ذکری الشیعه فی احکام الشریعه

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734

عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.

مواصفات المظهر:ج 4

الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)

ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377

ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6

ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4

ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2

ملاحظة:فهرس

الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5

المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

المعرف المضاف:عنوان

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدّمة المصنّف: ذكر منهجية الكتاب

اشارة

بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه و خير بريّته محمّد المصطفى، و على آله الغرّ الميامين.

تعاقبت على المتن الفقهي الشيعي مراحل عدّة و أدوار مختلفة ساهمت مساهمة فاعلة في بلورة طابعه الذي تميّز به، و خصائصه التي تفرّد بها، حتى اتّخذ أبعاده و موازينه القائمة حاليا.

و لقد كان للكفاح الفكري الدؤوب و الجهود العلمية الهائلة التي بذلها أعلام الطائفة و أساطينها الأفذاذ، الدور المشهود في تثبيت و تطوير و استقلالية الفقه الشيعي.

و لبعض هؤلاء الفطاحل الأمجاد اللمسات البارزة و الدور الأكبر فيما تحقّق له من تكاملية و حيوية، نخصّ منهم:

شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (م 460).

المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن (م 676).

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطهّر (م 726).

الشهيد الأول، محمّد بن مكّي العاملي (م 786).

ص: 5

الوحيد البهبهاني، محمّد باقر (م 1205).

الشيخ مرتضى الأنصاري (م 1281).

و جماعة من أهل الفن و الاختصاص حصروا هذه المراحل كلها في مرحلتين:

1 - مرحلة المتقدّمين.

2 - مرحلة المتأخّرين.

و المراد من «المتقدّمين» في المتون الفقهيّة المصنّفة في القرن السادس و السابع:

فقهاء عصر الأئمّة (ع). و «المتأخرين»: ما جاوز منهم فترة حضور الإمام (ع)، أي سنة 260 فما بعد.

و قد يطلق مصطلح «المتقدّمين» على شيخ الطائفة و من تقدّمه، و «المتأخّرين» على من بعده.

و المعروف من المتون الفقهية عموما أنّ المحقّق الحلّي - و لربما العلاّمة - هو الحدّ الفاصل و حلقة الوصل بين «المتقدّمين» و «المتأخّرين».

و قد أضيف مصطلح آخر في المتون الفقهية المدوّنة في القرن الثالث عشر بعنوان:

«متأخّري المتأخّرين»، حيث يكون المراد من «متأخّريهم» من هم بعد زمن صاحب المدارك.

و لعلّ هذا التقسيم الثنائي يفتقد الدقّة في الضبط و التثبّت، فهو في الحقيقة أشبه بمصادرة أو غفلة عن كثير من الخطوات العظيمة و الابتكارات العملاقة و الاقتراحات البنّاءة و الآراء السديدة التي صنعت للمتن الفقهي الشيعي كيانا علميا و فكريا مستقلاّ.

نعم، يمكن إيفاء المطلب حقّه إن قلنا: إنّ أدوار و مراحل الفقه الشيعي - على ضوء المحاسبات العلمية و التاريخية و ما يقترن بهما من لوازم و عوامل مختلفة - تنشطر إلى ثمان:

1 - مرحلة عصر الأئمّة (ع).

2 - مرحلة أهل الحديث.

3 - مرحلة تفوّق الفقهاء و انحسار مدّ المحدّثين.

ص: 6

4 - مرحلة الشيخ الطوسي.

5 - مرحلة الشهيد الأول.

6 - مرحلة المحقّق الكركي.

7 - مرحلة الوحيد البهبهاني.

8 - مرحلة الشيخ الأنصاري.

و لا يخفى أنّ تفصيل و بيان كل مرحلة بحدّ ذاتها و ما تمتاز به من خصائص و مواصفات، يستدعي بسط البحث و استطالته، مع أنّنا نروم التمحور - بعض الشيء - حول مرحلة الشهيد قدّس سرّه، لما لذلك من صلة و ارتباط بما نحن فيه، مسلّطين الضوء بشكل خاطف على جوانب من ملامحها و اطرها، اللذين يمكن استخلاصهما من خلال استعراضنا لمختلف الظروف التي عايشها رضوان اللّه تعالى عليه - أخذا و عطاء - منذ النشأة و حتى الشهادة.

لذا فنحن نستلّ من تلك المراحل الثمان مرحلة الشهيد قدّس سرّه، فنخوض غمارها بنوع من التوسّع الذي يناسب المقام، فنقول:

استطاع الفقه الشيعي في المرحلة الثالثة أن يشكّل بناء خاصا و يشيّد برنامجا مستقلاّ عن دور و مرحلة الحديث.

و الملاحظ على المتون الفقهية التي صنّفت في تلك الفترة اتّصافها بالحالة الفقهية التقليدية التي كانت سائدة حينذاك، تلك الحالة التي استلهم منها شيخ الطائفة تشييد أسلوبه و منهجيته في صياغة كتابه «النهاية»، إلاّ أنّه قدّس سرّه و بتدوينه «المبسوط» و «الخلاف» قد خلق نوعا من التغيير و التحوّل في محتوى و مضمون المتن الفقهي الشيعي، حيث سلك فيهما مسلك الأسلوب السنّي الحاكم آن ذاك، فلا نجازف إن قلنا: إن هيكلية هذا الفقه قد اضطربت بذلك، و أضحت خليطا من نظامين متفاوتين.

و لعلّ هذا كان منشأ التوهم القائل بنسبة الشيخ رحمه اللّه إلى مذهب الشافعية.

و لقد توغّل هذا المنهج في عمق الواقع الثقافي و الفكري الشيعي حتى ترك لمساته

ص: 7

البارزة على شتّى المصنّفات و التأليفات المنجزة حينذاك.

و يتلخّص هذا الأسلوب ب: أنّه يستعرض أقوال و نظريات و استدلالات فقهاء العامّة أولا ثم يطرح أقوال و نظريات و استدلالات فقهاء الشيعة.

و لعلّ الفاضل الآبي قدّس سرّه كان أول من انتفض على هذا الأسلوب و تلك المنهجية، فصنّف كتابه «كشف الرموز» ممتنعا فيه عن ذكر أقوال و نظريات و استدلالات فقهاء العامّة.

و شدّ أزره و تابعه على ذلك من تلامذة العلاّمة الحلّي: ولده فخر المحقّقين في كتابه «إيضاح الفوائد»، حيث استعاض عن نقل آراء و أدلّة فقهاء العامة بنقل آراء و أدلة فقهاء الشيعة.

و مع كلّ ذلك، لا يمكن لنا أن ننكر النضوج و الترقي اللذين أصابا الفقه الشيعي أبان مرحلة الشيخ الطوسي قدّس سرّه، فلا زالت آثاره المباركة إلى يومنا هذا مهوى أفئدة الطائفة بفقهائها و مفكّريها و أساتذتها و تلامذتها، فهو المفخرة التي ساهمت في منح المذهب عزّة و كبرياء و مرتبة و رفعة. و لعلّ تفريعات «المبسوط» خير مصداق و أرفع مثل يحتذي به فيما نحن فيه.

كما لا يمكن تناسي دور العلاّمة الحلّي و كل من سبقه و من تلاه في تدعيم و تثبيت أركان المؤسسة الفقهية الشيعية، فلا زالت تفريعاته - لا سيّما في قسم المعاملات، و المستفادة من النمط السنّي - مورد عناية و توجّه أهل الفن و الاختصاص، و التي طبّقها على المتن الشيعي بشكل رائع من حيث الأساس و القواعد و الأصول و المباني.

و شهيدنا الأول، شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي، و بفضل نبوغه الذاتي و مؤهّلاته الفريدة، استطاع أن ينقّح الأصول و القواعد الأساسية للفقه الشيعي، مجسّدا ذلك على متونه بشكل عملي قلّ نظيره، و بخطواته الهائلة - التي حقّقها بجهوده العملاقة - تمكّن من أن يحدث فيه انقلابا و تحوّلا مصيريا، مانحا إيّاه شخصيته الحقيقية و هويته المستقلّة.

ص: 8

إنّ طرح الشهيد للتفريعات التحقيقية و الفقهية القيّمة ذات الطابع الابتكاري الحديث، و بسطه الفقه الشيعي و فتحه آفاقا جديدة له، أكسبه حلّة بهيّة و ذوقا رفيعا و مكانة شامخة، تجلّت بأنصع الصور و أروعها، فغدت «الألفية» و «النفلية» و «القواعد و الفوائد» و «الدروس» و «الذكرى» و «غاية المراد» و «اللمعة الدمشقية» و غيرها، من مصادر الفقه الشيعي و مراجعة المهمّة، التي تعكس بكلّ وضوح هيبة مدرسة أهل بيت العصمة و الطهارة بأرقى خصائصها و مميّزاتها.

و للمكانة التي نالها دور الشهيد و فكره الوقّاد، فقد سار على دربه و تبع نهجه فقهاء الطائفة و أساطينها، و ذلك زهاء ما يقارب القرن و النصف، و هم و إن طرحوا في آثارهم و مؤلفاتهم بعض المباني الجديدة و الآراء المبتكرة، إلاّ أنّ السمة البارزة عليها بيان أفكاره و شرح نظرياته و آرائه.

و من أبرز هؤلاء الفقهاء:

ابن الخازن الحائري، زين الدين علي بن الحسن (م أوائل القرن التاسع).

ابن المتوّج البحراني، أحمد بن عبد اللّه (م 820) صاحب النهاية في تفسير الخمسمائة آية.

الفاضل المقداد، المقداد بن عبد اللّه السّيوري الحلّي (م 826) صاحب التنقيح الرائع و كنز العرفان.

ابن فهد، أحمد بن محمّد بن فهد الأسدي الحلّي (م 841) صاحب المهذّب البارع و الموجز الحاوي و المقتصد و غيرها.

شمس الدين محمّد بن شجاع القطّان الحلّي (م النصف الأول من القرن التاسع) صاحب معالم الدين في فقه آل ياسين.

المفلح بن الحسن الصيمري (م بعد سنة 887) صاحب كشف الالتباس و غاية المرام و غيرهما.

ابن هلال، علي بن محمّد بن هلال الجزائري (م بعد سنة 909).

ص: 9

إبراهيم بن سليمان القطيفي (م بعد سنة 945) صاحب إيضاح النافع.

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (م 965) صاحب الروضة البهية و روض الجنان و مسالك الافهام و غيرها.

إنّ انتساب مرحلة من مراحل تطور متن الفقه الشيعي إلى الشهيد قدّس سرّه يعدّ بلا ريب أغلى و سام ناله جرّاء كفاحه المرير، ذلك الكفاح الذي ما ترك معه بابا من أبواب العلم و المعرفة إلاّ و طرقه و ارتوى من نميره بما يكفيه و يسدّ حاجته، فكانت سيرة عطرة و حياة مباركة غذّت شرايين الفكر و الثقافة بأبهى الآراء و أجمل المقترحات و ملأت سوح الفضيلة جلالة و فخرا، متوّجا إيّاها بدماء زاكيات سالت على ثرى المبدأ و العقيدة الحقّة، بعد أن أباحت هدرها فئة ضالّة قادها الحقد الدفين و التعصّب الأعمى إلى ارتكاب تلك الجريمة النكراء، التي لا زال جبين الإنسانية يندى لها خجلا و حياء، و لا عجب من ذلك، فإنّ له في السبط الشهيد (ع) أسوة حسنة و نموذجا رائعا.

غاية المراد و تمام المقصود: أنّ الشهيد بما خلّفه من مخزون علمي خالد و تراث فكري فذّ، شاد معهما أرسى القواعد و أمتن المباني و أعمق النظريات، إنّما كان حصيلة إحاطته الفائقة بالعقليات و النقليات، فجمع شتّى العلوم و ألوان الفنون، حتى غدى بحدّ ذاته مرحلة من مراحل الفقه الشيعي الثمان، رفدت متونه بأغنى المفاهيم و أرقى الابتكارات.

هذا هو المدّعى، أمّا إثباته فلنا أن نقول: إنّ إثبات كلّ مدّعى يحتاج - كما لا يخفى - الى المئونة الدليلية اللازمة مع القرائن المقبولة و الشواهد المناسبة و صيغ الطرح الملاءمة و سائر اللوازم الأخرى، التي تصونه من النقض و الردّ و تقوّي فيه جانب الإبرام و الثبوت، فكم من المدّعيات التي ألغيت أو أسقطت لافتقادها لما يمكن أن تكادح به المنافيات و تقاوم معه المعارضات.

و لعلّ كلّ زاوية من زوايا سيرة الشهيد العلمية و الفكرية لها اللياقة في تحقّق المدّعى و إثباته، فالأدلّة على ذلك متزاحمة، مضافا إلى ما يدعمها من مؤيّدات و قرائن

ص: 10

و شواهد، و لتيسير الطريق فإنّنا نستعرض حياته بشكل سريع، بما فيها: نشأته، و رحلاته، و أساتذته، و تلامذته، و ما قيل فيه، و آثاره، و جملة من آرائه و مقترحاته و ابتكاراته و ملامح مدرسته و خصائصها، ثم شهادته رضوان اللّه تعالى عليه. حينذاك سيتجلّى ثبوت المدّعى بكل وضوح و شموخ.

ولد قدّس سرّه في جزّين إحدى قرى جبل عامل من جنوب لبنان، سنة 734 ه، جبل عامل ذلك المكان الذي تخرّج منه خمس علماء الشيعة، مع أنّه لا يساوي عشر عشر بلاد الشيعة مساحة، فكانت حركة العلم و مجالس الفكر و المعرفة مزدهرة آن ذاك، فأطلّ الشهيد على الحياة الثقافية من أوسع منافذها، حتى جالس منذ نعومة أظفاره - و بدافع من والده العالم الفاضل الشيخ مكّي جمال الدين - علماءها، و خالط فقهاءها، و ارتاد ندواتها العلمية، و شارك في حلقات الدرس، التي كانت تعقد في المساجد و المدارس و البيوت، و كثيرا ما كان يساهم في المناقشات التي كانت تدور بين الأساتذة و الطلاّب أو الطلاّب أنفسهم، فمنذ البدء تعوّد أن يبني لنفسه آراء مختصّة به في مختلف مسائل الفقه و الأدب و غيرهما، حتى أصبح - مع صغره - يشار له بالفضل و العلم و يتوقّع له مستقبل زاهر و مشرق.

شدّ الرحال - و هو في أوائل ربيعة السابع عشر، أي في حدود سنة 761 - إلى حيث يمكنه تلقّي العلوم و المعارف، فارتاد الحلّة و كربلاء المشرّفة و بغداد و مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة و الشام و القدس، و تركّز استقراره في الحلّة التي كانت آن ذاك عامرة بأساطين الفقه و علماء المعرفة، حتى أضحت قطبا حيويّا و مدرسة رائدة من مدارس الفقه الشيعي، و في ظلّ هذا الازدهار و تلك الحيوية روّى الشهيد ضمأه من أصفى منابع العلم و أنقاها.

فتلمّذ على ولد العلاّمة فخر المحققين (م 771) الذي كان من أجلّ مشايخه و أعظم أساتذته و أكثرهم دراسة عليه، فأولاه من العناية ما لم يولها لغيره، لما رأى فيه من النبوغ المبكر و المواصفات الفريدة، حتى قال فيه: «استفدت منه أكثر ممّا استفاد منّي».

ص: 11

و قرأ على الفقيهين الكبيرين الأخوين: عميد الدين، السيّد عبد المطّلب بن السيّد مجد الدين بن الفوارس (م 754)، و ضياء الدين السيّد عبد اللّه، ابني شقيقة العلاّمة، قدّس اللّه أرواحهم الزكية.

و تلمّذ أيضا على تاج الدين، السيّد أبو عبد اللّه محمّد بن القاسم المعروف ب: «ابن معيّة»، الذي كان من كبار علماء الحلّة حينذاك.

و في دمشق، قرأ على قطب الدين، محمّد بن محمّد الرازي البويهي (م 766)، الكلامي الكبير، و الفيلسوف النحرير، صاحب شرح المطالع و الشمسية و غيرهما.

أمّا أساتذته و مشايخه من العامّة فهم كثيرون، منهم: القاضي برهان الدين إبراهيم بن جماعة، قاضي القضاة عزّ الدين عبد العزيز بن جماعة، جمال الدين - أبو أحمد - عبد الصمد بن الخليل البغدادي، محمّد بن يوسف القرشي الكرماني الشافعي المعروف ب «شمس الأئمّة»، ملك النحاة شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن الحسن الحنفي النحوي، شرف الدين محمّد بن بكتاش التستري البغدادي الشافعي، ملك القرّاء و الحفّاظ شمس الدين محمّد بن عبد اللّه البغدادي الحنبلي، فخر الدين محمّد بن الأعزّ الحنفي، شمس الدين أبو عبد الرحمن محمّد بن عبد الرحمن المالكي.

قال قدّس سرّه في إجازته لابن الخازن: و أمّا مصنّفات العامّة و مرويّاتهم فإنّي أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكّة و المدينة و دار السلام بغداد و مصر و دمشق و بيت المقدس و مقام إبراهيم الخليل عليه السلام(1).

و شرف التلمّذ عليه و الرواية عنه فهما لكثير، نخصّ بالذكر منهم: الفاضل المقداد السّيوري، ابن نجدة الكركي، ابن الخازن الحائري، ابن الضحّاك الشامي، الشقراوي الحنّاط، الكرواتي، عزّ الدين العاملي، ابن هلال الكركي، ابن زهرة الحسيني الحلبي، عزّك.

ص: 12


1- نقول: إنّ هذا لدليل جلي من دلائل عدّة، و شاهد بارز من شواهد كثيرة، على سموّ فكر علماء الشيعة و نقاء سريرتهم و عدم إبائهم من تلقّي شتّى العلوم و المعارف عن طريق علماء سائر المذاهب، مجرّدين أذهانهم بذلك عن كلّ حقد و تعصّب. بل لم يمنعهم علوّ مرتبتهم و جلالة مقامهم - باعتراف أكابر هذه المذاهب و فضلائها - من القيام بذلك.

الدين الحلّي، بنته العالمة أم حسن، فاطمة، الملقّبة ب: «ستّ المشايخ».

و لو تأمّلنا في مدّة عمره الشريف - القصيرة نسبيّا - و رحلاته الى تلك البلاد و تلك، و ما خلّفه من تصانيف رائعة في شتى العلوم و الفنون، و إنظاره الدقيقة، و مقترحاته العميقة، يعلم أنّه من الذين اختارهم اللّه تعالى لتكميل عباده و عمارة بلاده، و كلّ ما قيل أو يقال في حقّه فهو دون مقامه و مرتبته.

و إليك بعض الخصائص التي ميّزته رضوان اللّه تعالى عليه:

- أول من هذّب متن الفقه الشيعي من أقاويل المخالفين.

- من فقهاء الشيعة الخمسة الذين أحاطوا بأقوال العامّة و الخاصّة، أولهم زمانا:

المحقق الحلّي، ثم العلاّمة الحلّي، ثم ولده فخر المحقّقين، ثم الشهيد الأول، ثم الشهيد الثاني.

- رجحان كفّته في كثير من الموازنات التي كان يعقدها كبار علمائنا بينه و بين فطاحل الطائفة و عظمائها.

- أفقه الفقهاء باعتقاد جماعة من الفقهاء و الأساتيذ.

- تأليفه كتابه الشهير «اللمعة الدمشقية» في سبعة أيّام فقط.

- تمكّنه من أن يضيف إلى مدرسة العلاّمة - في الفقه و الكلام - و منهجيتها أشياء، و يطوّرها، و يحدّد المفاهيم، بما لم يستطع عليه أساتذته و شيوخه.

- أول من بادر الى تشكيل و تأسيس نظام خاصّ بجباية الخمس، و توزيع العلماء في المناطق المختلفة، و شبكة الوكلاء القائمة حاليا هي ثمرة جهوده المباركة.

- إنّه عصارة و رمز مرحلة من مراحل تطور الفقه الشيعي بأكملها، حتى سميّت باسمه، و هذا مقام لم ينله إلاّ نوادر عظماء الطائفة و أساطينها.

قيل الكثير في نعته و الإطراء عليه، و أثنى عليه أعاظم الفريقين، نختار بعضا منه هنا

ص: 13

- مولانا الإمام العلاّمة الأعظم، أفضل علماء العالم، سيد فضلاء بني آدم..

(أستاذه فخر المحققين) - مولانا الشيخ الإمام، العالم الفاضل، شمس الملّة و الحقّ و الدين..

(أستاذه ابن معيّة) - شيخ الشيعة و المجتهد في مذهبهم.. و إمام في الفقه و النحو و القراءة، صحبني مدّة مديدة فلم أسمع منه ما يخالف السنّة..

(شمس الدين الجزري) - المولى الأعظم الأعلم، إمام الأئمّة، صاحب الفضلين، مجمع المناقب و الكمالات الفاخرة، جامع علوم الدنيا و الآخرة..

(أستاذه شمس الأئمّة الكرماني القرشي الشافعي) - الشيخ الإمام العلاّمة، الفقيه البارع الورع، الفاضل الناسك الزاهد..

(أستاذه عبد الصمد بن الخليل البغدادي شيخ دار الحديث ببغداد) - الشيخ الفقيه، و إمام المذهب، خاتمة الكلّ، مقتدى الطائفة المحقّة، و رئيس الفرقة الناجية.. الشهيد المظلوم..

(تلميذه ابن الخازن الحائري) - ملك العلماء، علم الفقهاء، قدوة المحقّقين و المدقّقين، أفضل المتقدّمين و المتأخّرين.. الرئيس الفائق بتحقيقاته على جميع المتقدمين، مهذّب المذهب..

(المحقّق الكركي) - خاتمة المجتهدين، محيي ما درس من سنن المرسلين، البدل، النحرير، المدقّق، الجامع بين منقبة العلم و السعادة و مرتبة العمل و الشهادة..

(الشهيد الثاني) - الشيخ الإمام الأعظم، محيي ما درس من سنن المرسلين، محقّق حقائق الأولين و الآخرين..

ص: 14

(العلاّمة محمّد تقي المجلسي) - شيخ الطائفة و علاّمة وقته، صاحب التدقيق و التحقيق، من أجلاّء هذه الطائفة و ثقاتها، نقيّ الكلام، جيّد التصانيف..

(التفرشي صاحب نقد الرجال) - كان عالما ماهرا، فقيها، محدّثا، مدقّقا، متبحّرا، كاملا، جامعا لفنون العقليات و النقليات، زاهدا، عابدا، ورعا، شاعرا، أديبا، منشئا، فريد دهره، عديم النظير في زمانه..

(الحرّ العاملي) - علاّمة العلماء العظام، مفتي طوائف الإسلام.. مهذّب مسائل الدين الوثيق..

العارج إلى أعلى مراتب العلماء و الفقهاء المتبحّرين و أقصى منازل الشهداء السعداء المنتجبين..

(المحقّق أسد اللّه التستري) - أفقه جميع فقهاء الآفاق، و أفضل من انعقد على كمال خبرته و استاديّته اتفاق أهل الوفاق، و توحّده في حدود الفقه و قواعد الأحكام مثل تفرّد شيخنا الصدوق في نقل أحاديث أهل البيت الكرام (ع)، و مثل شيخنا المفيد و سيّدنا المرتضى في الأصول و الكلام و إلزام أهل الجدل و الألدّ من الخصام..

(صاحب روضات الجنّات) - تاج الشريعة و فخر الشيعة.. أفقه الفقهاء عند جماعة من الأساتيد، جامع فنون الفضائل.. و قد أكمل اللّه تعالى عليه النعمة..

(المحدّث النوري) - كان رحمه اللّه بعد مولانا المحقّق على الإطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق..

(صاحب الكنى و الألقاب) - كهف الشيعة و علم الشريعة، لم يزل فقهه مستقى علماء الإمامية في نظرياتهم،

ص: 15

و كتبه مرجع فقهائهم، و إنظاره العلمية مرتكز آرائهم.. فلا أطيل بتنسيق عقود الثناء فأكون كناقل التمر إلى هجر..

(العلاّمة الأميني) فليس من الهيّن حقّا أن يطري عليه قدّس سرّه بكل هذا الإطراء و ينعت بكل هذه النعوت الناصعة، بل ما كان أن يكون ذلك لو لا همّته العالية و سعيه الهائل و مثابرته الدؤوبة و فضائله الروحية و الأخلاقية، حيث لم يأل جهدا و لم يضيّع فرصة من أجل الوصول الى هدفه المنشود، فكان يقول في ذلك:

معدود من الخسران إن صرف الزمان في المباح و إن قلّ، لأنّه ينقص من الثواب و يخفض من الدرجات، و ناهيك خسرانا بأن يتعجّل ما يفنى، و يخسر زيادة نعيم سيبقى.

