المَجَازُ اللُّغَوّيُّ فِیْ کِتَابِ نَهْج البَلاغة لِأمِیْرِ المُؤْمِنِیْنَ عَليٍّ بْنِ أَبِيَ طَالِبٍ علیه السلام
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3007 لسنة 2018 م مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC:
BP38.09.M35 J39 2018 المؤلف الشخصي: جواد، زكية السيد سعيد شرف - مؤلف.
العنوان: المجاز اللغوي في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) / بيان المسؤولية: تأليف زكية السيد سعيد شرف جواد، تقديم السيد نبيل الحسني.
بيانات الطبع: الطبعة الاولى.
بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1440 للهجرة.
الوصف المادي: 235 صفحة؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 534).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 157).
سلسلة النشر : (الرسائل الجامعیة - لبنان، وحدة الدراسات اللغویة؛ 31).
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 219 - 229).
موضوع شخصي : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.
مصطلح موضوعي : المجاز (بلاغة عربية).
مصطلح موضوعي : الاستعارة (بلاغة عربية).
مصطلح موضوعي : البلاغة العربية.
مؤلف اضافي : دراسة ل- (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
مؤلف اضافي : الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.
اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 1
المَجَازُ اللُّغَوّيُّ فِیْ کِتَابِ نَهْج البَلاغة لِأمِیْرِ المُؤْمِنِیْنَ عَليٍّ بْنِ أَبِيَ طَالِبٍ علیه السلام
ص: 2
سلسلة الرسائل الجامعية - جامعة بيروت العربية
وحدة الدرسات اللغوية (لبنان)
(31)
المَجَازُ اللُّغَويُّ فِی کِتَابِ نَهْج البَلاغةِ لِأمِیْرِ المُؤْمِنیْنَ عَليٍّ بْنِ أَبِیْ طَالِبٍ علیه السلام
تَألِیْفُ زَکِیَّة السَّیِّد سَعیْد شَرف جَوَاد
اِصْدَار
مؤسسة علوم نهج البلاغة فِی العَتَبةُ لحُسَیْنیَّةِ المُقَدَّسَةِ
ص: 3
جمیع الحقوق محفوظة
للعتبة الحسینیة المقدسة
الطبعة الأولى 1439 ه- - 2018 م
العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاکبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 07815016633
الموقع الالكتروني: www.inahj.org
الايميل: Inahj.org@gmail.com
تنويه:
إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهَّ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ» صدق الله العلي العظيم سورة هود: الآية 88.
ص: 5
ص: 6
إلى من ربياني صغیرة وتفيأت بظلهما الوارف حتى اشتد عودي وضربت جذوري أعماق الأرض وأينعت أوراقي ولا أستطيع أن أرد فضلها أبي وأمي.
إلى من صاحبني رحلتي وجدد في الأمل وصارع معي الأنواء والأمواج حتى أخذني لشاطئ الأمان زوجي العزيز.
إلى من تجرعوا معي كؤوس التعب والعناء حتى وصلت إلى ما أنا فيه أبنائي وبناتي.
إليهم جميعا أهدي ثمرة جهدي المتواضع
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى:
«مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(1)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شْيَءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(2)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.
ص: 9
من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.
وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفقت فيها الباحثة للغوص في بحر علم امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن لها بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في حقل اللغة العربية.
فجزى الله الباحثة كل خير فقد بذلت جهدها وعلى الله أجرها.
السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 10
في القرن الرابع الهجري حيث كان الإبداع العربي الإسلامي قد بلغ أوجه في مختلف صنوف المعرفة، وانتقى الشريف الرضي ما أثر من كلام الإمام علي - عليه السلام - (23 ق.ه - 40 ه) ممّا توافر لديه وكان قمة في الفصاحة والبلاغة فأودعها في كتاب أسماه «نهج البلاغة»، وهو الكتاب الوحيد الذي جمع بأسلوب فريد خطب منتقاة للإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - ، وكتبه ورسائله، وحكمه، ومواعظه، وقد رافقت شهرة نهج البلاغة شهرة جامعه الشريف الرضي(1)، والمرويّ عنه الإمام علي - عليه السلام.
وعليّ - عليه السلام - غني عن التعريف فقد قيل فيه: «اجتمع للإمام علي بن أبي طالب من صفات الكمال، وباذخ الشرف، مع الفطرة النقية، والنفس المرضية ما لم يتهيأ لغيره من أفذاذ الرجال... تحدّر من أكرم المناسب، وانتمى إلى أطيب الأعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش، وجده عبد المطلب أمير مكة وسيد
ص: 11
البطحاء، ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم، وبنو هاشم كانوا كما ذكر الشيخ محمد عبده (ت: 1332 ه)(1)، وابن أبي الحديد (ت: 656 ه)(2)في مقدمة شرح نهج البلاغة نقلا عن الجاحظ (ت: 255 ه):
«هم ملح الأرض، وزينة الدنيا، وحّلْي العالم، والسنام الأضخم، والكاهل الأعظم، ولباب كل جوهر كريم، وسر كل عنصر شريف، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك، والنصاب الوثيق، ومعدن الفهم، وينبوع العلم...»(3).
ولو وقفنا على أخلاقه وسيرته وشجاعته فهي لا تتأتى لأحد سواه باستثناء الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك ما جعل الناس يطلقون فيه أفضل الكلام، من ذلك ما قاله الحسن البصري نقلا عن ابن أبي الحديد: «.. كان سهماً صائباً
ص: 12
من مرامي الله على عدوه، وربَاني هذه الأمة وذا فضلها وسابقتها، وذا قرابتها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسرقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، وأعلام مشرقة...»(1).
أما بلاغته وفصاحته فلسنا بقادرين أن نقول فيها أكثر مما قاله معاوية: «والله ما سن الفصاحة لقريش غيره »(2)، فالذي يحفظ كلام علي - عليه السلام - فإنه يحتفظ بأثمن الكلام وأبلغه وأفصحه لهذا وجدنا الناس تحفظه وترويه منذ القدم، وقال المسعودي (ت: 346 ه): «والذي حفظه الناس عنه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وتداول الناس ذلك قولاً وعملاً»(3).
وقد حظي كتاب نهج البلاغة المرويّ عن الإمام علي - عليه السلام - عبر القرون من الاهتمام بالنسخ، والشرح، والتعليق، والإجازة بعناية بالغة من قبل أعلام البلاغة والأدب، وتداوله علماء أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - خاصة جيلاً بعد جيل، وكان مصدر علي بن أبي طالب الأول في هذه الفصاحة كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فكان الإمام علي - عليه السلام - كثيراً ما يستشهد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ويوظفها في خطبه ورسائله، ويعد هو الشخص الوحيد الذي اهتم الناس بحفظ كلماته، وضبطها في بطون الصحائف، والقلوب، وأصبح منهل ينهل منه طلاب اللغة والأدب.
ص: 13
ولكون لغات العالم متباينة ومختلفة فيما بينها، ولكل لغة منها شأنها، وما يميزها ويجعلها أكثر بروزاً وإشعاعاً عن سائر اللغات، فلقد برزت اللغة العربية في مجازاتها، وهو سر من أسرارها، وطاقة كامنة تحتاج إلى استخراج، ووسيلة من وسائل نموها وتطورها، فهو يتيح لها مواكبة التطور الذي تمر به سائر اللغات في العالم، من خلال ما يوفره لها من صياغة ألفاظ كثيرة لمعان متعددة مختلفة من مادته الأصل، فيثري اللغة، ويكسيها بوشاح جديد براق يلفت الناظرين والمتأملين وهذا ما نجده في كتاب نهج البلاغة.
ومع اهتمام الدراسات الحديثة بنهج البلاغة وكثرة البحوث والدراسات القيمة التي لاينكر فضلها في خدمة اللغة العربية، إلا أنها لم تقدم للمجاز الجهد الذي يمكن أن تستوعبه، وأن تدرسه دراسة علمية تستقصي أصوله، وتستثمر إنجازات العصر الحديث في فهم أعماقه، ومراميه.
وقد تقدمت خطوة في هذا الطريق طمعاً في نيل هذا الشرف العظيم، فعمدتُ من خلال هذه الدراسة إلى الكشف عن المدى الذي يشغله المجاز اللغوي في أبنية نصوص كتاب نهج البلاغة، ودفعت به إلى أقصاه حتى أصل به من الأهمية إلى ما تصبو له نفسي آملة في الوصول إلى مطلبي من إثراء اللغة بدراسة المجاز اللغوي بصورة مستقلة عن باقي صنوف البيان وفق الدراسات الحديثة، وذلك يحتاج إلى جهد علمي، ومعرفي فذ، وهذا ما حاولت أن أبرزه اعتباراً من الفصل الثاني من الدراسة ودفعت به نحو إشكالية البحث إلى ذروة التناول فخضت في النهج، واستخلصت المساحة اللازمة من الدرس كما رأيتها، حريصة كل الحرص على تحديد مفهوم المجاز بأنواعه وعلاقاته بصورة جلية، ودللت عليه بإلاضافة إلى ما قدمته من
ص: 14
جهد نظري بعمليات تحليل لعدد من النصوص لما فيها من ظواهر مجازية جديرة بالدرس، والاهتمام راجية من وراء ذلك العناية بهذا النوع من البيان لما يتمتع به من جمالية وأهمية في اللغة، وفهم النصوص، وعلى الخصوص الشرعية منها.
ويقوم هذا البحث على دراسة منهجية وصفية تحليلية للمجاز اللغوي في كتاب نهج البلاغة، حيث تمتد إلى جذوره الأولى بالبحث والتنقيب، والكشف، والتصنيف، ولأنواعه بالتوضيح والتحليل مستلهمة من القديم أصالته، ومن الحديث جدّة موضوعه.
والدراسة في فصولها الثلاثة، ومن خلال الجهد الدوؤب ساهمت إلى حد كبير في وضع أرضية صلبة لدراسة المجاز اللغوي في نهج البلاغة، وبصورة منفردة، وبرهنت على ذلك من خلال تحليل عدد ليس بقليل من نصوص نهج البلاغة، وماعثرت عليه من علاقات وأنواع جديدة بالعناية، والدرس راجيةً من وراء هذه المحاولة فتح الباب للدارسين، وتكريس الجهد لدراسة المجاز كحالة مستقلة بذاتها، وقد تم تقسيم البحث إلى ثلاثة فصول وفقا لمتطلبات الدراسة:
الفصل الأول:
جاء هذا الفصل وفقا لمقتضيات الدراسة مقسماً إلى مبحثين:
- المبحث الأول من الفصل الأول: المجاز في إطاره العام: تناولت فيه مثول المجاز في لغة العرب قبل الإسلام، وبعده، وانقسام الباحثين إلى فريقين بين مؤيدين، ومعارضين لوجوده في القرآن ورأي العلماء المحدثين في ذلك.
- المبحث الثاني: المجاز بين اللغة والإصطلاح: يدرس هذا المحور مفهوم المجاز
ص: 15
تمهيداً لتحديد أنواعه ورسم حدوده وتناولت فيه:
أ. تعريف المجاز في اللغة.
ب. تعريف المجاز في الاصطلاح، وقد اعتمدت في ذلك على المعاجم اللغوية.
الفصل الثاني:
جاء الفصل الثاني من الدراسة تحت عنوان: المجاز المرسل وتجلياته في كتاب نهج البلاغة، وقد دفع بالبحث إلى ذروة التناول عن طريق رصد العلاقات وتصنيفها حسب أنواع المجاز المرسل.
وبذلت قصارى جهدي من أجل استخراجها وتقديم ماهو جديد وهام، راجية من ذلك وضع لبنة جديدة مستوفية في دراسة المجاز المرسل بعرض العلاقات السبع المتعارف عليها، والعلاقات الأخرى التي حصلت عليها أثناء الدرس، بحيث شكلت مادتها حقلاً للدراسة، وبيان الجمالية في التعبير، وترسيخ القيم، والمعاني، وما يتعلق بالمسائل الشرعية، والعقائدية، وأبرزت كوامن الجمال عبر تجليات تلك الصور، وطبائع حلولها في نصوص نهج البلاغة.
الفصل الثالث:
الاستعارة وتجلياتها في كتاب نهج البلاغة: وتناولت فيها بالدرس والعناية أنواع الاستعارات، وما يتفرع منها، وانتشارها في خطب الإمام علي، وأقواله وكلماته، كمااستمدت دراستي للنهج شواهد على علاقتها بالنصوص السابقة، والقرآن الكريم، ودللت على قدرتها بالوقوف عليها وتحليلها، وقد اعتمدت على كتب البلاغة في
ص: 16
تحديد أقسام المجاز، وأنواع المجاز اللغوي.
ويعد الفصلان الثاني والثالث بمثابة الميزان الذي يبين الثروة المجازية في كتاب نهج البلاغة، وأخيراً نخلص إلى نتائج البحث التي توصلت إليها من خلال الدراسة، والبحث في أعماق النهج.
والحمد لله رب العالمين
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
يعد المجاز ظاهرة ماثلة في لغة العرب، ولقد أُنزل القرآن، وهو معجزة الإسلام الخالدة على سيدنا ونبينا محمد - صل الله عليه وآله وسلم - فبهر بها قومه متفوقاً على فصاحتهم وبلاغتهم، وقد تمثلت فيه كل الظواهر اللغوية، وهو مصدرٌ للثروة البلاغية الكبرى عند العرب، ومحور الثقافة العربية والإسلامية، وأصلٌ لتفجير طاقات تلك البلاغة وينابيع المعرفة، والمجاز منها عقدها الفريد ولؤلؤها النفيس.
ثمة خلاف بين الباحثين في وجود المجاز من عدمه، ومبعث هذا الخلاف أن طائفة منهم أنكرت المجاز في القرآن، فأنكرت وجوده في اللغة عموماً، وكان أشدهم الظاهرية(1)، لأنهم أخذوا بظاهر الكتاب والسنة وأعرضوا عن التأويل والرأي والقياس(2)وعلى رأسهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني، ومنهم من حمل جملة من الاستعمال الحقيقي على المجاز فهم يرون أنَّ أكثر اللغة مجاز ومن هؤلاء أبو علي الفارسي (ت: 377 ه) وتلميذه ابن جني (ت: 392 ه)، وكلاهما
ص: 21
قد تجاوز المقصود، واقترب من الاعتدال في المذهب(1).
فأتى عبد القاهر الجرجاني (ت: 471 ه) وأثبت لهم من خلال الحجة الدامغة بأن التنزيل لم يقلب اللغة عن أصولها ولم يخرجها من دلالتها ومخرجاتها؛ بل إن كتاب الله خاطب العقول النيرة التي امتازت بالفصاحة والبلاغة، وجاء ليحاكيها ويتفوق عليها ويبهرها بما امتاز به من فصاحة وبلاغة، وهو بعيد كل البعد عن خطاب الشعراء والكهان؛ فهو الكتاب العربي المبين، وذلك في قوله: «وأقل ما كان ينبغي أن تعرفه الطائفة الأولى، وهم المنكرون للمجاز: أَنَّ التنزيل كما لم يقلب اللغة في أوضاعها المفردة عن أصولها، ولم يخرج الألفاظ عن دلالتها، كذلك لم يقض بتبديل عادات أهلها، ولم ينقلهم عن أساليبهم وطرقهم، ولم يمنعهم ما يتعارفونه من التشبيه، والتمثيل، والحذف، والاتساع، وكذلك كان من حق الطائفة الأخرى، أن تعلم أنه عزّ وجلّ لم يرض لنظم كتابه الذي سماه هدىً وشفاء، ونوراً وضياء، وحياةتحيا بها القلوب، وروحاً تنشرح عنه الصدور، ما هو عند القوم الذي خوطبوا به خلاف البيان، وفي حد الإغلاق، والبعد عن التبيان، وأنه تعالى لم يكن ليعجز بكتابه من طريق الإلباس والتعمية، كما يتعاطاه الملغز من الشعراء، والمحاجي من الناس، كيف وقد وصفه بأنه: «عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»(2)»(3).
ويذكر الزركشي (ت: 794 ه) في ذلك: «أن عبد القاهر في هذا يشير إلى الخلاف التقليدي في هذه المسألة، أهي واردة أم هي منتفية؟ كقضية لها بعدها الكلامي عند
ص: 22
المتكلمين، فلقد رفض أهل الظاهر استعمال صيغ المجاز في القرآن، ووافقهم على هذا بعض الشافعية(1)، وقسم من المالكية(2)، وأبو مسلم الأصبهاني من المعتزلة(3)»(4).
ص: 23
ومن الحجج التي يرونها في إنكار المجاز قولهم «أنَّ المجاز أخو الكذب، والقرآن منزّه عنه، فإن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير، وذلك محال على الله تعالى»(1).
ويعقب الزركشي على القول بمنع استعمال المجاز القرآني بقوله: «وهذا باطل ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف وغيره، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن»(2)، فاستعمال المجاز في القرآن نابع من الحاجة إليه في بيان محسنات القرآن البلاغية، ولو انتفى من القرآن لانتفى منه غيره من المحسنات، فهو والحقيقة يتقاسمان شطري الحسن في الذائقة البيانية كما أشار الزركشي.
ومنذ عهد مبكر أشار ابن قتيبة (ت: 276 ه) إلى مسألة الطعن على القرآن في هذه القضية، وناقشها مناقشة أدبية ونقدية فذة، مؤيداً ذلك بموافقات اللسان العربي، ومستدلاً على ما يراه بسنن القول عند العرب في سائر الاستعمالات حتى البسيطةمنها، فقال: «وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز، فإنهم زعموا أنه كذب، لأن الجدار لايُريد، والقرية لاتُسأل، وهذا من أشنع جهالاتهم، وأدلها على سوء نظرهم، وقلة إفهامهم، ولو كان المجاز كذباً، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلاً، كان أغلب كلامنا فاسداً، لأنا نقول: نبت البقل، طالت الشجرة، أينعت الثمرة، أقام الجبل، رخص السعر»(3).
ص: 24
ويقول ابن جني: «ويبدو ضعف هذا المذهب - وهو يرفض وجود المجاز في القرآن - حينما نشاهد حرص الجمهور والإمامية، وأغلب المعتزلة، ومن وافقهم من المتكلمين على إثبات وقوعه في القرآن»(1).
وقد أيد هذا المنحى عبد القاهر الجرجاني بقوله: «وأنت ترى في نص القرآن ما جرى فيه اللفظ على إضافة الهلاك إلى الريح مع استحالة أن تكون فاعلة، وذلك قوله عزّ وجلّ: «مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الَحْيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهٌ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»(2)وأمثال ذلك كثير»(3).
والحق أن المجاز واقع في القرآن باعتباره عنصراً أساسياً من عناصر بلاغته الإعجازية كما أثبته الكثيرون، ويعد وجوده في القرآن ذا أثر بالغ على النصوص الشرعية، ولذلك يرى بعض البلاغيين المحدثين: «أنّ المجاز هو علم البيان بأجمعه، وأنه أولى بالاستعمال من الحقيقة في باب الفصاحة والبلاغة؛ لأن العبارة المجازية تنقل السامع عن خلقه الطبيعي في بعض الأحوال حتى أنه ليسمح بها البخيل ويشجع الجبان»(4).
وأول من استعمل المجاز للدلالة على جميع الصور البيانية تارة، أو على المعنى المقابل للحقيقة تارة أخرى هو الجاحظ، حيث أطلق لفظ المجاز على معالم الصورة
ص: 25
الفنية المستخلصة من اقتران الألفاظ بالمعاني، فهو كمعاصريه يعبر عن جمهرة الفنون البلاغية كالاستعارة، والتشبيه، والتمثيل، والمجاز نفسه جميعاً بالمجاز، ويتضح هذا جلياً في أغلب استعمالات الجاحظ البلاغية التي يطلق عليها اسم المجاز، وقد اتضح هذا في المجاز القرآني لديه(1).
بينما يرى البعض أن إطلاق مفهوم المجاز في معناه الدقيق إنما بدأ مع المعتزلة، وهم مجوزون له لوروده في القرآن، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية (ت: 726 ه)، واعتبر المجاز دون مبرر أمراً حادثاً، وفناً عارضاً، لم يتكلم به الأوائل من الأئمة والصحابة والتابعين، ولقد نفى مصطلح المجاز في القرون الثلاثة الأولى(2)، في حين استعمله بمعناه الاصطلاحي العام كل من الجاحظ، وابن قتيبة، وهما من أعلام القرن الثالث.
وحقيقة الأمر كان الفضل الحقيقي في إرساء أسسه واستكمال مناهجه يعود إلى الشيخ عبد القاهر الجرجاني وهو ليس معتزلياً، وكان محمد بن يزيد المبرد (ت: 285 ه) قد استعمل المجاز بالمعنى نفسه الذي استعمله به أبو عبيدة من قبل للدلالة على ما يعبر به عن تفسير لفظ الآية أو ألفاظها، ولا دلالة اصطلاحية عنده فيه.
كما أشار ابن جني إلى المجاز في مواضع عدَّة من كتابه الخصائص، لعل أهمها ما يجعل فيه المجاز بعامة قسيماً للحقيقة، متحدثاً عنه وعن خصائصه بإطار بلاغي عام، وذلك قوله: «إن المجاز لا يقع في الكلام ويعدل عن الحقيقة إليه إلا لمعان ثلاثة هي: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت هذه الأوصاف الثلاثة كانت الحقيقة
ص: 26
البتة»(1)، وقال الحسن بن بشر الآمدي (ت: 370 ه) في هذا الصدد: «الكلام إنما هو مبني على الفائدة في حقيقته ومجازه»(2).
وكان علي بن عيسى الرماني، وهو ممن عاصر ابن جني، ينظر إلى الاستعارة باعتبارها استعمالاً مجازياً، وعدّها أحد أقسام البلاغة العشرة، واكتفى بذكرها عن ذكر المجاز، مما يعني أنه يرى فيها بأنها قسيمة للحقيقة مجازاً وذلك في صريح قوله: «وكل استعارة حسنة فهي توجب بيان ما لا تنوب منابه الحقيقة، وذلك أنه لو كان تقوم مقامه الحقيقة، كانت أولى به، ولم تجز، وكل استعارة فلا بد لها من حقيقة، وهي أصل الدلالة على المعنى... ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة على جهة البلاغة»(3).
وقد لحظ الرماني المجاز بإطاره البلاغي العام، فكل ما كان غير حقيقي سواء أكان استعارة أم مجازا فهو استعمال مجازي، ويمثّل لهذا بعشرات الآيات القرآنية، ويعطي المعنى الحقيقي والمجازي للكلام شأنه شأن من سبقه إلى النظرة نفسها، ففي قوله تعالى: «وَلَّما سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ»(4)قال الرماني فيها: «وحقيقته انتفاء الغضب، والاستعارة أبلغ لأنه انتفى انتفاء مراصد بالعودة، فهو كالسكوت على مراصدة الكلام بما توجبه الحكمة في الحال، فانتفى الغضب بالسكوت عما يكره والمعنى الجامع بينهما الإمساك
ص: 27
عما يكره»(1).
فالرماني الذي يعبر عن المجاز بالاستعارة، ويضع الاستعارة في التطبيق موضع البحث، إنما ينظر إليها باعتبارها عملاً مجازياً يستدل به على المجاز في القرآن ، ودلائل إعجازه في آن واحد.
وكما يبدو أن نظرة البلاغيين في القرن الرابع من الهجرة تتحد مع هذا المقياس بإطاره العام، فقد أشار أبو هلال العسكري إلى المجاز بمعناه الواسع ونظر له من خلال آيات القرآن الكريم في صنوف الاستعارات القرآنية، وقد أوضح رأيه في ذلك بقوله: «ولا بد لكل استعارة ومجاز من حقيقة، وهي أصل الدلالة على المعنى في اللغة»(2).
وقد ألف الشريف الرضي كتابين في المجاز لهما أهمية نقدية وبلاغية في البحث البياني في القرآن وعند العرب وهما: (تلخيص البيان في مجازات القرآن، والمجازات النبوية)، وكان إطلاق المجاز في هذين الأثرين يشمل الاستعارة، والتشبيه، والتمثيل والمجاز نفسه، لكنه في عرضه الاصطلاحي أضيق دائرة مما توسع فيه الجاحظ، وأكثر عموم عند الرماني، وابن جني، والوقوف به عند الاستعارة عند أبي هلال، وقد ذكر ابن رشيق القيرواني (ت: 456 ه): «ن العرب كثيرا ما تستعمل المجاز وتعده من مفاخر كلامها»)(3)، ونظرته في هذا نظرة من سبقه في المعنى العام.
ص: 28
إذن فمن الملاحظ أن مصطلح المجاز أصيل ومتجذر من ناحيتين وذلك باستعمال النقاد والبلاغيين العرب له من قبل أن تتضح دلالته الاصطلاحية الدقيقة من جهه، ولوروده في المفاهيم البيانية واللغوية والتفسيرية بمعنى يقابل الحقيقة من جهة أخرى، وإن اشتمل على جملة من أنواع البيان، أو قصدت به الاستعارة باعتبارها تقابل الحقيقة لأنها استعمال مجازي.
ثم بدأت مرحلة التأصيل للمجاز لدى ابن قتيبة، فهو سباقٌ إلى بحث المجاز في القرآن في كتابه (تأويل مشكل القرآن)، فأشار منذ عهد مبكر إلى مسألة الطعن في وقوع المجاز في القرآن، ومناقشته ذلك ورده على المشككين بالموروث المجازي عند العرب وفي القرآن الكريم، وأورد مفردات علم المعاني، والبيان في صدر كتابه بأسمائها الاصطلاحية الدقيقة التي تعارف عليها المتأخرون عن عصره، وإن استخدم كلمة المجاز بمفهومها العام دون تحديد أنواعه، وزيادة على ما تقدم فقد جعل المجاز قسيماً للحقيقة، لأنه قسم الكلام إلى حقيقة ومجاز، وذهب إلى أن أكثر الكلام إنما يقع في باب الاستعارة، وهذا دليل الدقة في التشخيصة للمجاز(1)، ثم جاء دور الشريف الرضي إذ كتب بحثاً متخصصاً في الموضوع في المجاز اللغوي من القرآن وأنواعه المتشعبة، وهو يؤكد فيه على الاستعارة(2).
وبعده أتى الشيخ عبد القاهر الجرجاني فسلط الأضواء على المجاز حتى بلغ البحث الجازي على يديه مرحلة قمة النضج، والتجديد، كما ذكرنا سلفاً فعاد كلاً
ص: 29
منسجماً، وقالباً واحداً متجانساً بالمعنى الاصطلاحي الدقيق لمفهوم المجاز، فقسم المجاز إلى نوعين: مجاز عن طريق اللغة، وهو المجاز اللغوي، ومحوره الاستعارة والكلمة المفردة، ومجاز عن طريق المعنى والمعقول، وهو المجاز الحكمي، وتوصف به الجمل في التأليف والإسناد، وقد فرّق بين المجاز العقلي واللغوي في الحدود والاستعمال والإرادة(1)، وقال: «أنه إذا وقع في الإثبات فهو متلقى من العقل، وإذا عرض في المثبت فهو متلقى من اللغة»(2).
ويقول فتحي أحمد عامر في هذا الصدد: «وكل من المجازين اللغوي والعقلي لا يدرك إلا في التركيب، ووراء كل منهما معان غير ما يفهم من تكوين الجملة النحوي في الإيحاءات النفسية التي يستند إليها التصوير القرآني»(3).
وهذا التقسيم لم يكن واضحا بدقته هذه قبل عبد القاهر بل كان المجاز بأكمله يشمل صور البيان عامة، وقد يتخصص بالاستعارة والمجاز كما هو الحال عند الشريف الرضي، وقد استنار بهذه التسمية كل من فخر الدين الرازي (ت: 606 ه)، وأبي يعقوب السكاكي (ت: 626 ه) وقد نسخا رأي عبد القاهر نسخاً حرفياً.
وأتى محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538 ه) بعد ابن قتيبة، والشريف الرضي، والجرجاني فاغترف من بحورهم، وأضاف، وتوسع؛ فأوصلوا جميعهم مجاز القرآن إلى مرحلة التأصيل، حتى أصبح المجاز علماً قائماً يشار إليه بالبنان بين فنون اللغة العربية.
ص: 30
ولكي لا نغفل جهود العلماء الآخرين ارتأيت ذكر إنجازاتهم في إشارات قصيرة على ما قدموا للغة العربية من جهود جبارة، فقد وُجدت لمحات مجازية عند أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت: 406 ه) في (التبيان)، وعند السيد المرتضى (ت: 436 ه) في (أماليه غرر الفوائد ودرر القلائد)، وعند أبي علي الطبرسي (ت: 548 ه) في (مجمع البيان)، وعند فخر لدين الرازي في (مفاتيح الغيب)، وعند أمثالهم من الأكابر، ولكنها لا تشكل عملا مجازياً تكاملياً كما هو الحال في (الكشاف) عند الزمحشري وإنما كان بصورة عامة بعيدة عن الجزئيات والتفصيل.
وأما الحديث عن ابن رشيق (ت: 463 ه) في (العمدة)، وابن سنان (ت: 466 ه) في (سرالفصاحة)، وابن الأثير (ت: 637 ه) في (المثل السائر)، وابن الزملكاني (ت: 651 ه) في كل من (البرهان)، و (التبيان)، وابن أبي الأصبع (ت: 654 ه) في (بديع القرآن)، وسليمان بن علي الطوفي البغدادي (ت: 716 ه) في (الأكسير في علم التفسير)، وشهاب الدين محمود الحلبي (ت: 725 ه) في (حسن التوسل)، ويحيى بن حمزة العلوي (ت: 749 ه) في (الطراز) المتضمن لأسرار البلاغة، و (علوم حقائق الإعجاز)، وبدر الدين الزركشي (ت: 794 ه) في (البرهان)، وجلال الدين السيوطي(ت: 911 ه) في (الاتقان)، وأمثالهم من جهابذة البلاغيين والنقاد القدامى والتراثيين، فلهم في المجاز نظرات متفاوتة تختلف من عالم لآخر، إلا أن الملحوظ لديهم الاستناد على أساس متين منه وهو مجاز القرآن، ولكنهم لم يكتبوا فيه كتابا قائما بذاته، أو جهدا موسوعياً كمن ذكرنا سلفاً، بل جاء جزءاً من كل، وتقاطيع في أبواب أي لم يعر الأهمية اللازمة للدرس، والتعميق، والتفصيل، وإنما جاء عابر في طيات كتبهم.
ص: 31
ويتضح لنا من خلال الطرح السابق لأراء العلماء أن كلا من أبي يعقوب السكاكي والخطيب القزويني (ت: 739 ه) وسعد الدين التفتازاني (ت: 791 ه) وأمثالهم من علماء البلاغة كالسبكي، والطيبي، قد كرسوا جهودهم في الحديث عن المجاز في البيان العربي على التمثل والاستشهاد والتنظير خطوة بخطوة، وذلك بآيات المجاز في القرآن، فكان القرآن دليلهم، وسراجهم الذي يهتدون بنوره للكشف عن المجاز وتصنيفه.
ولا بد من الإشارة إلى «ما قدمه أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الأندلسي (ت: 754 ه) في تفسيره (البحر المحيط) من جهد متميز يقتفي فيه آثار الشريف الرضي، والزمخشري في تتبع اللمسات البلاغية في القرآن، والتأكيد عليه كفنٍ بلاغيّ بيانيّ، وبذلك فهو مشارك مشاركة جيدة في هذا السبق دون ابتكار أو تزيد»(1).
وعندما نسلط الضوء على دراسات المحدثين في المجاز يبرز لنا في أواخر الربع الأول من القرن العشرين الأستاذ العلامة الشيخ أمين الخولي - رحمه الله -، كان له أثره الكبير في قلب المفاهيم التدريسية، ونقد المناهج العلمية، وتجديد الأساليب التفسيرية والبلاغية؛ فهو أستاذ البلاغة وهو من شيوخ المدرسة القديمة، وقد وضع خطةً لتطويرها، ورسم منهجاً في تجديد معالمها، ورسم طريقاً واضحاً لإغناء درسها، وقد فتح بهذا الباب للبلاغة المتطورة في ضوء القرآن الكريم على مصراعيها، فكانت رسائل الماجستير، والدكتوراه بداية عصر جديد في النهضة العلمية في الجامعات العربية، إذ اتخذت القرآن منهجاً وأساساً لاستنباط شتى مقومات البلاغة العربية
ص: 32
وإرساء أسسها للدارسين والمطالعين.
