رسالة في الأراضي الخراجيّة

هوية الکتاب

رسالة في الأراضي الخراجيّة

تأليف

العلّامة المحقّق و الفقيه المتتبّع

الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقيّ الشفتيّ

المعروف بحجّة الإسلام ( 1180 - 1260 ه )

تحقيق

السيّد مهدي الشفتيّ

الأعمال الخيرية الرقمية: جمعية الإمام زمان (عج) إصفهان المساعدة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

1- لمحةٌ من حياة المؤلّف

اشارة

* 1- لمحةٌ من حياة المؤلّف (1)

اسمه و نسبه

هو السيّد محمّد باقر بن السيّد محمّد نقي ( بالنون ) الموسويّ النسب، الشفتي الرشتيّ الجيلانيّ الأصل واللقب، الغرويّ الحائريّ الكاظميّ العلم والأدب،

ص: 5


1- . لاحظ ترجمته في : بيان المفاخر : المجلّد الأوّل والثاني ؛ روضات الجنّات : 2 / 100 ؛الفوائد الرضويّة : 2/426 ؛ تاريخ اصفهان : 97 ؛ طبقات أعلام الشيعة (ق13) : 2 / 193 ؛قصص العلماء : 135 ؛ الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 ؛ مستدرک الوسائل : 399/3 : اعیان الشیعة : 188/9 ریحانة الادب : 312/1 الکنی والالقاب : 155/2 لباب الالقاب : 70 الکرام البررة : 192/1 معارف الرجال : 196/2 مکارم الاثار : 1614/5 نجوم السماء : 63 بغیة الراغبین (المطبوع ضمن موسوعة الامام شرف الدین ): 2949/7 تکملة امل الامل : 238/5 موسوعة طبقات الفقهاء : 533/13 دانشمندان و بزرگان اصفهان : 373/1 تذکرة القبور : 149 رجال و مشاهیر اصفهان : 255 وفیات العلماء : 162 غرقاب : 210 بغیة الطالب : 171 هدیة الاحباب : 140 مزارات اصفهان : 163 تذکرة العلماء : 213 اعلام اصفهان 141/2.

العراقي، الأصفهاني البيدآبادي المنشأ والموطن والمدفن والمآب، الشهير في الآفاق بحجّة الإسلام على الإطلاق، من فحول علماء الإمامية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ومن كبار زعماء الدين وأعلام الطائفة .

وأمّا نسبه الشريف هكذا :

محمّد باقر بن محمّد نقي بن محمّد زكي بن محمّد تقي بن شاه قاسم بن مير أشرف بن شاه قاسم بن شاه هدايت بن الأمير هاشم بن السلطان السيّد عليّ قاضي بن السيّد عليّ بن السيّد محمّد بن السيّد علي بن السيّد محمّد بن السيّد موسى بن السيّد جعفر بن السيّد إسماعيل بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أحمد بن السيّد محمّد بن السيّد أبي القاسم بن السيّد حمزة بن الإمام موسى الكاظم علیه السلام (1) .

ولادته و نشأته

ولد على أصحّ القولين في سنة 1180 أو 1181 ه (2) في قرية من قرى : «طارم العُليا»، وانتقل إلى شفت و هو ابن سبع سنين (3) .

ثمّ هاجر إلى العراق لطلب العلوم الدينيّة والكمالات النفسانيّة في حدود سنة

ص: 6


1- . هكذا ذكره صاحب الترجمة في ديباجة كتابه « مطالع الأنوار : 1 / 1 ».
2- . روضات الجنّات : 2 / 102 ؛ تاريخ اصفهان : 97.
3- . بيان المفاخر : 1 / 24 و 25 .

1197 أو قريبًا من ذلک، و هو ابن ستّ أو سبع عشرة سنة (1) ، فحضر في أوّل

أمره على الأستاذ الأكبر الآقا محمّد باقر الوحيد البهبهاني رحمة الله في كربلاء (2) ، ثمّ على أستاذه العلّامة المير سيّد عليّ الطباطبائيّ رحمة الله صاحب الرياض .

ثمّ رحل إلى النجف الأشرف و أقام فيها سبع سنين، و حضر فيها على العلّامة الطباطبائيّ بحر العلوم رحمة الله ، والشيخ الأكبر صاحب كشف الغطاء ؛.

ثمّ سافر إلى الكاظميّة، فحضر فيها على السيّد المحقّق المُحسن البغداديّ المقدّس الأعرجي ؛ قليلاً، فقد قرأ عليه القضاء والشهادات، وأقام عنده مدّة من الزمان .

ولمّا حلّت سنة 1205 ه و قد تمّ بها على المترجم في العراق ثمان سنين بلغ فيها درجة سامية و مكانة عالية، رجع إلى ديار العجم (3) و توطّن في أصفهان (4)

ص: 7


1- . روضات الجنّات : 2 / 102 .
2- . صرّح بذلک صاحب الترجمة 1 في بعض إجازاته، حيث قال : ... عن المولى الساطع ...الّذي فزنا بالاستفادة من جنابه في أوائل التحصيل في علم الأصول، و قرأنا عليه من مصنّفاتهما هو مشهور بالفوائد العتيق ... مولانا آقا محمّد باقر البهبهاني ( كتاب الإجازات : مخطوط ).
3- . كما نصّ عليه نفسه رحمة الله في حواشي بعض إجازاته، قال : قد حُرِمنا من شرافة مجاورةالعتبات العاليات - على مشرفها آلاف التحيّة و الصلوات - و انتقلنا منها إلى ديار العجم فيسنة خمس ومائتين بعد الألف، وكان مولانا مولى الكلّ آقا محمّد باقر البهبهاني في الحيات،ثمّ انتقل إلى الفردوس الأعلى في سنة ستّ و مائتين بعد الألف - قدّس الله تعالى روحه السعيد ( كتاب الإجازات : مخطوط ).
4- . قال المترجم له رحمة الله في حاشية بعض إجازاته ما هذا كلامه : انتقل المرحوم المغفور ميرعبدالباقي إلى دار الآخرة - قدّس الله تعالى روحه - في أوائل ورودي في اصبهان في سنة سبعو مائتين بعد الألف من الهجرة (كتاب الإجازات : مخطوط ).

مع الحاجّ محمّد ابراهيم الكلباسي رحمة الله، وكانا صديقين رفيقين شفيقين .

ثمّ اتّفق له في سنة 1215 ه الارتحال من أصفهان إلى قم أيّام زعامة المحقّق القمّي ؛، فحضر مجلسه بما ينيف على ستّة أشهر (1) ، وكان يقول : « أرى لنفسي

الترقّي الكامل في هذه المدّة القليلة بقدر تمام ما حصل لي في مدّة مقامي بالعتبات العاليات » (2) ؛ فكتب له الميرزا رحمة الله إجازة مبسوطة مضبوطة كان يغتنم

بها من ذلک السفر المبارک .

ثمّ سافر بعدها إلى كاشان، فحضر على المولى محمّد مهدي النراقي ؛، وتلمّذ عليه مدّة قليلة (3) .

نقل من بعض المشايخ أنّه بعد وروده إلى أصفهان ليس له شيء من الكتب إلّا مجلّدًا واحدًا من المدارک، و كان مجرّدًا من الأموال، قليل البضاعة، بل عديمها، إلّا منديلاً لمحلّ الخبز، ويسمّى بالفارسية : سفره (4) .

ص: 8


1- . قال سيّدنا المترجم ؛ في حاشية كتابه « مطالع الأنوار : ج 1 » : « اعلم : انّه اتّفق لي فيسنة مائتين و خمس عشر بعد الألف ( 1215 ) الارتحال من اصبهان إلى بلدة قم، ومكثتفيها أربعة أشهر أو أكثر، وكنت مشتغلاً بكتابة هذا المجلّد من الشرح ... ».
2- . انظر روضات الجنّات : 2 / 100 .
3- . الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 .
4- . الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 19 .

و سكن في مدرسة السلطان - المفتوح بابه إلى چهارباغ العبّاسي - المعروفة في اصفهان بمدرسة چهارباغ، واجتمع الطلّاب والمشتغلون عنده للتحصيل والتعليم، و أخرجه المدرّس من المدرسة و لم يتعرّض له و لم يعارضه، فإذا اطّلع على انّه أمر بالخروج، خرج من غير إظهار للكراهة (1) .

فبعد قليل من الزمان إجتمع عليه أهل العلم والمحصّلون، وانتقلت إليه رياسة الإماميّة في أغلب الأقطار بعد ذهاب المشايخ - رحمهم الله - فصار مرجعًا للفتوى، و أقبلت له الدنيا بحيث انتهت إليه الرياسة الدينيّة والدنيويّة، وملكت أموالاً كثيرة من النقود والعروض والعقار والقرى والدور الكثيرة في محلّة بيدآباد، و كان له أموال كثيرة في التجارة إلى بلدة رشت يدور من اصفهان إلى رشت، و يربح كثيرًا .

و كان الباعث على ترويج أمره في أصفهان و في غيره من البلاد، العالم الربّاني والمحقّق الصمداني ميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي رحمة الله، المقبول قوله عند العوام والخواص، و عند السلطان والرعيّة .

و أيضًا يقدّمه العالم الزعيم الحاج محمّد إبراهيم الكرباسي ؛ في المشي والحكم و غيرهما، فكلّ هذه الأمور كانت ترفع شأنه، إلّا انّ يده - تعالى - فوق الأيدي، ترفع و تضع طبق المصالح الربّانيّة (2) .

ص: 9


1- . انظر طرائف المقال : 2 / 377 .
2- . الكرام البررة : 1 / 194 .

وكانت بينه و بين الحاج محمّد إبراهيم المذكور صلة متينة و صداقة تامّة من بدء أمرهما، فقد كانا زميلين كريمين في النجف، تجمع بينهما معاهد العلم، وشاء الله أن تنمو هذه المودّة شيئًا فشيئًا، و يبلغ كلّ منهما في الزعامة مبلغًا لم يكن يحدث له في البال، وأن يسكنا معًا بلدة أصفهان، ويتزعّما بها في وقت واحد، ولم تكن الرياسة لتكدّر صفو ذلک الودّ الخالص، أو تؤثّر مثقال ذرّة، فكلّما زادت سطوة أحدهما زاد اتّصالاً و رغبة بصاحبه، فاعتبروا يا أولى الأبصار .

و حجّ بيت الله الحرام في سنة 1231 ه (1) من طريق البحر، و كان ذلک أيّام محمّد عليّ باشا المصريّ، و كانت له زيارة خاصّة له، فأخذ منه « فدک » وكفّل بها سادات المدينة (2) ؛ و كذلک حدّد المطاف على مذهب الشيعة للمسلمين في مكّة

المكرّمة (3) .

و في سنة 1243 (4) أخذ في بناء المسجد الأعظم باصبهان (5) وأنفق عليه ما

ص: 10


1- . صرّح بذلک نفسه رحمة الله في مناسكه ( مناسک الحجّ : مخطوط ).
2- . قصص العلماء : 145 ؛ وقد أشار بذلک الميرزا حبيب الله نيّر ؛ ضمن مرثيته للمترجم رحمة الله(معادن الجواهر: 1 / 23 ) بقوله :ميراث أولاد الزهراء استرد لهممن غاصبي فدک في طوفه الحرما
3- . تاريخ اصفهان : 97 .
4- . صرّح بهذا التاريخ معاصره الأديب الفاضل الميرزا محمّد عليّ الطباطبائي الزوّاري،المتخلّص بوفا (المتوفّى سنة 1248 ه ) في تذكرته الموسومة بالمآثر الباقريّة : ص 232، الّتيجمع فيها بعض من القصائد والمقطّعات الّتي أنشدها الشعراء في مدح حجّة الإسلام رحمة الله ووصف مسجده الأعظم .
5- . أنشأه في محلّة «بيدآباد»، وهي من محلّات أصفهان العظيمة .

يقرب من مائة ألف دينار شرعيّ تقريبًا من أمواله الخالصة، ومال بقبلته إلى يمين قبلة سائر المساجد يسيرًا، و جعل له مدارس و حجرات للطلبة، و أسّس أساسًا لم يعهد مثله من أحد العلماء والمجتهدين، و بنى فيه قبّة لمدفن نفسه، و هي الآن بمنزلة مشهد من مشاهد الأنبياء والأئمّة علیهم السلام مطاف للخلايق في خمسة أوقات الصلوات .

إطراء العلماء له

1 - الفقيه المحقّق ميرزا أبوالقاسم القمّي

هو من أساتذته و مشايخه، قال في إجازته الكبيرة له :

«... فقد استجازني الولد الأعزّ الأمجد، والخل الأسعد الأرشد العالم العامل الزكي الذكي، والفاضل الكامل الألمعيّ اللوذعيّ، بل المحقّق المدقّق التقي النقي، ابن المرحوم المبرور السيّد محمّد نقي، محمّد باقر الموسويّ الجيلانيّ، أسبل الله عليه نواله، و كثّر في الفرقة الناجية أمثاله »(1) .

ص: 11


1- . بيان المفاخر : 2 / 7 .
2- الحكيم المولى عليّ النوريّ

هو من أساتذته، قد أطرى عليه بقوله :

« علّامة العهد، فقيه العصر، حجّة الطائفة المحقّة، قبلة الكرام البررة، الفريد الدهريّ، والوحيد العصريّ، مطاع، واجب الإتّباع، معظّم، مجموعة المناقب والمفاخر، آقا سيّد محمّد باقر، دامت بركات فضائله الإنسيّة و شمائله القدسيّة » (1) .

زهده و عبادته

قال المحدّث القمّي ؛ في الفوائد الرضويّة، نقلاً عن صاحب التكملة :

« حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر كان عالمًا ربّانيًّا روحانيًّا ممّن عرف حلال آل محمّد : و حرامهم، و شيّد أحكامهم، و خالف هواه، واتّبع أمر مولاه، كان دائم المراقبة لربّه، لا يشغله شيء عن الحضور والمراقبة. و قال : حدّثني والدي ؛ انّ آماق عين السيّد كانت مجروحة من كثرة بكائه في تهجّده .

و حدّثني بعض خواصّه، قال: خرجت معه إلى بعض قراه، فبتنا في الطريق، فقال لي: ألا تنام؟! فأخذت مضجعي فظنّ أني نمت، فقام

ص: 12


1- . رسالة في أحكام القناة، للمترجم له رحمة الله : مخطوط .

يصلّي، فوالله إنّي رأيت فرائصه وأعضائه يرتعد بحيث كان يكرّر الكلمة مرارًا من شدّة حركة فكّيه وأعضائه، حتّى ينطق بها صحيحة » (1) .

إقامته الحدود الشرعيّة

يعتقد السيّد حجّة الإسلام أنّ إقامة الحدود واجبة على الفقيه الجامع لشرائط الفتوى في عصر الغيبة عند التمكّن من الإقامة والأمن من مضرّة أهل الفساد، وألّف رحمة الله في إثبات هذا الاعتقاد رسالة ؛ و بهذا كان يقيم الحدود الشرعيّة ويجريها بيده أو يد من يأمره بلا خشية و لا خوف .

قال صاحب الروضات ؛ :

يقدم إلى إجرائه بالمباشرة أو الأمر بحيث بلغ عدد من قتله ؛ في سبيل ربّه - تبارک و تعالى - من الجناة والجفاة أو الزناة أو المحاربين اللاطين زمن رئاسته ثمانين أو تسعين، و قيل : مائة و عشرين (2) .

أساتذته و مشايخ روايته

1 - الأستاذ الأكبر الآقا محمّد باقر الوحيد البهبهاني رحمة الله ( المتوفّى 1206 ق )

ص: 13


1- . الفوائد الرضويّة : 2 / 429 .
2- . روضات الجنّات : 2 / 101 .

2 - الميرزا محمّد مهدي الموسويّ الشهرستانيّ رحمة الله ( المتوفّى سنة 1216 ق )

3 - الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمة الله ( المتوفّى سنة 1227 ق )

4 - الشيخ سليمان بن معتوق العامليّ رحمة الله ( المتوفّى سنة 1227 ق )

5 - السيّد محسن الأعرجيّ البغداديّ رحمة الله ( المتوفّى سنة 1227 ق )

6 - الأمير السيّد عليّ الطباطبائي الحائريّ رحمة الله ( المتوفّى سنة 1231 ق )

7 - الميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي رحمة الله ( المتوفّى سنة 1231 ق )

أولاده

له رحمة الله أولاد متعدّدون، كلّهم علماء أجلّاء، و سادة فضلاء، انتهت إليهم الرئاسة الدينيّة والعلميّة بعد أبيهم في أصفهان، و هم :

1 - السيّد أسد الله ( 1228 - 1290 ق ) (1)

ص: 14


1- . ترجمته في : روضات الجنّات : 2 / 103 ( ذيل ترجمة أبيه ) ؛ أعيان الشيعة : 11 / 109 ؛بيان المفاخر : 2/ 245 - 351 ؛ الكنى والألقاب : 2 / 156 ؛ الفوائد الرضويّة : 1 / 42 ؛أحسن الوديعة : 1 / 78 ؛ المآثر والآثار : 138 ؛ الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة : 22 ؛ماضي النجف و حاضرها : 1 / 133 ؛ معارف الرجال : 1 / 94 ؛ مكارم الآثار : 3 / 836 ؛لباب الألقاب: 17 ؛ ريحانة الأدب : 2 / 26 ؛ قصص العلماء : 122 ؛ الكرام البررة : 1 / 124 ؛نجوم السماء: 332 ؛ بغية الراغبين (المطبوع ضمن موسوعة الإمام شرف الدين): علیه السلام / 2950 ؛تكملة أمل الآمل : 2 / 165 ؛ مرآة الشرق : 1 / 146 ؛ رجال و مشاهير اصفهان : 153 ؛تاريخ اصفهان و رى : 262 ؛ تاريخ اصفهان : 305 ؛ دانشمندان و بزرگان اصفهان : 1 / 253 ؛أعلام اصفهان: 1 / 519 ؛ منتخب التواريخ : 718 ؛ ناسخ التواريخ (تاريخ قاجار) : 3 / 103؛علماى معاصرين : 331 ؛ روضة الصفا : 10 / 458 .

قال الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين في ترجمة والده رحمة الله ما هذا كلامه :

« و خَلَفَه ولده الأبرّ الأغرّ، الفقيه الأصولي، المحقّق البحّاثة، العلّامة السيّد أسد الله . كان ؛ على شاكلة أبيه في العلم والعمل والجهاد لنفسه والمراقبة عليها آناء الليل، و أطراف النهار . و قد انتهت إليه رئاسة الدين في ايران، وانقادت لأمره عامّة الناس وخاصّتها حتّى السلطان ناصرالدين شاه ... »(1) .

2- السيّد محمّد مهدي (2)

3- السيّد محمّد علي ( حدود 1227 - 1282 ه ) (3)

ص: 15


1- . بغية الراغبين ( المطبوع ضمن موسوعة الإمام شرف الدين ): 7 / 2950 .
2- . ترجمته في : رجال اصفهان : 146 ؛ تذكرة القبور : 81 ؛ بيان المفاخر : 2 / 161 ؛دانشمندان وبزرگان اصفهان: 1 / 381 .
3- . ترجمته في : غرقاب : ص 222 ؛ الكرام البررة (القسم الثالث): 119 ؛ تذكرة القبور : 81 ؛بيان المفاخر: 2/ 159 و 160 ؛ مكارم الآثار : 7 / 2490 - 2487 ؛ بزرگان ودانشمندان اصفهان : 1 / 397.

4 - السيّد مؤمن ( 1294 ه ) (1)

5 - السيّد محمّد جعفر ( المتوفّى عاشوراء 1320 ه ) (2)

6 - السيّد زين العابدين ( المتوفّى قبل 1290 ه ) (3)

علیه السلام - السيّد أبو القاسم ( المتوفّى 1262 ه ) (4)

8 - السيّد هاشم ( المتوفّى قبل 1293 ه ) (5)

ص: 16


1- . ترجمته في تذكرة القبور : 81 ؛ بيان المفاخر : 2 / 160 ؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان :1/380 ؛ رجال اصفهان : 147 ؛ تكملة أمل الآمل : 6 / 96 ؛ المآثر والآثار : 184 ؛ تكملةنجوم السماء : 1 / 400 .
2- . ترجمته في: بيان المفاخر: 2 / 155 - 157؛ نقباء البشر: 1/279؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان: 1/377 تاريخ اصفهان : 324 ؛ المآثر والآثار : 1 / 249 ؛ معجم رجال الفكروالأدب : 1 / 398 ؛ اعلام اصفهان : 2/ 288.
3- . ترجمته في : بيان المفاخر : 2 / 157 و 158 ؛ الكرام البررة : 2 / 589 ؛ دانشمندان وبزرگان اصفهان : 1/378 ؛ تكملة نجوم السماء : 1 / 368 ؛ المآثر والآثار : 1 / 221 ؛تذكرة القبور : 146 ؛ اعلام اصفهان : 3/ 261 .
4- . ترجمته في : دانشمندان وبزرگان اصفهان : 1 / 376 ؛ الكرام البررة : 1 / 51 ؛ بيان المفاخر : 2 / 154؛ مكارم الآثار : 5 / 1619 .
5- . ترجمته في : بيان المفاخر : 2 / 162 ؛ آثار ملّى اصفهان : 193 .

تآليفه القيّمة

اشارة

له مؤلّفات كثيرة، و رسائل متعدّدة، كلّها تفصح عن تضلّعه في شتّى العلوم المختلفة خصوصًا الفقه والرجال، و تظهر منها جامعيّته من المعقول والمنقول، وإليک أسماء بعضها :

الكتب و الرسائل الفقهيّة

1- مطالع الأنوار المقتبسة من آثار الأئمّة الأطهار : ( شرح شرائع الإسلام )

2- تحفة الأبرار الملتقط من آثار الأئمّة الأطهار لتنوير قلوب الأخيار

3- المصباح الشارقة في الصلاة

4- السؤال و الجواب

5- كتاب القضاء و الشهادات

6- مناسک الحجّ

7- رسالة في آداب صلاة الليل و فضلها

8- رسالة في إبراء الوليّ مدّة المتعة عن المولى عليه

9- رسالة في حرمة محارم الموطوء على الواطي

ص: 17

10- رسالة في الردّ على رسالة تعيين السلام الأخير في النوافل

11- رسالة في الردّ على ردّ المولى الإيجهي ؛

12- إقامة الحدود في زمن الغيبة

13- رسالة في أنّ يد الواقف كاف في القبض لو كان هو المتولّي

14- رسالة في مسألة الغُسالة

15- رسالة في تطهير العجين بالماء النجس بتخبيزه و عدمه

16- رسالة في أنّ اللبن المضروب بماءٍ نجسٍ هل يطهّر بطبخه آجرًا أو خزفًا أم لا؟

17- رسالة في الأراضي الخراجيّة

18- رسالة في أحكام الشکّ والسهو في الصلاة

19- رسالة في طهارة عرق الجنب من الحرام

20- رسالة في صلاة الجمعة

21- رسالة في العقد على أخت الزوجة المطلّقة

22- رسالة في حكم صلح حقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ

23- رسالة في جواز الإتّكال بقول النساء في انتفاء موانع النكاح فيها

24- رسالة في حكم الصلاة في جلد الميتة المدبوغ

25- رسالة في ثبوت الزنا واللواط بالإقرار

ص: 18

26- رسالة في شرح جواب المحقّق القمّي ؛

27- رسالة في أحكام القناة

28- رسالة في ولاية الحاكم على البالغة غير الرشيدة

29- رسالة في حكم الصلاة عن الميّت

30- رسالة في تحديد آية الكرسي

31- رسالة في كيفيّة زيارة عاشوراء

32- رسالة في حكم أكل التربة الحسينيّة و تعيين الحائر

33- رسالة في صيغ النكاح

34- رسالة في العصير العنبيّ والزبيبيّ والتمريّ

35- رسالة في نجاسة المخالفين و عدمها

36- رسالة في أنّه هل يجوز نيّة الوجوب في الوضوء قبل دخول الوقت مع

اشتغال الذمّة بالقضاء و عدم إرادة الإتيان بها بذلک الوضوء، أم لا ؟

37- رسالة في تعريف البيع وأقسامه و شروطه

38- رسالة في توكيل الصبيّ المميّز

39- رسالة في أنّه هل ينفسخ المبايعة الخياريّة بمجرّد ردّ مثل الثمن وإرادة

الفسخ من غير أن يتلفّظ بصيغة الفسخ، أم لا ؟

ص: 19

40- رسالة في أنّه إذا وقع عقد النكاح من الأب وكالة للابن المريض فمات قبل

الدخول ما حكمه من العدّة والصداق والميراث و تزويج المرأة في العدّة ؟

41- رسالة في أنّه إذا انهدم بنيان لمالكين، هل يجوز لمالک بناء التحت بعد

الإحياء منع مالک الفوق من الإحياء، أم لا ؟

42- رسالة في انّه إذا قتل عبد حرًّا ما حكمه

43- رسالة في ميراث الغائب و بيان زمان التربّص

44- رسالة في جواز الوصل بين اسطوانين أو أسطوانات المسجد لجدار ضعيف

البنيان لمصلحة إقامة الجماعة

45- رسالة في سلام التحيّة في الصلاة

46- الرسالة العمليّة

الكتب و الرسائل الحديثيّة

47- الحاشية على الكافي

48- الحاشية على الوافي

49- شرح الحديثين المرويّين عن العترة الطاهرة

ص: 20

الكتب و الرسائل الأصوليّة

50- الزهرة البارقة لمعرفة أحوال المجاز والحقيقة

51- رسالة في الاستصحاب

52- الحاشية على تهذيب الوصول

53- الحاشية على أصول معالم الدين

54- رسالة في الاجتهاد والتقليد

الكتب و الرسائل الرجاليّة

55- الحاشية على رجال الطوسي

56- الحاشية على الفهرست

57- الحاشية على خلاصة الأقوال

58- رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان و أصحاب الإجماع

59 و 60 - رسالتان في تحقيق حال إبراهيم بن هاشم القمّي (1)

ص: 21


1- . صرّح السيّد حجّة الإسلام رحمة الله في الرسالة الثانية بأنّه كتب في تحقيق أحواله رسالتان، حيثقال في أوّلها : لمّا كتبت في سالف الزمان رسالة في تحقيق الحال في إبراهيم بن هاشموأغفلت فيها بعض ما ينبغي التنبيه عليه، أبرزت هذه الكلمات في ذلک المرام ( الرسائل الرجاليّة : 61 ).

61- الإرشاد الخبير البصير إلى تحقيق الحال في أبي بصير

62- رسالة في تحقيق حال أحمد بن محمّد بن خالد البرقي

63- رسالة في تحقيق حال أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري

64 و 65 - رسالتان في تحقيق حال إسحاق بن عمّار الساباطي

66- رسالة في تحقيق حال حسين بن خالد

67- رسالة في تحقيق حال حماد بن عيسى الجهني

68- رسالة في تحقيق حال سهل بن زياد الآدمي الرازي

69- رسالة في تحقيق حال شهاب بن عبد ربّه

70- رسالة في تحقيق حال عبد الحميد بن سالم العطّار وولده محمّد

71- رسالة في تحقيق حال عمر بن يزيد

72- رسالة في تعيين محمّد بن إسماعيل الواقع في صدر بعض أسانيد الكافي (1)

73- رسالة في تحقيق حال محمّد بن أحمد الراوي عن العمركي

74- رسالة في تحقيق حال محمّد بن خالد البرقي

ص: 22


1- . قال صاحب الذريعة رحمة الله : ترجمة محمّد بن إسماعيل الواقع في صدر بعض أسانيد الكافي،للسيّد حجّة الإسلام الاصفهاني، طبعت مع رسائله، فرغ من أصله سنة 1206، ثمّ بعد مدّةكتب عليه حاشية منه سنة 1232 ( الذريعة : 4 / 162 الرقم 801 ).

75 و 76- رسالتان في تحقيق حال محمّد بن سنان

77- رسالة في تحقيق حال محمّد بن الفضيل

78- رسالة في تحقيق حال محمّد بن عيسى اليقطيني

79- رسالة في بيان أشخاص الّذين لقّبوا بما جيلويه

80- رسالة في تحقيق حال معاوية بن شريح و معاوية بن ميسرة و أنّهما واحد

81- رسالة في بيان العدّة المتكرّرة في أسانيد الكافي (1)

الكتب و الرسائل المتفرّقة

82- رسالة في أصول الدين

83- سؤال و جواب عن بعض عقائد الشيخيّة

84- رسالة في أنّ المراد من الطعام في قوله تعالى : ( و طعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم ) ماذا ؟

85- الحلية اللامعة للبهجة المرضيّة

ص: 23


1- . طبعت أكثر هذه الرسائل في مجلّد واحد بتحقيق الحجّة الحاج السيّد مهدي الرجائي-دامت بركاته - سنة 1417 ه ، قامت بطبعها مكتبة مسجد السيّد حجّة الإسلام الشفتي رحمة الله باصفهان .

وفاته و مرقده

عاش - قدّس الله نفسه الزكيّة - ثمانين سنة تقريبًا، ثمّ أجاب دعوة الإلهيّة في عصيرة يوم الأحد، الثاني من شهر ربيع الثاني سنة 1260 ه

(1) - على أصحّ

الأقوال ؛ و دفن بعد ثلاثة أيّام من وفاته في البقعة الّتي بناها لنفسه في جانب مسجده الكبير باصبهان، و هي الآن مشهد معروف و مزار متبرّک .

قال المحقّق الچهارسوقي رحمة الله في الروضات :

و لم ير مثل يوم وفاته، يوم عظيم، ملأت زقاق البلد من أفواج الأنام رجالاً و نساءًا، يبكون عليه بكاء الفاقد والده الرحيم و مشفقه الكريم، بحيث كان همهمة الخلائق تسمع من وراء البلد، و غسل في بيته الشريف، ثمّ أتى به إلى المسجد، فصلّى عليه ولده الأفضل و خلفه

ص: 24


1- . هذا التاريخ مطابق لما كتبه صاحب الروضات ؛ في بياضه ( انظر مقدّمة النهريّة : 20 ) ؛وكذا مطابق لما كتبه العلّامة الشيخ محمّد جعفر بن محمّد إبراهيم الكرباسي ( المتوفّى1292ه ) في ظهر كتابه : منهج الرشاد في شرح إرشاد الأذهان ( انظر فهرس مخطوطاتمكتبة مركز إحياء التراث الإسلامي: 6 / 79 الرقم 90 ). وضبطه كذلک العالم الفاضل الشاعررضا قليخان هما الشيرازيّ ( المتوفّى 1290 ه ) فقال في « ديوانه : ص 104 » في تاريخوفاته :در اول حمل و دويم ربيع دويم زدامگاه جهان شد بسوى دار سلام بلفظ تازى تاريخ رحلتش گفتم چو بشمرى مأتين است و ألف و ستّين عام

الأسعد الأرشد و الفقيه الأوحد والحبر المؤيّد ... مولانا و سيّدنا السيّد أسد الله ... ؛ و من العجائب اتّفاق فراغه من التحصيل و مراجعته من النجف الأشرف بإصرار والده الجليل في سنة وفاته، و مسارعة روحه المطهّر إلى جنّاته (1) .

ص: 25


1- . روضات الجنّات : 2 / 104 .

ص: 26

2- تعريف الكتاب

لا إشكال و لا ترديد في نسبة هذا الأثر النفيس إلى مؤلّفنا الجليل صاحب الكتاب الحاضر .

و هذا الكتاب المستطاب الّذي أحاط بدقائق الفقه هو : رسالة في الأراضي الخراجيّة ؛ من تأليفات فخر الشيعة و ركن الشريعة العلّامة الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الموسويّ الشفتيّ الرشتيّ الجيلانيّ الأصفهانيّ، المعروف بحجّة الإسلام - أعلى الله مقامه في دار السلام .

و هي رسالةٌ استدلاليّة كبيرة، كتبها في جواب مَن سأله عن مسألةٍ فقهيّة من باب الزكاة، والمسألة غير مذكورة في نسختنا .

بيّن المؤلّف رحمة الله في الجواب حكم المسألة بجميع شؤونها مع فروع حسنة تتعلّق بها، و أدرج فيها تحقيقات رشيقة و فوائد نافعة مفيدة تنبئ عن دقّة نظره وغوره، واستوفى فيها إنصافًا حقّ الاستدلال والتحليل .

و كان هذا ممّا يدلّ على طول باعه و تبحّره في المباحث الفقهيّة، جزاه الله تعالى عن الإسلام وأهله خير الجزاء .

ص: 27

قد ذكرها المحقّق السيّد مصلح الدين المهدويّ رحمة الله في كتابه : « بيان المفاخر » ضمن مؤلّفاته بقوله :

« رساله در انواع اراضى » ؛ در كتابخانه دانشمند بزرگوار حجّة الإسلام آقاى دكتر حاج سيّد احمد تويسركانى، نجل جليل علّامه زاهد مرحوم حاج ميرزا محمّد باقر بن علّامه عالى مقدار مرحوم آقا ميرزا عبدالغفّار تويسركانى اصفهانى، مجموعه اى است شامل 7 رساله، كه چهار رساله از آنها از تأليفات مرحوم سيّد حجّة الإسلام شفتى مى باشد، يكى از اين رسائل : رساله در انواع اراضى ... ؛ اين رساله در 70 صفحه ( 15 در 21 سانتى متر )، تاريخ كتابت و نام كاتب ذكر نشده است .

آغاز : بسم الله الرحمن الرحيم، تحقيق الحال في بيان هذا المرام يستدعي نقل الكلام في مطالب، الأوّل : في تقسيم الأرض إلى أقسامها المعروفة، فنقول : ... .

انجام : و كلّ مؤنة يلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال دون المساكين ... ؛ واختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين، كصاحب المدارک والكفاية و غيرهما (1) .

ص: 28


1- . بيان المفاخر : 2 / 24 و 25 .

3- منهجيّة التحقيق

مع الأسف لم نجد من هذه الرسالة في المكتبات المختلفة إلّا نسخة واحدة مصحّحة، و هي ضمن مجموعةٍ من رسائل المصنّف رحمة الله و غيرها، الموجودة في مكتبة الحجّة الدكتور السيّد أحمد التويسركانيّ ( المتوفّى 1398 ش )، و قد تفضّلت بمصوّرتها صاحب المكتبة قبل وفاته بسنين كثيرة - أفاض الله عليه رواشح الكرم والجود، و أعلى مقامه في دار الخلود .

* * *

فاعتمدنا في التحقيق عليها، و كان منهج التحقيق وفق المراحل التالية :

1 - خرّجت ما يحتاج إلى تخريجٍ من آياتٍ قرآنيّة كريمة، و أحاديثٍ شريفة، وأقوالٍ من مصادرها على قدر المستطاع .

2 - أوضحت المواضع المشكلة و العبارات المبهمة، و شرحت بعض اللغات الغريبة الواردة في المتن مع الاستعانة بكتب اللغة و معاجم العربيّة .

3 - أضفت عناوين فرعيّة في المتن بين قوسين معقوفين كي يسهّل الوصول إلى تفاصيل الموضوع .

ص: 29

4 - وضعت في نهاية الكتاب فهرسًا للموضوعات المطروحة، و فهرسًا لمراجع البحث، تسهيلاً لمهمّة الباحثين والمراجعين .

و لقد بذلنا قصارى جهدنا في تحقيق هذا السفر القيّم و إخراجه إلى عالم النور، فما وجد فيه من خلل أو خطأ، فهو عن قصور، لا تقصير .

و نسأل الله - تعالى - أن يتقبّل منّا هذا القليل بقبول حسن ؛ و نسأله أن يوفّقنا لإحياء تراث أهل البيت علیهم السلام و علمائنا الأبرار، خصوصًا بقيّة آثار جدّنا الأمجد الأسعد العلّامة المحقّق والفقيه الأصوليّ الأوحد السيّد محمّد باقر الشفتيّ المعروف بحجّة الإسلام - أعلى الله مقامه في دار السلام - و سلفه الصالح .

و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وأهل بيته الطيّبين الطاهرين .

السيّد مهدي الشفتيّ 4 ذي الحجّة الحرام 1443 ه

اصفهان - صانها الله عن الحدثان

ص: 30

رسالة في الأراضي الخراجيّة

اشارة

تأليف

العلّامة المحقّق الفقيه الأصوليّ

الحاجّ السيّد محمّد باقر الشفتيّ رحمة الله

المعروف بحجّة الإسلام على الإطلاق

( 1180 - 1260 ه )

تحقيق

السيّد مهدي الشفتيّ

ص: 31

ص: 32

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

تحقيق الحال في بيان هذا المرام يستدعي نقل الكلام في مطالب :

المطلب الأوّل :

في تقسيم الأرض إلى أقسامها المعروفة

فنقول : ذكروا أنّها أربعة أقسام :

الأوّل : الأرض الّتي أسلم أهلها طوعًا و رغبة .

والثاني : أرض الصلح، أي : الّتي صالح أهلها عليها ؛ و هي الّتي تسمّى بأرض الجزية .

ص: 33

والثالث : أرض الأنفال ؛ و هي كلّ أرض كانت للكفّار، لكن انجلى عنها أهلها، أو سلّموها للمسلمين عن غير قتال ؛ و كلّ أرض موات، سواء كانت مملوكة معمورة ثمّ ماتت، أم لا ؛ و كذا رؤس الجبال و بطون الأودية والآجام .

والرابع : الأرض الّتي فتحت عنوة ؛ و هي الّتي تؤخذ من الكفّار بالقهر والغلبة .

ص: 34

المطلب الثاني :

في تعيين الأراضي المفتوحة عنوةً و تشخيصها

اشارة

والثاني : في تعيينها و تشخيصها، ليترتّب عليها أحكامها المختلفة الآتية، فنقول : تحقيق الحال في هذا المرام صعب جدًّا، لأنّ ثبوت أمثال ذلک إمّا بالتواتر، أو بالأخبار الصادرة من أركان الدين، أو من غيرهم ممّن يصحّ التعويل على قوله ؛ و تحقّق شيء منها بعنوان العموم غير معلوم .

فنحن نورد في هذا المرام أوّلاً ما حضرني ممّا ورد من سادات الأنام و كلمات فقهاء العظام و غيرهم، ثمّ نتكلّم على تحقيق الحال في ذلک .

فهنا مقامات :

ص: 35

ص: 36

المقام الأوّل : في ذكر النصوص الدالّة على الأراضي الّتي فتحت عنوة

فنقول : إنّ في المقام عدّة نصوص :

منها : ما رواه ثقة الإسلام في الكافي : عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قالا : ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج، و ما سار فيها أهل بيته .

إلى أن قال علیه السلام : و ما أخذ بالسيف فذلک إلى الإمام، يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) بخيبر، قبّل سوادها و بياضها، يعني : أرضها و نخلها، والناس يقولون : لايصلح قبالة الأرض والنخل، و قد قبّل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خيبر، و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم .

و قال : إنّ أهل طائف (1) أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و إنّ أهل

مكّة دخلها رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) عنوةً، فكانوا اُسراء في يده، فأعتقهم و قال : اذهبوا

ص: 37


1- . في المصدر : الطائف .

فأنتم الطُلقاء (1) .

والحديث وإن كان مضمرًا، لكنّ الظاهر أنّ المسئول عنه هو مولانا الرضا علیه السلام، كما يظهر من شيخ الطائفة في التهذيب (2) ، لأنّه بعد أن أورد الحديث المذكور من الكافي، روى باسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا علیه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال : العشر و نصف العشر على من أسلم طوعًا، تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر (3) ، و نصف العشر فيما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي، فقبّله ممّن يعمره وكان للمسلمين، و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوسق (4) شيء، و ما أخذ بالسيف فذلک للإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) بخيبر قبل أرضها و نخلها، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، و قد قبّل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خيبر، و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر (5) .

و ستقف على الكلام في توضيح الحديث إن شاء الله تعالى .

و منها : الصحيح المرويّ في التهذيب : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام

ص: 38


1- . الكافي : 3 / 513 ح 2 .
2- . التهذيب : 4 / 119 ح 342 .
3- . في المصدر زيادة : فيما سقت السماء والأنهار .
4- . في المصدر : أوساق .
5- . التهذيب : 4 / 119 ح 2 .

قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض الّتي فتحت بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فقال : إنّ أميرالمؤمنين علیه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة، فهم (1) إمام لسائر الأرضين (2) .

و رواه شيخنا الصدوق في الفقيه باسناده إلى محمّد بن مسلم، و في المتن بينهما اختلاف جزئيّ، إذ في الفقيه هكذا : سأل محمّد بن مسلم أبا جعفر علیه السلام عن سير الإمام في الأرض الّتي فتحت بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فقال : إنّ أميرالمؤمنين علیه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين (3) .

بيان في القاموس :

العِرَاق - ككتاب - : بلادٌ معروفةٌ من عَبّادان إلى موصل (4) طولاً، و من القادسيّة إلى حُلوان عرضًا (5) .

و فيه :

العراقان : الكوفة والبصرة (6) .

ص: 39


1- . في المصدر : فهي .
2- . التهذيب : 4 / 118 ح 1 .
3- . الفقيه : 2 / 29 ح 1681 .
4- . في المصدر : الموصل .
5- . القاموس المحيط : 3 / 263 .
6- . القاموس المحيط : 3 / 264 .

والسيرة كما فيه :

السنّة والطريقة (1) .

والمراد من « السير » على ما في الفقيه هذا المعنى، فما في التهذيب أولى .

و « هم » - كما في التهذيب - يعود إلى أهل العراق ؛ والظاهر أنّ الكلام على تقدير المضاف، والتقدير : فسيرتهم و سنّتهم إمام لسائر الأرضين، أي : تلک الطريقة معمولةٌ في جميع الأراضي الّتي وقع السؤال عن حالها .

و في بعض نسخ التهذيب : « و هو » ؛ والظاهر أنّه يعود إلى أمير المؤمنين على تقدير مضاف أيضًا، و التقدير : و سيرته علیه السلام الّتي قرّرها في أهل العراق إمام ؛ أي : متّبعة في سائر الأرضين .

و أمّا على ما في الفقيه، فلا افتقار إلى التقدير، كما لايخفى، فما فيه أولى .

وممّا ذكر في بيان المعنى يظهر أنّ اللام في : « لسائر الأرضين » بمعنى: « في »، وجه الدلالة هو : انّ الظاهر أنّ المراد في السؤال عن حال الأرض الّتي فتحت عنوة، فقد دلّ جوابه علیه السلام على أنّ أرض العراق بأسرها من ذلک، لكنّ الظاهر أنّ المراد منه عراق العرب - كالكوفة و توابعها - كما يظهر ذلک عن بعض النصوص الآتية .

و منها : ما رواه في باب الخراج من الفقيه والتهذيب : عن مصعب بن يزيد

ص: 40


1- . القاموس المحيط : 2 / 54 .

الأنصاري قال : استعملني (1) أميرالمؤمنين علیه السلام على أربعة رساتيق : المدائن البهقياذات (2) ، و نهر سير (3) ، و نهر جوير (4) ، و نهر الملک ؛ و أمرني أن أضع على كلّ جريب زرع غليظ درهمًا و نصفًا، و على كلّ جريب وسط درهمًا، و على كلّ جريب زرع رقيق ثلثي درهم، و على كلّ جريب كرم عشرة دراهم، و على كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و على كلّ جريب البساتين الّتي تجمع النخل والشجرة عشرة دراهم (5) .

توضيح رساتيق جمعُ : رُستاق، قال في القاموس : الرُستاق : الرُزداق (6) .

