هوامش على ضفاف عاشوراء

هوية الکتاب

العنوان: هوامش

على ضفاف

عاشوراء

المؤلف: علي حمزة زكريا

التصنيف: مقالات متنوعة

عدد الصفحات: 73 صفحة (21X14٫8 سم) الطبعة: الأولى 1440 ه . 2018 م النوع: إلكتروني

ص: 1

اشارة

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المحتويات

التغول على المصيبة ! 11

الدمعة الساكبة .. لا الدمعة الواعية 19

عاشوراء ليس موسمكم 25

التعاطي الضيق مع الإمام الحسين علیه السلام 31

عقلنة الشعائر 46

الإسراف في خدمة الإمام الحسين علیه السلام 60

ص: 6

مُقَدّمه

الأن عاشوراء متجددة،ومعينها لا ينضب،فإن القضايا التي تُثار على هامش إحيائها كذلك تتجدد.

وقد لا تتجدد بالمعنى الحرفي،حيث تتوالد قضايا جديدة،بل بالمعنى المجازي حيث تتناسخ بعض القضايا وتنقسم لتكرر نفسها كما هي،ذات الجوهر، وذات الفكرة.ومن هنا فإن هذا الكتيب هو مجرد ملاحظات كنت أسجلها في بعض المواسم العاشورائية الفائتة،وما لبثت أن برزت فكرة تجميعها في مكان

ص: 7

واحد حتى لا تذهب أدراج الرياح،كما ذهبت الكثير من التعليقات والمداخلات التي أثيرت وكتبت حتى استفاضت حول هذه القضايا وما فيها من تفاصيل وخلافات.

لقد كان لبروز وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ميزات رافقتها سلبيات لعل أبرزها ما أعلنته من موت المنتديات الفكرية،سيما الرصينة منها،ما جعل الكثير منها ينسحب من الساحة ساحا معه أرشيف متخم بالمداخلات والحوارات الرصينة والمتينة التي تناولت ذات القضايا،ولذا لعلّ هذا الكتيب هو مجرد محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الملاحظات والكتابات بعد أن قضى ذلك التطور على أقرانها، فأفقدها الكثير من جوانبها.

ص: 8

نسأل الله سبحانه أن يعجل بفرج وليه الطالب بثار جده الشهيد عليه السلام،وأن يشملنا بثواب من شارك ولو بقدر جناح بعوضة من دمعة في مصاب المظلوم عليه السلام وفي إحياء أمره كما دلت عليه النصوص،وعمل به الأئمة عليهم السلام والأصحاب رضوان الله عليهم کابرا عن كابر وصولاً للمدافعين عن أيتام آل محمد عليهم السلام في هذا الزمان وهم الفقهاء العدول أدام الله بقاءهم.

علي حمزة زكريا

محرم الحرام 160 ها

alizk85@Gmail.com

ص: 9

ص: 10

التغول على المصيبة!

:كتب في

2018/9/11م

العشرة،عشرة مصيبة؛والناس اجتماعهم على المصائب أكبر،وتفاعلهم أكثر. لهذا صار المنبر الحسینی منبرا تتوجه له الأبصار للتزود فيما يربطهم بدينهم، حيث وكأنه لا دین خارج هذه العشرة.

وذلك،هو ما أقر ضرورة مجابهة الهجمات العقدية والمعارك الفكرية في الحياة لانقاذ من هو على شفا حفرة.

ص: 11

لكن هذه العشرة،عشرة مصيبة،ورعاية المصيبة التي دلت عليها النصوص الصحيحة والصريحة أولى،وأوكد؛وهنا تقع الحيرة ما بين رعاية المصيبة وحقها،وبين الضرورة وفرضها.

ولأن الله سبحانه ما جعل الرجل من قلبين في جوفه،ضاعت المصيبة في غيابت الاستعراض الفكري،والتفنن في الدعاية المنبرية للموضوعات الثقافية،وفي السباق المحموم من قبل هلال محرم للترويج إلى ما يقدمه الخطيب من بضاعة في سوق الأفكار حتى تراجعت المصيبة إلى أقل من ختم المجلس وباتت تذكر على سبيل التمهيد-فقط-للدعاء لطلب الحوائج أو للعصمة من الضلال في أحسن الأحوال!

ص: 12

تضخمت هموم وأفكار الإنسان الذاتية والمادية ووصلت إلى درجة أنها باتت تزاحم الدين،فصار المجلس الديني أو المنبر الحسيني غير واع ولا مستحق، وخرافي وساذج ما لم يخصص نفسه ليناقش ويرد على ما يعانيه الإنسان في نفسه من صراع فكري نتيجة جهله ولا أباليته بالتعلم على مدار السنة؛ فيريد من علماء الدين أن يختزلوا عشرات السنوات من الدراسةوالمطالعة والتعلم في دقيقة ليقدموها وجبة جاهزة له لأن جنابه لا يملك غيرها وإن لم يأخذ مراده فيها فالقصور في المنبر والعجز في العلماء والخرافة في النصوص الصريحة من سادة العلماء والأوصياء عليهم السلام التي جعلت من هذا المنبر وهذه العشرة

ص: 13

مورد حزن وجزع ومصيبة تعطل فيها الدروس لتبقى أصوات الناعين عالية في مجالسهم عليهم السلام؛وهذا أمر لا يمكن اغفاله حين النظر فيما ورد من روايات بهذا الخصوص عنهم عليهم السلام.

ولكن الإنسان أكثر شيء جدلا، فأخذ من الحداثة نظرية(موت المؤلف)وأعاد تأويل تلك النصوص فارضا مراده عليها ورغبته فيها وكأن لسان الأئمة عليهم السلام أعجمي!ليعيد تشكيل المنبر ليناسب مزاجه-هو-الفكري،ورؤيته-هو- المنبر الحسين عليهم السلام،وهذا من العجب!صحيح،أن الضرورة موجودة، لكنها اليوم مع وسائل الحفظ والتخزين،ومع سهولة البث

ص: 14

والنشر والوصول،لم تعد ضرورة تعطي لها حق الاستيلاء الكلي على موسم المصيبة،وتقف ندا لما ورد عنهم عليهم السلام بالجزع والبكاء بل والتباكي. جمهور اليوتيوب،ومستمعي الساوند کلاود يفوق بأضعاف جمهور الحسينيات،ومن يطلب العلم لا يعجزه الوصول إليها،وهي لا تحتاج إلى وقت مخصوص أو منبر محدود أو فترة موقوتة لتؤدي وظيفتها،وهي وفرت مجالا لكل من يدعي أن هدفه رد الشبهات وتوثيق عروة الإيمان وتشديد القلوب على البقاء على الحق |شعار يزيّن ليالي المصيبة التي أعيد توظيفها لتصبح دروا أكاديمية ومنابر دعوية لغير

ص: 15

الفاجعة العظمى؛وهي أعطت الملاذ لألا تتغول مشاكل الناس الفكرية على حساب جوهر ما ورد في الدين.