حيث يذكر في كتابه: «فدخلت ميدان التجديد الأول، على خبرة به، ورأي ثابت عنه، وخطة بينة فيه، أدرت عليها عملي في درس البلاغة وسواها... طفقت أتعرف معالم الدراسة الفنية الحديثة عامة، والأدبي منها خاصة، وأرجع إلى كل ما يجدي في ذلك، من عمل الغربيين وكتبهم، وأوازن بينه وبين صنيع أسلافنا، وأبناء عصرنا في هذا كله.... وكانت نظرتي إلى القديم دافعة إلى التأمل الناقد فيه، وإلى العناية بتاريخ هذه البلاغة، أسأله عن خطوات سيرها، ومتعرجات طريقها، أستعين بذلك على تبين عقدها، وتفهم مشكلاتها، ومعرفة أوجه الحاجة إلى الإصلاح فيها، وبذلك كانت الطريقة التاريخية، مع الاستفادة بالحديث»(1).
وحذت حذوه واقتفت أثره الباحثة الدكتورة عائشة عبد الرحمن - بنت الشاطئ - في منهج التفسير الأدبي للنص القرآني، فتقول: «فكنت كلما اجتليت باهر أسراره البيانية، ألفيت من الصعب أقدمه على النحو الذي يفي بجلالها، وتهيبت أن أؤدي بالمألوف من تعبيرنا، أسرارا من البيان المعجز تدق وتشف، حتى لتجل عن الوصف، وتبدو كلماتنا حيالها عاجزة صماء»(2).
ولقد استفادت المكتبة القرآنية بالإضافة للمكتبة العربية من هذا المنحى الجديد - على يد علماء متخصصين - لدراسات المحدثين في بلاغة القرآن، منهم الدكتور
ص: 33
أحمد عبد الستار الجواري، وقد ألف في معاني النحو والقرآن معاً، والدكتور جميل سعيد - عضو المجمع العلمي العراقي - وقد عني بتدريس إعجاز القرآن وتصوير أبعاده الفنية والجمالية، وماحققه الدكتور مصطفى صادق الرافعي في كتاباته عن إعجاز القرآن، فقد كان من الرواد في بدايات النهضة الأدبية لهذا القرن، وإلى ماأنتجه بأصالة وعمق الدكتور بدوي أحمد طبانه في كتاباته البيانية المتشعبة، وما قدمه الدكتور مصطفى الصاوي الجويني في متابعاته البلاغية والتفسيرية والخدمات القرآنية، والسيد قطب في كل من ظلال القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن، والتصوير الفني في القرآن، وما أضافه الدكتور محمد عبد الله دراز في الشؤون الإعجازية والقرآنية، وما حققه الدكتور محمد المبارك في منهل الأدب الخالد، وإلى ما اكتشفه الأستاذ مالك بن نبي في الظاهرة القرآنية، والدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه من بلاغة القرآن، والدكتور بكري الشيخ أمين في التعبير الفني في القرآن، والدكتور أحمد مطلوب حيث قال عنه الدكتور محمد حسين الصغير: «يعتبر من شيوخ الصناعة اليوم، فقد تعقب في كتبه البلاغية كل أصناف البلاغة القرآنية، حتى يكاد لا يستشهد في نظرياته التطبيقية وآرائه البيانية، وتقسيماته للبلاغة العربية إلا بآيات القرآن الكريم باعتباره نصاً إلهياً مقدساً من وجه، وباعتباره كتاب العربية الأكبر من وجه أخرى»(1).
وبعد كل ما أوردناه من أراء العلماء الأجلاء القدماء والمحدثين، حول وجود المجاز من عدمه، والرجوع للقرآن الكريم كمصدر أساس لهذا البحث المتجذر، ولابد من الوقوف على المعنى الذي تمخض عن ذلك كله للوصول لمفهموم المجاز من حيث اللغة والاصطلاح.
ص: 34
لم يتحدد مصطلح المجاز عند اللغويين القدماء بمدلوله الذي عرف به فيما بعد، وقد وردت لفظة المجاز في معجم العين، فاكتفى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 170 ه) في تفسيرها بالقول: «المجاز المصدر والموضع»(1).
ويبدو أن المعنى الاصطلاحي لحقيقة المجاز مستمد من الأصل اللغوي، فلقد نقل ابن منظور (ت: 711 ه)، والفيروز آبادي قول اللغويين: «جزت الطريق، وجاز الموضع جوازاً ومجازاً سار فيه وسلكه، وجاوزت الموضع بمعنى جزته، والمجاز والمجازة الموضع»، والمجاز مفعل واشتقاقه من الجواز وهو التعدي من قولهم: «جزت موضع كذا إذا تعديته، سمي به المجاز الآتي ذكره؛ لإنه جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه»(2).
وكان عبد القادر الجرجاني قد كشف العلاقة بين اللغة والاصطلاح في اشتقاق لفظ المجاز، فالمجاز عنده: «مَفَّعلٌ من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه، وإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة، ووصف بأنه مجاز على معنى أنهم جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز هو مكان الذي وضع به أولا»(3)، ثم حدد العلاقة بين الأصل والفرع في عملية العدول عن أصل اللغة، أو النقل الذي يثبت إرادة المجاز لهذا اللفظ أو ذاك دون الاستعمال الحقيقي فيقول: «أن في إطلاق المجاز على اللفظ المنقول عن أصله
ص: 35
شرطاً؛ وهو أن الاسم يقع لما تقول أنه مجاز فيه بسبب بينه وبين الذي تجعله فيه»(1).
ثم يعود ليؤكد المناسبة القائمة بين اللغة والاصطلاح في اشتقاق المجاز، متناولاً قضية الوضع الحقيقي وتجاوزه، وهذا التعقيب لرأي عبد القاهر في الموضوع ليس عشوائيا أو جزافياً، بل منطلقاً من اعتبار عبد القاهر مرجعاً في هذا النص، ومصدراً من مصادر التفريق بين الجزئيات المتقاربة في الحدود، والتعريفات، والمفاهيم، ومتمرساً وضليعاً في اكتشاف ما بين الأصول، والفروع من علاقات.
ويذهب أبو يعقوب السكاكي إلى أن التحديد الاصطلاحي للمجاز نابع من الأصل اللغوي، فيقول: «المجاز هنا هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالاً في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناه في ذلك النوع»(2)، وهذا التحديد - كما نراه - لا يخلو من بعد منطقي في التعبير، وأثر علم المنطق واضح في تخريجات السكاكي في هذا وسواه.
ويبدو أن اللغويين والبلاغيين معاً، لم يأتوا بجديد في الموضوع، وإنما تمايزوا بالأداء المختلف، واتفقوا على الأصل، وقد سبقهم أبو الفتح عثمان بن جني في التوصل إلى كنه هذا الأصل حينما عرف الحقيقة ببساطة، وحدد المجاز بما يقابلها بقوله: «فالحقيقة ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، والمجاز ما كان بضد ذلك »(3).
ولابد مِنْ وجود علاقة قائمة بين التعريف لغة واصطلاحاً؛ وذلك لتقارب المعنى اللغوي للمعنى الاصطلاحي، وانبثاق الحد الاصطلاحي عنه، وهو الاجتياز
ص: 36
والتخطي من موضع إلى آخر، وهذا ما يكشف عن سر العلاقة المدعاة بين استعمال المجاز لغة واستعماله اصطلاحاً، فكما يجتاز الإنسان، ويتنقل في خطاه من موضع إلى آخر، فكذلك تجتاز الكلمة وتتخطى حدودها من موقع إلى آخر، ويتجاوز اللفظ من معنى إلى معنى آخر، مع إرادة المعنى الجديد بقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي؛ فيكون أصل الوضع باقياً على معناه اللغوي، والنقل إضافة معنى جديد مستحدث.
وبهذا يبدو لنا «أن المجاز يتضمن عملية تطوير لدلالة اللفظ المنقول المعنى، وتحميله المعنى المستحدث بما لا يستوعبه اللفظ نفسه لو ترك وأصل وضعه الحقيقي، وكان التحرر من الضيق اللفظي، والانطلاق في مجالات الخيال، والتأثر بالوجدان، والحنين إلى العاطفة الصادقة، والاتساع في اللغة، والتوجه نحو الحياة الحرة أساس هذا الاستعمال، فراراً من الجمود اللفظي، وتهرباً من التقوقع في فلك واحد، وحول محور واحد، وهو دليل واضح على اتساع اللغة العربية، وإمكانية استيعابها للعديد من المعاني المستحدثة»(1).
وفي ضوء هذا الفهم الجديد، فإن ما يقال عن المجاز بأنه متقاربات، توحي بالمعاني الجديدة، فإنه ينطبق على التشبيه والاستعارة باعتبار هما استعمالين مجازيين، مع وجود العلاقة الدالة على المعنى الجديد، وليس هذا الفهم جديداً، بل هو مفهوم الأوائل لاستعمال المجاز، فالجاحظ كمعاصريه يعبر عن الاستعارة والتشبيه والتمثيل جميعاً بالمجاز كما ذكرنا سلفاً؛ فهو إطلاقاً عاماً بعيداً عن التخصيص، ويبدو هذا واضحاً في أغلب استعمالاته البيانية التي يطلق عليها اسم المجاز، «وهي عبارة عن مجموعة العناصر البلاغية في النص الأدبي التي تكون المفهوم النقدي الحديث للصور
ص: 37
الفنية»(1).
وهذا بطبيعة الحال لا يعتبر رجوعاً إلى الوراء في التماس الحقائق، ولكنه إفادة موضوعية من القديم لرصد الجديد وتحقيقه، لذلك فقد يلتبس الأمر بين المجاز والتشبيه والاستعارة، و التمييز الدقيق هو الذي يفصل ويفرق بين هذه الظواهر البيانية المتقاربة والمتجاورة، وذلك بالنظر إلى كلام العرب عن قرب؛ فإن أردنا منه التوسع المطلق فهو المجاز، وإن أريد فيه التشبيه التام بذكر أركانه الأربعة - المشبه والمشبه به وأداة التشبيه و وجه الشبه - أو حذف أداة التشبيه مع ذكر وجه الشبه، أو انعدام أوجه التشبيه من جهة وتوافقه من جهة أخرى مع ذكر أداة التشبيه، أو حذفهما معا فهو التشبيه دون شك، وإن أريد التشبيه وحذف أحد طرفيه فهو الاستعارة(2).
وينقسم المجاز إلى قسمين: لغويّ وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة؛ بمعنى مناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، ويكون الاستعمال لقرينة مانعةمن إرادة المعنى الحقيقي، وهي قد تكون لفظيّة، وقد تكون حاليّة وهي الشرط الأساسي للتجوز، وكلّما أطلق المجاز انصرف إلى هذا المجاز وهو المجاز اللغوي، وعقلي وهو يجري في الإسناد؛ بمعنى أن يكون الإسناد إلى غير من هو له، ويتمّ ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلى من هو له(3).
ص: 38
إذن فالتحديد المانع هو الذي يقتضي الفصل بين هذه المتقاربات، لأن في المجاز توسعاً ونقلاً وتجوزاً في الألفاظ يختلف عما في التشبيه، مع قرينة إما لفظية أو حالية تمنع من إرادة المعنى الأصلي للفظ المضاف، وبالنسبة لأنواع القسم الأول - المجاز اللغوي - وهو مايهمنا في هذا البحث سيتم البحث فيها لاحقا حسب متطلبات الدراسة.
ولقد جمع هذا الفصل عدداً ليس باليسير من أقوال القدامى والمحدثين حول المجاز، وعلى هذا فالمجاز حدث لغوي فضلاً عن كونه عنصراً بلاغياً يقدح العقل، ويخرج مكنوناته، ويفيض بالعطاء، وهذا الحدث يفسر لنا تطور اللغة العربية الفصحى بتطور دلالة ألفاظها على المعاني الجديدة، وفي عملية ابتكارها لا يمكن إدراكها إلا بالتعبير عنها، والتصوير اللفظي لها، وذلك لا يتحدد بزمن أو بيئة أو إقليم، وإنما هو متسع للغة العربية في عصورها المختلفة، وتنقلها فتتخطي حدودها الجغرافية إلى بقاع الأرض المختلفة، والمجاز خير وسيلة للتعبير عن هذا الاتساع بما يضيفه من قرائن، وعلاقات لغوية جديدة، ومبتكرة توازن بين الألفاظ والمعاني في الشكل والمضمون، وتلائم بين عمليتي الإبداع والتجديد في دلالة اللفظ الواحد للخروج باللغة إلى ميدان واسع، ولما كان نهج البلاغة هو المرجع بعد القران الكريم، وكلام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) فصاحة وبلاغة كان المجاز فيه أحد قسيمي الكلام، وهما: الحقيقة والمجاز، وسنرصد في الصفحات التالية وقوعه في كلام
ص: 39
الإمام علي (عليه السلام).
فإذا وقفنا عند هذا المعلم - المجاز اللغوي - في نهج البلاغة وجدنا من خلاله:
إحياء للغة، وأُنساً للناس، وعِلماً لذوي النهى، وصيانة للجوارح، وتفكُّراً في خلق البارئ عز وجل، والوقوف على الحشر والنشر، والتفكر في الأولى و الآخرة، ومن الملاحظ فيه اقتران الغرض البلاغي بالغرض الديني، وهذا الاقتران له الأثر البالغ على الفكر الإسلامي عامة، والفكر الشيعي(1)على وجه الخصوص.
ص: 40
ص: 41
ص: 42
يُعد المجاز المرسل ضرباً من ضروب التوسع في أساليب اللغة، وفناً من فنون الإيجاز في القول والتذوق الفني، ورسم المعالم، والعلاقات، وتحليلها، وهو اللفظ المستعمل بقرينة في خلاف معناه اللغوي لعلاقة غير المشابهة(1)، ولا بُد من وجود قرينة ملفوظة، أو ملحوظة تدل على إرادة المعنى الحقيقي.
«وسمي مرسلا لإطلاقه عن التقييد بعلاقة واحدة مخصصة(2)- أي متعدد العلاقات - أو لأنه أرسل عن دعوى الاتحاد المعتبرة في الاستعارة القائمة على الاتحاد بين المستعار منه والمستعار له»(3).
«ومهمة المجاز المرسل مهمة لغوية، فاللفظ هو اللفظ، والمعنى لذلك اللفظ لغة المعنى نفسه، إلا أنه في دلالته الثانوية حينما يراد به نجده قد انتقل بتطور ذهني، وبتصور متبادر إليه في السياق، فهو في حالته الأولى لم يتغير معناه الحقيقي، وإنما بقي على ما هو عليه، وقد كانت القرينة هي الصارفة عن هذا المعنى إلى سواه في الاستعمال المجازي، سواء كانت القرينة حالية أو مقالية»(4) والمجاز من الوسائل التي تساعد على بلاغة التعبير وعلى جماله، وحُسن وقوعه
ص: 43
في نفوس المتذوقين له، فهو نقلة نوعية لمدلول اللفظ، تكون أكثر اتساعاً، وأبعد أفقاً، وأكثر تأملاً.
وتقوم الدراسة في هذا الفصل بتسليط الضوء على المجاز المرسل في كتاب نهج البلاغة وفق أقسام المجاز المرسل عند القدامى والمحدثين، فنحن الآن نغوص في بحر واسع بين مفردات اللغة العربية وتركيباتها، على زوارق المشاعر والأحاسيس من شاطئ لآخر، فترسو تلك الزوارق على مفردات جديدة، ومجازات مبتكرة، في نهج البلاغة، وهذا ما أحاول غربلته في هذا الفصل، وهو ينقسم إلى قسمين:
عن الإمام فخر الرازي: «أحدها الصوري كتسميتهم القدرة يد، والثاني الغائي كتسميتهم العنب بالخمر، والثالث القابلی كقولهم سال الوادي، والرابع الفاعلي كإطلاق اسم النظر الذي هو تقليب الحدقة نحو المرئي على الرؤية كقولك نظرته أي رأيته».
ومنْ قول للإمام علي - عليه السلام - جمع فيه الأسباب الأربعة للعلاقة السببية عند تلاوته: «رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ»(1): «إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ(2)جِلَاءً(3)لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ(4)، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْغَشْوَةِ(5)، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الُمعَانَدَةِ...»(6).
يتكلم الإمام علي - عليه السلام - هنا عن الذكر وفضيلته وفائدته إشارة للقرآن
ص: 45
الكريم، وإلى التسبيح والتكبير والثناء على الله؛ فهو يؤنس القلوب، وقد يكون في بادئ الأمر متكلفاً، ولكنه بالمداومة يؤنس به الذاكر، وينغرس في قلبه حب المذكور، فيصل إلى درجة العشق الإلهي، فيتبصر العاشق بذكر من يحب فلا يقر له قرار بدونه ويكثر من ذكره.
ولقد تجوز الإمام بلفظ السمع في إقبال النفس على ما ينبغي أن يسمع من أوامر الله ونواهيه، وسائر كلامه؛ فالسبب هنا صوري، والوقرة على إعراضه عنها فالسبب غائي، وكذلك بلفظ البصر في إدراكها للحقائق وما ينبغي لها فالسبب فاعلي، ولفظ الغشوة لعدم ذلك الإدراك لسبب قابلي إطلاقا في المجازات الأربعة لاسم السبب على المسبب، وانقياد النفس للحق جل وعلا بعد المعاندة والانحراف عن هذا الطريق، والقرينة هنا ملحوظة تفهم من السياق، ونأتي بتفصيل هذه العلاقة بأسبابها الأربعة في صور متفرقة كالتالي:
قول الإمام علي - عليه السلام - في رسول الله وأهل بيته: «الَحمْدُ للهِ النَّاشِرِفِي الَخلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالُجودِ يَدَهُ، نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ،..»(1).
نفهم من قوله: «.. وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالْجُودِ يَدَهُ..» بأن اليد هي النعمة، وأطلق عليها لفظ اليد مجازاً لتقديس هذه الجارحة؛ ولكون اليد هي مصدر العطاء والنعم، وهي الوسيلة في كل عمل خيراً كان أم شراً، وتقدم الفضل وتعين على المشقات وفي نفس الوقت هي أداة للشر تأتي بالموبقات والآثام، ولكننا من خلال العقل عرفنا
ص: 46
بأن المقصود باليد هنا النعم والخير دون أن يتطرق خيالنا إلى اليد الحقيقية، ولو كان ذلك لتصورنا بأن لله جل شأنه يد يبسطها، والقرينة الدالة على أن كلمة اليد مجازية ملحوظة من خلال العقل السليم.
ونحو حلْف كتبه - عليه السلام - بين اليمن وربيعة نُقل من خط هشام بن الكلبي: «هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْيَمَنِ حَاضِرُهَا(1)وَبَادِيَها(2)، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَاوَبَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ الله يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُونَ بِهِ، وَيُحِيبُونَ مَنْ دَعَا إلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً، وَلاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً، وَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَی مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَتَرَكَهُ، أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْض،...»(3)..
يصف الإمام أهل اليمن ويقول بأنهم اجتمعوا على كتاب الله، وهم لازمون له عاملون به، وأطلق اسم اليَدٌ الوَاحِدَةٌ على المتعاون مجازاً إطلاقاً لاسم السبب على المُسبب. أي يتعاونون على من خالفه وتركه، ويناصرون بعضهم بعضاً، فلاينقضون عهدهم لكون القبيلة الأخرى استذلّت قومهم أو سبتهم.
وقال - عليه السلام -: «أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ(4)عَثَرَاتِهِمْ(5)، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلَّا وَيَدُهُ بِيَدِ اللهِ يَرْفَعُهُ»(6)، رغب الإمام في إقالة عثرات ذوي المروءات بذكر عون يد الله
ص: 47
بأيديهم يرفعهم، فلفظ اليد هنا لغرض مجازي، وهو عناية الله وقدرته، وتدارك حاله يكون بيد الله يرفعه، وذلك لكون المروءة فضيلة عظيمة يستجلب بها همم الخلق، وقلوبهم ومساعداتهم، وبحسب ذلك يكون استعداد العاثر من ذوي المروّءات لعناية الله، وقيامه من عثرته وهي كما سبقها إطلاقاً لاسم السبب على المُسبب.
من خطبة له - عليه السلام - في الوصية بالتقوى وتخويف الموت والتحذير من الدنيا: «فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ منْ كلِّ مَلَكَة(1)، وَنَجَاةٌ مِنْ كلِّ هَلَكَة(2)، بَهِا يَنْجَحُ الطَّالِبُ، وَيَنْجُو الَهْا رِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ،....(3)» استخدم الإمام علي لفظ العتق لخلاص النفس من استيلاء الشياطين عليها، والعتق أساسا مستخدمة لخلاص العبد من استيلاء سيده، ثم جعل التقوى نفسها عتقاً من موبقات الشياطين مجازاً إطلاق لاسم السبب على المُسبب لأن التقوى سبباً لذلك الخلاص، ونجاة من كل هلكة أطلق عليها لفظ النجاة مجازاً كالعتق لكونها سبباً لنجاة الناس من المهلكات الأخروية والعقوبات والآثام الدنيوية.
ومن كلام له - عليه السلام - قاله بعد تلاوته «أَلَهْاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ
ص: 48
الَمْقَابِرَ»(1): «.. فَكَمْ أَكَلَتِ الأرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَد، وَأَنِيقِ(2)لَوْن، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ(3)تَرَف، وَرَبِيبَ(4)شَرف! يَتَعَلَّل(5)بالسُرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَی السَّلْوَةِ(6)...»(7).
أطلق الإمام علي - عليه السلام - لفظ السلوة على الدنيا التي تسليه، وتضحكه عن المصيبة النازلة به إلى ما يسره منها من ملذات ومغريات، وإقبالها عليه وغاية المبتهج بالشيء أن يضحك له إطلاقاً لاسم السبب الغائي على مسببه.
يأمر الإمام هاهنا بالنظر إلى قصير أيام حياة المرء، وقلة مقامه في منزل يستلزم الانتقال منه بعد مدة قصيرة إلى منزل آخر، وهو المنزل الأخروي فلابد أن يعمل له، وأطلق لفظ النظر وهو تقليب الحدقة بقول فلينظر مجازا عن الرؤية وإدراك الحقائق.
ونحو قوله في خطبة له في بيان قدرة الله وانفراده بالعظمة وأمر البعث: «كُلُّ شَيْء خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَیْء قَائِمٌ بِهِ غِنى كُلِّ فَقِير... »(1).
المقصود بالفقر هنا مطلق الحاجة وليس الفقر المتعارف عليه فيما بيننا، والغنى هو سلب مطلق الحاجة، والله هو رافع حاجة كل موجود بل كل ممكن، وهو جل شأنه غنى كل محتاج إطلاقاً لاسم السبب الفاعلي على المُسبب.
قوله - عليه السلام - في مزايا التقوى ووصف دين الإسلام ثم حال بعث النبي ثم وصف القرآن: «... ثُمَّ إِنَّ هذَا الإسْلاَمَ دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسهِ، وَاصْطَنَعَهُ عَلى عَيْنِهِ، وَأَصْفَاهُ خِيْرَةَ خَلْقِهِ(2)، وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلیَ مَحَبَّتِهِ، أَذَلَّ الْادْيَانَ بِعِزّه، وَوَضَعَ الِمْلَلَ بِرَفْعِهِ، وَأَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ، وَخَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ،..»(3).
يبين الإمام فضل الإسلام، واصطفاءه واختياره من الله لذاته؛ ليكون طريقاً لمعرفته عز وجل ونيل ثوابه، واصطفى له من خلقه محمداً وآله، وأقام دعائمه على محبته، وذل الأديان بعزه يعود على عدم الاتفاق أوالركون إليها، مجازاً من باب
ص: 50
إطلاق السبب القابلي على المسبب أي ذلة أهلها، وكذلك إطلاق لفظ وضع الملل برفعه؛ أي وضع أصحاب الملل، وكما في قوله إهانة أعدائه وهم المشركون والمكذبون من الملل السابقة بالقتل ودفع الجزية والصغار لهم، وكرامته إجلاله أهله وتعظيمهم في النفوس، وخذل معاديه بنصره أي بنصر أهله، واستطاع الإمام من خلال هذه الألفاظ المجازية الوصل إلى ذهن المتلقي، فقد ذكر ابن رشيق بأن:» المجاز في كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعاً في القلوب والأسماع «(1)، ولم يكتفِ الإمام بالمجاز بل أتى بالقرائن الأربعة متضادة العز للذل، والرفع للوضع، والكرامة للإهانة، والنصر للخذلان وبهذا يصل الإمام بالعبارة إلى أعلى مراتب الجمال اللغوي بمزج البيان بالبديع، ولقد جاءت مجازاته مشحونة بالإيحاءات التى لاتكاد تصل إلى المسامع حتى تخترق القلوب وتؤثر في النفوس بطريقة فنية ونفسية وبكل أريحية.
ومن خطبة له يصف فيها المنافقين:»... وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاضَ إِلَی رِضْوَانِ اللهِ كُلَّ غَمْرَة(2)، وَتَجَرَّعَ فيِهِ كُلَّ غُصَّة(3)، وَقَدْ تَلَوَّنَ(4)لَه الأدْنَوْنَ، وَتَأَلَّب عَلَيْهِ الاْقْصَوْنَ(5)وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا، وَضَرَبَتْ إِلیَ مَحُارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا، حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَواَتَها...»(6).
ص: 51
يبين لنا الإمام كيف أن حروب الدنيا وشرورها هي ثمرة العداوة؛ فأطلق لفظ العداوة على الحرب مجازاً، لبيان هول ما لقى الرسول من أذى قريش في أول دعوته؛ وكأنه في ساحة قتال حتى نصره الله وأكرمه، وأيد دينه وأظهره فقد انتقل باللفظ إلى لفظ مجازي آخر لعلاقة غير المشابهة من غير تكلف، وبين بشاعة العدواة في أدق صورة.
وقال - عليه السلام - من وصية له لأبنه الحسن بن علي:».. وَتَلاَفِيكَ(1)مَا فَرَطَ(2)مِنْ صَمْتِكَ أيْسُرَ مِنْ إدْرَاككِ مَا فَاتَ(3).. وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيٌر مِنَ الطَّلَبِ إِلَی النَّاسِ...»(4).
يوصي الإمام ابنه الحسن وينبهه بحفظ مافي يده من المال الذي ينبغي، وهو الوسطية بين التبذير والبخل، بالإضافة لقطع الطمع واليأس عما في أيدي الناس، وأطلق الإمام لفظ المرارة على الألم الذي تجده النفس بسبب اليأس من المطالب إطلاقاً لاسم السبب على المسبب، وكونه خيراً لما يستلزمه من إكرام النفس عن ذل السؤال، ورذيلة المهانة.
ومن خطبة له - عليه السلام - يذكر فيها آل محمد عليهم السلام: «هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ،،..»(5).
ص: 52
يصف آل البيت ها هنا بأنهم عيش العلم أي حياته، وجعل للعلم حياة ملاحظة لشبهه بالحي في وجوده والانتفاع به؛ فأطلق عليهم لفظ الحياة مجازاً، وكذلك قوله موت الجهل جعل للجهل موتاً باعتبار عدمه بهم وهم سبب له.
بأن يستعمل المسبب مراداً به السبب مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي(1).
قال - عليه السلام - في خطبته المعروفة بخطبة الأشباح، في صفة الأرض ودحوها على الماء: «... حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَاب تُحْيِي مَوَاتَهَا(2)، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَا مَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمعِهَ(3)وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ(4)..»(5).
يبين عظمة خلق الله من خلال الألفاظ المجازية فذكر السحاب وهو يريد المطر لكون السحاب مسبباً لنزول المطر، وبالتالي المسبب في إحياء الموتى - أي الجياع - واستخراج النبات، وأسند لفظ الإحياء والاستخراج لها.
ومن خطبة له في فضل الإسلام والقرآن: «... فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ،
ص: 53
وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ...»(1).
أي أن التقوى سبب لجلاء تلك الظلمة المتوهمة من الجهل مجازاً إطلاقا لاسم المسبب على السبب، وكونها نفسها هي الجلاء، واسلوب الإمام هاهنا هو اسلوب قراني كما في الكثير من كلامه، ويقوم على الإيجاز والتكثيف والتركيز، حيث يغني الكلام القليل عن الكثير، ويخرج العبارات قوية بعيدة عن التكلف.
ونلاحظ من النصوص السابقة ورود العلاقة السببية وانتشارها في كلام الإمام علي - عليه السلام - وتفوقها على العلاقة المُسَبِّبية، وهذا يدلل على النظرة العميقة والرؤية البعيدة التي تميز بها - عليه السلام - ، ولكون الله عزوجل سبب لكل شيء، وهو علة هذا الكون، وجعل لكل شي سبباً.
ولقد تنوعت العلاقة السببية بين ذكر الله والثناء عليه وذكر القرآن، ووصف الرسول وآل البيت عليهم السلام، بالإضافة للتقوى، ومن خلال هذه العلاقة يوصل مايرمي إليه إلى المتلقي مع التأثير والانفعال في دقة متناهية، وألفاظ رصينة تستولي على الأحاسيس، وتعبر عن حالات شعورية مختلفة.
من خطبة له - عليه السلام - في أركان الدين: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الُمْتَوَسِّلُونَ إِلَی اللهِ سُبْحَانَهُ: الاْيِمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالِجْهادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةُ الاْخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الْصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الِمْلَّةُ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَاب،...»(1).
إقامة الصلاة جعلها الملة وإن كانت بعض من أركان الإسلام فأطلق عليها ذلك اللفظ إطلاقا لاسم الكل على الجزء مجازاً، والقرينة الدالة على المجاز عقلية لما لها من فضائل وأسرار، وهي الالتفات إلى الله عز وجل ودحر الشيطان وجنوده.
كما في قوله صوم رمضان، إنما الصوم يكون في نهار رمضان في وقت معلوم وليس الشهر بأكمله ليلهُ ونهاره، وقد أعقب المجاز بتخصيص الصوم بأنه جنة من العقاب مع أن سائر العبادات كذلك، ربما لأنه أشدها وقاية؛ فهو يقهر الشيطان.
ومن كتاب له - عليه السلام - كتبه إلى أهل الأمصار يصف فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: «....وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ(2)، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الإسْلَامِ وَاحِدَةٌ، لَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإيماَنِ(3)باللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله)،...»(4)أراد إظهار الحجة بعد وجوب الاختلاف، وأهل الشام ليسوا هم المعنيين بجمعهم، وإنما نفر من أهل الشام ممن
ص: 55
القوا عليه التهمة والشبهة، فأراد الجزء وذكر الكل ليبين عظم الشيء وأهميته.
بأن يستعمل الجزء مراداً به الكل(1).
قول الإمام - عليه السلام-: «....كأَنَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ(2)بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ(3)، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضُرَّوسِ(4)، وَفَرَشَ الأرْضَ بِالرُّؤُوسِ،،..»(5).
يشير الإمام إلى رجل سيظهر بهذه الصفات واختار له ألفاظ السبع الضاري كناية على شدة قتله(6)، وأطلق لفظ الرؤوس للقتلى ولكون الرأس جزءاً من القتيل، أطلق عليه لفظ الرأس إطلاقا لاسم الجزء على الكل مجازاً.
ونحو قوله في الكعبة المقدسة: «..فَجعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً، ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأرْضِ حَجَراً، وَأَقَلِّ نَتَائِقِ(7)الدُّنْيَا مَدَراً(8)، وَأَضْيَقِ بُطُونِ
ص: 56
الأوْدِيَةِ قُطْراً، بَيْنَ جِبَال خَشِنَة، وَرِمَال دَمِثَة(1)، وَعُيُون وَشِلَة(2)، وَقُرىً مُنْقَطِعَة، لا يَزْكُو(3)بَهِا خُفٌّ(4)وَلَا حَافِرٌ(5)وَلَا ظِلْفٌ(6)،...»(7).
