زبدة الأفکار (خلاصة لمؤلّفات الدکتور التيجاني)

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سماوي، محمد التیجاني، 1936- Samawi, Muhammad al -Tigani

عنوان واسم المؤلف: زبدة الأفکار (خلاصة لمؤلّفات الدکتور التيجاني)/ مراجعه و اعداد محمود البدري.

تفاصيل المنشور: قم: موسسة المعارف الإسلامیة، 1420ق.= 1378ش.

مواصفات المظهر: 320 ص.

الصقيع: موسسة المعارف الإسلامیة؛ 110.

ISBN : 15000 ریال: 964-6289-63-0

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : چاپ سوم: 1384ش.

ملاحظة : چاپ ؟: 13.

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

الموضوع: الشيعة - دفاعات ودفاعات.

المعرف المضاف: البدري، محمود، 1956 - ، مصحح التجارب والمترجم

المعرف المضاف: بنیاد معارف اسلامی.

ترتيب الكونجرس: BP212/5/س 85ز2 1378

تصنيف ديوي: 297/417

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 78-9667

ص: 1

اشارة

زبده الافکار

(خلاصه لمولفات الدکتورالتیجانی)

مراجعه و اعداد

محمود البدری

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدمة الناشر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد و آله المنتجبين .

وبعد :

لا يخفى على رواد العلم بأن ظمأ العالم البشري لمعرفة الحقائق في العصر الحاضر لا مثيل له ، خصوصا البحوث المتعلقة بمذهب أهل البيت عليهم السلام.

ومن هنا فقد كثرت في الآونة الأخيرة الكتابات التي تتحدث عن هذا المذهب ، وتفند الشبهات والافتراءات التي تثار عليه بين آونة وأخرى.

ولهذا فقد نالت تأليفات الدكتور محمد التيجاني اقبالا عظيمة من رواد الفضيلة والمتعطشين لمعرفة الحق ، وهذا توفيق من الله تعالى وكرامة أكرمها بها هذا العبد المؤمن المخلص.

وبما ان أهم المسائل التي عالجها الدكتور في كتبه ربما تكون متكررة مع اختلاف في الحلول والنتائج حاول الفاضل المحقق محمود البدري أن يجمع زبدة أفكاره المتفرقة في مجموعة كتبه ويسبكها في صحيفة موحدة فيكون بذلك قد جمع بين أمرين ينفعان في الهدف الأسمى لتأليفه القيمة.

أحدهما : طرح المكررات و اختصار المطالب ، فيصل الطالب إلى هدفه باسرع وقت ممكن من أقرب طريق.

ص: 5

والآخر : جمع المطالب المبعثرة حول موضوع واحد فقد تكون نکتة مذكورة حول موضوع في أحد الكتب غير مذكورة في آخر ، وهذا الجمع أيضا يفيد بدوره في الحصول على النتيجة ودراسة الموقف بدقة أكثر.

ونحن إذ نشكر الأخ الأستاذ محمود البدري على هذه البادرة الموفقة نأمل أن تكون هذه المجموعة مؤثرة في هدفنا الأسمى وهو الدفاع عن حق أهل البيت عليهم السلام والدعوة إلى الالتفاف حول المذهب الحق ، ونرجو أن يتقبل الله تعالى منا و من الاخوة العاملين في هذا المضمار بفضله وكرمه.

انه سميع مجيب .

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم

ص: 6

المُقدَّمهُ

اشارة

الحمد لله ربّ العالمين، باعث الأنبياء والمرسلين لهداية الناس أجميعن، وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام، صاحب الشريعة، ومنقذ البشرية من الضلال إلى النور، محمد المصطفى، وعلى آله المعصومين الميامين، وأصحابه المنتجبين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

امّا بعد؛

قد يكون «الحر بن يزيد الرياحي» من أهم المستبصرين في التاريخ الاسلامي، والذي كان من كبار القادة العسكريين في معسكر عبیدالله بن زیاد.

و هو إحدى العِبَر التي استعبر بها أولي الألباب ، ومنهم الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي ، والذي يعتبر من خيرة المستبصرين في زماننا هذا ...

يقول الدكتور التيجاني : ... في كربلاء ، عشت محنة الحسين كما يعيشها شیعته، وعلمت وقتئذٍ بأنّ سيدنا الحسين لم يمت، حيث رأیت الناس يتزاحمون حول ضريحه كالفراشات ويبكون بحرقة ولهفة لم أشهد لها مثيلاً ، فكأنّ الحسين استشهد الان، وقد تحدّث أحد الخطباء عن قصّة الحر بن یزید الرياحي، وهو أحد القادة المكلّفين بقتال الحسين ، ولكنه في المعركة كان يرتعش کالسعفة،

ص: 7

و لما سئل: أخائف أنت من الموت؟

قال الحرّ: لا والله، ولكنّني أخيرُ نفسي بين الجنّة و النار، ثمّ همز جواده وانطلق إلى الحسين قائلاً : هل من توبة يا بن رسول الله ...

لم أتمالك نفسي عندما سماع هذا، فقد سقطت على الأرض باکياً، وكأنّي أمثّل دور الحرّ وأطلب من الحسين: هل من توبة يا بن رسول الله ، سامحني يا بن رسول الله ...

نعم ، انّها اللحظة التاريخية التي يتلطّف الله بها على عبده، فیشرح صدره «للاستبصار» والعودة إلى الحقّ.

والدكتور محمد التيجاني، داعية و مفکّر اسلامي، أنهى دراسته في جامعة الزيتونة العريقة، وعمل في سلك التدريس 17 عاماً، وحصل على شهادة الماجستير في المقارنة بين الأديان من جامعة باريس، وعلى شهادة الدكتوراه في نهج البلاغة ، وله عدة مؤلفات ، وعشرات بل مئات المحاضرات .

و عندما هداه الله تعالی و شرح صدره لمذهب أهل البيت علیهم السلام، قام بنصرة المذهب الحقّ، كما فعل الحر مع الحسين، ولكن الفارق أنّ الحر نصر الحسين بسيفه، بينما نصر الدكتور التيجاني الحسين و آله بقلمه وفكره ...

نعم ...

فقد شمّر الدكتور التيجاني عن ساعديه، وأعلن حالة الاستنفار القصوى، مجنّداً كل طاقاته و خبرته وعلمه، للذود عن الحقيقة التي اهتدى إليها بالعلم والدراية، فأخذ يغوص في محيط العقيدة، شاهراً قلمه الجريء، وهو يسبح وسط محيط هادر، لا تخيفه المخاطر، غير آبه بالعواصف، ولا مكترث

ص: 8

للمخاوف.

و هو يخطّ ما يجول بخاطره من أفكار دافقة ، دون مواربة أو مهادنة ، يضع النقاط على الحروف في جميع الأحوال والظروف ، يدافع مستميتاً عن الحقّ بكلّ أمانة وصدق.

فقد تحدّث في كتابه الأوّل «ثمّ اهتديت» بكلّ جرأة وراحة ضمير ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا تهون منه العزائم، رغم علمه الأكید بوعورة المسالك واحتمال الوقوع في المهالك.

و لقد حاول الدكتور التيجاني في كتبه الاُخرى «لأكون مع الصادقین» و «فاسألوا أهل الذكر» و «الشيعة هم أهل السنّة» و «كلّ الحلول مع آل الرسول»، بل في جميع محاضراته و حواراته، أن يسعى لتبيان حقيقة العقيدة الاسلامية الناصعة، وصقلها من غبار عبث العابثين باُصول الدين ، جاهداً في التحليل والتوضيح ، يفرز الخطأ عن الصحيح ، من أجل جمع كلمة المسلمين الذين فرّقتهم سياسات الحكام المنحرفين، و وعاظ السلاطين ، الذين جنّدوا انفسهم لذلك.

ولذا نراه يقول في مقدّمته لكتابه «كلّ الحلول عن آل الرسول» : لقد عملنا بكلّ جهودنا في الكتب السابقة على إقناع المسلمين بضرورة الرجوع إلى الثقلين «القرآن الكريم والعترة الطاهرة» والتمسّك بهما معاً لضمان الهداية والنجاة من الضلالة.

ويحاول «التيجاني» في كتبه دائماً، استخدام الوسيلة الحضارية والطريقة الديمقراطية ، لحوار عقائدي و فکري بنّاء، من أجل إعادة تشييد البناء على اُسس سليمة، وأفكار حكيمة.

ص: 9

فتراه يهدي كتابه الأوّل «ثم اهتديت» إلى كلّ عقل سلیم، يمحّص الحقّ فيعرفه من بين ركام الباطل ، ويزن الأقوال بميزان العدل فيرجّح كفّة المعقول، ويقارن الكلام والأحاديث فيتبيّن المنطقي من المعسول ، والقوي من المهزول .

ونراه يقول في كتابه الثاني لأكون مع الصادقین» بأنّ: الباحث المنصف يستطيع أن يصل إلى الحقيقة من أقرب طرقها ، كما وصلتُ إليها من خلال البحث والمقارنة ... ليكون «مع الصادقین» - وإذا رفض -... فسيجد نفسه بعيداً عن الصراط المستقيم، فيكون من المغضوب عليهم أو من الضالّین.

و نراه يؤكّد في كتابه الثالث «فاسألوا أهل الذكر» على انّ الحلّ الوحيد الخلاص المسلمين ونجاتهم هو الالتزام بالحديث الصحيح عند جميع الفرق الاسلامية وهو قول صاحب الرسالة صلی الله علیه و آله و سلم: «تركتُ فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»(1)

وتراه في كتابه الرابع «الشيعة هم أهل السنّة» يشير إلى العلاقة بين الحقّ و الباطل فيقول : فقد يَلبسُ الباطلُ لباسَ الحقّ للتمويه والتضليل ، وقد ينجحُ في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنّهم به ، وقد ينتصرُ الباطلُ أحياناً لوجود أنصار مؤيّدين له ، فما على الحقّ إلّا الصبر وانتظار وعد الله بأن يزهق الباطل إنّ الباطل کان زهوقاً.

وأخيراً فهو في جميع كتبه يلتزم بالنهج الذي نصح به الإمام علي علیه السلام شیعته، فلم يكن من السبّابين ولكنّه - كما يقول : - وصفت أعمالهم ، وذكرت أحوالهم حتى يعرف الحقَّ من جهله ...... ولكن ما حيلتي إن كان الحقّ

ص: 10


1- صحیح مسلم 4: 1873 ح 2608 ، سنن الترمذي : 163 ح 3788.

لا يظهر إلّا بذلك.

أما خلاصة كتب التيجاني فهي :

1-ثمّ اهتديت:

يقول التيجاني في مقدمة الكتاب: هو قصّة رحلة، قصّة اكتشاف جديد، لیس اکتشافاً في عالم الاختراعات التقنيّة أو الطبيعية، ولكن في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينيّة.

فهذا الكتاب حوى قصة الرحلة الموفّقة التي قام بها الدكتور التيجاني لينتهي إلى برّ الأمان ، وهو يحوي كذلك على زبدة الأفكار التي كانت تدور في ذهن التيجاني اثناء رحلته الموفّقة هذه، خصوصاٌ فيما يتعلّق بالصحابة، و رأي القرآن والرسول فيهم، بل حتى رأي بعضهم بالنسبة إلى البعض الآخر، وفي نهايته وعندما يصل إلى برّ الأمان يتحدّث عن «أسباب الاستبصار» التي دعسته الركوب سفينة النجاة ، سفینه محمّد و آله الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام.

2- لأكون مع الصادقین :

وقد ألّفه التيجاني بنفس الاسلوب الّذي ألّف به كتابه السابق ، ولكن هذه المرّة بشمولية أكثر ، طرح فيه الجانب المهم في حياة المسلمين و هو الجانب العقائدي، فشرح مفردات العقيدة الاسلامية في أصول الدين والقرآن الكريم والعقائد المختلفة الأخرى عند الفريقين ، فنراه يتحدّت عن الله ، والنبوة ، والإمامة ، والعصمة ، والأئمّة ، والمهدي المنتظر ... الخ.

3 - فاسألوا أهل الذكر :

يبدأ كتابه هذا برسالة مفتوحة إلى العالم الهندي الذي يرجع إليه أهل السنّة

ص: 11

و الجماعة في تلك الفارة و هو «أبو الحسن الندوي»، والسبب في بعث هذه الرسالة - كما يقول الدكتور التيجاني - هو ما شاهده ولمسه اثناء زيارته للهند التي يسكنها أكثر من مائتي مليون مسلم ربعهم شيعة و ثلاثة أرباعهم من السنّة ، الذين يعيشون في حالة من الصراع والنزاع، دعته - أي الدكتور التيجاني - إلى الدهشة والحيرة والخوف، و من ثمّ التأسّف والبكاء على مصير هذه الأمّة، بل انّ اليأس «كان يدبّ إلى قلبي لولا الرجاء والأمل والايمان».

اضافة إلى ذلك فقد حوى الكتاب على بحوث عقائدية وفكرية كثيرة بعضها يتعلّق باُصول الدين و بعضها بفروعه ، و آخر يتعلق بالتاريخ والسيرة ، تاريخ الصحابة وسيرتهم ، و تاریخ الخلفاء الثلاثة «أبو بكر وعمر وعثمان» ، و تاریخ أمُ المؤمنين عائشة» و سیر تھا ، وكذلك مناقشة أهم الشبهات التي اُثيرت في صحيحي البخاري ومسلم حول شخصية الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم.

4 - الشيعة هم أهل السنّة :

وكتابه هذا بالرغم من انه لا يختلف عن كتبه الثلاثة السابقة في اسلوبه وطرحه للمفاهیم ، لكن نجد أنّ موضوعاته ركُزت على أهم فرقتين اسلامیتین وهما : «أهل السنة والجماعة» و «الشيعة الإمامية» ، حيث يعرّف بهاتين الفرقتين، ويناقش أهم المسائل الخلافية فيما بينهما ، ودور حكّام الجور في اثارة الخلاف بين المسلمين من خلال دعم أئمّة أهل السنّة ، والتشنيع على الشيعة وقتل قادتهم.

و كذلك يتطرّق الدكتور التيجاني في كتابه هذا إلى بعض عقائد الفريقين خصوصاً فيما يتعلّق بالسنّة النبويّة، مثبتاً بالدليل والبرهان بانّ «الشيعة هم أهل السنّه».

ص: 12

5 - اتّقوا الله :

وهو محاورة فكرية جرت بين الدكتور التيجاني مع بعض علماء السنّة في تونس ، حيث تناول هذا الحوار مسائل مهمّة تتعلّق بالإمامة والخلافة عند المسلمين ، وما يرتبط بيوم الغدير والبيعة التي تمّت في حياة الرسول لأمير المؤمنين علیه السلام.

6- كلّ الحلول عند آل الرسول:

هذا الكتاب حاول فيه الدكتور التيجاني - كما يقول : - تجنّب القضايا الحسّاسة التي تثير حفيظة البعض وتستفزهم ، وبالتالي تحجبهم عن الحقّ فلا يصلون إليه ، فينتفي الغرض من هدايتهم.

و هذا لا يعني بأنّه أخطأ في الاسلوب «الاستفزازي» الذي التزم به في كتاباته السابقة ، لأنّه يعتقد بأنّ الاسلوب الاستفزازي هو الذي يحرّك النفوس الأبيّة ، وقد أتي بنتائج مثمرة ومذهلة من خلال اتباعه في كتبه السابقة.

ولكن نزولاً عند رغبة البعض الذين يحاولون تضييق دائرة الخلاف وتوحيد الصفوف ، يقول الدكتور التيجاني : إلّا أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب اللين المسالم الذي قد يُقنع الكثير من الناس فستكون ثمارهُ ألذّ وأشهى. وأكون بذلك قد اتّبعت الاسلوبین معاً اقتداءً بالقرآن الكريم الذي أستعمل اسلوب الترغيب والترهيب ليُدخل الطامعين إلى الجنّة ، و يُنقذ الخائفين من النار.

أمّا مواضيع كتابه هذا ، فكانت فاكهة متنوعة لما تحوي كتبه السابقة إلّا القليل منها ، بل نراه في هذا الكتاب يناقش مسائل مهمة تتعلّق بالشيعة كمسألة

ص: 13

إقامة صلاة الجمعة، والشهادة الثالثة وواقعة عاشوراء وغيرها .

ويتحدّث كذلك باسهاب عن الوهابية وجذورها التاريخية، وموقفها من المسلمين ، وموقف المسلمين منها بجميع طوائفهم .

أمّا عملنا:

بعد مراجعة هذه الكتب مراجعة دقيقة ، قمنا بترتیب موضوعاتها و حذف المكرّرات منها و اختصار المطالب الطويلة، وتنظيم الموضوعات التي تشترك في وحدة الموضوع تحت عناوین شاملة ، وكذلك مراجعة الروايات في مصادرها التاريخية وذكر تخریجات مفيدة اُخرى لبعض الأحاديث و الروايات التي لم تخرّج في الكتب الأصل ، وبالتالي الخروج بکتاب موحّد يحتوي أهم أفكار التيجاني ، أسميناه «زبدة الأفكار» ، وذلك لأجل أن يتيسّر لقارئنا الكريم الاطلاع على أهم أفكار الدكتور التيجاني بكتاب واحد ، عسى الله أن ينفعه به ويشرح صدره للإسلام، كما شرح صدر المئات من العلماء وطلّاب الحقيقة على مر الدهور.

و كتابنا هذا يقع في مقدّمة وسبعة فصول و خاتمة هي :

1- لمحة وجيزة عن حياة الدكتور التيجاني كما خطها بقلمه في كتابه «ثمّ اهتديت.

2 - العقائد الاسلامية.

3 - مصادر التشريع عند الفريقين (السنّة والشيعة).

4 - الصحابة عند الشيعة و السنّة.

5 - دفاع عن الشيعة.

6- الوهابية والجذور التاريخية.

ص: 14

7- شبهات وردود.

8- الخاتمة (وهي رسالة الدكتور التيجاني إلى الشيخ أبي الحسن الندوي).

وأخيراً ، أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد المتواضع مقبولاً عنده ، وبضاعة مزجاة لنا نرجو قبولها (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سلیم) و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمود البدري

5/ جمادى الأولى / 1420

17/ آب / 1999

ص: 15

ص: 16

تنبیهات لابدّ منها

إذا تكلّمنا في الفصول القادمة عن «أهل السنّة والجماعة» فإننّا لا نقصد بهم المسلمين المعاصرين ، فقد لاحظنا في عديد الفقرات بأنّ هؤلاء ابرياء وليس لهم في ما اقترفه السلف من ذنب ولا إثم وقلنا بأنّهم ضحايا الدسّ و التعتيم التاریخی الذي صاغه الأمويون والعباسيون وأذنابهم لمحقّ السنّة النبويّة و إرجاع الأمر إلى الجاهلية.

ولقائل أن يقول : إنّ تناول الصحابة بهذا النقد والتجريح يخدش شعور الأغلبية من المسلمين الذين يعتقدون بعدالتهم جميعاّ ويعتبرونهم أفضل الخلق بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

فنقول : بأنّ المسلمين مُطالبون بالاعتقاد في الله وفي رسوله والعمل بما افترضاه والوقوف عند الحدود التي رسماها ، و يتوقف نجاة المسلمين بما فيهم الصحابة على ذلك، فمن خرج عن ذلك مصيره إلى النار ولو كان عمّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم أو ولده.

و أريد أن أنبّه اخواني من الشيعة الذين يتّبعون مدرسة أهل البيت علیهم السلام للاُمور التالية:

1_ يجب عليهم أن يجادلوا إخوانهم من أهل السنّة والجماعة بالتي هي أحسن ، ويلتزموا بقول أمير المؤمنين على علیه السلام : «لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا حتى تكون الحجة أبلغ»(1)

ص: 17


1- بحار الأنوار 32: 399 .

2_ أن يتجنّبوا في عباداتهم ومعاملاتهم كلّ المحدثات التي ما كانت في زمن الأئمّة ولا في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أمثال التطبير في عاشوراء وإسالة الدماء التي تنفّر الناس من اعتناق مذهب أهل البيت علیهم السلام ، فقد قال الإمام الصادق علیه السلام:

«کونوا لنا دعاة بأعمالكم لا بأقوالكم، کونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا».(1)

3_أن يهتمّوا في محاضراتهم و مناقشاتهم بالاُمور العلميّة التي فيها البرهان والدليل في صحاح السنّة ، و يتحاشوا الأحاديث الضعيفة التي فيها اثارة وتصطدم مع العقل.

4_ أن يعملوا بكل جهودهم على الاستقامة والتقوى كما كان أئمّتهم من أهل البيت علیهم السلام و لا يتكلوا على القول بأنّ علي بن أبي طالب يشفع لمحبّيه وأتباعه ، فعليّ هو القائل: «ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي وإنّما الإيمان ما وقر في القلوب وصدّقته الأقوال والأفعال»(2)

5_ أن يتعلّموا المواعظ والعبر من خلال حياة الأئمّة الأطهار الذين تركوا تُراثاً لا مثيل له ، ففي نهج البلاغة وحده الدواء الناجع لكلّ الأمراض فقد حان الوقت لنفض غبار الجهل والتخلّف والنهوض بالاُمّة إلى أسمى معاني الحضارة والتقدّم ، فإذا كان إمام الشيعة هو باب مدينة العلم فلا بدّ أن يكون أتباعه هم السباقين لكلّ العلوم.

لو عمل الشيعة بهذه الوصايا لساد الأمن والسلام، ولو غيّرنا ما بأنفسنا من عقائد فاسدة وجهل و انحراف لغيّر الله ما بنا من فقر و ذلّة إلى غناء وعزّة ولأظهر لنا إمام زماننا المهدي علیه السلام ليملأها عدلاً و قسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .(3)

ص: 18


1- بحار الأنوار 85: 139 ح 15.
2- بحار الأنوار 99: 72.
3- الشيعة هم أهل السنة : 108.

الفصل الأول: لمحة وجيزة عن حياتي

اشارة

ص: 19

ص: 20

لمحة وجيزة عن حياتي

كان عمري عشر سنوات عندما أخذني والدي إلى المسجد ليقدّمني إلى المصلّين الذين لم يخفوا اعجابهم بي ، وفي هذه السن المبكرة كنت قد حفظت نصف القرآن ، واجتزت بنجاح ما تعلّمته في المسجد ... و من هناك انطلقت شهرتي من حارتنا إلى المدينة.

لقد قضيت طفولتي و شبابي في استقامة نسبية لا تخلو من لهو و عبث ، يسودهما في معظم الأحيان البراءة و حبّ الاطلاع والتقليد ، ولقد كان لوالدتي رحمها الله الأثر الكبير في حياتي ، حيث اعتنت بي عناية فائقة من خلال تعليمي قصار السور القرآنية والصلاة والطهارة .. وكان لاسم «التيجاني» الذي سمّتني به والدتي ميزة خاصة لدى عائلة السماوي التي اعتنقت الطريقة التيجانية(1) وتبنّتها منذ أن زار أحد أبناء سيدي أحمد التيجاني قفصة قادماً من الجزائر حيث انتشرت هذه الطريقة بكثرة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان ومصر، ومن أجل اسمي أصبحت محبوباً في دار السماوي.

ص: 21


1- يعتقد معتنقي هذه الطريقة بان جميع الأولياء قد أخذوا عن بعضهم بالتسلسل ما عدا الشيخ أحمد التيجانی فقد أخذ علمه مباشرة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و رغم تأخُره عن زمن النبوّة بثلاثة عشر قرناً. و یروون بأنّ الشيخ أحمد التيجاني كان يحدّث بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و جاءه يقظة لا مناماً.

الحج إلى بيت الله الحرام

كان عمري ثمانية عشر عاماً عندما وافقت الجمعية القومية للكشافة التونسية على انتدابي للمشاركة - مع خمسة آخرين في المؤتمر الأول للكشافة العربية والاسلامية الذي أقيم في مكة المكرمة.

كان شعوري وأنا أدخل بيت الله الحرام لأوّل مرّة لا يُتصوّر ... و عندما رأيت بيت الله العتيق فاضت دموعي حتى ظننت أنّها لن تتوقّف ، وخيّل إليّ أنّ الملائكة سوف تحملني فوق الحجيج لأصل إلى سطح الكعبة المشرّفة وألبي نداء الله من هناك «لبّيك اللهمّ لبّيك هذا عبدك جاء إليك» .

كانت إقامتنا في السعودية خمسة وعشرين يوماً ، كنّا نلتقي فيها بعلماء ونستمع إليهم في محاضراتهم ، و قد تأثرت ببعض المعتقدات الوهابية التي أعجبت بها وتمنّيت أن يكون المسلمون عليها ، وظننت أنّ الله اصطفاهم من بين العباد الحراسة بيته الحرام .

و عندما عدت إلى وطني استقبلني اهل مدينتي مهلّلين ومكبّرين و تسابق الناس لتقبيلي والتسليم عليّ ، وكان في مقدّمة هؤلاء المستقبلين شيخ الطريقة «العيساوية» وشیخ «التيجانية» وشیخ «القادرية» ، ومنذ ذلك الوقت لقّبونی با «الحاج» ، فإذا أطلق هذا الاسم لا ينصرف إلّا إليَّ .

و ازداد نشاطي في تلك الفترة، وأصبحت أكثر معروفاً في الأوساط الدينية كجماعة الاخوان المسلمين ، وأخذت اطوف في المساجد وأنهي الناس عن تقبيل الأضرحة والتمسّح بالأخشاب ، وكنت كذلك ألقي الدروس الدينية في المساجد يوم الجمعة قبل خطبة الإمام .

ص: 22

و في تلك الفترة تزوجت بناء على رغبة والدتي ، التي فارقت الحياة بعد میلاد ابني الثاني ، وكان والدي رحمه الله قد سبقها بعامين.

وأخذ السنوات تمرّ بسرعة ونشاطي وشهرتي تزداد أكثر ، فقد تعدّت حدود مدينتي إلى مدن اُخرى مجاورة ، إلى أن جاءتني دعوة من الشيخ اسماعيل الهادفي صاحب احدى الطريق الصوفية المشهورة في تونس و خارجها ، وقد فرحت لهذه الدعوة ، واعتبرت أن هذا من العناية الربّانية التي ما زالت ترفعني من مقام سام إلى ما هو أسمى ومن حسن إلى ما هو أحسن.

و حضرت أخيراً بعض جلسات الصوفية ، وقد كنت محاكياً لهم في غير قناعة منّي ، لأني وجدت نفسي متناقضاً مع العقيدة التي تبنّيتها ، وهي عدم الإشراك ، أي عدم التوسّل بغير الله، ولهذا أصبحت متحيّراً مشتّتاً بين تيارين متناقضين :

أ- تيار الصوفية ، وهي أجواء روحية يعيشها الانسان فتملأ أعماقه بشعور الرهبة والزهد والتقرّب إلى الله .

ب - تبار الوهابية الذي علّمني أن ذلك كلّه شرك بالله ، والشرك لا يغفره الله .

الرحلة الموفّقة

كانت الرسائل متواصلة مع بعض الأصدقاء خلال السنوات المنصرمة، ومن خلالها توطّدت علاقتي مع البعض الذين ألحّوا عليّ بزيارتهم ، فأعددت العدّة ورتّبت الامور للقيام برحلة طويلة تمرّ بليبيا عن طريق البر ، ثم إلى مصر ومنها إلى لبنان عبر البحر فسوريا والأردن والسعودية ، وهي المقصودة لأداء

ص: 23

العمرة و تجديد العهد مع الوهابية التي روّجت لها كثيراً في أوساط الطلبة وفي المساجد .

لم تطل اقامتي في ليبيا، حيث رحلت منها إلى مصر، و أمضيت عشرين يوماً في القاهرة ، التقيت خلالها بالشيخ عبد الباسط عبد الصمد المجوّد الشهير، حيث بقيت معه ثلاثة أيّام تحدّثنا فيها عن كلّ شيء الفن ، والزهد ، والتصوّف ، والغرب ، والحجّ والسياسة ...الخ ، وكان بعض شيوخ الأزهر يحضرون تلك الجلسات ويعجبون لما أحفظ من أحاديث و آیات وما أملكه من حجج دامغة.

أنّ أهم حادث أثر في نفسي وجعلني افكر مليّاً عدّة ليال هو زيارتي لخزانة مسجد سيدنا الحسين بالقاهرة، حيث رأيت فيها قميص رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و بعض المخلّفات الاخرى ، فبعد هذه الزيارة تيقّنت من تفاهة اعتقاد الوهابيين الذين يرون أن الرسول مات وانتهى أمره كغيره من الأموات .

سافرت في اليوم المقرّر إلى بيروت ، وفي الباخرة نمت قليلاً ، بعد أن وجدت نفسي بانّي مرهقاً جسدياً وفكرياً، ولكني استيقظت على صوت مجاوري وهو يقول : «يبدو أنّ الأخ متعب»..

قلت: نعم، أتعبني السفر من القاهرة إلى الاسكندرية ، ولم أنم البارحة إلّا قليلاً .

كان محدّثی استاذ عراقي في جامعة بغداد اسمه «منعم» ، وقد جاء إلى القاهرة لتقديم اطروحة الدكتوراه في الأزهر ، وقد تحدّثنا كثيراً عن مصر والعالم العربي وهزيمة العرب أمام اليهود والاستعمار والتشتّت في عالمنا العربي ، وحال المسلمين اليوم الذين ما زالوا يفرّقون بين المالكية والأحناف ، واستشهدّت لصاحبي بقصة حدثت لي عندما كنت أصلي في مسجد أبي حنيفة في القاهرة

ص: 24

و ذلك عندما صلّيت صلاة العصر جماعة ، فما راعني بعد الصلاة إلّا والرجل الذي كان قائماً بجانبي يقول لي في غضب: «لماذا لا تكتّف يديك في الصلاة ؟ فأجبته بأدب و احترام ان المالكية يقولون بالسدل وأنا مالكي ، فقال لي : «إذهب إلى مسجد مالك وصلّ هناك !» فخرجت ناقماً على هذا التصرّف.

و إذا بالاستاذ العراقي يبتسم ويقول لي إنّه هو الآخر شیعی .

فاضطربت لهذا النبأ ، وقلت غير مبال : لو أعلم انّك شیعی لما تكلّمت معك ، قال : ولماذا ؟ قلت: لأنّكم غیر مسلمين ، فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب علیه السلام والمعتذون منكم يعبدون الله ولكنهم لا يؤمنون برسالة النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم، و يشتمون جبرائيل ويقولون بأنّه خان الأمانة ، فبدلاً من أداء الرسالة إلى عليّ أدّاها إلى محمد !! حاورني صاحبي بهدوء ، وقال لي أخيراً : إذا كنت فعلاً تريد معرفة حقيقة الشيعة فأنا أدعوك لزيارة العراق والاتصال بعلماء الشيعة و عوامّهم وستعرف عند ذلك أكاذيب المغرضين والحاقدين.

فرحت كثيراً بهذا العرض لأنّي سأحقق حلم كان يراودني منذ صغري ألا وهو زيارة العراق ، بلاد الحضارة الاسلامية ، وبلاد القطب الربّاني والشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ملأ صيته الأقطار كلّها .

وفي هذه الأثناء رأيت صاحبي الشيعي يدعوني للصلاة ، فانتهزتها فرصة حيث قدّمته للصلاة أمامي لكي اختبر صلاته على أن أعيد صلاتي فيما بعد، و ما أن أقام الصلاة لأداء فريضة المغرب و استرسل في القراءة والدعاء حتى غيّرت رأيي، و تخيلت بأنّي مأموم بأحد الصحابة الكرام الذين أقرأ عنهم وعن ورعهم و تقواهم ، وبعد فراغه من الصلاة ، أطال الدعاء ولم أسمع قبلاً هذه الأدعية في

ص: 25

بلادنا ولا في البلاد التي عرفتها ، وقد لاحظت في عينيه أثر البكاء كما سمعته يدعو الله أن يفتح بصيرتي ويهديني .

زيارة العراق لأوّل مرّة

سافرنا من دمشق إلى بغداد ، واتجهنا فوراً إلى منزل صديقي الذي لمست خلال أيام سفري معه نبل أخلاقه وعزّة نفسه وتواضعه وورعه ، وقد استقبلتني والدته خیر استقبال ، فشعرت حينها بانّي لست غريباً بل وكأنّي في بيتي .

و في الليل سألني صاحبي : ماذا يقول التونسيون عن عبد القادر الجيلاني ؟ فبدأت أحكي له عن الكرامات التي تروى عندنا ، وعن المقامات التي تشيّد في ربوعنا باسمه ، وكما أن محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سيّد الأنبياء فعبد القادر هو سيّد الأولياء، كيف لا وهو القائل: «كلّ الناس يطوف بالبيت سبعاً وأنا البيت طائفاً بخيامي» !

قال صديقي وهو يضحك : نم الليلة واسترح من التعب الذي لقيته في السفر وغداً إن شاء الله سنزور الشيخ عبد القادر ، فرحت لهذا الخبر واستغرقت في نوم اپ عميق.

في الصباح ذهبنا إلى زيارة مقام الشيخ ، حيث رأيت الناس تتراكم على مقامه کتراكم الحجاج على بيت الله الحرام ، فصلّيت و دعوت بما تيسّر لي ورجوت صديقي أن يمهلني حتى أكتب إلى اصدقائي في تونس بعض البطاقات البريدية لأوكّد لهم عن علوّ همّتي التي أوصلتني لذلك المقام الذي لم يصلوا إليه .

وبعد أن خرجنا، تناولنا الطعام و أخذني صديقي في سيارة اجرة إلى الكاظمية»، حيث فهمت بانّه من مساجد الشيعة ، شعرت بحرج في الدخول إليه.

ص: 26

غیر انّنی - مراعاة لعواطف صديقي - اتّبعته من غير اختيار ، وعندما رأيت بعض الناس يطوف حول الضريح ، والبعض الآخر يصلّي بجانبه تذكّرت قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أوليائهم مساجد».

وعندما قرأت اللوحة المكتوبة للزيارة وهي معلّقة على الضريح لم أفهم الكثير منها بما حوته من أسماء غريبة عنّي أجهلها ، ابتعدت في زاوية و قرأت الفاتحة ترحّماً على صاحب الضريح قائلاً : «اللهمّ إن كان هذا الميّت من المسلمين فأرحمه فأنت أعلم به منّي». .

شیوخ طاعنين في السن ، و على رؤوسهم عمائم بيض وسود، و في جباههم آثار السجود ، ما أن يدخل الواحد منهم حتى يجهش بالبكاء ، وتساءلت في داخلي أيمكن أن تكون هذه الدموع كاذبة ؟! أيمكن أن يكون هؤلاء الطاعنون في السن مخطئين ؟ خرجت متحيّراً مندهشاً ممّا شاهدته ، وسألت صاحبی : من هو صاحب هذا المقام ؟ قال : الإمام موسى الكاظم علیه السلام.

قلت : ومن هو الإمام موسى الكاظم علیه السلام ؟ قال : سبحان الله ! أنتم إخواننا أهل السنّة والجماعة تركتم اللبّ و تمسّکتم بالقشور ، فقلت غاضباً منقبضاً : كيف تمسّكنا بالقشور و تركنا اللبّ؟ فهدّ أني وقال : يا أخي ، منذ دخلت العراق لا تفتأ تذكر عبد القادر الجيلاني ، فمن هو عبد القادر الجيلاني الذي استوجب كلّ اهتمامك !؟ أجبت على الفور وبكل فخر: هو من ذرّية الرسول ، ولو كان نبي بعد محمد

ص: 27

لكان عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالی عنه ؟ وبعد حوار مع صاحبي حول التاريخ الاسلامي فهمت بانّ عبد القادر من مواليد القرن السادس الهجري ، بينما موسی بن جعفر من مواليد القرن الثاني ، ونسبه واضح فهو موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة الزهراء بنت الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

وفي اثناء هذا الحوار تذكّرت كيف انّ اساتذتنا ومعلّمينا كانوا يمنعوننا من قراءة التاريخ الاسلامي بحجّة انّه تاریخ اسود مظلم لا فائدة من قراءته ، وتذكرت كيف انّي سألت مدرس مادة البلاغة بعد أن كان يدرّسنا الخطبة الشقشقية من كتاب نهج البلاغة فقلت له : إنّ الإمام علي علیه السلام يتّهم أبا بكر وعمر بأنّهما اغتصبا حقّه في الخلافة ، فثارث ثائرة الاستاذ وهدّدني بالطرد إن عدّت لمثل هذا السؤال ، مضيفاً بان الدرس هو بلاغة وليس تاريخ !! أخذني بعدها صديقي إلى أحد اصدقائه وهو دكتور في جامعة بغداد حصل على الدكتوراه في اطروحته التي كتبها عن عبد القادر الجيلاني ، ترکنی صاحبي معه ، تحدّث خلالها الدكتور عن رحلته الطويلة التي دامت سبع سنوات سافر خلالها إلى باكستان وتركيا ومصر وبريطانيا وكلّ الأماكن التي بها مخطوطات تنسب إلى عبد القادر الجيلاني واطّلع عليها فلم يجد أي اثبات فيها بانّ عبد القادر الجيلاني هو من سلالة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، وغاية ما هنالك بيت من الشعر ينسب إلى أحد أحفاده يقول فيه : «وجدّي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم» ، وزادني بانّ التاريخ الصحيح يثبت أنّ عبد القادر أصله فارسی و لیس عربياً وقد ولد في بلدة بإيران تسمّی «جیلان» وإليها ينسب عبد القادر ، وقد نزح إلى بغداد حيث تعلّم هنالك ، وأخيراً أهداني الدكتور كتابه عن عبد القادر الجيلاني ، و ودّعته بعد أن جاء صديقي حيث رجعنا

ص: 28

إلى البيت ليلاً" ، فشعرت بالتعب والارهاق واستسلمت للنوم.

الشكّ والتساؤل

أحقاً ما يقال عن الشيعة انّهم يعبدون عليّاً ، و انّهم يسجدون للحجر دون الله ، وانّهم ينزلون ائمّتهم منزلة الالهة، و...، ولكن كيف لي أن اُصدّق هذا الكلام وأنا أرى بعيني خلافه ، فقد استهوتنی عباداتهم وصلاتهم ودعاؤهم واحترامهم العلمائهم ، كيف يكره هؤلاء القوم الرسول ، وكلّما ذكرته - وكثيراً ما اذكره الاختبارهم - فيصيحون بكل جوارحهم «اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد» ، في البداية ظننت انّهم ينافقون ، ولكن هذا الظن زال بعدما تصفّحت كتبهم التي قرأت شيئاً منها فوجدت فيها احتراماً و تقدیساً و تنزیهاً لشخص الرسول لم أعهده عندنا اهل السنة و الجماعة.

قلت لصاحبي الشيعي يوماً :

- أنتم تُنزلون عليّاً رضي الله عنه وكرّم الله وجهه منزلة الانبياء لأنّي ما سمعت أحداً منكم يذكره إلّا بقوله «علیه السلام»: - . فعلاً نحن عندما نذكر أمير المؤمنين أو أحد الأئمّة من بنيه نقول «علیه السلام» ، فهذا لا يعني أنّهم أنبياء ، ولكنّهم ذرّية الرسول وعترته الذين أمرنا الله بالصلاة عليهم في محكم تنزيله وعلى هذا يجوز أن نقول : عليهم الصلاة والسلام أيضاً .

... ثمّ قال لي صديقي : هل قرأت تفسير الآية الكريمة :«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا »،(1) فقد أجمع

ص: 29


1- الأحزاب : 59.

المفسّرون سنّة وشيعة على أنّ الصحابة سألوا الرسول صلی الله علیه و آله و سلم عن كيفية هذه الصلاة فقال: قولوا : «اللهمّ صل على محمد و آل محمد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد ولا تصلّوا علىّ الصلاة البتراء ، قالوا: وما الصلاة البتراء یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، قال: أن تقولوا اللهمّ صل على محمد و تصمتوا ، وأنّ الله كامل لا يقبل إلّا الكامل»..

وفي هذا يقول الإمام الشافعي :

یا آل بیت رسول الله حبّكم***فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنّكم***من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

ثمّ قال لي : فما رأيك في البخاري ؟ أهو من الشيعة ؟ قلت : إمام جلیل من أئمّة أهل السنّة والجماعة وكتابه أصحّ الكتب بعد کتاب الله ، عند ذلك قام وأخرج من مكتبته صحيح البخاري وفتحه و بحث عن الصفحة التي يريدها وأعطاني لأقرأ فيه : «حدّثنا فلان عن فلان عن علي - عليه السلام.(1)-، وفي مكان آخر : «حدّثنا علي بن الحسين عليهما السلام»(2)

وبالرغم انّي لم اصدق ذلك ، بل أحاول أن لا اصدق ، لكني قلت في قرارة نفسي : إلهي ألهمني رشدي ، وأعنّي على تقبّل الحقيقة ولو كانت مرّة .

السفر الى النجف

كان شيوخنا يقولون أنّه لا وجود لقبر معروف لسيدنا علي ، ولهذا عندما أعلمنی صدیقی ذات ليلة بأنّنا سنسافر غداً إلى النجف التي فيها مرقد الإمام على علیه السلام

ص: 30


1- صحیح البخاري 2 :52 ب «5» من ابواب التقصير.
2- صحيح البخاري 7: 11 ب «19»، کتاب النكاح.

تعجّبت وقلت في نفسي : كيف يكون للإمام علي علیه السلام قبر معروف !

وفي النجف أدخلني صديقي إلى مسجد في جانب الحرم، و رأيت في احدى زوايا المسجد مجموعة من الصبيان يتدارسون و في يد كلّ واحد منهم کتاب ، جلست معهم وأنا افكر في أمرهم وفي الأثناء استحضر في ذهني حديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم «يولد المرء على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» وقلت في نفسي : أو يشيّعانه .

سألني أحدهم : من أي البلاد أنت ؟ قلت : من تونس .

و قال آخر : ما هو المذهب المتّبع في تونس ؟ قلت : المذهب المالكي.

قال : ألا تعرفون المذهب الجعفري ؟ فقلت: خير إن شاء الله، ما هذا الاسم الجديد، لا، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة، وما عداها ليس من الاسلام في شيء.

ابتسم قائلاً : عفوا ، إنّ المذهب الجعفري هو محض الاسلام، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد جعفر الصادق ؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة : «لولا السنتان لهلك النعمان».

حمدت الله أنّه -أي إمامهم جعفر الصادق - لم يكن أستاذاً للإمام مالك وقلت : نحن مالكية ولسنا أحنافاً.

فقال : إنّ المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي ، والشافعي أخذ عن مالك ، وأخذ مالك عن أبي حنيفة ، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فكلّهم تلاميذ لجعفر بن محمد، وهو أوّل من فتح

ص: 31

جامعة اسلامية في مسجد جدّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و قد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدّث وفقیه .

عجبت لذكاء هذا الصبي وكأنّه استاذ يعلّم تلميذه ، وشعرت بالضعف أمامه، وسألني من أقلّد من الأئمّة ؟ قلت : الإمام مالك ! قال : كيف تقلّد ميتاً بينك وبينه أربعة عشر قرناً ، فإذا أردت أن تسأله الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك ؟ فكّرت قليلاً وقلت : وأنت جعفرك مات أيضاً منذ أربعة عشر قرناً فمن تقلّد ؟ أجاب بسرعة هو والباقون من الصبية : نحن نقلّد السيد الخوئي فهو إمامنا.

حاولت تغيير الموضوع فسألتهم عن النجف ، وعن المسافة بينها وبين بغداد، وأخذت اطرح عليهم اسئلة اُخرى لاشغالهم ، وأنا أفكر في نفسي بانّ المجد والعلم الذي ركبني في مصر تبخّر هنا وذاب .

لقاء مع السيّد الخوئي

دخل السيد الخوئي ومعه كوكبة من العلماء عليهم هيبة ووقار وأجلسني صديقي بجانبه ، وبعد التحية قال لي صديقي : احكِ للسيد ماذا تسمعون عن الشيعة في تونس، فتحدّثت للسيّد الخوئي عن عقيدتنا في الشيعة ، حيث قلت له :

الشيعة عندنا هم أشدّ على الاسلام من اليهود والنصارى هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسی علیه السلام، بينما نسمع عن الشيعة يعبدون عليّاً ويقدّسونه ، و منهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون علياً منزلة رسول الله ، ورويت قصة جبریل

ص: 32

كيف أنّه خان الأمانة حسب ما يقولون ، وبدلاً من أداء الرسالة إلى عليّ أدّاها إلى محمد صلی الله علیه و آله و سلم.

فقال السيد الخوئي : نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلّی الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وما علي إلّا عبد من عبيد الله .

و أمّا خيانة جبريل ، فهذه أقبح من الاُولى ، لأنّ محمداً كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبريل علیه السلام، ولم يكن عليّ إلّا صبياً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات ، فكیف یا ترى يخطىء جبريل ولا يفرّق بين محمد الرجل و علي الصبي !؟ وأضاف السيد الخوئي قائلاً : وأزيدك علماً بأنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كلّ الفرق الاسلامية الاُخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة ، فإذا كان أئمتنا سلام الله عليهم معصومین عن الخطأ وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبريل وهو ملك مقرّب سمّاه ربّ العزّة ب «الروح الأمين» ؟

لقاء مع السيد محمد باقر الصدر

عندما زرت السيد الصدر وأجلسني بجانبه أنست بحديثه، وعلى الرغم من الهيبة والوقار الذي يعلوه ، لم أجد نفسي محرجاً في الحديث معه ، وكأنّي أعرفه من قبل.

وبعد أن صلّى بنا السيد محمد باقر الصدر صلاة الظهر والعصر ، أحسست بأنّي أعيش في وسط الصحابة الكرام ، فقد تخلّل الصلاتین دعاء مهيب من أحد المصلّين ، انتهى بصوت الحاضرين «اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد». .

وبعد الانتهاء من الصلاة جلس السيد في المحراب ليجيب عن أسئلة

ص: 33

الحاضرين .

شيعة من السعودية والبحرين وقطر والامارات ولبنان وسوريا وايران و افغانستان وكذلك من افريقيا السوداء ، كلّهم جاؤوا للقاء السيد الصدر ، وكان السيد يتكلم معهم ويقضي حوائجهم ولا يخرجون من عنده إلّا وهم فرحون مستبشرون .

وخلال الأيّام التي التقيت فيها بالسيد الصدر كنت أسأله عن كلّ صغيرة وكبيرة ، فسألته مرة عن الإمام علي ، ولماذا يشهدون له في الآذان بأنّه وليّ الله ؟ أجاب قائلاً : إنّ أمير المؤمنين عليّاً سلام الله عليه و هو عبد من عبيد الله الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل الرسالة بعد أنبيائه وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء ، فلكلّ نبيّ وصي ، وعليّ بن أبي طالب هو وصيّ محمد ، ونحن نفضّله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله ، ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقلية من القرآن والسنّة ، أمّا الشهادة له في الأذان فهي مستحبّة لا بنيّة انّها جزء من الآذان أو الإقامة ، فإذا نوى المؤذّن أو المقيم أنّها جزء بطل أذانه وإقامته .

وقد ورد على سبيل المثال - والكلام لا زال للسيد الصدر - أنّه يذكر استحباباً بعد شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، بأن يقول المسلم :

وأشهد أنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ، وأنّ الله يبعث من في القبور.

وسألته أسئلة اُخرى عديدة ، عن التربة الحسينية التي يسجدون عليها ، وعن الشعائر الحسينية والبكاء على الحسين عليه السلام ، وعن زخرفة الشيعة القبور أوليائهم بالذهب والفضة ، وسألته أخيراً عن الطرق الصوفية ، فأجابني بإيجاز : بأنّ فيها ما هو ايجابي و فيها ما هو سلبي ؛ فالايجابي منها تربية النفس وحملها على شظف العيش والزهد في ملذّات الدنيا الفانية ، أمّا السلبي منها، فهو

ص: 34

الإنزواء والهروب من واقع الحياة وحصر ذكر الله في الأعداد اللفظية وغير ذلك، والإسلام - كما هو معلوم - يقرّ الإيجابيات ويطرح السلبيات ويحقّ لنا أن نقول بأنّ مبادىء الاسلام وتعاليمه كلّها إيجابية.

الشكّ والحيرة

منذ أن قدمت إلى العراق لم أسمع أحداً ينطق باسماء الصحابة وعلى رأسهم سيدنا أبو بكر الصديق وسيّدنا عمر الفاروق ، ولكنّي سمعت أسماء غريبة عتّي، وأئمّة بعدد إثني عشر إماماً ، وإدّعاء بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد نصّ على الإمام على علیه السلام بالخلافة قبل وفاته ...

فهل من المعقول أن يتآمر الصحابة ضد الإمام علي علیه السلام- وهم الذين عرفوا قدره ومنزلته من الرسول -، وبالرغم من انّي اقتنعت بامور كثيرة من الشيعة ، لكني بقيت بين الشكّ والحيرة ، الشكّ الذي أدخله علماء الشيعة في عقلي لأنّ كلامهم معقول و منطقي ، والحيرة التي غمرتني فلم اُصدق أنّ الصحابة رضي الله تعالی عنهم ينزلون إلى هذا المستوى الأخلاقي فيصبحون بشراً عاديين مثلنا .

نعم ، انّ هذا الشكّ والحيرة هما بداية الوهن ، وبداية الاعتراف بأنّ هناك اُموراً مستورة لا بدّ من كشفها للوصول إلى الحقيقة .

السفر إلى كربلاء

سافرت مع صديقي منعم إلى كربلاء ، وهناك عشت محنة سيّدنا الحسين كما يعيشها شیعته ، وعلمت وقتئذٍ بأنّ سيدنا الحسين لم يمت ، حيث رأيت الناس يتزاحمون حول ضريحه كالفراشات ويبكون بحرقة ولهفة لم أشهد لها مثيلاً ،

ص: 35

فكأنّ الحسين استشهد الان ، وسمعت الخطباء هناك يثيرون الناس بسردهم الحادثة كربلاء في نواح ونحيب ...

لقد بكيت وبكيت وأطلقت لنفسي عنانها وكأنّها كانت مكبوتة .

أحد الخطباء تحدّث عن قصّة الحر بن یزید الرياحي ، وهو أحد القادة المكلّفين بقتال الحسين ، ولكنه في المعركة كان يرتعش کالسعفة ، ولمّا سئل :

أخائف أنت من الموت ؟

قال الحّر: لا والله ، ولكّنني أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، ثمّ همز جواده وانطلق إلى الحسين قائلاً : هل من توبة يا بن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ...

لم أتمالك نفسي عندما سماع هذا ، فقد سقطت على الأرض باكياً ، وكأنّي أمثّل دور الحرّ وأطلب من الحسين : هل من توبة يا بن رسول الله ، سامحني يا بن رسول الله ، وعندما سمع صديقي صباحي انكبّ علىّ َ معانقاً باكياً وضمّني إلى صدره وهو يردّد یا حسین، یا حسین ...

بقيت ذلك اليوم منقبضاً، وطلبت من صديقي أن يعيد علىّ َ قصة مقتل سیدنا الحسين ، لأنّي لم أعرف من شيوخنا بانّ المنافقين أعداء الاسلام الذين قتلوا سیدنا عمر وسیدنا عثمان وسيدنا علي هم الذين قتلوا سيدنا الحسين ، بل إنّنا تحتفل بيوم عاشوراء على أنّه من الأعياد الاسلامية.

زرنا بعد ذلك ضريح العباس، ولم أكن أعرف من هو وقد روى لي صديقي قصة بطولته وشجاعته ، كما التقينا بالعديد من العلماء الأفاضل کبحر العلوم وكاشف الغطاء و آل یاسین وغيرهم ممّن تشرّفت بمقابلتهم.

وازداد الشكّ والحيرة عندي بعد لقائي بالشيعة ، فمن يدري لعلّهم يقولون

ص: 36

حقّاً وينطقون صدقاً؛ ولماذا لا أبحث وانقّب ؟ وقد كلّفني الاسلام بذلك، فقد قال سبحانه و تعالى : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1)، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «ابحث عن دينك حتى يقال عنك مجنون»، فالبحث والمقارنة واجب شرعي على كلّ مكلّف.

وبهذا القرار وهذه العزيمة الصادقة واعدت نفسي وأصدقائي من الشيعة في العراق وأنا أودّعهم معانقاً ومتأسّفاً لفراقهم فقد أحببتهم وأحبّوني ، وغادرت العراق بعد قضاء عشرين يوماً في ربوع الأئمّة وشيعتهم، مرّت كأنّها حلم لذيذ يتمنّى النائم أن لا يستيقظ حتى يستوفيه.

السفر إلى الحجاز

غادرت العراق وتوجّهت إلى الحجاز قاصداً بيت الله الحرام ، وعندما وصلت إلى جدّة التقيت بصديقي البشير الذي فرح بقدومي وأنزلني في بيته ، حيث قضيت معه أوقات سعيدة وذهبنا خلالها إلى العمرة وعشنا أيّاماً كلّها عبادة وتقوى ، و تحدّثت لصديقي عن زيارتي للعراق و اکتشافي الجديد ، فقال لي : نعم أنا أسمع أنّ فيهم علماء کبار ، ولكن عندهم فرق منحرفة يخلقون لنا مشاكل كثيرة ، وعندما سألته عن هذه المشاكل قال : إنّهم يصلّون حول القبور ، ويحملون في جيوبهم قطعاً من الحجارة يسجدون عليها ، وإذا ذهبوا إلى قبر سیدنا حمزة في اُحد فهناك يقيمون الجنازة بلطم وعويل وكأنّ الحمزة مات ذلك الحين ، وكذلك يقفون على قبري أبي بكر وعمر ويسبّونهما ، ويلقون على قبورهما القذارات والنجاسات.

ص: 37


1- الزمر: 18.

قلت في نفسي: أفي هذا دليل على تكفير من يشهد أن لا إله إلّا الله و أنّ محمداً عبدره و رسوله ؟ ويقيم الصلاة ، و يؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، و يحجّ البيت ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟

بعدها أخذت في الطواف و وقفت على مقام إبراهيم علیه السلام ، وكنت كلّما طفت بالبيت العتيق خلال العمرة وفي كلّ زيارة لمكّة المكرمة ، ولم يكن يطوف بها إلّا نفر قليل من المعتمرين، صلّيت وسألت الله سبحانه من كلّ جوارحي أن يفتح بصیرتي ويهديني إلى الحقيقة .

سافرت بعدها إلى المدينة، و زرت قبر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، وقد حاولت عبثاً أن أمسّ الأبواب للتبرّك بها ، فانتهرني الحرس وطلب مني الانصراف.

رجعت بعدها إلى الروضة المطهّرة حيث جلست أقرأ ما تيسّر من القرآن ، وكنت أخيّل بأن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: يسمعني ، وقلت في نفسي أيمكن أن يكون الرسول میّتاً كسائر الأموات ، فلماذا نقول في صلاتنا : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته بصفة المخاطب ؟

ثم ذهبت بعدها إلى البقيع ، وكان بالقرب منّي شيخ طاعن في السن يبكي وعرفت من بكائه أنّه شيعي ، واستقبل القبلة وبدأ يصلّي و إذا بالجندي يأتي إليه بسرعة وكانت يراقب تحركاته وركله بحذائه فقلبه على ظهره ، و انهال عليه ضرباً وسبّاً وشتماً ، فقلت للجندي : حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلّي ؟

فانتهرني قائلاً : اسكت أنت ولا تتدخل حتى لا أصنع بك مثله ، وقال بعض الزائرين: إنّه يستحقّ ذلك لأنّه يصلّي حول القبور و هو محرّم ، فلم أتمالك نفسي و قلت: من قال لك إنّ الصلاة حول القبور حرام ؟ و إذا كان حرام فلماذا

ص: 38

يخالف نهي الرسول الملايين من الحجّاج والزوّار و يرتكبون حراماً لأنّهم يصلون حول قبر النبيّ و قبري أبي بكر وعمر ؟! وعلى افتراض أنّ الصلاة حول القبور حرام ، أفبهذه الغلظة والشدّة نعالجها ؟ أم باللين واللطف .

رجعت إلى بيت صديقي الجديد ، وقد جاءني بالعشاء وجلس مقابلي، وقبل أن نبدأ في الأكل سألني أين ذهبت ، فرويت له قصّتي من أوّلها إلى آخرها، و قلت له: يا أخي أنا بصراحة بدأت أتنفر من الوهابية وأميل إلى الشيعة ، فتغيّر وجهه و قال لي : إيّاك أن تتكلّم مثل هذا الكلام مرّة اُخرى ، وغادرني ولم يأكل معي ، وفي الصباح خشيت أن يكون من المخابرات ، فنهضت مسرعاً وغادرت البيت بدون رجعة ...

قضيت بعدها يوم كامل في الحرم النبوي الشريف أزور و اُصلّي ، وبعد صلاة العصر استمعت إلى خطبة قاضي المدينة وهو يفسّر بعض الآيات القرآنية ، عندما أنهى خطبته وهمّ بالخروج سألته قائلاً : سيّدي هل لك أن تعطيني مدلول الآية من قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، فمن هم أهل البيت بهذه الآية ؟

أجابني على الفور: هم نساء النبي ، وقد بدأت الآية بذكرهنّ.

قلت: إنّ علماء الشيعة يقولون بأنّها خاصّة بعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وقد اعترضت عليهم طبعاً وقلت لهم مثل قولك ولكنّهم قالوا انّ الآية تحدّثت في البداية بنون النسوة ، ولكن المقطع الأخير منها الخاص بأهل البيت تغيّرت فيه الصيغة فقال سبحانه : «لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ»، نظر لي رافعاً نظارته وقال: إيّاك وهذه الأفكار المسمومة، إنّ الشيعة يؤولون كلام الله على حسب أهوائهم ...

ص: 39

العودة إلى الوطن

بعد أن قضيت في المدينة اسبوعاً كاملاً ارتحلت إلى الأردن ومنه إلى سوريا فبيروت فليبيا ، ورجعت أخيرةاً إلى أرض الوطن وكلّي شوق وحنين إلى أهلي وأصدقائي . وقد فوجئت عندما دخلت البيت بكثرة الكتب التي وصلت قبلی و عرفت مصدرها ، ففرحت كثيرة ونظمت الكتب ، واسترحت أيّاماً وبدأت في البحث.

بدأت بكتاب عقائد الامامية ، وأصل الشيعة و اُصولها، ثمّ كتاب المراجعات حيث وجدت في الكتاب الأخير بغيتي ، لأنّه ليس كالكتب التي يكتب فيها المؤلف ما يشاء بدون معارض ولا مناقش، فالمراجعات هو حوار بين عالمين من مذهبين مختلفين يحاسب كلّ منهما صاحبه على كلّ شاردة وواردة ، إلى أن وقفت مبهوتاً عند رزية يوم الخميس ، إذ لم أكن أتصور أنّ سيدنا عمر بن الخطاب يعترض على أمر رسول الله ويرميه بالهجر ، وظننت باديء الأمر أنّ الرواية هي من كتب الشيعة ، وازدادت دهشتي وحيرتي عندما رأيت العالم الشيعي ينقلها من صحيح البخاري وصحيح مسلم.

و قررت أخيراً أن اُعاهد نفسي وأنا أدخل في هذا البحث الطويل العسير أن اعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتّفق عليها السنّة والشيعة، وأن أطرح الأحاديث التي انفرد بها فريق دون الآخر، وبهذه الطريقة المعتدلة أكون قد ابتعدت علی المؤثرات العاطفية والتعصبات المذهبية ، وفي الوقت نفسه أقطع طريق الشك الأصل إلى حبل اليقين وهو صراط الله المستقيم.(1)

ص: 40


1- ثمّ اهتديت : 9-88.

بداية التحوّل

بقيت متحيراً ثلاثة أشهر مضطرباً حتى في نومي تتجاذبني الأفكار وتموج بي الظنون والأوهام ، خائفاً على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقّق في تاريخهم فأقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم ، لأنّ التربية التي تلقيتها طيلة حياتي تدعوني إلى احترام أولياء الله والصالحين من عباده وتقديسهم ، الذين يؤذون) من يقول فيهم سوءاً أو يسيء إليهم الأدب حتى في غيبتهم وإن كانوا موتی.

ولقد قرأت في ما سبق في کتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري: أنّ رجلاً كان يشتم عمر بن الخطاب وكان أصحابه في القافلة ينهونه ، فلمّا ذهب يتبوّل الدغه أسود سالخ فمات لحينه ، وحفروا له لدفنه فوجدوا في القبر أسود سالخاً ، ثمّ حفروا قبور اُخرى و في كلّ مرّة يجدون أسود سالخاً ، فقال لهم أحد العارفین ادفنوه أنّى شئتم فلو حفرتم الأرض كلّها لوجدتم أسود سالخاً ذلك ليعذبه الله في الدنيا قبل الآخرة على شتمه سيدنا عمر .

و لذلك وجدتني وأنا أقحم نفسي في هذا البحث العسير خائفاً محتاراً و خصوصاً لأنّني تعلّمت من الفرع الزيتوني بأنّ أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ثمّ يأتي بعده سیدنا عمر بن الخطاب الفاروق الذي يفرّق الله به بين الحقّ والباطل ، ثمّ بعده سیدنا عثمان بن عفان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن ، ثمّ بعده سیدنا على باب مدينة العلم ، ثمّ يأتي بعد هؤلاء الأربعة الستّة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة وهم ، طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد

ص: 41

الرحمن وأبو عبيدة ، ثمّ يأتي بعد هؤلاء الصحابة جميعاً ، وكثيراً ما كانوا يعلّموننا الاستدلال بالآية الكريمة «لا نُفرَق بینَ احد من رُسلهَ» على وجوب النظر إلى بقية الصحابة بالمنظار نفسه دون خدش أي واحد منهم.