ص: 41


1- . استعملني، أي : جعلني عاملاً .
2- . في المصدر : البهقباذات .
3- . في المصدر : و بهر سير ؛ قال في السرائر : بهر سير - بالباء المنقّطة من تحتها نقطة واحدةوالسين غير المعجمة - هي المدائن ؛ والدليل على ذلک أنّ الراوي قال : استعملني على أربعةرساتيق، ثمّ عدّ خمسة، فذكر المدائن، ثمّ ذكر من جملة الخمسة : بهر سير، فعطف على اللفظدون المعنى ( السرائر : 1 / 484 ).
4- . في الفقيه : و نهر جوبر .
5- . التهذيب : 4 / 119 ح 3 ؛ الفقيه : 2 / 48 ح 1667 .
6- . القاموس المحيط : 3 / 236 .

و فيه :

الرُزداق - بالضمّ - : السواد والقرى (1) .

و فيه أيضًا :

سواد البلدة : قراها (2) .

قوله : « أربعة رساتيق » إلى آخره، يحتمل وجوهًا :

الأوّل : يمكن أن يكون ذلک بإضافة « أربعة » إلى « رساتيق »، و إضافة «رساتيق » إلى « المدائن »، و يكون « البهقياذات » بيانًا لتلک الرساتيق الأربعة، فالمعنى : انّه علیه السلام جعلني عاملاً في أربع قرى من قرى المدائن، و هي : البهقياذات، فعلى هذا يكون « و نهر سير » معطوفًا على « أربعة ».

والثاني : مثله، إلّا أنّ « البهقياذات » يكون واحدًا من الأربعة، فعلى هذا يكون قوله : « و نهر سير » عطفًا على « البهقياذات »، والتقدير : الأوّل من تلک الأربعة البهقياذات، والثاني نهر سير، إلى آخره ؛ والمعنى : من تلک الرساتيق المحلّ الّذي يشرب من نهر سير، أو يجري فيه نهر سير، و هكذا إلى آخره .

لكنّه مبنيّ على أن يكون الأمر في نفس الأمر كذلک، أي : يكون نهر سير جاريًا في قرية من قرى المدائن، و هكذا إلى آخره، كما أنّ الأوّل متوقّف على أن يكون البهقياذات أربعة .

ص: 42


1- . القاموس المحيط : 3 / 235 .
2- . القاموس المحيط : 3 / 235 .

والثالث : أن يكون قوله : « أربعة » من غير إضافة، و يكون التنوين فيه عوضًا عن المضاف إليه ؛ والتقدير : أربعة محالّ .

و عليه يكون في قوله : « رساتيق المدائن » إلى آخره، احتمالان :

أحدهما : أن يكون « رساتيق المدائن » بيانًا للأربعة، و يكون قوله : «البهقياذات » مخصّصًا لرساتيق بمسمّاه، فعلى هذا يكون « نهر سير » عطفًا على «أربعة ».

والثاني : أن يكون « رساتيق المدائن » واحدًا من الأربعة، و يكون قوله : «ونهر سير » عطفًا عليه، و هكذا إلى آخره ؛ و قد عرفت أنّ إمكان إرادتهما مبنيّ على ما ذكر .

قال ابن إدريس - بعد نقل الحديث عن المقنعة - ما هذا لفظه :

فأمّا البهقياذات (1) فهي ثلاثة : البهقياذ (2) الأعلى، و هو ستّة طساسيج :

طسّوج بابل، و خُطَرنية، والفلوجة العليا والسفلى، والنهرين، و عين التمر.

والبهقياذ (3) الأوسط أربعة طساسيج : طسوج الجُبّة، والبُداة، وسوراء،

و بريسما، و نهر الملک، و باروسما .

ص: 43


1- . في المصدر : البهقباذات .
2- . في المصدر : البهقباذ .
3- . في المصدر : البهقباذ .

والبهقياذ (1) الأسفل خمسة طساسيج، منها : طسوج فرات و باذقلي (2) ،

و طسوج السيلحين الّذي فيه الخورنق والسدير .

ذكر ذلک عبيد الله بن خرداذبة في كتاب الممالک والمسالک (3) .

انتهى ما في السرائر ؛ فعلى هذا ينتفي بعض الاحتمالات المذكورة، كما لايخفى .

و منها : ما رواه في باب : « أدب المصدّق » من الكافي : عن إسماعيل بن إبراهيم، عن مهاجر، عن رجل من ثقيف، قال : استعملني عليّ بن أبي طالب -صلوات الله عليه - على بانقيا و سواد من سواد الكوفة، فقال لي - والناس حضور - : أنظر خراجک فجِدّ فيه و لا تترک منه درهمًا، فإذا أردت أن تتوّجه إلى عملک فمُرّ بي .

قال : فأتيته، فقال لي : إنّ الّذي سمعتَ منّي خُدعة، إيّاک أن تضرب مسلمًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا في درهم خراج، أو تبيع دابّة، عمل في درهم، فإنّما أمرنا أن نأخذ منهم العفو (4) .

ص: 44


1- . في المصدر : البهقباذ .
2- . في المصدر : طسوج فرات بادقلي .
3- . السرائر : 1 / 485 .
4- . الكافي : 3 / 540 ح 8 .

توضيح

قال في السرائر - بعد نقل الحديث عن المقنعة - ما هذا لفظه :

بانقياء هي القادسيّة، و ما والاها من أعمالها (1) ، و إنّما سمّيت القادسيّة

بدعوة إبراهيم الخليل علیه السلام، لأنّه قال : كوني مقدّسة للقادسيّة، أي : مطهّرة من التقديس ؛ و إنّما سمّيت القادسيّة بأنقياء، لأنّ إبراهيم علیه السلام اشتراها بمائة نعجة من غنمه، لأنّ « با » مائة و « نقيا » شاة بلغة النبط (2) ، انتهى .

و مقتضى ذلک أن يكون ذلک من باب تسمية المثمن باسم الثمن .

و منها : الصحيح المرويّ في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب : عن محمّد الحلبي، قال : سئل أبو عبدالله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين، لِمَن هو اليوم، و لِمَن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمَن لم يخلق بعد، الحديث (3) .

ص: 45


1- . في المصدر : و أعمالها .
2- . السرائر : 1 / 4علیه السلام9 .
3- . التهذيب : علیه السلام / 14علیه السلام ح 1 .

تنبيهٌ

اعلم : أنّ الحكم بكون أرض من الّتي فتحت عنوة إمّا بالنصّ، أو بإثبات شيء من خواصّها، ككونها لجميع المسلمين ؛ و فيه تأمّل، لاحتمال الصلح بأن يكون الأرض لجميع المسلمين، أو أنّها ممّا وضع الخراج عليها ؛ والنصوص المذكورة بعضها دلّ على الأوّل، و بعضها على الثاني، و بعضها على الثالث .

هذه هي النصوص الّتي عثرت عليها ممّا وجد في الأصول الأربعة، و لم يظهر منها إلّا أنّ عراق العرب و خيبر و مكّة ممّا فتحت عنوة .

ص: 46

–والمقام الثاني : في ذكر ما وصل إلينا من كلمات فقهائنا في هذا المطلب

فنقول : قال العلّامة - قدّس الله تعالى روحه - في التذكرة والمنتهى :

أمّا أرض مكّة، فالظاهر من المذهب أنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله وسلم) فتحها بالسيف، ثمّ آمنهم بعد ذلک، و به قال أبو حنيفة و مالک والأوزاعي .

إلى أن قال :

و قال الشافعي : إنّه (صلی الله علیه و آله وسلم) فتحها صلحًا، بأن (1) قدّمه لهم قبل دخوله، قال :

وهو منقولٌ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد .

ثمّ قال :

و أمّا أرض السواد، و هي الأرض المغنومة من الفرس الّتي فتحها عمر بن الخطّاب، و هي سواد العراق، و حدّه في العرض من منقطع الجبال

ص: 47


1- . في المصدر : بأمان .

بحلوان إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم (1) الموصل طولاً إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان (2) من شرقيّ دجلة، فأمّا الغربيّ الّذي تليه البصرة فإنّما هو إسلاميّ، مثل شطّ (3)

عثمان بن أبي العاص، و ما والاها كانت سباخًا و مواتًا، فأحياها عثمان بن أبي العاص .

و سمّيت هذه الأرض (4) سوادًا، لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف (5) شجرها سمّوها السواد لذلک، و هذه الأرض فتحت عنوةً، فتحها عمر بن الخطّاب، ثمّ بعث إليها بعد فتحه ثلاثة أنفس : عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرًا، وابن مسعود قاضيًا و واليًا على بيت المال (6) ، و فرض للثلاثة في كلّ يوم شاة شطرها مع

ص: 48


1- . جاء في حاشية المخطوطة : تخوم - بالضمّ - : الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود ؛قاموس ( القاموس المحيط : 4 / 83 ).
2- . جاء في حاشية المخطوطة : قال في مجمع البحرين : عبّادان - على صيغة التثنية - : بلدٌ على بحر فارس بقرب البصرة شرقًا ؛ و عن الصنعانيّ : عبّادان جزيرة أحاط بها شعبتان من دجلة(مجمع البحرين : 3 / 96 ).
3- . جاء في حاشية المخطوطة : قال في القاموس : الشطّ : موضع بالبصرة يضاف إلى عثمان بنأبي العاص الصحابي، انتهى ( القاموس المحيط : 2 / 368 ).
4- . « هذه الأرض » لم يرد في المصدر .
5- . في المنتهى : والتفات .
6- . في المصدر هنا زيادة : « و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض » .

السواقط (1) لعمّار، و شطرها للاخرين (2) .

و في المنتهى :

مسح عثمان بن حنيف أرض الخراج، واختلفوا في مبلغها، فقال الساجي : اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب . و قال أبو عبيدة (3) : ستّة

وثلاثون ألف ألف جريب . ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم و على الكرم ثمانية دراهم، و على جريب الشجر والرطبة ستّة دراهم، وعلى الحنطة أربعة دراهم، و على الشعير درهمين، ثمّ كتب بذلک إلى عمر، فأمضاه (4) .

و قال في المبسوط :

ظاهر المذهب أنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله وسلم) فتح مكّة عنوةً بالسيف، ثمّ آمنهم بعد ذلک ؛ وإنّما لم يقسّم الأرضين والدور، لأنّها لجميع المسلمين، كما نقوله في كلّ ما يفتح عنوةً .

إلى أن قال :

و أمّا أرض السواد، فهي الأرض المغنومة من الفرس الّتي فتحها عمر،

ص: 49


1- . المراد منها هو مثل الكبد والكرش والأمعاء .
2- . تذكرة الفقهاء : 9 / 189 ؛ منتهى المطلب : 14 / 2علیه السلام0 .
3- . في المصدر : أبو عبيد .
4- . منتهى المطلب : 14 / 271 .

وهي سواد العراق، فلمّا فتحت بعث عمر عمّار بن ياسر أميرًا، وابن مسعود قاضيًا و واليًا على بيت المال، و عثمان بن حنيف ماسحًا، فمسح عثمان الأرض .

واختلفوا في مبلغها، فقال الساجي : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب (1) ،

و هي ما بين عبّادان والموصل طولاً، و بين القادسيّة و حُلوان عرضًا . ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل ثمانية دراهم، والرطبة ستّة، والشجر كذلک، والحنطة أربعة، والشعير درهمين، و كتب إلى عمر، فأمضاه .

قال :

و روي (2) ارتفاعها كان في عهد عمر مائة و ستّين ألف ألف درهم، فلمّا

كان في زمن الحجّاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم، فلمّا ولّى عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف في أوّل سنة، و في الثانية بلغ ستّين ألف ألف، فقال : لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى ما كان في أيّام عمر، فمات تلک السنة .

قال : وكذلک أميرالمؤمنين علیه السلام لمّا انقضى (3) الأمر إليه أمضى ذلک، لأنّه

ص: 50


1- . في المصدر هنا زيادة : « و قال أبو عبيدة : ستّة وثلاثون ألف ألف جريب » .
2- . في المصدر : « و روي أنّ ».
3- . في المصدر : لمّا أفضى .

لا (1) يمكنه أن يخالفه (2) ، و يحكم بما يجب عنده فيه (3) .

و في الخلاف في كتاب الفيء :

سواد العراق ما بين موصل (4) و عَبّادان طولاً، و ما بين حُلوان والقادسيّة عرضًا، فتحت عنوةً فهي للمسلمين، على ما قدّمنا القول فيه (5) .

قال في الدروس :

و لا يجوز للذمّي استيطان الحجاز و لا جزيرة العرب، و حدّها من عدن إلى ريف عبّادان طولاً، و من تهامة و ما والاها إلى أطراف الشام عرضًا، و يجوز الاجتياز والامتيار (6) .

و قال الجعفي : لايصلح سكناهم دار الهجرة إلّا أن يدخلوها نهارًا، يتسوّقون بها و يخرجون ليلاً .

ص: 51


1- . في المصدر : لم .
2- . في المصدر : أن يخالف .
3- . المبسوط : 2 / 33 و 34 .
4- . في المصدر : الموصل .
5- . الخلاف : 4 / 196 .
6- . جاء في حاشية المخطوطة : يقال : فلان يمير أهله : إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده ؛منه .

وقال ابن الجنيد : يجوز إقامتهم فيما صولحوا عليه، كأيلة و تيماء (1)

ووادي القرى و كلّ بلدة مصرها المسلمون لا يجوز إحداث بيعة و لا كنيسة و لا بيت نار فيها إجماعًا .

و كذا لو سكنوا الأرض المفتوحة عنوةً لم يحدثوا فيها شيئًا من ذلک، ومنع ابن الجنيد من سكناهم مصرًا مصّره المسلمون و من دفنهم فيه .

قال : والتمصير إمّا بالإحداث، كالكوفة والبصرة و بغداد و سرّ من رأى، أو بإسلام أهلها عليها طوعًا، كالمدينة والطائف واليمن و بعض الديلم، أو بقسمة، كبلاد العنوة بين المسلمين (2) .

ص: 52


1- . أيلة - بفتح الهمزة و سكون الياء - : البلد المعروف فيما بين مصر و شام ( النهاية : 1/85 ).و تيماء - وزان حمراء - : موضع قريب من بادية الحجاز، يخرج منها إلى الشام على طريقالبلقاء، و هي حاضرة طيء ( المصباح المنير : 1 / 79 ).
2- . الدروس الشرعيّة : 2 / 39 .
–المقام الثالث : في ذكر كلمات المؤرّخين في هذا المطلب
ذكر بلاد العراق
اشارة

لكن ينبغي قبل التعرّض لكلماتهم أن نشير إلى بلاد العراق و ما يناسب لي لهذا المرام، فنقول : إنّ الّذي يظهر من بعض كتب التواريخ أنّ بلادها كانت سبعة : بَابِل، و الحِيْرة، و حُلوان، و الرومية، و القَادِسيّة، و المَدائن، و النَهْرُوَان ؛ و هي بأسرها مخروبة الآن .

و بلاد العراق الّتي ذكروا أنّها فتحت عنوةً إشارة إلى هذه البلاد ؛ و في جملة من العبارات السالفة أنّها مغنومة من الفرس، والمراد أنّ أهلها كانوا من الفرس والأعاجم، و كانوا كفّارًا، و أخذها عسكر الإسلام بالقهر والغلبة .

بابل

أمّا بابل، فقد قيل :

ص: 53

إنّها من الجانب الشرقيّ من طرف الفرات، و هي من الإقليم الثالث، بناها قينان بن أنوش بن شيث بن آدم علیه السلام (1) .

و قيل :

إنّها كانت من الأمصار العظيمة في الغاية، و كانت من دار الملک لنمرود وضحّاک علواني (2) ، و هي الآن من توابع الحلّة، و من عجائب المخلوقات

فيها بئر عميق حبس فيها هاروت و ماروت (3) .

الحِيرة

وأمّا الحِيرة - بالحاء المكسورة والياء المثنّاة التحتانيّة - فقد قيل :

إنّها واقعة على مقدار فرسخ من الكوفة، كانت أيضًا من الأمصار العظيمة، و من الإقليم الثالث (4) .

قال في مجمع البحرين :

الحِيرة - بكسر الحاء - و هي البلد القديم بظهر الكوفة، كان (5) يسكنه

ص: 54


1- . نزهة القلوب : 3علیه السلام .
2- . في المصدر : علوني .
3- . نزهة القلوب : 3علیه السلام .
4- . نزهة القلوب : 40 .
5- . « كان » لم يرد في المصدر .

النعمان بن المنذر (1) .

حُلوان

و أمّا حُلوان، فقد قيل :

بناها قباد بن فيروز الساساني، و أنّها من الإقليم الرابع، و أنّ فيها قبر حمزة من القرّاء السبعة (2) .

و في نزهة القلوب :

إنّ قراها كانت ثلاثين (3) .

الرومية و القادسيّة

و أمّا الرومية، فلم يحضرني الآن حالها (4) .

و أمّا القادسيّة، فقد تقدّم بعض أوصافها .

ص: 55


1- . مجمع البحرين : 3 / 281 .
2- . نزهة القلوب : 40 .
3- . نزهة القلوب : 40 .
4- . قال في نزهة القلوب : 41، ما هذا نصّه : « روميه از اقليم سيّم است، و از مداين سبعه عراقعرب بود، انوشروان عادل ساخت نزديك مداين بر شكل انطاكيه، اكنون خراب است ».
المدائن

و أمّا المدائن، فقد قيل :

إنّها كانت من أعظم بلاد العراق، و لذلک سمّيت بالمدائن، و أنّه بناها طهمورث، و أتمّها جمشيد، و جعلها كثير من الملوک دار ملكهم، و فيها قبر سلمان الفارسيّ رحمة الله، و بنى فيها أنو شيروان العادل الإيوان المشهور(1) .

و فيه نزل أميرالمؤمنين عليّ علیه السلام، على ما يظهر ممّا روي عن أبي الأحوص، عن أبيه، عن عمّار الساباطي قال : قدم أمير المؤمنين علیه السلام المدائن، فنزل بإيوان كسرى، و كان معه دلف بن مجبر، فلمّا صلّى قام و قال لدلف : قم معي، و كان معه جماعة من أهل ساباط، فما زال يطوف منازل كسرى و يقول لدلف : كان لكسرى في هذا المكان كذا و كذا .

و يقول دلف : هو والله كذلک، فما زال كذلک حتّى طاف المواضع بجميع من كان معه، و دلف يقول : يا سيّدي و مولاي كأنّک وضعت هذه الأشياء في هذه المساكن .

ثمّ نظر علیه السلام إلى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه : خذ هذه الجمجمة، ثمّ

ص: 56


1- . نزهة القلوب : 44 و 45 .

جاء علیه السلام إلى الإيوان، و جلس فيه، و دعا بطشت فيه ماء، فقال للرجل : دع هذه الجمجمة في الطشت، ثمّ قال : أقسمت عليک يا جمجمة لتخبريني مَن أنا، و مَن أنت ؟

فقالت الجمجمة بلسانٍ فصيحٍ : أمّا أنت، فأمير المؤمنين و سيّد الوصيّين وإمام المتّقين ؛ و أمّا أنا، فعبد الله و ابن أمة الله كسرى أنو شيروان .

فقال له أمير المؤمنين : كيف حالک ؟

فقال : يا أمير المؤمنين انّي كنت ملكًا عادلاً شفيقًا على الرعايا، رحيمًا، لاأرضي بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، و قد ولد محمّد (صلی الله علیه واله وسلم) في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثة (1) و عشرون شرفة ليلة ولد، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه و فضله و مرتبته و عزّه في السماوات والأرض، و من شرف أهل بيته، و لكنّي تغافلت عن ذلک و تشاغلت عنه في الملک، فيا لها من نعمة و منزلة ذهبت منّي حيث لم أؤمن، فأنا محرومٌ من الجنّة بعدم (2) إيماني، و لكنّي مع هذا الكفر خلّصني الله تعالى من عذاب النار

ببركة عدلي وانصافي بين الرعيّة، فأنا في النار والنار محرّمة (3) عليّ، فواحسرتاه

لو آمنت به لكنت معک يا سيّد أهل بيت محمّد و يا أمير أمّته (4) .

ص: 57


1- . في الفضائل : ثلاث .
2- . في المصدر : لعدم .
3- . في الفضائل : محرومة .
4- . في الفضائل : و يا أمير المؤمنين .

قال : فبكى الناس و انصرف القوم الّذين كانوا (1) من أهل ساباط إلى أهلهم

وأخبروهم بما كان و بما جرى (2) ، فاضطربوا و اختلفوا في معنى أمير المؤمنين،

فقال المخلصون منهم : إنّ أمير المؤمنين علیه السلام عبدالله و وليّه و وصيّ رسول الله ؛ وقال بعضهم : بل هو النبيّ ؛ و قال بعضهم : بل هو الربّ، و هو مثل عبدالله بن سبأ وأصحابه، و قالوا : لو لا أنّه الربّ كيف (3) يحيى الموتى ؟!

قال : فسمع بذلک أمير المؤمنين علیه السلام، فضاق صدره و أحضرهم و قال : يا قوم ! غلب عليكم الشيطان، إن أنا إلّا عبدالله، أنعم عليّ بإمامته و ولايته و وصيّة رسوله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فارجعوا عن الكفر (4) ما رجعوا .

فألحّ عليهم أمير المؤمنين علیه السلام بالرجوع، فما رجعوا، فأحرقهم بالنار، و تفرّق منهم (5) في البلاد و قالوا : لو لا أنّ فيه الربوبيّة (6) ما كان أحرقنا في النار (7) ، فنعوذ

ص: 58


1- . في الفضائل : كانوا معه .
2- . في الفضائل : و بما جرى من الجمجمة .
3- . في الفضائل : و إلّا كيف .
4- . في الفضائل هنا زيادة : فأنا عبدالله وابن عبده، و محمّد (صلی الله علیه و آله وسلم) خيرٌ منّي، و هو أيضًا عبد الله،وإن نحن إلّا بشرٌ مثلكم، فخرج بعض من الكفرة و بقى قوم على الكفر .
5- . في الفضائل هنا زيادة : قوم .
6- . في الفضائل : من الربوبيّة .
7- . في الفضائل : فما كان أحرقنا بالنار .

بالله من الخذلان (1) .

النهروان

و أمّا النهروان، ففي نزهة القلوب :

أنّها كانت من الأمصار العظيمة ؛ و أنّ المسافة بينها و بين بغداد خمسة فراسخ (2) .

هذه هي المدائن السبعة للعراق، و قد عرفت أنّها بأسرها مخروبة الآن ؛ والّذي يظهر من المقالات السالفة أنّها بأسرها فتحت عنوة في خلافة عُمَر، لكنّ الّذي يظهر من بعض كتب التواريخ - كحبيب السير - أنّ بعضها فتح في خلافة أبي بكر صُلحًا، حيث قال ما حاصله :

إنّ المثنّى بن حارثة - الّذي كان من أعيان بني سفيان - جاء إلى أبي بكر في سنة اثنتى عشرة من الهجرة، و قال : إنّه قد حصل في ملوک العجم ضعف و فتور، واقتضى المصلحة أن تجيزني والأمراء والأشراف لتوجيه العسكر إلى حدود الكوفة و سواد العراق .

ص: 59


1- . الفضائل، لابن شاذان القمّي : علیه السلام0 ؛ و عنه البحار : 41 / 213 ح 2علیه السلام ؛ و رواه الطبري فينوادر المعجزات : 21 ح 5 ؛ و أخرجه في عيون المعجزات : 16 عن كتاب الأنوار ؛ وأخرجهفي إثبات الهداة : 5 / 16 ح 320 و مدينة المعاجز : 1 / 224 ح 141 عن العيون .
2- . نزهة القلوب : 36 و 46 .

و أجاز له ذلک، و مضى المثنّى بن حارثة مع العسكر إليهم، و أخذ في نهب مواشيهم، و لمّا اطّلع عليه حكّام العجم و أمراؤهم أخذوا في جمع العسكر لمقاتلتهم، و لمّا وصل هذا الخبر إلى أبي بكر كتب إلى خالد بن الوليد - و هو في يمامة - أن يتوجّه إلى العراق، و فوّض إمارة العسكر إليه، و توجّه خالد بأمر الخليفة إلى العراق مع قريب من عشرة آلاف من العسكر .

و قال : إنّ حكومة سواد العراق في ذلک الوقت كانت متعلّقة بابن صلوبا، وإيالة الحِيرة كانت مفوَّضة بعيصة بن دويب (1) ، وانجرّ الأمر بين المسلمين و بين

الأميرين بالمصالحة، و قرّر خالد بن الوليد عليهم الجزية ؛ قال : و هو أوّل جزية كانت في العراق (2) .

ثمّ ذكر بعد أن حكى فتوحات عظيمة للمسلمين : أنّ أبابكر كتب إلى خالد أن يولّى زمام أمر العراق إلى المثنّى بن حارثة، و توجّه هو إلى تسخير بلاد الشام .

ثمّ ذكر - بعد فتح الشام و أخذها عنوةً، و وفات أبي بكر في ثلاث عشرة سنة، وانتقال الخلافة إلى عُمَر - أنّ المثنّى بن حارثة رجع في أوائل خلافة عُمَر من العراق إلى المدينة، و حكى له ضعف الفرس و انقلاب أمورهم، واستدعى توجيه العسكر إليهم .

و ذكر أنّ عُمَر بعد الاستشارة إلى أعاظم الصحابة وجّه أبا عبيدة و المثنّى بن

ص: 60


1- . في المصدر : قبيصة بن ذويب الطائيّ .
2- . حبيب السير : 1 / 457 .

حارثة إليهم، و فوّض إمارة العسكر إلى أبي عبيدة .

و حكى عن أكثر المؤرّخين أنّ سلطنة العجم في ذلک الزمان متعلّقة ببوران دخت، و كان رستم من أمير الأمراء ؛ و لمّا وصل أبو عبيدة مع عسكر الإسلام إلى سواد العراق، وجّه سلطان العجم عسكرًا كثيرًا إليهم، و فوّض إمارة العسكر إلى حامان، و بعد تلاقي الفئتين واشتعال نائرة الحرب فاز المسلمون بالغلبة، وكذا الحال في حروب متعدّدة إلى أن فاز أبو عبيدة بدرجة الشهادة في شاطىء الفرات .

و ذكر أنّ أمراء العجم لمّا رأوا انقلاب أمورهم، عزلوا بوران عن السلطنة، وفوّضوا أمر السلطنة إلى يزدجرد، و كان المدائن مقرّ جلوس ملوک العجم في ذلک الأوان .

ولمّا اطّلع عُمَر على شهادة أبي عبيدة و عزل أمراء سلطانهم و نصبهم يزدجرد للسلطنة، وجّه سعد بن أبي وقّاص إلى العراق بعد الاستشارة من أجلّة الأصحاب، و فوّض إمارة عسكر الإسلام و رتق أمور العراق و فتقها إليه ؛ و وصل سعد بن أبي وقّاص إلى القادسيّة في فصل الربيع، و قبل وصوله إليها انتقل المثنّى بن حارثة من دار الفناء إلى دار البقاء، و بعد وصوله إليها لحق عسكر الإسلام إليه .

و أمّا يزدجرد، فلمّا اطّلع على نزول سعد بن أبي وقّاص إلى القادسيّة واجتماع عسكر الإسلام لديه، وجّه رستم من المدائن إلى ساباط مع جنود كثيرة ؛ و بعد تلاقي الفئتين و اشتعال نائرة الحرب في ثلاثة أيّام فاز عسكر الإسلام بالغلبة،

ص: 61

وحصل لهم من جنود الكفر مغانم كثيرة ؛ و ذكر أنّ عدد المقتول من الكفّار في تلک الحرب بلغ مائة ألف، و عدد المقتولين من المسلمين فيها ثمانية آلاف وخمسمائة نفر .

و أرسل سعد بن أبي وقّاص خُمس الغنائم إلى عُمَر، و قسّم الباقي بين العسكر، وكتب عُمَر إلى سعد أن يقيم في القادسيّة و لم يتعرّض إلى المدائن، إلى أن يبلغ الخبر منه إليه .

لكن يزدجرد لمّا اطّلع على حقيقة الحال و تبيّن له المغلوبيّة من قرائن الأحوال اختار الفرار على القرار، وانتقل من المدائن إلى حُلوان، و نزل سعد بن أبي وقّاص بالمدائن، ثمّ اختار يزدجرد الفرار من حُلوان أيضًا .

و لمّا اطّلع هاشم بن عتبة - و هو ابن الأخ لسعد بن أبي وقّاص - على فرار يزدجرد من حُلوان لسببٍ لا يهمّنا إيراده في المقام، انتقل إلى حُلوان .

هذا ملخّص ما ذكره في حبيب السير (1) ، و هو ينافي الحكم بكون بلاد العراق

وسوادها بأسرها مأخوذة بالقهر والغلبة في ولاية عُمَر، لأنّ مقتضاه أنّ بعضها - بل أكثرها - فتحت صلحًا في ولاية أبي بكر .

و يمكن الجواب عن ذلک من وجهين :

أحدهما : بالجمع بين المقالتين بأن يقال : ما ذكر في الأوّل بأنّ حكومة سواد

ص: 62


1- . ينظر حبيب السير : 1 / 457 و 467 و 474 - 484 .

العراق كانت متعلّقة بابن حلوبا، و حكومة الحِيرة كانت لعيصة بن دويب، و تحقّق الصلح بينهما و بين المسلمين، ينبغي أن يكون المراد منه بعض سواد العراق، لوضوح أنّ المدائن و حُلوان من العراق، و أنّهما لم ينفتحا في زمن أبي بكر.

والحاصل من ذلک : أنّ مَن حكم بأنّ سواد العراق مفتوحة بالصلح إنّما يكون مراده بعضها ؛ و مَن حكم بأنّها مفتوحة عنوةً أراد به البعض الآخر - كالمدائن وحُلوان و توابعهما مثلاً - فلا منافاة .

والثاني : أن يصار إلى القول بكون الجميع ممّا فتح عنوةً، لعدم التعويل على ما دلّ على خلافه، لما عرفت من قوله علیه السلام في صحيحة الحلبي السالفة الدالّ على أنّ السواد لجميع المسلمين (1) .

و ذلک لا يكون إمّا بكونها مفتوحة عنوةً، أو صلحًا، لكن بأن يكون الأرض لجميع المسلمين، لا بجعل الجزية ؛ و هو مقتضى قوله علیه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم السالفة أيضًا : « أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة » إلى آخره (2) .

و لعلّه لذلک أطلق جماعة من فحول أصحابنا بأنّ سواد العراق مفتوحة عنوةً، كما عرفت ممّا سبق .

و يمكن الجواب من وجه آخر، و هو : أنّ الظاهر من كلام العلّامة في المنتهى

ص: 63


1- . التهذيب : 7 / 147 ح 1 .
2- . الفقيه : 2 / 29 ح 1681 ؛ التهذيب : 4 / 118 ح 1 .

والتذكرة في تحديد سواد العراق أنّها ما وقع في جانب الشرقيّ من دجلة، حيث حدّدها في الطول بما يكون من تخوم الموصل إلى ساحل البحر ببلاد عَبّادان من شرقيّ دجلة (1) .

و ما ذكر في بعض كتب التواريخ من فتح بعض البلاد في خلافة أبي بكر إنّما هو البلاد الّتي في جانب الغرب من دجلة، لكنّ اللازم من ذلک أن لا يجعل الحِيرة من بلاد العراق، لكونها في جانب الغرب من دجلة، بل من الفرات أيضًا .

تنبيهٌ

و ممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام هو : أنّ البلاد المتقدّمة - كالمدائن و حُلوان وغيرهما الّتي ذكر أنّها من بلاد العراق - قد عرفت أنّها مخروبة الآن ؛ والبلاد المعمورة فيها الآن - كالبصرة و بغداد و الحلّة و نحوها - إنّما هي إسلاميّ، أي : بناها المسلمون .

البصرة

أمّا البصرة، فقد ذكر في نزهة القلوب و حبيب السير :

أنّها ممّا بني في عصر عُمَر في سنة خمس عشرة من الهجرة في السنة

ص: 64


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 189 ؛ منتهى المطلب : 14 / 270 .

الّتي كان سعد بن أبي وقّاص مشتغلاً بحرب ملوک العجم ؛ والداعي على بناء البصرة إرادة انسداد المراودة بين ملوک العجم والهند، لئلّا يمكن استمداد بعضهم من آخر، لما ذكر من أنّ ذلک الموضع كان أقرب الطرق بين الفريقين ؛ و بني فيها المسجد الجامع (1) .

و في نزهة القلوب :

انّ أمير المؤمنين علیه السلام زاد في سعة ذلک المسجد، و ذكر أنّ كلّ مسجد يبنى أعظم من ذلک المسجد يهدم بعض أطرافه (2) .

و فيه أيضًا :

انّ في مسجد البصرة منارًا إذا قال له قائل : حرّک بحقّ عليّ علیه السلام، يتحرّک ؛ و يقال له : أسكن بحقّ عليّ علیه السلام، يسكن . و أمثال ذلک غير مستبعد من كراماته علیه السلام (3) .

بغداد

و أمّا بغداد، فقد ذكر أنّه كانت في جانب الشرق من دجلة قرية اسمها :

ص: 65


1- . نزهة القلوب : 37 و 38 ؛ حبيب السير : 1 / 482 .
2- . نزهة القلوب : 38 .
3- . نزهة القلوب : 38 .

ساباط (1) .

و في القاموس :

انّ ساباط موضعٌ بالمدائن (2) .

و لعلّ المراد أنّه من توابع المدائن .

و في بعض الكتب :

انّ القرية المسمّاة بساباط من توابع النهروان (3) .

و قيل :

إنّ كسرى أنو شيروان بنى بستانًا في صحاري تلک القرية، و جعل اسمه : باغ داد - أسقط الألف لكثرة الاستعمال، فصار : بغداد ؛ و منصور الدوانقي - الّذي هو أحد الخلفاء العباسيّة - بنى هناک هذا المصر الّذي سمّي ببغداد (4) .

و في بعض كتبهم :

انّه لمّا عزم المنصور بناء بغداد خلج في خاطره أن يأمر بهدم إيوان

ص: 66


1- . نزهة القلوب : 33 .
2- . القاموس المحيط : 4 / 146 ؛ و فيه : « ساباط قرب المدائن ».
3- . نزهة القلوب : 33 .
4- . نزهة القلوب : 33 ؛ روضة الصفا : 11 / 6232 .

كسرى في المدائن و نقل آلاته ليصرف في بناء بغداد، واستشار في ذلک إلى بعض وزرائه، فمنعه عن ذلک و قال : يشتهر في الأعصار والأزمان أنّ الخليفة افتقر في بناء مصر إلى هدم عمارةٍ أخرى .

و لم يقبل منه و قال : يظهر من ذلک أنّ لک ميلاً إلى كسرى لم ترض بانطماس آثاره ؛ فأمر بهدم الإيوان و نقل الآلات إلى بغداد، و لمّا تنبّه أنّ ذلک لا يفي بمؤنة التخريب والمخرب والنقل ندم من ذلک (1) .

و الحاصل : انّ منصور بنى بغداد و سعى في بنائها، لكن أكثر العمارات في جانب الغرب من دجلة، و جعل دار الخلافة في ذلک الجانب ؛ و لمّا انتقل الإمارة إلى ابنه مهديّ أكثر العمارة في جانب الشرق منها، و قرّر دار الخلافة في ذلک الجانب، و بعد انتقال الأمر إلى هارون سعى في تعمير بغداد سعيًا بليغًا .

الكوفة

و أمّا الكوفة، ففي حبيب السير و غيره :

انّه لمّا فتح المدائن و حُلوان في سنة خمس عشرة من الهجرة نزل عسكر الإسلام بالمدائن و لم يوافق مائها مع أمزجتهم، فاستأذن سعد

ص: 67


1- . ينظر معجم البلدان : 1 / 294 ؛ والكامل في التاريخ : 5 / 573 ؛ و تاريخ بغداد : 1 / 141 .

بن أبي وقّاص من عُمَر في بناء الكوفة، فبناها بعد الاستيذان (1) .

الحلّة

و أمّا الحلّة، ففي نزهة القلوب :

أنّها بنيت في سنة ستّ و ثلاثين و أربعمائة في إمارة القائم أحد الخلفاء (2) .

فعلى هذا لا يجري في البلاد المذكورة حكم البلاد الّتي فتحت عنوةً، إلّا إذا ثبت أنّ الأرض الّتي بنيت فيها تلک البلاد كانت حين الفتح من الأراضي المعمورة .

ذكر بلاد العجم

بقي الكلام في البلاد الّتي تعدّ في هذه الأزمان من بلاد العجم، فنقول : إنّ الّذي يظهر ممّا ذكر في حبيب السير :

أنّ في سنة عشرين (3) من الهجرة شكوا أهل الكوفة من سعد بن أبي

ص: 68


1- . حبيب السير : 1 / 484 .
2- . نزهة القلوب : 40 .
3- . في المصدر : في السنة الحادية والعشرين .

وقّاص إلى عُمَر، فعزله و فوّض إمارة الكوفة إلى عمّار بن ياسر، ولمّا اطّلع يزدجرد على عزل سعد اهتمّ بجمع العساكر، فجمع عنده من عسكر خراسان و الري و همدان و نهاوند مائة و خمسون ألفًا، و فوّض إمارة العسكر إلى فيروزان، و هو من أعاظم الأمراء و الشجعان، و صار مقرّ العسكر في نهاوند (1) .

و في روضة الصفا ما حاصله :

انّ يزدجرد بعد فتح المدائن و حُلوان و غيرهما اختار الفرار على القرار إلى أن وصل إلى أرض الري، و استقرّ هناک للاستراحة ؛ و لمّا وصل إليه الخبر أنّ أبا موسى الأشعريّ من قبل عُمَر فتح بلاد الأهواز - أي : المدن بين البصرة و فارس على ما في القاموس (2) - اضطرب يزدجرد، فكتب

إلى الأعيان من أصبهان و قم و كاشان و طبرستان و دامغان و سائر البلاد الّتي في تصرّفها، أن يلحقوا على فيروزان في نهاوند لمقاتلة العرب، فامتثلوا، فاجتمعوا في نهاوند .

و لمّا اطّلع عمّار بن ياسر - والي الكوفة - على اجتماع عسكر العجم في نهاوند، كتب حقيقة الحال إلى عُمَر، واضطرب و أمر بمسافرة العسكر

ص: 69


1- . حبيب السير : 1 / 486 و 487 .
2- . القاموس المحيط : 2 / 197 ؛ و فيه : « والأهواز : تسع كور بين البصرة و فارس، لكلّ كورةمنها اسم، و يجمعهنّ الأهواز، لا تفرد واحدة منهنّ بهوز، و هي رامهرمز » إلى آخره .

إلى نهاوند، و جعل إمارة العسكر إلى النُعمان بن مُقَرّن المزني بأمر مولانا أمير المؤمنين علیه السلام.

و بعد وصول العسكر إلى نهاوند و محاربة شديدة بين الفريقين و قتل جمّ غفير من العسكرين، فاز عسكر الإسلام بالغلبة ؛ و لمّا اطّلع يزدجرد على حقيقة الحال اختار الفرار على القرار إلى بلاد خراسان (1) .

و في حبيب السير :

نزل إلى اصبهان، فسافر إلى خراسان ؛ - و ذكر : - أنّهم سمّوا فتح نهاوند بفتح الفتوح، لعدم اجتماع عسكر العجم فيما بعده (2) .

و لا يخفى عليک أنّه لم يظهر من ذلک حكم خصوصيّات بلاد العجم ؛ و كفاية هذا القدر في الحكم بكون جميع البلاد فتحت عنوةً لا يخلو من إشكال، بل غير صحيح، لأنّه إذا علم أنّ بعض البلاد بعد وقوع الواقعة أسلم أهلها طوعًا و رغبةً، كيف يمكن أن يقال : إنّها فتحت عنوةً ؟!

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالک :

يثبت كونها مفتوحة عَنْوةً بنقل مَن يوثّق بنقله و اشتهاره بين المؤرّخين، وقد عدّوا من ذلک مكّة المشرّفة و سواد العراق و بلاد خراسان والشام ؛

ص: 70


1- . روضة الصفا : 4 / 1796 .
2- . حبيب السير : 1 / 487 .

و جعل بعض الأصحاب (1) من الأدلّة على ذلک ضرب الخراج من

الحاكم و إن كان جائرًا، و أخذ المقاسمة من ارتفاعها عملاً بأنّ الأصل في تصرّفات المسلمين الصحّة (2) .

و في بعض حواشي القواعد ما هذا لفظه :

و قد عدّ الأصحاب في المفتوح عنوةً : أرض العراق، و مكّة - على الظاهر من المذهب - و خراسان - من أقصاها إلى كرمان - وخوزستان (3) ، و همدان، و قزوين و ما حواليها، انتهى (4) .

و أنت قد عرفت تفصيل القول في العراق ؛ و أمّا خراسان، فالّذي يظهر من كتب التواريخ أنّ بعض بلادها فتح صلحًا - كطبس و نحوه - و بعضها عنوةً - كنيشابور - بل الظاهر من بعض المؤرّخين أنّ أكثرها فتح صلحًا بعد أن فتح نيشابور عنوةً .

و قال بعضهم في خصوص نيشابور :

ص: 71


1- . يعني : المحقّق الثاني في حاشيته على الشرائع ( المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركيوآثاره ) : 11 / 84 ؛ و ينظر رياض المسائل : 7 / 550 .
2- . مسالک الأفهام : 3 / 54 .
3- . جاء في حاشية المخطوطة : والّذي يظهر من نزهة القلوب أنّ خوزستان اسم لاثنى عشرمصرًا، منها : شوشتر و حويزة و دزفول و غيرها ( انظر نزهة القلوب : 109 - 111 ).
4- . جامع المقاصد : 3 / 403 .

إنّها فتحت صلحًا (1) .

فاختلف النقل في كيفيّة فتح بلاد خراسان .

و حكي عن بعض كتب التواريخ :

انّ أهالي طبرستان - أي : مازندران - صالحوا أهل الإسلام (2) .

ص: 72


1- . ينظر الفتوح : 2 / 338 ؛ و تاريخ ابن خلدون : 2 / 579 ؛ و فتوح البلدان : 391 .
2- . ينظر كفاية الأحكام : 1 / 378 ؛ و المعارف، لابن قتيبة الدينوري : 568 ؛ و فتوح البلدان :2 / 411 و 412 ؛ تاريخ الطبري : 3 / 233 .

الأراضي المفتوحة عنوةً

اشارة

اعلم : أنّ الأصحاب - قدّس الله أرواحهم - قسّموا الأرض إلى أربعة أقسام :

الأوّل : الأراضي الّتي أخذت من الكفّار عنوةً، أي : بالقهر والغلبة .

قال في السرائر :

عَنوةً - بفتح العين - و هو : ما أخذ من خضوع و تذلّل (1) .

تحقيق الحال في هذا المرام يستدعي نقل الكلام في مطالب :

ص: 73


1- . السرائر : 1 / 477 .

ص: 74

المطلب الأوّل : في ذكر اختلاف المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة

ذكر أقوال علماء العامّة

الأوّل : انّ علماء السنّة اختلفوا في هذه الأراضي على أربعة أقوال :

منها : ما حكي عن الشافعي و غيره من اختصاصها بالغانمين، فهم لا يفرّقون بين الغنائم المنقولة و غيرها (1) .