فهل يعي الناس أن الحزن له وقته،والعلم له وقته،وأنه لا يجب أن نجعل مما نراه ضرورة حاكما ومتغولاً على ما هو واجب.

للتعزية له ولا طاقة لهم بطلب علم أو معيشة ولا للناس جرأة على اجبارهم على ترك التعزي لأجل توظيف أيام مصيبتهم في تقديم دروس بالفيزياء والحداثة لجمهور المعزين مستغلين تواجدهم وتوافدهم،ولكن يريدون ذلك ويطلبونه حثيثا في مصيبة أبي عبد الله عليه السلام،فوا عجبا!

ص: 16

ص: 17

ص: 18

الدمعة الساكبة..لا الدمعة الواعية

کتب في

2017/9/29

البكاء تعبير عن حالة عاطفية،والعاطفة لا تخضع في تجليها ومظهرها إلى حالات العقل كما في سائر الأفعال المقصودة؛فالحزن حالة اندفاع للتعبير عن شعور باطني يكتسح النفس مُظهرًا كل ما فيها.والشعور العاطفي هو وليد اللحظة والسليقة وليس ثمرة التخطيط والسيطرة.إنك لا ترى مكلوما يختار قضية نواحه،ولا ترى حزيئا يخزن حزنه لقضية ينتظر استحقاقها،ولا ترى مفجوعا يختار هيئة تفجعه،ولا ترى دمعة تختار توقيتها ومحركها..فالحزن وتجليه لا يحتاج إلى تبرير.

ص: 19

إن أفعال الحزن والجزع والتفجع ليست خاضعة للحسابات المنطقية ولا هيواقعة تحت مظلة التأمل العقلائي إنما هي حالات وأطوار تتشكل بحجم انفجارها في النفس فتظهر على الجوارح بقدر طاقة انفجارها.دعوات الدمعة الواعية،والحزن الهادف وأمثالها من دعوات تدعو إلى إخراج الحزن من حالته وتحويله إلى مشهد تمثيلي يوظف حالات النفس لأجل قضايا سياسية أو اجتماعية هو سلب لهذا التفجع والجزع،وتحويل الحزن من حالته العاطفية المعبرة عن واقع الحال إلى رياء يستورد مظاهر الحزن دون الحزن ذاته ليستغلها في التسويق لمشاريعه أيا كانت هذه المشاريع:سياسية أو اجتماعية أو نفوذ دینی وفكري؟

ص: 20

تأكيد الأئمة عليهم السلام على حالة النواح،والبكاء،بل والتباكي إن أعجر انفجار الحزن في النفس همر الدموع،وإزاحة كراهية الجزع من الجزع على مصابهم عليهم السلام،والتأكيد على أحياء أمرهم بإبقاء الألسنة الاهجة بمصابهم. ولاحظ هنا كيف أتت كثير من الروايات بضرورة"معرفة"فضلهم ولكنها أكدت على"تذكر"مصابهم ورثائهم،فالمعرفة شأن العقل،والتذكر شأن النفس، وحالات النفس أشد ظهورا على الجوارح،كلها امارات على أن الحزن لا يجب أن يعاد توظيفه لأجل غاية أخرى تخرجه عن حقيقته وهي التفاعل مع مصائب أهل البيت عليهم السلام، فالدمعة غاية ومقصد بحد ذاتها.

ص: 21

ومن هنا تفهم كيف أن تلك الدعوات وإن كان ظاهرها جلب الخير للمجتمعات وجاذبة لوجدان العوام الناقمين من أحوال مجتمعاتهم إلا أنها في الواقع سرقة للقضية،وتحویرٌ لها؛والدین أجلّ وأسمى من أن تكون نقمة عوام الناس على مجتمعاتهم مصدرا لتشريعاته،أو تكون أطروحات الأحزاب ونتاج فكر البشر الأيدلوجياتهم مقاصدًا لأحكامه.نسأل الله سبحانه ببركة الطاهرين عليهم السلام أن يجعل حزننا خالصًا لهم،معبرٌا عن واقع تفجعنا عليهم،

"وقليلٌ أن تتلف الأرواح في رزء الحسين"

ص: 22

ص: 23

ص: 24

عاشوراء ليس موسمكم

کتب في

2017/10/1

ليس دفاعاً عن الكذب والمكذوبات،ولكننا تعلمنا أن كلمة الحق في موقف الباطل لا تختلف عن الباطل في موقف الحق،وأن الباطل كان زهوقا.وأن إبليس قد يزين لك عملك بقول الحق فيدعوك للصلاة والصيام والزكاة لأنه يعلم أن هذا الحق هو المدخل للرياء في نفس الإنسان فلا يكسب الإنسان من قول الحق الذي قاله إبليس إلا الخسران المبين.

وفي موسم عاشوراء الحسين عليه السلام،ترى دعوة تحري الصدق والحق تنتشر، فتتفاءل بهذه الدعوى

ص: 25

التي تخرج في كثير من الأحيان من أهلها وأبناء بجدتها لما فيها من صواب يميت باطل الكثيرين من المستأكلين باسم أهل البيت عليهم السلام،إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما يتلاشى حين ترى دعاة الباطل والسائرين في ركب الأحزاب وجامعي فضلات موائد السياسيين ممن لا يجمعهم مع العدول والفضلاء شيء يعيدون ويركزون ويصرون على التأكيد على هذا الأمر حتى تخالهم من أهل التحقيق والتدقيق عملا واعتقادا!وهنا تعلم أن وراء دعوتهم تلك أمر در بليل وهدف خبيث لا يمكن له أن يتحقق إلا باستغلال الحق.تبدأ الدعوى بضرورة تحري الصدق،والتأكيد على الروايات الجامعة-ولا ترى لدعوتهم بتحري صدق صدورها هنا محلاً!-،ومن ثم الاكتفاء بالثابت-

ص: 26

بمبانيهم طبعًا!-من سيرة عاشوراء،وتنزيه المنبر عن الرؤى والأحلام،لتصل إلى غايتها في جعل المنبر الحسيني منصة لإلقاء الخطب وبث المواقف السياسية باسم الحسين عليه السلام ومصيبته مجرد أمثلة يضرب بها المثل لتحفيز أبناء الحزب والتيارللاندفاع في التضحية لأجل رموزهم وتيارهم.