وعلى هذا خشيت على نفسي واستغفرت ربّي مرّات عديدة أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الاُمور التي تشككني في صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و بالتالي تشككني في ديني ولكني وجدت من خلال الحديث مع بعض العلماء طيلة تلك المدة تناقضات لا يقبلها العقل وبدأوا يحذرونني من أنني إن واصلت البحث في أحوال الصحابة فسوف يسلب الله نعمته عنّي ويهلكني ، ومن كثرة معاناتهم و تكذيبهم كلّ ما أقول دفعني فضولي العلمي و حرصي على بلوغ الحقيقة إلى أن أقحم نفسي من جديد في البحث ووجدت قوة داخلية تدفعني دفعاً.(1)

ص: 42


1- ثم اهتديت: 133.

أسباب الاستبصار

اشارة

أمّا الأسباب التي دعتني إلى الاستبصار فكثيرة جداً ولا يمكن لي في هذه العجالة إلّا ذكر بعض الأمثلة منها :

1- النص على الخلافة

لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلّا على ما هو موثوق عند الفريقين ، وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون الأخرى ، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر و علي بن أبي طالب علیه السلام، وأنّ الخلافة إنّما كانت بالنصّ على على كما يدّعي الشيعة أو بالانتخاب و الشوری كما يدّعي أهل السنّة والجماعة.

والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنّه سيجد النصّ على عليّ بن أبي طالب علیه السلام واضحاً جليّاً كقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «من کنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ، قال ذلك بعدما انصرف من حجّة الوداع ، فعُقد لعلي موكب للتهنئة حتى أنّ أبا بكر نفسه و عمر كانا من جماعة المهنّئين للإمام يقولان : «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولی کلّ مؤمن ومؤمنة»(1)

و هذا النص مجمع عليه من الشيعة والستة ، ولم أخرج أنا في البحث - هذا ۔ إلا مصادر أهل السنة والجماعة.

ص: 43


1- مسند أحمد : 281 ، سر العالمين للغزالى : 12، تذکرة الخواص لابن الجوزی : 29، الرياض النضرة للطبري 2: 199،کنز العمال 6: 397، تاریخ ابن عساکر 2: 50.

أمّا الإجماع المدّعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثمّ مبايعته بعد ذلك في المسجد ، فإنّه دعوی بلا دلیل ، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلّف عن البيعة :

1- علي بن أبي طالب.

2 - العباس بن عبد المطّلب ، وسائر بني هاشم .

3 - اُسامة بن زید .

4 - الزبير بن العوم.

5 - سلمان الفارسي .

6 - أبو ذر الغفاري .

7 - المقداد بن الأسود .

8 - عمّار بن یاسر .

9 - حذيفة بن اليمان .

10 - خزيمة بن ثابت .

11 - أبو بريدة الأسلمي .

12 - البراء بن عازب .

13 - اُبي بن كعب.

14 - سهل بن حنیف .

15 - سعد بن عبادة .

16 - قیس بن سعد .

17 - أبو أيوب الأنصاري .

18 - جابر بن عبدالله .

ص: 44

19 - خالد بن سعيد، وغير هؤلاء كثيرون.(1)

فأين الإجماع المزعوم يا عباد الله ؟!

لقد كانت بيعة أبي بكر عن غير مشورة ، بل وقعت على حين غفلة من الناس وخصوصاً أولى الحلّ والعقد منهم ، كمّا يسمّيهم علماء المسلمين ، إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه ، وقد فوجیء سكّان المدينة المنكوبة بموت نبيّهم ، وحُمل الناس على البيعة بعد ذلك قهراً.(2)

وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأنّ تلك البيعة كانت فلتة وقي الله المسلمين شرّها.(3)

و يقول الإمام علي علیه السلام في حقّها :

«أمّا والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة و إنّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ القطب من الرحي ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إلىَّ َ الطير»(4)

فإذا كانت هذه البيعة فلتة وقي الله المسلمین شرّها على حد تعبير عمر .

وإذا كانت هذه الخلافة تقمّصاً - من قبل أبي بكر - كما وصفها الإمام علي .

وإذا كانت هذه البيعة غير شرعية لتخلّف أكابر الصحابة والعباس عمّ النبي عنها.

فما هي الحجّة في صحة خلافة أبي بكر ؟ والجواب لا حجّة هناك عند أهل السنّة والجماعة.

ص: 45


1- انظر: تاريخ الطبري، تاریخ ابن الأثير، وكل من ذکر بيعة أبي بكر.
2- تاریخ الخلفاء لابن قتيبة 18:1.
3- صحيح البخاري 4: 127.
4- شرح نهج البلاغة لمحمد عبدة 1: 36 (الخطبة الشقشقية).

2-خلاف فاطمة مع أبي بكر

وهذا الموضوع مجمع على صحّته من الفريقين فلا يسع المنصف العاقل الّا أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء.

لأنّ من يتتبّع هذه المأساة ويطّلع على جوانبها يعلم علم اليقين أنّ أبابكر تعمّد إيذاء الزهراء و تكذيبها لئلّا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها وابن عمّها علي ، ونجد قرائن عديدة على ذلك:

منها ما أخرجه المؤرخون من أنّها - سلام الله عليها - خرجت تطوف على مجالس الأنصار وتطلب منهم النصرة والبيعة لابن عمّها ، فكانوا يقولون : يا ابنة رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علی کرّم الله وجهه : «أفكنت أدع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟».

فقالت فاطمة : «ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم».(1)

وقد اشتدّ غضبها على أبي بكر حتى أنّها لم تأذن له بحضور جنازتها حسب وصيتها لزوجها الذي دفنها في الليل سرّاً.(2)

وكأن الزهراء أرادت بهذا أن يتساءل المسلمون عبر الأجيال عن السبب الذي دعاها أن تطلب من زوجها أن يدفنها في الليل سرّاً ولا يُحضر جنازتها منهم أحداً !

ص: 46


1- تاریخ الخلفاء لابن قتيبة 19:1.
2- صحيح البخاري 3: 36، صحیح مسلم 2: 72.

3-علي أولی بالاتّباع

و من الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنّة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين علي بن أبي طالب علیه السلام وأبي بكر.

فقد فتّشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلّا على علي بن أبي طالب علیه السلام، فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنّة في ما ورد من نصوص ثبتتها مصادر الفريقين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلّا فريق من المسلمين وقد كنّا ذكرنا ما قاله عمر عن بيعة أبي بكر ، كما أنّ الكثير من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند و وجود حقیقی ثابت في كتب أهل السنّة المعتمدة عندهم ، ومن عدّة طرق لا يتطرّق إليها الشكّ ، فقد روى الحديث في فضائل الإمام علي علیه السلام جمع غفير من الصحابة ، حتى قال أحمد بن حنبل :

«ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب علیه السلام»(1)

و قال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيشابوري :

لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي».(2)

هذا مع ملاحظة أنّ الاُمويين حملوا الناس في مشارق الأرض ومغاربها على سبّه ولعنه وعدم ذكر فضيلة له حتى منعوا أن يتسمّى أحد باسمه ، ومع كلّ ذلك خرجت فضائله ومناقبه سلام الله عليه رغم الجحود ، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي : «عجبت لرجل كتم أعداؤه فضائله حسداً ، وكتمها محبّوه خوفاً.

ص: 47


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 107 ، الصواعق المحرقة لابن حجر: 72.
2- الریاض النضرة للطبري 2: 282 ، الصواعق المحرقة : 72 و 118.

وخرج ما بين ذین ما طبق الخافقين» .

أمّا بشأن أبي بكر فقد فتّشت أيضاً في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنّة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الإمام علي علیه السلام، على أنّ فضائل أبي بكر المذكورة في الكتب التاريخية مروية إمّا عن ابنته عائشة (وستعرف موقفها من الإمام علي علیه السلام) ، فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة ، أو عن عبد الله بن عمر ، وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي ، وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك ، وكان يحدّث أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ لا تفاضل ، والناس بعد ذلك سواسية.(1)

يعني هذا الحديث أنّ عبد الله بن عمر جعل الإمام علي علیه السلام من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة.

فأين عبد الله بن عمر من الحقائق التي ذكرها أعلام الاُمّة وأئمّتها بأنّه لم يرد في أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي بن أبي طالب علیه السلام، هل أنّ عبدالله بن عمر لم يسمع بفضيلة واحدة لعلي ؟

بلى والله ، لقد سمع ووعي ، ولكنّ السياسة وما أدراك ما السياسة فهي تقلب الحقائق و تصنع الأعاجيب

4-الأحاديث الواردة في علي توجب اتّباعه

من الأحاديث التي اُخذت بها ودفعتني للاقتداء بالإمام علي علیه السلام، تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنّة والجماعة وأكّدت صحّتها والشيعة عندهم أضعافها

ص: 48


1- صحیح البخاری 2: 202.

ولكن - كالعادة - سوف لا استدلّ ولا أعتمد إلّا الأحاديث المتّفق عليها من الفريقين ، ومن هذه الأحاديث :

أ- حديث : «أنا مدينة العلم وعلي بابها»(1)

فهذا الحديث وحده كاف لتشخيص القدوة الذي ينبغي اتباعه بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ، لأنّ العالم أولی بالاتّباع، أي أولی أن یُقتدی به من الجاهل.

وقد سجّل لنا التاريخ أنّ الإمام عليّاً علیه السلام هو أعلم الصحابة على الإطلاق ، فقد قال أبو بكر : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وهذا عمر يقول : لولا علي لهلك عمر.(2)

ب - حديث : «يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي»(3)

و هذا الحديث كما لا يخفى على أهل العقول فيه ما فيه من اختصاص أمير المؤمنين علي علیه السلام بالوزارة والوصاية و الخلافة.

ص: 49


1- مستدرك الحاكم 3: 127 ، مجمع الزوائد 116: 9 ، المعجم الكبير للطبرانی 15 : 11 - 16، تاریخ ابن کثیر 7: 308 ، تاریخ بغداد 4: 368، کنز العمال 11: 114 ح 32979، ذخائر العقبی : 77 ، وقد أفردت لهذا الحديث كتب مستقلة ، مثل كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي.
2- ذخائر العقبى للطبري : ص 82، کتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : ج 2 ص 147 ح 1100 الرياض النضرة 2: 196. وانظر كذلك ما جاء في الاستيعاب 3: 38 - 65، لترى أقوال بقية الصحابة في حق الإمام علي علیه السلام.
3- صحيح البخاري 5: 24 ، صحیح مسلم 4: 1870ح 30 ، سنن الترمذي5: 596 : ح 3724 و ص 598 ح3730، مسند أحمد بن حنبل 1 : 179 و ج3 ص 32، المستدرك للحاكم 3: 109 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام من تاريخ دمشق لابن عساکر 125:1 ح 150 وغيرها الكثير .

ج- حديث : «من کنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه حيث دار».(1)

و هذا الحديث وحده كاف لردّ مزاعم تقديم أبي بكر وعمر وعثمان علی من نصّبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وليّاً للمؤمنين من بعده ، ولا عبرة بمن أوّل الحديث إلى معنى المحبّ و النصير لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول و ذلك حفاظاً على كرامة الصحابة ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عندما قام خطيباً في ذلك الحرّ الشديد قال : «ألستم تشهدون بأنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟

قالوا: بلى ، یا رسول الله ، فقال عندئډ : «فمن کنت مولاه فهذا علي مولاه ...»

وهذا نصّ صريح في استخلافه على أمّته ، ولا يمكن للعاقل المنصف العادل إلّا قبول هذا المعنى ورفض تأويل البعض المتكلّف والحفاظ على كرامة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم قبل الحفاظ على كرامة الصحابة ، لأنّ في تأويلهم هذا استخفافاً واستهزاء بحكمة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم الذي جمع حشود الناس في الحرّ والهجير الذي لا يطاق ليقول لهم بأنّ علي هو محبّ المؤمنين وناصرهم.

د- حديث : «علي منّي وأنا من علي ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو علي»(2)

وهذا الحديث هو الآخر صريح في أنّ الإمام علي علیه السلام هو الشخص الوحيد

ص: 50


1- مسند أحمد بن حنبل 1: 219، وج 4 ص 281 و ج 5 ص 370 ، مجمع الزوائد 9 : 107 ،کنز العمال 13 : 104 ح 36342 و ص 138 ح 37 346 و ص 170 ح 36515، البداية والنهاية 5 : 211 و ص 212 وج 7 ص 335، وغيرها الكثير.
2- سنن ابن ماجة 1: 44. خصائص النسائي : 20 ، صحيح الترمذي 5: 300، جامع الأصول لابن کثیر 47109، الجامع الصغير للسيوطي 2: 56، الریاض النضرة 2: 229.

الذي أهّله صاحب الرسالة ليؤدّي عنه ، وقد قاله عندما بعثه بسورة براءة يوم الحج الأكبر عوضاً عن أبي بكر ، ورجع أبو بكر يبكي ويقول : يا رسول الله أنزل فيّ َ شيء؟

فقال صلی الله علیه و آله و سلم: «إنّ الله أمرني أن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو علي».

وهذا ظهير ما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي في مناسبة اُخرى عندما قال له :

«أنت يا علي تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي».(1)

ه - حديث الدار يوم الانذار : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، مشيراً إلى علي : «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا»(2)

وهذا الحديث هو أيضاً من الأحاديث الصحيحة التي نقلها المؤرخون البداية البعثة النبوية وعدّوها من معجزات النبي ، ولكنّ السياسة هي التي أبدلت وزيّفت الحقائق والوقائع.(3)

ص: 51


1- کنوز الحقائق للمناوی : 203، کنز العمال 5 : 33.
2- تاريخ الطبري 319:2 ، تاریخ ابن الأثير 62:2، السيرة الحلبية 1: 311، کنز العمال 15: 15.
3- ثمّ اهتديت : 135 وما بعدها.

ص: 52

الفصل الثاني: العقائد الاسلاميّة

اشارة

ص: 53

ص: 54

العقائد الاسلاميّة

فيما يتعلّق بالخاق جلّ جلاله

رؤية الله وتجسیمه

يعتقد أهل السنّة والجماعة برؤية الله تعالى في الآخرة ، وانّ هذه الرؤية ستكون حقيقة لا مجاز اً(1)، فانّ الله سبحانه سينجلّى لخلقه ويَرونَه كما يرون القمر ليلة البدر (2)، وانّ الله يضحك ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا في كلّ ليل (3). ويكشف عن ساقه التي بها علامة يُعرف بها ، ويضع رجله في جهنم فتمتلىء وتقول: قط قط!(4) إلى غير ذلك من الروايات التي تجعل من الله جسم متحرك ومتحولا، له يدان ورجلان وله أصابع خمسة ، يضع على الأول منها السماوات ، و على الاصبع الثاني الأرضين ، والشجر على الإصبع الثالث ، وعلى الرابع يضع الماء والثرى،

ص: 55


1- صحيح البخاري 1: 203 ح 529 کتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر ، وج 4: 1836ح 4570 کتاب التفسیر.
2- صحيح البخاري 8 : 147.
3- صحيح البخاري 2: 66.
4- انظر : صحيح البخاري 2705:6 ح 7000 و ص 2723 ح 7059 و ص 2706ح 7001 و ص 2711 ح 7011 کتاب التوحید ، صحیح مسلم 1: 97 باب آخر أهل النار خروجاً.

و يضع بقية الخلائق على الاصبع الخامس (1)، وله دار يسكُن فيها ومحمد یستأذن للدخول عليه في داره ثلاث مرّات (2)!! و استدلّوا على كلّ ذلك بآيات منها :

«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ»(3)

و قال أيضاً : «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا».(4)

و قال:«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ» (5)

بل انّهم يعتقدون أنّهم سوف يرون الله كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب ، ويستدلّون بالآية: «وجُوهُ یَومَئِذ ٍ نَاضِرَهُ الی رَبَّها نَاظِرِهُ»(6)

أمّا الشيعة الامامية فانّهم بأوّلون هذه الآيات ويحملوها على المجاز وینفون التشبيه والتجسيم والرؤية ، فهم يؤمنون انّ الله «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(7) وانّه «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ »(8)

يقول الإمام عليّ علیه السلام:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يُحصي نعماءهُ العادّون، ولا

ص: 56


1- صحيح البخاري 6: 157 - 158، و ج 9: 181.
2- صحیح البخاری 7: 161.
3- المائدة : 14.
4- هود: 37.
5- الرحمن 26-27.
6- صحيح البخاري 6: 2703 ح 6997 کتاب التوحید.
7- الشوری: 11.
8- الأنعام : 103.

يؤدّي حقّه المجتهدون ، لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس الصفته حدّ محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت محدود ، ولا أجل ممدود...

فمن وصف الله سبحانه فقد قرنَه ، ومن قرنَهُ فقد ثنّاهُ ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهلهُ ، ومن جهلهُ فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن قال فِيمَ فقد ضمّنه ، ومن قال علامَ فقد أخلى منه كائن لا عن حَدث ٍ ، موجودٌ لا عن عدم ، مع كلّ شيء لا بمُقارنۃ ٍ وغير كلّ شيء لا بمزايله ٍ ، فاعِلُ لا بمعنى الحركات والآلةِ ، بصيرُ إذ لا منظور إليه من خلقهِ...»(1)

فهناك اذن فرق واضح بين العقيدتين :

عقيدة أهل السنّة والجماعة التي تقول بالتجسيم ، وتجعل من الله سبحانه وتعالی جسماً و شكلاً يُرى ، وتصوُره وكأنّه إنسان ، فهو يمشي وينزل ويحوي جسمه دار ، إلى غير ذلك من الأشياء المنكرة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .

وعقيدة الشيعة الذين ينزّهون الله عن المشاكلة والمجانسة والتجسيم ويقولون باستحالة رؤيته في الدنيا و في الآخرة.(2)

العدل الإلهي

يرى أهل السنّة والجماعة بأنّ الله سبحانه قدّر على عباده أفعالهم قبل أن يخلقهم ، فقد روى البخاري في صحيحه قال : احتجّ آدم وموسى فقال له موسی :

یا آدم أنت أبونا خيبتنا و أخرجتنا من الجنّة ، قال له آدم : یا موسی اصطفاك الله بكلامه و خطّ لك بيده أتلومني على أمر ٍ قدّره الله علیّ َ قبل أن يخلقني بأربعين سنة

ص: 57


1- نهج البلاغة شرح محمد عبدة ! : الحطبة رقم 1.
2- فاسألوا أهل الذكر : 25، لأكون مع الصادقين : 20.

فحجّ آدم موسی ثلاثاً...(1)

و روى مسلم في صحيحه قال: إنّ أحدكم يُجمع خلقهُ في بطن اُمُه أربعين يوماً ، ثمّ يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثمّ يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الروح و يُؤمر بأربع کلمات یکتب رزقه وأجله وعمله و شقيّ أو سعید ، فوالذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وأن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .(2)

كل هذه الأحاديث وأمثالها تعارض کتاب الله و تعارض العقل ، ويكفينا دليلاً واحداً للردّ على هذا الادّعاء الباطل هو بعثة الأنبياء والمرسلين من قبل الله إلى خلقه على طول التاريخ البشري ليُصلحوا مفاسد العباد ويوضّحوا لهم الصراط المستقيم و يعلّموهم الكتاب والحكمة ويبشّروهم بالجنّة إن كانوا صالحين وينذروهم من عذاب الله في النار إن كانوا مفسدین .

و من عدالة الله سبحانه في خلقه ورحمته بهم أنّه لا يُعذِّب إلّا من بعث إليه رسولاً و أقام عليه الحجة، قال تعالى:«مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(3)

فإذا كانت هذه الروايات التي أخرجه البخاري ومسلم والتي تقول بأنّ الله کتب على عباده أعمالهم قبل أن يخلقهم ، وحكم على البعض منهم بالجنّة وعلى

ص: 58


1- صحيح البخاري 7: 214 ، کتاب القدر ، صحیح مسلم 8: 49.
2- صحیح مسلم 8: 44 ، صحيح البخاري 7 :210.
3- الاسراء : 10.

البعض بالنار ، كما قدّمنا سابقاً وكما يؤمن بذلك أهل السنّة والجماعة .

أقول : إن كان هذا صحيح ، فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب يصبح ضرباً من العبث - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وما قدروا الله حقّ قدره ، فما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .

والغريب أنّ أهل السنّة والجماعة ينزّهون الله عن العبث والظلم ولكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون رفض هذه الأحاديث المخرجة في البخاري ومسلم ، ولهذا تراهم يؤولون هذه الأحاديث ، فيرون أنّ للخالق أن يفعل في مخلوقاته ما يشاء ، فهو لا يُسألُ عمّا يفعل وهم يُسألون ! و عندما تسأله : كيف يحكم الله على عبد بالنار قبل خلقه لأنّه كتب عليه الشقاء ، ويحكم على آخر بالجنّة قبل خلقه لأنّه كتب عليه السعادة ؟ أليس في ذلك ظلم للاثنين ؟ لأنّ الذي يدخل الجنّة لا يدخلها بعمله وإنّما باختيار الله له ، وكذلك الذي يدخل النار لا يدخلها بما اقترفه من ذنوبه وإنّما بما قدّره الله عليه ، أليس في ذلك ظلم ، وهو يناقض القرآن ؟ فسيجيبك «بأن الله فعّالٌ لما یرید» فلا نفهم من موقفه المتناقض شيئاً ، وهذا بدیهی إذ أنّه يُنزل البخاري ومسلم بمنزلة القرآن ويقول أصحّ الكتب بعد کتاب الله البخاري ومسلم.(1)

القضاء والقدر

القضاء والقدر(2)

يرى أهل السنّة انّ الانسان مسيّر في حياته و مجبور على أعماله ، وانّ الله سبحانه يبعث إلى الجنين في بطن أمّه ملکين من الملائكة فيكتبان أجله ورزقه وعمله ، إن كان شقيّاً أو سعيداً(3)

ص: 59


1- فاسألوا أهل الذكر : 28 .
2- لأكون مع الصادقین.
3- صحیح مسلم 2 :452، کتاب القدر.

هذه العقيدة جعلت أهل السنّة يعيشون في تناقض واضح، فهم لا يجدون جواباً مقنعاً عندما يرون انّ عقيدتهم هذه في القضاء والقدر تتناقض مع آيات الله ، فهل من عدالة الله أن يخلق الخلق ، ثمّ يجبرهم على أفعال ثمّ يحاسبهم عليها ويعذّبهم من أجل جرم كتبه هو عليهم وأجبرهم عليه ؟ أليس هو القائل جلّ شأنه :

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ»(1)، «وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»(2) «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(3)؟

و الواقع أنّ هذا الاعتقاد نشأ عندما تسلّط الأمويون على الخلافة الاسلامية ، حيث كانوا يروّجون بأنّ الله سبحانه هو الذي أعطاهم الملك وأمّرهم على رقاب الناس ، فيجب على الناس إطاعتهم وعدم التمرّد عليهم ، لأنّ مطيعهم مطيع الله ، والخارج عليهم هو متمرّد على الله يجب قتله ، ولنا في ذلك شواهد عديدة من التاريخ الاسلامي منها :

1- عندما طلب الناس من عثمان أن يعتزل الخلافة رفض وأجابهم : لا أخلع قميصا قتصنيه الله(4)

فعلی رأيه أنّ الخلافة هي لباس له وقد ألبسه الله إيّاه ، فلا ينبغي لأحد من الناس أن ينزعه عنه إلا الله سبحانه ، يعني بالوفاة.

2- قال معاوية : إنّي لم اُقاتلكم لتصوموا ولتزكّوا ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون.(5)

ص: 60


1- النساء : 40.
2- فصلت : 46.
3- يونس : 44.
4- تاريخ الطبري 4: 371 حوادث سنة 35ه ، الکامل فی التاریخ 2: 288.
5- مقاتل الطالبيين : 77 ، البداية والنهاية لابن کثیر 8: 131.

و هذا يذهب شوطاً أبعد من عثمان ، لأنّه يتّهم ربّ العزّة والجلالة بأنّه أعانه على قتل المسلمين ليتأمّر عليهم.

3- بعد واقعة كربلاء واستشهاد الامام الحسين ، ادخل السبايا من أهل البيت ومن ضمنهم زینب بنت أمير المؤمنين على الفاسق ابن زیاد ، فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قالت : کُتِب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده .

ولمّا نظر ابن زیاد إلى علي بن الحسين قال : ما اسمك ؟ قال : علي بن الحسین .

قال : أولم يقتل الله علي بن الحسين ؟ فقال : كان لي أخ يقال له أيضا على فقتله الناس .

فقال: إنّ الله قتله.

فقال : الله يتوفّى الأنفس حین موتھا.(1)

و هكذا تفشّي هذا الاعتقاد من بني اُميّة وأعوانهم، و سري في الاُمّة الاسلامية عدا شيعة أهل البيت ، فعقيدتهم في القضاء والقدر واضحة ، سُئل عنها الإمام علي علیه السلام فقال :

ويحك لعلّك ظننت قضاء لازماً وقدراً حاتماً ، ولو كان ذلك كذلك البطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد، إنّ الله سبحانه أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ، ولم يكلّف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مُكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء لعباً.

ص: 61


1- تاریخ الطبری 5: 457 حوادث سنة 61ه، الكامل في التاريخ 2: 574 حوادث سنة : 61.

و لم ينزل الكتب للعباد عبثاً ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً «ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»(1)... (2)

و هذا يعني انّ الله سبحانه أمرنا ولكنّه ترك لنا حرية الاختيار ، وهو قول الإمام : «إنّ الله أمر عباده تخییراً » ، كما أنّه سبحانه نهانا وحذّرنا عقاب مخالفته ، فدلّ كلامه على أنّ للإنسان حرية التصرّف و بإمكانه أن يخالف أوامر الله ، وفي هذه الحالة يستوجب العقاب ، وهو قول الإمام : «ونهاهم تحذيراً».

و إذا محّصنا قول الشيعة في القضاء والقدر وجدناه قولاً سديداً ، فبينما فرّطت طائفة فقالت بالجبر ، أفرطت اُخرى فقالت بالتفويض ، جاء أئمّة أهل البيت علبهم السلام ليصحّحوا المفاهيم والمعتقدات ويرجعوا بهؤلاء و اُولئك ، فقالوا: «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين»(3) ، أي قسم من عندنا وباختيارنا ونحن نفعله بمحض إرادتنا ، وقسم ثان هو خارج عن إرادتنا ونحن خاضعون له ولا تقدر على دفعه ، فنُحاسب على الأوّل ولا نُحاسب على الثاني.

والانسان في هذه الحالة وفي تلك مخيّر ومسيّر في نفس الوقت :

ألف : مخيّر في أفعاله التي تصدر منه بعد تفكير ورويّة ، إذ يمرّ بمرحلة التخيير والصراع بين الإقدام والإحجام ، وينتهي به الأمر إمّا بالفعل أو الترك ، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله : «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»(4)

ب - مسيّر في كلّ ما يحيط به من نواميس الكون وحركته الخاضعة كلّها

ص: 62


1- ص: 27.
2- شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبدة 4 : 674.
3- التوحيد للصدوق : 362.
4- الشمس : 7- 10.

المشيئة الله سبحانه بكلّ أجزائها ومركّباتها وأجرامها وذرّاتها ، فالإنسان ليس له أن يختار جنسه من ذكورة وأنوثة ولا يختار لونه ، فضلاً عن اختيار أبويه ليكون في أحضان أبوين موسورین بدلاً من أن يكونا فقراء ، ولا أن يختار حتى طول قامته وشكل جسده ، فهو خاضع لعدّة عوامل قاهرة - كالعوامل الوراثية مثلاً - ولعدّة نوامیس طبيعية تعمل لفائدته بدون أن يتكلّف ، فهو ينام عندما يتعب ، و يستيقظ عندما يرتاح ، ويأكل عندما يجوع ، ويشرب عندما يعطش .... الخ.

يقول الله عزّو جلّ في هذا المعنى:«أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى»(1)

والطريف في هذا الموضوع أنّ أهل السنّة والجماعة - رغم اعتقادهم بالقضاء والقدر الحتمي ، وأنّ الله سبحانه هو الذي يسيّر عباده في أعمالهم وليس لهم الخيرة في شيء - ولكنّهم يقولون في أمر الخلافة بأنّ رسول الله مات و ترك الأمر شوری بین الناس ليختاروا لأنفسهم.

والشيعة على العكس تماماً ، فرغم اعتقادهم بأنّ الانسان مخيّر في أعماله وأنّ عباد الله يفعلون ما شاؤوا _ ضمن مقولة «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بین أمرين» - إلّا أنّهم في أمر الخلافة يقولون بأنّه لا حقّ لهم في الاختيار.

ويبدو هذا وكأنّه تناقض من الطرفين - السنّة والشيعة - لأوّل وهلة ، ولكنّ الحقيقة ليست كذلك .

فالسنّة عندما يقولون بأنّ الله سبحانه هو الذي يسيّر عباده في أعمالهم يتناقضون مع الواقع ، إذ أنّ الله سبحانه - عندهم - هو المخيّر الفعلي ولكنّه يترك

ص: 63


1- القیامه: 36 _ 40.

لهم الخيار الوهمي ، إذ أنّ الذي اختار أبا بكر يوم السقيفة هو عمر ثمّ بعض الصحابة ، ولكن في الحقيقة هم منفّذون لأمر الله الذي جعلهم واسطة ليس إلّا، على حسب هذا الزعم.

وأمّا الشيعة عندما يقولون بأن الله سبحانه خيّر عباده في أفعالهم ، فلا يتناقضون مع قولهم بأنّ الخلافة هي باختيار الله وحده لأنّ الخلافة كالنبوّة ليست هي من أعمال العباد ولا موكولة إليهم ، فكما أنّ الله يصطفي رسوله من بين الناس ويبعثه فيهم فكذلك بالنسبة لخليفة الرسول ، والناس قد يطيعون أمر الله وقد يعصونه ، كما وقع بالفعل في حياة الأنبياء وعلى مرّ العصور، فيكون العباد أحراراً في قبول اختيار الله ، فالمؤمن الصالح يقبل ما اختاره الله ، والكافر بنعمة ربّه يرفض ما اختاره الله له ويتمرّد عليه.

و نجد كذلك على ضوء نظرية أهل السنة و الجماعة في هذه المسألة بالذات ، فسوف لن تُلقي باللوم على أحد، لأنّ كلّ ما وقع ويقع بسبب الخلافة وكلّ الدماء التي اُريقت والمحارم التي هُتكت كلّ ذلك من الله ، حيث عقّب بعض من يدّعي العلم منهم بقوله تعالى : « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ»

أمّا نظرية الشيعة فهي تحمل المسؤولية كلّ من تسبّب في الانحراف وكلّ من عصى أمر الله ، وكلُّ على قدر وزره ووزر من تبع بدعته إلى القيامة «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته»(1) قال تعالى :«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»

ص: 64


1- مجمع الزوائد للهيثمي 5: 207.

فيما يتعلّق بالرسول صلی الله علیه وآله و سلم

النبوة

يعتقد أهل السنّة والجماعة بانّ الأنبياء معصومون فيما يبلّغونه من كلام الله فقط ، أمّا فيما عدا ذلك فهم كسائر البشر يخطئون ويصيبون .

وقد رووا في ذلك عدّة روایات ، بل ذكروا أنّ بعض الصحابة كان يصوّب رأي الرسول ويصلحه عندما يخطىء ، كما في قضية أسرى بدر التي أخطأ فيها الرسول وأصاب عمر.(1)

ومنها مسألة تأبير النخيل (2) ، وانّه سُحِرَ وبقي مسحوراً لا يدري ما يفعل (3) أو يخيّل إليه أنّه صنع شيئاً ولم يصنعه،(4) وغير ذلك الكثير ممّا ستطّلع عليه .

لقد قال الله سبحانه وتعالى في حقّ نبيّه محمد صلی الله علیه و آله و سلم : «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»(5)

وقال أيضاً : «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى »(6)

وقال جلّ شأنه: « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(7)

ص: 65


1- صحیح مسلم 2: 85 کتاب الجهاد .
2- صحیح مسلم 2: 340 کتاب الفضائل .
3- صحیح البخاري 5: 2175ح 5432 کتاب الطب .
4- صحيح البخاري 3: 1159 ح 3004 کتاب الجزية .
5- المائدة : 67.
6- النجم : 3 - 4.
7- الحشر : 7.

وتدلُ هذه الآيات دلالة واضحة على عصمته المطلقة في كلّ شيء، ولكن أهل السنّة والجماعة يقولون بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم معصوم فقط في تبليغ القرآن ، وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يُخطىء ويُصيب ويستدلّون على خطئه في عدة مناسبات بأحداث ٍ يروونها في صحاحهم -كما ذكرنا -.

وبالرغم من أنّ أهل السنّة يدّعون التمسّك بالسنّة النبويّة إلّا أنّ كتبهم مشحونة بالعديد من الروايات التي تخدش في عصمة الرسول و تجعل منه شخصاً أقل مستوى من الرجل الذكي أو القائد العسكري ، بل في بعض الأحيان أقل من الرجل العادي ، وذلك كلّه بسبب التأثير الأموي في عقول المسلمين ، وذلك لأنّ الأمويين وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان لم يعتقدوا يوماً من الأيّام بأنّ محمداً ابن عبدالله هو مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبي الله حقّاً ، وأغلب الظنّ أنّهم كانوا يعتقدون بأنّه كان ساحراً وقد تغلّب على الناس وشيّد ملكه على حساب المستضعفين من الناس .

فمعاوية ، هو الطليق بن الطليق الذي قضى شبابه في رحاب أبيه وفي تعبئة الجيوش لمحاربة رسول الله والقضاء على دعوته ، وبعد فشل جميع جهوده استسلم للأمر الواقع وادّعى الاسلام ، وبعد موت الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم حاول أبوه إثارة الفتنة عندما حرّض الإمام عليّ سلام الله عليه ضد أبي بكر وعمر ، ولكن الإمام عليّ علیه السلام عرف قصده وطرده ، وعندما آلت الخلافة إلى ابن عمّه عثمان أظهر أبو سفيان الكفر عندما قال : تلقّفوها تلقّف الكرة يا بني أميّة ، فوالذي يحلف به أبو سفیان ليس هناك جنّة ولا نار .(1)

وأخرج ابن عساكر في تاريخه (6: 407) عن أنس : أنّ أبا سفيان دخل

ص: 66


1- تاريخ الطبري 11: 357، مروج الذهب 1 : 440.

على عثمان بعدما عمي فقال : هل هنا أحد ؟

فقالوا: لا.

فقال : اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أميّة .

و أمّا ابنه معاوية ، فحدّث ولا حرج ، فقد هتك القرآن والسنّة طيلة ولايته على الشام وتسلّطه على الخلافة ، فعقيدته لا تختلف عن عقيدة أبيه شيخ المنافقين وعقيدة أمّه آكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور.(1)

روى الزبير بن بكار ، عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنده ثمّ ينصرف إلىَّ فيذكر معاوية وعقله ويعجب ممّا يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة وظننت أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا فقلت له : مالي أراك مغتمّاً منذ الليلة.

قال : يا بني إنّي جئت من عند أخبث الناس.

قلت له : وما ذلك.

قال : قلت لمعاوية وقد خلوت به : إنّك قد بلغت مُناك يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً " ، وبسطت خيراً ، فإنّك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بنی هاشم فوصلت ارحامهم ، فوالله ما عندهم البوم شیء تخافه ، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه .

فقال لي : هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه ! ملك أخو تیم فعدل و فعل

ص: 67


1- ربيع الأبرار للزمخشري ج 3 باب القرابات والانساب ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 111.

ما فعل ، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلّا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلّا أن يقول قائل : عمر ، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل و عُمل به ، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فُعل به ، وإنّ أخاهاشم يصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات : اشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل وأي ذکر یبقی مع هذا لا أمّ لك ؟ والله إلّا دفناً دفناً.(1)

أمّا يزيد فلا تختلف عقيدته عن أبيه وجدّه ، فقد حدّث المؤرخون(2) أنّه بعد وقعة الحرّة المشؤومة وقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين سوى النساء والصبیان ، وافتضّ فيها نحو ألف بكر ، وحبلت ألف إمرأة في تلك الأيام من غير زوج، ثمّ بايع من بقي من الناس على أنّهم عبيد ليزيد و من امتنع قتل ، ولما بلغ یزید خبر تلك الجرائم والمآسي التي يندى لها الجبين ولم يشهد لها التاريخ مثيلاً حتى عند المغول والتتار وحتى عند الاسرائيليين ، فرح بذلك وأظهر الشماتة بنبي الاسلام و تمثّل بقول ابن الزبعرى الّذي أنشده بعد موقعة اُحد قائلاً :

اليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

الأهلّوا واستهلّوا فرحاً*** ثمّ قالوا : يايزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ماکان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل (3)

ص: 68


1- کتاب الموفقیات : 576، مروج الذهب 2: 341، شرح نهج البلاغة 5: 130.
2- أنساب الأشراف للبلاذري 5: 42، لسان المیزان 6: 294 ، الإصابة 3: 473.
3- مقتل الخوارزمي : 67.

فإذا كان الجدّ أبو سفيان العدوّ الأول لله ورسوله يقول صراحة : تلقّفوها یا بني أميّة تلقّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنّة ولا نار ! وإذا كان الأب معاوية العدوّ الثاني الله ورسوله يقول صراحة : يسمع المؤذن يشهد أن محمداً رسول الله أي عمل وأي ذكر يبقى مع هذا لا أمّ لك ؟ والله إلّا دفناً دفناً ؛ وإذا كان الابن يزيد العدوّ الثالث لله ورسوله يقول صراحة :

لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل!

نستطيع أن ندرك تأثير هؤلاء المنافقين الكبير على المسلمين ، حيث اُثّروا على عقيدتهم وسلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وحتی عباداتهم.

والدليل على هذا التأثير هو قبول الأمّة بولاية معاوية الطليق ابن الطليق ، هذه الأمّة التي قالت لعمر بن الخطاب : لو رأينا بك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا ، نراها تسكت أمام قول معاوية عندما اعتلى منصة الخلافة وقال في أول خطبة يقولها في جميع الصحابة : «إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمّر علیکم وها أنا ذا أمير عليكم».

ثمّ نراهم بعد ذلك يقبلون منه أن يولّي عليهم ابنه الفاسق یزید ، وكذلك صعود الوزغ بن الوزغ مروان بن الحكم و الوليد بن عقبة وغيرهم.

بل وصل الأمر ببعض اُمراء المؤمنين أن يمزّقوا كتاب الله ويقولون له :

إذا لقيت ربّك يوم حشر***فقل ياربّ مزّقني الوليد

فإذا كان أمر الأمّة الاسلامية قد وصل إلى هذا الحدّ من الانحطاط في الأخلاق والذلّ والاستكانة فلا بدّ أنّ هناك عوامل أثّرت في عقيدتها وهذا ما

ص: 69

يهمّنا في هذا البحث لأنّه يتعلّق بموضوع العصمة وشخصية الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم.

وأوّل ما يلفت انتباهنا هنا هو أنّ الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان منعوا كتابة حديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم بل وحتى التحدّث به .

فهذا أبو بكر يجمع الناس في خلافته ويقول لهم : إنكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سالكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. (1)

وهذا عمر بن الخطاب يأمر أصحابه با قلال الرواية عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (2)

كما نراه - أي عمر - يأمر الصحابة أن يحضروا ما في أيديهم من کتب الحديث فظنّوا أنّه يريد أن يُقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها كلّها في النار .(3)

و واصل بعدهما عثمان المشوار وأعلن للناس كافة أنّه «لا يحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر»(4)

و جاء بعده دور معاوية حيث قال في أوّل خطبة يخطبها : «أيّها الناس إيّاكم والحديث عن رسول الله إلّا حديثاً يذكر على عهد عمر»(5)

و هكذا استمر بقية الخلفاء على منع كتابة حديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى زمن

ص: 70


1- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 2 و 3.
2- سنن ابن ماجة 1 : 12، سنن الدارمی 1 :85.
3- الطبقات الكبرى لابن سعد 5 : 140.
4- منتخب کنز العمّال بهامش مسند أحمد 4: 64.
5- الخطيب البغدادی شرف أصحاب الحدیث: 91.

عمر بن عبد العزيز.

و عندما نرجع بالتأريخ قليلاً إلى الوراء نجد أن عمر منع الرسول من كتابة أحاديثه في حياته وذلك في يوم الرزيّة ، عندما أراد الرسول أن یکتب کتاباً للأمّة حتى لا تضلّ من بعده فاعترض عمر واتّهم الرسول بالهجر - أي الهذيان - والعياذ بالله ، وقال : «حسبنا کتاب الله يكفينا» ، وقد أخرج هذه الحادثة البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وابو داود والإمام أحمد وغيرهم من المؤرخین کثیر .

أقول : فإذا كان عمر يمنع رسول الله من كتابة أحاديثه وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت ويتّهمه بالهجر بتلك الجرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً ، فليس غريباً ولا عجيباً أن يشمّر عن ساعديه بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ليمنع الناس من نقل أحاديث الرسول بكلّ جهوده وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول .

والطول ، ولا شكّ أن له في الصحابة انصاراً كثيرين من سُراة قريش الذي لهم نفوذ في القبائل والعشائر والذين كانوا يصحبون النبي صلی الله علیه و آله و سلم إمّا طمعاً أو خوفاً أو نفاقاً .

وبهذه الطريقة حاول البعض الانتقاص من شخصية الرسول الأكرم وتصويره للناس الذين لم يعرفوه بأنّه شخص عادي أو أقل من ذلك ، فقد تأخذه العاطفة ويميل مع هواه ويزيغ عن الحق ، كلّ ذلك ليموّهوا على الناس بأنّه ليس معصوماً ، والدليل أنّ عمر عارضه عدّة مرات ، والقرآن ينزل بتأييد ابن الخطاب حتى وصل الأمر بأن يهدّده الله نبيّه صلی الله علیه و آله و سلم : فيبكي ويقول : لو أصابنا الله بمصيبة لم ينج منها إلّا ابن الخطاب (1)في قضية أسرى بدر ، أو أنّ عمر كان يأمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأن يُحجب نساءه ولم يكن النبي صلی الله علیه و آله و سلم يفعل ذلك حتى نزل القرآن بتأیید

ص: 71


1- البداية والنهاية نقلا عن مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي .

عمر ، وأمر نبيّه صلی الله علیه و آله و سلم أن يحجب نساءه (1)، أو أن الشيطان لا يخاف من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولكنه يخاف ويهرب من عمر (2)

إلى غير ذلك من الروايات المخزية التي تحطّ من قيمة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و ترفع من قيمة الصحابة ، ولكن عمر ضرب الرقم القياسي في هذا الصدد حتی رووا (أخزاهم الله) بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يشكّ في نبوّته وذلك لحديث يروونه بأنّه قال صلی الله علیه و آله و سلم : «ما أبطأ عنّي جبرئيل إلّا ظننت أنّه ينزل على عمر بن الخطاب»

وأنا أعتقد بأنّ هذه الأحاديث وأمثالها وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان لمّا أعيته الحيلة في طمس حقائق علي بن أبي طالب ، فلجأ إلى إطراء أبي بكر وعمر وعثمان واختلاق الفضائل لهم كي يرفعهم في نظر الناس على مقام علي ويرمي من ذلك إلى هدفين:

الهدف الأوّل : تصغير شأن ابن أبي طالب (أبو تراب) كما يسمّيه هو للتمويه على الناس واعتبار الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه أفضل منه.

الهدف الثاني : وضعه الأحاديث هو لكي يتقبّل الناس تجاوز أوامر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و وصاياه في أمر الخلافة في أهل بيته خصوصاً الحسنین علیهما السلام اللذين كانا يعاصران معاوية - فإذا كان من الممكن أن يتجاوز الثلاثة أوامر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم فی عليّ علیه السلام لِمَ لا يمكن أن يتجاوز معاوية (الرابع) أوامره صلی الله علیه و آله و سلم في أولاد علي علیه السلام .

وقد نجح ابن هند في مخطّطه نجاحاً كبيراً والدليل أنّنا اليوم عندما نتحدّث عن علم على وشجاعته وقرابته وأفضاله على الاسلام والمسلمين يقف في وجوهنا من يقول : «قال رسول الله لو وزن إيمان اُمّتي بإيمان أبي بكر لرجح

ص: 72


1- صحيح البخاري 1: 46، باب خروج النساء إلى البراز .
2- صحيح البخاري 4 :96 وج 8: 161.

إيمان أبي بكر» ويقفُ في وجوهنا من يقول : «عمر الفاروق هو الذي يُفرق بين الحقّ والباطل»، ويقف في وجوهنا من يقول : «عثمان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن»!

و هناك العديد من هذه (الأحاديث المخزية) التي وضعت للنيل من شخصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم والحطّ من قيمته ، وبالرغم ما قام به المحقّقون والعلماء من أهل السنّة و الجماعة لتنقية الأحاديث وغربلتها فما زال هناك للأسف الشديد داخل الكتب الصحيحة والمعتبرة الشيء الكثير ، وكذلك لم تسلم كتب الشيعة من هذا الدسّ والوضع ، ولكن هؤلاء يعترفون بأنّ ليس عندهم كتاباً صحيحاً إلا كتاب الله وما سواه فيه الغثّ والسمين ، أمّا أهل السنة فإنّهم متّفقون بأنّ الصحيحين البخاري و مسلم أصحّ الكتب بعد کتاب الله ، بل يقولون بأنّ كلّ ما جاء فيهما هو صحيح ، ومن أجل ذلك سأضع بين يدي القارىء بعض النماذج من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم، والتي فيها ما فيها من الحطّ من قداسة الرسول العظيم صلی الله علیه و آله و سلم أو من أهل بيته علیهم السلام، وهي أحاديث وضعت لتبرير أعمال الحكام الأمويين والعباسيين ، وهم في الحقيقة يريدن النيل من خلالها بعصمة النبي صلی الله علیه و آله و سلم التبرير جرائمهم وقتلهم الأبرياء.

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يَختِلُ

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاستئذان وفي كتاب الديّات باب من اطّلع في بيت قوم فقؤا عينه فلا ديّة له.

وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بیت غيره ، عن أنس بن مالك ، أنّ رجلاً اطّلع من بعض حُجر النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فقام إليه

ص: 73

النبي صلی الله علیه و آله و سلم بمشقصٍ ٍ أو بمشاقِصَ ، فكأنّي أنظر إليه يختل الرجل ليطعنهُ.(1)

انّ الخلق العظيم يأبى هذا التصرف من نبي الرحمة ، فالمفروض أن يعلّمه النبي الآداب الاسلامية ويفهمه بأنّ ما فعله حرام لا أن يأخذ مشقصاً ويختله ليطعنه ويفقأ عينه ، على أنّ الرجل قد يكون على حسن نيّة لأنّ الحجرة لم تكن حجرة أزواجه والدليل أنّ أنس بن مالك كان موجوداً فيها.

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يعاقب عقاباً شنيعاً ويمثّل بالمسلمين

أخرج البخاري في صحيحه قال : حدّثنا ثابت بن أنس أنّ ناساً كان بهم سقمُ قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا فأمرهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يلحقوا براعيه - یعنی الابل - فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي وساقوا الابل ، فبلغ ذلك النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فبعث في طلبهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ، فرأيت الرجل منهم يکدم الأرض بلسانه حتى يموت. (2)

هل يصدق مسلم أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذي ينهي عن المثلة يقوم هو بنفسه فيمثّل بهؤلاء القوم فيقطع أيديهم وأرجلهم ویسمر أعينهم لأنهم قتلوا راعيه ، ألم يسمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قوله تعالى له : «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ »(3) علماً بأنّ هذه الآية نزلت على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم استشهاد عمّه حمزة سيد الشهداء حيث بقروا بطنه ، وأكلوا كبده ، وقطعوا مذاكيره ، واغتاظ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عندما رأى عمّه على تلك الحال وقال : «لئن مکّننی

ص: 74


1- صحيح البخاري 8: 66 وج 9 : 13 ، صحیح مسلم 3: 1699 ح 2157.
2- صحيح البخاري 7: 159 و 160، باب الدواء بألبان الأبل ، وباب الدواء بأبوال الابل .
3- النحل : 126.

الله منهم لأمثلنَّ بسبعين» ، فنزلت عليه الآية فقال : «صبرت یا ربّ» ، وعفی عن وحشی قاتل عمّه ، وهند التي مثّلت بجسده الطاهر وأكلت كبده ، أفلم يكن في وسع الرسول صلی الله علیه و آله و سلم أن يعفو ويصفح عن قتلة راعيه ؟

فهذه الرواية وأمثالها التي وضعت لارضاء الحكام الذين لا يتورعون عن قتل الأبرياء على الظن والتهمة ويمثلون بهم أشنع التمثيل ، والدليل على ذلك ما جاء في ذيل الرواية نفسها التي أخرجها البخاري يقول:

قال سلام : فبلغني أنّ الحجاج قال لأنس : حدّثني بأشدِّ عقوبة عاقبها النبي صلی الله علیه و آله و سلم: فحدّثه بهذا ، فبلغ الحسن فقال : وددت أنّه لم يحدّثه بهذا»(1)

و كذلك فقد تفنّن معاوية في التنكيل والتمثيل بالمسلمين الذي كانوا شيعة العلى ، فكم أحرق بالنار ، وكم دفن أحياء ، وكم صلب على جذوع النخل ، ومن الفنون التي ابتكرها وزيره عمرو بن العاص أنّه مثّل بمحمد بن أبي بكر وألبسه جلد حمار وقذف به في النار.(2)

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يحب الجماع

و لتبرير مجونهم وكثرة شغفهم بالجواري والنساء ، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الغسل باب إذا جامع ثمّ عاد ، ومن دار على نسائه في غُسل ٍ واحد ، قال: حدّثنا معاذ بن هشام قال : حدّثني أبي عن قتادة قال :

حدّثنا أنس ابن مالك قال : كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يدور على نسائه في الساعة

ص: 75


1- صحيح البخاري 7: 160.
2- تاريخ الطبري 5 : 104

الواحدة من الليل والنهار و هنَّ َ إحدى عشرة ، قال : قلت لأنس : أو كان يُطيقه؟

قال : كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوّة ثلاثين ...(1)

و لا نعلم من أين لأنس بن مالك أن يعرف بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة ، فهل لنا أن نسأل أنس بن مالك رواي هذه القصة من أخبره بها؟ من أعلمه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يُجامع نساءه في ساعة واحدة و هنّ إحدى عشرة ؟

هل النبي هو الذي حدّثه بذلك ؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدّث الناس على مجامعته لزوجته؟

أم أنّ زوجات النبي هنّ اللاتي حدّثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال عن جماع زوجها لها؟

أم أنّ أنس هو الذي تجسّس على النبي و تتبّع خلواته مع زوجاته وتفرّج عليه من ثقوب الأبواب ؟ استغفر الله من همزات الشياطين ولعن الله الكذّابين .

ومن أين عرف أنس أنّه -أي الرسول - اُعطي قوة ثلاثين؟

و ماذا يقول لو عارضته اُمّ المؤمنين عائشة زوج النبي صلی الله علیه و آله و سلم والتي كانت تقول بأنّه صلی الله علیه و آله و سلم كغيره من الرجال في شأن الجماع.(2)

ص: 76


1- صحيح البخاري 1: 75- 76.
2- صحیح مسلم 1: 272 ح 350، کتاب الطهارة ، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين .
الرسول صلی الله علیه و آله و سلم يسمع الغناء ويتفرّج على الرقص

و لتبرير الغناء والرقص الذي اشتهر في عهد الأمويين إليك هذه الروايات:

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب ضرب الدّف في النكاح والوليمة قال : ... قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء : جاء النبي صلی الله علیه و آله و سلم فدخل حين بُني علىّ َ فجلس على فراشي کمجلسك مني ، فجعلت جُویر یاتٌ لنا يضربن بالدّ َف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهنّ : وفينا نبيٌّ يعلم ما في غير، فقال: دَعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.!(1)

و أخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت: دخل علىّ َ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و عندي جاريتان تُغنیان بغناء بُعاث ، فاضطجع على الفراش و حوّل وجهه ، فدخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله ! فأقبل عليه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم؟ فقال : دعهما ، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا.(2)

كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : جاء حبش يزفنون في يوم عيد (أي يرقصون) في المسجد، فدعاني النبي صلی الله علیه و آله و سلم فوضعت رأسي على منكبيه ، فجعلت أنظر إلى لعبهم حتی کنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم!(3)

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يشرب النبيذ

و لتبرير معاقرة الخمر والمسكرات إليك هذه الرواية :

ص: 77


1- صحيح البخاري 7: 25.
2- صحيح البخاري 4: 47، کتاب الجهاد ، باب الدرق ، صحیح مسلم 2: 609ح 892، کتاب صلاة العيدين ، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه .
3- صحیح مسلم 2: 609 ح 892، کتاب صلاة العيدين ، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه .

روى البخاري في صحيحه عن أبو حازم بن سهل قال : لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قرّبه إليهم إلّا امرأته اُمّ أسيد بلَّت تمرات ٍ في تور ٍ من حجارة من الليل ، فلما فرغ النبي صلی الله علیه و آله و سلم من الطعام أمانته له فسقته إياه تُتحفُهُ بذلك.(1)

النبي صلی الله علیه و آله و سلم، والابتذال

و لتبرير الإباحية التي كان عليها الأمويون والعباسيون إليك هذه الرواية :

روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : حججنا مع النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأفضنا يوم النحر ، فحاضت صفية ، فاراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم، منها ما يريد الرجل من أهله ، فقلت: يا رسول الله إنّها حائض.(2)

عجباً لهذا النبي الذي يحبّ مجامعة زوجه على مشهد و علم من زوجته الاُخرى ، فتعلمه بأنّها حائض بينما لا تعلم المعنية بالأمر من ذلك شيئاً!.

النبي صلی الله علیه و آله و سلم لا يستحي

روى مسلم في صحيحه عن عائشة وعثمان حدّثاه أنّ أبا بكر استأذن على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهو مضطجع على فراشه لابس مِرطَ عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ، ثمّ انصرف ، قال عثمان : ثمّ استأذن عمر فأذن له و هو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ، ثمّ انصرف ، قال عثمان :

ص: 78


1- صحيح البخاري 7: 33، کتاب النکاح ، باب قيام المرأة على الرجال في العرس و خدمتهم بالنفس ، وكذلك باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس ، وانظر : صحیح مسلم 3: 1589 ح 2004 و 2005.
2- صحيح البخاري 2: 214، کتاب الحج ، باب الزيارة يوم النحر .

ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : أجمعي عليك ثيابك ، فقضيت إليه حاجتي ثمّ انصرفت.

فقالت عائشة : یا رسول الله ، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إنّ عثمان رجلٌ حَيي ، وإنّي خشيت إن أذنتُ له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ َ في حاجته»(1)

و في رواية اُخرى : فقال رسول الله : «ألا أستحي من رجل ٍ تستحي منه الملائكة»(2)

أي نبي هذا الذي يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته على فراشه ، وبجانبه زوجته في لباس مبتذل ، حتى إذا جاء عثمان جلس وأمر زوجته بأن تجمع عليها ثيابها.

و أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما.(3) قالا: قالت عائشة : أرسل أزواج النبي صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى رسول الله فاستأذنت عليه وهو مُضطجع معي في مِرطي فاذن لها ، فقالت : يا رسول الله إنّ أزواجك أرسلني أليك يسألنّك العدل في ابنة أبي قحافة ، وأنا ساكتة ، قالت : فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ :

«أي بُنيّة ألست تحبّين ما أحبّ ؟ فقالت : بلى ، قال : فأحبّي هذه» ...

ثمّ تمضي الرواية فتقول إلى أن يبعث أزواج النبي مرّة ثانية بزينب بنت جحش زوج النبي ينشدنّه العدل في بنت أبي قحافة فتدخل هي الأخرى على

ص: 79


1- صحیح مسلم 4: 1866ح 2402 ، کتاب الفضائل ، باب فضائل عثمان بن عفان.
2- مسند أحمد 6: 62.
3- صحيح البخاري 3: 132، صحیح مسلم 7: 136.

رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها على الحالة التي دخلت عليه فاطمة فتنشد الرسول العدل في بنت أبي قحافة على لسان أزواج النبي ثمّ تقع في عائشة و تسبّها فتنتصر عائشة لنفسها وتقع هي الاُخرى في زینب حتى تسكنها فيبتسم عند ذلك رسول الله ويقول : «إنّها إبنة أبي بكر»!

فما عساني أن أقول في هذه الرواية المنكرة التي تجعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يميل مع هواه ولا يعدل بين زوجاته ، وهو الذي جاء القرآن على لسانه : «و إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

ثمّ كيف يأذن الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لابنته فاطمة لتدخل عليه وهو على تلك الحالة مضطجع مع زوجته ولا بس مرطها ، فلا يجلس ولا يقوم ويبقی مضطجعاً حتى يقول : أي بُنيّة : ألست تحبّين ما أحبّ؟ وكذلك عندما تدخل عليه زوجته زینب وتطالبه بالعدل يبتسم ويقول : إنّها ابنة أبي بكر؟

انظر - ايّها القاريء - إلى هذه المخازي التي يُلصقونها برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم رمز العدالة والمساواة في حين أنّهم يقولون : «مات العدل مع عمر بن الخطاب» ويصوّرون رسول الله شخصاً مستهتراً بالقيم الأخلاقية فلا يعرف الحياء ولا المروءة.

و أخرج مسلم في صحيحه في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين عن عائشة زوج النبي صلی الله علیه و آله و سلم؟ قالت: إنّ رجلاً سأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الرجل يجامع أهله ثمّ یکسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إني الأفعل ذلك أنا وهذه ثمّ نغتسل»..

و أترك لك أيّها القارىء أن تُعلّق بنفسك على هذه الرواية ، فقد بلغ من تدليل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لزوجته عائشة أن يحدّث بجماعها الخاص والعام من الناس

ص: 80

وكم لعائشة بنت أبي بكر من أمثال هذه الروايات التي فيها مسّ من كرامة الرسول والحطّ من قيمته ، فمرّة تروي بأنّه يضع خدّه على خدّها لتتفرج على رقص السودان ، ومرّة يحملها على كتفه ، ومرّة يتسابق معها فتغلبه وينتظر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم حتى تسمن فيسابقها و يقول هذه بتيك ، و مرّة يستلقي على ظهره و النساء يضربن بالدفوف ومزمارة الشيطان في بيته فينتهرها أبو بكر!

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يكشف عورته

أخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبدالله أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان ينقلُ معهم الحجارة للكعبة ، وعليه إزاره ، فقال له العباس عمّه : يا ابن أخي ، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة ، قال : فحلّه فجعله على منكبيه ، فسقط مغشيّاً عليه ، فما رُئي بعد ذلك عرياناً صلی الله علیه و آله و سلم. (1)

انظر - ايّها القاريء - إلى الاتّهامات المزوّرة على رسول الله الذي جعل الحياء من دعائم الايمان ، حيث لم يكتفوا برواية الابتذال وكشف فخذيه أما أصحابه حتى اتهموه بکشف عورته بهذه الرواية الموضوعة ، فهل كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عندهم أبله إلى هذه الدرجة فيسمع كلام عمه ويكشف عن سوأته أمام الناس؟!

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يُسقط بعض آيات من القرآن

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة قالت: سمع رسول صلی الله علیه و آله و سلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل ، فقال : يرحمه الله لقد أذكرني آية كذا وكذا کنت

ص: 81


1- صحیح البخاري 1: 102، کتاب الصلاة باب كراهية التعري ، صحیح مسلم 1: 268 ح 340، کتاب الحيض ، باب الاعتناء بحفظ العورة .

اُنسيتها من سورة كذا وكذا!.(1)

ها هو النبي الذي أرسله الله سبحانه بالقرآن وهو معجزته الخالدة والذي كان يحفظه من يوم نزوله عليه جملة قبل نزوله أنجماً وقد قال له تعالى : «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ»(2)، وقال أيضاً : «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ»(3)

الرسول صلی الله علیه و آله و سلم يتهاون في صلاته من أجل عقد عائشة

نعم لقد بلغ تدلیل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم زوجته عائشة بنت أبي بكر أنّه يحبس نفسه ويحبس المسلمين معه ليبحثوا عن عقد ضاع من عائشة وليس معهم ماء حتى أنّ الناس يشتكون من عائشة لأبي بكر فيأتي أبوها يوبّخها و يلومها كلّ ذلك ورسول الله مشغول بالنوم في حجر زوجته .

أخرج البخاري في صحيحه في باب التيمم ، ومسلم في صحيحه في باب التيمم أيضاً عن عائشة أنّها قالت : خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في بعض أسفاره حتى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله ،صلی الله علیه و آله و سلم و بالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء.

ص: 82


1- صحيح البخاري 6: 239 کتاب فضائل القرآن ، باب نسیان القرآن ، صحیح مسلم 1: 543 ح 788 کتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا.
2- القيامة : 16.
3- الشعراء : 192-196.

فجاء ابو بکر ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال:

حبست رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت :

فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتی فلا يمنعني من التحرّك إلّا مكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على فخذي ، فنام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى أصبح على غير ما ، فأنزل الله آية التيمّم فتيمّموا.