و منها : ما ذهب إليه أبو حنيفة و مشاركوه، من أنّ الإمام مخيّرٌ بين أن يقسّمها على الغانمين و انفاقها على المسلمين، و إسكان أهلها، أو غيرهم من المشركين

ص: 75


1- . حكاه عن الشافعي وابن الزبير في الخلاف : 5 / 534 ؛ و تذكرة الفقهاء : 9 / 184 ؛ و ينظرالمبسوط، للسرخسي : 10 / 37 ؛ و شرح فتح القدير : 4 / 305 ؛ والحاوي الكبير :14/260 ؛ و حلية العلماء : 7 / 677 .

عليها، و يضرب عليهم الخراج (1) .

و منها : ما حكي عن جماعة أخرى منهم، من أنّ الإمام مخيّرٌ بين الأوّلين (2) .

و منها : ما حكي عن المالک من أنّها تصير وقفًا على المسلمين بنفس الاستغنام من غير افتقار إلى إيقاف (3) .

ذكر أقوال علماء الإماميّة

و أمّا أصحابنا، فالّذي يظهر منهم أنّهم مطبقون على أنّها لقاطبة المسلمين، الغانمون و غيرهم فيها سواء، سواء كانوا موجودين حال الفتح، أم لا، بل يشاركهم الكفّار بعد فوزهم بشرافة الإسلام .

و في موضعين من الخلاف (4) عليه دعوى الإجماع - كما ستقف على عبارته -

ص: 76


1- . حكاه عنهم في الخلاف : 4 / 195 ؛ و تذكرة الفقهاء : 9 / 184 ؛ و ينظر الشرح الكبير، لعبدالرّحمن بن قدامة : 10 / 540 ؛ والمغني : 2 / 581 ؛ والحاوي الكبير : 14 / 260 ؛ وحليةالعلماء : 7 / 678 .
2- . حكاه عن عمر و معاذ والثوري و عبدالله بن المبارک في الخلاف : 4 / 195 ؛ و ينظر المغني،لابن قدامة : 2 / 577 ؛ والميزان الكبرى : 2 / 180 .
3- . حكاه عنه في الخلاف : 4 / 197 ؛ و ينظر بداية المجتهد : 1 / 387 ؛ والمدوّنة الكبرى :2/ 26 ؛ والشرح الكبير : 2 / 579 .
4- . الخلاف : 4 / 195 ؛ و 5 / 534 .

و في المنتهى و التذكرة نسبة ذلک إلى علمائنا (1) ؛ و في المبسوط : أنّه ممّا يقتضيه

المذهب (2) ، لكنّ الظاهر من ثقة الإسلام (3) اختصاصها بالغانمين، كما ستقف على عبارته .

فها أنا أورد شطرًا من عباراتهم للاطّلاع على حقيقة الحال، فنقول : قال في المبسوط :

أمّا أرض السواد، فهي الأرض المغنومة من الفرس الّتي فتحها عُمَر، وهي سواد العراق .

إلى أن قال :

والّذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد الّتي فتحت عنوةً أن يكون خمسها لأهل الخمس، فأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة للغانمين و غير الغانمين في ذلک سواء، و يكون للإمام النظر فيها وتقبيلها و تضمينها بما شاء، و يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالح المسلمين و ما ينوبهم - أي : ينزل عليهم - من سدّ الثغور و تقوية (4)

المجاهدين و بناء القناطر و غير ذلک من المصالح، و ليس للغانمين في

ص: 77


1- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 934 ؛ تذكرة الفقهاء : 9 / 184 .
2- . المبسوط : 1 / 574 .
3- . ينظر الكافي : 1 / 538 .
4- . في بعض نسخ المصدر : و معونة .

هذه الأرضين خصوصًا شيء، بل هم والمسلمون فيه سواء (1) .

و قال أيضًا في كتاب الزكاة منه :

والضرب الآخر من الأرضين هو ما أخذ عنوةً بالسيف، فإنّها تكون للمسلمين قاطبة : المقاتلة و غير المقاتلة، و على الإمام أن يقبلها (2) لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، و على المتقبّل إخراج مال القبالة و حقّ الرقبة (3) .

و في الخلاف، في كتاب الزكاة :

كلّ أرض فتحت عنوةً بالسيف فهي أرض لجميع المسلمين : المقاتلة وغيرهم، و للإمام الناظر فيها تقبيلها ممّن يراه بما يراه من نصف أو ثلث (4) .

و فيه في كتاب الفيء :

ما لا ينقل (5) من الدور والعقارات والأرضين عندنا أنّ فيه الخمس،

فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين، مَن حضر القتال و من لم

ص: 78


1- . المبسوط : 2 / 33 و 34 .
2- . في المصدر : تقبيلها .
3- . المبسوط : 1 / 235 .
4- . الخلاف : 2 / 67 .
5- . في المصدر هنا زيادة : و لا يحول .

يحضر، فيصرف ارتفاعه (1) إلى مصالحهم .

إلى أن قال بعد نقل مذاهب العامّة :

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم (2) .

و فيه أيضًا في هذا الكتاب :

سواد العراق ما بين الموصل و عَبّادان طولاً، و ما بين حُلوان والقادسيّة عرضًا، فتحت عنوةً، فهي للمسلمين، على ما قدّمنا القول فيه (3) .

و فيه أيضًا في كتاب السير :

كلّ أرض فتحت عنوةً فهي للمسلمين كافّة، لا يجوز قسمتها بين الغانمين .

- ثمّ أخذ في بيان مذاهب العامّة، فقال : - دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (4) .

و في النهاية :

كلّ ما غنمه المسلمون من المشركين ينبغي للإمام أن يخرج منه

ص: 79


1- . في المصدر : انتفاعه .
2- . الخلاف : 4 / 195 .
3- . الخلاف : 4 / 196 .
4- . الخلاف : 5 / 534 .

الخمس، فيصرفه في (1) أهله و مستحقّيه حسب ما قدّمناه في كتاب

الزكاة .

والباقي على ضربين : ضربٌ منه للمقاتلة خاصّة دون غيرهم من المسلمين ؛ و ضربٌ هو عامّ لجميع المسلمين مقاتليهم و غير مقاتليهم (2) .

فالّذي هو عامّ لجميع المسلمين، فكلّ ما عدا ما حواه (3) العسكر من

الأرضين والعقارات و غير ذلک، فإنّه بأجمعه فيء للمسلمين، من غاب منهم و من حضر على السواء .

و ما حواه (4) العسكر يقسّم بين المقاتلة خاصّة، و لا يشاركهم (5) فيه غيرهم (6) .

و فيه أيضًا في كتاب الزكاة :

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف الّتي قدّمنا

ص: 80


1- . في المصدر : إلى .
2- . في المصدر : مقاتلتهم و غير مقاتلتهم .
3- . في المصدر : ما حوى .
4- . في المصدر : و ما حوى .
5- . في المصدر : و لا يشركهم .
6- . النهاية : 294 .

ذكرها ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس . و أربعة أخماس ما يبقى يقسّم بين المقاتلة . و ما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة، مقاتليهم و غير مقاتليهم (1) .

و فيه أيضًا في باب : « أحكام الأرضين » ما هذا لفظه :

والضرب الآخر من الأرضين ما أخذ عنوةً بالسيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم، و كان على الإمام أن يقبلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع (2) .

و فيه أيضًا في باب : « بيع المياه والمراعي » :

والأرضون أقسام أربعة : قسمٌ منها أرض الخراج، و هي كلّ أرض أخذت عنوةً بالسيف و عن قتال، فهي أرض للمسلمين قاطبة، لا يجوز بيعها و لا شراؤها، والتصرّف فيها، إلّا بإذن الناظر في أمر المسلمين (3) .

و في الوسيلة :

والثالثة - أي : الأرض المفتوحة عنوةً - تكون بأسرها للمسلمين،

ص: 81


1- . النهاية : 198 .
2- . النهاية : 195 .
3- . النهاية : 419 .

وحكمها إلى الإمام، يتصرّف فيها بما يراه صلاحًا (1) .

و في السرائر :

والضرب الثاني من الأرضين : ما أخذ عنوةً بالسيف .

- إلى أن قال : - فإنّ هذه الأرض يكون للمسلمين بأجمعهم : المقاتلة وغير المقاتلة، و كان على الإمام أن يقبلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلک، و كان على المتقبّل إخراج ما قبل به من حقّ الرقبة، يأخذه الإمام، فيخرج منه الخمس، يقسّمه على مستحقّيه، والباقي منه يجعله في بيت مال المسلمين ليصرف في مصالحهم من سدّ الثغور و تجهيز الجيوش و بناء القناطر و غير ذلک .

وليس في هذا السهم الّذي هو حقّ الرقبة زكاة، لأنّ أربابه و هم المسلمون ما يبلغ نصيب كلّ واحد منهم ما يجب فيه الزكاة (2) .

و في التذكرة :

الأرضون على أربعة أقسام، الأوّل : ما يملک بالاستغنام من الكفّار ويؤخذ قهرًا بالسيف، و هي تملک بالاستيلاء كما تملک المنقولات، وتكون للمسلمين قاطبة، لا تختصّ بها المقاتلة، بل يشاركهم غيرهم من

ص: 82


1- . الوسيلة : 132 .
2- . السرائر : 1 / 477 .

المسلمين، و لا يفضل الغانمون على غيرهم أيضًا، بل هي للمسلمين قاطبة ؛ ذهب إليه علماؤنا أجمع (1) .

و فيه أيضًا في مباحث إحياء الموات :

ما فتحه المسلمون عنوةً بالسيف والقهر والغلبة، كأرض العراق والشام، و هذه إن كانت محياة قبل الفتح فهي للمسلمين قاطبة، الغانمون وغيرهم، عند علمائنا (2) .

و في المنتهى في مقام تقسيم الأراضي :

أحدها : ما يملک بالاستغنام و يؤخذ قهرًا بالسيف، فإنّها تكون للمسلمين قاطبة، فلا يختصّ بها المقاتلة، بل شاركهم (3) غير المقاتلة

من المسلمين ؛ و كما لا يختصّون بها كذلک لا يفضلون، بل هي للمسلمين قاطبة، ذهب إليه علماؤنا أجمع (4) .

والحاصل : انّ المسألة و إن خالف فيها أهل الخلاف، لكنّ الظاهر من العبارات المذكورة أنّ أصحابنا مطبقون على أنّ هذا القسم من الأرض لقاطبة المسلمين .

ثمّ أقول : إنّ الظاهر ممّا ذكر و إن كان إطباق أصحابنا على أنّ تلک الأرضين

ص: 83


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 183 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 402 .
3- . في المصدر : يشاركهم .
4- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 934 .

لقاطبة المسلمين، لكنّ الأمر ليس كذلک، فإنّ المصرّح به في كلام ثقة الإسلام أنّها للغانمين، حيث قال في باب : « تفسير الفيء والأنفال » :

إنّ الله تبارک و تعالى جعل الدنيا كلّها بأسرها لخليفته، حيث يقول للملائكة : ( إِنِّى جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً ) (1) ، فكانت الدنيا بأسرها

لآدم علیه السلام، و صارت بعده لأبرار ولده و خلفائه .

فما غلبه عليه أعداؤهم ثمّ رجع إليهم بحرب أو غلبة سمِّي فيئًا، و هو أن يفيء إليهم بغلبة و حرب، وكان حكمه فيه ما قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِيْنِ وَابْنِ الْسَبِيْلِ ) (2) ، فهو لله و للرسول و لقرابة الرسول، فهذا

هو الفيء الراجع، وإنّما يكون الراجع ما كان في يد غيرهم، فأخذ منهم بالسيف .

و أمّا ما رجع إليهم من غير أن يوجف عليه بخيل و لا ركاب فهو الأنفال، هو لله و للرسول خاصّة، ليس لأحد فيه شركة (3) ، و إنّما جعل

الشركة في شيء قوتل عليه، فجعل لمن قاتل من الغنائم أربعة أسهم، وللرسول سهم (4) .

ص: 84


1- . البقرة : 30 .
2- . الأنفال : 42 .
3- . في المصدر : الشركة .
4- . الكافي : 1 / 538 .

انتهى كلامه - أعلى الله مقامه - و هو صريحٌ في أنّ الأربعة الأخماس الباقية مختصّة بالغانمين، إلّا أن يحمل ذلک بالغنائم المنقولة، لكن سوق كلامه يأبى عنه، وكذلک ما ذكره بعده حيث قال :

وكانت فدک لرسول الله 9 خاصّة، لأنّه 9 فتحها و أميرالمؤمنين علیه السلام، لم يكن معهما أحد، فزال عنها اسم الفيء، و لزمها اسم الأنفال (1) .

المستند في أنّ الأراضي المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين

والمستند في ذلک - مضافًا إلى الإجماعات المنقولة - نصوصٌ مستفيضة :

منها : الصحيح المرويّ في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب : عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمّد الحلبي قال : سئل أبو عبدالله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين، لِمَن هو اليوم، و لِمَن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لِمَن لم يخلق بعد، الحديث (2) .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور : عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشاميّ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : لا تشتر من أرض السواد شيئًا إلّا مَن كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين (3) .

ص: 85


1- . الكافي : 1 / 538 .
2- . التهذيب : 7 / 147 ح 1 .
3- . التهذيب : 7 / 147 ح 2 .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور أيضًا : عن صفوان بن يحيى قال : حدّثني أبو بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال : و مَن يبيع ذلک و هي أرض المسلمين ؟ قال : قلت : يبيعها الّذي هي في يده، قال : و يصنع لخراج المسلمين ماذا ؟ ثمّ قال : لا بأس، اشتر حقّه منها وتحول حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها، و املأ لخراجهم (1) منه (2) .

و منها : ما رواه في الباب المذكور أيضًا : عن محمّد بن شريح قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه و قال : إنّما أرض الخراج للمسلمين (3) .

فالمسألة ممّا لا تأمّل فيه، لكن

تحقيق المقام يستدعي بسط الكلام في مطالب :

اشارة

ص: 86


1- . في بعض النسخ : لحوائجهم .
2- . التهذيب : 4 / 146 ح 406 ؛ و 7 / 155 ح 686 .
3- . التهذيب : 7 / 148 ح 3 .

المطلب الأوّل : في وجوب إخراج الخمس من الأراضي المفتوحة عنوةً و كون الباقي للمسلمين

الأوّل : انّ المصرّح به في عبارة المبسوط و الخلاف و النهاية والسرائر : انّ الخمس من الأراضي المفتوحة عنوةً إنّما هو لأرباب الخمس، و ما يكون للمسلمين إنّما هو الأربعة الأخماس الباقية (1) .

و هو المصرّح به في خمس الشرائع والقواعد أيضًا حيث قالا :

إذا اشترى الذمّيّ أرضًا من مسلم وجب فيها الخمس، سواء كانت ممّا فيه الخمس - كالأرض المفتوحة عنوةً - أو ليس فيه (2) .

و هو مقتضى ما ذكره في خمس التحرير والتذكرة والمنتهى (3) ، لحكمه فيها بأنّ

ص: 87


1- . المبسوط : 2 / 34 ؛ الخلاف : 4 / 194 ؛ النهاية : 198 ؛ السرائر : 1 / 491 .
2- . شرائع الإسلام : 1 / 163 ؛ قواعد الأحكام : 1 / 362 .
3- . تحرير الأحكام : 1 / 433 ؛ التذكرة : 5 / 409 ؛ منتهى المطلب ( ط . ق ) : 1/544 .

ما يجب فيه الخمس الغنائم الّتي تؤخذ من دار الحرب، ما يحويه العسكر و ما لم يحوه، أمكن نقله، أو لا يمكن كالأرضين .

و في جهاد القواعد :

ما لا ينقل يخرج منه الخمس، إمّا بإفراز بعضه، أو بإخراج خمس حاصله، والباقي للمسلمين قاطبة (1) .

و لعلّ المستند في الاستثناء - مضافًا إلى الإجماع المنقول في الخلاف (2) -

العمومات الدالّة على وجوب الخمس في الغنائم بعنوان الإطلاق عن الكتاب والسنّة، كقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُم مِنْ شَىْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ ) (3) ،

والصحيح المرويّ في باب : « تفسير الفيء والأنفال » من أصول الكافي، عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح علیه السلام قال : الخمس من خمسة أشياء، من الغنائم والغوص و من الكنوز و من المعادن و المَلّاحَة (4) ،

الحديث (5) .

و ما رواه في الباب المذكور : عن أبي بصير، عن أبي جعفر علیه السلام قال : كلّ شيء

ص: 88


1- . قواعد الأحكام : 1 / 492 .
2- . الخلاف : 4 / 195 .
3- . الأنفال : 42 .
4- . المَلّاحَة - بالتشديد - : منبت الملح .
5- . الكافي : 1 / 539 ح 4 .

قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا الله و أنّ محمّدًا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فإنّ لنا خمسه، ولايحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئًا حتّى يصل إلينا حقّنا (1) .

و الصحيح المرويّ في باب : « الخمس و الغنائم » من التهذيب : عن عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة (2) .

رواه في الفقيه بإسناده إلى الحسن بن محبوب (3) .

و ما رواه في هذا الباب عن عبدالله بن سنان أيضًا عن أبي عبدالله علیه السلام انّه قال : على كلّ امرء غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة علیها السلام، و لمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيّتها الحجج على الناس، فذاک لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤا (4) .

والصحيح المرويّ في باب : « تمييز أهل الخمس »، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد قال : حدّثنا بعض أصحابنا - رفع الحديث - قال : الخمس من خمسة أشياء، من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الّذي يقاتل عليه، الحديث (5) .

فعلى هذا لابدّ من حمل النصوص السابقة الدالّة على أنّ أرض الخراج لقاطبة

ص: 89


1- . الكافي : 1 / 545 ح 14 .
2- . التهذيب : 4 / 124 ح 16 .
3- . الفقيه : 2 / 40 ح 1646 .
4- . التهذيب : 4 / 122 ح 348 ؛ الاستبصار : 2 / 55 ح 180 .
5- . التهذيب : 4 / 126 ح 5 .

المسلمين على أنّ المراد منها ما عدا الخمس، أو يقال : إنّ أرض الخراج اسمٌ لما بقي بعد إخراج الخمس .

فعلى هذا نقول : إنّ الأراضي الّتي فتحت عنوةً في أيادي الناس في هذه الأزمنة هل نحكم بوجوب إخراج الخمس عينًا أو منفعةً عملاً بمقتضى الاستصحاب، أو لا حملاً لفعل المسلمين على الصحّة، فيحمل على أنّ ما في أيدي الناس إنّما هو بعد إخراج الخمس و دفعه لأربابه ؟

لا يبعد المصير إلى الأوّل، لأنّ الفتح إنّما هو في زمن خلفاء الجور، و بناؤهم إنّما هو على إباحة الخمس، و لم يعلم إخراجه فيما بعد زمانهم .

نعم، يمكن التفصيل بين البلاد المفتوحة في زمن النبيّ 9، فيحكم في الثاني بلزوم الخمس دون الأوّل .

و يتوجّه عليه : أنّ القدر اللازم من حمل فعل المسلم على الصحّة كونه على الوجه الصحيح، فيمكن أن يكون ذلک بإخراج الخمس من النماء، و أمّا العين فلا، فتأمّل .

ص: 90

–المطلب الثاني : في أنّ ما ذكر من وجوب إخراج الخمس من تلک الأرضين

اشارة

والثاني : في أنّ ما ذكر من وجوب إخراج الخمس من تلک الأرضين و كون الباقي للمسلمين هل يختصّ بالأراضي المعمورة حين الفتح، أو يعمّها الموات ؟

والظاهر من جملة من العبارات وإن كان هو الثاني، لكنّ المختار هو الأوّل .

وأمّا الموات حين الفتح، فهو مختصّ بالإمام، بل الظاهر أنّ المسألة ممّا لا إشكال فيه، وفاقًا للمبسوط والشرائع والنافع والقواعد والإرشاد والمنتهى والتذكرة والتحرير و غيرها .

قال في المبسوط :

أمّا الأرضون المحياة، فهي للمسلمين قاطبة .

إلى أن قال :

ص: 91

و أمّا الموات، فإنّها لا تغنم و هي للإمام علیه السلام خاصّة (1) .

و في النافع :

كلّ أرض فتحت عنوةً و كانت محياة، فهي للمسلمين كافّة والغانمون في الجملة .

إلى أن قال :

و ما كان مواتًا وقت الفتح، فهو للإمام، و لا يتصرّف فيه إلّا بإذنه (2) .

و مثله في الشرائع (3) .

و في الإرشاد :

و هي - أي : الأرضون - أربعة : المفتوحة عنوةً للمسلمين قاطبة .

إلى أن قال :

و مواتها وقت الفتح للإمام خاصّة، و لايجوز إحيائها إلّا بإذنه (4) .

و في القواعد :

فإن فتحت عنوةً، فإن كانت محياة فهي فيء للمسلمين قاطبة، لايختصّ

ص: 92


1- . المبسوط : 2 / 29 .
2- . المختصر النافع : 114 .
3- . شرائع الإسلام : 1 / 293 .
4- . إرشاد الأذهان : 1 / 348 .

بها الغانمون .

إلى أن قال :

و ما كان منها مواتًا حال الفتح، فللإمام خاصّة، لا يجوز إحيائها إلّا بإذنه (1) .

و في المنتهى :

قد بيّنا أنّ الأرض المأخوذة عنوةً لا يختصّ بها الغانمون، بل هي للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح، و لا يصحّ بيعها و لا هبتها ولا وقفها، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح .

إلى أن قال :

و أمّا الموات منها وقت الفتح، فهي للإمام خاصّة (2) .

و في التحرير :

الأرض المأخوذة عنوةً للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح، يصرف الإمام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور .

إلى أن قال :

و أمّا الموات وقت الفتح، فهي للإمام خاصّة، و لايجوز لأحد إحياؤه إلّابإذنه (3) .

و في التذكرة :

إذا عرفت هذا، فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح، لايصحّ بيعها و لا هبتها و لا وقفها .

إلى أن قال :

و أمّا الموات منها وقت الفتح، فهي للإمام خاصّة، و لا يجوز لأحد إحياؤه إلّا

ص: 93


1- . قواعد الأحكام : 1 / 493 .
2- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 936 .
3- . تحرير الأحكام : 2 / 1علیه السلام2 .

بإذنه إن كان ظاهرًا (1) .

و فيه في مباحث الرهن :

و أرض العراق - و هو سواد الكوفة، و هو (2) من تخوم الموصل إلى

عَبّادان طولاً، و من القادسيّة إلى حُلوان عرضًا، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً - فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة، لايختصّ بها المقاتلة والغانمون، بل هي لجميع المسلمين، لا يصحّ بيعها ولا وقفها و لا رهنها ؛ و مواتها وقت الفتح للإمام خاصّة (3) .

و في اللمعة :

ص: 94


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 18علیه السلام .
2- . في المصدر : فهو .
3- . تذكرة الفقهاء : 13 / 131 .

و لا يجوز إحياء المفتوحة عنوةً، إذ عامرها للمسلمين و خرابها للإمام علیه السلام (1) .

بل الظاهر من التذكرة في مباحث إحياء الموات دعوى الإجماع عليه حيث قال :

لو كانت هذه الأرض المفتوحة عنوةً مواتًا وقت الفتح، فهي للإمام خاصّة عند علمائنا (2) .

تحقيق الحال يستدعي أن يقال : إنّ هنا إطلاقين و تقييدين، لأنّ الحكم بكون الأراضي المفتوحة عنوةً للمسلمين بعنوان الإطلاق الشامل للموات منها أيضًا يستلزم التقييد في الحكم بكون الموات من الأراضي إنّما هو للإمام علیه السلام، بأن يقال : إنّ الموات الّذي للإمام علیه السلام إنّما هو في غير المفتوحة عنوةً ؛ كما أنّ الحكم بكون الموات مطلقًا للإمام يستلزم التقييد في الحكم بكون الأراضي المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين بأن يقال : إنّها المعمورة من الأرض حين الفتح .

النصوص الدالّة على المطلب

والتحقيق إطلاق القول في الموات، فنقول : إنّ الموات مطلقًا مختصّ

ص: 95


1- . اللمعة الدمشقيّة : 210 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 402 .

بالإمام علیه السلام و لو كان من الأراضي المفتوحة عنوةً، فالمفتوحة عنوةً الّتي يجب إخراج الخمس فيها و يحكم بكونها لقاطبة المسلمين إنّما هي المعمورة حال الفتح، لإطلاق ما دلّ على أنّ الموات - بل الأرضين كلّها - للإمام علیه السلام ؛ وإطلاقه يعمّ الموات من المفتوحة عنوةً أيضًا، كالموثّق المرويّ في باب الأنفال من كتاب زكاة التهذيب : عن سماعة بن مهران قال : سألته عن الأنفال ؟ فقال : كلّ أرض خربة، أو شيء كان للملوک، الحديث (1) .

والصحيح المروىّ في أواخر كتاب الزكاة من التهذيب : عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد، عن مسمع بن عبد الملک، في حديث طويل عن الصادق علیه السلام في جملته أنّه قال : يا أبا سيّار ! الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، الحديث (2) .

و الصحيح المرويّ في باب : « إحياء الموات » من الكافي، و باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب : عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر علیه السلام قال : وجدنا في كتاب عليّ علیه السلام : ( إنّ الأرضَ لله يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبَادِه وَالعاقِبةُ لِلمُتَّقِينَ ) (3) أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا

الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضًا من المسلمين

ص: 96


1- . التهذيب : 4 / 133 ح 7 .
2- . التهذيب : 4 / 144 ح 25 .
3- . الأعراف : 128 .

فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام علیه السلام، الحديث (1) .

وجه الدلالة أمّا في الموثّق، فظاهر ؛ و أمّا في الصحيحين، فلأنّ مقتضاهما أنّ الأراضي كلّها للإمام علیه السلام، خرج ما دلّ الدليل على خروجه، فيبقى غيره مندرجًا تحت العموم .

النصوص الّتي توهم التخصيص

اشارة

في الموات و الإطلاق في المفتوحة عنوة

والّذي يوهم التخصيص في الموات والإطلاق في المفتوحة عنوةً نصوصٌ، وهي على قسمين :

القسم الأوّل من النصوص : ما فسّر فيه الأنفال المختصّ بالإمام لغير ما فتح عنوة بعنوان الإطلاق

قسمٌ منها : ما فسّر فيه الأنفال المختصّ بالإمام لغير ما فتح عنوةً بعنوان

ص: 97


1- . الكافي : 1 / 407 ح 1 ؛ التهذيب : 7 / 152 ح 23 .

الإطلاق ؛ و مقتضاه أنّ المفتوحة عنوةً لا يكون من الأنفال على الإطلاق ؛ و هو عدّة نصوص :

منها : الصحيح المرويّ في باب : « الفيء والأنفال » من أصول الكافي : عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البَخْتَرِيّ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قومٌ صالحوا، أو قومٌ أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خَرِبَة و بطون الأودية فهو لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، و هو للإمام من بعده، يضعه حيث يشاء (1) .

توضيحٌ

قال في السرائر :

و الإيجاف : السير السريع، انتهى (2) .

و لعلّ المراد ممّا صالحوا أن يكون الصلح على أنّ الأرض للإمام علیه السلام. وقوله علیه السلام: « أو قوم »، عطفٌ على الموصول بتقدير المضاف، والتقدير : الأنفال أرض قوم صالحوا عليها، أو أرض قوم أعطوها الإمام بأيديهم، أي : سلمها إلى الإمام علیه السلام.

ص: 98


1- . الكافي : 1 / 539 ح 3 .
2- . السرائر : 1 / 497 .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور، عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح، في حديث طويل من جملته : و له بعد الخمس الأنفال، والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، ولكن صولحوا صلحًا (1) ، و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رؤوس

الجبال و بطون الأودية و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و له صوافي الملوک ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب (2) كلّه مردود، و هو وارث

من لا وارث له، الحديث (3) .

و منها : الموثّق - كالصحيح - المرويّ (4) في باب الأنفال من التهذيب، عن

محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه سمعه يقول : إنّ الأنفال ما كان من أرض لم تكن فيها هراقة دم، أو قومٌ صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفيء والأنفال لله و للرسول صلی الله علیه و اله وسلم، فما كان لله فهو للرسول، و يضعه حيث يجب (5) .

و منها : الموثّق - كالصحيح - المرويّ في الباب، عن عثمان بن عيسى، عن

ص: 99


1- . في المصدر : ولكن صولحوا عليها .
2- . في المصدر : لأنّ المغصوب .
3- . الكافي : 1 / 541 ح 4 ؛ التهذيب : 4 / 130 ح 366 .
4- . جاء في حاشية المخطوطة : رواه بإسناده عن عليّ بن فضّال، عن إبراهيم بن هاشم، عنحمّاد بن عيسى، عن محمّد بن مسلم .
5- . التهذيب : 4 / 133 ح 4 .

سماعة بن مهران قال : سألته عن الأنفال ؟ فقال : كلّ أرض خربة، أو شيء يكون للملوک، فهو خالص للإمام علیه السلام (1) .

و منها : الموثّق - كالصحيح - المرويّ (2) في الباب المذكور من التهذيب : عن

محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : الفيء والأنفال ما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهو (3) كلّه من الفيء (4) .

و منها : ما رواه في الباب المذكور من التهذيب أيضًا (5) : عن محمّد بن مسلم

قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : و سئل عن الأنفال ؟ فقال : كلّ قرية يهلک أهلها، أو ينجلون عنها، فهي نفل لله عزّوجلّ (6) ، الحديث (7) .

ص: 100


1- . التهذيب : 4 / 133 ح 7 .
2- . جاء في حاشية المخطوطة : رواه بإسناده عن علىّ بن الحسن، عن سندي بن محمّد، عنالعلاء، عن محمّد بن مسلم، عنه علیه السلام .
3- . في المصدر : فهذا .
4- . التهذيب : 4 / 134 ح 10 .
5- . جاء في حاشية المخطوطة : رواه عن سعد بن عبدالله، عن أبي جعفر، عن محمّد بن خالد،عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله، عن محمّد بن مسلم،عنه علیه السلام.
6- . جاء في حاشية المخطوطة : و لا يخفى عليک أنّ النصوص المذكورة صريحةٌ في أنّالأراضي المخروبة الّتي انجلى عنها أهلها إنّما هي للإمام علیه السلام، لكنّ النصوص الدالّة على جوازإحيائها لمن يريدها في زمن غيبة الإمام علیه السلام مستفيضة، لا داعي لإيرادها في المقام، لكنّانقتصر في المقام بذكر واحد فيها، و هو الصحيح المرويّ في أواخر الخمس من التهذيب [4 /144 ح 25 [ : عن عمر بن يزيد قال : رأيت أبا سيّار مسمع بن عبدالملک بالمدينة، و قد كانحمل إلى أبي عبدالله علیه السلام مالاً في تلک السنة، فردّه عليه، فقلت له : لِمَ ردّ عليک أبو عبدالله علیه السلامالمال الّذي حملته إليه ؟ فقال : إنّي قلت له حين حملت إليه المال : إنّي كنت وليت الغوص،فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت إليک بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسهاعنک، أو أعرض عنها و هي حقّک الّذي جعله الله لک في أموالنا، فقال : و ما لنا من الأرض و ماأخرج الله منها إلّا الخمس، يا أبا سيّار ! الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا .قال : قلت له : إنّا أحمل إليک المال كلّه، فقال لي : يا أبا سيّار ! قد طيّبناه لک وحلّلناک منه، فضمّإليک مالک، و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ويحلّ لهم ذلک إلى أنيقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّىيقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة ؛ منه.
7- . التهذيب : 4 / 133 ح 6 .
القسم الثاني من النصوص : ما دلّ على أن الأراضي الّتي فتحت عنوة للمسلمين بعنوان الإطلاق

والقسم الآخر منها : ما دلّ على أنّ الأراضي الّتي فتحت عنوةً للمسلمين بعنوان الإطلاق ؛ و هو أيضًا عدّة نصوص :

ص: 101

منها : الصحيح المرويّ في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب : عن ابن مسكان، عن محمّد الحلبي قال : سُئل أبو عبدالله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد (1) .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب المذكور منه أيضًا : عن صفوان بن يحيى، عن أبي بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال : و من يبيع ذلک و هي أرض المسلمين (2) .

و منها : الصحيح المرويّ في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب أيضًا : عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن حريز (3) ، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي

عبدالله علیه السلام قال : لا تشتر من أرض السواد شيئًا إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هي (4)

فيء للمسلمين (5) .

و منها : الصحيح المرويّ في باب : « الفيء

و الأنفال » من أصول الكافي : عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح علیه السلام في الحديث المتقدّم نعته، في جملته : والأرضون الّتي أخذت عنوةً بخيل و رجال، فهي موقوفة متروكة

ص: 102


1- . التهذيب : 7 / 147 ح 1 .
2- . التهذيب : 4 / 146 ح 406 ؛ و 7/ 155 ح 686 .
3- . في المصدر : جرير .
4- . في المصدر : هو .
5- . التهذيب : 7 / 147 ح 2 .

في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم (1) .

الجواب عن القسم الأوّل من النصوص المذكورة

والجواب أمّا عن القسم الأوّل من النصوص المذكورة : فلأنّه قد عارض بعض أجزائها بعضًا، لوضوح أنّ قوله علیه السلام في الموثّقتين المذكورتين : « إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم »، كما يقتضي الحكم بأنّ ما كان فيه هراقة لم يكن من الأنفال و لو كانت مخروبة، كذلک قوله علیه السلام فيها : « و ما كان من أرض خربة » يقتضي أن يحكم بأنّ الأراضي المخروبة بأسرها من الأنفال و لو كانت ممّا فتح عنوةً .

بل الدلالة في الثاني أقوى، إذ المنطوق أقوى من المفهوم، لا سيّما قوله علیه السلام : «وكلّ أرض خربة » في صحيحة حفص بن البختريّ، إذ الأقوائيّة فيها من وجهين : أحدهما

: من جهة المنطوق، والثاني : من جهة العموم المستفاد من لفظة : « كلّ »، لوضوح أنّها في الدلالة على العموم والشمول أقوى من دلالة لفظة : « ما » عليه، كما لايخفى، بل الحال كذلک في الموثّقتين أيضًا، فلاحظهما حتّى يظهر لک وجهه .

ص: 103


1- . الكافي : 1 / 541 ح 4 .

فعلى هذا يبقى العموم في النصوص الأخر المشتملة على أنّ الأراضي المخروبة بأسرها من الأنفال فقط مثلاً من غير ما يصلح للمعارضة، فيجب العمل بمقتضاها.

الجواب عن القسم الثاني من النصوص المذكورة

و أمّا عن القسم الثاني : فبالمنع من كون المدلول في النصوص المذكورة هو أنّ الأراضي المفتوحة عنوةً إنّما هي للمسلمين .

أمّا ما دلّ على أنّ أرض الخراج للمسلمين فظاهر، لأنّا ندّعي أنّ أرض الخراج اسم للمعمورة منها، لا مطلقًا، فالتمسّک بذلک لإثبات المرام يوجب الدور .

و أمّا ما دلّ على أنّ أرض السواد للمسلمين، فلإمكان أن يدّعى أنّ أرض السواد اسم للمعمورة من أراضي العراق، كما يظهر ذلک ممّا ذكر في وجه التسمية بالسواد.

قال في المنتهى و التذكرة :

و سُمّيت هذه الأرض سوادًا، لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلک (1) .

و أمّا المرسل المذكور في الأخر، فإنّ المذكور فيه و إن كان الأرضون الّتي

ص: 104


1- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 937 ؛ تذكرة الفقهاء : 9 / 189 .

أخذت عنوةً، لكن ليس فيه ما يدلّ على أنّها للمسلمين، بل المذكور فيه مشترکٌ فيه ما كان من خواصّ الإمام و غيره .

ثمّ على تقدير التسليم نقول : إنّ التعارض بين هذه النصوص حينئذٍ و بين النصوص الدالّة على أنّ الموات للإمام بعنوان الإطلاق من تعارض الظاهرين والعموم من وجه، فاللازم المصير إلى ما هو الأرجح في البين ؛ و مقتضاه التعميم في الموات ولو كان من الأرض الّتي فتحت عنوةً، لما عرفت من دعوى الاتّفاق من العلّامة (1) ، فلا ينبغي التأمّل في المسألة .

ص: 105


1- . ينظر تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 402 .

ص: 106

المطلب الثالث : في كيفيّة اختصاص الأرض المفتوحة عنوةً بالمسلمين

اشارة

والثالث : في كيفيّة اختصاص المعمورة من المفتوحة عنوةً بالمسلمين، هل هي على وجه التملّک بأن تكون مملوكة لقاطبة المسلمين، أو لا ؟

والمصرّح به في كلام شيخنا الشهيد الثاني و المحقّق الأردبيلىّ هو الثاني .

قال في الروضة :

( و لايجوز بيعها ) أي : بيع الأرض المفتوحة عنوةً المحياة حال الفتح، لأنّها للمسلمين قاطبة من وجد منهم ذلک اليوم، و من يتجدّد إلى يوم القيامة، لا بمعنى ملک الرقبه، بل بالمعنى السابق، و هو صرف حاصلها في مصالحهم (1) .

و في مجمع الفائدة والبرهان :

ص: 107


1- . الروضة البهيّة : 7 / 154 .

معنى كون هذه الأرض للمسلمين كونها معدّة لمصالحهم العامّة، مثل : بناء القناطر.

إلى أن قال :

الظاهر أنّ خمس هذه الأرض لأربابها .

إلى قوله :

والناظر على الباقي هو الإمام علیه السلام، و هو الحاكم على الإطلاق، فيؤجرها، و يأخذ قبالتها، و يصرفها في مصالح حتّى لا يحلّ للمستأجر في مقابلة حصّته (1) من الأرض والأجرة شيئًا .

و لم تبطل الإجارة في بعضها لأنّه مالک، لأنّه بالحقيقة ليس بمالک، بل هي أرض جعلها الله تعالى كالوقف على مصالح المستأجر و غيره من المسلمين، لا أنّها ملک للمسلمين على الشركة .

و هو ظاهر لما قلناه من صحّة الإجارة، و عدم جواز تصرّفه مشاعًا كساير المشتركات (2) .

و صرّح المحقّق والعلّامة في الشرائع و القواعد و المنتهى و التذكرة بالأوّل ؛ قال في الشرائع :

ص: 108


1- . في المصدر : مقابلته حصّة .
2- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 470 و 471 .

و لو ماتت لم يصحّ إحيائها، لأنّ المالک لها معروف، و هو المسلمون كافّة (1) .

و مثله في القواعد (2) .

و في المنتهى :

و إذا تصرّف فيها أحد بالبناء والغرس صحّ له بيعها على معنى أنّه يبيع (3)

ماله فيها من الآثار، و حقّ الاختصاص بالتصرّف، لا بالرقبة، لأنّها ملک المسلمين قاطبة (4) .

و في التذكرة :

إذا زرع فيها أحد، أو بنى، أو غرس، صحّ له بيع ماله فيها من الآثار، وحقّ الاختصاص بالتصرّف، و لا يبيع الرقبة، لأنّها ملک المسلمين قاطبة (5) .

و فيه في مباحث البيع :

لا يصحّ بيع الأرض الخراجيّة، لأنّها ملک المسلمين قاطبة، لايختصّ بها

ص: 109


1- . شرائع الإسلام : 3 / 216 .
2- . قواعد الأحكام : 1 / 493 .
3- . في المصدر : يتبع .
4- . منتهى المطلب (ط . ق ) : 2 / 936 .
5- . تذكرة الفقهاء : 9 / 187 .

أحد ؛ نعم، يصحّ بيعها تبعًا لآثار المتصرّف (1) .

و فيه في مباحث الرهن :

لا يصحّ رهن أرض الخراج، و هي الأرض الّتي صالح الإمام أهل بلدٍ على أن يكون ملكًا للمسلمين، و ضرب عليهم الخراج (2) ، انتهى .

و لا يخفى ما في حصر أرض الخراج بما ذكر .

و فيه أيضًا في مباحث الموات :

و لو ماتت هذه الأرض لم يصحّ إحياؤها، لأنّ المالک لها معروف، و هم المسلمون كافّة (3) .

المستند للقول بكونها مملوكة للمسلمين

والمستند للقول بكونها مملوكة للمسلمين ظواهر النصوص السالفة، و هي على قسمين :

قسمٌ منها : أضيف الأرض فيه إلى المسلمين، و هو قوله علیه السلام : « و من يبيع ذلک، و هي أرض المسلمين ».

ص: 110


1- . تذكرة الفقهاء : 10 / 39 .
2- . تذكرة الفقهاء : 13 / 130 .
3- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 402 .

و الآخر : ما عزى الأرض فيه إلى المسلمين باللام الجارّة، كقوله علیه السلام : « لجميع المسلمين » ؛ والظاهر من الإضافة الاختصاص، كما أنّ الظاهر من قولک : « هذا مختصّ بزيد » أنّه مملوكه .

وكذا الظاهر من اللام الملكيّة واستعماله في غيرها - كقولک : « الجلّ للفرس » - إنّما هو بمعونة القرينة .

و ممّا ذكر ظهر أنّ القول بالملكيّة هو الظاهر من أكثر الأصحاب، فلاحظ كلماتهم في مقام تقسيم الأرض إلى الأقسام الأربعة .

المستند للقول بعدم الملكيّة

و لعلّ

المستند في القول بعدم الملكيّة أمور :

الأمر الأوّل : صحّة إجارة هذه الأرض لجميع أفراد المسلمين
الأوّل : صحّة إجارة هذه الأرض لجميع أفراد المسلمين

و كذا عدم صحّة إجارتها منهم .

ص: 111

أمّا الأوّل، فإنّه يصحّ للإمام و نائبه إجارتها اتّفاقًا، و لا يلزم أن يكون المستأجر كافرًا قطعًا، فيسوغ له أن يؤجرها المسلمين .

و هو ينافي كونها مملوكة لهم، لوضوح أنّ ثمرة الإجارة تمليک المنفعة، فلو كانت هذه الأرض مملوكة لهم لم يتحقّق ذلک بتبعيّة النماء للعين .

توضيح المرام يستدعي أن يقال : إنّه لم يعهد حين إجارة تلک الأراضي للمستأجر المسلم استثناء قدر حصّة منها، و على تقدير الاستثناء يتحقّق الجهل في العين المستأجر بها، لظهور عدم معلوميّة تلک الحصّة، فنقول : إمّا أن يستثني تلک الحصّة حين الإجارة، أو لا .

و على الأوّل يتحقّق الجهل، و هو مضرّ بصحّة الإجارة ؛ و على الثاني يلزم إجارة المملوک لمالكه ؛ و لا ريب في فساده، فاللازم حينئذٍ أن نحكم بعدم إمكان الإجارة، و هو بيّن الفساد، فلابدّ أن يقال بعدم انتقال الرقبة إلى المسلمين، و هو المطلوب .

و يمكن الجواب عنه : بأنّه و إن لم يعهد الاستثناء هناک، لكن قرينة المقام ناطقةٌ به، كما في إجارة الموقوف لبعض الموقوف عليه، فإنّا نقطع بأنّه يسوّغ للمتولّي أن يؤجر العين الموقوفة لبعض الموقوف عليه، مع أنّه لم يعهد هناک الاستثناء أيضًا ؛ و على القول بانتقال الموقوف إلى الموقوف عليهم يلزم إجارة المملوک لمالكه من غير استثناء قدر الحصّة للمستأجر، والظاهر أنّ قرينة المقام ناطقةٌ به .