و قصّة تناظره مع ابن المتوّج البحراني معروفة، فكان الشهيد قد غلبه مرّتين في ذلك و أفحمه، فسأله ابن المتوّج عن السرّ فقال قدّس سرّه: سهرنا و أضعتم.

أنّ الفترة التي عاشها رضوان اللّه تعالى عليه هي فترة توغّل و تعمّق فقه المحقّق و العلاّمة، و مع ذلك فما نراه قد تأثّر بمدرسيتهما، بل ابتعد عنهما إلى حدّ كبير، و هذا ممّا هيّأ له الأرضية الخصبة لعرض ابتكاراته البنّاءة و مناهجه الجديدة على صعيد الاستدلال و توسيع المسائل الفقهية، بتبويب الفقه و تقسيمه على نحو لم يسبقه إليه غيره، و قد تجلّى ذلك في مختلف مصنّفاته، كاللمعة، و القواعد و الفوائد، و الذكرى، و الألفية و النفلية، و غاية المراد، و الدروس، و غيرها.

أمّا آثاره و مصنّفاته و تأليفاته قدّس سرّه، فسنستعرضها بنوع من التفصيل و التوسعة، حيث هي المحور الأساسي من بحثنا هذا، فمنها استنبط أغلب ما قيل فيه و في منهجيته و أسلوبه و مقترحاته و برامجه التي أعانت المتن الفقهي الشيعي على أن يقفز قفزته

ص: 16

المشهورة آن ذاك، و منها استطاع الشهيد أن يكوّن بفكره و معارفه مرحلة من مراحل التطور و الازدهار، و منها يتألّق دليلنا التامّ بكلّ شموخ و رقي كي يثبت المدّعى الآنف الذكر على غاية من القوّة و المتانة.

و الحق أنّ آثار الشهيد كانت و لا زالت مراجع أساسية و مصادر مهمة من مصادر الدين و المذهب، فلا يمكن الاستغناء عنها مطلقا، لا سيّما و أنّها - إضافة الى كل ما أشرنا إليه - تتمتّع بسلاسة التعبير و رشاقة البيان و الخلوّ من التعقيد و الإبهام على نهج من الإيجاز و الاختصار.

و ننوّه الى أنّنا أثناء طرحنا لمؤلّفاته قدّس سرّه سنشير الى قبسات من آرائه و ابتكاراته و مقترحاته التي أتحف الفقه الشيعي بها، و فتح من جرّائها منافذ و آفاقا جديدة لا زالت مورد المداولة و الانتفاع.

1 - اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية:

مختصر لطيف و شريف، و مؤلّف منيف، مشتمل على أمّهات المسائل الشرعية، جمع فيه أبواب الفقه و لخّص أحكامه.

ألّفه - كما قال ولده المبرور أبو طالب محمّد - بدمشق في سبعة أيام بالتماس من شمس الدين الآوي أحد أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك «سربداران» في خراسان، الذي طلب من المصنّف رحمه اللّه التوجّه الى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطّف و التعظيم و الحثّ على ذلك، لكنّه أبى و اعتذر إليه و صنّف له هذا الكتاب.

و أخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل، و لم يتمكّن أحد من نسخها منه لضنّته بها، و إنّما نسخها بعض الطلبة و هي في يد الرسول، تعظيما لها، و سافر بها قبل المقابلة، فوقع فيها بسبب ذلك خلل، ثم أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب المقام، و ربما كان مغايرا للأصل بحسب اللفظ، و ذلك في سنة 782 ه.

و نقل عن المصنّف رحمه اللّه أنّ مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور، لخلطته بهم و صحبته لهم، قال: فلمّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت

ص: 17

أخاف أن يدخل عليّ أحد منهم فيراه، فما دخل عليّ أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه، و كان ذلك من خفيّ الألطاف.

و هذا ما يضعف قول الحرّ العاملي و من تبعه في أنّه ألّفه في الحبس في السنّة الأخيرة من عمره الشريف حينما كان لم يحضره من كتب الفقه غير المختصر النافع.

مضافا إلى ذلك فإنّ الشهيد قد اعتقل لمدّة عام ثم استشهد، بينما كان قد ذكر اللمعة في إجازته لابن الخازن عام 784، أي حوالي سنتين قبل استشهاده. كما و أنّ الشهيد الثاني قد ذكر في مقدّمة الروضة البهية ما يدلّ على أنّه - أي الشهيد الأول - قد ألّف اللمعة قبل استشهاده بأربع سنوات تقريبا.

و على أيّة حال، فهذا الكتاب من أشهر مصنّفات الشهيد و متون الشيعة الفقهية، و كتبت عليه العديد من الشروح و الحواشي.

2 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية:

يشتمل على أغلب أبواب الفقه، و يعدّ من أدقّ تأليفاته و أشهرها.

ابتكر فيه ترتيبا و نظما جديدين لم يسبقه فيهما أحد غيره، حيث أضاف فيه عناوين جديدة للكتب (الأبواب) الفقهية، مثل كتب: المزار، الحسبة، المحارب، القسمة، المشتركات، الربا، تزاحم الحقوق.

كما و نقل فيه آراء كثير من الفقهاء الذين لم تصلنا كتبهم، كابن بابويه، و العماني، و ابن الجنيد، و الجعفي، و غيرهم.

لم ينقل فيه من آراء العامّة شيئا.

و لم يوفّق لإتمامه، لاستشهاده.

خرج منه من الطهارة إلى الرهن.

3 - البيان، في الفقه:

مختصر يخلو من الاستدلال، جمع فيه بين سهولة العبارة و متانتها، مشتمل على كثير من الأقوال.

ص: 18

خرج منه كتب: الطهارة، الصلاة، الزكاة، الخمس.

استشهد قدّس سرّه قبل إتمامه.

قال رضوان اللّه تعالى عليه في مقدّمته: أمّا بعد، فإنّ الأدلّة العقلية و النقلية متطابقة على شرف العلوم، و من أهمّها معرفة شرع الحيّ القيّوم، و هذا «البيان» كافل بالمهم منه و المحتوم على طريق العترة الطاهرة أولي الفهوم، الذين نقلهم إسناد معصوم عن معصوم، و استعنت على إتمامه باللّه القادر العالم على كلّ مقدور و معلوم.

4 - غاية المراد في شرح الإرشاد، في الفقه:

من آثار القيّمة، حسن النظم، دقيق في تقسيم المسائل، و هو شرح «إرشاد الأذهان» للعلاّمة، بل شرح للموارد الصعبة و المشكلة منه، من أوله الى آخره.. فما قيل:

إنّه إلى كتاب الأيمان، لا وجه له.

و يمتاز بتكامل أبوابه على خلاف سائر مصنّفاته، كالدروس و البيان و غيرهما.

بذل فيه غاية جهده للعناية بالمسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة، و خاض فيها خوضا عميقا و مسهبا.

و نقل فيه مطالب من الفقهاء و أساتذته - كفخر الدين و عميد الدين - كانوا قد ذكروها مشافهة و لم يوردوا في مصنّفاتهم.

و تتبّعه و متابعته للنصوص تعدّ من خصائص هذا الكتاب.

حكى فيه مطالب كثيرة من كتب و رسائل قدماء الأصحاب التي لم تصل إلينا و لم ينقلها الآخرون في مصنّفاتهم، و ذلك لأنّه قد توفّرت لديه آثار و مؤلّفات القدماء و الأولين أكثر ممّا توفّر عند المحقّق و العلاّمة.

و من هذه الكتب و الرسائل: الكامل و الروضة و الموجز لابن البرّاج، البشرى لابن طاوس، الفاخر للجعفي، الواسطة لابن حمزة، المنهج الأقصد لنجيب الدين، المفيد في التكليف للبصروي، غاية الأحكام للعلاّمة، النيّات للراوندي، النيّات للمصري، الرافع و الحاوي للجرجاني، رسالة في المضايقة لورّام، رسالة في المضايقة لأبي الحسن

ص: 19

الحلبي، رسالة في قضاء الفوائت ليحيى بن سعيد، رسالة في الإيراد على تعريف القواعد و الطهارة للقاشي.

كما و نقل عن الكثير من كبار العلماء دون أن يسنده الى كتاب خاصّ منهم، و من هؤلاء العلماء: ابن الغضائري، ابن جهيم، الصهرشتي، البزنطي، ابن الفاخر، الصوري، الحمصي، أبو صالح الحلبي، الجعفي المعروف بالصابوني.

أشار فيه إلى بعض الأخطاء الواردة في أسناد روايات كتاب التهذيب و عدد من الكتب الفقهية.

و نستلّ من آرائه التي ضمّها هذا الكتاب عددا منها:

- التبعيض في حجّية الخبر، أي لو سقطت حجّية قسم من الحديث - للمعارضة أو لسبب آخر - فإن باقي الحديث لا يسقط عن الحجّية.

- تطرّقه أحيانا إلى بعض رجال الحديث:

كقوله: و هذه في طريقها السكوني، و هو عامّي.. و كفى بمذهبه جارحا.

و قوله: الطريق الى مسمع ضعيف جدّا.

و قوله: في الطريق أبان بن عثمان، و فيه ضعف.

و قوله: و في طريقها سهل بن زياد، و ضعّفه الشيخ في مواضع و النجاشي و ابن الغضائري..

و في أصول الفقه، فقد احتوى الكتاب على العديد من آرائه، نذكر منها:

- العمدة فتوى مشاهير الأصحاب.. و الأولى العمل بفتوى الأصحاب، و هو الحجّة هنا و لا تعويل على الرواية، و لهذه عمل بها من طرح أخبار الآحاد بالكلّية.

- المعتبر إفادة الظنّ الذي اعتبره الشارع.

- الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة.

- التكليف يكفي فيه الظنّ الغالب.

- مفهوم الحصر حجّة.

ص: 20

- الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، و النهي مفسد.

- إنّ المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف لاشتماله على القرائن.

5 - القواعد و الفوائد، في الفقه:

مختصر يشتمل على ضوابط كلّية أصولية و فرعية، يستنبط منها أحكام شرعية، لم يعمل مثله.

يضمّ ما يناهز الثلاثمائة و ثلاثين قاعدة، و فوائد تقارب المائة فائدة، مضافا إلى الكثير من التنبيهات و الفروع.. و بذلك فهو يحتوي أغلب المسائل الشرعية.

و هذه القواعد و الفوائد و إن طغى عليها الطابع الفقهي إلاّ أنّ بعضها أصولية و اخرى في العربية.

و أسلوبه في الكتاب: إيراده القاعدة أو الفائدة، ثم يستعرض ما ينضوي تحتها من فروع فقهية، و ما قد يرد عليها من استثناءات إن كانت. و اتّخذ فيه أسلوب المقارنة بين فقه العامّة و الخاصة في أغلب الفروع الفقهية، فيعرض ما قيل من الوجوه، سواء كان القائل عامّيا أم شيعيا. و هذا ليس بعزيز عليه قدّس سرّه، فهو من جملة فقهائنا الخمسة الذين أحاطوا بآراء و أقوال الفقهاء على مختلف مذاهبهم.

و يعدّ هذا الأثر من جملة ابتكاراته رضوان اللّه تعالى عليه.

6 - الرسالة الألفية:

رسالة مختصرة في فرض الصلاة، تضمّ مقدّمة و ثلاثة فصول و خاتمة.

تشتمل على ألف واجب في الصلاة.

قال الشهيد الثاني في شرحه عليها - المقاصد العليّة -:.. المشتملة على الألفاظ الموجزة الجزيلة الآخذة بمجامع البلاغة و معاقد الفصاحة.

7 - الرسالة النفلية:

رسالة كبيرة تشتمل على ثلاثة آلاف نافلة تقريبا في الصلاة.

مرتّبة أيضا على مقدّمة و ثلاثة فصول و خاتمة.

ص: 21

للشهيد الثاني شرح عليها سمّاه «الفوائد الملية».

قال الشهيد الأول قدّس سرّه في مقدّمتها:.. لمّا وقفت على الحديثين المشهورين عن أهل بيت النبوّة أعظم البيوتات، أحدهما عن الإمام الصادق أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه و على آبائه و أبنائه أكمل التحيات: «للصلاة أربعة آلاف حدّ» و الثاني عن الإمام الرضا أبي الحسن عليّ بن موسى عليهما الصلوات المباركات: «الصلاة لها أربعة آلاف باب»، و وفّق اللّه سبحانه لإملاء «الرسالة الألفية» في الواجبات، ألحقت بها بيان المستحبّات، تيمّنا بالعدد تقريبا، و إن كان المعدود لم يقع في الخلد تحقيقا، فتمّت الأربعة من نفس المقارنات، و أضيف إليها سائر المتعلّقات. و اللّه حسبي في جميع الحالات.

8 - المزار (منتخب الزيارات):

يشتمل على بابين:

الأوّل: في الزيارات، و هو مرتب على ثمانية فصول و خاتمة.

الثاني: يشتمل على سبعة فصول و خاتمة.

قال قدّس سرّه في مقدّمته:.. و بعد، فهذا المنتخب موضوع لبيان ما ينبغي أن يعمل في المشاهد المقدّسة و الأمكنة المشرّفة من الأفعال المرغّبة و الأقوال المروية.

9 - أجوبة مسائل ابن نجم الدين الأطراوي:

مسائل سألها منه قدّس سرّه العالم الجليل و الفقيه الكبير تلميذه السيد حسن بن أيّوب الشهير بابن نجم الدين الأطراوي، و أجابه عنها.

و هي خمس و ستّون مسألة فقهية من أبواب متفرّقة.

10 - أجوبة مسائل الفاضل المقداد:

سبع و عشرون مسألة، سألها الفاضل المقداد بن عبد اللّه السّيوري من أستاذه الشهيد، فكتب هو جواباتها.

طبعت محقّقة لأول مرّة في مجلّة «تراثنا» التي تصدرها مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث.

ص: 22

11 - جامع البين في فوائد الشرحين:

جمع لشرحي الأخوين العالمين الفاضلين السيد عميد الدين و السيّد ضياء الدين على كتاب خالهما العلاّمة الحلّي «تهذيب الوصول الى علم الأصول».

أضاف الشهيد إليه مطالب جديدة.

قال المحقّق الكنتوري: هذّبه و أصلحه الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي(1).

و قال المحقّق التستري: و نقل فيه - أي الشهيد في الجمع بين الشرحين - اتّفاق الفرقة على كون مذهب الصحابي ليس حجّة على غيره من الصحابة(2).

12 - جواز إبداع السفر في شهر رمضان:

رسالة مبسوطة تعرّض فيها إلى مسألة السفر في شهر رمضان و الآراء و الأقوال المطروحة فيها.

قال قدّس سرّه: الظاهر من مذاهب العلماء في سائر الأعصار و الأمصار جوازه مع إجماعنا على كراهة ذلك.. لنا عشرون طريقا..

13 - المسائل الأربعينيّة:

رسالة في علم الكلام، ذكر فيها أربعين مسألة على ترتيب المعارف الخمسة.

14 - المسائل في الفقه:

مسائل مرتّبة على ترتيب أبواب الفقه، و هي من ضمن ما جمعه ابن طيّ من فتاوى جماعة من العلماء في كتابه المعروف ب «مسائل ابن طيّ».

15 - تفسير الباقيات الصالحات:

شرح مختصر للتسبيحات الأربع.

قال في آخره: فهذه الكلمات تشتمل على الأصول الخمسة: التوحيد و العدل و النبوّة و الإمامة و المعاد، فمن حصّلها حصّل الإيمان و هي الباقيات الصالحات.3.

ص: 23


1- كشف الحجب: 151-152.
2- كشف القناع: 363.

أورده الشيخ الكفعمي بتمامه في حاشية الفصل الثامن و العشرين من مصباحه الكبير الموسوم ب: «جنّة الأمان الواقية».

16 - الوصيّة:

وصيّته لبعض إخوانه.

17 - الوصيّة بأربع و عشرين خصلة:

رسالة مختصرة و وصية حسنة للإخوان.

18 - أحكام الأموات من الوصيّة إلى الزيارة:

مرتّب على ثلاثة فصول، يقرب من سبعمائة بيت.

نسبه إليه صاحب الذريعة(1).

19 - الأربعون حديثا:

كتاب صغير يشتمل على أربعين حديثا في العبادات العامّة البلوى، أورد أكثرها بلا شرح أو توضيح، و اقتصر على ذكر السند تفصيلا إلى المعصوم (ع).

قال الشهيد: و الداعي إلى تأليفه ما اشتهر في النقل الصحيح عن النبيّ (ص) أنّه قال: «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا ينتفعون بها بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما» فرأيت أنّ أكثر الأشياء نفعا و أهمّها العبادات الشرعية، لعموم البلوى إليها، و شدّة الحثّ عليها، فخرّجت أكثرها فيها و باقيها في مسائل غيرها.

20 - المقالة التكليفية:

رسالة في الكلام و العقائد:

قال الشهيد في مقدّمتها:.. فهذه «المقالة التكليفية» مرتّبة على خمسة فصول:

الفصل الأول في ماهيته و توابعها، الفصل الثاني في متعلّقه، الفصل الثالث في غايته، الفصل الرابع في الترغيب، الفصل الخامس في الترهيب..

و القول بأنّها في الأخلاق أو رسالة حديثية - لذكره في الفصل الرابع و الخامس5.

ص: 24


1- الذريعة 294:1-295.

روايات في الترغيب و الترهيب - غير صحيح.

21 - شرح قصيدة الشهفيني:

الشهفيني هو أبو الحسن علي بن الحسين. و قد قيل: إنّه عاملي، و قيل: إنّه حلّي.

و على أيّة حال، فقصيدته كانت في مدح أمير المؤمنين (ع)، و هي من جملة ديوانه الكبير.

قال المحقّق التستري:.. لمّا اطّلع الناظم - أي الشهفيني - على هذا الشرح و رأى اعتناء الشهيد بقصيدته، أعجب بالشرح و مدح الشهيد بعشرة أبيات شكره فيها على ذلك(1).

22 - العقيدة الكافية:

رسالة صغيرة جدّا في الاعتقادات.

23 - المجموعة:

قال المحدّث النوري:.. و هي ثلاث مجلّدات، كالبساتين النضرة و الحدائق الخضرة، التي فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين، مشتملة على رسائل مستقلّة في الأحاديث و العلوم الأدبية و الأشعار و الأخبار المستخرجة من الأصول و الحكايات و النوادر و غيرها، خالية عن الهزليات التي توجد في أمثالها، نعم يوجد فيها بعض اللطائف و الطرائف(2).

24 - خلاصة الاعتبار في الحجّ و الاعتمار:

رسالة حسنة مختصرة في مناسك الحجّ.

قال الشهيد:.. فهذه الرسالة في فرض الحجّ و العمرة، مجرّدة عن دليل، مبنيّة على مقدّمة و مقالتين و تكميل.

أوردها العلاّمة السيّد الأمين في كتابه «معادن الجواهر»(3).3.

ص: 25


1- مجالس المؤمنين 571:2-572.
2- خاتمة المستدرك 372:3-373.
3- معادن الجواهر 296:1-303.

نقول: لا تخلو طبعتها ضمن هذا الكتاب من الكثير من الأخطاء و التصحيفات، بالإضافة الى ما سقط من أولها و آخرها.

25 - حاشية القواعد:

قال أحد تلامذة الشهيد الثاني في تعداد مصنّفاته: حاشية على قواعد الأحكام للعلاّمة.. مشى فيه مشي الحاشية المشهورة ب «النجّارية» للمولى السعيد الشيخ الشهيد، و غالب المباحث فيها بينه و بينه(1).

قال صاحب الرياض في عدّ مصنّفات الشهيد: و له أيضا حواشي القواعد الى آخر الكتاب، سمّاها: الحواشي النجّارية(2).

و يظهر من ذلك أنّ الحواشي النجّارية هي عين حاشية الشهيد على القواعد.

26 - حاشية الذكرى:

نسبها صاحب الذريعة إليه و قال: و حواشي المصنّف نفسه - أي مصنّف الذكرى - إلى صلاة المسافر، كما يظهر من حاشية البويهي(3).

27 - ذكري الشيعة في أحكام الشريعة و هو السفر الماثل بين يدي القارئ اللبيب.

كتاب فقهي استدلالي.

خرج منه الطهارة و الصلاة فقط.

و كان قدّس سرّه قد عزم على إتمامه، بدليل قوله في آخره: و ليكن هذا آخر المجلّد الأول من كتاب ذكري الشيعة، و يتلوه إن شاء اللّه تعالى في المجلّد الثاني كتاب الزكاة.

و قوله في ص 80 (الحجري) - الفصل الرابع، في واجبات الوضوء، في بحث النية0.

ص: 26


1- الدرّ المنثور لعليّ بن محمّد الجبعي العاملي 186:2.
2- تعليقة أمل الآمل: 368-369.
3- الذريعة 87:6 و ج 40:10.

-:.. إلاّ ما سنذكر في الحجّ و العتق إن شاء اللّه تعالى.

لكن استشهاده رضوان اللّه تعالى عليه حال دون ذلك.

و على أيّة حال، فهو فقه الشهيد الاستدلالي.

و قد جاء ناظرا في الأغلب إلى كتب المحقّق و العلاّمة، كالمعتبر و المختلف و القواعد و التحرير.

و وضعه على أساس أقوى الأدلة - في رأيه - من الكتاب و الروايات و من الإجماعات، و من هنا فقد كانت إجماعاته و استدلالاته موضع اهتمام الفقهاء من بعده، و مع ذلك فقد حاول التعرض للفروع الفقهية و أدلّتها بأقلّ ما يمكنه من الألفاظ.

كما و يمتاز بأسلوبه الجميل و ترتيبه البديع، و قد أشار إلى ذلك في مقدّمته فقال:..

أمّا بعد فهذا كتاب ذكري الشيعة في أحكام الشريعة أوردت فيه ما صدر عن سيّد المرسلين بواسطة خلفائه المعصومين، ممّا دلّ عليه الكتاب المبين و إجماع المطهّرين و الحديث المشهور و الدليل المأثور، تجديدا لمعاهد العلوم و تأكيدا لمعاقد الرسوم و تأييدا للمسائل الفقهية و تخليدا للوسائل الشرعية، تقرّبا إلى اللّه بارئ البرية.. و تنتظمه مقدّمة و أقطاب أربعة، أمّا المقدّمة ففيها إشارات سبع: الاولى: الفقه لغة: الفهم..

الإشارة الثانية: يجب التفقّه.. الإشارة الثالثة: يعتبر في الفقيه أمور ثلاثة عشر..

الإشارة السابعة: يجب التمسك بمذهب الإمامية لوجوه تسعة: الأول: قد تقرّر في الكلام عصمة الإمام، و المعصوم أولى بالاتّباع. الثاني: قوله تعالى يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّادِقِينَ و غير المعصوم لا يعلم صدقه.. الثالث: قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ..

و أمّا الأقطاب فأربعة: أولها العبادات.. و ثانيها العقود.. و ثالثها الإيقاعات..

و رابعها السياسات (الأحكام).. القطب الأول في العبادات. كتاب الصلاة.. و شروط ستّة في ستّة أبواب. الباب الأول: الطهارة.. فهاهنا فصول أربعة، الفصل الأول..

هذا، و تعدّ المباحث الأصولية القيّمة التي ذكرها في المقدمة من مميّزات هذا

ص: 27

الكتاب و إحدى خصائصه النفيسة.

و قد أشار الشهيد إلى كتاب «الذكرى» في عدّة من كتبه، كاللمعة و الدروس و أجوبة مسائل الفاضل المقداد، بعبارات مختلفة، مثل: حقّقناه في الذكرى، بيّناه في الذكرى، بيّنا مأخذه في الذكرى، فكتبنا في ذلك ما تيسّر في الذكرى، بسطت المسألة في الذكرى، و قد ذكرنا الروايات الدالّة على القضاء عن الميت لما فاته من الصلوات و أحكام ذلك في الذكرى. إلى غير ذلك من الألفاظ و العبارات.

قال في الذريعة: و فرغ منه في 21 صفر 784(1).

فما في مقدّمة الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية من أنّه فرغ منه بسنة 786 - أي في سنة استشهاده، فيكون آخر مؤلفاته - في غير محلّه، لا سيما و قد جاء التصريح في مقدّمة الدروس بأنّه ألّفه - أي الدروس - بعد الذكرى و البيان.

و هناك أيضا مصنّفات و آثار يشكّ في نسبتها إليه أو أنّها له و لكن بعناوين آخر، نذكرها - لضيق المجال - على عجالة:

1 - الخلل في الصلاة.

2 - أحكام الصلاة.

3 - قصر صلاة المسافر.