إن مثل هذه الدعاوى من أمثال هؤلاء ليست سوى مدخلا لتفريغ عاشوراء، وتحويل أيامها من ذكر المصيبة إلى مهرجان تحفيزي،ونشاط بھرجي يهيء لهم الكوادر ويجعلهم يتسيدون الطائفة عند أصحاب السلطة بحجة كونهم دعاة(الوعي والتجديد)وأنهم ملاك القواعد الجماهيرية.

ص: 27

تأمل بدعاويهم،ثم انظر لسلوكهم،وسترى أن غيرتهم المفتعلة على المنبر الحسيني هي مجرد أداة يستغلونها الضرب منابر مخاليفهم حتی تخلو لهم الساحة،وليست انتماء لصدق القضية وحبا بأصحابها عليهم السلام،فلو كان كذلك ما كان موسم الحسين عليهم السلام موسم فتنتهم المعتادة،ولا أيام مصيبته ذروة نشاطهم

في تمييعها.

ص: 28

ص: 29

ص: 30

التعاطي الضيق مع الإمام الحسين علیه السلام

كتب في

2014/12/23

نحن نرى الأشياء بحسب اتساع زاوية الرؤية،والإنسان العاقل يبحث عن أفضل زاوية تكشف له المنظر ليرى ويستطلع من خلالها،أما الإنسان المتنازل عن عقلانيته فهو لا يمانع النظر من خلال ثقب صغير طالما أنه ينظر لما يمتعه ولا يهمه كل المشهد.

من هنا نستطيع فهم حقيقة التعاطي الضيق مع الإمام الحسين،ولذلك عدة صور منها:

ص: 31

•التعاطي الحزبي الحزب کمجموعة بشرية،لها منظومة فكرية وآلية عمل للوصول إلى غاية،عادة ما تكون هي فرض السلطة أو الهيمنة على السلطة.

إن التعاطي الحزبي مع الإمام الحسين عليه السلام ونهضة عاشوراء هو أضيق أنواع التعاطي فهو لا يرى في الإمام الحسين عليه السلام سوى ذلك الثائر الذي يريد السلطة الإصلاح الأمة فكانت الفاجعة التي حصلت بمشيئة الله سبحانه. إن كل أدبيات الحزبي لا تخرج عن هذه الرؤية بل لا ترى في كربلاء سوى"الثورة"(1)وفي

مصطلح سياسي لحركة الشعب كما وضعت لوصف حركة الشعب الفرنسي. وهذا لا ينطبق على الإمام الحسين كما أنه لم يطلب الحكم بالقوة بل خرج مبتعدا عن المواجهة. فمصطلح ثورة لا ينطبق أصلا على حركة الإمام عليه السلام.

ص: 32


1- يقول العلامة المنار:لقد خضنا لأكثر من عشر سنوات في تحديد مصيبة الإمام الحسين عليه السلام،هل هي ثورة؟أم نهضة؟أم وصفا آخر؟مثل المصيبة والكارثة والحركة،واكتشفت باننا نتحرج من كلمة ثورة لأنها تنقل الذهن إلى العمل السياسي غير الشرعي واستلام مقاليد الحكم،ولأن الأفكار السياسية قدمت الثورة على أنها حركة شعبية للتغيير وطبقتها على الانقلابات وكل انقلاب عسكري مغربي يسمي نفسه ثورة،فأصبح اسم الثورة ملوا بشكل قبيح لا يوجد بقباحته إلا النجاسة العينية. وفي الحقيقة فإن مصطلح ثورة حديث قيل إنه استعمل منذ حركة الشعب الفرنسي الغوغائية الجرائمية ضد الملوك،وسميت بالثورة الفرنسي،وبهذا المعنی فحركة الإمام سلام الله ليست ثورة لنختلف حولها،فهي ليست حركة شعب بل هي حركة نخبة النخبة لطلب الاصلاح ونبذ الفساد والخروج على الشرعية وتحويل الإسلام إلى امبراطورية شهوات ونزعات بلا دين ولا قيود،وقد نجحت حركة مولانا الحسین علیه السلام نجاحا باهرا في تخويف كل الحكام إلى هذا اليوم من إزالة الاسلام اسيما ومعنى،وبقي الاسم وبقيت الامبراطورية اللاشرعية. وببقاء اسم الاسلام بقي التشيع يناور في مساحات ضيقة ولكنها ممكنة وبحمد الله فقد نمى التشيع من أقل من في زمن مولانا الحسين عليه السلام إلى ثلث المسلمين تقريبا في هذا اليوم. وهذا كله ببركة نهضة أو حركة مولانا الإمام الحسين عليه السلام. إن اصطلاح ثورة لا ينطبق أساسا على تحرك مولانا،فهو من قبيل القضية سالبة بانتفاء الموضوع.فلا داعي للنقاش حوله وهل هو يعني طلب الملك والطمع فيه أم يعني أنه حركة اصلاحية مسلحة ضد الخارجين عن الدين والقانون بصفة دولة وامارة.فهذا كله لم يقع،ونحن نعلم بأن الإمام الحسين عليه السلام خرج من المدينة لا يريد المواجهة، وادخل بالمواجهة العسكرية بالقوة من قبل الأعداء، فهو رفض التوقيع للجائر بالبيعة وأن يعطي الشرعية لفاجر يحلم بالقضاء على الاسلام شكلا ومضمونا. فهو لم يطلب الحرب حتى يطلب الحكم؛وهذه أيضا سالبة بانتفاء الموضوع،وقد أرسل قبله مسلم بن عقيل ولكن لم يأمره بالقتال وتجهيز الجيش وكان بمقدور الرسول الحسيني أن يكون جيشا فورا وينتشر بقوة.ولكنه لم يرفع سيفه إلا حين حوصر شخصيا،ومن يدرس الأحداث فلا يجد إلا حركة تخلص من الظلم نتيجة رفض الإمام الحسين عليه السلام للظالم،والشعب كان مع الظالم بجهل وغباء وروح جاهلية إجرامية وبلاهة من عامة المسلمين الذين لا يدرون ما يجري. فلهذا على من يحب المصطلحات المثيرة أن يجد مصطلحا أخر يتناسب مع واقع ما حصل لمولانا الحسين عليه السلام من فاجعة في سبيل رفض جريمة تدمير الاسلام کلا،وليس من جهة أن الثورة تعني طلب الحكم، بل لأن الثورة