ص: 112

و أمّا حكاية الجهل، فيمكن أن يمنع قدحه في الصحّة فيما نحن فيه، و على المدّعي الإثبات، بل نقول : قد عرفت التصريح في جملة من العبارات أنّها مملوكة للمسلمين ؛ والظاهر أنّ صحّة الإجارة لأيّ فردٍ من آحاد المسلمين ممّا يقطع به، بل مطبق عليه، فلابدّ من القدح في أصل القاعدتين : ثمرة الإجارة تمليک المنفعة، وقدح الجهل في مطلق الإجارة .

والقدح في الأوّل ممّا لا وجه له، فتعيّن الثاني، فالمصرّحون بالملكيّة يلزمهم القول بذلک، و لا محذور فيه ؛ على أنّه يمكن أن يمنع استلزام مملوكيّة العين لمملوكيّة المنفعة، كما في العين المصالح بها مع استثناء المنفعة، فتأمّل .

الثاني : عدم صحّة إجارة هذه الأرض من المسلمين

و أمّا الثاني، فإنّه لا يصحّ لفردٍ من أفراد المسلمين أن يؤجر تلک الأراضي كما ستقف عليه، و مقتضى المالكيّة جوازه، لظهور أنّ الناس مسلّطون على أموالهم، فلو كانت تلک الأراضي مملوكة لهم ينبغي أن يجوز لهم إجارتها، كما في سائر الرقبات المملوكة لهم .

والجواب عنه : بمنع الملازمة ؛ توضيح الحال في ذلک هو : أنّه على تقدير المالكيّة لمّا كان كلّ قطعة من قطعات تلک الأرض مشتركة بين كافّة المسلمين على سبيل الإشاعة، فلا يسوّغ لواحد منهم أن يتولّي الإجارة، إذ على تقدير

ص: 113

الإجارة من بعضهم إمّا أن يؤجر قدر الحصّة المختصّ به، أو الجميع، فكلاهما غير صحيح .

أمّا الأوّل، فلعدم معلوميّته، مضافًا إلى أنّه ربّما لا مقدار له لكثرة المسلمين جدًّا.

و أمّا الثاني، فلعدم جواز إجارة مال الغير، والفضوليّ يتوقّف على الإمضاء من المالک، و هو هنا غير ممكن .

فقد تبيّن من ذلک أنّه لا يجوز لواحد من أفراد المسلمين أن يتولّي إجارة تلک الأرضين، و أنّه غير مناف للمالكيّة، فلابدّ أن يتولّي إجارتها مَن له ولاية عامّة لجميع المسلمين، و هو الإمام علیه السلام، أو نائبه .

نعم، لو فرض اجتماع قاطبة المسلمين يجوز لهم إجارتها و بيعها، لكنّه فرضٌ محالٌ عادةً، فلذلک لم يتعرّضوا له و حكموا بعدم الجواز على سبيل الإطلاق .

والحاصل من جميع ما ذكر : أنّه لمّا كان ظواهر النصوص السابقة مقتضية لكون الأرضين المذكورة مملوكة للمسلمين، فلابدّ من المصير إلى ذلک، إلّا إذا وجدت قرينة صارفة، والأمور المذكورة غير صالحة لذلک .

ص: 114

الأمر الثاني : انّ المذكور في كلماتهم أنّ نماء هذه الأرضين يصرف في مصالح

والثاني : انّ المذكور في كلماتهم أنّ نماء هذه الأرضين يصرف في مصالح العامّة للمسلمين، من سدّ الثغور و تجهيز الجيوش و أرزاق القضاة و نحوها ؛ وأنّ المتولّي لذلک هو الإمام علیه السلام ؛ و مقتضاه عدم جواز صرف المسلمين ذلک في مصارفهم كائنةً ما كانت - كصرفه في انفاق عيالهم و نحوه - و هو ينافي الملكيّة .

فهنا مقامان :

أحدهما : انّه لابدّ من صرف ارتفاع تلک الأراضي في مصالح العامّة للمسلمين، و أنّ المتولّي لذلک هو الإمام، أو نائبه .

والثاني : انّه ينافي الملكيّة .

فتحقيق الحال يستدعي نقل الكلام في هذين المطلبين

اشارة

ص: 115

ص: 116

المقام الأوّل : في أنّ نماء الأراضي المفتوحة عنوةً يصرف في مصالح
اشارة

فنقول : أمّا الأوّل، فلا يمكن الحكم بذلک إلّا من دليل ؛ والدليل فيما نحن فيه إمّا النصّ، أو الإجماع .

الدليل الأوّل : النصّ

أمّا الأوّل، فالّذي يحضرني الآن ممّا يمكن أن يستند إليه في إثبات المرام ما رواه ثقة الإسلام في باب : « تفسير الفيء والأنفال » من الأصول، في الصحيح عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح علیه السلام قال : الخمس من خمسة أشياء .

إلى أن قال علیه السلام :

والأرضون الّتي أخذت عنوةً بخيلٍ و رجالٍ، فهي موقوفةٌ متروكةٌ في يد

ص: 117

من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ، النصف، أو الثلث، أو الثلثين، و على قدر ما يكون لهم صلاحًا ولا يضرّهم، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العُشر من الجميع ممّا سقت السماء، أو سقي سيحًا، و نصف العُشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة الّتي وجّهها الله على ثمانية أسهم، للفقراء والمساكين و العاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين و في سبيل الله وابن السبيل ثمانية أسهم، يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلک شيء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلک شيء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يَمُونهم (1) من عنده بقدر سعتهم حتّى

يستغنوا، ويؤخذ بعد ما بقي من العُشر، فيقسّم بين الوالي و بين شركائه الّذين هم عمّال الأرض، و أكرتها، فيدفع إليهم أنصبائهم على ما صالحهم عليه، ويؤخذ الباقي، فيكون بعد ذلک أرزاق أعوانه على دين الله و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلک ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلک قليل و لا كثير (2) ، الحديث .

ص: 118


1- . أي : يقوتهم، وزنًا و معنًى .
2- . الكافي : 1 / 539 ح 4 .

توضيح

« بخيل و رجال »، أي : أخذت ركبانًا و مشاةً ؛ و يجوز أن يقرأ بالحاء المهملة، فيكون جمع : رحل، و هو ما يوضع على الإبل و يركب عليه، فالمعنى : انّ الأرضين المفتوحة عنوةً هي الّتي أخذت قهرًا حالة الركوب بالخيل و الإبل، فيكون مطابقًا لما في التهذيب، و هو هكذا : « أخذت عنوة بخيلٍ و ركابٍ » (1) ، كما

في قوله تعالى في سورة الحشر : ( وَ مَآ أَفآءَ آللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُم عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاَ رِكابٍ ) (2) .

« الوجيف » بمعنى : سرعة السير، و « ركاب » اسم لما يركب به، لكن قالوا : غلب فيما يركب من الإبل (3) .

و لعلّ المعنى : ما أعاد الله على رسوله من مال الكفّار فهو له، و ما سرتم في تحصيله حال الركوب على الخيل والإبل .

قيل : إنّه نزل في الأرض الّتي أخذت في قرب المدينة حيث ذهب العسكر مشاة (4) .

ص: 119


1- . التهذيب : 4 / 128 ح 366 .
2- . الحشر : 6 .
3- . ينظر زبدة التفاسير : علیه السلام / 12 ؛ و التفسير الصافي : 5 / 155 ؛ و أنوار التنزيل : 5 / 199 ؛ومسالک الأفهام : 3 / 99 .
4- . ينظر : أنوار التنزيل : 5 / 199 ؛ و تفسير القرطبيّ : 18 / 11 ؛ والتفسير الأصفى :2/1284 .

و « السماء » في قوله علیه السلام : « ممّا سقت السماء » إمّا بمعنى المطر، أو السحاب، أو أنّ الماء لمّا ينزل من ناحية السماء نسب إليها .

و « السيح » : الماء الجاري .

« الدوالي » جمع الدالية، قيل : هي الّتي يديرها البقر للاستقاء بالدلو (1) .

و « النواضح » جمع الناضحة، و هي النوق الّتي يستقى بها، أو الدلاء العظيمة الّتي يستقى بها بالإبل (2) .

و قوله : « ثمانية أسهم » الظاهر أنّه خبر لمبتدأ محذوف، أي : هذه ثمانية أسهم ؛ و يحتمل أن يكون مبتدأ و خبره : « يقسم بينهم » ؛ والظاهر أنّ قوله : « في مواضعهم » حالٌ من الضمير في : « بينهم » ؛ والمعنى : تنقل الزكاة إلى المستحقّين، لا أنّ المستحقّ يطلب لتسليم الزكاة، فيكون محمولاً على الاستحباب .

و قوله علیه السلام : « و إلى الوالي » ليس المراد أنّه ردّ إليه ليملكه، لحرمة الزكاة على الإمام علیه السلام، بل المراد أنّه يردّ إليه ليصرفه فيما يراه صلاحًا .

و قوله علیه السلام : « و يؤخذ بعد ما بقي من العُشر » يحتمل وجوهًا :

الأوّل : أن يكون المراد من العشر : الحاصل

من الأرض، تسميةً للكلّ باسم جزئه ؛ والمعنى : يؤخذ بعد أخذ العشر مثلاً و تقسيمه إلى أهله ما بقي من حاصل

ص: 120


1- . ينظر مجمع البحرين : 1 / 146 ؛ و لسان العرب : 14 / 266 .
2- . ينظر العين : 3 / 106 ؛ والصحاح : 1 / 411 .

الأرض، فيقسم بين الوالي و بين زرّاع الأرض على النحو الّذي قرّر بينهم .

والثاني : أن يكون « من » بمعنى : « على »، كما في قوله تعالى : ( و نصرناه من القوم ) (1) ، و في الكلام تضمين، والتقدير : و يؤخذ بعد ما بقي فاضلاً على العشر .

والثالث : أن يكون « من » بمعنى : « عن » الّتي يكون بمعنى : « بعد » ؛ والمعنى : أنّه يؤخذ بعد ذلک ما بقي بعد العشر، فيكون « بعد » في الأوجه المذكورة مقطوعًا عن الإضافة .

والرابع : أن يكون الكلام محمولاً على النقل ؛ والتقدير : و يؤخذ بعد العشر ما بقي منه، بأن يكون المجرور عائدًا إلى الحاصل من الأرض المدلول عليه بالمقام .

و هو أبعد الوجوه المذكورة، لكن يتوجّه : أنّ الوجوه المذكورة بأسرها مبنيّة على أنّ إخراج الخراج إنّما هو بعد وضع الزكاة ؛ و هو غير صحيح، لقوله علیه السلام : « أو لا، فإذا أخرج منها ما أخرج » .

والحاصل : انّ الشيء المأخوذ المدلول عليه بهذا الكلام إمّا الخراج، أو غيره ؛ وكلاهما غير صحيح ؛ أمّا الثاني فظاهر، إذ ليس حقّ في الأراضي المفتوحة عنوةً سوى الخراج والزكاة ؛ و أمّا الأوّل فلقوله علیه السلام : « فإذا أخرج منها ما أخرج »، لظهور أنّ المراد منه الخراج .

والجواب عنه هو : انّا نختار أنّ المراد منه الخراج، و لا نسلّم منافاته لما ذكر،

ص: 121


1- . الأنبياء : 77 .

لأنّ الظاهر أنّ المراد من قوله : « فإذا أخرج منها ما أخرج » أنّه إذا أراد أن يخرج منه ما ينبغي إخراجه، بدأ بإخراج العشر من الجميع، كما يشهد له لفظة : « بدأ » وكذا لفظ : « الجميع »، فلا إشكال من هذه الجهة .

نعم، فيه إشكالٌ من وجه آخر، بيانه هو : أنّ مقتضى ما ذكر أن يكون إخراج الخراج بعد إخراج الزكاة ؛ و مقتضاه وجوب الزكاة و لو لم يبلغ حصص الزرّاع النصاب بعد وضع الخراج ؛ و هو خلاف ما دلّ عليه الصحيح المرويّ في التهذيب :

عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا علیه السلام الخراج وما صار به أهل بيته، فقال : العشر و نصف العشر على مَن أسلم طوعًا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمّر منها، و ما لم يعمّر منها أخذه الوالي، فقبله ممّن يعمّره و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوسق شيء، و ما أخذ بالسيف فذلک إلى الإمام (1) يقبّله بالّذي يرى، كما صنع

رسول الله 9 بخيبر - إلى أن قال علیه السلام : - و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر (2) .

و يقرب منه ما رواه ثقة الإسلام في باب : « أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث » من الكافي : عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قالا : ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج ؛ - إلى أن قال : - و ما أخذ بالسيف

ص: 122


1- . في المصدر : للإمام .
2- . التهذيب : 4 / 119 ح 2 .

فذلک إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) بخيبر قبل سوادها وبياضها، يعني : أرضها و نخلها ؛ - إلى أن قال : - و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم (1) .

و أخرج منهما الصحيح المرويّ في الباب المذكور من الكافي : عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام، أنّهما قالا له : هذه الأرض الّتي يُزارع أهلها ما ترى فيها ؟ فقال : كلّ أرض دفعها إليک السلطان، فما حرثته فيها فعليک فيما أخرج الله منها الّذي قاطعک عليه، و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنّما عليک العشر فيما يحصل في يدک بعد مقاسمته لک (2) .

بل الظاهر من بعضهم أنّه خلاف ما أطبقوا عليه، لأنّهم و إن اختلفوا في استثناء المؤن في الزكاة و عدمه، لكنّ القول بالعدم الّذي إنّما هو للشيخ في المبسوط والخلاف و جماعة من المتأخّرين إنّما هو في غير الخراج ؛ و أمّا هو فموضوعٌ على القولين، فهم مطبقون على أنّ إخراج الزكاة إنّما هو بعد وضع الخراج، واختلفوا في استثناء سائر المؤن و عدمه .

و يدلّ عليه كلام شيخ الطائفة في المبسوط والخلاف ؛ قال في الأوّل :

والضرب الآخر من الأرضين هو ما أخذ عنوةً بالسيف، فإنّها يكون للمسلمين قاطبة : المقاتلة و غير المقاتلة ؛ و على الإمام تقبيلها لمن

ص: 123


1- . الكافي : 3 / 513 ح 2 .
2- . الكافي : 3 / 513 ح 4 ؛ التهذيب : 4 / 37 ح 5 .

يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، و على المتقبّل إخراج مال القبالة وحقّ الرقبة و فيما يفضل في يده إذا كان نصابًا العشر أو نصف العشر (1) .

و في الثاني :

كلّ أرض فتحت عنوةً بالسيف، فهي أرض لجميع المسلمين : المقاتلة وغيرهم، و للإمام الناظر فيها تقبيلها بما يراه من نصف أو ثلث، وعلى المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة العشر أو نصف العشر ممّا يفضل في يده وبلغ خمسة أوسق (2) .

و في المعتبر نسبة ذلک إلى علمائنا، قال :

خراج الأرض يخرج وسطًا و يؤدّى (3) زكاة ما بقي إذا بلغ نصابًا (4)

وعليه فقهاؤنا، و أكثر علماء الإسلام (5) .

و يجيء الكلام في تحقيق المسألة بإعانة الله سبحانه .

إذا علمت ذلک فلنعد إلى المطلوب، فنقول : إنّ الظاهر من قوله علیه السلام : « فيكون

ص: 124


1- . المبسوط : 1 / 235 .
2- . الخلاف : 2 / 67 .
3- . في المصدر : و تؤدّى .
4- . في المصدر : نصابًا لمسلم .
5- . المعتبر : 2 / 540 .

بعد ذلک أرزاق أعوانه على دين الله » إلى قوله : « و غير ذلک ممّا فيه مصلحة العامّة » تعيّن صرف حقّ القبالة المسمّى بالخراج في المصالح العامّة، كما لايخفى .

والأولى قراءة « بعدُ » فيه بالضمّ، فيكون مقطوعًا عن الإضافة، و يكون المشار إليه لاسم الإشارة هو : الباقي عند الوالي ؛ والمعنى : فيكون الباقي عند الوالي بعد التقسيم أرزاق أعوانه، إلى آخره .

الدليل الثاني : الإجماع

و أمّا الثاني، فنقول : إنّ كلمات الأصحاب مختلفة، فالظاهر من بعضهم جواز صرفه في مصالح المسلمين مطلقًا، و لو في مصالحهم الخاصّة .

قال في النهاية في باب أحكام الأرضين :

و للإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين، و هذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسّم فيهم كلّهم : المقاتلة و غيرهم، فإنّ المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما يحويه العسكر من الغنائم (1) .

فإنّ قوله : « و ارتفاعها يقسّم فيهم » إلى آخره، يدلّ على جواز دفعه إليهم

ص: 125


1- . النهاية : 195 .

ليصرفوها في حوائجهم كائنة ما كانت ؛ و يؤيّده قوله : « فإنّ المقاتلة » إلى آخره، كما لا يخفى على المتأمّل .

و في التحرير :

وارتفاع هذه الأرض يصرف إلى المسلمين بأجمعهم و إلى مصالحهم، وليس للمقاتلة فيها إلّا مثل ما لغيرهم من النصيب في الارتفاع (1) .

و في التذكرة :

وارتفاع هذه الأرض يصرف إلى المسلمين بأجمعهم و إلى مصالحهم (2) .

و لعلّ الظاهر من جملة من العبارات تعيّن صرفه في المصالح العامّة، و منها : كلام العلّامة في التحرير في مباحث الإحياء، قال :

ما أخذ بالسيف عنوةً من الأرضين (3) إمّا عامرة حال الفتح، و إمّا

موات، فالعامرة للمسلمين قاطبة : المقاتله و غيرهم، و الإمام يقبّلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو غيرهما (4) ، و على المتقبّل

إخراج ما قبل به، يخرج منه الإمام الخمس لأربابه، والباقي يضعه في

ص: 126


1- . تحرير الأحكام : 2 / 170 .
2- . تذكرة الفقهاء : 9 / 186 .
3- . « من الأرضين » لم يرد في المصدر .
4- . في المصدر : أو الثلث أو الربع أو غير ذلک .

بيت مال المسلمين، يصرف في مصالحهم من سدّ الثغور، و تجهيز العساكر، و بناء القناطر، و غير ذلک من المصالح (1) ، انتهى .

و منها : عبارة المبسوط و السرائر السالفة .

و هو المصرّح به في كلام المحقّق الأردبيليّ حيث قال :

معنى كون هذه الأرضين للمسلمين كونها معدّة لمصالحهم العامّة، مثل : بناء القناطر والمساجد و نفقة الأئمّة والقضاة والكُتّاب و مؤنة الغزاة، وغيرها من المصالح العامّة مثل : بيت مال المسلمين، بل لا يظهر جواز صرف حاصلها في نفقة فقير واحد بخصوصه (2) .

و ممّا ذكر تبيّن عدم إمكان دعوى الاتّفاق في تعيّن صرف الحاصل في المصالح العامّة ؛ تحقيق الحال يستدعي أن يقال : إنّ هنا ثلاثة احتمالات :

أحدها : تعيّن صرف نمائها في مصارف المسلمين كيف أرادوا .

والثاني : تعيّن صرفه في المصالح العامّة .

والثالث : جواز الأمرين .

والمستند للأوّل : ظواهر النصوص السالفة الدالّة على أنّها لقاطبة المسلمين ؛ ومقتضاه تسلّطهم على نمائها كيف ما شاؤا .

ص: 127


1- . تحرير الأحكام : 4 / 482 .
2- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 470 .

و للثاني : المرسل المتقدّم على ما أوضحنا الحال في ذلک .

و للثالث : يظهر الحال ممّا ذكر .

توضيح الحال فيه يستدعي أن يقال : إنّه وقع التعارض بين النصوص السالفة وهذه الرواية المعتبرة، أو النصوص السالفة كالصريحة في جواز صرف حاصلها في مصارف المسلمين كيف ما شاؤا، و ظاهرة في عدم جواز صرفها في المصالح العامّة من غير أن يرضوا بذلک، والرواية المعتبرة كالصريحة في جواز صرف حاصلها في المصالح العامّة و لو مع عدم رضا المسلمين له، و ظاهرة في تعيّنه وعدم جواز صرفه في المصالح الخاصّة ؛ و بعد رفع اليد عن ظاهر كلٍّ منهما يكون الحاصل جواز الأمرين، و هذا هو المختار .

و من هنا تبيّن عدم تماميّة المقام الأوّل حتّى تفتقر إلى التكلّم في المقام الثاني .

ص: 128

المقام الثاني : في أنّ صرف نماء الأراضي المفتوحة عنوةً في مصالح العامّة لا ينافي الملكيّة

ثمّ على فرض الإغماض عنه و تسليم تعيّن صرف الحاصل في المصالح العامّة، نمنع منافاته للملكيّة، كالموقوف الّذي عيّنه الواقف في جهة خاصّة، فإنّه على المشهور ينتقل إلى الموقوف عليه، و لا يجوز له صرف الحاصل إلّا على الوجه الّذي قرّره الواقف، فلِمَ لا يجوز أن يكون الأمر فيما نحن فيه كذلک ؟!

و لذلک ترى العلّامة مع تصريحه في القواعد بكون المسلمين مالكون لها، ذكر فيه ما يظهر منه تعيّن صرف الحاصل إلى المصالح العامّة، حيث قال :

و يصرف حاصلها في مصالحهم، كسدّ الثغور و بناء القناطر و معونة الغزاة وأرزاق الولاة والقضاة و ما أشبهه (1) ، انتهى .

ص: 129


1- . قواعد الأحكام : 1 / 493 .

والحاصل : انّ مقتضى ظواهر النصوص السالفة الملكيّة، فاللازم المصير إليه إلّا عند قيام القرينة الصارفة ؛ و ما ذكر في المقام غير صالح لذلک، لما عرفت .

الأمر الثالث : أنّهم حكموا باشتراک غير المقاتلين مع المقاتلين في تلک الأرضين بحیث لا فضل للثانی علی الاول فیها و هو لا يناسب الملكيّة

والثالث هو : أنّهم حكموا باشتراک غير المقاتلين مع المقاتلين في تلک الأرضين بحيث لا فضل للثاني على الأوّل فيها، و هو لا يناسب الملكيّة، لوضوح أنّ المجاهدين هم أولى بتلک الأراضي من غيرهم، فيبقى الحكم باختصاصها بهم لجعلهم أنفسهم في معرض الهلاک، فكيف يحكم باشتراک غيرهم معهم من غير قرينة لهم عليهم ؟!

بخلاف ما لو قيل : إنّ المقصود الصرف في المصالح العامّة أنّه حينئذٍ لمّا كانت تلک الأراضي مفتوحة بسبب قوّة الإسلام، فالمناسب صرف حاصلها في ما يوجب تقوية الإسلام، و هو المعبّر عنه بالمصالح العامّة للمسلمين .

و هذا الوجه كما يقتضي انتفاء الملكيّة، يقتضي تعيّن الصرف في المصالح

ص: 130

العامّة، كما لايخفى .

و يمكن الجواب عنه : بأنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده (1) ، و قد دلّت النصوص السالفة على الملكيّة، فلابدّ من القول بذلک ؛ و ما ذكر غير صالح للصرف عن الظاهر لما عرفت .

الأمر الرابع : أنّه على تقدير الملكيّة يلزم الحكم بتقسيم المتناهي على الغير المتناهي، و لا شبهة في فساده

والرابع هو : أنّه على تقدير الملكيّة يلزم الحكم بتقسيم المتناهي على الغير المتناهي، و لا شبهة في فساده .

بيان الشرطيّة هو : أنّ المسلمين منتشرون في مشارق الأرض و مغاربها، فكيف يمكن الحكم بأنّ مقدار جريب من الأرض مثلاً مملوکٌ لقاطبة المسلمين ؟! فلابدّ من صرف النصوص عن ظواهرها .

و يمكن الجواب عنه : بالنقض في صورة الوقف على قاطبة المسلمين، فإنّه لاشبهة في صحّته ؛ و على القول بانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه و لو في

ص: 131


1- . اقتباس من الآية الشريفة في سورة الأعراف : 128 .

الأوقاف العامّة، يكون الموقوف مملوكًا لهم، فما يكون الجواب عنه فهو الجواب عنه .

و إن شئت الحلّ نقول : إنّ المسلمين في النصوص المذكورة وإن كان جمعًا محلّى باللام، لكن قرينة المقام ناطقة بأنّه ليس المراد منه في أمثال المقام هو الاستغراق والاستيعاب، بل المقصود التنبيه على عدم تعيّن طائفة معيّنة في ذلک، بل يشترک فيه الكلّ على سبيل البدليّة ؛ و لا استحالة في ذلک .

ص: 132

–المطلب الرابع : في أنّه لا يجوز التصرّف في الأراضي المفتوحة عنوة بالبيع و غيره، إلّا للإمام أو نائبه

اشارة

والمطلب الرابع : في أنّه لايجوز التصرّف في تلک الأراضي بالبيع و غيره من التصرّفات الناقلة للعين ؛ و كذلک الحال في التصرّفات الناقلة للمنفعة -كالإجارة ونحوها - إلّا للإمام علیه السلام أو نائبه .

فهنا مقامان :

اشارة

ص: 133

ص: 134

المقام الأوّل : في أنّه لايجوز التصرّف في تلک الأرضين بالتصرّفات الناقلة للعين
اشارة

أحدهما : أنّه لايجوز التصرّف في تلک الأرضين بالتصرّفات الناقلة للعين، كالبيع و نحوه .

و هذا هو المعروف بين الأصحاب ؛ و قد أوردنا جملة من عباراتهم في بعض المباحث السالفة، بل في الخلاف عليه الإجماع، حيث قال :

رهن أرض الخراج - و هي أرض سواد العراق، و حدّه من القادسيّة إلى حُلوان عرضًا، و من الموصل إلى عَبّادان طولاً - باطلٌ .

- ثمّ تصدّى لنقل الأقوال بين العامّة، فقال : -

دليلنا إجماع الفرقة على أنّ أرض الخراج لايصحّ بيعها، و لا رهنها، ولا هبتها (1) ، لأنّها أرض المسلمين قاطبة، لا يتعيّن ملاكها، و من ادّعى أحد

الأحكام الّتي ذكرناها (2) ، فعليه الدلالة (3) .

ص: 135


1- . « و لا هبتها » لم يرد في المصدر .
2- . في المصدر : ذكرنا .
3- . الخلاف : 3 / 234 و 235 .

و من العجب أنّه مع دعوى الإجماع في عدم الجواز، صرّح بجواز البيع والشراء في التهذيب، حيث قال :

فإن قال قائل : « إنّ جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرّف لكم في هذه الأرضين، و لم يدلّ على أنّه يصحّ لكم تملّكها بالشراء والبيع، وإذا لم يصحّ الشراء والبيع فما يكون فرعًا عليه لا يصحّ أيضًا، كالوقف (1) والنحلة والهبة و ما يجري مجرى ذلک » ؛ قيل له : إنّا قد

قسمنا الأرضين فيما مضى على أقسام ثلاثة (2) : أرض يسلّم عليها

أهلها، فهي تترک في أيديهم، و هي ملک لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها و بيعها ؛ و أمّا الأرضون الّتي تؤخذ عنوةً أو يصالح أهلها عليها، فقد أبحنا شرائها و بيعها، لأنّ لنا في ذلک قسمًا، لأنّها أراضي المسلمين ؛ و هذا القسم أيضًا يصحّ الشراء والبيع فيه على هذا الوجه (3) .

والظاهر أنّ القائل بجواز بيع هذه الأراضي غير موجود، عدا شيخ الطائفة في هذا الموضع من التهذيب .

ص: 136


1- . في المصدر : لا يصحّ مثل الوقف .
2- . في المصدر : ثلاثة أقسام .
3- . التهذيب : 4 / 146 .

و ثقة الإسلام على ما يظهر ممّا ذكره من كونها مملوكة للغانمين، على ما نبّهنا عليه فيما سلف ؛ و يمكن منع استلزامه لذلک، لظهور أنّ كون الشيء مملوكًا لطائفةٍ معيّنةٍ لايوجب إباحة البيع - كالموقوف - على القول المشهور من انتقاله إلى الموقوف عليه .

و شيخنا الشهيد في زمن الغيبة، قال في الدروس :

لايجوز التصرّف في المفتوحة عنوةً إلّا بإذن الإمام علیه السلام، سواء كان بالبيع أو بالوقف، أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلک ؛ وأطلق في المبسوط (1) أنّ التصرّف فيها لا ينفذ ؛ و قال ابن إدريس (2) : إنّما يباع

ويوقف تحجيرنا و بناؤنا و تصرّفنا، لا نفس الأرض (3) .

و جعل ما صار إليه ابن إدريس مقابلاً لقوله دليلٌ على أنّ مراده نفس الأرض .

ذكر الأقوال في المسألة
اشارة

فهاهنا احتمالات، و إن شئت قلت : أقوال

ص: 137


1- . المبسوط : 2 / 34 .
2- . السرائر : 1 / 478 .
3- . الدروس : 2 / 41 .
[ القول الأوّل ]

الأوّل : عدم جواز البيع مطلقًا .

[ القول الثاني ]

والثاني : جوازه كذلک .

[ القول الثالث ]
اشارة

والثالث : التفصيل في غيبة الإمام، فالجواز ؛ و ظهوره فالعدم .

مختار المؤلّف

والأوّل هو المشهور، و هو المختار، بل الظاهر أنّ الحكم بعدم جواز البيع للمسلمين في محلّ الكلام ممّا لا ينبغي التأمّل فيه .

والمستند فيه و إن ظهر ممّا سلف، لكنّا أعدناه للتنبيه على بعض الفوائد، فنقول : إنّ المتصدّي لبيع قطعة من تلک الأراضي إمّا أن يبيع مجموعها، أو الحصّة المشاعة له ؛ و كلاهما فاسد، أمّا الثاني فلعدم تعيينها، واشتراط التعيين في المبيع ممّا لايرتاب فيه ؛ و أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّ مجموعها ملکٌ لجميع المسلمين .

ص: 138

فالمتصدّي للبيع إمّا أن يبيعها عن نفسه فقط، أو عنه و عن قاطبة المسلمين ؛ وكلاهما غير صحيح، أمّا الأوّل فلظهور عدم صحّة بيع مال الغير و عدم تعيين حصّته المشاعة، ليثبت خيار تبعيض الصفقة للمشتري ؛ و أمّا الثاني فلأنّ العقد الفضوليّ يتوقّف على الإجازة من المالک، و هي هنا غير ممكنة، لاستحالة اجتماعهم، أو الاستعلام منهم عادةً .

المستند في المختار

والمستند في المختار - مضافًا إلى ما ذكر والإجماع المنقول - الصحيح المرويّ في باب أحكام الأرضين من التهذيب عن محمّد الحلبي قال : سئل أبو عبدالله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعدُ، فقلنا : الشراء من الدهاقين ؟ قال : لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها، قلت : فإن أخذها منه ؟ قال : يردّ عليه رأس ماله و له ما أكل من غلّتها بما عمل (1) .

قال في القاموس :

الدهقان - بالكسر والضمّ - : القويّ على التصرّف (2) ، والتاجر، و زعيم

ص: 139


1- . التهذيب : علیه السلام / 147 ح 1 .
2- . في المصدر زيادة : مع حدّة .

فلّاحي العجم، و رئيس الإقليم، معرّب، جمعه : دهاقنة و دهاقين، انتهى (1) .

و لعلّ المراد في الحديث هو المعنى الأوّل أو الآخر، و مآلهما واحد .

وجه الاستدلال هو : أنّه علیه السلام لمّا حكم بأنّ أرض السواد - أي : العراق - لجميع المسلمين، ظهر منه عدم جواز الشراء، لكنّ السائل لعلّه أراد من قوله : انّه لو كانت تلک الأراضي في يد رؤساء الأقاليم هل يجوز الشراء منهم ؟

و يحتمل أن يكون الداعي في السؤال أمرين :

أحدهما : احتمال كون الرئيس وليًّا للمسلمين، فيجوز الشراء منه .

والثاني هو : أنّه إشارة إلى رؤساء العامّة، بناءً على أنّ الراوي اعتقد أنّ تصرّفهم فيها كان على خلاف الحقّ، فسأل عن الشراء لذلک .

و لعلّ هذا أنسب بالجواب، فأجاب علیه السلام بما حاصله : أنّه إن أراد بالشراء استخلاص تلک الأرضين من أياديهم و جعلها للمسلمين فلا بأس ؛ و نظره هو : أنّه إذا كان مال مغصوب في يد الغاصب يقال : إنّه أراد بشراء ذلک المال إيصاله إلى مالكه، فلا بأس ؛ واللازم منه عدم جواز الشراء بالذات، و هو المطلوب .

و يدلّ عليه أيضًا : الصحيح المرويّ في الباب المذكور من التهذيب : عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي، عن أبيعبدالله علیه السلام قال : لا تشتر من أرض السواد شيئًا إلّا مَن كانت له ذمّة، فإنّما هي فيء للمسلمين (2) .

و هو مرويّ في الفقيه بإسناده إلى أبي الربيع الشامي ؛ و بينهما اختلاف مّا، قال : روي عن أبي الربيع الشامي، عن أبي

ص: 140


1- . القاموس المحيط : 4 / 224 .
2- . التهذيب : 7 / 147 ح 2 .

عبدالله علیه السلام قال : لا يشترى من أراضي أهل السواد شيئًا إلّا مَن كانت له ذمّة، فإنّما هي فيء للمسلمين (1) .

و التقدير : لا تشتر من أراضي أهل السواد شيئًا إلّا أراضي مَن كانت له ذمّة -على ما في الفقيه - و لا تشتر من أرض السواد شيئًا إلّا أرض مَن كانت له ذمّة -على ما في التهذيب .

والوجه في الاستثناء هو : أنّ الظاهر المراد بأرض من كانت له ذمّة هو الأرض الّتي صولح أهل الذمّة على أنّها لهم، فيجوز لهم بيعها و شراؤها .

والاستثناء إمّا متّصل، بناءً على أنّ بلاد العراق بعضها فتحت صلحًا، كما في جملة من كتب التواريخ من أنّ بعضها فتح في زمن أبي بكر صلحًا بإمارة خالد بن الوليد، أو منقطع، بناءً على عدم تسليم ذلک .

و على التقديرين يكون مدلول الحديث المنع من شراء أرض السواد الّتي فتحت عنوةً ؛ و بضميمة عدم القول بالفصل يتمّ المرام، مضافًا إلى التعليل في قوله : « فإنّما فيء للمسلمين »، فإنّه عامّ لجميع الأراضي الّتي فتحت عنوة .

ص: 141


1- . الفقيه : 3 / 240 ح 3879 .

واستدلّ شيخ الطائفة لما ذهب إليه في التهذيب بالصحيح المرويّ في كتاب الزكاة و باب : « أحكام الأرضين » منه : عن صفوان بن يحيى قال : حدّثني أبو بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال : و مَن يبيع ذلک و هي أرض المسلمين ؟! قال : قلت : يبيعها الّذي هي في يده ؟ قال : و يصنع بخراج المسلمين ماذا ؟! ثمّ قال : لا بأس، اشتر (1) حقّه منها، و يحوّل

حقّ المسلمين عليه (2) .

بناءً على أنّ المراد من قوله علیه السلام : « اشتر حقّه منها » الحصّة المشاعة من تلک الأرض للمتصرّف، فقد جوّز علیه السلام شرائها منه .

والجواب بالمنع من كون المراد ذلک ؛ توضيح الحال في ذلک يستدعي أن يقال : إنّ « مَن » في قوله علیه السلام : « و مَن يبيع ذلک » للاستفهام الإنكاريّ الإبطاليّ ؛ والمراد : أنّ بيع أرض الخراج غير مجوّز ؛ و من يدّعي جوازه، فدعواه مخالفة للواقع ؛ و قوله علیه السلام : « و هي أرض المسلمين » دليلٌ عليه، و لعلّ الراوي لم يتنبّه لذلک وحسبها الاستفهام، فقال : « يبيعها الّذي هي في يده ؟ » ؛ و أنكره علیه السلام ثانيًا حيث قال : « و يصنع بخراج المسلمين ماذا ؟! »، بناءً على أنّ صحّة البيع مستلزمة لانتقال المبيع إلى المشتري، فيفوت خراج المسلمين .

ص: 142


1- . في كتاب الزكاة من التهذيب : اشتري .
2- . التهذيب : 4 / 146 ح 406 ؛ و 7 / 155 ح 686 ؛ تتمّة الحديث هكذا : « لعلّه يكون أقوىعليها و أملأ بخراجهم منه ».

و لا يبعد أن يكون المراد من الحقّ في قوله علیه السلام : « اشتر حقّه منها » ما يكون فيها من ماله من الآلات في الأبنية و الزرع في المزارع ؛ و المراد من الحقّ في قوله : « و يحوّل حقّ المسلمين عليه » الخراج، سواء كان « اشتر » صيغة أمر - كما في باب أحكام الأرضين من التهذيب - أو صيغة ماض - كما في باب الزكاة (1) من

التهذيب - و هو الأظهر لقوله : « و يحول حقّ المسلمين عليه ». و على التقديرين يكون الضمير في : « يحوّل » عائدًا إلى البائع .

والحاصل : انّه كما يمكن أن يكون المراد من الحقّ في قوله علیه السلام : « اشتر حقّه منها » الحصّة المشاعة من الأرض، كذا يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه، فإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، بل الأنسب بسياق الحديث هو الثاني، لا سيّما بعد ملاحظة إنكاره علیه السلام عن بيع ذلک أوّلاً كما عرفت، مضافًا إلى ما نبّهنا عليه من تحقّق الجهل فيها .

و ممّا يؤيّد هذا الحمل - مضافًا إلى ما ذكر - الحديث على النحو المرويّ في باب : « حكم أرض الخراج » من كتاب البيع من الاستبصار، لأنّه هكذا : « لا بأس أن يشتري حقّه منها »، كما يؤيّده ما في آخر الحديث، و هو قوله علیه السلام : « و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى لخراجهم » (2) .

توضيح الحال في ذلک : لمّا كان حاصل الأرض يختلف زيادةً و نقصانًا

ص: 143


1- . الصواب : كتاب الزكاة، باب الزيادات .
2- . الاستبصار : 3 / 109 ح 4 ؛ و فيه : « و أملى بخراجهم منه » .

باختلاف تربيتها، فمن يكون أقوى منه على الأرض أوجب ذلک المبالغة في تربية الأرض، فيوجب ذلک أكثريّة الخراج ؛ و هذا يرجّح حمل الحقّ في قوله علیه السلام : «ويحوّل حقّ المسلمين عليه » على الخراج، لا رقبة الأرض، فتأمّل .

و لا يمكن الاستدلال لذلک بالصحيح المرويّ في باب : « الموات » من الفقيه، وباب : « أحكام الأرضين » من التهذيب :

عن محمّد بن مسلم قال : سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى، فقال : ليس به بأس، و قد ظهر رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) على أهل خيبر، فخارجهم على أن يترک (1)

الأرض في أيديهم يعملون فيها ويعمّرونها، و ما بأس لو اشتريت منها شيئًا (2)

-وفي الفقيه : - و أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض فعمّروه فهم أحقّ به و هو لهم (3)

-وفي التهذيب : - و أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض أو عملوه (4) فهم أحقّ بها،

وهي لهم (5) .

لأنّ غاية ما يستفاد من أوّل الحديث جوازُ بيع أرض اليهود و النصارى ؛ ويمكن أن يكون المراد منها أرض الجزية ؛ و أمّا قوله علیه السلام : « و ما بأس لو اشتريت منها شيئًا » - على ما في الفقيه - و « ما بها بأس » - على ما في التهذيب - فكذلک لو

ص: 144


1- . في الفقيه : على أن تكون .
2- . في التهذيب : فلا أرى بها بأسًا لو أنّک اشتريت منها شيئًا .
3- . الفقيه : 3 / 239 ح 3876 .
4- . في التهذيب : و عملوها .
5- . التهذيب : 4 / 146 ح 29 .

كان الضمير راجعًا إلى أرض اليهود ؛ و أمّا إذا كان عائدًا إلى أرض خيبر، فيمكن أن يكون المراد منها ما كانت مواتًا، كما يظهر من ذيل الحديث .

والحاصل : انّ ذلک لا يصلح لمعارضة ما قدّمناه، كما لا يخفى .

والحاصل : انّه لا شبهة في ضعف القول المذكور، لمخالفته للقواعد المحكمة الشرعيّة من غير ما يصلح للمعارضة .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يدّعي إطباق الأصحاب على خلافه، إذ القائل به لم يوجد عدا شيخ الطائفة في التهذيب، كما عرفت ؛ و قد رجع عنه في الاستبصار، حيث قال - بعد أن أورد جملةً من الأخبار المانعة - ما هذا لفظه :

و أمّا ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، قال : حدّثني أبو بردة بن رجاء .

إلى أن قال :

فالوجه في قوله : « اشتر حقّه منها »، أي : ماله من التصرّف دون رقبة الأرض، فإنّ رقبة الأرض لا يصلح تملّكها على حال (1) .

بقي الكلام فيما ذكره شيخنا الشهيد في الدروس، فنقول : إنّ ما ذكره مشتملٌ على مطلبين :

ص: 145


1- . الاستبصار : 3 / 109 ؛ و فيه : « لا يصلح ملكها على حسب ما تضمّنه الأخبار الأوّلة، و قداستوفينا ما يتعلّق بهذا الباب في كتابنا الكبير، و فيما ذكرناه كفاية ».

أحدهما : عدم جواز التصرّف في تلک الأرضين بالبيع والشراء و غيرهما في زمن ظهور الإمام مع عدم إذنه و جوازه معه .

والثاني : جواز التصرّف فيها مطلقًا في زمن الغيبة .

فنقول : أمّا عدم جواز التصرّف في زمن الحضور إلّا بإذن الإمام، فلا يفتقر إلى البيان ؛ و أمّا جوازه في زمن الغيبة، فلم نجد ما يدلّ عليه، بل الأدلّة المانعة عن البيع و غيره عامّةٌ شاملةٌ لزمان الحضور والغيبة .

و لا يمكن أن يستدلّ له بما يدلّ على أنّهم : حلّلوا الأرضين لشيعتهم إلى ظهور القائم علیه السلام، كالصحيح المرويّ في باب : « الأنفال » من التهذيب :

عن عمر بن يزيد قال : رأيت أبا سيّار مسمع بن عبد الملک بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبدالله علیه السلام مالاً في تلک السنة، فردّه عليه، فقلت له : لم ردّ عليک أبوعبدالله علیه السلام المال الّذي حملته إليه ؟ فقال : إنّي قلت له حين حملت إليه المال : إنّي كنت ولّيت الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئت إليک بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنک أو اعرض لها، و هي حقّک الّذي جعله الله تعالى لک في أموالنا، فقال : و ما لنا من الأرض و ما أخرج الله منها إلّا الخمس !! يا أبا سيّار ! الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا .

قال : قلت له : أنا أحمل إليک المال كلّه، فقال لي : يا أبا سيّار ! قد طيّبناه لک وحلّلناک منه، فضمّ إليک مالک، و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه

ص: 146

محلّلون، و يحلّ لهم ذلک إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق (1) ما كان في أيدي

سواهم، فإنّ كسبهم في (2) الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض

من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة (3) .