4 - الاستدراك.

5 - الدّرة الباهرة من الأصداف الطاهرة.

6 - منظومة في مقدار نزح ما يقع في البئر.

7 - اللوامع.

8 - شرح مبادئ الأصول.

9 - غاية القصد في معرفة الفصد.

10 - تقريب المبادئ.0.

ص: 28


1- الذريعة 40:10.

11 - خلاصة الإيجاز.

12 - المعتبر.

13 - النيّة.

14 - مجموعة الإجازات.

15 - المنسك الكبير.

16 - مسائل تزاحم الحقوق.

17 - حاشية الشرائع.

18 - التهذيب في الأصول.

19 - أربع مسائل فقهية.

20 - أجوبة مسائل محمّد بن مجاهد.

أمّا إجازاته لتلامذته، فهي كثيرة، إلاّ أنّ الموقوف على نصّه منها خمس إجازات:

1 - الإجازة لابن الخازن.

2 - الإجازة لابن نجدة.

3 - الإجازة لجماعة من العلماء.

4 - الإجازة لولده الثلاثة.

5 - الإجازة لولديه.

و لا يخفى أنّ الشهيد كان كاتبا و أديبا و شاعرا، فشعره مع قلّته يمتاز بجمال التعبير و دقّة التصوير و الرقّة و جودة الأداء، و قد عدّ البعض من جملة مؤلّفاته: ديوان صغير يشتمل على نحو عشرين مقطوعة و قصيدة(1).

توّج حياته الشريفة و سيرته العظيمة بأفضل الموت و أحسنه، شهادة دوّنها التاريخ بأحرف من نور، فنال من المنزلة ما يغبطه عليها الصدّيقون و المؤمنون.5.

ص: 29


1- محمّد رضا شمس الدين في «حياة الإمام الشهيد الأول»: 65.

قال الحرّ العاملي في أمل الآمل:

و كانت وفاته سنة 786، اليوم التاسع من جمادى الاولى، قتل بالسيف، ثم صلب، ثم رجم، ثم أحرق بدمشق، في دولة بيدر و سلطنة برقوق، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي و عباد بن جماعة الشافعي، بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام..

و كان سبب حبسه و قتله أنّه وشى به رجل من أعدائه و كتب محضرا يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة و غيرهم، و شهد بذلك جماعة كثيرة و كتبوا عليه شهاداتهم، و ثبت ذلك عند قاضي صيدا، ثم أتوا به إلى قاضي الشام، فحبس سنة، ثم أفتى الشافعي بتوبته و المالكي بقتله، فتوقّف عن التوبة خوفا من أن يثبت عليه الذنب، و أنكر ما نسبوه إليه للتقية، فقالوا: قد ثبت ذلك عليك و حكم القاضي لا ينقض و الإنكار لا يفيد، فغلب رأي المالكي لكثرة المتعصّبين عليه، فقتل، ثم صلب و رجم، ثم أحرق قدّس اللّه روحه. سمعنا ذلك من بعض المشايخ و رأينا بخطّ بعضهم، و ذكر أنّه وجده بخطّ المقداد تلميذ الشهيد(1).

و هناك تفصيلات اخرى لقضية استشهاده قدّس سرّه، تعرّض لها الكثير من أصحاب التراجم و غيرهم.

كانت هذه لمحة خاطفة عن أحوال الشهيد و نشأته و رحلاته و مكانته و سيرته و مصنّفاته و خصائصه و ما قيل فيه، لو تأمّلنا فيها قصيرا لأدركنا الداعي لأن يكون قدّس سرّه صاحب مرحلة كاملة من مراحل تطوّر الفقه الشيعي.

النسخ المعتمدة في التحقيق:

اعتمدنا في تحقيقنا لكتاب «الذكرى» على ما يلي:

1 - مصوّرة النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران المركزية، برقم 1906، بخطّ حسن بن محمود، من أول الكتاب إلى آخره، فرغ منها في 8 ربيع الثاني

ص: 30


1- أمل الآمل: 182-183.

784. تشتمل على حواشي و بلاغات. و عليها ختم و إمضاء حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر الموسوي الشفتي قدّس سرّه.

قال في الذريعة: و الظاهر أنّ الكاتب كان تلميذ الشهيد، و كان كلّما يخرج من قلم الشهيد يستنسخه التلميذ تدريجا، حتى فرغ الشهيد في التاريخ المذكور - 21 صفر 784 - و فرغ التلميذ في نيف و أربعين يوما بعد تأليف الشهيد(1).

رمزنا لها في الهامش بحرف «م».

2 - مصوّرة النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مدرسة سليمان خان التابعة للمكتبة الرضوية المقدّسة في مشهد، برقم 36، بخطّ أحمد بن علي بن حيدر، من أول الكتاب إلى آخره، فرغ من كتابتها في مدينة دامغان سنة 883، مصحّحة و مقابلة و عليها بلاغات، يلحظ عليها خطّ الشيخ البهائي و والده قدّس سرّهما.

رمزنا لها في الهامش بحرف «س».

3 - النسخة الحجرية المطبوعة بطهران سنة 1271، و هي من أول الكتاب إلى آخره.

ضمّ إليها في آخرها كتاب «تمهيد القواعد» للشهيد الثاني.

أشرنا لها في الهامش بلفظة «الحجرية».

منهجيّة التحقيق:

اتّبعت المؤسّسة في تحقيقها لهذا السفر المبارك منهجية العمل الجماعي، فانبثقت اللجان التالية لإنجازه:

1 - لجنة المقابلة: و مهمّتها مقابلة النسخ المخطوطة و تثبيت الاختلافات الواردة بينها.

و قد تألّفت من الأخوين الفاضلين: الحاج عزّ الدين عبد الملك و صاحب ناصر.

ص: 31


1- الذريعة 40:10.

2 - لجنة التخريج: و مهمّتها تخريج الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة و الأقوال الفقهية و اللغوية و سائر ما يحتاج إلى ذلك.

و قد تألّفت من أصحاب السماحة حجج الإسلام: الشيخ جعفر مجاهدي، الشيخ عطاء اللّه رسولي، الشيخ محمد التبريزي، السيّد حمزة لو.

3 - لجنة تقويم النصّ: و هي من أهم المراحل، حيث يتمّ بها تمييز الراجح و المرجوح من الاختلافات الموجودة بين النسخ المخطوطة، و توزيع النص و تجريده من الأخطاء العلمية و النحوية و الإملائية، مع التعليق و بيان الموارد الغامضة و المبهمة و غيرها.

و قد قام بمهمّتها سماحة العلاّمة الحجّة الشيخ محمّد الباقري و الأستاذ الفاضل عصام عبد السيّد.

4 - المراجعة النهائية: و هي لتفادي ما قد يكون حدث من سهو أو غفلة في المراحل السابقة، و توحيد الجهود المبذولة أثناء مراحل العمل المختلفة، و إضافة ما يمكن إضافته من استدراكات و تعديلات على المتن و الهامش.

و قد قام بهذه المهمّة سماحة حجة الإسلام و المسلمين السيّد علي الخراساني.

و لا يفوتنا أن نخصّ بالشكر سماحة العلاّمة حجّة الإسلام و المسلمين السيّد علي الميلاني لما أبداه من ملاحظات قيّمة و آراء سديدة.

سائلين المولى عزّ و جلّ حسن القبول و التوفيق لبذل المزيد.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله العترة الميامين.

مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث

ص: 32

مصادر المقدّمة

1 - أمل الآمل - للحر العاملي.

2 - أعيان الشيعة - للعلاّمة الأمين.

3 - بحار الأنوار - للعلاّمة المجلسي.

4 - تاريخ العلماء عبر العصور المختلفة - للحكيمي.

5 - تعليقة أمل الآمل - للميرزا عبد اللّه الأفندي.

6 - تكملة الأمل - للسيّد حسن الصدر.

7 - تنقيح المقال - للشيخ المامقاني.

8 - الحقائق الراهنة في المائة الثامنة (طبقات أعلام الشيعة) - لآقا بزرگ الطهراني.

9 - حياة الإمام الشهيد الأول - للشيخ محمّد رضا شمس الدين.

10 - خاتمة المستدرك - للمحدّث النوري.

11 - روضات الجنّات - للسيّد محمّد باقر الخوانساري.

12 - رياض العلماء - للميرزا عبد اللّه الأفندي.

13 - ريحانة الأدب - لمحمّد علي التبريزي المدرّس.

14 - الدرّ المنثور - لعلي بن محمّد الجبعي العاملي.

15 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة - لآقا بزرگ الطهراني.

16 - شهداء الفضيلة - للعلاّمة الأميني.

17 - الفوائد الرضوية - للمحدّث القمّي.

18 - قصص العلماء - للميرزا محمّد التنكابني.

19 - كشف الأستار و الحجب - للمحقّق الكنتوري.

20 - الكنى و الألقاب - للمحقّق القمّي.

ص: 33

21 - لؤلؤة البحرين - للشيخ يوسف البحراني.

22 - مجالس المؤمنين - للقاضي نور اللّه التستري.

23 - مجلّة تراثنا - التي تصدر عن مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث.

24 - مقابس الأنوار - للمحقّق التستري.

25 - معادن الجواهر - للعلاّمة الأمين.

26 - معجم رجال الحديث - للسيّد الخوئي.

27 - مقدّمة بر فقه شيعة - لحسين المدرّسي الطباطبائي.

28 - مقدّمة الروضة البهية - للشيخ محمّد مهدي الآصفي.

29 - مقدّمة رياض المسائل - للشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي.

30 - مقدّمة غاية المراد - للشيخ رضا مختاري.

31 - مقدّمة القواعد و الفوائد - للسيّد عبد الهادي الحكيم.

32 - منتهى المقال - لأبي علي الحائري.

33 - نقد الرجال - للتفرشي.

ص: 34

نماذج من صور النسخة الأصليّة

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

مقدمة المؤلف: و تحوي على إشارات سبع:

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي شرع الإسلام، فسهّل شرائعه للواردين، و أوضح أعلامه للمرتادين، و أعزّ أركانه على المغالبين، و ذلّل سبيله للطالبين. أحمده على عظيم إحسانه، و نيّر برهانه، و أشكره على جميل إفضاله، و بيّن امتنانه. حمدا يكون لحقّه قضاء، و إلى ثوابه مقربا، و شكرا يصير لفرضه أداء، و لحسن مزيده موجبا.

و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، شهادة يواطئ فيها السر الإعلان، و يوافق القلب اللسان.

و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله الى الخلق، و داعية بإذنه إلى الحقّ، اختاره من شجرة الأنبياء، و مشكاة الضياء، و ذؤابة العلياء، و سرة البطحاء. صلّى اللّه عليه و على أهل بيته النجباء، موضع سرّه، و لجأ أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و جبال دينه، صلاة لا انقطاع لأمدها، و لا إحصاء لعددها(1).

أما بعد، فهذا كتاب ذكري الشيعة في أحكام الشريعة، أوردت فيه ما صدر عن سيد المرسلين بواسطة خلفائه المعصومين، ممّا دلّ عليه الكتاب المبين

ص: 39


1- في خطبة المصنف - قدّس سرّه - مقتطفات من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، لاحظ نهج البلاغة، الخطبة رقم 2 108.

و إجماع المطهّرين، و الحديث المشهور و الدليل المأثور، تجديدا لمعاهد العلوم، و تأكيدا لمعاقد الرسوم، و تأييدا للمسائل الفقهية، و تخليدا للوسائل الشرعية، تقرّبا إلى بارئ البرية، و اللّه المسئول أن ينفع به الطالبين، و يرشد اليه الراغبين، و يجزل لنا من عطائه العميم، و فضله الجسيم، إنّه الجواد الكريم ذو الفضل العظيم.

و تنتظمه مقدمة و أقطاب أربعة.

أمّا المقدمة ففيها إشارات سبع:

الإشارة الاولى: تعريف بعض المصطلحات

الاولى: الفقه لغة: الفهم، و هو: العلم، أو جودة الذهن من حيث استعداده لاكتساب العلوم.

و عرفا: العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلّتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية.

و من هذا يعلم موضوعه، و هو ما عليه دليله، أعني: فعل المكلّف من حيث هو مكلّف. و مبادئه، و هي: ما منه دليله، أعني: الكلام، و الأصول، و العربية.

و مسائله، و هي: ما لها الدليل، أعني: مطالبه المثبتة فيه. و غايته.

و المراد ب (الأحكام): ما اقتضاه الخطاب وجودا أو عدما - مانعين من النقيض أو لا - أو تخييرا، و هي: الوجوب، و الحرمة، و الندب، و الكراهة، و الإباحة.

و منه يعلم رسومها.

و السببية و الشرطية و الصحة و الفساد يرجع إلى الاقتضاء و التخيير إن جعلت أحكاما.

و المراد ب (الشرعية): ما استفيد من الشرع إما بالنقل عن حكم الأصل، أو بالتقرير عليه، فيدخل في ذلك ما علم بالدليل العقلي.

و المراد ب (العملية): ما يتعلّق بالعمل من الفروع.

و المراد ب (الأدلّة التفصيلية): المختصّة بكل حكم على حدته، و يقابلها الإجمالية، كقول المقلّد: هذا أفتى به المفتي، و كل ما أفتى به فهو حكم اللّه في حقي.

ص: 40

و لا حاجة الى إضافة (غير الضرورية) إلى التعريف، لخروجها بالأدلة من حيث إنّ الضروري يقابل الاستدلالي، أو أنّ العلم بها وحدها لا يكون فقها، لا من حيث كونها ضرورية بل من حيث إنّ الكل لا يصدق على الجزء.

و إذا فسّر العلم ب: الاعتقاد الجازم عن موجبه، خرج سؤال الظنون لدخولها فيه.

و إذا قيل: بتجزؤ الاجتهاد، لم تكن لام الاحكام للاستغراق. و لا يدخل المقلد، لعدم استدلاله على الأعيان.

الإشارة الثانية وجوب التفقه و كونه كفائي

يجب التفقّه، لتوقّف معرفة التكليف الواجب عليه. و لا يرد الندب و المكروه و المباح على عموم وجوب التفقّه، لأنّ امتياز الواجب و الحرام انما يتحقّق بمعرفة كل الأحكام، إذ التكليف باعتقادها على ما هي عليه، و هو موقوف على معرفتها.

و وجوبه كفاية، لقوله تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ (1).

و للزوم الحرج المنفي بالقرآن العزيز(2).

و عليه أكثر الإمامية، و خالف فيه بعض قدمائهم(3) و فقهاء حلب(4) - رحمة اللّه عليهم - فأوجبوا على العوام الاستدلال، و اكتفوا فيه: بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع، أو النصوص الظاهرة، أو أن الأصل في المنافع الإباحة و في المضار الحرمة، مع فقد نص قاطع في متنه و دلالته و النصوص محصورة.

و يدفعه: إجماع السلف و الخلف على الاستفتاء من غير نكير و لا تعرض لدليل بوجه من الوجوه، و ما ذكروه لا يخرج عن التقليد عند التحقيق، و خصوصا

ص: 41


1- سورة التوبة: 122.
2- إشارة إلى قوله تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، سورة الحج: 78.
3- كالسيد المرتضى في جوابات المسائل الرسية الأولى 320:2.
4- كابن زهرة الحلبي في الغنية: 486.

عند من اعتبر حجية خبر الواحد، فان في البحث عنه عرضا عريضا.

الإشارة الثالثة الشرائط المعتبر تحقّقها في الفقيه، و هي ثلاثة عشر شرطا

يعتبر في الفقيه أمور ثلاثة عشر، قد نبّه عليها في مقبول عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق (عليه السلام): «انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا و لم يقبله منه، فإنما بحكم اللّه استخف، و علينا ردّ، و هو رادّ على اللّه(1)، و هو على حدّ الشرك باللّه، فإذا اختلفا فالحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما»(2).

الأمر الأول: الإيمان، لقوله: «منكم»، لأن غير المؤمن يجب التثبّت عند خبره، و هو ينافي التقليد.

الثاني: العدالة - لذلك أيضا - و عليه نبّه بقوله: «أعدلهما».

الثالث: العلم بالكتاب.

الرابع: العلم بالسنّة، و يكفي منهما ما يحتاج إليه و لو بمراجعة أصل صحيح.

الخامس: العلم بالإجماع و الخلاف لئلاّ يفتي بما يخالفه.

السادس: العلم بالكلام.

السابع: العلم بالأصول.

الثامن: العلم باللغة و النحو و الصرف و كيفيّة الاستدلال، و على ذلك دلّ بقوله: «و عرف أحكامنا»، فإن معرفتها بدون ذلك محال.

التاسع: العلم بالناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه، و الظاهر و المؤوّل، و نحوها مما يتوقّف عليه فهم المعنى و العمل بموجبه، كالمجمل و المبين و العام و الخاص.

ص: 42


1- في الكافي و التهذيب: «و الراد علينا الراد على اللّه».
2- الكافي 54:1، و قطعة منه في الكافي أيضا 142:7، و الفقيه 5:3 ح 18، و التهذيب 128:6 ح 541.

العاشر: العلم بالجرح و التعديل، و يكفي الاعتماد على شهادة الأولين به كما اشتمل عليه كتب الرجال، إذ يتعذّر ضبط الجميع مع تطاول الأزمنة. و في الكافي و من لا يحضره الفقيه و التهذيب بلاغ واف و بيان شاف(1)، و الى ذلك أشار بقوله: «و روى حديثنا»(2).

الحادي عشر: العلم بمقتضى اللفظ لغة و عرفا و شرعا.

الثاني عشر: أن يعلم من المخاطب إرادة المقتضى إن تجرّد عن القرينة، و ارادة ما دلّت عليه القرينة ان وجدت ليثق بخطابه، و هو موقوف على ثبوت الحكمة.

الثالث عشر: أن يكون حافظا، بمعنى: أنّه أغلب عليه من النسيان، لتعذّر درك الأحكام من دونه.

و الأولى جواز تجزّئ الاجتهاد، لأنّ الغرض الاطلاع على مأخذ الحكم و ما يعتبر فيه و هو حاصل، و يندر و يبعد تعلّق غيره به فلا يلتفت اليه، لقيام هذا التجويز في المجتهد المطلق، و عليه نبّه في مشهور أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام): «أنظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم فانّي قد جعلته قاضيا»(3).

الإشارة الرابعة وجوب اجتهاد العامّي لتحصيل المفتي

يجب اجتهاد العامي و من قصر عن الاستدلال في تحصيل المفتي بإذعان العلماء له و اشتهار فتياه. فان تعدّد وجب اتباع الأعلم الأورع - كما تضمّنه الحديث - لزيادة الثقة بقوله. فان تقابل الأعلم و الأورع، فالأولى: تقليد الأعلم، لأنّ القدر الذي فيه من الورع يحجزه عن الاقتحام على ما لا يعلم، فيبقى ترجيح العلم(4) سالما عن المعارض.

ص: 43


1- هذا إشارة إلى القول بكفاية اتفاق المشايخ الثلاثة - الكليني و الصدوق و الطوسي - على إخراج رواية الرجل في وثاقته و الاعتماد على خبره.
2- تقدم في: 42 الهامش 2.
3- الكافي 412:7 ح 5، الفقيه 10:3 ح 1، التهذيب 219:6 ح 516.
4- في ط: الأعلم.

و إن استويا في العلم و الورع، فالأولى: التخيير، لفقد المرجّح، و ان بعد وقوعه حتى منعه بعض الأصوليين، لامتناع اجتماع أمارتي الحرمة و الحلّ.

فإذا اتّبع عالما في حكم فله اتباع الآخر في غيره، و ليس له اتّباعه في نقيضه، و ربّما قيل: بجوازه مع تساويهما في واقعة اخرى.

الإشارة الخامسة عدم اشتراط مشافهة المفتي في العمل

بقوله 44 لا يشترط مشافهة المفتي في العمل بقوله، بل يجوز بالرواية عنه ما دام حيا، للإجماع على جواز رجوع الحائض إلى الزوج العامي إذا روى عن المفتي، و للعسر اللازم بالتزام السماع منه.

و ما يوجد في بعض العبارات: لا يجوز الإفتاء للعامي بقول المفتي، محمول على تصرّفه في الحكم تصرّف المفتي.

و هل يجوز العمل بالرواية عن الميت؟ ظاهر العلماء المنع منه، محتجّين بأنّه لا قول له، و لهذا انعقد الإجماع مع خلافه ميتا.

و جوّزه بعضهم، لإطباق الناس على النقل عن العلماء الماضين، و لوضع الكتب من المجتهدين، و لأن كثيرا من الأزمنة أو الأمكنة تخلو عن المجتهدين و عن التوصّل إليهم، فلو لم تقبل تلك الرواية لزم العسر المنفي.

و أجيب: بأن النقل و التصنيف يعرّفان طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث و الإجماع و الخلاف لا التقليد، و بمنع جواز الخلو عن المجتهد في زمان الغيبة.

و الأولى: الاكتفاء بالكتابة مع أمن التزوير، للإجماع على العمل بكتب النبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام في أزمنتهم، و لأنّ المعتبر ظنّ الإفتاء و هو حاصل بذلك.

الإشارة السادسة بسط الكلام في الأدلة الشرعية الأربعة

اشارة

الإشارة السادسة: في قول وجيز في الأصول يبعث الهمّة على طلبه من مظانّه، و هي أربعة:

أحدها: الكتاب،

و هو: الكلام المنزل لمصالح الخلق، و الإعجاز بسورة

ص: 44

منه. و ينقسم لفظه إلى:

حقيقة، و هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب، كالسماء و الدابة و الصلاة.

و مجاز، و هو: اللفظ المستعمل فيما لم يوضع له في اصطلاح التخاطب للعلاقة، مثل جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ (1).

و مضمر، و هو: ما دلّ الدليل على إرادته و تقديره في الكلام، مثل:

وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ (2) .

و مشترك، و هو: ما وضع لحقيقتين فصاعدا وضعا أولا من حيث هو كذلك كالقرء، و يسمى: مجملا بالنسبة إلى كل واحد من معنييه.

و منفرد، و هو: ما يقابل المشترك.

و منقول، و هو: المستعمل في غير موضوعه لا لعلاقة مع الأغلبية، و يسمّى: المرتجل.

و أمر، و هو: اللفظ الدال على طلب(3) الفعل مع الاستعلاء، مثل:

وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاةَ (4) ، فَكاتِبُوهُمْ (5)، وَ اِسْتَشْهِدُوا (6).

و نهي، و هو: اللفظ الدال على طلب الكفّ مع الاستعلاء، مثل وَ لا تَقْرَبُوا اَلزِّنى (7)، وَ لا تَمْشِ فِي اَلْأَرْضِ مَرَحاً (8).

و مطلق، و هو: اللفظ الدال على الماهية لا بقيد، مثل:

ص: 45


1- سورة الكهف: 77.
2- سورة يوسف: 82.
3- «طلب» ساقطة من م، س.
4- سورة البقرة: 43.
5- سورة النور: 33.
6- سورة البقرة: 282.
7- سورة الإسراء: 32.
8- سورة الإسراء: 37.

فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا (1) .

و مقيّد، و هو مقابله، مثل وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (2).

و عامّ، و هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد، مثل:

فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) .

و خاصّ، و هو مقابله، مثل يا أَيُّهَا اَلْمُزَّمِّلُ قُمِ اَللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً (4).

و مبيّن، و هو: المستغنى عن البيان، مثل فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ (5)، و ما لحقه البيان، مثل: الصلاة.

و ناسخ، و هو: الرافع حكما شرعيا بخطاب شرعي متراخ عنه على وجه لولاه لكان ثابتا، مثل يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (6).

و منسوخ، مثل مَتاعاً إِلَى اَلْحَوْلِ (7).

ثم دلالة اللفظ على معناه: أمّا خالية عن الاحتمال و هو النصّ، مثل:

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اَللّهُ (8) ، و يقابله المجمل المذكور. و أمّا مع الاحتمال الراجح على المنطوق و هو المأوّل، مثل وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ (9). و أمّا مع احتمال مرجوح و هو الظاهر.

و أنواعه أربعة: الراجح بحسب الحقيقة الشرعية كدلالة الحجّ على المناسك المخصوصة، و الراجح بحسب الحقيقة العرفية كدلالة7.

ص: 46


1- سورة المجادلة: 3.
2- سورة النساء: 92.
3- سورة التوبة: 5.
4- سورة المزمل: 2.
5- سورة النساء: 136.
6- سورة البقرة: 234.
7- سورة البقرة: 240.
8- سورة محمد: 19.
9- سورة الرحمن: 27.

أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ اَلْغائِطِ(1)على الحدث، و المطلق و العام بالنسبة إلى مدلولهما.

