلّ الله تعالی فرجه سيهلك الله تعالی جمعاً من الكافرين به بریح سوداء مظلمة كما في رواية مفضل. (4)
وسيأتي في نداءاته إن شاء الله تعالى .(5)
(صالح) غاب عن قومه فلمّا رجع إليهم أنكره كثير منهم.
420- روي في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : إن صالحاً علیه السلام غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب عنهم کهلاً، مبدح(6) البطن، حسن الجسم وافر اللحية، خميص البطن (7)خفيف العارضين ، مجتمعاً ربعة من الرجال . (8)
ص: 235
فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات ، طبقة جاحدة لا ترجع أبدا، وأخرى شاكة فيه، وأخرى على يقين،
فبدأ علیه السلام حيث رجع بطبقة الشكاك (1) ، فقال لهم : أنا صالح، فكذبوه وشتموه، وزجروه، وقالوا : برئ الله منك، إن صالحاً كان في غير صورتك.
قال علیه السلام: فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول، ونفروا منه أشد النفور،
ثمّ انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين ، فقال لهم: أنا صالح ، فقالوا: أخبرنا خبراً لا نشك فيك معه أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالی الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء.
فقال لهم صالح: أنا صالح الّذي آتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت، وهي التي نتدارس، فما علامتها؟ فقال : «لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»(2)
قالوا: آمنا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: (أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ - فقال أهل اليقين : -إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (3) .
و(قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا - وهم الشكاك والجحّاد - إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(4) قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟
قال علیه السلام: الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله عزّ وجلّ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماماً غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عزّ وجلّ كلمتهم واحدة .
فلمّا ظهر صالح علیه السلام اجتمعوا عليه، وإنما مثل القائم علیه السلام مثل صالح. (5)
(القائم علیه السلام) يجري فيه ما جرى في صالح حرفاً بحرف، فإنّه يظهر مع طول عمره في صورة شاب دون أربعين سنّة، والناس بين موقن وشاكّ وجاحد
ص: 236
فيدعوهم فينكرونه، فيقتلهم، والموقنون يطلبون العلّامة، فيريهم، فيبايعونه .
وقد ورد بکلّ ذلك الرواية ، قدّمنا بعضها ،
ويأتي بعض آخر إن شاء الله والغرض هنا الإشارة .
(ابراهیم علیه السلام)خفي حمله وولادته .
(القائم علیه السلام ) خفي حمله وولادته.
(إبراهيم علیه السلام) كان يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنّة ، كما وردت بذلك الرواية عن الصادق علیه السلام. (1)
(القائم علیه السلام ) كذلك :
421. ففي خبر حكيمة رضي الله عنها المفصلة، قالت:
فلمّا كان بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد علیه السلام فإذا مولانا صاحب الزمان علیه السلام يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمّد علیه السلام: هذا المولود الكريم على الله عزّ وجلّ،
قلت له : يا سيّدي له أربعون يوما وأنا أرى من أمره ما آری!
فقال علیه السلام: يا عمتّي، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنّة (الخبر). (2)
(إبراهيم) اعتزل الناس، قال الله عزّ وجلّ نقلا عنه : «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: (3) الآية .
(القائم علیه السلام) اعتزل الناس، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف العين .
(إبراهيم) وقع له غيبتان
(القائم علیه السلام ) وقع له غيبتان .
ص: 237
(إبراهيم) لبس قميصاً مخصوصاً جاء به جبرئيل من الجنّة حين ألقي في النار
(القائم علیه السلام) يلبس هذا القميص بعينه حين يخرج:
422- ففي كمال الدين : عن مفضل، عن الصادق علیه السلام قال :
سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف علیه السلام ؟ قلت: لا.
قال إن إبراهيم علیه السلام: لما أوقدت له النار، نزل إليه جبرئیل علیه السلام بالقميص وألبسه إياه، فلم يضره معه حرّ ولا برد،
فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلمّا ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتّی كان من أمره ما كان .