للقطع بعدم شمول العموم فيه للأراضي المفتوحة عنوة الّتي كلامنا فيها، لإطباقهم على تقسيم الأراضي إلى الأقسام الأربعة السالفة، و حكمهم باختصاص قسم منها بالإمام علیه السلام، و هو الأرض المسمّاة بأرض الأنفال ؛ و هو ينافي الحكم بكون جميع الأرضين للإمام علیه السلام .

و للنصوص المعتبرة المستفيضة السالفة الدالّة على أنّ الأراضي الّتي فتحت عنوةً إنّما هي لقاطبة المسلمين .

و لأنّا قد بيّنا فيما سلف أنّ الأراضي الّتي فتحت عنوةً يجب إخراج الخمس منها و صرفها في أرباب الخمس، فيكون نصفه للإمام علیه السلام، و نصفه الآخر للأصناف الثلاثة المعلومة، و يكون الأربعة الأخماس الباقية لقاطبة المسلمين ؛ و هو ممّا أطبقوا عليه، فاللازم ممّا ذكر تخصيص العموم في الحديث المذكور بغير ما نحن فيه، فلا يمكن التمسّک بقوله علیه السلام : « و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا » إلى آخره، في إثبات حكم لما نحن فيه حتّى يستدلّ به في إثبات البيع و غيره في محلّ الكلام .

ص: 147


1- . الجباية : أخذ الخراج ؛ والطسق : الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرّب .
2- . في المصدر : من .
3- . التهذيب : 4 / 144 ح 25 .

ثمّ لا يخفى أنّه لا يمكن التمسّک بالحديث المذكور في سقوط الخمس في زمن الغيبة، لوضوح أن غاية ما يستفاد منه أنّ الأراضي الّتي يكون للإمام - كأرض الموات - انّه علیه السلام حلّل التصرّف فيها لشيعتهم إلى ظهور القائم علیه السلام، و هو مسلّم، لكن لا دخل له في سقوط الخمس كما لا يخفى، بل التمسّک به في عدم سقوط الخمس أولى به من التمسّک في السقوط، إذ في قوله علیه السلام : « من الأرض » إيماء إلى عدم سقوط سائر حقوقهم :، كما لا يخفى .

نعم، انّ غاية ما يستفاد منه أنّه علیه السلام حلّل ذلک الخمس المخصوص الّذي رفعه إليه أبو سيّار، حيث قال علیه السلام : « و حلّلناک منه » ؛ وأين فيه من الدلالة على سقوط الخمس في زمن الغيبة ؟!

ثمّ الظاهر أنّ قوله علیه السلام : « و ما لنا من الأرض » إلى آخره، على تقدير الاستفهام الإنكاريّ الإبطاليّ ؛ والتقدير : أو ما لنا من الأرض و ما أخرج الله منها إلّا الخمس ؟! ؛ و هو مصرّح به في أصول الكافي (1) .

ثمّ لا يخفى ما في قوله علیه السلام : « فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم » إلى آخره من الغموض، و وجّهه في المنتقى حيث قال :

فيجبيهم، ينبغي أن يكون حرف المضارعة فيه مضمومًا على أنّه من أجبى بزيادة الهمزة (2) لتعدية الفعل المتعدّي إلى مفعول ثان، والمعنى :

ص: 148


1- . ينظر الكافي : 1 / 408 ح 3 .
2- . في المصدر : المهموزة .

يصيرهم جُبَاةً لخراج ما كان في أيدي غير الشيعة ؛ و لا يرد على هذا التوجيه خلوّ ما يحضر (1) من كلام أهل اللغة عن ذكر استعمال أجبى في

هذا المعنى، بملاحظة ما تقرّر في محلّه من أنّ زيادة الهمزة في مثله لمعانيها المعهودة موقوفٌ على السماع، لأنّا نجيب بأنّ وقوعه في نحو هذا الحديث وجهٌ من السماع، واحتمال خلافه يخرج الكلام عن الإفادة، فلا يصار إليه (2) ؛ انتهى كلامه أعلى الله مقامه .

أقول : والّذي يظهر من باب : « أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام » من أصول الكافي أنّ في الحديث سقطًا، لأنّ المذكور فيه هكذا : « و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتّى يقوم قائمنا علیه السلام، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم (3) ؛ وأمّا ما كان في أيدي غيرهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم

حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم صغرة » (4) .

و على هذا يكون حرف المضارع مفتوحًا، و يكون الكلام من باب الحذف والإيصال ؛ و التقدير : فيجبي منهم طسق ما كان في أيديهم، أي : يأخذ منهم وجه إجارة الأرضين الّتي للإمام علیه السلام في تصرّفهم و يجمعه .

ص: 149


1- . في المصدر : ما يمحض .
2- . منتقى الجمان : 2 / 449 .
3- . في المصدر هنا زيادة : و يترک الأرض في أيديهم .
4- . الكافي : 1 / 408 ح 3 .

قال في الصحاح (1) :

يجبي لهم الفيء، أي : يجمع لهم الخراج ؛ والجابي : الّذي يدور في الجباية، يقال : جبيت الخراج جبايةً : جمعته (2) .

و أنت إذا أحطت خبرًا بما ذكرناه، يظهر لک أنّ التمسّک بالحديث المذكور في جواز بيع الأراضي الّتي فتحت عنوةً و غيره من التصرّفات في زمن الغيبة غيرُ صحيح .

و يمكن أن يحمل كلام الدروس على أنّ المراد جواز البيع فيما إذا مسّت مصلحة المسلمين إليه .

توضيح الحال في ذلک يستدعي أن يقال : إنّ المدلول من كلامه أمران : عدميّ، و وجوديّ ؛ أمّا العدميّ فهو أنّ التصرّف في الأرض المفتوحة عنوةً في زمن الحضور غير مجوّز من غير إذن الإمام علیه السلام، و هو مسلّم . و أمّا الوجوديّ فهو جوازه حينئذٍ مع إذنه علیه السلام ؛ و معلومٌ أنّ إذنه علیه السلام إنّما يكون عند الجواز، و هو إنّما يكون عند مسيس الحاجة إلى ذلک ؛ و قوله : « و في حال الغيبة ينفذ ذلک » (3)

إشارةٌ إلى تلک الصورة، فلا إشكال .

و على تقدير الإغماض عنه و تسليم أنّ مراده جواز التصرّفات من البيع

ص: 150


1- . كذا في المخطوطة، والصواب : مجمع البحرين .
2- . مجمع البحرين : 1 / 80 .
3- . الدروس : 2 / 41 .

ونحوه على وجه الإطلاق، نقول : لا شبهة في ضعفه و وهنه، لا سيّما بعد رجوع قائله عنه، كما يظهر من كلامه في اللمعة المتأخّر عن الدروس حيث قال :

و لا يجوز بيعها، و لا هبتها، و لا وقفها، و لا نقلها (1) .

[ القول الرابع ]

و هنا قول رابع، و هو : جواز بيعها تبعًا للاثار ؛ اختاره شيخنا الشهيد في اللمعة حيث قال :

و لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوةً إلّا تبعًا لآثار المتصرّف (2) .

و قال أيضًا في مباحث الرهن :

و يصحّ رهن الأرض الخراجيّة تبعًا للأبنية والشجر (3) .

و هو الظاهر من التذكرة والقواعد في مباحث البيع، قال في الأوّل :

ولا يصحّ بيع الأرض الخراجيّة، لأنّها ملک المسلمين قاطبة، لايختصّ (4) بها أحد، نعم يصحّ بيعها تبعًا لآثار المتصرّف (5) .

ص: 151


1- . اللمعة الدمشقيّة : 210 .
2- . اللمعة الدمشقيّة : 210 .
3- . اللمعة الدمشقيّة : 118 .
4- . في المصدر : لا يتخصّص .
5- . تذكرة الفقهاء : 10 / 39 .

و في الثاني :

و لا يجوز بيع المباحات - إلى أن قال : - و لا بيع الأرض الخراجيّة إلّا تبعًا لآثار المتصرّف (1) .

و في المسالک - بعد أن عنون كلام المحقّق : « و لا يجوز بيعها، و لا وقفها، ولاهبتها » - ما هذا لفظه :

أي : لا يصحّ شيء من ذلک في رقبتها مستقلة، أمّا لو فعل ذلک بها تبعًا لآثار المتصرّف من بناء و غرس و زرع و نحوها، فجائز على الأقوى، فإذا باعها بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع (2) .

و فيه أيضًا في المتاجر - بعد أن أورد كلام المحقّق : « و قيل : يجوز بيعها تبعًا لآثار المتصرّف » - ما هذا لفظه :

هذا القول قويّ (3) .

و يمكن الاستدلال لهم بالصحيح المرويّ في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب، عن محمّد بن مسلم : أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض، أو عملوه، فهم

ص: 152


1- . قواعد الأحكام : 2 / 23 .
2- . مسالک الأفهام : 3 / 56 .
3- . مسالک الأفهام : 3 / 168 .

أحقّ بها، و هي لهم (1) .

بناءً على أنّ قوله : « أو عملوه » عطفٌ على « أحيوا »، فالحاصل منه : أنّ الأحقيّة بالأرض والملكيّة ترتّب على شيئين، أحدهما : إحياؤها، والثاني : العمل بها ؛ و مقتضى المقابلة بأو أن يكون العمل في غير الموات، فنقول : لو صارت الأرض بسبب العمل ملكًا للعامل، يجوز له التصرّف فيها بالبيع و غيره .

و الجواب عنه : انّ الحديث و إن كان هكذا في التهذيب، لكنّه مغايرٌ لما في الفقيه، إذ فيه : « أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض، فعمّروه » إلى آخره (2) ، فعلى هذا

يكون « فعمّروه » تفسيرًا لأحيوا ؛ و مقتضاه : أنّ من أحيا مواتًا من الأرض بالتعمير، فهو أحقّ بها ؛ و هو مسلّم، لكن لا دخل له فيما نحن فيه، كما لا يخفى .

نعم، في الباب المذكور من التهذيب في الصحيح المرويّ عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض، أو عمّروها، فهم أحقّ بها(3) .

والجواب عنه - بعد تسليم كونه مغايرًا للحديث الأوّل - : أنّ غاية ما يلزم منه بعد تسليم أن يكون المراد منه غير الموات الأحقيّة، و لا يلزم منه جواز البيع، كما لايخفى .

ص: 153


1- . التهذيب : 7 / 148 ح 4 .
2- . الفقيه : 3 / 240 ح 3876 .
3- . التهذيب : 7 / 149 ح 659 .

والحاصل : انّ ما قدّمنا ممّا دلّ على عدم جواز بيع مفتوح العنوة مقتضاه عدم الجواز مطلقًا ؛ والقول بجواز بيعها تبعًا للاثار لا يمكن إلّا لدليل يصلح للتخصيص، وهو غير معلوم .

و يمكن أن يقال : إنّ مرادهم بيع الآثار و جواز التصرّف في الأرض تبعًا لتلک الآثار، كما يظهر ذلک من كلام العلّامة في المنتهى حيث قال :

و إذا تصرّف فيها أحد بالبناء و الغرس صحّ له بيعها على معنى أنّه يبيع ماله فيها من الاختصاص (1) بالتصرّف، لا بالرقبة، لأنّها ملک المسلمين

قاطبة (2) .

لكن لا يلائمه بعض العبارات ؛ و كيف ما كان، فإن كان مرادهم ذلک، فلا بأس به، و إلّا فغير صحيح، لانتفاء الدليل عليه .

[ القول الخامس ]

و هنا قول خامس، و هو : أنّ المتصرّف يبيع أولويّته بها ؛ و هو الظاهر من جملة من العبارات، و قد سمعت عبارة المنتهى ؛ قال في التذكرة :

إذا زرع فيها أحد، أو بنى، أو غرس، صحّ له بيع ماله فيها من الآثار

ص: 154


1- . في المصدر : يتبع ماله فيها من الآثار و حقّ الاختصاص .
2- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 936 .

وحقّ الاختصاص بالتصرّف (1) .

و في التحرير :

و لا يجوز بيع هذه الأرض على ما تقدّم، بل البيع يتناول التصرّف من البناء والغرس و حقّ الاختصاص بالتصرّف، لا الرقبة (2) .

و أصرح من ذلک كلام المولى التقىّ المجلسيّ، قال في شرحه على الفقيه - بعد أن أورد صدر صحيحة محمّد بن مسلم السالفة، و هو هذا : « سألته عن الشراء من أرض اليهوديّ و النصرانيّ ؟ فقال : ليس به بأس » (3) - ما هذا لفظه :

يمكن أن يكون المراد بأراضيهم ما يكون ملكهم و يؤخذ الجزية منها، أو من رؤسهم، أو ما فتحت عنوةً و أبقيت في أيديهم، و حينئذٍ يكون الشراء منهم كالشراء من الأراضي المفتوحة عنوةً الّتي هي في أيدي المسلمين، كما سيجيء أنّ البيع ينصرف إلى آثار المتصرّف فيها، أو على أصلها بأن يشتري منهم أولويّتهم بحسب تقدّم اليد، و هذا هو الأظهر، انتهى كلامه (4) .

تحقيق الحال في الجواب يستدعي أن يقال : إنّ هنا مقامين :

ص: 155


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 187 .
2- . تحرير الأحكام : 2 / 172 .
3- . الفقيه : 3 / 239 ح 3876 .
4- . روضة المتّقين : 7 / 165 .

أحدهما : انّ المتصرّف في الأرض المفتوحة عنوةً يصير بالبناء و الغرس ونحوهما فيها أولى و أحقّ بها من غيرها .

والثاني : انّه يجوز له بيع تلک الأولويّة .

أمّا الأوّل، فيمكن أن يكون المستند فيه الصحيحان المتقدّمان، لكنّک قد عرفت الجواب عن الأوّل .

و يؤيّده أنّ شيخ الطائفة قد أورده في أواخر باب : « الزكاة » (1) من التهذيب

بسند موثّق كالصحيح، و فيه بدل كلمة « أو » بالواو، إذ رواه باسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الشراء من أرض اليهود و النصارى، فقال : ليس به بأس، قد ظهر رسول الله 9 على أهل خيبر، فخارجهم على أن يترک الأرض بأيديهم يعملونها و يعمّرونها، فلا أرى بها بأسًا لو أنّک اشتريت منها شيئًا، و أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض و عملوها، فهم أحقّ بها و هي لهم (2) .

فعلى هذا لا يمكن التعويل على كلمة « أو »، فلا يصحّ الاستناد إليه في محلّ الكلام .

و أمّا الثاني، فإطلاقه و إن اقتضى الأحقيّة فيما نحن فيه أيضًا، لكنّه رواه في ذلک الباب أيضًا بفاصلة قليلة، و فيه : « و عمّروها »، حيث رواه عن محمّد بن

ص: 156


1- . الصواب : أواخر كتاب الزكاة .
2- . التهذيب : 4 / 146 ح 29 .

مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : أيّما قوم أحيوا شيئًا من الأرض و عمّروها فهم أحقّ بها (1) .

فعلى هذا يكون « و عمّروها » بيانًا لأحيوا، فيكون المراد تعمير الموات، فحينئذٍ يشكل التعويل على الصحيح الثاني في محلّ الكلام .

مضافًا إلى أنّا نقول : إنّ ذلک المتصرّف لو كان أحقّ بها ينبغي لمن له الولاية بعد انقضاء مدّة الإجارة إجارتها له، و هو خلاف ما يقتضيه ظواهر كلمات كثير منهم ؛ قال في النهاية :

و للإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه (2) .

و في السرائر :

و للإمام أن ينقلها من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة تقبيله (3) .

و مثله في التحرير و التذكرة و غيرهما (4) ، و مقتضاها التخيير من غير رجحان .

ص: 157


1- . التهذيب : 7 / 152 ح 20 .
2- . النهاية : 195 .
3- . السرائر : 2 / 4علیه السلام8 .
4- . ينظر المبسوط : 1 / 235 ؛ والنهاية : 195 ؛ والمهذّب : 1 / 182 ؛ والسرائر : 1 / 478 ؛وتحرير الأحكام : 2 / 170 ؛ وتذكرة الفقهاء : 9 / 186 ؛ والخراجيّات، للمحقّق الكركيّ :41 .

إن قلت : يمكن إثبات الأولويّة بالاعتبار، لوضوح أن أخذها (1) ، فمن أتعب نفسه بالغرس و البناء خلاف الإنصاف .

قلنا : إنّما يتّجه ذلک إذا أخذت منها مجّانًا ؛ و ليس كذلک، بل المراد أخذها مع إعطاء ثمن ماله فيها من الآثار، فلا محذور .

مضافًا إلى أنّا نقول : إنّه لمّا كان المفروض أنّ الأرض من أرض الخراج وحاصلها يصرف في مصالح المسلمين، فقد يكون المصلحة مستدعية لأخذها من ذلک المتصرّف و تقبيلها بغيره فيما إذا كان ذلک أوجب الزيادة في الخراج، كما لايخفى .

و على فرض الإغماض عنه و تسليم الأحقيّة - كما لو فرض انتفاء التفاوت في الخراج - يبقى الكلام في جواز بيع الأحقيّة و ستقف عليه، فنقول : و أمّا الثاني -أي : جواز بيع الأولويّة - فهو منافٍ لما ذكروه في تعريف البيع و شرائطه، قال في السرائر :

البيع هو : انتقال عين مملوكة من شخصٍ إلى غيره بعوضٍ مقدّرٍ على وجه التراضي (2) .

و في التذكرة :

ص: 158


1- . كذا في المخطوطة .
2- . السرائر : 2 / 240 .

الأوّل : في ماهيّته، و هي : انتقال عين مملوكة من شخصٍ إلى غيره بعوضٍ مقدّرٍ على وجه التراضي (1) .

و في القواعد :

البيع : انتقال عين مملوكة من شخصٍ إلى غيره بعوضٍ مقدّرٍ على وجه التراضي (2) .

و غير ما ذكر ممّا ذكروه في مقام التحديد، فإنّ مقتضاها أنّ متعلّق البيع هو العين المملوكة، فلا معنى للحكم بجواز بيع الأولويّة .

و من جميع ما ذكر تبيّن : لا وجه للحكم بجواز البيع في محلّ الكلام، إلّا بيع ماله فيها من الآثار والأعيان، إلّا فيما إذا مسّت المصلحة الموجبة لبيع الرقبة، فيجوز ولو في زمن الغيبة لمن له الولاية العامّة .

لكن لا يتوهّم ممّا ذكر أنّه يحكم بفساد البيع و غيره من التصرّفات المتوقّفة على الملک المتداولة بين الناس في الأراضي المفتوحة عنوةً، للزوم حمل أفعال المسلمين على الصحّة فيما إذا أمكن ذلک .

و ما نحن فيه من هذا القبيل، لإمكان أن يكون ذلک في بدو الأمر ممّن له الولاية فيما إذا اقتضت المصلحة بيعها، فتصير مملوكة للمشتري، فله التصرّف فيه

ص: 159


1- . تذكرة الفقهاء : 10 / 5 .
2- . قواعد الأحكام : 2 / 16 .

كيف ما شاء، أو كان ذلک من الخمس الّذي كان ملكًا لأربابه، ثمّ انتقل منهم إلى غيرهم، أو كانت من موات المفتوحة عنوةً، فملكها المحيي بالإحياء .

و لعلّه لذلک لم ينكر أحد على المتصرّفين في الأراضي الّتي فتحت عنوةً بالبيع والوقف و نحوهما ؛ و ستقف على مزيد تحقيق في ذلک .

ص: 160

المقام الثاني : في عدم جواز تصرّفات الناقلة للمنفعة أيضًا في المفتوحة عنوةً
اشارة

والمقام الثاني : في أنّه كما لا يجوز التصرّف الناقلة للعين في تلک الأراضي، كذلک الحال في التصرّفات الناقلة للمنفعة، كالإجارة .

والفرق بين المقامين هو : أنّه لا يجوز التصرّفات الناقلة للعين فيها في كلّ زمان ولو في زمن حضور الإمام علیه السلام لكلّ أحد و لو للإمام علیه السلام، إلّا في الصورة الّتي نبّهنا عليها، بخلاف التصرّفات الناقلة للمنفعة، فإنّ المقصود أنّها لا تجوز لمن ليس له الولاية العامّة، لا مطلقًا ؛ و أمّا مَن له ذلک - كالإمام علیه السلام و نائبه الخاصّ والعامّ - فيسوّغ له ذلک قطعًا، و هو ظاهر .

و يدلّ عليه - مضافًا إلى العيان - الصحيح المرويّ في الكافي مضمرًا، وفي التهذيب مسندًا، عن محمّد بن أبي نصر قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا علیه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته ؟ فقال : العشر

و نصف العشر - إلى أن قال علیه السلام : - و ما

ص: 161

أخذ بالسيف فذلک إلى الإمام (1) ، يقبّله بالّذي يرى، الحديث (2) .

والحاصل : انّ هنا مطلبين :

أحدهما : جواز التصرّفات الناقلة للمنفعة للإمام و نائبه .

والثاني : عدم جوازها لغيرهما .

أمّا الأوّل، فهو مع كونه مجمعًا عليه بين الأصحاب، مدلولٌ عليه بالصحيح المذكور و غيره .

و أمّا الثاني، فالمستند فيه الصحيح المذكور، لقوله علیه السلام : « فذلک إلى الإمام ».

و ربّما يتوهّم من جملة من العبارات خلافه، قال في النهاية :

و هذا الضرب من الأرضين لا يصحّ التصرّف فيه بالبيع والشراء والتملّک والوقف والصدقات (3) .

و مثله كثيرٌ من العبارات، فإنّ الاقتصار بالتصرّفات الناقلة للعين يؤمي إلى جواز غيرها .

و أظهر منها في الوقوع إلى ذلک الوهم كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حيث قال :

ص: 162


1- . في التهذيب : فذلک للإمام .
2- . الكافي : 3 / 512 ح 2 ؛ التهذيب : 4 / 119 ح 2 .
3- . النهاية : 195 .

( ولا يجوز بيعها ) ... ؛ ( و لا هبتها، و لا وقفها، و لا نقلها ) بوجهٍ من الوجوه المملّكة (1) .

لكنّه ليس بمرادهم، بل الظاهر أنّ مرادهم التنبيه على ما لا يجوز مطلقًا ولو للإمام علیه السلام، و قد عرفت انحصاره في ما ينقل العين، و لهذا خصّوه بالذكر، كما أنّ المراد من التصريح بعدم جواز الإجارة في المبسوط إنّما هو لغير الإمام علیه السلام ونائبه، حيث قال :

و لا يصحّ بيع شيء من هذه الأرضين، و لا هبته، و لا معاوضته، ولا تمليكه، و لا تملّكه، و لا وقفه، و لا رهنه، و لا إجارته ؛ إلى آخر ما ذكره (2) .

والحاصل : انّه ربّما يتوهّم من جملة من العبارات جواز التصرّف الناقل للمنفعة فيها لكلّ أحد، لكنّه ليس بمرادٍ لما عرفت، إلّا أنّ الظاهر من المحقّق الأردبيليّ ذلک، حيث قال :

و في حال غيبته - أي : غيبة الإمام - لا يجوز لأحدٍ التصرّف المخرج عن الملک، مثل : البيع و الهبة و الوقف و غيرها، لعدم كونه مالكًا بالخصوص، و لو في حصّته المشتركة، لعدم التعيين، و لعدم استقلاله (3) .

ص: 163


1- . الروضة البهيّة : 7 / 154 .
2- . المبسوط : 2 / 34 .
3- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 470 .

إذ تخصيص المنع في زمن الغيبة بالمخرج عن الملک يقتضي جواز التصرّف الغير المخرج عن الملک، لكنّ الظاهر أنّه مسامحةٌ في التعبير، و ليس مراده ما أفاده ظاهره .

و كيف ؟! مع أنّ ما تمسّک به في إثبات عدم جواز التصرّف المخرج عن الملک مقتضاه عدم الجواز مطلقًا و لو كان ناقلاً للمنفعة .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يمنع ظهور كلامه في ذلک، لأنّ المخرج عن الملک كما يكون في العين يكون في المنفعة أيضًا، كما عمّم المنع فيه في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالک حيث قال :

لا يصحّ بيع رقبة الأرض المذكورة، و لا رهنها، و لا غيرها من التصرّفات الناقلة للملک عينًا و منفعة (1) ، انتهى كلامه - رفع مقامه .

و ممّا يؤيّد ذلک كلام المحقّق المذكور فيما بعد ذلک حيث قال : « و لا يصحّ لأحد التصرّف فيها إلّا بإذنه » (2) ، فتأمّل .

و كيف كان والظاهر أنّ عدم جواز التصرّف فيها لغير الإمام و نائبه - و لو بالتصرّف الناقل للمنفعة - ممّا لا ينبغي التأمّل فيه .

والمستند فيه - مضافًا إلى الصحيح المذكور - يظهر ممّا أبرزناه في عدم جواز

ص: 164


1- . مسالک الأفهام : 12 / 394 .
2- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 471 .

البيع، فليلاحظ جدًّا، لأنّک قد عرفت ممّا نبّهنا آنفًا في أنّ التصرّفات الصادرة من المسلمين في الأراضي الّتي فتحت عنوةً لا يمكن الحكم بفسادها ما لم يعلم الفساد، لما فصّلناه .

و هو المصرّح به في كلام جماعة من المحقّقين ؛ قال في المسالک :

فكلّ أرضٍ يدّعي أحدٌ ملكها بشراء أو إرث (1) و نحوهما، و لا يعلم

فساد دعواه، يقرّ في يده كذلک لجواز صدقه، و حملاً لتصرّفه على الصحّة، فإنّ الأرض المذكورة يمكن تملّكها بوجوه، منها : إحياؤها ميتة، و منها : بيعها تبعًا لآثار (2) المتصرّف فيها من بناءٍ و غرسٍ

ونحوهما (3) ، انتهى .

و ما ذكره من التبعيّة، فقد عرفت الحال في ذلک .

و قال المولى التقيّ المجلسيّ - قدّس الله روحه - في شرحه على الفقيه - بعد ذكر الحديث الدالّة على جواز بيع الأرض الّتي في أيدي اليهود والنصارى - ما هذا لفظه :

يجوز أن يكون الأرض الّتي في أيديهم و يبيعونها من الموات وإن كانت في الواقع للمسلمين، كما في بيع أراضي عراق العرب والعجم بالنظر إلى

ص: 165


1- . في المصدر : و إرث .
2- . في المصدر : لأثر .
3- . مسالک الأفهام : 3 / 55 .

كلّ بايع يبيع ملكه، فإنّه (1) يمكن أن يكون هذه الأرض وقت الفتح

مواتًا، و أفعال المسلمين محمولةٌ على الصحّة، بل أفعال العقلاء، كما يظهر من هذا الخبر بالنظر إلى اليهود والنصارى (2) .

و قال المحقّق الأردبيليّ - نوّر الله تعالى ضريحه ؛ و لنعم ما أفاد - بعد أن حكم بعدم جواز التصرّف في الأرض المفتوحة عنوةً من بناء المسجد و غيره - ما هذا لفظه :

إلّا أنّ الظاهر انّ ذلک متداولٌ بين المسلمين في زمان الحضور والغيبة بين العامّة والخاصّة في الأراضي المشهورة بأنّها مفتوحةٌ عنوةً إلى الآن من غير إنكار أحد ذلک، و إجراء أحكام المسجد على ما جعل مسجدًا، وأحكام الملكيّة في غيره ممّا بيعت، إلّا أن يحمل ذلک فيما يمكن تملّكه من الأرض المفتوحة عنوةً، مثل أن يكون خمّسها أو باعها الإمام لمصلحة المسلمين، أو كانت مواتًا حين الفتح، و نحو ذلک، فتأمّل .

إلى أن قال :

على أنّه قد اشترط في المشهور عند أصحابنا، بل كاد أن يكون إجماعًا في المفتوحة عنوةً كون الفتح بإذن الإمام علیه السلام حتّى يكون غنيمة يشترک فيها المسلمون كلّهم، و لا يكون للإمام خاصّة ؛ و العلم بذلک في شيء

ص: 166


1- . في المصدر : بأنّه .
2- . روضة المتّقين : 7 / 165 .

من الأراضي غير معلوم، لأنّ العراق المشهور أنّها فتحت في زمان الثاني، و ما تحقّق كونه بإذن أمير المؤمنين علیه السلام، بل الظاهر عدمه، لعدم اختياره علیه السلام، و ما ثبت كون الحسن علیه السلام معهم (1) ، انتهى كلامه ملخّصًا (2) .

أقول : بناءً على ما ذكره من أنّ اشتراک المسلمين في المفتوحة عنوةً متوقّفٌ على كون الفتح بإذن الإمام علیه السلام، و إلّا تكون مختصّة بالإمام، يسهل الخطب جدًّا، فينبغي صرف الكلام في إثبات هذا المرام، فنقول : الظاهر منهم في كتاب الخمس وغيره أنّ ما يؤخذ من الكفّار من غير إذن الإمام علیه السلام يكون كلّه له، و لا يشترک معه غيره .

فها أنا أورد كلماتهم الدالّة عليه لتحقيق الحال، فأقول : قال في النهاية :

ص: 167


1- . جاء في حاشية المخطوطة : إشارةٌ إلى عدم ثبوت ما حكي عن بعض أرباب التواريخ من أنّهقال ما حاصله : إنّ عمر لمّا رأى المغلوبيّة في عسكر الإسلام في غالب الأسفار والأوقات،استدعى من أميرالمؤمنين علیه السلام أن يرسل مولانا الحسن علیه السلام إلى محاربة يزدجرد، و هو علیه السلامأجاب التماسه، فأرسله . و حكي أنّه علیه السلام ورد ريّ و شهريار، و في المراجعة ورد قم، وارتحلفيها إلى كهنک، و منها إلى أردستان، و منها إلى قُهباية، و منها إلى اصبهان، وصلّى في مسجدالجامع العتيق فيه، واغتسل من الحمّام الّذي كان متّصلاً بالمسجد، ثمّ نزل لُنْبان وصلّى فيمسجده » انتهى [ ينظر لوامع صاحبقراني : 5 / 569 [. و قد عرفت ممّا حكينا عن حبيبالسير و غيره خلافه ؛ مضافًا إلى أنّا نقول بعد تسليم ذلک : لا يكون كافيًا في الحكم بأنّ بلادالعجم بأسرها ممّا فتح عنوةً حتّى في خصوص اصفهان، لظهور أنّ خصوص وروده علیه السلام فيهاغير مستلزم لذلک، فتأمّل ؛ منه - دام ظلّه العالي .
2- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 472 .

إذا قاتل قوم أهل حرب من غير إذن (1) الإمام فغنموا، كانت غنيمتهم

للإمام خاصّة دون غيره (2) .

و في المبسوط :

إذا قاتل (3) قوم أهل حرب (4) بغير أمر الإمام فغنموا، كانت الغنيمة

خاصّة للإمام، دون غيره (5) .

و في السرائر :

إذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام فغنموا، كانت الغنيمة خاصّة للإمام دون غيره (6) .

و فيه أيضًا في كتاب الجهاد :

و متى جاهدوا مع عدم الإمام و عدم مَن نصبه للجهاد، فظفروا و غنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام خاصّة، و لا يستحقّون شيئًا منها أصلاً (7) .

ص: 168


1- . في المصدر : أمر .
2- . النهاية : 200 .
3- . في المصدر : قوتل .
4- . في المصدر : من أهل الحرب .
5- . المبسوط : 1 / 263 .
6- . السرائر : 1 / 497 .
7- . السرائر : 2 / 4 .

و في الشرائع :

الأنفال هي ما يستحقّه الإمام من الأموال على جهة الخصوص، و هي خمسة .

- إلى أن قال : - و ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له علیه السلام (1) .

و في التحرير :

إذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام فغنموا، كانت الغنيمة خاصّة للإمام دون غيره (2) .

و في القواعد في الأنفال :

و هي المختصّة بالإمام علیه السلام و هي عشرة .

- إلى أن قال : - و غنيمة من يقاتل بغير إذنه (3) .

و في المنتهى في كتاب الجهاد :

لو غزا جماعة من الكفّار بانفرادهم فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام على ما يأتي أنّ الغنيمة المأخوذة بغير إذن الإمام له خاصّة . و قال بعض

ص: 169


1- . شرائع الإسلام : 1 / 166 .
2- . تحرير الأحكام : 1 / 443 .
3- . قواعد الأحكام : 1 / 364 .

الجمهور : غنيمتهم لهم و لا خمس فيها، لأنّه اكتساب مباح (1) لم يؤخذ

على وجه الجهاد .

و قال فيما بعد ذلک :

السادس : لو غنم أهل الكتاب نظر في ذلک، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلى دار الحرب كان الحكم على ما شرطه ؛ و إن لم يكن أذن لهم كانت غنيمتهم للإمام عندنا، لأنّ كلّ مَن غزا بغير إذن الإمام (2) كانت

غنيمته للإمام عندنا (3) .

و ظاهره دعوى علماء الشيعة عليه .

و في الإرشاد :

و الأنفال تختصّ بالإمام علیه السلام، و هي كلّ أرض موات .

- إلى أن قال : - و غنيمة من قاتل بغير إذنه له (4) .

و في التبصرة :

و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها .

ص: 170


1- . « مباح » لم يرد في المصدر .
2- . في المصدر زيادة : « إذا غنم » .
3- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 947 و 954 .
4- . إرشاد الأذهان : 1 / 293 .

- إلى أن قال : - و الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام (1) .

و في التذكرة قال عند بيان أقسام الأنفال :

و منه كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام، فإنّها له خاصّة .

- ثمّ احتجّ عليه بالرواية الآ تية فقال : - و قال الشافعي : حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنّه مكروه، لعموم الآية ؛ و ردّه بأنّه لا دلالة فيه، لأنّها تدلّ على إخراج الخمس (2) ، لا على المالک (3) .

و في البيان :

و يلحق بذلک الأنفال، و هي ما يختصّ به الإمام علیه السلام (4) بالانتقال من النبيّ (صلی الله علیه و آله وسلم)، و هي كلّ أرض لم توجف عليه بخيل و لا ركاب .

- إلى أن قال : - و غنيمة مَن يقاتل بغير إذنه على المشهور (5) .

و في الدروس :

و يجب الخمس في سبعة، الأوّل : ما غنم من دار الحرب على الإطلاق،

ص: 171


1- . تبصرة المتعلّمين : علیه السلام5 .
2- . في المصدر زيادة : « في الغنيمة ».
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 441 .
4- . في المصدر : يختصّ بالإمام .
5- . البيان : 221 .

إلّا ما غنم بغير إذن الإمام، فله (1) .

و في اللمعة في مقام تعداد الأنفال ما هذا لفظه :

والغنيمة بغير إذنه (2) .

و في شرحه :

غائبًا كان، أم حاضرًا على المشهور، و به رواية مرسلة، إلّا أنّه لا قائل بخلافها ظاهرًا (3) .

و في المسالک - بعد أن عنون العبارة السالفة من الشرائع - ما هذا لفظه :

هذا هو المشهور بين الأصحاب، و به رواية مرسلة عن الصادق علیه السلام منجبرة بعمل الأصحاب (4) .

والحاصل : انّ اختصاص المال المأخوذ من الكفّار مع عدم إذن الإمام علیه السلام به مقطوعٌ به في كلماتهم، بل الظاهر من جملة من العبارات إطباق أصحابنا عليه، كما علمت ؛ و في صريح الخلاف عليه الإجماع، حيث قال :

إذا دخل قومٌ دار الحرب، أو قاتلوا بغير إذن الإمام، فغنموا، كان ذلک

ص: 172


1- . الدروس : 1 / 215 .
2- . اللمعة الدمشقيّة : 46 .
3- . الروضة البهيّة : 2 / 85 .
4- . مسالک الأفهام : 1 / 474 .

للإمام خاصّة ؛ و خالف جميع الفقهاء في ذلک . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (1) .

و لم يظهر مَن تأمّل فيه عدا المحقّق في النافع، قال :

و قيل : إذا غزا قومٌ بغير إذنه، فغنيمتهم له، والرواية مقطوعة (2) .

و العلّامة في كتاب الخمس من المنتهى، بل أفتى فيه بخلافه حيث قال :

إذا قاتل قومٌ من غير إذن الإمام فغنموا (3) ، كانت الغنيمة للإمام، ذهب

إليه الشيخان (4) ، والسيّد المرتضى (5) ، و أتباعهم (6) .

و قال الشافعيّ : حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنّه مكروه (7) .

و قال أبو حنيفة : هي لهم و لا خمس (8) .

ص: 173


1- . الخلاف : 4 / 190 .
2- . المختصر النافع : 64 .
3- . في بعض النسخ : ففتحوا .
4- . نقله عن الشيخ المفيد في المعتبر : 2 / 635 ؛ و ينظر قول الشيخ الطوسيّ في المبسوط :1/263 ؛ والخلاف : 2 / 114 ؛ والنهاية : 200 ؛ والجمل والعقود : 10علیه السلام ؛ والاقتصاد : 428 .
5- . نقله عنه في المعتبر : 2 / 635 .
6- . منهم أبو الصلاح الحلبيّ في الكافي في الفقه : 259 ؛ وابن البرّاج في المهذّب : 1 / 186 .
7- . ينظر حلية العلماء : 7 / 657 ؛ والمغني : 10 / 522 ؛ والمبسوط، للسرخسي : 10 / 74 .
8- . ينظر المبسوط، للسرخسي : 10 / 74 ؛ و بدائع الصنائع : 7 / 118 .

و لأحمد ثلاثة أقوال، كقول (1) الشافعي و أبي حنيفة، و ثالثها : لا شيء

لهم فيه (2) .

واحتجّ الأصحاب بما رواه العبّاس الورّاق عن رجل - إلى آخر الرواية الآتية .

واحتجّ الشافعي (3) بعموم قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ )

الآية (4) ، و هو يتناول المأذون فيه و غيره .

- ثمّ أجاب عنه : - بأنّه غير دالّ على المطلوب، إذ الآية تدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة، لا على المالک، و إن كان قول الشافعيّ فيه قوّة (5) ، انتهى .

و اختاره صاحب المدارک حيث قال :

و قوّى العلّامة في المنتهى مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام لما يغنم بإذنه، وهو جيّد، لإطلاق الآية الشريفة و خصوص حسنة الحلبيّ عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم،

ص: 174


1- . في المصدر : كقولي .
2- . ينظر المغني : 10 / 522 ؛ والإنصاف : 4 / 152 .
3- . ينظر المغني : 10 / 522 ؛ والإنصاف : 4 / 152 .
4- . الأنفال : 41 .
5- . منتهى المطلب : 8 / 575 - 577 .

فيصيب غنيمة، فقال : يؤدّي خمسها و يطيب له (1) .

والمستند للقول بعدم الاشتراط و مساواة ما يغنم بغير إذن الإمام لما يؤخذ بإذنه في أنّ الخمس فيهما لأربابه، والباقي للغانمين : ما علم من الآية الشريفة، والرواية المذكورة رواها الشيخ الطائفة في باب : « الخمس والغنائم »، بإسناده عن سعد بن عبدالله، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالله بن مسكان، عن الحلبيّ، عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل من أصحابنا، الحديث (2) .

والمستند للقول بالاشتراط : ما رواه في باب الأنفال من التهذيب : عن العبّاس الورّاق، عن رجل سمّاه، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس (3) .

و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة بالإرسال، لكنّها منجبرة بالاشتهار التامّ بين الأصحاب، بل الظاهر من جماعة انتفاء الخلاف في المسألة بين علماء الشيعة، فلاحظ عبارة المنتهى والتذكرة (4) ، لعدم التعرّض للخلاف فيهما إلّا عن العامّة ؛

مضافًا إلى الإتيان بلفظة : « عندنا » في مقامين، الدالّة على إطباق علماء الشيعة عليه .

ص: 175


1- . مدارک الأحكام : 5 / 418 ؛ والرواية في التهذيب : 4 / 124 ح 14 .
2- . التهذيب : 4 / 124 ح 14 .
3- . التهذيب : 4 / 135 ح 12 ؛ و في آخر الحديث : كان الخمس للإمام علیه السلام .
4- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 1 / 554 ؛ تذكرة الفقهاء : 5 / 441 .

و أوضح من ذلک عبارة المسالک والروضة (1) .

و هو الظاهر من المحقّق في المعتبر أيضًا حيث قال :

قال الثلاثة : إذا قاتل قومٌ من غير إذن الإمام فغنموا، فالغنيمة للإمام .

وقال الشافعيّ : هي كغنيمة مَن أذن له .

و قال أبو حنيفة : هي لهم و لا خمس، لأنّه اكتساب (2) من غير جهاد،

فكان كالاحتطاب والاحتشاش .

و لأحمد مثل القولين ؛ و قول ثالث : لا شيء لهم فيه، لأنّهم عصاة بفعلهم، فلا تكون المعصية وسيلة إلى الفائدة .

و ما ذكره الأصحاب ربّما عوّلوا فيه على رواية العبّاس الوراق، إلى آخر ما ذكره (3) .

فإنّ المستفاد منه انتفاء الخلاف في المسألة بين علماء الشيعة من وجهين :

أحدهما : من جهة نقل الخلاف من العامّة فقط .

والثاني : من قوله : « و ما ذكره الأصحاب » بالجمع المحلّى باللّام .

و في التنقيح مشيرًا إلى الرواية المذكورة :

ص: 176


1- . ينظر مسالک الأفهام : 13 / 229 ؛ والروضة البهيّة : 2 / 85 .
2- . في المصدر زيادة : مباح .
3- . المعتبر : 2 / 635 .

و هي مشهورة بين الأصحاب و عملهم عليها (1) .

إن قيل : كيف تدّعي انتفاء الخلاف في المسألة مع ما عرفت من أنّ العلّامة في المنتهى قوّى مذهب الشافعي ؟!

قلنا : إنّه و إن فعل ذلک في كتاب الخمس من المنتهى، لكنّه عدل عنه في كتاب الجهاد منه كما عرفته، بل ظاهره هناک دعوى الإجماع كما نبهّنا عليه، ولم يبق إلّا ما ذكره صاحب المدارک، لكنّه ممّا لا التفات إليه .

والحاصل : انّ الرواية المذكورة لاعتضادها بعمل الطائفة و دعوى الإجماع من شيخ الطائفة في غاية الاعتبار والقوّة، فلابدّ من تقييد الآية الشريفة بغير الصورة المفروضة .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يقال : إنّها خطابٌ إلى الموجودين في زمن النبيّ 9 والحاضرين في ركابه، و هم كانوا مأذونين منه 9 ؛ و مقتضى الاشتراک في التكليف ثبوت الحكم في حقّ مَن يكون مشاركًا معه في الوصف، لا مطلقًا .

و أمّا الجواب عمّا رواه الحلبيّ، فبعدم صلاحيّته للمعارضة، لما عرفت من انجبار الرواية المرسلة بعمل الطائفة، فليحمل على التقيّة، لموافقته لمذهب الشافعيّ؛ والسؤال فيه غيرُ مناف لذلک، كما لا يخفى على المتأمّل .

على أنّا نقول : إنّ الظاهر من كثيرٍ من الأصحاب وإن كان انحصار المستند في

ص: 177


1- . التنقيح الرائع : 1 / 343 .

الرواية المذكورة، لكنّ الأمر ليس كذلک، لأنّ ثقة الإسلام روى في باب : «قسمة الغنيمة » من كتاب الجهاد من الكافي بسندٍ صحيحٍ عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : السريّة يبعثها الإمام، فيصيبون غنائم، كيف يقسّم ؟

قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس، لله وللرسول، و قسم بينهم ثلاثة أخماس (1) ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين

كان كلّ ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ (2) .