فقال : أسيد بن الخُضير وهو أحد النقباء : ماهي بأوّل برکتکم یا آل أبي بكر .

فقالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.(1)

فهل يصدق مؤمن عرف الاسلام بأنّ رسول الله يتهاون في أمر الصلاة إلى هذه الدرجة ويحبس المسلمين وهم على غير ماء ، وليس عندهم ماء كلّ ذلك من أجل البحث عن عقد زوجته الذي ضاع منها ، ثمّ يترك المسلمين يتحسّرون على الصلاة ويشتكون إلى أبي بكر، وهو يذهب فينام على فخذ زوجته ثمّ يستغرق في نوم لا يشعر معه بدخول أبي بكر وتوبيخه عائشة وطعنها في خاصرتها ، وكيف يجوز لهذا الرسول أن يترك الناس يموجون من أجل الماء واقتراب وقت الصلاة وينام هو في حجر زوجته!

و لا شكّ بأنّ هذه الرواية وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان ولا أساس لها ، و إلّا كيف نفسّر حادثة مثل هذه حضرها كلّ الصحابة و تغيب عن عمر بن الخطّاب فلا يعرفها عندما يسئل عن التيمّم كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمّم.

ص: 83


1- صحیح البخاري 1: 86، صحیح مسلم 1: 191.
الرسول صلی الله علیه و آله و سلم كسائر البشر يخطىء ويصيب

و قد رووا في ذلك عدّة روایات ، بل ذكروا أنّ بعض الصحابة كان يصوّب رأي الرسول ويصلحه عندما يخطىء ، كما في قضية أسرى بدر التي أخطأ فيها الرسول وأصاب عمر ، ولولاه لهلك رسول الله...(1).

و منها: كذلك عندما قدم المدينة وجد أهلها يُؤبّرون النخل ، فقال لهم : «لا تؤبّروه وسیکون تمراً» ولكنّه جاء شيصاً، فجاؤوه وشكوا له ذلك ، فقال لهم: «أنتم أعلم باُمور دنیا کم منّي».(2)

ومنها : أنه سُحِرَ وبقي مسحوراً لا يدري ما يفعل حتى أنّه كان يخيّل إليه أنّه كان يأتي النساء ولا يأتيهنّ.(3)، أو يخيّل إليه أنّه صنع شيئاً ولم يصنعه.(4)

و منها : أنّه سها في صلاته فلم يدر كم ركعة صلّی.(5)

و منها: أنّه نام واستغرق في نومه حتى سمعوا غطيطه، ثمّ استيقظ فصلّی بدون وضوء.(6)

و منها : أنّه يغضب ويسبّ ويلعن من لا يستحقّ ذلك فيقول: «اللهمّ إنّما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سيبته فاجعله له زكاة ورحمة»(7)

هذا غيض من فيض من الكم الهائل من الروايات التي امتلأت بها كتب

ص: 84


1- صحیح مسلم 2: 85 کتاب الجهاد.
2- صحیح مسلم 2: 340 کتاب الفضائل .
3- صحيح البخاري 5: 2175ح 5432 کتاب الطب .
4- صحیح البخاري 3: 1159 ح 3004 کتاب الجزية .
5- صحيح البخاري 6: 2456 ح 6294 کتاب الایمان والنذور .
6- صحیح البخاري 50:1 ح 117 کتاب العلم.
7- سنن الدارمي 2: 315 کتاب الرّقاق.

الصحاح و مسانید أهل السنّة والجماعة ، والتي تحطّ من قدسية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

والمهم في كلّ هذه الأبحاث هو أن نعرف بأنّ المؤامرة ضد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت مؤامرة خسيسة ودنيئة تعمل على الانتقاص من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وتحطّ من قيمته إلى درجة أنّ أحدنا اليوم (ورغم كلّ الفساد الذي عمّ البر والبحر) لا يرضى لنفسه مثل هذه المواقف والأفعال ، فما بالنا بأعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية والذي يشهد له ربّ العزّة والجلالة بأنّه على خلق عظيم.

أمّا الشيعة فانّهم يعتبرون هذه الروايات التي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلّها موضوعة من قبل الأموييّن وأنصارهم وذلك :

أولاً : للحطّ من قيمة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم

ثانياً : لكي يلتمسوا عذراً لأعماله القبيحة وأخطائهم الشنيعة التي سجّلها لهم التاريخ ، فإذا كان رسول الله يخطىء ويغضب ويسبّ ويشتم، فلا لوم بعد ذلك على معاوية بن أبي سفيان و مروان بن الحكم وعمرو بن العاص ويزيد بن معاوية.(1)

يقول الإمام علي علیه السلام:

«... حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلی الله علیه و آله و سلم فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً ، وأعزّ الاُرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها اُأمناءهُ ، عترتهُ خير العتر، و أسرتهُ خير الاُسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ٍ ، وبسقت في كرم، لها فروع طوال ، و ثمرة لا تنال ، فهو إمام من اتّقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوءهُ ، وشهاب سطع نوره ، وزند برق

ص: 85


1- فاسألوا أهل الذكر : 39 - 66 و ص 259 - 297، لأكون مع الصادقين: 23.

لمعه ، سيرتهُ القصد ، وسنّته الرشد ، وكلامه الفصل ، و حكمه العدل ، أرسله على حين فترة من الرسل ، وهفوة عن العمل ، وغباوة من الاُمم...»(1)

ويقول علیه السلام:

«فبالغ صلّی الله عليه و آله في النصيحة ، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة...»(2)

ويقول علیه السلام :

«أرسله بحجّة كافية ، وموعظة شافية ، ودعوة متلافية ، أظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبيّن به الأحكام المفصولة.

أرسله بالضياء ، وقدّمه في الاصطفاء ، فرتق به المفاتق ، وساور به المُغالب ، وذلّل به الصعوبة ، وسهّل به الحزونة حتى سرّح الضلال عن يمين وشمال»(3).

ص: 86


1- نهج البلاغة : الخطبة 94.
2- نهج البلاغة : الخطبة 95.
3- نهج البلاغة : الخطبة 213.

القرآن الكريم

اشارة

يتّفق السنّة والشيعة بانّ القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو المرجع الأعلى للمسلمين في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم ، ولكنهم اختلفوا في تفسيره وتأويله ، ومرجع الشيعة في التفسير والتأويل يعود إلى النبي وشروحات الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ، ومرجع أهل السنّة والجماعة يعود إلى أحاديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم والصحابة - دون تمييز - أو على أحد الأئمّة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة .

فيتّفق أهل السنّة مع الشيعة في القول بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بيّن المسلمين كلّ أحكام القرآن و فسّر كلّ آياته ، ولكنّهم اختلفوا فيمن ينبغي الرجوع إليه بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ، فذهب أهل السنّة إلى الاعتماد على الصحابة ، أمّا الشيعة فقالوا :

إنّ الأئمّة من أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم هم المؤهّلون لذلك ، وصفوة من الصحابة المنتجبين .

فأهل البيت علیهم السلام هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع إليهم في قوله عزّ وجلّ : « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ »(1) وهم الذين اصطفاهم الله تعالى وأورثهم علم الكتاب حيث يقول جلّ شأنه : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا »، وهم المعنيّون في قوله تعالى :«لَا يَمَسُّهُ إِلَّا

ص: 87


1- النحل : 43، تفسير الطبري 14 : 109، تفسیر ابن کثیر 2: 570 ..

الْمُطَهَّرُونَ»(1)، ف«لا» هنا للنفي ، و «یمسّه» تعني يدركه ويفهمه ، وليس المقصود بها لمس اليد ، فهناك فرقٌ بين اللمس والمسّ ، فمدلول الآية : أنّه لا يدرك معاني القرآن المكنون إلّا نخبة من عباده الذين اصطفاهم وطهّرهم تطهيراً ، والمطهّرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم ، وقد قال عزّ وجلّ : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)

تحريف القرآن

تحريف القرآن(3)

من المسائل التي يشنّع بها على الشيعة وتنسب إليهم هو القول بتحريف القرآن ، بالرغم من عقيدة الشيعة تنصّ على تنزیه کتاب الله من كلّ تحریف.

وجميع الذين يشنّعون على الشيعة بالقول بالتحريف يحتجّون على الشيعة بكتاب اسمه «فصل الخطاب في إثبات تحریف کتاب ربّ الأرباب» ومؤلّفه الميرزا حسین محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي سنة 1320 ، ویرید هؤلاء المتحملون أن يحمّلوا الشيعة مسؤولية هذا الكتاب ، وهذا مخالف للانصاف .

فكم من کتب کُتبت وهي لا تُعبّر في الحقيقة إلّا عن رأي كاتبها و مؤلّفها ، ويكون فيها الغث والسمين ، و فيها الحقّ والباطل ، وتحمل في طيّها الخطأ والصواب ، و نجد ذلك عند كلّ الفرق الاسلامية ، ولا يختصّ بالشيعة دون سواها، أفيجوز لنا أن نحمّل أهل السنّة والجماعة مسؤولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟!

ص: 88


1- الواقعه: 79.
2- الأحزاب : 33.
3- لأكون مع الصادقین .

و ماذا يقول أهل السنّة والجماعة على ما رواه البخاري - وهو صحيح عندهم - من نقص في القرآن وزيادة ، وكذا صحيح مسلم وغيره؟

قال العلامة الطبرسي من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في كتاب مجمع البيان في تفسير القرآن : «فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنّة أنّ في القرآن تغییراً و نقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضی (قدّس الله روحه) ، واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع أنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحواداث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم تبلغه فيما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كلّ شيء اختٌلِف فيه من إعرابه و قراءته وحروفه و آیاته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد».

وكذلك تقول : انّ هذه التهمة - تحريف القرآن - الملصقة بالشيعة ، هي أقرب لأهل السنّة و الجماعة منها إلى الشيعة ، وإليك بعض روایات أهل السنّة في ذلك :

1- أخرج الطبراني والبيهقي أنّ من القرآن سورتين إحداهما هي : بسم الله الرحمن الرحيم إنّا نستعينك ونستغفرك و نُثني عليك الخير كلّه ولا نكفُرك ، ونخلعُ ونتركُ من يفجرك.

والسورة الثانية هي : بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إيّاك نعبدُ ، ولك نصلّی ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك الجدّ، إنّ عذابكَ

ص: 89

بالكافرين ملحق.

وهاتان السورتان سمّاهما الراغب في المحاضرات سورتي «القنوت» وهما ممّا كان يقنت بهما سیّدنا عمر بن الخطاب ، وهما موجودتان في مصحف ابن عباس و مصحف زيد بن ثابت.(1)

2 - أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن اُبي بن كعب قال :کم تقرأون سورة الأحزاب ؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مثل البقرة أو أكثر منها ، وإن فيها آية الرجم.(2)

و قد ذكر السيوطي هاتين السور تین في كتابيه الاتقان والدر المنثور .

و هذا يعني أنّ القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السورتين الثابتين في مصحف ابن عباس و مصحف زيد، كما يدلّ أيضاً بأنّ هناك مصاحف اُخرى غير التي عندنا ، وهو يذكّرني أيضاً بالتشنيع على أنّ للشيعة مصحف فاطمة ، فافهم!

أمّا قول اُبي بن كعب - في الرواية الثانية : «كنتُ أقرأها مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مثل البقرة أو أكثر» - و هو من أشهر القرّاء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم و هو الذي اختاره عمر (3) ليُصلي بالناس صلاة التراويح - فهو يبعث على الشكّ والحيرة كما لا يخفی.

3 - أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.(4) عن اُبي بن كعب قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقال :

ص: 90


1- محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني 2: 433.
2- مسند أحمد 5 : 132.
3- صحیح البخاري 2: 707ح 1906 کتاب صلاة التراويح .
4- مسند أحمد 5 : 131.

فقرأ : «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَ» فقرأ فيها: «ولو أنّ ابن آدم سأل وادیاً من مال فاُعطيه لسأل ثانياً ، فلو سأل ثانياً فاُعطيه لسأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب ، و إنّ ذلك الدين القيم عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ، ومن يفعل خيراً فلن يكفره.»

هذا غيض من فيض من الروايات التي ملأت كتب أهل السنّة والجماعة ، وهم غافلون عنها ويشنّعون على الشيعة الذين لا يوجد عندهم عُشر هذا.

و قد يقول قائل من أهل السنّة : بأن هذه الروايات ضعيفة ، وهي موجودة في كتب ليست بمستوى صحيحي البخاري ومسلم.

و لكن مثل هذه الروایات موجودة حتى في صحيحي البخاري ومسلم .

فقد أخرج البخاري في صحيحه.(1) في باب مناقب عمّار وحذيفة (رضي الله عنهما) عن علقمة قال : قدمت الشام فصلّيت ركعتين ، ثمّ قلت : اللهمّ يسّر لي جليساً صالحاً ، فأتيت قوماً فجلست إليهم ، فإذا شیخٌ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا؟

قالوا: أبو الدرداء .

قلت : إنّي دعوت الله أن ييسّر لي جليساً صالحاً فيسّرك لي.

قال : ممّن أنت؟

فقلت : من أهل الكوفة.

قال : أوَليس عندكم ابن اُمّ عبير صاحبُ النعلين والوساد و المطهرة ؟ وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيّه صلی الله علیه و آله و سلم ؟ أوليس فيكم صاحب سرّ

ص: 91


1- صحیح البخاري 3: 1368ح 3532 کتاب فضائل الصحابة.

النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم الذي لا يعلم أحد غيره؟ ثمّ قال : كيف يقرأ عبدالله «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»؟

فقرأت عليه: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذکر والاُنثس».

قال : والله لقد أقرأنيها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من فيه إلى فيّ َ.

ثمّ زاد في رواية اُخرى قال: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.(1)

و أخرج البخاري كذلك بسنده عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطاب قال : إنّ الله بعث محمداً صلی الله علیه و آله و سلم بالحقّ و أنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها و وعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و رجمنا بعده ، فأخشی إن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنی إذا اُحصِنَ من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحَبَلُ والاعتراف ، ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: «أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم» أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(2)

و أخرج الإمام مسلم في صحيحه، قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقُراءهم، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوَ قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فاُنسيتها ، غير

ص: 92


1- صحيح البخاري 3: 1369 ح 3533 کتاب فضائل الصحابة ، وانظر رواية اُخرى في ص 1373 ح 3550.
2- صحيح البخاري 6: 2504ح 6442 کتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت .

انّی قد حفظت منها «لو كان لابن آدم وادیان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملا جوف ابن آدم إلّا التراب»

وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فاُنسيتها غير أنّي حفظت منها: «يا أيّها الّذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، فتُكتب شهادة في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة».(1)

و هاتان السورتان المزعومتان الّلتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تُشبه براءة يعني 129، والثانية تُشبه إحدى المسبحات یعنی 20 آية لا وجود لهما إلّا في خيال أبي موسى ، فاقرأ واعجب فإنّي أترك لك الخيار أيّها الباحث المنصف .

فإذا كانت كتب أهل السنّة والجماعة ومسانیدهم و صحاحهم مشحونة بمثل هذه الروايات التي تدّعي بأنّ القرآن ناقص مرّة ، وزائد اُخرى ، فلماذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الادعاء ؟!

وكيف يشنّع أهل السنّة والجماعة على الشيعة من أجل روایات ساقطة عندهم ، ويبرؤون أنفسهم ، بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات؟ (2)

ص: 93


1- صحیح مسلم 1 :418 ء في باب لو أنّ لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً.
2- لأكون مع الصادقين: 7 ، الشيعة هم أهل السنة: 247.

الإمامة والخلافة

اشارة

المقصود بالإمامة هنا الخلافة والحكم والقيادة والولاية.

فالشيعة يعتقدون أن الإمامة هي أصل من اُصول الدين لما لها من الأهمية الكبرى والخطورة العظمى ، و هي منصب إلهي يَعهد به الله سبحانه إلى من يصطفيه من عباده الصالحين ليقوم بذلك الدور الخطير ، ألا وهو قيادة العالم بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

أمّا أهل السنّة والجماعة فيقولون بوجوب الإمامة لقيادة الاُمّة ، ولكنّهم يجعلون للاُمّة حق اختيار إمامها وقائدها .

ولمعرفة الحقيقة لا بدّ من توضيح الاُمور التالية :

1- الإمامة في القرآن الكريم

قال الله تعالی :

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1)

فالإمامة على ضوء هذه الآية : هي عهد من الله لا ينال إلّا العباد الصالحين الذين اصطفاهم الله لهذه الغرض ، لانتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقون عهده سبحانه وتعالى ، وبما أنّ الإمام عليّ علیه السلام هو الوحيد من

ص: 94


1- البقرة : 124.

الصحابة الذي لم يُشرك قبل الاسلام ، فهو اذن الوحيد الذي يستحقّ عهد الله بالإمامة ، لانّه لم يعبد إلّا الله وكرّم الله وجهه دون الصحابة ، لأنّه لم يسجد الصنم .

و إذا قيل بأنّ الإسلام يجبّ ما قبله .

قلنا : نعم ، ولكن يبقى الفرق كبيراً بين من كان مشركاً و تاب ، ومن كان تقيّاً خالصاً لم يعرف إلّا الله .

و هناك شواهد قرآنية عديدة تبيّن هذا المعنى منها الآيات التالية التي اجمع المفسّرون على نزولها بحقّ الإمام علي عليه السلام وهي :

* «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1)

* «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ».(2)

«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»(3)

ص: 95


1- المائدة: 55. انظر : تفسير الكشاف للزمخشري 1: 649، جامع البيان في تفسير القرآن للطبري 6: .186
2- المائدة : 67. انظر : الدر المنثور في تفسير المأثور للسيوطي 117:3، تفسير الفخر الرازي 12: 49.
3- المائدة : 3، انظر : ترجمة الإمام على من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر 42: 237 ، مناقب علی بن ابي طالب لابن المغازلي الشافعي : 19.
2-الإمامة في السنّة النبوية

قال الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم في الإمامة أقوالاً متعددة ، رواها الشيعة و السنّة في كتبهم ومسانیدهم ، وقد جاءت هذه الأقوال بألفاظ مختلفة ، فجاءت مرّة بلفظ الإمامة كقوله: «یکون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»(1)

وجاء في الخلافة قوله صلی الله علیه و آله و سلم: «لا يزال الدین قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خلیفة کلّھم من قریش»(2)

و في قول آخر: «سيكون بعدي إثنا عشر خلیفة كلّهم من بني هاشم».(3)

و جاء كذلك بلفظ الإمارة كقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة ويئست الفاطمة»(4)

و بعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة من خلال أقوال الرسول صلی الله علیه و آله و سلم وكما صرّحت به مصادر أهل السنّة والجماعة ، لنطّلع على رأي الفريقين في هذه المسألة المهمّة.

يعتقد أهل السنّة أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم توفّى ولم يُعيّن أحداً للخلافة ، و لكن أهل الحلّ والعقد من الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، و ولّوا أمرهم أبا بكر الصديق، لمكانته من رسول الله ، ولأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم استخلفه في

ص: 96


1- صحیح مسلم 2: 135، کتاب الامارة.
2- صحیح مسلم 2: 122، کتاب الامارة .
3- ينابيع المودّة 3: 104 الباب 77.
4- صحيح البخاري 6: 2613 ح 2729 ، کتاب الأحكام .

الصلاة أيّام مرضه، فقالوا : رضيّهُ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الأمر ديننا فكيف لا نرضاه الأمر دنيانا؟

وخلاصة قولهم :

الرسول لم ينصّ على أحد .

لا تكون الخلافة إلّا بالشوری .

استخلاف أبي بكر وقع من طرف كبار الصحابة .

ولكن هل من المعقول أن يترك الله الاُمّة بدون إمام وهو القائل: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1)، وكيف يترك الرسول اُمّته بدون راع ٍ ، وهو الذي كان يخشى على اُمّته الفرقة (2)، والانقلاب على الأعقاب (3)، والتنافس على الدنيا (4)ويتّبعوا سنن اليهود والنصارى (5)؟!

و إذا كانت اُمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر تبعث إلى عمر بن الخطاب حين طعن فتقول له : «استخلف على اُمّة محمد ولا تدعهم بعدك هملاً ، فإنّي أخشی عليهم الفتنة».(6)

و إذا كان عبد الله بن عمر يدخل على أبيه حين طُعن فيقول له : «إنّ الناس زعموا أنّك غير مستخلف، وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك

ص: 97


1- الرعد: 7.
2- مسند أحمد 2: 332.
3- صحيح البخاري 5: 2409 ح 6220 ، کتاب الرقاق .
4- صحيح البخاري 4: 1486 ح 3816، کتاب المغازي .
5- صحيح البخاري 3: 1274 ح 2269، کتاب الأنبياء .
6- الإمامة والسياية لابن قتيبة 1: 28.

و ترکها رأيت أن قد ضيّع ، فرعاية الناس أشدّ».(1)

و إذا كان أبو بكر نفسه - وهو الذي استخلفه المسلمون بالشورى - يحطّم هذا المبدأ و يسارع إلى استخلاف عمر من بعده ، ليقطع بذلك دابر الخلاف والفرقة والفتنة.

أقول : فكيف نصدق بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ترك الاُمّة بدون استخلاف ، و هل أنّه لم يكن يعلم ما علمه أبو بكر وعائشة وعبد الله بن عمر وما يعلمه كلّ الناس بالبداهة من اختلاف الآراء و تشتّت الأهواء عندما يوكل إليهم أمر أختيار الرئاسة واعتلاء منصّة الخلافة.

أمّا رأي الشيعة فانّهم يؤكّدون بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عيّن عليّاً للخلافة ، ونصّ عليه في عدّة مناسبات، أشهرها في غدیر خم.

والأدلّة التي يذكرها الشيعة في هذا المجال تزخر بها كتب السنّة ، إذ ليس هناك دليل عند الشيعة إلّا وعند السنّة مصداقه .

فترى الشيعة أنّ آية البلاغ وهي:«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»نزلت على رسول الله يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة عقيب حجّة الوداع في غدیر خمّ قبل تنصيب الإمام عليّ علماً للناس ليكون خليفته من بعده ، حيث اجتمع أكثر من مائة ألف مسلم رافقوا الرسول في حجّة الوداع، فجمعهم الرسول على صعيد واحد في هذا المكان ، وخطبهم خطبة بليغة طويلة ، وأشهدهم على أنفسهم فشهدوا بأنّه صلی الله علیه و آله و سلم أولى بهم من أنفسهم ، وعند ذلك رفع يد عليّ بن أبي طالب وقال : «من کنت

ص: 98


1- صحیح مسلم 2: 122، کتاب الامارة .

مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار» ثمّ ألبسه عمامته وعقد له موكباً وأمر أصحابه بتهنئه بإمرة المؤمنين، فعلوا وفي مقدّمتهم أبو بكر وعمر يقولان: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.(1)

و من كتب السنّة الاُخرى التي ذكرت غدیر خمّ وتنصيب الإمام علي علیه السلام انظر :

1 - الحافظ أبو نعيم في كتابه نزول القرآن : 86.

2 - الإمام الواحدي في كتاب أسباب النزول : 135

3 - المتّقي الهندي في کنز العمّال 13 : 134 ح 36420.

4 - جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور 1: 298.

5 - الفخر الرازي في تفسيره الكبير 12: 50.

6 - محمد رشید رضا في تفسير المنار 6: 463.

7 - الشوكاني في فتح القدير 2: 60.

8 - الآلوسي في روح المعاني 6: 193.

9 -بدر الدين الحنفي في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 18: 206.

10 - الحموئي في فرائد السمطین 1: 158 ح 120.

فهذا نزر يسير ممّن يحضرني، وهناك أضعاف هؤلاء من علماء أهل السنّة .

أفيمكن بعد كلّ هذا أن يقول قائل بأنّ حديث الغدير هو من مختلفات ..

ص: 99


1- صحیح مسلم 2: 362 باب فضائل علي بن أبي طالب ، صحيح الترمذي 5: 591، باب 20، مسند أحمد 4: 281 و 372، السنن الکبری للنسائي 5: 130 ح 8464، مستدرك الحاكم 3 : 118 ح 4576 الصواعق المحرقة : 43، تاریخ بغداد للخطيب البغدادي 8: 289 - 290 ، الملل والنحل للشهرستاني: 70.

الشيعة .

ولكن رغم كلّ ذلك فإنّ قريشاً اختارت لنفسها وأبت أن تكون في بني هاشم النبوة والخلافة فيتبجحون على قومهم بَجَحاً بَجَحاً ، كما صرّح بذلك عمر بن الخطاب لعبدالله بن عبّاس في محاورة دارت بينهما.(1)

وخلاصة القول : انّ حديث الغدير «من کنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار» هي حادثة تاريخية عظيمة أجمعت الاُمّة الاسلامية على نقلها ، فقد مرّ علينا أنّه ذكرها ثلاثمائة وستّون من علماء أهل السنّة والجماعة ، وأكثر من ذلك من علماء الشيعة ، ولا يُستغرب كذلك أن تنقسم الاُمّة الاسلامية إلى سنّة و شيعة ، تمسّكت الاُولى بمبدأ الشورى في سقيفة بني ساعدة، و تأوّلت النصوص الصريحة ، وخالفت بذلك ما أجمع عليه الرواة من حديث الغدير وغيره من النصوص ، وتمسّكت الثانية بتلك النصوص فلم ترض عنها بدلاً ، وبايعت الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت ولم تبغ ِ عنهم حِولاً.(2)

شواهد على ولاية علي

الشاهد الأول : يتعلّق بعقوبة من كذّب بولاية علي ، وذلك أنّه بعد شیوع خبر غدیر خم و تنصيب الإمام علي علیه السلام خليفة على المسلمين وقول الرسول لهم :

«فليبلّغ الشاهد الغائب» وصل الخبر إلى الحارث بن النعمان الفهري ولم يُعجبه ذلك فأقبل على رسول الله وأناخ راحلته أمام باب المسجد ودخل على النبي

ص: 100


1- تاريخ الطبري 4: 223، الكامل في التاريخ 2: 218 ، نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 53.
2- لأكون مع الصادقين : 27 - 33، الشيعة هم أهل السنّة : 82- 88.

فقال : يا محمد إنّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك ذلك ، وأمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم رمضان و نحجّ البيت ونزکّی أموالنا فقبلنا منك ذلك ، ثمّ لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمّك وفضّلته على الناس وقلت : «من کنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو من الله؟

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقد احمرّت عيناه : «والله الذي لا إله إلّا هو إنّه من الله وليس منّي»، قالها ثلاثاً .

فقام الحارث وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقول محمد حقّاً فأرسل علينا حجارة من السماء أوائتنا بعذاب أليم.

قال : فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله من السماء بحجر فوقع على هامته فخرج من دبره ومات ، وأنزل الله تعالى:«سَالَ سَائِلُ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ٍ لِلکَافِرِینَ لَیسَ لَهُ دَافِعٌ»(1)

الشاهد الثاني : يتعلّق بعقوبة من كتم الشهادة بحادثة الغدير ، وذلك عندما قام الإمام علي أيّام خلافته في يوم مشهود، إذ جمع الناس في الرحبة ونادی من فوق المنبر قائلاً: «أنشد الله كلّ امرىء مسلم سمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول يوم غدیر خم : (من كنت مولاه فعلي مولاه) إلّا قام فشهد بما سمع ، ولا يقم إلّا من رآه بعينيه وسمعه باُذنيه» فقام ثلاثون صحابياً منهم اثنا عشر بدرياً فشهدوا بذلك.

ص: 101


1- المعارج:1 - 2. انظر هذه الحادثة في شواهد التنزيل للحسكاني 2: 381، تفسير القرطبي 18: 181 ، تفسير المنار 6: 464، المستدرك للحاكم 2: 545ح 3854، السيرة الحلبية 3: 275، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 31.

ولكن بعض الصحابة ممّن حضروا واقعة الغدير أقعدهم الحسد أو البُغض للإمام ، فلم يقوموا للشهادة ، ومن هؤلاء أنس بن مالك ، حيث نزل إليه الإمام علىّ من المنبر وقال له : «ما لكَ يا أنس لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته منه يومئذ ٍ كما شهدوا ؟».

فقال : يا أمير المؤمنين ، كبُرت سنّي ونسيت .

فقال الإمام على علیه السلام: «إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواریها العمامة»، فما قام حتى ابيضّ وجهه برصاً ، فكان بعد ذلك يبكي ويقول :

أصابتني دعوة العبد الصالح لأنّي كتمت الشهادة.(1)

ص: 102


1- مسند أحمد 1: 119، کتاب المعارف لابن قتيبة الدينوري : 580، أنساب الأشراف 1: 152، السيرة الحلبية 3: 274، تاریخ دمشق لابن عساکر 2: 12.لأكون مع الصادقين: 33.

الفصل الثالث: مصادر التشريع عند الفريقين

اشارة

ص: 103

ص: 104

مصادر التشريع عند الفريقين

السنة النبوية

وهي كلّ ما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أو فعله أو أقرّه ، وهي المرجع الثاني عندهم بعد القرآن الكريم في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم ، ويضيف أهل السنّة والجماعة إلى السنّة النبويّة سنّة الخلفاء الراشدين الأربعة : أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ، بل يضيف بعضهم إلى سنة الرسول سنّة الصحابة بأجمعهم - أي صحابي كان - فعندهم : «أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتدیتم اهتديتم».(1)

و هذا الحديث لا ينسجم مع العقل والمنطق والحقيقة العلمية ، إذ أنّ العرب لم يكونوا ليهتدوا في مسيرهم الصحراوي لمجرّد اقتدائهم بأي نجم من النجوم ، وإنّما كانوا يهتدون باتّباع نجوم معيّنة محدّدة معروفة لها أسماؤها ، كما أنّ الأحداث اللاحقة والممارسات التي بدت من بعض الصحابة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا تؤيّد هذا الحديث ، فقد طعن الصحابة بعضهم ببعض (2)، ولعن بعضهم بعضاً (3)، وقتل بعضهم بعضاً (4)، بل كيف يمكن أن يقتدي بمعاوية الخارج

ص: 105


1- میزان الاعتدال 1: 413 ت 1511، مسند أحمد 4 : 399.
2- كطعن أكثر الصحابة في عثمان حتى قتلوه.
3- كما فعل ذلك معاوية الذي كان يأمر بلعن علي .
4- كحروب الجمل وصفين والنهروان وغيرها .

على إمام زمانه أمير المؤمنين في حربه للإمام عليّ عليه السلام مهتدياً وهو يعلم أنّ الرسول سمّاه إمام الفئة الباغية.(1)، وكيف يكون من المهتدين من يقتدي بعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وقد قتلوا الأبرياء لتدعيم ملك الأمويّين.

الثقلین

الثقلین(2)

هناك سؤال يطرح نفسه وهو : هل ترك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الأُمّته شيئاً تعتمد عليه و ترجع إليه فيما قد يقع فيه الخلاف الذي لا بدّ منه ، والذي سجّله كتاب الله بقوله :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ...»(3)

نعم ، لا بدّ للرسول صلی الله علیه و آله و سلم أن يترك للأُمّة قاعدة ترتكز عليها ، لذا روی أصحابه أنّه قال :

تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : کتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(4)

ص: 106


1- اشارة إلى قوله وا : «عمار تقتله الفئة الباغية» ، الاصابة لابن حجر2: 512
2- لأكون مع الصادقین .
3- النساء : 59.
4- مستدرك الحاكم 3: 118 ح 6579، کتاب معرفة الصحابة . و انظر كذلك من رواة هذا الحديث : صحیح مسلم 2: 362، صحيح الترمذي 5: 622ح 3788، خصائص النسائي 5: 130 ح 8464، مسند أحمد 3 : 17،کنز العمال 13: 104 ح 36340، الطبقات الكبرى لابن سعد 2: 194 ، مجمع الزوائد 163:9 ، تفسیر ابن کثیر 4: 114.

و هذا الحديث صحيح ثابت ، أخرجه المحدّثون من الفريقين السنّة والشيعة ، ورووه في مسانیدهم وفي صحاحهم عن طريق ما يزيد على ثلاثين صحابياً . ولكن البعض يحاول التشكيك بهذا الحديث و تبدیله به «کتاب الله وسنّتي»؟! علماً بأنّ هذا الحديث لم تنقله كتب السنّة المعتبرة كالبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وغيرها، وعلى فرض نقله في بعض الكتب فلا عبرة له لأنّ الاجماع على خلافه ، إضافة إلى ذلك فانّ هذا الحديث لا يستقيم مع الواقع لا تقلاً ولا عقلاً ، وذلك من وجوه :

1- اتّفق علماء السنّة بانّ رسول الله منع من كتابة أحاديثه ، ولم يدع أحد أنّه كان يكتب السنّة النبوية في عهده ، فقول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم «ترکت فیکم کتاب الله وسنتي» لا يستقيم.

2- لمّا اشتدّ برسول الله وجعه . وذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام - طلب منهم أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتُب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر بن الخطّاب :

إنّ رسول الله ليهجر ، وحسبنا کتاب الله !(1)

فلو كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد قال لهم من قبل : «تركت فيكم كتاب الله وسنّتي» لما جاز لعمر بن الخطاب أن يقول : حسبنا کتاب الله ، لأنّه بذلك يكون هو والصحابة الذي قالوا بمقالته رادّین علی رسول الله ، ولا أظنّ أنّ أهل السنة والجماعة يرضون بهذا.

3 - من المعروف أنّ أول حادثة اعترضت أبا بكر في أوائل خلافته هي

ص: 107


1- صحیح البخاري 4: 1612 ح 4168 ، کتاب المغازي ، صحیح مسلم 2 : 16 ، کتاب الوصية .

قراره محاربة مانعي الزكاة ، رغم معارضة عمر بن الخطاب له واستشهاده بحديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «من قال : لا إله إلّا الله محمد رسول الله عصمني ماله ودمه إلّا بحقّها، وحسابه على الله».(1)

فلو كانت سنّة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم معلومة ما كان أبو بكر يجهلها و هو أولى الناس بمعرفتها ، ولكن عمر بعد ذلك اقتنع بتأويل أبي بكر للحديث الذي رواه وقول أبي بكر بأنّ الزكاة هي حقّ المال ، ولكنّهم أغفلوا أو تغافلوا عن سنّة الرسول الفعلية التي لا تقبل التأويل وهي قصّة ثعلبة الذي امتنع عن دفع الزكاة الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و نزل فيه قرآن، ولم يقاتله رسول الله ولا أجبره على دفعها ، وأين أبو بكر وعمر من قصة اُسامة بن زيد الذي بعثه رسول الله في سرية ، ولما غشي القوم وهزمهم لحق رجلا منهم فلما أدركه قال : لا إله إلا الله فقتله أسامة ، ولما بلغ النبي ذلك قال : «یا أسامة أقتلته بعدما قال : لا إله إلّا الله»؟

قال : كان متعوّذاً ، فما زال يكرّرها حتى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمُ قبل ذلك اليوم.(2)

و لكلّ هذا لا يمكن أن نصدّق بحديث « کتاب الله وسنّتي» لأنّ الصحابة أوّل من جهل السنّة النبوية ، فكيف بمن جاء بعدهم؟ وكيف بمن بَعُد مسکنه عن المدينة ؟

4_ من المعروف أيضاً أنّ كثيراً من أعمال الصحابة بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم كانت مخالفة لسنّته.

فإمّا أن يكون هؤلاء الصحابة يعرفون سنّته صلی الله علیه و آله و سلم وخالفوها عمداً، اجتهاداً

ص: 108


1- صحيح البخاري 1: 2657ح 6855، کتاب الاعتصام بالکتاب والسنّة .
2- صحيح البخاري 6: 2519 ح 6478 کتاب الديات ، صحیح مسلم 1: 54 کتاب الايمان .

منهم في مقابل نصوص النبي صلی الله علیه و آله و سلم، و هؤلاء ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالی :

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»(1)

و إمّا أنّهم كانوا يجهلون سنّته صلی الله علیه و آله و سلم، فلا يحقّ لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والحال هذه أن يقول لهم : «ترکت فیکم سنّتي» وهو يعلم أنّ أصحابه وأقرب الناس إليه لم يحيطوا بها علماً، فكيف بمن يأتي بعدهم ولم يعرفوا ولم يشاهدوا النبي ؟!

ه - من المعلوم أيضاً أنّه لم تدوّن السنّة إلّا في عهد الدولة العباسية ، وأنّ أوّل كُتب كتب في الحديث هو موطأ الإمام مالك ، وذلك بعد الفتنة الكبرى، وبعد واقعة الحرّة واستباحة المدينة المنوّرة وقتل الصحابة فيها صبراً ، فكيف يطمئن الإنسان بعد ذلك إلى رواة تقرّبوا للسلطان لنيل الدنيا ، ولذلك اضطربت الأحاديث وتناقضت ، وانقسمت الاُمّة إلى مذاهب ، فما ثبت عند هذا المذهب لم يثبت عند غيره ، وما صحّحه هذا يكذّبه ذاك ، فكيف نُصدق بأنّ رسول الله قال :

تركت فيكم كتاب الله وسنّتي» وهو الذي كان يعلم بأنّ المنافقين والمنحرفين سوف يكذبون عليه ، وقد قال : «کثرت عليّ الكذابة ، فمن كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار».(2)

وإذا كانت الكذّابة قد كثرت في حياته فكيف يُكلّف اُمّته باتّباع سنّته ، وليس لهم معرفة بصحيحها من سقيمها وغثّها من سمينها ؟!

6- يروي أهل السنّة والجماعة في صحاحهم بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ترك

ص: 109


1- الأحزاب : 36.
2- صحيح البخاري 1: 52 ح 106 - 110.

ثقلين أو خليفتين ، أو شيئين ، فمرّة يروون كتاب الله وسنّة رسوله ، ومرّة يروون عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ، ومعلوم بالضرورة أنّ الحديث التالي يضيف - إلى كتاب الله و سنّة رسوله - سنّة الخلفاء ، فتصبح مصادر التشريع ثلاثة بدلاً من اثنتين ، وكلّ هذا يتنافى مع حديث الثقلين الصحيح والمتّفق عليه من السنّة والشيعة ، ألا وهو «كتاب الله و عترتی».

7- إذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يعلم علم اليقين بأنّ أصحابه الذين نزل القرآن بلغتهم ولهجاتهم - كما يقولون - لم يعرفوا كثيراً من تفسيره ولا تأويله ، فكيف بمن يأتي بعدهم ؟ أو كيف بمن يعتنق الإسلام من الروم والفرس والحبش وكلّ الأعاجم الذين لا يفهمون العربية ولا يتكلّمونها ؟!

و قد ثبت في الأثر أنّ أبا بكر سُئل عن قوله تعالى : «وَفَاكِهةً وأباً» فقال :

أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم.(1)

و بعد كلّ هذا فهل يمكن التصديق بحديث كتاب الله وسنتي»؟

فالثقل الثاني بعد القرآن الذي أوصى به الرسول صلی الله علیه و آله و سلم هم عترته وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، والذين لا يشكّ أحدٌ من المسلمين في غزارة علمهم وفي زهدهم و تقواهم ، فهم و ارثي علم الكتاب ، فلا يخالفونه ، ولا يختلفون فيه ، بل لا يفارقونه حتى قيام الساعة، وهم الذين أوصى بهم الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بقوله :

إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض.(2)

ص: 110


1- ارشاد الساري القسطلاني 10 : 311، فتح الباري لابن حجر 13 : 230.
2- مسند أحمد 5 : 182 و 189 ، الدر المنثور للسيوطي 2 : 60 ،کنز العمال 1: 172 ، مجمع الزوائد 9: 162 ينابيع المودة 38:1 ، عبقات الأنوار 7: 192.

أهل السنّة لا يعرفون السنّة النبوية

أيّها القارىء العزيز ، لا يستفزّك هذا العنوان ، فأنت بحمد الله تمشي على طريق الحقّ لتصل في النهاية إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى ، فلا تدع وساوس الشيطان ، ولا الغرور بالنفس ، ولا التعصب المقيت يستولي عليك ويصدك عن الوصول إلى الهدف المنشود والحق المفقود و جنّة الخلود.

فهل تعلم - مثلاً - انّ المتّسمين ب «أهل السنّة والجماعة» هم القائلون بخلافة الخلفاء الراشدين الأربعة : «أبو بكر وعمر وعثمان وعلی» ، هذا ما يعرفه الناس اليوم .

ولكن الحقيقة المؤلمة هي أنّ علي بن أبي طالب لم يكن معدوداً عند «أهل السنّة» من الخلفاء الراشدين ، لا ولم يعترفوا حتى بشرعية خلافته ، وإنّما اُلحِقَ علىّ بالخلفاء الثلاثة في زمن متأخر جداً ، وذلك في سنّة ثلاثين ومائتين للهجرة في زمن أحمد بن حنبل.

أمّا الصحابة من غير الشيعة والخلفاء والملوك والاُمراء الذين حكموا المسلمين من عهد أبي بكر وحتى عهد الخليفة العباسي المعتصم لم يكونوا يعترفون بخلافة علي بن أبي طالب أبداً ، بل منهم من كان يلعنه ولا يعتبره حتى من المسلمين وإلّا كيف يجوز لهم سبّه ولعنه على المنابر؟! و استمر هذا اللعن طيلة حكم بني اُميّة - باستثناء حکم عمر بن عبد العزيز -، بل كان الحقد واضحاً حتى في خلافة بني العبّاس ، فهذا المتوكّل العباسي يصل به الحقد إلى نبش قبر علي وقبر الحسين بن علي وذلك سنة

ص: 111

أربعين ومائتين للهجرة .

وهذا الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين في عهده، يخطب الناس يوم الجمعة فيقول لهم من فوق المنبر : «إن الحديث الذي رُوي عن رسول الله أنت مني بمنزلة هارون من موسی صحیح ولكنّه محترف لأنّ رسول الله قال له : أنت منّی بمنزلة قارون من موسی» فاشتبه على السامع.(1)

والتاريخ يؤكّد بأنّ أحمد بن حنبل هو أوّل من (ربّع) الخلافة الراشدة واعتبر خلافة الامام علي صحيحة ، ولعلّه بهر ته الأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل علي والتي ظهرت رغم أنف الحكّام ، فهو القائل : «لم يرد في أحدٍ من الناس من الفضائل بالأحاديث الحسان مثل ما ورد في عليّ بن أبي طالب»..

و الدليل على ذلك ما جاء في طبقات الحنابلة - وهو الكتاب الصحيح والمشهور عندهم -: عن ابن أبي يعلى بالإسناد عن وريزة الحمصي قال :

دخلت على أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي (رضي الله عنه) (2)فقلت له : يا أبا عبد الله إنّ هذا الطعن على طلحة والزبير!

فقال : بئسما قلتَ ، وما نحن وحرب القوم وذكرها ؟ فقلت : أصلحك الله إنّما ذكرناها حين رَّبَعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمّة قبله !

فقال لي : وما يمنعني من ذلك ؟ ! قلت : حديث ابن عمر ، فقال لي: عمر خير من ابنه فقد رضي عليّاً للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى، وعلى

ص: 112


1- تاریخ بغداد 8: 268.
2- انظر إلى هذا المحدث رغم أنّه لا يسب عليّاً ولا يلعنه بل يقول : (رضي الله عنه) ولكنّه لا يقبل بأن يكون علي معدوداً من الخلفاء و ينكر ذلك على أحمد بن حنبل ، وقوله : «إنّما ذكرناها» يدلّ على أنّه يتكلّم باسم الجماعة وهم أهل السنّة الذين بعثوه إلى أحمد بن حنبل منکرین علیه .

قد سمّى نفسه أمير المؤمنين ، أفأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير ؟ ! قال : فانصرفتُ عنه.(1)

و من هذه القصّة يتبيّن لنا بأنّ «أهل السنّة» لم يقبلو بخلافة علي ويقولوا بصحّتها إلّا بعد أحمد بن حنبل بكثير كما لا يخفی.

أمّا حديث ابن عمر فأخرجه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر ، قال : «کنّا نخير بين الناس في زمن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فنخير أبا بكر ، ثمّ عمر بن الخطاب ، ثمّ عثمان بن عفّان (رضي الله عنهم)(2)، كما أخرج البخاري حديثاً آخر عن ابن عمر أكثر صراحة من الأول إذ قال عبد الله بن عمر : «کنّا في زمن النبي صلی الله علیه و آله و سلم: لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم لا تفاضل بينهم»(3)

أليس هذا أكبر دليل على أنّ «أهل السنّة والجماعة» كانوا من النواصب الذين يبغضون عليّاً ويعملون على انتقاصه وإسقاطه ؟

و لقائل أن يقول : كيف يصحّ ذلك ونحن نرى اليوم «أهل السنّة والجماعة» يحبّون الإمام عليّاً ويترضون عنه ، وهو عندهم - رابع الخلفاء الراشدين ، وهو باب مدينة العلم رضي الله عنه وكرّم الله وجهه ؟

ونحن نقول لهم : فلماذا لا تقلّدوه في اُمور دينكم ودنیا کم إن كان اعتقادكم فيه صحيحاً بأنّه باب مدينة العلم؟

لماذا تركتم الباب عمداً وقلّدتم أبا حنيفة ومالكاً ، والشافعي وابن حنبل

ص: 113


1- طبقات الحنابلة 1: 393 ح 510.
2- صحيح البخاري 4: 191 کتاب بدء الخلق ، باب فضل أبي بكر بعد النبي .
3- صحيح البخاري 4: 203 کتاب بدء الخلق ، باب مناقب عثمان .

و ابن تيمية ، الذين لا يدانوه في علم ولا عمل ولا فضل ولا شرف ، فأين الثرى من الثريا ، و این معاوية من علي لو كنتم تعقلون.

مَن الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟

مَن الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟(1)

لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلّا أنّهم اتّفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم «عام الجماعة» ، وذلك أنّ الاُمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين: شيعة علي وأتباع معاوية ، ولما استشهد الإمام علي علیه السلام واستولی معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين سُمّی ذلك العام «عام الجماعة»، إذاً فتسمية «أهل السنّة والجماعة» دالّة على اتّباع سنّة معاوية والاجتماع علیه و لیست تعني اتّباع سنة رسول الله ، فالأئمّة من ذرّيته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه .

ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول الله اثنی عشر خليفة كلّهم من قريش إلّا أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة ، ولعلّ معاوية الذي سمّانا «أهل السنّة والجماعة» كان يقصد الاجتماع على السنّة التي سنّها بسبّ علي وأهل البيت والتي استمرت ستّين عاماً ، ولم يقدر على إزالتها إلّا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وقد يحدّثنا بعض المؤرخين أنّ الأمويين تآمروا على قتل عمر بن عبد العزيز وهو منهم لأنّه أمات السنّة وهي لعن علي بن أبي طالب .

ص: 114


1- ثم اهتديت .

«أهل السنّة» ومحقّ السنّة

«أهل السنّة» ومحقّ السنّة(1)

هناك شيء مهم لا غنى للباحث أن يتعمّق فيه ، ليكتشف بدون لبس بانّ الذين يتسمون ب «أهل السنّة» ليس لهم في الحقيقة من سنّة النبي شيء يذكر .

وذلك لأنّهم ، أو بالأحرى لأنّ أسلافهم من الصحابة والخلفاء الراشدين عندهم الذين يقتدون بهم ويتقربون إلى الله بحبهم وولائهم قد وقفوا من السنّه النبوية موقفاً سلبياً إلى درجة أنّهم أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها .

لقد عمل الحكّام الأولون على :

أولاً : وضع الأحاديث المكذوبة التي تؤید مذهبهم في منع الكتابة لعموم السنّة النبويّة والأحاديث الشريفة.

فها هو الإمام مسلم يخرج في صحيحه ، عن هدّاب بن خالد الأزدي ، عن همام ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عني ولا حرج...»

والغرض من وضع هذا الحديث هو تبرير ما فعله أبو بكر وعمر تجاه الأحاديث النبويّة التي كتبها بعض الصحابة ودونوها ، وقد وضع هذا الحديث في زمن متأخر عن الخلفاء الراشدين ، وغفل الوضاعون الكاذبون عن الأمور التالية :

أ: لو قال هذا الحديث صاحب الرسالة لامتثل أمره الصحابة الذين كتبوا عنه ولمحوه قبل أن يتولى أبو بكر وعمر حرقها بعد سنوات عديدة من وفاة

ص: 115


1- الشيعة هم أهل السنّة .

النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

ب: لو كان هذا الحديث صحيحاً لاستدلّ به أبو بكر أولاً ، ثمّ عمر ثانياً ، التبرير منعهما كتابة الأحاديث و محوها ، ولاعتذر أولئك الصحابة الذين كتبوها إمّا جهلاً وإمّا نسياناً.

ت: لو كان هذا الحديث صحيحاً لوجب على أبي بكر وعلى عمر أن يمحوا الأحاديث محواً لا أن يحرقاها حرقاً.

ث : لو صحّ هذا الحديث فالمسلمون من عهد عمر بن عبد العزيز إلى يوم الناس هذا كلّهم آثمون لأنّهم خالفوا نهي الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و على رأسهم عمر بن عبد العزيز الذي أمر العلماء في عهده بتدوين الأحاديث وكتابتها ، والبخاري ومسلم اللذان يُصحّحان هذا الحديث ثمّ يعصيانه ويكتبان ألوف الأحاديث عن النبي .

ج: وأخيراً لو صحّ هذا الحديث لما غاب عن باب مدينة العلم علي بن أبي طالب الذي جمع أحاديث النبي في صحيفة طولها سبعون ذراعاً ويسميها الجامعة.

ثانياً : عمل الحكام الأمويين على التأكيد بأن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم غير معصوم عن الخطأ وهو كغيره من البشر الذين يخطئون ويصيبون ، ويروون في ذلك عدّة أحاديث ، والغرض من وضع تلك الأحاديث هو التأكيد على أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يجتهد برأيه فكان كثيراً ما يخطىء ممّا حدا ببعض الصحابة أن يصوب رأيه ، كما جاء ذلك في قضية تأبير النخل ونزول آية الحجاب ، والاستغفار للمنافقين ، وقبول الفدية من أسرى بدر ، وغير ذلك ممّا يدّعيه «أهل السنّة والجماعة» في صحاحهم وما يعتقدونه في صاحب الرسالة (عليه و آله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ص: 116

و نحن نقول لأهل السنّة والجماعة :

إذا كان هذا هو ديدنكم وهذا هو اعتقادكم في رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فكيف تدعون إلى التمسّك بسنّته ، وسنّته عندكم وعند أسلافكم غیر معصومة ، بل غير معلومة وغير مكتوبة ؟ على أنّنا نردّ على هذه المزاعم والأكاذيب وندحضها من نفس كتبكم وصحاحكم.(1)

فهذا الإمام البخاري يخرج في صحيحه من كتاب العلم وفي باب كتابة العلم ، عن أبي هريرة قال : ما من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلّا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتبُ.(2)

ويستفاد من هذه الرواية بأنّ هناك من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم من كان يكتب أحاديثه ، وإذا كان أبو هريرة يروي أكثر من ستّة آلاف حديث عن النبي شفاهياً فإن عبدالله بن عمرو بن العاص فاق هذا العدد کتابياً ، ولذلك اعترف أبو هريرة بأنّ عبد الله بن عمرو أكثر منه أحاديث عن النبي لأنّه كان يكتب ، ولا شكّ بأنّ هناك في الصحابة كثير ممّن كانوا يكتبون عن النبي أحاديثه ولم يذكرهم أبو هريرة لعدم اشتهارهم بكثرة الرواية عنه صلی الله علیه و آله و سلم.

و إذا أضفنا إلى هؤلاء الإمام علي بن أبي طالب الذي كان ينشر فوق المنبر صحيفة يسمّيها الجامعة ، جمع فيها كلّ ما يحتاجه الناس من أحاديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم وقد توارثها الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام وكثيراً ما تحدّثوا عنها ، فقد

ص: 117


1- الغريب أنّ أهل السنّة كثيرا ما يروون الحديث ونقضيه في نفس الكتاب ، والأغرب من ذلك أنّهم كثيراً ما يعملون بما هو مكذوب ويهملون ما هو صحيح.
2- صحيح البخاري 1: 36 باب كتابة العلم.

قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : «إنّ عندنا الصحيفة طولها سبعون ذراعاً ، إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وخطّ علي بيده ، ما من حلال ولا حرام وما من شيء يحتاج إليه الناس وليس قضية إلّا وهي فيها حتى أرش الخدش».(1)

وقد أشار البخاري نفسه في صحيحه إلى هذه الصحيفة التي كانت عند عليّ في عدّة أبواب من كتابه ، ولكنه وكما عوّدنا البخاري فإنّه أبتر الكثير من خصائصها ومضمونها .

قال البخاري في باب كتابة العلم : عن الشعبي ، عن أبي جحيفة قال : قلت العلي : هل عندكم كتاب؟

قال : «لا إلّا كتاب الله أو فهم أُعطيه رجلاً مسلماً أو ما في هذه الصحيفة». .

قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟

قال: «العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر»(2)

كما جاء في صحيح البخاري في موضع آخر قوله : «عن الأ عمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال : «ما عندنا شيء إلّا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم»(3)

وأخرج أيضاً عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : خطبنا علي فقال : «ما عندنا کتاب نقرأه إلّا كتاب الله وما في هذه الصحيفة».(4)

ص: 118


1- الكافي 1: 239.
2- صحيح البخاري 1: 36.
3- صحيح البخاري 2: 221.
4- صحيح البخاري : 67، صحیح مسلم4 : 115.

هذه الأحاديث و غيرها تعتبر دليل قاطع على أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم ينه عن كتابة أحاديثه أبداً ، بل العكس هو الصحيح ، وانّ الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه «لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» هو حدیث مكذوب وضعه أنصار الخلفاء لتأييد و تبرير ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان من حرق الأحاديث النبوية ومنع السنّة من الانتشار ، وممّا يزيدنا يقيناٌ بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم ينه عن كتابة الأحاديث عنه ، بل إنّه أمر بها ، هو ما قاله الإمام علي أقرب الناس للنبي : «ما كتبنا عنه غير القرآن وما في هذه الصحيفة» والذي صحّحه البخاري.(1)

و حتى لا يبقى عندك شكّ - أيّها القارىء العزيز - أزيدك ما يلي :

أخرج الحاكم في مستدرکه ، و أبو داود في سننه ، والإمام أحمد في مسنده ، والدارمي في سننه ، أخرجوا كلّهم حديثاً مهمّاً جداً بخصوص عبد الله بن عمرو الذي ذكره أبو هريرة بأنّه كان يكتب عن النبي ، قال عبد الله بن عمرو : كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟

قال عبد الله : فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأومأ إلى فيه وقال : «أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا الحق»(2)

و نلاحظ من خلال هذا الحديث بأنّ عبدالله بن عمرو كان يكتب كلّ ما يسمعه من النبي صلی الله علیه و آله و سلم فلم ينه النبي عن ذلك ، و إنّما وقع النهي من قريش ، ولم

ص: 119


1- صحيح البخاری 4: 69.
2- مستدرك الحاكم 1: 105، سنن أبي داود 318:3ح 3646، سنن الدارمي 1: 125 ، مسند أحمد 2:

يرد عبدالله التصريح بأسماء الذين نهوه عن الكتابة لأنّ في نهيهم طعن على رسول الله ، كما لا يخفى فأبهم القول بأنهم قريش ، والمقصود بقریش زعماؤها من المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وطلحة والزبير ومن سار على رأيهم.

كما نلاحظ بأنّ نهيهم لعبدالله كان في حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وهذا ما يؤكد عمق المؤامرة وخطورتها .

و إلّا لماذا يعمد هؤلاء لنهي عبدالله عن الكتابة بدون الرجوع إلى النبي نفسه؟

كما يفهم أيضاً من قولهم له : إنّ رسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضا ، أن عقيدتهم في النبي كانت هزيلة إلى درجة أنّهم يشكون فيه بأنّه يقول باطلاً ويحكم ظلماً خصوصاً في حالة الغضب ، وما قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم عندما ذكر له عبدالله بن عمرو نهي قريش وما قالوه في شأنه فقال صلی الله علیه و آله و سلم : «أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا الحق» - إشارة إلى فمه - لدليل آخر على علم الرسول بشكّهم في عدالته ، وأنهم يجوزون عليه الخطأ وقول الباطل فأقسم بالله بأنّه لا يخرج من فمه إلّا الحق.

مصادر التشريع عند الشيعة

مصادر التشريع عند الشيعة(1)

المتتبع لفقه الشيعة الإمامية يجدهم ينقطعون في كلّ الأحكام الفقهية - إلّا المستحدثة - إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن طريق الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام .

وهؤلاء عندهم مصادر التشريع اثنان لا ثالث لهما : الكتاب والسنّة.

ص: 120


1- الشيعة هم أهل السنّة .

فهذه أقوال الشيعة قديماً وحديثاً ، بل هي أقوال الأئمّة من أهل البيت الذين لم يدّع واحد منهم أنّه أجتهد برایه أو حكم حكماً من عنده .

فهذا الإمام الأول علي بن أبي طالب علیه السلام عندما اختاره للخلافة واشترطوا عليه أن يحكم فيهم بسنة الشيخين أبي بكر وعمر ، قال : «لا أحكم إلّا بكتاب الله وسنّة رسوله». .

و هذا الإمام الصادق علیه السلام يقول : «والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلّا ما قال ربّنا ، فمهما أجبتك فيه بشيء فهو من رسول الله لسنا نقول برأينا من شي ءّ». .

وحتى إذا رجعنا للمرجع الكبير المعاصر الشهيد آية الله محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) نجده يقول في رسالته العملية لفقه العبادات والمعاملات - في الفتاوى الواضحة - يقول حرفياً : «و نری من الضروري أن نشير أخيراً بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوی الواضحة وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنّة الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورعين في النقل مهما كان مذهبهم ، أمّا القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغاً شرعياً للاعتماد عليها .

و أمّا ما يسمّى الدليل العقلي الذي اختلف فيه المجتهدون والمحدّثون في أنّه هل يسوغ العمل به أو لا ، فنحن و إن كنّا نؤمن بأنّه يسوغ العمل به ، ولكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقّف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى ، بل كلّ ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنّة.

وأمّا ما يسمى بالإجماع فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنّة ، و إنّما لا يعتمد عليه إلّا من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات.

ص: 121

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنّة ونبتهل إلى الله أن يجعلنا من المتمسّکین بهما».(1)

هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة من عهد علي بن أبي طالب وإلى يومنا هذا ، فما هي مصادر التشريع عند «أهل السنّة والجماعة»؟

مصادر التشريع عند أهل السنّة والجماعة»

اشارة

مصادر التشريع عند أهل السنّة والجماعة»(2)

إذا تتبّعنا مصادر التشريع عند أهل السنّة والجماعة» وجدناها كثيرة تتعدّى حدود الكتاب والسنّة التي رسمها الله ورسوله .

فالمصادر عندهم - بالإضافة إلى الكتاب والسنّة - هي سنّة الخلفاء الراشدين ، وسنّة الصحابة ، وسنّة التابعين وهم علماء الأثر ، وسنّة الحكّام ويسمّونها صوافي الاُمراء ، ثمّ القياس ، والاستحسان ، والإجماع ، وسدّ باب الذرائع .

وهي كما ترى عشرة مصادر عندهم كلّها تتحكّم في دين الله ، وحتى لا نتكلّم بدون دلیل و نُلقي الكلام على عواهنه ، أو يتّهمنا البعض بالمبالغة ، لابدّ من إعطاء بعض الأدلّة من أقوالهم وكُتبهم كي يتبيّن للقارىء الكريم ذلك واضحاً.

ونحن لا نناقش «أهل السنّة والجماعة» في المصدرين الأولين المتمثّلين في الكتاب والسنّة ، فهو أمر لا خلاف فيه ، ولكن نقاشنا معهم في المصادر الأخرى التي اضافوها من عندهم.

ص: 122


1- الفتاوی الواضحة للشهید باقر الصدر : 98.
2- الشيعة هم أهل السنّة.
أوّلاً : سنّة الخلفاء الراشدين

فقد احتجّوا بحديث «علیکم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الراشدين ، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ»(1)

و قد بيّنا في كتاب «مع الصادقین» بأنّ المقصود من الخلفاء الراشدين في هذا الحديث هم أئمّة أهل البيت ، وأضيف هنا بعض الأدلّة الاُخرى لمن فاته ذلك البحث.

أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين بأنّ رسول الله حصر خلفاءه في اثني عشر ، فقال : «الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قریش» ، فدلّ هذا الحديث الصحيح على أنّ المقصود هم أئمّة أهل البيت علیهم السلام وليسوا الخلفاء الحكّام الذين اغتصبوا الخلافة .

و لقائل أن يقول : سواء أكان المقصود بالخلفاء أئمّة أهل البيت الاثني عشر كما يقول الشيعة ، أم الخلفاء الراشدين الأربعة كما يقول «أهل السنّة» فإنّ مصادر التشريع ثلاثة : القرآن والسنّة وسنّة الخلفاء؟

و هذا صحيح على رأي «أهل السنّة» ولكنّه لا يصحُّ على رأي الشيعة لأنّ أئمّة أهل البيت كما قدّمنا لم يكونوا يشرّعوا باجتهادهم و آرائهم ، بل كلّ ما قالوا هو سنّة جدّهم رسول الله تعلّموها منه واحتفظوا بها كي يظهروها للناس إذا اقتضت الحاجة ذلك .