أراد بكونها لاتزكو أي لاتسمن، وتزيد للجذب، وخشونة الأرض، والضمير بها راجع إلى ما دل عليه اللفظ أوعر من الموصوف، فإنه أراد بواد أوعر بقاع الأرض حجرا - أي مكة المكرمة - كقوله على لسان نبي الله: «رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
ص: 57
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ»(1) وذلك وصفا لمكة حيث إنهَّا كانت أقل بقاع الأرض مدرا؛ لأن الحجرية تغلب عليها، والخف والحافر والظلف يريد بهم الإمام الدواب من الجمال والخيل والغنم والبقر، حيث ذكر بعض أجزائها، ولم يذكرها بمسمياتها مجازاً إطلاقاً للجزء على الكل، فعبر عن الحيوان بما رُكّبت عليه قوائمه، وهذه القوائم غير قادرة على المشي فيه بسبب وعورته.
وقال علي - عليه السلام - وقد جاءه نعي الأشتر - رحمه الله-: «مَالكٌ(2) وَمَا مَالِكٌ! وَاللهِ لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً(3)، وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً لَايَرْتَقِيهِ الْحَافِر، وَلاَ يُوفِي عَلَيْهِ(4)الطَّائِرُ...»(5).
صور مالك – رضي الله عنه - بالحجر الصلد الذي لاترقيه حوافر الخيول لعلو شأنه وشموخ مكانته ومنزلته الرفيعة، واستخدم لفظ الْحَافِرُ وهو جزء من الخيل، أو ما شاكلها ولم يقل لا يرتقيه الخيل مجازاً إطلاقا للجزء على الكل، وهذا من بيان اللغة العربية وجمالها.
كما قال عند ملاقاة العدو محاربا - عليه السلام-: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أفْضَتِ(6) الْقُلُوبُ،
ص: 58
وَمُدَّتِ الأعْنَاقُ، وَشَخَصَتِ الأبْصَارُ، وَنُقِلَتِ الأقْدَامُ، وَأُنْضِيَتِ(1) الأبْدَانُ اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ(2)،وَجَاشَتْ(3) مَرَاجِلُ(4)الأضْغَانِ(5)...»(6).
لما كان الإمام يريد الجهاد الخالص لله وعبادته له؛ فلقد أشار بإفضاء القلوب إلى الإخلاص له في تلك الحالة، وبمد الأعناق، وشخوص الأبصار إلى مايستلزمه الإخلاص من الهيئات البدنية، وبنقل الأقدام وأنضاب الأبدان إلى أن ذلك السفر ومايستلزمه من المتاعب إنما هو لوجه الله، ومن أجل مرضاته، مع الشكاية لله عزوجل بما كان مستقرا في قلوب الأعداء من العداوة والبغضاء منذ حياة الرسول، مما فُعل بهم ببدر وأُحد وغير هما من المواطن، فلفظ القلوب، والأعناق، والأبصار، والأقدام، والأبدان يقصد منها المحارب بكل جوارحه، وهي مايتوجه به العبد توجهاً مطلقاً إلى الله، وليس المراد بها كل عضو بمفرده.
وفي خطبة له - عليه السلام - في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس:
«إِنَّ لِكُلِّ دَم ثَائِراً، وَلَكُلِّ حَقٍّ طَالِباً، وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ...»(7).
هنا تهديد لبني أمية بأخذ الله وعقابه، فهو لايعجزه مطلوب، ولايفوته هارب،
ص: 59
وأطلق لفظ الدم للقتيل بغير حق، وكذلك قوله في دِمَائِنَا أي قتلانا للتأكيد على حرمة تلك الدماء المسفوكة، وأتي بالدم مجازاً عن القتيل والقتل.
وقال - عليه السلام -: «كَمْ مِنْ صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الأكْيَاسِ(1) وَإِفْطَارُهُمْ!»(2) أراد بذلك أن يبين أن الإخلال بشرط من شروط الصيام، أوالصلاة، وأهم هذه الشروط التوجه للحق عزوجل، وبدون التوجه تفسد هذه العبادة عند كثير من الخلق بسبب جهلهم لهذا الشرط، فأطلق لفظ القائم أي المصلي ولفظ القيام وأراد الصلاة إطلاقا للجزء على الكل.
نستشف هاهنا بأن العلاقات لاتخلو من المبالغة البديعة، ذات الأثر المجازي الخلاب، فإطلاق الكل على الجزء، والجزء على الكل مبالغة حسنة، وكذلك سيطرة العلاقة الجزئية وتفوقها على العلاقة الكلية في خطاب الإمام علي - عليه السلام - حسب العينة المختارة من كتاب نهج البلاغة، إنما انطلقت في كلامه عن دراية ودقة ووضوح، وفق منظومة إسلامية وآليات اشتغال عقلية مؤسسة على تلك المنظومة، ويعني ذلك أن المصطلحات المستعمله في الخطب السابقة مشتركة يفهمها المتلقي كما يفهمها الخطيب، ويريد من خلالها الخطيب أن يوصل رسائله حول التقوى، ودحر الفتن، وملاقاة الأعداء وتهديدهم، وبيان بشاعة الحروب، وويلاتها وما يترتب عليها، وحنكته في مجال السياسة من خلال سداد رأيه.
ص: 60
(اعتبار ما كان): هو النظر للشيء بما وضع له في الزمان الماضي(1).
كقوله في الخطبة القاصعة - عليه السلام - : «... أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلىَ آدَمَ لأصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.....»(2) الإمام هنا في معرض التوبيخ للتعصب للباطل الذي تثور به الفتن مع أنه ليس لأمر يعرف المنفعة والمصلحة الحاملة عليه، ثم فصل وجوه العصبية فبدأ بإبليس وعصبيته لأصله اعتقاده بلطف جوهره وشرفه، إذ النار أشرف من الطين مع جهله بسر البشرية ووضع آدم على هذه الخلقة وخلقته التي وضع عليها؛ فلذلك فضل نفسه قياسا للفرع على الأصل في الشرف والخسة ولذلك قيل عن الإمام : إنه أول من قاس إبليس، فأطلق لفظ الناري على لسان الشيطان، وهو ماكان عليه في أصل خلقه، ولفظ الطيني على آدم، وهو ماكان عليه عند بدء الخليقة، ثم قارن تلك العصبية بعصبية الأغبياء والجهال من مترفي الأمم لكونهم تلامذة إبليس في العصبية.
ونحو كلام له: روى اليماني، عن أحمد بن قتيبة، عن عبدالله بن يزيد، عن مالك بن دِحْيَةَ، قال: كنّا عند أمير المؤمنين - عليه السلام - ، فقال وقد ذكر عنده اختلاف الناس: «.. إنَّ اَم فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِئ طِينِهِمْ، وَذلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً(3) مِنْ سَبَخِ أَرْض(4)
ص: 61
وَعَذْبِهَا، وَحَزْنِ تُرْبَة وَسَهْلِهَا، فَهُمْ عَلَی حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ، وَعَلَی قَدْرِ اخْتِلاَفِهَا يَتَفَاوَتُونَ،.»(1).
مبادئ طينهم إشارة إلى التربة، وهي أصل الخلائق، والمعنى أن تقاربهم في الصورة والأخلاق تابع لتقارب طينهم، وكل مايتقارب له من السهل والحزن والسبخ والعذب وتفاوتهم فيها تابع لتفاوت طينتهم ومبادئه المذكورة؛ فتَّجوز الإمام بالألفاظ إلى العلاقة الماضوية فأصل الناس على اختلافهم من طين الأرض.
(اعتبار ما سيكون أو ما سيؤول إليه): وهو النظر للشيء بما سيكون عليه في الزمن المستقبل(2).
في قوله في آدم على نبينا وعليه السلام: «... ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَی جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَی دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ...»(3).
هنا يشير الإمام للجود الإلهي الذي لا بخل فيه ولا منع وإنما النقصان في العبد، فلابد من مقاومة حبائل الشيطان بالإنابة والتوبة.، ووعده المراد الى جنته إشارة للوعد الإلهي بالجنة وأطلق لفظ دار البلية وتناسب الذرية وهو يريد الدنيا، فالإنسان إذا التفتَ إليها، وأقبل عليها فهي بلاء فوق بلاء، ويكفي لذلك عدم إلتفاته لله جل
ص: 62
وعلا، فهي تكون له دار بلاء باعتبار ما يكون فيها من حال، وما سيؤول إليه مصيره من ابتلاء لتخالط الخير بالشر.
كما في خطبة له يحمد الله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى قوله في الدنيا:
«.. الْخَأُون(1) وَالْجَحُودُ(2) الْكَنُودُ(3) وَالْعَنُودُ(4) الصَّدُودُ(5) وَالْحَيُودُ(6) الْمَيُودُ(7) حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ...»(8).
فقوله عزها ذل أي الذل الأكبر عند لقاء الله، إذ كان العز بالدنيا وأموالها سيؤول إلى ذل وهوان في الآخرة إطلاقا؛ لعدم مراعاتهم حدود الله فيما أنعم عليهم من نعم، وعدم امتثالهم لأوامره، وفي ذلك معالجة جذرية للأمور الدينية والدنيوية، وهي مبنية على نظرة فلسفية عميقة، وعلى نفاذ بصيرة، وفهم كل حيثيات الحياة، وتطوراتها وتحققها.
ومن وصية له للحسن بن علي - عليه السلام - كتبها إليه بحاضرين(9) منصرفا من
ص: 63
صفين قوله: «مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ(1)، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْر، ...بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طَالِب يُصِيبُ، وَلاَ كُلُّ غَائِب يَؤُوبُ..،...»(2).
أطلق الإمام لفظ الفاني على نفسه مجازاً لتسمية الشيء باسم غايته، أو ما سيؤول إليه مصيره، وهو الفناء والزوال من دار الدنيا، وكذلك قوله: «بادر الفرصة قبل أن تكون غصة» يأمره بانتهاز الفرصة فيما ينبغي أن يفعل، ونفره عن تركها لما يستلزمه من الأسف المنغص فأطلق لفظ الغصة على الفرصة مجازاً تسمية للشيء باسم ماسيوؤل إليه.
وقال لابنه الحسن (عليهما السلام): «لاَ تَدعُوَنَّ إِلَی مُبَارَزَة(3)، وَإِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ بَاغ، وَالبَاغِيَ مَصْرُوعٌ(4)»(5).
يدعو الإمام ابنه الحسن إلى عدم البدء بالمبارزة فالداعي مقتول لامحالة فأتي بلفظ المصروع إطلاقا لما سيوؤل إليه مصيره بسبب بغيه.
ولعل أهم ما يستدعي الانتباه في العلاقتين السابقتين هو انتماء الالفاظ إلى النصوص نفسها، وما أنتجته من دلالات مجازية وما قامت به من وظيفة داخل السياق العام لتلك النصوص، ونظرة أمير المؤمنين - عليه السلام - الثاقبة للمستقبل وتفوقها على العلاقة الماضوية، فجعلت من تلك النصوص نصوصاً خالدة تثير
ص: 64
المتلقي في كل حين.
بأن يستعمل الآلة والمراد المسبب وبمعنى آخر كون الشيء آلة لإيصال أثر شيء إلى آخر(1)، وقد جاءت هذه العلاقة في نهج البلاغة حافلة بشحنات مجازية رائعة أسهمت وبشكل كبير في إبراز دلالة النص ومرامية، ودعم الأطروحة المرادة وفق حجج قوية متعلقة بفروض الله، وتتناسب مع آليات اشتغال فكر المتلقي.
من وصية له للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله:
«.. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله..»(2).
وقوله عن أبي جُحَيْفَةَ قال: سمعت أميرالمؤمنين - عليه السلام - يقول: «أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ(3) عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ; فَمَنْ لْمَ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً، وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً، قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسَفَلُهُ أَعْلاَهُ..(4)» حدد الإمام آلة الجهاد وهي اليد واللسان والقلب، ويكون إنكار المنكر بهم، ولقد ذكر اليد هاهنا أولاً لأنه أول مغلوب عليه؛ لأن غرضها العدو وإزالته بآلة اليد ومقاومته، فإذا تمكن من ذلك كان زوال سلطان اللسان أمراً سهلاً، والقلب لا يطلع عما به ولا يتمكن من إزالة الجهاد به.
ص: 65
كما أن اليد واللسان والقلب، لا يتصرفون إلا بأمر من الإنسان، واليد تستعمل فيما يصدر عنها من العطاء في مقام النعمة، والبطش في مقام القوة، وكل صادر عنهم بعلاقة ومناسبة غير المشابهة لدى الاستعمال المجازي، وإنما بالأثر والقوة والقدرة، ولا مشابهة بين هذه الآثار، وبين الجوارح نفسها لا مجازاً ولا حقيقة فهي مجازٌ مرسل وقال - عليه السلام - في كلام له غير هذا يجري نفس المجرى: «فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ للْمُنْكَرِ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخصَالِ الْخَيْرِ، وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ فَذلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتيَنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ وَمُضَيِّعٌ خَصْلَةً، وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أشْرَفَ الْخَصْلَتَیْنِ(1) مِنَ الثَّلَاثِ وَتَمَسَّكَ بوَاحِدَة، وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لأنْكَارِ الْمُنكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِه فَذلِكَ مَيِّتُ الأحْيَاءِ»(2).
أراد الإمام بيان إنكار المنكر والأمر بالمعروف متلازمان، وبحاجة إلى آليات للأتيان بهما، وهي على سته أقسام: المنكر بقلبه فقط، أو بلسانه فقط، أو بيده فقط، أو بقلبه ولسانه، أو بقلبه ويده، أو بلسانه ويده، فالقلب واليد واللسان آلات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجوزاً.
ومن كتاب له - عليه السلام - لمالك الأشتر: «أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ،
ص: 66
جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ..»(1).
وهنا أمر بنصرة الله بيده وقلبه ولسانه في جهاد العدو وإنكار المنكرات وباستخدام تلك الآلات وذلك يكون الله ناصره ومؤيده ومعزه.
وروى ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه، وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث أنه قال فيما كان يحضُّ به الناسَ على الجهاد: إني سمعتُ علياً (عليه السلام) يقول يوم لقينا أهل الشام: « أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِىءَ(2)، وَمَنْ أنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَنْكرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالمِينَ السُّفْلَی، فَذلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبيلَ الْهُدَى، وَقَامَ عَلىَ الطَّريق، وَنَوَّرَ فِ قَلْبِهِ الْيَقِينُ»(3).
استخدم هاهنا الألفاظ ليبين ما يريده في براعة فائقة فذكر الطرف الأدنى وهو الإنكار بالقلب؛ لإمكانه من كل أحد دون استثناء، وطرف أعلى منه وهو الإنكار باللسان، والطرف الأعلى منه، وهو الإنكار باليد وهو الغاية، فالمنكر بقلبه خصه بالسلامة وال رباءة، والمنكر بلسانه فقد أجر، والمنكر باليد والسيف فقد أعلى كلمة الله، وهذا التدرج يجذب الملتقي لما يريد الإمام تبيانه في أسلوب بلاغي متميز.
وقال - عليه السلام - بعد أن أقدم أحدهم على الكلام فحصر وهو في فضل
ص: 67
أهل البيت - عليهم السلام - ووصف فساد الزمان: «أَلاَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ(1) مِنَ الإنْسَانِ، فَلاَ يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ، وَلاَ يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ، وَإِنَّا لأمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ(2)، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ(3) غُصوُنُهُ. وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ(4)،..»(5).
أراد الإمام علي - عليه السلام - من ذكر اللسان بيان كونه آلة للإنسان يتصرف بتصرفه، فإذا امتنع عن الكلام لشاغل أو ظرف من الظروف لم يسعفه اللسان القول، وبمجرد أن يدعوه لذلك لم يمهله النطق بل يسارع إليه فهو آلة الكلام.
وقال - عليه السلام - : «أَوْضَعُ الْعِلْمِ(6) مَا وَقَفَ عَلَی اللِّسَانِ(7)، وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالأرْكَانِ(8)»(9).
وضح الإمام أهمية العلم في كلمة موجزة لا تخلو من المجاز ببيان آلة العلم، حيث إن العلم الذي لاعمل معه موقوف على آلة اللسان فقط، وهو أنقص درجات العلم، أما العلم الثاني المقرون بالعمل لله، فهو ظاهر على الجوارح، وهو المنتفع به في
ص: 68
الآخرة.
ففي كل ماسبق نلحظ ورود لفظ اليد واللسان والقلب تجوزاً، وهي آلات إيصال ما يريد إلى الطرف الآخر، أو أثر مايريد للمتلقي، والقرائن لفظية من ذكر الوقف، والجهاد، وأنكره، والمنكر، وينصر، وهكذا هو في كل العلاقات الآلية.
ومن حكمه - عليه السلام - : «اعْجَبُوا لِهذَا الانْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم(1)، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم(2)، وَيَسْمَعُ بِعَظْم(3)، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم!!»(4).
نبه الإمام إلى لطف خلق الإنسان وأسرار حكمة الله فيه بألفاظ تبهر المتلقي، وتشده بقوة للتأمل في قدرة الله وعظمته، فذكر آلة البصر والكلام والسمع والتنفس، وخصها بالذكر لكونها مع ضعفها وصغر حجمها إلا أنها من الضروريات، وعلو مرتبة وشرف، وهي محل تعجب واعتبار فعنى بلفظ الشحم العين وما فيها من طبقات، واللحم هو اللسان والعضل ودقة خلقه، وأراد بالعظم الأذن، أما الخرم فهو ثقب الأنف وكلها آلات فالعين للبصر، واللسان للكلام، والأذن للسمع، والخرم للتنفس، وقرائنهم الدالة عليهم لفظية، وهي النظر والتكلم والسمع والتنفس.
لقد برع بحق الإمام - عليه السلام - في بيان أهمية الجهاد بالكشف عن آلته، من خلال العلاقة الآلية، وهذا التكرار الملحوظ الذي تذعن له القلوب، وتخشع له النفوس، وعلاوة على ذلك تكرار النتائج المترتبة تخلق مناخاً تخيلياً يصور تلك
ص: 69
الآلات، كما أن الألفاظ المجازية كفيلة بإيصال المتلقي إلى المستقر الذي أراده الإمام علي في كون تلك الآلات هي السبيل للنصرة على العدو تارة، وعلى النفس تارة أخرى، فهو يرى عدواً لم يأخذه حجمه أو شكله بُعداً، وخلفيته من وراء ذلك الخطاب المجازي بناء دولة إسلامية عادلة مثالية، عن طريق مخاطبة العقل والمشاعر.
بأن يستعمل المحل مراداً به الحالّ فيه(1).
من كلام له - عليه السلام - لكُمَيْل بن زياد النخعي قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ، فأخرجني إلى الجبّان(2)، فلماّ أصحر(3) تنفّس الصّعَدَاء(4)، ثمّ قال: «... يَا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الامْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَلَماَءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ....(5)».
ص: 70
يبين الإمام كيف أن خزان الأموال هالكون في الآخرة وإن كانوا أحياء عند الناس، أما العلماء فباقون أبداً، وإن فقد وجودهم من الدنيا، فصورهم وأفكارهم موجودة في القلوب، وما قدموه للبشرية محله القلب فذكر المحل وأراد الحال في بقاء أثارهم، والقرينة «موجودة».
ونحو كتاب له - عليه السلام - إلى عثمان بن حنيف الانصاري وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليهم: «.. فِيا مَعْشَ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ(1) جُنُوبُهُمْ، وَهْمَهَمَتْ(2) بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ(3) بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ «أُولئِك حِزْب الله، أَلَا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(4)....»(5).
ينبه إلى أن الصفات المذكورة تستحق الجنة، وهي صفات تشتمل على أكثر مكارم الأخلاق من القيام والتهجد في الليل والسهر في طاعته والتجافي في المضاجع والذكر لربهم، وإنما أراد الإمام بذكر الشفاه اللسان ولكنها حلت محله تجوزا، والقرينه الذِكْر.
ص: 71
بأن يستعمل الحال مراداً به المحلّ(1).
في قوله - عليه السلام - : «... وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ(2) أحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلَا تَعْرِفُونَ مِنَ الإيماَنِ إِلاَّ رَسْمَهُ، تَقُولُونَ: النَّارَ وَلاَ الْعَارَ! كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الإسْلاَمَ عَلَ وَجْهِهِ، انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ، وَنَقْضاً لِميثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ، وأَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ…(3)».
يريد بالميثاق هاهنا الإيمان الصادق بالله ورسوله وما جاء به من القوانين الشرعية، ثم وصف ذلك الميثاق موضوعا من قبل الله حرما في أرضه يمنعهم من كل عدو وأمنا بين خلقه لمن دخله، وأراد محلاّ أمناً فتجَّوز بلفظ الأمن في المأمن إطلاقا لاسم الحال على المحل.
وقال - عليه السلام - وقد رجع من صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة:
«يَاأَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ(4)، وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ(5)، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّربَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ(6) سَابِقٌ وَنَحْنُ لَكُمْ
ص: 72
تَبَعٌ(1) لَاحِقٌ، أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الأزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الأمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ، هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَماَ خَّبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لأخْبَرُوكُمْ أَنَّ «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(2)»(3).
لقد ذكر - عليه السلام - التربة والغربة والوحدة والوحشة، وأراد بها القبر حيث يكون الإنسان فيه في عالم آخر غريبا وحيدا ليس له إلا عمله، فتجوز بها عنه إطلاقا لاسم الحال على المحل، وغرضه من ذلك ترقيق القلوب القاسية، وتنبيه النفوس الغافلة وبين لهم بأن خير زاد لتلك الوحشة والغربة والوحدة التقوى.
ومن كلام له - عليه السلام - لكُمَيْل بن زياد النخعي: «.. هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلىَ حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا(4) مَااسْتَوْعَرَهُ(5) الْمُتْرَفُونَ(6)، وَأَنِسُوا بِماَ اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأعْلَی، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَ دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَ رُؤْيَتِهِمْ! انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ»(7).
ص: 73
يصف الإمام هاهنا أئمة الدين بأنهم قلة ويمتدحهم بعدة أوصاف، منها أنهم صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، عاشقة لما رأته من جمال الربوبية وصحبة الملائكة، فذكر حالهم من تعلق أرواحهم شوقا للمحل الأعلى، والقرينة أرواح معلقة فأطلق الحال على المحل أي العلو للجنة.
نلحظ حضور العلاقة الحالية بكثرة في خطب الإمام، وتفوقها على العلاقة المحلية؛ لكونها تعبر عن الحال، وتؤدي وظيفة تأثيرية جمالية، وترسم قوة المشاعر والأحاسيس، وتبين أهميتها في ذهن المتلقي وفق الأطروحة التي يثيرها الخطيب بقوام مجازي متميز، وتعتبر تلك الوجوه والعلاقات التسع السابقة هي الأكثر شهرة في كتب البلاغة(1)، وعلم البيان ولدى الكثير من البلاغيين وسأذكر الوجوه الأخرى للعلاقات والتي تليها في الأهمية ومنها:
وهي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود شيء آخر أي اللزوم الخاص وعدم الإنفكاك(2).
من عهد للإمام - عليه السلام - كتبه للأشتر النَّخَعي رحمه الله لمّا ولاه على مصر حين اضطرب أمر محمّد بن أبي بكر رحمه الله، وهو أطول عهد كتبه، وأجمعه للمحاسن
ص: 74
كما ذكر عنه ومنه قوله: «... فَالْجُنُودُ، بِإِذْنِ اللهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الأمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ...»(1).
لقد بينَّ الإمام من خلال كتابه أهمية الجنود والحاجة الملحة لهم؛ لأنهم الأصل فهم يحفظون الرعية ولا يكون الوالي بدونهم، وأطلق لفظ العز عليهم إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه إذ كان العز للدين لازما لوجوده وبقائه، كما في لفظ الأمن لهم باعتبار لزوم الأمن لوجود الجند فلا تقوم الرعية إلا بهم أي الجنود الحق الذين هم مقتضی الحكمة لا مطلق الجنود.
ومن كتبه للأشتر - رحمه الله - في شروط تعيين الجند: «... فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لله وَلِرَسُولِهِ وَلإمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً(2)، وَأفْضَلَهُمْ حِلْمًا(3).....، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جَمِاعٌ مِنَ الْكَرَمِ(4)، وَشُعَبٌ(5) مِنَ الْعُرْفِ(6)...»(7).
وصفهم بكونهم مجموعة من الكرم، وشعب من العرف، إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه فالفضائل المذكورة لازمة لهم مثل العفة، والأمانة، والسخاء، والشجاعة، كما
ص: 75
الحلم والنجدة والضمير، وقوله «فإنهم» أي الفضائل المذكورة سلفا واللازمة لهم.
ومن خطبة له (عليه السلام) يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى: «وَأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ، وَحَكَمٌ فَصَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ عِبَادِهِ، كُلَّماَ نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا،..»(1).
أطلق لفظ العدل على العادل مجازاً إطلاقاً لاسم اللازم على ملزومه فالباري عز وجل عادل بالنظر إلى علمه وقضائه، أي لا يقضي أمراً إلا وفق النظام الكلي، والحكمة الربانية البالغة.
ومن خطبه فيما يتضمن ذم إبليس، عَلى استكباره، وتركه السجود لآدم عليه السلام، وأنه أول من أظهر العصبية(2) وتبع الحمية، وتحذير الناس من سلوك طريقته:» الْحَمْدُ لله الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ، وَاخْتَارَهُهَا لنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمَ حِمىً(3) وَحَرَماً عَلىَ غَيِرْهِ، وَاصْطَفَاهَمُا(4) لِجَلَالِهِ وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَی مَنْ نَازَعَهُ فيِهِمَ مِنْ عِبَادِهِ، ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ...»(5).
مما لاشك أن الملقى في جهنم مبعد ومطرود عن الرحمة والخير، وملعونٌ من رب الجلال، ولفظ المنازعة مجاز في محاذاة المتكبرين، ومخالفاتهم لأمره عز وجل، فكأنهم
ص: 76
يجاذبون ما اختص به، ومن لوازم المجاذبة المنازعة القولية فأطلقها هنا إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه.
وهي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر(1).
قوله في وصيته بالتقوى ثم وصف الدنيا ثم حالها مع المغرورين بها في وصيته:
«... وَالْجَامَحِةُ(2) الْحَرُونُ(3)، وَالْمَائِنَةُ(4) الْخَأُون(5)، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ(6)، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ(7)، الْحَيُودُ(8) الْمَیُودُ(9). حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُها زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ،..»(10).
أراد الإمام أن يبين لنا بأن العز بالدنيا وأموالها مستلزمة للإنحراف عن الدين والتقوى الحقة فالعز الحاصل عنها لأهلها بسبب كثرة خيراتها كعزة ملوكها ومنفعتهم وذلك مستلزم للذل الأكبر عند لقاء الله، وأطلق عليه لفظ الذل إطلاقا لاسم الملزوم
ص: 77
على ملزومه، و «ليس المقصود من هذه العلاقة إلا بيان الارتباط فالألفاظ قوالب المعاني»(1) فهذا اللفظ «وَعِزُّهَا ذُلٌّ» صح له أن يكون علاقة مستقبلية لكون العاقبة ذل، وتارة أخرى ملزومية لاستلزام الذل الأكبر عند لقاء الله، وقد تكون العلاقة السببية والمسببية كذلك، أو نحو ذلك بحسب مايهدي إليه الذوق والحس، ويرشد إليه الوجدان الصادق.
ونحو قوله - عليه السلام - : «لاَ مَالَ أَعْوَدُ(2) مِنَ الْعَقْلِ، .....، وَلَا شَرَفَ كَالْعِلْمِ، وَلاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِن مُشَاوَرَة....»(3).
يريد الإمام شرف العلم فأطلق اسم الملزوم على لازمه مجازاً، وظاهر أن العلم أشرف الكمالات ولا شرف كشرفه، وهو خاصة الإنسان، وبه يقع الفصل بينه وبين سائر الحيوان، وغرض الإمام منها الترغيب في العلم.
نلمح من تلك العلاقات القدرة العالية على الاختيار الدقيق للألفاظ ذات الايحاءات النفسية المؤثرة، والواقع الخاص فكل لفظة على الرغم من عدم المشابهة في العلاقة إلا أنها تحمل إيحائية خاصة عند المتلقي.
ص: 78
وهي كون الشيء يجاور غيره فيطلق عليه اسمه(1).
أما ما ورد من هذه العلاقة، فكان في مواضع قليلة منها قوله في خطبته المعروفة بالشقشقية - عليه السلام - وفيها تألمه من جور مثيري الفتنة في خلافته وحكاية حاله مع من سبقه: «... فَماَ رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ(2)، يَنْثَالُونَ(3) عَلَّيَ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ(4)، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ(5) فَلَماَّ نَهَضْتُ بِالأمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى(6)، وَفَسَقَ وقسط آخَرُونَ(7) كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: «تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَاِ للَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(8)، بَلىَ! وَاللهِ ..»(9).
يشير الإمام إلى ازدحام المبايعين من الناس حوله فازدحم الحسن والحسين عليه، وشق رداءه بالجذب عند خطابه وإطلاق لفظ العطفين على جانبي القميص مجاز إطلاقا لاسم المجاور على مجاوره .
ص: 79
كذلك في خطبة له صلوات الله عليه في الإيمان ووجوب الهجرة - عليه السلام - : «.. إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإيماَنِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ، أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني، فَلأنَا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الأرْضِ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا(1) فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا(2) وَتَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا»(3).
يقصد بالصدور الأمينة والأحلام الرزينة أي التي تعي مايلقى إليها من أسرارهم الإلهية، وتصونها عمَّن لا ينتفع بها، والذين لا يستفزهم سماع تلك الغرائب ومشاهدتها منهم، فيقوموا بالإعلان عنها واستنكارها، بل يحملها على الصواب وفوضت علم كنهها إلى الله سبحانه، فأطلق لفظ الصدور والأحلام مجازاً عن أهلها لاسم المجاور على مجاوره.
وهو كون الشيء يشمل كثيرين(4).
من كتبه إلى الأشتر - رحمه الله - من كتاب له إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر يثني عليهم فيه ويأمرهم بطاعة الأشتر: «مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيّ أَمِيرِالْمُؤْمِنينَ، إِلَی الْقَومِ
ص: 80
الَّذِينَ غَضِبُوا لله حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ، وَذُهِبَ بِحَقِّهِ، فَضَرَبَ الْجَوْرُ(1) سَرُادِقَهُ(2) عَلَی الْبَرّ(3) وَالْفَاجِرِ،...»(4).
يريد بالقوم أهل مصر، ووصفهم بالغضب لله استجلابا لطباعهم، وإشارة إلى إنكارهم للأحداث التي نسبت إلى عثمان ومسيرهم لذلك إلى المدينة غضباً لحدود الله أن تعطل، ولكون الشيء يشمل كثيرين ذكر لفظ القوم إطلاقاً للعموم فهي قواعد وأسس أخلاقية وعقائدية عامة.
وقوله - عليه السلام - : «أَمَّا بَعْد، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ(5) عَيَنْ الْفِتْنَةِ، وَلْمَ يَكُنْ لِيَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا(6)، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا(7) فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَ الَّذِي نَفْسيِ بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُوني عَنْ شَيْء فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلاَ عَنْ فِئَة تَهْدِي مائةً وَتُضِلُّ مائةً إِلاَّ نَبَّأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا(8) وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا، وَمنَاخِ(9) ركَابَهِا،
ص: 81
وَمَحَطِّ رِحَالَهِا، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً»(1).
ينبه الإمام هاهنا على فضيلته، ورذيلة بني أمية بذكر فتنتهم وما يكون منهم؛ ليشتد الفرار عنهم، وتقوى الرغبة إليه من وجهين: بالإخبار عما سيكون، وبذكر الشرور من غيره، ولكن الشيء شامل لكثيرين إطلاقا للعموم فتجَّوز عن ذكر بني أمية ووجه الخطاب إلى عامة الناس.
قوله - عليه السلام - وفيها ينبه أمير المؤمنين على فضله وعمله وبين فتنة بني أمية: «أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِئ لاَقٍ بِماَ يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالأجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ(2)، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ(3) الَايَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الأمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ، هَيْهَاتَ!عِلْمٌ مَخْزُونٌ! أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ،..»(4).
لقد قال الإمام هذه الخطبة قبل وفاته ينعى فيها نفسه ولكنها تخاطب الكثيرين، فهو يعظهم وينبههم إلى ضرورة لحوق الموت المنفور منه طبعاً، والذي لابد منه، وهو غاية الحياة الدنيا كما قال تعالى: «إذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ»(5)، فلقد أعطي النص سمة الشمولية في الإيحاء، وهذا من خصائص اللغة العربية وسر من أسرارها.