مضافًا إلى ما عرفت من عبارة الخلاف أنّ المستند فيه إجماع الطائفة وأخبارهم (3) ؛ و مقتضاه تحقّق أخبار فيه .

إذا علمت ذلک، فلنعد إلى ما كنّا بصدد بيانه، فنقول : إنّ لفقهائنا - قدّس الله تعالى أرواحهم - كلامين :

أحدهما : ما عرفت في هذا المقام من أنّه كلّ ما أخذ من الكفّار من غير إذن الإمام علیه السلام، فهو من الأموال المختصّة به علیه السلام.

والثاني : ما ذكروه في مقام تقسيم الأراضي إلى الأقسام الأربعة، من أنّ الأراضي الّتي فتحت عنوةً إنّما هي لكافّة المسلمين .

و هو أعمّ من أن يكون ذلک بإذن الإمام علیه السلام و عدمه، لكنّ الأوّل دليلٌ على

ص: 178


1- . في بعض نسخ المصدر : أربعة أخماس .
2- . الكافي : 5 / 43 ح 1 .
3- . ينظر الخلاف : 4 / 190 .

تقييد الثاني بصورة الإذن .

فعلى هذا نقول : كلّما فتحت أو أخذت بعد النبيّ 9 إلى أيّام أميرالمؤمنين علیه السلام يكون من الأنفال المختصّ بالإمام علیه السلام، لعدم ثبوت الإذن من مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام، بل ربّما يمكن دعوى الظهور في عدمه .

فعلى هذا لا وجه لإجراء أحكام المفتوحة عنوةً فيها، لما عرفت من أنّها من أموال الإمام علیه السلام، بل يجوز التصرّف فيها للشيعة كيف ما شاؤا في غيبة الإمام علیه السلام، للأدلّة الدالّة عليه، كما ستقف عليها ؛ فعلى هذا يسهل الأمر في البلاد الّتي فتحت في زمن الخلفاء الثلاثة جدًّا .

إن قلت : إنّ هذا إنّما يتّجه إذا كان النسبة بين كلاميهما في المقامين من تعارض العموم والخصوص مطلقًا ؛ و ليس كذلک، بل بينهما عمومٌ من وجه، لأنّ ما ذكروه من الاختصاص بالإمام في صورة عدم الإذن أعمّ من الأموال المنقولة و غيرها، فالخصوصيّة فيه باعتبار عدم الإذن، والعموم من جهة كون المأخوذ أعمّ من المنقول و غيره ؛ و ما ذكروه في مقام تقسيم الأراضي وإن كان أعمّ باعتبار الإذن و عدمه، لكنّه مختصّ بما لا ينقل، فكما يمكن تخصيص الأوّل بالثاني يمكن العكس .

قلنا : تخصيص الثاني بالأوّل متعيّن، لقوّة الدلالة في الأوّل، لأنّ جملةً من كلماتهم كالصريحة في شمولها للمنقول و غيره ؛ قال في السرائر :

و متى جاهدوا مع عدم الإمام و عدم مَن نصبه للجهاد، فظفروا و غنموا،

ص: 179

كانت الغنيمة كلّها للإمام خاصّة، و لا يستحقّون منها شيئًا أصلاً (1) .

و مثله كلام المبسوط، كما ستقف عليه (2) .

و أصرح منهما كلام العلّامة في مباحث إحياء الموات، حيث قال :

أرض الأنفال - و هي كلّ أرض خربة باد أهلها و استنكر رسمها، وكلّ أرض موات لم يجر عليها ملک لأحد .

إلى أن قال :

و كلّ غنيمة غنمها مَن يقاتل بغير إذن الإمام (3) ، انتهى كلامه - رفع

مقامه .

بل يمكن أن يدّعى في كلماتهم في المقام الثاني إيماءٌ إلى ذلک، حيث قالوا بعد الحكم بأنّ الأرض الّتي فتحت عنوةً إنّما هي لقاطبة المسلمين، و للإمام أن يقبّلها بالّذي يرى، و أنّه للإمام أن ينقلها من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة تقبيله .

بل الأمر كذلک في المستند أيضًا، لقوله علیه السلام في الصحيح السالف : « و ما أخذ بالسيف فذلک إلى الإمام، يقبّله بالّذي يرى » (4) ، كما أنّ التعميم هو الظاهر من المستند الّذي تمسّكوا في أنّ المأخوذ بغير إذن الإمام يكون للإمام، و هو

ص: 180


1- . السرائر : 2 / 4 .
2- . ينظر المبسوط : 2 / 8 .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 439 .
4- . الكافي : 3 / 512 ح 2 ؛ التهذيب : 4 / 119 ح 2 .

قوله علیه السلام: « إذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام » (1) .

و لذا قال شيخ الطائفة في المبسوط :

و على الرواية الّتي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت، يكون الغنيمة للإمام خاصّة هذه الأرضون و غيرها ممّا فتحت بعد الرسول، إلّا ما فتح في أيّام أميرالمؤمنين علیه السلام، إن صحّ شيء من ذلک يكون للإمام خاصّة، و يكون من جملة الأنفال الّتي له خاصّة لايشركه فيها غيره (2) .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يدّعى قيام القرينة في كلماتهم على أنّ مرادهم في المقام الثاني هو صورة الإذن، لتفصيل جماعة منهم هناک بين المنقول و غيره، فحكموا بأنّ الأوّل يقسم بين الغانمين، والثاني لقاطبة المسلمين ؛ و منه يظهر أنّ مرادهم صورة الإذن فقط، إذ لو كان أعمّ، لَما كان لتلک المسألة مصداق .

إن قيل : كيف يمكن هذه الدعوى مع أنّه قد وقع التصريح في جملةٍ من العبارات بكون أرض العراق الّتي فتحت عنوةً أنّها لقاطبة المسلمين، مع تسليم كونها مفتوحة بغير إذن الإمام ؛ قال في المبسوط :

أمّا أرض السواد، فهي الأرض المغنومة من الفرس الّتي فتحها عمر، وهي سواد العراق .

ص: 181


1- . التهذيب : 4 / 135 ح 12 .
2- . المبسوط : 2 / 34 .

إلى أن قال :

والّذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد الّتي فتحت عنوةً أن يكون خمسها لأهل الخمس، و أربعة (1) أخماسها يكون للمسلمين قاطبة (2) .

و في الخلاف في كتاب الفيء :

سواد العراق ما بين الموصل و عبّادان طولاً، و ما بين حُلوان والقادسيّة عرضًا، فتحت عنوةً، فهي للمسلمين، على ما قدّمنا القول فيه (3) .

قلنا : إنّ الأمر و إن كان كذلک، لكنّه انّما أوجب الإشكال في كلام شيخ الطائفة، لا في أصل الحكم .

توضيح الحال في ذلک هو : أنّ الكلام المذكور من المبسوط بعد ملاحظة ما ذكره بعده من قوله : « و على الرواية الّتي رواها أصحابنا » إلى آخره، صريحٌ في أنّ أرض العراق و غيرها ممّا فتحت عنوةً مع تسليم أنّ فتحها مع عدم إذن الإمام علیه السلام، يكون خمسها لأرباب الخمس، والباقي لقاطبة المسلمين .

و كلام الخلاف وإن لم يكن صريحًا فيه، لكنّ الظاهر أنّ المراد ذلک، لا سيّما بعد ملاحظة ما في المبسوط، فنقول : إنّ المصرّح به في كلامه أنّ المنقول من

ص: 182


1- . في المصدر : فأربعة .
2- . المبسوط : 2 / 33 و 34 .
3- . الخلاف : 4 / 196 .

أموالهم يكون من الغنيمة الّتي تختصّ بها الغانمون .

قال في كتاب الزكاة من المبسوط في مقام تقسيم الأراضي ما هذا لفظه :

والضرب الآخر من الأرضين هو ما أخذ عنوةً بالسيف، فإنّها تكون للمسلمين قاطبة : المقاتلة و غير المقاتلة ؛ و على الإمام أن يقبلها (1)

لمَن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، و على المتقبّل إخراج مال القبالة و حقّ الرقبة .

إلى أن قال :

و ليس للمقاتلة خصوصًا، إلّا ما يحويه العسكر (2) .

و قال في كتاب الجهاد منه (3) :

إذا فتح بلد من بلاد الحرب فلا يخلو من أن يفتح عنوةً أو صلحًا ؛ فإن فتح عنوةً كانت الأرض المحياة و غيرها من أموالهم ما حواه العسكر وما لم يحوه العسكر غنيمة، فالخمس في الجميع (4) ، و يكون الخمس

لأهله الّذين قدّمنا ذكرهم في كتاب قسمة زكاة (5) الصدقات .

ص: 183


1- . في المصدر : تقبيلها .
2- . المبسوط : 1 / 235 .
3- . جاء في حاشية المخطوطة : هكذا وجدت العبارة في نسختين من المبسوط .
4- . في المصدر : فيخمس الجميع .
5- . « الزكاة » ليس في المصدر .

ثمّ ينظر في الباقي، كما حواه (1) العسكر (2) و ما لم يحوه العسكر ممّا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو للغانمين خاصّة، يقسم فيهم على ما نبيّنه .

فأمّا الأرضون المحياة فهي للمسلمين قاطبة، و للإمام النظر فيها بالتقبيل والضمان على ما يراه (3) وارتفاعها يعود على المسلمين بأجمعهم وتصرف (4) إلى مصالحهم، الغانمين و غير الغانمين فيه سواء ؛

فأمّا الموات، فإنّها لاتغنم، و هي للإمام خاصّة (5) .

و مع ذلک قال قبل ذلک في كتاب الجهاد أيضًا ما هذا لفظه :

والجهاد مع أئمّة الجور، أو من غير إمام أصلاً خطأٌ قبيحٌ، يستحقّ فاعله به الذمّ والعقاب إن أصيب لم يؤجر، و إن أصاب كان مأثومًا، و متى جاهد (6) مع عدم الإمام و عدم مَن نصبه، فظفروا و غنموا، كانت الغنيمة

ص: 184


1- . في المصدر : فكلّ ما حواه .
2- . جاء في حاشية المخطوطة : قوله : « كما حواه العسكر » إلى آخره، هكذا كانت العبارة فيالنسخة، و هي مغلوطة ؛ و لعلّ أصل العبارة هكذا : ممّا حواه العسكر و ما لم يحوه العسكر ممّايمكن نقله، إلى آخره ؛ منه - دام فضله العالي .
3- . في المصدر : على ما نراه .
4- . في المصدر : و ينصرف .
5- . المبسوط : 2 / 28 .
6- . في المصدر : جاهدوا .

كلّها للإمام خاصّة، و لا يستحقّون (1) منها شيئًا أصلاً (2) .

مضافًا إلى ما حكينا عنه فيما سلف من قوله : « إذا قاتل قومٌ أهل حرب بغير أمر الإمام فغنموا، كانت الغنيمة خاصّة للإمام دون غيره » (3) .

و مقتضى هذين الكلامين منه أنّ ما يؤخذ من غير إذن الإمام يكون من الأموال المختصّة به علیه السلام، ولو كان ممّا لاينقل، لا سيّما الأوّل، فإنّه كالصريح في ذلک .

و مقتضى العبارتين اللّتين ذكرناهما أوّلاً أنّ كلّ موضع يحكم بكون الأرض المغنومة للمسلمين، يكون الغنائم المنقولة للغانمين ؛ والمفروض أنّ الأرض المعمورة المغنومة من غير إذن الإمام لقاطبة المسلمين عنده، فيكون الأموال المغنومة في تلک الصورة للغانمين، فيحصل المنافاة بين الكلامين .

والحكم بالإطلاق في غير المنقول والتخصيص في المنقول - بأن يقال : إنّ غير المنقول للمسلمين و لو كان مأخوذًا مع عدم الإذن، لكنّ المنقول إنّما يكون للغانمين في صورة الإذن، فيكون المقالة الناطقة بكون المأخوذ مع عدم إذن الإمام مختصًّا به علیه السلام مختصّة بالمنقول - ممّا يأباه السياق في كلٍّ من المقامين، كما لايخفى على مَن أجاد النظر في البين .

ص: 185


1- . في المصدر زيادة : هم .
2- . المبسوط : 2 / 8 .
3- . ينظر المبسوط : 1 / 263 ؛ والنهاية : 200 .

ولا يمكن أن يقال : إنّ المقالة الناطقة بكون المأخوذ لغير المنقول للمسلمين ولو مع عدم الإذن والمنقول للغانمين، دليلٌ على العدول عمّا ذكر في الأوّل من كون المأخوذ بغير إذن الإمام مختصًّا به علیه السلام، لما عرفت من كون ذلک مطبقًا عليه عندهم، لا سيّما بعد ما عرفت من دعوى الإجماع من الخلاف، قال :

إذا دخل قومٌ دار الحرب، أو قاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا، كان ذلک للإمام خاصّة ؛ و خالف جميع الفقهاء في ذلک . دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم، انتهى (1) .

و هو صريحٌ في تحقّق أخبار في ذلک، لكن لم نظفر إلّا بالرواية المتقدّمة .

إذا علمت ذلک نقول : إنّ كلام شيخ الطائفة في غاية الاضطراب ؛ و يمكن أن يقال : إنّ قوله : « والّذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد الّتي فتحت عنوةً » إلى آخره، مع قطع النظر عمّا ذكر بعده حيث قال : « و على الرواية الّتي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام » إلى آخره .

والحاصل : انّ قوله : « والّذي يقتضيه المذهب » إلى آخره، وإن كان دالّاً على أنّ ما يدلّ عليه هو مختاره، لكن نقول بعد ملاحظة ما يظهر من كلماته المختلفة ممّا فصّلناه : بكون الأولى أن يقال : إنّ ذلک إنّما هو مع قطع النظر عمّا ذكره بقوله : «وعلى الرواية الّتي رواها أصحابنا » إلى آخره، فعلى هذا يكون مختاره مدلول الرواية المذكورة، فيرتفع المنافاة بين كلماته المذكورة .

ص: 186


1- . الخلاف : 4 / 190 .

ثمّ لا يخفى أنّ نظير هذا الإشكال يتوجّه على كلام العلّامة أيضًا، لأنّه قال في مباحث إحياء الموات من التذكرة :

ما فتحه المسلمون عنوةً بالسيف و القهر و الغلبة، كأرض العراق والشام، و هذه إن كانت محياة قبل الفتح، فهي للمسلمين قاطبة، الغانمون وغيرهم، عند علمائنا (1) .

و قال أيضًا في مباحث الرهن :

و أرض العراق - و هو سواد الكوفة، و هو (2) من تخوم الموصل إلى عَبّادان طولاً، و من القادسيّة إلى حُلوان عرضًا، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً - فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة (3) .

و قد عرفت أنّه قال في ذلک الكتاب عند تعداد الأنفال ما هذا لفظه :

و منه : كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام، فإنّها له خاصّة، لقول الصادق علیه السلام: إذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس (4) .

ص: 187


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 183 .
2- . في المصدر : فهو .
3- . تذكرة الفقهاء : 13 / 131 .
4- . التهذيب : 4 / 135 ح 378 .

و قال الشافعي : حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنّه مكروه (1) ؛

لعموم الآية (2) .

و لا دلالة فيها، لأنّها تدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة، لا على المالک .

و قال أبو حنيفة : إنّها للغانمين و لا خمس، لأنّه اكتساب مباح من غير جهاد، فأشبه الاحتطاب (3) .

و نمنع المساواة، لأنّه منهيّ عنه إلّا بإذنه علیه السلام.

و عن أحمد روايتان كالقولين، و ثالثة كقولنا (4) ، انتهى (5) .

لكن ليس الأمر في كلامه مثل كلام الشيخ، لعدم ما يدلّ في كلامه على أنّ فتح العراق كان مع عدم إذن الإمام علیه السلام، فيمكن أن يكون معتقدًا لكون فتحها بإذنه علیه السلام وإن كان خلاف الظاهر .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يقال : إنّ لكلاميه المذكورين احتمالين :

أحدهما : أن يكون المراد أنّ أرض الشام والعراق لقاطبة المسلمين عند

ص: 188


1- . ينظر المغني : 10 / 522 ؛ والشرح الكبير : 10 / 522 .
2- . إشارة إلى قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ ) الآية ؛ الأنفال : 41 .
3- . ينظر بدائع الصنائع : 7 / 115 ؛ والمغني : 10 / 522 ؛ والشرح الكبير : 10 / 522 .
4- . ينظر المغني : 10 / 522 و 523 ؛ والشرح الكبير : 10 / 522 و 523 .
5- . تذكرة الفقهاء : 5 / 441 .

علمائنا، لكونها ممّا فتحت عنوةً .

والثاني : أن يكون المقصود من ذكر العراق محض التمثيل، لكونها ممّا فتحت عنوةً، لا أنّها من المفتوحة عنوة الّتي يكون لقاطبة المسلمين، و هي الّتي يكون أخذها بإذن الإمام .

والحاصل : انّ دعوى الاتّفاق في كلامه كما يحتمل أن يكون للمفتوحة عنوةً مع ملاحظة المثال، يحتمل أن يكون لذلک، لا معها ؛ و الأوّل و إن كان ظاهرًا من العبارة، لكن يؤيّد الثاني أمران :

أحدهما هو : أنّک قد عرفت أنّ مقتضى كلام الأصحاب أنّ المأخوذ عنوةً مع عدم إذن الإمام إنّما هو له علیه السلام فقط ؛ والظاهر أنّ فتح العراق مثلاً كذلک، و قد عرفت أنّه صريح كلام المبسوط .

والثاني : انّ الظاهر منه في كتاب الجهاد من التذكرة و المنتهى و التحرير التردّد في ذلک، لنقله عن الشيخ من غير أن يظهر منه الإذعان بذلک إن لم يظهر منه خلافه .

قال في المنتهى - بعد الحكم بكون سواد العراق ممّا فتح عنوةً و تحديدها - ما هذا لفظه :

قال الشيخ ؛ : و الّذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد الّتي فتحت عنوةً، يخرج خمسها لأرباب الخمس، والأربعة الأخماس الباقية يكون للمسلمين قاطبة، الغانمين و غيرهم سواء .

ص: 189

إلى أن قال :

ثمّ قال ؛ : و على الرواية الّتي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت، تكون الغنيمة للإمام خاصّة، تكون هذه الأرضون و غيرها ممّا فتحت بعد الرسول، إلّا ما فتح في أيّام أميرالمؤمنين علیه السلام إن صحّ شيء من ذلک يكون للإمام خاصّة، و يكون من جملة الأنفال الّتي له خاصّة لا يشركه فيها غيره (1) .

و بمثله فعل في التذكرة و التحرير (2) .

و الظاهر منه في هذا الموضع من الكتب الثلاثة التأمّل في كون العراق من المفتوحة عنوةً الّتي يكون لقاطبة المسلمين، فليجعل ذلک مؤيّدًا للحمل الّذي ذكرناه في الكلام المذكور .

و يؤيّده أيضًا ما أفاده المولى المحقّق الأردبيليّ - نوّر الله تعالى روحه - حيث قال :

اشترط - في المشهور عند أصحابنا، بل كاد أن يكون إجماعًا في المفتوحة عنوةً - كون الفتح بإذن الإمام علیه السلام حتّى يكون غنيمة، واشترک فيما المسلمون كلّهم، و لا يكون للإمام خاصّة ؛ والعلم (3) بذلک في شيءٍ

ص: 190


1- . منتهى المطلب ( ط . ق ) : 2 / 938 .
2- . تذكرة الفقهاء : 9 / 189 ؛ تحرير الأحكام : 2 / 173 .
3- . في المصدر : فالعلم .

من الأراضي غير معلوم (1) .

إلى آخر ما قدّمنا نقله عنه .

[ الجواب عن النصوص الدالّة على عدم جواز بيع المفتوحة عنوةً ]

بقي الكلام في الجواب عن النصوص الّتي تمسّكنا بها في عدم جواز بيع المفتوحة عنوةً، فإنّ الظاهر منها أنّ سواد العراق من المفتوحة عنوةً الّتي اشترک فيها جميع المسلمين، مع أنّ المعلوم أنّ فتحها في زمن عمر، و أنّ الظاهر أنّه ليس بإذن الإمام، فنقول :

منها : صحيحة الحلبيّ السالفة، قال : سئل أبو عبدالله علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد، الحديث (2) .

و منها : الصحيح المتقدّم عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشاميّ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : لا تشتر من أرض السواد شيئًا إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هي فيء للمسلمين (3) .

ص: 191


1- . مجمع الفائدة والبرهان : 7 / 472 .
2- . التهذيب : 7 / 147 ح 1 .
3- . التهذيب : علیه السلام / 14علیه السلام ح 2 .

فنقول : يمكن الجواب عنه بأنّ غاية ما يستفاد منها أنّه علیه السلام حكم بكون أرض السواد للمسلمين، و هو كما يمكن لأجل كونها مفتوحة عنوةً، يمكن أن يكون لأجل التقيّة، بناءً على ما حكم به جماعة من العامّة من أنّ عُمَر قسم تلک الأرضين على الغانمين أوّلاً، ثمّ اشتراها منهم و جعلها وقفًا على المسلمين .

قال في التذكرة :

و قال بعض الشافعيّة أنّ سواد العراق فتح صلحًا ؛ و هو محكيّ عن أبي حنيفة . و قال بعضهم : اشتبه الأمر عليّ، فلا أدري أفتح عنوةً أو صلحًا ؟

ثمّ اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم : إنّ عُمَر جعل أربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل الخمس عوضًا عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة، فصارت الأرض لأهل الخمس والمنقولات للغانمين .

و قال بعضهم : قسمها بين الغانمين ولم يخصّها بأهل الخمس، ثمّ استطاب قلوبهم عنها و استردّها، فقال الأكثرون : إنّه بعد ردّها وقفها (1)

و أخذها من أهلها والخراج المضروب عليها أجرة منجمة تؤدّى في كلّ سنة ؛ و هو نصّ الشافعيّ في كتاب الرهن . قال سفيان الثوري : جعل عُمَر السواد وقفًا على المسلمين ما تناسلوا، انتهى (2) .

مضافًا إلى ما عرفت سابقًا من أنّ مالک يقول : إنّ غير المنقول ممّا أخذ عنوةً

ص: 192


1- . في المصدر : وقفها على المسلمين .
2- . تذكرة الفقهاء : 9 / 192 .

يصير وقفًا على المسلمين بنفس الاستغنام من غير افتقار إلى إيقاف الإمام (1) .

و أيضًا يمكن أن يقال : له وجهٌ آخر، و هو : أنّه روى شيخ الطائفة (2) في

الخلاف مرسلاً حيث قال : روي أنّ عُمَر استشار عليًّا علیه السلام في أرض السواد، فقال له عليّ علیه السلام : دعها عدّة للمسلمين (3) .

فنقول : إنّها على تقدير كونها مأخوذة بغير إذنه علیه السلام، يكون من الأنفال المختصّة به علیه السلام، و قد دلّت الرواية المذكورة على أنّه علیه السلام فوّضها إلى عُمَر بأن يجعلها عدّة للمسلمين، فنقول : يمكن أن يكون الوجه فيما ذكره مولانا الصادق علیه السلام من كون أرض السواد للمسلمين ذلک، فلا إشكال .

و الحاصل : انّ الرواية المتقدّمة مع انجبارها بعمل الأصحاب دلّت على أنّ ما يؤخذ من دار الحرب من غير إذن الإمام علیه السلام يكون من الأموال المختصّة به علیه السلام، وقد ادّعى شيخ الطائفة عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و لم نجد ما يعارضها إلّا ما اشتمل على أنّ أرض السواد للمسلمين، و هو غير صالح للمعارضة، لأنّ حكمه علیه السلام بكون أرض السواد للمسلمين كما يحتمل أن يكون من جهة كونها

ص: 193


1- . حكاه عنه في الخلاف : 4 / 197 ؛ و ينظر بداية المجتهد : 1 / 387 ؛ والمدونة الكبرى :2/ 26 ؛ والشرح الكبير : 2 / 579 .
2- . في الجواهر : و عن الصدوق : أنّه روي مرسلاً ( جواهر الكلام : 21 / 161 ).
3- . الخلاف : 4 / 196 . والموجود في كتاب الخراج للقرشي : ص 42، و كتاب الخراج لأبييوسف : ص 36، و كتاب الأموال لأبي عبيد : ص 59 : « انّ عمر استشار أصحاب النبىّ 9في الفلاحين من أرض السواد، فقال عليّ علیه السلام : دعهم يكونوا مادةً للمسلمين ».

مفتوحة عنوةً، يحتمل أن يكون لما ذكرناه، فلا منافاة .

ثمّ على تقدير تسليم انتفاء ما ذكرناه من الاحتمال نقول : بعدم المنافاة أيضًا، لاحتمال أن يكون العراق بخصوصها ممّا فتح بإذنه علیه السلام، فتأمّل .

و على أيّ حال، لا وجه للعدول عن مقتضى الرواية السابقة المنجبرة بعمل عظماء الطائفة .

و أمّا ما رواه في باب : « أحكام الأرضين » من التهذيب عن محمّد بن شريح، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه، و قال : إنّما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها ؟ فقال : لا بأس (1) ؛ فإنّه غيرُ منافٍ لما ذكرناه، كما لا يخفى .

و هكذا الحال في صحيحة صفوان الّتي رواها عن أبي بردة بن رجا، وقد تقدّمت (2) .

و كذا الموثّق المرويّ في الباب المذكور من التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عمّا اختلف فيه ابن أبي ليلى وابن شبرمة في السواد و أرضه، فقلت : إنّ

ابن أبي ليلى قال : إنّهم

إن أسلموا، فهم أحرار، و ما في أيديهم من أرضهم لهم ؛ و أمّا ابن شبرمة فزعم أنّهم عبيد، و أنّ أرضهم الّتي بأيديهم ليست لهم، فقال في الأرض ما قال ابن شبرمة، و قال في الرجال ما قال

ص: 194


1- . التهذيب : 7 / 148 ح 3 ؛ تتمّة الحديث هكذا : « لا بأس إلّا أن يستحى من عيب ذلک ».
2- . التهذيب : 4 / 146 ح 406 ؛ و 7 / 155 ح 686 .

ابن أبي ليلى أنّهم إذا أسلموا فهم أحرار (1) .

لوضوح أنّ غاية ما يفهم منه أنّ الأرض الّتي كانت لهم فيما قبل لم تكن لهم بعد الإسلام ؛ و هو مسلّم، لما عرفت من أنّ الأموال المأخوذة مع عدم إذن الإمام إنّما هي له علیه السلام، و لا دلالة فيه على أنّ تلک الأرض للمسلمين، مضافًا إلى أنّک قد عرفت أنّه على فرض دلالته على أنّ تلک الأرض للمسلمين، لم يكن منافيًا لما ذكرناه .

إن قلت : إنّ الأمر في النصوص المذكورة وإن كان كما ذكر، لكن صحيحة محمّد بن مسلم السالفة منافية لذلک ؛ و هي الّتي رواها شيخنا الصدوق و شيخ الطائفة في الفقيه والتهذيب (2) عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

سألته عن سيرة الإمام في الأرض الّتي فتحت بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فقال : إنّ أميرالمؤمنين علیه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمامٌ لسائر الأرضين - على ما في الفقيه، أو : فهم إمامٌ لسائر الأرضين، على ما في التهذيب - بناءً على أنّ سيره علیه السلام في أهل العراق إنّما هو أخذ الخراج، فهو ثابتٌ في جميع الأراضي الّتي فتحت بعد رسول الله 9، فلا يكون إذن الإمام علیه السلام شرطًا .

قلنا : غاية ما يستفاد منه أنّ فعل أمير المؤمنين علیه السلام في أهل العراق عنوانٌ لسائر

ص: 195


1- . التهذيب : 7 / 155 ح 33 ؛ و في المصدر تتمّة لهذا الحديث، و هي : « و مع هذا كلاملم أحفظه ».
2- . الفقيه : 2 / 53 ح 1677 ؛ التهذيب : 4 / 118 ح 1 .

الأرضين، فمِن أين يثبت أنّ ذلک إنّما هو أخذ الخراج الّذي هو في مفتوح العنوة ؟! فلِمَ لا يجوز أن يكون ذلک من باب أخذ وجه الإجارة الّذي في الأموال المختصّة به علیه السلام؟!

والحاصل : انّ ما اشتمل عليه الحديث كما يحتمل أن يكون ذاک، يحتمل أن يكون هذا، فبأحد الاحتمالين معارضٌ دون الآخر، فيؤل الحال إلى احتمال وجود المعارض ؛ و معلوم أنّ مع الاحتمال لا يمكن رفع اليد عن مقتضى الدليل .

بقي في المقام شيء آخر، و هو : أنّه قد عدّ العراق في جملة من عبارات أجلّة الأصحاب من المفتوحة عنوةً الّتي اشترک فيها قاطبة المسلمين، مع ما عرفت من أنّ الظاهر أنّها فتحت مع عدم إذن الإمام علیه السلام.

قال في السرائر - بعد الحكم بعدم جواز بيع المفتوحة عنوةً و غيره من سائر التصرّفات - ما هذا لفظه :

فإن قيل : نراكم تبيعون، و تشترون، و تقفون أرض العراق، و قد أخذت عنوة، قلنا: إنّما نبيع، و نقف تصرّفنا فيها، و تحجيرنا، و بناءنا، فأمّا نفس الأرض لا يجوز ذلک فيها (1) .

و في الخلاف و التذكرة ما تقدّم نقله عنهما .

و في الروضة - في مباحث إحياء الموات، بعد عبارة اللمعة : « و لا إحياء

ص: 196


1- . السرائر : 1 / 478 .

المفتوحة عنوة » - ما هذا لفظه :

بفتح العين، أي : قهرًا و غلبةً على أهلها، كأرض الشام و العراق و غالب بلاد الإسلام (1) .

و يمكن الجواب عنه من وجهين :

أحدهما : انّ كلماتهم هذا مبنيّةٌ على اعتقادهم بأنّ العراق ممّا فتح عنوةً، إمّا لملاحظة صحيحة محمّد بن مسلم السالفة و غيرها، بناءً على أنّ الحكم بكون أرض لقاطبة المسلمين يستلزم أن يكون فتحها بأمر الإمام ؛ أو لغير ذلک .

و لا ينافيه ما قدّمناه من أنّ كلام شيخ الطائفة في المبسوط صريحٌ في أنّ العراق مأخوذة من غير إذن الإمام، لأنّ تصنيف المبسوط بعد الخلاف على ما يظهر من أوّل المبسوط، فيمكن أن يطّلع هناک على ما لم يكن معتقدًا قبله، مضافًا إلى ما عرفت التوجيه في كلام العلّامة .

تنبيه

إعلم : أنّه يمكن الجواب عمّا أورده ابن إدريس على نفسه من وجه آخر ؛ بيانه هو: أنّ المصرّح به في جملة من عبارات الأصحاب أنّ البلاد المعروفة المعهودة الآن في العراق - كالكوفة و بغداد والحلّة والبصرة - كلّها إسلاميّ، أي : بنيت في

ص: 197


1- . الروضة البهيّة : 7 / 136 .

الإسلام ؛ و هو المصرّح به في كلامه أيضًا حيث قال :

فأمّا البلاد الّتي أنشأها المسلمون، مثل : البصرة والكوفة ؛ إلى آخر ما ذكره (1) .

و أمّا البلاد الّتي كانت معمورة وقت الفتح، فهي الآن مخروبة، كما فصّلناه فيما سلف، فعلى هذا نقول : يمكن الجواب عن الإيراد بأنّ التصرّف فيه بالبيع و غيره إنّما هو في البلاد المعمورة الآن، و قد عرفت أنّها بلاد إسلاميّ، فادّعاء اشتراكها مع المفتوحة عنوةً في الحكم لا يمكن، إلّا أن يقال : إنّها كانت من الأراضي المعمورة حين الفتح، لكنّه غير معلوم، و على من يدّعيه الإثبات .

ص: 198


1- . ينظر السرائر : 1 / 475 .

–في وضع الخراج و المؤنة في مقام الزكاة

فهنا مقامان :

المقام الأوّل : في استثناء الخراج و أنّ الزكاة إنّما يجب بعد إخراجه

اشارة

أحدهما : في استثناء الخراج، و أنّ الزكاة إنّما يجب بعد إخراجه .

تنقيح المقام يستدعي بسط الكلام في مطالب :
اشارة

ص: 199

ص: 200

المطلب الأوّل : في أنّ أرض الخراج عبارةٌ عن أيّ شيء ؟
اشارة

الأوّل : إنّ أرض الخراج عندهم عبارةٌ عن ماذا ؟

فنقول : إنّ كلماتهم مختلفة في إفادة هذا المرام ؛ و حاصل الاختلاف يرجع إلى أوجه :

الوجه الأوّل

الأوّل : ما يظهر من ابن إدريس، قال في السرائر :

والضرب الثالث : كلّ أرض صالح أهلها عليها، و هي الأرض الخراجيّة (1) ، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النصف، أو الثلث، أو

الربع، و غير ذلک، و ليس عليهم غيره، فإذا أسلم أربابها كان حكم

ص: 201


1- . في المصدر : أرض الجزية .

أرضيهم حكم أرض مَن أسلم عليها طوعًا ابتداءً من قبل نفوسهم، ويسقط عنهم الصلح، لأنّه جزية، بدلاً من جزية رؤسهم، و قد سقطت عنهم بالإسلام .

و هذا الضرب من الأرضين يصحّ التصرّف فيه بالبيع والشراء والهبة، وغير ذلک من أنواع التصرّف، و كان للإمام أن يزيد و ينقص ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها(1) .

انتهى كلامه - رفع مقامه .

حاصله : إنّ أرض الخراج اسمٌ للأرض الّتي يكون للكفّار، و صالحوا الإمام بحصّةٍ من حاصلها على أن يكون الأرض لهم .

الوجه الثاني

والثاني : ما يظهر من العلّامة في مباحث الرهن من التذكرة، قال :

لا يصحّ رهن أرض الخراج، و هي الأرض الّتي صالح الإمام أهل بلد على أن يكون ملكًا للمسلمين، و ضرب عليهم الخراج (2) .[

ص: 202


1- . السرائر : 1 / 478 .
2- . تذكرة الفقهاء : 13 / 130 .
الوجه الثالث
اشارة

والثالث : انّ أرض الخراج اسمٌ للّتي فتحت عنوةً، والّتي صالح الإمام أهلها على أن يكون الأرض للمسلمين، قال في المسالک في مباحث الرهن :

أرض الخراج هي المفتوحة عنوةً، والّتي صالح الإمام أهلها على أن يكون ملكًا للمسلمين، و ضرب عليهم الخراج (1) .

و في الروضة :

( يصحّ رهن الأرض الخراجيّة ) كالمفتوحة عنوةً، والّتي صالح الإمام علیه السلام أهلها على أن تكون ملكًا للمسلمين، و ضرب عليهم الخراج كما يصحّ بيعها ( تبعًا للأبنية والشجر ) لا منفردة (2) .

مختار المؤلّف

و هذا التفسير هو المختار، لأنّه الظاهر من صحيحة صفوان بن يحيى السالفة، قال : حدّثني أبو بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال : و من يبيع ذلک و هي أرض المسلمين (3) .

ص: 203


1- . مسالک الأفهام : 4 / 23 .
2- . الروضة البهيّة : 4 / 69 .
3- . التهذيب : 4 / 146 ح 406 ؛ و 7 / 155 ح 686 .

و كذا رواية محمّد بن شريح قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه، قال : و إنّما أرض الخراج للمسلمين (1) .

و دلالته على بطلان التفسير الأوّل ممّا لا يخفى، لأنّه علیه السلام حصر أرض الخراج فيما كانت للمسلمين ؛ والقسم الأوّل ليس كذلک، لأنّ الأرض فيه لأهلها الكفّار ؛ وهذا القسم من الأرض مسمّاة عندهم بأرض الجزية .

و أمّا الدلالة على بطلان التفسير الثاني، فلأنّ قوله علیه السلام : « و هي أرض المسلمين » في مقام التحديد، فلو كانت أرض الخراج مختصّة بما ذكر فيه، يلزم انتقاض طرده بالمفتوحة عنوةً .

إذا علمت ذلک نقول : إنّ الخراج اسمٌ لما تؤخذ عوضًا عن حقّ هذين القسمين من الأرضين على التفصيل الّذي ستقف عليه ؛ و موضوعيّته في الزكاة في الجملة محلّ وفاق بين الأصحاب، بمعنى أنّه يخرج أوّلاً من الحاصل، ثمّ يزكّي الباقي .

ص: 204


1- . التهذيب : علیه السلام / 148 ح 3 .
في أنّ ذلک هل يكون مختصًّا بما يأخذه الإمام و نائبه أو لا بل يثبت و لو فيما إذا كان الآخذ من سلاطين الجور
هنا مقامات :
اشارة

ص: 205

ص: 206

المقام الأوّل : أن يكون آخذ الخراج إمامًا

الأوّل : أن يكون آخذ الخراج إمامًا، واستثناء الحصّة المأخوذة من الزرع حينئذٍ محلّ وفاق بين الأصحاب .

قال في المبسوط :

والضرب الآخر من الأرضين هو ما أخذ عنوةً بالسيف، فإنّها تكون للمسلمين قاطبة : المقاتلة و غير المقاتلة، و على الإمام تقبيلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، و على المتقبّل إخراج مال القبالة و حقّ الرقبة، و فيما يفضل في يده إذا كان نصابًا العشر أو نصف العشر(1) .

و فيه أيضًا :

إذا أخذ من أرض الخراج الخراج، و بقي بعد ذلک مقدار ما يجب فيه

ص: 207


1- . المبسوط : 1 / 235 .

الزكاة، وجب فيه العشر، أو نصف العشر فيما يبقى، لا في جميعه (1) .

و في الخلاف :

كلّ أرض فتحت عنوةً .

- إلى أن قال : - و على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة العشر، أو نصف العشر ممّا يفضل في يده و بلغ خمسة أوسق .

- ثمّ أخذ في بيان مذاهب العامّة، ثمّ قال : - دليلنا إجماع الطائفة (2) .

و في النهاية :

و كان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرقبة، و فيما يبقى في يده، و خاصّة العشر، أو نصف العشر (3) .

و في السرائر :

و ما يبقى للمتقبّل يخرج منه الزكاة إذا بلغ النصاب بحسب سقيه (4) .

و في التذكرة :

ص: 208


1- . المبسوط : 1 / 218 .
2- . الخلاف : 2 / 68 .
3- . النهاية : 195 .
4- . السرائر : 1 / 477 .

و فيما يفضل في يده إذا بلغ نصابًا العشر، أو نصف العشر (1) .

و مثله التحرير (2) .

و غير ذلک من العبارات الّتي تقدّم ذكر جملة منها في بعض المباحث السالفة .

والمستند في ذلک - مضافًا إلى الاتّفاق - الصحيح المتقدّم ؛ و فيه على ما في الكافي : « و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم »(3) ؛ و على ما في التهذيب : « و عليهم (4) في حصصهم العشر و نصف العشر»(5) .

والظاهر أنّ حكم المأخوذ من نائب الإمام - و لو عمومًا - حكم المأخوذ من الإمام .

ص: 209


1- . تذكرة الفقهاء : 9 / 186 .
2- . تحرير الأحكام : 2 / 170 .
3- . الكافي : 3 / 513 ح 2 .
4- . في المصدر : و على المتقبّلين .
5- . التهذيب : 4 / 38 ح 8 .

ص: 210

المقام الثاني : أن يكون آخذ الخراج من سلاطين الجور في المفتوحة عنوةً

والثاني : أن يكون الآخذ من سلاطين الجور .

المقام الثالث : أن يكون آخذ الخراج من سلاطين الجور في غير المفتوحة عنوةً و ما يشاركها
اشارة

والثالث : مثله، لكن في غير المفتوحة عنوةً و ما يشاركها، إمّا بأن يكون الأرض للسلطان و يقرّها في يد الرعيّة، أو يكون الأرض للرعيّة و يأخذ السلطان من حاصلها .

ص: 211

إيراد عبارات الأصحاب في هذا المرام

تحقيق الحال في هذا المقام يستدعي إيراد ما وصل إلينا من عبارات الأصحاب في هذا المرام أوّلاً، ثمّ الإشارة إلى ما هو التحقيق في هذه المطالب بمعونة الله ربّ المشارق والمغارب، فنقول :

قال في الفقيه :

و ليس على الحنطة و الشعير شيء حتّى يبلغ خمسة أوساق .

إلى أن قال :

فإذا بلغ ذلک و حصل بعد خراج السلطان و مؤنة القرية، أخرج منه العشر، إلى آخر ما ذكره (1) .

و في المقنعة :

و كذلک لا زكاة على غلّة حتّى تبلغ حدّ ما يجب فيه الزكاة بعد الخرص والجداد والحصاد و خروج مؤنتها و خراج السلطان (2) .

قال في السرائر :

الجَداد بفتح الجيم و بالدالين غير المعجمتين، و بعض المتفقّهة يقول

ص: 212


1- . الفقيه : 2 / 35 .
2- . المقنعة : 239 .

بالذالين المعجمتين ؛ والأوّل قول أهل اللغة، و إليهم المرجع في ذلک، انتهى (1) .

و في مجمع البحرين :

الجداد - بالفتح والكسر - : صرام النخل، و هو : قطع ثمرتها، انتهى (2) .

و في المبسوط :

فالنصاب ما بلغ خمسة أوساق بعد إخراج حقّ السلطان و المؤن كلّها (3) .

و في النهاية :

و ليس في شيء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و إخراج المؤن عنها (4) .

و في المراسم :

أحدهما : ما سقي بماء السماء والسيح، و فيه العشر بعد إخراج المؤن (5) .

ص: 213


1- . السرائر : 1 / 453 .
2- . مجمع البحرين : 1 / 349 .
3- . المبسوط : 1 / 214 .
4- . النهاية : 178 .
5- . المراسم العلويّة : 132 .

و في السرائر :

و أمّا فرض زكاة الحرث، فمختصّ بالحنطة و الشعير و التمر والزبيب، دون سائر ما تخرجه الأرض من الثمار والحبوب والخضر، إذا بلغ كلّ صنف منها بانفراده خمسة أوسق، والوسق ستّون صاعًا، والصاع تسعة أرطال بالبغداديّ .

إلى أن قال :

بعد المؤن الّتي تنمى الغلّة بها و تزيد، و لها فيها صلاح، إمّا من حفاظ، أو زيادة ريع فيها، و بعد حقّ المزارع و خراج السلطان - إن كانت الأرض خراجيّة - أن يخرج منه إن كان سقي حرثه سيحًا، أو بعلاً (1) ، أو عذيًا (2) ، العشر، إلى آخره (3) .

و في المعتبر :

خراج الأرض يخرج وسطًا، و تؤدّي زكاة ما بقي إذا بلغ نصابًا لمسلم، وعليه فقهائنا و أكثر علماء الإسلام . و قال أبو حنيفة : لا عشر في الأرض الخراجيّة، لقوله علیه السلام : « لايجتمع عشر و خراج في أرض

ص: 214


1- . البعل من الزرع : ما يشرب بعروقه من الأرض، فاستغنى عن أن يسقى ( المغرب : 42 ).
2- . العذى - بالكسر - مثال حمل، من النبات والنخل والزرع : ما لا يشرب إلّا من السماء(المصباح المنير : 546 ).
3- . السرائر : 1 / 434 .