تنبيه:

قد يتّفق اجتماع النصّ و المجمل باعتبارين، مثل وَ اَلْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2)، فإنّه نصّ في دلالته على الاعتداد، و مجمل بالنسبة إلى قدر العدّة و تعيين المعتدّة.

الأصل الثاني: السنّة،

و هي: طريقة النبي أو الإمام المحكية عنه، فالنبي بالأصالة و الإمام بالنيابة، و هي ثلاثة: قول، و فعل، و تقرير.

أمّا القول فأقسامه المذكورة في الكتاب.

و الفعل إذا علم وجهه، أو وقع بيانا، فيتبع المبيّن في وجوبه و ندبه و إباحته، سواء كان البيان مستفادا من الصريح، مثل قوله (عليه السلام): «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»(3)، و «خذوا عني مناسككم»(4) أو من القرينة كقطع يد السارق اليمنى.

و يشترط في الفعل أن لا يعلم أنّه من خواصه عليه الصلاة و السلام، كتجاوز الأربع في النكاح، و الوصال في الصيام.

و ما لم يعلم وجهه، فالوقف بين الواجب و الندب إن علم قصد القربة فيه، و إلاّ فللقدر المشترك بينهما و بين الإباحة.

و التقرير يفيد الجواز، لامتناع التقرير على المنكر إن علمه (عليه السلام)، و إلاّ فلا حجة فيه، مثل: كنا نجامع و نكسل فلا نغتسل(5)، إذ مثله قد يخفى،

ص: 47


1- سورة المائدة: 6.
2- سورة البقرة: 228.
3- مسند أحمد 53:5، سنن الدارمي 286:1، صحيح البخاري 162:1، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 85:3 ح 1656، سنن الدار قطني 273:1، السنن الكبرى 120:3.
4- مسند أحمد 318:3، صحيح مسلم 943:2 ح 1297، سنن أبي داود 201:2 ح 1970، سنن النسائي 270:5. مسند أبي يعلى 111:4 ح 2147.
5- المصنف لابن أبي شيبة 87:1.

و المفهوم من «كنا» مطابقة المتكلم وحده، أو هو مع جماعة قد يخفى حالهم.

ثم من السنّة:

متواتر، و هو: ما بلغ رواته الى حيث يحصل العلم بقولهم، كخبر الغدير.

و آحاد، و هو بخلافه.

و منه المشهور، و هو: ما زادت رواته عن ثلاثة، و يسمى: المستفيض، و قد يطلق على ما اشتهر العمل به بين العلماء.

و الصحيح، و هو: ما اتّصلت روايته الى المعصوم بعدل إمامي، و يسمّى:

المتّصل و المعنعن، و إن كان كل منهما أعمّ منه. و قد يطلق الصحيح على سليم الطريق من الطعن و ان اعتراه إرسال أو قطع.

و الحسن، و هو: ما رواه الممدوح من غير نصّ على عدالته.

و الموثّق: ما رواه من نصّ على توثيقه مع فساد عقيدته، و يسمّى: القوي.

و قد يراد بالقوي مرويّ الإمامي غير المذموم و لا الممدوح، أو مروي المشهور في التقدم عن(1) الموثّق.

و الضعيف يقابله. و ربما قابل الضعيف الصحيح و الحسن و الموثق. و يطلق الضعيف بالنسبة إلى زيادة القدح و نقصانه.

و المقبول، و هو: ما تلقوه بالقبول و العمل بالمضمون.

و المرسل: ما رواه عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة، أو بواسطة نسيها أو تركها. و قد يسمى: منقطعا و مقطوعا بإسقاط واحد، و معضلا بإسقاط أكثر.

و الموقوف: ما روي عن مصاحب المعصوم، و قد يطلق عليه الأثر ان كان الراوي صحابيا للنبي صلّى اللّه عليه و آله.

و الشاذّ و النادر: ما خالف المشهور، و يطلق على مرويّ الثقة إذا خالف».

ص: 48


1- في س، ط: غير. و في الرواشح السماوية: 42: و في عدّة نسخ من الذكرى معوّل على صحتها مكان «غير الموثق»: «عن الموثق».

المشهور. و المتواتر قطعي القبول، لوجوب العمل بالعلم.

و الواحد مقبول بشروطه المشهورة، و شرط اعتضاده بقطعي: كفحوى الكتاب، أو المتواتر، أو عمومهما، أو دليل العقل، أو كان مقبولا، حتى عدّه الشيخ أبو جعفر - رحمه اللّه - من المعلوم المخبر(1)، أو كان مرسله معلوم التحرّز عن الرواية عن مجروح. و لهذا قبلت الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير، و صفوان ابن يحيى، و أحمد بن أبي نصر البزنطي(2) لأنّهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة، أو عمل الأكثر.

و أنكره جلّ الأصحاب(3) كأنّهم يرون أنّ ما بأيديهم متواتر أو مجمع على مضمونه و ان كان في حيّز الآحاد.

و يردّ الخبر لمخالفة مضمونه القاطع من الكتاب و السنّة و الإجماع لامتناع ترجيح الظنّ على العلم، أو باعراض الأكثر عنه، أو معارضة أقوى إسنادا أو متنا، أو مرجّحا لوجوه المرجّحات. و يأوّل ما يمكن تأويله.

و قد كفانا السلف رحمهم اللّه مئونة نقد الأحاديث و بيان هذه الوجوه، فاقتصرنا على المقصود منها بإيراد طرف من الحديث، أو الإشارة إليه ايجازا، و اللّه الموفق.

الأصل الثالث: الإجماع،
اشارة

و هو: اتّفاق علماء الطائفة على أمر في عصر، و جدواه(4) لا مع تعيين المعصوم فإنه يعلم به دخوله، و الطريق إلى معرفة دخوله أن يعلم إطباق الإماميّة على مسألة معينة، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه بخلاف قول من يعلم نسبه، فلو انتفى العلم بالنسب في الشطرين فالأولى

ص: 49


1- الاستبصار 4:1.
2- راجع: عدة الأصول: 386.
3- راجع: جواب المسائل التبانيات 21:1، السرائر: 4، الغنية: 537.
4- في الحجرية هكذا: عصر واحد لا مع.

التخيير كالخبرين المتعارضين، و لوجوب التبيين على الإمام لو كان أحدهما باطلا.

و قيل: بالرجوع الى دليل العقل(1) لأنّ غيبة الإمام لخوفه تمنع من تبيينه الحق، و اللوم فيه على المكلّف.

سؤال: جاز في كل واحد من علماء الأمة المجهولي النسب أن يكون هو الإمام، فلم خصّصتم بالإمامية؟ قلنا: لما قام البرهان العقلي و النقلي على تضليل من خالف أصول الطائفة امتنع كون الإمام منهم.

قيل: جاز أن يظهر تلك الأحوال تقية.

قلنا: قد يقطع بكونه متدينا بذلك، و مع التجويز للتقية نلتزم باعتبار قوله في الإمامية فلعلّه الإمام، و استبعاد انحصار علماء الإمامية يستلزم أولوية استبعاد حصر غيرهم، و الجواب واحد.

و الحقّ أن أعصار الأئمة الطاهرين تحقّق فيها ذلك بالقطع في أكثر خصوصيات المذهب - كالمسح على الرجلين، و ترك الماء الجديد و الكتف، و التأمين، و بطلان العول و العصبة - و ان لم يتواتر الخبر بقول معصوم بعينه، و من ثم ضعف الشك في الثلاثة الأول بل اضمحل.

فروع:
الأول: الإجماع السكوتي

ليس إجماعا و لا حجّة، لاحتماله غير الرضا.

الثاني: يثبت الإجماع بخبر الواحد

ما لم يعلم خلافه، لأنّه أمارة قوية كروايته. و قد اشتمل كتاب الخلاف، و الانتصار، و السرائر، و الغنية، على أكثر هذا الباب، مع ظهور المخالف في بعضها حتى من الناقل نفسه.

ص: 50


1- قاله السيد المرتضى في جوابات المسائل التبانيات 2:1.

و العذر: إمّا بعدم اعتبار المخالف المعلوم المعين، كما سلف. و إمّا تسميتهم لما اشتهر إجماعا. و إمّا بعدم ظفره حين ادعى الإجماع بالمخالف. و إمّا بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الإجماع و ان بعد، كجعل الحكم من باب التخيير. و إمّا إجماعهم على روايته، بمعنى تدوينه في كتبهم منسوبا إلى الأئمة (عليهم السلام).

الثالث: يمنع احداث ثالث إذا استلزم رفع الإجماع،

أو مخالفة المعصوم، و الا جاز، لامتناع مخالفه القطعي.

الرابع: إذا أفتى جماعة من الأصحاب، و لم يعلم لهم مخالف،

فليس إجماعا قطعا و خصوصا مع علم العين، للجزم بعدم دخول الإمام حينئذ. و مع عدم علم العين لا يعلم أن الباقي موافقون، و لا يكفي عدم علم خلافهم، فإن الإجماع هو: الوفاق لا عدم علم الخلاف.

و هل هو حجة مع عدم متمسك ظاهر من حجة نقلية أو عقلية؟ الظاهر ذلك، لأن عدالتهم تمنع من الاقتحام على الإفتاء بغير علم، و لا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل، خصوصا و قد تطرق الدروس الى كثير من الأحاديث، لمعارضة الدول المخالفة، و مباينة الفرق المنافية، و عدم تطرق الباقين الى الردّ له، مع ان الظاهر وقوفهم عليه و انّهم لا يقرّون ما يعلمون خلافه.

فان قلت: لعل سكوتهم لعدم الظفر بمستند من الجانبين.

قلت: فيبقى قول أولئك سليما عن المعارض، و لا فرق بين كثرة القائل بذلك أو قلته مع عدم معارض. و قد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه - رحمة اللّه عليهم - عند إعواز النصوص، لحسن ظنهم به، و ان فتواه كروايته، و بالجملة تنزل فتاويهم منزلة روايتهم.

هذا مع ندور هذا الفرض، إذ الغالب وجود دليل دال على ذلك القول عند التأمّل.

الخامس: ألحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه،

فان أراد في الإجماع فهو

ص: 51

ممنوع، و ان أراد في الحجة فقريب لمثل ما قلناه، و لقوة الظن في جانب الشهرة، سواء كان اشتهارا في الرواية - بأن يكثر تدوينها أو راووها(1) بلفظ واحد، أو ألفاظ متغايرة - أو الفتوى. فلو تعارضا، فالترجيح للفتوى إذا علم اطلاعهم على الرواية، لأن عدولهم عنها ليس الا لوجود أقوى.

و كذا لو عارض الشهرة المستندة إلى حديث ضعيف حديث قوي، فالظاهر: ترجيح الشهرة، لأن نسبة القول الى الإمام قد تعلم و ان ضعف طريقه، كما تعلم مذاهب الفرق بأخبار أهلها و ان لم يبلغوا التواتر، و من ثم قبل الشيخ - رحمه اللّه - رواية الموثقين مع فساد مذاهبهم(2).

الأصل الرابع: دليل العقل،
اشارة

و هو قسمان:

القسم الأوّل: قسم لا يتوقّف على الخطاب،
اشارة

و هو خمسة:

الأول: ما يستفاد من قضية العقل

- كوجوب قضاء الدين، و رد الوديعة، و حرمة الظلم، و استحباب الإحسان، و كراهية منع اقتباس النار، و إباحة تناول المنافع الخالية عن المضار - سواء علم ذلك بالضرورة أو النظر - كالصدق النافع و الضار -، و ورود السمع في هذه مؤكد.

الثاني: التمسّك بأصل البراءة عند عدم دليل،

و هو عام الورود في هذا الباب - كنفي الغسلة الثالثة في الوضوء، و الضربة الزائدة في التيمم، و نفي وجوب الوتر - و يسمى: استصحاب حال العقل. و قد نبّه عليه في الحديث بقولهم عليهم السلام: «كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(3)، و شبه هذا.

الثالث: لا دليل على كذا فينتفي،

و كثيرا ما يستعمله الأصحاب، و هو تام

ص: 52


1- في س: ورودها.
2- عدة الأصول: 382.
3- الكافي 313:5 ح 40، الفقيه 216:3 ح 1002، التهذيب 226:7 ح 988، و 79:9 ح 337.

عند التتبع التام، و مرجعه إلى أصل البراءة.

الرابع: الأخذ بالأقل عند فقد دليل على الأكثر

- كدية الذمي عندنا - لأنّه المتيقن، فيبقى الباقي على الأصل و هو راجع إليها.

الخامس: أصالة بقاء ما كان

- و يسمى: استصحاب حال الشرع و حال الإجماع - في محل الخلاف، كصحة صلاة المتيمم يجد الماء في الأثناء، فنقول:

طهارة معلومة و الأصل عدم طارئ أو: صلاة صحيحة قبل الوجدان فكذا بعده.

و اختلف الأصحاب في حجيته، و هو مقرر في الأصول.

القسم الثاني: ما يتوقّف العقل فيه على الخطاب،
اشارة

و هو ستة:

أوّلها: مقدمة الواجب المطلق،

شرطا كانت كالطهارة في الصلاة، أو وصلة، كفعل الصلوات الثلاث عند اشتباه الفائتة، و غسل جزء من الرأس في الوجه، و ستر أقل الزائد على العورة، و الصلاة الى أربع جهات، و ترك الآنية المحصورة عند تيقّن نجاسة واحدة منها.

و ثانيها: استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده،

كما يستدل على بطلان الواجب الموسّع عند منافاة حق آدمي.

و ثالثها: فحوى الخطاب،

و هو: أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم، كالضرب مع التأفيف.

و رابعها: لحن الخطاب،

و هو: ما استفيد من المعنى ضرورة، مثل قوله تعالى أَنِ اِضْرِبْ بِعَصاكَ اَلْبَحْرَ فَانْفَلَقَ (1)، أي: فضرب فانفلق.

و خامسها: دليل الخطاب،

و هو المسمى بالمفهوم، و أقسامه كثيرة:

الوصفي و الشرطي، و هما حجّتان عند بعض الأصحاب، و لا بأس به و خصوصا الشرطي.

و العددي، و له تفصيل معروف بحسب الزيادة و النقصان.

ص: 53


1- سورة الشعراء: 63.

و الغائي، مثل أَتِمُّوا اَلصِّيامَ إِلَى اَللَّيْلِ (1) و هو راجع الى الوصفي.

و الحصر، و هو حجة.

أمّا اللقبي فليس حجّة، لانتفاء الدلالات الثلاث، و استفادة وجوب التعزير من قوله: (أنا لست بزان) من قرينة الحال لا من المقال.

و سادسها: ما قيل: ان الأصل في المنافع الإباحة و في المضار الحرمة،

و تحقيقه في الأصول.

الإشارة السابعة: يجب التمسّك بمذهب الإمامية لوجوه تسعة:

الأول: قد تقرّر في الكلام عصمة الإمام،

و المعصوم أولى بالاتباع.

الثاني: قوله تعالى يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّادِقِينَ

الثاني: قوله تعالى يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّادِقِينَ (2) و غير المعصوم لا يعلم صدقه، فلا يجب الكون معه.

الثالث آية التطهير

قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3). و فيه من المؤكدات و اللطائف ما يعلم من علمي المعاني و البيان، و ذهاب الرجس و وقوع التطهير يستلزم عدم العصيان و المخالفة لأوامر اللّه و نواهيه. و موردها في النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي (عليه السلام) و فاطمة و الحسن و الحسين، اما عند الإمامية و سائر الشيعة فظاهر إذ يروون ذلك بالتواتر.

و أمّا العامة:

فروى مسلم في الصحيح عن عائشة، قالت: خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله ذات غداة، و عليه مرط مرحل(4) من شعر، فجاء الحسن بن علي فادخله فيه،

ص: 54


1- سورة البقرة: 187.
2- سورة التوبة: 119.
3- سورة الأحزاب: 33.
4- مرط: كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به، مرحّل: هو الموشّى عليه صورة رحال الإبل. مجمع البحرين - مادتي مرط، رحل.

ثم جاء الحسين فادخله فيه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء علي فادخله فيه، ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

و روى أحمد بن حنبل - في المناقب - و الطبراني - في معجمة - عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ الآية، قال: نزلت في خمسة: في رسول اللّه، و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين(2).

و روى أحمد عن أنس: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج الى الفجر، يقول: «الصلاة يا أهل البيت»، إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).

قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم و لم يخرجه(4).

و روى الترمذي في الجامع عن عمر بن أبي سلمة - ربيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله - قال: نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ الآية في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله فاطمة و حسنا و حسينا فجلّلهم بكساء، و علي خلف ظهره(5) ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا». قالت أمّ سلمة: و أنا معهم يا رسول اللّه؟ قال:

«أنت على مكانك، و أنت إلى خير»(6).

و روى أيضا الترمذي عن أمّ سلمة: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جلّل على1.

ص: 55


1- صحيح مسلم 1883:4 ح 2424، و في: جامع البيان 5:22، المستدرك على الصحيحين 3: 147، السنن الكبرى 149:2.
2- مناقب الصحابة، المعجم الصغير 135:1، جامع البيان 5:22.
3- مسند أحمد 259:3، و في: جامع البيان 5:22، الجامع الصحيح 352:5 ح 3206.
4- المستدرك على الصحيحين 158:3.
5- في المصدر زيادة: فجلله بكساء.
6- الجامع الصحيح 663:5 ح 3787، و في: جامع البيان 7:22، مشكل الآثار 335:1.

الحسن و الحسين و علي و فاطمة كساء، و قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي، أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» قالت أم سلمة: و أنا معهم يا رسول اللّه، قال: «إنك على خير». ثم قال الترمذي: هذا [حديث] حسن صحيح(1).

و أخرج معناه الحاكم في المستدرك، انّها نزلت في بيت أم سلمة.. الى آخره، و قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجه(2).

لا يقال: صدر الآية و عجزها في النساء فتكون فيهن.

قلنا: يأباه الضمير و هذا النقل الصحيح، و الخروج من حكم الى آخر في القرآن كثير جدا.

الرابع آية المباهلة

قوله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (3) نزلت فيهم عليهم السلام. و قد رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري، قال: أمر معاوية سعدا أن يسبّ عليا فأبى، فقال: ما يمنعني من شتمه إلاّ ما نزل، الى قوله: و لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا و فاطمة و الحسن و الحسين، و قال: «اللّهم هؤلاء أهلي»(4).

و فيها دلالة على انه لا مساوي لهم في الفضل، و على أنّهم أهل بيته، و لا يجوز ترك الفاضل و اتباع المفضول.

الخامس: روى الحاكم في المستدرك

- و حكم بصحته على شرط مسلم - عن ابن عباس: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: «يا بني عبد المطلب اني

ص: 56


1- الجامع الصحيح 699:5 ح 3871 و ليس فيه: صحيح و أنظره في متن تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي 372:5 ح 3963 ففيه كما في المتن.
2- المستدرك على الصحيحين 146:2.
3- سورة آل عمران: 61.
4- صحيح مسلم 1871:4 ح 2404 عن سعد بن أبي وقاص. و في: الجامع الصحيح 638:5 ح 3724، و ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر 225:1 ح 271، المناقب للخوارزمي: 59.

سألت اللّه لكم ثلاثا: ان يثبّت قائمكم، و أن يهدي ضالكم، و ان يعلّم جاهلكم»(1).

و روى أيضا - و حكم بصحته - عن أبي ذر، و هو آخذ بباب الكعبة، قال:

من عرفني فقد عرفني، و من انكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول: «الا انّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك»(2).

و دلالة الخبرين على المطلوب ظاهرة البيان.

السادس: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قرنهم بالكتاب العزيز

الذي يجب اتباعه، فيجب اتباعهم قضية للعطف و للتصريح به أيضا، و ذلك مشهور نقله الشيعة تواترا.

و رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، أيّها الناس: إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، فاني تارك فيكم الثقلين:

أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور، فتمسّكوا بكتاب اللّه عزّ و جلّ و خذوا به» فحثّ على كتاب اللّه و رغّب فيه، ثم قال: «و أهل بيتي أذكّركم اللّه عزّ و جلّ في أهل بيتي» - ثلاث مرات -(3).

و رواه غيره من العامة(4) بعبارات شتى، تشترك في وجوب التمسّك

ص: 57


1- المستدرك على الصحيحين 148:3، و رواه أيضا الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد 170:9 و كنز العمال 42:12 ح 33910.
2- المستدرك على الصحيحين 150:3 و 343:2، و رواه البزار و الطبراني في الثلاثة كما في مجمع الزوائد 168:9، و ابن المغازلي في مناقب الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام): 133 ح 175، و الخوارزمي في مقتل الامام الحسين (عليه السلام) 104:1.
3- صحيح مسلم 1873:4 ح 2408.
4- مسند أحمد 367:4، سنن الدارمي 431:2، الجامع الصحيح 663:5 ح 3788، المستدرك على الصحيحين 109:3، السنن الكبرى 113:10.

بالكتاب و أهل البيت عليهم السلام.

السابع: روى الحاكم في المستدرك

على الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف، انه قال: خذوا عني من قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «أنا الشجرة، و فاطمة فرعها، و علي لقاحها، و الحسن و الحسين ثمرتها، و شيعتنا ورقها، و أصل الشجرة في جنة عدن، و سائر ذلك في الجنة»(1). و هذا ظاهر في التلازم بينهم و بين النبي صلّى اللّه عليه و آله و بين الشيعة.

الثامن: ما روته الإمامية في ذلك،

و هو يملأ الصحف و يبلغ التواتر، فمنه:

ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، و انتحال المبطلين»(2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «مثل أهل بيتي كمثل نجوم السماء، فهم أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء»(3).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي: الإمامة فيكم، و الهداية منكم»(4).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ان من أهل بيتي اثني عشر نقيبا، نجباء، محدثين، مفهّمين، في آخرهم القائم بالحق»(5).

التاسع: اتّفاق الأمة على طهارتهم،

و شرف أصولهم، و ظهور عدالتهم، مع تواتر الشيعة إليهم و النقل عنهم مما لا سبيل إلى إنكاره، حتى ان أبا عبد اللّه

ص: 58


1- المستدرك على الصحيحين 160:3، عن ميناء بن أبي ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف.
2- نحوه في الكافي 24:1 ح 3، الغيبة للنعماني 67:1، بصائر الدرجات 31:1.
3- علل الشرائع: 123، أمالي الشيخ الطوسي 388:1. و هذا الحديث روته العامّة أيضا.. فهو متفق عليه.
4- أخرجه المحقق الحلي في المعتبر 24:1.
5- الكافي 448:1 ح 18، المناقب لابن شهر آشوب 300:1.

جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف، و دوّن من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق و الحجاز و خراسان و الشام، و كذلك عن مولانا الباقر (عليه السلام). و رجال باقي الأئمة معروفون مشهورون، أولوا مصنّفات مشتهرة و مباحث متكثّرة، قد ذكر كثيرا منهم العامة في رجالهم، و نسبوا بعضهم الى التمسّك بأهل البيت عليهم السلام.

و بالجملة اشتهار النقل و النقلة عنهم عليهم السلام يزيد أضعافا كثيرة عن النقلة عن كل واحد من رؤساء العامة، فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم عليهم السلام. فحينئذ نقول: الجمع بين عدالتهم، و ثبوت هذا النقل عنهم مع بطلانه مما يأباه العقل و يبطله الاعتبار بالضرورة.

هذا مع ما شاع عنهم من إنكار ما عليه العامة من القياس و الاستحسان، و نسبة ذلك إلى الضلال و القول في الدين بغير الحق. و من رام إنكار ذلك فكمن رام إنكار المتواتر من سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله، أو معجزاته و سيرته و سيرة من بعده. و من رام معرفة رجالهم و الوقوف على مصنّفاتهم، فليطالع: كتاب الحافظ ابن عقدة، و فهرست النجاشي و ابن الغضائري و الشيخ أبي جعفر الطوسي، و كتاب الرجال لأبي عمرو الكشيّ، و كتب الصدوق أبي جعفر بن بابويه القمي، و كتاب الكافي لأبي جعفر الكليني فإنه وحده يزيد على ما في الصحاح الستة للعامة متونا و أسانيد، و كتاب مدينة العلم و من لا يحضره الفقيه قريب من ذلك، و كتابا التهذيب و الاستبصار نحو ذلك، و غيرها ممّا يطول تعداده، بالأسانيد الصحيحة المتصلة المنتقدة و الحسان و القويّة، و الجرح و التعديل و الثناء الجميل، فالإنكار بعد ذلك مكابرة محضة، و تعصّب صرف.