ص: 82
كإطلاق اسم الشخص على القبيلة(1).
ومن قوله - عليه السلام - في شجاعته في الخطبة القاصعة: «.. أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرَ بَكَلاَكِلِ(2) الْعَرَبِ، وَكَسْرَتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ(3) رَبِيعَةَ وَمُضَر، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ(4)، وَكَانَ يَمْضَغُ الشْيَّءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلَا خَطْلَةً(5) فِي فِعْل.....»(6).
يؤكد الإمام على فضيلته في الشجاعة والنجدة لدرجة أن أعداؤه يخافونه، وتقوى به قلوب أوليائه لاعلى سبيل الفخر المجرد، فإن ذلك رذيلة قد بنى الخطبة على النهي عنها، ويذكر بأنه قاتل وقتل أكابر العرب في صدر الإسلام، وفرق جمعهم أمثال ربيعة ومضر، حيث أطلق الإمام لفظ ربيعة ومضر على القبيلة بأكملها إطلاقا للخصوص نسبة لربيعة ومضر أبناء نزار بن معد بن عدنان.
ص: 83
وَمن حلْف كتبه - عليه السلام - بين اليمن وربيعة نُقل من خط هشام بن الكلبي:
«هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْيَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا(1) وَبَادِيَها(2) أنَّهُمْ عَلىَ كِتَابِ اللهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُونَ بِهِ، وَيُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، ...»(3).
رَبِيعَةَ هنا أيضا نسبة لربيعة بن نزار بن معد بن عدنان إطلاقا للخاص على العام.
قوله - عليه السلام - : «أَوَلَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفي؟(4) أَوَمَا وَزَعَ الْجُهَّالُ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي؟! وَلَمَا وَعَظَهُمُ اللهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَاني، أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ(5)، وَخَصِيمُ الْمُرْتَابِينَ، عَلىَ كِتَابِ اللهِ تُعْرَضُ الأمْثالُ(6)، وَبِمَا فِي الصُّدُورِ تَجُازَى الْعِبَادُ!»(7).
يستفهم الإمام هاهنا القوم من عدم انتهائهم عن نسبته إلى دم عثمان مع علمهم بحاله وقوته في الدين، وعصمته عن دم حرام فضلاً عن مثل دم عثمان؛ استفهاماً على سبيل الإنكار عليهم والتعجب منهم، ونسبة لهم إلى الجهل لجهلهم بمناسبة حاله، وسابقته في الإسلام لبراءته عما اقترفوه، وأطلق لفظ أمية نسبة إلى أمية بن عبد شمس
ص: 84
بن عبد مناف فأطلق اسم الشخص على العموم.
نلتمس في النصوص السابقة أن العلاقات متفاوته في حضورها، لأسباب بلاغية وموضوعية، فكثر وقوف الإمام - عليه السلام - عندما يستوجب أن يقف عنده، وحسب ماتقتضية لغة الخطاب، وكان حريصاً كل الحرص على العناية باختيار الألفاظ، فهو يختار الألفاظ والمدلولات ذات المعاني الموحية، والمنسجمة مع الحدث، أو الأطروحة المراد دعمها أو دحضها، فيمثل لها - بألفاظ مجازية - بما يتناسب لتصل إلى المتلقي كما ينبغي، ولهذا «يكاد يجمع الذين تعرضوا لدراسة الحقيقة والمجاز على أن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة، لما فيه من خيال وجمال وتصوير»(1)
هو لفظ مركّب يستعمل بهيئته التركيبية في غير المعنى الذي وُضِعَتْ له صيغة جملته في اصطلاح التخاطب، لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، ويكون هذا المجاز في قسمين(2):
ص: 85
المركّبات الخبرية: وهي تخرج من دلالتها الخبرية للدلالة بها على معنى آخر لأغراض أهمها:
كقوله - عليه السلام - : «كُلُّ امْرِىء لاَق بِمَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالأجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ»(1)، إن العلاقة بين المعنى الأصلي وهو الإخبار، والمعنى المجازي وهو التحسر وإظهار الحزن هو اللزوم إذ يلزم من الأخبار بذهاب النفس وما تَسُوقها إليها أطوار الحياة حتى يوافِيه الأجل، فيلزم التحسر والحزن عليها، فأصل صيغة الجملة للإخبار وأراد منها التحسر والحزن على ذهاب النفس وفراق الحياة.
كقول - عليه السلام - : «أَلاَ وَإِنِّ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَی قِتَالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرَّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمْ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا(2)»، وهنا إخبار يراد منه إظهار الضعف لبقائهم في ديارهم دونما حراك رغم الخطر المحيط بهم، وهنا خطاب عام ولكنه موجه لجماعة بعينها وقت القول.
ص: 86
كقوله - عليه السلام - في الحث على الجهاد وذم القاعدين: «ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَ جَنَّتِهِ»(1)، يخبر الإمام هاهنا بأن باب التوبة مفتوح ومبسوط لمن أراده؛ لغرض إظهار الفرح وال رسور برحمة الله سبحانه وتعالى، والوعد بالجنة فالعلاقة محلية.
كقوله - عليه السلام - في الاستسقاء: «... اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ(2) جِبَالُنَا، وَاغْبرَّتْ أَرْضُنَا، وَهَامَتْ(3) دَوَابُّنَا، وَتَحَيَرَّتْ في مَرَابِضِهَا(4)، وَعَجَّتْ عَجِيج الثَّكَالَی(5) عَلَی أَوْلاَدِهَا، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ في مَرَاتِعِهَا، وَالحَنِينَ إِلَی مَوَارِدِهَا اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الاْنَّةِ(6)، وَحَنِينَ الْحَانَّةِ(7)! اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيَرْتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا، وَأَنِينَهَا في مَوَالِجِهَا(8)!......»(9).
ص: 87
إن المعنى الأصلي الذي تدل عليه الخطبة هو الإخبار، وقد استعملت مجازاً في الدعاء، والعلاقة سببية، فالمذنب لايحصل على رحمة الله وبركاته، والدعاء الذي هو إنشاء طلبي إلى الله سبب لتحقيق الإجابة بمشيئة الله على سبيل التفاؤل والرجاء في رحمة الله، أي ندعوك أن لاتؤاخذنا بأعمالنا وذنوبنا فالذنوب موجبة لرفع الرحمة، ومنع قطرات السماء والجود الإلهي، فالعاصي لاتناله الرحمة والمغفرة، وبما أنه عصى الله فهو مستعد لضد ذلك.
المركّبات الإِنشائية: وهي تخرج من دلالتها الإنشائية للدلالة بها على معنى آخر لأغراض أهمها(1):
والمراد الإخبار مجازاً.
وقوله - عليه السلام - لِكُمَيْل بن زياد النخعي: «يَا كُمَيْلُ، مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا(2) في كَسْبِ الْمَكَارِمِ، وَيُدْلِجُوا(3) فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نائِمٌ، فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الَأْصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلاَّ وَخَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السرُّرُور لُطْفاً، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ
ص: 88
نَائِبَةٌ(1) جَرَى إلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَ تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الِإْبلِ»(2).
قوله: «مُرْ أَهْلَكَ» صيغة أمر يراد بها الإخبار عن ذوي الحاجة وإدخال السرور على قلبهم بقضائها، وجريه لإخراجه من أي نائبة تعرض له، ثم أخبر من خلالها عن اللطف الإلهي المترتب عن ذلك، وفي هذا المجاز إيجاز بالغ يخبر من خلاله عن أهمية قضاء الحوائج للمحتاجين، وصيغة الأمر أبلغ في إيصال مايريد من صيغة الخبر المباشر.
والمراد بها معان أخرى مثل: التقرير، أو الإنكار، أو الامتنان، أو التمني، أو الترجَّي، أي خروج الاستفهام عن مقتضی الحال مجازاً.
ومن كلام له - عليه السلام - لأهل الكوفه وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال: «مَا بَالُكُمْ أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ؟ فقال قوم منهم: يا أميرالمؤمنين، إن سرتَ سرنا معك فقال - عليه السلام - مَا بَالُكُمْ! لاَ سُدِّدْتُمْ(3) لِرُشْد! وَلَا هُدِيتُمْ لَقَصْد! أَفِي مِثْلِ هذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ؟ إِنَّماَ يَخْرُخ فِي مِثْلِ هذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ، وَلاَ يَنْبَغِي لِ أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ، وَالْمِصْرَ، وَبَيْتَ الْمَالِ، وَجِبَايَةَ الأرْضِ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّظَرَ في حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَة أَتْبَعُ
ص: 89
أُخْرَى، أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ(1) فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ، وَإِنَّماَ أَنَا قُطْبُ الرَّحَا، تَدُورُ عَليَّ وَأَنَا بِمَكَاني، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ(2) مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالَهُا(3) هذَا لَعَمْرُ اللهِ الرَّأْيُ السُّوءُ»(4).
ففي قوله «ما بالكم أمخرسون أنتم؟» يستفهم الإمام عن وضعهم المزري في مخالفته وغرضه الاستنكار عليهم، وعلى ماأشاروا به من خروجه بنفسه لملاقاة الأعداء، ومنكراً لذلك أيضا، ففعلهم يستلزم الإنكار والتوبيخ واللوم، وأشار إلى من ينبغي أن يخرج عوضاً عنه، وبين المفسدة المترتبة في خروجه بنفسه، وتركه للمصالح العامة وأمر الدولة والنظام، وقبح ذلك ظاهر، وفي كل ذلك إخبار من خلال الاستفهام الإستنكاري، ثم ختم كلامه بالقسم بأنه لولا رجاء لقاء الله بالشهادة في مواجهة العدو، ولوقدر له ذلك لفارقهم غير متأسف عليهم متبرماً من سوء صنيعهم، وكثرة مخالفتهم لأوامره.
وخلصنا من كل ماسبق بأن المجاز المرسل المركب بشقيه لدى الإمام علي يمثل وسيلة رائعة للوصول إلى الإيجاز حيث جاءت تراكيبه مشحونة بطاقات إيحائية تعبيرية رفيعة المستوى، فأثارت ذهن المتلقي معتمداً في كل ذلك على ثقافتة ، وما يحمله من خبرات وتجارب، وابتكارات لغوية تساعده في الوصول قدر الإمكان إلى الفكرة التي يريد إيصالها للمتلقي.
ومن خلال هذه الوقفة على المجاز المرسل بنوعيه المفرد والمركب في الخطب
ص: 90
والكلمات والحكم المختارة من كلام الإمام علي، نقف عند مرحلة متطورة في الموروث اللغوي، حيث اتسع اللفظ من خلاله إلى مستوى أرقى مما هو عليه محتفظاً بمعناه الحقيقي بعيداً عن الجمود الفكري، وقد تخلص فيه اللفظ من قيد العبارة، وضيقها، وصُب في قوالب جديدة من عالم الخيال، وفق أشكال يستسيغها المتلقي، ويعود كلذلك إلى قدرة الإمام علي - عليه السلام - على التفنن والإبتكار، والربط بين مختلف المعاني والصور، وهو من قبيل إغناء الألفاظ، ومنحها القدرة على تجاوز معانيها الأصلية إلى معانٍ أخرى تستوحى من سياق الكلام، فتغوص من خلال النهج في أعماق اللغة لتخرج لنا الدرر واللآلئ النفيسة من المعاني المستحدثة للفظ.
وكما ذكر السيد الشريف الرضي - رحمه الله - جملة معروفة في وصف كلام الإمام - عليه السلام - والثناء عليه، يقول: «كان أمير المؤمنين - عليه السلام - مَشْرَعَ الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة، ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وقد تقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي»(1).
وهكذا هي علاقات المجاز اللغوي المرسل كما لحظنا متعددة، ووجوه ارتباطاتها متشابكة، واكتفيت بهذا القدر الجامع لأشهر العلاقات، عما توسع به البلاغيون من الأصناف المتشابكة بالنحو، والفلسفة، والمنطق، ويتضح لنا من كل ماسبق انتشارها، وكثرة ذيوعها في كلام الإمام علي، فنراه درراً نفيسةً، وقد نثرتها للدارسين والمتأملين في فصاحة اللغة العربية وبلاغتها عموماً، وبلاغة خطاب أمير المؤمنين - عليه السلام - على وجه الخصوص.
ص: 91
ص: 92
ص: 93
ص: 94
الاستعارة هي استخدام الكلمة في غير معناها الحقيقي لعلاقة المشابهة مع قرينة ملفوظة، أو ملحوظة، وتظهر الفروق بين المجاز المرسل والاستعارة من خلال العلاقة فغير المشابهة للمجاز المرسل، وعلاقة المشابهة للاستعارة(1).
وقد تعرض القدماء لدراسة مفهوم الاستعارة، واختلفوا في فهمهم لها، وتحديدهم لمفهومها، لكنهم وبشكل عام لم يخرجوا عن الإطار العام لمفهوم الاستعارة، إذ نظروا إليها على أنها عملية نقل اللفظة أو الكلمة من معنى إلى آخر للبيان والإيضاح(2).
ويمثل لنا أبو هلال العسكري التعريف الاستعاري بوضوح مع التمثيل القرآني الدقيق فقال عن الاستعارة إنها: «نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره لغرض وذلك الغرض إما أن يكون: شرح المعنى وفضل الإبانة عنه، أو تأكيده والمبالغة فيه، أو الإشارة إليه بالقليل من اللفظ، أو تحسين المعرض الذي ي ربز فيه، وهذه الأوصاف موجودة في الاستعارة المصيبة، ولولا أن الاستعارة المصيبة تتضمن ما لا تتضمنه الحقيقة من زيادة فائدة، لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا»، ويستشهد على ذلك بقوله: «والشاهد على أن للاستعارة المصيبة من الموقع ما ليس للحقيقة أن قوله تعالى: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَی السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ»(3) أبلغ وأحسن وأدخل مما قصد له من قوله لو قال: «يوم يكشف عن شدة الأمر، وإن كان
ص: 95
المعنيان واحدا»(1)، وما ذهب إليه أبو هلال هو نفسه ما ذهب له أرسطو بقوله: من أعظم الأساليب الفنية، وأنها آية الموهبة التي لا يمكن تعلمها من الآخرين(2).
ويُعرف أبو عثمان الجاحظ حد الاستعارة بأنها: «تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه»(3) فقد اعتنى الجاحظ بالجانب اللغوي لعدم تجلي حدود هذه المعالم اصطلاحيا في عصره، وهناك من اتفق معه في تعريف الاستعارة مثل: ابن قتيبة(4)، وثعلب (ت: 291 ه)(5)، وابن المعتز (ت: 296 ه)(6)، والقاضي الجرجاني(7)، وعلي بن عيسى الرماني(8) وما ذكروه من تعريفات وما تبعها من التفريعات متشابهة في الإشارة إلى المصطلح حينا، وإلى العناية بالموروث اللغوي للاستعارة حيناً آخر.
وقد توضح مفهوم الاستعارة على يد عبد القاهر الجرجاني الذي عدّها من المجاز القائم على التشبيه، وبين أهميتها وقيمتها الدلالية في التعبير الكلامي: «ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان أبدا في صورة مستجدة تزيد قدره نبلاً، وتوجب له
ص: 96
بعد الفضل فضلا، وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها فوائد، حتى تراها مكررة في مواضع، ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد، وشرف منفرد، وفضيلة مرموقة، ومن خصائصها التي تذكر بها وهي عنوان مناقبها، إنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ ... فإنك لترى بها الجماد حياً ناطقاً، والأعجم فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفيّة بادية جليّة … إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون»(1)، إذا فالتعبير الاستعاري في نظر عبد القاهر هو من الأشياء التي تزيد الأسلوب جمالاً ورونقاً، والأفكار وضوحاً ورفعةً.
«فالاستعارة إذن أعلى مقاما من التشبيه لما يحصل فيها من تفاعل وتداخل بين الدلالات على نحو لا يحدث بنفس الثراء في التشبيه، بحيث توحي للمتلقي أن طرفي الصورة الاستعارية اتحدا حتى أصبح المستعار له كأنه المستعار منه نفسه»(2)، فهي الأداة الرئيسة التي ترتبط بواسطتها الأشياء المتغايرة وغير المرتبطة، «تجعل الشيء غيره، والتشبيه يحكم عليه بانه كغيره»(3)، إذ أنها «أقوى إيحاءً من التشبيه لما تتضمنه من سعة الدلالة وقوة التصوير»(4).
وتمثل الاستعارة في خطب الإمام علي - عليه السلام - المجال الحيوي الذي تدور على أطرافه فروع اللغة والأدب، وهي فن واسع يعطيك الكثير من المعاني، «حتى
ص: 97
تُخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمار»(1).
وتأتي لك المعاني في استعارات الإمام علي متجسدة أمام ناظريك كأنك تراها، أو تتجسم وكأنها من ذوات الأرواح، وهي أعلى مرتبة من التشبيه بكل أنواعها، وأقوى بلاغة منه، لما فيها من اتحاد المشبه والمشبه به، وامتزاجهما، وكأنها شىء واحد، وفيها من استثارة الخيال، ماهو حقيقة يقتنع بها، فهي ذات منشأ فكري إضافةً إلى المنشأ التصوري، وهي ليست خاصية لغوية فقط، وإنما خاصية لغوية فكرية في آن واحد، وسوف نرصدها في هذا الفصل بأقسامها المختلفة في خطب وكلمات وأقوال الإمام علي -عليه السلام- المرويّة في كتاب نهج البلاغة:
إن المجال الذي تشغله الاستعارة المفردة لدى المهتمين في النصوص غير ضيق، ولا هو باليسير الهين؛ ويرجع هذا إلى كونها قصية المنال وإلى حد كبير.
«فهي تشبيه حذف أحد طرفيه، ولابدّ فيها من عدم ذكر أداة التشبيه، ووجه الشبه، بل اللازم ادعاء أن المشبه عين المشبّه به، والحاصل أن كل مجاز يبنى على التشبيه بدون الأداة ووجه الشبه يسمّى استعارة، وللاستعارة أركان ثلاثة: المستعار منه وهو المشبّه به، و المستعار له وهو المشبه - ويقال لهذين - طرفا الاستعارة، والركن الثالث هو المستعار وهو اللفظ المنقول كقولك: رأيت أسداً يرمي فالمستعار منه: الحيوان
ص: 98
المفترس، والمستعار له: زيد، والمستعار: لفظ أسد وتنقسم إلى عدة أقسام(1):
أو المصرحة، أو مصرح بها، وهي أن يذكر في الكلام لفظ المشبه به.
من خطبة له - عليه السلام - «: الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلِا يُحْصِي نَعْماَءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ،...»(2).
هو يريد أن يبين بأن الله جل شأنه لا تدركه همة، وإن بعدت وقوت، ولا تناله فطنة وإن اشتدت، ومن أجل ذلك استحضر الإمام صورة الغوص في الفطن، فشبه الفطن بالبحر الذي يغاص فيه فأتى بالمشبه به، وحذف المشبه فهي تصريحية فإسناد الغوص إلى الفطن هنا.
وهذا الإسناد في الحقيقة إسناد إلى الإنسان، أو الحيوان بالنسبة إلى الماء، ووجه الاستعارة هي شبه صفات الجلال، ونعوت الكمال لما كانت في عدم تناهيها، والوقوف على حقائقها؛ فهي تشبه الفطنة بالبحر الغائص الذي لايصل المبحر فيه
ص: 99
إلى ساحل، فأسند الغوص إليها، وفي معناه الغوص في الفكر(1)، وأسند الفعل ينال للفطن وهي لاتنال أي صفات الله جل شأنه تقديرها بأن كل سائح في بحار جلاله غريق، وكذلك إسناد الإدراك إلى بعد الهمم، والتقدير هنا لا تناله الفطن الغائصة، ولا تدركه الهمم البعيدة.
وقوله - عليه السلام - في بيان علة إرسال الرسل «.... وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ(2)، لِيَسْتَأْدُوهُمْ(3) مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسَّيِ نِعْمَتِهِ، وَيْحَتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيُروا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ....»(4).
يبين لنا الإمام إلقاء الحجة من الله على عباده بإرسال الرسل ليبلغوا رسالات ربهم، وإنذارهم لقاء يومهم الذي يوعدون، و يشير لهم بالأدلة على وحدانية الله وتفرده، واستعار لذلك لفظ الدفائن - المشبه به - والمراد بدفائن العقول جواهر العقول، ونتائج أفكارها، فهي أشبه بالدفائن لوجودها أصلاً في العقل، وهي بحاجة لمن يخرجها، والأنبياء هم الأصل في استخراجها لإعداد النفوس وتأهيلها لعبادة الباري عز وجل.
وقوله - عليه السلام - في ابتداء خلق السماء و الأرض: «فَرَفَعَهُ فِي هَوَاء مُنْفَتِق،
ص: 100
وَجَوٍّ مُنْفَهِق(1)، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَات، جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً(2)، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيرْ عَمَد يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَار(3) يَنْظِمُها، ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ(4)، وَأَجْرَى فِيها سَرِاجاً مُسْتَطِيراً(5)، وَقَمَراً مُنِيراً: في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم(6) مَائِر....»(7).
فقوله «سقفا محفوظا» استعار لفظ السقف من البيت للسماء لعلاقة المشابهة في العلو والارتفاع، وكثر استعمال ذلك اللفظ حتى صار اسماً من اسماء السماء.
وكذلك لفظ الثواقب استعارة في الأصل للشهب عن الجسم الذي يثقب، جسماً آخر، وينفذ فيه، ووجه المشابهة في كون الشهاب يثقب بنوره الهواء، ولِكثرة استعماله أيضاً صار قريبا من الحقيقة في الاستعمال، وقوله سراجاً مستطيراً استعاره للشمس بجامع الإضاءة، فالسراج المستطير يبدد الظلمة، وكذلك الشمس، والرقيم هي للوح المرقوم فيه، واستعارها هنا للفلك حتى صارت اسماً من اسمائه أيضا.
فمن خلال الاستعارات السابقة صرح بالمشبه به وحذف المشبه، وصور الإمام علي - عليه السلام - العالم بأسره إلى بيت واحد، فالسماء كقبة خضراء، وسقف محفوظ
ص: 101
من الشياطين، وتحمي غرف البيت من مردة اللصوص، ومع علوه ليس به عمد، ولا دسار يشده، والقبة متزينة بالكواكب، ولولاها بضوئها لبقيت مظلمة، فهي تزينه ويحسبها الناظر جواهر مرصوصة وزمرداً، وجعل أعظمهما كوكبين أحدهما ضياء للنهار، والآخر لليل، وهذا السقف من عدة طبقات، وأسكن في كل طبق جنوداً...، فلقد كون الإمام علي - عليه السلام - صورة كلية للدلالة على عظيم خلق الله وملكوته، وذلك في أحسن صورة بنقل الألفاظ من معانيها الأصلية إلى معاني جديدة على سبيل الاستعارة، ويريد من خلالها تنبيه العقول الغافلة عن حكمة الصانع سبحانه في ملكوت السموات، وبدائع صنعه، وضروب نعمه ليتذكروا نعمة الله، فيواظبوا على عبادته، فسبحان الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، وهذه كلها استعارات غاية في الدقيقة؛ بحيث روعي فيها اختيار الوجه المناسب للاستعارة.
ونحو قوله في بعث محمد - صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ - «.... ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِحَمَّد صلى الله عليه لِقَاءَهُ، ...وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاْنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً، بِغَيْر طَريق واضِح، ولاَعَلَم قَائِم ...»(1).
وفي هذه الصورة إشارة واضحة إلى وضع ما يجب في الحكمة الإلهية على ألسنة الرسل - عليهم السلام - من العبادات الشرعية والقوانين التي بها يبقى ذكره عز وجل محفوظاً، فاستعار لتلك الآثار الباقية عن الأنبياء - المشبه - لفظ العلم القائم - المشبه به - لما لها من أثر بارز في هداية الأوصياء والأولياء، الذين يرجع إليهم الخلق فهذه الآثار بمثابة العلم القائم الواضح للعيان، وبذلك تكون حجتهم داحضة.
ص: 102
وقوله في خطبته - عليه السلام - المعروفة بالشقشقية، وفيها تألمه من جور مثيري الفتنة في خلافته، وحكاية حاله مع من سبق: «.. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ(1) دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً(2)، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ(3)، أَوْ أَصْبَرِ عَلَی طَخْيةَ(4) عَمْیَاءَ...»(5).
«ينحدر عني السيل، ولايرقى إليَّ الطير» استعار الإمام علي من خلال العبارة السابقة صفتين لنفسه:
- الأولى: كونه ينحدر عنه السيل وهذا من صفات الجبل المرتفع ليبين فيضان العلوم، والتدبيرات - المشبه - ، فاستعار لتلك الكمالات - المشبه به - السيل.
- الثانية: أنه لايرقى إليه الطير وهي كناية إذ ليس كل مكان علا بحيث ينحدر عليه السيل وجب أن لا يرتقي إليه الطير فكان ذلك علواً أزيد، فاستعار لنفسه صفة الشجرة الفارهة الطول لذلك، وفي ذلك بيان غاية أخرى من العلو.
وأكمل التصوير باستعارة لفظ الثوب - المشبه به - ، ويريد بذلك الحجاب والحاجز - المشبه - ، وقوله: «أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَعَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ» استعار وصف الجذاء لعدم الناصر أي قيامه بيد خالية، وفي ذلك إخلال وتشويش نظام المسلمين فلا خير في ذلك، ووجه المشابهة أن قطع اليد يستلزم عدم القدرة على
ص: 103
الصولة والجولة، وكذلك كان عدم الناصر والمؤيد مستلزماً لذلك، وأما الترك ففيه الصبر، وفيه التباس الأمور واختلاطها، وعدم تمييز الحق، وتجريده عن الباطل، وفي ذلك الشدة والبلاء، واستعار لفظ الطخية -المشبه به - ووجه المشابهة بأن الظلمة كما لا يهتدى بها لمطلوب كذلك اختلاط الأمور، فالأعمى لا يهتدي لمطالبه، وكذلك من هو في الظلمة، وكما في الطخية العمياء استعار لفظ الظلمة، والعمى على الصبر على البلاء رغم ما يشاهده من اختلاط الحق مع الباطل.
وهكذا هي الاستعارة لدى الإمام علي - عليه السلام - فهي في علو وهبوط، تجعل من الاشتغال اللغوي مجالاً جمالياً ذا طبيعة خاصة يتشكل على أساسها بناء النسق الجمالي؛ فتصبح الوظيفة الاستعارية شكلاً خاصاً تمر عبره الفكرة، وكل ما احتاجت الفكرة إلى ارتفاع في منسوب التوغل في عمقها اشتغل الحس البلاغي، وقام بوظيفة توليف النص نحو هذا الاحتياج وكلما قربت الفكرة وصارت ملامستها متحققة انخفض هذا المنسوب، وباتت اللغة تشتغل على استقرارها و ثباتها من جديد.
وهي أن يذكر في الكلام لفظ المشبه فقط، ويؤتى ببعض لوازم المشبه به(1).
نحو قوله - عليه السلام - في خلق العالم في ابتداء خلق السماء و الأرض: «.. ثُمَّ
ص: 104
أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا(1)، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا(2)، وَأَعْصَفَ مَرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ(3) الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ(4) مَضَ السِّقَاءِ،.....، حمله على متن الريح العاصفة...»(5).
وصف الإمام الرياح بعدة صفات لبيان القدرة الإلهية في الخلق، وعزز هذاالوصف باستعارة صفات الإنسان لذلك، فقوله اعتقم مهبها صورها بالإنسان العقيم الذي لاينجب، وفي هذا إشارة إلى عقد ذلك الأمر، وإيقافه على وفق الحكمة الإلهية، وإلى عدم مانع جريان ذلك الأمر، وقوله «فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار» صور الرياح بالإنسان الذي يصفق، ويثير بحركة يديه، لبيان نسبة امتثال الأفلاك وكمالاتها إلى أمره سبحانه، كما أنه صور الرياح بالشيء المادي الذي له متن ويحمل، فهنا استعارة مكنية - ذكر المشبه وحذف المشبه به - وأتى بشي من لوازمه.
ومن قوله - عليه السلام - أنشأها بعد انصرافه من صفين، يعني بها قوماً آخرين ...زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ(6)، لا يُقَاسُ بِآلِ مَحُمَّد - عليهم السلام - مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً،......(7).
ص: 105
أطلق للفجور - المشبه - لفظ الزرع لبذور الفجور - المشبه به - في أراضي قلوبهم؛ لأن انتشاره عنهم ونموه فيهم نسبة نمو الزرع وانتشاره في الأرض، وبسبب عدولهم عن الحق وتجاوزهم وتماديهم في غيهم، وزيادة فجورهم أشبه بالماء الذي هو سبب حياة الزرع ونموه وزيادته، ولفظ السقي يناسب نمو ذلك الغي والفجور؛ ونتيجة ذلك للويل والثبور وعظائم الأمور ثم مدح محمد و آل محمد، وفضلهم على كل منعداهم من أمته.
ومن كلام له - عليه السلام - لمّا قبض رسول الله - صلى الله عليه وآله - وخاطبه العباس وأبوسفيان في أن يبايعاه بالخلافة، وذلك بعد أن تمّت البيعة لابي بكر في السقيفة، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه: «أَيُّا النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ المُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ المُفَاخَرَةِ...(1)» شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة صور الإمام الفتنة بالبحر المتلاطم فلذلك استعار لها لفظ الأمواج، وهي من لوازم البحر، ووجه المشابهة ظاهر لاشتراك البحر، والفتنة عند هيجانها وهلاك من خاض فيها، كما استخدم لفظ سفن النجاة لكل وسائل الخلاص من الفتنة، ووجه المشابهة كون كل منهما وسيلة سلامة من الهلاك، كما كون السفينة سبباً للخلاص من أمواج البحر، وقوله «وعرجوا عن طريق المنافرة» أمراً لهم بالعدول عما يوجب الفتنة، ويشتت كلمة المسلمين فيخترقهم الأعداء من كل حدب وصوب.
كما في قوله: «وضعوا تيجان المفاخرة» بطريق آخر من طرق النجاة ، وهي ترك المفاخرة، فاقترب من ذلك من الخيال إلى الحقيقة حيث إن المفاخرة تستوجب لبس
ص: 106
التيجان عند أرباب الدنيا، ولذلك كانت المشابهة قائمة بينهما وبين التيجان فاستعار لفظها لها وأمرهم بتركها، ووضعها.
ونحو كلام له - عليه السلام - لابنه محمّد بن الحنفية لمّا أعطاه الراية يوم الجمل:
«... تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَی نَاجِذِكَ(1)، أَعِرِ(2) اللهَ جُجُمَتَكَ، تِدْ(3) في الأرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصىَ القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ(4)، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصَرْ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ»(5).
في هذا الكلام عدة استعارات فهو يطلب من ابنه أن يعض على ناجذيه ليستجمع قواه، وأن يعير الله جمجمته فقد شبه جمجمته - المشبه - بالشيء الذي يستعار - المشبه به - ثم يرد، أو بالقرض الحسن، وفي ذلك تنبيه لمحمد - رضي الله عنه - بأن لا يُقتل في تلك الحرب، و إذا ما أعار الله فهو وديعة عنده عز وجل، والله لا تضيع ودائعه، فلابد من رده بكمال سلامته، وفيه تثبيت لجأشه، وربطاً لقلبه، وهذا من بلاغة علي - عليه السلام - في الكلام وحسن اختياره للألفاظ.
كما استعار بقوله: «تد في الأرْضِ قَدَمَكَ» لفظ الوتد أي يجعل قدمه كالوتد ثابتاً لا يخشى شيئاً رابط الجأش، وأن يرمي ببصره أقصى القوم شبه بصره بالسهم - المشبه به وهو محذوف - الذي يرمى ليبين له أهمية تلك النظرة، وليعلم علما سيقدم ثم
ص: 107
يغض بصره بعد مدة فالسهم كالنظرة مترصدة للفرصة، لقد استطاع الإمام رسم الصور دون تكلف وبغاية الدقة والإتقان، وركبها بما يتناسب مع الواقع، وحولها إلى مجاز بالتفاعل.