أمّا «أهل السنّة والجماعة» فقد حفلت كتبهم بالاستدلال بسنّة أبي بكر

ص: 123


1- سنن الترمذي 5: 43 ح 2676، سنن ابن ماجة 15:1 - 16ح 42، شعب الایمان للبيهقي 6 :67 ح 7516، مسند أحمد بن حنبل 4: 126-127.

وسنّة عمر كمصدر للتشريع الإسلامي ولو خالفت الكتاب والسنّة .

وممّا يزيدنا يقيناً بأنّ أبا بكر وعمر غير مقصودين بحديث النبي ، أنّ عليّاً رفض أن يحكم بسنّتهم عندما اشترط عليه الصحابة ذلك.

فلو كان الرسول يقصد بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر لما جاز لعلي أن يردّ على رسول الله ويرفض سنّتهم ، فدلّ الحديث على أنّ الخلفاء الراشدين ليس منهم أبو بكر ولا عمر.

ثانياً: ستة الصحابة عموماً

ثانيا: ستة الصحابة عموماً(1)

هناك الكثير من الأدلّة والشواهد التي تؤكّد على اقتداء «أهل السنّة والجماعة» بسنّة الصحابة عموماً بدون استثناء.

فهم يحتجّون بحديث مكذوب وهو «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتدیتم اهتديتم»، وقد احتجّ ابن القيم الجوزية بهذا الحديث على حجّية رأي الصحابي.(2)

و قد اعترف بهذه الحقيقة أيضاً الشيخ أبو زهرة إذ قال : «لقد وجدناهم (يعني فقهاء أهل السنّة) جميعاً يأخذون بفتوى الصحابي»، ثمّ يُضيف في مقطع آخر قوله :

«والاحتجاج بأقوال الصحابة وفتاويهم هو مسلك جماهير الفقهاء ، وخالفهم الشيعة (3)، ولكنّ ابن القيم الجوزيّة أيّد الجمهور بنحو ستّة وأربعين

ص: 124


1- الشيعة هم أهل السنّة .
2- أعلام الموقعين 4: 122.
3- وهذه شهادة اُخرى من الشيخ أبي زهرة تؤيّد ما قلناه بأنّ الشيعة لا يقبلون في شرع الله إلّا الكتاب الكريم والسنّة النبويّة .

وجهاً كلّها حجج قوية...» .

ونحن نقول للشيخ أبي زهرة : كيف تكون الحجّة - التي تخالف كتاب الله وسنّة رسوله - قوية ؟! فكلّ الحجج التي جاء بها ابن القيم واهية كبيت العنكبوت وأنت بنفسك قد نسفتها عندما قلت :

ولكنّنا وجدنا الشوكاني يقول : والحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الاُمّة إلا نبيّنا محمداً، صلی الله علیه و آله و سلم، و ليس لنا إلّا رسول واحد ، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء باتّباع شرعه في الكتاب والسنّة ، فمن قال بأنّه تقوم الحجّة في دين الله بغيرهما ، فقد قال في دين الله بما لا يُثبت وأثبت شرعاً لم يأمر الله به»(1)

ثالثاً: سنّة التابعين «علماء الاثر»

ثالثاً: سنّة التابعين «علماء الاثر»(2)

كذلك نجد «أهل السنّة والجماعة» يأخذون بآراء التابعين ويسمّونهم علماء الأثر» کالأوزاغي وسفيان الثوري وحسن البصري وابن عيينة وغيرهم کثیر ، كما انّهم متّفقون على الأخذ باجتهادات أئمّة المذاهب الأربعة و تقليدهم رغم أنّهم من تابعي التابعين.

و إذا كان الصحابة أنفسهم يعترفون بخطأهم في عديد من المرّات وأنّهم يقولون ما لا يعلمون .

ص: 125


1- کتاب الشيخ أبي زهرة : 102.
2- الشيعة هم أهل السنّة .

فهذا أبو بكر يقول عندما يُسأل عن مسألة : سأقول فيها برأيي فإن أصبتُ فمن الله ، و إن أخطأت فمنّي أو من الشيطان .

و هذا عمر يقول لأصحابه : لعلّي آمركم بالأشياء التي لا تصلح لكم وأنهاكم عن أشياء تصلح لكم.(1)

و إذا كان هذا مبلغهم من العلم و أنّهم يتّبعون الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ، فكيف يحقّ لمسلم عرف الاسلام أن يجعل أفعال هؤلاء وأقوالهم سنّة متّبعة ومصدراً من مصادر التشريع ؟ وهل يبقى بعد هذا الحديث «أصحابی کالنجوم» من أثر؟

و إذا كان هؤلاء هم الصحابة الذين حضروا مجالس النبيّ وتعلّموا منه يقولون مثل هذه الأقوال ، فكيف تكون حال من جاء بعدهم وأخذ عنهم وشارك في الفتنة؟

رابعاً: ستّة الحكّام

رابعاً: ستّة الحكّام(2)

ويسمّى عند «أهل السنّة والجماعة»: صَوافي الأمراء ، وقد استدلّوا عليه بقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3)

فأولى الأمر عندهم الحكام وإن كانوا متسلّطين بالقوة والقهر، وهم يعتقدون بأنّ الحكام اُمَّرهم الله على رقاب العباد فيجب لذلك طاعتهم والأخذ بسنّتهم.

ص: 126


1- تاریخ بغداد 14: 81.
2- الشيعة هم أهل السنّة .
3- النساء : 59.

و قد ردّ ابن حزم الظاهري على «أهل السنّة والجماعة» ردّاً عنيفاً بقوله:

بناء على ما تقولون فللاُمراء أن يُبطلوا ما شاؤوا من الشرائع التي أمر الله ورسوله بها كما لهم أن يزيدوا فيها ، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك ، وهذا كفر ممّا أجازه بلا خلاف».(1)

خامسا: بقية مصادر التشريع عند أهل السنّة»

خامسا: بقية مصادر التشريع عند أهل السنّة»(2)

و نذكر منها القياس والاستحسان والاستصحاب وسدّ باب الذرائع والاجماع فمشهورة جداً ومعروفة عندهم.

و قد اشتهر الإمام أبو حنيفة بالعمل والقياس وردّ الأحاديث ، كما اشتهر الإمام مالك بالرجوع لعمل أهل المدينة وسدّ باب الذرائع ، واشتهر الإمام الشافعي بالرجوع إلى فتاوي الصحابة وقد رتّبهم على أقسام ودرجات ، فقال بأولوية العشرة المبشّرين بالجنة ، ثمّ المهاجرين الأوّلين ، ثمّ الأنصار ، ثمّ مسلمة الفتح ويقصد بهم الطلقاء والذين أسلموا بعد فتح مكة.(3)

كما اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعدم الاجتهاد والابتعاد عن الفتوى وأخذه برأي أي صحابی کان.

فقد نقل عنه الخطيب البغدادي أنّ رجلاً سأله عن مسألةٍ في الحلال والحرام، فقال له أحمد : سَل عافاك الله غيرنا، قال: إنّما نريد جوابك يا أبا عبدالله، قال: سَل عافاك الله غيرنا ، سَل الفقهاء سَل أبا ثور.(4)

ص: 127


1- ابن حزم في ملخص إبطال القياس : 37.
2- الشيعة هم أهل السنّة.
3- مناقب الإمام الشافعي 1: 443.
4- تاریخ بغداد 2ک 66.

ولا شكّ بأنّ أحمد بن حنبل هو الذي أوحي بفكرة عدالة الصحابة كلّهم بدون استثناء فأثّر مذهبه في «أهل السنّة والجماعة».

فقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد بالإسناد عن محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال : قلت لأحمد بن حنبل : إذا اختلف أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في مسألة ، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم، لنعلم مع مَن الصواب منهم ، فنتبعه؟

فقال لي : لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقلت : كيف الوجه في ذلك؟

قال: تُقلّد أيّهم أحببت .

و نحن نقول : وهل يجوز تقلید مَن لا يعرف الحقّ من الباطل ؟ وغريب أن يفتي أحمد وهو الذي يتهرّب من الفتوى ، بتقليد أي صحابي أحبّ و بدون النظر في أقوالهم لمعرفة الصواب!

الأحاديث النبوية عند أهل السنّة» متناقضة

اشارة

الأحاديث النبوية عند أهل السنّة» متناقضة(1)

إذا رجعنا إلى تناقض الأحاديث عند أهل السنّة والجماعة» فهي كثيرة جداً تفوق الحصر ، وإليك هذا المثال على صحّة كلامنا هذا:

جاء في صحيح مسلم وفي شرح الموطأ لجلال الدين السيوطي عن أنس ابن مالك قال: صلّيت خلف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم .

وفي رواية أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان لا يجهر بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم.

ص: 128


1- الشيعة هم أهل السنّة.

قال: وقد روي هذا الحديث عن أنس قتادة و ثابت البناني و غيرهم وكلّهم أسنده و ذكر فيه النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلّا أنّهم اختلف عليهم في لفظه اختلافاً كثيراً ، مضطرباً و متدافعاً ، فمنهم من يقول فيه : كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول : كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول :

كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من قال : كانوا لا يتركون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من قال : كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله ربّ العالمين .

قال: و هذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء .(1)

والسبب في هذا التناقض والاضطراب هو اتباع سنّة بني اُميّة الذين حاولوا تغییر کلّ سنّة للنبي صلی الله علیه و آله و سلم كان علي بن أبي طالب يتمسّك بها ويعمل على إحيائها ، فقد ذكر الإمام النيسابوري في تفسير غرائب القرآن وبعد ذكره للروایات المتناقضة عن أنس بن مالك قال : «وفيها تهمة اُخرى، وهي أنّ ّعلیّاً علیه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، ولما كان زمن بني اُميّة بالغوا في المنع من الجهر سعياً منهم في إبطال آثار علي بن أبي طالب علیه السلام، فلعلّه إنّما خاف منهم فلهذا اضطربت أقواله»(2)

و روايات أنس بن مالك نشمّ فيها دائماً التزلّف لإرضاء بني اُمية الذين أطروه وأغدقوا عليه الأموال و بنوا له القصور الفخمة لأنّه من المناوئين لعلي علیه السلام.

و يظهر بغضه لأمير المؤمنين من قصة الطير المشوي عندما قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم :

«اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير» ، فجاء على يستأذن فرده أنس ثلاث مرّات ، ولما عرف النبي في المرّة الرابعة قال أنس: «ما حملك على ده مد بدلا ما فعلت»؟

ص: 129


1- تنویر الحوالك شرح على موطأ مالك 1: 103.
2- تفسير غرائب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري 1: 79.

قال أنس : رجوت أن يكون واحداً من الأنصار.(1)

لذا انّ روايته في خصوص البسملة جاءت تفوح بالولاء لمعاوية بن أبي سفيان إذ يقول: «صلّيت خلف النبي وأبي بكر و عمر و عثمان» و يعني بذلك أنّه ما كان يقبل بالصلاة وراء عليّ ، وهو بالضبط ما كان يريده معاوية وأتباعه من رفع ذكر الخلفاء الثلاثة وطمس ذکر على علیه السلام وعدم التحدّث باسمه.

فلقد حاول عليّ عليه السلام بكل جهوده في أيام خلافته إرجاع الناس للسنّة النبوية بأقواله وأفعاله وقضائه ، ولكن بدون جدوى لأنّهم شغلوه بالحروب الطاحنة ، فلم ينته من حرب إلّا وأشعلوا له حرباً اُخرى ، ولم ينته من حرب الجمل حتى اسعروا حرب صفين ولم ينته من صفين حتى أشعلوا حرب النهروان ولم ينته منها حتى اغتالوه في محراب الصلاة.

و جاء معاوية للخلافة وكان همه الوحيد هو إطفاء نور الله ، فعمل بكل جهوده للقضاء على سنّة النبي التي أحياها الإمام علي و أرجع الناس لبدع الخلفاء وخصوصاً البدع التي سنّها هو لهم ، وعمل على سبّ علي ولعنه حتى لا يذكره ذاكر إلّا بما هو مشین .

يذكر المدائني أنّ بعض الصحابة جاء إلى معاوية فقال له : «يا أمير المؤمنین أنّ علياً مات وليس هناك شيء تخافه ، فلو رفعت هذا اللعن عنه ؟ فقال معاوية : لا والله حتى يهرم عليه الكبير ويشيب عليه الصغير!

فإذا كان الإمام علي يُلعن فوق المنابر و يتقرَّب إلى الله بسبِّه ولعنه ، فما بالك بالشيعة الذين اتّبعوه ، فقد منعوا عطاءهم وحرقوا عليهم ديارهم وصلبوهم على جذوع النخل ودفنوهم أحياء .

ص: 130


1- صحيح الترمذي 5: 595 ح 3721، الرياض النضرة للطبري 3: 114.

و في الحقيقة إنّ معاوية هو حلقة من سلسلة المؤامرة الكبرى وفصل من فصولها ، ولكنّه نجح أكثر من غيره في طمس الحقائق وتقليبها ظهراً على عقب .

ولكي تتوضح حقيقة المؤامرة أكثر نذكر هنا رسالتين مهمّتين لا غنی للباحث من الوقوف عليهما:

الرسالة الاُولى: كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية
اشارة

من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:

سلام على أهل طاعة الله ، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله، أمّا بعد :

فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته ... - إلى أن قال : - فكان أوّل من أجاب وأناب و آمن وصدق وأسلم وسلم، أخوه و ابن عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام صدّقه بالغيب الكتوم وأثره على كلّ حميم ، ووقاه بنفسه كلّ هول و واساه بنفسه في كلّ خوف ، وحارب حربه و اسلم سلمه ..

وقد رأيتك تسامیه ، وأنت أنت ، وهو السابق المبرز في كلّ خير ، أول الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نيّة ، وأفضل الناس ذريّة وخير الناس زوجة ...

وأنت اللعين ابن اللعين ، لم تزل أنت و أبوك تبغيان لدين الله الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبال.

إلى أن قال : فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ووصيّه و أبو ولده ، وأول الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً ، يخبره بسره

ص: 131

و يطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن عدوه؟!...(1)

فهذه الرسالة التي كتبها محمد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكلّ باحث عن الحقيقة ، فهي تصف معاوية بأنّه ضال مضل ، وأنّه لعين ابن لعين ، وأنّه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله ويبذل الأموال لتحريف الدين ويبغي لدين الله الغوائل ، وأنّه عدو لله ولرسوله ...

ولكن الذي يهمنّا هنا هو ردّ معاوية بن أبي سفيان على هذه الرسالة ، لتعرف - أيّها الباحث - حقيقة وخفايا ودسائس التاريخ ، و تكشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي وتسببت في انحراف الاُمّة ، فإليك الرد :

ردّ معاوية على محمد بن أبي بكر

من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر .

سلام على أهل طاعة الله ، أمّا بعد :

فقد أتانی کتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما أصفی به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مع كلام كثير ألَّفته و وضعته لرأيك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب و قدیم سوابقه وقرابته من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و نصرته له و مواساته إياه في كلّ هول و خوف ، فكان احتجاجك علىَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.

فقد کنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا،

ص: 132


1- انظر هذه الرسالة في جمهرة رسائل العرب 1: 475، مروج الذهب للمسعودي 3: 11.

و فضله مبرزاً علينا ، فلما اختار الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما ، فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتى قبضهما الله وانقضى أمرهما ، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرتهما ، فعبته أنت و صاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما .

فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فستری وبال أمرك ، وقس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ ، ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدرك ذو مدى أناته .

أبوك مهّد له مهاده ، وبنی ملکه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبد به و نحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام على من أناب ورجع من غوايته و تاب.(1)

و نستنتج من هذا الرد بأنّ معاوية لا ينكر فضائل عليّ بن أبي طالب و مزاياه ، ولكنّه تجرّأ عليه احتذاء بأبي بكر و عمر ، ولولاهما لما استصغر شأن علىّ ولا تقدم عليه أحد من الناس ، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهّد البني اُميّة و هو الذي بني ملكهم و شاده.

ص: 133


1- جمهرة رسائل العرب 1: 477، مروج الذهب للمسعودي 3: 12.

و نفهم كذلك من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتد برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولم يهتد بهديه ، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما .

و لتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة الثانية والتي ردّ فيها یزید بن معاوية على ابن عمر ، وهي على اختصارها ترمي نفس المرمی :

الرسالة الثانية : كتاب عبدالله بن عمر إلى يزيد بن معاوية
اشارة

أخرج البلاذري في تاريخه قال :

لمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى یزید بن معاوية جاء فيها:

أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، و حدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسین .

ردّ يزيد على كتاب ابن عمر
اشارة

فكتب إليه يزيد:

أمّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، و فرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها! فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنَّ هذا و استأثر بالحقّ على أهله.

و في ردّ معاوية على ابن أبي بكر ، و ردّ يزيد على ابن عمر نجد نفس المنطق ونفس الاحتجاج ، وهو لعمري أمر ضروري يقرّه الوجدان ، ويدركه كلّ عاقل ولا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وأبنه یزید .

ص: 134

مخالفة أهل السنة والجماعة للسنن النبوية.
اشارة

مخالفة أهل السنة والجماعة للسنن النبوية.(1)

1- نظام الحكم في الاسلام

يرى «أهل السنّة والجماعة» بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم ينصّ على أحد وترك الأمر شوری بین الناس ليختاروا من شاؤوا ، فهذه هي عقيدتهم في الخلافة ، وقد أطبقوا على ذلك من يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم وإلى اليوم.

والمفروض أن يعمل أهل السنّة والجماعة بهذا المبدأ الذي يؤمنون به ويدافعون عنه بكل جهودهم، غير أنّ البحث يوقفنا على أنّهم عملوا عكس ما يعتقدون وبقطع النظر عن بيعة أبي بكر التي سموها هم أنفسهم بأنّها فلتة وقي الله المسلمين شرّها ، فإن أبا بكر هو الذي اخترع فكرة ولاية العهد في الاسلام فعهد قبل وفاته بالخلافة لصاحبه عمر بن الخطاب .

كما عهد عمر بن الخطاب عند موته إلى عبد الرحمن بن عوف ليختار واحداً من الخمسة الذين رشحهم ويأمره بضرب أعناق المخالفين الذين يشقّون عصا الطاعة ، ولمّا وصل معاوية للخلافة طبّق هذا المبدأ (ولاية العهد) خير تطبيق إذ عيّن وليّاً لعهده ابنه يزيد ، وعیّن يزيد ولياً لعهده ابنه معاوية ، وبقیت الخلافة من ذلك الوقت يتداولها الطلقاء و أبناؤهم جيلاً بعد جيل، وكذلك فعل الخلفاء في الدولة العباسية ومن بعدها الدولة العثمانية إن أن ولّی عصر الخلافة واضمحل في عهد كمال أتاتورك.

والنتيجة هي أنّ «أهل السنّة والجماعة» يؤمنون بولاية العهد ويعتبرونها خلافة شرعية ، لا لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أمر بها ، أو أنّه عيّن ولياً عهده ، فهم ينكرون

ص: 135


1- الشيعة هم أهل السنّة.

ذلك أشد الإنكار ، ولكن لأنّ أبا بكر عهد إلى عمر وعمر عهد إلى الستة .. الخ .

أما الشيعة فقد تمسّكوا في مبدأ الإمامة بقول واحد وهو «النصب من الله ورسوله على الخليفة» فالإمامة عندهم لا تصلح إلّا بالنصّ ولا تكون إلّا للمعصوم والأعلم والأتقى والأفضل ، فلا يجوز عندهم تقديم المفضول على الفاضل ، ولذلك نراهم رفضوا خلافة الصحابة أولاً كما رفضوا خلافة «أهل السنّة والجماعة» ثانياً .

و بما أنّ النصوص التي يدّعيها الشيعة في شأن الخلافة لها وجود فعلی ومصداق حقيقي في صحاح «أهل السنّة والجماعة» فليس أمامنا إلّا الاعتراف بأنّ الشيعة هم الذين تمسّكوا بالسنّة النبوية الصحيحة.

2- القول بعدالة الصحابة يخالف صریح السنّة

إذا نظرنا إلى أفعال النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأقواله تجاه الصحابة نجده قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، فهو يغضب الله ويرضى لرضاه وكلّ صحابي خالف أمر الله سبحانه تبرّأ منه الرسول صلی الله علیه و آله و سلم كما تبرّأ ممّا صنع خالد بن الوليد في قتله بني جذيمة ، وكما غضب على اُسامة عندما جاءه ليشفع للمرأة الشريفة التي سرقت ، فقال قولته المشهورة : «ويلك أتشفع في حد من حدود الله ؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ، إنّما أهلك الله من كان قبلكم لأنّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد».

و نجده صلی الله علیه و آله و سلم أحياناً يبارك ويترضى على بعض أصحابه المخلصين ويدعو الهم ويستغفر لهم كما نجده يلعن البعض منهم الذين يعصون أوامره ولا يقيمون لها وزناً أحياناً اُخرى ، مثل قوله : «لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة» وذلك عندما طعنوا في تأميره ورفضوا الالتحاق بجيشه بحجة أنّه صغير السن.

ص: 136

فقد سار فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بما أشار به القرآن الكريم في حقّهم ، فقد رضي الله عن الصادقين منهم وغضب على المنافقين والمرتدين والناكثين منهم ، ولعنهم في العديد من الآيات المحكمات.

و كما انّ الله لا يستحي من الحقّ فكذلك رسوله صلی الله علیه و آله و سلم كان يقول لأصحابه صراحة بأنّهم سيتقاتلون على الدنيا وأنّهم سيتبعون في الضلالة سنن اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، وأنّهم سينقلبون بعده على أدبارهم ويرتدون ، وأنّهم يوم القيامة سيدخلون إلى النار ولا ينجو منهم إلّا القليل الذي عبّر عنه النبي صلی الله علیه و آله و سلم بهمل النعم، وأنّهم وأنّهم...(1)

فكيف يحاول «أهل السنّة والجماعة» إقناعنا بعد كلّ هذا بأنّ الصحابة كلّهم عدول وأنّهم في الجنة جميعاً ، وأنّ أحكامهم ملزمة لنا، وأنّ آراءهم وبدعهم واجبة الاتباع ، وأنّ الطعن على أي واحد منهم مروق عن الدين يوجب القتل ؟!

والغريب أنّك إذا قلت لأحد علماء «أهل السنّة والجماعة» القائلين بتكفير من سبّ صحابياً ، إذا قلت له : كيف لا تكفِّر معاوية وكلّ الصحابة الذين اتبعوه على سبّ ولعن علي من فوق المنابر ؟ فسيجيبك حتماً كما هو معروف : «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ »(2)

3- «أهل السنة والجماعة» ومودّة أهل البيت علیهم السلام

لا يشك أحد من المسلمين في أنّ الله سبحانه وتعالى جعل مودة أهل البيت علیهم السلام ضريبة على المسلمين مقابل منحهم الرسالة المحمدية و ما فيها من

ص: 137


1- انظر : صحيح البخاري 4: 94 - 99 و 156 و 187، وج 3 :32 ، صحیح مسلم 7: 66 حديث الحوض و ج 8: 57، مسند احمد 3: 84 و 94.
2- البقرة : 134.

فضائل النعم ، فقال عزّ وجلّ : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)

وقد نزلت هذه الآية الكريمة تفرض على المسلمين مودة العترة الطاهرة وهم علي وفاطمة والحسن والحسين بشهادة أكثر من ثلاثين مصدراً من مصادر أهل السنّة والجماعة» ، حتى قال الإمام الشافعي :

يا أهل بیت رسول الله حبّكم***فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنكم***من لم يُصل عليكم لا صلاة له

فإذا كانت محبّتهم نزل بها القرآن وجعلها فرض على أهل القبلة كافة كما اعترف بذلك الإمام الشافعي ، وإذا كانت مودّتهم هي أجر الرسالة المحمدية كما نطق صریح البیان ، وإذا كانت مودّتهم عبادة يُتقرَّب بها إلى الله ، فما بال «أهل السنّة والجماعة» لا يقيمون لأهل البيت وزناً ولا ينزلونهم إلّا دون منزلة الصحابة.(2)

ص: 138


1- الشوری : 23.
2- و «أهل السنّة والجماعة» كلّهم يقولون بتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان على عليّ بن أبي طالب ، و إذا كان علي هو سيد العترة وأفضل أهل البيت بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فإن أهل البيت عند أهل السنّة والجماعة» يأتون بعد الصحابة الثلاثة المعروفين عندهم بالخلفاء الراشدين .

الفصل الرابع: الصحابة عند الشيعة والسنّة

اشارة

ص: 139

ص: 140

الصحابة عند الشيعة والسنبة

اشارة

من أهم الأبحاث التي أعتبرها الحجر الأساسي في كل البحوث التي تقود إلى الحقيقة ، هو البحث في حياة الصحابة وشؤونهم وما فعلوه و ما اعتقدوه لاتهم عماد كل شيء، حيث ألفت في حياتهم الكثير من الكتب منها : أسد الغابة في تمييز الصحابة ، وكتاب الإصابة في معرفة الصحابة ، وكتاب میزان الاعتدال وغيرها .

الاشكال الرئيسي في هذه الكتب التها كتبت بالنحو الذي يوافق آراء حكام بني أمية وبني العباس الذين عرفوا بعدائهم لأهل البيت النبوي ، بل ولكل من يشایعهم ويتبع نهجهم ، ولهذا فليس من الإنصاف الاعتماد على أقوالهم دون الاعتماد على أقوال غيرهم من علماء المسلمين الذين اضطهدتهم تلك الحكومات.

ولولا الصحابة لما انقسم المسلمون ، فكل خلاف نراه اليوم يعود إليهم ، فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام الساعة ، وهم الذين اختلفوا في الخلافة فتوزعوا بين حزب حاکم وحزب معارض ...

الصحابة عند الشيعة

وقد استنتجت من خلال الحديث مع علماء الشيعة اهم الصحابة في نظرهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

ص: 141

1- الصحابة الأخيار الذين عرفوا رسول الله حقّ المعرفة وبايعوه على الموت وصاحبوه بصدق في القول وبإخلاص في العمل ، ولم ينقلبوا بعده ، بل ثبتوا على العهد ، وهؤلاء يذكرهم الشيعة كما يذكرهم السنة باحترام و تقدیس .

2 - الصحابة الذين اعتنقوا الاسلام واتّبعوا رسول الله ولكنّهم كانوا في بعض الأوقات لا يمتثلون لأوامره ونواهيه بل يجعلون لآرائهم مجالاً في مقابل النصوص الصريحة ، وهؤلاء يذكرهم الشيعة بأفعالهم بدون احترام ولا تقدیس .

3- المنافقون الذين صحبوا رسول الله للكيد له وقد أظهروا الاسلام وانطوت سرائرهم على الكفر ، وهؤلاء يتّفق الشيعة والسنّة على لعنهم والبراءة منهم.

وهناك قسم خاص وإن كانوا من الصحابة فهم يتميّزون عليهم بالقرابة وبفضائل خلقية ونفسية و خصوصیات اختصّهم الله ورسوله بها لا يلحقهم فيها لاحق ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.(1) وأوجب الصلاة عليهم كما أوجبها على رسوله،(2) وأوجب مودّتهم على كل مسلم،(3) وهم أولوا الامر الذين أمر بطاعتهم،(4) وهم الراسخون في العلم(5)، وهم أهل الذكر الذين قرنهم رسول الله بالقرآن في حديث الثقلين(6)

والشيعة يقتدون بهم و يقدّمونهم على كلّ الصحابة ، أمّا أهل السنّة والجماعة

ص: 142


1- الأحزاب : 33.
2- الأنفال : 41.
3- الشوری : 23.
4- النساء : 59.
5- آل عمران : 7.
6- مسند احمد5: 182، کنز العمّال 1: 44.

فإنّهم مع احترامهم لأهل البيت ، إلّا أنّهم لا يعترفون بهذا التقسيم للصحابة ولا يعدّون المنافقين في الصحابة ، بل الصحابة في نظرهم خير الخلق بعد رسول الله، ولهذا تراهم عندما يصلّون على النبي وأهل بيته يلحقون بهم الصحابة أجمعين بدون استثناء .

الصحابة عند «أهل السنة والجماعة»

الصحابة عند «أهل السنة والجماعة»(1)

بالغ «أهل السنّة والجماعة» في تنزيه الصحابة ، والقول بعدالتهم جميعاً بدون استثناء، وخرجوا بذلك عن حدود العقل والنقل عندما أنكروا على من ينتقد أحدا منهم أو يقول بعدم عدالته فضلا عن تفسيقهم ، وإليك طرفاً من أقوالهم :

يقول الإمام النووي : إن الصحابة رضي الله عنهم كلّهم ، هم صفوة الناس وسادات الاُمّة ، وأفضل ممن بعدهم ، وكلّهم عدول قدوة لا نخالة فيهم ، وإنّما جاء التخليط ممن بعدهم ، وفيمن بعدهم كانت النخالة.(2)

و يقول يحيى بن معين : كلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحدة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دجال لا يكتب عنه و عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .(3)

ويقول الذهبي : من الكبائر سبّ أحد من الصحابة فمن طعن فيهم أو سبّهم ، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين.(4)

ويقول أحمد بن حنبل : خير الامّة بعد النبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي

ص: 143


1- الشيعة هم أهل السنة
2- شرح النووي لصحیح مسلم 8: 22.
3- تهذيب التهذيب 509:1 .
4- كتاب الكبائر للذهبی : 236 - 238.

بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلى بعد عثمان ، وهم خلفاء راشدون مهدیون ، ثمّ أصحاب رسول الله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس ، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قُبل منه ، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلّده في الحبس حتى يموت أو يُراجع».

و قال الشيخ علاء الدين الطرابلسي الحنفي : من شتم أحداً من أصحاب النبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علياً أو معاوية أو عمرو بن العاص ، فإن قال : كانوا على ضلال وكفر ، قُتل ، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نکِّل نکالاً شديداً.(1)

لذا فانّ أهل السنة برون «ان الصحابة كلّهم عدول ، وأنهم جميعاً مشتركون في العدالة وإن اختلفوا في درجاتها ، وأن من كفَّر صحابياً فهو كافر ، ومن فسَّقه فهو فاسق ، وأن من طعن في صحابي فكأنّما طعن على رسول الله ».(2)

فهذه خلاصة آراء أهل السنّة في عدالة الصحابة ، أمّا المقصود من الصحابة في رأيهم فهو كلّ ما كان له الشرف في رؤية النبي !

يقول البخاري في صحيحه : من صحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه .

ويقول أحمد بن حنبل : أفضل الناس بعد صحابة الرسول من البدريين كلّ من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً ، أو رآه، وله من الصحبة على قدر ما صحبه(3).

ص: 144


1- کتاب معين الحكّام فيما يتردّد بين الخصمين من الأحكام : 187.
2- الصحابة في نظر الشيعة الإمامية للدكتور حامد حفني داود : 8-9.
3- الکفایه: 51.

رأي القرآن في الصحابة

اشارة

البحث التالي لا يتعلّق بالصحابة الّذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز في العديد من المواقع ، الّذين أحبّوا الرسول واتّبعوه وأطاعوه في غير مطمع وفي غير معارضة ولا استکبار ، ولا يتعلّق كذلك بالقسم من الصحابة الذي اشتهر بالنفاق والذين هم معرّضون للعن المسلمين جميعاً من السنّة والشيعة .

ولكن البحث يتعلّق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون ، ونزل القرآن بتوبيخهم و تهديدهم في بعض المواقع، وحذرهم الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في مناسبات اُخرى ، فالخلاف بين الشيعة والسنّة في هذا القسم من الصحابة ، فهم منزّهون عند السنّة ، وعليهم أكثر من علامة استفهام عند الشيعة .

1- محمد رسول الله

يقول الله تعالی: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا »(1)

فهذه الآية الكريمة كلّها مدح لرسول الله والصحابة الذين معه الذين هم - على الوصف الذي ذكره الله تعالى - من الشدّة على الكفار ومن الرحمة على بعضهم البعض ، و تمضي الآية الكريمة في مدح هؤلاء وذكر أوصافهم حتى تنتهي بوعده سبحانه وتعالى بالمغفرة والأجر العظيم ليس لكلّ الصحابة المذكورين

ص: 145


1- الفتح : 29 .

ولكن للبعض منهم ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فكلمة «منهم» التي ذكرها الله تعالی دلّت على التبعيض و أوحت أنّ البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الايمان والعمل الصالح.

2- آية الانقلاب

قال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1) ، فهذه الآية صريحة وجليّة في أنّ الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول مباشرة ولا يثبت منهم إلّا القليل.

3- آية الجهاد

قال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2) وهذه الآية صريحة أيضاً في أنّ الصحابة تثاقلوا عن الجهاد واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا رغم علمهم بأنّها متاع قليل ، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه وتهديده لهم بالعذاب الأليم ، واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين بهم.

4- آية الخشوع

قال تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ

ص: 146


1- آل عمران: 144.
2- التوبة : 38 و 39.

الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1) ، فإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس - حسب ما يدّعيه أهل السنّة والجماعة - لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق طيلة سبعة عشرة عاماً حتى استبطأهم الله وعاتبهم وحذّرهم من قسوة القلوب التي تجرّهم إلى الفسوق ، فلا لوم على المتأخرين من سراة قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكّة .

رأي الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في الصحابة

1- حديث الحوض

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، فقلت إلى أين ؟

فقال : إلى النار والله !

قلت : ما شأنهم ؟

قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلّا مثل همل النعم»(2)

فهذا الحديث يدلّ بوضوح على أنّ أكثر الصحابة قد بدّلوا و غيّروا ، بل ارتدّوا على أدبارهم بعده صلی الله علیه و آله و سلم إلّا القليل الذي عبّر عنه ب «همل النعم».

2- حدیث اتباع اليهود والنصارى

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر و ذراعاً

ص: 147


1- الحدید: 16.
2- صحيح البخاری 4: 94 - 99 و ص 156، و ج 3: 32، صحيح مسلم 66:7 حديث الحوض .

بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم !

قلنا : یا رسول الله اليهود والنصارى ؟

قال : فمن».(1)

فمن المعروف أنّ اليهود تمرّدوا علی موسی رسول الله وعصوا أمره و آذوه وتآمروا على أخيه هارون وكادوا يقتلونه ، وبعض الصحابة عصوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فاعترض بعضهم على الكتاب الذي أراد الرسول كتابه إليهم قبل وفاته .

و منهم من طعن بسرية اُسامة ورفض أن يخرج معه حتى بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

و منهم من تفرّق واختلف في سقيفة بني ساعدة ، فلم يقبل الخليفة الشرعي الذي نصّ عليه الرسول في غدیر خم و هو علي بن أبي طالب.

ومنهم من هدّد الزهراء بنت الرسول بحرق دارها إذا لم يخرج المتخلّفون للبيعة قهراً .

3 - حديث البطانتين

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «ما بعث من نبي ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه فالمعصوم من عصمه الله».(2)

وهذا الحديث يدلّ على أنّ الصحابة كانوا قسمين بطانة تأمر الرسول

ص: 148


1- صحيح البخاري 4: 187، صحیح مسلم 8: 57، مسند أحمد 3: 84 و 94.
2- صحيح البخاری 4: 173 ، مسند أحمد 3: 39.

بالمعروف و تحضّه عليه وبطانة تأمره بالشرّ و تحضّه عليه .

ومن مصادیق هذا الحديث ما أخرجه مسلم في صحيحه قال : سمعت عمر يقول : قسّم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قسمة فقلت : يا رسول الله لَغير هؤلاء أحق منهم أهل الصفة .

قال : فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إنّكم تسألوني بالفحش ، و تبخلوني ولست بباخل»(1)

فهذه القصة صريحة في أنّ عمر بن الخطاب ليس من البطانة التي تأمر بالمعروف و تحضّ عليه بل هو من الذين يسألون بالفحش ويأمرون بالبخل على ما جاء في حديث الرسول صلی الله علیه و آله و سلم .

4 - حديث التنافس على الدنيا

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الآن وإنّي أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها»(2)

و قد صدق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقد تنافسوا على الدنيا حتى سُلّت سيوفهم ، و مات بعضهم وهم یکنزون الذهب والفضة ، فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دینار والف فرس والف عبد وضياعاً كثيرة ، وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وألف بعير وعشرة آلاف شاة ، وترك عثمان بن عفان يوم مات مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والأراضي والضياع ...

ص: 149


1- صحیح مسلم 2: 730.
2- صحیح البخاري 100:4 .

الصحابة يشهدون على أنفسهم

1- روی أنس بن مالك أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال للأنصار : «إنّكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض».

قال أنس : فلم نصبر.(1)

2- عن العلاء بن المسيّب ، عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت : طوبى لك صحبت النبي صلی الله علیه و آله و سلم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.(2)

و إذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين الذين بايعوا النبي صلی الله علیه و آله و سلم تحت الشجرة ، و رضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً ، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنّهم أحدثوا بعد النبي وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به صلی الله علیه و آله و سلم و تنبّأ من أنّ أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم ، فهل يمكن العاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلّهم أجمعين .

3- أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال : لمّا طعن عمر جعل يألم ، فقال ابن عبّاس وكأنّه يجزعه : يا أمير المؤمنين و لئن كان ذلك لقد صحبت رسول الله فأحسن صحبته ثمّ فارقته وهو عنك راض ثمّ صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثمّ فارقته وهو عنك راض ، ثمّ صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون .

قال : أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله و رضاه فإنّما ذاك من منّ الله تعالی

ص: 150


1- صحيح البخاري 54:1 .
2- صحيح البخاری 2: 135.

منّ به علئَّ ، و أمّا ما ذكرت من صحبة أبي بكر و رضاه فإنّما ذاك من منّ الله جلّ ذكره منّ به علیّ َ ، و أمّا ما ترى من جزعی فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أنّ لي قلاع الأرض ذهباً لافتدیت به من عذاب الله عزّ وجلّ قبل أن أراه.(1)

و قد سجّل التاريخ له أيضاً قوله : ليتني كنت كبش أهلي يسمّنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبّون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديداً ثمّ أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً.(2)

كما سجّل التاريخ لأبي بكر مثل هذا ، قال : لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة : طوبى لك يا طائر تأكل الثمر و تقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك ، لوددت أنّي شجرة على جانب الطريق مرّ علىَّ جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر.(3)

و قال مرّة اُخرى : «ليت اُمي لم تلدني ، ليتني كنت تبنة في لبنة»(4)

وهذا كتاب الله يبشّر عباده المؤمنين بقوله :

«أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(5)

ويقول أيضاً : «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ

ص: 151


1- صحيح البخاري 2: 201.
2- منهاج السنّۀ لابن تيمية 3: 131 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 1: 52.
3- منهاج السنّة 3: 120 ، الریاض النضرة 1: 134.
4- منهاج السنّة 120:3 ، الرياض النضرة 1: 134.
5- يونس : 62 - 64.

أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ «نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ «نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ»(1)

فكيف يتمنّى الشيخان أبو بكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرّمه الله على سائر مخلوقاته .

و إذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزّل عليه الملائكة و تبشّره بمقامه في الجنّة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلّف وراءه في الدنيا وله البشري في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة ، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله - كما تعلّمنا ذلك - يتمنّون أن يكونوا عذرة ، وبعرة ، وشعرة، وتبنة ، ولو أنّ الملائكة بشّرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنّوا أنّ لهم مثل قلاع الأرض ذهباً لیفتدوا به من عذاب الله قبل لقائه .

أمثلة من تصرفات الصحابة

1- الصحابة في صلح الحديبية

بعد قبول الرسول بشروط صلح الحديبية وذلك في السنة السادسة للهجرة اعترض بعض الصحابة ، وجاءه عمر بن الخطاب فقال : ألست نبي الله حقّاً ؟ قال :بلی ، قال عمر : ألسنا على الحقّ و عدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قال عمر: فلِمَ تعطي الدنية في ديننا إذاً؟

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إنِي رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري» .

قال عمر : أولست کنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟

ص: 152


1- (1) فصلت : 30 - 32.

قال : «بلى ، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام»؟

قال عمر : لا.

قال : «فإنّك آتیه و مطوّف به».

ثمّ جاء عمر إلى أبي بكر وسأله نفس الاسئلة ، فقال له أبو بكر : أيّها الرجل إنّه لرسول الله وليس يعصي ربّه وهو ناصره فاستمسك بغرزه.(1)

فهل سلّم عمر بن الخطاب بما جاء في قوله تعالى : «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(2) ، أم كان في موقفه تردّد في ما أمر النبي؟ خصوصاً في قوله : أولست نبيّ الله حقّاً؟

2 - الصحابة ورزية يوم الخميس

اجتمع الصحابة في بيت رسول الله قبل وفاته بثلاثة أيّام ، فأمرهم أن يحضروا له الكتف والدواة ليكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة ، ولكن الصحابة اختلفوا ، بل انّ منهم من اتّهم الرسول بالهجر ، فغضب عليهم الرسول وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شيئاً.(3)

3- الصحابة في سريّة اُسامة

قام الرسول قبل وفاته بيومين بتجهيز جيشاً لغزو الروم ، وأمّر على هذه السرية اُسامة بن زید بن حارثة وعمره ثمانية عشر عاماً ، وقد عبّأ صلی الله علیه و آله و سلم في هذه

ص: 153


1- صحيح البخاري 2: 122، باب الشروط في الجهاد ، السيرة الحلبية 2: 706 باب صلح الحديبية .
2- النساء : 65.
3- انظر القصّة في : صحيح البخاري 3: باب قول المريض : قوموا عنّي ، صحيح مسلم 75:5 ، مسند أحمد 350:1 وج 5: 116، تاريخ الطبري 3: 193 ، تاریخ ابن الأثير 2: 320.

السرية وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين ، فطعن قوم منهم في تأمير اُسامة و قالوا : كيف يؤمّر علينا شاب لانبات بعارضيه ، فغضب النبي غضباً شديداً ممّا سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج صلی الله علیه و آله و سلم معصّب الرأس محموماً ، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض - بأبي هو و اُمّي - من شدّة ما به من لغوب ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنی عليه ثمّ قال :

«أيّها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير اُسامة ، ولئن طعنتم في تأميري اُسامه فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله ، وأيم الله إنّه كان خليقاً بالإمارة ، وإنّ ابنه من بعده لخليق بها..»(1)

ثمّ جعل صلی الله علیه و آله و سلم يحضّهم على التعجيل وجعل يقول: «جهّزوا جيش اُسامه ، انفذوا جيش اُسامه ، لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامه ...» يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون.

ما هذه الجرأة على الله ورسوله ؟! وما هذا العقوق في حقّ الرسول الأكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحیم ؟ ألم يقل الله تعالى: «َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2) وكذلك قال:«مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ »(3). فأي عذر بعد هذه النصوص الصريحة ، وماذا نقول عن قوم أغضبوا رسول الله وهم يعلمون أنّ الله يغضب الغضبه .

ص: 154


1- طبقات ابن سعد 2: 190، تاریخ ابن الأثير 2 : 317.
2- الحشر: 7.
3- الأحزاب : 36.

أئمة «أهل السنّة والجماعة» وأقطابهم.

اشارة

أئمة «أهل السنّة والجماعة» وأقطابهم.(1)

1- أبو بكر بن أبي قحافة الخليفة الأوّل .

2- عمر بن الخطّاب الخليفة الثانی .

3- عثمان بن عفّان الخليفة الثالث.

4 - طلحة بن عبيد الله .

5- الزبير بن العوّام .

6 - سعد بن أبي وقّاص .

7- عبد الرحمن بن عوف .

8- عائشة بنت أبي بكر «أمّ المؤمنین» .

- خالد بن الوليد .

10 - أبو هريرة الدوسي .

11 - عبدالله بن عمر.

12 - عبدالله بن الزبير .

فهؤلاء اثنا عشر شخصية اخترتهم من بين كثيرين من اقطاب «أهل السنّة والجماعة» لكثرة ذكرهم وتمجيدهم والثناء عليهم أو لكثرة رواياتهم وغزارة علمهم كما يزعمون .

1- أبو بكر «الصديق»

السنّة النبويّة كما عرفها العلماء : هی کلّ قول أو فعل أو إقرار لرسول صلی الله علیه و آله و سلم، وقد خالف أبو بكر السنّة بأجمعها من قول وفعل و تقریر.

ص: 155


1- الشيعة هم أهل السنة.

* من القول مثلاً : قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني»، وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة عليه كما أخرج البخاري.

و قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة» ، قاله عندما طعنوا في تأميره اُسامة و رفضوا الخروج معه والالتحاق بجيشه ، وقد تخلّف أبو بكر رغم كلّ ذلك متذرّعاً بالخلافة.

* و من الفعل مثلاً: ما فعله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مع المؤلّفةّ َ قلوبهم إذ عاملهم بالحُسنى وأعطاهم سهماً من الزكاة بأمرٍ ٍ من الله تعالى . ولكنّ أبا بكر حرمهم من ذلك الحقّ الذي نصّ عليه القرآن وفعله النبي صلی الله علیه و آله و سلم نزولاً على رغبة عمر بن الخطّاب الذي قال لهم : لا حاجة لنا فيكم.

* و من الإقرار مثلاً : ما أقربه النبي صلی الله علیه و آله و سلم من كتابة أحاديثه ونشرها بين الناس ، ولكن أبا بكر أحرقها ومنع من نشرها والتحدّث بها ، حيث روي أنّ أبا بكر جمع خمسمائة حديث للنبي صلی الله علیه و آله و سلم أحرقها بالنار ، وخطب في الناس قائلاً : لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم القرآن فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه .

أضف إلى ذلك أنّه كان يجهل كثيراً من أحكام القرآن الكريم ، فقد سئل عن الكلالة التي نزل بحكمها القرآن ، فقال : إنّي سأقول فيها برأيي فإن يكُ صواباً فمن الله وإن يكُ خطأ فهو منّي و من الشيطان.(1)

كيف لا تعجب من خليفة المسلمين الذي يُسأل عن حكم الكلالة التي أوضحها الله في كتابه ، وبيّنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في سنّته ، فيترك الكتاب والسنّة

ص: 156


1- تفسير الطبري 4: 191- 192، الدر المنثور 25:2 .

و يقول فيها برأيه ، ثمّ يعترف بأنّ الشيطان قد يستحوذ على رأيه ، وهذا ليس بغريب على خليفة المسلمين أبي بكر فقد قال غير مرّة : إنّ لي شیطاناً يعتريني .

وقد قرّر علماء الاسلام بأنّ من قال في كتاب الله برأيه فقد کفر .

أضف إلى ذلك أنّه كان يقول : «لا تحملوني على سنّة نبيّكم فإنّي لا اُطيقها» ، فإذا كان أبو بكر لا يطيق ستة النبي صلی الله علیه و آله و سلم فكيف يدّعي أتباعه وأنصاره أنّهم «أهل السنّة»، ولعلّه لا يُطيقها ، لأنّها تذكّره بانحرافه و بُعده عن صاحب الرسالة ، و إلّا كيف نفسّر قول الله تعالى: «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ٍ»(1) وقوله : «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(2) وقوله : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»(3)، وأخيراً قوله سبحانه وتعالى : «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(4)

فقول أبي بكر بأنّه لا يطيق ستنّة النبي هو ردّ على هذه الآيات ، و إذا كان أبو بكر الخليفة الأول بعد النبي لا يطيق سنّته في ذلك العهد ، فكيف يُطلب من مسلمي العصر الحاضر أن يقيموا حكم الله بكتابه وسنّة نبيّه؟

و هذه الأمثلة التي أخرجناها هي غيضٌ من فيضٍ ٍ لما فعله أبو بكر تجاه السنّة النبويّة الشريفة وما لقيت منه من إهانة وحرق وإهمال ، ولو شئنا لكتبنا في ذلك كتاباً مستقلاً.

فكيف يطمئن المسلم إلى شخص هذا مبلغه من العلم وهذه علاقته بالسنّة

ص: 157


1- الحج: 78.
2- البقرة : 185.
3- البقرة : 286.
4- الحشر: 7.

النبوية الشريفة ، وكيف يتسمّى أتباعه ب «أهل السنّة» ؟؟!

فأهل السنّة لا يهملونها ولا يحرّفونها.

كلّا، بل أهل السنّة هم الذين يتّبعونها ويقدّسونها .

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ»(1)

ومن أعمال أبي بكر أيضاً:

خالف سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم في كتابة الكتاب وأيّد عمر في قوله: «إنّ رسول الله هجر وحسبنا کتاب الله يكفينا».

كما ضرب بنصوص النبيّ في استخلاف على عرض الجدار واغتصب الخلافة .

كما ترك سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم في حرب و قتل المسلمين الذين منعوه الزكاة .

كما ترك سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم في حرقه الفجاءة السلمي وقد نهى النبي عن ذلك .

كما ترك سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم في استخلافه عمر على المسلمين دون مشورتهم.

2- عمر بن الخطاب «الفاروق»

يعتبر عمر بطل المعارضة للسنّة النبويّة ، وذلك كما يلي:

1- قوله : إنّ رسول الله يهجر وحسبنا کتاب الله يكفينا ، وسحب قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، فإنّ عمر هو الذي تسبّب في ضلالة من ضلّ في هذه الاُمّة.(2)

ص: 158


1- آل عمران : 31 - 32.
2- دليل ذلك قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدأ ، و قول ابن عبّاس : لو كتب ذلك الكتاب ما اختلف من الاُمّة اثنان ، ولمّا كان عمر هو الذي منع رسول الله من الكتابة واتّهمه بالهجر کی لا يضرُ النبي على الكتابة ، عرفنا بأنّه تسبّب في الضلالة وحرم الاُمّة الاسلامية من الهداية.

2- عمل على إهانة الزهراء وإيذائها ، فروّعها وأدخل الرعب عليها وعلى صغارها عندما هجم على بيتها وهدّد بحرقه .

3- عمل على جمع كلّ ما كتب من السنّة النبويّة فأحرقها ومنع الناس من التحدث بأحاديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم .

4 - كما خالف القرآن والسنّة في منع سهم المؤلفة قلوبهم .

5- كما خالف القرآن والسنّة في الطلاق الثلاث فجعله طلقة واحدة .

6- كما خالف القرآن والسنّة في فريضة التيمم وأسقط الصلاة عند فقد الماء.

7-كما خالف القرآن والسنّة في عدم إقامة الحدّ على خالد بن الوليد وكان يتوعّد بذلك.

8- كما خالف السنّة النبويّة في النهي عن صلاة النافلة فابتدع التراويح .

9- كما خالف السنّة النبويّة في العطاء فابتدع المفاضلة وخلق الطبقية في الاسلام.

10 -كما خالف السنّة النبويّة بتأخیر مقام إبراهيم عن البيت إلى ما كان عليه أيّام الجاهلية ، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته : إنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم لما فتح مكة ألصق مقام إبراهيم بالبيت كما كان على عهد إبراهيم وإسماعيل علیه السلام ، لأنّ العرب في الجاهلية أخّروه إلى مكانه اليوم ، فلمّا ولي عمر بن الخطاب أخّره إلى موضعه الآن ، وكان على عهد النبي وأبي بكر مُلصقاً بالبيت.(1)

ص: 159


1- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 284 . تاریخ الخلفاء للسيوطي : 122.

فهل ترى بربّك من مرّر لعمر بن الخطاب حتى يعمد فيُميت سنّة النبي الذي أعاد ما فعله إبراهيم و إسماعيل فيُحيي عمر سنّة الجاهلية و يُعيد بناء المقام كما كان على عهدهم؟

3- عثمان بن عفّان «ذي النورين»

عثمان هو الخليفة الثالث الذي وصل إلى الخلافة بتدبير من عمر ، وهو أكثر الخلفاء عملاً برأيه واجتهاده في مقابل السنّة النبويّة ، بحيث عندما أنكر عليه الصحابة عمله قام بهم خطيباً وقال : أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد عبتم علىَّ َ أشياء ونقمتم علىِّ َ اُموراً ، قد أقررتم لابن الخطاب مثلها ، ولكنّه وقمكم وقمعكم ، ولم يجترىء أحدُ يملأ بصره منه ولا يُشير بطرفه إليه ، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عدداً وأقرب ناصراً.(1)

و الظاهر أنّ الصحابة لم ينكروا على عثمان اجتهاده ، فقد ألفوا الاجتهاد و باركوه من أوّل يوم ، ولكنّهم أنكروا عليه لمّا عزلهم و ولّي المناصب والولايات الفسّان من بني عمومته وقرابته الذين كانوا بالأمس القريب حرباً على الاسلام والمسلمين ، وقد سكت هؤلاء الصحابة على أبي بكر وعمر لأنّهما أشركاهم في الحكم وأعطياهم المناصب التي فيها المال والجاه .

والدليل أنّهم حضروا في كثير من المواقف التي غيّر فيها عثمان سنّة النبي كإتمامه صلاة السفر ومنعه من التلبية وتركه التكبير في الصلاة ومنعه من التمتّع في الحج ، فلم ينكر عليه غير علي بن أبي طالب .

والصحابة كانوا يعرفون سنّة النبي ويعمدون على مخالفتها من أجل إرضاء

ص: 160


1- تاریخ الخلفاء لابن قتيبة 1: 31.

الخليفة عثمان ، وإليك الدليل :

1- أخرج البيهقي في سننه الكبرى عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنّا مع عبدالله بن مسعود فلمّا دخل مسجد مني ، قال : كم صلّی أمير المؤمنین (یعنی عثمان) قالوا : أربعً ، فصلى أربعاً ، قال : فقلنا : ألم تحدّثنا أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم صلّى ركعتين وأبا بكر صلّى ركعتين ؟!

فقال : بلى أحدّثكموه الآن ، ولكن عثمان كان إمامةاً فما اُخالفه والخلاف شرّ.(1)

فانظر - عزيزي القاريء - إلى هذا الصحابي عبدالله بن مسعود، إذ يرى في خلاف عثمان شرّاً، ويرى في خلاف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كلّ الخير .

أفبعد هذا يقال : إنّهم أنكروا عليه عندما ترك السنّة النبوية؟!

2-روی سفیان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال : إعتلّ عثمان وهو بمنی ، فأتى علي فقيل له : صلّ بالناس .

فقال علي : إن شئتم ، ولكن اُصلي لكم صلاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم - يعني ركعتين -.

فقالوا : لا ، إلّا صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً ، فأبى علي أن يُصلّى بهم.(2)

وتجدر الاشارة أيضاً إلى أنّ عبد الله بن عمر قال : الصلاة في السفر

ص: 161


1- السنن الكبرى للبيهقي 3: 143.
2- المحلّی لابن حزم 4: 270.

ركعتان ، من خالف السنّة فقد کفر.(1)

و یهذا فقد كفّر عبدالله بن عمر الخليفة عثمان وكلّ الصحابة الذين بايعوه على بدعة إتمام الصلاة في السفر .

2- أخرج البخاري في صحيحه قال : سمعت عثمان وعليّاً (رضي الله عنهما) بين مكة والمدينة وعثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى ذلك على أهلّ بهما جميعاً قائلاً ، لبّيك عمرة وحجّة معاً ، فقال عثمان : تراني أنهی الناس عن شيء و تفعله أنت ؟

فقال علي : «لم أكن لأدع سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لقول أحد ٍ من الناس».(2)

فهل تصدّق - أيّها القارىء العزيز - بعد كلّ هذا بأنّ أتباع عثمان بن عفّان هم أهل السنّة ، وأتباع علي هم الروافض وأهل البدع ؟!

فاحكم بما أراك الله إن كنت من المنصفين ،«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا»(3)

4- طلحة بن عبيد الله

من كبار الصحابة المشهورين وأحد الستّة الذين رشّحهم عمر للخلافة ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة على زعم «أهل السنّة والجماعة» .

وإليك بعض من أعمال طلحة:

ص: 162


1- سنن البيهقي 140:3 ، أحكام القرآن للجصّاص 2: 254.
2- صحيح البخاري 2: 151 باب التمتع والاقران من کتاب الحج .
3- النساء : 58.

1- كان يؤذي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بقوله : إن مات رسول الله تزوجت عائشة فهي بنت عمّي ، فبلغ رسول الله قوله فتأذّى من ذلك.

2- لمّا نزلت آية الحجاب واحتجب نساء النبي صلی الله علیه و آله و سلم قال طلحة : أيحجبنا محمد من بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا من بعدنا ؟ فإن حدث به حدث لنزوجنّ نساءه من بعده.(1)

ولمّا تأذي رسول الله من ذلك نزل قول الله تعالی :

«وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا»(2)

3- دخل طلحة على أبي بكر قبل وفاته وقال له : ما تقول لربّك إذ ولّيت علينا فظّاً غليظاً؟ - ويعني به عمر بن الخطاب - فشتمه أبو بكر بكلام بذيء.(3)

و خذل الإمام علي وانحاز إلى صف عثمان في الشورى التي ابتدعها عمر ، وانظم إلى عثمان وبايعه بالخلافه لأنّه كان يُعطيه الصلات والهبات(4)، لذا نجد انّ ابن سعد يقول في طبقاته : لمّا مات طلحة كانت تركته ثلاثين مليوناً من الدراهم ، كان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي الف دينار ، وكان سائرها عروضاً وعقاراً.(5)

ولمّا أطمعته عائشة في الخلافة أخذ يؤلّب على صديقه عثمان ليطيح به

ص: 163


1- تفسیر ابن کثیر 3: 513.
2- الأحزاب : 53.
3- الامامة والسياسة لابن قتيبة : 82.
4- الطبري 4: 405، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 16.
5- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 222.

ويأخذ مكانه ، لذا نجد عثمان أيام حصاره يقول : ويلي على ابن الحضرمية - یعنی طلحة - أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي ويحرّض على نفسي ، اللهمّ لا تمتّعه به ولقّه عواقب بغيه.(1)

و لهذا كذلك ، نجد أنّ عائشة كانت لا تشكّ في أنّ الخلافة ستؤول إلى ابن عمّها طلحة ، ولمّا بلغها مقتل عثمان وأنّ الناس قد بايعوا طلحة فرحاً فرحة شديداً وقالت : «بُعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذَا الإصبع إيه أبا شب ، إيه ابن عم ، لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤاً». .

ولكنها بعد أن وصل الخبر اليقين ببيعة علي بن أبي طالب قالت : «لیت السماء اطبقت على الأرض ، والله لقد قتل عثمان مظلوماً !» .

ثمّ بعد ذلك نرى طلحة أوّل من يُبايع الإمام عليّاً بعد مقتل عثمان ، ثمّ پنکث بیعته ويلتحق بعائشة ابنة عمّه في مكّة ، وينقلب فجأة للمطالبة بدم عثمان ، سبحان الله ! هل يوجد بهتان أكبر من هذا؟!

ولذا نجد الإمام عليّ يخاطب طلحة في المعركة قائلاً : اُنشدك الله يا طلحة أسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : «من کنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»؟

قال : نعم ، فقال له : فلم تُقاتلني؟!

وكان جوابه : الطلب بدم عثمان ، وكان ردّ علي : قتل الله أولانا بدم عثمان .

واستجاب الله دعوة علي ، فقُتل طلحة في اليوم نفسه ، قتله مروان بن الحكم الذي جاء به طلحة لمحاربة على.

ص: 164


1- تاريخ الطبري 4: 405.

نعم ، هذه هي حقيقة طلحة بن عبيد الله عارية كما ذكرها أصحاب السنن والتواريخ من «أهل السنّة والجماعة، وبعد كلّ هذا فهم يقولون بأنّه من العشرة المبشّرين بالجنّة ، حيث يحسبون أنّ الجنّة هي فندق «هیلتون» يدخلها أصحاب الملايين والسماسرة من رجال الأعمال فيلتقي فيها القاتل والمقتول والظالم والمظلوم ويلتقي فيها المؤمن والفاسق والبر والفاجر.

5- الزبير بن العوّام

وهو أيضاً من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأوّلين ، وهو ابن صفيّة بنت عبد المطلب عمّة النبي ، وزوج أسماء بنت أبي بكر اُخت عائشة ، وأحد الستّة الذين رشّحهم عمر للخلافة ، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة على ما يقول «أهل السنّة والجماعة»..

وإليك جزءاً من سيرة الرجل :

1- بلغت تركته - حسب ما يذكر الطبري - خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعاً كثيرة في البصرة والكوفة ومصر وغيرها.

أمّا البخاري فيروي أنّه خلّف في تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف.(1)

2- ساهم في قتل الخليفة عثمان ، وعندما ساوى الإمام علي بينه وبين الناس بالعطاء ، ولم يعطه ما طلب من الإمارة ، ثمّ محاولة علىّ على محاسبة الزبير وغيره على الأموال التي جمعوها ، نكث بيعة الامام علي وخرج مطالباً بدم عثمان ، لذا نجد أنّ الإمام يقول له في ساحة المعركة : أتطلب مني دم عثمان وأنت

ص: 165


1- صحيح البخاري 4: 53.

قتلته؟(1)

وقد أخرج الحاكم في المستدرك ، قال : جاء طلحة والزبير إلى البصرة فقال لهم الناس : ما جاء بكما ؟ قالوا : نطلب بدم عثمان ، فقال الحسين : أيا سبحان الله ، أفما كانو للقوم عقول فيقولون : والله ما قتل عثمان غيركم!