لا يقال: فمن أين وقع الاختلاف العظيم بين فقهاء الإمامية إذا كان نقلهم عن المعصومين و فتواهم عن المطهرين؟ لأنا نقول: محل الخلاف: إمّا من المسائل المنصوصة، أو مما فرّعه العلماء.

ص: 59

و السبب في الثاني اختلاف الأنظار و مبادئها، كما هو بين سائر علماء الأمة. و أمّا الأول، فسببه اختلاف الروايات(1) ظاهرا، و قلّما يوجد فيها التناقض بجميع شروطه، و قد كانت الأئمة في زمن تقية و استتار من مخالفيهم، فكثيرا ما يجيبون السائل على وفق معتقده، أو معتقد بعض الحاضرين، أو بعض من عساه يصل اليه من المناوئين، أو يكون عاما مقصورا على سببه، أو قضية في واقعة مختصّة بها، أو اشتباها على بعض النقلة عنهم، أو عن الوسائط بيننا و بينهم كما وقع في الإخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، مع أنّ زمان معظم الأئمة كان أطول من الزمان الذي انتشر فيه الإسلام و وقع فيه النقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان الرّواة عنهم أكثر عددا، فهم بالاختلاف أولى.

ثم إنّه تلخّص جميع الاختلاف و انحصر في أقوال متأخري فقهاء الأصحاب - كما تزعم العامة أنّ مذاهب المسلمين انحصرت في عدد خاص - فلذلك أوردنا في هذا الكتاب ذكرهم، و أعرضنا عمن تقدم منهم، لدخول قوله فيهم، و ليس الغرض منه انتشار المذهب و تبدّد الأقوال، بل تصحيح ما ينهض عليه الاستدلال، و اللّه المستعان على كل حال.ة.

ص: 60


1- في س: الرواة.

الأقطاب الأربعة

اشارة

1 - العبادات 2 - العقود 3 - الإيقاعات 4 - السياسات القطب الأول: العبادات كتاب الصلاة

ص: 61

ص: 62

و أمّا الأقطاب فأربعة:

أولها: العبادات، و هو: فعل و شبهه مشروط بالقربة. و للجهاد و نحوه غايتان، فمن حيث الامتثال المقتضي للثواب عبادة، و من حيث الإعزاز و كف الضرار لا يشترط فيه التقرّب، و ما اشتمل عليه باقي الأقطاب من مسمى العبادة من هذا القبيل.

و أما الكفارات و النذور فمن قبيل العبادات، و دخولها في غيرها تغليبا أو تبعا للأسباب.

و ثانيها: العقود، و هو: صيغة مشروطة باثنين - و لو تقديرا - لترتّب أثر شرعي.

و ثالثها: الإيقاعات، و هو: صيغة يترتّب أثرها بواحد.

و يطلق على هاتين: المعاملات.

و رابعها: السياسات - و تسمى: الأحكام، بمعنى أخص - و هو: ما لا يتوقف على قربة و لا صيغة غالبا.

و تقريب الحصر: أنّ الحكم إمّا أن يشترط فيه القربة أو لا، و الأول العبادات، و الثاني: اما ذو صيغة أو لا، و الثاني السياسات. و الأول: اما وحدانيّة أو لا، و الأول الإيقاعات و الثاني العقود.

ص: 63

ص: 64

القطب الأول في العبادات:

كتاب الصلاة:
تعريف الصلاة لغة و شرعا

و هي لغة: الدعاء.

قال اللّه تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ (1).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «و صلّت عليكم الملائكة»(2)، «و إذا أكل عند الصائم صلّت عليه الملائكة»(3).

و قال الشاعر(4):

............ و صلّ على دنها و ارتسم

و قال(5):

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ..................

على ان أهل اللغة أوردوا الصلاة بمعناها الشرعي جاعليه أصلا، و جعلوها فعلة من صلّى، أي: حرّك صلويه، لأن المصلي يفعل ذلك، أو من صليت العود، أي: ليّنته، لأن المصلي يليّن قلبه و أعضاءه لخشوعه.

و شرعا: أفعال مفتتحة بالتكبير، مشترطة بالقبلة للقربة، فتدخل الجنازة.

و قيل: أركان مخصوصة، و أذكار معلومة الشرائط، مخصوصة في أوقات

ص: 65


1- سورة التوبة: 103.
2- مسند أحمد 138:3، سنن ابن ماجة 556:1 ح 1747، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 350:7 ح 5272.
3- مسند أحمد 365:6، سنن الدارمي في 17:2.
4- ديوان الأعشى: 196. و صدره: و قابلها الريح في دنها................
5- ديوان الأعشى: 106، و عجزه: ..................... يوما فان لجنب المرء مضطجعا

مقدّرة تقربا الى اللّه.

و دليل وجوب ما يجب منها: قوله تعالى وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاةَ (1).

و قوله تعالى إِنَّ اَلصَّلاةَ كانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (2).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «بني الإسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلاّ اللّه، و اقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حج البيت، و صوم شهر رمضان»(3).

و الإجماع منعقد على وجوب: اليومية، و الجمعة، و بعض الملتزمة.

و إجماعنا على الباقي، و تسمى: التسبيح، من قوله تعالى فَسُبْحانَ اَللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (4)، وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ وَ قَبْلَ اَلْغُرُوبِ (5). و السبحة غالبة في النفل.

و منه قوله النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ستدركون أقواما يصلّون لغير وقتها، فصلوا في بيوتكم، ثمّ صلّوا معهم و اجعلوها سبحة»(6).

و قول الإمام الصادق (عليه السلام): «فإذا زالت الشمس لا يمنعك الاّ سبحتك»(7).

و الصلاة إمّا واجبة، أو مستحبة. و الواجب سبع: اليومية، و الجمعة، و العيدين، و الآية، و الطوافية، و الجنازة، و الملتزمة بسبب من المكلّف.

و فضلها ظاهر. قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «انّ عمود الدين2.

ص: 66


1- سورة البقرة: 43.
2- سورة النساء: 103.
3- مسند أحمد 120:2، صحيح البخاري 9:1، صحيح مسلم 45:1 ح 16، الجامع الصحيح 5:5 ح 2609، سنن النسائي 107:8.
4- سورة الروم: 17.
5- سورة ق: 39.
6- مسند أحمد 379:1، سنن ابن ماجة 389:1 ح 1255، سنن النسائي 76:2، السنن الكبرى 127:3.
7- الكافي 275:3 ح 1، التهذيب 2:2 ح 56، الاستبصار 260:1 ح 932.

الصلاة»(1)، و هو من مفهوم الحصر، و بيانه في قوله عليه الصلاة و السلام: «و هي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فان صحّت نظر في عمله، و ان لم تصح لم ينظر في بقيّة عمله» و رواه عنه أمير المؤمنين علي (عليه السلام)(2).

و شبهها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنهر الجاري على باب، من يغتسل منه في اليوم و الليلة خمس مرات، فكما لا يبقى على المغتسل درن لم يبق على المصلي ذنب(3).

و قال الصادق (عليه السلام): «حجّة أفضل من الدنيا و ما فيها، و صلاة فريضة أفضل من ألف حجّة»(4).3.

ص: 67


1- التهذيب 237:2 ح 936.
2- التهذيب 237:2 ح 936.
3- تفسير العياشي 161:2 ح 74، مجمع البيان: 201، عن علي (عليه السلام) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و في التهذيب 237:2 ح 938 عن الباقر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و في الفقيه 1: 136 ح 640 مرسلا.
4- التهذيب 240:2 ح 953.

ص: 68

و شروط الصلاة ستة في ستة أبواب:
الباب الأول: الطهارة:
تعريف الطهارة لغة و شرعا

و هي لغة: النزاهة من الأدناس.

و شرعا: استعمال الماء، أو الصعيد لإباحة العبادة. و تطلق على الاستعمال للقربة و ازالة الخبث مجازا، و الثلج و الوحل داخلان.

فالنظر: اما في المستعمل، و هو: المكلّف و حكمه. و المستعمل، و هو: الماء و الصعيد. و المستعمل له و منه، و هو: الأسباب الفاعلية كالإحداث، و الغائية كالعبادة. و الاستعمال.

فهاهنا فصول أربعة

ص: 69

ص: 70

الفصل الأول: في المستعمل الاختياري:
اشارة

و هو: الماء. قال اللّه تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ اَلسَّماءِ ماءً طَهُوراً (1) و الطهور هو المطهّر، لقوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلسَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (2) و ذلك هو المطلق، أي: المستغني عن قيد، الممتنع السلب.

و اختصاصه بإزالة الحدث و الخبث من بين المائعات إمّا تعبدا - أي: لا لعلّة معقولة - فيجب الاقتصار عليه، أو لاختصاصه بمزيد رقة و طيب، و سرعة اتصال و انفصال، بخلاف غيره فإنه لا ينفك من أضدادها، حتى أنّ ماء الورد لا يخلو من لزوجة، و أجزاء منه تطهر عند طول مكثه ما دام كذلك.

و يعرض له أمور ثمانية:

العارض الأول: زوال الاسم بحيث يلزم الإضافة،

كماء الدقيق و الزعفران. و من ثم لا يحنث الحالف على الماء بشربه، فيخرج عن الطهورية، فالمعتصر أولى بالمنع. و كذا ما لا يقع عليه اسم الماء، كالصبغ و المرقة و الحبر.

و إنّما لا يطهر المضاف، لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (3).

و قول الصادق (عليه السلام): «إنّما هو الماء أو الصعيد»(4)، و هو للحصر.

و قول الصدوق أبي جعفر بن بابويه - رحمه اللّه - بجواز الوضوء و غسل الجنابة بماء الورد(5) لرواية محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام)(6)، يدفعه: سبق الإجماع و تأخره، و معارضة الأقوى، و نقل الصدوق ان

ص: 71


1- سورة الفرقان: 48.
2- سورة الأنفال: 11.
3- سورة النساء: 43.
4- التهذيب 188:1 ح 540، الاستبصار 155:1 ح 534، و فيهما: «و الصعيد».
5- الهداية: 13.
6- الكافي 73:3 ح 12، التهذيب 218:1 ح 627، الاستبصار 14:1 ح 27.

محمد بن الوليد لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس، و استثنى الصدوق ما انفرد به أيضا(1).

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه اللّه -: هي شاذة، أجمعنا على ترك العمل بظاهرها، و حملها على التحسين و التنظيف، أو على مطلق مجاور الورد(2).

و ظاهر الحسن بن أبي عقيل - رحمه اللّه - حملها على الضرورة، و طرد الحكم في المضاف و الاستعمال(3).

قال الشيخ المحقق نجم الدين - رحمه اللّه -: اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات(4).

و قول المرتضى - قدّس اللّه روحه - برفعه الخبث، لإطلاق وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ ، و قول النبي (عليه السلام) في المستيقظ: «لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها»، و كذا قولهم عليهم السلام: «انما يغسل الثوب من المني و الدم» و المضاف يصدق عليه التطهير و الغسل(5)، يدفعه ما ذكر، و معارضته بتخصيص الغسله.

ص: 72


1- حكاه عنه النجاشي في رجاله 333:1.
2- التهذيب 219:1، الاستبصار 14:1.
3- مختلف الشيعة: 10.
4- في المعتبر 82:1 بعد ان ذكر خلاف الصدوق في ماء الورد و دليله و إبطاله، قال: فرع: لا يجوز الوضوء بماء النبيذ، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة فيه، ثم أخذ في الاستدلال عليه، و قال بعد ذلك: و اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات. قال الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام 312:1 بعد ذكر ذلك: و الظاهر أن مرجع الضمير انما هو النبيذ، لكنه في الذكرى نقل عنه هذه العبارة بإبدال ضمير غيره بماء الورد، و مثله في المدارك 112:1 و لعلهما عثرا على غير ما عثرنا عليه، أو يكون فهما منه ذلك لكونه في معرض الرد على أبي حنيفة.
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 11. و الآية في سورة المدثر: 40. و الحديث الأول في: مسند أحمد 403:2، صحيح البخاري 52:1، صحيح مسلم 1: 233 ح 278، سنن ابن ماجة 138:1 ح 393، سنن أبي داود 25:1 ح 103، الجامع الصحيح 36:1 ح 24، سنن النسائي 6:1. و الحديث الثاني سيأتي في ص 112 الهامش 1 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

بالماء في قول الصادق (عليه السلام): «و إذا وجد الماء غسله»(1)، و المطلق يحمل على المقيد، و لأن الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء.

و كذا لا يستعمل النبيذ إجماعا. و رواية عبد اللّه بن المغيرة بجوازه عن النبي عند عدم الماء(2) مرسلة، مخالفة للوفاق، مأوّلة بتمرات يسيرة لا تغيّر الماء، كما تضمّنته رواية الكليني عن الصادق (عليه السلام)(3). و أفتى به الصدوق مقيدا بعدم تغيّر لون الماء(4).

فروع:

الأول: لو تغيّر بالتراب أو الملح فأضيف إليهما لم يقدح، لبقاء الاسم، و عدم الإضافة، و للأمر بتعفير الإناء بالتراب، و جواز الطهارة بماء البحر على ما يأتي، و لا فرق بين الملح الجبلي و المائي. و كذا لو تغيّر بورق الشجر مع بقاء الاسم.

الثاني: لو خالط الماء غير سالب الاسم، جاز استعمال الجميع، للاستهلاك.

الثالث: لا عبرة بالقصد في الخلط بل بالاسم، لأن الحكم تابع له.

الرابع: لو مزج بموافقة في الصفات - كمنقطع الرائحة من ماء الورد - فالحكم للأكثر عند الشيخ، فان تساويا جاز الاستعمال(5).

و القاضي ابن البراج يمنعه، أخذا بالأصل و الاحتياط(6).

و الشيخ الفاضل جمال الدين - رحمه اللّه -: يقدّر المخالفة، كالحكومة في1.

ص: 73


1- التهذيب 271:1 ح 799، الاستبصار 187:1 ح 655.
2- التهذيب 219:1 ح 628، الاستبصار 150:1 ح 28.
3- الكافي 416:6 ح 3، التهذيب 220:1 ح 629، الاستبصار 16:1 ح 29.
4- الفقيه 11:1.
5- المبسوط 8:1.
6- المهذب 24:1.

الحرّ(1). فحينئذ يعتبر الوسط في المخالفة، فلا يعتبر في الطعم حدة الخلّ، و لا في الرائحة ذكاء المسك.

و ينبغي اعتبار صفات الماء في العذوبة و الرقة و الصفاء و أضدادها، و لا فرق هنا بين قلة الماء و كثرته.

و لو مزج بالمستعمل في الأكبر، انتظم عند الشيخ اعتبار الكمية(2) و ان كان بالكر يبنى على أنّ بلوغه كرا لا يرد الطهورية، و يمكن فيه تقدير المخالفة كالأول.

الخامس: إذا جوز استعمال المخلوط غير الغالب وجب تعيينا أو تخييرا.

لصدق اسم الماء. و الشيخ: يجوز و لا يجب. لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط(3) و فيه منع ظاهر.

قاعدة:

ينجس المضاف بالملاقاة إجماعا. لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الفأرة تموت في السمن: «ان كان مائعا فلا تقربوه»(4) فيحرم استعماله، لقوله تعالى:

وَ اَلرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5)إلاّ لضرورة، للحرج.

و طهّره في المبسوط بأغلبية كثير المطلق عليه و زوال أوصافه(6) لتزول التسمية التي هي متعلّق النجاسة.

و الفاضل جمال الدين - رحمه اللّه - تارة بزوال الاسم و ان بقي الوصف، لأنّه تغيّر بجسم طاهر في أصله. و تارة لمجرد الاتصال و ان بقي الاسم، لأنّه لا سبيل1.

ص: 74


1- تذكرة الفقهاء 2:1، مختلف الشيعة: 14.
2- المبسوط 8:1.
3- المبسوط 8:1.
4- المصنف لعبد الرزاق 84:1 ح 278، مسند أحمد 265:2، سنن أبي داود 264:3 ح 3842، السنن الكبرى 353:9.
5- سورة المدثر: 5.
6- المبسوط 5:1.

إلى نجاسة الكثير بغير تغيّر بالنجاسة و قد حصل(1). و الثاني أشبه.

أما الخمر و مشتدّ العصير فبالخلّية، و يختص العصير بذهاب الثلثين، للخبر(2).

و الأقرب في النبيذة المساواة، لثبوت تسميته خمرا. و لو قلنا بنجاسة عصير التمر بالاشتداد، فالأشبه أنه كالعنب.

اما غليان القدر فغير مطهر و ان كانت النجاسة دما في الأحوط.

و المشهور: الطهارة مع قلّة الدم، للخبر عن الصادق (عليه السلام)(3)و الرضا (عليه السلام)(4)، صحّحه بعض الأصحاب(5)، و طعن فيه الفاضل - رحمه اللّه - في المختلف بجهالة بعض رواته(6). و يندفع بالمقبولية.

و نسبه ابن إدريس إلى الشذوذ - مع اشتهاره - و الى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان(7).

و هو مصادرة، و الخبر معلّل بان النار تأكل الدم، ففيه إيماء إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان، و لجريان مجرى دم اللحم الذي لا يكاد ينفك منه.

و الحمل على دم طاهر بعيد.

العارض الثاني: زوال أحد أوصافه مع بقاء اسمه،
اشارة

فان كان بطاهر لم ينجس في المشهور، لإطلاق اسم الماء عليه، و لعدم انفكاك السقاء أول استعماله من التغير، و لم ينقل عن الصحابة الاحتراز منه، و لم يستدل في الخلاف عليه بالإجماع(8).

ص: 75


1- تذكرة الفقهاء 5:1، مختلف الشيعة: 14.
2- الكافي 419:6 ح 1، التهذيب 120:9 ح 516.
3- الكافي 235:6 ح 1، الفقيه 216:3 ح 1005.
4- الكافي 422:6 ح 1، التهذيب 279:1 ح 820.
5- نزهة الناظر: 20.
6- مختلف الشيعة: 685.
7- السرائر: 370.
8- الخلاف 57:1 المسألة: 7.

و كذا لو تغير بنفسه، و ان كره الطهارة به اختيارا، لرواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في الوضوء به(1) و الغسل أولى لقوته، و ازالة الخبث أحرى، لأنّ العينية أشدّ من الحكمية.

و إن كان بنجس، فان كان بمجرد مرور الرائحة من غير ملاقاة لم ينجس، للأصل. و ان كان بملاقاته نجس مطلقا، لقول النبي (عليه السلام):

«خلق اللّه الماء طهورا، لا ينجسه الاّ ما غير طعمه أو ريحه»(2)، و في بعضها:

«لونه»(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «إذا تغير الماء و تغير الطعم، فلا تتوضأ منه و لا تشرب»(4).

و عنه (عليه السلام): «إذا كان النتن الغالب على الماء، فلا يتوضأ و لا يشرب»(5).

و الجعفي و ابنا بابويه لم يصرحوا بالأوصاف الثلاثة، بل اعتبروا أغلبية النجاسة للماء(6) و هو موافقة في المعنى.

و لو توافق الماء و النجاسة في الصفات، فظاهر المذهب بقاء الطهارة، لعدم التغيّر، و العلاّمة على أصله السابق(7) و حينئذ ينبغي فرض مخالف أشد أخذا1.

ص: 76


1- التهذيب 217:1 ح 626، الاستبصار 12:1 ح 20.
2- تلخيص الحبير 100:1. و نحوه في المصنف لعبد الرزاق 80:1 ح 246، سنن الدار قطني 28:1، السنن الكبرى 259:1.
3- عوالي اللئالي 76:1 ح 154، 15:2 ح 29. و نحوه في سنن ابن ماجة 174:1 ح 521، شرح معاني الآثار 16:1.
4- الكافي 4:3، التهذيب 216:1 ح 625، الاستبصار 12:1 ح 19.
5- التهذيب 216:1 ح 624، الاستبصار 12:1 ح 18.
6- الفقيه 11:1، المقنع: 11.
7- تقدم في ص 74-75 الهامش 1.

بالاحتياط.

و لو شك في استناد التغير إلى النجاسة بنى على الأصل، و لو ظنّه فالطهارة أقوى، لقول الصادق (عليه السلام): «الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر»(1)و حمل العلم على شامل الظن مجاز و لا عبرة بغير الصفات الثلاثة، لدلالة الاستثناء على الحصر، فماء البحر طهور، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الطهور ماؤه»(2).

و الثلج طهور، فان تعذر الغسل به و أمكن الدلك وجب، و أجزأ إن جرى. و اقتصر الشيخان على الدهن(3).

و نازع ابن إدريس بناء على فهم المسح منه(4).

و المرتضى و سلار أوجبا التيمم بنداوته(5).

و قول الصادق (عليه السلام): «هو بمنزلة الضرورة يتيمم»(6) يحتمل ذلك.

و يحتمل أن يراد التيمم بالتراب.

و الظاهر: قول الشيخين، فيقدّم على التيمم.

و لو لاقته نجاسة فكالجامد، لعدم السريان، و كذا الجمد، و يطهران بالكثير مع زوال العين.

و المسخن بالنار جائز، و هو مروي عن تقرير النبي(7) و فعله، و فعل الصادق1.

ص: 77


1- الكافي 1:3 ح 2، 3، التهذيب 215:1 ح 619.
2- الموطأ 122:1، المصنف لابن أبي شيبة 130:1، مسند أحمد 361:2، سنن ابن ماجة 1: 136 ح 386، سنن أبي داود 21:1 ح 83، الجامع الصحيح 100:1 ح 69.
3- المقنعة: 8، النهاية: 47، الخلاف 1:1 المسألة 3.
4- السرائر: 25.
5- المراسم: 53، و حكاه عن المرتضى: ابن إدريس في السرائر: 26، و العلامة في مختلف الشيعة: 49.
6- الكافي 67:3، التهذيب 191:1 ح 553، الاستبصار 158:1 ح 544.
7- السنن الكبرى 5:1.

(عليه السلام)(1).

نعم، لو اشتدت السخونة بحيث تفضي إلى عسر الإسباغ فالأولى الكراهية، لفوات الأفضلية.

و يكره في غسل الميت، لنهي الصادق (عليه السلام) عنه(2) إلاّ لضرورة الغاسل بالبرد للحرج.

و الشمس في الآنية مكروه في الطهارة و العجين، للخبر(3) و لا فرق في الآنية، و البلدان، و القصد و بقاء السخونة و عدمهما(4) للعموم.

و ابن الجنيد: الكبريتي كذلك، و ابن البراج: يكره استعماله(5).

نعم، يكره التداوي به قطعا، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «انها من فوح جهنم»(6).

و طهر الجاري بالتدافع، و الكثير بتموّجه ان بقي كرا فصاعدا غير متغير، و الا فبإلقاء كرّ عليه متصل فكر حتى يزول تغيره. و لو عولج بغير الماء ثم به طهر، و لو وقعا معا أمكن ذلك، لزوال المقتضي. و لو قدّر بقاء الكر الطاهر متميزا، و زال التغير بتقويته بالناقص عن الكر، أجزأ.

و لا تحقق للجريات بالاستقلال في الأنهار العظيمة إجماعا، و لا في المعتدلة عندنا. للاتصال المقتضي للوحدة. و يلزم منجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغير، و هو ظاهر البطلان.

و لا يكفي زوال التغير من نفسه، أو بتموّجه نجسا، أو بملاقاة جسم طاهر5.

ص: 78


1- التهذيب 198:1 ح 576، الاستبصار 163:1 ح 564.
2- الكافي 147:3، التهذيب 322:1 ح 937.
3- الكافي 15:3 ح 5، التهذيب 379:1 ح 1177.
4- في س و ط: و عدمها.
5- المهذب 27:1.
6- المحاسن: 579، الكافي 389:6 ح 1، الفقيه 14:1 ح 25.

ساتر، أو مزيل للاستصحاب، و لأنه كما لا ينجس إلاّ بوارد لا يطهر الا بوارد، و هو إلزام. و يلزم من قال بطهارة المتمّم طهره بذلك، و قد صرح به بعض الأصحاب(1)، لأصالة الطهارة في الماء و الحكم بالنجاسة للتغير، فإذا زال سبب النجاسة عمل الأصل عمله.

مسائل:
الاولى: لا ينجس الجاري بالملاقاة إجماعا،

و لا يعتبر فيه الكرية في المشهور - لم أقف فيه على مخالف ممن سلف - لعدم استقرار النجاسة، و لنص الصادق (عليه السلام) على رفع البأس عن بول الرجل في الجاري(2).

و العلاّمة اعتبره، لعموم اعتبار الكرية(3). و هو يتم في غير النابع.

و يلحق به:

ماء الغيث نازلا. لحكم الصادق (عليه السلام) بطهارة الممتزج بالغيث و البول، و قال: «ما اصابه من الماء أكثر منه»(4).