ومن خطبة له - عليه السلام - وهي كلمة جامعة للعظة والحكمة: «فإِنَّ الغَايَةَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ(1) تْحَدُوكُمْ(2)، تَخَفَّفُوا(3) تَلْحَقوا، فَإنَّماَ يُنْتَظَرُ بِأوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ»(4).
«الغاية أمامكم» شبه الغاية بالشيء المادي المتجسد أمامك، وكذلك «الساعة وراءكم»، والمقصود بالساعة القيامة الصغرى، وهي الموت فهو يلحق بالإنسان،وأشبه بالمهروب منه فاستعار لفظ المحسوس، وهو الوراء للمهروب منه، وهو الموت كما استعار لفظ الحداء - وهو للإبل في أصل الوضع - للموت الذي يحدو وراء الإنسان لقطع الطرق الوعرة فشبهها بالحادي، فأسند الحداء إليه، وقوله: تخففوا تلحقوا شبه الإنسان المتوجه إلى الغاية الأخروية بالمسافر الذي كلما تخفف من العدة، والعتاد أسرع في رحلته، وكان له السبق وهو الفائز برضوان الله.
ونحو خطبة له - عليه السلام - في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس، ووصف الدنيا: «...فَماَ احْلَوْلَتْ الدُّنْيَا لَكُمْ فِي لَذَّتِهَا، وَلا تَمَكَّنْتُمْ
ص: 108
مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا(1) إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا(2)، قَلِقاً وَضِينُهَا(3)، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَام بِمَنْزِلَةِ السِّدْر الْمَخْضُودِ(4)، وَحَلَالَهُا بَعِيداً غَيَرْ مَوْجُود،...»(5) هذه الاستعارة ذات بعد فكري عميق، صور فيها الإمام الدنيا بالناقة، فأتى بالمشبه وحذف المشبه به وأتى بلوازمه، فهو يوجه الخطاب إلى بني أمية ونحوهم، وذلك بتذوقهم لذه الدنيا، وابتهاجهم بها وتمكنهم منها بعد الرسول - صَلىَّ اللهَّ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ - وتذكير لهم بمخالفتهم لسنته في ذلك فاستعار لفظ «الأخلاف» لولعهم بالدنيا وملذاتها، وجعل الدنيا «جائلة الخطام، قلقة الوضين»، حيث ذكّر أصحابه بأنهم صادفوها وقد صعبت على من يليها ولاية حق كما تستصعب الناقة على راكبها إذا كانت جائلة الخطام، لا يمكن لراكبها السيطرة على زمامها، وقلقة الوضين، لا يثبت هودجها تحت راكبها، فما يلبث حتى يهوي من على ظهرها، فهي تتحرك من غير اتزان ولا استقامة، فتلقيه في المهالك، وكذلك هي الدنيا تماما، فأعطى الإمام بذلك الاستعارة بعدا ذهنيا عميقا، يخلق جوا من الخيال وإعمال الفكر ويحدث مقارنة عقلية بين الدنيا والناقة.
ص: 109
وفي نفس المساق خطبة له - عليه السلام - في الرسول الأعظم - صَلىَّ اللهَّ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ - وحال الناس قبل البعثة، وبلاغ الإمام عنه: «... وَوَاللهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ، وَلاَ أُصْفِيتُمْ بِهِ(1) وَحُرِمُوهُ، وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِ اًل خِطَامُهَا(2)، رِخْواً بِطَانُهَا(3)، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ، فَإِنَّمَ هَوَ ظِلٌّ مْمَدُودٌ، إِلَ أَجَل مَعْدُود....»(4).
فلقد لمسنا من النصين السابقين الدعوة إلى ترك الدنيا وعدم التمسك بها والاغترار بنعيمها وملذاتها الزائلة، فهي لا تثبت لأحد، ولو ثبتت لأحد لثبتت لأولياء الله في أرضه، واستطاع الإمام من خلال الصورة الاستعارية أن يوصل مايريد للمتلقي في صورة لطيفة، سمتها الإبداع، والابتكار في اختيار الألفاظ وتناسبها.
وقال الإمام - عليه السلام - في خطبة الأشباح منها: في صفة الأرض ودحوها على الماء: «... كَبَسَ(5) الْارْضَ عَلی مَوْرِ(6) أَمْوَاج مُسْتَفْحِلَة(7)، وَلَجُجِ بِحَار زَاخِرَة،
ص: 110
تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ(1) أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها(2)، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِها(3) وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ(4) عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ(5) أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً(6) مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ(7) الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الْارْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُّجَةِ تَيَّارِهِ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ(8) وَاعْتِلَائِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ(9)، وَكَعَمَتْهُ(10) عَلَی كِظَّةِ(11) جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقاتِهِ، وبَعْدَ زَيَفَانِ(12) وَثَبَاتِهِ، فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا(13)، وَحْمَلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ(14) عَلَی
ص: 111
أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ(1) أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ(2) بِيدِهَا(3) وَأَخَادِيدِهَا(4)، وَعَدَّلَ حَرَكَاتَهِا بِالرَّاسَيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا(5)، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ(6) مِنْ صَيَاخِيدِهَا(7)...»(8) هذه الخطبة من جلائل الخطب ففيها تمجيد لله سبحانه وتعالى باعتبار خلقه للأرض في الماء، وجملة من أحوالها، وهي مليئة بالمجازات اللغوية، فصور هاهنا عظمة الخالق وقدرته وبديع صنعته، حيث بين الإمام كيفية خلق الأرض بأسلوب رفيع غاية في الدقة والرصانة، بأسلوب رفيع ارتقى من خلاله بالصورة الاستعارية، حيث وظف الاستعارة لتصوير هذا المشهد، في أحسن وأبدع صورة، فحلق بالمتلقي لعالم الخيال والجمال، فقوله: « كَبَسَ الاْرْضَ عَلى مَوْرِ أَمْوَاج مُسْتَفْحِلَة... وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا»، لقد استعار لفظ الكبس لخلقه باعتبار طمها بالتراب بالقوة، واستعار صفة الاستفحال للموج - المشبه - ووجه الشبه ما اشترك فيه الموج والفحل من الإضطراب، والهيجان، وصعوبة التغلب عليها، وكذلك استعار لفظ التصفيق وهي من لوازم الإنسان لحركة الأمواج
ص: 112
العالية، وأتم تلك الاستعارة بتشبيه الموج بالفحل فالموج الهائج له رغوة في أطرافه كما يظهر من فم الفحل زبد عند هيجانه فهذه صورة بحق تنطق عن مكنونها، فتصور الحدث كلوحة فنية زاهية الألوان بدقتها، وبراعتها، واختيار ألفاظها، بعيدة عن الوحشيّ، والغريب من القول.
أما قوله - عليه السلام - «.... فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً...» في هذه الصورة جعل الإمام للماء جماحا كما تجمح الفرس، ووصفه بالخضوع بعد الحالة التي كان عليها من الهيجان والصخب، واستعار أوصاف الناقة الكلكل، والكاهل للأرض، وخصهما في الصدر والكاهل لقوتهما، ثم استعار لفظ الاستخذاء والقهر ولفظ الحكمة والانقياد والأسر فجعله منقادا أسيرا، وساجيا مقهورا.
ويكمل تلك الاستعارات بقوله: «وَسَكَنَتِ الاْرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَاعْتلِاَئِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ، وَكَعَمَتْهُ عَلَ كِظَّةِ جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقاتِهِ، وبَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ، فَلَمَّ سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وَحَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ عَلىَ أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَأَخَادِيدِهَا، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسَيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا...» فقد استعار الإمام علي - عليه السلام - لفظ النخوة، والبأوه، وشموخ الأنف، والغلواء، والنزق، والزيقان، والوثوب للماء - المشبه - في هيجانه واضطرابه لشبهه بالإنسان - المشبه به - المتجبر غير المتزن في حركاته وهي دليل على تك ربه، وتجربه، وزهوه، وكذلك لفظ الأكتاف للأرض ووجه المشابهة كون
ص: 113
الأرض محلا لحمل الجبال الثقال، كما أن كتف الإنسان وغيره محمل لحمل الأثقال.
نلحظ بأن المقطع السابق بأكمله استعارات، وذلك غيض من فيض من براعة الإمام علي، فقد كون مجموعة من الألفاظ المستحدثة، ولو كرر الألفاظ نفسها لكان الكلام واحداً، والتفاوت في الجودة والامتياز مفقوداً، ولذهبت خصائصه، كما امتازت بخصائص عقلية تكتشف بالنظر العقلي، فتعالج أبعادها من إثارة العقل الإنساني بلفظة ما، وتنبه مداركه، فتكسر الجمود لديه، وتحطم الأغلال التي تكبله ليتحرر لعالم آخر، وتحرك الوجدان، ويصحو بها الضمير الإنساني، ويقدح العقل وينيره، وكل ذلك بفعل المجاز وحسن اختيار للوجه المناسب للاستعارة بدقة منتاهية لا نظير لها، من أجل بيان قدرة الخالق جل شأنه، دون تكلف أوتصنع.
ونحو خطبة له - عليه السلام - وفيها يعظ ويبينّ فضل القرآن وينهى عن البدعة: «... وَلْيَخْتَزِنَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ(1)، فَإنَّ هذَا اللِّسَانَ جُموحٌ بِصَاحِبِهِ(2)،..»(3) يشير الإمام ها هنا إلى خروج اللسان بصاحبه عن فضيلة العدل إلى الرذائل التي هي موارد الهلكة في الآخرة والدنيا، فاستعار صفة الجموح للسان - المشبه، وهي من لوازم الفرس، عندما تكون صعبة الانقياد، و صعبة على راكبها التثبت عليها، مخرج بصاحبه إلى الهلاك، والمتقي لاينفعه تقواه إلا بخزن لسانه، فكفه عن الرذائل جزء عظيم من التقوى فهي لا تتم بدونه ولا تنفع إلا به، من هنا كان الوجه مناسبا لاستعارة هذه اللفظة لوصف اللسان؛ لما لها من مدلولات عظيمة لم تتضح إلا من خلال هذه الاستعارة التي أبدع الإمام في اختيار ألفاظها.
ص: 114
ومن خطبة له في وصف مثيري الفتن: «... فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ(1)، لَا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً(2) يْحَفِزُهَا قَائِدُهَا(3)، وَيَجْهَدُهَا(4) رَاكِبُهَا،..»(5).
ينبه الإمام - عليه السلام - إلى ما سيقع بعده من الفتن، واستعار لفظ الزمام، والرحل، والحفز، والقائد، والراكب، وجهده لها ملاحظة لشبهها بالناقة، أي تامة الأدوات كاملة الآلات، كالإبل التي عليها رحلها وزمامها وقد استعدت لأن تركب وهي كقوله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً»(6).
وبذلك تتضح لنا قدرة الإمام على خلق دلالات جديدة، ومؤثرة من صور مألوفة ومعتادة، في البيئة المحيطة بإضافة المعاني الجديدة إلى نفس اللغة والالفاظ، ومرتبطة بأصول بلاغية لا تُخرجها عن دلالتها الأولى في أصل الوضع، بل تضيفها إليها توسعاً، ولا تكون إلا بمناسبة، ولا تنتقل المعاني المستحدثة إلا بقرينة، وبذلك يتحدد الاستعمال المجازي وفق ضوابط، وتحفظه من غريب اللفظ عند المتلقي؛ فيبتعد عن الوحشية، فلم يقل للفتنة طوداً، أوللسان قمراً، أي مراعاة المناسبة التى وضع لها، ووضوح القرينة، مانعين من الخلط المرتجل، وضابطين من المجاز المتكلف أوالوحشي من الكلام .
ص: 115
الوفاقية، والعنادية(1).
وهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتوافقهما(2).
قول الإمام علي - عليه السلام - في شرعة الإسلام و وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما وصل للمسلمين وما وصلوا إليه بتساهلهم في أمره: «... وَكَانَتْ أَمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ..»(3).
يذكر الإمام أصحابه بتفريطهم وتهاونهم في الأمور التي كان الله سبحانه فرضها عليهم، وجعلهم موردها، ومصدرها من أمور الإسلام وأحكامه، والتسلط به على سائر الناس، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، فاستعار لفظ الظلمة لسوء العمل، والذنوب والتبعات، وهنا اجتماع بين طرفي الاستعارة، وتوافق فهي وفاقية.
من خطبة له - عليه السلام - يحذر فيها من الفتن: «.... وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، .....(4).
ص: 116
لقد استعار الإمام لفظ الإضاءة لاهتداء الخلق بنور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصف الإضاءة به مستعار لاهتداء الخلق فيه في معاشهم و معادهم، وكذلك الضلالة أي ضلالة الكفر، ووصفها بالظلمة لعدم الاهتداء فيها للحق، فتوافق االنور، والهدى، والضلالة، والكفر لما لهما من تشابه.
وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتعاندهما، وهي استعارة تهكمية أو تمليحية.(1).
نحو قوله - عليه السلام - : «يَا أيُّا النَّاسُ،...... ، وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ(2) بِهَا ملأت ضَمِيرَهُ أَشْجاناً(3)، لَهُنَّ رَقْصٌ(4) عَلَی سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ(5): هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ،...»(6).
يحذر هاهنا من الدنيا؛ فإن من اتخذ محبتها شعاراً ملأت قلبه هموماً وغموماً، وأحزاناً على ما لم يحصل منها بطلبه، وعلى ما فات منها بالأسف عليها، فاستعار لفظ
ص: 117
الرقص - وهو لحالات اللهو والطرب والفرح والتعبير عنها بالرقص - لتعاقب تلك الأحزان والهموم، وإضرابها في قلبه إلى غاية الأخذ لكظمه، وفي ذلك إنزال للتضاد منزلة التناسب لمن تعلق بالدنيا وزخرفها.
وقوله - عليه السلام - في صفات من يحبه الله، وحال أمير المؤمنين مع الناس:
«... وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ،.. لاَ يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ، وَلاَ بَابَ الْعَمَى فيَصُدَّ عَنْهُ، فَذلِكَ مَيِّتُ الأحْيَاءَ!...»(1).
استعار الإمام للجاهل لفظ الميت بقوله ميت الأحياء، ولأن الموت، والحياة للجاهل اشتراكٌ في عدم الفائدة المطلوبة منه، وهي الإدراك والعقل، ولكون الموت بها أولى فاستعار لفظه لها، وكون الجاهل ميتا فلأن الحياة الحقيقية التي تطلب لكل عاقل هي حياة النفس باستكمال الفضائل التي هي سبب السعادة الباقية، والجهل المركب هو الموت المضاد لتلك الحياة، وأما أنه ميت الأحياء فلأنه في صورة الحي.
ومما يؤكد ما ذهب إليه الإمام علي وردها في القران الكريم على هذا النحو: «قوله تعالى: «أومن كان مّيْتاً فأحييناه»(2) أي: ضالًا فهديناه، فإنّ في هذه الآية استعارتين هما: استعارة الإحياء للهداية لاشتراكهما في ثبوت ألانتفاع، وهي وفاقيّة لإمكان اجتماع الإحياء والهداية، واستعارة الموت للضلال لاشتراكهما في عدم الانتفاع، وهي عنادية لعدم إمكان اجتماع الموت مع الضلال الذي لا يكون إلا في الحي لأنّ الضالّ حي، وهي كقوله تعالى: «فبشِّهم بعذاب أليم»(3) أي: أنذرهم، فاستعيرت البشارة
ص: 118
للإنذار الّذي هو ضدّه، فقد نزّل التضاد منزلة التناسب»(1)، وقد اتبع الإمام نفس الأسلوب مستفيداً من الطاقة الإيحائية لهذه الكلمات.
وبذلك يتبين لنا «كثرة استعمال المجاز في لغة العرب لتوظيفه في شؤون الحياة الاجتماعية من جهة، ومن أجل إضافة مخزون تراثي متطور يواكب لغة العصر، وتطورها من جهة أخرى؛ فعمد الباحثون إلى المعاني فزخرفوها ونظموها، ووقفوا عند الأغراض التي تخدمهم ولها قيمتها المجتمعية، والتراثية فصبوها في قوالب جديدة، وعرضوها، فكان للمجاز أثره في إبداعات اللغة العربية، وذلك بالانتقال به إلى معانٍ جديدة لم تكن من قبل وإنما أتت بإرادتهم في التجديد اللغوي والبلاغي، حتى عاد المجاز بحق معلماً بارزاً في التراث العربي، بل أصبح ظلاً لا يفارقهم في حياتهم الأدبية، فهو لديهم بمثابة الثروة المختزنة لمعاني اللغة العربية»(2)، ومن أهم مخزوناته كلام أمير المؤمنينعليه السلام.
الاستعارة باعتبار الجامع وهو الوجه الذي يقصد اشتراك الطرفين فيه، والجامع في الاستعارة بمنزلة وجه الشبه في التشبيه، وينقسم إلى خارج وداخل(3):
ص: 119
ما يكون فيها الجامع داخلاً في مفهوم الطرفين، بأن يكون جزءا من مفهومهما لكونه جنسا أو فصلا لذلك المفهوم(1).
ومن كلام له - عليه السلام - لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاطبه العباس وأبوسفيان في أن يبايعا له بالخلافة، وذلك بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر في السقيفة، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه «... وَاللهِ لاَبْنُ أَبي طَالِب آنَسُ بالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ(2) عَلَی مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لَاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاْرْشِيَةِ(3) في الطَّوِيِّ(4) البَعِيدَةِ!»(5).
يشير الإمام هاهنا إلى سبب جملي لتوقفه عن الطلب والقيام على غير ما نسب إليه من الجزع والخوف من الموت، وهو العلم بعواقب الأمور، وتطلعه إلى نتائج الحركات بعين بصيرته التي هي كمرآة صافية مما يوجب توقفه عما يعلم أن فيه فساداً، وتسرعه إلى ما يعلم فيه مصلحة.
بخلاف الجاهل الذي يقدم على عظائم الأمور بقصر الرأي، ثم نبه على عظيم قدر العلم الذي اندمج عليه بقوله لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأريشه في الطوى البعيد فشبه اضطراب آرائهم على ذلك التقدير باضطراب الحبل في البئر
ص: 120
العميقة، وذلك أن الطوى كلما كان أعمق كان اضطراب الحبل فيها أشد لطوله، وكذلك حالهم حينئذ أي كلما تعمقوا في المناقشة حول الأمر يكون لهم اضطراب قوي واختلاف شديد، بجامع الاضطراب في كل، وهو داخل في مفهومهما معاً، وأراد بأن الذي يمنعني من المناقشة في هذا الأمر والقتال عليه شغلي بما انطويت عليه من العلم بأحوال الآخرة من نعيم وشقاء، ولو كشفته لاضطربتم خوفا من الله ولذهلتم عما أنتم فيه من المنافسة في أمر الدنيا.
وقوله في بيان علة إرسال الرسل «.... وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ،....»(1).
يبين لنا الإمام إلقاء الحجة من الله على عباده بإرسال الرسل ليبلغوا رسالات ربهم، وإنذارهم لقاء يومهم الذي يوعدون كما أشرت إلى ذلك سلفا، واستعار لذلك لفظ الدفائن لدفائن جواهر العقول، ونتائج أفكارها، لوجودها أصلاً في العقل، وهي بحاجة لمن يخرجها، كالكنوز الموجودة في باطن الأرض، والجامع في كل هو الحاجة للإخراج، وهو داخل في مفهوميهما، والأنبياء هم الأصل في استخراجها لإعداد النفوس وتأهيلها لعبادة الباري عز وجل.
يكون الجامع خارجاً في مفهوم الطرفين غير داخل في معناهما أو في معنى أحدهما وهذا التقسيم أقرب إلى المنطق منه إلى البيان(2).
ص: 121
ونحو قوله - عليه السلام - : من خطبة له يحذر من الفتن: «... ثُمَّ يَأْتِ بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ(1)، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ(2)، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة،...»(3).
يريد الإمام أن يبين قوة تلك الفتنة ويحذر منها وكانت تلك فتنة التتار، وقال بعض الشارحين بل ذلك إشارة إلى الملحمة الكائنة في آخر الزمان كفتنة الدجال وطالعها ومقدمتها وأوائلها؛ فهي تهلك الخلق، واستعار لفظ الزحف لتلك الفتنة ملاحظة لشبهها بالرجل الشجاع كثير الزحف في الحرب إلى أقرانه أي يمشي إليهم قدماً دون توقف، وهو أمر عارض وليس داخلاً في مفهومه.
ومن خطبة له - عليه السلام - : «أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله)، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، .....فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ(4)، وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ(5) وَايْمُ اللهِ، لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيِرهَا، وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا، مَا ضَعُفْتُ، وَلاَ جَبُنْتُ، وَلاَ خُنْتُ، وَلاَ وَهَنْتُ، وَايْمُ اللهِ،
ص: 122
لاَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ(1) حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصَرِتِهِ!»(2) يشير الإمام هاهنا إلى شفقة الرسول (صلى الله عليه وآله) على الخلق في الغزوات فكان يسير آخرهم ويتفقد المنقطع منهم، ويوصل مايمكن من العقيدة المرضية والأعمال الزكية التي هي الغاية من طريق الشريعة المطلوب سلوكها، فاستعار الإمام علي - عليه السلام - لفظ الرحى لاجتماعهم وارتفاعهم على غيرهم كما ترتفع القطعة من الأرض عن تألف التراب ونحوه، فالجامع في كل منهما هو الاجتماع والارتفاع، وهو غير داخل في مفهموهما معاً.
كما في قوله «وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا» استعار لفظ الاتساق والقيادة، وهما للإبل المجتمعة لسائقها والمنظمة في قيادته لها لمن أطاعه من العرب، وانقاد للإسلام، والجامع بينهما هو الانقياد وهو غير داخل في مفهومهما وإنما معارض لكليهما.
نحو قول - عليه السلام - : «إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيءٌ(1)، وَإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيءٌ(2)»(3).
استعار للحق وصف الثقل وهذا الوصف للشيء المادي، وذلك لاعتبار صعوبته ولفظ المريء باعتبار استلزامه للراحة في الآخرة، واستعار للباطل وصف الخفة باعتبار سهولته، ولفظ الوبيء باعتبار استلزامه لإهلاكهم في الآخرة. ومن كلام له - عليه السلام - يعظ بسلوك الطريق الواضح: « أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَىُ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی مَائِدَة شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ.....»(4).
هنا ترغيب لأصحابه السالكين لطريق الهدى في البقاء على ما هم عليه بذكر كونه طريق الهدى، ومن العادة أن يستوحش الناس من الوحدة، وقلة الرفيق في الطريق الطويل الصعب، ونبه على قلة أهل الهدى، وهو اجتماع الناس على الدنيا و استعار لها لفظة المائدة - المشبه به - في كونها مجتمعاً للذات، وكما استعار للحاجة الطويلة للطعام بعد الموت لفظ الجوع أي الأعمال الصالحة، و يريد من ذلك التأسف بعد مفارقة لذّاتِ الدنيا، التي لا تحصل عليها بعد الموت أبداً، فيطول جوعها فيها، وراعى المقابلة في ذلك، فالجوع يقابل الشبع، والطول يقابل القصر.
وقوله - عليه السلام - روي عنه أنّه قاله عند دفن سيدة النساء فاطمة صلىّ
ص: 124
الله عليها، كالمناجي به رسول الله - صلى الله عليه وآله - عند ق ربه: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!.. «إِنَّا للهِّ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ»(1)، فَلَقَدِ اسْتْرُجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! ..»(2).
استعار لفظ الوديعة والرهينة لتلك النفس فصور النفوس لتلك الأبدان بالودائع، والأمانات في كونها تسترجع إلى عالمها، ووجوب المحافظة عليها من المهلكات، ويحتمل أنه يريد من هذا التصوير ما هو متعارف بين الناس في كون المرأة وديعة الرجال كما يقال: النساء ودائع الكرام، وبذلك هي معلومة عند الناس.
وهي استعارة غريبة تحتاج الى فكر وتأمّل، ولا يظفر بها إلا من ارتفع عن طبقة العامة، وهي أما أن تكون في المشبه نفسه أوبتصرف الاستعارة العامية أو تحصل بالجمع بين عدة استعارات لالحاق الشكل بالشكل(3).
نحو كلام له - عليه السلام - قاله لل ربج بن مسهر الطائي، وقد قال له بحيث يسمعه: لاحكم إلاَّ لله، وكان من الخوارج فقال له: «اسْكُتْ قَبَّحَكَ اللهُ(4) يَا أَثْرَمُ(5)، فَوَاللهِ لَقَدْ ظَهَرَ الْقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلًا(6) شَخْصُكَ، خَفِيّاً صَوْتُكَ، حَتَّى إِذَا
ص: 125
نَعَر(1) الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِز(2). (3)،» لقد كان البرج شاعراً مشهوراً من شعراء الخوارج نادى بشعارهم بحيث يسمعه عليه السلام، فزجره، وقبحه، ودعاه بآفته إهانة له كما هو العادة في إهانة ذوي العاهات بذكر آفاتهم»(4)، واستعار له لفظ قرن الماعز في ساعة ظهوره بين الناس، وارتفاع ذكره عند ظهور الباطل، وقوته، ووجه المشابهة بينهما السرعة بغتة، أي طلعت بلا شرف، ولا شجاعة، ولا قدم، بل على غفلة كنبات قرن الماعز، ومن البلاغة تصوير من يراد إهانته بالشيء المهين الحقير.
ونحو قوله - عليه السلام - : «.. وَالرَّغْبَةُ(5) مِفْتَاحُ النَّصَبِ(6)، وَمَطِيَّةُ(7) التَّعَبِ،..»(8)، لقد استعار الإمام علي - عليه السلام - للرغبة في الدنيا لفظ المفتاح باعتبار الرغبة باباً وأتى بلازمة من لوازمه - المفتاح - وهذا الباب هو باب التعب على الراغب، وكذلك لفظ المطية باعتبار استلزامها له كالمطية المُتعب ركوبها من أجلِ دخول ذلك الباب.
ص: 126
وتنقسم إلى سته أقسام(1):
من كلام له - عليه السلام - : «وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ(2) لَا تَأْخُذُونَ حَقّاً وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لَلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لَلْمُتَلَوِّمِ(3)»(4).
أشار الإمام بهذا الكلام إلى أنه ستلحقهم غلبة من العدو، وتعضهم الحروب بحيث يضعفون، ويأخذون في الهرب والتخفي فلا ينتفع بهم في أخذ حق أو دفع ضيم، ووصف الكشيش مستعار لهم باعتبار هيئاتهم في الحيد عن العدو والهرب منه وهو وجه الشبه بكشيش الضباب، وكلاهما حسيان كما وجه الشبه، وقد خليتم
ص: 127
الطريق - أي طريق الآخرة - فالنجاة للمقتحم أي مقتحمها، والمبادر إلى سلوكها، والهلكة للمتوقف عن ذلك.
قال الإمام علي - عليه السلام - في بيان قدرة الله: «.... وَلاَ فِيَما رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلاَ إِلَی مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا. أَقْبَلُوا عَلَی جِيفَة قَدْ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَی حُبِّهَا، ..»(1).
ينبه الإمام هؤلاء من مراقد غفلاتهم بتذكيرهم بعيوبهم لعلهم يرجعون، واستعار لفظ الجيفة المحسوسة للدنيا المحسوسة أيضا، ووجه الشبه عقلي فلذات الدنيا في نظر العقلاء واعتبارات الصالحين منفور عنها، ومهروب منها ومستقذرة كالجيفة.
الْعَلْيَاءِ، ....»(1).
استعار الإمام لفظ الشجرة لصنف الأنبياء (عليهم السلام) ووجه المشابهة كون ذلك الصنف ذا ثمر وفروع، ففروعه أشخاص الأنبياء، وثمره العلوم والكمالات النفسانية كما أن الشجرة ذات غصون وثمر، وكما في قوله - عليه السلام - المشكاة يريد بهم آل إبراهيم كما يذكر الشارحون، ووجه المشابهة أن هؤلاء قد ظهرت منهم الأنبياء، وسطع من بيتهم ضياء النبوة ونور الهداية كما يظهر نور المصباح من المشكاة، ويشير الإمام هاهنا إلى قريش بلفظ الذؤابة ووجه المشابهة تدليهم في أغصان الشرف والعلو عن آبائهم كتدلي ذؤابة الشعر عن الرأس، ونلحظ مما سبق بأن بعض الجامع حسي وبعضه عقلي في الاستعارة الواحدة نفسها.
وقال - عليه السلام - : «اتَّقِ اللهَ بَعْضَ التُّقَى وَإِنْ قَلَّ، وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ»(2).
يأمر الإمام بالتقوى لأنها الزاد إلى الله، ولما كان الاستكثار منها مستلزما للقرب من الله وسرعة الوصول إليه كان الأولى الإكثار منها وإلا فالبعض، ولا يجوز تركه بالكامل في الطريق الصعبة الطويلة، واستعار لفظ الستر لحدود الله الساترة من عذابه، وهما أمران معقولان، وأمر أن يجعلها بينه وبين الله أي يحفظ حدود الله ولا
ص: 129
يهتكها بالمعاصي فغلظة الستر شدة المحافظة على حدود الله ورقته باستيفاء الأمور الجائزة من المباحات والمكروهات.
قوله في خطبة له - عليه السلام - يومي فيها إلى الملاحم: «... وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ!»(1).
عبّر الإمام عن أخذهم الحكمة، ومواضبتهم على تلقفها بعد استعدادهم لها بالغبوق والصبوح، ولفظ الغبوق والصبوح حقيقتان في الشرب المخصوص المحسوس، وهؤلاء المشار إليهم بالاستعداد للحكمة وأخذها هم علماء الأمة السابقون، ومن آخر الزمان من المستجمعين لكمالات النفوس، السالكين لسبيل الله المرتضين في نظره ونظر الأئمة من ولده بعده، فاستعار الغبوق والصبوح، وما فيهما من الشراب الحسي للحكمة العقلية.
ونحو قوله - عليه السلام - في بيان قدرة الله:» ..أَقْبَلُوا عَلىَ جِيفَة قَدْ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلىَ حُبِّهَا، وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى(2) بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَينْ غَيْرِ صَحِيحَة، ..»(3) أي أعشت الدنيا أبصارهم، وأمرضت قلوبهم، واستعار لفظ البصر المحسوس
ص: 130
لنور البصيرة المعقول، ولفظ العشاء مستعاراً لعدم استفادتهم بأبصارهم عبرة تصرفهم عن حب الدنيا غلى ملاحظ أحوال الأخرة، وكذلك استعار لفظ المرض للداء الأكبر، وهو الجهل استعارة لفظ المحسوس للمعقول.
ومن خطبة له - عليه السلام - وفيها تألمه من جور مثيري الفتنة في خلافته، وحكاية حاله مع من سبق: «..... ومن خطبته - عليه السلام - وفيها تألمه من جور مثيري الفتنة في خلافته، وحكاية حاله مع من سبق: «..، فَسَدَلْتُ(1) دُونَهَا ثَوْباً،. أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْيَة(2) عَمْيَاءَ..»(3).
استعارة الإمام المحسوس لفظ الثوب، ويريد بذلك الحجاب والحاجز المعقول، وكما استعار لفظ الطيخة وهي محسوس للمعقول، ووجه المشابهة بأن الظلمة كما لا يهتدى بها لمطلوب كذلك اختلاط الأمور، فالأعمى لا يهتدي لمطالبه، وكذلك من هو في الظلمة، وكما في الطخية العمياء استعار لفظ الظلمة، والعمى على الصبر على البلاء رغم ما يشاهده من اختلاط الحق مع الباطل.
ومن خطبة له - عليه السلام - صفة الضال: «... حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ، استَقْبَلُوا مُدْبِراً، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً،..»(4).
استعار الإمام لفظ الجلابيب للغفلة ووجه المشابهة هي حجب الغفلة لأعين
ص: 131
بصائرهم عن التنور بأنوار الله وهي معقول كحجب الوجه بالجلباب وهو محسوس، والمدبر الذي استقبلوه هو العذاب الأخروي، والأهوال التي كانت غائبة عنهم، والمقبل الذي استدبروه هو ما كانوا فيه من آمالهم وأحوالهم الدنيوية، وظاهر أنهم لم ينتفعوا إذن بما أدركوا من طلباتهم الدنيوية ولابما قضوا من أوطارهم وحاجاتهم الحاضرة فيها.