لقد فعل الزبير مثل صاحبه طلحة ، غدر بعثمان وحرّض على قتله ، ثمّ بايع الإمام عليّاً طائعاً ونكث البيعة والعهد وجاء إلى البصرة يطلب هو الآخر بدم عثمان !

6- سعد بن أبي وقاص

من كبار الصحابة السابقين إلى الاسلام ، وأحد الستّة الذن رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده ، وأحد العشرة المبشرين بالجنّة على زعم «أهل السنّة والجماعة».

عيّنه عثمان والياً على الكوفة بعد أن عزله عمر عنها ، كما انّه لم يشترك في عملية قتل عثمان ، ولكنّ الغريب في سعد بن أبي وقّاص أنّه تخلّف عن بيعة أمير المؤمنين علي وهو يعرف حقّ الإمام وفضله، فقد روى العديد من فضائله منها ما أخرجه مسلم في صحيحه : قال سعد بن أبي وقّاص : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعلي : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي » ، وسمعته يقول يوم خيبر : «لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا عليّاً ... ولمّا نزلت هذه

ص: 166


1- تاريخ الطبري 5: 409، الكامل في التاريخ لابن الأثير 3: 102.

الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»(1) دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عليّاً وفاطمة و حسناً و حسیناً ، فقال : «اللهمّ هؤلاء أهلي».(2)

و أخرج النسائي في خصائصه : قال سعد : سمعت رسول الله يقول في على خصالاً ثلاثاً لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم ، سمعته يقول :

إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي»، وسمعته يقول :

«لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» ، وسمعته يقول : «أيّها الناس من وليّكم» ؟ قالوا: الله ورسوله ثلاثاً ، ثمّ أخذ على فأقامه ثمّ قال : «مَن كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».(3)

فكيف يعرف سعد بن أبي وقّاص كلّ هذه الحقائق ثمّ يمتنع عن بيعته ؟! كيف يسمع سعد قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: مَن كان الله ورسوله وليّه فعليّ وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، والذي رواه هو بنفسه ثمّ لا يواليه ولا ينصره ؟!

وكيف غاب على سعد بن أبي وقّاص حديث الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : «مَن مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، والذي رواه عبدالله بن عمر ، فيموت سعد ميتة جاهلية ناكباً عن بيعة أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن وقائد الغرّ المحجّلين ؟!

يذكر المؤرخون بأنّ سعداً جاء إلى الإمام علي معتذراً فقال : والله يا أمير المؤمنين لا ريب لي في أنّك أحقّ الناس بالخلافة وأنت أمينٌ على الدين والدنيا.

ص: 167


1- آل عمران : 61.
2- صحیح مسلم 7: 119 ، باب فضائل علي بن أبي طالب .
3- خصائص الامام النسائی : 47 و 114.

غير أنّه سیناز عك على هذا الأمر أناس ، فلو رغبت في بيعتي لك أعطني سيفاً له لسانٌ يقول لي خذ هذا ودع هذا!

فقال له على علیه السلام : «أترى أحداً خالف القرآن في القول أو العمل ؟ لقد بايعني المهاجرون والأنصار على أن أعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه ، فإن رغبت بایعت وإلّا جلست في دارك فإنّي لستُ مكرهك عليه».(1)

أليس موقف سعد بن أبي وقّاص غريباً ؟ فهو يشهد بأنّ عليّاً لا ريب فيه ، وأنه أحقّ الناس بالخلافة، وأنّه أمين على الدين والدينا ثمّ بعد هذا يطالبه بسيف ناطق کشرط على بيعته حتى يعرف به الحقّ من الباطل.

أليس هذا تناقضاً يرفضه العقلاء ؟ وهل هذا إلّا المُحال الذي يطلبه مكابرٌ عرف الحقّ من صاحب الرسالة صلی الله علیه و آله و سلم في أكثر من حدیث روی هو بنفسه منها أكثر من خمسة؟! وقد يقول قائل : والمهم أنّ سعد امتنع عن بيعة علي كما امتنع عن سبّه لما أمره معاوية بذلك كما جاء في صحيح مسلم.

ولكن هذا لا يكفي سعداً ولا يضمن له الجنّة ، لأنّ مذهب الاعتزال الذي أسّسه تحت شعار : «أنا لستُ معك ولستُ ضدّك» لا يقبله الاسلام ولا يعترف به ، لأنّ الاسلام يقول : ليس بعد الحقّ إلّا الضلال .

7- عبد الرحمن بن عوف

وهو من كبار الصحابة أيضاً ، ومن الستّة الذين رشّحهم عمر بن الخطاب للخلافة ، بل جعله رئيساً على مجلس الشورى والمقدّم عليهم جميعاً ، إذ قال :

ص: 168


1- تاریخ اعثم : 163.

و إذا اختلفتهم فكونوا في الشقّ الذي فيه عبد الرحمن بن عوف .

وهو أيضاً من العشرة المبشّرين بالجنة على اعتقاد «أهل السنّة والجماعة» .

لعب دوراً كبير لإبعاد علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد مقتل عمر ، وذلك بشرطه الذي اشترطه عليه في تحکیم سنّة الخليفتين أبي بكر وعمر ، لعلمه مسبقاً بأنّ عليّاً لا يقبل بذلك الشرط أبدأ لأنّ سنّتهما مخالفة للكتاب والسنّة النبوية .

فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأحكام قال المسور : طرقني عبد الرحمن بعد هجيع من الليل فضرب الباب حتى استيقضت ، فقال : أراك نائماً فوالله ما اكتحلتُ هذه الليلة بكبير نوم ، انطلق فادع الزبير وسعداً ، فدعوتهما له فشاورهما ثمّ دعاني فقال : ادع لي عليّاً ، فدعوته فناجاه حتی ابهارّ الليل ، ثمّ قام علي من عنده وهو على مطمع ، وقد كان عبد الرحمن يخشی من عليّ شيئاً ، ثمّ قال : ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذّن بالصبح.

فلمّا صلّی للناس من الصبح واجتمع اُولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر ، فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثمّ قال : أمّا بعد يا علي ، إنّي قد نظرتُ في أمر الناس فلم أرَهم یَعدلون بعثمان ، فلا تجعل على نفسك سبيلاً، ثمّ قال مخاطباً لعثمان : اُبايعك على سنّة الله ورسوله والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد و المسلمون.(1)

والباحث يفهم من هذه الرواية التي أخرجها البخاري بأنّ المؤامرة قد

ص: 169


1- صحيح البخاري 8: 123.

دُبّرت بليل ، ويفهم أيضاً الدهاء الذي يتمتّع به عبد الرحمن بن عوف وانّ اختیار عمر له لم يكن عفويّاً.

وتأمّل في قول الراوي وهو المسور : فدعوت له عليّاً فناجاه ثمّ قام علىّ من عنده وهو على مطمع ! وهذا يدلّنا على انّ عبد الرحمن بن عوف هو الذي أطمع عليّاً في الخلافة حتى لا ينسحب عليّ من الشورى المزيّفة ويتسبّب لهم في انقسام الامّة مرّة اُخرى كما وقع عقيب بيعة أبي بكر في السقيفة ، ويؤكّد صحة هذا الاحتمال قول المسور : «وقد كان عبد الرحمن يخشی من عليّ شيئاً».

من أجل ذلك لعب عبد الرحمن دور المراوغ المُخادع فطمأن عليّاً في الليل وهنّأه للخلافة ، ولمّا أصبح وحصر اُمراء الأجناد و حضر رؤوس القبائل وزعماء قريش عند ذلك انقلب عبد الرحمن ليفاجيء عليّاً بأنّ الناس لا يعدلون بعثمان وأنّ عليه أن يقبل وإلّا سيجعل على نفسه سبيلاً (يعني يقتلونه إن رفض البيعة لمن اختاروه وهو عثمان بن عفّان).

وإنّ الباحث ليفهم ذلك بوضوح خصوصاً عندما يقرأ هذه الفقرة الأخيرة من الرواية ، يقول المسور : «فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثمّ قال : أمّا بعد یا علي ، إنّي قد نظرتُ في أمر الناس فلم أرَهم يَعدلون بعثمان ، فلا تجعل على نفسك سبیلاً»، فلماذا يوجّه عبد الرحمن خطابه إلى علي وحده من بين الحاضرين ، ولماذا لم يقل مثلاً : أما بعد يا علي ويا طلحة ويا زبير؟!

من أجل ذلك فهمنا بأنّ الأمر دُبِّر بليل وأنّ الجماعة كانوا متّفقين من البداية على عثمان و ابعاد علي عنها .

ولكن ماذا كانت النتيجة ؟

ص: 170

.

يقول المؤرخون بانّ عبد الرحمن بن عوف ندم أشد الندم لمّا رأى عثمان خالف سنّة الشيخين وأعطى المناصب والولايات إلى أقاربه وحاباهم بالأموال الطائلة ، فدخل عليه وعاتبه وقال : إنّما قدمتُك(1) على أن تسير فينا بسيرة أبي بکر وعمر فخالفتهما وحابیت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين .

فقال عثمان : إنّ عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله .

قال عبد الرحمن : لله علىّ َ أن لا أكلّمك أبداً ، فلم يكلّمه حتى مات وهو هاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم یُكلّمه.(2)

وبهذا يكون الله سبحانه قد استجاب دعاء الإمام علي في عبد الرحمن كما استجابه في طلحة والزبير فقتلا من يومهما .

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج : إنّ عليّاً غضب يوم الشوری وعرف ما دبّره عبد الرحمن بن عوف فقال له: «والله ما فعلتها إلّا لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ الله بينكما عطر منشم»(3)

واستجاب الله دعاء الامام فلم تمض سنوات قليلة حتى ضرب الله بينهما العداوة والبغضاء ، وإذا بعبد الرحمن یُعادي صهره ولا يكلّمه حتى الموت ولا يأذن له بالصلاة على جنازته.

ص: 171


1- قوله : إنّما قدّمتُك يدلُ على الاستبداد برأيه ولم يكن عن مشورة ولا عن اختيار الناس له کما يزعمون .
2- تاريخ أبي الفداء 1: 166 ، أنساب الأشراف للبلاذری 5: 57، العقد الفريد 4: 280.
3- شرح نهج البلاغة 1: 188، و عطر منشم الذي دعا به علي عليهما فهو مَثل سائر يُقال : أشأم من عطر منشم وهو يدلّ على النفور والمقاتلة .
8- عائشة بنت أبي بكر «أم المؤمنین»
اشارة

هي زوج النبي صلی الله علیه و آله و سلم واُمّ المؤمنين ، تزوجها النبي صلی الله علیه و آله و سلم في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة و توفّي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة على أشهر الأقوال .

ولقب اُمّ المؤمنين هذا لا يختصّ بعائشة ، فهو يطلق على كلّ امرأة تزوجها الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، فيُقال اُمّ المؤمنين خديجة ، واُمّ المؤمنین حفصة .. الخ.

قال تعالى : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ»(1)

لا نريد هنا إطالة البحث وسرد أدوار حياة عائشة ، فقد وافينا البحث عنها في كتاب «فاسألوا أهل الذكر» فعلى الباحثين مراجعته إن أرادوا معرفة ذلك .

ولكن الذي يهمنا من هذا البحث هو اجتهادها و تغييرها لسنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ولا بدّ من إبراز بعض الأمثلة لكي نفهم من خلال سلسلة هؤلاء «العظماء» الذين هم مفخرة «أهل السنّة الجماعة» والذين يقتدون بهم ويقدّمونهم على الأئمّة الطاهرين من عترة النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

أ. عائشة في حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم
اشارة

وإذا ما بحثنا حياتها مع زوجها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وجدنا الكثير من الذنوب والمعاصي ، فكانت كثيراً ما تتآمر مع حفصة على النبي حتى اضطرته إلى تحريم ما أحلّ الله له كما جاء ذلك في البخاري ومسلم تظاهرتا عليه أيضاً كما أثبت ذلك كلّ الصحاح وكتب التفسير وقد ذكر الله الحادثتين في كتابه العزيز .

كما كانت الغيرة تسيطر على قلبها وعقلها فتتصرف بحضرة النبي تصرّفاً بغير احترام ولا أدب ، فمرّة قالت للنبي صلی الله علیه و آله و سلم عندما ذكر عندها خديجة : ما لي

ص: 172


1- الاحزاب: 6.

ولخديجة ، إنها عجوز حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها ، فغضب لذلك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى اهتزّ شعره،(1) ومرّة اُخرى بعثت إحدى اُمّهات المؤمنين للنبي (وكان في بيت عائشة) بصحفة فيها طعام كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يشتهيه ، فکسّرت الصحفة أمامه بطعامها.(2)

وقالت للنبي مرّة اُخرى : أنت الذي تزعم أنّك نبي الله.(3)

ومرة غضبت عنده فقالت له : اعدل ، وكان أبوها حاضراً فضربها حتی سال دمها.(4)

وبلغ بها الأمر من كثرة الغيرة أن تكذب على أسماء بنت النعمان لمّا زُقّت عروساً للنبي صلی الله علیه و آله و سلم فقالت لها : أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له أعوذ بالله منك ، وغرضها من وراء ذلك هو تطليق تلك المرأة البريئة الساذجة والتي طلقها النبي بسبب هذه المقالة.(5)

وقد بلغ من سوء أدبها مع حضرة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم أنّه كان يصلّي وهي باسطة رجليها في قبلته ، فإذا سجد غمزها فقبضت رجليها ، وإذا قام أعادت بسطتهما في قبلته.(6)

وتآمرت هي وحفصة مرّة اُخرى على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتی اعتزل نساءه

ص: 173


1- صحيح البخاري 4: 231. باب تزويج النبی صلی الله علیه و آله و سلم خديجة .
2- صحيح البخاري 6: 157، باب الغيرة.
3- إحياء علوم الدين للإمام الغزالي 2: 29 کتاب أدب النكاح .
4- کنز العمّال 116:7.
5- الطبقات الكبرى لابن سعد 8: 145 ، الاصابة لابن حجر 4: 233.
6- صحيح البخاري 101:1 ، باب الصلاة على الفراش .

بسببهما لمدّة شهر كامل ينام على حصير (1)، ولمّا نزل قوله تعالى : «تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ...». قالت للنبي في غير حياء : ما أری ربّك إلّا يسارع في هواك.(2)

وقد اساءت عائشة إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كثيراً وجرّعته الغُصص ولكن النبي رؤوف رحيم، وأخلاقه عالية وصبره عميق ، فكان كثيراً ما يقول لها: «ألبسك شیطانك يا عائشة» وكثيراً ما كان يأسي لتهديد الله لها ولحفصة بنت عمر ، وكم من مرّة ينزل القرآن بسببها، فقد قال تعالى لها ولحفصة : «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا »، أي أنّها زاغت وانحرفت عن الحق(3)، وقوله : «إوَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌا» هو تهدید صریح من ربّ العزّة لها ولحفصة التي كانت كثيراً ما تنصاع لها وتعمل بأوامرها .

وقال الله لهما : و«عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَات» ، وهذه الآيات نزلت في عائشة وحفصة بشهادة عمر بن الخطاب كما جاء في البخاري(4)، فدلت هذه الآية لوحدها على وجود نساء مؤمنات في المسلمين خير من عائشة.

وإليك - أيّها القاريء - بعض روایاتها بشيء من التفصيل لكي تتعرف على شخصية هذه المرأة التي لعبت أكبر الأدوار في إبعاد علي عن الخلافة ، وحاربته بكل ما أوتيت من قوة ودهاء.

ص: 174


1- صحيح البخاري 3: 105، باب الغرفة و العلية المشرفة من كتاب المظالم.
2- صحیح البخاري 6: 24 و 128 باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد.
3- صحيح البخاري 3: 106، باب الغرفة و العلية من كتاب المظالم .
4- صحيح البخاري 6: 69، باب إذا أسرّ النبي إلى بعض أزواجه .

ولكي تعرف أيضاً بأنّ آية إذهاب الرجس والتطهير بعيدة عنها بُعد السماء عن الأرض ، وأنّ أهل السنّة أكثرهم ضحايا الدسّ والتزوير فهم أتباع بني اُميّة من حيث لا يشعرون .

1- قالت عائشة : «بعثت صفية زوج النبي إلى رسول الله بطعام قد صنعته له ، وهو عندي ، فلمّا رايت الجارية أخذتني رعدة حتى استقلّني أفكل ، فضربت القصعة ورميت بها، قالت : فنظر إلىَّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فعرفت الغضب في وجهه ، فقلت : أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم ، قالت: قال: أوِّلي ، قلت : وما كفّارته یا رسول الله ؟ قال : طعام كطعامها و إناء كإنائها.(1)

2 - وقالت مرّة تروي عن نفسها : قلت للنبي حسبُك من صفية كذا وكذا ، فقال لي النبي صلی الله علیه و آله و سلم «لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجتهُ».(2)

سبحان الله ! أين اُمّ المؤمنين من الأخلاق وأبسط الحقوق التي أقرها الاسلام في تحريم الغيبة والنميمة ؟ ولا شكّ بأنّ قولها : «حسبك من صفية كذا وكذا» و قول الرسول بأنّه كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ، بأنّ ما قالت عائشة في ضرّتها اُمّ المؤمنین صفيّة أمر عظيم ، وخطب جسيم ، وأعتقد بأنّ رواة الحديث استفضعوها واستعظموها فأبدلوها بعبارة (كذا وكذا) كما هي عادتهم في مثل هذه القضايا .

3- أخرج مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده و غيرهم عن عائشة قالت : لمّا كانت ليلتي التي كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه و خلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلّا .

ص: 175


1- مسند أحمد 6: 277 ، سنن النسائي 2: 148.
2- صحيح الترمذي ، وقد رواه عنه الرزکشي : 73.

1 ريثما ظنّ أن قد رقدت فأخذ رداءه رویدا وانتعل رویداً وفتح الباب فخرج ثمّ أجافهُ رويداً فجعلت درعي في رأسي و اختمرت و تقنّعت إزاري ثمّ انطلقت على إثره حتى جاء البقيع ، فقام فأطال القيام ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات ثمّ انحرف فانحرفت ، فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرت ، فسبقته فدخلت ، فليس إلّا أن اضطجعت فدخل فقال : «مالك يا عائِش حشياً رابية» ؟ قالت : فقلت : لا شيء.

قال : لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير .

قالت: قلت : يا رسول الله بأبي أنت و اُمّي فأخبرته ، قال : فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟

قلت: نعم ، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثمّ قال : أظننتِ أن يحيف الله عليك ورسوله...(1)

4 - قالت عائشة : إنّ رسول الله خرج من عندي ليلاً ، قالت : فغرت عليه ، قالت : فجاء فرأى ما أصنع فقال : «مالك يا عائشة ، أغرت»؟

فقلت : ومالی أن لا يغار مثلي على مثلك!

فقال رسول الله : «أفأخذ شیطانك»؟(2)

وهذه الرواية الأخيرة تدلّ دلالة واضحة على أنّها عندما تغار تخرج عن أطوارها و تفعل أشياء غريبة كأن تكسر الأواني أو تمزق الملابس مثلاً ، ولذلك تقول في هذه الرواية فلما جاء ورأى ما أصنع قال: أفأخذکِ شيطانك؟

وما يقوله «أهل السنّة والجماعة» من أنّ عائشة كانت أحب نساء الرسول

ص: 176


1- صحیح مسلم 3: 64 باب ما يقال عند دخول القبور ، مسند أحمد 6: 221.
2- مسند أحمد 6 : 115.

إليه وأعزّهم لديه حتى أنّهم يروون أن بعض نسائه وهبن نوبتهنّ لعائشة لمّا علمن بأنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم يحبّها ولا يصبر عليها ، فهل يمكن والحال هذه أن نجد مبرراً و تفسيراً لغيرة عائشة المفرطة؟ والمفروض أنّ العكس هو الصحيح ، أي أن تغار بقية أزواج النبي من عائشة لشدّة حبّه أيّاها و میله معها كما يروون ويزعمون .

تحذير النبي من عائشة وفتنتها

1- وقف الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لمّا عرف بأنّها هي الفتنة التي جعلها الله في هذه الاُمّة ليبتليها بها كما ابتلي سائر الاُمم السابقة ، قال تعالى : «اَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(1)

وقد حذّر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الاُمّة منها في مرّات متعدّدة حتى قام في يوم من الأيام واتّجه إلى بيتها وقال :

ها هنا الفتنة ، هاهنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان» .

وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي :قال : عن نافع عن عبد الله رضی الله عنه قال : قام النبي صلی الله علیه و آله و سلم خطيباً فأشار نحو مسکن عائشة فقال : «ها هنا الفتنة ثلاثاً ، من حيث يطلع قرن الشيطان».(2)

ولا عبرة بالزيادة التي أضافوها بقولهم : يعني المشرق ، فهي واضحة الوضع ليخقفوا بها عن اُمّ المؤمنين ويبعدوا هذه التهمة عنها .

2- جاء في صحيح البخاري : قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، بعث عليّ عمار بن یاسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا

ص: 177


1- العنكبوت : 2.
2- صحيح البخاري 4: 46.

المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعا إليه فسمعت عماراً يقول : إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها الزوجة نبيّكم صلی الله علیه و آله و سلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك و تعالی ابتلاكم ليعلّم إيّاه تطيعون أم هي.(1)

الله أكبر ، فهذا الخبر يدلّ أيضاً أنّ في طاعتها معصية لله وفي معصيتها هي والوقوف ضدّها طاعة لله .

كما نلاحظ أيضاً في هذا الحديث أنّ الرواة من بني اُميّة أضافوا عبارة والآخرة» في «إنها لزوجة نبيّكم صلی الله علیه و آله و سلم في الدنيا والآخرة» ليموّهوا على العامّة بأنّ الله غفر لها كلّ ذنب اقترفته وأدخلها جنّته وزوجها حبيبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وإلّا من أين علم عمّار بأنّها زوجته في الآخرة؟!

ب - عائشة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم
اشارة

وقد سجّل لها التاريخ کُرهاً وبغضاً للإمام علي لم يعرف له مثيل وصل بها إلى حدّ أنّها لا تطیق ذكر اسمه(2) ولا تطيق رؤيته وعندما تسمع بأنّ الناس قد بايعوه بالخلافة بعد قتل عثمان تقول : وددت لو أنّ السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب ، وتعمل كلّ جهودها للإطاحة به ، و نقود ضدّه عسكراً جرّاراً لمحاربته ، وعندما يأتيها خبر موته تسجد شكراً لله!

ألا تعجبون معي لأهل السنّة والجماعة الذين يروون في صحاحهم بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «يا علي لا يُحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق»(3)، ثمّ

ص: 178


1- صحيح البخاري 97:8 .
2- صحيح البخاري 1: 162 وج 3: 135 وج 140:5 .
3- صحیح مسلم 1: 61، صحيح الترمذي 5: 300، سنن النسائي 8: 116.

يروون في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم بأنّ عائشة تبغض الإمام علي ولا تطیق ذكر اسمه ، أليس ذلك شهادة منهم على ماهية المرأة؟

كما يروي البخاري في صحيحه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله»(1)، ثمّ يروي البخاري نفسه بأنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر ، فلم تکلمه حتی ماتت (2)، أليس ذلك شهادة منهم بأنّ الله ورسوله غاضبان على أبي بكر ؟ فهذا ما يفهمه كلّ العقلاء ، ولذلك أقول دائماً بأنّ الحق لا بدّ أن يظهر مهما ستره المبطلون ومهما حاول أنصار الأمويين التمويه والتلفيق فإنّ حجة الله قائمة على عباده من يوم نزول القرآن إلى قيام الساعة.

ومن مخالفاتها للسنّة النبوية :

1- انّها عصت أمر الله وأمر رسوله لها بالذات وخرجت فقادت حرب الجمل المشؤومة التي انتهكت فيها المحارم ، وقتلت الأبرياء وخانت العهد في الكتاب الذي كتبته مع عثمان بن حنيف وعندما جاؤوها بالرجال مكتّفين أمرت بضرب أعناقهم صبراً وكأنّها لم تسمع قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر»(3)

2 - أخرج البخاري في صحيحه من أبواب التقصير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : الصلاة أوّل ما فرضت ركعتان فاُقرّت صلاة السفر واُتمّت صلاة لو الحضر .

ص: 179


1- صحيح البخاري 210:4 .
2- صحيح البخاري 5: 82 و ج 3:8.
3- صحيح البخاري 91:8 .

قال الزهري : فقلت لعروة : ما بالُ عائشة تتمّ؟ قال : تأوّلت کما تأوّل عثمان.(1)

أفلا تعجب كيف تترك اُمّ المؤمنين زوجة النبي صلی الله علیه و آله و سلم سنّة رسول الله التي روتها بنفسها وصحّحتها، ثمّ تتّبع بدعة عثمان بن عفان والتي كانت تحرّض على قتله بدعوى أنّه غيّر سنّة النبي وأبلاها قبل أن يُبلی قميصه؟!

3 - كان عائشة تفتي برضاعة الكبير وكانت ترى انّ الرجال يمكنهم أن يرضعوا من النساء فيصبحوا بذلك من محارمهنّ ، فقد أخرج الإمام مالك في موطأه بأنّها كانت تبعث بالرجال إلى اُختها اُمّ كلثوم وإلى بنات أخيها فيرضعوا منهنّ وتستبيح اُمّ المؤمنين عائشة بعد تلك الرضاعة مقابلتهم بدون حجاب(2)،لأنّهم على رأيها أصبحوا من محارمها؟

وما علينا إلّا أن نتصوّر أحد المسلمين يُفاجىء زوجته مع أحد الرجال وهو يُداعب ثدييها بالرضاعة فتقول زوجته : إنّي أرضعه لكي يُصبح ابني ويدخل علينا بدون حرج ! وما على الزوج المسكين إلّا أن يتحمّل بدعة عائشة ولو يجد في نفسه حرجاً ممّا قضيت ويسلّم تسليماً!

9- خالد بن الوليد
اشارة

يلقّبه أهل السنة والجماعة ب«سیف الله»، كان أبوه «الوليد بن المغيرة» يعتقد بأنّه أحقّ وأولى بالنبوّة من الرسول ، فكان يقول : أينزل القرآن والنبوّة على محمد الفقير و اُترك أنا كبير قریش وسيّدها؟

ص: 180


1- صحيح البخاري 2: 36.
2- موطأ مالك 606:2، باب رضاعة الكبير.

وقد نزلت في حقّه العديد من الآيات التي تتوعّده بالنار وبئس القرار.(1)

ومن مخالفات خالد للرسول وسنّته الشريفة :

1- قام في فتح مكة بمخالفة أوامر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، حيث نهاهم عن القتال فدخل خالد إلى مكة يوم الفتح بعدما قتل أكثر من ثلاثين رجلاً أغلبهم من قریش .

2 - وعصى خالد أمر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم مرّة اُخرى عندما بعثه صلی الله علیه و آله و سلم إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الاسلام ولم يأمره بقتال ، فذهب إليهم وأوقع فيه وغدر بهم بعدما أعلنو إسلامهم وقتلهم صبراً ، حتى اتّهمه عبد الرحمن بن عوف ، الذي حضر معه تلك الوقعة ، بأنّه إنّما قتلهم ليثأر لعمّيه اللذين قتلهما بنو جذيمة.(2)

3 - ومن أعماله الاُخرى كذلك ما فعله في اليمامة أيّام أبي بكر ، وغدره بمالك بن نويرة وقومه وكيف قتلهم صبراً وهم مسلمون ودخل بزوجة مالك ونكحها في ليلتها ولم يراع في ذلك شرع الاسلام ولا مروءة العرب ، حتى أنّ عمر ابن الخطاب مع تساهله في الأحكام إلّا أنّه شنّع عليه وسمّاه عدوّ الله وتوعّده بالرجم.

أخرج الطبري في الرياض النضرة أنّه كان في بني سليم ردّة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع رجالاً منهم في الحضائر وأضرم عليهم النار فأحرقهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطالب فأتی أبا بكر فقال : تدع رجلاً يعذّب بعذاب الله عزّ وجلّ ؟

ص: 181


1- المدثر: 11- 26 ، القلم : 10-16.
2- تاریخ اليعقوبي 61:2 .

فقال أبو بكر : والله لا أشيمُ سيفاً سلّه الله على عدوّه حتى يكون هو الذي يشيمه ، ثمّ أمره من وجهه إلى مسيلمة.(1)

و هكذا عصي خالد السنّة النبوية مرّة اُخرى ، فقد أخرج البخاري أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «إنّ النار لا يُعذّب بها إلّا الله» وقوله أيضاً : «لا يعذّب بالنار إلّا ربّها».(2)

سیف الله المسلول : ومن هنا سمّى «أهل السنّة والجماعة» خالداً ب«سیف الله المسلول»، فهذا اللقب الذي اشتهر به خالد لم يقله رسول الله أبداً، وغاية ما هناك أنّ أبا بكر هو الذي أعطى لخالد هذا الوسام عندما بعثه لإسكات الثائرين عليه من أجل الخلافة وفعل بهم ما فعل و نقم عليه عمر بن الخطاب وقال الأبی بکر: «إنّ في سيف خالد لرهقاً» وهو أعرف الناس به وأقربهم إليه ، عند ذلك قال أبو بكر لعمر : إنّ خالداً سیفٌ من سيوف الله سلّه على أعدائه ، إنّه تأوّل فأخطأ!

وينبغي على الباحثين أن يراجعوا التاريخ بعين البصيرة ومن وجهة النقد البنّاء الذي يوصلهم إلى الحقيقة بكلّ تجرّد وحياد ولا تأخذهم العصبية المذهبية فيقوّموا الأشخاص من خلال الأحاديث المكذوبة على النبي صلی الله علیه و آله و سلم، لأنّ «أهل السنّة والجماعة» وهم بنو اُمية في الواقع يمسحون الأحداث التاريخية بحديث واحد يضعونه من عندهم ليقطعوا به الطريق على الباحثين فلا يصلون إلى الحقيقة .

وما أسهل أن يقول أحدهم : قال رسول الله لخالد بن الوليد: «مرحباً بسيف

ص: 182


1- الریاض النضرة 1: 149.
2- تاریخ البخاري 59:1 .

الله» ، فيأخذ هذا الحديث المكذوب مأخذه من نفوس المسلمين الأبرياء الذين يحسنون الظن ولا يعرفون خفايا الاُمور ودسائس الأمويين ، فيتأوّلون بعد هذا الحديث الموضوع كلّ ما يُقال في خالد من حقائق ويلتمسون لها عذراً.

وهذا ما يسمّى بالتأثير النفسي على الأشخاص وهو الداء العضال الذي يحجب الانسان عن الحقّ ويقلب الواقع تماماً .

فبعد أن درسنا التاريخ وعرفنا ما فعله خالد بن الوليد وعرفنا الحقّ من الباطل فلا يمكن لنا أن نسميه سيف الله ، ويحقّ لنا أن نسأل متى لقّبه رسول الله بذلك ، هلّ سمّاه سيف الله عندما قتل أهل مكّة يوم الفتح وقد عرفنا بأنّه صلی الله علیه و آله و سلم نهاه عن القتال ؟

أم عندما بعثه مع سرية زيد بن حارثة إلى مؤتة وقال : إذا قتل زید ، فجعفر ابن أبي طالب، وإذا قتل جعفر فعبدالله بن رواحة ، ولم يعيّنه حتى في المرتبة الرابعة لقيادة الجيش ، وبعد مقتل الثلاثة لاذ خالد بالفرار من المعركة بمن بقي من الجيش ؟

أم لقّبه بسيف الله عندما خرج معه إلى غزوة حنين صحبة اثني عشر ألف مقاتل فأعطى الادبار و ولی هارباً تاركاً رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في المعركة ومعه اثنا عشر رجلاً؟

وإذا كان الله يقول : «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ »(1)

فكيف يسمحُ لسيفه بالهروب؟ إنّه حقّ أمرٌ عجيب!

ص: 183


1- الأنفال : 16.
10- أبو هريرة الدوسي

و هو من الصحابة المتأخرين عن الاسلام، وعلى حسب ترتيب الطبقات لابن سعد فهو يعدّ من الطبقة التاسعة أو العاشرة.

قدم على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في آخر السنة السابعة للهجرة ، وبذلك يقول المؤرّخون بأنّ صحبته للنبي صلی الله علیه و آله و سلم لم تتجاوز ثلاث سنين(1)، على أكثر تقدير ، ومنهم من ينزل بتلك الصحبة إلى أقل من سنتين باعتبار أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعثه مع ابن الحضرمي إلى البحرين فتوفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهو بالبحرين.

ولم يكن أبو هريرة من الذين عُرفوا بجهاد أو شجاعة ، ولا من اُولئك الدهاة المفكّرين ولا من الفقهاء الحافظين ولم يكن يعرف القراءة والكتابة ، وقدم على رسول الله على ملء بطنه كما صرّح هو بذلك.

ولكنّه اشتهر بكثرة الأحاديث التي يرويها عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فبلغت مرويّاته ما يقرب من ستّة آلاف حديث ، وهذا ما ألفت نظر المحقّقين إليه ، ولأنّه مع قلّة الصحبة روى أحاديث ووقائع لم يحضرها أبداً!

وجمع بعض المحقّقين مجموع مرويّات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشّرين واُمّهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين فلن تبلغ كلّها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده.

ومن هنا توجّهت إلى أبي هريرة أصابع الاتّهام و وصفته بالكذب والوضع والتدليس وقالوا بأنّه أوّل راوية اُتّهم في الاسلام.

وعلى هذا الاساس ضربه عمر بن الخطّاب بالدرّة وقال له : قد أكثرت من

ص: 184


1- صحيح البخاري 4: 175.

الرواية وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول الله ، وذلك لرواية رواها «أنّ الله خلق السماوات والأرض والخلق فعدّ سبعة أيّام»، فلمّا سمع بذلك عمر دعاه وطلب منه إعادة الحديث ، فلمّا أعاده ضربه عمر وقال : يقول الله في ستّة أيّام وأنت تقول في سبعه؟

فقال أبو هريرة : علّني سمعته من کعب الأحبار!

فقال عمر: ما دمت لا تفرّق بين أحاديث النبي وكعب الأحبار فلا تحدّث. (1)

كما يروى أنّ الإمام علي بن أبي طالب قال : «ألا إنّ أكذب الأحياء على رسول الله أبو هريرة الدوسي».(2)

كما انّ عائشة اُمّ المؤمنين كذّبته عدّة مرّات في عدّة أحاديث رواها، فأنكرت عليه مرّة وقالت له : متى سمعت رسول الله يقول ذلك؟

فقال لها : لقد شغلك عن حديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المرأة والمكحلة والخضاب ، ولمّا أصرّت على تكذيبه و شهّرت به ، وتدخّل مروان بن الحكم وتثبّت من صحة الحديث اعترف عند ذلك أبو هريرة وقال : إنّي لم أسمعه من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وإنّما سمعته من الفضل بن العباس.(3)

و قد اشتهر أبو هريرة في حياته من بين الصحابة بالكذب والتدليس والإكثار من الأحاديث الموضوعة حتى أن بعضهم كان يستهزء به ويطلب منه وضع الأحاديث لما یرید ، فقد روي أنّ رجلاً من قريش لبس جبّة جديدة .

ص: 185


1- كتاب أبو هريرة لمحمود أبو ريّة المصري : 103.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 68.
3- صحيح البخاري 2: 232 ، موطأ مالك 1: 290 ح 11.

وأخذ يتبختر فيها ومرّ بأبي هريرة فقال له : يا أبا هريرة إنّك تكثر الحديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فهل سمعته يقول في حلّتي هذه شيئاً؟

فقال أبو هريرة : سمعت أبا القاسم يقول : إنّ رجلاً ممّن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حُلته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجلُ فيها حتى تقوم الساعة ، فوالله ما أدري لعلّه كان من قومك و رهطك.(1)

وأخرج البخاري في صحيحه أنّ أبا هريرة قال : قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من اليد السفلي ، وابدأ بمن تعول ، تقول المرأة إمّا تطعمني وإمّا أن تُطلقني ، ويقول العبد أطعمني واستعملني ، ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني».

فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟!

فقال: لا ، هذا من كيس أبي هريرة .(2)

انظر كيف يبدأ الحديث بقوله : قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ثمّ بعد ذلك عندما يُنكرون عليه ويستفهمونه ، يعترف بوضعه ويقول : هو من كس أبي هريرة !

فهنيئاً لأبي هريرة بهذا الكيس المليء بالكذب والأساطير والذي وجد له رواجاً عند معاوية وبني اُميّة واكتسب من ورائه الجاه والسلطان والأموال والقصور ، فقد ولّاه معاوية ولاية المدينة المنوّرة وبنى له قصر العقيق وزوّجه من المرأة الشريفة التي كان أبو هريرة يخدمها .

وليس اللوم على أبي هريرة ، ولكن اللوم على «أهل السنة والجماعة»

ص: 186


1- البداية والنهاية 8: 108.
2- صحيح البخاري 190:6 باب وجوب النفقة على الأهل والعيال .

الذين يجعلون من أبي هريرةّ َ راوية السنّة ، وهو يشهد بأنّه كتمها ويشهد بأنّه دلّسها وكذب عليها ويشهد أيضاً بأنّها اختلطت عليه فلم يعرف حديث النبي من حديث غيره .

و هذا كلّه من أحاديث واعترافات صحيحة جاءت في صحيح البخاري.(1)

وغيره من صحاح «أهل السنّة والجماعة»، فكيف يطمئنون لرجل طعن في عدالته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واتّهمه بالكذب ، فقال : إنّه أكذب الأحياء على النبي ، واتّهمه عمر بن الخطاب وضربه وهدّده بالنفي ، كما طعنت فيها عائشة وكذّبته عدّة مرّات ، و طعن فيه كثير من الصحابة وردّوا أحاديثه المتناقضة ؟ وكيف يصحّ بعد كلّ هذا أن يصبح أبو هريرة راوية الاسلام ويأخذون عنه أحكام الدين ؟

11- عبدالله بن عمر

من مشاهير الصحابة الذين كان لهم دور كبير في سير الأحداث التي وقعت في زمن الخفاء الثلاثة وفي عهد بني اُميّة ، و يكفي أنّ أباه عمر بن الخطاب لیکون عند «أهل السنّة والجماعة» معظماً ومحبوباً ، فهم يعدّونه من أكبر الفقهاء ومن حفّاظ «الأحاديث النبوية، حتى أنّ الإمام مالكاً اعتمد عليه في أكثر أحكامه ، كما أنّه أشبع کتاب الموطّأ من أحاديثه.

وأوّل ما يُلفت انتباهنا هو عداؤه الشديد وبغضه لسيد العترة أمير المؤمنين على بن أبي طالب ، الذي وصل به إلى حدّ الوقيعة فيه واعتباره من سوقة الناس ، وقد روّج أحاديث مكذوبة مفادها أنّهم كانوا يُفاضلون على عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم وعلى مسمع منه بأنّ أفضل الناس أبو بكر، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ الناس بعد ذلك

ص: 187


1- انظر : صحيح البخاری 30:1 و 37 و 38، باب حفظ العلم .

سواء ، فيسمع ذلك النبي ولا ينكره!(1)

وهو كما تری کذب مفضوح يضحك منه العقلاء ، فعبدالله بن عمر كان في حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم شاباً صغيراً لم يبلغ الحلم ولم يكن له مع أهل الحل والعقد شأنٌ يُذكر ولا رأيٌ يسمع ، وقد تُوفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعبدالله بن عمر في التاسعة عشر من عمره على أحسن التقادير ، فكيف يقول والحال هذه : کنّا نُفاضل في عهد النبي ؟ اللهمّ إلّا إذا كان ذلك حديث الصبيان فيما بينهم من أولاد أبي بكر وعثمان وإخوته هو ، ومع ذلك فلا يصحّ أن يُقال كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يسمع ذلك فلا ينكره !

أضف إلى ذلك أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يأذن لعبد الله بن عمر بالخروج معه إلّا في غزوة الخندق وما بعدها من الغزوات إذ بلغ عمره خمسة عشر عاماً .(2)

فلا شكّ انّه حضر غزوة خيبر التي وقعت في السنة السابعة للهجرة وسمع قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «لأعطينّ الراية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّهُ الله ورسوله كرّاراً ليس فرّاراً امتحن الله قلبه للإيمان» ، ولمّا أصبح اعطاها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب.(3)

فهل من سائل يسأل ابن عمر : لماذا اختلف المسلمون کلّهم أو جلّهم بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم فيمن يستحقّ الخلافة ومن هو أولى بها فاختلفوا في علي وأبي بكر فقط ولم يكن لأبيه عمر ولا لابن عفّان سوق رائجة في ذلك العهد؟

وهل من سائل يسأل ابن عمر : إذا كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقرّك على رأيك ، فلا يعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، فلماذا ولي عليهم قبل وفاته بيومين شابّاً .

ص: 188


1- صحيح البخاري 4: 191، صحیح مسلم 7: 114.
2- صحیح البخاري 3: 158، کتاب الشهادات ، باب بلوغ الصبیان .
3- صحيح البخاري 5: 76، صحیح مسلم 190:5 .

الانبات بعارضيه أصغر منك سنّاً وأمرهم بالسير تحت إمرته وقيادته ؟ أتراه يهجُر كما قال أبوك؟ وأخيراً هل من سائل يسأل ابن عمر : لماذا اختار جلّ الصحابة علي بن أبي طالب للخلافة بعد مقتل عمر وقدّموه على عثمان ، لولا رفضه شرط ابن عوف في الحكم بسنّة الشيخين؟(1)

ولكن عبدالله بن عمر تأثّر بأبيه ، فقد عاش خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وهو يرى علي بن أبي طالب مُبعداً ، فشبّ على ذلك البغض والحقد لعلي، وعندما بويع علي بالخلافة بعد مقتل عثمان رفض ابن عمر أن يبايع أمير المؤمنين علي ولم يتحمل البقاء في المدينة ، فخرج إلى مكة مدّعياً العمرة .

ولكنّا نرى عبدالله بن عمر يسارع إلى بيعة معاوية بن أبي سفيان الذي يقول : «إنّي لم اُقاتلكم لتصلّوا أو تصوموا أو تحجّوا ، ولكن قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك».

و نراه يسارع لبيعة یزید بن معاوية ، يزيد الخمور والفجور والكفر والفسوق، الطليق ابن الطليق، اللعين ابن اللعين.

فإذا كان عمر بن الخطاب يقول -كما ذكره ابن سعد في طبقاته -: «لا تصلح الخلافة لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح» (2)، فكيف يخالف عبدالله أباه في هذا المبدأ الذي سطره من قبل؟ وإذا كان عبدالله بن عمر يخالف كتاب الله وسنّة رسول الله في أمر الخلافة فلا نستغرب أن يعمل بعكس رأي أبيه .

والمعروف أنّه هو نفسه كان من المعارضين لبيعة يزيد في البداية ، ولكنّ معاوية عرف كيف يستميلهُ فأرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر له البيعة

ص: 189


1- تاريخ الطبري 4: 238، تاریخ الخلفاء للسيوطي : 154 ، وكذلك مسند أحمد 1: 75.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 342.

لابنه يزيد قال ابن عمر : هذا ما أراد؟ إنّ دیني إذن علیِّ لرخيص.(1)

ولم يكتف عبدالله بن عمر بهذا الحدّ من البيعة إلى يزيد فحسب ، بل عمل على حمل الناس عليها وردّهم إليها وخوّف كلّ من تحدّثه نفسه بالخروج عليها .

فقد أخرج البخاري في صحيحه بأنّ عبد الله بن عمر جمع ولده وحشمه ومواليه - وذلك عندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية - فقال لهم: إنّا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ! و إنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذا غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجلٌ رجلاً على بيع الله ورسوله ثمّ ینکث بيعته(2) ولا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد ولا يشركنّ أحدٌ منكم في هذا الأمر فيكون صیلماً بيني , بغا وبينه.(3)

ولقد قوي بطش یزید بموالاة عبدالله بن عمر له وتحريضه الناس على بيعته ، فجهّز جيشاٌ بقيادة مسلم بن عقبة من أكابر الفاسقين وأمره بالسير إلى مدينة الرسول وأباح له أن يفعل فيها ما يشاء فقتل عشرة آلاف من الصحابة وسبي نساءهم وأموالهم وقتل سبعمائة من حفاظ القرآن على ما يذكره البلاذري ، وهتك الحرمات من الحرائر المسلمات حتى ولدن من سفاح أكثر من ألف مولود ، وأخذ منهم البيعة على أنهم كلهم عبيد لسيّده یزید.

أفلم يكن عبدالله بن عمر شریکه في كلّ ذلك ، إذ عمل على دعمه و تأييده؟ أترك الاستنتاج في ذلك إلى الباحثين!

ولم يقف عبدالله بن عمر عند هذا الحدّ، بل تعدّاه إلى بيعة مروان بن الحكم

ص: 190


1- أنساب الأشراف للبلاذري 4: 38، الاستیعاب لابن عبد البر 2: 396
2- ليت ابن عمر قال هذا لطلحة والزبير اللذين نكثا بيعتهما لعلي وحارباه.
3- صحیح البخاري 1: 166، مسند أحمد 2: 48.

الوزغ اللعين والطليق الفاجر الذي حارب عليّاً وقتل طلحة وفعل الأفاعيل، من حرق بيت الله الحرام ورميها بالمجانيق حتى هدم ركنها ، وقتل فيها عبد الله بن الزبير ، وأعمال أخرى يندى لذكرها الجبين.

ثمّ يذهب ابن عمر في البيعة أشواطاً ويذهب إلى بيعة الحجّاج بن يوسف الثقفي الزنديق الأكبر الذي كان يستهزيء بالقرآن ويقول : ما هو إلّا رجز الأعراب ، ويفضّل على رسول الله سیّده عبد الملك بن مروان ، والذي يقول عنه الترمذي في صحيحه : أحصى ما قتل الحجاج صبراً فوجد مائة وعشرون ألفاً.(1)

و قال ابن عساكر في تاريخه بعد ذكر من قتلهم الحجّاج: و وجد في سجنه بعد موته ثمانون ألفاً منهم ثلاثون ألف امرأة.(2)

هذا الحجّاج الذي تنبّاً به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل وفاته فقال: «إنّ في ثقيف كذّاباً ومُبيراً » ، والغريب أنّ رواي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر نفسه.(3)

نعم، لقد ترك عبدالله بن عمر بيعة خير البشر بعد النبي ولم ينصره ولم يصلّ وراءه فأذلّه الله سبحانه وذهب إلى الحجاج يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول:«من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، فاحتقره الحجاج وأعطاه رجله قائلاً : إنّ يدي مشغولة ، فبايعه ! وكان يصلّي خلف الحجاج الزنديق وخلف واليه نجدة بن عامر رأس الخوارج.(4)

ولذلك نجد مذهب أهل السنّة والجماعة» يفتون بالصلاة وراء البر والفاجر، وراء المؤمن والفاسق وذلك استناداً لما فعله سيّدهم وفقیه مذهبهم

ص: 191


1- صحيح الترمذي 4: 433.
2- تاریخ ابن عساکر 4: 249.
3- صحيح الترمذي 4: 433، مسند أحمد 91:2 .
4- الطبقات الكبرى لابن سعد 4 : 149، المحلّی لابن حزم 4: ص 213.

عبدالله بن عمر .

هذا جزء يسير من مخالفات عبدالله بن عمر للسنّة النبوية ، ولو شئنا لجمعنا في ذلك كتاباً مستقلاً، ولكن يكفينا ذكر بعض الأمثلة من كُتبهم وصحاحهم حتى تكون حجّتنا بالغة:

1- قال الله في كتابه العزيز : «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»(1)، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا علي أنت تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقین» .

فيخالف عبدالله بن عمر نصوص القرآن والسنّة النبوية ويقول برأيه : لا اُقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب.(2)

2 - رخّص النبي صلی الله علیه و آله و سلم للنساء إذا کنّ محرمات أن يلبسن الخفّين ، وكان ابن عمر يفتي بحرمة ذلك.(3)

3- أنكرت عليه عائشة عدّه فتاوی کان يفتي بها ، منها : كان يفتي بأنّ القُبلة توجب الوضوء، أو فتواه بأنّ الميّت يُعذّب ببكاء الحي عليه ، وكذلك في أذان الصبح وفي قوله بأنّ الشهر تسعة وعشرون يوماً ، كما عارضته في عدّة مسائل اُخرى.(4)

وتكفينا شهادة عمر بن الخطاب في ابنه عبد الله عندما قال له أحد المتملّقين ، وهو على فراش الموت : إستخلف عبدالله بن عمر، فقال له : كيف استخلف عليهم من لا يعرف كيف يطلّق زوجته؟

ص: 192


1- الحجرات: 9.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 110.
3- سنن البيهقي 51:5 ، مسند أحمد 2: 29 .
4- صحيح البخاري 2: 89.

من روايات البخاري ومسلم

اشارة

من روايات البخاري ومسلم(1)

فضائل يبطلها العقل والواقع

يمتاز صحيحي البخاري ومسلم بأهمية بالغة لدى أهل السنّة والجماعة حتى أصبحا عند عامة المسلمين المرجعين الأساسيين والمصدرين الأولين في كلّ المباحث الدينية وأصبح من العسير على بعض الباحثين أن يصرّحوا بما يجدوه من تهافت و تناقض و منکرات فيتقبّلونها على مضض ولا يكاشفون بها قومهم خشية منهم أو خشية عليهم ، لما في نفوسهم من احترام و تقدیس لهذين الكتابين .

و نحن إذا قدمنا علي نقدهما وتخريج بعض المطاعن عليهما ليس ذلك إلّا التنزيه نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلم وعدم الخدش في عصمته ، وإذا كان بعض الصحابة لم يسلم من هذا النقد والتجريح للغرض نفسه ، فما البخاري ومسلم بأفضل من أولئك المقربين الصاحب الرسالة.

و من الجدير ذكره هنا انّه ليس كلّ ما في البخاري هو منسوب إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقد يخرج البخاري حديثاً للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ثمّ يعقب عليه بآراء بعض الصحابة فيصبح القارىء يعتقد بأنّ ذلك الرأي أو الحديث هو لرسول الله في حين أنّه ليس له .

أضرب لذلك مثلاً :

ص: 193


1- فاسألوا أهل الذكر.

أخرج البخاري في صحيحه(1) في كتاب الجيل باب في النكاح قال :

عن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قال : «لا تُنكح البكر حتی تُستأذن ، ولا الثيب حتى تُستأمر» ، فقيل : یا رسول الله كيف إذنُها ؟ قال : «إذا سكتت» .

وقال بعض الناس إن لم تُستأذن البكر ولم تزوج فاحتال رجلٌ فأقام شاهدي زوړٍ ٍ أنّه تزوجها برضاها فأثبت القاضی نکاحها والزوج يعلم أنّ الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها وهو تزویج صحيح.

فانظر قول البخاري (بعد حديث النبي صلی الله علیه و آله و سلم) وقال بعض الناس! فلماذا يُصبح قول بعض الناس (وهم مجهولون) بأنّ النكاح بشهادة الزور هو نكاح صحيح ، فيتوهّم القارىء بأنّ ذلك هو رأي الرسول ، وهو غير صحيح.

البخاري ومسلم يذكران أي شيء لتفضيل أبي بكر وعمر

1- أخرج البخاري في صحيحه من کتاب بدء الخلق ، وأخرج مسلم في صحيحه من کتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضی الله عنه.

عن أبي هريرة قال : صلّى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم صلاة الصبح، ثمّ أقبل على الناس فقال: «بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنّا لم نخلق لهذا، إنّما خُلقنا للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ! بقرة تتكلم ؟ فقال : «فإنّي أؤمنُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر» و ما هُما ثمَّ . «وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاهٍ، فطلبه حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب : ها إنّك استنقذتها منی، فمن لها يوم السبع ، يوم لا راعي لها غيري؟» فقال الناس : سبحان الله! ذئب يتكلم؟

ص: 194


1- صحيح البخاري 9: 32.

قال : «فإنّي أؤمنُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر» وما هُما ثمَّ .َ (1)

و هذا الحديث ظاهر التكلّف وهو من الأحاديث الموضوعة في فضائل الخليفتين، وإلّا لماذا يُكذب الناس وهو من صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما يقوله لهم حتى يقول في المرّتين : أؤمنُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر ، ثمّ انظر كيف يؤكد الراوي على عدم وجود أبي بكر وعمر في المرّتين ، إنّها فضائل مضحكة لا معنى لها.

2- أخرج البخاري في صحيحه من کتاب فضائل أصحاب النبي باب قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم: لو كنت متخذاً خليلاً ، ومسلم في صحيحه من کتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن عمر بن العاص ، أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت : أيّ الناس أحبُّ إليك؟ قال : عائشة ، فقلت من الرجال ؟ قال: أبوها ، قلت : ثمّ من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فعدّ رجالاً.

وهذه الرواية وضعها الوضّاعون لمّا عرفوا أنّ التاريخ سجّل في سنة ثمان من الهجرة (يعني سنتين قبل وفاته صلی الله علیه و آله و سلم) بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث جيشاً فيه أبوبکر و عمر بقيادة عمرو بن العاص إلى غزوة ذات السلاسل، وحتي يقطعوا الطريق على من يريد القول بأنّ عمرو بن العاص كان مقدّماً في المنزلة على أبي بكر وعمر ، تراهم اختلقوا هذه الرواية على لسان عمرو نفسه للإشادة بفضل أبي بكر وعمر ، وأقحموا عائشة حتى يبعدوا الشكّ من ناحية وحتى تحظی عائشة بأفضلية مطلقة من ناحية اُخرى.

ولذلك ترى الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم يقول : «هذا تصریح

ص: 195


1- صحيح البخاري 4: 212 ، صحیح مسلم 4: 1857 ح 2388.

بعظیم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم ، فيه دلالة بيّنة لأهل السنّة في تفضيل أبي بكر ثمّ عمر على جميع الصحابة»(1)

3- أخرج البخاري في صحيحه من کتاب فضائل أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم باب مناقب عمر بن الخطاب، ومسلم في صحيحه من کتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله تعالی عنه ، عن ابن عبّاس قال : وضع عمر على سريره ، فتكنّفه الناس يدعون ويصلّون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يُرعني إلّا رجل أخذ منكبي ، فإذا عليّ ، فترحّم على عمر ، وقال : ما خلّفت أحداً أحبّ َ إلىّ َ أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيّم الله ، إن كنت لأظنُّ أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت أنّي كنت كثيراً ما أسمع النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر و عمر.(2)

و هذه كأمثالها من الروايات الهزيلة التي لم يتورّع الدجّالون لوضعها حتى على لسان علي بن أبي طالب نفسه ليقطعوا بذلك على زعمهم حجّة الشيعة الذي يقولون بتفضيل علي بن أبي طالب على سائر الأصحاب من ناحية ، وليوهموا المسلمين بأنّ عليّاً لم يكن يتظلّم ولا يتشكّي من أبي بكر وعمر من ناحية اُخرى.

بينما نجد انّ كتب المسلمين مشحونة بتظلّم على وفاطمة الزهراء ممّا فعله أبو بكر وعمر طيلة حياتهما.

فضائل عمر في روايات البخاري

هناك روايات ذكرها البخاري ومسلم رويت عن الرسول وكلّها ابتدأت

ص: 196


1- شرح صحیح مسلم 15: 153.
2- صحيح البخاري 5: 14، صحیح مسلم 4: 1858 ح 2389 .

بقوله صلی الله علیه و آله و سلم «بينما أنا نائم» وهذه الروايات تحدّثت بالطبع عن فضائل عمر بن الخطاب ، إلى درجة فضّلته على أبي بكر!

كيف لا، وبنو اُمية كانوا معجبين بشخصية ابن الخطاب الجريء على النبي ، والفظّ الغليظ الذي لا يتورّع من شيء ولا يهاب شيء، فكانوا كثيراً ما يمدحونه ويضعون الأحاديث التي تفضّله على أبي بكر.

وإليك بعض الأمثلة :

1- أخرج البخاري في صحيحه من کتاب الایمان باب تفاضل أهل الايمان في الأعمال ، وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله تعالی عنه .

عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ َ ، وعليهم قُمص ، منها ما يبلغُ الثدي ، ومنها ما دون ذلك ، وعُرض عليّ َ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرُّه ، قالوا : فما أوّلت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين.(1)

و إذا كان تأويل النبي صلی الله علیه و آله و سلم لهذه الرؤيا هو الدين فمعنى ذلك أنّ عمر بن الخطاب أفضل من كلّ الناس لأنّ الدين بالنسبة إليهم لم يبلغ إلى الثدي وما تجاوز الدين قلوبهم ، بينما عمر مليء بالدين من رأسه إلى أخمص قدميه ، وأكثر من ذلك فهو يجرّ الدين وراءه جرّاً كما يجرّ القميص ! فأين أبو بكر الصديق الذي يُرجح إيمانه إيمان الاُمّة بأكملها ؟!

2- أخرج البخاري في صحيحه من كتاب العلم باب فضل العلم ، وأخرج مسلم في صحيحه من کتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر .

ص: 197


1- صحيح البخاري 12:1 وج 4 : 15، صحیح مسلم 4: 1859 ح 2390.

عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : بينما أنا نائم أتيتُ بقدحِ ِ لبنٍ ، فشربت حتى إنّي لأرى الريّ َ يخرج في أظفاري ، ثمّ أعطيتُ فضلی عمر بن الخطاب، قالوا : فما أوّلته یا رسول الله ؟ قال: العلم.(1)

ففي هذه الرواية صراحة بانّه فاقهم أيضاً في العلم فهو أعلم الناس بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

3- أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة ، قال : سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول: بينما أنا نائم رأيتني على قليب، عليها دلو ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثمّ أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعهِ ضعف ، والله يغفر له ضعفه ، ثمّ استحالت غرباً فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريّاً من الناس ينتزع نزع عمر ، حتی ضرب الناس بعطنٍ ٍ.(2)

نعم ، كلّ هذا فضل عمر بن الخطاب في الحياة الدنيا، فلا بدّ أن يضمنوا له الجنّة في الآخرة أيضاً بمرتبة أكبر وأفضل من صاحبه أبي بكر ، وقد فعلوا.

4 - أخرج البخاري في صحيحه من کتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنّها مخلوقة ، وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر.

عن أبي هريرة قال : بينما نحن عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، إذ قال: بينما أنا نائم رأيتني في الجنّة ، فإذا امرأة تنوضّأ إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرته فولّیت مدبراً، فبکی عمر وقال : أعليك أغار یا رسول الله؟(3)

ص: 198


1- صحيح البخاري 1: 31، صحیح مسلم : 1859ح 2391.
2- صحیح البخاري 7:4، صحیح مسلم 4: 1860ح 2392.
3- صحيح البخاري 4: 112، صحیح مسلم 4: 1863 ح 2395.

وليت الأمر وقف عند هذا ، فنجد البخاري يدلّس في رواياته ، بل ينتقص من كرامة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم حفاظاً على كرامة عمر بن الخطاب ، وإليك هذه الأمثلة :

1- أخرج البخاري في صحيحه من کتاب بدء الخلق باب صفة ابلیس وجنوده ، وأخرج مسلم في صحيحه من کتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر .

عن سعد بن أبي وقّاص، قال : استأذن عمر على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ، ويستكثرنهُ ، عالية أصواتهنّ َ ، فلمّا استأذن عمر قُمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يضحك ، فقال عمر: أضحك الله سِنَّك يا رسول الله ؟ قال : «عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلمّا سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب.

قال عمر : فأنت یا رسول الله كنت أحقَّ أن يهبنَ ، ثمّ قال : أي عديّات أنفسهن ! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، قلن: نعم! أنت أفظُّ وأغلظ من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطّ سالِكاً فجّاً إلبا سلك فجّاً غير فجّك.(1)

كَبُرت كلمة تخرج من أفواهمم إن يقولون إلّا كذباً، انظر إلى فظاعة الرواية وكيف أنّ النساء يهبن عمر ولا يهبن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ويرفعن أصواتهن فوق صوت النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولا يحترمنه فلا يحتجبن بحضرته وبمجرّد سماع صوت عمر سکتن وابتدرن الحجاب.

عجبت والله من أمر هؤلاء الحمقى الذين لا يكفيهم كلّ ذلك حتى ينسبون إليه أنّه فظّ غلیظ بكل صراحة ، لأنّ عمر أفظّ وأغلظ من رسول الله ، فهي من

ص: 199


1- صحيح البخاري 4: 103، صحیح مسلم : 1893 ح 2399.

أفعال التفضيل ، فإن كانت هذه فضيلة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فعمر أفضل منه ، وإن كانت رذيلة ، فكيف يقبل المسلمون وعلى رأسهم البخاري ومسلم مثل هذه الأحاديث.

ثمّ لم يكفهم كلّ ذلك حتى جعلوا الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولا يخافه ، فلا شكّ أنّ الشيطان هو الذي استفزّ النسوة حتى يرفعن أصواتهن ويخلعن حجابهنّ ، ولكن الشيطان هرب وسلك فجّاً آخر بمجرّد دخول عمر بیت الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

2- أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحیض باب التيمم قال : جاء رجل إلى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر : لا تُصل ! فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأمّا أنت لم تصل ، وأمّا أنا فتمعّكت في التراب وصلّيت ، فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك ، فقال عمر : إتّق الله يا عمّار ! قال : إن شئت لم أحدّث به.(1)

و أخرج هذه الرواية كلّ من أبي داود في سننه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والنسائي في سننه والبيهقي وابن ماجة أيضاً.