و طينه، لقول أبي الحسن (عليه السلام) في طين المطر: «لا بأس أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلاّ أن تعلم نجاسته، و ان أصابه بعد ثلاثة فاغسله، و إن كان الطريق نظيفا لم تغسله»(5) و يمكن حمل طين غيره عليه.

و ماء الحمام بالمادة، لنص الباقر(6) و الصادق(7) عليهما السلام.

و الأظهر: اشتراط كثرتها حملا للمطلق على المقيد.

ص: 79


1- كابن سعيد في الجامع للشرائع: 18.
2- التهذيب 31:1 ح 81، و 43 ح 121، الاستبصار 13:1 ح 23.
3- تذكرة الفقهاء 2:1.
4- الفقيه 7:1 ح 4.
5- الكافي 13:3 ح 4، الفقيه 41:1 ح 163، التهذيب 267:1 ح 783، باختصار في الألفاظ.
6- الكافي 14:3 ح 2، التهذيب 378:1 ح 1168.
7- الكافي 14:3 ح 3، التهذيب 378:1 ح 1169.

و في المعتبر: لا يشترط، لإطلاق الخبر و العسر(1).

و لو شك في الكرية استصحب السابق.

و على اشتراط الكرية في المادة: يتساوى الحمام و غيره، لحصول الكرية الدافعة للنجاسة. و على العدم، فالأقرب: اختصاص الحمام بالحكم، لعموم البلوى، و انفراده بالنص.

الثانية: لا ينجس الكثير بالملاقاة،

وفاقا لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا»(2) - و روي «قلتين»(3) - و قول الصادق (عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(4).

و يستعمل بأسره، و لا يجب إبقاء قدر النجاسة، لاستهلاكها. و لو كانت قائمة بلا تغير، لم يجب التباعد بمقدار القلّتين، لعدم انفعال الماء. و لو اغترف منه فنقص عن الكر، فالمأخوذ طاهر لا ظاهر الإناء، و تجنّبه أولى.

و قول الجعفي: و روي الزيادة على الكر، راجع الى الخلاف في تقديره.

و المشهور: بلوغ تكسيره اثنين و أربعين شبرا و سبعة أثمان شبرا بمستوي الخلقة، لقول الصادق (عليه السلام) في رواية أبي بصير: «إذا كان ثلاثة أشبار و نصفا في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه»(5) و «في» للضرب، و لأنه يلزمه ذلك.

و القميّون أسقطوا النصف(6)، لصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه السلام)(7). و ترجّح الأولى بالشهرة و الاحتياط.

ص: 80


1- المعتبر 42:1.
2- عوالي اللئالي 76:1 ح 156.
3- مسند أحمد 12:2، سنن أبي داود 17:1 ح 63، الجامع الصحيح 97:1 ح 67، سنن النسائي 46:1 مسند أبي يعلى 438:9 ح 5590، شرح معاني الآثار 15:1.
4- الكافي 2:3 ح 1، 2، الفقيه 8:1 ح 12، التهذيب 39:1 ح 107، 108، الاستبصار 1: 6 ح 1، 2.
5- الكافي 3:3 ح 5، التهذيب 42:1 ح 116، الاستبصار 10:1 ح 14.
6- كالصدوق في الفقيه 6:1، و المقنع: 10.
7- الكافي 3:3 ح 7، التهذيب 37:1 ح 101، الاستبصار 10:1 ح 13.

أو ألف و مائتا رطل، لمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(1).

و التفسير بالعراقي: لمقاربة الأشبار، أو لأن المرسل عراقي، أو لصحيحة محمد ابن مسلم عن الصادق (عليه السلام): «الكر ستمائة رطل»(2) بالحمل على رطل مكة، و هو رطلان بالعراقي. و بالمدني: للاحتياط، أو لأن الغالب كونهم عليهم السلام ببلدهم، و هو مائة درهم و خمسة و تسعون درهما، و العراقي ثلثاه، للخبر عن الرضا (عليه السلام)(3).

و العلامة ابن طاوس - رحمه اللّه - ذكر وزن الماء و عدم مناسبة المساحة للأشبار، و مال الى دفع النجاسة بكل ما روي، و كأنه يحمل الزائد على الندبيّة.

و ابن الجنيد اعتبر القلّتين أو نحو مائة شبر(4). و الراوندي نفى التكسير(5).

و لا وجه لهما.

و الشلمغاني: ما لا يتحرك جنباه بطرح حجر وسطه، و هو خلاف الإجماع.

و على كل تقدير لا يكفي التقريب لأصل العدم.

فلو شك في البلوغ فكذلك. و لو علمه و شكّ في سبق النجاسة، فالأصل الطهارة.

و ماء الحوض و الإناء كغيره، للعموم. و المفيد و أتباعه جعلوها كالقليل مطلقا(6)، للنهي عن استعمالها مع النجاسة.

قلنا: مقيّد بالغالب.

الثالثة: ينجس قليل الواقف بالملاقاة في الأشهر،

لمفهوم الشرط في الحديثين.

و لقول الصادق (عليه السلام) في سؤر الكلب: «رجس نجس لا تتوضأ

ص: 81


1- الكافي 3:3 ح 6، التهذيب 41:1 ح 113، الاستبصار 10:1 ح 15.
2- التهذيب 414:1 ح 418، الاستبصار 11:1 ح 17.
3- معاني الأخبار: 249، عيون أخبار الرضا 310:1.
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 3.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 3.
6- المقنعة: 9، النهاية: 4، المعتبر 48:1.

بفضله»(1).

و لتعليل غسل اليدين من النوم باحتمال النجاسة(2) و لو لا نجاسة القليل لم يفد.

و حجّة الشيخ أبي علي بن أبي عقيل - رحمه اللّه - على اعتبار التغير بعموم الحديث(3) معارض بتقديم الخاص و ان جهل التاريخ، و قد رواه قوم في بئر بضاعة(4) و كان ماؤها كثيرا، و في هذا التأويل طهارة البئر. و بخصوص نحو قول الباقر (عليه السلام) في القربة و الجرة من الماء تسقط فيها فأرة فتموت: إذا غلبت رائحته على طعم الماء أو لونه فأرقه، و ان لم يغلب فاشرب منه و توضّأ(5) معارض بأشهر منه و أصح إسنادا(6). و أوله الشيخ بالكر و ارادة الجنس من القربة و الجرة(7).

و استثنى الأصحاب ثلاثة مواضع:

ماء الاستنجاء، إجماعا، للحرج، و حكم الصادق (عليه السلام) بعدم نجاسة الثوب الملاقي له(8).

و اشترط فيه عدم الملاقاة لنجاسة من خارج، لوجود المانع، و لا فرق بين المخرجين للشمول.8.

ص: 82


1- التهذيب 225:1 ح 646، الاستبصار 19:1 ح 40.
2- تقدم في ص 72 الهامش 5.
3- مختلف الشيعة: 2. و الحديث تقدم في ص 76 الهامش (2، 3).
4- مسند أحمد 31:3، سنن أبي داود 17:1 ح 66، الجامع الصحيح 95:1 ح 66، سنن النسائي 146:1، مسند أبي يعلى 476:2 ح 1304، شرح معاني الآثار 12:1. بضاعة: و هي دار بني ساعدة بالمدينة و بئرها معروفة، فيها أفتى النبي صلّى اللّه عليه و آله بان الماء طهور ما لم يتغير.. إلخ معجم البلدان 442:1.
5- التهذيب 412:1 ح 1298.
6- راجع: التهذيب 39:1 ح 105، 225 ح 646، الاستبصار 19:1 ح 40.
7- التهذيب 412:1.
8- التهذيب 86:1 ح 288.

و في المعتبر: ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة، انما هو بالعفو(1) و تظهر الفائدة في استعماله. و لعلّه أقرب، لتيقّن البراءة بغيره(2).

و لا يلحق به غسالة الخارج من السبيلين غير البول و الغائط، للبقاء على الأصل. و لا فرق في العفو بين المتعدي و غيره، للعموم. و لو زاد وزنه اجتنب.

و الدم الذي لا يستبين، لقول الكاظم (عليه السلام)(3).

و ألحق في المبسوط كل ما لا يستبين(4).

و الأولى: المنع فيهما، للاحتياط، و لمعارضته لكلام الكاظم (عليه السلام).

فروع:

الأول: مورد الرواية دم الأنف، فيمكن العموم في الدم، لعدم الفارق.

و يمكن إخراج الدماء الثلاثة، لغلظ نجاستها.

الثاني: لا فرق بين الثوب و البدن، لوجوب الاحتراز عن النجاسة.

الثالث: لو طارت الذبابة عن النجاسة الى الثوب أو الماء، فعند الشيخ عفو، و اختاره الشيخ المحقق نجم الدين - في الفتاوى - لعسر الاحتراز، و لعدم الجزم ببقائها لجفافها بالهواء، و هو يتم في الثوب دون الماء.

و ماء الغسل من النجاسة - كما قوّاه في المبسوط، ثم حكم بالعفو عنه للمشقة(5) - و الا لما طهر المحل.1.

ص: 83


1- ما في المعتبر 91:1 ليس بصريح في ذلك، لاحظ: الحدائق الناضرة 471:1، جواهر الكلام 1: 354، مفتاح الكرامة 94:1.
2- الكافي 13:3 ح 5، الفقيه 41:1 ح 162.
3- الكافي 74:3 ح 116، التهذيب 412:1 ح 1299، الاستبصار 23:1 ح 57.
4- المبسوط 7:1.
5- المبسوط 92:1.

و في الخلاف: ماء الاولى نجس(1).

و المحقّق و الفاضل نجّساه مطلقا(2)، لقول الصادق (عليه السلام): «في الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به من الجنابة، لا يجوز أن يتوضّأ منه»(3).

قلنا: الدليل أعم من الدعوى، و عطف الجنابة عليه مشعر بأنّه غير طهور لا أنه نجس.

و لخبر العيص: سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال:

«إن كان من بول، أو قذر، فيغسل ما أصابه»(4).

و هو مقطوع، و يمكن حمله على التغير أو الندب.

و الشيخ بعد حكمه بعدم وجوب غسل الثوب من غسالة الولوغ(5) حكم بعدم جواز الوضوء(6).

و احتاط ابن البرّاج بإزالة غسالة الولوغ(7) كقول الشيخ.

و ابن حمزة و البصروي سويا بين رافع الأكبر و مزيل النجاسة(8).

و في المعتبر: لا يجوز رفع الحدث به إجماعا(9).

و العجب خلوّ أكثر كلام القدماء عن الحكم في الغسالة، مع عموم البلوى بها.

و اعترف المرتضى بعدم النص على الفرق بين ورود الماء على النجاسة1.

ص: 84


1- الخلاف 179:1 المسألة: 135.
2- المعتبر 90:1، تذكرة الفقهاء 5:1، مختلف الشيعة: 13.
3- أخرجه المحقق في المعتبر 90:1.
4- أخرجه المحقق في المعتبر 90:1.
5- الخلاف 181:1 المسألة: 137.
6- المبسوط 36:1.
7- المهذب 29:1.
8- الوسيلة: 74.
9- المعتبر 90:1.

و عكسه، و قوّاه فحكم بعدم نجاسة الماء الوارد و إلاّ لما طهر المحل(1) - و يلزمه أن لا ينجس بخروجه بطريق الأولى، و فهم الفاضلان منه ذلك(2) - و تبعه ابن إدريس(3).

و يمكن الحجّة بنجاسة غسالة الحمام، لنص الكاظم (عليه السلام): «لا تغتسل منها»(4).

و هو أعمّ من المدّعى، مع معارضته بقوله أيضا (عليه السلام) في غسالة الحمام تصيب الثوب: «لا بأس»(5).

و الذي قاله ابن بابويه و الشيخ و كثير من الأصحاب عدم جواز استعمالها(6).

فلم يبق دليل سوى الاحتياط، و لا ريب فيه.

فعلى هذا ماء الغسلة كمغسولها قبلها، و على الأول كمغسولها بعدها أو كمغسولها بعد الغسل.

و طهر القليل بمطهر الكثير ممازجا، فلو وصل بكرّ مماسة لم يطهر، للتميز المقتضي لاختصاص كل بحكمه.

و لو كان الملاقاة بعد الاتصال و لو بساقية، لم ينجس القليل مع مساواة السطحين، أو علوّ الكثير كماء الحمام.

و لو نبع الكثير من تحته - كالفوّارة - فامتزج طهّره، لصيرورتهما واحدا. اما لو كان ترشّحا لم يطهر، لعدم الكثرة الفعلية.

و في طهارته بالإتمام بطاهر أو نجس ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين1.

ص: 85


1- الناصريات: 215 المسألة 3.
2- المعتبر 83:1، مختلف الشيعة: 13.
3- السرائر: 36.
4- التهذيب 373:1 ح 1143.
5- الكافي 15:3 ح 4، الفقيه 10:1 ح 17، التهذيب 379:1 ح 1176.
6- الفقيه 10:1، المبسوط 37:1، تذكرة الفقهاء 5:1.

النجسين و بين الطاهر و النجس.

و احتج: بقوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا»(1)، و بظواهر الآي، و الأخبار المقتضية لطهورية الماء، و لأن البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي ملاقاتها قبل الكرية و بعدها، و لطهارة الكثير فيه نجاسة و لولاه لنجس، لإمكان سبقها على كثرته، و ربّما احتج بالإجماع.

و أجيب: بأن الحديث عاميّ، و لم يعمل به غير ابن حيّ (2) و الأصحاب رووه مرسلا(3).

و الذي رويناه: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(4) و هو صريح في نجاسة طارئة مع احتمال الحديث الأول لها أيضا.

و الظواهر تحمل على الطاهر، لأنّه المتبادر إليه الفهم، فلم قلتم بطهارة المذكورة؟! و الاستهلاك قياس باطل مع الفارق: بقوة الماء بعد البلوغ، و ضعفه قبله. و إمكان السبق لا يعارض أصل الطهارة. و لا إجماع، لخلاف ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف(5) مع نقله الخلاف عن الأصحاب في المبسوط(6).

و قول الشيخ في المبسوط - بطهوريّة المستعمل يبلغ كرّا - على التنزل(7)، لبنائه على ما سبق من تردده، و بناه في الخلاف على ذلك أيضا(8). فيبقى استصحاب حكم النجاسة سليما عن المعارض.7.

ص: 86


1- عوالي اللئالي 76:1 ح 156.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر 53:1.
3- الناصريات: 214 المسألة 2، الخلاف 174:1 المسألة: 127.
4- الكافي 2:3 ح 1، الفقيه 8:1 ح 12، التهذيب 39:1 ح 107، الاستبصار 6:1 ح 1.
5- الخلاف 194:1 المسألة: 150، مختلف الشيعة: 3.
6- المبسوط 7:1.
7- المبسوط 11:1.
8- الخلاف 173:1 المسألة: 127.

فرع:

لو غمس الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر طهر مع الامتزاج، و لا تكفي المماسّة، و لا اعتبار بسعة الرأس و ضيقه، و لا يشترط أكثرية الطاهر. نعم، يشترط المكث ليتحقق الامتزاج.

و على القول بالطهارة بالإتمام كرا، لو تمّم هذا الكوز، طهر الجميع.

العارض الثالث: كونه ماء بئر.
اشارة

و المشهور نجاسته مطلقا، للنقل الشائع بوجوب النزح من الخاص و العام و التعبّد بعيد، و لقول الكاظم (عليه السلام): «فان ذلك يطهرها»(1).

و قول الرضا (عليه السلام): «ينزح منها دلاء» عقيب السؤال: ما يطهرها»(2).

و لجواز تيمم الجنب خوف إفسادها عملا بقول الصادق (عليه السلام)(3)و في التهذيب: إذا لم يتغير لا تعاد الطهارة و ان كان لا يجوز استعماله إلاّ بعد تطهيره(4)، لقول الصادق (عليه السلام): «لا يغسل الثوب، و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر، الا أن ينتن»(5).

و لمكاتبة ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام): «ماء البئر واسع لا يفسده شيء، إلاّ أن ينتن»(6).

ص: 87


1- التهذيب 237:1 ح 686، الاستبصار 37:1 ح 101.
2- الكافي 5:3 ح 1، التهذيب 244:1 ح 705، الاستبصار 44:1 ح 124.
3- الكافي 65:3 ح 9، التهذيب 149:1 ح 426، الاستبصار 127:1 ح 435.
4- التهذيب 232:1.
5- التهذيب 232:1 ح 670، الاستبصار 30:1 ح 80.
6- المعتبر 56:1، و انظر: الكافي 5:3 ح 2، التهذيب 234:1 ح 676، الاستبصار 33:1 ح 87.

و أجيب: بقوة المشافهة على المكاتبة، و الطعن في سند الأولى، و التأويل بفساد معطّل، و بالحمل على الغدير.

و قال الجعفي: يعتبر فيها ذراعان في الأبعاد الثلاثة فلا ينجس. ثم حكم بالنزح.

و عن البصروي: تعتبر الكرية في دفع النجاسة.

و طهرها متغيرة بنزح الأكثر من زواله و المقدر، لقول الصادق (عليه السلام): «فان تغير الماء فخذه حتى يذهب الريح»(1) و للمكاتبة عن الرضا (عليه السلام)(2).

و الشيخ رتب زوال التغير على العجز عن نزح الجميع(3)، لقول الصادق (عليه السلام): «فإن أنتن نزحت»(4).

و الصدوقان: الجميع، لما ذكر، فالتراوح(5)، لقول الصادق (عليه السلام):

«فان غلب فلتنزف يوما الى الليل، يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين»(6).

قال المحقق: السر في النزح انه كتدافع الجاري، و من ثم اختلفت الرواية بالأقل و الأوسط و الأكثر بحسب قوة النجاسة و ضعفها، و سعة المجاري و ضيقها، فليعمل بالمشهور غير المختلف فيه. و المختلف: يجزئ أقلّه، و يستحب أوسطه، و يتأكد أكثره. و الشاذ يسقط بالمشهور، و ضعيف السند بالقوي(7).1.

ص: 88


1- الكافي 5:3 ح 3، التهذيب 233:1 ح 675، الاستبصار 37:1 ح 102.
2- الكافي 5:3 ح 2، التهذيب 234:1 ح 676، الاستبصار 33:1 ح 87 ه 6.
3- المبسوط 11:1، النهاية: 7.
4- التهذيب 232:1 ح 670، الاستبصار 30:1 ح 80.
5- الفقيه 13:1، مختلف الشيعة: 5.
6- التهذيب 284:1 ح 832.
7- المعتبر 57:1.
فروع:
الأول: لو زال تغيرها بنفسها أو بعلاج لم تطهر،

لما مر. و هل يجب نزحها أو يكفي المزيل التقديري؟ الأقوى الأول، لعدم أولويّة البعض، و لتوقّف اليقين عليه.

و امتزاجها بالجاري مطهّر، لأنّه أقوى من جريان النزح باعتبار دخول مائها في اسمه.

و منعه في المعتبر، لأن الحكم متعلّق بالنزح و لم يحصل(1). و كذا لو اتصل بالكثير. أمّا لو وردا من فوق عليها، فالأقوى انه لا يكفي. لعدم الاتحاد في المسمى.

الثاني: لو أجريت، فالظاهر انها بحكم الجاري

لا تنجس بالملاقاة. و لو نجست ثم أجريت، ففي الحكم بطهارتها ثلاثة أوجه:

طهارة الجميع، لأنه ماء جار تدافع و زال تغيره، و لخروجه عن مسمى البئر.

و بقاؤه على النجاسة، لأن المطهر النزح.

و طهارة ما بقي بعد جريان قدر المنزوح، إذ لا يقصر ذلك عن الإخراج بالنزح.

الثالث: الآبار المتواصلة ان جرت فكالجاري،

و الا فالحكم باق، لأنها كبئر واحدة.

الرابع: لا ريب في عدم اعتبار الدلو

في النزح المزيل للتغيّر حيث لا مقدّر، أو كان إذا لم نعتبره، لحصول الغرض بالنزح المزيل للتغير.

و هل يعتبر الدلو في المعدود؟ وجهان: نعم، لصورة النص، و عمل الأمّة.

ص: 89


1- المعتبر 79:1.

و لا، لأن الغرض إخراج الماء. و هو أقرب، فحينئذ يعتبر بحساب دلو العادة.

الخامس: لا يعتبر في النازح الإسلام، و لا البلوغ، و لا الذكورية

إلا في التراوح، للفظ «القوم» - و مال في المعتبر الى جواز النساء و الصبيان لشمول القوم(1) - بل و لا الإنسانية فتكفي القرب، و لا في النزح النية، لأنه ترك النجاسة.

السادس: عبارة الأصحاب مختلفة في يوم التراوح:

فالمفيد: من أول النهار الى آخره(2).

و الصدوقان و المرتضى: من الغدوة إلى الليل(3).

و الشيخ: من الغدوة إلى العشاء(4).

و الظاهر انهم أرادوا به يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر الى غروب الشمس، لأنه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل.

السابع: لا يجزئ الليل في التراوح

لما يعتري فيه من الفتور عن العمل، و كذا مع مشاركته للنهار و تلفيق قدر يوم منهما.

الثامن: يجزئ مسمى اليوم و ان قصر،

و لا يجب تحري الأطول، و الأولى استحبابه حيث لا ضرر، لما فيه من المبالغة في التطهير.

التاسع: يجوز لهم الصلاة جماعة،

و الاجتماع في الأكل، لأنّهما مستثنيان عرفا.

العاشر: الظاهر إجزاء ما فوق الأربعة،

لأنّه من باب مفهوم الموافقة، ما لم يتصوّر بطء بالكثرة. أما الاثنان الدائبان، فالأولى المنع، للمخالفة.

الحادي عشر: الأولى وجوب جزءين من الليل

أولا و آخرا، ليتحقّق حفظ النهار، لأنّه من باب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به.

ص: 90


1- المعتبر 77:1.
2- المقنعة: 9.
3- الفقيه 13:1، المعتبر 60:1، مختلف الشيعة: 5.
4- المبسوط 11:1.
الثاني عشر: لو وقع في الأثناء موجب نزح الجميع

وجب الاستئناف، و مع التعذّر فتراوح مستأنف، و لو وقع ذو مقدّر فالتداخل يمكن، فحينئذ يعمل بالأكثر، لصدق النزح.

الثالث عشر: اختلاف أنواع النجاسة يوجب التضاعف،

عملا بالمقتضي. و مع التماثل الأقرب ذلك، للاستصحاب.

أمّا الاختلاف بالكمية كالدم، فإن خرج من القلّة إلى الكثرة فمنزوح الأكثر، و إن زاد في الكثرة فلا زيادة في القدر، لشمول الاسم.

الرابع عشر: أبعاض المقدّر كالمقدّر،

لتيقّن البراءة، فلو توزّع المقدّر لم يتضاعف، لعدم الخروج عن الاسم. نعم، لو وجد جزءان، و شكّ في كونهما من واحد أو اثنين، فالأجود التضاعف استظهارا.

الخامس عشر: الحيوان الحامل

إذا مات و ذو الرجيع(1) النجس كغيرهما، إمّا: لانضمام المخرج المانع من الدخول، أو لإطلاق(2) قدر النزح. نعم، لو انفتح المخرج أو غيره تضاعف.

و لو خرج غير المأكول حيّا، فلا نزح في غير نجس العين، لبعد ملاقاة الماء جوفه لانضمام المخرج.

السادس عشر: المتساقط من الدلو عفو،

و لو انصبّ أزيد من المعتاد كمّل، و لو انصبّ بأسره أعيد مثله - في الأصح - و إن كان الأخير، للأصل.

السابع عشر: الظاهر طهارة المباشر و الدلو و الرشا،

لعدم أمر الشارع بالغسل، و لأنّ استحباب النزح مشروع، و من المعلوم عدم اشتراط غسل الدلو قبله، و أجمعوا على طهارة الحمأة(3) و الجدران.

ص: 91


1- الرجيع: العذرة و الروث لأنه رجع من حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا. مجمع البحرين - مادة رجع.
2- في س: للاقتصار على.
3- الحمأة: الطين الأسود المتغير، مجمع البحرين - حمأ.
الثامن عشر: يسقط النزح بغور الماء،

سواء كان نزحا مستوعبا أو لا، فلو عاد لم يجب، للعفو عن الحمأة، و عدم معرفة كون العائد هو الغائر.

ثم أقسام غير المتغيّر أربعة عشر:
الأول: ما لا مقدّر له،

فالكلّ عند قوم(1)، لعدم الأولوية. و أربعون(2): و لا وجه له، و ثلاثون، لحديث كردويه(3). و الأول أنسب.