ومن خطبة له - عليه السلام - وهي من خطب الملاحم منها في ذكر النبي (صلى الله عليه وآله): «... اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأنْبِيَاءِ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ(1)، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ. ...»(2).
استعار لفظ المصابيح المحسوسة للأنبياء، ووجه الشبه في كونهم مصابيح لظلمة الجهل العقلية، وكما أتى بلفظ الينابيع لهم، ووجه المشابهة هي فيضان العلم والحكمة عنهم وهي معقول، كفيضان الماء عن ينابيعه المحسوس.
ومن الملاحظ غلبة هذا النوع في الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع على الأقسام الأخرى من النوع نفسه لما لها من خصوصية واضحة، وبلاغة باهرة بإعطاء المعقول صفة المحسوس، وكأنه مجسم ماثل أمام المتلقي.
ص: 132
نحو قوله - عليه السلام - في خطبة الأشباح: ومنها: في صفة الارض ودحوها على الماء: «... أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، ...»(1) يمجد الله جل شأنه ويثني على خلقه للأرض في الماء، واستعار لذلك لفظ الجماح هو عدم الركون والانصياع لحركة الماء على غير نسق، والجامع الإضطراب، فاستعار المعقول الإضطراب للمحسوس الماء.
وإذا تأملنا أسلوب الإمام علي من فخامة الألفاظ، وجزالة المعاني المطابقة للبراهين العقلية، وحسن تلك الاستعارات في استعارة المحسوس للمحسوس، والمحسوس للعقلي، والمعقول للمعقول، وصحة ترتيب أجزائها، ووضع كل لفظ في موضعه، وجدناه لايصدر عن أي شخص، وإنما يصدر عن علم لدني، وفيض رباني، وأمكننا حينئذ التفريق بين كلامه وكلام غيره، والتمييز بينهم بسهولة؛ لأنه تجاوز المجاز لديه حدود الصورة المحسوسة إلى المجرده.
وهذا مما أشار إليه المرحوم الأستاذ العقاد بقوله:» اللغة العربية لغة المجاز، لا لأنها تستعمل المجاز، فكثير من اللغات تستعمل المجاز كما تستعمله اللغة العربية، ولكن اللغة العربية تسمى لغة المجاز لأنها تجاوزت بتعبيرات المجاز حدود الصور المحسوسة إلى المعاني المجردة، فيستمع العربي إلى التشبيه فلا يشغل ذهنه بأشكاله
ص: 133
المحسوسة إلا ريثما ينتقل منها إلى المقصود من معناه»(1).
وتنقسم الاستعارة باعتبار ذكر ملائم المستعار منه أو ملائم المستعار له، وعدم ذكرها، إلى ثلاثة أقسام(2):
وهي ما قرنت بملائم المستعار منه(3).
كقوله - عليه السلام - في وصية لابنه محمد ابن الحنفية بالثبات، والحذق في الحرب:
«أَلاَ وإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ(4)، وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتي مَالَبَّسْتُ عَلىَ نَفْسيِ(5)، وَلَا لُبِّسَ عَليَّ، وَايْمُ اللهِ لَافْرِطَنَّ(6) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتُحِهُ(7)! لَا
ص: 134
يَصْدِرُونَ عَنْهُ(1)، وَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»(2).
يتوعد الإمام علي - عليه السلام - أعداءه ويشبههم بالشيطان، والجامع بين الاثنين هو مخالفة الحق، واستعار إفراط الحوض لجمعه الجند، والاستعداد للحرب، وعادة ما تشبه الحرب بالبحر، وبالماء الجم الكثير، فاستعار لها أوصافه فعلى سبيل المثال: يقال فلان خواض الغمرات، أو منغمس في الحرب، ورشح الاستعارة بذكر مايلائم المستعار منه، وهو الحوض بالمنح، والفرط والإصدار، والإيراد.
وقوله - عليه السلام - في الخطبة القاصعة عن إبليس في ذم الكبر و تقبيح الإختلاف و هي من جلائل الخطب: «.... الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَ رُّبِهِ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً، وَأَعَدَّ لَهُ فِي الاْخِرَةِ سَعِيراً؟!(3)» أي بتجبره وتكبره «نازع الله رداء الجبريّة» فهنا استعارة وجهها المنازعة في الرداء، وكذلك قوله: «وادرع لباس التعزز» استعار لفظ الادرع - مستعار منه - لإبليس من جهة اشتماله، وتلبسه بالتعزز، ورشح بذكر لفظ اللباس، وكذلك قوله: «وخلع قناع التذلل»استعار للفظ الخلع - المستعار منه - وترشح بذكر ما يلائمه وهو القناع.
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس وهو عامله على البصرة يستعطفه على بني تميم: «...، وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ(4) لِبَنِي تِمَيم،
ص: 135
وَغِلْظَتُكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ بَنِي تَيِم لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ(1) إِلاَّ طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ(2)، وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْم(3) فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلاَم، ....(4)».
فقوله «واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم» استعار لفظ العقدة - المستعار منه - لكون الخوف معقوداً في قلوبهم كالعقدة للحبل، وما شاكله، ورشح بذكر لفظ الحل؛ والغرض من هذه الأوامر أن لا ينفر قلوبهم منه وتثور أضغانهم، ثم ذكر أحوالاً لهم يحث فيها على وجوب مراقبتهم وحفظ قلوبهم لأجلها منها قوله: إن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم غيره أي لم يمت لهم سيد إلا قام لهم آخر مقامه، واستعار لفظ النجم لسيد القوم لكونه قدوتهم ويهتدون به، ورشح بذكر مايلائم المشبه به بلفظ المغيب، والطلوع.
وقوله عندما سئل - عليه السلام - : «من أشعر الشعراء؟ فقال: «إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلبة(5) تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا(6)، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ»(7).
أراد الإمام أن يقول هاهنا بأن الشعر ليس على منهج واحد حتى يفاضل بينهم بل
ص: 136
لكل منهم خاصة يجيد فيها وتنبثق قريحته(1)، فاستعار لفظ الحلبة وهي المستعار منه، ثم رشح بذكر مايستدعيه بلفظ الإجراء والغاية وقصبتها، وذلك أن عادة العرب أن يضع قصبة في آخر المدى فمن سبق إليها وأخذها فاز بالسبق والغلب.
وهي التي تقترن بما يلائم المستعار له(2).
من كلام له - عليه السلام - كان ينادي به أصحابه في الإنزعاج عن الدنيا و التذكير بالموت: «تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ! فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ(3) عَلىَ الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، فإنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً(4)، وَمَنَازِلَ مُخَوفَةً مَهُولَةً، لاَبُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا، وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا»(5).
يأمر الإمام بالتجهز للرحيل من الدنياو الإستعداد للسفر إلى الله بما يحتاج إليه المسافرون إلى حضرته من الزاد المبلغ، وهو التقوى، والعمل الصالح ، واستعار الإمام لفظ الزاد - المستعار منه - إلى الأعمال الصالحة - المستعار له - ، واقترنت بما يلائم المستعار له انقلبوا بصالح، على سبيل التجريد.
ص: 137
وهي ما لم تقترن بما يلائم أحدهما، أو اقترنت بما يلائمهما معاً؛ على طريقة تعارضا فتساقطا فبقيت على إطلاقها(1).
كقول الإمام - عليه السلام - في إبتداء خلق السماء و الأرض و وصف آدم و ذكر الحجج والحكم: «وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ(2)، لِيَسْتَأْدُوهُمْ(3) مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، ...... مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ»(4).
فلو نظرنا إلى قوله: «دفائن العقول» فالمستعار منه الدفائن، والمستعار له هي جواهر، ونتائج الأفكار، ولم يقترن أي منهما بما يلائمه فهي مطلقة، وقوله:» ... مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، ....» فالمستعار منه السقف، والمستعار السماء، وقوله:» ومهاد تحتهم موضوع»، فالمستعار منه هاهنا المهاد، والمستعار له هو الفراش أوالبساط، فهما كسابقتهما فلا تفريع يلائم أحد الطرفين، و وردت في القرآن في قوله تعالى: «إِنَّا لَّمَا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ»(5) فالمستعار منه - هنا - هو
ص: 138
الطغيان والمستعار له هو الزيادة ولم يقترن أي منهما بما يلائمه.
نحو كلام له - عليه السلام - في صفة الرسول و العلماء : «فَطُوبَى لِذِي قَلْب سَلِيم، ...وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ(1)، فَقَدْ أُقِيمَ عَلىَ الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نْهَجَ السَّبِيلِ»(2).
لقد شبه الهدى بالبيت في قوله: «وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه»، وحذف المستعار منه، وذكر مايناسبه،، وهي الأبواب، وجرد بلفظ المبادر أي المسارعة للهدى، وكذلك شبه نفسه، وأئمة الهدى بالأبواب التي يوتى إليها، ورشح بذكر الغلق، واستعار لفظ الأسباب لهم، ووجه الشبه كونهم هم السبيل للهدى، ورشح بذكر القطع وأراد به موتهم؛ إذا اجتمع في العبارة الترشيح والتجريد فتعارضا فتساقطا فكانت مطلقة.
وهي مماثلة لقوله تعالى: «أُوْلَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُواْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ فَمَا رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ»(3) شُبِهت الضلالة بسلعة تباع وتشترى, وحُذف المستعار منه ودُل عليه بلازمه وهو فعل الشراء, وهي القرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لأن الضلالة لا تباع ولا تشترى أما كلمة رَبِحَتْ فتناسب المستعار منه المشبه به وهو السلعة التي من شأنها أن يربح فيها فكان قوله عز وجل:] فَماَ رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ[ ترشيحا، والآية أيضا فيها تجريد في قوله: «وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ» فكانت مناسبة
ص: 139
للمشبه كلمة «الضّلاَلَةَ» لأن من شأن من اعتنق الضلالة أن لا يهتدي فكان ذلك تجريدا؛ إذا الآية الكريمة اجتمع فيها الترشيح والتجريد فتعارضا فتساقطا فكانت مطلقة(1).
ولقد احتلت الاستعارة المرشحة الصدارة وقصب السبق من الناحية الفنية، فتفوقت على الاستعارة المجردة، والاستعارة المطلقة في حضورها اللافت في خطاب الإمام، فهي تحتضن الخصائص اللغوية والبلاغية معا، ويعود ذلك لحقيقة كون الكلام المشتمل على الاستعارة فيها أبلغ، وأقوى من الاطلاق والتجريد؛ لاشتماله على تقوية المبالغة وكمالها، فإن المحور الذي يدور عليه الترشيح إنما هو تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه هو المشبه به نفسه وكأن الاستعارة غير موجودة(2)، وقد رأينا ذلك جليا في طيات كتاب نهج البلاغة، فالإمام يجدُّ في إنكارها، ويخيل إلى المتلقي أن الأمر على مايقول حقيقة، كما أن المطلقة أبلغ من المجردة؛ لأن التجريد يذكر بالتشبيه فيضعف دعوى الاتحاد(3)، وعلى هذا الأساس تكاد تخلو منها خطب الإمام وكلماته.
ص: 140
تنقسم الاستعارة باعتبار المستعار له إلى قسمين(1):
وهي ما كان المستعار له فيها محققاً حسّاً، أو عقلا بأن كان اللفظ منقولا إلى أمر معلوم يمكن الإشارة إليه إشارة حسية أو عقلية(2).
من كلام له - عليه السلام - قاله لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة:
«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْري مَعَكُمْ عَلىَ مَا أُحِبُّ، حَتَّى نَهَكَتْكُمُ(3) الْحَرْبُ، وَقَدْ، وَاللهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ، وَهِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ....»(4).
لفظ النهك واستناده للحرب صور فيه الحرب - المستعار له - وقد أضعفتهم بالثوب - المستعار منه - لشبههم بالثوب الذي أخلقه اللبس فقد استعار الثوب الخلق للحرب وهو محقق عقلاً و حساً فهي تحقيقية من كلام له - عليه السلام - في النهي عن الإعوجاج، وإن قل المستقيمون، والوصية بإنكار المنكر: «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَىُ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی مَائِدَة شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ»(5)، فقد استعار لفظ المائدة للدنيا - مستعارله - بجامع كونها مجمع اللذات، والدنيا محققة حساً.
ص: 141
وهي ما كان المستعار له فيها موهوماً، غير محقق، لا عقلاً ولا حسّاً، بل هو صورة محضة لا يشوبها شيء من التحقيق(1).
من خطبة له - عليه السلام - في الوعظ: «... وَاعْتَبِرُوا بِالآْي(2) السَّوَاطِعِ،(3) وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ(4) الْبَوَالِغِ،(5) وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخالِبُ الْمَنِيَّةِ، وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الأمْنِيَّةِ، وَدَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الأمُورِ،(6) وَالسِّيَاقَةُ إِلى الْوِرْد(7) المَوْرُودِ، «وَكُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(8)»..»(9). شبه المنية - المستعار له - بالوحش - المستعار منه - بجامع اغتيال النفوس بذكر ما يلائمه، وهي المخالب، وإثبات المخالب للمنية غير محقق لا عقلاً ولا حساً.
ومن كلام له يجري نفس المجرى وكان كثيراً ما ينادي به أصحابه: «.. وَاعْلَمُوا أَنَّ
ص: 142
مَلاَحِظَ الْمَنِيَّة(1) نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ(2)، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ(3) فِيكُمْ، وَقَدْ دَهَمتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الاْمُورِ..»(4).
صور المنية - المستعار له - تارة بالإنسان -المستعار منه - الذي يلحظ ما حوله ويترقب، ويتحين الفرصة، فأعطاه صفة الشخوصية، وتارة أخرى بالحيوان المفترس - المستعار منه - فهو يصور المقدر القريب وقوعه، وهو لحوق الموت لهم، وتربصه بهم، ونسبه لمخالب المنية لوقوع ذلك بسرعة فيهم، وهي غير محققة لا حساً، ولا عقلاً بل وهمية محضة لا يشوبها شيء من التحقيق.
من خطبة له - عليه السلام - في ابتداء خلق السماء و الأرض و وصف آدم و ذكر الحجج و حكمته: «.... ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ(1)، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً(2)، وَقَمَراً مُنِيراً في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم(3) مَائِر»(4).
استعار لفظ الثواقب للشهاب، وهي الأجسام التي تثقب جسما آخر وينفذ فيه، ووجه المشابهة التي لأجلها سمي الشهاب ثاقبا؛ لأنه يثقب بنوره الهواء، ولكثرة الاستعمال فيه صار إطلاقه عليه حقيقة أو قريباً منها، واستعار لفظ السراج للشمس بجامع النور والضياء في كل، ثم استعار لفظ الرقيم للفلك تشبيها له باللوح المرقوم فيه ثم كثر استعمال هذا اللفظ في الفلك حتى صار اسما من أسمائه، واشتهرت مسمياتها بوصفية.
وقوله - عليه السلام - في التزهيد في الدنيا: «.. إِنْ دُعِيَ إلِیَ حَرْثِ(5) الدُّنْيَا عَمِلَ، أوْ إلِیَ حَرْثِ الاْخِرَةِ كَسِلَ! كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ(6) سَاِقطٌ عَنْهُ!(7)».
لقد استعار الإمام لفظ الحرث إلى الأعمال صالحها، وطالحها بجامع نتاج الحصاد
ص: 144
في كل، مستلزمة للمكاسب الدنيوية، والأخروية كما أن الحرث كذلك، فهي استعارة تصريحية أصلية، فقد صور ما عمل له من حرث الدنيا بالواجب عليه في مبادرته إليه، ومواظبته عليه، ونسبة ما قصر عنه من حرث الآخرة بالساقط عنه فرضه في تكاسله، وقعوده عنه مع أن الأمر منه ينبغي أن يكون بالعكس، وفي ذلك دعوة منه للعمل الأخروية للفوز بالحياة الأبدية.
وهي ما كان لفظ المستعار فيها فعلاً مثل(1):
نحو خطبة له - عليه السلام - في شرعة الإسلام: «حَتَّى أَوْرَى(2) قَبَساً لِقَابِس،(3) وَأَنَارَ عَلَماً(4) لِحَابِس(5)، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ(6) نِعْمةً، وَرَسُولُكَ بِالْحقِّ رَحْمَةً(7)».
يمتدح النبي و يذكر جهاده، واجتهاده في الدين، واستعار - عليه السلام - لفظ القبس وهو اسم مشتق لأنوار الدين، فهي مشتعلة تقتبس منها الخلائق أنوار الهدى، وهي استعارة تصريحية تبعية، وكذلك استعار لفظ الإنارة للعلم، وأسند إليه تنويره،
ص: 145
فالإنارة من لوازم المستعار منه وهو الشعلة، أو القبس فهي استعارة تبعية، والعلم هنا كناية كنى بها عن آيات الكتاب، والسنن، ونفهم من ذلك أنَّ النبي محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - أظهر أنوارا جعلها أعلاما يهتدي بها في سبيل الله من حبسته ظلمة الحيرة، ولا يستطيع الحراك من مكانه.
وكما قال - عليه السلام - : «احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ»(1).
استعار لفظ الفعل الحصاد الدال على المستعار منه إلى المستعار له، وهو الشر لشبهها بالزرع، وما يقتضيه في زيادته كذلك زيادة إضمار العداوة في صدر عدوه بما يضنه هو من عداوته، ونقصانه وعدمه بعدمها، فهي استعارة تبعية.
ومثله قولنا: عضنا الدهر بنابه وذلك التجوز في الفعل باعتبار حدثه، وإذا كان بعتبار زمانه كان التغاير بين المصدرين باعتبار القيدين نحوقوله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ(2)» أو اسماً مشتقّاً مثل قوله تعالى: «مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا»(3), أو حرفاً مثل: «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُواًّ وَحَزَناً»(4)، ومدار الاستعارة التبعية في الأفعال والصفات المشتقة منها على نسبتها إلى الفاعل نحو: نطقت الحال بكذا، أو المفعول الأول، أو إلي المفعول الثاني أو الأول والثاني أو إلى المجرور نحو قوله تعالى:
«فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(5)»(6).
ص: 146
وللتشخيص دوراً بارزاً في استعارات الإمام علي فهي سر من أسرار جمالها، وذلك بتجسيم الأمور المعنوية، وإبرازها للعيان في صورة شخوص، وخلع الصفات الإنسانية عليها، وهو لون من ألوان التخييل» يتمثل في خلع الحياة على المواد الجامدة، أوالظواهر الطبيعية والانفعالات الوجدانية«(1).
ولم يغفل القدماء الإشارة إلى هذا الموضوع، وإن لم يعرفوه بما هو مصطلح عليه حديثا، فقد بين عبد القاهر الجرجاني ما للتشخيص من دور مهم في جمالية الصورة الاستعارية وقيمتها الدلالية، وذلك بقوله: «فانك لترى بها الجماد حياً ناطقاً، والأعجم فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية،.. إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل، كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون..»(2).
وقد ورد التشخيص بالاستعارة في مواضع كثيرة في نهج البلاغة ومنها قول الإمام - عليه السلام - في التزهيد من الدنيا ووصف الموت: «... أَلاَ فَاذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الأمْنِيَاتِ، عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ(3) لِلأعْمَلِ الْقَبِيحَةِ، وَاسْتَعِينُوا اللهَ عَلَی أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ، وَمَا لا يُحْصَی مِنْ أعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ(4).
ص: 147
ذكر الإمام علي الموت ووصفه بلوازمه المنفردة عنه، وهي كونه هادماً للذات المعنوية، ومنغصاً لشهواتها، وقاطعاً للأمنيات فيها، وحدد وقت ذلك، وهو عند قيامهم بالأعمال القبيحة؛ ليكون ذكره زاجرا لهم عنها، وقد جاء هذا النص بخلاف ما اعتادوا عليه وألفوه عن الموت الذي أصبح عندهم شيئاً طبيعياً، فقد استطاع الإمام بصورة استعارية صوره فيها بهيئة مرعبة تهز النفوس، وتوقظ الأذهان، فقد جاء بهيئة الظالم المتجبر، الذي يطيح بالنفوس قتلاً، وبالأموال نهباً وسلباً، فلا يبقي على شيء إلا دمره وسحقه، وبذلك أعطاه صورة الشخوصية.
وقد جاء مثل هذا المعنى أيضا في قوله - عليه السلام - : «... فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ(1)، زَائِرٌ غَيُرْ مْحَبُوب، وَقِرْنٌ(2) غَيُرْ مَغْلُوب، وَوَاترٌ(3) غَيُرْ مَطْلُوب، قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ، وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ، وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ، وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ، وَقَلَّتْ
ص: 148
عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ(1)، فَيُوشِكُ(2) أَنْ تَغْشَاكُمْ(3) دَوَاجِى(4) ظُلَلِهِ(5)، وَاحْتِدَامُ(6) عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ(7) غَمَرَاتِهِ(8)، وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ(9)، وَدُجُوُّ(10) أَطْبَاقِهِ(11)، وَجُشُوبَةُ(12) مَذَاقِهِ; فَكَأَنْ قَدْ أَتْاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ(13)، وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ(14)، وَعَفَّى آثَارَكُمْ(15)، وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ، وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ، يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ(16)، بَيْنَ حَمِیم(17) خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَرِيب مَحْزُون لَمْ يَمْنَعْ، وَآخَرَ شَامِت لَمْ يَجْزَعْ..»(18).
ص: 149
في هذا النص الخطابي نلاحظ أن التشخيص قد ألقى بظلاله على الصورة الاستعارية، فظهر الموت بهيئة شخص منبوذ غير مرغوب فيه، فهو هادم اللذات، مكدر الشهوات، مباعد طياتهم، زائر غير محبوب للتنفير منه، وغير مغلوب؛ ليهتم بالإستعداد له، والوتر لأنه غير مطلوب، ولاينتصف منه؛ لشبهه بالرجل البالغ الشجاعة بحيث لايغلب، واستعار لفظ الحبائل للأوصاب، والأمراض البدنية التي هي داعية الموت كحباله الصائدة ورشح بوصف الأعلاق، وتكنفتكم غوائله أيأحاطت بكم مصائبه، واستعار لفظ المعابل للأفات الداعية للموت أيضا لكونها قاتله، ورشح بذكر الإقصاد، واستعار لفظ السطوة لشبهه بالسلطان القاهر، أو السبع الضاري في قوة أخده، وشدة بطشه، وكذلك العدوة باعتبار كون أخده على غير حق له كالظالم، ولفظ الأخذ يصدق على ذي الحياة وهو يريد بذلك السلب المطلق.
وكذلك لفظ الاحتدام لعله لشبهها في نزولها بالرجل المستشيط غضباً في قوة الأخذ، ولفظ الحنادس لما يتوهمه الإنسان من الظلم في غمرات الموت وسكراته، وكذلك لفظ مذاقه لوجدانه باعتبار المشاركة في الإدراك، وباعتبار ايلامه وصفه بالجشونه، والتخويف بإتيانه بغته وأردف بذكر لوازمه المخوفة وهي إسكات المتناجين وتفريق المجتمعين وتعفية الآثار وتعطيل الديار وبعث الورثة لإقتسام الميراث.
وقال الإمام - عليه السلام - في الخطبة ذاتها في وصف الدنيا أيضا: «.. فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ(1)، ...».
يظهر التشخيص الاستعاري في هذا النص وقد خلع على الصورة طابع الحيوية، والحركة حتى بدت متصفة بصفات إنسانية مختلفة، غرارة لكونها سببا ماديا للإغترار
ص: 150
بها، والخدوع فهي تخدع بزينتها من يتبعها لما فيها من الفتن، والمعطية المنوع لكونها سبباً مادياً للإنتفاع بما فيها من خيراتها، وسببا لمنعه، والغرض من كل ذلك التنفير عما يتوهم فيها من الخير مما تعطيه وتسلبه، ويدعو إلى ضرورة الابتعاد عن الدنيا وملذاتها، والاقتصار على ما ينفع الإنسان في آخرته، أي لا تغتروا بالدنيا كما اغتر بها من كان قبلكم.
ومن صور التشخيص الاستعاري قول الإمام -عليه السلام - في وصف الدنيا:
«.. وَحَرِيٌّ إِذَا أصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، ..»(1) في هذا النص تظهر كلمة الدنيا وقد بثت فيها الحياة، واتصفت بالصفات الإنسانية، حيث تظهر بصفة الشخص الذي يقدم العون، والنصرة للأخرين وذلك بقوله - عليه السلام - أصبحت له منتصرة، أما قوله تمسي له متنكرة، فتظهر بصفة الشخص الذي يسعى بالخراب والدمار، ويتنكر لأقرب الناس إليه.
يريد الإمام من قوله أن يبين للمتلقي أن هذه الدنيا وأن انتصرت له في فترة من فترات حياته، فأعطته المال والجاه والصحة وغيرها، فإنها لابد أن يأتي الوقت الذي تظهر له وجهها الحقيقي، فتجرعه من آلآم المرض، وفقد الأحبة، والجاه، والمال، وفي النهاية تسلبه كل ما أعطته، فيخرج منها كما دخل إليها أول مرة، كما ولدته أمه ولا يحمل منها إلا عمله صالحا كان أم طالح.
وفي هذا المعنى أيضا قال الإمام - عليه السلام - : «... فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ
ص: 151
قَوْسَهُ(1)، لَا تْخُطِىءُ سِهَامُهُ، وَلَا تُؤْسَى(2) جِرَاحُهُ، يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ، آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ،(3) ....»(4).
يصور النص الدهر بصورة الإنسان الرامي الذي لا تخطئ سهامه ، وهي سهام المصائب، والمنايا، ولفظ الجراح لنوائب الدهر لاشتراكهما في الإيلام ورشح بذكر عدم المداوة وكذلك صوره بالشخص النهم، الذي لا يشبع، ولا يرتوى، ويفني الطعام والشراب، وكذلك الدهر يفني الخلق، والنص يوحي بضرورة الإتعاظ والاعتبار بهذا المعنى، فالموت الذي نال ممن سلف من الآباء والأجداد لابد سينالهم عما قريب.
فالإمام - عليه السلام - توغل في قلوب المتلقين عن طريق التشخيص الاستعاري بصور دقيقة مبدعة، مراعية لبتكار ماهو جديد في اختيار الألفاظ التي توحي بالمعنى المراد، وإيصال الأطروحة المرادة للمتلقي مع مراعاة العلاقة بين المعنيين، فاستطاع أن يبين للناس صورة الدنيا في استعارات متعددة، وعلى وجوه مختلفة، مما يتناسب ولغة العرب، وبلاغتهم بل فاق ذلك بكثير.
ص: 152
«هو اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه، أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين، أو أمور بالأخرى»(1)، أي من متعدد لعلاقة المشابهة، كقولهم للمتردّد: «أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى» تشبيهاً بالمتردّد في السير، وقولهم لمن يريد أن يعمل ما لا يقدر عليه وحده: «اليد لا تصفّق وحدها» تشبيهاً له باليد الواحدة، هذا في النثر، وإذا كثر استعمال الاستعارة التمثيليّة وشاع كان مثلاً، فلا يغيرَّ مطلقاً، وإنما يخاطب به المفرد والمذكّر وفروعهما بلفظ واحد، دون أيّ تغيير(2).
نحو خطبة له - عليه السلام - بعد مقتل طلحة والزبير في هداية الناس و كمال يقينه: «بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْماَءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ(3)، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السَرِّارِ(4)، وُقِر(5) سَمْعٌ لْمَ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ(6)، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ(7) مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟ رُبِطَ
ص: 153
جَنَانٌ(1) لْمَ يُفَارِقْهُ الَخفَقَانُ»(2).
فقوله «وقر سمع لم يفقه الواعية» على سبيل التمثيل للتوبيخ، وهي دعاء بالصمم لمن لا يسمع الزواجر، والعبر.
وكقوله - عليه السلام - : «مَنْ لَ يُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَكَهُ الْجَزَعُ»(3). يقال لشدة المصيبة، وكون الصبر ينجي منها، ويتخطاها صاحبها، والجزع يهلكه، أي إِنْ لم تنجه فضيلة الصبر هلك برذيلة الجزع، وهي للحث على الأولى، والتنفير من الثانية.
وقوله - عليه السلام - : «قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ»(4). أي قد أوضحت لك الحق إِنْ كنت تبصره ومثله: «كالشمس لاتخفى عن الأبصار».
كما قال - عليه السلام - : «كَمْ مِنْ أكْلَة مَنَعَتْ أكَلاَتَ!»(5). وذلك تمثيلا لمن يعاشر ملكاً، ويسعد بالانبساط معه فيكون ذلك سببا لبعده عنه وزوال سعادته منه.
ص: 154
وقفنا في هذا الباب على الاستعارة في كتاب نهج البلاغة وفق المنهج الوصفي التحليلي، ولا ضير أن نتّطرق إلى بعض المناهج الحديثة من أجل توصيف الاستعارة في كتاب نهج البلاغة وفق مناهج أخرى لغرض إثراء البحث، فلو نظرنا للنص الخطابي لعلي بن أبي طالب - عليه السلام - لنرصد العامل التناصي(1) في كلام أمير المؤمنين للحظنا نوعين من العوامل التناصية تميز بهما كتاب نهج البلاغة:
نلحظ أن السمة الإرجاعية في بعض استعارات الإمام علي - عليه السلام - تتميز بكونها إعادة إنتاج استعارات موجودة مسبقاً في النص القرآني، بحيث أنه حينما يقرأ المرء استعارات الإمام علي سرعان ما يتبادر إلى ذهنه الاستعارات القرآنية، أو النبوية، وهذا الاستحضار، أو الإحياء التناصي لا يقلل أبداً من أصالتها، وبلاغتها، وقدرتها الجمالية في إدهاش القارئ مثل ما هو حال أي استعارات أصلية أخرى، حيثُ إنَّ الاستعارات الإرجاعية لا تفترق في شيء عن الاستعارة الأصلية الأخرى كما يذكر البلاغيون.
كقوله - عليه السلام - في وصية لابنه محمد ابن الحنفية بالثبات والحذق في الحرب:
«.. اعر الله جمجمتك..»(2) مأخوذة من قوله عز وجل: «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَّ
ص: 155
قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِير»(1)، وقوله أيضا: «مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَّ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ»(2) فهي تلقى الضوء على الأبعاد التناصية فى استعارة الإمام على المتمثلة في الفعل «اعر» فبينما يتحدث القرآن الكريم عن «قرض حسن» فإن الإمام علي يحدد هذا القرض الحسن وهو «الجمجمة» وقوله بعد انصرافه من صفين يصف فيها حال الناس بعد بعثة النبي وتنتهي بمزايا ال البيت: «وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ(3) فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي(4) الْيَقِيِن...»(5) وهنا فإن البعد التناصى يلعب دورا كبيرا في فهم الاستعارة، حيث يشبه الإمام علي العقيدة الإسلامية بالحبل المتين الذي ينقطع بوقوع الناس في براثن الفتن، والضلال والزيغ، وهذه الاستعارة ترتبط تناصيا مع قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِّ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ»(6).
كما في قوله - عليه السلام - : «وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بَلَبِيبٍ، وَلاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلا كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِیٍر»(7) فإنه مأخوذ من قوله تعالى: «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بَهِا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا»(8)، وأما اقتباساته من كلام الرسول
ص: 156
قوله: «فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ»(1) مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَّ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»(2).
لقد امتلأ كلام الإمام علي - عليه السلام - بالاستعارات ولحظنا التناص بين الخطب، والقرآن، والحديث النبوي، وذلك لايشتمل على المعنى فحسب وإنما يشمل جملاً تامة أحياناً، ومفاهيم مطابقة، وذلك لربط الماضي بالحاضر عبر اقتباس مفردات القرآن، والحديث النبوي، وحفظ مضامينه في كلام الإمام علي، أو كتاب نهج البلاغة، وهو دلالة واضحة على ارتباطه القوي بالله، وإيمانه المتجذر على خطى المعلم الأول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أبهر الخطباء والبلغاء من خطابه - عليه السلام - لما له من تداخل وتشابك مع النهج الرسالي التربوي المتعلق بالقرآن، والخطاب النبوي.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على استعارات الامام - عليه السلام - وجدناه يستعمل الألفاظ الموضوعة للأمور المحسوسة في الدلالة على الأمور المعنوية، وهذا هو أسلوب القران الكريم أيضاً، مستفيدا بذلك من الطاقة الإيحائية لهذه الكلمات، حيث تجعل المتلقي يحس بالمعنى أكمل إحساس، ويتصور المشهد بالعين وينتقل الصوت للأذن، وهذا هو السرّ في جمال التعبير الاستعاري في نهج البلاغة.