واحدة » (1) .

إلى أن قال :

و لا حجّة لأبي حنيفة في الخبر، لأنّ الخراج والعشر لا يجتمعان إذا كان الخراج جزية و عقوبة، و نحن نتكلّم إذا كان الزرع لمسلم، و قوله : «لايجتمعان » في المال الواحد كزكاة السائمة و التجارة، قياسٌ ضعيف، لأنّ التجارة و زكاة السوم زكاتان، و لا يزكّى المال من وجهين ؛ وليس كذلک الخراج و الزكاة، لأنّ الخراج يلزم الأرض و الزكاة في الزرع والمستحقّان متغايران .

ثمّ قال :

زكاة الزرع بعد المؤنة كأجرة السقي والعمارة و الحافظ و المساعد في حصاد و جداد (2) ، و به قال الشيخان في النهاية والمقنعة، وابن بابويه،

وأكثر الأصحاب، و هو مذهب عطا . و قال في المبسوط و الخلاف : هي على ربّ المال دون الفقراء، و به قال الشافعي و مالک و أبوحنيفة وأحمد (3) .

ص: 215


1- . ينظر سنن البيهقي : 4 / 32 .
2- . في المصدر : جذاذ .
3- . المعتبر : 2 / 540 و 541 .

و في الشرائع :

و لا تجب الزكاة إلّا بعد إخراج حصّة السلطان، و المؤن كلّها، على الأظهر (1) .

و في كتاب التجارة منه :

ما يأخذه السلطان الجائر من الغلّات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة، يجوز ابتياعه، وقبول هبته، و لا تجب إعادته على أربابه، و إن عرف بعينه (2) .

و في النافع :

والزكاة بعد المؤنة (3) .

و في كتاب التجارة منه :

يجوز أن يشتري من السلطان الجائر (4) ما يأخذه باسم المقاسمة واسم

الزكاة من ثمرة و حبوب و نعم، و إن لم يكن مستحقًّا له (5) .

و في القواعد :

ص: 216


1- . شرائع الإسلام : 1 / 116 .
2- . شرائع الإسلام : 2 / 266 .
3- . المختصر النافع : 57 .
4- . « الجائر » لم يرد في المصدر .
5- . المختصر النافع : 118 .

إنّما تجب الزكاة بعد المؤن أجمع، كالبذر و ثمن الثمرة و غيره، لا ثمن أصل النخل، و بعد حصّة السلطان (1) .

و فيه أيضًا في كتاب المتاجر :

و الّذي يأخذه الجائر من الغلّات باسم المقاسمة، و من الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة، يجوز شراؤه واتهابه، و لا تجب إعادته على أصحابه و إن عرفوا (2) .

و في التحرير :

الزكاة في الغلّات تجب بعد المؤنة، كأجرة السقي والعمارة والحصاد والجداد والحافظ و البذر والخراج، و بعد حصّة السلطان، فإذا أخرجت هذه الأشياء و كان الباقي نصابًا، وجبت الزكاة، و إلّا فلا ؛ و للشيخ ؛ هنا قولٌ ضعيف (3) .

و في التذكرة :

الزكاة في الغلّات و الثمار إنّما تجب بعد المؤنة، كأجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد و مصيفي (4) الغلّة و قاطع الثمرة، و غير ذلک من

ص: 217


1- . قواعد الأحكام : 1 / 341 .
2- . قواعد الأحكام : 2 / 12 .
3- . تحرير الأحكام : 1 / 378 .
4- . في المصدر : و مصفي .

المؤن (1) .

و فيه أيضًا :

الأقرب أنّ المؤنة لا تؤثّر في نقصان النصاب و إن أثّرت في نقصان الفرض، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤنة، و إذا أسقطت المؤنة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة، لكن لا في المؤنة، بل في الباقي (2) .

و فيه أيضًا :

الأقوى أنّ البذر من المؤنة، فلا تجب فيه الزكاة (3) .

و فيه أيضًا :

ثمن الثمرة من المؤنة، أمّا ثمن أصل النخل، أو الدولاب، أو الدوابّ (4) ،

فلا(5) .

و فيه أيضًا :

إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان (6) .

ص: 218


1- . تذكرة الفقهاء : 5 / 153 .
2- . تذكرة الفقهاء : 5 / 154 .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 154 .
4- . في المصدر : الدوات .
5- . تذكرة الفقهاء : 5 / 154 .
6- . تذكرة الفقهاء : 5 / 154 .

و فيه أيضًا :

تجب الزكاة في زرع أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها بإجماع العلماء، أمّا ما فتح عنوةً، فإنّها للمسلمين، و يقبلها الإمام ممّن شاء، فإذا زرعها و أدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب، ولايسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع (1) .

و فيه أيضًا :

لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصّة (2) ، فالأقرب (3)

وجوب الزكاة في الجميع، لأنّه كالدين . و لو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عشر فيه و ما فيه العشر قسط الخراج عليهما بالنسبة . و قال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافيًا بالخراج (4) .

و في المختلف :

المشهور أنّ المؤنة الّتي يلحق الغلّات و الثمار إلى وقت الإخراج، كأجرة السقي والعمارة والحصاد والتصفية يخرج وسطًا، ثمّ يزكّى

ص: 219


1- . تذكرة الفقهاء : 5 / 154 و 155 .
2- . جاء في حاشية المخطوطة : هكذا في النسخة، والظاهر : من غير حصّتها، كما لايخفى ؛ منه.
3- . في بعض النسخ : والظاهر .
4- . تذكرة الفقهاء : 5 / 156 .

الباقي (1) .

و في نهاية الإحكام :

و ما يأخذه السلطان الجائر من الغلّات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة، سائغ شرائه واتهابه. ولا يجب إعادته على أربابه و إن عرفهم (2) .

و فيه في كتاب الزكاة :

إنّما تجب الزكاة بعد إخراج المؤن كلّها، من أجرة السقي والعمارة والحافظ (3) والمساعد في حصاد و جداد (4) و تجفيف ثمرة و إصلاح

موضع التشميس و غير ذلک والبذر، لأنّ المؤنة سبب زيادة المال، فتجب على الجميع كالمال المشترک ؛ و لأنّ في إلزام المالک بذلک حيفًا و إضرارًا به .

والخراج عن الأرض أو النخل يخرج وسطًا، و يؤدّي زكاة ما بقي إذا بلغ النصاب، و ثمن الثمرة من المؤنة، فيخرج حينئذ (5) ، ثمّ يزكّي الباقي،

ص: 220


1- . مختلف الشيعة : 3 / 191 .
2- . نهاية الإحكام : 2 / 526 .
3- . في المصدر : والحائط .
4- . في المصدر : جذاذ .
5- . « حينئذٍ » لم يرد في المصدر .

أمّا ثمن (1) أصل النخل فلا ؛ و حصّة السلطان تخرج وسطًا (2) .

و في التبصرة :

فيجب العشر إن سقي سيحًا .

إلى أن قال :

بعد إخراج المؤن كلّها (3) من بذر و غيره (4) .

و في الإرشاد :

و فيه عشر .

إلى أن قال :

بعد إخراج المؤن، من حصّة سلطان و أكّار (5) و بذر و غيره (6) .

و في الدروس :

ص: 221


1- . في المصدر بدل « ثمن » : عن .
2- . نهاية الإحكام : 2 / 351 .
3- . « كلّها » لم يرد في المصدر .
4- . تبصرة المتعلّمين : 71 .
5- . قال الطريحي : في الحديث ذكر الأكّار بالفتح والتشديد، و هو : الزراع ( مجمع البحرين :3/ 208 ) .
6- . إرشاد الأذهان : 1 / 283 .

و يجب في الزائد و إن قلّ، كلّ ذلک بعد المؤنة، و حصّة السلطان ولو جائرًا (1) .

و في البيان :

البحث الأوّل : في شروطها، و هي ثلاثة .

إلى أن قال :

الثالث : إخراج المؤن كلّها من المبتدإ إلى المنتهى، و منها البذر و حصّة السلطان والعامل (2) .

و فيه أيضًا :

لا تسقط الزكاة في الأرض الخراجيّة بأخذ الخراج، بل يجتمعان والخراج من المؤن .

إلى أن قال :

و يتصوّر هذا الخراج في موضعين : في المفتوحة عنوةً، و في أرضٍ صالح الإمام أهلها الكفّار على أن تكون للمسلمين (3) .

و في التحرير :

ص: 222


1- . الدروس : 1 / 237 .
2- . البيان : 293 .
3- . البيان : 299 .

ما يأخذه الظالم لشبهة (1) الزكاة من الإبل و البقر و الغنم، و ما يأخذه

عن حقّ الأرض لشبهة (2) الخراج، و ما يأخذه من الغلّات باسم

المقاسمة حلالٌ و إن لم يستحقّ أخذ ذلک، و لا يجب إعادته على أربابه وإن عرفهم، إلّا أن يعلم في شيء منه بعينه أنّه غصب، فلا يجوز تناوله ولا شراؤه (3) .

و في التنقيح :

حكم الخراج حكم المؤن في كون الزكاة بعد إخراجه، و قال به أكثر علماء الإسلام (4) .

و في الروضة - بعد الحكم بأنّ النصوص خالية عن استثناء المؤنة - ما هذا لفظه :

نعم، ورد استثناء حصّة السلطان، و هو أمرٌ خارجٌ عن المؤنة، و إن ذكرت منها في بعض العبارات تجوّزًا (5) .

ص: 223


1- . في المصدر : بشبهة .
2- . في المصدر : بشبهة .
3- . تحرير الأحكام : 2 / 272 .
4- . التنقيح الرائع : 1 / 313 .
5- . الروضة البهيّة : 2 / 36 .

و في الكفاية :

و نقل عن جامع يحيى بن سعيد أنّه قال : والمؤنة على ربّ المال، دون المساكين، إجماعًا إلّا عطا، فإنّه جعلها بينه و بين المساكين (1) ، ويزكّي

ما خرج من النصاب بعد حقّ السلطان (2) .

ص: 224


1- . الجامع للشرائع : 134 .
2- . كفاية الأحكام : 1 / 181 .
في أنّ الخراج اسمٌ للمال المأخوذ والمقاسمة اسمٌ للحصّة المأخوذة من الغلّة

ثمّ الظاهر من جملة من الكتب السالفة - كالشرائع والقواعد و نهاية الإحكام والتحرير - انّ الخراج اسمٌ للمال المأخوذ عن حقّ الأرض، و انّ ما يؤخذ من غلّتها عن حقّها يسمّى بالمقاسمة .

و هو المصرّح به في المسالک، حيث قال :

المقاسمة : حصّةٌ من حاصل الأرض، تؤخذ عوضًا عن زراعتها ؛ والخراج : مقدارٌ من المال يضرب على الأرض والشجر حسب ما يراه الحاكم (1) .

والظاهر من جملة من العبارات أنّ الخراج اسمٌ لما يعمّهما، فلاحظ عبارة المقنعة والسرائر والمعتبر والتنقيح ؛ و أصرح منها عبارة التذكرة، و هي هذه :

ص: 225


1- . مسالک الأفهام : 1 / 64 .

و لو جعل الإمام في الأرض الخراج من غير حصّتها (1) ، إلى آخره (2) .

و كذا كلام شيخ الطائفة في النهاية (3) حيث قال :

إذا أخذ من أرض الخراج، و بقي بعد ذلک مقدار ما يجب فيه الزكاة، وجب فيه العشر (4) .

إلى آخر ما تقدّم، لأنّه أطلق فيه لفظ الخراج على المأخوذ من الزرع، كما لايخفى .

فعلى هذا ما صرّح به في المسالک إمّا تعويلٌ على جملة من العبارات السالفة، أو اصطلاحٌ من نفسه، إذ لا مشاحة في الاصطلاح ؛ و الظاهر هو الأوّل (5) .

ص: 226


1- . في المصدر : و لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصّته .
2- . تذكرة الفقهاء : 5 / 156 .
3- . كذا في المخطوطة، والصواب : في المبسوط .
4- . المبسوط : 1 / 218 .
5- . جاء في حاشية المخطوطة : أي : يكون تعويلاً على ما يظهر من بعض العبارات .
–التنبيه على أنّ المستثنى في مقام الزكاة هل يكون مختصًّا

بما سمّي مقاسمة، أو لا بل يعمّ المال المجعول على الأرض أيضًا

ثمّ المهمّ في هذا المقام التنبيه على أنّ المستثنى في مقام الزكاة هل يكون مختصًّا بما سمّي مقاسمة - أي : الحصّة من زرع الأرض - أو لا، بل يعمّ المال المجعول على الأرض أيضًا ؟

قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلک ؛ والمصرّح به في كلام التذكرة هو الأوّل، حيث قال :

لو ضرب الإمام في (1) الأرض الخراج من غير حصّتها (2) ، فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنّه كالدين . و لو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عشر فيه و ما فيه العشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة (3) .

ص: 227


1- . في المصدر : على .
2- . في المصدر : حصّة .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 156 .

و لعلّه الظاهر من عبارة المبسوط والنهاية والسرائر والشرائع والقواعد (1) ،

فليلاحظ .

والمصرّح به في كلام التحرير و نهاية الإحكام هو الثاني (2) ، لأنّهما صريحان في أنّ الزكاة إنّما يكون بعد وضع الخراج و حصّة السلطان .

و لعلّه الظاهر من المقنعة والمعتبر (3) .

والحاصل : انّ عباراتهم في إفادة المرام على أربعة وجوه، منها : صريحٌ في أنّ الزكاة إنّما هي بعد وضع الحصّة من الزرع، دون غيرها ؛ و بعضها ظاهرٌ في ذلک ؛ وبعضها صريحٌ في أنّها بعد وضع المال المأخوذ، سواء كان حصّةً من الزرع أو غيرها ؛ و بعضها ظاهرٌ في ذلک .

والمستند في الأوّل عموم قوله علیه السلام في الصحيح المرويّ في الكافي عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن شريح، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : فيما سقت الدوالي (4) والأنهار، أو كان بعلاً (5) العشر (6) .

ص: 228


1- . ينظر المبسوط : 1 / 306 ؛ والنهاية : 1علیه السلام8 ؛ والسرائر : 1 / 448 ؛ و شرائع الإسلام :1/116 ؛ و قواعد الأحكام : 1 / 341 .
2- . ينظر تحرير الأحكام : 1 / 3علیه السلام8 ؛ و نهاية الإحكام : 2 / 351 .
3- . ينظر المقنعة : 239 ؛ والمعتبر : 2 / 541 .
4- . في المصدر : السماء .
5- . البعل : الزوج، و يستعار للنخل، و هو : ما يشرب بعروقه من الأرض، فاستغنى عن ابنيستسقى ( ينظر القاموس المحيط : 3 / 335 ؛ والمصباح المنير : 1 / 55 ؛ و مجمع البحرين :5 / 323 ؛ و لسان العرب : 11 / 5علیه السلام ).
6- . الكافي : 3 / 514 ح 6 .

لوضوح أنّ مقتضاه وجوب العشر في كلّ ما سقته بما ذكر، والتخصيص إنّما ثبت بالإضافة إلى الحصّة، لأنّها ممّا أطبقوا عليه دون غيرها، لما عرفت من تحقّق الخلاف في وضع المسمّى بالخراج .

و لدلالة الصحيحين السالفين عليه أيضًا، لقوله علیه السلام : « و ما أخذ بالسيف فذلک إلى الإمام، يقبّله بالّذي يرى »، إلى قوله علیه السلام : « و عليهم في حصصهم العشر ونصف العشر » (1) ، لوضوح أنّ الظاهر من الحصص في المقام ما يبقى من الزرع بعد أخذ بعض منه، كما لا يخفى .

كما يدلّ عليه أيضًا الصحيح المرويّ في باب : « أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث » من الكافي، عن أبي بصير و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام، انّهما قالا له : هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها ؟

فقال : كلّ أرض دفعها إليک سلطان فما حرثته فيها، فعليک فيما أخرج الله منها الّذي قاطعک عليه، و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنّما عليک العشر فيما يحصل في يدک بعد مقاسمته لک (2) .

والحاصل : انّ مقتضى قوله علیه السلام في الموثّق المرويّ في الباب المذكور من

ص: 229


1- . الكافي : 3 / 513 ح 2 ؛ التهذيب : 4 / 119 ح 2 .
2- . الكافي : 3 / 513 ح 4 .

الكافي، عن سماعة : « أمّا الطعام فالعُشر فيما سقت السماء، و أمّا ما سُقي بالغَرْب (1) والدوالي فإنّما عليه نصف العشر » (2) ، و نحوه وجوبُ العشر مثلاً فيما سقته السماء، خرج منها الحصّة المأخوذة من الزرع بالإجماع والنصوص، فيجب الحكم باندراج غيرها تحت العموم .

إن قلت : إنّ هذا و إن كان حقًّا، لكنّ المال المجعول على الأرض يكون من المؤنة، فما دلّ على استثنائهما دليلٌ على استثنائه أيضًا .

قلنا : إنّ شيخنا الشهيد و إن حكم بكون الخراج من المؤن في البيان (3) - و قد سمعت عبارته - لكنّه مخالفٌ للظاهر .

و لذا قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة :

انّ حصّة السلطان خارجةٌ عن المؤنة و إن ذكرت منها في بعض العبارات تجوّزًا (4) .

إلّا أن يقال : إنّ المناط في استثناء الحصّة منقّح، و هو دفع الضرر والحيف على الزارع، و هو متحقّق فيما نحن فيه أيضًا، لكنّ الكلام في تنقيحه، لانتفاء الإجماع، ولا قطع للعقل فيه .

ص: 230


1- . الغَرْب - كفَلْس - : الدلو العظيم الّذي يتّخذ من جلد ثور ( النهاية في غريب الحديث والأثر :3/349 ؛ مجمع البحرين : 2 / 131 ).
2- . الكافي : 3 / 512 ح 1 .
3- . البيان : 183 .
4- . الروضة البهيّة : 2 / 36 .
هل المراد من الخراج أو حصّة السلطان أو المقاسمة

ما يأخذه السلطان مطلقًا ولو كانت الأرض للزرّاع، أو لا ؟

بقي الكلام في أنّ مرادهم من الخراج، أو حصّة السلطان، أو المقاسمة، هل هو ما يأخذه السلطان مطلقًا و لو كانت الأرض للزراع ؛ أو لا، بل هو مختصّ بما يؤخذ من الأراضي الّتي فتحت عنوةً، أو صالح الإمام أهلها على أن يكون للمسلمين ؟

و لعلّ الظاهر من بعض العبارات هو الأوّل ؛ قال في التنقيح :

أفعال سلطان الجور كلّها عندنا فاسدة، و لايجوز اتّباعها إلّا في صورتين، إحداهما : المقاسمة، و ثانيهما (1) : الزكاة ... ؛ فهو (2) أن يأخذ

من الأنعام و الغلّات و الذهب و الفضّة باسم الزكاة .

ص: 231


1- . في المصدر : و ثانيتهما .
2- . في المصدر : و أمّا الزكاة فهو .

فقولنا باسم المقاسمة واسم الخراج و اسم الزكاة معناه أن يأخذه (1) لو كان الإمام العادل ظاهرًا، لأخذه من غير زيادة، أمّا الزكاة فهي أمورٌ مضبوطةٌ في كتب الفقه .

و أمّا المقاسمة و الخراج، فإن علم لها تقدير في نظر الشرع و كتب الفقه فذلک هو المباح، و إلّا فما يتراضى عليه السلطان في ذلک الزمان وملّاک الأرضين، فلو أخذ الجائر زيادة عن ذلک كلّه حرم ذلک الزائد بعينه إن تميّز، و إلّا حرم الكلّ (2) ، انتهى .

إذ قوله : « و ملّاک الأرضين » يدلّ على ثبوت الحكم فيما إذا أخذ السلطان من ملّاک الأرضين أيضًا .

لكنّ الأمر ليس كذلک، بل الظاهر أنّه مسامحةٌ في الكلام، والدليل عليه قوله فيما قبل : « لو كان الإمام العادل ظاهرًا لأخذه »، لوضوح أنّ الإمام العادل لايأخذه من الأراضي إلّا ما قدّره الله تعالى عليها، و هو في غير المفتوحة عنوةً وأرض الصلح ليس إلّا العشر أو نصف العشر، فلابدّ أن يكون المراد من الملّاک المتصرّفين، أو لأنّه لمّا كان القسمان المذكوران من الأرض لجميع المسلمين، فيمكن أن يطلق المالک على كلّ واحد منهم كذلک .

والحاصل : انّهم عبّروا عمّا يكون الزكاة بعد وضعه بعبارات، ففي بعضها : حصّة

ص: 232


1- . في المصدر : أن يأخذ .
2- . التنقيح الرائع : 2 / 18 و 19 .

السلطان، و في بعضها : إخراج السلطان، و في آخر : مقاسمة السلطان، و في بعضها : خراج الأرض (1) ؛ و قد يجمع بين الخراج و حصّة السلطان إمّا مع عدم

إضافة الخراج إلى الأرض كما في التحرير (2) ، أو معها كما في نهاية الإحكام (3) ،

وفي بعضها : حقّ السلطان (4) .

و مرادهم من الجميع ما يؤخذ من الّتي فتحت عنوةً، أو ممّا صالح الإمام أهلها على أن يكون للمسلمين، فلا يشمل ما يأخذه السلطان من الرعايا بإزاء الأرضين الّتي تكون مملوكة لهم، لأنّ حصّة شخص عبارةٌ عن السهم الّذي يكون له، و هو إنّما يكون في القسمين المذكورين من الأرضين، لا في الأرض المملوكة للرعايا.

والظاهر أنّ هذه العبارة مأخوذةٌ من الصحيحين السالفين، لقوله علیه السلام فيهما : «وعليهم في حصصهم العشر » (5) .

لا يقال : إنّ المأخوذ في القسمين المذكورين ليس حصّة للسلطان، لوضوح أنّه يصرف في مصالح المسلمين، لأنّ الأمر و إن كان كذلک، لكنّ السلطان لمّا كان وليًّا للمسلمين و كان صرف ذلک المال موكولاً إلى نظره - كما أنّ تقبيل تلک الأرضين بيده - أضيف إليه .

ص: 233


1- . جاء في حاشية المخطوطة : كما في الشرائع والقواعد والدروس والبيان و غيرها .
2- . تحرير الأحكام : 1 / 378 .
3- . ينظر نهاية الإحكام : 2 / 351 .
4- . كما في المبسوط : 1 / 214 ؛ والمهذّب : 1 / 166 ؛ والجامع للشرائع : 131 .
5- . الكافي : 3 / 513 ح 2 ؛ التهذيب : 4 / 119 ح 2 .

و ممّا ذكر ظهر وجه التسمية بمقاسمة السلطان و خراجه، لأنّ السلطان هو الّذي يؤدّي الأرض إلى من يريد، و يقبلها بما شاء ؛ و أمّا التسمية بخراج الأرض لما أسلفنا من أنّ أرض الخراج عبارةٌ عن هذين القسمين، فما يؤخذ منها يسمّى بالخراج .

و أيضًا قد عرفت مرارًا أنّهم قسّموا الأرضين إلى أقسام أربعة، منها : الأرض الّتي أسلم أهلها عليها طوعًا و رغبةً، و قد أطبقوا على أنّه ليس فيها إلّا العشر، وأنّ الأرض الّتي فتحت عنوةً يكون فيها، مضافًا إلى العشر ما يراه الإمام صلاحًا، والظاهر أنّ ما ذكروه في مقام الزكاة إشارةٌ إليه .

مضافًا إلى ما عرفت من التصريح به في كلام السرائر، حيث قال :

و خراج السلطان إن كانت الأرض خراجيّة، إلى آخره (1) .

و أوضح منه كلام شيخنا الشهيد في البيان، حيث قال :

و يتصوّر هذا الخراج في موضعين (2) .

إلى آخر ما تقدّم نقله عنه، فليلاحظ .

و يدلّ عليه أيضًا كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروضة، حيث قال :

نعم، ورد استثناء حصّة السلطان (3) .

ص: 234


1- . السرائر : 1 / 434 .
2- . البيان : 183 .
3- . الروضة البهيّة : 2 / 36 .

إذ ذلک إمّا إشارةٌ إلى قوله علیه السلام : « و عليهم في حصصهم العشر » إلى آخره (1) ؛

أو إلى الصحيحة السابقة الّتي منها : « فعليک فيما أخرج الله منها الّذي قاطعک عليه » (2) ؛ و على التقديرين لا يكون شاملاً للمأخوذ من ملّاک الأرضين كما

لايخفى .

و يرشدک إليه أيضًا ما ذكروه في مباحث التجارة، إذ الظاهر أنّ مرادهم في المقامين واحد ؛ و في كلامهم في تلک المباحث قرينة على أنّ المراد من المقاسمة والخراج هو المأخوذ من القسمين المذكورين للأرضين، فلا يشمل المأخوذ من مطلق الأرضين .

ألا ترى إلى قولهم : « ما يأخذه السلطان الجائر من الغلّات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض » إلى آخره، فإنّ قولهم : « عن حقّ الأرض » أنّ الأخذ إنّما هو عوضٌ عن الحقّ الثابت في الأرض و لأجله ؛ و معلومٌ أنّ ذلک إنّما هو في القسمين المذكورين، لا مطلق الأراضي .

و يظهر ذلک أيضًا من قولهم عطفًا على ذلک : « و من الأنعام باسم الزكاة »، كما لا يخفى على المتأمّل، فلاحظ عباراتهم السالفة .

قال في التنقيح :

قولنا : باسم المقاسمة و اسم الخراج و اسم الزكاة، معناه أن يأخذه لو

ص: 235


1- . الكافي : 3 / 513 ح 2 .
2- . الكافي : 3 / 513 ح 4 ؛ التهذيب : 4 / 37 ح 5 .

كان الإمام العادل ظاهرًا لأخذه من غير زيادة (1) ، انتهى .

و معلوم أنّ الإمام العادل لا يأخذ إلّا الحقّ الثابت في الأرض في الشريعة .

و في المسالک :

المقاسمة حصّة من حاصل الأرض تؤخذ عوضًا عن زراعتها، والخراج مقدارٌ من المال يضرب على الأرض أو الشجر حسب ما يراه الحاكم . ونبّه بقوله : « باسم المقاسمة و اسم الخراج » على أنّهما لا يتحقّقان إلّا بتعيين الإمام العادل (2) ، إلى آخر ما ذكروه .

و معلوم أنّ الإمام العادل لا يعيّن إلّا الحقّ الثابت في الأرض، و قد عرفت انحصاره في الّتي فتحت عنوةً و أرض الصلح .

ص: 236


1- . التنقيح الرائع : 2 / 18 .
2- . مسالک الأفهام : 3 / 142 .
–المراد من السلطان هل يختصّ بالمخالف أو يعمّ الموافق أيضًا ؟

ثمّ المهم في هذا المقام التنبيه على أنّ المراد من السلطان في المقامين، هل يختصّ بالمخالف، أو يعمّ الموافق أيضًا ؟

تحقيق الحال يستدعي إيراد النصوص المناسبة للمقام، ليتبيّن أنّ المستفاد منها ما هو ؟

فنقول : منها : صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم السالفة أنّهما قالا لأبي جعفر علیه السلام : هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها ؟ فقال : كلّ أرض دفعها إليک السلطان فما حرثته فيها فعليک فيما أخرج الله منها الّذي قاطعک عليه و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنّما عليک العشر فيما يحصل في يدک بعد مقاسمته لک (1) .

والظاهر أنّ الألف واللام فيه للعهد، فيكون إشارة إلى السلطان المخالف،

ص: 237


1- . الكافي : 3 / 513 ح 4 .

لاسيّما بعد توجّه الخطاب إلى المخاطب، فالمستفاد منه استثناء حصّة السلطان المخالف، لا مطلقًا .

نعم، يستفاد منه استثناء الحصّة و لو لم يكن الأرض من القسمين المذكورين، لكن فيما إذا كانت مملوكة للسلطان .

و منها : الصحيح المرويّ في الكافي والتهذيب عن سليمان بن خالد، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إنّ أصحاب أبي أتوه، فسألوه عمّا يأخذ السلطان فرقّ لهم، فإنّه ليعلم أنّ الزكاة لا تحلّ إلّا لأهلها، فأمرهم أن يحتسبوا به، فجال فكري (1) والله لهم، فقلت له : يا أبت (2) ! إنّهم إن سمعوا إذا لم يزکّ أحد (3) ؟ فقال :

يا بني حقّ أحبّ الله أن يظهره (4) .

والسلطان فيه أيضًا محمولٌ على ما ذكر .

و يدلّ عليه - مضافًا إلى ما ذكر والواقع - قوله علیه السلام : « فإنّه ليعلم أنّ الزكاة لاتحلّ إلّا لأهلها »، بناءً على أنّ الظاهر منه أنّ الّذي أخذه السلطان إنّما هو بقصد الزكاة، و هو إنّما يكون معهودًا في المخالف .

ثمّ لا يخفى أنّه لا يمكن التمسّک به في استثناء المأخوذ من السلطان مطلقًا في

ص: 238


1- . في التهذيب : فجاز ذا .
2- . في التهذيب : فقلت : أي أبه .
3- . في التهذيب : إن سمعوا ذلک لم يزکّ .
4- . الكافي : 3 / 543 ح 1 ؛ التهذيب : 4 / 39 ح 10 .

مقام الزكاة، لوضوح أنّ الظاهر منه أنّ المأخوذ من السلطان الجائر بقصد الزكاة تجري عن إخراج الزكاة ثانيًا، و أين ذلک منه ؟!

و في التهذيب بدل قوله : « فجال فكري لهم » : « فجاز ذا والله لهم »، لعلّ المراد أنّه علیه السلام أجاز المأخوذ بقصد الزكاة لهم عن زكاتهم، فهو أظهر في الدلالة ؛ و يؤيّده ما يأتي .

و قوله علیه السلام : « حقّ أحبّ الله أن يظهره » يحتمل وجهين :

أحدهما : انّ الحكم باحتساب المأخوذ منهم بقصد الزكاة عن الزكاة ثانيًا حقّ أحبّ الله أن يظهره، و لذا أظهرته .

والثاني : انّ الحكم بذلک لا يوجب سقوط الزكاة بالمرّة، لأنّ أصل الزكاة حقّ أحبّ الله تعالى أن يظهره باضمحلال المخالفين و نصب الحقّ ؛ و لعلّ الأوّل أظهر .

و منها : الصحيح المرويّ في الكتابين : عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبدالله علیه السلام في الزكاة، فقال : ما أخذوا منكم (1) بنو أميّة فاحتسبوا

به، ولا تعطوهم شيئًا ما استطعتم، فإنّ المال لا يبقى على هذا أن يزكّيه (2)

مرّتين (3) .

و منها : الصحيح المرويّ في التهذيب عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، قال :سألت أبا عبدالله علیه السلام عن صدقة المال، يأخذها السلطان ؟ فقال : لا آمرک أن تعيد(4) .

واستدلّ شيخ الطائفة في التهذيب بهذه النصوص الثلاثة على ثبوت الرخصة لِمَن وجبت عليه الزكاة و أخذ منه السلطان الجائر أن يحتسب به من الزكاة، قال :

و إن كان الأفضل إخراجه ثانيًا (5) .

و منها : ما رواه في الكافي عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :

ص: 239


1- . في الكافي : ما أخذ منكم ؛ و في التهذيب : ما أخذه منكم .
2- . في الكافي : أن تزكّيه .
3- . الكافي : 3 / 543 ح 4 ؛ التهذيب : 4 / 39 ح 11 .
4- . التهذيب : 4 / 40 ح 12 .
5- . تهذيب الأحكام : 4 / 40 .

سألته عن الرجل يرث الأرض، أو يشتريها، فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه عُشر ؟ قال : لا (1) .

و هذا الحديث مرويّ في التهذيب أيضًا، و هو أولى ممّا في الكافي سندًا ومتنًا؛ أمّا الأوّل، فلأنّه رواه باسناده إلى الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى ؛ و في الكافي رواه عن العّدة، عن سهل .

و أمّا الثاني، فلأنّ المتن على ما في التهذيب هكذا : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل له الضيعة (2) ، فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عُشر ؟ قال : لا (3) .

ص: 240


1- . الكافي : 3 / 543 ح 3 .
2- . جاء في حاشية المخطوطة : بناءً على عدم منافاة الضيعة لكونها مفتوحة عنوةً، فيلائم لفظ :الخراج، بخلاف الوراثة والاشتراء كما لا يخفى، فلابدّ من تقدير المضاف في قوله : « يرثالأرض أو يشتريها » على ما يظهر من نقل الخلاف والأقوال في بيع المفتوحة عنوةً،فليلاحظ ؛ منه - دام ظلّه العالي .
3- . التهذيب : 4 / 37 ح 6 .

والأولويّة غير مخفيّة على مَن أحاط خبرًا بما أسلفناه في المباحث السالفة، وظاهره يقتضي عدم اجتماع الخراج والعشر في الأرض ؛ و هو مهجورٌ عند الأصحاب .

نعم، هو موافقٌ لما قضى به أبو حنيفة و كثيرٌ من العامّة، فهو محمولٌ على التقيّة، كالمرويّ فيه أيضًا عن سهل بن اليسع أنّه حيث أنشأ سهل آباد، و سأل أبا الحسن موسى علیه السلام عمّا يخرج منها ما عليه ؟ فقال : إن كان السلطان يأخذ خراجها فليس عليک شيء، و إن لم يأخذ السلطان منک (1) شيئًا، فعليک إخراج عشر ما يكون

فيها(2) .

فهو أيضًا محمولٌ على التقيّة ؛ و هو مؤيِّدٌ آخر لحمل السلطان فيه على المخالف .

فالتمسّک بالنصوص المذكورة و نحوها لتعميم السلطان للموافق محلّ إشكال، بل غير صحيح، كالتمسّک بها في استثناء كلّ ما يأخذه السلطان و لو من الأراضي المملوكة للرعايا في مقام الزكاة، لما نبّهنا عليه .

ص: 241


1- . في المصدر : منها .
2- . الكافي : 3 / 543 ح 5 .

نعم، أطلق الخراج في بعضها على غير المعنى السابق، و هو غير مجد فيما نحن بصدد بيانه .

والحاصل : انّ مقتضى العمومات الموجبة للعشر فيما سقته السماء، وجوبُه في كلّ ما كان كذلک، خرج ما دلّ الدليل على خروجه، و هو الخراج بالمعنى السالف إذا كان الآخذ هو الإمام، أو نائبه، أو السلطان الجائر إذا كان مخالفًا .

أمّا إذا كان الآخذ هو الإمام العادل، فيدلّ عليه - مضافًا إلى الإجماع - الصحيحان السالفان كما تقدّم .

و أمّا إذا كان نائبه العامّ، فلما دلّ على النيابة .

و أمّا إذا كان الآخذ هو السلطان الجائر، فالظاهر أنّه محلّ وفاق بين الأصحاب ؛ و يدلّ عليه - مضافًا إليه - صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم السالفة .

و يبقى غيره - كالسلطان الموافق، و لو كان الاخذ فيما فتحت عنوةً، أو السلطان المخالف في الأراضي المملوكة للرعايا - مندرجًا تحت العموم .

فعلى هذا لا يمكن الحكم باستثناء ما يأخذه السلاطين من الرعايا و كون الزكاة بعد وضعه .

نعم، يمكن التفصيل هنا على نحوٍ آخر، و هو أن يقال : إنّ الزرّاع و ملّاک الأرضين إمّا أن يكونوا متمكّنين من دفع الزكاة إلى أهلها قبل أخذ السلاطين، بل مطلق الظلمة منهم و لو برًّا، أو لا .

ص: 242

و على الأوّل ينبغي الحكم بالوجوب على الزرّاع لتفريطهم في الدفع، بخلافه على الثاني، لعدم التفريط، فيكون ذلک من قبيل تلف المال، فإنّه إذا كان قبل التمكّن من الدفع إلى المستحقّين فلا ضمان، و إلّا فالضمان .

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالک :

و المراد بحصّة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج، أو الأجرة، ولو بالمقاسمة، سواء في ذلک العادل و الجائر، إلّا أن يأخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح كونه أجرة عادة، فلا يستثنى الزائد إلّا أن يأخذه قهرًا، بحيث لا يتمكّن المالک من منعه سرًّا و جهرًا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد (1) .

انتهى كلامه - رفع مقامه - و هو صريحٌ في عدم ضمان الزائد في صورة عدم التمكّن، و إن كان الحكم بالضمان في صورة التمكّن محلّ كلام (2) ، لكونه خلاف ما يقتضيه قوله علیه السلام :

« كلّ أرض دفعها إليک السلطان فما حرثته فيها فعليک فيما أخرج الله منها الّذي قاطعک عليه، و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنّما عليک العشر فيما يحصل في يدک بعد مقاسمته لک » (3) .

ص: 243


1- . مسالک الأفهام : 1 / 393 .
2- . جاء في حاشية المخطوطة : « أي : في الصورة المفروضة في كلامه ».
3- . الكافي : 3 / 513 ح 4 .

لوضوح أنّ مقتضاه كون الزكاة بعد وضع مال المقاطعة، سواء كان مساويًا لما يأخذه السلطان العادل، أو أكثر، كما لا يخفى .

ص: 244

–تحقيق الحال فيالتمكّن الّذي جعل مناطًا للحكم بالضمان وعدمه
اشارة

لكن بقي في المقام شيء آخر، و هو تحقيق الحال في التمكّن الّذي جعل مناطًا للحكم بالضمان و عدمه .

فنقول : هنا صورٌ :

[ الصورة الأولى ]

منها : أن يكون المالک متمكّنًا من التعجيل في إيصال الزكاة إلى أهلها، و عالمًا بأنّ مع التأخير يأخذ الظالم حصّة من المال أو كلّه، و أخّر الدفع إلى أخذ الظالم ؛ والظاهر أنّ تحقّق الضمان حينئذٍ ممّا لاينبغي التأمّل فيه .

ص: 245

والمستند فيه - مضافًا إلى عموم قوله علیه السلام : « فيما سقته السماء العشر » (1) هو أنّ المال مشترکٌ بين المالک و الفقراء، لكون الزكاة متعلّقة بالعين ؛ و تفريط بعض الشركاء في المال المشترک إلى أن يتلف يوجب الضمان .

و معلوم أنّه في الصورة المفروضة مفرطٌ بترک التعجيل في الإيصال إلى المستحقّ، كتفريط أحد الشركاء في المال المشترک، فيكون ضامنًا .

و يدلّ عليه ما ستقف عليه في الصورة الثانية، مضافًا إلى أنّه محلّ وفاق .

[ الصورة الثانية ]

و منها : مثل الأولى، إلّا أنّه لم يكن عالمًا بأخذ الظالم مع التأخير، فأخّر الدفع مع التمكّن منه إلى أن اتّفق أخذ السلطان حصّة الحاصل، أو جميعه ؛ والظاهر الضمان هنا أيضًا .

لنا : أنّه تلف مالٌ زكويّ بعد التأخير في دفع الزكاة مع التمكّن منه، و كلّما كان كذلک لا يوجب السقوط، بل يتحقّق الضمان .

أمّا الصغرى، فظاهرة ؛ و أمّا الكبرى، فالظاهر أنّه إجماعيّ .

فها أنا اورد شطرًا من كلماتهم في المقام للتوصّل إلى حقّيّة المرام، فأقول : قال في المقنعة :

ص: 246


1- . الكافي : 3 / 512 ح 1 .

وإذا جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحقّ الزكاة عزلها من جملة ماله إلى أن يجد من يستحقّها من أهل الفقر والإيمان، و إن قدر على إخراجها إلى بلدٍ يوجد فيه مستحقّ الزكاة أخرجها، و لم ينتظر بها وجود مستحقّها ببلده إلّا أن يغلب في ظنّه قرب وجوده، و يكون أولى بها ممّن يحمل إليه من أهل الزكاة على ما جاء به الأثر عن آل الرسول :.

فإن هلكت الزكاة في الطريق المحمول فيها إلى مستحقّها أجزأت عن صاحب المال، و لا يجزيه ذلک إذا حملها (1) و قد كان واجدًا لمستحقّها

في بلده، و إنّما أخرجها منه إلى غيره لاختيار أهل الاستحقاق، ووضعها في بعض يؤثره منهم دون من حضره (2) .

و في المبسوط :

وإذا وجبت الزكاة و تمكّن من إخراجها، وجب إخراجها على الفور والبدار، فإنّ عدم مستحقّها عزلها من ماله، و انتظر به المستحقّ، فإن حضرته الوفاة وصّى به أن يخرج عنه ؛ و إذا عزل ما يجب عليه جاز أن يفرّقه ما بينه و بين شهر و شهرين، و لا يكون أكثر من ذلک .

فأمّا حمله إلى بلدٍ آخر مع وجود المستحقّ، فلا يجوز إلّا بشرط

ص: 247


1- . في المصدر زيادة : فهلكت .
2- . المقنعة : 240 .

الضمان، و مع عدم المستحقّ يجوز له حمله، و لا يلزمه الضمان (1) .

و في المعتبر :

و لا يجب الإخراج عند الجميع في الحبوب إلّا بعد التصفية، و لا في الثمار إلّا بعد التشميس و الجفاف ؛ و لو تلف قبل ذلک من غير تفريط لم يضمن، و لو تلف بعده ولم (2) يتمكّن من الأداء لم يضمن أيضًا، و إن

تمكّن و لم يؤدّ ضمن، سواء فرّط في الاحتفاظ، أو أهمل، لما بيّنا فيما سلف أنّ التمكّن من الأداء شرطٌ في الضمان (3) .

و في السرائر :

أمّا الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فلها أحوال ثلاثة : حال تجب فيها، و لا يجب الإخراج، و لا الضمان ؛ و حال تجب فيها، و يجب الإخراج، ولا يجب الضمان ؛ و حال تجب فيها، و يجب الإخراج، ويجب الضمان .

فالحالة الأولى (4) عند اشتداد الحب، و احمرار البسر، و انعقاد الحصرم،

فإنّه تجب الزكاة فيها، و لا يجب الإخراج منها، و إن حضر المستحقّ،

ص: 248


1- . المبسوط : 1 / 234 .
2- . في المصدر : و لو .
3- . المعتبر : 2 / 535 .
4- . في المصدر : الأولة .

ولا يجب الضمان إن تلفت، والّذي يدلّ على أنّ الزكاة تجب فيها أنّ مالكها إذا باعها بعد بدوّ الصلاح، فالزكاة عليه، دون المشتري، ولو باعها قبل بدوّ الصلاح كانت الزكاة على المشتري، إذا بدا الصلاح فيها وهي على ملكه .

فأمّا الحالة الثانية، فعند الذراوة والكيل والتصفية والجداد .

إلى أن قال :

فإنّه يجب الإخراج إذا حضر المستحقّ، و لا يجب الضمان إذا لم يحضر المستحقّ .

فأمّا الحالة الثالثة، فإنّه إذا حضر المستحقّ، و لم يعطه المالک، وذهب المال، فإنّه يجب عليه الضمان، لأنّه يجب عند هذه الحال الإخراج، ويجب الضمان إذا لم يخرجها (1) .

و فيه أيضًا :

أمّا شرائط الضمان فاثنان : الإسلام، و إمكان الأداء، لأنّ الكافر وإن وجب (2) عليه الزكاة لكونه مخاطبًا بالعبادات كلّها عندنا، فلا يلزمه ضمانها إذا أسلم، و إمكان الأداء لابدّ منه، لأنّ من لا يتمكّن من الأداء

ص: 249


1- . السرائر : 1 / 453 .
2- . في المصدر : وجبت .