و في المعتبر: يمكن أن لا نزح هنا، إعمالا لروايتي طهارة البئر فيه، و حمل الباقيات على مواردها، قال: و هذا يتمّ لو قلنا: إنّ النزح تعبّد(4).

الثاني: ما ينزح له كلّ الماء،

و هو: موت البعير، في المشهور الصحيح السند عن الصادق (عليه السلام)(5).

و عن الباقر (عليه السلام): كر(6)، و الراوي عمرو بن سعيد فطحي.

و صبّ الخمر، في الصحيح عن الصادق (عليه السلام)(7)، و كذا في قليله.

و قال الصدوق: في القطرة عشرون دلوا(8)، لرواية زرارة عن الصادق (عليه السلام)(9).

و في رواية كردويه عن أبي الحسن (عليه السلام) لقطرة النبيذ المسكر:

«ثلاثون دلوا»(10).

ص: 92


1- راجع: المبسوط 12:1، 12:1، السرائر: 13، الغنية: 490.
2- قاله ابن حمزة في الوسيلة: 75.
3- الفقيه 16:1 ح 35، التهذيب 413:1، ح 1300، الاستبصار 43:1 ح 120.
4- المعتبر 78:1. و الروايتان في: التهذيب 232:1 ح 670، 234 ح 676، الاستبصار 30:1 ح 80، 33 ح 87
5- الكافي 6:3 ح 17، التهذيب 240:1 ح 694، الاستبصار 34:1 ح 92.
6- التهذيب 235:1 ح 679، الاستبصار 34:1 ح 91.
7- راجع الهامش 1.
8- المقنع: 11.
9- التهذيب 241:1 ح 697، الاستبصار 35:1 ح 96.
10- التهذيب 241:1 ح 698، الاستبصار 35:1 ح 98.

و في المعتبر رام الفرق بين الصبّ و القطرة للتأثّر به أكثر بشيوعه في الماء(1).

و في التهذيب رجّح الكلّ بكثرة الأخبار(2).

و المسكر المائع بالأصالة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كلّ مسكر خمر»(3).

و عن الكاظم (عليه السلام): «ما كان عاقبته الخمر فهو خمر»(4).

و الفقّاع، لقول الصادق (عليه السلام): «إنّه خمر مجهول»(5).

و الدماء الثلاثة، لغلظ نجاستها. و جماعة على مساواتها باقي الدماء(6)و رجّحه في المعتبر(7).

و الثور، في الصحيح عن الصادق (عليه السلام)(8).

و المنيّ - في المشهور - و لا نصّ فيه، قاله الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده - رحمهما اللّه -، و لكنّ القطع بالطهارة يتوقف عليه.

و ألحق ابن البرّاج عرق الجنب من حرام، و الإبل الجلاّلة(9).

و ألحق أبو الصلاح - رحمه اللّه - بول و روث غير المأكول، إلاّ بول الرجل و الصبي(10).

و ألحق البصروي خروج الكلب و الخنزير حيّين.0.

ص: 93


1- المعتبر 58:1.
2- التهذيب 242:1.
3- الكافي 408:6 ح 3، التهذيب 111:9 ح 482.
4- الكافي 412:6 ح 2، التهذيب 112:9 ح 486.
5- الكافي 423:6 ح 7، التهذيب 125:9 ح 544، الاستبصار 96:4 ح 373.
6- كالمفيد في المقنعة: 9، و ظاهر الصدوق في الفقيه 13:1، و المقنع: 10.
7- المعتبر 59:1.
8- التهذيب 241:1 ح 695، الاستبصار 34:1 ح 93.
9- المهذب 21:1.
10- الكافي في الفقه: 130.

و ألحق بعضهم الفيل(1).

الثالث: كرّ، للحمار و البغل

- في الأظهر - عن الباقر (عليه السلام)(2)، و ليس في بعض الروايات البغل(3).

و في الفرس و البقرة و شبههما، للشهرة، و في المعتبر: هما مما لا نصّ فيه(4).

الرابع: سبعون دلوا -

و المراد بها حيث نذكر ما كانت عادية، و قيل هجرية(5) ثلاثون رطلا، و قال الجعفي أربعون رطلا - و هو لموت الإنسان، للخبر المقبول بين الأصحاب عن الصادق (عليه السلام)(6).

و أبو علي و ابن إدريس أوجبا لموت الكافر الجميع(7) بناء على وجوبه بملاقاته حيّا، إذ لا نص فيه، و حال الموت أشدّ نجاسة، و فيهما منع.

الخامس: خمسون، للعذرة الذائبة،

في المشهور. و عن الصادق (عليه السلام): أربعون أو خمسون(8)، و الأكثر طريق الى اليقين.

و كثير الدم، في المشهور. و عن الكاظم عليه السلام في شاة مذبوحة تقع و أوداجها تشخب دما: «ما بين الثلاثين إلى الأربعين»(9) و هو حسن.

السادس: أربعون، لبول الرجل

- في المشهور - رواه علي بن أبي حمزة عن

ص: 94


1- كابن البراج في المهذب 21:1.
2- المعتبر 60:1.
3- التهذيب 235:1 ح 679، الاستبصار 34:1 ح 91.
4- المعتبر 62:1.
5- هجرية: نسبة إلى قرية قرب المدينة تسمى (هجر) تنسب إليها القلال - جمع قلة - فيقال: القلال الهجرية، مجمع البحرين - مادة هجر - و قيل إلى غيرها.
6- التهذيب 234:1 ح 678.
7- السرائر: 11.
8- التهذيب 244:1 ح 702، الاستبصار 42:1 ح 116.
9- قرب الإسناد: 84، الكافي 6:3 ح 8، الفقيه: 15:1 ح 29، التهذيب 409:1 ح 1288، الاستبصار 44:1 ح 123.

الصادق (عليه السلام)(1).

و موت الكلب و شبهه.

و السنّور - في الأظهر. و عن الصادق (عليه السلام) فيها: «عشرون أو ثلاثون أو أربعون»(2)، فأخذ بالاحتياط.

و الرواية الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) بالخمس في الكلب و السنّور(3) نادرة لا تعارض المشهور.

و الثعلب و الأرنب و الشاة، للشبه المذكور و الاحتياط.

السابع: ثلاثون لماء المطر و فيه: البول،

و العذرة، و أبوال الدواب و أرواثها، و خرء الكلاب، لرواية كردويه عن أبي الحسن (عليه السلام)(4).

الثامن: عشرون لما مرّ من قطرة الخمر و النبيذ.

و للدم عند المرتضى من دلو الى عشرين(5).

و في رواية زرارة عن الصادق (عليه السلام): «الدم، و الخمر، و الميت، و لحم الخنزير، ينزح منه عشرون دلوا»(6).

التاسع: عشر ليابس العذرة،

لرواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(7).

و قليل الدم عند جماعة(8). و المروي عن الرضا (عليه السلام): دلاء في قطرات الدم(9).

ص: 95


1- التهذيب 243:1 ح 700، الاستبصار 34:1 ح 90.
2- التهذيب 235:1 ح 680، الاستبصار 36:1 ح 97.
3- الكافي 5:3 ح 3، التهذيب 237:1 ح 684، الاستبصار 37:1 ح 102.
4- الفقيه 16:1 ح 35، التهذيب 413:1 ح 1300، الاستبصار 43:1 ح 120.
5- المعتبر 65:1، مختلف الشيعة: 6.
6- التهذيب 241:1 ح 697، الاستبصار 35:1 ح 96.
7- التهذيب 244:1 ح 702، الاستبصار 42:1 ح 116.
8- راجع: المبسوط 12:1، السرائر: 12، المراسم: 35.
9- الكافي 5:3 ح 1، التهذيب 244:1 ح 705، الاستبصار 44:1 ح 124.

و عن الصادق (عليه السلام) في دم الدجاجة و الحمامة:

دلاء يسيرة(1)، و فسّرت بعشر، لأنّه أكثر عدد يضاف الى الجمع(2)، أو نقول: أقل جمع الكثرة عشر.

العاشر: تسع أو عشر،

للشاة عند الصدوق(3) عن علي (عليه السلام)(4).

الحادي عشر: سبع لموت الطير

- في المشهور - لرواية علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام)(5)، و فسّر بالحمامة و النعامة و ما بينهما.

و لاغتسال الجنب، و الروايات عن الصادق (عليه السلام) بلفظ: الوقوع، و النزول، و الدخول، و الاغتسال(6) منها، فلا وجه لاشتراط الارتماس(7).

قال في المعتبر: الموجبون للسبع هنا هم المانعون من رفع الحدث بالماء المستعمل، إلاّ سلاّر فإنّه قال بالنزح لا بالمنع، و المرتضى و أبو الصلاح قالا:

بالرفع، و لم يذكرا النزح(8).

و لخروج الكلب حيّا - في المشهور - لقول الباقر (عليه السلام)(9).

ص: 96


1- الكافي 6:3 ح 8، التهذيب 409:1 ج 1288، الاستبصار 44:1 ح 123، عن الإمام الكاظم (عليه السلام). و عنه (عليه السلام) أورد المصنف قطعة من الحديث في ص 94 الهامش 9.
2- التهذيب 245:1.
3- الفقيه 15:1.
4- التهذيب 237:1 ح 683، الاستبصار 38:1 ح 105.
5- التهذيب 235:1 ح 680، الاستبصار 36:1 ح 97.
6- هذه الألفاظ وردت في الروايات التالية على التوالي: الكافي 6:3 ح 7، التهذيب 240:1 ح 694، الاستبصار 34:1 ح 92. و التهذيب 241:1 ح 695، الاستبصار 34:1 ح 93. التهذيب 244:1 ح 702.
7- كما اشترطه ابن إدريس في السرائر: 12.
8- المعتبر 70:1. و لاحظ: المراسم: 33، 36، الناصريات: 215 المسألة 6، جمل العلم و العمل: 49.
9- التهذيب 237:1 ح 687، و الاستبصار 38:1 ح 103، عن الإمام الصادق (عليه السلام).

و أوجب ابن إدريس فيه أربعين، تسوية بينه و بين الميت(1).

و للفأرة مع التفسّخ، عن الصادق (عليه السلام)(2) و ألحق المفيد به الانتفاخ(3).

و عن الصادق (عليه السلام) فيها ثلاث(4) و هي على الإطلاق.

و عنه (عليه السلام): سبع(5) على الإطلاق، و عنه (عليه السلام): «إذا لم تتفسخ خمس»(6) ففي السبع تمام الاحتياط.

و لبول الصبي غير الرضيع، عن الصادق (عليه السلام)(7).

و للسنّور عند الصدوق(8) و هو عن الصادق (عليه السلام)(9).

و في سام أبرص، لقول الصادق (عليه السلام)(10).

الثاني عشر: خمس لذرق الدجاج.

و خصّه جماعة - كالمفيد(11) و سلاّر(12) - بالجلاّل، و لم نقف على المستند.

و احتمل فيه في المعتبر مساواة العذرة في الرطوبة و الجمود، و نزح الثلاثين، لحديث كردويه(13).

ص: 97


1- السرائر: 11.
2- التهذيب 239:1 ح 691، الاستبصار 39:1 ح 110.
3- المقنعة: 9.
4- التهذيب 238:1 ح 688، الاستبصار 39:1 ح 106.
5- التهذيب 235:1 ح 680، الاستبصار 36:1 ح 97.
6- الكافي 5:3 ح 3، التهذيب 233:1 ح 675، الاستبصار 37:1 ح 102، باختصار في الألفاظ.
7- التهذيب 243:1 ح 701، الاستبصار 34:1 ح 89.
8- الفقيه: 12:1.
9- التهذيب 235:1 ح 679، و الاستبصار 34:1 ح 91، عن الإمام الباقر (عليه السلام).
10- الفقيه 15:1 ح 32، التهذيب 245:1 ح 707، الاستبصار 41:1 ح 114.
11- المقنعة: 9.
12- المراسم: 36.
13- المعتبر 76:1 و حديث كردويه في: الفقيه 16:1 ح 35، التهذيب 413:1 ح 1300، الاستبصار 43:1 ح 120.
الثالث عشر: ثلاث للفأرة

مع عدم الأمرين. لما مرّ.

و للحيّة - في المشهور - إحالة على الفأرة و الدجاجة - التي روي فيها دلوان أو ثلاث(1) - و هو مأخذ ضعيف.

و في المعتبر يرى وجوب النزح فيها، معلّلا بأنّ لها نفسا سائلة، أومأ إلى الثلاث، لقول الصادق (عليه السلام): لموت الحيوان الصغير دلاء، و أقلّ محتملاته الثلاث(2).

و للوزغة عند الصدوق(3) و الشيخين(4) و أتباعهما(5)، لقول الصادق (عليه السلام)(6).

و للعقرب عند الشيخ(7) و أتباعه(8) و لا نصّ صريحا فيه.

و قيل فيهما بالاستحباب، لعدم النجاسة، و جواز أن يكون لضرر السم.

الرابع عشر: دلو واحد لبول الرضيع،

و الذي عن الصادق (عليه السلام) في بول الفطيم دلو(9).

و للعصفور. لقول الصادق (عليه السلام)(10).

ص: 98


1- التهذيب 237:1 ح 683، الاستبصار 43:1 ح 122.
2- المعتبر 75:1. و حديث الصادق (عليه السلام) في: الكافي 6:3 ح 7، و التهذيب 240:1 ح 694. و الاستبصار 34:1 ح 92.
3- الفقيه 14:1.
4- المقنعة: 9، المبسوط 12:1، النهاية 7.
5- راجع: الوسيلة: 75، المهذب 22:1.
6- التهذيب 238:1 ح 688، الاستبصار 39:1 ح 106.
7- المبسوط 12:1.
8- راجع: المهذب 22:1.
9- التهذيب 243:1 ح 700، الاستبصار 34:1 ح 90.
10- التهذيب 234:1 ح 678.

فروع:

الأوّل، يحكم بنجاسة البئر عند وجود المنجس و ان تغيّرت بالجيفة، لأصالة عدم التقدّم.

و لقول الصادق (عليه السلام) في الفأرة المتفسخة في إناء استعمله:

«لعلّها سقطت تلك الساعة»(1). و التقدير بثلاثة أيام(2) تحكّم.

الثاني: لا يحكم بنجاستها بالشكّ - لأصالة الطهارة - و لو قاربت البالوعة.

نعم، لو تغيّرت كتغيّر البالوعة أمكن النجاسة، لظهور سبب النجاسة، و غيره نادر، و الطهارة أقوى، لعدم القطع و الماء معلوم الطهارة، و هذا من باب عدم النجاسة بالظنّ.

و في خبر أبي بصير في بئر و بالوعة بينهما نحو من ذراعين، فقال الصادق (عليه السلام): «توضئوا منها، فإن للبالوعة مجاري تصب في البحر»(3) إيماء إليه.

الثالث: المراد ب (ما لا نصّ فيه) ما لم يوجد فيه دليل على التقدير بصريحه، فعلى هذا حديث كردويه(4) لا يكون نصّا على محتملاته، مع احتمال لإلحاق الفحوى بالصريح.

الرابع: البعير شامل للأنثى لغة، و كذا للصغير و الجلاّل، و كذا باقي الحيوان إلاّ الثّور.

الخامس: الأولى دخول العصير بعد الاشتداد في حكم الخمر، لشبهه به0.

ص: 99


1- الفقيه 14:1 ح 26، التهذيب 418:1 ح 1322، الاستبصار 32:1 ح 86، باختصار في الألفاظ.
2- قاله أبو حنيفة، لاحظ اللباب 28:1.
3- الفقيه 13:1 ح 24، باختلاف يسير.
4- الفقيه 16:1 ح 35، التهذيب 413:1 ح 1300، الاستبصار 43:1 ح 120.

إن قلنا بنجاسته.

السادس: لا نزح للميت الطاهر، و يجب للنّجس و إن يمّم، أو غسّله كافر، أو سبق غسله ثم مات بغير قتل.

السابع: الظاهر: أنّ العذرة فضلة الآدمي، لأنّهم كانوا يلقونها في العذرات، أي: الأفنية. و أطلقها الشيخ في التهذيب على غيره(1) ففي فضلة غيره احتمال. و لا فرق بين فضلة المسلم و الكافر هنا، مع احتماله لزيادة النجاسة بمجاورته.

و المعتبر في كثرة الدم و قلّته بنفسه.

و نقل الراوندي أنّه بحسب البئر في الغزارة و النزارة، و هو محتمل، لظهور التأثير في البعض.

الثامن: لا يلحق بول المرأة بالرجل، خلافا لابن إدريس(2)، و نقله الراوندي، اقتصارا على النص، و لفظ الإنسان غير موجود في الرواية، فهو من باب: (ما لا نصّ فيه). و كذا بول الخنثى على الأقرب، للشك في المذكورة.

التاسع: كلب الماء طاهر في الأصحّ، لعدم فهمه من لفظ الكلب حقيقة.

فلو مات في البئر، فالظاهر: أربعون، لحديث الشبه(3).

العاشر: لا يشترط في ماء المطر اجتماع ما ذكر، فيتعلّق الحكم ببعضه احتياطا. و لو انضمّ إليه نجاسة أخرى أمكن المساواة. للمبالغة في: «و ان كانت مبخرة(4)»(5).

الحادي عشر: يمكن إلحاق دم نجس العين بالدّماء الثلاثة، فيجب الجميع،0.

ص: 100


1- التهذيب 244:1.
2- السرائر: 12.
3- التهذيب 235:1 ح 680، الاستبصار 36:1 ح 97.
4- البئر المبخرة: التي يشم منها الرائحة الكريهة كالجيفة و نحوها. مجمع البحرين - مادة بخر.
5- قطعة من حديث للإمام للكاظم (عليه السلام)، رواه الصدوق في الفقيه 16:1 ح 35، و الطوسي في التهذيب 413:1 ح 1300، و الاستبصار 43:1 ح 120.

للمساواة في الغلظ، و هو شكّ في شكّ.

الثاني عشر: إن جعلنا النزح لاغتسال الجنب لإعادة الطهورية، فالأقرب:

إلحاق الحائض و النفساء و المستحاضة به(1)، للاشتراك في المانع، و إن جعلناه تعبّدا لم تلحق. و الأولى: ان الجنب الكافر خارج من النص. لبعده عن الاغتسال مع زيادة النجاسة.

و لو نزل ماء الغسل إليها أمكن المساواة في الحكم. للمساواة في العلة. أما القطرات فمعفو عنها قطعا، كالعفو عن الإناء الذي يغتسل منه الجنب.

و هل يطهر؟ نصّ الشيخ على عدمه(2)، للنهي في العبادة، و تخيّل التناقض إن جعلنا النزح للاستعمال.

الثالث عشر: الظاهر شمول السنور(3) للوحشي، و خصوصا مع اعتبار الشبه.

الرابع عشر: المراد ب (الرضيع) من يغتذي باللبن في الحولين أو يغلب عليه، فلو غلب غيره فليس برضيع.

و قدّره ابن إدريس بالحولين و إن أكل(4) و هو بعيد.

الخامس عشر: لا يلحق صغار الطيور بالعصفور، لعدم النص، خلافا للشيخ نظام الدين الصهرشتي شارح النهاية(5) بل الأولى لحاقها بكبارها.

السادس عشر: الخفّاش داخل فيه، لشمول اللفظ. و خلاف الشيخ قطب الدين الراوندي في طهارته، لأنه مسخ، ضعيف(6)، لمنع مقدمتي الدليل.1.

ص: 101


1- ليست في س.
2- المبسوط 12:1.
3- في م تقرأ: التشابه، و المثبت من س.
4- السرائر: 12.
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر 73:1.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر 74:1.

السابع عشر: لو تمعط الشعر(1) في الماء، نزح حتى يظن خروجه إن كان شعر نجس العين، فإن استمرّ الخروج استوعب، فان تعذر لم يكف التراوح ما دام الشعر، لقيام النجاسة، و النزح بعد خروجها أو استحالتها، و كذا لو تفتّت اللحم.

و لو كان شعر طاهر العين، أمكن اللحاق، لمجاورته النجس مع الرطوبة، و عدمه، لطهارته في أصله. و لم أقف في هذه المسألة على فتيا لمن سبق منّا.

روى العلاء بن سيّابة عن الصادق (عليه السلام) في ميّت في بئر تعذّر إخراجه: «يعطّل و يجعل قبرا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حرمته ميتا كحرمته حيا»(2).

تتمّة:

يستحب تباعد البئر عن البالوعة خمس أذرع مع أحد الأمرين(3): فوقيّة البئر، أو الصلابة و الجبليّة، و إلاّ فسبع، جمعا بين الروايتين عن الصادق (عليه السلام)(4).

و في أخرى عنه (عليه السلام): «مجرى العيون كلّها مع الشمال، فإن استويا في مهبّ الشمال فسبع، و إن كان الكنيف فوقها فاثنا عشر»(5) و عليها ابن الجنيد(6).

و عن الرضا (عليه السلام): «لا يكره من قرب و لا بعد ما لم يتغيّر الماء»(7).

ص: 102


1- تمعّط الشعر: أي تساقط من داء و نحوه. الصحاح - مادة معط.
2- المقنع: 11، التهذيب 465:1 ح 1522، و 419 ح 1334.
3- في س زيادة: من.
4- الكافي 7:3 و 8، التهذيب 410:1 ح 1290 و 1291، الاستبصار 45:1 ح 126 و 127.
5- التهذيب 410:1 ح 1292، باختصار في الألفاظ.
6- مختلف الشيعة: 15.
7- الكافي 8:3، الفقيه 13:1 ح 23، التهذيب 411:1 ح 1294، الاستبصار 46:1 ح 129، باختصار في الألفاظ.
العارض الرابع: استعمال الماء،
اشارة

و هو في أمكنة ثلاثة:

أحدها: استعماله في رفع الخبث،

و قد مرّ استطرادا.

الثاني: استعماله في الوضوء،

و هو طهور إجماعا، و لمسح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما بقي في يده(1) و لتوضّؤ الناس من فضل وضوئه(2).

و لقول الصادق (عليه السلام): «لا بأس أن يتوضّأ»(3) به.

و أولى بالجواز المستعمل في نقل الغسل.

الثالث: المستعمل في رفع الأكبر،

و هو طاهر إجماعا، و مطهّر في الأقوى:

للعموم، و لأنّ الطهور ما يتكرّر منه الطهارة كالضروب. و نهي الصادق (عليه السلام) عن الوضوء به(4) للتنزيه، أو لنجاسة المحل، و كذا الرواية عن الصادق و الكاظم عليهما السلام: بنضح الجنب أربعة أكفّ من جوانبه الأربع(5) و لهذا ورد في بعضها: «فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه»(6).

و المنضوح: البدن، ليكفيه ترديده(7) عن إكثار معاودة الماء.

و قيل: الأرض، لتمنع الانحدار، و ردّه ابن إدريس(8)، و عدم جمع الماء المستعمل، لندور الحاجة إليه.

ص: 103


1- التهذيب 55:1 و 56 ح 157 و 158، الاستبصار 58:1 ح 171 و 172، و المصنف لابن أبي شيبة 21:1.
2- التهذيب 221:1 ح 631.
3- التهذيب 221:1 ح 630، الاستبصار 27:1 ح 71.
4- التهذيب 418:1 ح 7319، الاستبصار 9:1 ح 11.
5- التهذيب 416:1 ح 1315، و 417 ح 1318، الاستبصار 28:1 ح 72 و 73.
6- التهذيب 416:1 ح 1315، الاستبصار 28:1 ح 73.
7- في س: بردّ يده.
8- السرائر: 16.

فروع:

الأول: يستحب التنزّه عن القسم الثاني، قاله المفيد رحمه اللّه(1). و لا فرق بين الرجل و المرأة، للعموم. و النهي عن فضل وضوئها لم يثبت.

و أولى بالتنزّه القسم الثالث، لأنّ أقلّ مراتب النهي الكراهية.

الثاني: لو بلغ المستعمل كرّا، ففي زوال المنع الوجهان، و أولى بالزوال، لبقاء الطهارة هنا.

الثالث: لو منعنا استعمال رافع الأكبر فلا علّة عندنا معلومة، و لو علّل فالعلّة تأدّى فرض الغسل به، أي: رفع الحدث الأكبر، أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع الحدث كغسل المستحاضة، فإنّه لمّا تأثّر المحل به تأثر هو كرافع الخبث، حيث جعل المحل بعد الغسل مخالفا لما قبل الغسل، فكأنّ المنع الذي كان في البدن انتقل إليه. فعلى هذا مستعمل الوضوء و الأغسال المندوبة لا منع فيه كما مرّ، و كذا مستعمل الغسلة الثانية في الغسل.

و في مستعمل الصبي وجه بعدم المنع، بناء على عدم ارتفاع حدثه، و لهذا يجب عليه الغسل عند بلوغه.