ص: 157
حيث تشترك مجموعة من الاستعارات في صورة مركزية واحدة، ومن الملاحظ من النصوص الأنفة الذكر أن الإمام علي - عليه السلام - يستقي أكثر استعارته من واقع البيئة الصحراوية، وبالخصوص فيما يتصل بالإبل، حيث كانت الإبل، أو بعض خصائصها عاملاً مركزياً لصورٍ كثيرٍ من خُطباء ذلك العصر، وشعرائه، ولعل سبب اختيار الإمام للإبل هو لشدة قربها إلى الناس، وكثرة ترددها على أعينهم، فعندما يرد هذا المشهد الذي كان قد ألفه العربي لرسم صورة ما، كان المتوقع أن تخرج باهتة ساذجة، ومبتدله، لأنها مستقاة من المألوف، ولكن على العكس من ذلك تماماً، فقد جاءت الصور بارزة موحية، تحمل الكثير من المعاني الجديدة، والمؤثرة والتي لم يألفها العربي.
وقد عبرت الاستعارات عن حالات إنسانية نفسية، وذهنية، وروحية، أبهرت المتلقين بتميزها وتفردها منها: قوله - عليه السلام - في إدبار الدنيا، وإقبال الأخرة، والحث على التزودلها: «أَلاَ وَإِنَّ الْيَوْمَ المِضْمَارُ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ(1) الْجَنَّة»(2)، وقال في خلافته وحكاية حاله مع من سبق في الخطبة الشقشقية، وفيها تألمه من جور مثيري الفتن: «تلك شقشقة(3) هدرت(4) ثم قرت»(5)، وفي ذم المتقاعدين عن القتال
ص: 158
: «دَعَوْتُكُمْ إِلَ نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُم(1) جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الَأْسِرَ(2) وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ(3) الَأْدْبَر(4)»(5)، و في حال الناس قبل البعثة: «وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا، رِخْواً بِطَانُهَا»(6)، كما قال في بيان صفات المتقين وصفات الفساق : «حَتَّى يَظُنَّ اَلظَّانُّ أَنَّ اَلدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ(7) عَلىَ بَنِي أُمَيَّةَ»(8)، وقوله في هداية الناس وكمال يقينه: «بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْماَءِ، وَتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ(9)»(10)، وقوله(11): «حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ(12) وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ»(13)، وأيضاً في ذم اصحابه: «كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ(14)»(15)
ص: 159
ويتضح من خلال البحث ما ذهب له العلماء في كون الفرق الوحيد بين المجاز المرسل والاستعارة، يكمن في العلاقة وحدها، فهي في المجاز المرسل قائمة على غير المشابهة، وفي الاستعارة قائمة على المشابهة(1)، وبعبارة أخرى تشبيه بليغ حذف أحد طرفيه، وأول من نبه الآخرين إلى ذلك - الفرق بين المجاز المرسل والاستعارة - هو عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن المجاز اللغوي، من خلال النظر إلى العلاقات المشابهة والغیر مشابهة، والسکاکي أول من أطلق هذه التسمیة علیه(2).
ويتضح أن كل من المجاز المرسل، والاستعارة إما أن يأتي مفرداً، أو مركباً، فيصبحان أربعة أقسام: مجاز مفرد مرسل، مجاز مركّب مرسل، مجاز مفرد بالاستعارة، مجاز مركّب بالاستعارة، ويجري الأول والثالث في الكلمة، والثاني والرابع في الكلام.
وإن من يمتلك ذوقنا أدبياً، وحساً مرهفاً، ويتأمل في الاستعمال المجازي للإمام على - عليه السلام - يدرك أنه قد حقق أغراضه في التأثير، والإيحاء بالإطروحات المراد إيصالها للمتلقي، والسر في ذلك يرجع إلى دقة الإمام وحسن اختياره للألفاظ، ووضوحها وجمالها وحداثتها، فخرجت ألفاظه غاية في الرصانة، وحسن السبك، والوضوح، وتحمل بين طياتها أفكار سامية تحقق التأثير في المتلقين، وتنفذ في قلوبهم، وهو غاية مايسعى له الإمام، وهذا ما ذهب له ابن أبي الحديد المعتزلي فقال عرفان بحقه: «فيا لله وللعجب من قوم زعموا أن الكلام إنما يفضل بعضه بعضا لاشتماله على أمثال هذه الصنعة، فإذا وجدوا في مائه ورقة كلمتين أو ثلاثا منها أقاموا القيامة، ونفخوا في الصور، وملئوا الصحف بالاستحسان لذلك، والاستظراف ثم يمرون
ص: 160
على هذا الكلام المشحون كله بهذه الصنعة على ألطف وجه، وأرصع وجه، وأرشق عبارة، وأدق معنى، وأحسن مقصد ثم يحملهم الهوى، والعصبية على السكوت عن تفضيله إذا أجملوا، وأحسنوا، ولم يتعصبوا لتفضيل غيره عليه على أنه لا عجب فإنه كلام علي - عليه السلام - وحظ الكلام حظ المتكلم و أشبه «امرؤا بعض بزه(1)»(2).
وكان الجاحظ في (البيان والتبيين) أحد أركان الأدب الأربعة(3) يكرر الإعجاب والثناء على كلام الإمام - عليه السلام - ، ففي الجزء الأول ينقل هذه الكلمة المعروفة عن الإمام - عليه السلام - :» قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ»(4) ثم يثني على هذه الجملة ما يبلغ نصف صفحة، ويقول: «فلو لم نقف من كتابنا هذا إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية، وكأن الله عزّ وجلّ قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله»(5).
فالإمام علي، ذو جذور مغرقة في البلاغة، والأصالة فقد كون مجموعة من عشرات الآلاف من الألفاظ، لم تكن موجودة من قبل، أو أعاد صياغتها بطريقة مستحدثة غير متكلفة، ولو أنه كرر الألفاظ نفسها لكان الكلام واحداً، والتفاوت في الجودة
ص: 161
والامتياز مفقوداً، ولذهبت خصائصه فكتاب نهج البلاغة بحق يمثل الفصاحة والبلاغة، والبيان في آن واحد، «وعلي ابن أبي طالب - عليه السلام - إمام الفصحاء، والبلغاء، ومنه تعلم الناس الخطابة، والكتابة فهو أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين، والآخرين(1) إلا كلام الله، وكلام رسوله» فهو يعتمد في لغة خطابه على أمرين المفردات، والمركبات، فنلاحظ تصويراته، ومفرداته سلسة غير وحشية، ولا معقدة، ومركباتها حسنة المعنى، وسريعة الوصول إلى المتلقي، وهي الصناعة التي أنشاء عليها الباحثين علم البديع، والبيان، والمعاني وعلى رأسها المجاز بحيث ابتكر ألفاظاً جديدة نثرها للدارسين، وسطعت عليها أشعة الشمس ليزيد إشراقها، وجماله للناظرين، والمتأملين.
ص: 162
تعددت شروح نهج البلاغة في علم اللغة والأدب، ومع هذا التعدد لم يكن هناك فرق كبير بين السابق واللاحق وبالخصوص في استجلاء المجاز اللغوي (المجاز المرسل أو الاستعارة) - وهو بمثابة الرأس من الجسد - فقد عُرض كجزء من كل في خضم البلاغة الواسع وذكر بعض أنواعه وأغفل الآخر، ومن خلال هذا البحث المتواضع أدليت بدلوي بين الدلاء فلربما استطعت أن أملأ ثغرة، أو أكمل ما أخل به غيري، أو أُبرز جانباً في اللغة أغفله من سبقني والله ولي التوفيق.
وبعد - فإن العناية ببحث المجاز بدأت مبكرة، ولكن التعريفات، والاصطلاحات، والتقسيمات المختلفة له لم تتضح معالمها، وتتحد إلا بعد قرون من البحث الخطي المضني، والمتواصل للوصول إلى تعريف دقيق للمجاز.
واقتضت دراسة المجاز اللغوي في كتاب نهج البلاغة أن أبدأ البحث بدراسة حول المجاز عند القدماء والمحدثين، فوجدت أن في الباحثين القدماء من ينكر المجاز في اللغة عامة ومنهم من يجهد في نفيه من القرآن وتنزيه كلام الله عنه، ويعود إنكارهم له كما اتضح لي إلى عدم معرفتهم للمدلول الصحيح له، إذ إنَّهم فهموا أن المجاز خلاف الحقيقة فهو أخو الكذب - كما يزعمون - والقرآن منزه عن ذلك، وفي المقابل يرى البعض أن أكثر اللغة العربية مجاز، مما قادهم إلى عد الكثير من الاستعمالات الحقيقية من المجاز.
وقد تتبعت جهود جهابذة علم المعاني والبيان من الرواد الأوائل حول المجاز واستعماله بمعناه العام وبإطاره المتسع، ثم انتقلت إلى المجاز في مرحلة التأصيل ووضحت ثمرة جهد العلماء فيه ووجدت أن المجاز انطلق من خلال المحور الرئيسي
ص: 163
للثقافة العربية والإسلامية وهو القرآن الكريم، وسلطت الضوء على دور المحدثين في المجاز وما لهم من دور بارز في أواخر الربع الأول من القرن العشرين، ووقفت على المجاز بين اللغة والاصطلاح ودور الباحثين في تحديد المدلول الحقيقي له.
ومن ثم أقمت عند تقسيم المجاز إلى عقلي، ولغوي، وما له من أصالة عند العرب، وتحديد تفريعات الشق الثاني منه، وانتهيت إلى تشخيص المجاز اللغوي - المرسل والاستعارة - في خطب ورسائل وكلمات منتقاة من كتاب نهج البلاغة للإمام علي، فعرضت ما تيسرلي وخلصت إلى تحديد الكثير منه وفق تفريعات المجاز اللغوي - المرسل والاستعارة - بما لم أجده عند الآخرين وفق الدراسات الحديثة المعاصرة.
أولاً:
قامت الدراسة بالنظر لمسألة المجاز و تعريفه، باعتباره كل معقد يحتاج إلى تحليل وتفكيك وتوضيح، لما يخفيه في طياته من حاجة للغوص في أعماقه لتخريج اللؤلؤ والمرجان مما يبهر النظار بأساليبه وجماله في صورة سهلة واضحة يفهمها الدارس.
ثانياً:
تبين من الدراسة بأن اللغويين كانوا أسبق من غيرهم إلى بحث المجاز، ولكن البلاغيين كانوا أكثر عناية به، وكان لهم النصيب الأكبر في صوغ الاصطلاحات، والتعريفات.
ص: 164
ثالثاً:
وعلى الصعيد الفني قامت الدراسة بحصر المدلول الحقيقي للمجاز فهو ليس ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول بنفي المجاز، ولا الثاني بإطلاق العنان له، إنما هو:» انتقال اللفظ من معناه الحقيقي إلى معنى آخر ليس موضوعاً له في الأصل لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي».
رابعاً:
وكباقي أنواع البيان للمجاز أهمية كبری في اللغة الإنسانية؛ لأن اللغة الرياضية لا تتناسب مع التعبير عن العلاقات الإنسانية ولا يتمكن فيها الفرد من الإفصاح عما يخالج نفسه من مشاعر وأحاسيس مما يجعله بحاجة ماسة للمجاز بسبب تركيبه بما يناسب مع الواقع، فهو يساعدنا على عبور المسافة بين النص، والواقع ويحولها لمجاز بالتفاعل، و يعطي قدرة كبرى على التعبير عن المركب، واللامحدود، ويربط بين المحسوس، واللامحسوس، والمعنوي، والمادي، والمعقول، واللامعقول فيندمج الاثنان في واحد وتصل إلى درجة أنَّ بعض الألفاظ تلتصق بالمسميات التصاقا وتعرف بهالكثرة استعمالها.
خامساً:
يهدف المجاز في اللغة إلى الانتقال باللفظ من معناه الأصلي إلى معنى جديد، مما جعل تناولها سهلا من أجل فهم قريب المنال في موضع، ثم ينقلك نقلة بعيدة المنال في موضع آخر تحتاج معها إلى إعمال فكر، واشتغال بصيرة، وهو هدف حاسم من أهدافها إذ تجعل البعيد متحققاً قريباً عبر التجاذب، والتنافر، وعبر ما تحويه من ألفاظ
ص: 165
ومعانٍ نبحر معها إلى عالم آخر من الخيال، وهي دليل واضح على تمكن الإمام من اختيار الألفاظ لما يناسبها فأعطى المتباعدات لفظ المقرب، وأعطى المتباينات لفظة المقارن، وأعطى المتعاديات لفظة المؤلف.
سادساً:
إن النص الخطابي للإمام علي - عليه السلام - يظهر جمالية المجاز وتأثيره على المتلقي بما يحويه من خطاب لغوي غني بآليات اشتغال الكلام، وهو أصلٌ من الأصول التي استنتجت منه مدلولات ومفاهيم المجاز.
سابعاً:
اعتنى البحث بحضور المجاز اللغوي في خطاب الإمام علي - عليه السلام - بوصفه حاملاً لآليات التعبير، وما يخالج النفس، وطريقة من طرائق إعمال الفكر وتبين من خلال البحث أن كتاب نهج البلاغة إنجاز بلاغي من الدرجة الأولى في الفكر الإنساني فمن خلاله استطاع الإمام علي الربط بين عالمين مختلفين وهما عالم الواقع المتحقق وعالم المجاز المتخيل.
ثامناً:
لقد تم رصد المجاز اللغوي في كتاب نهج البلاغة بقراءته قراءة متفردة بمنأى عن باقي فروع البيان، حيث وضعته تحت مجهر الدرس الوصفي التحليلي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من جمال اللغة العربية، وماله من فعالية في النص الخطابي، مما جعله مرتكزا أساسياً للدراسات، والنقد، والتحليل، وذلك وفق التقسيمات، والتفريعات الحديثة لأنواع المجاز، فلقد لاحظتُ في الدراسات السابقة لكتاب نهج البلاغة أنها
ص: 166
لم تذهب إلى المجاز بأنواعه المختلفة، وربما يعود ذلك إلى أن طبيعة دراسته كفرع من فروع البيان فكان مفردة من علم أو جزءاً من أبواب، فلم يحظَ بدراسة مستقلة تخرج مكنوناته وإيحاءاته وعمقه وجماله.
تاسعاً:
لقد أظهر البحث بعداً جديداً للمجاز اللغوي، وكيفية حلوله في النصوص النثرية مستفيدة من الموروث البلاغي العربي، ومما وصلت إليه البلاغة المعاصرة؛ فهو يشكل جوهراً أساسياً في علم اللغة، وما له من ارتباط بالذات الإنسانية، وتحريك الجمود في اللغة للحد من تكرار الألفاظ، والمشاهد بعينها، وخلق عالم مختلف وفق حلة مجازية مرصعة بالمجاز المرسل، والاستعارة، فتجذب المتلقي بتلألؤها.
عاشراً:
هناك حضور لافت للمجاز المرسل في كتاب نهج البلاغة وسعة انتشار وذيوع، ومادة لغوية فذة بما يحويه من بلاغة، وفصاحة، وجمال يُعجز الباحثين وهم يتصفحون طياته.
حادى عشر:
خلصت الدراسة إلى أن الإمام - عليه السلام - سكب كلماته المجازية في قوالب مليئة بالأحاسيس، بحيث تتناسب مع الحدث الذي يصوره، وآثر بعض علاقات المجاز المرسل على بعض، لما فيها من دلالة إيحائية تقوي المعنى وتعاضده، ومن هذه العلاقات التي كثرت عند الإمام العلاقة السببية، والجزئية، والمستقبلية واللازمية، والتي تحمل في طبيعة صياغتها مايميزها عن غيرها، ويمكن المتلقي من فهم
ص: 167
مدلولاتها والتعمق فيها، وكذلك بالنسبة للاستعارة، فقد تفوق بعضها على بعض كل على حسب أهميته، والموضوع المستعار له، ومدى تأثيرها على المتلقي.
ثاني عشر:
لقد جاءت استعارات الإمام - عليه السلام - حافلة بالمشاعر والأحاسيس، وخاصة ما جاء منها بألفاظ جديدة، فقد حرص الإمام على اختيار الألفاظ ذات التأثير النفسي، والتي تسهم وبشكل كبير في نقل الفكرة التي أراد الإمام إيصالها للمتلقي، وقد عكست هذه الأفكار الحالة النفسية للإمام، والتي كانت تنم عن مشاعر صادقة تنبض بالحرص على الإسلام والمسلمين، وهي نصوص حجاجية من الدرجة الأولى.
ثالث عشر:
تمتع خطاب الإمام على - عليه السلام - وكلماته بخصائص، وتقاليد، وأعراف، وأثر واضح للبيئة، أو ما يسمى بالطبيعة الداخلية المكونة لنصوصه في المجاز المرسل، والاستعارات مثل: الإبل وصفاتها، ويعد ذلك أساساً جوهرياً مميزا لتلك الكلمات.
رابع عشر:
وعلى المستوى التناصي فقد أبرزت الدراسة تحالف نصوص نهج البلاغة في اللغة مع نصوص أخرى، وأهمها آيات القرآن الكريم، فأبرز بذلك طبيعة الخطاب، وعلاقته مع الموروث القريب والبعيد، و لقد اتبع الإمام أسلوب القرآن الكريم في استعماله للصور الاستعارية، من خلال اختياره للألفاظ، فهو يعبر عن الدلالة على الأمور المعنوية باستعماله الألفاظ الموضوعة للدلالة على الأمور الحسية، مستفيداً
ص: 168
بذلك من الطاقة الإيحائية لهذه الكلمات، حيث تجعل المتلقي يحس بالمعنى، دون جرح للعواطف، أو خدش للمشاعر، أو اشمئزاز النفوس، حيث توخى منها ما يرى فيه قوة ووضوحا وجمالا، ليحمّله المعاني والأفكار التي يريد نقلها للمتلقي، وهذا سر من أسرار جمال التعبير الاستعاري في النهج.
خامس عشر:
من خلال استجلاء المجاز اللغوي لاحظتُ أن كل جملة لدى الإمام علي - عليه السلام - تامة الإخبار من أجل استنباط الصورة التي تريد؛ فتمت دراستها بصورة منفصلة، أما علاقتها مع السياق فما هي إلا غاية للفهم الدلالي، والمضمون النصي.
وفي الختام:
تم بعون الله وصول البحث للغاية المرجوة باستجلاء المجاز اللغوي في كتاب نهج البلاغة وفق الدراسات المعاصرة؛ فنهج البلاغة شعلة في دلالات الألفاظ واستعمالاتها وانتقالها وبما يحويه من وشي كلماتها، وينضده من دررها، وينشره من أريجها، ويجنيه من ثمرها، وتبقى سفينة المجاز تبحر لا تقف عند حدّ، ولا يستوعبها أحد، فهي تشق العباب لترسخ أصالته تارة، وتستكشف ماهو جديد تارة أخرى، وتجمع من هذا وذاك الأحجار الكريمة لتنثرها من جديد في حلة جديدة لتزين العقول بتألقها وتثلج الصدور بجمالها فتشرئبُّ لها الأعناق منبهرة بجمال صورتها وروعة صياغتها فتنير للسالكين دروب العلم، والمعرفة، ولعلي بهذا البحث المتواضع حملت قبساً من نور يتوهج بين تلك الأضواء الساطعة في سماء اللغة العربية.
ص: 169
ص: 170
ص: 171
ص: 172
الآية السورة رقم الآية الصفحة
«أُوْلَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُواْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ فَمَا رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ» البقرة 16 139
«إِنَّا للهّ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ» البقرة 156 125
«خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» البقرة 197 73
«مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهّ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِير» البقرة 245 155
«مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِّرٌ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللُّ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» آل عمران 17 25
«فبشِّهم بعذاب أليم» آل عمران 21 118
«وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللِّ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ» آل عمران 103 156
«أومن كان مّيْتاً فأحييناه» الأنعام 122 118
«وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ» الأعراف 44 146
ص: 173
«وَلَّمَا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» الأعراف 154 27
«لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِمَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِمَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا» الأعراف 179 156
«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» الأنفال 8 115
«إذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ» يونس 49 82
«رَبَّنَا إِ أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» إبراهيم 37 57
«عَرَبِيُّ مُّبِينٌ» النحل 103 22
«رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ» النور 36 45
«فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُواًّ وَحَزَناً» القصص 8 146
ص: 174
«تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَاِ للَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» القصص 83 79
«مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا» يس 52 146
«وَكُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ» ق 21 142
«مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَّ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» الحديد 11 156
«أُولئِك حِزْبُ الله * أَلاَنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» المجادلة 22 71
«يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَی السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ» القلم 42 95
«إِنَّا لَّمَا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ» الحاقة 11 138
«أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ» التكاثر 1 - 2 48
ص: 175
الرقم الخطب، والكتب، والكلمات الفقرات المستشهد بها الصفحة
الفصل الثاني: المجاز المرسل وتجلياته في كتاب نهج البلاغة الخطبة - 219
«إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاَءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَع بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْغَشْوَةِ، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ،..». 45
الخطبة - 99 «الْحَمْدُ للهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالْجُودِ يَدَهُ،..». 46
ص: 176
حلْف كتبه بين اليمن وربيعة - 312
«هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْيَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا....، وَلاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً، وَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَی مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَتَرَكَهُ، أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْض..». 47
من حكمه ومواضعه - 15
«أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُهُ بِيَدِ اللهِ يَرْفَعُهُ». 47
من حكمة ومواعضه - 130
«فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ منْ كلِّ مَلَكَة وَنَجَاةٌ مِنْ كلِّ هَلَكَة، بِمَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ، وَيَنْجُوا الْهَارِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ،...». 48
الخطبة - 218
«كَمْ أَكَلَتِ الأرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَد، وَأَنِيقِ لَوْن، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَف، وَرَبِيبَ شَرَف! يَتَعَلَّل بالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَ السَّلْوَةِ...». 49
ص: 177
الخطبة - 212
«فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولَهِا، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولَهِا، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ،..». 49 الخطبة - 108 «كُلُّ شَيْء خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْء قَائِمٌ بِهِ غِنی کُلِّ فَقِير...» 50
الخطبة - 196
«ثُمَّ إِنَّ هذَا الاْسْلاَمَ دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسهِ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَی عَيْنِهِ، وَأَصْفَاهُ خِيْرَةَ خَلْقِهِ، وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَی مَحَبَّتِهِ، أَذَلَّ الاْدْيَانَ بِعِزّه، وَوَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ، وَأَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ..». 50
الخطبة - 192
«وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاضَ إِلَی رِضْوَانِ اللهِ كُلَّ غَمْرَة، وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّة، وَقَدْ تَلَوَّنَ لَه الأدْنَوْنَ، وَتَأَلَّب عَلَيْهِ الاْقْصَوْنَ وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا، وَضَرَبَتْ إِلَی مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا، حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَ» 51
ص: 178
من وصية له للحسن بن علي - 269
«وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ... وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَی النَّاسِ» 52
الخطبة - 236
«هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ،...» 52
الخطبة -. 9 «... حَتَّى أَنْشَأَ لَها نَاشِئَةَ سَحَاب تُحْيِي مَوَاتَهَا، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لَمُعِهَ وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ...» 53
الخطبة - 196
«... فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ..» 53
ص: 179
الخطبة - 109
«إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَی اللهِ سُبْحَانَهُ: الاْيِمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالْجِهادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الإسْلاَم، وَكَلِمَةُ الاْخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الْصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وَإِيتَاهُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَاب...». 55
من كتاب - 296
«.. وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الإسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإيمَنِ باللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ» 55
الخطبة - 136
«.. كأَنَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضروسِ، وَفَرَشَ الأرْضَ باِلرُّؤُوسِ،..». 56
الخطبة - 190
«... نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً، وَأَضْيَقِ بُطُونِ الأوْدِيَةِ قُطْراً، بَيْنَ جِبَال خَشِنَة، وَرِمَال دَمِثَة، وَعُيُون وَشِلَة، وَقُرىً مُنْقَطِعَة، لا يَزْكُو بِمَا خُفٌّ وَلاَ حَافِرٌ وَلاَ ظِلْفٌ،...». 56
ص: 180
ومواعظه - 437
«مَالكٌ وَمَا مَالِكٌ! وَاللهِ لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً، وَلَوْ کَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْد لاَيَرْتَقِيهِ الْحَافِرُ، وَلاَ يُوفِ عَلَيْهِ الطَّائِر....». 58
من كلام له - 253
«اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ، وَمُدَّتِ الأعْنَاقُ، وَشَخَصَتِ الأبْصَارُ، وَنُقِلَتِ الأقْدَامُ، وَأُنْضِيَتِ الأبْدَانُ اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ، وَجَاشَتْ مَرَاجِلُ الأضْغَانِ.....». 58
الخطبة - 104 «إِنَّ لِكُلِّ دَم ثَائِراً، وَلَكُلِّ حَقٍّ طَالِباً، وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ..». 59 من حكمه ومواعظه - 145 «كَمْ مِنْ صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الأكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ!» 60
ص: 181
الخطبة - 190
«... أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَی آدَمَ لأصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.». 61
من كلام له - 231
«.. إنَّ اَم فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِىءُ طِينِهِمْ، وَذلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً مِنْ سَبَخِ أَرْض وَعَذْبِهَا، وَحَزْنِ تُرْبَة وَسَهْلِهَا، فَهُمْ عَلَی حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ، وَعَلَی قَدْرِ اخْتِلاَفِهَا يَتَفَاوَتُونَ،..». 61
الخطبة - 1
«.. ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَی جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَی دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ...». 62
خطبة - 189
«.. الْخَأُون وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ وَالْحَیُودُ الْمَيُودُ حَالَهُا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ...». 63
من وصية للحسن - 269
«مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْر،...... بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طَالِب يُصِيبُ، وَلاَ كُلُّ غَائِب يَؤُوبُ.،...» 64
ص: 182
من حكمه ومواعظة - 235
«لاَ تَدعُوَنَّ إِلَی مُبَارَزَة، وَإِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ بَاغ، وَالبَاغِيَ مَصْرُوعٌ». 64
الخطبة - 286
«.. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله..». 65
من حكمه ومواعظة - 181
عن أبي جُحَيْفَةَ قوله عليه السلام: «أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ; فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً، وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً، قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسَفَلُهُ أَعْلاَهُ». 65
من حكمه ومواعظة - 377
«فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ للْمُنْكَرِ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ الْخَيْرِ، وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ فَذلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتيَنِ مِنْ خِصَالِ الْخَیْرِ وَمُضَيِّعٌ خَصْلَةً، وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلاَثِ وَتَمَسَّكَ بوَاحِدَة، وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لأنْكَارِ الْمُنكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ فَذلِكَ مَيِّتُ الأحْيَاءِ». 66
ص: 183
من كتاب له للأشتر النخعي - 292
«أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ..». 66
من حكمه ومواعظة - 373
«أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وبريء، وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَنْكرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالمِينَ السُّفْلَ، فَذلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبيلَ الْهُدَى، وَقَامَ عَلَی الطَّريق، وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ». 67
ص: 184
الخطبة - 230
«أَلاَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الإنسان، فَلاَ يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ، وَلاَ يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ، وَإِنَّا لأمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصوُنُهُ. وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، واللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ،..». 68
من حكمه ومواعظة - 92
«أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وَقَفَ عَلَی اللِّسَانِ، وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالأرْكَانِ». 68 من حكمه ومواعظة 364
«اعْجَبُوا لِذَا الانْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم، وَيَسْمَعُ بِعَظْم وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم!». 69
من حكمه ومواعظة - 147
«يَا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الامْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ..». 70
ص: 185
من كتبه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري - 283
«فِيا مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ (أُولئِك حِزْب الله، أَلاَنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)». 71
الخطبة - 190
«... وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ أحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الإیمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ، تَقُولُونَ: النَّارَ وَلاَ الْعَارَ! كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الإسْلاَمَعَ عَلَی وَجْهِهِ، انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ، وَنَقْضاً لمِيثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ، وأَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ…». 72
ص: 186
من حكمه ومواعظة - 131
«يَاأَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ، وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ، أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الأزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الأمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ،هذَا خَبَرُمَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُمَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لأخْبَرُوكُمْ أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)». 72
من حكمه ومواعظة - 147
من كلام له لكُمَيْل بن زياد النخعي: «هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَی حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَااسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأعْلَی، أُولئِك خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَی دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَی رُؤْيَتِهِمْ! انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.» 73
ص: 187
من عهد له كتبه للأشتر النخعي - 291
«... فَالْجُنُودُ، بِإِذْنِ اللهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الأمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ...» 75
من كتبه للأشتر النَّخَعي رحمه الله - 300
«.. فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لله وَلِرَسُولِهِ وَلأمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً،... ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّ امحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ....» 75
الخطبة - 205
«وَأشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ، وَحَكَمٌ فَصَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ عِبَادِهِ، كُلَّمَ نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَیْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ....» 76
الخطبة - 190
«الْحَمْدُ لله الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ،وَاخْتَارَهُمَا لنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمَا حِمىً وَحَرَماً عَلَی غَيْرِهِ، وَاصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَی مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ، ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ..». 76
ص: 188
الخطبة - 189
«..وَالْجَامَحِةُ الْحَرُونُ، وَالْمَائِنَةُ الْخَأُون، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ حَالَهُا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ،..» 77
«لاَ مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، .....، وَلاَ شَرَفَ كَالْعِلْمِ، وَلاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِن مُشَاوَرَة». 78
الخطبة - 3
«.. فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَّيَ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ فَلَ اَّم نَهَضْتُ بِالأمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى، وَفَسَقَ وقسط آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَاِ للَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَی! وَالله...» 79
خطبة - 189
«... إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإيمَنِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ، أيُّهَا النَّاسُ، سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني، فَلاَنَا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الأرْضِ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَتَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا». 80
ص: 189
من كتاب له للأشتر - 276
«مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيّ أَمِيرِالْمُؤْمِنينَ، إِلَی الْقَومِ الَّذِينَ غَضِبُوا لله حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ، وَذُهِبَ بِحَقِّهِ، فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَی الْبَرَّ وَالْفَاجِرِ،..» 80
خطبة - 92
«أَمَّا بَعْد، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّ فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِیءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُوني عَنْ شَيْء فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلاَ عَنْ فِئَة تَهْدِي مائةً وَتُضِلُّ مائةً إِلاَّ نَبَّأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا، وَمنَاخِ ركَابِهَا، وَمَحَطِّ رِحَالَهِا، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً» 81
خطبة - 147
قوله: «أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِىء لاَق بِمَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالأجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ الاَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الاَمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ، هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مَخْزُونٌ! أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ،...». 82
ص: 190
الخطبة القاصعة - 190
«.. أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرَ بَكَلاَكِلِ الْعَرَبِ، وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلی الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمُنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل.....» 83
من كتبه - 312
«وَمن حلْف كتبه عليه السلام بين اليمن وربيعة نُقل من خط هشام بن الكلبي: «هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْيَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَی كِتَابِ اللهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُونَ بِهِ، وَيُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ،...» 84
ومن كلام له عليه السلام - 74
«أَوَلَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفي؟ أَوَمَا وَزَعَ الْجُهَّالُ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي؟! وَلَمَا وَعَظَهُمُ اللهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَاني، أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ، وَخَصِيمُ الْمُرْتَابِينَ، عَلَی كِتَابِ اللهِ تُعْرَضُ الأمْثالُ، وَبِمَا فِي الصُّدُورِ تُجْازَى الْعِبَادُ!» 84
ص: 191
خطبة - 27
«كُلُّ امْرِىء لاَق بِمَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، وَالأجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ». 86
خطبة - 147
«ألا وإنّی قد دعوتکم إلى قتال هؤلاء القوم لیلاً ونهاراً وسراً وأعلاناً وقلت لکم: إغزوهم قبل أن یغزوکم: فو اللهّ ما غزی قوم قط فی عقر دارهم إلاّ ذلوا». 86
خطبة - 1
«ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَ جَنَّتِهِ». 87
الخطبة - 114
«.. اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا، وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا، وَهَامَتْ دَوَابُّنَا، وَتَحَيَّرَتْ في مَرَابِضِهَا، وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَی عَلَی أَوْلاَدِهَا، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ في مَرَاتِعِهَا، وَالحَنِينَ إِلَی مَوَارِدِهَا. اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الاْنَّةِ، وَحَنِينَ الْحَانَّةِ! اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا، وَأَنِينَهَا في مَوَالجِهَا! اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ، وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ; فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِس، وَالْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الأنَامُ، وَمُنِعَ الْغَ اَممُ، وَهَلَكَ الْسَّوَامُ، أَلاَّ تُؤَاخِذَنَا بَأَعْمَلِنَا، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ، وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ، وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ، سَحّاً وَابِلاً تُحْيِيِ بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ». 87