وإن وجبت عليه، ثمّ هلک المال، لم يجب (1) عليه ضمان (2) .

و في التذكرة :

لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلمها إلى أهلها إمّا المستحقّ، أو الإمام، أو الساعي، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن و لم تسقط عنه .

إلى أن قال :

و إن كان قبل إمكان الأداء، فالوجه عندي السقوط (3) .

و فيه أيضًا :

لو تلف المال بعد الحول و إمكان الأداء، وجبت الزكاة عند علمائنا أجمع .

إلى أن قال :

و لا فرق بين أن يطالبه الإمام، أو لا، لأنّها زكاةٌ واجبةٌ مقدورٌ على أدائها، فإذا تلفت ضمنها، كما لو طالبه الإمام (4) .

و فيه أيضًا :

ص: 250


1- . في المصدر : لم يكن .
2- . السرائر : 1 / 432 .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 201 .
4- . تذكرة الفقهاء : 5 / 191 .

و لا تجب الزكاة فيها - أي : في الثمار والغلّات - حتّى يبدو صلاحها، وأمّا الإخراج منها فلا يجب حتّى تجذ الثمرة، و تشمس و تجفف، وتحصد الغلّة، وتصفى من التبن و القشر بلا خلاف . إذا عرفت هذا، فإذا حال الحول، أو صفت الغلّة وجذت الثمار وجب الإخراج على الفور، ولا يجوز تأخيرها (1) .

و فيه :

لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء و حضور الوقت أثم و ضمن، لأنّه أخّر الواجب المضيَّق عن وقته، و فرّط بالتأخير، فكان آثمًا ضامنًا (2) .

و فيه أيضًا :

لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيًا على ما قلناه، و لا تقبل منه صلاته في أوّل الوقت، و كذا جميع العبادات الموسَّعة، لأنّ المضيَّق أولى بالتقديم ؛ و كذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكّنه من دفعه، أو خمس، أو صدقة مفروضة (3) .

و فيه أيضًا :

ص: 251


1- . تذكرة الفقهاء : 5 / 289 .
2- . تذكرة الفقهاء : 5 / 290 .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 290 .

إمكان الأداء شرطٌ في الضمان، لا في الوجوب (1) .

و فيه أيضًا :

إذا حال الحول و لم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب، سقطت الزكاة (2) .

و في المنتهى :

لو تمكّن من الدفع إلى الإمام أو النائب و لم يدفع فتلفت، فهو ضامن (3) ،

سواء طالبه الإمام أو النائب، أو لا ؛ و به قال الشافعيّ .

و قال أكثر الحنفيّة : لا يضمن إلّا بعد المطالبة من الإمام، أو الساعي .

لنا: أنّها زكاة واجبة تمكّن من أدائها، فيضمن مع التلف، كما لو طولب (4) .

و فيه أيضًا :

لو تلف قبل الجفاف بتفريطٍ ضمن، و إن كان بغير تفريطٍ لم يضمن . أمّا الأوّل فعلى قولنا خاصّة ؛ و أمّا الثاني فإجماع . و لو تلف بعد الجفاف بتفريطٍ ضمن إجماعًا، وإن كان بغير تفريط، فإن تمكّن من الأداء ضمن

ص: 252


1- . تذكرة الفقهاء : 5 / 40 .
2- . تذكرة الفقهاء : 5 / 190 .
3- . في المصدر بدل « فهو ضامن » : « ضمن » .
4- . منتهى المطلب : 8 / 148 .

أيضًا، و إلّا فلا، لما تقدّم من أنّ إمكان الأداء شرطٌ في الضمان (1) .

و فيه أيضًا :

ولو تلف المال من غير تفريطٍ سقطت الزكاة، و إن كان بتفريطٍ أو بعد إمكان الأداء لم تسقط . ذهب إليه علماؤنا (2) .

و فيه أيضًا :

لو (3) عزلها المالک فأخذها الظالم أو تلفت، لم يضمن المالک إذا

لم يفرّط، لأنّ له ولاية العزل على ما قدّمنا، فتصير بعد العزل أمانة، فلايضمن مع عدم التفريط، أمّا لو فرّط ضمنها .

ولو (4) أخذها قبل العزل لم يضمن المالک حصّة الفقراء ممّا أخذه الظالم

إجماعًا إذا لم يفرّط و يؤدّي زكاة ما بقي معه (5) .

و في التحرير :

لو تلف المال من غير تفريط سقطت الزكاة، و إن كان بتفريطٍ أو بعد

ص: 253


1- . منتهى المطلب : 8 / 204 .
2- . منتهى المطلب : 8 / 234 .
3- . في المصدر : « الثاني : لو عزلها » .
4- . في المصدر : « الثالث : لو أخذها ».
5- . منتهى المطلب : 8 / 306 .

إمكان الأداء وجبت (1) .

و فيه أيضًا :

لو تمكّن من الدفع إلى الإمام أو النائب و لم يدفع، ضمن، سواء طالبه الإمام أو النائب، أو لا ؛ و لو (2) دفعها إلى الساعي فتلفت في يده، فلا

ضمان ؛ و لو مات المالک بعد إمكان الأداء لم تسقط الزكاة، و كذا لو مات قبل التمكّن و بعد الحول (3) .

و الحاصل : الظاهر من تتبّع كلماتهم أنّ تلف المال الزكويّ بعد التمكّن من أداء الزكاة إلى أهلها يوجب الضمان ؛ والظاهر أنّه محلّ وفاق، سواء كان التلف بتفريطٍ، أم لا .

و في التذكرة :

لو تلف المال بعد الحول و إمكان الأداء وجبت الزكاة عند علمائنا أجمع (4) .

و يدلّ عليه - مضافًا إليه - الصحيح المرويّ في الكافي عن محمّد بن مسلم، قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : رجل

بعث بزكاة ماله لتقسم، فضاعت، هل عليه

ص: 254


1- . تحرير الأحكام : 1 / 382 .
2- . في المصدر : و إن .
3- . تحرير الأحكام : 1 / 353 .
4- . تذكرة الفقهاء : 5 / 191 .

ضمانها حتّى تقسم ؟ فقال : إذا وجد لها موضعًا فلم يدفعها، فهو لها ضامن حتّى يدفعها؛ وإن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده ؛ و كذلک الوصيّ الّذي يوصى إليه يكون ضامنًا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الّذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان (1) .

والصحيح المرويّ فيه أيضًا عن زرارة، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجلٍ بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت ؟ فقال : ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان . قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً ففسدت و تغيّرت أيضمنها ؟ قال : لا، ولكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها (2) .

قوله : « قلت : فإنّه لم يجد لها » إلى آخره، فيه احتمالان :

أحدهما : أن يكون الضمير المنصوب الّذي هو اسم « إنّ » عائدًا إلى المالک .

ولعلّ الوجه فيه هو : أنّه علیه السلام لمّا قال : بأنّه ليس على الرسول و لا على المؤدّي زكاة، توهّم السائل من اختصاص نفي الضمان بهما تحقّقه في حقّ المالک، فقال ما حاصله : إنّه إن لم يتمكّن من إيصالها إلى أهلها، فهل عليه ضمان في تلک الحالة أيضًا؟ فأجاب علیه السلام بما حاصله : انتفاء الضمان عند عدم التمكّن من أدائها إلى أهلها، و تحقّقه مع التمكّن منه .

والثاني : أن يكون الضمير عائدًا إلى واحدٍ من الرسول والمؤدّي، أي : الّذي

ص: 255


1- . الكافي : 3 / 553 ح 1 .
2- . الكافي : 3 / 553 ح 4 .

تحقّق تلف الزكاة عنده .

و لعلّ الداعي للسائل على السؤال المذكور بعد الجواب الصادر عنه علیه السلام حمله على الاستفهام الإنكاريّ المدلول عليه بقرائن الحال، فكأنّه علیه السلام قال : ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان ؛ والمراد تحقّق الضمان على أحدهما، بل المؤدّي، فقال السائل : « قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً » إلى آخره، ففصّل علیه السلام بين صورة التمكّن من الإيصال إلى المستحقّ و عدمه، و حكم بالضمان في الأولى، دون الثانية .

ثمّ الاستناد بالحديث الثاني في المقام بناءً على الوجه الأوّل ظاهر ؛ و أمّا على الثاني فلوضوح انتفاء الفرق بين المالک و وكيله في ذلک، فإذا ثبت الضمان في حقّ الوكيل مع التلف في صورة التأخير مع التمكّن من الإيصال إلى أهلها، فليكن الأمر كذلک في حقّ المالک أيضًا كذلک، لانتفاء الفرق والفارق .

و هذا المعنى هو الّذي حمل الحديث عليه شيخ الطائفة في التهذيب، حيث قال - بعد الحكم بضمان المالک في صورة تلف المال مع وجود المستحقّ والاستدلال عليه بالحديث الأوّل - ما هذا لفظه :

و كذلک من وجّه إليه زكاة مال ليفرّقه و وجد لها موضعًا فلم يفعل ثمّ هلک، كان ضامنًا .

و استدلّ عليه بهذا الحديث حيث قال :

روى ذلک محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد،

ص: 256

عن حريز، عن زرارة، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجل بعث إليه، الحديث (1) .

إن قيل : إنّ المذكور في التهذيب نقلاً عن محمّد بن يعقوب غيرُ مطابق لما في الكافي، لأنّ الموجود في الكافي هكذا : حريز، عن زرارة، قال : سألت أباعبدالله علیه السلام، إلى آخره .

قلنا : إنّ ثقة الإسلام و إن لم يذكر السند في هذا الحديث، لكنّه أحاله إلى ما ذكره من سند الحديث السابق، لما هو المعهود من عادته من أنّه كثيرًا مّا يذكر المشترک بين السندين و يحول سابقه إلى ما ذكره في السابق ؛ و هنا كذلک، فلاحظ الكافي حتّى يتبيّن لک الحال (2) .

و لعلّه للتنبيه على ذلک ذكر شيخ الطائفة تمام السند في الحديثين .

والمتحصّل من جميع ذلک : عدم سقوط الضمان بأخذ السلطان في الصورتين المذكورتين ؛ والظاهر أنّ ذلک ممّا لا تأمّل فيه .

ص: 257


1- . التهذيب : 4 / 48 .
2- . ينظر الكافي : 3 / 553 ح 4 .

ص: 258

الحكم بالضمان هنا هل يختصّ بما إذا لم يصل ضررٌ من الظالم

إلى المالک بإزاء ما دفعه إلى المستحقّين، أو لا ؟

و إنّما المهمّ في المقام التنبيه على أنّ الحكم بالضمان فيها هل يختصّ بما إذا لم يصل ضررٌ من الظالم إلى المالک بإزاء ما دفعه إلى المستحقّين ؛ أو لا، بل يعمّه وغيره، فلو وضع الظالم مثلاً على كلّ جريبٍ من الأرض مقدارًا معيَّنًا من الحاصل - كعشرة أمنان مثلاً - فيأخذ هذا المقدار منه لا محالة، سواء عجّل في دفع الزكاة، أو أخّر ؟

احتمالان، وجه التعميم عموم قوله علیه السلام في الصحيح المتقدّم : « من أسلم طوعًا تركت أرضه في يده، و أخذ منه العشر ممّا سقت السماء والأنهار، و نصف العشر ممّا كان بالرشاء (1) »، الحديث (2) .

ص: 259


1- . في التهذيب : و نصف العشر ممّا سقي بالرشاء .
2- . الكافي : 3 / 512 ح 2 ؛ التهذيب : 4 / 118 ح 1 .

والنصوص بلزوم العشر فيما سقته السماء مستفيضةٌ كما ستقف عليها .

وخصوص الصحيح المرويّ في التهذيب عن أبي أسامة، قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : جعلت فداک، إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا، فيأخذون منّا الصدقة، فنعطيهم إيّاها، أتجزي عنّا ؟ فقال : لا، إنّما هؤلاء قومٌ غصبوكم - أو قال : ظلموكم - أموالكم، و إنّما الصدقة لأهلها (1) .

وجه الدلالة من وجهين :

أحدهما : انّ المستفاد من الحكم بعدم إجزاء ما أخذوه منهم ظلمًا وجوبُ إعطاء ذلک المقدار ثانيًا ؛ واللازم منه الحكم بلزوم إعطاء عشر المأخوذ ظلمًا، فلايكون المأخوذ ظلمًا موضوعًا بأن يكون الزكاة بعد وضعه فيما بقي، فلو فرض أنّ المأخوذ بعنوان الزكاة ظلمًا ألف منّ مثلاً، يفهم من الحكم بعدم إجزائه تدارک مثله، أي : إعطاء ألف منّ آخر .

و اللازم منه وجوب إعطاء عشر المأخوذ ظلمًا أيضًا، فلو كان المأخوذ ظلمًا موضوعًا يلزم الحكم بنقصان عشرة، و هو مائة منّ في الصورة المفروضة عن أصل الفريضة، فيكون مقدار الزكاة هناک تسعمائة منّ، والمستفاد من الصحيح خلافه .

والثاني هو : أنّ قوله علیه السلام : « إنّما هؤلاء قوم غصبوكم » إلى آخره، تعليلٌ لعدم

ص: 260


1- . التهذيب : 4 / 140 ح 13 .

سقوط الزكاة بالمأخوذ ظلمًا، فالمستفاد منه أنّه إذا أخذ الظالم كلّ زرع لا يكون ذلک موجبًا لسقوط الزكاة، بل يجب عليه الزكاة ثانيًا، فعدم السقوط فيما إذا أخذ البعض بطريقٍ أولى .

مضافًا إلى أنّه مقتضى التعليل أيضًا، كما لا يخفى على المتأمّل، فعلى هذا لو أخّر دفع زكاة المقدار الّذي يأخذه الظالم منه قطعًا إلى أن أخذه منه مع التمكّن من دفعها إلى أهلها، يكون ضامنًا .

و أمّا كلمات الأصحاب، فإن كان المراد من التمكّن الّذي جعل في كلامهم مناطًا للحكم بالضمان : إمكان الإيصال إلى المستحقّ كيف ما كان، يكون المستفاد منها الحكم بالضمان في الصورة المفروضة .

و إن لم يكن المراد ذلک، بل المراد من التمكّن : التمكّن على النحو الّذي لم يتوجّه إليه ضرر، يكون المستفاد منها خلافه ؛ و هو مقتضى ما ذكره في المسالک، لقوله :

و المراد بحصّة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج، أو الأجرة و لو بالمقاسمة، سواء في ذلک العادل و الجائر، إلّا أن يأخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح كونه أجرة عادة، فلا يستثنى الزائد، إلّا أن يأخذه قهرًا بحيث لا يتمكّن المالک من منعه منه سرًّا أو جهرًا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد (1) .

ص: 261


1- . مسالک الأفهام : 1 / 393 .

و في مجمع الفائدة والبرهان :

ظاهر الأدلّة عدم حساب (1) مؤنة الظالم الّذي يأخذه ظلمًا، بل وجوب

الزكاة عنه أيضًا، إذ الظلم على أحد لا يمنع بقاء مال الآخر عليه، إلّا إذا صار كالحقّ اللازم في العين ؛ و لا يمكن الزرع بغيره و لا دفعه، و ما فرّط المالک فيه فكأنّه بمنزلة التلف من العين من غير اختيار أحد، فينبغي عدّه معدومًا و تالفًا، و يكون مال المالک والفقراء في ذمّته، كما هو مقتضى تعلّق الزكاة بالعين والشركة، فلا يبعد تعلّق الزكاة بالمؤن كلّه كالخراج و نحوه، لما مرّ، انتهى (2) .

و منه يظهر الوجه في الثاني، تقريره هو : أنّ المعروف بين الأصحاب أنّ وجوب الزكاة يتعلّق بالعين، لا بالذمّة ؛ و في التذكرة عزاه إلى علمائنا، قال :

الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة، عند علمائنا (3) .

و فيه أيضًا :

الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة (4) .

و في المنتهى :

ص: 262


1- . في المصدر : احتساب .
2- . مجمع الفائدة والبرهان : 4 / 109 .
3- . تذكرة الفقهاء : 5 / 186 .
4- . تذكرة الفقهاء : 5 / 187 .

الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان المال حيوانًا، أو غلّة، أو أثمانًا (1) .

فنقول : إنّ عين المال مشترکٌ بين المالک والفقراء ؛ و المفروض أنّ الظالم يأخذ من تلک العين مقدارًا معيَّنًا من غير مدخليّةٍ للمالک فيه أصلاً، و لا يتمكّن من دفعه، فقد وقع ضررٌ في المال المشترک من غير تفريطٍ من أحد الشركاء، فيفي الحكم بكونه على الجميع بأن يحسب تسعة أعشار مثلاً على المالک، و عشر واحد على الفقراء، فيكون هذا المقدار موضوعًا، فيجب عليه زكاة الباقي .

إن قيل : إنّ المفروض أنّه متمكّنٌ من إيصال الزكاة إلى أهلها، فأفرط بالتأخير، فيكون ضامنًا .

قلنا : لمّا كان المفروض علمه بأنّ الظالم يأخذ منه هذا المقدار لأجل هذا الزرع قبل تعلّق وجوب الزكاة، بل قبل الزرع، بل لو سامح في تأديته، لكان ممنوعًا من أصل الزرع بمنع وجوب التعجيل عليه في الدفع ؛ والحال هذه حتّى يكون بالتأخير مفرطًا، فنقول : يجوز له في بادي الأمر و لو قبل أخذ الظالم وضع هذا المقدار، و يجب إخراج الزكاة من الباقي .

إن قلت : إنّ المستفاد من كلماتهم السالفة الناطقة على أنّ التلف بعد إمكان الإيصال إلى المستحقّ يوجب الضمان، الحكم بالضمان في محلّ الكلام أيضًا، إذ المفروض فيما نحن فيه كذلک .

ص: 263


1- . منتهى المطلب : 8 / 244 .

قلنا : إنّ المتبادر من كلماتهم غير ما نحن فيه، فلاحظ حتّى يظهر لک حقيقة الحال، بل نقول : إنّ مقتضى حكمهم بوضع المؤن، الحكم بموضوعيّة العين المأخوذة ظلمًا أيضًا، كما لا يخفى .

والحاصل : انّ الحكم بكون الزكاة بعد إخراج المؤن - كأجرة السقي والحصاد والجداد و تجفيف ثمرة و إصلاح موضع التشميس و غير ذلک - يدلّ على كونها بعد المأخوذ ظلمًا في محلّ الكلام بطريقٍ أولى، إذ لو لم يرض الشارع بكون كلّ المال المصروف في تحصيل الزرع على المالک، فعدم رضائه بكون كلّ الضرر الوارد على أصل العين عليه بطريقٍ أولى .

ص: 264

هل الزكاة في الباقي بعد المؤن كلّها، أو على الجميع ؟

فالمهمّ في المقام صرف الهمّة إلى تحقيق ذلک المرام، فنقول : إنّ القول بكون الزكاة بعد وضع المؤن كلّها مختارُ الفقيه، والمقنعة، و جمل السيّد، والنهاية، وموضع من المبسوط، والمراسم، والسرائر، والمعتبر، والشرائع، والنافع، والمنتهى، والتذكرة، و نهاية الإحكام، والتحرير، والمختلف، والقواعد، والإرشاد، والتبصرة، والدروس، والبيان، فلاحظ عباراتهم السالفة .

و عزاه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب حيث قال :

زكاة الزرع والثمار بعد المؤنة، كأجرة السقي و العمارة والحصاد والجداد (1) والحافظ، و بعد حصّة السلطان ؛ و به قال أكثر أصحابنا .

واختاره الشيخ أيضًا في النهاية، و ذهب إليه عطا .

ص: 265


1- . في المصدر : الجذاذ .

و قال في المبسوط والخلاف : المؤنة على ربّ المال، دون الفقراء ؛ وهو قول الفقهاء الأربعة . والأقرب الأوّل (1) .

و في المختلف انّه المشهور، قال :

المشهور أنّ المؤنة الّتي تلحق الغلّات والثمار إلى وقت الإخراج -كأجرة السقي والعمارة والحصاد والتصفية - يخرج وسطًا، ثمّ يزكّى الباقي (2) .

و خالف في ذلک شيخ الطائفة في الخلاف، حيث قال :

كلّ مؤنة تلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال . و به قال جميع الفقهاء إلّا عطا، فإنّه قال : المؤنة على ربّ المال والمساكين بالحصّة (3) .

و كذا في موضع من المبسوط، حيث قال :

و كلّ مؤنة تلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، دون المساكين (4) .

ص: 266


1- . منتهى المطلب : 8 / 209 .
2- . مختلف الشيعة : 3 / 191 .
3- . الخلاف : 2 / 6علیه السلام .
4- . المبسوط : 1 / 304 .

و هذا القول محكيّ عن الجامع (1) ؛ واختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين،

كصاحب المدارک و الكفاية و غيرهما (2) .

[ إلى هنا ما عثرنا عليه من النسخة الخطّية ]

ص: 267


1- . الجامع للشرائع : 134 ؛ و حكاه عنه في المدارک : 5 / 142 .
2- . ينظر مدارک الأحكام : 5 / 142 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 181 ؛ و الذخيرة : 442 ؛والمفاتيح : 1 / 190 ؛ والمستند : 2 / 330 ؛ والحدائق : 12 / 125 .

ص: 268

–فهرس مصادر التحقيق

- القرآن الكريم

« أ »

- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ فارس الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1410 ه .

- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1363 .

- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460ه )، منشورات مكتبة جامع چهلستون، تهران، 1400 ه .

- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عليّ بن سليمان المرداويّ ( 817 - 885 ه )، تحقيق محمّد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1406 - 1986 م .

ص: 269

- أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي )، لناصر الدّين أبي الخير عبدالله بن عمر البيضاوي ( ت 685 ه )، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع، بيروت، 1330 .

« ب »

- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار :، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ( 1037 - 1110 ه )، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه .

- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود الكاشاني ( 587 ه )، المكتبة الحبيبيّة، باكستان، 1409 ه .

- بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد ( 595 ه )، تحقيق خالد العطّار، دار الفكر، بيروت 1415 - 1995 م .

- بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين، للإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين الموسويّ ( 1377 ه )، المطبوعة ضمن : « موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين »، تحقيق مركز العلوم والثقافة الإسلاميّة، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1431 ه .

- البيان، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( ت 786 )، الطبعة الحجرية، مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم، 1322 .

- بيان المفاخر، للسيّد مصلح الدّين المهدوي ( 1416 ه )، مكتبة مسجد السيّد، اصفهان، 1368ش.

ص: 270

« ت »

- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحبّ الدين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( ت 1205 ه )، تحقيق على شيري، دار الفكر، بيروت، 1414ه .

- تاريخ ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون المغربيّ ( ت 808 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1391 ه .

- تاريخ بغداد ( أو مدينة السلام )، لأبي بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي ( ت 463 ه )، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1417 ه .

- تاريخ روضة الصفاى ناصرى، رضا قلى خان هدايت، اساطير، تهران، 1385ش.

- تاريخ الطبريّ، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ( 310 ه )، تحقيق عدّة من العلماء، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1403 ه .

- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدّين، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسيني و الشيخ هادي اليوسفي، نشر الفقيه، تهران، 1368 .

- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، قم، 1420ه .

- تحفة الأبرار، للحاج السيّد محمّد باقر حجّة الإسلام الشفتي (1180 - 1260ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد باصفهان، مطبعة سيّد الشهداء، قم، 1409ه .

ص: 271

- تذكرة الفقهاء ( ط . ج )، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726ه )، تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث، قم، 1414ه .

- تذكرة القبور، للشيخ عبد الكريم الجزي ( 1260 - 1339 ه )، مكتبة آية الله المرعشيّ، قم، 13علیه السلام1 ش .

- تذكره مآثر الباقريّة، الميرزا محمّد علي زوّاره اى ( 1195 - 1248 ه )، تحقيق الدكتور حسين المسجدي، سازمان تفريحى فرهنگى شهردارى، اصفهان، 1385 ش .

- تفسير الصافي، لملّا محسن الكاشاني، مكتبة الصدر، تهران، 1416 ه .

- تكملة أمل الآمل، للسيّد حسن الصدر الكاظميني ( 1354 ه )، تحقيق حسين علي محفوظ وعبدالكريم و عدنان الدبّاغ، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1429 ه .

- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، لجمال الدّين مقداد بن عبدالله السيوري الحلّي (م 826 ه )، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، نشر مكتبة آية الله المرعشي ؛، الطبعة الأولى، قم، 1404 ه .

- تهذيب الأحكام، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1365ه .

« ج »

- الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبيّ )، لأبي عبدالله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبيّ ( ت 671 ه )، مؤسّسة التاريخ العربي، دار إحياء التراث العربي،

ص: 272

بيروت،1405 ه .

- الجامع للشرائع، لنجيب الدّين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي ( 601 - 690ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ السبحاني، المطبعة العلمية، قم، 1405 ه .

- جامع المقاصد في شرح القواعد، للمحقّق الثاني علىّ بن الحسين بن عبدالعالي الكركي ( 868 - 940 ه )، نشر و تحقيق مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث، قم، 1408 ه .

- الجمل والعقود، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق محمّد واعظ زاده الخراساني، نشر جامعة مشهد، 1347 ش .

- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني، دار الكتب الإسلامية، تهران، 1367.

« ح »

- الحاوي الكبير، لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي (346 - 450ه )، دارالفكر، بيروت، 1414 ه .

- حبيب السير في أخبار افراد بشر، غياث الدين بن همام الدين الحسيني المدعوّ بخواند امير، دكتر محمّد دبير سياقى، خيام، تهران، 1353 ش .

- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للشيخ يوسف البحراني (1186ه )، تحقيق محمّد تقي الإيرواني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 - 1409 ه .

ص: 273

- الحلية اللامعة للبهجة المرضيّة، للعلّامة المحقّق الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقيّ الموسويّ الجيلانيّ الشفتيّ ( 1180 - 1260 ه )، تحقيق مكتبة مسجد السيّد بأصفهان، شب افروز، الطبعة الأولى، تهران، 1393 ش .

- حياة المحقّق الكركي و آثاره، تأليف الشيخ محمّد الحسّون، منشورات الاحتجاج، تهران، 1423 ه .

« خ »

- الخراجيّات ( قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج )، للمحقّق الثاني علىّ بن الحسين بن عبدالعالي الكركي ( 868 - 940 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1413 ه .

- الخلاف ( مسائل الخلاف )، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق السيّد عليّ الخراساني والسيّد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1417 ه .

« د »

- دانشمندان و بزرگان اصفهان، للسيّد مصلح الدين المهدوي ( 1416 ه )، نشر گلدسته، اصفهان، 1384ش.

- الدروس الشرعيّة في الفقه الإماميّة، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( ت 786 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1412 ه .

ص: 274

« ذ »

- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري (م 1090 ه )، الطبعة الحجرية، نشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث، قم.

- الذريعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389)، دار الاضواء، بيروت، 1403 ه .

« ر »

- الرسائل الرجاليّة، للسيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الشفتي المشهور بحجّة الإسلام (1180 - 1260 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد بإصفهان، 1417ه .

- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، للسيّد محمّد باقر الموسوي الچهارسوقي ( 1226 - 1313 ه )، مؤسّسة اسماعيليان، قم، 1390 ه .

- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ العاملي (911 - 965 ه )، منشورات جامعة النجف الدينيّة، قم، 1410 ه .

- الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة، للسيّد محمّد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي البروجردي ( ت 1280 ه )، الطبع الحجري، تهران .

- روضة المتّقين في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه، للعلّامة محمّد تقي المجلسي الإصفهاني (ت 1070 ه )، تحقيق جمع من المحقّقين، نشر المؤسّسة الثقافيّة الإسلاميّة للكوشانبور، قم، 1406 ه .

ص: 275

- رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي ( ت 1231 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1412 ه .

- ريحانة الأدب، لميرزا محمّد علي المدرّس، خيام، تهران، الطبعة الثانية .

« ز »

- زبدة التفاسير، لملّا فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني ( 988 ه )، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1423 ه .

« س »

- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي ( 543 - 598 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

- السنن الكبرى ( سنن البيهقي )، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 - 458 ه )، نشر دار الفكر، بيروت .

« ش »

- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، للمحقّق الحلّي الشيخ أبي القاسم جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 672 ه )، تحقيق و تعليق السيّد صادق الشيرازي، انتشارات الاستقلال، طهران، 1409 ه .

ص: 276

« ص »

- الصحاح ( تاج اللغة و صحاح العربيّة )، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393ه )، تحقيق أحمد بن عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 ه .

« ط »

- طبقات أعلام الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، اسماعيليان، قم .

- طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، للسيّد علي أصغر بن محمّد شفيع الجابلقي البروجردي ( 1313 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1410 ه .

- الطليعة من شعراء الشيعة، للشيخ محمّد السماوي ( 1292 - 1370 ه )، تحقيق كامل سلمان الجبوري، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1422 ه .

« ع »

- عيون المعجزات، للمحدّث الجليل الشيخ حسين بن عبدالوهّاب ( ق 5 )، الناشر محمّد كاظم الشيخ صادق الكتبي، الحيدريّة، النجف الأشرف، 1369 ه .

« ف »

- الفتوح، لأحمد بن أعثم الكوفيّ ( ت 314 ه )، تحقيق علي شيري، دار الأضواء، بيروت، 1411 ه .

- فتوح البلدان، لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ ( 279 ه )، تحقيق الدكتور صلاح

ص: 277

الدين المنجد، مطبعة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956 م .

- الفضائل، لشاذان بن جبرئيل القمّي ( نحو 660 ه )، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1381 ه .

« ق »

- القاموس المحيط، لأبي طاهر مجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( 729 - 817 ه )، تحقيق و نشر دار العلم، بيروت، 1306 .

- قصص العلماء، لميرزا محمّد بن سليمان التنكابني ( ت قبل 1320 ه )، انتشارات علميّه إسلاميّه، تهران .

- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1413 ه .

« ک »

- الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ( ت 329ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1388 .

- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح تقي الدّين بن نجم الحلبيّ ( 374 - 447 ه )، تحقيق الشيخ رضا الأستادي، مكتبة أمير المؤمنين علیه السلام، إصفهان، 1403 ه .

- الكامل في التاريخ، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، دار صادر، بيروت، 1386 .

ص: 278

- كتاب الغيبة، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1411 ه

.

- كتاب من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه ) تحقيق علي أكبر الغفّاري، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1404 ه .

- الكرام البررة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

- كفاية الأحكام، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري ( ت 1090 ه )، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1423 ه .

- الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمّي ( 1359 ه )، مكتبة الصدر، تهران، 1409ه .

« ل »

- لسان العرب، لجمال الدّين محمّد بن مكرم بن منظور المصري ( 630 - 711ه )، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه .

- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه )، تحقيق الشيخ عليّ الكوراني، دار الفكر، قم، 1411 ه .

- لوامع صاحبقراني ( المشتهر بشرح الفقيه )، للعلّامة محمّد تقي المجلسي الاصفهاني ( ت 1070 ه )، مكتبة اسماعيليان، قم، 1414 ه .

ص: 279

« م »

- ماضي النجف و حاضرها، للشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ( 1377 ه )، تحقيق محمّد سعيد آل محبوبه، دار الاضواء، بيروت، 1430 ه .

- المبسوط، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق محمّد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران، 1387 .

- المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمّد بن أبي سهل السرخسيّ ( 483 ه )، دار المعرفة، بيروت، 1406 - 1986 م .

- مجمع البحرين ومطلع النيّرين، للشيخ فخر الدّين محمّد الطريحي ( ت 1085ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة، 1408 ه .

- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمحقّق الأردبيلي أحمد بن محمّد ( ت 993 ه )، تحقيق إشتهاردي وعراقي ويزدي، نشر جامعة المدرّسين، 1403ه .

- المختصر النافع، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 672 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ القمي، نشر مؤسّسة البعثة، طهران، 1410ه ( طبع دار التقريب، قاهرة ).

- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، لجنة التحقيق، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1412ه .

- مدارک الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للسيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ

ص: 280

(956 - 1009 ه ) تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث، قم، 1410 ه .

- المدوّنة الكبرى، لمالک بن أنس الأصبحيّ ( 179 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1323 .

- مدينة المعاجز، للسيّد هاشم بن سليمان البحرانيّ ( ت 1107 ه )، تحقيق الشيخ عزّة الله المولائيّ الهمدانيّ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1413 ه .

- المراسم النبويّة والأحكام العلويّة، لسلّار بن عبدالعزيز الديلمي (463 ه )، تحقيق السيّد محسن الحسيني الأميني، نشر المعاونية الثقافية للمجمع العالمي، قم، 1414 ه .

- مسالک الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1413ه .

- مستند الشيعة، للمولى أحمد بن محمّد مهدي النراقيّ ( ت 1245 ه )، تحقيق مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث، قم، 1415 ه .

- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (ت 770)، منشورات دار الهجرة، قم، 1405 ه .

- مطالع الأنوار، للحاجّ السيّد محمّد باقر الشفتي، المعروف بحجّة الإسلام على الإطلاق (1180 - 1260 ه )، طبع الأفست، مكتبة مسجد السيّد، نشاط، اصفهان 1366ش، و 1409 ه .

- المعارف، لابن قتيبة الدينوريّ ( ت 376 ه )، تحقيق الدكتور ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة .

ص: 281

- معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة و أسماء المصنّفين منهم قديمًا وحديثًا، لأبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ( ت 588 ه )، نشر الفقاهة، قم، 1425 ه .

- المعتبر في شرح المختصر، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 676 ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام، قم، 1364 .

- معجم البلدان، لأبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الروميّ البغداديّ (ت 626ه )، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1399 ه .

- معجم المؤلّفين، عمر رضا كحالة ( 1408 ه )، دار احياء التراث، بيروت، بدون تاريخ .

- المغني، لعبدالله بن أحمد بن محمّد بن قدامة ( 620 ه )، بعناية جماعة من العلماء، دار الكتب العربيّ، بيروت، بدون تاريخ .

- مفاتيح الشرائع، للمولى محمّد محسن بن الشاه مرتضى المشهور بالفيض الكاشاني ( ت 1091 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة مجمع الذخائر الإسلامية، قم، 1401 ه .

- المقنعة، لأبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

- مكارم الآثار، محمّد عليّ المعلّم حبيب آبادي ( ت 1396 ه )، انجمن كتابخانه هاى

ص: 282

عمومى اصفهان، 1377 - 1382 .

- منتقى الجمان، للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ( ت 1011 ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاريّ، المطبعة الإسلاميّة، قم، 1362 ش .

- منتهى المطلب في تحقيق المذهب ( ط . ج )، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق و نشر قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1412ه .

- المهذّب، للقاضي ابن البرّاج أبي القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز ( حوالي 400 - 481 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1406 ه .

- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي ( 757 - 841 ه )، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، نشر جامعة المدرسين، قم، 140علیه السلام ه .

« ن »

- نزهة القلوب ( المقالة الثالثة : در وصف بلدان و ولايات و بقاع )، حمد الله بن أبي بكر المستوفي القزوينيّ ( ق 8 )، اساطير، تهران، 1389 ش .

- نقباء البشر في القرن الرابع عشر، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر

ص: 283

(648 - 726 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1410 ه .

- النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1364 ش .

- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، طبعة دار الأندلس، بيروت .

- نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة :، لأبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبريّ ( ق 4 )، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ علیه السلام، قم، 1410 ه .

« و »

- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، لعماد الدّين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ، المعروف بابن حمزة ( ق 6 )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، نشر مكتبة السيّد المرعشي، قم، 1408ه .

ص: 284

–فهرس المحتويات

مقدّمة التحقيق / 5

1 - لمحةٌ من حياة المؤلّف 1 5

اسمه و نسبه 5

ولادته و نشأته 6

إطراء العلماء له 11

زهده و عبادته 12

إقامته الحدود الشرعيّة 13

أساتذته و مشايخ روايته 13

أولاده 14

تآليفه القيّمة 17

ص: 285

الكتب و الرسائل الفقهيّة 17

الكتب و الرسائل الحديثيّة 20

الكتب و الرسائل الأصوليّة 21

الكتب و الرسائل الرجاليّة 21

الكتب و الرسائل المتفرّقة 23

وفاته و مرقده 24

2 - التعريف بالكتاب 27

3 - منهجيّة التحقيق 29

ص: 286

–رسالة في الأراضي الخراجيّة / 31

المطلب الأوّل :

في تقسيم الأرض إلى أقسامها المعروفة 33

المطلب الثاني :

في تعيين الأراضي المفتوحة عنوةً و تشخيصها 35

هنا مقامات :

المقام الأوّل : في ذكر النصوص الدالّة على الأراضي الّتي فتحت عنوة 37

المقام الثاني : في ذكر ما وصل إلينا من كلمات فقهائنا في هذا المطلب 47

المقام الثالث : في ذكر كلمات المؤرّخين في هذا المطلب 53

ذكر بلاد العراق 53

بابل 53

الحِيرة 54

حُلوان 55

ص: 287

الرومية والقادسيّة 55

المدائن 56

النهروان 59

البصرة 64

بغداد 65

الكوفة 67

الحلّة 68

ذكر بلاد العجم 68

الأراضي المفتوحة عنوةً / 73

تحقيق الحال في هذا المرام يستدعي نقل الكلام في مطالب :

المطلب الأوّل :

في ذكر اختلاف المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة 75

ذكر أقوال علماء العامّة 75

ذكر أقوال علماء الإماميّة 76

ص: 288

المستند في أنّ الأراضي المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين 85

تحقيق المقام يستدعي بسط الكلام في مطالب :

المطلب الأوّل :

في وجوب إخراج الخمس من الأراضي المفتوحة عنوةً و كون الباقي للمسلمين 87

المطلب الثاني :

في أنّ ما ذكر من وجوب إخراج الخمس من تلک الأرضين يختصّ بالأراضي المعمورة حين الفتح 91

النصوص الدالّة على المطلب 95

النصوص الّتي توهم التخصيص في الموات و الإطلاق في المفتوحة عنوة 97

القسم الأوّل من النصوص : ما فسّر فيه الأنفال المختصّ بالإمام لغير ما فتح عنوة بعنوان الإطلاق 97

القسم الثاني من النصوص : ما دلّ على أن الأراضي الّتي فتحت عنوة للمسلمين بعنوان الإطلاق 101

الجواب عن القسم الأوّل من النصوص المذكورة 103

الجواب عن القسم الثاني من النصوص المذكورة 104

ص: 289

المطلب الثالث :

في كيفيّة اختصاص الأرض المفتوحة عنوةً بالمسلمين 107

المستند للقول بكونها مملوكة للمسلمين 110

المستند في القول بعدم الملكيّة أمور :

الأمر الأوّل : صحّة إجارة هذه الأرض لجميع أفراد المسلمين، و كذا عدم

صحّة إجارتها منهم 111

1 - صحّة إجارة هذه الأرض لجميع أفراد المسلمين 112

2 - عدم صحّة إجارة هذه الأرض من المسلمين 113

الأمر الثاني : انّ المذكور في كلماتهم أنّ نماء هذه الأرضين يصرف في مصالح

العامّة للمسلمين، و مقتضاه عدم جواز صرف المسلمين ذلک في

مصارفهم كائنةً ما كانت، و هو ينافي الملكيّة 114

تحقيق الحال يستدعي نقل الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّ نماء الأراضي المفتوحة عنوةً يصرف في مصالح

العامّة للمسلمين، و أنّ المتولّي لذلک هو الإمام أو نائبه 117

ص: 290

الدليل على صرف نماء هذه الأراضي في المصالح العامّة للمسلمين :

الدليل الأوّل : النصّ 117

الدليل الثاني : الإجماع 125

المقام الثاني : في أنّ صرف نماء الأراضي المفتوحة عنوةً في مصالح العامّة

لاينافي الملكيّة 129

الأمر الثالث : أنّهم حكموا باشتراک غير المقاتلين مع المقاتلين في تلک

الأرضين بحيث لا فضل للثاني على الأوّل فيها، و هو لا يناسب

الملكيّة 130

الأمر الرابع : أنّه على تقدير الملكيّة يلزم الحكم بتقسيم المتناهي على الغير

المتناهي، و لا شبهة في فساده 131

المطلب الرابع :

في أنّه لا يجوز التصرّف في الأراضي المفتوحة عنوة بالبيع وغيره، إلّا للإمام أونائبه 133

ص: 291

هنا مقامان :

المقام الأوّل : في أنّه لايجوز التصرّف في تلک الأرضين بالتصرّفات

الناقلة للعين 135

ذكر الأقوال في المسألة :

القول الأوّل 138

القول الثاني 138

القول الثالث 138

مختار المؤلّف رحمة الله 138

المستند في المختار 139

القول الرابع 151

القول الخامس 154

المقام الثاني : في عدم جواز تصرّفات الناقلة للمنفعة أيضًا في المفتوحة

عنوةً 161

الجواب عن النصوص الدالّة على عدم جواز بيع المفتوحة عنوةً 191

ص: 292

في وضع الخراج و المؤنة في مقام الزكاة / 199

هنا مقامان :

المقام الأوّل : في استثناء الخراج و أنّ الزكاة إنّما يجب بعد إخراجه 199

تنقيح المقام يستدعي بسط الكلام في مطالب :

المطلب الأوّل :

في أنّ أرض الخراج عبارةٌ عن أيّ شيء ؟ 201

الوجه الأوّل 201

الوجه الثاني 202

الوجه الثالث 203

مختار المؤلّف رحمة الله 203

في أنّ ذلک هل يكون مختصًّا بما يأخذه الإمام و نائبه، أو لا بل يثبت و لو فيما إذا كان الآخذ من سلاطين الجور، مخالفًا كان أو موافقًا، و لو من غير القسمين من الأراضي ؟ 205

ص: 293

هنا مقامات :

المقام الأوّل : أن يكون آخذ الخراج إمامًا 207

المقام الثاني : أن يكون آخذ الخراج من سلاطين الجور في المفتوحة

عنوةً 211

المقام الثالث : أن يكون آخذ الخراج من سلاطين الجور في غير المفتوحة

عنوةً و ما يشاركها 211

إيراد عبارات الأصحاب في هذا المرام 212

الخراج اسمٌ للمال المأخوذ، والمقاسمة اسمٌ للحصّة المأخوذة من الغلّة 225

التنبيه على أنّ المستثنى في مقام الزكاة هل يكون مختصًّا بما سمّي مقاسمة، أو لا

بل يعمّ المال المجعول على الأرض أيضًا 227

هل المراد من الخراج أو حصّة السلطان أو المقاسمة ما يأخذه السلطان مطلقًا ولو

كانت الأرض للزرّاع، أو لا ؟ 231

ص: 294

المراد من السلطان هل يختصّ بالمخالف أو يعمّ الموافق أيضًا ؟ 237

تحقيق الحال فيالتمكّن الّذي جعل مناطًا للحكم بالضمان و عدمه 245

هنا صورٌ :

الصورة الأولى 245

الصورة الثانية 246

الحكم بالضمان هنا هل يختصّ بما إذا لم يصل ضررٌ من الظالم إلى المالک بإزاء

ما دفعه إلى المستحقّين، أو لا ؟ 259

هل الزكاة في الباقي بعد المؤن كلّها، أو على الجميع ؟ 265

فهرس مصادر التحقيق 269

فهرس المحتويات 285

ص: 295

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.