فلمّا أخرجه يوسف علیه السلام بمصر من التميمة (1) وجد يعقوب علیه السلام ريحه، وهو قوله تعالى حكاية عنه : « إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ» (2) (3)
فهو ذلك القميص الّذي أنزل من الجنّة.
قلت : جعلت فداك، فإلى من صار هذا القميص؟ قال : إلى أهله، وهو مع قائمنا إذا خرج، ثمّ قال : کلّ نبیّ ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .(4)
423- أقول: لا ينافي هذا الحديث ما رواه الفاضل العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار، عن النعماني : بإسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : ألا أريك قميص القائم الّذي يقوم عليه؟ فقلت : بلى، فدعا بقمطر (5) ففتحه، وأخرج منه قمیص کرابیس، فنشره، فإذا في كمه الأيسر دَمٌ.
فقال : هذا قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الّذي عليه يوم ضربّت ربّاعيته، وفيه يقوم
ص: 238
القائم، فقبلت الدم ووضعته على وجهي، ثمّ طواه أبو عبدالله علیه السلام ورفعه .(1)
لأنه يحتمل أن يلبس کلّ واحد منهما في بعض الأحيان، ويحتمل أيضاً أن يكون قميص إبراهيم معه على عضده أو غيره، إذ لا صراحة في الحديث الأول على کونه علیه السلام لابساً له، والله العالم.
(إبراهيم) بني البيت، ووضع الحجر الأسود مكانه،
قال الله عزّ وجلّ: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .(2)
424. وفي البرهان وغيره: عن عقبة بن بشیر، عن أحدهما - أي الباقر والصادق علیه السلام - قال علیه السلام: إن الله عزّ وجلّ أمر إبراهيم علیه السلام ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري الناس مناسكهم، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت کلّ يوم ساقاً، حتّی انتهى إلى موضع الحجر الأسود،
وقال أبو جعفر علیه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم علیه السلام :
إنّ لك عندي وديعة، فأعطاه الحجر، فوضعه موضعه . (3)
(القائم علیه السلام) له مثل ذلك :
425- ففي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الّذي كان فيه ، الخبر . (4)
426- وفي الخرائج : عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه (5) قال :
ص: 239
لما وصلت بغداد في سنة تسع (1) وثلاثين وثلاثمائة للحج وهي السنة التي رد القرامطة(2) فيها الحجر في مكانه إلى البيت كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه مضى(3) في أثناء الكتب قصة أخذه ، وأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجّة في الزمان ، كما في زمان الحجاج وضعه زین العابدین علیه السلام مكانه فاستقر، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له
فعرفت أن ابن هشام يمضي إلى الحرم فكتبت رقعة وأعطيته إياها مختومة أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون الموتة(4) في هذه العلة أم لا؟ وقلت له : همي في إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، وإنما أندبك لهذا . قال : فقال المعروف بابن هشام :
لمّا حصلت بمكّة، وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عتي ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطربّ، ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمرّ اللون، حسن الوجه ، فتناوله فوضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجة من الباب .
فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يميناً وشمالا حتّی ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتّی انقطع عن الناس فكنت أسرع المشي(5)خلفه، وهو يمشي على تؤدة السير (6) ولا أدرکه.
فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف، والتفت إلي، فقال علیه السلام:
هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال : من غير أن ينظر إليها : قل له:
ص: 240
لا خوف عليك من هذه العلة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنّة .
قال : فوقع علىَّ الدمع حتّی لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فحضر، فأعلمني بهذه الجملة ، قال :
فلمّا كان سنّة ثلاثين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهاز قبره، وكتب وصيته، فاستعمل الجد في ذلك، فقيل له : ماذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله بالسلامة، فما عليك ممّا تخافه؟
فقال : هذه السنّة التي خوفت فيها، فمات في علته ومضی (رحمه الله) .(1)
(إبراهيم) أنجاه الله تعالى من النار، قال عزّ وجلّ في كتابه الكريم :
«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ » (2)
(القائم) يظهر مثل ذلك بكرامته :
427- ففي بعض الكتب : عن محمّد بن زيد الكوفي، عن الصادق علیه السلام قال : يأتي إلى القائم علیه السلام حين يظهر رجل من إصفهان، ويطلب منه معجزة إبراهيم خليل الرحمان، فيأمر علیه السلام أن توقد نار عظيمة، ويقرأ قوله تعالی : «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(3) ثمّ يدخل في النار، ثم يخرج منها سالماً، فينكر الرجل، لعنة الله تعالى عليه، ويقول: هذا سحر .
فيأمر القائم علیه السلام النار فتأخذه، وتحرقه فيحترق، ويقول هذا جزاء من أنکر صاحب الزمان، وحجّة الرحمان، صلوات الله وسلامه عليه .
(إبراهيم) دعا الناس إلى الله لقوله تعالى : «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» (4).
428- وفي البرهان : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إن إبراهيم أذن في الناس بالحج، فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله، وإن الله أمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة .(5)
ص: 241
(القائم علیه السلام) يدعو الناس إلى الله، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الدال، وفي أول حرف الكاف، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى .(1)
(إسماعيل) بشر الله تعالی بولادته، قال عزّ وجلّ :«فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ »(2)
(القائم علیه السلام) بشر الله تعالى بولادته، وبقيامه ،
وقد مرّ ما يدل على ذلك في الباب الثالث،
وبشر بذلك أيضاً رسول الله والأئمة الأطهار علیهم السلام .
429- ويدل عليه ما في تبصرة الولي والبحار : عن إسماعيل بن علي النوبختي (رحمه الله) قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام في المرضية التي مات فيها فأنا عنده إذ قال علیه السلام لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبيا (3) قد خدم من قبله عليّ بن محمّد علیه السلام، وهو ربّي الحسن علیه السلام - فقال له : يا عقید، اغل لي ماء بمصطكي، فأغلى له، ثمّ جاءت به صیقل الجارية، أمّ الخلف علیه السلام
فلمّا صار القدح في يده، وهم بشربّه فجعلت يده تر تعد، حتّی ضربّ القدح ثنايا الحسن علیه السلام فتركه من يده، وقال لعقيد :
ادخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به.
قال أبو سهل : قال عقيد: فدخلت أتحرى (4) ، فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه، فأوجز في صلاته ، فقلت :
إن سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صیقل، فأخذت بيده ، وأخرجته إلى أبيه الحسن علیه السلام.
قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبي بين يديه سلم، وإذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن علیه السلام بکی، وقال :
ص: 242
یا سید أهل بيته، اسقني الماء، فإني ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثمّ حرك شفتيه ثمّ سقاه ، فلمّا شربّه قال :
هيؤوني للصلاة، فطرح في حجره مندیل، فوضاه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد علیه السلام: أبشر يا بنيّ، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة الله في أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك، وأنت م ح م د بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ولدك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إلي أبي، عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربّنا إنّه حمید مجید،
ومات الحسن بن عليّ من وقته صلوات الله عليهم أجمعين .(1)
أقول: كان وفاته بالسم في ثامن شهر ربّيع الأول من سنة ستين ومائتين وكان عمره ثمانية وعشرين سنّة صلوات الله عليه .
(إسماعيل علیه السلام) انفجر له من الأرض عین زمزم.
(القائم علیه السلام) ينفجر له من الحجر الصلب.