السبايا سوى"ثوار سائرون"،ولأجل ذلك تؤول كل الروايات،وتتقن كل الروايات التاريخية،ولا مانع من ضرب أي فهم آخر لا يؤدي إلى هذه الرؤية!مأساة کربلاء لا وجود لها في هذا الفكر سوى في تحفيز الناس على الثورة والمطالبة بها،وحين تدقق جيدا في أصل

ص: 33

المطلب ينكشف لك أن الثورة المطلوبة هي ليست أكثر من طلب الحكومة والسلطة وأن باقي الشعارات

هي بهرجة لتغطية هذا الشيء تحت ستار من الادعاءات الأخلاقية والحقوقية بل إنه حتى من يحسبون أنهم منظرين لها في هذا العصر تری نجاحهم وصوتهم الإعلامي ليس بسبب براعة من يملكون أو الابتكار ما يدعون إنما لأنهم في الواقع وراءهم سلطة ويملكون النفوذ الاعلامي بمؤسسات وتنظيمات نافذة،ما يعطيهم الأفضلية على غيرهم بالملازمة لا بالأصالة. إن الفكر الحزبي يحاول إلباس القضية الحسينية ثوبه الخاص حتى يبين للجمهور أنه الامتداد الوحيد والوريث الفريد لها ومن ثم فكل من يعارضه إنما يعارض قيم وأهداف الثورة،وأن كل هدف الإمامة هو

ص: 34

اقامة الحكومة والاستحواذ على السلطة،وباقي الأشياء هي كماليات سينتجها ويصحح أخطاءها الزمن!،ولا تخفي المغالطة والمصادرة هنا على العاقل.

والتعاطي التياري يختلف التيار عن الحزب بسعة النفوذ ونوعية التنافس، بينما يمتلك الحزب آلية تراتبية واضحة ويمتلك رؤی وأهداف تجعله يتنافس على مستوى السلطة والتمثيل السياسي لا على مستوى الطائفة فقط فإن التيار يتنافس محليا إن صح التعبير على مستوى الطائفة،لذلك فهو يستغل الإمام الحسينعليه السلام وقضيته للمزايدة في مفهوم الخدمة والشعائرية،فهذا التيار هو المدافع الوحيد عن الشعائر،وهذا التيار الوحيد الذي يتعامل مع الإمام

ص: 35

علیه السلام وقضيته على أنها قضية"من يخدم أكثر"،لذلك يرتكز عمله على المظاهر وإنتاجها أكثر من الفكر والعبر،وعلى القصص والكرامات أكثر من البحث والنظر،ولهذا السبب يتمتع الكثير منهم بالسطحية الثقافية وأحيانا العقائدية وإن امتاز الكثير منهم بحسن النية إلى درجة البساطة المفرطة.

إن هدف التيار هو اظهار نفسه بمظهر المتسيد على هوية الطائفة في المجتمع، والمتمایز عن الحزبي بأن هدفه الخدمة لا السياسة،وأنه يعمل لأجل العقيدة التي لا يمكن الوصول لها إلا من خلاله.التيار يطمع بأن يصبح حزيا لكنه لا يملك القوة والتأثير

ص: 36

اللازمين لذلك هو يتقاطع مع الحزب في كثير من الجهات وينزلان في نفس الميدان، فينافسه فيها وسلاحه فيها كما مر هو المزايدة.

إن خطورة تعاطي التيار الضيق مع الإمام الحسين عليه السلام هو باستغلال قضيته لضرب الخصوم،وباختزالها في أضيق المفاهيم حتى يقطع الطريق على كل من يريد الاستفادة منها من غير المنتمين لهم،وباستخدام القضية الحسينية للترويج لشخصيات ورموز يخدعون العوام بأنه لولاهم لمحيت هذه القضية وما عاد لها ذكر!فترى حسينياتهم ومجالسهم صارت معارض صور لرموزهم، وقنواتهم واتباعهم هم معارض فنية لأحدث تصميماتهم،والمناسبات

ص: 37

الحسينية هي موسم دعائي لأحدث اصدارات الصور والشعارات والكلمات القصار،والمؤمن الحسيني البسيط يضيع في غابة الصور بعد أن ځچبت رؤية الإمام عليه السلام عن عينه.

• المنهزمون نفسيا

مع التطور الحضاري الحاصل تنكشف خبايا المنهزمين

نفسيا، فالعلاقة بينهما علاقة طردية.كثير ممن يود أن يحسب نفسه علىالمثقفين أو المطلعين وهو يبني ثقافته على المشهورات والمقبولات يعتقد أنه موکول من الله بتهذيب الشعائر وغرس الوعي وتشذيب الإدراك وتنقيح التراث!ودعواه تستند إلى أن الواقع

ص: 38

الحضاري المعاصر يحتم علينا مواكبته وأن سبب تخلفنا هو هذا التراث المليء بأغلاط الاخباريين وخرافات الصوفيين وهرطقات العرفانيين

ومزخرفات العجائز والحكواتيين وشعائر العوام التي رگرها شيعة الصفويين! إن تعاطي هؤلاء مع قضية الإمام الحسين عليه السلام تعاطي يخلو من أي معيار عقلي ولا يستند لأي أصل عقلائي بل هو تعاطي مزاجي شعاراتي يرتكز على مقارنة دائمة بين اعتقاد وحياني وبين تطور مادي تجريبي في الغرب، فالواجب علينا أن نتشبه بالغرب ونلحق به ولا نرى الإمام الحسين عليه السلام إلا من خلال شعارات عامة ومطاطية ومقاييس عائمة وغائمة هي أشبه

ص: 39

بمانشيتات صحف الستينات عن:الوعي والثورة والحرية..إلخ.