ص: 192
من حكمه ومواعظه - 259
«يَا كُمَيْلُ، مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا في كَسْبِ الْمَكَارِمِ، وَيُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نائِمٌ، فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلاَّ وَخَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ ذلِكَ السُّرُور لُطْفاً، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبلِ». 88
من كلام له - 118
«مَا بَالُكُمْ أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ؟ فقال قوم منهم: يا أميرالمؤمنين، إن سرتَ سرنا معك فقال: مَا بَالُكُمْ! لاَ سُدِّدْتُمْ لِرُشْد! وَلاَ هُدِيتُمْ لَقَصْد! أَفِي مِثْلِ هذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ؟ إِنَّمَا يَخْرُخ فِي مِثْلِ هذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ، وَلاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ، وَالْمِصْرَ، وَبَيْتَ الْمَالِ، وَجِبَايَةَ الأرْضِ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّظَرَ في حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَة أَتْبَعُ أُخْرَى، أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ، وَإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَا، تَدُورُ عَلَيَّ وَأَنَا بِمَكَاني، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالْهَا هذَا لَعَمْرُ اللهِ الرَّأْيُ السُّوءُ». 89
ص: 193
القسم الثاني: الاستعارة وتجلياتها في نهج البلاغة الخطبة - 1 «الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلِا يُحْصِيِ نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ،...» 99 الخطبة - 1
«.. وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ..» 100 الخطبة - 1 «.. فَرَفَعَهُ فِي هَوَاء مُنْفَتِق، وَجَوٍّ مُنْفَهِق، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَات، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيرْ عَمَد يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَار يَنْظِمُها، ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَقَمَراً مُنِيراً:
في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم مَائِر». 100
ص: 194
الخطبة - 1 «... ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِحَمَّد صلی الله عليه لِقَاءَهُ،... وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاْنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً، بِغَيْر طَريق واضِح، ولاَعَلَم قَائِم...». 102 الخطبة - 3 «.. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْيَة عَمْيَاءَ،...» 103 الخطبة - 1 «... ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَحْضَ السِّقَاءِ، ...، حمله علی متن الريح العاصفة....» 104 الخطبة - 2 «... زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ، لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد - عليهم السلام - مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً،...». 105 الخطبة - 5 «أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ المُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ المُفَاخَرَةِ..» 106
ص: 195
من كلام له - 11 «تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَی نَاجِذِكَ، أَعِرِاللهَ جُجُمَتَكَ، تِدْ في الأرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصىَ القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ». 107 خطبة - 21 «وهي كلمة جامعة للعظة والحكمة فإِنَّ الغَايَةَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ، تَخَفَّفُوا تَلْحَقوا، فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ». 108 الخطبة - 104 «فَمَا احْلَوْلَتْ الدُّنْيَا لَكُمْ فِي لَذَّتِهَا، وَلاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا، قَلِقاً وَضِينُهَا، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَام بِمَنْزِلَةِ السِّدْر الْمَخْضُودِ، وَحَلاَلُها بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُود..» 108 الخطبة - 88 «... وَوَاللهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ، وَلاَ أُصْفِيتُمْ بِهِ وَحُرِمُوهُ، وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا، رِخْواً بِطَانُهَا، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ، فَإِنَّمَا هَوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ، إِلَی أَجَل مَعْدُود....». 110
ص: 196
خطبة - 9 «... كَبَسَ الاْرْضَ عَلَی مَوْرِ أَمْوَاج مُسْتَفْحِلَة، وَلَجُجِ بِحَار زَاخِرَة، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِها وَذَلَّ مُسْتَخْذِيا إِذْ تَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً مَقْهُوراً، وَفِ حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الاْرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُّجَةِ تَيَّارِهِ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِه وَاعْتِلاَئِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ، وَكَعَمَتْهُ عَلَ كِظَّةِ جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقاتِهِ، وبَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ، فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وَحَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ عَلَی أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَأَخَادِيدِهَا، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسَيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا...» 110 الخطبة - 174 «... وَلْيَخْتَزِنَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ، فَإنَّ هذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ،..» 114
ص: 197
الخطبة - 101 «.. فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لاَ تَقُومُ لَها قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَها رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا،وَيَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا،...» 115 الخطبة - 105 «.. وَكَانَتْ أَمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ..» 116 الخطبة - 149 «.. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ رَبُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ،..» 116 من حكمه ومواعظه - 366 «يَا أيُّها النَّاسُ،... ، وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا ملأت ضَمِيرَهُ أَشْجاناً، لَهُنَّ رَقْصٌ عَلَی سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ،..». 117 الخطبة - 86 «... وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ،..... لاَ يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ، وَلاَ بَابَ الْعَمَى فيَصُدَّ عَنْهُ، فَذلِكَ مَيِّتُ الأحْيَاءَ!..». 118
ص: 198
الخطبة - 86 «... وَاللهِ لاَبْنُ أَبي طَالِب آنَسُ بالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَی مَكْنوُنِ عِلْم لَوْبُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاْرْشِيَة في الطَّوِيِّ البَعِيدَةِ» 120 الخطبة - 1 «.... وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْ يِسَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِیغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ،....» 121 الخطبة - 149 «.... ثُمَّ يَأْتِ بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة،...». 122 الخطبة - 103 «أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلی الله عليه وآله وسلم)، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً،..... فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُم، وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْوَايْمُ اللهِ، لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا، وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا، مَا ضَعُفْتُ، وَلاَ جَبُنْتُ، وَلاَ خُنْتُ، وَلاَ وَهَنْتُ، وَايْمُ اللهِ، لاَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ!» 122
ص: 199
من حكمه ومواعظه - 375 «إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيءٌ، وَإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيءٌ». 124 كلام له - 199 « أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَىُ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی مَائِدَة شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ.....» 124 الخطبة - 200 «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!.. (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! ..» 125 الخطبة - 182 «اسْكُتْ قَبَّحَكَ اللهُ يَا أَثْرَمُ، فَوَاللهِ لَقَدْ ظَهَرَ الْقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلاً شَخْصُكَ، خَفِيّاً صَوْتُكَ، حَتَّى إِذَا نَعَر الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِز.» 125
ص: 200
من حكمه ومواعظه - 369 «.. وَالرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ، وَمَطِيَّةُ التَّعَبِ، ..» 126 الخطبة - 122 «وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لَلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لَلْمُتَلَوِّمِ». 127 الخطبة - 108 «.. وَلاَ فِيَما رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلاَ إِلَی مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا. أَقْبَلُوا عَلَی جِيفَة قَدْ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَی حُبِّهَا، ..». 128 الخطبة - 107 «. اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأنْبِيَاءِ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، ..» 128 من حكمه ومواعظه - 244 «اتَّقِ اللهَ بَعْضَ التُّقَى وَإِنْ قَلَّ، وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَينْكَ اللهِ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ». 129 الخطبة - 148 «.. وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ!». 130
ص: 201
الخطبة - 108 «.. أَقْبَلُوا عَلَی جِيفَة قَدْ افْتَضَحُوا بِأَكلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَی حُبِّهَا، وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَينْ غَيْرٍ صَحِيحَة..» 130 الخطبة - 3 «.. فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً،. أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْيَة عَمْيَاءَ..» 131 الخطبة - 151 «.. حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ، استَقْبَلُوا مُدْبِراً، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً..» 131 الخطبة - 107 «.. اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأنْبِيَاءِ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وَسُّرَّةِ الْبَطْحَاءِ، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ. ..». 132 الخطبة - 107 «.. أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَ..» 133
ص: 202
الخطبة - 11 «أَلاَ وإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتي مَا لَبَّسْتُ عَلَی نَفْسِي، وَلاَ لُبِّسَ عَلَّیَ، وَايْمُ اللهِ لاَفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ! لاَ يَصْدِرُونَ عَنْهُ، وَلاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ». 134 الخطبة - 190 «... الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً، وَأَعَدَّ لَهُ فِ الاْخِرَةِ سَعِيراً؟!» 135 من كتبه - 256. «... وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَيِم، وَغِلْظَتُكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ بَنِي تَيِم لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلاَّ طَلَعَ لَهُمْ آخَر، وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْم فِي جَاهِلِيَّة وَلاَ إِسْلاَم..» 135 من حكمه ومواعظه - 448 قوله عندما سئل: «من أشعر الشعراء؟ فقال: إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلبة تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ.» 136
ص: 203
خطبة - 202 « تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ! فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَی الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، فإنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً، وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً، لاَبُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا، وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا». 137 خطبة - 1 «وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْ يِسَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لُهمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمُقْدِرَةِ: مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْیِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ،... » 138 خطبة - 212 «فَطُوبَى لِذِي قَلْب سَلِيم، ...وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَ الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ». 139
ص: 204
الخطبة - 438 «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْري مَعَكُمْ عَلَ مَا أُحِبُّ، حَتَّى نَهَكَتْكُمُ الْحَرْبُ، وَقَدْ، وَاللهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ، وَهِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ.... ». 141 خطبة - 199 «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِ طَرِيقِ الْهَدَىُ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی مَائِدَة شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ». 141 خطبة - 84 «وَاعْتَبِرُوا بِالاْي السَّوَاطِعِ، وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ، وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمِنِيَّةِ، وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الأمْنِيَّةِ، وَدَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الأمُورِ، وَالسِّيَاقَةُ إِلى الْوِرْد المَوْرُودِ، (وَكُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ).. » 142 خطبة - 202 «.. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ، وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الاْمُورِ.. ». 142
ص: 205
خطبة - 1 «.. ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَقَمَراً مُنِيراً في فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم مائر..» 144 144 خطبة - 102 «.. إِنْ دُعِيَ إِلَ حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ، أوْ إِلَی حَرْثِ الاْخِرَةِ كَسِلَ! كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاِقطٌ عَنْهُ!» 144 خطبة - 105 «حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِس، وَأَنَارَ عَلَماً لَحِابِس، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ نِعْمةً، وَرَسُولُكَ بِالْحقِّ رَحْمَةً». 145 من حكمه ومواعظه - 178 «احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ». 146 خطبة - 122 «.. أَلاَ فَاذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الأمْنِيَاتِ، عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ لِلأعْمَالِ الْقَبِيحَةِ، وَاسْتَعِينُوا اللهَ عَلَی أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ، وَمَا لاَ يُحْصىَ مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ». 147
ص: 206
خطبة - 227 «.. فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ، زَائِرٌ غَيرْ مَحْبُوب، وَقِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوب، وَوَاترٌ غَيْرُ مَطْلُوب، قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ، وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ، وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ، وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ، وَقَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ، فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِى ظُلَلِهِ وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ، وَغَوَاشِ سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ، وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ، وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ; فَكَأَنْ قَدْ أَتْاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ، وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ، وَعَفَّى آثَارَكُمْ، وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ، وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ، يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ، بَيْنَ حَمِیم خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَرِيب مَحْزُون لَمْ يَمْنَعْ، وَآخَرَ شَامِت لَمْ يَجْزَعْ..». 148 خطبة - 227 «.. فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِیَةٌ مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ...» 150 خطبة - 110 «.. وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً..» 151
ص: 207
خطبة - 113 «.. فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ)، لاَ تُخْطِىءُ سِهَامُهُ، وَلاَ تُؤْسَى جِرَاحُهُ، يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ، آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ.» 151 خطبة - 4 «بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْ اَمءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السِّرَارِ، وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الخَفَقَانُ». 153 من حكمه ومواعظه - 189 «مَنْ لَمْ یُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَکَهُ الْجَزَعُ». 154 من حكمه ومواعظه - 169«قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَينْ، أي قد أوضحت لك الحق أن كنت تبصره». 154 من حكمه ومواعظه - 171 «كَمْ مِنْ أَكْلَة مَنَعَتْ أَکَلاَت». 154 خطبة - 11 «.. اعر الله جمجمتك..». 155
ص: 208
خطبة - 2 «وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْیَقِینِ... ». 156 خطبة - 88 «وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بَلَبِيبٍ، وَلاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِیعٍ، وَلاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ». 156 خطبة - 110 «فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ» 157 خطبة - 28 «أَلاَ وَإِنَّ الْيَوْمَ المِضْمَرُ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّة». 158 خطبة - 3 «تلك شقشقة هدرت ثم قرت». 158 خطبة - 38 «دَعَوْتُكُمْ إِلَ نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَ تَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ». 159 خطبة - 89 «وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا، رِخْواً بِطَانُهَا». 159 خطبة - 88 «حَتَّى يَظُنَّ اَلظَّانُّ أَنَّ اَلدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَی بَنِي أُمَيَّةَ».
ص: 209
خطبة - 4 «بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ». 159 خطبة - 56 «فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِیمِ يَوْمَ وِرْدِهَا، قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا، وَخُلِعَتْ مَثَانِيهَا». 159 خطبة - 54 «حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ». 159 خطبة - 69 «كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَ تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ». 159
ص: 210
(أ)
ابن أبي الأصبع 31
ابن أبي الحديد 12
ابن تيمية 26
ابن الأثير 31
ابن الأشعث 67
ابن جرير الطبري 67
ابن جني 21 - 25 - 26 - 28
ابن رشيق القيرواني 28
ابن الزملكاني 31
ابن سنان 31
ابن قتيبة 70 - 42 - 16 - 15 - 10
ابن المعتز 96
ابن ملجم 65
ابن منظور 35
أحمد أحمد بدوي 34
أحمد عبدالستار الجواري 34
ص: 211
أحمد مطلوب 34
أرسطو 96
الإمام فخر الدين الرازي 30 - 31
أبو إسحاق الإسفراييني 21
أبو حيان أثير الدين محمد الأندلسي 32
أبو سفيان 106
ابو عبيدة معمر بن المثنى 26
أبو علي الفارسي 21
أبو مسلم الإصبهاني 23
ابو هلال العسكري 28
أبي بكر 106 - 120
أبي جحيفة 65
أمية بن عبد شمس بن عبد عبد مناف 84
ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي 31
ابي علي الطبرسي 31
ابي يعقوب السكاكي 30 - 32 - 36
آدم (عليه السلام) 62 - 76
أمين الخولي 32
ص: 212
(ب)
بدر الدين الزركشي 22 - 24 - 31
البرج بن مسهر الطائي 125
بدوي أحمد طبانة 34
بكري الشيح أمين 34
(ث)
ثعلب 96
(ج)
الجاحظ 12 - 26 - 96 - 161
جلال الدين السيوطي 31
جميل سعيد 34
(ح)
الحجاج 67
الحسن بن بشير الآمدي 27
الحسن بن علي بن أبي طالب 52 - 64 - 79
الحسين بن علي بن أبي طالب 65
ص: 213
(خ)
الخطيب القزويني 32
الخليل بن أحمد الفراهيدي 35
(ر)
ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان 84
(ز)
الزبير 153
(س)
السبكي 32
سعد الدين التفتازاني 32
السيد مرتضى 31
السيد قطب 34
سليمان بن علي الطوفي البغدادي 31
(ش)
الشريف الرضي 11 - 28 - 29 - 30 - 32 - 91
شهاب الدين محمود الحلبي 31
الشيخ محمد عبده 12
ص: 214
(ط)
طلحة 153
الطيبي 32
(ع)
عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ 33
العباس 106 - 120
عبد الله بن يزيد 61
عبد الله بن العباس 135
عبد الرحمن ابن أبي ليلى 67
عبد القاهر الجرجاني 22 - 25 - 26 - 29 - 30 - 35 - 96 - 147 - 160
عثمان ابن حنيف 71
عثمان بن عفان 81
علي بن عبد العزيز القاضي الجرجاني 96
علي بن عيسى الرماني 27 - 28 - 96
العقاد 133
ص: 215
(ف)
فاطمة الزهراء عليها السلام 124
فتحي احمد عامر 30
الفيروز آبادي 35
(ك)
كمال الدين بن ميثم البحراني 44
كميل ابن زياد 70 - 73 - 88
(م)
مالك الأشتر 58 - 66 - 80
مالك بن بني 34
مالك بن دحية 61
محمد بن أبي بكر 74
محمد حسين الصغير 34
المسعودي 13
محمد بن علي (ابن الحنفية) 107 - 134 - 155
محمد بن يزيد المبرد 62
محمد عبد الله دراز 34
محمد المبارك 34
ص: 216
محمود بن عمر الز شرمخي 30 - 32
مصطفى صادق الرافعي 34
مصطفى الصاوي الجويني 34
مضر بن نزار 83 معاوية 13
(ن)
النبي محمد (صل الله عليه وآله وسلم) 2 - 21 - - 50 - 55 - 83 - 102 - 106 - 109 - 110 - 116 - 117 - 120 - 122 - 123 - 125 - 1
(ه)
هشام بن الكلبي 47 - 84
(ي)
يحيى بن حمزة العلوي 31
اليماني 61
ص: 217
ص: 218
1. القرآن الكريم.
2. ابن أبي الحديد (عز الدين عبدالحميد ابن هبة الله) 1191 - 1257 ه-، شرح نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 2004 م.
نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 2004 م.
3. ابن الأثير (ضياء الدين) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية.
4. ابن الأثير (عز الدين) أسد الغاب في معرفة الصحابة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
5. ابن بطوطة (محمد بن عبدالله) الرحلة، بيروت، 1، 1985، 254.
6. ابن تيميه (أحمد بن عبد الحليم الحراني الحنبلي) كتاب الإيمان، بيروت، 1972 م.
7. ابن جني (أبو الفتح عثمان ابن جني) الخصائص، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1953 م.
8. ابن حجر العسقلاني (أحمد بن علي):
الاصابة في تمييز الصحابة، مطبعة السعادة ط 1، مصر، 1328.
تهديب التهذيب، ط 1، تحقيق حيدر أياد، الهند 1325 - 1327.
9. ابن خلدون (عبد الرحمن) ت 808 ه، مقدمة ابن خلدون، المجمع الثقافي، 1999 م.
10. ابن خلكان (شمس الدين) وفيات الأعيان، منشورات الشريف الرضي برقم 1364.
ص: 219
11. ابن الجوزي (سبط) ت 654 ه- تذكرة الخواص، مؤسسة أهل البيت، بيروت، 1968 ه-.
12. ابن رشيق (أبي علي الحسن) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، حققه وعلق عليه محمد بن محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الرابعة، 1972 م.
13. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، دار الفكر، بيروت 1995 م.
14. ابن قتيبة، (أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري) تأويل مشكل القرآن، تحقيق سعد بن نجدت، مؤسسة الرسالة بيروت.
15. ابن كثير (اسماعيل بن عمر القرشي) ت 774 ه-، البداية والنهاية، مكتبة المعارف بيروت.
16. ابن المعتز (عبد الله ابن المعتز) البديع، تحقيق أ.كراتشوفسكي، مطبوعات جب التذكارية لندن، 1934 م.
17. ابن المقفع (عبد الله) الأدب الصغير والأدب الكبير، تحقيق أحمد زكي مطبعة محمد علي، مصر.
18. ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم) لسان العرب، دار إحياء التراث العربي بيروت.
19. ابن ميثم البحراني (كمال الدين):
- شرح نهج البلاغة، مكتب الأعلام الإسلامي، قم، 1413 ه-.
- أصول البلاغة،إشراف وتقديم آية الله جعفر السبحاني، دار جواد الأئمة، ط 2012، 1 م.
20. أبو موسى (د. محمد ):
ص: 220
- دلالات التراكيب دراسة بلاغية، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1987 م.
- خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1996 م .
21. الأصفهاني (ابو الفرج) ت 356، الأغاني، دار الفكر، ط 2، تحقيق سمير جابر، بيروت.
22. الآمدي، (أبو القاسم الحسن بن بشير)، الموازنة بين الطائيين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، 1950 م.
23. الأمين (السيد محسن) أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الخامسة، 1998 م.
24. الأمين، (شريف يحيى)، معجم الفرق الإسلامية، بيروت، دار الأضواء، ط 1، 1986 م.
25. الإمام البخاري (أبو محمد عبد الله محمد بن إسماعيل إبراهيم):
- كتاب التاريخ العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت.
- صحيح البخاري، دار الفكر طبعة 1990 م.
26. بنت الشاطئ (عايشة عبد الرحمن) تفسير للقرآن الكريم، دار المعارف، القاهرة 1968 - 1969 م.
27. بدوي (أحمد أحمد)، أسس النقد الأدبي عند العرب، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة، القاهرة. (د.ت).
28. بن فارس (أبي الحسين أحمد) معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة مصطفى البابي الحبلى بمصر، الطبعة الثانية، 1970 م.
ص: 221
29. البصير (د. كامل حسن) بناء الصورة الفنية في البيان العربي موازنة وتطبيق، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1987 م.
30. بيضون (لبيب) تصنيف نهج البلاغة، ط 1، 3004، دار المحجة البيضاء.
31. الترمذي (الإمام محمد بن عيسى بن سورة) سنن الترمذي، دار الفكر، ط 1 1930 م.
32 . تقي الدين )أبو البقاء الفتوحي( شرح الكوكب المنير، مطبعة السنة المحمدية، ط 1، د.ط: د.ت .
33. ثعلب (أحمد بن يحي الشيباني) قواعد الشعر، تحقيق محمد خفاجي، مطبعة البابي، القاهرة، 1948 م.
34. الجاحظ (أبي عثمان عمرو بن بحر):
- البيان والتبيين، دار الفكر للجميع، 1968، القاهرة.
- الحيوان، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1957 م.
35. الجحاف (السيد محي الدين) ارشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين، قم 1422 ه-.
36. الجرجاني (عبدالقاهر):
- أسرار البلاغة في علم المعاني، تحقيق: (محمد رشيد رضا وأسامة صلاح) الدين، دار إحياء العلوم، بيروت، 1992 م.
- المصدر السابق نفسه، تحقيق محمد الفاضلي، المكتبة العصرية ، بيروت، 9002 م.
- أسرار البلاغة في علم البيان، تحقيق: (ه- .رتير، استانبول)، مطبعة وزارة
ص: 222
المعارف 1954 م.
- دلائل الاعجاز، تحقيق: (د.محمد التنجي) دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1955، 1 م.
37. جرداق (جورج) روائع نهج البلاغة، دار الغدير، ط 2، 2002 م.
38. الجلالي(محمد حسين) دراسة حول نهج البلاغة، مؤسسة الأعلى للمطبوعات، 2001 م.
39. الجواهري (اسماعيل بن حماد) ت 393 ه، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، 1979 م.
42. الحبيب (الشيخ عبد العزيز عبد الله) منهاج الحداثة لنهج البلاغة، المركز الإسلامي الثقافي.
41. الحلي، (ضياء الدين عبد الله الحسيني)، منية اللبيب في شرح التهذيب، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم 1432 ه-.
42. الخطيب (السيد عبد الزهراء الحسيني) مصادر نهج البلاغة وأسانيده، (1- 4) دار الزهراء، بيروت، ط 4، 1988 م.
43. الخوئي)ميرزا حبيب الله (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (1- 21) مؤسسة الوفاء، بيروت، ط 2، 1983 م.
44. الخولي (الشيخ أمين الخولي):
-أساس البلاغة بين المعاجم، مطبعة أولاد اورقاند، القاهرة، 1953 م.
- مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، مطابع الطناني، القاهرة، 1961.
ص: 223
45. الرازي (فخر الدين محمد بن عمر) نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مطبعة الآداب والمؤيد، القاهرة، 1317 ه-.
46. رضا (محمد رشيد)، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، الهيئة المصرية العامة للكتب، ط 1.
47. الرماني (أبو الحسن علي بن عيسى الرماني) النكت في إعجاز القرآن، تحقيق:
د. محمد خلف الله ود، محمد زغلول سلام، دار المعارف، القاهرة، 1976 م.
48. رمضان (عبد الهادي) روائع البيان في خطاب الإمام، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
49. الري شهري (محمدي) ميزان الحكمة، طبعة وتحقيق دار الحديث، قم المقدسة، 1416 ه. ق.
50. زايد (د. عبد الرزاق أبو زيد) في علم البيان، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الأولى، 1978 م.
51. الزركلي (خير الدين) الأعلام، دار العلم للملايين، ط 1، 2002 م.
52. الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر):
- أساس البلاغة، تحقيق محمد أحمد قاسم، وأحمد حمصي، المكتبة العصرية الدار النمودجية، بيروت 2002 م.
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار المعرفة، بيروت.
53. زيتون (علي مهدي) الاعجاز القراني وأثره في تطور النقد الأدبي، دار المشرق، بيروت، 1992 م.
54. الستري (محمد تقي) نهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، طهران ط 1،
ص: 224
1409 ه-.
55. سلمان (علي محمد علي) المجاز وقوانين اللغة، دار الهادي ط 1، 2000 م.
56. السكاكي (ابو يعقوب يوسف بن أبي بكر) مفتاح العلوم، المطبعة الأدبية، القاهرة، 1317 ه-.
57. الشريف الرضي (محمد بن الحسين الموسوي) تلخيص البيان في مجازات القرآن، تحقيق محمد عبد الغني، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1955 م.
58. شمس الدين (محمد مهدي) دراسات في نهج البلاغة، المطبعة العلمية 1987 م.
59. صالح (صبحي) نهج البلاغة، ط طهران، دار الأسوة، 1424 ه-.
60. الصغير (محمد حسين):
- أصول البيان العربي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986 م.
- الصورة الفنية في المثل القراني، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981 م.
- مجاز القران خصائصه الفنية وبلاغته الغربية، دار المؤرخ، بيروت 1999 م.
61 . طبانه)د. بدوي(:
- علم البيان دراسة تاريخية فنية، مكتبة الأنجلو المصرية، المطبعة الفنية الحديثة، الطبعة الثانية، 1967 م.
- معجم البلاغة العربية، منشورات جامعة طرابلس، كلية التربية، الطبعة الأولى، 1977 م.
62. العاملي (الشيخ حسين جمعة) شرح نهج البلاغة، 210شروح، مطبعة وزنكوغراف الفكر، بيروت، ط 1، 1983 م.
63. عبد البديع (لطفي) فلسفة المجاز بين العربية والفكر الحديث، الشركة
ص: 225
المصریة العالمیة 1997 م.
64. عبد الحميد (عرفان) دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية، مطبعة الإرشاد، 1967 م.
65. عبد الجليل (محمد بدري) المجاز وأثره في الدرس اللغوي، دار النهضة العربية 1980 م.
66. عبده (محمد) شرح نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1993 م.
67. عبد المطلب (محمد) البلاغة العربية قراءة أخرى، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 1997 م.
68. عتيق (عبد العزيز) علم المعاني البيان البديع. لا. ط. بيروت، دار النهضة العربية.
69. العسقلاني (ابو الفضل أحمد بن علي) فتح الباري وشرح صحيح البخاري، دار العودة، بيروت، 1379 ه-.
70. العسكري (ابن هلال الحسن بن عبد الله بن سهل) الصناعتين، تحقيق علي البجاوي، ومحمد أبو الفضل ابراهيم، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة، 1971 م.
71. العقاد (عباس محمود العقاد) اللغة الشاعرة مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية، المكتبة العصرية، بيروت.
72. العلوي (يحيى بن حمزة بن يحيى بن إبراهيم) الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق التنزيل، دار الكتب الخديوية، مطبعة المقتطف، مصر 1914 م.
73. علي، (جواد)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422 ه- / 2001 م - 20 جزاءا.
ص: 226
74. عناني (د.محمد) معجم المصطلحات الأدبية الحديثة، مكتبة لبنان، ط 1، 1996 م.
75. فتحي أحمد عامر، فكرة النظم بين وجوه الإعجاز في القران الكريم، مطابع الأهرام، القاهرة، 1975 م.
76. الفضلي (عبد الهادي) تهديب البلاغة، مؤسسة البلاغ بيروت 1988 م.
77. الفيروز آبادي (محمد بن يعقوب) ت 817 ه-، القاموس المحيط، دار الفكر.
78. الناجي (د.لمين) القديم والجديد في فقه اللشافعي، دار ابن القيم، ط 1، 2006 م، الرياض.
79. القاضي الجرجاني، (علي بن عبد العزيز) الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة، 1966 م.
80. القرطاجني (أبو الحسن حازم) منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الحواجة، دار الكتب الشرقية، المطبعة الرسمية، تونس، 1966 م.
81. القزويني، (جلال الدين محمد بن عبد الرحمن) الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق د. علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال 2000 م.
82. الكاتب، (أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم)، البرهان في وجوه البيان، تحقيق د. أحمد مطلوب، و. د. خديجة الحديثي، مطبعة المعاني، بغداد، ط 1، 1967 م.
83. كاظم، (جواد)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، دار ذوي القربى، ط 1384، 1 ه، أطروحة دكتوراه.
84 . لاشين، (د.عبد الفتاح)، البديع في ضوء أساليب القران، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى 1967 م.
85. المربد (أبو العباس محمد بن يزيد) المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق،
ص: 227
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1386 ه-.
86. المجلسي، (العلامة)، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت لبنان، 1404 ه-.
87. مخلوف (الشيخ حسنين محمد) صفوة البيان لمعاني القرآن، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثالثة، 1987 م.
88. المسعودي (أبو الحسن علي بن الحسين) مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مصر، 1967 م.
89. مطلوب (د.أحمد مطلوب) فنون بلاغية، دار البحوث العلمية، الكويت، 1975 م.
90. المعلوف (لويس)، المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، ط 14، 1986 م.
91. مغنية (محمد جواد) في ظلال نهج البلاغة، دار العلم للملايين، بيروت 1987.
92. الموسوي (محسن باقر الموسوي): - - الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، مؤسسة الثقلين بيروت.
- المداخل إلى علوم نهج البلاغة، دار العلوم بيروت، 2002 م.
93. النيسابوري (محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم() المستدرك على الصحيحيين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العالمية - بيروت، ط 1990، 1 م.
94. النيسابوري (مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري) صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
95. الهاشمي (السيد أحمد) جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،
ص: 228
ط 12، لا، ت.
96. الهاشمي (حبيب الله) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تصحيح إبراهيم الميانجي، المكتبة الإسلامية طهران، 1378.
97. هلال (د. محمد غنيمي) النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة، بيروت، 1973 م.
98. الوائلي (د.أحمد) هوية التشيع، سلسلة الكتب العقائدية، مركز الأبحاث العلمية.
99. بليث (هنريش) البلاغة والأسلوبية، ترجمة د. محمد العمري، أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الأولى، 1999 م.
100. ستين (جيرارد) فهم الاستعارة في الأدب، ترجمة محمد احمد، مراجعة شعبان مكاوي، المجلس الأعلى الثقافي، القاهرة ط 1.
101. عياد (د. شكري عياد) أرسطو طاليس فن الشعر، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1967 م.
102. غادامير (جيورج، هانز) تجلي الجميل، تحرير روبورت برناسكوني، ترجمة ودراسة وشرح د. سعيد توفيق المجلس الأعلى للثقافة، 1997 م.
103. كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، دار الكتاب الإسلامي، قم، ط 2، دت.
104. لايكوف (جورج، وجونسوين مارك)، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبدالحميد جعفة، دار توبقال للنشر، ط 1، 1996 م.
105. مورو (فرانسوا) البلاغة المدخل لدراسة الصور البيانية، ترجمة محمد الولي وعائشة جرير، أفريقيا الشرق، المغرب، الدار البيضاء، 2003 م.
ص: 229