ولكنّ البخاري لم يعجبه أن يعرف الناس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الاسلامي (وقد أخرج بأنّ عمر أعلم الناس بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم) لذا فقد تصرّف بالرواية حفاظاً على كرامة عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أصب الماء ؟ فقال عمار بن یاسر لعمر بن الخطاب : أما تذكر إنّا كنّا في سفرٍ ٍ أنا وأنت .. (2)الحديث.

ص: 200


1- صحیح مسلم 280:1 - 281 ح 368، سنن ابو داود 1: 88 ح 322، مسند أحمد 4: 265 ، سنن النسائي 1: 170، سنن البيهقي 209:1 ، سنن ابن ماجة 1: 188 ح 569.
2- صحيح البخاري 1: 92 کتاب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما.

وهو كما ترى حذف منه البخاري «فقال عمر: لا تُصلّ» لأنّها ستكشف عن مذهب عمر واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنّة حتى في حياة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

3- أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك ، وصحّحه الذهبي في تلخيصه عن أنس بن مالك قال : إنّ عمر بن الخطاب قرأ على المنبر قوله :

«فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا»، قال: كلّ هذا عرفناه فما الأبّ ، ثم قال: هذا لعمر الله هو التكلّف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ ، اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لن تعرفوه فكلوه إلى ربّه.(1)

وهذه الرواية قد نقلها أغلب المفسّرين في كتبهم وتفاسيرهم لسورة عبس كالسيوطي في الدر المنثور والزمخشري في الكشاف و ابن كثير في تفسيره والخازن في تفسيره .

ولكن البخاري وكعادته حذف الحديث و أبتره لئلّا يعرف الناس جهل الخليفة بمعنى الأبّ فروى الحديث كالآتي:

عن أنس بن مالك قال: كنّا عند عمر فقال : نهينا عن التكلّف!(2)

نعم ، هكذا يفعل البخاري بكل حدیث یشمّ منه انتقاصاً من عمر ، فكيف يفهم القاريء من هذا الحديث المبتور حقيقة الأشياء، فهو يستر جهل عمر بمعنی الأب ويقول فقط قال : نهينا عن التكلّف.

4- أخرج الحاكم في المستدرك ، وأبو داود في سننه ، والبيهقي في سننه

ص: 201


1- المستدرك للحاكم 2: 514، الدر المنثور 8: 421 - 422، الكشاف:4: 705، تفسیر ابن کثیر 4 :504 - 505 ، تفسير الخازن : 354.
2- صحيح البخاری 118:9 ، کتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب ما يكره من كثرة السؤال و تكلّف ما لا يعنيه.

وابن حجر في فتح الباري وابن الجوزي في تذكر ته وغيرهم ، عن ابن عباس أنّه قال : اُتی عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها اُناساً فأمر بها أن تُرجم، فمرّ على ابن أبي طالب فقال : ما شأنها ؟ قالوا : مجنونة بني فلان زنت ، فأمر بها عمر أن تُرجم، قال : ارجعوا بها ثمّ أتاه فقال : ألم تعلم أنّ القلم رُفع عن المجنون حتی يعقل ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم؟

فخلّى عنها عمر وقال : لولا علىّ لهلك عمر.(1)

ولكن البخاري أربكته هذه الرواية ، فكيف يعرف الناس جهل عمر باُمور الحدود التي رسمها كتاب الله وبيّنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ثمّ كيف يذكر البخاري هذه الرواية وفيها فضيلة لعلي بن أبي طالب ، فلننظر للبخاري كيف يحرّف هذه الرواية و یدلّسها.

أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة باب لا يرجم المجنون والمجنونة «قال البخاري بدون ذكر أي سند»:

وقال علي العمر : أما علمت أنّ القلم رفع عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ.

نعم ، هذا مثال حيّ لتصرف البخاري في الأحاديث فهو يبتر الحديث إذا كان فيه فضيحة لعمر ، ويبتر الحديث أيضاً إذا كان فيه فضيلة أو منقبة للإمام علي فلا يطيق تخريجه .

5- أخرج المحدّثون والمؤرخون الذين أرّخوا مرض النبي صلی الله علیه و آله و سلم و وفاته وكيف طلب منهم أن يكتب لهم كتاباٌ لن يضلّوا بعده أبداً وهو ما سُمِّي برزيّة يوم

ص: 202


1- المستدرك للحاكم 2 : 59، سنن أبو داود 4: 140 ح 4399، سنن لبيهقي 8: 364 ، فتح الباري 12: 101، تذکرة الخواص: 147.

الخميس، وكيف أنّ عمر بن الخطاب عارض وقال بأن رسول الله يهجر - والعياذ بالله -

وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، أنّه قال : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثمّ بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتدّ برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وجعه يوم الخميس ، فقال : «ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا: هَجَر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، قال : «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه» وأوصى عند موته بثلاث: «اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أجيزهم» و نسيت الثالثة.(1)

نعم ، هذه هي رزية يوم الخميس التي لعب فيها عمر دور البطولة فعارض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومنعه أن يكتب وبتلك الكلمة الفاحشة التي تعارض كتاب الله ألا وهي أنّ النبي يهجر .

والبخاري ومسلم نقلاها هنا بالعبارة الصحيحة التي نطق بها عمر ، ولم یُبدِّلاها ما دام اسم عمر غير وارد و نسبة هذا القول الشنيع للمجهول لا يضرّ.

ولكن عندما يأتي اسم عمر في الرواية التي تذكر بأنّه هو الذي تلفّظ بها يصعب ذلك على البخاري ومسلم أن يتركاها على حالها لأنّها تفضح الخليفة و تُظهره على حقيقته العارية و تكشف مدى جرأته على مقام الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، فقام البخاري ومسلم بإبدال كلمة «بهجر» بكلمة «غلب عليه الوجع»، ليبعدوا بذلك تلك العبارة الفاحشة ، وإليك ما أخرجه البخاري ومسلم في نفس موضوع الرزية:

ص: 203


1- صحيح البخاري 4: 80 کتاب الجهاد باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ، صحیح مسلم 3: 1259 ح 1637، کتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه .

عن ابن عباس قال : لمّا حضر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب ، قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده» ، فقال عمر : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا کتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي کتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم: «قوموا».

قال عبد الله بن مسعود : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بین رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.(1)

فمهما حاول البخاري من تهذيب العبارة، ومهما حاول من تغطية الحقائق، فإنّ ما أخرجه كاف وهو حجّة عليه وعلى سیّده عمر ، لأنّ لفظ «يهجر» ومعناه يهذي ، أو «غلب عليه الوجع» تؤدي إلى نفس النتيجة .

وخصوصاً إذا أضفنا إليها كلامه «عندكم القرآن حسبنا کتاب الله» و معنی ذلك أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم انتهى أمره وأصبح وجوده کالعدم.

و أنّا أتحدّى كلّ عالم له ضمير أن يتمعّن فقط في هذه الواقعة بدون رواسب و بدون خلفيات فسوف تثور ثائرته على الخليفة الذي حرم الاُمّة من الهداية وكان سبباً مباشراً في ضلالتها.

6 - أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الكسوف باب تحريض النبي صلی الله علیه و آله و سلم على صلاة الليل ، حدّثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني على بن الحسين أنّ الحسين بن علي أخبره أنّ علي بن أبي طالب أخبره

ص: 204


1- صحيح البخاري 11:6 - 12، کتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني ، صحيح مسلم 3: 1259 ح 1637، کتاب الوصية باب ترد الوصية.

أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم طرقهُ وفاطمة بنت النبي صلی الله علیه و آله و سلم ليلة فقال : ألا تصلّيان ؟

فقلت : يا رسول الله أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلىَّ شيئاً ، ثمّ سمعته وهو مولّ يضرب فخذه وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاٌ.(1)

لَاهَا الله یا بخاري ، هذا علي بن أبي طالب الذي يحدّثنا عنه المؤرّخون أنّه كان يقوم بصلاة الليل في ليلة الهرير (في حرب صفين) فيفرش نطع ويصلّي بين الصفّين والنبال والسهام تسّاقط على يمينه وشماله فلا يرتاع ولا يقطع صلاة الليل.

علي بن أبي طالب الذي أوضح للناس معالم القضاء والقدر وحمّل الانسان مسؤولية أفعاله ، تصوّره أنت في هذه الرواية بأنّه جبريّ يقول بالجبر ويجادل بها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بقوله : أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، يعني ذلك لو شاء الله أن نصلّي لصلّينا.

على بن أبي طالب الذي حبّه إيمان وبغضه نفاق ، توصفه أنت بأنّه أكثر شيء جدلاً.

إنّه کذب مفضوح لا يوافقك عليه حتى ابن ملجم قاتل الإمام ، ولا معاوية الذي كان يأمر الناس بلعنه .

ولكنّه البخاري ! الذي كبُرت عليه أن يظهر سیّده عمر بن الخطاب تاركاً للصلاة المفروضة عندما فقد الماء وبقي على مذهبه ذلك حتى في خلافته فقال: أمّا أنا فلا اُصلّی (2) متحدّياً بذلك القرآن والسنّة.

ص: 205


1- صحيح البخاري 2: 62.
2- سنن أبو دواد 1: 88.

ففتّش عن الدجّالين والوضاعين فوضعوا له هذا الحديث الذي يتّهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنّه تثاقل فلم يصلّ صلاة الليل ، وعلى فرض واحتمال صحة روايته ، فلا ضير ولا إثم ولا ذنب على عليّ لأنّها تتعلّق بصلاة النافلة التي يُثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها ، ولا يمكن أن يُقاس فعل عمر بترکه للصلاة المفروضة على ترك على الصلاة النافلة إن صحّت الرواية ، ولكن أنّی لهذه الرواية أن تكون صحيحة ولو أخرجها صحيح البخاري.

والخلاصة ، فانّ البخاري قام في صحيحه بالأعمال التالية :

1- دلّس الأحاديث التي تمسّ كرامة الصحابة خصوصاً منهم أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، وهذا ما دعا إليه معاوية والحكّام بعده .

2 - أبرز الأحاديث التي تطعن في عصمة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم وتصوّره بأنّه بشر عادي يخطىء ، وهذا ما أراده الحكّام على طول الدهر .

3- أخرج أحاديث موضوعة في مدح الخلفاء الثلاثة وفضّلهم على علي بن أبي طالب ، وهو بالضبط ما أراده معاوية للقضاء على ذكر علي حسب زعمه.

4 - أخرج أحاديث مكذوبة تمسّ بكرامة أهل البيت علیهم السلام.

5 - أخرج أحاديث اُخرى تؤيّد مذهب الجبر والتجسيم والقضاء والقدر في الخلافة وهو ما أشاعه الأمويون والعباسيون ليتحكّموا بمصير الاُمّة.

6- أخرج أحاديث مكذوبة تُشبه الأساطير والخرافات لتخدير الاُمّة وإشاعة الفوضى وذلك ما يرده الحكّام في عصر البخاري.

ص: 206

الفصل الخامس: دفاع عن عقائد الشيعة

اشارة

ص: 207

ص: 208

دفاع عن عقائد الشيعة

الشيعة في القرآن

الشيعة في القرآن (1)

قال الله سبحانه و تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(2)

يقول جلال الدين السيوطي في تفسيره للقرآن الكريم والمسمّى بالدر المنثور في التفسير بالمأثور ما نصّه :

عن أبي هريرة قال : أتعجبون من منزلة الملائكة من الله ؟ والذي نفسي بيده المنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك واقراؤا إن شئتم :

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»

وعن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله من أكرم الخلق على الله ؟

قال: «یا عائشة أما تقرئين: إ«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»

وعن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأقبل عليّ فقال

ص: 209


1- كلّ الحئول عند آل الرسول.
2- البينة : 7.

النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «والذي نفسي بيده إنّ هذا و شیعته لهُم الفائزون يوم القيامة» ، ونزلت: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فكان أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم: إذا أقبل عليّ قالوا : جاء خير البريّة .

وعن أبي سعيد مرفوعاً : علىّ خير البريّة .

وعن ابن عباس قال : لما نزلت : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي : «أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين».(1)

وعلماء السنّة الذين أوردوا هذا التفسير عند تفسيرهم للآية الكريمة كثيرون بالإضافة إلى جلال الدين السيوطي نذكر الطبري في تفسيره والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والشوكاني في فتح القدير ، والالوسي في روح المعاني ، والمناوي في كنوز الحقائق ، وغيرهم.

و على هذا الأساس المتين لا يمكن للباحثين أن يقنعوا بالأقوال التي تفترض ظهور الشيعة إلا بعد مقتل أبي عبد الله الحسين علیه السلام.

الشيعة في السنة النبوية

الشيعة في السنة النبوية(2)

لقد تحدّث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الشيعة عدة مرّات، وأثبت في كلّ مرّة بأنّ أتباع علي هم الفائزون لأنّهم ساندوا الحقّ وناصروه، وتركوا الباطل وخذلوه .

كما أثبت أيضاً بأنّ شيعة على هم شيعة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ونكتفي في هذا الموجز بالحديث الذي أخرجه ابن حجر في الصواعق المحرقة وغيره من علماء السنّة .

ص: 210


1- الدر المنثور 8: 588 - 589، تذکرة الخواص : 18.
2- كل الحلول عند آل الرسول.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي:

«أما ترضى أنّك معي في الجنّة والحسن والحسين علیهما السلام وذرّيتنا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذريتنا وشیعتنا عن أيماننا وشمائلنا».(1)

وكم مرّة نوّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعلي وشیعته فقال : «والذي نفسي بيده إنّ هذا و شیعته لهم الفائزون يوم القيامة»(2)

وبهذا يتبيّن خطأ المستشرقين وبعض الباحثين المسلمين الذين أخذوا عنهم من أنّ التشيّع هو ظاهرة سياسيّة أولدتها الظروف بعد مقتل الحسین علیه السلام .

كما يتبيّن زيف المغرضين الذين يُلصقون ظاهرة التشيّع بالفرس ، فهؤلاء کشفوا عن جهلهم وتعصبهم .

وكيف يفسّر الباحثون تشيع الصحابة للإمام علي في حياته وقد كانت الكوفة معقلاً للشيعة خلال حرب الجمل و حرب صفين في بداية الاسلام.

وكيف يُفسّر هؤلاء المغرضون وجود دول شيعية في البلاد العربية في شمال أفريقيا المغرب وتونس وفي المشرق كمصر وحلب قبل أن تعرف ایران التشيّع بمئات السنين؟ إذ أنّ دولة الأدارسة في المغرب كانت في القرن الثاني للهجرة، ودولة الفاطميّين في تونس كانت في نهاية القرن الثالث للهجرة، وحكم الفاطميون مصر في أواسط القرن الثالث للهجرة، وقامت دولة الحمدانيين الشيعية في حلب سوريا وفي العراق في القرن الرابع للهجرة أيضاً.

بينما تأخرت دولة الصفويين و تشیّع ایران إلى القرن العاشر الهجري على

ص: 211


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 161.
2- المناقب للخوارزمي الحنفی : 62.

يد الشاه إسماعيل .

وإنّ الذين يُحاولون بطريقة أو باُخرى إلصاق التشيّع بالفرس لن يتمكّنوا أبداً من ذلك ودون ذلك خرط القتاد.(1)

اضف إلى ذلك أنّ جلّ علماء أهل السنّة وأئمّتهم من الفرس لم يكونوا من الشيعة ، بل كانوا من المتعصّبين ضد الشيعة والتشيّع ، ويعترف بعض المؤرخين بأنّ الفرس كانوا يسبون عليّاً على منابرهم حتى بعد نهي عمر بن عبد العزيز عن ذلك.(2)

الشيعة في نظر «أهل السنّة»

الشيعة في نظر «أهل السنّة» (3)

إذا استثنينا بعض العلماء المعاصرين الذين أنصفوا في كتاباتهم عن الشيعة بما تفرضه عليهم الأخلاق الإسلامية ، فإنّ الأغلبية الساحقة منهم قديماٌ وحديثاٌ لا زالوا يكتبون عن الشيعة بعقلية الأمويين الحاقدين ، فتراهم في كلّ واد يهيمون ويقولون ما لا يفقهون ، ويسبّون ويشتمون ، ويتقوّلون افتراء وبهتاناً على شيعة آل البيت ما هم منه براء ، ويكفّرونهم وينبذونهم بالألقاب اقتداء بسلفهم الصالح معاوية وأضرابه ، الذين استولوا على الخلافة الاسلامية بالقوة والقهر والمكر والدهاء والخيانة والنفاق.

فمرّة يكتبون بأنّ الشيعة هي فرقة من تأسیس عبدالله بن سبأ اليهودي ، ومرّة يكتبون بأنّهم من أصل المجوس ، وأنّهم روافض قبّحهم الله ، وأنهم أخطر

ص: 212


1- كل الحلول : 97 - 102.
2- حاضر العالم الاسلامي 1: 191 ، نقلاً عن الخوارزمي .
3- الشيعة هم أهل السنّة .

على الاسلام من اليهود والنصارى ، ومرّة يكتبون بأنهم منافقون لأنّهم يعملون بالتقيّة ، وأنّهم اباحيون يبيحون نکاح المحارم ويحللون المتعة وهي زنا ، والبعض يكتب بأنّ لهم قرآناٌ غير قرآننا، وأنّهم يعبدون عليّاً والائمّة من بنيه ويبغضون محمداً وجبريل وأنّهم وأنّهم ..

ولا يمرّ عامٌ إلّا ويطلع علينا كتاب أو مجموعة كتب من أولئك العلماء الذين ينتزعّمون «أهل السنّة والجماعة» بزعمهم وكلّه تكفير واستهانة بالشيعة .

وليس لهم في ذلك مبرر ولا دافع إلّا إرضاء أسيادهم الذين لهم مصلحة في تمزيق الاُمّة وتفريقها والعمل على إبادتها ، كما ليس لهم فيما يكتبون من حجّة ولا دلیل سوى التعصب الأعمى والحقد الدفين والجهل المقيت ، و تقليد السلف بدون تمحيص ولا بحث ولا بيّنة ، فهم كالببغاء يعيدون ما يسمعون ويستنسخون.

ما كتبه النواصب من أذناب الأمويين والذين لا يزالون يعيشون على مدح و تمجید یزید بن معاوية.

ولو كان هؤلاء يتّبعون السنّة النبوية كما يزعمون لتعلّموا من أخلاقه العالية صلی الله علیه و آله و سلم احترام الغير ولو خالفهم في العقيدة.

ألم تقل السنّة النبوية : «المسلم للمسلم البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً» و «المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكی کنه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» .

ألم يصرّح النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنّ «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ، فلو كان هؤلاء الكتّاب المدعون أنّهم من «أهل السنّة والجماعة» يعرفون السنّة النبويّة ، لما سمحت لهم نفوسهم بتكفير من يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحجّ البيت الحرام ، ويأمر

ص: 213

بالمعروف وينهى عن المنكر

وبما أنّهم أتباع السنّة الأموية والقريشية فهم يتكلّمون ويكتبون بالعقلية الجاهلية والأفكار القبلية والنعرات العنصرية :

فالشيء من مأتاه لا يستغربُ***وكلّ إناء بالذي فيه ينضح

تشنيع السنّة على الشيعة.

تشنيع السنّة على الشيعة.

من العقائد التي يشنّع بها أهل السنّة على الشيعة ما هو من محض التعصّب المقيت الذي أولده الأمويون والعباسيون في صدر الإسلام ، بما كانوا يحقدون على الإمام علي ويبغضونه حتى لعنوه على المنابر أربعين عاماً ، فلا غرابة أن يشتموا كلّ من تشيّع له وير موه بكلّ عار وشنار ، حتى وصل الأمر بهم إلى أن يقال لأحدهم : يهودي أحبّ إليه من أن يقال له شیعی ، ودأب أتباعهم على ذلك في كلّ عصر ومصر، وأصبح الشيعي مسبّة عند أهل السنّة والجماعة، لأنّه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن جماعتهم ، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكلّ التهم وینیزونه بشتّى الألقاب ، ويخالفونه في كلّ أقواله وأفعاله .

ألا ترى بأنّ بعض علماء أهل السنة المشهورين يقولون : بأنّ لبس الخاتم في اليد اليمني هو سنّة نبويّة ، ولكن يجب تركها لأنّ الشيعة اتّخذوا ذلك شعاراً لهم.(1)

وهذا حجة الاسلام أبو حامد الغزالي يقول : أنّ تسطيح القبور هو

ص: 214


1- ربيع الأبرار للزمخشري 4: 24 ، حيث قال بأنّ أول من تختّم بالیسار خلاف السنة النبوية هو معاوية ابن أبي سفيان.

المشروع في الدين ، لكن لمّا جعلته الرافضة شعاراٌ لهم عدلنا عنه إلى التسنیم .

وهذا ابن تيمية - الموصوف بالمصلح المجدد - يقول : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم - أي الشيعة - فإنّه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك ، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميّز السنّي من الرافضي ، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحبّ!(1) إلى غير ذلك.

أنظر - أخي القارىء - إلى هذا التعصّب الأعمى لهؤلاء العلماء الذين يجيزون مخالفة سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم لأنّ الشيعة تمسّکت بتلك السُنن حتى صارت شعاراً لهم؟! بل نراهم لا يتحرّجون من الاعتراف بذلك صراحهً.

ثمّ أليس هذا اعتراف منهم بانّهم تركوا سنّة النبيّ والتزموا بسنّة معاوية - مثلاً - الذي قال عنه الزمخشري بانّه أو من تختّم بالیسار خلاف السنّة النبوية .

بل نراهم -أي أهل السنّة والجماعة - ترکوا سنّة النبي في موارد لا علاقة لها بالشيعة ، وذلك عندما اتّبعوا سنّة عمر في بدعته للتراویح خلافاً للسنّة النبوية التي أمرت المسلمين بصلاة النافلة في بيوتهم فُرادی لا جماعة ، كما أثبت ذلك البخاري في صحيحه (2)، وكما اعترف عمر نفسه بأنّها بدعة ابتدعها ، مع أنّه لم يصلّها لأنّه لا يؤمن بها .

فقد جاء في البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاريء أنّه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضی الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر:

ص: 215


1- منهاج السنة لابن تيمية 2: 143 (التشبيه بالروافض) .
2- صحيح البخاري 5: 2266ح 5762، کتاب الأدب .

إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على اُبی بن کعب .

ثمّ خرجت معه ليلة اُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه...(1)

ومن المستغرب عدّها نعمة بعد نهي الرسول عنها وذلك عندما رفعوا أصواتهم وحصبوا بأنّه ليصلّي بهم نافلة رمضان ، فخرج إليهم مغضباً فقال لهم صلی الله علیه و آله و سلم: «ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنّه سيكتب علیکم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإنّ خير صلاة المرء في بيته إلّا الصلاة المكتوبة».(2)

كما اتّبع أهل السنة و الجماعة سنّة عثمان بن عفّان وهي إتمام صلاة السفر، خلافاٌ لسنّة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم التي صلّاها قصراً(3)، وكذلك تأوّلت عائشةَّ فصلّت أربعاً(4). والمخالفات في ذلك كثيرة جداً.

أفبعد هذا يبقى دليل على قول الجهلة الذين يدبعون بأنّ الشيعة اتّبعوا على ابن أبي طالب ، أمّا أهل السنّة فإنّهم اتّبعوا رسول الله؟ أيريد هؤلاء أن يثبتوا بأنّ علياً خالف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وابتدع دیناً جديداً ؟

كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، فعلي هو محض السنّة النبوية ، وهو مفسّرها والقائم عليها ، وقد قال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «علي منّی بمنزلتي من

ص: 216


1- صحیح البخاري 707:2 ح 1906، کتاب صلاة التراويح .
2- صحيح البخاري 2: 2265ح 5762، کتاب الأدب .
3- صحيح البخاري 1: 368 ح 1034، کتاب تقصير الصلاة .
4- صحیح البخاري 1: 369 ح 1040، کتاب تقصير الصلاة .

ربي»،(1) أي كما أنّ محمداً هو الوحيد الذي يبلّغ عن ربّه ، فعلي هو الوحيد الذي يبلّغ عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولكن ذنب عليّ هو أنّه لم يعترف بخلافة من قبله ، وذنبُ شيعته أنّهم اتّبعوه في ذلك فرفضوا أن ينضووا تحت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولذلك سمّوهم «الروافض». .

ويستطيع الباحث المتتبّع أن يستنتج سببين لهذا الموقف السنّي من عقائد الشيعة :

أوّلهما : العداء الذي أجّج ناره حكّام بني اُميّة بالأكاذيب والدعايات واختلاق الروايات المزوّرة .

ثانيهما : لأنّ معتقدات الشيعة تتنافى وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاء وتصليح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص ، خصوصاً حكّام بني اُمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.

و من هنا نجد أنّ الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة نشأ يوم السقيفة ، و تفاقم، وكلّ خلاف جاء بعده فهو عیالٌ عليه ، وأكبر دليل على ذلك أنّ العقائد التي يُشنّع أهل السنّة بها على إخوانهم من الشيعة ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة و تتفرّع منه ، كعدد الأئمّة ، والنصّ على الإمام ، والعصمة ، وعلم الأئمّة ، والبداء ، والتقيّة ، والمهدي المنتظر ، وغير ذلك .

ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجرّدين عن العاطفة فسوف لا نجد بُعداً شاسعاً بين معتقداتهم ، ولا نجد مبرّراً لهذا التهويل وهذا التشنيع ، لأنّك عندما تقرأ كتب السنّة التي يشتمون الشيعة فيها ، يخيّل إليك بأنّ الشيعة ناقضوا الاسلام

ص: 217


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 177، ذخائر العقبی : 64.

وخالفوه في مبادئه و تشریعه ، وابتدعوا دیناً آخر، بينما يجد الباحث المنصف في كلّ عقائد الشيعة أصلاً ثابتاً في القرآن والسنّة وحتى في كتب من يُخالفهم في تلك العقائد ويُشنّع بها عليهم ، ثمّ ليس هناك في تلك العقائد ما يخالف العقل أو النقل أو الأخلاق ، وليتبين لك أيّها القارىء اللبيب صحّة ما أدعيه وسأستعرض معك تلك العقائد.

عيد الغدير

عيد الغدير(1)

يحتفل المسلمون قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها بعيدين سُمّي الأول عيد الفطر ، والثاني عيد الأضحى ، ولكنهم اختلفوا في العيد الثالث وهو العيد الأكبر والذي يُسمّى الغدير ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ فيه نعمته على المسلمين ، والمتتبع للتاريخ يكتشف بلا ريب أنّ اختلافهم نشأ من الموقف السياسي الذي وقفه أصحاب السقيفة ، عند وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فأباحوا لأنفسهم شرعية الاجتهاد معارضين بذلك النصوص الصريحة التي جاءت في كتاب الله وسنّة نبيّه ، ونشأ من ذلك أبعاد أمير المؤمنين المنصوص عليه بالخلافة و إبداله بمن اختارته قریش نزولاً عند رغبتها وتلبية لطموحاتها فكانت أقل نكسة أصابت المسلمين بعد نبيّهم مباشرة أذنت ببداية صراع الباطل ضد الحقّ والجاهلية ضد الاسلام.

ولا شكّ بأنّ قوله سبحانه و تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ

ص: 218


1- كلّ الحلول عند آل الرسول .

شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1) له علاقة مباشرة بعيد الغدير ، فقد احتفل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعيد الغدير عندما أمره الله سبحانه أن يولّي عليّاً خليفة من بعده ويدلّ الُمّة عليه فکبّر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عندما تمّت البيعة من الحاضرين ونزل عليه الأمين جبرئیل بقوله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»(2) فقال : «الله أكبر ، الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرّب بولاية أخي وابن عمي»، وعقد له موكب تهنئة في نفس اليوم فلم يبق أحد ممّن حضر ذلك اليوم من النساء والرجال إلّا جاء مهنئاً ومباركاً لعلي بتلك الولاية.

ولكن لم يطل العهد فبعد شهرين فقط من ذلك الاحتفال العظيم بالعيد الأكبر تنقلب الاُمّة و تتنكّر للعيد ولبطل العيد وتختار لنفسها غير ما ارتضاه الله سبحانه مُعلّلة تارة بصغر سنّه وطوراً بأنّ بني هاشم تشرّفت بمقام النبوّة فلا ينبغي لها أن تحظى بمقام الخلافة أيضاً و ثالثة أن قريشاً لا تجتمع على من قتل أبطالها وصرع شجعانها وحطّم كبريائها .

وليس لابن أبي طالب في كلّ ذلك ذنب إلّا أنّه اشترى نفسه ابتغاء مرضاة الله ، وضحّى بكلّ شيء في نصرة الدين الذي جاء به أخوه وابن عمّه ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يثنى عزمه من حطام الدنيا شيء.

فعيد الغدير اذن كان هو الفتنة والاختبار لهذه الاُمّة التي تمزّقت و تفرّقت واختلفت کاختلاف اليهود والنصاری کما نصّ على ذلك سيد المرسلین وان صلی الله علیه و آله و سلم(3)

ص: 219


1- آل عمران : 144.
2- المائدة : 3، انظر : ترجمة الإمام على من تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر 42: 237 ، مناقب علی بن ابي طالب لابن المغازلي الشافعي : 19.
3- صحيح البخاري 4: 205، وج 126:9.

وكان من نتيجة هذا التمزّق والتفرّق أنّ الإمامة المقدّسة والتي هي أصل من اُصول الدين أضحت منبوذة مقهورة لا يقدر أهلها إلّا على الصبر والتسليم ، وعوّضت بإمارة مزيّفة كانت فلتة وقي الله شرّها الاسلام والمسلمين حتى طمع فيها بعد ذلك الطلقاء والفاسقين ولم يركب سفينة النجاة التي صنعها محمد إلّا بعض المخلصين وجرف تیّار الدنيا وحبّ الرئاسة بقية المسلمين ، فتركوا أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ، واتّبعوا مذاهب ابتدعوها ما لها في كتاب الله ولا في سنّة رسوله حجة يوم يقوم الناس لربّ العالمين .

هذه هي قصة عيد الغدير وبطل الغدير ، والمؤامرة التي ولدت بعد الغدیر بكل اختصار فلا فائدة في التفصيل .

مودة أهل البيت

مودة أهل البيت(1)

اهل البيت هم الأئمّة الاثنا عشر من العترة الطاهرة ، وذلك وفق ما اتفق عليه الشيعة والسنة بان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «الأئمّة من بعدي إثنا عشر كلّهم من قریش»(2)

وقال صلی الله علیه و آله و سلم: «إنّ الله اصطفی کنانة من ولد إسماعيل ، واصطفی قریشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (3)

وهذا الحديث يفيد بأنّ بني هاشم يأتون في المرتبة الثانية بعد محمد بلا فصل ، وقد اصطفی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من كلّ بني هاشم عليّاً وذرّيته وجعلهم

ص: 220


1- کلّ الحلول عند آل الرسول . فاسألوا أهل الذكر .
2- تقدّمت تخریجاته.
3- صحیح مسلم 4: 1782 ح 2276.

خلفاءه وأوصياءه بوحی ربّه و أوجب الصلاة عليهم كما يُصلّى عليه ، وأنّهم المقصودون بآية التطهير ، وآية المودة وآية الولاية و آية الاصطفاء ووراثة الكتاب وآية أهل الذكر، أمّا الأحاديث فكثيرة ، نورد منها :

1- أخرج مسلم في صحيحه من کتاب الفضائل في باب فضائل علي بن أبي طالب أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، قال: «أمّا بعد ، ألّا أيّها الناس ، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي».(1)

2- أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعليّ: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي».(2)

وقال الإمام علي في أهل البيت : «هم موضع سرّه وملجأ أمره ، وعيبةُ علمه ، وموئلُ ځُكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه».(3)

آية التطهير

قال الله تعالى:« اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»

يقول أهل السنّة والجماعة بأنّ هذه الآية نزلت في نساء النبي صلی الله علیه و آله و سلم

ص: 221


1- صحیح مسلم : 1873 ح 2408.
2- صحیح مسلم 4: 1873 ح 2404.
3- نهج البلاغة الخطبة 2.

ويستدلّون على ذلك بسیاق ما قبلها وما بعدها من الآيات ، وعلى حسب زعمهم فإنّ الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهّرهن تطهيراً.

ومنهم من يضيف إلى نساء النبي علي وفاطمة والحسن والحسين ، ولكن الواقع النقلي والعقلي والتاريخي يأبى هذا التفسير ، لأنّ أهل السنّة يروون في صحاحهم بأنّ الآية نزلت في خمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسنين معه تحت الكساء ، وقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» .

وقد أخرج ذلك من علماء أهل السنّة جمع غفير أذكر منهم:

1- مسلم في صحيحه في باب فضائل أهل بيت النبي 2: 368.

2 - الترمذي في سننه 5: 30.

3- مسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 330.

4 - مستدرك الحاكم 3: 123.

5 - خصائص الإمام النسائي : 49.

6- تلخيص الذهبي 2: 150.

7- معجم الطبراني 1: 65.

8- البخاري في التاريخ الكبير 1: 69.

9- الاصابة لابن حجر العسقلاني 2: 502.

10 - تذکرة الخواص لابن الجوزي : 233.

11 - تفسير الفخر الرازي 2: 700.

12 - السيرة الحلبية 3: 212.

13 - السيرة الدحلانية 3: 329.

ص: 222

14 - تفسير الطبري 6:22.

15 - الدر المنثور للسيوطي 5: 198.

16 - تاریخ ابن عساکر 1: 185.

17 - تفسير الكشاف للزمخشري 1: 193.

18 - أحکام القرآن لابن عربي 2: 166.

19 - تفسير القرطبي 14: 182.

20 - الصواعق المحرقة لابن حجر : 85.

21 - الاستیعاب لابن عبد البر 3: 37.

22 - مصابيح السنّة للبغوي 2: 278.

23 - منتخب کنز العمّال 5: 96.

26 - أسباب النزول للواحدي : 203.

وغير هؤلاء من علماء السنّة والجماعة كثيرون .

وإذا كان كلّ هؤلاء يعترفون بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم هو الذي بيّن المقصود من هذه الآية فما قيمة أقوال غيره من الصحابة أو التابعين أو المفسّرين الذين يريدون حمل معناها على غير ما يريده الله ورسوله ابتغاء مرضاة معاوية وطمعاً في ما عنده .

والغريب انّه حتى نساء النبي عرفن انّ المقصود من هذه الآية وغيرها - كاية المباهلة - هم الرسول وفاطمة وعلي والحسن والحسين ، ولذلك لم تدّعي واحدة منهن أنّها من أهل البيت وعلى رأسهن اُمّ سلمة وعائشة ، وقد روت كلّ واحدة منهنّ أنّ الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين وقد أخرج اعترافهنّ كلّ من مسلم والترمذي والحاكم والطبري والسيوطي والذهبي

ص: 223

وابن الأثير وغيرهم ..

أضف إلى كل ذلك أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد رفع هذا اللّبس وهذا الاشكال لأنّه علم بأنّ المسلمين قد يقرؤون القرآن ويحملون أهل البيت على سياق الآيات السابقة واللاحقة والتي تحذّر نساء النبي ، فبادر إلى تعليم الاُمّة بمقصود آية إذهاب الرجس والتطهير عندما داوم طيلة ستّة أشهر (بعد نزول الآية) على المرور بباب علي وفاطمة والحسنین قبل الشروع في إقامة الصلاة فيقول : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)

وقد أخرج هذه المبادرة التي فعلها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الترمذي في صحيحه (31 :

5 ) والحاكم في المستدرك (3: 158) وأحمد بن حنبل في مسنده (3: 259) وابن الأثير في أسد الغابة (5: 521) والهيثمي في مجمع الزوائد (168:9) وغيرهم.

وإذا اضفنا إلى كلّ هؤلاء أئمّة أهل البيت وعلماء الشيعة الذين لا يشكّون في اختصاص محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين بهذه الآية الكريمة فلا تبقى بعد ذلك أية قيمة لمن خالفهم من أعداء أهل البيت والمتشيّعين لمعاوية وبنی اُميّة الذين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون .

وقد كشف أولئك الذين يفترون الآية على غير تفسير النبيّ لها ، بأنهم من المتزلّفين إلى الحكّام من الأمويين و العباسيين قديماً وحديثاً بأنّهم من النواصب الذين يبغضون عليّاً وإن تستّروا بزي العلماء والفقهاء.

على أنّ العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية ، أعني (إذهاب الرجس

ص: 224


1- الأحزاب : 33.

والتطهير) لزوجات النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

1- فإذا ما أخذنا ۔ على سبيل المثال - اُمّ المؤمنین عائشة التي تدّعي أنّها أحبّ أزواج النبي صلی الله علیه و آله و سلم إليه وأقربهم لديه حتى أنّ باقي أزواج النبي غرن منها وبعثن للنبي ينشدنّه العدل في ابنة أبي قحافة - كما سيأتي - لم تتجرّاا ولم يتجرأ أحد من أنصارها ومحبّيها ، لا من السابقين أو من اللاحقين أن يقول بأنّ عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية ، فما أعظم محمد صلی الله علیه و آله و سلم في أقواله وأفعاله وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء حتى ان اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة زوجة النبي صلی الله علیه و آله و سلم أرادت الدخول معهم تحت الكساء وطلبت ذلك من زوجها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولكنّه منعها من ذلك وقال لها : «أنتِ إلى خير». .

2- ثم انّ الآية بمفهومها الخاص والعام دالّ على العصمة ، فإنّ إذهاب الرجس يشمل كلّ الذنوب والمعاصي والرذائل صغيرها وكبيرها وخصوصاً إذا أضيف إليها تطهير من ربّ العزّة والجلالة ، وإذا كان المسلمون يتطهّرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدى ظاهر الجسم ، فأهل البيت طهّرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصی مکاناً ، فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كل حركاتها وسكناتها.

3- ولكلّ ذلك كان هؤلاء المطهّرون مثالاً للانسانية جمعاء في الزهد والتقوى والإخلاص والعلم والحلم والشجاعة والمروءة والعفّة والنزاهة والعُزوف عن الدنيا والقرب منه جلّ وعلا ولم يسجّل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنباً طيلة حياته .

وإذا كان الأمر كذلك ، فلنعد إلى المثال الأول لزوجات النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهي

ص: 225

عائشة التي بلغت من المرتبة السامية والمكانة العالية والشهرة الكبيرة ما لم تبلغه أيّة زوجة اُخرى للنبي صلی الله علیه و آله و سلم، بل حتى لو جمعنا فضائلهنّ بأجمعهنّ ما بلغن عشر معشار فضائل عائشة بنت أبي بكر، هذا ما يقوله أهل السنّة فيها والذين يعتبرون أنّ نصف الدين يؤخذ عنها وحدها.

و إذا ما تجرّدنا للحقيقة بدون تعصّب ولا انحياز ، فهل من المعقول أن يحكم العقل بأنّها مطهّرة من الذنوب والمعاصي؟ أنّ الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلننظر معاً إلى الواقع .

الأئمّة الاثني عشر

الأئمّة الاثني عشر(1)

يقول الشيعة بأنّ عدد الأئمّة المعصومين بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم هو إثنا عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون، وقد ذكرهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأسمائهم وعددهم (2)وهم:

1 - الإمام عليّ بن أبي طالب (أمير المؤمنین علیه السلام ).

2 - الإمام الحسن بن علي (المجتبی علیه السلام ).

3 - الإمام الحسين بن علي (السبط الشهيد علیه السلام ) .

4 - الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين علیه السلام ) .

5 - الإمام محمد بن علي (الباقر علیه السلام ).

6- الإمام جعفر بن محمد (الصادق علیه السلام ) .

7 - الإمام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام ) .

8 - الإمام علي بن موسی (الرضا علیه السلام ) .

ص: 226


1- لأكون مع الصادقین.
2- ينابيع المودة لقندوزي الحنفي 3: 101 الباب 76.

9 - الإمام محمد بن علي (الجواد علیه السلام ) .

10 - الإمام علي بن محمد الهادي علیه السلام ) .

11 - الإمام الحسن بن علي (العسكري علیه السلام ).

12 - الإمام محمد بن الحسن (المهدي المنتظر علیه السلام ) .

فهؤلاء هم الأئمّة الاثنا عشر الذين تقول الشيعة بعصمتهم حتى لا ينطلي المكر على بعض المسلمين .

والشيعة لا يعترفون قديماً وحديثاً بالعصمة إلّا لهؤلاء الأئمّة الذين سمّاهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولم يولدوا بعدُ، وقد أخرج بعض علماء السنّة أسماءهم كما مرّ علينا ، وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الأئمة بعددهم وهم اثنا عشر كلّهم من قریش.(1)

وهذه الأحاديث لا تصحٌ ولا تستقيم إلّا إذا فسّر ناها على أئمّة أهل البيت الذين تقول بهم الشيعة الإمامية ، وأهل السنّة والجماعة هم المُطالبون بحلّ هذا اللغز ، إذ أنّ عدد الأئمّة الاثني عشر - الذي أخرجوه في صحاحهم - بقي حتی الآن لُغزاً لا يجدون له جواباً .

علم الأئمّة

علم الأئمّة(2)

وممّا يشنّع به أهل السنّة والجماعة على الشيعة قولهم : بأنّ الأئمّة من اهل البيت علیهم السلام قد خصّهم الله سبحانه بعلم لم يشاركهم فيه أحد من الناس ، وأنّ الإمام يكون أعلم أهل زمانه ، فلا يمكن أن يسأله أحد فيعجز عن الجواب. فهل لهذا

ص: 227


1- صحيح البخاري 6: 2640 ح 6796 کتاب الأحكام ، صحیح مسلم 2: 121 کتاب الامارة .
2- لأكون مع الصادقین.

الادّعاء من دليل؟

يقول الله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»(1)

وقال تعالى: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(2)

وقال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3) وهذه الآية أيضاً نزلت في أهل البيت علیهم السلام.(4)

فهذه الآيات تدلّ على أنّ الله سبحانه اصطفي عباداً من الناس وأورثهم علم الكتاب ، وانّه جلّ شأنه يؤتي الحكمة من يشاء ، وعندما نلاحظ قول الرسول الأكرم بحقّ عترته الطاهرة: «لا تتقدّموهم فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم»(5) نستطيع أن نستنتج أنّ المراد بالعباد المصطفين هم أئمّة أهل البيت علیهم السلام

العصمة

العصمة(6)

يقول الشیعه: ونعتقد أنّ الإمام کالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً. كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان، لأنّ الأئمّة

ص: 228


1- فاطر : 32.
2- البقرة : 269.
3- النحل : 43.
4- تفسير الطبري 8: 109، تفسیر ابن کثیر 2: 570 ، تفسير القرطبی 180:11 .
5- مجمع الزوائد 164:9 ، الدر المنثور للسيوطي 60:2 .
6- لأكون مع الصادقین.

حفظة الشرع والقوّامون عليه حالهم في ذلك حال النبي ، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمّة بلا فرق.(1)

فهل هذا الاعتقاد ينافي القرآن والسنّة؟ أو ما يقول العقل باستحالته؟ أو ما يشين الاسلام ويُسيء إليه؟

قال تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2) فإذا كان إذهاب الرجس - الذي يشمل كلّ الخبائث - والتطهير من كلّ الذنوب لا يفيد العصمة ، فما هو إذاً؟

ويقول تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ»(3)

فإذا كان المؤمن التقىّ يعصمه الله من مكائد الشيطان إذا حاول استفزازه وإضلاله، فيتذكّر ويصبر الحقّ فيتّبعه، فما بالك بمن اصطفاهم الله سبحانه وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟!

ويقول الله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»(4)

والذي يصطفيه الله سبحانه يكون بلا شكّ معصوماً من الخطأ ، وهذه الآية بالذات هي التي احتجّ بها الإمام الرضا من أئمّة أهل البيت علیهم السلام على العلماء الذين جمعهم الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشید ، واثبت لهم بأنّهم - أي أئمّة أهل البيت - هم المقصودون بهذه الآية ، وبأنّ الله اصطفاهم وأورثهم علم

ص: 229


1- عقائد الإمامية : 95.
2- الأحزاب : 33.
3- الأعراف : 201.
4- فاطر : 32.

الكتاب ، واعترفوا له بذلك .

وأمّا في السنّة النبويّة فقد ورد فيها الكثير من الأحاديث ، إليك بعضاً منها :

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : کتاب الله وعترتي أهل بيتي».(1)

وهو صريح بأنّ الأئمّة من أهل البيت معصومون :

أولاً: لأنّ كتاب الله معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو کلام الله ، ومن شكّ فيه كفر.

ثانياً : لأنّ المتمسّك بهما - الکتاب والعترة - يأمن من الضلالة ، فدلّ هذا الحديث على أنّ الكتاب والعترة لا يجوز فيهما الخطأ.

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق».(2)

وهو كما ترى صريح أيضاً في أنّ الأئمّة من أهل البيت علیهم السلام معصومون عن الخطأ ، ولذلك يأمن وينجو من ركب سفينتهم ، وكلّ من تأخّر عن ركوب سفينتهم غرق في الضلالة .

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «من أحبّ أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي وهي جنّة الخلد ، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولم يدخلوكم باب ضلالة»(3)

ص: 230


1- صحيح الترمذي 621:5 ح 3786 کتاب المناقب ، مسند أحمد 5: 182 و 189 ، المستدرك للحاكم 161:3 ح 4711 کتاب معرفة الصحابة .
2- المستدرك للحاكم 2: 373ح 3312، کنز العمّال 98:12 ح 34169، الصواعق المحرقة : 236.
3- المستدرك للحاكم 3: 139 ح 4642 ، کنز العمّال 6: 255، حلية الأولياء لأبی نعیم :349. المعجم الكبير للطبراني 5: 194ح 5067، تاریخ ابن عساکر 2: 99.

و هو كما ترى صريح أيضاً في أنّ الأئمّة من أهل البيت - وهم علي وذرّيته - معصومون عن الخطأ ، لأنّهم لن يدخلوا الناس الذي يتّبعونهم في باب ضلالة ، ومن البديهي أنّ الذي يجوز عليه الخطأ لا يمكن له هداية الناس.

بعد هذا البيان من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة ، فهل يمكن لعاقل أن يرفض عصمة من يصطفيه الله سبحانه للهداية ؟ والجواب : كلّا، لا يرفض ذلك ، بل بالعكس ، العقل يقول بوجوب تلك العصمة ، لأنّ من توجّل إليه مهمة القيادة وهداية البشرية لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً يعتريه الخطأ والنسيان و تُثقل ظهره الذنوب والأوزار ، فيكون عُرضهً لانتقاص الناس و نقدهم.

بل العقل يفرض أن يكون أعلم الناس في زمانه وأعدلهم وأشجعهم وأتقاهم ، وهي صفات ترفع من شأن القائد و تُعظّمه في أعين الناس ، وتجلب له احترام الجميع وتقديرهم ، وبالتالي طاعتهم له بدون تحفّظ ولا تملّق.

و إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا كلّ هذا التشنيع والتهويل على من يعتقد بذلك ؟

الغلو

الغلو(1)

الغلو هو الخروج عن الحقّ واتّباع الهوى حتى يصبح المحبوب هو الإله المعبود ، وهذا كفر وشرك لا يقرّ به أي مسلم يعتقد برسالة الاسلام ونبوّة محمد صلی الله علیه و آله و سلم، وقد وضع الرسول صلی الله علیه و آله و سلم حدوداً لهذا الحبّ عندما قال للإمام على علیه السلام : «هلك فيك اثنان : محبّ غالٍ ومبغض قالٍ» ، وقوله : «يا علي ، إنّ

ص: 231


1- لأكون مع الصادقین .

فيك مثلاً من عیسی بن مریم ، أبغضته اليهود حتی بهتوا اُمّه، وأحبّه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها».(1)

وهو المعنى المرفوض للغلوّ أن يطغى الحبّ حتى يُؤلّه المحبوب وينزله منزلة ليس فيها ، أو أن يطغى البغض حتى يصل درجة البهت والاتهام الباطل .

ومن الاُمور التي يشنّع بها أهل السنّة على الشيعة حبّهم للإمام عليّ والأئمّة من ولده ، وهم يقولون بأنّ الشيعة يغالون في هذا الحب ! ولكن الشيعة لم يغالوا في حبّهم للأئمّة ، بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوّأهم فيها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهي أنّهم أوصياء النبي وخلفاؤه ، ولم يقل أحدٌ بنبوّتهم فضلاً عن اُلوهيتهم ، أمّا الاتّهامات الموجّهة للشيعة بأنّهم ألّهوا عليّاً وجعلوه ربّ ، فهؤلاء - ان صحّ الخبر - لم يكونوا فرقة ولا مذهباً ولا شيعة ولا خوارج.

وما هو ذنب الشيعة إذا كان ربُّ العزّة والجلالة يقول : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2)، والمودّة - كما هو معلوم - أكبر من الحبّ.

وما ذنب الشيعة إذا كان الرسول صلی الله علیه و آله و سلم يقول : «يا عليّ أنت سيد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبك حبیب الله ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك».(3)

وقال كذلك : «من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات تائباً،

ص: 232


1- المستدرك للحاكم 3: 133 ح 4622، خصائص النسائي 5: 137 ح8488 ، الصواعق المحرقة :123 ، ذخائر العقبی : 92.
2- الشوری : 23.
3- المستدرك للحاكم 3: 138 ح 4640 ( قال : حديث صحيح على شرط الشيخين).

ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد بَشّره ملك الموت بالجنّة...»(1)

وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبّون رجلاً قال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:

الأعطينّ الراية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّهُ الله ورسوله كرّاراً ليس فرّاراً امتحن الله قلبه للإيمان»(2)

و إذا كان حبّ علىّ و أهل البيت بصفة عامّة هو حبّ الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فعلينا أن نعرف مدى هذا الحبّ المطلوب لدى المسلمين ، حتى نعرف إن كان هناك غلوّ كما يزعمون .

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ َ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(3) و على هذا الأساس فلا بدّ أن يحبّ المسلم عليّاً وأولاده الأئمّة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد، ولا يتمّ الإيمان إلّا بذلك ، لأنّ رسول الله قال : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه...».

فالشيعة أذن لا يُغالون ، وإنّما يعطون كلّ ذي حقّ حقّه ، وقد أمرهم رسول الله أن ينزّلوا عليّاً بمنزلة الرأس من الجسد و بمنزلة العينين من الرأس ، فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه ؟!

وبالمقابل، أليس أهل السنّة والجماعة يغالون في حبّهم للصحابة وذلك

ص: 233


1- تفسير الكشاف للزمخشري 3: 467، تفسير الفخر الرازي 166:27.
2- صحيح البخاري 3: 1357 ح 3499 کتاب فضائل الصحابة ، صحیح مسلم 2: 360 باب فضائل عليّ بن أبي طالب .
3- صحیح البخاري 14:1 کتاب الإيمان ، باب حب الرسول من الأيمان .

عندما يتعدّون حدود المنطق عندما يقولون بعد التهم أجمعين ، وقد شهد الله ورسوله بأنّ فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين .

أليس من الغلو اتّهام الرسول بالخطأ وانّ الصحابي يصوّب خطأه هذا ؟!

أليس من الغلو القول بأنّ الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبيّ ولكنّه يهرب من عمر ؟!

وأليس من الغلو القول : لو أصاب الله المسلمين بمصيبة - بما فيهم رسول الله - لم يكن ينج منها إلّا ابن الخطّاب ؟!

التقليد

التقليد(1)

يرى الشيعة بانّ فروع الدين - وهي أحكام الشريعة المتعلّقة بالعبادات والمعاملات وغيرها ، يجب فيها أحد الاُمور الثلاثة :

1- أن يجتهد الانسان وينظر في أدلّة الأحكام إذا كان أهلاً لذلك .

2- أو أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الاحتياط .

3- أو أن يقلّد المجتهد الجامع للشرائط ، بأن يكون من يقلّده عاقلاً ، عادلاً ، عالماً ، صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه .

والاجتهاد واجب کفائي على جميع المسلمين ، فإذا نهض به من اجتمعت فيه الشروط سقط عن باقي المسلمين ، فيجوز لهم تقليده والرجوع إليه في فروع د دينهم .

قول الشيعة هذا لا يختلف عن قول أهل السنّة والجماعة إلا في شرط حياة

ص: 234


1- لأكون مع الصادقين. الشيعة هم أهل السنّة .

المجتهد ، غير أنّ الخلاف الواضح بينهم هو في العمل بالتقليد ، إذ أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ المجتهد - الجامع للشروط المذكورة - هو نائب للإمام علیه السلام في حال غيبته ، فهو الحاكم والرئيس المطلق ، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والرادّ علیه رادّ على الأمام.

أمّا عند أهل السنّة والجماعة فليس للمجتهد هذه المرتبة ، ولكنّهم يرجعون في المسائل الفقهية لأحد الأئمّة الأربعة أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، و المعاصرون من أهل السنّة قد لا يلتزمون بتقليد واحد من هؤلاء على سبيل التعيين ، فقد يأخذون بعض المسائل من أحدهم والبعض الآخر من غيره حسب ما تقتضيه حاجتهم ، كما فعل ذلك السيد سابق الذي الّف فقهاً مأخوذاً من الأربعة ، وذلك لاعتقاد أهل السنة والجماعة بأنّ الرحمة في اختلافهم.

فلا بدّ لكلّ مكلّف من المسلمين، إذا لم يكن مجتهداً - بمعنى أنّه قادر على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة - أن يُقلّد مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم والعدل والورع والزهد والتقوى وذلك لقوله تعالى :«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1)

بالنسبة لمذهب الشيعة الإمامية فهو متواتر عن اثني عشر إماماً من ذرّية النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ينقل الابن عن أبيه ، فيقول أحدهم: «حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدّي ، وحديث جدّي هو حديث أمير المؤمنين علي وحديث علي هو حديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وحديث رسول الله هو حديث جبريل علیه السلام وهو كلام الله تعالی».

ص: 235


1- النحل: 43، تفسير الطبري 109:14 ، تفسیر ابن کثیر 2: 570..

و بعد مرحلة غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلى تقليد العالم الفقيه الجامع الشرائط ، بدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلى اليوم تتوالی بدون انقطاع ، وفي كلّ عهد يبرز في الاُمّة مرجع واحد أو عدّة مراجع للشيعة يقلّدونهم في أعمالهم حسب الرسائل العمليّة التي يستنبطها كلّ مرجع من الكتاب والسنّة ، ولا يجتهد إلّا في الاُمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن بسبب التقدّم العلمي والتكنولوجي ، كعملية زرع القلب أو أي عضو جسدي من شخص لآخر .

ويقلّد الشيعة على مرّ العصور الفقيه الحي الذي يعيش مشاكل الناس ويهتمّ بهمومهم فيسألونه ويجيبهم.

وبهذا بقي الشيعة في كلّ العصور يحافظون على المصدرين الأساسيين للشريعة الاسلامية من الكتاب والسنّة والنصوص المنقولة عبر الأئمّة الاثني عشر من العترة الطاهرة جعلت علماء هم يستغنون عن القياس والقول بالرأي.

أمّا مذهب «أهل السنّة والجماعة سواء كان حنفياً أم مالكياً أم شافعياً أم حنبلياً ، فهو مبنيُّ على رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ولا تربطه بالنبيّ أي صلة.

ففي وقت كان الشيعة يقلّدون علي بن أبي طالب الذي لم يُفارق النبي طيلة حياته و من بعده يقلّدون سيدي شباب أهل الجنّة الإمام الحسن والإمام الحسين سبطي النبي والإمام علي بن الحسین زین العابدين وابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق علیهما السلام ، لم يكن «لأهل السنّة والجماعة» وجود في ذلك العصر ولم يحدّثنا التاريخ عنهم أين كانوا ومن هو إمامهم الذي يقلّدون ويرجعون إليه في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام ، من يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى ظهور المذاهب الأربعة.

ص: 236

و يظهر بعد ذلك على مسرح الحياة أئمّة المذاهب الأربعة واحداً بعد واحد ، وعلى فترات متفاوتة حسب رغبة الحكّام العباسيّين ، ثمّ يظهر بعد ذلك تكتّل يجمع المذاهب الأربعة تحت شعار برّاق يأخذ بالألباب ويتسمّی ب «أهل السنّة والجماعة» ويلتف حوله كلّ من عادى عليّاً والعترة الطاهرة وكان من أنصار الخلفاء الثلاثة وكلّ الحكام من بني اُميّة وبني العبّاس ، فاعتنق الناس تلك المذاهب طوعاً وكرهاً ، لأنّ الحكّام عملوا على تأييدها بوسائل التغيب والترهيب والناس على دين ملوكهم.

ثمّ نجد «أهل السنّة والجماعة» وبعد موت الأئمّة الأربعة يغلقون باب الاجتهاد في وجه علمائهم فلا يسمحون لهم إلّا بالتقليد لأولئك الأئمّة الميّتين .

وأصبح «أهل السنّة والجماعة» مقیّدين لتقليد رجل ميّت لم يشاهدوه ولم يعرفوه حتى يطمئنوا لعدالته وورعه وعلمه ، وإنّما كلّ ما هنالك أنّهم أحسنوا الظن باسلافهم الذين يروي كلّ فريق منهم مناقب خيالية في الإمام الذي يتبعه فجاء أغلبها فضائل مناميّة لا تتعدى أضغاث أحلام أو طیف منام ، أو ظنّاً و أوهاماً .

ولو نظر المثقفون من «أهل السنّة والجماعة» اليوم إلى المثالب التي رواها أسلافهم أيضاً وتضارب الأقوال في بعضهم حتى وصل بهم الأمر إلى الحروب والتكفير في ما بينهم ، لراجعوا موقفهم من أولئك الأئمّة ولكانوا من المهتدين .

البداء

البداء(1)

وهو أن يبدو له شي في أمر ما ، يريد فعله ثمّ يتغير رأيه في ذلك الشيء فيفعل غير ما عزم على فعله سابقاً.

ص: 237


1- لأكون مع الصادقین .

و أمّا قول الشيعة بالبداء ونسبته إلى الله تعالى والتشنيع عليهم بأنّه يستوجب نسبة الجهل والنقص إلى الله سبحانه و تعالی کما یرید أهل السنّة والجماعة حمله على هذا المعنى - فهذا تفسير باطل ، ولا تقول به الشيعة أبداً ، ومن ينسب ذلك إليهم فقد افترى عليهم.

قال الإمام الصادق علیه السلام : «من زعم أنّ الله تعالی بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا کافر بالله العظيم».(1)

وقال الشيخ المظفر في عقائد الإمامية : «و البداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى ، لأنّه من الجهل والنقص ، وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية».(2)

إذاً فالبداء الذي تقول به الشيعة لا يتعدّى حدود القرآن في قوله سبحانه :

«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3)، وهذا القول يقول به أهل السنّة والجماعة كما يقول به الشيعة ، فلماذا يشنّع على الشيعة ولا يشنّع على أهل السنّة والجماعة القائلين بأنّ الله سبحانه يُبدّل الأحكام ويغيّر الآجال والأرزاق؟!

فقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي أنّه سأل رسول الله عن هذه الآية: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «الأقرن عينيك بتفسيرها ، ولأقرّن عين اُمّتي بعدي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء).

ص: 238


1- بحار الأنوار 4: 111 ح 30.
2- عقائد الإمامية : 69.
3- الرعد : 39.

و أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنّه قال وهو يطوف بالبيت : «اللهمّ إن كنت كتبت علىَّ شقاوة أو ذنباً فامحه ، فإنّك تمحو ما تشاء و تثبت ، وعندك اُمّ الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة».(1)

أمّا البخاري فهو يروي في صحيحه قصة عجيبة وغريبة حول معراج النبي صلی الله علیه و آله و سلم فيقول: «...ثمّ فُرضت علىَّ خمسون صلاة ، فأقبلت حتى جئت موسی، فقال : ما صنعت؟ فقلت : فُرضت علىَّ خمسون صلاة ، قال : أنا أعلم بالناس منك ، عالجت بني إسرائيل اشد المعالجة وإنّ اُمّتك لا تطيق ، فارجع إلى ربّك فسلهُ ، فرجعت فسألته فجعلها أربعين ، ثمّ مثله ، ثمّ ثلاثين ، ثمّ مثله ، فجعلها عشرين ، ثمّ مثله ، فجعلها عشراً ، فأتيت موسی فقال مثله ، فجعلها خمساً ، فأتيت موسی فقال: ما صنعت؟ قلت : جعلها خمساً ، فقال مثله ، قلت: فسلّمن ، فنودي إليّ قد أمضيتُ فريضتي وخفّفت عن عبادي وأجري الحسنة عشراً.(2)

ويقول البخاري في رواية اُخرى : «وبعد مراجعة محمد ربّه عديد المرّات وبعد فرض الخمس صلوات ، طلب موسی علیه السلام من محمد صلی الله علیه و آله و سلم أنّ يُراجع ربّه التخفيف ، لأنّ اُمّته لا تطيق حتى خمس صلوات ، ولكن محمداً صلی الله علیه و آله و سلم أجابه : قد استحييت من ربّي»(3)

هذه هي عقائد أهل السنّة والجماعة العجيبة ، ومع ذلك فهم يشنّعون على الشيعة أتباع أئمّة أهل البيت في القول بالبداء!