فالإمام الحسين عليه السلام يجب أن يكون للكل وبناء عليه يجب أن نزيل أي ملمح يختص بالشيعة يرتبط به فلا لطم ولا نیاحة ولا تطبير ولا إطعام ولا مسيرات مليونية تعطل الاقتصاد وتجعل الغرب ينظر لنا بهمجية بل يجب أن نرى الإمام الحسين عليه السلام من خلال الندوات والمسرحيات والأفلام السينمائية ومن خلال كتب الثورة وممانعة الاستبداد والتنظير الخطابي الذي لا يختلف عن مواضيع التعبير التي كنا نكتبها في اختبار اللغة العربية أيام الدراسة الثانوية!هؤلاء المنهزمون نفسيا فقدوا كل قيمة تسجل لهم أمام

ص: 40

الآخر وقرروا التنازل عنها والتماهي معه طلبا لقبوله ورضاه،فترى كل إشكالاتهم ناشئة من سؤال يمثل الهاجس لهم وهو:كيف يرانا الغربيون؟

ومهما تعددت صيغ طرح هذا السؤال يظل جوهره واحدا وهو أن معيار أعمالنا جذب رؤية الآخر وقبوله لها، وليس معیارها الحقيقة!فهؤلاء في واقع الأمر نسبيون في معرفتهم وإن ادعوا تأسلمهم،وبطبيعة الحال الإسلام الواقعي نقيض للنسبية.

إن مشكلة المنهزمين نفسيا أنهم رعاع،لا مبدأ لهم سوى إرضاء الآخر،فهو تارة مع حزب ما وأخرى مع تيار مقابل وثالثة يتبرع بتقديم التبريرات لاشكالات

ص: 41

المخالفين ولا يمانع في سبيل ذلك من الاستهزاء باخوانه المؤمنين وتسقيطهم وضربهمالأجل اجتذاب صفقة من كف مخالف.

هؤلاء مشكلتهم ليست مع قضية الإمام الحسين عليه السلام بحد ذاتها إنما مشكلتهم نفسية تنبع من أزمة يعانون منها وهي:لماذا لا نتعاطي مع قضية الإمام الحسين عليه السلام كما يتعاطى المخالفون معها؟هذا الأمر يجعلهم يحاولون بدعوى التنزيه والتهذيب مسخ التفاعل الشيعي الفطري مع قضية الحسين عليه السلام إلى تفاعل بارد وكاذب كتفاعل المخالفين والآخرين معها،فهي ذكرى مشابهة لذكرى غاندي وتشي غيفارا ..وقريبا هوغو تشافيز!

ص: 42

ختاما، هذا اختصار مخل، ولكنه يكفي للإشارة لأخطر ما يواجه قضية مثل قضية الإمام الحسين عليه السلام وهي هذا الاختزال تحت دعاوی مختلفة لا تضع الله نصب اعينها بقدر ما تضع مصالحها واهوائها أمامها،وفي سبيل ذلك تبرر كل الأفعال بشتى الذرائع!اتركوا الناس مع إمامهم،وكفوا ألسنتكم ومصالحكم عن اختزال الإمام عليه السلام بكم،فسفينة الحسين عليه السلام أكبر وأسرع وأرحب.

ص: 43

ص: 44

ص: 45

عقلنة الشعائر و كتب في

2014/11/3

مع كل موسم عاشورائي تعود نفس الأفواه لتجتر ذات الشعارات الخطابية عن العقلانية وضرورة عقلنة الشعائر الحسينية،وكون"الإمام الحسين علیه السلام يريد منا كذا...ولا يريد منا كذا"وهو خطاب بائس يصادر إرادة الإمام علیه السلام و ويتقول على لسانه لأجل فهم شخصي واستحسان ذاتي،وهي ذاتها الأمور التي تقف خلف دعوی عقلنة الشعائر الحسينية لأن قائلي هذه الاسطوانة يتصورون أن الإنسان لكونه كائن ذو عقل ووعي وإدراك[وهي كلمات ابتذلت لشدة ما استعملت]

ص: 46

فهو يجب أن يكون عقلانيا في كل وجوده،والحال أنه ليس كذلك،فشؤون حياته ومسالكه في معظمها لا يخضع تمام الخضوع للعقل!

إن أول ما يلاحظ على أصحاب هذه الدعاوی هو الخطاب الإستعلائي الذي يمارسونه تجاه المؤمنين،وأهل الله من الناس،فرغم أن دعوى العقلانية في الغرب وهي منبعها اتسمت بالتواضع تجاه العلوم

وولدت مفاهيم ليبرالية إنسانية تجاه قبول الآخر فإن الخطاب العقلاني اتسم عندنا بالاستعلاء وتجهيل الآخر واستصغاره،وكأن العقل كان غائبا عن عامة الناس ووجده أصحاب الخطاب فجأة فقرروا الامتياز به عليهم!

ص: 47

ثاني ملاحظة مهمة هي أن أصحاب دعوى العقلانية لا يعمدون أبدا إلى وضعمعيار يمكن قياس به"العقلانية"ولو تبصرت بما يطرحون حق التبصرة الوجدت أنهم يريدون إخضاع مفهوم العقلانية إلى"مقبولية الآخر ورضاه"فهم يريدون من"عقلنة الشعائر"أن نجعلها تحظى بقبول الآخرين المخالفين ورضاهم وتصفيقهم،وهذا يعني أن معیارها هو استحسان الطرف المقابل وليس اثباتها عقلانيا له.إنه من العجب أن نجد أهل العقل حقيقة،كابن سینا وملا صدرا وحتى امتدادهم اليوم كالعلامة الطباطبائي والشيخ الآملي وغيرهم،يرفضون مثل هذه الدعوى بعقلنة الشعائر الدينية،أو العقلانية المطلقة في كل

ص: 48

شيء،بينما يصر عليها هؤلاء،وهم في الغالب ممن حظهم بالتعليم لم يتجاوز التعليم الأكاديمي الذي يبتني على المغالطات وتجميع المعلومات بالحفظ والاسترجاع،فتصوروا هذا الحفظ بما فيه من مغالطة

وقياس وتشابيه"عق"يطالبون كل شيء بالخضوع له.يقول الشيخ اليزدي:«..هم يريدون بالعقلانية أن

الإنسان يجب عليه أن يقبل ما يعرفه بعقله ويدع ما وراء ذلك وأنه ليس في حياة الإنسان عامل مؤثر في تعيين مسيرته إلآ عقله»(أصول المعارف الإنسانية/95).