كما يأتي في شباهته بموسى وقد نبع له من الأرض مراراً :
430- منها ما في البحار عن كتاب تنبيه الخواطر : حدّثني السیّد الأجلّ علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني، عن عليّ بن عليّ بن نما، قال : حدثنا الحسن بن عليّ بن حمزة الأقاسي، في دار الشريف عليّ بن جعفر بن علي المدائني العلوي، قال : كان بالكوفة شيخ قصار، وكان موسوماً بالزهد ، منخرطا (2) في سلك السياحة، متبتلا للعبادة، مقتضياً للآثار الصالحة،
ص: 243
فاتفق يوما أنتي كنت بمجلس والدي، وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه ، قال : كنت ذات ليلة بمسجد جعفي، وهو مسجد قديم في ظاهر الكوفة وقد انتصف الليل، وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، إذ أقبل عليّ ثلاثة أشخاص، فدخلوا المسجد، فلمّا توسطوا صرحته جلس أحدهم، ثمّ مسح الأرض بيده يمنة ويسرة، وخضخض الماء ونبع، فأسبغ الوضوء منه .
ثمّ أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء، فتوضئا، ثمّ تقدم فصلی بهما إماماً، فصليت معهم مؤتمّاً به، فلمّا سلم وقضى صلاته ، بهرني حاله واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الّذي كان منهما على يميني عن الرجل، فقلت له : من هذا؟ فقال لي: هذا صاحب الأمر، ولد الحسن علیه السلام فدنوت منه وقبلت يديه، وقلت له : يابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحقّ؟ فقال: لا، وربّما اهتدى، إلا أنه لايموت حتّی يراني، فاستطرفنا هذا الحديث .
فمضت برهة طويلة فتوقي الشريف عمر، ولم يسمع أنه لقيه علیه السلام
فلمّا اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن بادية أذكرته بالحكاية التي كان ذکرها، وقلت له مثل الراد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف لايموت حتّی يرى صاحب الامرّ الّذي أشرت إليه؟ فقال لي: ومن أين علمت أنه لم يره .
ثمّ إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة، وتفاوضنا أحاديث والده، فقال : إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي، وهو في مرضه الّذي مات فيه، وقد سقطت قوته، وخفت صوته والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه، واستطرفنا دخوله، وذهلنا (1) عن سؤاله ، فجلس إلى جنب والدي، وجعل يحدثه مليّاً، ووالدي يبكي .
ثمّ نهض، فلمّا غاب عن أعيننا، تحامل والدي، وقال :
ص: 244
أجلسوني فأجلسناه، وفتح عينيه وقال : أين الشخص الّذي كان عندي؟
فقلنا : خرج من حيث أتي، فقال : اطلبوه، فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة، ولم نجد له أثرا فعدنا إليه ، فأخبرناه بحاله، وأنا لم نجده، وسألناه عنه
فقال : هذا صاحب الأمر. ثمّ عاد إلى ثقله في المرض، وأغمي عليه . (1)
أقول: قد مرّ ما يناسب هذا المقام في حرف الظاء المعجمة فراجع .
(إسماعيل) كان يرعى الأغنام.
431- (القائم علیه السلام) في حديث مفضل (رحمه الله) عن الصادق علیه السلام:
ووالله يامفضل، كأني أنظر إليه دخل مكة، وعليه بردة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المخصوفة، وفي ايده هراوته علیه السلام (2) يسوق بين يديه عنازاً(3) عجافاً، حتّی يصل بها نحو البيت ليس ثمّ أحد يعرفه، ويظهر وهو شاب. الخبر .(4)
(إسماعيل علیه السلام) سلم لأمر الله عزّ وجلّ، وقال :
«و يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » (5) .
(القائم علیه السلام) سلم لأمر الله عزّ وجلّ.
(إسحاق علیه السلام) بشر الله تعالی بولادته بعد يأس سارة عن ذلك، قال عز وجلّ : «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ *قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ )» (6) .
(القائم علیه السلام) بشر بولادته بعد يأس الناس من ذلك .