ص: 239


1- الدر المنثور للسيوطي 4: 66.
2- صحیح البخاري 3: 1174 ح 3150، کتاب بدء الخلق - باب ذكر الملائكة .
3- صحيح البخاري 3: 1412 ح 3674، کتاب فضائل الصحابة ، باب المعراج ، صحیح مسلم 1: 082 باب الاسراء برسول الله وفرض الصلوات .

فهم في هذه القصة يعتقدون بأنّ الله سبحانه فرض على محمد صلی الله علیه و آله و سلم خمسين صلاة ، ثمّ بدا له بعد مراجعة محمد ایّاه أن جعلها أربعين ، ثمّ بدا له بعد مراجعة ثانية أن جعلها ثلاثين ، ثمّ بدا له بعد مراجعة ثالثة أن جعلها عشرين ، ثمّ بدا له بعد مراجعة رابعة أن جعلها عشراً، ثمّ بدا له بعد مراجعة خامسة أن جعلها خمساً.

وبغض النظر عن قبولنا لهذه الرواية وعدمه فإنّ القول بالبداء عقيدة سليمة تتماشی و مفاهيم الدين الاسلامي وروح القرآن «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم»(1) ولولا اعتقادنا - سنّة وشيعة - بأنّ الله سبحانه يبدُل ويُغيّر ، لما كان لصلاتنا ودعائنا من فائدة ولا تعليل ولا تفسير ، كما أنّنا نؤمن جميعاً بأنّ الله سبحانه يبدُل الأحكام ، وينسخ الشرائع من نبي لآخر، بل وحتى في شريعة نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلم هناك ناسخ و منسوخ ، فالقول بالبداء ليس كفراً ولا خروجاً عن الدين ، وليس لأهل السنّة أن يشنّعوا على الشيعة من أجل هذا الاعتقاد ، كما أنّه ليس للشيعة أن يشنّعوا على أهل السنّة أيضاً.

والحقيقة أنّي أرى رواية المعراج هذه مستوجبة لنسبة الجهل إلى الله عزّ وجلّ، وموجبة لانتقاص شخصية أعظم إنسان عرفه تاريخ البشرية وهو نبيّنا محمد صلی الله علیه و آله و سلم، إذ تقول الرواية بأنّ موسى قال لمحمد : أنا أعلم بالناس منك ، وتجعل هذه الرواية الفضل والمزیّة لموسى الذي لولاه لما خفّف الله عن اُمّة محمد .

ولستُ أدري كيف يعلم موسي بأنّ اُمّة محمد لا تطيق حتى خمس صلوات، في حين أنّ الله لا يعلم ذلك ويكلِّف عباده بما لا يطيقون فيفرض عليهم.

ص: 240


1- الرعد: 11.

خمسين صلاة؟ فإذا كان أهل السنّة والجماعة يشنّعون على الشيعة قولهم بالبداء ، وأنّ الله سبحانه وتعالى يبدو له فيغيّر ويبدّل كيف شاء، فلماذا لا يشنّعون على أنفسهم في قولهم بأنّ الله سبحانه يبدو له فيغيّر ويبدّل الحكم خمس مرّات في فريضة واحدة وفي ليلة واحدة وهي ليلة المعراج ؟!

وقد يعترض البعض ويقول بانّ قصة المعراج هذه لا تدلّ على البداء ، وإن كان معناها التغيير والتبديل في الحكم ولكن لا نقطع بأنّه بدا لله فيها .

ونقول له : هاكم الرواية الاُخرى التي يرويها البخاري والتي يذكر فيها لفظ البداء صراحة لا لبس فيه .

فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «إنّ ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً ، فأتی الأبرص فقال : أي شيء أحبّ إليك؟ فقال : لون حسن وجلد حسن ، قد قذّرني الناس ، فمسحه فذهب عنه ، فاُعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً ، ثمّ قال له : أيّ المال أحبّ إليك ؟ فقال : الابل ، فاُعطي ناقة عشراء .

وأتى الأقرع فقال : أي شيء أحبّ إليك ؟ فقال : شعر حسن ويذهب عنّي هذا ، قد قذّرني الناس ، فمسحه فذهب عنه، واُعطي شعراً حسناً ، ثمّ قال له : أيّ المال أحبّ إليك ؟ فقال : البقرة ، فاُعطاه بقرة حاملاً .

وأتى الأعمى فقال : أي شيء أحبّ إليك ؟ فقال : يردّ عليَّ بصري ، فمسحه فردّ الله إليه بصره ، قال : فأيّ المال أحبّ إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطاه شاة ولوداً ...

ص: 241

ثمّ رجع الملك، بعد أن تكاثرت عند هؤلاء الإبل والبقر والغنم حتی أصبح يملك كلّ منهم قطيعاً ، فأتى الأبرص والأقرع والأعمی کلّ على صورته ، وطلب من كلّ واحد منهم أن يعطيه ممّا عنده ، فردّه الأقرع والأبرص فارجعهما الله إلى ما كانا عليه ، وأعطاه الأعمى فزاده الله وأبقاه مبصراً.(1)

التقية

التقية(2)

وهذه أيضاً من الاُمور المستنكرة عند أهل السنّة والجماعة، حيث يشنّعون بها على الشيعة ويعتبرونهم منافقين ، إذ يظهرون ما لا يبطنون!

والأمر العجيب في أهل السنّة والجماعة أنّهم يستنكرون عقائد يقولون بها، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك و تشهد عليهم.

فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً»(3)، قال : التقيّة باللسان ، مَن حُمل على أمر يتكلّم به وهو معصية لله ، فيتكلّم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإنّ ذلك لا يضرّه ، إنّما التقيّة باللسان.(4)

و أخرج الحاكم وصحّحه، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عبّاس في قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً» قال : التقاة هي التكلّم باللسان والقلب

ص: 242


1- صحيح البخاري 3: 1279 ح 3277کتاب الأنبياء .
2- لأكون مع الصادقین.
3- آل عمران : 28.
4- الدر المنثور للسیوطی 16:2 .

مطمئن بالإيمان.(1)

و أخرج ابن عبد الحميد عن الحسن قال : «التقية جائزة إلى يوم القيامة»(2)

و أخرج عبد بن أبي رجاء أنّه كان يقرأ : «إلّا أنّ تتَّقُوا منهُم تَقيهً».

وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردویه ، وصحّحه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الدلائل ، قال : أخذ المشركون عمّار ابن یاسر، فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم وذكر آلهتهم بخير ، ثمّ تركوه ، فلمّا آتی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «ما وراءك شيء»؟

قال : شرّ، ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير.

قال : «کیف تجد قلبك»؟

قال : مطمئن بالايمان .

قال : «إن عادوا فعد»«الَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ »(3)

وأخرج ابن سعد عن محمد بن سیرین : أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم لقي عمّاراً وهو يبکی ، فجعل يمسح عن عينيه ويقول : «أخذك الكفّار فغطّوك في الماء، فقلت: كذا وكذا، فإن عادوا فقل لهم

ذالک.(4)

وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكرُ عن أبي الدرداء قال : «إنّا لنُكشّر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعَنُهم».(5)

ص: 243


1- المستدرك للحاكم 2: 319ح 3149 کتاب التفسير.
2- الدر المنثور للسيوطي 2: 16.
3- النحل : 106.
4- الدر المنثور للسيوطي 4: 132.
5- صحيح البخاري 5: 2271.

و أخرج الحلبي في سيرته ، قال: لمّا فتح رسول الله مدينة خيبر ، قال له حجاج بن علاط : یا رسول الله إنّ لي بمكّة مالاً ، وإنّ لي بها أهلاً ، وأنا اُريد أن آتيهم ، فأنا في حلّ إن أنا نلتُ منك وقلتُ شيئاً ؟ فأذِنَ له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يقول ما شاء».(1)

و قال الإمام الغزالي: «إنّ عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب»(2)

هذه الروايات و غيرها(3)، تدلّل على أنّ أهل السنّة والجماعة يؤمنون بجواز التقية إلى أبعد حدودها من أنّها جائزة إلى يوم القيامة، ومن وجوب الكذب كما قال الغزالي ، وإظهار الكفر ، وجواز الابتسام في الظاهر واللعن في الباطن كما اعترف بذلك البخاري.

فلا مبرر لأهل السنّة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ویروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنّها جائزة بل واجبة ، ولم يزد الشيعة على ما قاله أهل السنّة شيئاً ، سوى أنّهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم واضطهاد، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال : هذا رجلٌ يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويُقتل شرّ قتلة على يد أعداء أهل البيت النبوي .

فكان لا بدّلهم من العمل بالتقية اقتداءً بما أشار عليهم أئمّة أهل البيت علیهم السلام،

ص: 244


1- السيرة الحلبية 3: 51.
2- إحياء علوم الدين 3: 132.
3- انظر : صحيح البخاري 5: 2271 ح 5780 کتاب الأدب ، الأشباه والنظائر للسيوطي : 173 - 174، أحكام القرآن للرازي الجصّاص 2: 9 (في تفسير الآية من سورة آل عمران) .

فقد روي عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّه قال : «التقية ديني و دين آبائي»(1)، فقد كانت التقية شعاراً الأئمّة أهل البيت علیهم السلام أنفسهم ، دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبيهم ، وحقناً لدمائهم.

أمّا أهل السنّة والجماعة فقد كانوا بعيدون عن ذلك البلاء، لأنّهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تامّ مع الحكّام ، فلم يتعرّضوا لا لقتل ولا لنهب ولا الظلم ، فكان من الطبيعي جدا أن ينكروا التقية ويشنّعون على العاملين بها ، وقد لعب الحكام من بني اُميّة وبني العبّاس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقيّة .

و بما أنّ الله سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تقضي ، وبما أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عمل هو نفسه بها كما مرّ عليك في صحيح البخاري ، وأنّه أجاز .

لعمّار بن یاسر أن يسبّه و يكفر إذا عاوده الكفّار بالتعذيب ، وبما أنّ علماء المسلمين أجازوا ذلك اقتداء بكتاب الله وسنّة رسوله ، فأي تشنیع وأي استنكارٍ ٍ بعد هذا يصحّ أن يوجّه إلى الشيعة؟!

أمّا الفرق بين النفاق والتقيّة فواضح ، فالنفاق هو إظهار الايمان وكتمان الكفر ، بينما التقيّة هي إظهار الكفر وكتمان الايمان ، وشتّان ما بين الموقفين ، هذا الموقف أعنى النفاق الذي قال في شأنه سبحانه و تعالى : «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ»(2)

فهذا يعني إيمان ظاهر + كفر باطن = نفاق.

أمّا الموقف الثاني أعني التقيّة التي قال في شأنها سبحانه و تعالى «و قَالَ

ص: 245


1- الكافي 219:2 ح 11.
2- البقرة : 14.

رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»(1)

فهذا يعني : كفر ظاهر - إيمان باطن = تقيّة .

فإنّ مؤمن آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلّا الله ، ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنّه علی دین فرعون ، وقد ذكره الله في محكم کتابه تعظيماً له .

وأخيراً لنرى قول الشيعة في التقية حتى لا ننخدع بما يقال فيهم كذباً وبهتاناً.

يقول الشيخ محمد رضا المظفّر : «و لتقية أحكامٌ من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف خوف الضرر ، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة ، وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للاسلام وجهاد في سبيله ، فإنّه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعزّ النفوس ، وقد تحرمُ التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجاً اللباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين ، بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

و على كلّ حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنّها تجعل منهم جمعية سريّة الغاية الهدم والتخريب ، كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الاُمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا .

كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين وأحكامه سرّاً من الأسرار لا يجوز أن.

ص: 246


1- غافر : 28.

يُذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلّفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام و مباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أمة تدين بدينها»(1)

المتعة أو الزواج المؤقت

المتعة أو الزواج المؤقت (2)

وهي كالزواج الدائم لا تصحّ إلّا بعقد يشتمل على قبول وإيجاب، كأن تقول المرأة للرجل : زوّجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدّة كذا ، فيقول الرجل: قبلت .

ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإمامية كوجوب تعیین المهر والمدّة ، وحرمة التمتّع بذات محرم كما في الزواج الدائم ، وعلى المرأة المتمتّع بها أن تعتدّ بعد انتهاء الأجل بحيضتين ، وبأربعة أشهر وعشرة أيّام في حالة وفاة زوجها ، وليس بين المتمتّعين إرثٌ ولا نفقة ، فلا ترثه ولا يرثها ، والولد من الزواج المؤقت كالولد من الزواج الدائم تماماً في حقوق الميراث والنفقة وكلّ الحقوق الأدبيّة والماديّة ويُلحق بأبيه .

فهي إذاً كالزواج الدائم إلّا في مسألة تعيين المدّة ، والارث بين الزوجين .

وقد قال أهل السنّة بهذا التشريع كالشيعة تماماً ، التزاماً بقوله تعالى :«فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»(3)

ص: 247


1- عقائد الإمامية : 114.
2- لأكون مع الصادقین.
3- النساء : 24.

كما أنّهم متّفقون على أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أذن بها واستمتع الصحابة على عهده . إلّا أنّهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها ، فأهل السنّة والجماعة يقولون بنسخها وأنّها حرمت بعد أن كانت حلالاً، وأنّ النسخ وقع بالسنّة لا بالقرآن ، والشيعة يقولون بعدم النسخ وأنّها حلال إلى يوم القيامة.

إذن فالبحث يتعلّق فقط في نسخها أو عدمه ، والنظر في أقوال الفريقين حتى يتبيّن للقارىء جلية الأمر وأين يوجد الحقّ فيتّبعه بدون تعصب ولا عاطفة.

حجّة الشيعة القائلين بعدم النسخ هي : لم يثبت عندنا أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نهی عنها ، وأئمّتنا من العترة الطاهرة يقولون بحلّيتها ، ولو كان هناك نسخٌ من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلمه الأئمّة من أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي علیه السلام، فأهل البيت أدرى بما فيه، ولكن الثابت عندنا انّ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهی عنها وحرّمها اجتهاداً منه كما يشهد بذلك علماء السنّة أنفسهم ، ونحن لا نترك أحكام الله ورسوله لرأي واجتهاد عمر بن الخطاب!

أمّا أهل السنّة والجماعة فيقولون بأنّ المتعة كانت حلالاً ، ونزل فيها القرآن، ورخّص فيها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و فعلها الصحابة، ثمّ بعد ذلك نُسخت ، ويختلفون في الناسخ لها ، فمنهم من يقول بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نهی عنها قبل موته ، ومنهم من يقول بأنّ عمر بن الخطاب هو الذي حرّمها ، وقوله حجة عندنا القول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: «عليكم بسنتي وسنّه الخلفاء الراشدين بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ»(1)

أمّا القائلون بتحريمها لأنّ عمر بن الخطاب حرّمها وأنّ فعله سنّة ملزمة،

ص: 248


1- مسند أحمد بن حنبل 4 : 126.

فهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا بحث، لأنّه محض التعصّب والتكلّف، وإلّا فكيف يترك المسلم قول الله وقول الرسول ويخالفهما ويتّبع قول بشر مجتهد يُخطيء ويصيب؟! هذا إذا كان اجتهاده في مسألة ليس فيها نصّ من الكتاب والسنّة، أمّا إذا كان هناك نصّ «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»(1)، فالأمر واضح ، ومن لا يتّفق معي على هذه القاعدة فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ودراسة القرآن الكريم والسنّة النبويّة ، فالقرآن دلّ بذاته في الآية المذكورة أعلاه - ومثلها في القرآن كثير - علی کفر وضلال من لا يتمسّك بالقرآن والسنّة النبويّة .

أمّا الدليل من السنّة النبويّة الشريفة فكثير أيضاً ، ولكن نكتفي بقول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(2)، فليس من حقّ أحد أن يحلّل أو يُحرّم في مسألة ثبت فيها نصّ وحكم من الله أو من رسوله.(3)

أمّا الفريق القائل بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم هو الذي حرّمها ونسخ القرآن بالحديث.

فهؤلاء مضطربون في أقوالهم ، وحجّتهم واهية لا تقوم على أساس متين، ولو روى النهي عنه مسلم في صحيحه ، لأنّه لو كان هناك نهیّ من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتّعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه كما

ص: 249


1- الأحزاب : 36
2- الكافي 17:2 ح 2 کتاب الايمان والكفر .
3- صلی الله علیه و آله و سلم.

روی ذلك مسلم في صحيحه.(1)

قال عطاء: قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأبي بكر با ما ادا وعمر.

فلو كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نهی عن المتعة لما جاز للصحابة أن يتمتّعوا على عهد أبي بكر وعمر كما سمعت.

فالواقع أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم ينه عنها ولا حرّمها ، وإنّما وقع النهي عنها من عمر بن الخطاب كما جاء ذلك في صحيح البخاري .

عن مسدّد حدّثنا يحيى بن عمران ، عن أبي بكر ، حدّثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولم ينزل قرآن يحرّمه ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء ، قال محمد: يقال: إنّه عمر.(2)

فأنت ترى - أيّها القاريء - أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم ينه عنها حتى مات كما صرّح به هذا الصحابي ، وتراه ينسبُ التحريم إلى عمر صراحةً وبدون غموض، ويُضيف أنّه قال برأيه ما شاء.

و هذا هو جابر بن عبدالله الأنصاري يقول صراحة : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيّام على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأبي بكر ، حتی نهی عمر في شأن عمرو بن حریث.(3)

ص: 250


1- صحیح مسلم 1: 586 باب نكاح المتعة .
2- صحيح البخاري 4: 1642 ح 4246، کتاب التفسير .
3- صحیح مسلم 1: 586 باب نكاح المتعة .

ولهذا قال الإمام علي علیه السلام عن هذا النهي : «لولا أنّ عمر نھی عن المتعة ما زني إلّا شقي»(1)

على أنّ عمر بن الخطاب نفسه لم ينسب التحريم إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم، بل قال قولته المشهورة بكلّ صراحة : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهی عنهما و اُعاقب عليهما ، متعة الحجّ ومتعة النساء»(2)

و هذا مسند الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد على أنّ أهل السنّة والجماعة مختلفون في هذه المسألة اختلافاً كبيراً ، فمنهم من يتّبع قول الرسول فيحلّلها ، ومنهم من يتّبع قول عمر بن الخطاب فيحرّمها.

أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس قال : تمتّع النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة.

فقال ابن عباس : ما يقول عُریة - تصغير لعروة - ؟

قال : يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة.

فقال ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبيّ ويقولون : نهى أبو بكر وعمر.(3)

و جاء في صحيح الترمذي أنّ عبدالله بن عمر سُئل عن متعة الحجّ، قال:

هي حلال ، فقال له السائل: إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال : أرأيت إن كان أبي نهی عنها وصنعها رسول الله ، أأمر أبي أتّبع أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل: بل أمر

ص: 251


1- جامع البيان للطبري مجلد 4 : ج 5 ص 13.
2- التفسير الكبير للفخر الرازي 50:10 .
3- مسند أحمد 1: 337.

رسول الله.(1)

والغريب أنّ أهل السنّة والجماعة أطاعوا عمر في متعة النساء وخالفوه في متعة الحج ، مع أنّ النهي عنهما وقع منه في موقف واحد!

الجمع بين الصلاتین

الجمع بين الصلاتین(2)

يتفق أهل السنّة والجماعة على جواز الجمع بين الصلاتين بعرفة بين الظهر والعصر ويُسمّى جمع تقديم ، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويُسمّى جمع تأخير ، وهذا ما يتّفق عليه كلّ المسلمين شيعة وسنّة ، بل كلّ الفرق الاسلامية بدون استثناء.

والخلاف بين الشيعة والسنّة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في كلّ أيّام السنة بدون عذر السفر.

أمّا الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتى في السفر ، وأمّا المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر ، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر.

وأمّا الشيعة الإمامية فمتفقون على جوازه مُطلقاً في غير سفر ولا مطر ولا مرض ولا خوف ، وذلك حسب الروايات التي يروونها عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام.

والواقع انّ روایات الجمع بين الصلاتین بدون عذر السفر أو المرض موجودة في كتب السنّة وصحاحهم كما هي موجودة عند الشيعة.

ص: 252


1- صحيح الترمذي 3: 185 ح 824 کتاب الحج .
2- لأكون مع الصادقین .

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(1) عن ابن عبّاس، قال : صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و في المدينة مقیماً غیر مسافر سبعاً وثمانياً .

وأخرج الإمام مالك في الموطأ(2)عن ابن عبّاس، قال : صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر .

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه(3)، قال : عن ابن عبّاس قال : صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر .

وأخرج كذلك عن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر .

قال: قلتُ لابن عباس: لِمَ فعل ذلك ؟

قال: كي لا يحرج اُمّته.(4)

وأخرج مسلم كذلك قال : خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتُعلّمني بالسنّة لا اُمّ لك ، ثمّ قال : رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

وفي رواية اُخرى : قال ابن عبّاس للرجل : لا اُمّ لك ، أتعلّمنا بالصلاة وكنّا

ص: 253


1- مسند أحمد 221 .
2- موطأ مالك (شرح الحوالك) 1: 144، کتاب قصر الصلاة في السفر.
3- صحیح مسلم 1: 284 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر .
4- صحیح مسلم 1: 285 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.(1)

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (2) في باب وقت المغرب قال : حدّثنا آدم قال : حدّثنا شعبة قال : حدّثنا عمرو بن دینار قال : سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: صلّى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم سبعاً جميعاً وثمانياً.

كما أخرج البخاري في صحيحه (3)، في باب العصر قال: سمعت أبا اُمامة يقول : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثمّ خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر، فقلت : يا عمّ ما هذه الصلاة التي صلّيت ؟ قال :

العصر ، وهذه صلاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم التي كنّا نصلّي معه.

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنّك لا تزال تجد من يشنّع بذلك على الشيعة .

السجود على التربة

السجود على التربة (4)

أجمع الشيعة على القول بأفضلية السجود على الأرض ، لما يروونه عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام قول جدّهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أفضل السجود على الأرض». .

ويشنّع علماء السنّة على الشيعة اتخاذهم طينة من التراب للسجود عليها ، ولكن عندما نرجع إلى كتبهم نجد انّهم يروون بانّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت له خُمرة مصنوعة من سَعف يسجد عليها .

ص: 254


1- صحیح مسلم 1: 285 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر .
2- صحیح البخاري 1: 206 ح 537 کتاب مواقيت الصلاة ، باب وقت المغرب .
3- صحيح البخاري 1: 202ح 524 کتاب مواقيت الصلاة ، باب وقت العصر .
4- لأكون مع الصادقین .

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن ثابت بن عبيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «ناوليني الخُمرة من المسجد»، قالت: فقلت : إنّي حائض ، فقال : «إنّ حيضتك ليست في يدك».(1)

يقول مسلم : والخُمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها .

وممّا يدلّنا على أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يحبّ السجود على الأرض ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضی الله عنه أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتکافه - قال : «من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد اُرِيتُ هذه الليلة ثمّ اُنسيتُها، وقد رأيتني أسجدُ في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كلّ وترٍ ٍ»، فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عریش فوكف المسجد ، فبصُرت عيناي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى و عشرين.(2)

وأخرج الإمام النسائي في سننه قال : أخبرنا قتيبة قال : حدّثنا عبّاد ، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن الحرث ، عن جابر بن عبدالله قال : كنّا نصلّي مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الظهر ، فاخذ قبضةً من حصى في كفّي اُبرّده ثمّ اُحوّله في كفّي الآخر ، فإذا سجدت وضعته لجبهتي.(3)

ص: 255


1- صحیح مسلم 1: 138 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها ، سنن أبي داود 68:1 باب الحائض تناول من المسجد.
2- صحيح البخاري 2: 713 - 714ح 1923 کتاب الاعتكاف .
3- سنن الإمام النسائي 1: 227 باب تبريد الحصى للسجود عليه .

اضف إلى كلّ ذلك أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»(1)، وقال أيضاً : «جُعلت لنا الأرض كلّها مسجداً وجعلت تُربتها لنا طهوراً».(2)

فكيف يتعصّب المسلمون ضد الشيعة لأنّهم يسجدون على الأرض بدلاً من السجود على الزرابي ؟! وكيف يصل بهم الأمر إلى تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زوراً وبهتاناً بأتّهم عبّاد الأنام ؟!

الرجعة

الرجعة (3)

تعني الرجعة عند الشيعة - طبقا لرواياتهم عن أهل البيت علیهم السلام - أنّ الله تعالی يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد ، ولا يرجع إلّا من علت درجته في الأيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثمّ يصيرون من بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعین - الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله - أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يُصلحون : «قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ِ»(4)

هذا رأي الشيعة بالرجعة ، وكما هو واضح فانّه لا يتعارض مع القرآن

ص: 256


1- صحيح البخاري 1: 128 ح 328 کتاب التيمم .
2- صحیح مسلم 1: 312 کتاب المساجد ومواضع الصلاة .
3- لأكون مع الصادقین .
4- غافر : 11 ، انظر : عقائد الإمامية للمظفّر : 109.

والسنّة النبويّة .

قال تعالى: «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا»(1)، وقال جلّ شأنّه: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ»(2)

وقال : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ»(3)

وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من ثلاثمائة عام: «ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا» (4)

فإذا كان أهل السنّة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحقّ ، ولكن ليس من حقّهم أن يشنّعوا على من يقول بها ، لعدم تعارضها مع نصوص القرآن كما أسلفنا .

أما قول بعض المتطفّلين من أهل السنّة والجماعة بأنّ القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين ، فهو قول ظاهر الفساد والبطلان، ولا يقصد من ورائه إلّا التشنيع على الشيعة ، إذ أنّ القائلين بالتناسخ لا يقولون بأنّ الإنسان يرجع إلى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وکُنهه ، إنّما يقولون بأنّ الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان .

و هذا كما نعلم بعيد کلّ البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأنّ الله يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم ، فليست الرجعة من التناسخ في شيء ، وهو قول

ص: 257


1- النمل : 83.
2- البقرة : 259.
3- البقرة : 243.
4- الكهف : 12.

الجهلة الذين لا يفقهون ، أو المغرضين غير الورعين .

المهدي المنتظرعلیه السلام

المهدي المنتظرعلیه السلام(1)

وهو من المواضيع التي يشنّع بها أهل السنّة والجماعة على الشيعة ، بل ذهب البعض منهم إلى حدّ السخرية والاستهزاء ، إذ أنّهم يستبعدون أو قُل يعتقدون استحالة أن يبقى بشرٌ طيلة اثني عشر قرناً حيّاً ومخفيّاً عن أنظار الناس .

ولكن ما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الاسلامية؟

يمكن تقسيم البحث إلى قسمين :

القسم الأوّل : يتعلّق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنّة .

القسم الثاني : يتعلّق بالبحث عن حياته و غیبته وظهوره.

أمّا في البحث الأوّل : فالشيعة والسنّة متّفقون على أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلمو بشّر به ، وأعلم أصحابه بأنّه سيظهره الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان ، وقد أخرج أحاديث المهدي علیه السلام كلّ من الشيعة والسنّة في صحاحهم ومسانیدهم.

وأنا بدوري وكالعادة - حسبما تعهدّت به في كلّ أبحاث الكتاب لا أستدل إلّا بما هو ثابت و صحیح عند أهل السنّة والجماعة.

فقد جاء في سنن أبي داود(2) قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي واطیء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً

ص: 258


1- لأكون مع الصادقین .
2- سنن أبي داود 2: 207 ، أول كتاب المهدي .

وجوراً».

وقال ابن ماجة في سننه(1): قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «المهدي منّا أهل البيت ، المهدي من ولد فاطمة». .

وجاء في صحيح الترمذي (2): قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يلي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي ، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي».

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (3) قال : حدّثنا ابن بکیر ، حدّثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أنّ أبا هريرة رضی الل عنه، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟»

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي کثيرة متواترة.(4)

أمّا بخصوص البحث الثاني والذي يتعلّق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته علیه السلام _ فهذا القسم أيضاً لم ينكره بعض علماء أهل السنّة الذين لا يستهان بهم، والذين يعتقدون بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت ، وُلِدَ، وأنّه لا يزال حيّاً ، وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويمصر الله به دينه ، وهم بذلك يوافقون أقوال الشيعة

ص: 259


1- سنن ابن ماجة 2: 1367 - 1368 ح 4085 و 4086.
2- سنن الترمذي 4: 438 ح 2230 و 2231.
3- صحيح البخاري 3: 1272 ح 3265 کتاب الأنبياء ، باب نزول عیسی بن مریم .
4- الصواعق المحرقة : 267.

الإمامية ومن هؤلاء:

1- محيي الدين بن العربي في فتوحاته المكّية .

2- سبط ابن الجوزي في كتابه تذکرة الخواص .

3- عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر .

4 - ابن الخشّاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمّة و وفياتهم .

5 - محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب .

6- أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل .

7 - ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة .

8- العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار .

9 - کمال الدين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول .

10 - القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة.

ولو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنّة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيّاً حتى يظهره الله تعالی.

والقرآن لا ينفي هذا الافتراض - بقاءه حيّاً -، وكم ضرب الله من مَثل على ذلك لأهل العقول الجامدة ، لكي يتحرّروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن و تُسلم بأنّ الله سبحانه قادر على كلّ شيء.

لذا فإنّ المسلم الذي ملأ الايمان قلبه لا يستغرب أن يميت الله عزيراً مائة عام ، ثمّ يبعثه فينظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنّه ، وإلى حماره كيف ينشز الله عظامه ويكسوها لحماً ، فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رمیماً ، فلما تبيّن له قال : أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير . سبحان الله ما أسرع تحوّله ، بينما قبل الحادثة استغرب واستبعد عند مروره على قرية خاوية على عروشها ، قال: انّی

ص: 260

يحيي الله هذه بعد موتها ؟!

والمسلم الذي يصدّق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطع سيّدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه على الجبال ثمّ يدعوهنّ فيأتينه سعياً.

والمسلم لا يستغرب بأنّ سيّدنا عيسی علیه السلام ولد من غير نطفة الذكر ، أي من غير أب ، وأنّه حيّ لم يمت وسيعود إلى الأرض.

ولا يستغرب بأنّ الله أماتَ أصحاب الكهف ثلاثة قرون وازدادوا تسعاً ، ثمّ بعثهم فكان حفيد الحفيد أكبر سنّاً من جدّ الجدّ.

ولا يستغرب بأنّ سيدنا الخضر علیه السلام حي لم يمت، وقد التقى مع سيدنا موسی علیه السلام.

ولا يستغرب بأنّ إبليس (لعنه الله) حيّ لم يمت وهو مخلوق قبل آدم علیه السلام، وما زال يواكب مسيرة البشر من أوّل خلقته إلى يوم فنائه ، ومع ذلك فهو مخفيّ لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة ، وهو يرى كلّ الناس .

إنّ المسلم يؤمن بكلّ هذا ولا يستغرب وقوعه، أفيستغرب وجود المهدي مخفيّاً لفترة من الزمان لحكمة يريدها الله سبحانه؟!

ص: 261

ص: 262

الفصل السادس: الوهابية والجذور التاريخية

اشارة

ص: 263

ص: 264

الوهابية والجذور التاريخية

الوهابية

الوهابية(1)

ينسب مذهب الوهابية إلى محمد بن عبد الوهاب ، الذي ولد سنة (1111 ه ) وتوفي سنة (1207 ه) وأخذ في أول عمره عن كثير من علماء مكة والمدينة ، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والاضلال ، وكان والده يذمّه ويحذّر الناس منه ، وكذا أخوه (سلیمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدثه وألف كتاباً في الرّد عليه ، وكان أول أمره مولعة بمطالعة أخبار مدعي النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأمثالهم ، فنشأ منحرفاً مشكّكاً بل وحاقداً.

ومن الطبيعي أنّ دعوته الضالة لم تستهو إلّا الأعراب المتخلّفين كما هو مسيلمة الكذاب ورهطه في مقابل دعوة الحقّ لرسول الله وأهل بيته وأتباعه .

الوهابية تكفّر المسلمين

إنّ منشأ شبهة الوهابية في حكمهم بشرك جميع المسلمين ، واستحلال

ص: 265


1- كلّ الحلول عند آل الرسول .

دمائهم وأموالهم كما فعلوا في مكة والمدينة والعراق وغيرها من البلاد الاسلامية ، بسبب زعمهم أنّهم يعبدون القبور بتعظيمهم لها بالتقبيل والطواف والتمسّك وبناء القباب والأسراج وغير ذلك !

مع العلم أنّ هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة والسنّة في جواز طلب الشفاعة من النبي صلی الله علیه و آله و سلم وغيره في دار الدنيا لاُمور الدنيا والآخرة ، فعن عبدالله بن عباس عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «ما من رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلّا شفعهم الله فيه».(1)

وعن عائشة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «ما من ميت يموت يصلّي عليه أمة من الناس يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلّا شفعوا فيه».(2)

وهذا على رأي الوهابية شرك ، لأنّه كما يدّعون مخالف لقوله تعالى: «فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»(3) نعوذ بالله من هذا البهتان العظيم على رسوله الكريم صلی الله علیه و آله و سلم!

و هناك الكثير من الأحاديث التي تخصّ الشفاعة أوردها بعض العلماء كالحديث الآتي والذي ذكره السمهودي الشافعي، عالم المدينة في كتابه الوفا بأخبار المصطفی ، والحاكم في المستدرك، وصحّح اسناده عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسالك بحقّ محمد لما غفرت لي ، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدأ ولم أخلقه، قال :یا ربّ ، لأنّك لما خلقتني بيدك و نفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مکتوباً : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ... قال الله تعالی:

ص: 266


1- صحیح مسلم 2: 655 ح 948.
2- صحیح مسلم 2: 654ح 947.
3- الجن : 18.

صدقت یا آدم ، انّه لأحب الخلق إلىَّ إذ سألتني بحقّه ، فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك».(1)

الجذور التاريخية للوهابية

إذا رجعنا إلى تاريخنا و تصفّحنا أحداثه الأليمة لاستوقفتنا بعض الأحداث التوحي لنا من طرف خفيّ بأنّ للوهابية التي عرفناها في هذا القرن جذور قديمة بقدم الاسلام بقيت تظهر حيناً وتختفي أحياناً ، تظهر مرّة بجرأة وتختفي اُخرى برهبة وتقيّة ، حتى انتكس الاسلام وفجع في أركانه وأكبر رموزه، وجاء الاستعمار ليغذّي هذا الفكر الجديد ويقوّيه.

والهدف من وراء ذلك هو تحطيم تلك الهالة والتقديس لصاحب الرسالة صلی الله علیه و آله و سلم، والمسلمون حسب مفهوم الاستعمال يقدّسون شيئين إثنين وهما القرآن والسنّة ، وهما المصدران الأساسيان للشريعة الاسلامية المستهدفة من قبلهم.

وقد عرفوا بأنّ كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّ الله سبحانه تكفّل بحفظه، أمّا السنّة النبوية فهي عرضة للطعن والدسّ والوضوع وإنّما وقع الاختلاف فيها من أول يوم غادر فيه رسول الله هذه الدنيا .

لكنهم أدركوا بأنّ العلماء من الاُمّة تداركوا تلك السنّة فجمعوا منها ما ثبت صحته ووضعوا لذلك قوانین و ضوابط تمنعها من الزيادة والنقصان.

فتفطّنوا إلى حيلة شيطانية خبيثة تمكّنهم من القضاء على المسائل الروحية التي تمثّل العامل الحركي النشيط في حياة المسلمين ، ومتى ترك المسلمون

ص: 267


1- الوفا بأخبار المصطفى 4 : 1371 - 1372 ، المستدرك للحاكم 2: 615.

الروحانيات ، فإنّهم سيقتربون من المادية الملحدة شيئاً فشيئاً ويصبحون غثاء كغثاء السيل.

وفتّشوا عن شخص مسلم له من الطموح الغير محدود واكتشفوا محمد بن عبد الوهاب الذي تنتسب إليه الوهابية ، ونفخوا فيه من روحهم وأقنعوه بأنّه عالم عصره وأنّه عنده من العبقرية والذكاء ما لم يكن عند الخلفاء الراشدين أنفسهم .

وأطلعوه على إجتهادات الخلفاء في معارضة النصوص الصريحة من الكتاب والسنّة، وبالخصوص معارضة عمر بن الخطاب للنبي في حياته ، وأقنعوه بأنّ محمداً بشر غير معصوم وقد أخطأ في عديد المرّات وأصلحه بعض الناس ، فهذا دليل على ضعف شخصيته .

ثمّ أطمعوه في الحكم والاستيلاء على الجزيرة العربية أولاً، ثمّ العالم العربي والاسلامي ثانياً .

وقامت الوهابية على هذه المفاهيم وهي تحاول جهدها انتقاص شخصية الرسول والتقليل من أهميته حتى أصبح علماؤهم يقولون : صراحة : الرجّال مات ، ويقول كبيرهم : إنّ محمداً رمّة بالية لا تضرّ ولا تنفع وعصاي أفضل منه لأنّها تضرّ وتنفع.

وقد قيلت عبارات شبيهة بهذه المعاني في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال : «تبّاً لهم إنّهم يطوفون برمّة بالية ولو طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لكان خيرا لهم»..

وفي الحقيقة ما جرّأ الحجاج والفسّاق من بني اُمية على التطاول والإنتقاص من شخصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم إلّا جرأة عمر بن الخطاب الذي قال

ص: 268

بحضرة النبي : «إن الرجل ليهجر وحسبكم كتاب الله».(1)

و في هذه المقولة بالذات كلّ المعاني التي تحاول الوهابية جهدها تكريسها وترسيخها في عقول الناس فهم يقولون أنّ محمداً انتهى دوره ولم يعد إلّا تاریخاً ومن توسّل به فكأنّه عبده وأشركه في الربوبية.

وهذه أيضاً ليست فكرة جديدة ، بل لها أيضاً جذور تاريخية وقد صرّح بها أبو بكر عندما خرج على الناس ليقول لهم : «أيّها الناس من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت».(2)

فما هو الداعي لهذه الكلمة وهو يعلم علم اليقين أنّه ليس هناك أحدٌ من المسلمين يعبد محمداً أمّ أنّ أبا بكر كان يعتقد أن بعض المسلمين يعبد محمداً حقّاً وحقيقة ، فكيف يسكت محمد على ذلك ولا يردعهم ولا يزجرهم ، بل كيف لا يقتلهم ؟

ولكنني شخصياً اقتنعت أنّهم كانوا يحملون نفس الفكر الذي ظهر الآن عند الوهابية ، بمعنى أنّهم كانوا لا يطيقون تقديس الناس لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

وقد أفصح عن مكنون صدورهم زعیم قریش معاوية بن أبي سفيان عندما قال له المغيرة :«يا أمير المؤمنين لو وصلت رحمك من بني عمومتك بني هاشم فوالله ما بقي عندهم شيء تخافه ولعل ذلك يحدث لك ذكراً؟

فقال معاوية : ملك أخو تیم فما إن هلك حتى هلك اسمه إلّا أن يقول قائل أبو بكر ، وملك أخو عدي فشمّر عشر سنين فما إن هلك حتى هلك إسمه إلّا أن

ص: 269


1- صحیح مسلم 3: 1259ح 21 - 22.
2- صحيح البخاري 17:6 .

يقول قائل عمر ، وملك عثمان ففعل ما فعل ، وفعل به فما إن هلك حتى هلك اسمه ، ولم يبق إلّا ابن أبي كبشة ينادي باسمه خمس مرّات في كلّ يوم : أشهد أنّ محمداً رسول الله ! فأي ذکر یبقی بعد هذا لا اُمّ لك ، والله إلّا دفناً دفناً.(1)

انّها الوهابية في أجلى مظاهرها وأفصح تعبيرها خطّطت بالأمس وهي تحاول تنفيذ ذلك المخطّط اليوم وفي المستقبل، ويريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكايرونه .

النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأصحابه يردون على الوهابية

لا شكّ بانّ القرآن الكريم أقرَّ الوساطة والوسيلة بين الله وبين عباده ولم يحرم ذلك ولا منع منه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بل ندب إليه وجعله مُباحاً.

وبما أنّ القرآن جعل من أفعال الرسول وأقواله وإقراره اُسوة لنا نهتدي بها في سائر حياتنا اليومية ، فقال الله عزّ وجلّ : «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»(2)

وعلى هذا ال أساس فإنّنا سوف نستدلٌ بأفعاله وأقواله صلی الله علیه و آله و سلم ولا نستدلّ بما أخرجه الشيعة في كتبهم ، ولا بما أخرجه السنّة في كتبهم، فذلك سوف يفوق الإحصاء ، ولكنّنا نكتفي بما أخرجه البخاري وحده في صحيحه ليكون الردّ على الوهابية ب (الضربة القاضية) فلا يتكلمون بعدها إن كانوا منصفين ، وإلّا فإنّ عنادهم وتعصّبهم الأعمى سوف يفضحهم عند كلّ المسلمين .

ص: 270


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد5 :130، النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية : 123 - 124، نقلاً عن الطبري وابن الأثير.
2- الأحزاب : 21.

الصحابة يتبرّكون بأثار النبي صلی الله علیه و آله و سلم

إنّه من نافلة القول أنّ نقول بأنّ فعل الصحابة هو حجّة على الوهابية لأنّهم يؤمنون بعدالة الصحابة أجمعين ، بل ويزعمون أنّهم على آثارهم مقتدون ، ويقولون على أنفسهم بأنّهم سلفيون بمعنى أنّهم يتّبعون السلف الصالح والصحابة كلّهم صالحين .

1- أخرج البخاري في صحيحه عن مالك بن إسماعيل قال: حدّثنا إسرائيل عن عاصم ، عن ابن سیرین قال : قلت لعبيدة : عندنا من شعر النبي صلی الله علیه و آله و سلم أصبناه من قِبَل أنسٍ ٍ أو من قِبَل أهل أنس.

فقال : «لأن تكون عندي شعرة منه أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها»(1)

2 - أخرج البخاري عن محمد بن عبد الرحيم قال : أخبرنا سعيد بن سليمان قال : حدّثنا عباد ، عن ابن عون ، عن ابن سیرین ، عن أنس أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لمّا حلق رأسه كان أبو طلحة أوّل من أخذ شعره.(2)

فإذا كان أنس بن مالك الصحابي المشهور يحتفظ بشعر الرسول فيخصّ به بعض أهله وبعض أصحابه ، وإذا كان الصحابي يقول: «لأن تكون عندي شعرة منه أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها». .

فهذا لعمري أقوى دليل على أنّهم كانوا رضي الله عنهم يتبرّكون بآثار النبی صلی الله علیه و آله و سلم .

وهذا لعمري ردّ على الوهابية الذي يضربون الحجاج من أجل التبرّك بآثار

ص: 271


1- صحيح البخاری 54:1 ، کتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الانسان .
2- المصدر السابق .

النبي صلی الله علیه و آله و سلم وبكلّ شيء يمتّ إليه .

3- أخرج البخاري في صحيحه في باب ما ذُكر من درع النبي صلی الله علیه و آله و سلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك ممّا لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله و آنیته ممّا تبرّك أصحابه وغيرهم بعد وفاته.(1)

4 - أخرج البخاري في صحيحه عن الزبير قال : لقيت يوم بدرٍ ٍ عبيدة بن سعید بن العاص وهو مدجّج لا يُرى منه إلّا عيناه وهو يكنّى أبو ذات الكرش ، فقال : أنا أبو ذات الكرش ، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات.

قال هشام : فأخبرتُ أنّ الزبير قال : لقد وضعت رجلي عليه ثمّ تمطّأت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنی طرفاها ، قال عروة : فسأله إيّاها رسول الله فأعطاه إيّاها ، فلما قُبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أخذها ثمّ طلبها أبو بكر فأعطاه إيّاها ، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر فأعطاه إيّاها ، فلمّا قبض عمر أخذها ثمّ طلبها عثمان منه فأعطاه إيّاها ، فلمّا قُتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قُتل.(2)

ونلاحظ من خلال هذه الرواية بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تبرّك هو نفسه بهذه العصا التي كان يملكها الزبير ويلقى بها الأبطال في الحروب ، فقد بارز عبيدة بن سعید بن العاص وهو مدجج، يعني أنّه لبس لباس الحديد الذي يقيه طعن السيوف والرماح ، فلا يُرى منه إلّا عيناه ، وإذا بالزبير يطعنه في عينه بهذه العصا فيموت ، ثمّ يجهد نفسه حتى ينتزعها من عينه.

فلا نستغرب إذن أن يكون رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد طلب من الزبير أن يعطيه

ص: 272


1- صحيح البخاري 4: 100، باب دعاء النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى الاسلام والنبوّة .
2- صحيح البخاري 5: 104، کتاب المغازي ، باب شهود الملائكة بدراً.

تلك العنزة ليتبرّك بها أو ليعلّم الناس بأنّ التبرّك جائز في شريعته وهذا الاحتمال قوي جداً خصوصاً إذا عرفنا بأنّ الخلفاء من بعده كلّهم طلبوها.

والجدير ذكره هنا انّنا نجد في القرآن الكريم إشارات عديدة للتبرّك بالأشياء التي لها علاقة بالأنبياء والمرسلين ، فقد جاء في الذكر الحكيم :«قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ «قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي»(1)

ولعلّ السامري الذي بصُر بما لم يبصر به بقية الصحابة عندما قبض قبضة من أثر الرسول حقّق بها بعض المعجزات فظنَّ أن موسی ساحر عليهم ، وأنّ الآيات التي أظهرها أمام الناس ما هي إلّا سحر يقدر عليه من يمتلك أسبابه ، لذلك نبذ قبضة التراب من أثر الرسول وسولت له نفسه أن يعود ببني إسرائيل إلى عبادة العجل والقصة تؤيّد ما ذهبنا إليه من إظهاره بعض الكرامات والمعجزات لبني إسرائيل حتى اتّبعوه واغترّوا به .

كما نجد في القرآن الكريم إشارات اُخرى للتبرّك والاستشفاء بآثار الأنبياء ، قال تعالى في سورة يوسف : «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ «وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ «قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ «فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(2)

فالذي يُفهم من هذه الآيات أنّ نبي الله يعقوب كان أعمى قد كفّ بصره وأنّ ابنه يوسف بعث بقميصه وطلب من البشير أن يمسح به وجه أبيه كي يُشفى من

ص: 273


1- طه : 95-96.
2- يوسف : 93 - 96.

العمى ويرجع إليه بصره ، وذلك ما وقع بالفعل .

ومع ايماننا الراسخ بأنّ الله سبحانه قادر على ردّ بصر یعقوب بدون قميص يوسف ، وقادر على تفجير الماء من الحجر وفلق البحر بدون عصا موسى ، وقادر على إحياء المقتول بدون ضربه بعض أجزاء البقرة.(1)

إلّا أنّه عزّ وجلّ جعل وسيلة وواسطة لذلك، لكي يفهم الناس بأنّ الوسيلة والوساطة هي من سنّة الله في خلقه ، وليست شركاً بالله كما يدّعي ذلك الوهابية مه وأتباعهم.

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقرّ التبرّك ويعلّمه لأصحابه

لا يغترنّ أحد بقول بعض المنکرین بأنّ التبرّك إنّما هو بدعة أحدثها بعض الصحابة أو بعض التابعين ، وذلك لجهلهم بحقائق الاُمور أو لتعصبهم للمذهب الوهابي ، فالمذهب الوهابي نفسه بدعة، ويا لها من بدعة ، تلك التي تتهم المسلمين بالشرك لمجرّد شبهة باطلة اختلقتها الوهابية .

فقد أقرّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تبرّك أصحابه في العديد من المرّات و وافقهم عليه ، بل وندبهم إليه فأصبح الصحابة بعد ذلك يتنافسون إليه.

1- أخرج البخاري في صحيحه عن آدم قال : حدّثنا شعبة ، قال : حدّثنا الحكم ، قال : سمعتُ أبا جحيفة يقول : خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالهاجرة فاُتي بوضوء فتوضّأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به .

فصلّى النبي صلی الله علیه و آله و سلم الظهر رکعتین والعصر رکعتین و بين يديه عنزةٌ ، وقال أبو

ص: 274


1- إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»«البقرة : 72-73» .

موسی: دعا النبي صلی الله علیه و آله و سلم بقدح فيه ماءٌ فغسل يديه ووجهه فيه ومجَّ فيه ، ثمّ قال لهما : «اشربا منه وافرغا على وجوهكما ونحورکما».(1)

2- قال البخاري : عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال ، فأتى النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرابيّ ، فقال الأعرابي : ألا تنجزُلي ما وعدتني ؟

فقال له : «أبشر». .

فقال : قد أكثرت علىَّ من أبشر .

فأقبل النبي على أبي موسى و بلال کھيئة الغضبان فقال : «ردَّ البشري فاقبلا أنتما» ، قالا : قبلنا ، ثمّ دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجَّ فيه ثمّ قال : «إشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا».

فأخذا القدح ففعلا فنادت اُمّ سلمة من وراء الستر : أن افضِلا لاُمّكما ، فأفضلا لها منه طائفهً.(2)

هذه الروايات الصحيحة في التبرّك لا تُثبت إقرار النبي فحسب ، بل تثبت بأنّه هو الذي أمر به أصحابه بعدما غسل فيه يديه ووجهه و مجَّ فيه (أي تمضمض ثمّ أفرغ الماء من فيه ) ثمّ قال لها : اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا ، بشّرهما بأنهما سيلقيان كلّ الخبر ببركة هذا الماء الذي غسل فيه النبي صلی الله علیه و آله و سلم وجهه ويديه وفمه ، حتى طلبت اُمّ سلمة وهي زوج النبي أن يفضلا لها بعضه التبرّك به ، فأين الوهابية من هذه الحقائق الدامغة أم على قلوب أقفالها .

ص: 275


1- صحيح البخاري 1: 59 کتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس .
2- صحيح البخاري 5: 199 کتاب المغازي ، باب غزوة الطائف في شوال .

الوهابية تحزم زيارة القبور

من البدع التي شاعت في زماننا الحاضر هو القول بتحريم زيارة القبور على النساء.

والمرأة المسلمة عندما تحجّ إلى بيت الله الحرام فلا يسمحوا لها بزيارة البقيع ولا بزيارة مقبرة أحد ولا غيرها من المقابر .

والوهابية هي التي حرمت ذلك ولا زالت تحرمه وليس لها دليل إلّا التعصب .

وإليك الأمثلة :

1- أخرج مسلم في صحيحه في باب الجنائز بأنّ عائشة سألت رسول الله :

ماذا تقول إذا جاءت إلى المقابر ، فقال لها : «قولي السلام عليكم دار قوم آمنين أنتم من السابقين ونحن إن شاء الله بكم من اللاحقين ويغفر الله للمتقدّمين والمتأخرين»(1)

2- أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : مرّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بامرأةٍ تبكي عند قبر فقال : «اتّقي الله واصبري».

قالت : إليك عنّي ، فإنّك لم تُصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ؛ فقيل لها إنّه النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوّابين فقالت : لم أعرفك .

فقال : «إنّما الصبر عند الصدمة الاُولى».(2)

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً ملأت كتب الصحاح عند أهل السنّة وعند الشيعة .

ص: 276


1- صحیح مسلم 2: 699- 671ح 103.
2- صحيح البخاري 2: 99 - 100 باب زيارة القبور باب الجنائز .

و .

الشيعة وأهل السنّة يردّون على الوهابية

أمّا بخصوص التشنيع والتهويل والتكفير الذي تُثيره الوهابية ضد أتباع أهل البيت من أجل التوسّل بالنبي وأهل بيته الأئمّة الأطهار والتمسّح بأثارهم للتبرّك بها وشدّ الرحال لزيارة مراقدهم ، فهو أمر جديد ما كان يعرفه الشيعة ولا يعرفه أهل السنّة والجماعة ، وقد دأب المسلمون من أيام النبي صلی الله علیه و آله و سلم وإلى يومنا هذا على التبرك والتوسّل والاحتفال في كلّ بقاع الدنيا وفي كلّ بلاد المسلمين قاطبة ولم ينكر ذلك إلّا الوهابية الذين ظهروا بمذهبهم الجديد في القرن الرابع عشر للهجرة.

وكان من الطبيعي جدّاً أن يخالف الوهابية كلّ المسلمين في هذه العقيدة ليظهروا بمظهر التجديد ودعاة التوحيد أولاً وثانياً ليبرّروا كره المسلمين ومعارضتهم لبدعهم.

والحق يقال أنّه لم يُبتلى المسلمون بمثل ابتلائهم بالوهابية في هذا القرن العدة أسباب منها :

أوّلاً: أن دعوتهم دعوة باطلة ولكنهم ألبسوها لباس الحق، فتراهم يُحرمون التوسّل ويُعاقبون عليه بدعوى أنّه شرك بالله ، والله سبحانه يقول: «فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»(1) هي بالضبط دعوة الخوارج الذين كفّروا الإمام علي بن أبي طالب وقالوا له : «ليس الحكم لك يا على إنّما الحكم لله»(2) فقال سلام الله عليه: «إنّها كلمة حقب يراد بها باطلاً».

فدعوة الوهابية لدعوة الخوارج دعوة حقّ ولكنّهم ما أرادوا بها إلّا الباطل

ص: 277


1- الجن : 18.
2- تاریخ الاسلام للذهبي 2: 587 - 591.

ليموّهوا على بسطاء العقول الذين لا يعرفون مقاصد الشريعة بأنّهم وحدهم الموحّدون وغيرهم مشركون لأنّهم يدعون مع الله غيره من العباد.

هي دعوة حقّ عندما يقولون : قال الله تعالی: «قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا»(1)، ولكنّهم يريدون الباطل عندما يحرّمون التوسّل إليه سبحانه برسوله محمد صلی الله علیه و آله و سلم أو بالأئمّة الأطهار من عترته ويموّهون على الناس بأنّ ذلك شرك بالله .

و واضح بأنّ هناك فرق بين الذين يعتقدون بأنّ الله أنداداً ينفعون ويضرّون فيجعلون لكلّ شيء آلهة فهذا إله الخير وذاك إله الشرّ وهذا إله السلم وذاك إله الحرب وإله الحب وإله الخمر ...الخ.

وبين الذين يعتقدون بأنّ الله واحد لا شريك له ، لا رادّ لحكمه ولا معقّب له وأن الله سبحانه هو الذي أعطاهم حقّ التوسل إليه بأنبيائه وأوليائه .

هذا هو الفرق بين العقيد تين ، الشرك والتوسل ، وهذا هو وجه الاتفاق بين الفريقين الخوارج و الوهابية .

قال الخوارج : لا حكم إلّا لله ، وقالت الوهابية : لا توسل إلّا بالله .

قال الخوارج : لا حكم لك يا علي .

وقالت الوهابية : لا وسيلة لك يا محمد .

وفي القولين باطلٌ مستور بلباس الحقّ فكما أنّ الحكم هو لله وحده ولكن الله سبحانه شرّعه لعباده ليحكموا فيما بينهم بالحقّ والعدل.

ص: 278


1- الجن : 20.

كذلك فإنّ الوسيلة هي لله وحده ولكنّ الله سبحانه شرّعها لعباده ليتّخذوا ورُسله و أولياءه وسيلهً إليه ، وهذا واضح في الشريعة الاسلامية وفي كلّ الشرائع السابقة أيضاً باعتبار أنّها كلّها من مصدر واحد وأنّ الدين عند الله الإسلام.

ثانياً : احتلال الوهابية للأماكن المقدّسة عند كلّ المسلمين على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وجنسياتهم.

ثالثاً : الثراء الكبير من العائدات النفطية وكثرة آبار البترول ومناجم الذهب وغيرها كلّ ذلك ساعد الوهابية على الانتشار في ارجاء العالم ، فقد خصّصوا مبالغ طائلة إلى أئمّة المساجد الذين استمالوا وتألّفوا قلوبهم بالمال في كل بقاع الدنيا وعملوا على نشر المذهب الجديد بشتى الوسائل والطرق.

رابعاً : العلاقات الدولية التي امتازت بها الوهابية من خلال ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة، فأصبحت الوهابية العين اليمني لأمريكا ، كما انّ اسرائيل هي عينها اليسرى ، ولكنّ أمريكا تأخذ من الوهابية كلّ شيء وتعطي لإسرائيل كلّ شيء .

ص: 279

ص: 280

ص: 281

ص: 282

الفصل السابع: شبهات وردود

شبهات وردود

شبهات وردود (1)

1- إذا كان الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الاُمّة من النزاع والاختلاف بسبب الخلافة ، فلماذا لم يعيّن الخليفة له ؟

ج - لقد عيّن صلی الله علیه و آله و سلم خليفة له بعد حجّة الوداع وهو علي بن أبي طالب ، وأشهد على ذلك صحابته الذين حجوا معه ، وكان يعلم بأنّ الاُمّة ستغدر به وتنقلب على أعقابها .

2 - كيف لم يسأل الرسول أحد من أصحابه عن هذا الأمر وقد كانوا يسألونه عن كلّ شيء؟

ج - لقد سألوه وأجاب : قال تعالى: «يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ»(2)، وسألوه وقال : ««إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3)وسألوه فقال صلی الله علیه و آله و سلم :«إنّ هذا أخي ووصيّ و خلیفتي من بعدي»(4)

ص: 283


1- فاسألوا أهل الذكر .
2- آل عمران : 154.
3- المائدة : 56.
4- تارخ الطبري 2: 319- 321، تاریخ ابن الأثير 2: 62- 63.

3 - لماذا عارض بعض الصحابة رسول الله حين أراد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة بعده ، وقالوا بأنّه يهجر؟

ج - لقد عارض بعض الصحابة النبي صلی الله علیه و آله و سلم حين أراد أن يكتب لهم ما يمنعهم من الضلالة واتهموه بالهجر ، لمّا عرفوا بأنّه يريد تعيين علي بن أبي طالب كتابياً ، لأنّه سبق أن قال لهم في حجّة الوداع بأنّ المتمسّك بالكتاب والعترة لن يضلّ بعده أبداً ، ففهموا بأنّ مضمون الكتاب سيكون بنفس الألفاظ، لأنّ عليّاً هو سید العترة وإنّما اتّهموه بالهجر ليعدل عن الكتابة نهائياً ولأنّ النزاع والخلاف قام حول الكتاب قبل کتابته ، وإذا كان النبي يهجر (حسب اعتقادهم) فإنّ كتابه سيكون هذیاناً فالحكمة تقتضي عدم الكتابة .

4- لماذا لم يصرّ على كتابة الكتاب خصوصاً وانّه يعصم الامة الاسلامية من الضلالة ؟

ج - لم يكن في وسع الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: أن يصر على الكتابة ، لأنّ العصمة من الضلالة قد انتفت لموافقة الكثير من الصحابة على أنّه يهجر ، فأصبح الكتاب هو مصدر ضلالة بدلاً أن يكون عاصماً منها ، ولو أصرّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم على كتابته لقامت بعده دعاوی باطلة قد تُشكّك حتى في كتاب الله ونصوص القرآن.

ه- لقد أوصى النبي صلی الله علیه و آله و سلم قبل موته بثلاث وصایا شفوية فلماذا وصلت إلينا وصيتان وضاعت الوصية الثالثة ؟

ج - الأمر واضح في انّ الوصية الأولى هي التي ضاعت لأنّها تخصّ استخلاف علي ، ولأنّ الخلافة التي قامت منعت الحديث عنها ، وإلّا كيف يصدق عاقل أن يوصى النبي فتُنسی کما ذكره البخاري.

ص: 284

6- هل كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم لا يعلم بموعد موته؟

ج - لا شكّ بأنّه كان يعلم مسبقاً بموعد وفاته في الوقت المعلوم وقد علم بذلك قبل خروجه لحجّة الوداع ، ومن أجل ذلك سمّاها حجّة الوداع وبذلك علم أكثر الصحابة دنوّ أجله .

7- لماذا جهّز النبي جيشاً عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار من كبار الصحابة وأمرهم بالمسير إلى مؤتة بفلسطين قبل وفاته بيومين ؟

ج - عندما علم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بالمؤامرة التي دبّرتها قريش وأنهم تعاقدوا على نبذ العهد بعده وإبعاد علي عن الخلافة ، عمد إلى تعبئة هؤلاء ليبعدهم عن المدينة وقت وفاته فلا يرجعون إلّا وقد استتبّ الأمر لخليفته ، فلا يقدرون بعدها على تنفيذ مخططهم وليس هناك تفسيراً مقبولاً غير هذا لسرية اُسامة ، لأنّه ليس من الحكمة أن يُخلي النبي صلی الله علیه و آله و سلم عاصمة الخلافة من الجيش والقوة قبل وفاته بيومين فقط .

8- لماذا لم يُعيّن النبي صلی الله علیه و آله و سلم عليّاً في جيش اُسامة ؟

ج - لأنّه لا ينبغي لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يذهب إلّا ويترك خليفة ليدبّر الاُمور بعده ، وبما أنّه لم يُعبّیء عليّاً ضمن ذلك الجيش الذي عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ، فدلّ هذا التصرف الحكيم بأنّ عليّاً هو الخليفة بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم مباشرة ، ولأنّ الذين لم يُعبّؤهم رسول الله في الجيش ليس فيهم من يطمع في الخلافة ولا من يبغض عليّاً ويريد الغدر به .