وهذا الأمر يجر إلى«نفي الوحي والدين وإلى نفي الشهود العرفاني،فالعقلانية في الثقافة الغربية الحديثة تحتوي

ص: 49

على هذه الشحنة السلبية وما يدعوننا إليه من العقلانية تشير إلى رفض الدين والوحي والأمور العرفانية والمعنوية.ومع الأسف فهذه الدعوة إلى العقلانية صارت شعار شائعة حتى بين المثقفين المسلمين،ويؤيدون دعواهم هذه الايات التي تحث الإنسان على التعقل والتدبير{إنّ في هذه الآيات لقوم يعقلون...}وأمثالها،وأن الإسلام حث على الخضوع للعقل ورفض ما وراء العقل،غافلين أو متغافلين عن أن هذا يؤدي إلى رفض الدين والوحي لأن كثيرا من الأمور الدينية لا تنالها يد العقل،الوحي نفسه أمر غير عقلاني فإذا رفضنا كل أمر غير عقلاني يؤدي ذلك إلى نفي الدين ورفض الدینیات لا سيما ما لا يناله العقل، فيتبجحون بهذاالشعار ویدعون كل الشعوب وأصحاب الثقافات

ص: 50

المختلفة إلى هذه العقلانية وكذا يدعون المسلمين إليها استنادا إلى أن الإسلام يدعو إلى العقل والعقلانية وهو شعار مزيف ومضلل»(أصول المعارف الإنسانية/96).

أهم ما تنطوي عليه هذه الدعوى هي أنها تؤصل المعايير مائعة مطاطة لا يمكن قياسها،فأن تقول أريد منك أن تفهم الرسالة العملية فهو أمر يمكن قياسه بالاختبار والتقييم ولكن أريد منك أن تكون واعيا أو نهضوا أو ثائرا..إلخ هذه الخطابات الشعاراتية المائعة غير قابلة للقياس،فليس هناك معيار يمكن قياس حالةالوعي أو النهضوية إليه،ثم الوعي بماذا واستنادا لمن؟

والإنسان إذا صارت مقاييسه مائعة صار قابلاً لكل

ص: 51

دعوة دجل طالما استندت لخطابات وشعارات،وهو ما نراه اليوم جلا!

نحن لا نقول بأن العقل غير مطلوب،كيف وهو أول مخلوق،ولكن العقل يختلف عن العقلانية، وللعقل حدوده ودوائره التي لا يتعداها،ولا يجب أن يتعداها، لأن الإنسان ليس عقلا مجردا بل هو مركب من روح وبدن،غرائز وشهوات،عقل وفکر،مشاعر وأحاسيس،وعقلنة مظاهر الحزن والجزع هي دعوى غير عقلانية،فكيف تقول لمن فجع بأمه أو أبيه عليك أن تكون واعيا وتستبدل عزاءك بمؤتمر تطرح فيه فکر فقيدك؟

أو أن تحول فجيعتك إلى دراما مسرحية!وخلف هذه الدعوات عقول خبيثة تفكر لأنها تعلم بأن إزالة حالة

ص: 52

التفاعل العاطفي سيجعل القضية تفقد زخمها وتأثيرها فكم شخص يتأثر بقلم أو مسرحية بعد رؤيتها للمرة العاشرة؟وكم شخص مستعد لأن يقرأ مقالا عن نفس الفكرة المستمدة من واقعة الطف كل عام؟بينما مخيلة الإنسان لا محدودة ولا مقيدة وقدرتها على توليد التفاعل غير متناهية لذلك تبقى المصيبة حية

بالشعر لأن الصورة تتولد مع حالتها العاطفية في نفس الإنسان،ومن هنا تفهم السبب الذي يدفعهم إلى فرض مفهوم"عقلنة الشعائر"فالهدف والغاية هو نزع الإنسان من إنسانيته الروحية والعاطفية وتحويله إلى آلة حاسبة لا تتفاعل ولا تتأثر إنما تستجيب بألية ميكانيكية ومن ثم باسم احياء أمر الإمام الحسين علیه السلام به تحوله إلى فلكور شعبي لا يختلف عن"الهالوين

ص: 53

الغربي"،حتى يرضى عنك العالم الغربي ويعطيك المخالف صك مقبولیته!إنك لا تجد في كل روايات أهل البيت عليهم السلام إلا التأكيد على حالة المأتمية والبكاء والإبكاء واحياء المصيبة واظهار التفجع والجزع والرثاء،وهذا يعبر عن حالة فهم عميقة لاستيراتيجية الحزن وتأثيره على إبقاء جذوة الانجذاب مشتعلة في النفس البشرية الحزينة بطبعها،وهو ما تؤكد عليه آيات قرآنية وروايات شريفة أيضا.ولا تجد في رواياتهم ما يخالف ذلك ويعتبره أما عرضاً والأصل للمؤتمرات والأبحاث والمقالات والدراسات وباقي ما يندرج تحت عنوان"العقلنة والعصرنة"،فمصادرة توجيهات أهل البيت عليهم

ص: 54

السلام لتوجيهات سياسية وحزبية ورؤى إنسانية ضيقة تنظر للمصالح الأنية لا يجوز،كما أن رمي تهمة التخلف والسقوط الحضاري على أساس ما يقرأ على المنابر من مصائب أو ما تتم ممارسته من شعائر لا يدركونها بذوقهم واستحساناتهم التي يسمونها عقلا-مجارا!-هي مصادرة للمطلوب،ومغالطة بحد ذاتها تستبطن أمرا غير عقلاني وهو اعتبار المنابر الحسينية-وهي المنتمية لطائفة في ضمن عالم إسلامي عريض ساقط في وحل التخلف-لا الفشل الإداري والمالي والسياسي سبباً للإنحطاط!

خلاصة الأمر،دعوی عقلنة الشعائر هي دعوی شعاراتية،مائعة،وزئبقية تطلق لطلب رضا المخالف،

ص: 55

ولتناسب ذوق المؤالف!وليست دعوی عقلية أبدا لأن الشعائر في كثير منها ليس المخاطب بها العقل بل العقل مأمور بالتسليم والطاعة،فهل هناك سبب العقلنة الحج أو عقلنة أركان الصلاة؟وهل مرادات الشارع المقدس خاضعة لتبرير عقولنا؟العقل غايته أن يوصلك لضرورة التسليم بالشرع فهو حاکم بالكليات وليس بالجزئيات ومحاولة إدخاله غصبا للحكم على الجزئيات فيه جرأة على الإنسان الذي يتعدى وجوده هذا الوجود المادي الذي يسبح فيه العقل،وفيه إهانة للعقل الذي يدخل مجالا خارج اختصاصه.إن مثل هؤلاء الدعاة كمثل من يطالب من قيس أن يعقلن حبه الليلي،فيصيغ لنا برهانا إنا على كل صورة يريد صياغتها في بيت شعري،قبل أن يقوله!