ص: 245
432- ففي الخرائج : عن عیسی بن صبيح (1)قال :
دخل الحسن العسکري علیه السلام علينا الحبس، وكنت به عارفاً، فقال لي : لك خمس وستّون سنة وشهر ويومان، وكان معي کتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإني نظرت فيه فكان كما قال : ثمّ قال : هل رزقت من ولد؟ قلت: لا،
قال : اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد، ثمّ تمثل وقال :
من كان ذا عضد يدرك ظلامته*** إن الذليل الّذي ليست له عضد (2)
فقلت له : ألك ولد؟ قال علیه السلام: أي والله، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا وعدلا ، فأما الآن فلا، ثمّ تمثل علیه السلام وقال :
العلك يوما أن تراني كأنما ***بني حوالي الأسود اللوابدُ
فإن تميماً قبل أن يلد الحصا*** أقام زمانا وهو في الناس واحد (3)
(لوط علیه السلام) نزل الملائكة لنصرته،
«قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ» الآية . (4)
(القائم علیه السلام) تنزل الملائكة لنصرته، وقد مرّ ما يدل على ذلك .
433- وفي خبرجارية أبي محمّد علیه السلام: لما ولد السیّد علیه السلام (5)، رأت له نوراً ساطعا قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأت طیوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه، وسائر جسده ، ثمّ تطير ،
فأخبرنا أبا محمّد علیه السلام بذلك، فضحك، ثمّ قال :
ص: 246
تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج(1)
هذا وقد مرّ في قوة المؤمنين ما يناسب المقام . (2)
(لوط علیه السلام) خرج عن بلاد الفاسقين .
(القائم علیه السلام) خرج عن بلاد الفاسقين .
(یعقوب علیه السلام) جمع الله شمله بعد زمان طويل.
(القائم علیه السلام ) يجمع الله شمله بعد زمان أطول من زمن يعقوب.
(يعقوب علیه السلام) بکی عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (3)
(القائم علیه السلام) بکی لجده الحسين علیه السلام :
434-فقال في زيارة الناحية : ولابكين عليك بدل الدموع دما . (4)
(یعقوب علیه السلام ) كان ينتظر الفرج، ويقول:
« وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (5)
(القائم علیه السلام) ينتظر الفرج، كما تشهد به الروايات .
(یوسف) كان أجمل أهل زمانه .
(القائم علیه السلام) أجمل أهل زماناً، وقد مرّ ما يدل عليه في جماله .
(یوسف) غاب زماناً طويلا فدخل عليه إخوته«وفَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»(6)
(القائم علیه السلام) غاب عن الخلق، وهو مع ذلك يسير فيهم، ويعرفهم ولا يعرفونه، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الغين المعجمة .
(یوسف) أصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة، حيث رأى فيها ملك مصر
ص: 247
في المنام ما رأي .
(القائم علیه السلام) يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة فيجمع له فيها أعوانه من أقاصي البلاد:
435- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إن صاحب هذا الأمر فيه شبه (1)من يوسف ( ابن أمة سوداء) (2) يصلح الله عزّ وجلّ أمره في ليلة واحدة .(3)
436. وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي منّا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة . (4)
(یوسف) ابتلي بالسجن ، قال : « رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»
(القائم علیه السلام) مرّ في حديث أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
في صاحب هذا الأمر سنّة من موسى، وسنّة من عیسی، وستة من يوسف وسنّة من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم - إلى أن قال : وأما من يوسف : فالسجن والغيبة .(5)
أقول: إعتبر أيها المحبة الموالي، وتأمل في عظمة مصيبة مولاك، وشدة محنته، كيف صارت الدنيا بسعتها، والأرض بر حبها سجنا له، بحيث لا يأمن أن يظهر لجور المعاندين، ومعاندتهم إياه .
نسأل الله تعالى أن يعجلّ فرجه ويسهل مخرجه .
(یوسف علیه السلام) لبث في السجن بضع سنین.
(القائم علیه السلام ) ليت شعري كم يلبث في السجن ولا يخرج؟ !