9- لماذا أمّر عليهم شاباً صغيرة لا نبات بعارضيه؟

ص: 285

لمّا كان الحاسدون والغادرون لعلي يتذرّعون بصغر سنّه وأنّ عظماء قريش الذين بلغوا الستّين لا ينقادون لعلي وعمره لم يُجاوز الثلاثين إلّا قليلاً - فأمّر عليهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم، اُسامة وعمره سبعة عشر –لا نبات بعارضيه وهو من الموالي ليّاً لأعناقهم وإرغاماً لاُنوفهم ، كي يُبيّن لهم أولاً ولكل المسلمين ثانياً بأنّ المؤمن الصادق في إيمانه يجب عليه أن يسمع ويُطيع ولو وجد في نفسه حرجاً ممّا قضى الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ويسلّم تسليماً - وأين اُسامة بن زید بن حارثة من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، باب علم النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وأسد الله الغالب ، وهارون محمد صلی الله علیه و آله و سلم، ولذلك تفطّنوا إلى تدبيره صلی الله علیه و آله و سلم في تأميره اُسامة عليهم فطعنوا في إمارته ورفضوا الخروج معه والتخلّف عنه ، ولا ننسى أنّ فيهم الدهاة الذين قال في حقّهم القرآن الكريم: «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ»(1)

10 - لماذا اشتدّ غضب النبي صلی الله علیه و آله و سلم على المتخلّفين منهم حتى لعنهم ؟

ج - لقد اشتدّ غضبه صلی الله علیه و آله و سلم عليهم لمّا علم أنّهم طعنوا في تأميره ، فالطعن موجّه إليه لا إلى اُسامة وتحقّق بذلك عنده عدم إيمانهم وإخلاصهم لله ولرسوله صلی الله علیه و آله و سلم، وأنّهم عازمون على تنفيذ مُخططهم كلّفهم ذلك ما كلّفهم عند ذلك أطلق لعنته الأخيرة على المتخلّفين ليفهمهم وأتباعهم والمسلمين كافة بأنّ الأمر قد بلغ منتهاه ليهلك من هلك على بيّنة .

11 - هل يجوز لعن المسلم خصوصاً من النبي صلی الله علیه و آله و سلم؟

ج - إذا كان الاسلام هو التلفّظ بالشهادتين بأن يقول الإنسان : اشهد أن لا

ص: 286


1- إبراهيم : 46.

إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثمّ لا يمتثل إلى أوامرهما ولا يسمع ولا يطيع الله وللرسول صلی الله علیه و آله و سلم فيجوز لعنه ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»(1)

وإن كان الله يلعن من كتم الحقّ فما بالك بمن عاند الحق وعمل على إبطاله؟

12 - هل عیّن الرسول صلی الله علیه و آله و سلم أبا بكر ليُصلّي بالناس؟ ج - من خلال الروايات المتناقضة نفهم أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يعيّن أبابكر ليصلّي بالناس ، اللهمّ إلّا إذا اعتقدنا ما قاله عمر بن الخطاب في هجرانه ، ومن اعتقد بذلك فقد کفر ، وإلّا كيف يصدّق عاقل بأنّه أمره ليُصلي بالناس في حين أنّه عبّأه في جيش اُسامة وجعل هذا الأخير أميراً علیه وإماماً له؟ وكيف يُعينه الإمامة الصلاة في المدينة وهي خالية منه؟ والتاريخ يشهد بأنّه لم يكن حاضراً في المدينة يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، والثابت كما ذكر بعض المؤرخين الذين روى عنهم ابن أبي الحديد ، بأنّ عليّاً عليه السلام اتّھم عائشة بأنّها هي التي أرسلت إلى أبيها ليصلّي بالناس ولمّا علم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بذلك غضب وقال لها: «إنّكن صواحب يوسف» و خرج إلى المسجد فأزاح أبا بكر وصلّى بهم صلاة المضطرين لئلّا يترك لهم حجّة بعد ذلك.

13 - لماذا أقسم عمر بن الخطاب بأن رسول الله لم يمت ، وتهدّد كلّ من يقول بموته بالقتل ، ولم يهدأ إلّا بوصول أبي بكر؟

ج - لقد هدّد عمر بالقتل كلّ من حاول أن يقول بموت النبي صلی الله علیه و آله و سلم

ص: 287


1- البقرة : 159.

ليشكّكهم ويتركهم في حيص بيص حتى لا تتمّ بيعة لعلي ، وحتي يصل إلى المدينة أبطال المعارضة الذين تعاقدوا على الأخذ بزمام الأمور والذين لم يَصِلُوا بعد فوجدَ نفسه قد سبقهم فلعب دور المصاب بالذّهول وسلّ سيفه فخوف النّاس، ولا شكّ بأنّه منع الّناس الدخول إلى الحجرة النبوية ليتثبّتوا الأمر ، وإلا لماذا لم يجرؤ أحدٌ على الدخول إلا أبو بكر عندما وصل دخل وكشف عن وجهه وخرج ليقول لهم «من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ومن كان يعبدٌ الله فانّ الله حيّ لا يموت». .

ولا بدّ لنا هنا من تعليقة صغيرة على هذا القول. فهل كان أبو بكر يعتقد بأنّ في المسلمين من يعبُدُ محمّداً ؟ كلَّا وإنما هو تعبير مجازي على شتم وانتقاص بني هاشم عامّة وعلي بن أبي طالب خاصّة الذين كانوا يفخرون على سائر العرب بأن محمّداً رسول الله منهم وهم أهله وعشيرته وأحقّ النّاس به.

وهو أيضاً تعبير عمّا أفصح به عمر بن الخطاب يوم رزية الخميس عندما قال : «حسبنا کتاب الله يكفينا» ولسان حاله يقول : لا حاجة لنا بمحمّد فقد انتهى أمره و ولّی عهده ، وهذا بالضّبط ما أكّده أبو بكر بقوله : من كان يعبدُ محمّداً فإنّه قد مَاتَ.

ويعني بذلك : يا من تفتخروا علينا بمحمّد تأخروا اليوم فإنّه انتهى أمره وحسبنا کتاب الله فإنه حي لا يموت ، ومن الملاحظ أنّ علياً وبني هاشم كانوا يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وكانوا يُبالغون في احترامه وتقديسه وتنفيذاً أوامره ، واتّبعهم على ذلك الموالي من الصحابة والذين كانوا غُرباء عن قريش ، وكانوا إذا بصق رسول الله بصقة تسارعوا إليها ليمسحوا بها وجوههم ، ويتخاصمون على فضل وضوئه أو على شعره، وكل هؤلاء المساكين

ص: 288

والمستضعفين كانوا شيعة لعلي من زمن النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وهو الذي سمّاهم بهذا الاسم.(1)

أما عمر بن الخطاب وبعض الصّحابة من سراة قريش فكانوا ما يُعارضوا أحكام النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ويُناقشوه ويعصوه ، بل ويُنزّهون أنفسهم عن أفعاله.(2)

وقد قطع عمر بن الخطاب شجرة بيعة الرضوان لأنّ بعض الصّحابة كانوا يتبرّكون بها - كما فعل الوهابيون في هذا القرن فإنّهم محوا آثار النبي صلی الله علیه و آله و سلم من الوجود، وحتى البيت الذي وُلد فيه لم يتركوه ، وهم يحاولون الآن بكل جهودهم وأموالهم أن يمنعوا المسلمين من الاحتفال بذكرى مولده الشريف. ومن التبرّك به و بالصّلاة عليه حتى أفشوا لدى المغفلّين بأنّ الصّلاة الكاملة هي شِركٌ .

14 - لماذا اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة سِرّاً ؟

ج - لمّا عَلِمَ الأنصار بالمؤامرة التي دبّرتها قريش لإبعاد علي عن الخلافة، اجتمعوا عند وفاة الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم، وأرادوا إبرام الأمر فيما بينهم على أن يكون الخليفة منهم ، فإذا كان زعماء قريش وهم المهاجرون من قرابة الرّسول وعشيرته یریدون نقض البيعة لعلي ، فالأنصار أولى بالخلافة من غيرهم الاعتقادهم بأنّ الإسلام قام بحدّ سيوفهم وأنّ المهاجرون عيالٌ عليهم ولولا أنّهم فتحوا بلادهم ومنازلهم وكل ما يملكون لما كان للمهاجرين ذكر ولا فضل ، ولولا وجود الخلاف بين الأوس والخزرج الذين كانوا يتنافسون على الزّعامة وكلّ منهما يريدها لقبيلته ، لما وَجَدَ أبو بكر وعمر فرصة لأخذ الخلافة منهم ولاضطرّا لمتابعتهم.

ص: 289


1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدّين السيوطي في سورة البيّنة .
2- صحیح البخاري ج 3 ص 114 کتاب المظالم باب الاشتراك في الهدي .

15 - لماذا أسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى السقيفة وفاجاؤا الأنصار ؟

ج - لمّا كان للمهاجرين - أعني زعماء قريش - أعين تراقب تحرّكات الأنصار وما يدور من تدبيرهم ، فقد أسرع أحدهم وهو سالم مولى أبي حذيفة وأعلم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بالاجتماع السري فأسرعوا إلى السقيفة ليفسدوا على الأنصار تخطيطهم وما أبرموه وليفاجئوهم بأنّهم على علم بكلّ يحدث في غيابهم.

16 - لماذا كان عمر بن الخطّاب طوال الطريق يُهيىء مقالة لإقناع الأنصار ؟ ج - لا شكَّ بأنّ عمر بن الخطاب كان يخشی ردّة فعل الأنصار ، كما يخشى أن لا يوافق الأنصار على إبعاد علي بن أبي طالب ، فيُسبّب ذلك هدم كلّ ما خطّطوه ودبّروه و تذهب جهودهم أدراج الرّياح بعدما تجرّؤوا على النبي نفسه وأفسدوا كلّ تدبيره من أجل الخلافة ولذلك كان عمر بن الخطّاب في طريقه للسّقيفة يزوّر ماذا سيقوله لهم حتى يكسب تأييدهم وموافقتهم على المخطّط .

17 - لماذا انتصر المهاجرون على الأنصار وسلّموا الأمر لأبي بكر ؟

ج - هناك عدة عوامل لعبت دورها في هزيمة الأنصار وفوز المهاجرين فقد كان الأنصار قبيلتين متنافستين على الزّعامة منذ عهد الجاهلية وسكنت فورتهم بوجود الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم بينهم ، أمّا والرسول صلی الله علیه و آله و سلم قال قد مات و قومُه يريدون اغتصاب الخلافة من صاحبها الشرعي ، فثار الأوس يُرشحّون لها زعيمهم سعد ابن عبادة ، ولكن بشير بن سعد وهو زعيم الخزرج حسد ابن عمّه وأيقن أنّه لا يصلُ إلى الخلافة وسعد بن عبادة موجود ، فنقض أمر الأنصار وانضمَّ إلى صفّ.

ص: 290

المهاجرين ومثّل دور النّاصح الأمين .

كما أن أبا بكر أثار فيهم النّعرة الجاهلية وضرب على الوتر الحسّاس بقوله :

لو سلّمنا هذا الأمر للأوس فلن ترض الخزرج وإذا سلمناه للخزرج فلن ترض الأوس - ثم إنّه أطمعهم بأن يقاسمهم الحكومة بقوله : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ولا نستبد عليكم بالرأي أبداً.

ثم أنّه بذكاء لعب دور الناصح الأمين للأمّة إذ أخرج نفسه وأظهر زهده في الخلافة وأنّه لا يرغبُ فيها بقوله : اختاروا من شئتمُ من هذين الرجلين يعني عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة عامر بن الجرّاح .

وكانت الخطّة محكمة والمسرحية ناجحة ، فقال عمر وأبو عبيدة : لا ينبغي لنا أن نتقدّم عليك وأنتَ أوّلنا إسلاماً وأنت في الغار فابسط يدك نبايعك ، فبسط أبو بكر يده لهذه الكلمات ، فسبق إلى بيعته بشير بن سعد سيد الخزرج وتتابع الباقون إلا سعد بن عبادة .

18 - لماذا امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وهدّده عمر بالقتل؟

ج - عندما بايع الأنصار وتسابقوا إلى أبي بكر لينالوا بذلك الجاه و القُربی من الخليفة ، امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وحاول جهده منع قومه عنها ولكنّه عجز عن ذلك لشدّة مرضه إذ كان طريح الفراش ولا يُسمع صوته ، عند ذلك قال عمر : اقتلوه إنّه صاحب فتنة ليقلع بذلك دابر الخلاف ولئلاً يتخلّف عن البيعة أحد، لأنّه سيشقّ عصا المسلمين ويتسبب في انقسام الأمّة وخلق الفتنة .

19 - لماذا هدّدوا بيت فاطمة الزهراء بالحرق؟

ج - لقد تخلّف عدد كبير من الصّحابة الذين لم يبايعوا أبا بكر في بیت

ص: 291

علي بن أبي طالب ، ولو لم يُسارع عمر بن الخطاب وطوّق الدّار بالحطب وهدّدهم بالحرق، لاستفحل الأمر وانشقّت الأمّة إلى حزبين علوي وبكري ، ولكنّ عمر ومن أجل فرض الأمر الواقع ذهب شوطاً بعيداً عندما قال : اتخرجنّ للبيعة أو لأحرِّقنّ الدار بمن فيها ، ويقصد عليّاً وفاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

وبهذا القول لا يبقى في النّاس أحد تسوّل له نفسه شقّ عصا الطاعة وعدم الدخول في البيعة ، فأي حرمة له أكبر من حرمة سيدة نساء العالمين وزوجها سيّد الوصييّن؟

20 - لماذا سكت أبو سفيان بعدما هدّدهم وتوعدّهم ؟

ج - لمّا رجع أبو سفيان للمدينة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وكان أرسله لجمع الصّدقات ، فوجىء بخلافة أبي بكر وأسرع إلى دار علي بن أبي طالب وحرّضه على الثورة وعلى حرب الجماعة واعداً إيّاه بالمال والرّجال ، ولكنّ علياً طرده العلمه بنواياه ، ولمّا علم أبو بكر وعمر بذلك ذهبا إليه واستمالاه ووعداه بإعطائه كل ما جمعه من الصدقات وبإشراكه في الأمر بتعيين ابنه والياً على الشام - فرضي أبو سفيان بذلك وسكت عنهم فعيّنوا یزید بن أبي سفيان والياً على الشام ، ولمّا مات عيّنوا أخاه معاوية بن أبي سفيان مكانه ومكّنوه من الوصول إلى فيها الخلافة.

21 - هل رضي الإمام علي صلی الله علیه و آله و سلم بالأمر الواقع وبايع الجماعة ؟

ج - لا أبداً لم يرض الإمام علي بالأمر ولم يسكت ، بل احتجّ عليهم بكل شيء ولم يقبل أن يبايعهم رغم التهديد والوعيد ، وذكر ابن قتيبة في تاريخه بأنّ قال لهم : «والله لا أبايعكم وأنتُم أولى بالبيعة لي»، وحمل زوجته فاطمة الزهراء يطوف بها على مجالس الأنصار فكانوا يعتذرون بأنّ أبا بكر سبق إليهم .

ص: 292

و قد ذكر البخاري بأنّه لن يُبايع مدّة حياة فاطمة ، فلما تُوفّيت واستنكر وجوه النّاس اضطرّ لمصالحة أبي بكر ، وقد عاشت فاطمة ستّة أشهر بعد أبيها ، فهل ماتت فاطمة وليس في عنقها بيعة وأبوها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : «من مات ليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلّية»؟

و هل كان علي يعلم بأنه سيعيش إلى ما بعد أبي بكر فيتأخر عن بيعته تلك الشهور الستّة ؟ فعلىِّ لم يسكت وبقي طيلة حياته كلّما وجد فرصة إلا وأثار مظلمته واغتصاب حقّه ويكفي دليلاً ذلك ما قاله في خطبته المعروفة بالشقشقيّة .

22 - لماذا أثاروا فاطمة وأغضبوها بينما هم في حاجة إلى المصالحة ؟

ج - لقد تعمّدوا إثارة فاطمة بانتزاع أرضها وممتلكاتها ومنها میراث أبيها وتكذيبها في كلّ دعواها حتّى يُسقطوا بذلك هيبتها وعظمتها من نفوس النّاس وحتّى لا يُصدّقوها إذا ما أثارث نصوص الخلافة ، ولذلك اعتذر الأنصار إليها بأنّ بيعتهم سبقت لأبي بكر ولو سبق إليهم زوجها لما تخلّفوا عنه .

ولذلك اشتدّ غضبها على أبي بكر وعمر حتّى صارت تدعو عليهما في كلّ صلاة تصلّيها ، وأوصت زوجها بأن لا يحضر جنازتها منهما أحد وأن يجنّبها الوجوه التي تكرهها.

وقد تعمّدوا إيذاءها ليشعروا عليّاً بأنه أهون عليهم من ابنة النبي التي هي سيدة نساء العالمين والتي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ، فما عليه إلا السكوت والرّضا .

23 - لماذا تخلّف عن سریّه أسامة عظماء القوم؟

ج - لمّا استتبّ الأمرُ لأبي بكر وأصبح خليفة المسلمين بجهود عمر رغم

ص: 293

أنوف المعارضين ، طلب من اُسامة أن يترك له عمر بن الخطّاب ليستعين به على أمر الخلافة ، لأنّه لا يقدر على إتمام المخطّط بمفرده ولا بدّله من العناصر الفعّالة الذين لهم من القوّة والجُرأة ما عارضوا بها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولم يبالوا بغضب الله ولا بلعن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لمن تخلّف عن بعث أسامة عبأهم بنفسه ولا شك بأنّ المخطّطين لهذا الأمر تخلّفوا عن السّرية ليبرموا أمرهم ويتعاونوا علی ترکیز قواعدهم.

26 - لماذا اُبعد الإمام علي عن كلّ مسؤولية ولم يشركوه في شيء ؟

ج - بالرّغم من أنّهم قرّبوا عدداً كبيراً من الطلقاء وأعطوهم المناصب في حومتهم وأشركوهم في أمرهم ، وعينوا منهم أمراء وولاة في كلّ الجزيرة العربية وفي كل الأقطار الإسلاميّة ومن هؤلاء الوليد بن عقبة ومروان بن الحكم ومعاوية ویزید ابنا أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وكثيرون من الذين كانوا يجرّعون رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الغُصص إلا أنهم أبعدوا علي بن أبي طالب فنبذوه و ترکوه حبيس داره ولم يشركوه في شيء من أمرهم طيلة ربع قرن ليُذلّوه ويُحقّروه و يُبعدون الناس عنه لأنّ الناس عبيد الدنيا يميلون مع صاحب السّلطة والجاه والمال وما دام علي لا يجد قوت يومه إلّا بكسب يمينه وعرق جبينه فسيتفرق النّاس عنه ولا يميلون إليه.

وفعلاً فقد بقي علىّ سلام الله عليه على تلك الحالة مدّة خلافة أبي بكر و خلافة عمر وخلافة عثمان رهين البيت يعملُ الجميع على تحقيره وإطفاء نوره وإخفاء فضائله ومناقبه ، وليس له من حطام الدّنيا ما يرغّب الناس فيه .

20 - لماذا حاربوا مانعي الزّكاة رغم تحريم النبي وصلی الله علیه و آله و سلم لذلك؟

ج - لأنّ ّالصّحابه الذين حضروا بيعة الإمام علي علیه السلام في غدیر خم وهم

ص: 294

راجعون من حجّة الوداع بصحبة النبي صلی الله علیه و آله و سلم امتنعوا عن أداء الزّكاة لأبی بکر، لأنّهم لم يحضروا وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولا الأحداث التي أعقبها في شأن تسبديل الخلافة من علي لأبي بكر ، لأنهم لا يسكنون المدينة ، ولا شك بانّ بعض الأخبار وصلت إليهم بأنّ فاطمة تخاصمت معهم وغضبت عليهم وبأنّ عليّاً امتنع عن بيعتهم - لكل ذلك رفضوا إعطاء الزكاة حتّى يتبيّنوا الأمر.

ومن هنا قرّر أبو بكر وعمر وجهاز الحكم أن يبعثوا إليهم جيشاً بقيادة خالد ابن الوليد الذي كان سيفهم المسلول، فأخمد ثورتهم وأسكتَ حتهم وقتل رجالهم وسبي نساءهم وذاراربهم ، ليكونوا عبرةً لمن تحدّثه نفسه بعدم الطاعة أو بمسّ هيبة الدّولة .

29 - لماذا منعوا تدوین ونقل الأحاديث النّبوية ؟

ج - عملوا من الأيام الأولى على منع الأحاديث النّبويّة جملة وتفصيلاً ، ليس فقط لأنها تتضمّن نصوص الخلافة وفضائل الإمام علي بل لأن الكثير منها يتعارض مع أقوالهم الّتي يديرون بها شؤون الحياة ويركّزون على أسُسها معالم الدّولة الجديدة التي ابتدعوها وفق اجتهاداتهم.

27 - هل كان أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة ؟

ج - لم يكن أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة لولا عمر بن الخطاب وبعض الدُّهاة من رؤوس بني أميّة . ولقد سجّل التاريخ بأنّ أبا بكر كان دائماً يخضع إلى أحكام وآراء عمر بن الخطاب الحاكم الفعلي ودليل ذلك قصة المؤلَّفة قلوبهم الذين جاووا لأبي بكر في بداية خلافته وكتب لهم كتاباً وبعثهم إلى عمر الذي كان بيده أمر بیت المال فمزق عمر الكتاب وطردهم ، فرجعوا إلى أبي بكر يسألونه : أعنت الخليفة أم هو ؟ فأجابهم : هو إن شاء الله!

ص: 295

وكذلك عندما أقطع أبو بكر قطعة أرض علي بن حصن والأقرع بن حابس ، فرفض عمر عندما قرأ كتاب أبي بكر وتفل فيه ومحاه ، فرجعا إلى أبي بكر يتذمران مما فعله عمر وقالا لأبي بكر : والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل عمر هو الخليفة ، ولمّا أقبل عمر مغضباً وناقش أبا بكر على إعطائه الأرض بكلام غلیظ ، قال له أبو بكر : ألم أقل لك إنّك أقوى منّي على هذا الأمر لكنّك غلبتني.(1)

وقد أخرج البخاري في صحيحه بأنّ عمر كان يحثّ النّاس على بيعة أبي بكر فيقول لهم: إنّ أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه.

قال أنس بن مالك : سمعتُ عمر يقول لأبي بكر يومئذ : أصعد المنبر ، فلم یزل به حتّى صعد المنبر فبايعه النّاس عامّة.

28 - لماذا عقد أبو بكر الخلافة وعهد بها إلى عمر قبل وفاته؟

ج - بما أن عمر بن الخطاب هو الذي لعب الدور البطولي في إقصاء على عن الخلافة بمعارضته العنيفة للنبي صلی الله علیه و آله و سلم أوّلاً وبحمل الأنصار على بيعة أبي بكر وفرضها على النّاس بكل حزم وشدّة حتى وصل به الأمر إلى تهدید بیت فاطمة بالحرق.

و بما أنه كان هو الخليفة الفعلي كما قدّمنا فكانت له الكلمة الأولى والأخيرة ولا شكّ بأنّه كان من دُهاة العرب فعلم بأنّ المسلمين وخصوصاً الأنصار لا يُوافقُون على بيعته لطبعه الفظ الغليظ وسرعة غضبه ، فعمل على تقديم أبي بكر لهم

ص: 296


1- العسقلاني في كتابه الإصابة في معرفة الصّحابة «ترجمة عيينة» وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 12 ص 108.

لأنّ في طبعه ليناً ورقهً وهو أسبقهم للإسلام وابنتهُ عائشة هي المرأة الجريئة القادرة على ركوب الصّعاب و تغيير الأمور ، وهو يعلّم علم اليقين بأنّ أبا بكر طوع يديه ورهن إشارته في كل ما يصبو إليه.

ولم يكن عهد أبي بكر بالخلافة لعمر يخفى على كثير من الصّحابة من قبل کتابته ، فقد قال له الإمام على منذ اليوم الأول: أحلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم ليردّه عليك غداً.

كما قال آخر لعمر عندما خرج بالكتاب الذي عهد فيه أبو بكر قال له : أنا أعرف ما فيه إنّك أمّرتَه عام أول وأمّرك هذا العام.

فعهد أبي بكر لعمر بالخلافة أمرٌ معلوم لدى عامّة النّاس وإذا كان في حياته يعترف له أمام الجميع بأنّه أقوى منه على هذا الأمر فلا غرابة أن يسلّم له مقاليد الخلافة عند الموت.

وبهذا يتبين لنا مرّة أخرى بأنّ ما يقوله أهل السنة بأنّ الخلافة لا تكون إلا بالشورى أمرٌ ليس له وجود ، وليس له في خيال أبي بكر وعمر أي اعتبار ، وإذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: توفّي و ترك الأمر شوری بین النّاس كما يزعمون ، فإنّ أبا بكر هو أوّل من هدّم هذا المبدأ ، وخالف سُنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعهده لعمر بن الخطاب من بعده .

وأهل السنّة دائماً تراهم يتبجّحون بكل فخر واعتزاز على أنهم يؤمنون بالشّوری ولا تصلح الخلافة إلّا بها ، ويسخرون من قول الشيعة الذين يعتقدون بأنها لا تكون إلا بالنّص من الله ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم، و تسمع أغلبهم ينتقِدُ هذا الاعتقاد أنّه دخيل على الإسلام من قبل الفرس الذين يقولون بوراثة السّلطة الإلهية .

ص: 297

وكثيراً ما يستدلّ أهل السنّة بأية «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» على أنّها نازلة بخصوص الخلافة . وعلى هذا فيحقّ لنا بأن نقول : إنّ أبا بكر وعمر خالفا الكتاب والسنّة معاً ولم يُقيما لهما وزناً في شأن الخلافة.

29 - لماذا اشترط عبدالرحمن بن عوف على علي بن أبي طالب أن يحكم بسنّة الخليفتين؟ ج - من هوان الدنيا على الله أن يصبح عبد الرحمن بن عوف هو الذي يتحكّم بمصير الأمّة بعد عمر فيختار لهم من يشاء ويُقضي من يشاء كل ذلك من تدبير عمر الذي رجّح كفّتَه على بقيّة الصّحابة ، وعبدالرحمن بن عوف هو الآخر من دهاة العرب ، ولا شكّ بأنّه من أعضاء الحزب المخطط للخلافة وصرفها عن صاحبها الشرعي ، وإذا كان البخاري يعترف بأن عبد الرحمن بن عوف کان يخشی من عليّ شيئاً (1)، فمن الطبيعي أن يعمل هو الآخر على إبعاده عنها ما استطاع لذلك سبيلاً.

و عبد الرحمن بن عوف يعرف كغيره من الصّحابة بأنّ علي لم يكن يُوافقُ على اجتهادات أبي بكر وعمر وما غيّراه من أحكام الكتاب والسنّة ، وكان يحاول جهده معارضتهما والإنكار عليهما.

ولذلك اشترط عبد الرحمن على علي أن يحكم بسنّة أبي بكر وعمر وهو يعلَمُ مسبقاً أكثر من غيره بأنّ علياً لا يداهنُ ولا يكذب ولا يقبل بذلك الشرط أبداً ، كما كان يعلم بأنّ صهره عثمان هو الذي ترتاح إليه قريش وكل أعضاء المخطّط .

ص: 298


1- صحيح البخاري ج 8 ص 123 باب كيف يبايع النّاس الإمام من كتاب الأحكام .

30 - حديث الأئمّة الاثني عشر ، هل له وجود عند أهل السنّة؟

ج - أخرج البخاري ومسلم وكل المحدّثين من أهل السنّة حديث النّبی صلی الله علیه و آله و سلم «لا يزال الدین قائماً حتى تقوم السّاعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قریش»(1) وبقي هذا الحديث من الألغاز العويصة التي لا جواب لها عند أهل السنة والجماعة ولم يجرؤ أحد من علمائهم أن يعدّ الخلفاء الراشدين الأربعة سوى عمر بن عبد العزيز وهؤلاء خمسة ويبقى العدد سبعة لا وجود لهم.

فإمّا أن يقولوا بإمامة علي وبنيه الذين تقول بهم الإمامية ويصبحوا شيعة الأهل بيت النبي - وإما أن يكذّبوا الحديث و تصبح صحاحهم مجردة من الحق وليس فيها إلا الأكاذيب.

أضف إلى ذلك بأنّ هذا الحديث الذي يحصّص الخلافة في قريش وحدها يتنافى مع مبدأ الشورى الذي يقولون به ، لأن الاختيار والديمقراطية تشمل كل أفراد الأمة ولا تختص بقبيلة معيّنة دون سائر القبائل الأخرى . بل يتعدى القبائل العربية إلى غيرها من القبائل الإسلامية الغير عربية .

هذه أجوبة سريعة و مختصرة لنوضّح للقارىء بعض المسائل التي قد تُخامر ذهنه على أنّه قد يجد إجابة مفصّلة في كتب التاريخ.

فعلى الباحث أن يرجع إلى المصادر الموثوقة وأن يتجرّد للحقيقة فيُمحّص الروايات والأحداث التاريخية ليكشف من خلالها الحقائق المكسوّة بثياب الباطل فيجرّدها وينظر إليها في ثوبها الأصلي .

ص: 299


1- صحيح البخاري ج 8 ص 127 صحیح مسلم ج 6 ص 3.

ص: 300

الخاتمة

رسالة مفتوحة إلى أبي الحسن الندوي

رسالة مفتوحة إلى أبي الحسن الندوي(1)

السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته وبعد :

أنا محمد التيجاني السماوي التونسي الذي منّ الله عليه بالهداية والتوفيق ، فاعتنق مذهب أهل البيت النبوي ، بعد بحث طويل ، وبعدما کنت مالكياً ، ومن أتباع الطريقة الصوفية المشهورة في شمال أفريقية ، وهي التيجانية ، وعرفت الحقّ من خلال رحلة موفّقة إلى علماء الشيعة ، وكتبت في ذلك كتاباً أسميته «ثمّ اهتديت» تمَّ طبعه عندكم في الهند من طرف المجمع العلمي الاسلامي بعدة لغات ، وبالمناسبة دُعيت لزيارة الهند .

سيدي العزيز ، قدمتُ إلى الهند في زيارة قصيرة، وكان أملي أن التقي بحضرتكم لما أسمعه عنكم ، ولما أعلمه بأنّكم المشار إليه بين أهل السنّة والجماعة عندكم ، ولكن عاقني عن ذلك بعد المسافة ، وضيق الوقت ، واكتفيت بزيارة «بومباي» و «بونة» و «جبل بور» و بعض المدن الاُخرى في (کوجراتی) ، وتألّمت كثيراً لما شاهدته في الهند من عداوة وبغضاء بين أهل السنّة والجماعة وإخوانهم المسلمين من الشيعة.

ص: 301


1- من كبار علماء السنّة في الهند ، وله مؤسسة ثقافية كبيرة مشهورة ب «دار الندوة» في (لکهنؤ) .

وقد كنتُ أسمع بأنّهم يتحاربون ويتقاتلون أحياناً، وتُسفك دماء بريئة من الطرفين باسم الاسلام.

ولم أكن اُصدّق ، معتقداً بأنّه مبالغه فی التشویه ولکنّ ما شاهدته وما سمعته خلال زيارتي ، يبعث حقّاً على الحيرة والاستغراب ، وأيقنت بأنّ هناك نوایا خسيسة ، ومؤمرات خطيرة ، تُحاك ضد الاسلام والمسلمين للقضاء عليهم جميعاً ، سنّة وشيعة ، وممّا زاد يقيني وضوحاً وعلمی رسوخاً ، تلك المقابلة التي دارت بيني وبين مجموعة من علماء أهل السنّة ، يتقدّمهم الشيخ عزیز الرحمن، مفتي الجماعة الاسلامية ، وكان اللقاء في مسجدهم ب «بومباي»، وبدعوة منهم .

وما ان حللت بينهم، حتى بدأ الازدراء والتهكّم ، والسبّ واللعن ، لشيعة آل البيت ، وقد أرادوا بذلك استفزازي وإثارتي ، لعلمهم مسبقاً بأنّي قد ألّفت کتاباً يدعو للتمسّك بمذهب أهل البيت سلام الله عليهم، ولكنّي فهمت قصدهم ، وتمالكت أعصابي ، وابتسمت لهم قائلاً: أنا ضيف عندكم ، وأنت الذين دعوتموني فجئتكم مسُرعاً مُلبّياً ، فهل دعوتموني لتسبّوني وتشتموني ، وهل هذه هي الأخلاق التي علّمكم إيّاها الاسلام ؟

فأجابوني بكل صلابة بأني لم أكن يوماً في حياتي مسلماً ، لأنني شيعياً ، والشيعة ليسوا من الاسلام في شيء، وأقسموا على ذلك .

قلت : اتّقوا الله يا إخوتي ، فربّنا واحد ، ونبيّنا واحد ، وكتابنا واحد ، وقبلتنا واحدة ، والشيعة يوحّدون الله ، ويعملون بالاسلام اقتداءً بالنبي وأهل بيته ، وهم يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويحجّون بيت الله الحرام ، فكيف يجوز لكم تكفيرهم.

أجابوني : أنتم لا تؤمنون بالقرآن ، أنتم منافقون تعملون بالتقية و إمامكم

ص: 302

قال : التقية ديني و دين آبائي ، وأنتم فرقة يهودية أسّسها عبد الله بن سبأ اليهودي .

قلت لهم مبتسماٌ : دعونا من الشيعة ، وتكلّموا معي أنا شخصياً ، فقد كنت مالكياً مثلكم ، واقتنعت بعد بحث طويل بأنّ أهل البيت هم أحقّ وأولی بالاتّباع، فهل عندكم حجّة تجادلوني بها ، أو تسألوني ما هو دليلي و حجتي ، عسى أن نفهم بعضنا بعضاً؟

قالوا : أهل البيت هم نساء النبي ، وأنت لا تعرف من القرآن شيئاً !

قلت : فإنّ صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، يُفيدان غير ما ذكرتم !

قالوا : كل ما في البخاري ومسلم ، وكتب السنّة الاُخرى من حجج تحتجّون بها ، هي من وضع الشيعة ، دسّوها في كتبنا.

أجبتهم ضاحكاً : إذا كان الشيعة وصلوا للدسّ في كتبكم ، وفي صحاحکم، فلا عبرة ولا قيمة لها ، ولا لمذهبكم القائم عليها !! فسكتوا وأفحموا ، ولكنّ أحدهم عمد إلى التهريج والاثارة من جديد فقال : من لا يؤمن بخلافة الخلفاء الراشدين : سیدنا أبي بكر ، وسیدنا عمر ، وسیدنا عثمان ، وسيدنا علي ، وسیدنا معاوية ، وسیدنا یزید - رضي الله عنه وأرضاه - فليس بمسلم.!

و دهشت لهذا الكلام الذي ما سمعتُ مثله في حياتي ، وهو تكفير من لا يعتقد بخلافة معاوية وابنه يزيد ، وقلت في نفسي : معقول أن يترضّى المسلمون على أبي بكر وعمر وعثمان ، فهذا أمرٌ طبيعي ، أما على یزید فلم أسمع ذلك إلّا في الهند ، والتفتُّ إليهم جميعاً أسألهم : أتوافقون هذا على رأيه ! فأجابوا كلّهم : نعم .

وعند ذلك عرفت بأنّ لا فائدة في مواصلة الكلام ، وفهمت بأنّهم إنّما يريدون إثارتي حتى ينتقموا منّي ، و ربّما يقتلونني بدعوی سبّ الصحابة فمن

ص: 303

يدري؟

ورأيت في أعينهم شرّاً ، وطلبت من مرافقي الذي جاء بي إليهم أن یُخرجني فوراً ، فأخرجني ، وهو يتحسّر ويعتذر إليَّ على ما وقع ، وهذا الشخص البريء الذي كان يرمي من وراء هذا اللقاء أن يتعرف على الحقيقة ، هو الشاب المهذّب شرف الدین ، صاحب المكتبة والمطبعة الاسلامية في «بومباي»، فهو شاهد على كلّ ما دار بيننا من هذه المحاورة المذكورة ، ولم يُخفِ استياءه من هؤلاء الذين كان يعتقد بأنهم من أكبر العلماء.

وغادرتهم وأنا ساخط متأسّف على ما وصلت إليه حالة المسلمين ، وخصوصاً الذين يتزعمون مراكز الصدارة ، ويتسمون بالعلماء ، وقلت في نفسي :

إذا كان العلماء بهذه الدرجة من التعصب الأعمى ، فكيف يكون عامة الناس وجهّالهم؟ وعرفت عندئذٍ كيف كانت تقوم المعارك والحروب التي تسفك فيها الدماء المحرمة ، وتُهتك فيها الأعراض والمحرمات ، باسم الدفاع عن الاسلام، وبكيت على مصير هذه الاُمّة التعيسة المنكوبة التي حمّلها الله سبحانه مسؤولية الهداية ، وحمّلها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أيضاً مسؤولية إيصال النور إلى القلوب المظلمة، فإذا بها تصبح بحاجة إلى بصيص من النور ، وفي وقتٍ يكون فيه في الهند وحدها سبعمائة مليون نسمة ، يعبدون غير الله تعالى ، ويقدّسون البقر والأصنام والأوثان ، وبدلاً من أن تتوحّد جهود المسلمين لهدايتهم ، وإرشادهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، حتى يُسلموا لربّ العالمين ، نرى أنّ المسلمين اليوم وخصوصاً في الهند ، هم بحاجة إلى الهداية والتصحيح.

لهذا سيدي أرفع کتابي إليكم، داعياً إياكم باسم الله الرحمن الرحيم ، وباسم رسوله الكريم ، وباسم الاسلام العظيم ، ولقوله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ

ص: 304

جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» أدعوكم أن تقفوا وقفة المسلم الشجاع الذي لا يخشى في الله لومة لائم ، ولا تأخذه العصبية ، ولا الطائفية إلى حيث يحب الشيطان وأولياؤه .

أدعوكم لوقفة مخلصة وصريحة ، فأنتم من الذين حمّلهم الله المسؤولية ما دمتم تتكلّمون باسم الاسلام في تلك الربوع ، فلا يرضى الله منكم أن تقفوا وقفة المتفرّج الراضي بما يقعُ هنا وهناك من مآس ، يدفع ثمنها الأبرياء من المسلمين ، سنّة وشيعة ، والله سائلكم يوم القيامة عن كلّ صغيرة وكبيرة ، ومحاسبكم عن كلّ شاردة وواردة ، لأنّه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ، وتأتي على قدر الكرام المكارم.

وما دمتم تتزعّمون علماء الهند ، فمسؤوليتكم عظمى لا شكّ فيها ، وكلمة منكم قد يكون فيها صلاح الاُمّة في الهند ، كما قد يكون فيها هلاك الحرث والنسل، فاتقوا الله يا اُولي الألباب !

وبما أنّ الله سبحانه أعطى للعلماء المرتبة الاُولى بعد الملائكة ، فقال عزّ من قائل:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ »(1)

وإذا كان سبحانه يأمرنا جميعاً بقوله:«وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ»(2) وإذا كان المفسّرون يذهبون إلى ضرورة إقامة العدل في الموازين المادّية ذات القيمة المحدودة ، فما بالكم بإقامة العدل في القضايا العقائدية التي تتأرجح بين الحقّ والباطل ، وتتوقف عليها هداية البشرية ، ونجاة الانسانية بأسرها؟

ص: 305


1- آل عمران : 18.
2- الرحمن : 9.

قال الله تعالى: «إوَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»(1) ، وقال أيضاً:«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ»

وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «قل الحقّ ولو على نفسك ، قل الحقّ ولو كان مرّاً».

سيّدي العزيز:

إلى كتاب الله أدعوكم ، وإلی سنة رسوله أدعوكم ، فقولوها صريحة مدوّية ، ولو كانت مرّة تكون لكم شهادة عند الله ، بربّك هل الشيعة عندكم غير مسلمين؟

هل تعتقدون حقّاً أنّهم كفّار ؟ هل أتباع أهل البيت النبوي الذين يوحّدون الله ويعظّمونه أكثر من كلّ الفرق - لقولهم بتنزيهه عن المشابهة والمشاكلة ، والتجسيم ، ويؤمنون برسوله محمد صلی الله علیه و آله و سلم، ويعظّمونه أكثر من كلّ الفرق - لقولهم بعصمته المطلقة حتى قبل البعثة ، هل هؤلاء تحكمون بكفرهم؟

هل الذين يتولّون الله ورسوله والذين آمنوا ، ويهوون هوی عترة النبي ويوالونهم ، كما عرّفهم ابن منظور في (لسان العرب) في مادة شيعة ، فهل تقولون أنتم بأنهم غير مسلمين؟؟

هل هؤلاء الشيعة الذين يقيمون الصلاة كأفضل قيام ، ويؤتون الزكاة ، ويزيدون عليه خمس أموالهم ، طاعة لله ولرسوله ، ويصومون شهر رمضان و غیره من الأيام ، ويحجّون البيت ، ويعظمون شعائر الله ، ويحترمون أولياء الله

ص: 306


1- النساء : 58.

ويتبرؤون من أعداء الله وأعداء الاسلام ، هل هؤلاء عندكم مشرکون؟

هل الذين يقولون بإمامة اثني عشر إماماً من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وقد نصّ عليهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كما أخرج ذلك البخاري ومسلم وغيرهما من صحاح أهل السنّة ، هل هؤلاء عندكم مارقين عن الإسلام؟ وهل كان المسلمون يوماً يجهلون الإمامة ، ولا يقرّون بها ، سواء كان ذلك في حياة الرسول ، أو بعد وفاته ، حتى نلصق نظرية الامامة ومبادئها بالفرس والمجوس؟

وهل تقولون فعلاً بكفر من لا يعترف بإمامة يزيد بن معاوية الذي عرف فسقه الخاص والعام من المسلمين ، ويكفي يزيد خسّة وسقوطاً ، ما أجمع عليه المسلمون من إباحته المدينة المنورة لجيشه و جنده ، يفعلون فيها ما يشاؤون، لأخذ البيعة له بالقهر على أنّهم له عبيد ، فقتلوا عشرة آلاف من خيرة الصحابة والتابعين وهتكوا فيها أعراض المحصنات من النساء والفتيات المسلمات ، حتى ولدن من سفاح ما لا يُحصى عدده إلّا الله ، ويكفيه عاراً وشناراً وخزياً مدى الدهر ، قتله سيّد شباب أهل الجنّة ، وسبيه بنات الرسول ، وضربه ثنايا الحسين بقضيبه ، وتمثّله بالأبيات المعروفة :

«ليت أشياخي ببدر شهد وا» إلى قوله :

«لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل»(1)

وهو صريح بأنّه لا يؤمن بنبوّة محمد ، ولا بالقرآن الكريم ، فهل حقّاً

ص: 307


1- مقتل الخوارزمي 2: 59.

توافقون على تكفير من تبرّأ من يزيد و أبيه معاوية الذي كان يلعن عليّاً ، ويأمر بلعنه ، بل ويقتلُ كلّ من امتنع عن ذلك من خيرة الصحابة ، كما فعل مع حجر بن عدي الكندي وأصحابه ، وسنّها سنّة متّبعة دامت سبعين عاماً ، وهو يعلم قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: «من سبَّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله»(1)، كما أخرج ذلك صحاح أهل السنّة ، إضافة إلى ما قام به من أعمال تتنافى مع الاسلام ، وقتله الأبرياء والصلحاء من أجل أخذ البيعة لابنه يزيد بالقهر والقوة، وقتله الحسن بن علي عن طريق جعدة بنت الأشعث ، إلى جرائم أخرى كثيرة يذكرها له التاريخ عند أهل السنة ، كما يشهد له بها شيعة علي.

فما أظنّكم سيّدي توافقون على كلّ ذلك ، وإلّا فعلى الاسلام السلام، وعلى الدنيا العفا، وعندها لا يبقى بعد ذلك مقاييس ، ولا عقل ، ولا شرع ، ولا منطق ، ولا دليل.

والله سبحانه وتعالى يقول :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(2)

ولقد صدق والله عالم الباكستان المغفور له أبو الأعلى المودودي رضی الله عنه ، عندما ذكر في كتابه المسمّى ب «الخلافة والملك» في صفحة (106) نقلاً عن الحسن البصري قوله :

أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم تكن له الّا واحدة لكانت موبقة له:

1- أخذه الأمر من غير مشورة المسلمين ، وفيهم بقايا الصحابة ، ونور

ص: 308


1- مستدرك الحاكم 121:3 ، کنز العمال 602:11 .
2- التوبة : 119.

الفضيلة .

2- استخلافه بعده ابنه السكير الخمير الذي يلبس الحرير ، ويضرب الطنابير .

3- إدّعاؤه زیاداً ، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «الولد للفراش ، وللعاهر الحجر».

4 - قتله حجراً وأصحاب حجر ، فيا ويلاً من حجر ، وأصحاب حجر (أعادها ثلاثاً).

فرحم الله أبا الأعلى المودودي الذي صدع بالحق ، ولو شاء لزاد فوق هذه الخصال الأربع أربعين ، ولكنّه رضی الله عنه رأى أنّ في ذلك كفاية ، لتكون موبقة لمعاوية ، والمعروف أنّ كلمة موبقة معناها (توبق في النار).

ولعلّ المودودي كان يراعي عواطف الناس الذي تعلّموا من أسلافهم تقدیس معاوية واحترامه ، والترضّي عليه ، بل وحتى على ابنه يزيد أيضاً ، كما سمعت ذلك بنفسي من علمائكم في الهند ، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم .

ولكلّ ذلك راعيت أنا أيضاً عواطف اُولئك الذين دعوني ليستفزّوني ، فلم أذكر لهم شيئاً من ذلك خوفاً على نفسي .

فأنا أهيب بكم سيدي ، أن تقفوا وقفة صريحة ، تبغون بها وجه الله تعالى ، فإنّ الله لا يستحي من الحقّ ، ولا أطلب منكم الاعتراف بمساويء هؤلاء ، ولا بنشر فضائحهم ، فالتاريخ كفانا وإياكم مؤونة ذلك.

ولكن المطلوب منكم أن تعترفوا ، وتُعلّموا أتباعكم بأنّ الذين لا يعترفون بإمامة هؤلاء، ولا يوالونهم ، هم مسلمون حقيقيون ، جديرون بالإحترام ، وليس

ص: 309

في ذلك شكّ .

أن تقولوا بأنّ الشيعة مظلومون على مرّ التاريخ، لأنّهم لم يتّبعوا، ولم يعترفوا بإمامة الشجرة الملعونة التي ضربها الله مثلاً في القرآن .

فما هو ذنب الشيعة بربّكم ، إذا كان رسول الله يأمر المسلمين باتّباع أهل بيته من بعده ، حتى جعلهم كسفينة نوح، ينجو من يركب فيها ، ويهلك من یتخلّف عنها؟

وما ذنب الشيعة إذا امتثلوا لأمر الرسول بقوله : «ترکت فیکم الثقلین کتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً» كما تشهد بذلك ص حاح السنّة ، فضلاً عن كتب الشيعة .

وبدلاً من شكرهم ، وتقديمهم ، وتفضيلهم على غيرهم ، لامتثالهم أوامر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، نشتمهم ، ونكفّرهم ، ونتبرّأ منهم ، فما هذا بإنصاف ولا هو معقول .

دعونا - سيّدي - من أقوال التحريف والتزييف التي لم تعد تقوم على دليل و برهان ، ولم تعد تنطلي على المثقفين من أبناء اُمّتنا ، من أن الشيعة لهم قرآن خاص بهم ، أو أنّهم يقولون بأنّ صاحب الرسالة هو علي ، أو أنّ عبد الله بن سبأ اليهودي هو مؤسس التشيّع ، إلى غير ذلك من الأقوال السخيفة المغرضة التي يشهد الله أنّها من خيال أعداء الاسلام ، وأعداء أهل البيت وشيعتهم ، والتي ما أوجدها إلّا التعصّب الأعمى ، والجهل المقيت.

وأنا أسأل سيّدي العزيز : أين علماء الهند من علماء الأزهر الشريف الذين أفتوا بجواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية منذ ثلاثين عاماً ، و من علماء الأزهر الأعلام من يرى بأنّ الفقه الجعفري الذي تعمل به الشيعة ، هو أشمل وأثرى ،

ص: 310

وأقرب إلى روح الاسلام من المذاهب الاسلامية الاُخرى التي هي عيالٌ عليه .

وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ محمود شلتوت رضی الله عنه ، الذي ترأس الأزهر في حياته ، فهل أمثال هؤلاء العلماء لا يعرفون الاسلام والمسلمين؟ أم أنّ علماء الهند أعلم منهم وأعرف ؟ فما أظنكم تقولون بذلك ...!

سيّدي الكريم؟

أملی فیکم و طيد ، وقلبي إليكم مفتوح بالمحبّة والشفقة والحنان، وقد كنتُ في ما مضى مثلكم محجوباً عن الحقيقة ، وعن أهل البيت وشيعتهم ، فهداني الله سبحانه إلى الحقّ الذي ليس بعده إلّا الضلال ، وتحرّرت من قيود التعصّب ، والتقليد الأعمى ، وعرفت بأنّ أغلب المسلمين لا زالت تحجبهم الإشاعات والأباطيل ، وتصدّهم الدعايات عن الوصول إلى الحقيققة ، ليركبوا جميعاً في سفينة النجاة ، ويعتصموا بحبل الله المتين ، فليس هناك كما تعلمون بين السنّة والشيعة فرق إلّا فيما اختلفوا فيه بعد الرسول من أجل الخلافة ، وأساس الفرقة هو اعتقادهم في الصحابة رضي الله عنهم ، اختلفوا فيما بينهم حتى لعنوا بعضهم ، بل و تحاربوا وقتل بعضهم بعضاً.

فإن يكن الاختلاف فيهم خروجاً عن الاسلام ، فالصحابة هم أولى بهذه التهمة ، والعياذ بالله ، ولا أعتقد بأنّكم ترضون بذلك ، والإنصاف يدعوكم أن لا ترضوا بإخراج الشيعة عن الاسلام ، وكما دأب الشيعة على تقديس أهل البيت واحترامهم ، كذلك دأب السنّة على احترام الصحابة وتقديسهم أجمعين ، وشتّان بين الموقفين ، فإذا كان الشيعة في ذلك مُخطئين ، فأهل السنّة أولى بالخطأ ، لأنّ الصحابة بأجمعهم يُقدّمون على أنفسهم أهل البيت ، ويصلّون عليهم كصلاتهم على النبي ، ولم نعرف أحداً من الصحابة - رضوان الله عليهم - قدّم نفسه ، أو فضّلها

ص: 311

على أهل بيت المصطفی ، في علم ، أو في عمل .

فالوقت قد حان لرفع المظلمة التاريخية عن شيعة اهل البيت ، والتقارب معهم ، والتآخي والتعاون على البرّ والتقوى ، ويكفي هذه الاُمّة إراقة الدماء، وإثارة الفتن .

فعسى الله سبحانه يجمع بكم الكلمة، ويلم بكم الشتات ، ويرتق بكم الفتق ، ويُداوي هذه الجراح ، ويُخمد بكم نار الفتنة ، ويُجزي بكم الشيطان وحزبه ، فتكونون عند الله من الفائزين ، خصوصاً وأنّكم من سلالة العترة الطاهرة على ما أسمع ، فاعملوا على أن تُحشروا معهم «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»(1)، «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»(2)

وفّقكم الله وإيّانا لما فيه خير البلاد والعباد وجعلكم الله وإيانا من العاملين المخلصين لوجهه الكريم.

أبعث لسيادتكم وبصحبة هذه الرسالة نسخة من كتابي «ثمّ اهتديت» الذي الّفته بخصوص هذا الموضوع ، هدية منّي إليكم، عسى أن يجد لديكم القبول .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته(3)

المخلص

محمد التيجاني السماوي التونسي

ص: 312


1- الأنبياء : 92.
2- التوبة : 105.
3- فاسألوا أهل الذكر : 11 - 30.

المحتویات

مقدّمة الناشر ... 5

المقدّمة... 7

تنبيهات لا بدّ منها ... 17

الفصل الأوّل

لمحة وجيزة عن حياتي

الحج إلى بيت الله الحرام ...22

الرحلة الموفّقة...23

زيارة العراق لأوّل مرّة ...26

الشكّ والتساؤل...29

السفر الى النجف ....30

لقاء مع السيبد الخوئي ...32

لقاء مع السيد محمد باقر الصدر ...33

الشكّ والحيرة...35

السفر إلى كربلاء ...35

السفر إلى الحجاز ...37

العودة إلى الوطن ...40

بداية التحوّل ...41

أسباب الاستبصار ...43

ص: 313

1 - النصّ على الخلافة ...43

2- خلاف فاطمة مع أبي بكر...46

3- علي أولی بالاتّباع...47

4 - الأحاديث الواردة في علي توجب اتّباعه ...48

الفصل الثاني

العقائد الاسلامية

فيما يتعلّق بالخالق جلّ جلاله...55

رؤية الله و تجسیمه....55

العدل الإلهي ...57

القضاء والقدر ...59

فيما يتعلّق بالرسول صلی الله علیه و آله و سلم...65

النبوّة ...65

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يَختِلُ ...73

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يعاقب عقاباً شنيعة ويمثّل بالمسلمين ...74

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يحب الجماع...75

الرسول صلی الله علیه و آله و سلم يسمع الغناء ويتفرّج على الرقص ...77

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يشرب النبيذ ...77

النبي صلی الله علیه و آله و سلم والابتذال...78

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يستحي ...78

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يكشف عورته ...81

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يُسقط بعض آيات من القرآن ... 81

الرسول صلی الله علیه و آله و سلم يتهاون في صلاته من أجل عقد عائشة...82

ص: 314

الرسول صلی الله علیه و آله و سلم كسائر البشر يخطىء ويصيب...84

القرآن الكريم ...87

تحريف القرآن ...88

الإمامة والخلافة ...94

1- الإمامة في القرآن الكريم...94

2 - الإمامة في السنّة النبويّة ...96

شواهد على ولاية علي...100

الفصل الثالث

مصادر التشريع عند الفريقين

السنة النبويّة ...105

الثقلین ...106

أهل السنّة لا يعرفون السنّة النبوية ...111

مَن الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة ؟ ...114

«أهل السنّة» ومحقّ السنّة ...115

مصادر التشريع عند الشيعة ...120

مصادر التشريع عند «أهل السنّة والجماعة» ...122

أوّلاً : سنّة الخلفاء الراشدين ...123

ثانياً : سنّة الصحابة عموماٌ ...124

ثالثاً : سنّة التابعين «علماء الأثر» ...125

رابعاً : سنّة الحكّام...126

خامساً : بقية مصادر التشريع عند «أهل السنّة» ...127

الأحاديث النبوية عند أهل السنّة» متناقضة ...128

ص: 315

الرسالة الاُولى : كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية...131

ردّ معاوية على محمد بن أبي بكر ...13

الرسالة الثانية : كتاب عبدالله بن عمر إلى یزید بن معاوية...134

ردّ يزيد على كتاب ابن عمر ...134

مخالفة أهل السنّة والجماعة للسنن النبوية...135

1 - نظام الحكم في الاسلام ...135

2 - القول بعدالة الصحابة يخالف صريح السنّة ...136

3- «أهل السنة والجماعة» ومودّة أهل البيت علیهم السلام ...137

الفصل الرابع

الصحابة عند الشيعة والسنّة

الصحابة عند الشيعة ...141

الصحابة عند أهل السنّة والجماعة»....143

رأي القرآن في الصحابة...145

1- محمد رسول الله...145

2- آية الانقلاب ...146

3- آية الجهاد ...146

4 - آية الخشوع ....146

رأي الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في الصحابة ...147

1- حديث الحوض...147

2 - حدیث اتباع اليهود والنصاری ...147

- حديث البطانتين ...148

4 - حديث التنافس على الدنيا ...149

ص: 316

الصحابة يشهدون على أنفسهم ...150

أمثلة من تصرفات الصحابة ....152

1 - الصحابة في صلح الحديبية ...152

2 - الصحابة ورزية يوم الخميس ...153

3 - الصحابة في سريّة اُسامة ....153

أئمّة «أهل السنّة والجماعة» وأقطابهم ...155

1- أبو بكر «الصديق» ...155

2- عمر بن الخطاب «الفاروق» ...158

3 - عثمان بن عفّان «ذي النورين»...160

4 - طلحة بن عبيد الله ...162

5 - الزبير بن العوّام...165

6 - سعد بن أبي وقّاص ...166

7- عبد الرحمن بن عوف ...168

8- عائشة بنت أبي بكر «أمّ المؤمنین» ...172

أ. عائشة في حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم...172

وایه تحذير النبي من عائشة وفتنتها...177

ب - عائشة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم...178

9 - خالد بن الوليد ...180

10 - أبو هريرة الدوسي...184

11 - عبدالله بن عمر ...187

من روايات البخاري ومسلم (فضائل يبطلها العقل والواقع) ...193

البخاري ومسلم يذكران أي شيء لتفضيل أبي بكر وعمر ...194

ص: 317

فضائل عمر في روايات البخاري ...196

الفصل الخامس

دفاع عن عقائد الشيعة

الشيعة في القرآن ...209

الشيعة في السنّة النبوية ...210

الشيعة في نظر «أهل السنّة» ...212

تشنيع السنّة على الشيعة...214

عيد الغدير ...218

مودّة أهل البيت ...220

آية التطهير ...221

الأئمّة الاثني عشر ...226

علم الأئمّة ...227

العصمة...228

الغلو ...231

التقليد...234

البداء ...237

التقية ...242

المتعة أو الزواج المؤقت ...247

الجمع بين الصلاتین ...252

السجود على التربة ...254

الرجعة ....256

المهدي المنتظر علیه السلام ...258

ص: 318

الفصل السادس

الوهابية والجذور التاريخيه

الوهابية ...265

الوهابية تكفّر المسلمين ...265

الجذور التاريخية للوهابية...267

النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأصحابه يردّون على الوهابية ...270

الصحابة يتبرّكون بآثار النبي صلی الله علیه و آله و سلم ...271

النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقرّ التبرّك ويعلّمه لأصحابه ...274

الوهابية تحرّم زيارة القبور ...276

الشيعة وأهل السنّة يردون على الوهابية ...277

الفصل السابع

شبهات وردود

1- الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الاُمّة من النزاع...283

2 - كيف لم يسأل الرسول أحد من أصحابه عن هذا الأمر... 283

3 - لماذا عارض بعض الصحابة رسول الله حين أراد أن يكتب كتابه ...284

4 - لماذا لم يصرّ الرسول صلی الله علیه و آله و سلم على كتابة الكتاب...284

5 - ما هي الوصية الثالثة التي أوصى النبي صلی الله علیه و آله و سلم قبل موته...284

6- هل كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يعلم بموعد موته؟... 285

7- لماذا جهّز النبي صلی الله علیه و آله و سلم جيشاً عبّأ فيه وجوه الصحابة؟...285

8- لماذا امّر يُعين النبي صلی الله علیه و آله و سلم عليّاً في جيش أسامة؟... 285

9- لماذا أمّر عليهم شاباً صغيراً لا نبات بعارضيه؟ ...285

10 - لماذا اشتدّ غضب النبي صلی الله علیه و آله و سلم على المتخلّفين منهم حتى لعنهم ؟...286

ص: 319

11 - هل يجوز لعن المسلم خصوصاً من النبي صلی الله علیه و آله و سلم؟...286

12 - هل عيّن الرسول صلی الله علیه و آله و سلم أبابكر ليُصلّي بالناس ؟...287

13 - لماذا أقسم عمر بن الخطاب بأن رسول الله لم يمت ؟ ...287

14 - لماذا اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة سِرّاً ؟ ...285

15 - لماذا أسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى السقيفة ؟... 290

16 - ما هو دور عمر في السقيفة ...290

17 - لماذا انتصر المهاجرون على الأنصار وسلموا الأمر لأبي بكر ؟...290

18 - لماذا امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وهدّده عمر بالقتل ؟ ...291

19 - لماذا هدّدوا فاطمة الزهراء علیها السلام بحرق دارها ؟...291

20- لماذا سكت أبو سفيان بعدما هدّدهم وتوعدهم ؟...292

21 - هل رضي الإمام علي علیه السلام بالأمر الواقع وبايع الجماعة؟....292

22 - لماذا أثاروا فاطمة وأغضبوها بينما هم في حاجة إلى المصالحة ؟...293

23 - لماذا تخلّف عن سريّة اُسامة عظماء القوم ؟...293

24 - لماذا اُبعد الإمام علي عن كلّ مسؤولية ولم يشركوه في شيء ؟ ...294

25 - لماذا حاربوا مانعي الزّكاة رغم تحريم النبي صلی الله علیه و آله و سلم لذلك ؟...294

26 - لماذا منعوا تدوین ونقل الأحاديث النّبوية ؟ ...295

27 - هل كان أبو بكر قادرة على تحمل أعباء الخلافة ؟...295

28 - لماذا عقد أبو بكر الخلافة وعهد بها إلى عمر قبل وفاته ؟...296

29 - ماذا اشترط عبدالرحمن بن عوف على علي علیه السلام من أجل مبايعته؟...298

30 - حديث الأئمة الاثني عشر ، هل له وجود عند أهل السنّة ؟...299

الخاتمة

رسالة مفتوحة إلى أبي الحسن الندوي...301

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.