ص: 56

إن المؤمنين يطلبون رضا الله وقبول مولاهم غيرهم ولا يكون ذلك الا باتباع التكليف الشرعي ورد في دعاء الندبة:

فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما،فليبك الباكون،واياهم فليندب النادبون،ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون،ويضج الضاجون،ويعج العاجون(1) .

ص: 57


1- تعليقا على بعض المداخلات كتبت:دعوى العقلية هي بمعنى إيجاد المبرر العقلائي لكل شعيرة وفعل،وهذا لا يصح كما هو واضح في المقال،فليس للعقل أن يبرر الجزئيات. •الأصل في الأمور الإباحة،وتحديد المباح بما كان في عهد الأئمة أو نصوا عليه برواياتهم،خلاف العقل، ولا يمت هذا للفقه بصلة،وإلا فإن 90٪من ممارستنا اليومية المبنية على أصالة الإباحة صارت مكروهةأو محرمة لعدم ورودها بالنص. •هناك ضابطة للشعائر وهي اظهار الحزن وكونها مظهر للجزع،ولا تستلزم محرما ثابا،وضوابط أخرى يذكرها الفقهاء، فليس كل شيء يدخل ضمن الشعائر. •کون هناك من يتشبه بالكلب أجلكم الله أو غيره فهناك من مواضيع الفقه ما يتعامل معه،سواء بالعنوان الأولى كحرمة التشبه أو بالثانوي كالتشويه وغيره،ولسنا بحاجة لتضييق الشعائر أو محاربتها لكون البعض شذ أو نسب ما ليس له دخل بالحزن والجزع في عزاء أبي عبد الله عليه السلام فيها. • هناك مصادرة على المطلوب ، هذه الشعائر إنما ظهرت وعرفت واستمرت بمصيبة الحسين عليهم السلام فلا معنى لتبرير الوقوف بوجهها لكونها غطت على قضية الحسين عليهم السلام، فإن قضيته لو انتفت لانتفت هذه بالتبعية . • الله سبحانه يحاسب النوايا كما يحاسب الأفعال وكل من كانت نيته طلب القربى لله سبحانه ومواساة أئمة أهل البيت عليهم السلام في مصابهم فلا يبعد أن يثيبه الله على نيته إن خلصت وإن أساء التعبير عنها.

ص: 58

ص: 59

الإسراف في خدمة الإمام الحسين علیه السلام

كتب في

2014/10/27

يقولون بأن المبلغ الكذائي الذي يُصرف على إطعام المعزين بأبي عبد الله علیه السلام يمكن لنا به تزویج عشرة عرّاب في أفريقيا أو إطعام مئة مسكين في الهند!ويقولون بأن مواكب الإطعام تسد الطريق وتؤذي المارة وتخلق الزحام!ويقولون بأن الإمام الحسين علیه السلام نهض لقضية وهذه الأفعال ليست من قضيته...إلخ! وهذه كلها كلمات و شبهات تكرر في كل عام،ومع كل مناسبة دينية.

ص: 60

في الواقع يجب أن ننظر للقضية بعمق أكبر،حين تصدر هذه الدعاوی من أفراد من عموم المؤمنين قد نجد لهم فيها عذرًا وهي أن أحدهم قد تضايق أو أصابه شيء فكان منطلقه ردة فعل أو سوء قراءة أو وجهة نظر،وهذه الأمور لسنا ملزمين بردها لكونها موقف شخصي وحكمها حكم النادر،وحكم النادر كما تقرر في محله كالمعدوم،هذا أولا،أما ثانيا،فهو أن موقف شخص أو شخصين لا يلغي ولا يبدل أصل الحكم،فعدم قدرة العجائز على الركوع في الصلاة أو الفقير على التصدق أو عدم رغبة العاصي في الصيام لا يلغي أصل الركوع بالصلاة،ولا ينفي استحباب التصدق، ولا يغير التكليف الواجب بالصوم، فهذه الأحكام عامة ومطلقة،ولا يصح تغييرها بل تسقط عند التعسر أو يخفف

ص: 61

التكليف للمكلّف(ولا يلغى أصل التكليف)وبحث هذا محله الفقه. وقد تأتي هذه الدعاوی من مرضى القلوب الذين يحملون في قلوبهم شيئًا على الدين لكنهم يخافون اظهاره فیلعبون لعبة الاستخباء خلف:(قال فلان/أو لو كان كذا/أو إن الحسين عبرة وليس عبرة!/أو تنقية الشعائر والحرص عليها)وهي لعبة يمارسها حتى الوهابية في نقدهم للبكاء والشعائر الحسينية بعنوان(أين عقولكم يا رافضة؟) وكأن العقل اعتزل الناس وقرر المكث عند المجسمة الحشوية!هؤلاء،دعاة التنوير والعقلنة والتطور والحداثة ومستلزمات العصر والمتأثرين بزيف دعاوى المخالفين وطالبي القرب منهم،يكون جوابهم ليس في الجزئيات بل في الكليات

ص: 62

وهي الأصل في الخضوع والتسليم للدين وأوامره ونواهيه،ومن الخطأ وضع أي وزن لأقوالهم بخصوص القضية الحسينية لأنهم يتعاملون معها من باب أنها قضية فلكورية وتأريخية أو نضالية وسياسية في أحسن الأحوال وليست حدث اهتز الوجود بسببه وبكى النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)لأجله، وحث سادات الوجود عليهم السلام على إحيائه،وتَعرّى الأنبياء بعزائه،فحديثهم عن الشعائر هو مجرد محطة يمارسون بها تفاهتهم الفكرية والتشكيكية المعتادة تجاه الدين لخوفهم من التصريح بحقيقة موقفهم منه ويتوارون خلف هذهالأقنعة.وأخيرا قد تأتي من فئة منظمة،أو تیار له هيكليته،أو جماعة لها فكرها الخاص،وهنا حينما نرى اتفاق

ص: 63

مجموع المنتمين لهذه الفئة أو المنظمة أو الحزب..إلخ على الاصرار على التحدث عن ظاهرة ما ويحملون عليها حملة رجل واحد لا يكون هناك مجال للشك بأن العملية منظمة وليست عفوية ولها أهدافها:فقد تكون لقياس مدى شعبية وتأثير هذا الحزب أو التيار في الشارع من خلال قياس انصياع الناس الدعاياتهم،وليس هذا بمستغرب بل هو معلوم ومشاهد لمن هو مطلع على دهاليز السياسة،وبه تكون المساومات السياسية مع الأطراف الأخرى. وقد تكون لتخويف الناس حتى لا يجرؤوا على تنظيم تظاهرة شعبية عفوية كالمواكب الحسينية دون الرجوع إليهم وأخذ الموافقة منهم والخروج من تحت عباءتهم.