ص: 248
(يوسف) غاب عن خاصته وعامته واختفى عن إخوته، وأشکل أمره على أبيه يعقوب، مع قرب المسافة بينه وبين أهله وشيعته ، كما في الحديث .(1)
437۔ (القائم علیه السلام) في حديث آخر في كمال الدين عن الباقر علیه السلام - في بیان شباهته بجمع من الأنبياء - قال علیه السلام: وأما شبهه من يوسف بن يعقوب علیه السلام فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشیعته (الخبر) .(2)
أقول: الأخبار الدالة على كونه علیه السلام معنا، واطلاعه علينا كثيرة،
ولعلنا نذكر بعضها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالی .
(الخضر علیه السلام) طول الله عزّ وجلّ عمره، وهذا ثابت عند الفريقين
ويدل عليه أخبار كثيرة :
438۔ منها: ما في البحار عن المناقب : عن داود الرقي، قال : خرج أخوان لي يريدان المزار، فعطش أحدهما عطشاً شديداً، حتّی سقط من الحمار، وسقط الآخر في يده، فقام فصلى، ودعا الله ومحمّدأ صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین والأئمة علیهم السلام كان يدعو واحداً بعد واحد حتّی بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمّد علیه السلام فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برجل قد قام عليه، وهو يقول: يا هذا ، ما قصتك؟ فذكر له حاله، فناوله قطعة عود، وقال : ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك ، فإذا هو قد فتح عينيه ، واستوى جالساً، ولا عطش به ، فمضى حتّی زار القبر
فلمّا انصرفا إلى الكوفة، أتى صاحب الدعاء المدينة ، فدخل على الصادق علیه السلام فقال له: اجلس، ما حال أخيك؟ أين العود؟ فقال : يا سيّدي إني لما أصبت بأخي اغتممت غمّاً شديداً فلمّا رد الله عليه روحه نسيت العود من الفرح
ص: 249
فقال الصادق علیه السلام: أما إنّه ساعة صرت إلى غم أخيك أتاني أخي الخضر فبعثت إليك على يديه قطعة غود من شجرة طوبی، ثمّ التفت إلى خادم له فقال :
عليّ بالسفط، فأتي به، ففتحه، وأخرج منه قطعة العود بعينها، ثمّ أراها إياه حتّی عرفها، ثمّ ردها إلى السفط .(1)
(القائم علیه السلام ) طول الله عمره، بل يظهر من بعض الأحاديث أن الحكمة في تطويل عمر الخضر علیه السلام أن يكون دليلا على طول عمر القائم علیه السلام :
439- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين - في حديث طويل نذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى - عن الصادق علیه السلام أنه قال :
وأمّا العبد الصالح الخضر علیه السلام، فإن الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم علیه السلام ما يقدر من عمر الخضر، وما قدر في أيام غيبته ما قدر، وعلم ما یکون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلة الإستدلال به على عمر القائم علیه السلام وليقطع بذلك حجّة المعاندین لئلا يكون للناس على الله حجّة .(2)
440- وفي كمال الدين أيضاً : عن الرضا علیه السلام، قال :
إنّ الخضر علیه السلام شربّ من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتّی ينفخ في الصور، وإنّه ليأتينا فيسلم [علينا]، فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنّه ليحضر الموسم کلّ سنّة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين ،
ص: 250
وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته . (1)
(الخضر علیه السلام) إسمه بليا، وقيل غير ذلك، سمي خضراً لأنه كان لا يجلس على خشبة يابسة إلا اخضرت، كما عن الصدوق «رحمه الله» (2) وقيل لأنه كان إذا صلی اخضر ما حوله، وقيل : لأنه كان في أرض بيضاء فإذا هي تهتز خضراء من خلفه
وفي لفظه ثلاث لغات: فتح الخاء، وكسرها مع سكون الضاد، وفتح الخاء مع كسر الضاد.
441- (القائم علیه السلام) روي في النجم الثاقب:
أنه لا ينزل بأرض إلا اخضرت واعشوشبت، ونبع