ص: 64

وقد تكون للمزايدة والاستنكال باسم أهل البيت عليهم السلام فلا أحد يحق له خدمة أهل البيت عليهم السلام إلا من خلال رؤيتهم، ولا التحدث عنهم عليهم السلام إلا بنظرتهم، فأهل البيت عليهم السلام حكر عليهم وفكر التشيع لا ينبت إلا من عندهم في غرف عمليات الحزب أو التيار؟

وغيرها من الأمور لكن فيما مضى الكفاية.

وهنا نقاط يجب الإلتفات لها:

• الإمام الحسين علیه السلام وقضيته استثناء بكل حالاتها،فزيارته ضرورة بل أوجبها بعض الفقهاء،وزيارة الحسين علیه السلام لا تسقط حتى مع الخوف بل وبعض الفقهاء لا يسقطها حتى لو تيقن الزائر بالضرر البليغ،والجزع والتّفجع لمصاب الحسين علیه السلام مستحب،واحياء شعائر اسحايا

ص: 65

الحسين علیه السلام مندوب،والدمعة على الحسين و تطفيء نيران جهنم،كما أن الصلاة في حضرته الشريفة تامة حتى لو كان الزائر مسافرة،ولبس السواد لأجل مصيبته مستحب،وغيرها من الأحكام التي تبدلت عناوينها الدخولها بعنوان إحياء أمر الإمام الحسين علیه السلام،وهذا من خصائصه علیه السلام،فلا معنى لفرض أوليات تتقدم عليه!

•حكم الإسراف والتبذير لا يكون"بالحالات التي يصرف فيها الإنسانالأموال هدرة ولو كانت قليلة،بينما إذا صُرفَ في محلَّه فلا يعتبر تبذيراً ولو كان كثيراً،ويعد من الاقتصاد"فعن عن الصادق علیه السلام:من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد.(البحار302/77)

ص: 66

فلا منافاة ولا مزاحمة بين أعمال الخير،وليس هناك"مانعة جمع"حتى نقول بأن اطعام المؤمنين يتعارض مع تزويج العزاب وأن ذاك يعارض ويزاحم هذا!

• إطعام المؤمنين ليس فيه إسراف ولا تبذیر،ففي(مستدرك الوسائل/ج16)عن الصادق علیه السلام:لو أن رجلاً أنفق على طعام ألف درهم وأكل منه مؤمن لم يعد سرفًا.فما بالك لو كانوا مؤمنين"وكانت النية هي الإطعام على حب الحسين علیه السلام وإهداء الثواب له،وكانت إحياء الأمره،فهنا تتكاثر عناوين المستحبات.

ص: 67

وهو ما أكّد عليه جملة من الفقهاء.

•إذا كانت دعوى الاسراف بالطعام هي الشعار وتحويلها للفقراء ألزم،فالأولى إغلاق المطاعم ومحاربتها لكونها تسرف بإعداد الطعام والناس في العالم يموتون جوعا،والأولى محاربة الألبسة والسيارات والاكسسواراتالمكلفة والتبرع بثمنها للفقراء،والأولى التيمم حفاظا على الماء وعدم الاسراف به!بل يمتد الاشكال حتى للغبقات التي تقيمها الأحزاب والتيارات في مناسبتها لما يحدث فيها من إسراف وبأموال حقوق شرعية في بعض الأحيان. وهكذا ندخل بدائرة من المغالطات والأقيسة التي نهينا عنها وليست

ص: 68

من فقهنا ولا من مذهبنا،فلكل إشكال جواب نقضي پرده،ولكل مغالطة مغالطة تقابلها،والذين لا يؤخذ بالقياس والاستحسان والمغالطات المخادعة،فانتبه.

•دعوى الإصلاح لا تكون بالمطالبة بالمنع،ودعوی التنظيم لا تكون بالهدم،بل الواجب الحث على مثل هذه الأمور وتکثيرها لأنها إحياء الأمر الحسين علیه السلام ودعوة الله والعجب لا ينقضي ممن يفرح لأجل حدوثها في الغرب ويحاربها في بلده!نعم،هي تحتاج لتنظيم وهذا لازم ومطلوب وإن كان هناك من يرى فيها إسراف فعليه أن ينصح بتوزيع الفائض لموكب آخر،أو يوجه لمكان النقص حتى يسد فتتوالد المواكب وتتكاثر بدلا من أن تُحارب وتضمحل!هكذا تكون الخدمة الحسينية

الحريصة وليستبدعاوى المحاربة والمناكفة

ص: 69

والاتهامات المتبادلة في موسم الأحزان على مصابهم عليهم السلام.

•أخيرة،أسلوب"الحسین علیه السلام یرید.."و"الحسين علیه السلام لا يريد.."لا يصح استخدامه،فليس هناك أحد مخول بالحديث على لسان الإمام علیه السلام وتحديد مراده،والتقول على الإمام علیه السلام قد يدخل المؤمن في الكذب المحرم ويصل إلى درجة إبطال الصيام لشدة حرمته،فانتبه أخي المؤمن/أختي المؤمنة من تنصيب نفسك مقام الإمام علیه السلام،وارجع للفقهاء العدول حرسهم الله لمعرفة تكليف الشرعي،وما يريده الشرع منك،وإلتزم به بلا مخالفة ولا تحارب به أحدٍا،ولا تجعل من نفسك ندا الأخير من الفقهاء العدول والعلماء الأعلام، فهم حجج الأئمة عليهم السلام علينا كمقلدین.

ص: 70

في حديث الصادق علیه السلام للمفضل:..القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا،والحسن من كل أحد حسن،ومنك أحسن لمكانك منا.

ص: 71

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.