و أمّا غسل الذميّة لغشيانها، فماؤه نجس، لنجاستها، فليس من المستعمل في شيء.

الرابع: يصير الماء مستعملا بانفصاله عن البدن. فلو نوى المرتمس في القليل بعد تمام الارتماس، ارتفع حدثه، و صار مستعملا بالنسبة إلى غيره و إن لم يخرج. و لو نوى جنبان فكذلك في حقّهما، و حقّ غيرهما، فإن سبق أحدهما صحّ خاصّة.

الخامس: جوّز الشيخ و المحقّق إزالة النجاسة به، لطهارته، و لبقاء قوة9.

ص: 104


1- المقنعة: 9.

إزالته الخبث و إن ذهبت قوّة رفعه الحدث(1).

و قيل: لا(2)، لأنّ قوّته استوفيت فالتحق بالمضاف.

السادس: المستعمل في غسل الثوب و البدن الطاهرين طهور كملاقيه.

العارض الخامس: غصبية الماء،

و هو مانع من رفع الحدث - إلاّ مع جهل الغصب أو نسيانه، لعموم (رفع الخطأ) - لعدم التقرّب، لا من الخبث و إن حرم، و لا يمنع غصب آلته.

و الأقرب: سريان الغصب في الماء المستنبط من الأرض المغصوبة. و لا يشترط الجفاف في صحة الصلاة، لأنّه كالتالف.

العارض السادس: الاشتباه،
اشارة

و له صور:

إحداها: أن يشتبه بالنجس،

فيتيمم مع فقده، لقول الصادق (عليه السلام): «يهريقهما و يتيمم»(3).

و اشترط الإهراق قوم(4) ليتحقّق عدم الماء.

قلنا: الممنوع منه كالمعدوم، و الحديث يحمل على الكناية عن النجاسة، أو استحقاق الإهراق. و لو قلنا به كفى الواحد، للنهي عن النجس.

و لو تطهّر بهما لم يصح و ان فرّق، للنهي. و تعارض البينتين في إناءين اشتباه، و القرعة، و نجاستهما، و طرح الشهادة: ضعيفة.

و ثانيها: الاشتباه بالمغصوب،

و هو كالأوّل إلاّ انه يطهّر النجس.

و ثالثها: الاشتباه بالمضاف الطاهر،

فيتطهر بهما مع فقد المتيقّن، للجزم

ص: 105


1- المبسوط 11:1، المعتبر 90:1.
2- راجع: الوسيلة: 74.
3- الكافي 10:3، التهذيب 229:1 ح 662، الاستبصار 21:1 ح 48.
4- راجع: المقنعة: 9، النهاية: 6.

باستعمال المطلق. و لو أريق أحدهما، جمع بينه و بين التيمم، تحصيلا لليقين.

و لو ميّز العدل في هذه المواضع أمكن الاكتفاء، لأصالة صحة إخباره.

و قطع في الخلاف بعدم قبوله، للخبر بإهراقهما من غير ذكره(1). أمّا العدلان، فيقبل في الطهارة، و النجاسة على الأقوى، خلافا لابن البراج في الأخير(2).

و لا يتحرى، لعدم افادة العلم، إلاّ في الشرب الضروري، للبعد من النجاسة. و أسقطه في المعتبر، لعدم إفادة التحرّي اليقين(3).

و رابعها: الاشتباه في وقوع النجاسة،

و لا ريب في عدم اعتباره مع الوهم أو الشك، و مع الظن قولان: أجودهما البناء على الطهارة، للأصل.

و لقول علي (عليه السلام): «لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم»(4)و قول الصادق (عليه السلام): «كل شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر»(5).

نعم، يستحب مع السبب الظاهر، كشهادة العدل، و إدمان الخمر. و لو كانت نجاسته لازمة لحكم شرعي، نجس و ان لم يعلم، لامتناع التناقض، كالحكم بحرمة الصيد في الماء القليل عند الاشتباه.

العارض السابع: معارضته أولى - كدفع عطش حيوان محترم،

أو إساغة لقمة للحرج، أو رفع خبث للبدل عن رفع الحدث - إلاّ مع الجهل أو النسيان.

العارض الثامن: كونه سؤرا،

و هو: ما باشره جسم حيوان، و هو تابع له

ص: 106


1- الخلاف 200:1 المسألة: 160. و الخبر في الكافي 10:3، و التهذيب 229:1 ح 662، و الاستبصار 21:1 ح 48.
2- جواهر الفقه: 410.
3- المعتبر 104:1.
4- الفقيه 42:1 ح 166، التهذيب 253:1 ح 735، الاستبصار 180:1 ح 629.
5- التهذيب 284:1 ح 832، و لفظه: «كل شيء نظيف».

في الطهارة و النجاسة. و قد نبّه عليه، و الغرض هنا بيان مكروه السؤر، و ما اختلف فيه، فالمكروه:

سؤر الجلاّل - في الأصح - لظاهر صحيح الفضل عن الصادق (عليه السلام)(1).

و أكل الجيف - في الأقوى - مع الخلو عن النجاسة، لقول الصادق (عليه السلام): «إلاّ أن ترى في منقاره دما»(2).

و الحائض غير المأمونة بالتحفّظ، جمعا بين قول أبي الحسن (عليه السلام):

«إذا كانت مأمونة فلا بأس»(3) و بين نهي الصادق (عليه السلام) عن الوضوء بفضلها(4).

و أطلق المرتضى و الشيخ في المبسوط الكراهية(5)، لقول الصادق (عليه السلام): «يشرب منه و لا يتوضأ»(6).

قلنا: يحمل المطلق على المقيد.

و الدجاج، و الدواب، و البغال، و الحمير - في الأصح - لكراهية لحمها، و لحديث الفضل عن الصادق (عليه السلام)(7).

و في سؤر ما لا يؤكل لحمه قول الشيخ بالمنع، عدا ما لا يمكن التحرّز منه - كالهرّة، و الفأرة، و الحيّة(8) - لمفهوم قول الصادق (عليه السلام): «كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره(9).1.

ص: 107


1- التهذيب 225:1 ح 646، الاستبصار 19:1 ح 40.
2- الكافي 9:3 ح 5، الفقيه 10:1 ح 18، التهذيب 284:1 ح 832.
3- التهذيب 221:1 ح 6320، الاستبصار 16:1 ح 30.
4- التهذيب 222:1 ح 636، الاستبصار 17:1 ح 34.
5- المبسوط 10:1، و حكاه عن المرتضى: العلامة في مختلف الشيعة: 12.
6- التهذيب 222:1 ح 634، الاستبصار 17:1 ح 32.
7- راجع الهامش 1.
8- المبسوط 10:1.
9- التهذيب 224:1، الاستبصار 26:1، المبسوط 10:1.

و يعارضه حديث الفضل(1) و مرسلة الوشاء: كان الصادق (عليه السلام) يكره سؤر كل ما لا يؤكل لحمه(2).

و لا بأس بالهرة، لقول علي (عليه السلام): «انما هي من أهل البيت»(3).

و روي: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله توضأ بفضلها(4). فلو نجس فوها بالمباشرة ثم أسأرت، لم ينجس مع الخلو عن النجاسة و ان لم تغب، قاله في المبسوط(5)، للعموم.

و يكره ما خرج منه الفأرة و الوزغة - في الأصح - للحديث المذكور(6).

و الشيخان و أتباعهما حرّموه(7)، لقول الكاظم (عليه السلام) في الفأرة:

«اغسل ما رأيت من أثرها»(8) و للنزح من الوزغة(9). و يحملان على الندب.

و كذا الحيّة، و الثعلب و الأرنب - في الأقوى - و الأمر بغسل اليد منهما(10)للندب.

و المسوخ، و نجسها الشيخ، لتحريم بيعها(11). و فيه منع التحريم و منع الملازمة.

و ما مات فيه العقرب، لقول الصادق (عليه السلام): «لا يفسد الماء، الا2.

ص: 108


1- التهذيب 225:1 ح 646، الاستبصار 19:1 ح 40.
2- الكافي 10:3 ح 7.
3- التهذيب 227:1 ح 654.
4- سنن ابن ماجة 131:1 ح 368، سنن أبي داود 20:1 ح 76، سنن الدار قطني 66:1.
5- المبسوط 10:1.
6- راجع الهامش 2.
7- المقنعة: 10، التهذيب 224:1، المبسوط 37:1، النهاية: 6، المراسم: 56، المهذب 1: 24.
8- الكافي 60:3 ح 3، التهذيب 261:1 ح 761.
9- التهذيب 238:1 ح 688، الاستبصار 39:1 ح 106.
10- الكافي 61:3 ح 4، التهذيب 262:1 ح 763.
11- المبسوط 166:2.

ما كانت له نفس سائلة»(1) و قول الباقر (عليه السلام) في الماء يقع فيه العقرب:

«أهرقه»(2) للتنزيه، أو للسم.

و ولد الزنا، خلافا للصدوق و المرتضى في نجاسته(3).

و أسآر المسلمين طاهرة إلاّ الخوارج و الغلاة لعدم اجتناب النبي و علي عليهما السلام ذلك. و سئل علي (عليه السلام) عن الوضوء من ركو(4) أبيض مخمّر أو من فضل وضوء المسلمين، فقال: «بل من فضل وضوء المسلمين»(5).

و حكم الشيخ بنجاسة المجبّرة و المجسّمة(6)، و ابن إدريس بنجاسة كل مخالف للحق عدا المستضعف(7): ضعيفان.3.

ص: 109


1- الكافي 5:3 ح 4، التهذيب 231:1 ح 668.
2- التهذيب 230:1 ح 664، الاستبصار 27:1 ح 69.
3- الفقيه 8:1، مختلف الشيعة: 12.
4- الركوة: زق يتخذ للخمر و الخل. مجمع البحرين - مادة ركي.
5- الفقيه 9:1 ح 16.
6- المبسوط 14:1، النهاية: 4، 52.
7- السرائر: 13.
خاتمة في حرمة استعمال الماء النجس و المشتبه به في الطهارة مطلقا

يحرم استعمال الماء النجس و المشتبه به في الطهارة مطلقا، لعدم التقرب بالنّجاسة، فيعيدها مطلقا و ما صلاّه و لو خرج الوقت، لبقاء الحدث. و في النهاية:

لا قضاء(1).

و لو أزال النجاسة به، أعاد مطلقا مع العلم و لو نسي، و في الوقت مع الجهل، جمعا بين الروايات.

و يجوز استعماله أكلا و شربا للضرورة، لوجوب دفع الضرر، و فحوى: «إِلاّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ »(2).

و لمّا توقّف الحكم بالنجاسة على معرفة الأعيان النجسة، فحريّ أن نعدّها و نذكر حكمها:

في ذكر الأعيان النجسة، و هي عشرة:
اشارة

أمّا الأول فهي عشرة:

الأول و الثاني: البول و الغائط من ذي النفس غير المأكول و لو بالعرض كالجلال،

لقول الصادق (عليه السلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3).

و أخرج ابن بابويه و ابن أبي عقيل و الجعفي(4) الطير، لقول الصادق (عليه السلام): «كلّ شيء يطير فلا بأس بخرئه و بوله»(5). و الشيخ في المبسوط كذلك إلاّ الخشاف(6) و تدفعه الشهرة.

ص: 110


1- النهاية: 8.
2- سورة الأنعام: 119.
3- الكافي 57:3 ح 3، التهذيب 264:1 ح 770.
4- الفقيه 41:1، مختلف الشيعة: 56.
5- الكافي 58:3 ح 9، التهذيب 266:1 ح 779.
6- المبسوط 39:1.

و أخرج ابن الجنيد بول الرضيع قبل أكله اللحم، لعدم إيجاب علي (عليه السلام) غسل الثوب منه(1).

قلنا: أوجب الصادق (عليه السلام) الصب عليه(2) فيحمل الغسل على العصر، و نقل المرتضى فيه الإجماع(3).

و في بول الدابّة و الحمار و البغل قولان، الأقرب: الكراهة، لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه»(4). و عن أحدهما كراهية بول الدابة(5). و عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس بروث الحمر»(6). و الأمر بغسله في حسنة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)(7) للندب.

قال في المعتبر: تطابق الأخبار على طهارة الروث، و تصادمها على البول، فيقضى بالكراهية للترجيح بالأصل، و بقول الصادق (عليه السلام): «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر»(8).

الثالث و الرابع: المني و الدم من كل ذي نفس سائلة و إن كان مائيا كالتمساح،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «انما يغسل الثوب من: المني،

ص: 111


1- مختلف الشيعة: 56. و الخبر في: الفقيه 40:1 ح 157، علل الشرائع: 294، التهذيب 250:1 ح 718، الاستبصار 173:1 ح 601.
2- الكافي 56:3، ح 6، التهذيب 249:1 ح 715، الاستبصار 173:1 ح 602.
3- الناصريات: 217 المسألة 13.
4- الكافي 57:3 ح 1، التهذيب 264:1 ح 769.
5- الكافي 57:3 ح 4، التهذيب 264:1 ح 772، الاستبصار 179:1 ح 626.
6- الكافي 57:3 ح 6، التهذيب 265:1 ح 773، الاستبصار 178:1 ح 621.
7- الكافي 57:3 ح 2، التهذيب 264:1 ح 771، الاستبصار 178:1 ح 620.
8- المعتبر 414:1. و حديث الصادق (عليه السلام) في التهذيب 284:1 ح 832.

و الدم، و البول»(1) و قول الصادق (عليه السلام): «ان عرفت مكانه فاغسله»(2)و قوله (عليه السلام): «تغسل آثار الدم»(3).

و قول ابن الجنيد بعدم نجاسة الثوب بدم كعقد الإبهام الأعلى(4) - لما روي عن عائشة انها قالت: كان لإحدانا درع ترى فيه قطرا من دم فتقصعه بريقها(5).

أي: تمضغه، و لقول الصادق (عليه السلام): «ان اجتمع قدر حمّصة فاغسله، و إلاّ فلا»(6) - ضعيف، لمخالفته الإجماع، و القصع لعلّه مقدّمة الغسل، و الخبر الثاني يحمل على العفو.

و نقل الشيخ في الخلاف الإجماع على نجاسة العلقة(7) قال في المعتبر: لأنّها دم حيوان له نفس، و كذا علقة البيضة(8).

و في الدليل منع، و تكوّنها في الحيوان لا يدل على انها منه.

و لا ينجس دم غير ذي النفس - كالسّمك، و البراغيث - إجماعا، لعدم تنجيس الماء بموته، و قول الصادق (عليه السلام) في دم البراغيث: «ليس به بأس»(9) و عن علي (عليه السلام) «أنّه كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك»(10) و لتعذّر الاحتراز من دم البقّ و البراغيث.6.

ص: 112


1- سنن الدار قطني 127:1، مسند أبي يعلى الموصلي 185:3 ح 1611، السنن الكبرى 14:1.
2- الكافي 53:3 ح 1، التهذيب 251:1 ح 725.
3- التهذيب 14:1 ح 30، الاستبصار 85:1 ح 269.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 59.
5- سنن الدارمي 238:1، سنن أبي داود: 98:1 ح 358.
6- التهذيب 255:1 ح 741، الاستبصار 176:1 ح 613.
7- الخلاف 491:1 المسألة: 232.
8- المعتبر 422:1.
9- التهذيب 255:1 ح 740، الاستبصار 176:1 ح 611.
10- الكافي 59:3 ح 4، التهذيب 260:1 ح 755، مستطرفات السرائر: 486.

و ما في المبسوط و الجمل(1) مدفوع بدعوى الإجماع في الخلاف(2).

و الدم المتخلف في اللحم، بعد الذبح و القذف المعتاد طاهر و ان كان في العروق.

الخامس: الميتة من ذي النفس مطلقا،

إجماعا، و لقول الصادق (عليه السلام): «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائله»(3).

و كذا ميّت الآدمي، للأمر بغسله و الاغتسال من مسّه، و للأمر بغسل الثوب الملاقي في رواية إبراهيم بن ميمون عن الصادق (عليه السلام)(4).

و كل ما قطع من الحيوان مما تحلّه الحياة بحكم الميتة، لمساواة الجزء الكل.

و الحجة بأنّه لو كان نجسا لما طهر بالغسل، معارضة: بأنّه لو كان طاهرا لما أمر بغسله، و جاز اختلاف النجاسات في قبول الطهارة و عدمها بوضع الشرع.

و ان قلنا بنجاسته حكما فلا اشكال.

السادس و السابع: الكلب و الخنزير،

و هما نجسان عينا و لعابا، إجماعا و للآية في الخنزير(5).

و لقول الصادق (عليه السلام): «إذا مسّ ثوبك كلب، فان كان يابسا فانضحه، و ان كان رطبا فاغسله»(6).

و قول الكاظم (عليه السلام) في ثوب يصيبه الخنزير: «فلينضح ما أصابه، إلاّ أن يكون فيه أثر فليغسله»(7).

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن

ص: 113


1- المبسوط 35:1، الجمل و العقود: 171، حيث أفتى بنجاسة دم غير ذي النفس.
2- الخلاف 476:1 المسألة: 219، حيث قال بعدم نجاسة دم غير ذي النفس.
3- الكافي 5:1 ح 4، التهذيب 231:1 ح 668، و 669، الاستبصار 26:1 ح 67.
4- الكافي 61:3 ح 5، و 161 ح 7، التهذيب 276:1 ح 811.
5- سورة الانعام: 145.
6- الكافي 60:3 ح 1، التهذيب 260:1 ح 756.
7- الكافي 61:3 ح 1، التهذيب 261:1 ح 760، باختصار في الألفاظ.

يغسله»(1).

و قول الكاظم (عليه السلام) في خنزير يشرب من إناء: «يغسل سبع مرّات»(2).

و ينجس منهما ما لا تحلّه الحياة أيضا، لدخولهما في مسمّاهما.

و لقول الصادق (عليه السلام) لبرد الإسكاف: «اغسل يدك إذا مسسته كما تمس الكلب»(3).

و المرتضى: يمنع الدخول كعظم الميتة(4).

و ردّ بأن المنجّس في الميتة صفة الموت و فيهما نفس الذات.

و قال الصدوق: يرش ما أصابه كلب الصيد برطوبة، و يغسل ما أصابه غيره(5).

و هو مدفوع بالخبر السالف، لشموله.

الثامن: المسكرات،

و الأكثر على نجاستها، و نقل المرتضى فيه الإجماع، للآية(6) - و الرجس: النجس - و للأمر باجتنابه.

و لقول الصادق (عليه السلام): «لا تصل في ثوب أصابه خمر، أو مسكر، حتى يغسل»(7).

و الصدوق، و ابن أبي عقيل، و الجعفي، تمسّكوا بأحاديث لا تعارض

ص: 114


1- مسند أحمد 427:2، صحيح مسلم 234:1 ح 279، سنن أبي داود 19:1 ح 71.
2- التهذيب 261:1 ح 760.
3- التهذيب 382:6 ح 1130، باختصار في ألفاظه.
4- الناصريات: 218 المسألة 19.
5- الفقيه 43:1.
6- الناصريات: 217 المسألة 16. و الآية في سورة المائدة: 90. و الآية في سورة المائدة: 90.
7- التهذيب 278:1 ح 817، الاستبصار 189:1 ح 660.

القطعي(1).

و في حكمها العصير إذا غلى و اشتدّ، في قول ابن حمزة(2).

و في المعتبر: يحرم مع الغليان حتى يذهب الثلثان، و لا ينجس إلاّ مع الاشتداد(3). فكأنه يرى الشدّة المطربة، إذ الثخانة(4) حاصلة بمجرد الغليان.

و توقف الفاضل في نهايته(5).

و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة، و لا نص على نجاسة غير المسكر، و هو منتف هنا.

التاسع: الفقّاع،

لأنّه خمر مجهول، كما قاله الصادق(6) و الرضا(7) عليهما السلام. و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه نهى عن السكركة(8) و هي خمر الحبشة. و عن علي (عليه السلام): «هي خمر استصغرها الناس»(9).

و قول الجعفي: يحل بعض الفقّاع، نادر لا عبرة به، مع منع تسمية ما وصفه فقّاعا.

العاشر: الكافر،

أصليا، أو مرتدا، أو منتحل الإسلام جاحدا لبعض ضرورياته كالخوارج و الغلاة، لقوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (10) و الإضمار خلاف الأصل، و قد قال تعالى في اليهود و النصارى:

ص: 115


1- الصدوق في الفقيه 43:1، و حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة: 58.
2- لم نلاحظه في الوسيلة، و لعله في كتابه الآخر: الواسطة، لاحظ: مفتاح الكرامة 141:1.
3- المعتبر 424:1.
4- في س: النجاسة.
5- ما في نهاية الإحكام 272:1 حكم صريح بالنجاسة، و ما أثبته المصنف عن العلامة أنظره في تذكرة الفقهاء 7:1.
6- الكافي 423:6 ح 7، التهذيب 282:1 ح 828.
7- الكافي 422:6 ح 1، التهذيب 125:9 ح 539 الاستبصار 95:4 ح 368.
8- سنن أبي داود 328:3 ح 3685 و في النسخ الثلاث الاسكركة.
9- الكافي 423:6 ح 9، التهذيب 125:9 ح 540، الاستبصار 95:4 ح 369.
10- سورة التوبة: 28.

فَتَعالَى اَللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ (1).

و لقوله تعالى كَذلِكَ يَجْعَلُ اَللّهُ اَلرِّجْسَ عَلَى اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (2).

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في آنيتهم: «لا تأكلوا فيها إلاّ أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها ثم كلوا فيها»(3).

و قول الباقر (عليه السلام): «ان صافحك بيده فاغسل يدك»(4).

و نهى الصادق (عليه السلام) عن سؤره(5).

و رواية عمار عنه (عليه السلام) بالشرب من مشرب يهودي تقية(6). و حملها الشيخ على من يظنه يهوديا أو على من أسلم(7).

و اما الخوارج و الغلاة فلارتكابهم ما علم من الدين بطلانه ضرورة.

و روى علي بن إسماعيل الميثمي، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:) دخل رجل محصور عظيم البطن، فجلس معه على سريره، فحيّاه و رحّب به، فلمّا قام قال: «هذا من الخوارج، فما هو؟» قلت:

مشرك. فقال: «مشرك و اللّه، أي و اللّه مشرك»(8).).

ص: 116


1- سورة الأعراف: 190.
2- سورة الأنعام: 125.
3- الجامع الصحيح 129:4 ح 1560، المستدرك على الصحيحين 143:1، السنن الكبرى 1: 33.
4- الكافي 475:2 ح 10، التهذيب 262:1 ح 764.
5- الكافي 11:3 ح 6، التهذيب 223:1 ح 639، الاستبصار 18:1 ح 37.
6- التهذيب 223:1 ح 641، الاستبصار 18:1 ح 38.
7- راجع الهامش السابق.
8- لم نعثر عليها و لعله انفرد بروايتها الشهيد (قدس).
مسائل:
الاولى: لا فرق بين فضلات الناس، و كذا الدم،

للعموم. و لم يثبت أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرّ أم أيمن على شرب البول(1) و لا إقرار أبي ظبية(2)، بل روي انه قال: «لا تعد، الدّم كله حرام»(3).

الثانية طهارة فضلة مأكول اللحم و فضلة غير ذي النفس

فضلة المأكول طاهرة، لما مرّ، و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله العرنيين بشرب أبوال الإبل(4)، و كذا فضلة غير ذي النفس، لطهارة دمه.

الثالثة: الحب الخارج من المغتذي طاهر ما لم يستحل،

و حدّه زوال اسمه لا عدم نباته في الأقوى. و كذا الدود المستحيل في الفضلة، و الزرع و الشجر الناميان على النجاسة أو المنجس، للاستحالة.

الرابعة: رطوبة الفرجين طاهرة،

و كذا الدبر، للأصل. و كذا الرطوبة الخارجة من المعدة و لم تستحل، و البلغم و الصفراء و السوداء، و كذا رطوبات الحيوان غير الثلاثة و الفضلتين، للأصل.

الخامسة: الإنفحة طاهرة من الميتة و المذبوحة

الخامسة: الإنفحة(5) طاهرة من الميتة و المذبوحة و ان أكلت السخلة غير

ص: 117


1- المستدرك على الصحيحين 63:4، حلية الأولياء 62:2.
2- في تلخيص الحبير: أبو طيبة، و يترجم الاسمان في كتب التراجم على ان الأول حجام النبي صلّى اللّه عليه و آله و الثاني صاحب منحته، و لعل المراد في الحديث الأول، بقرينة الحجامة. راجع: أسد الغابة 236:5، الاستيعاب 118:4، 119، الإصابة 114:4، 119، الكنى و الأسماء 1: 40.
3- راجع في أصل الحديث و رواته: تلخيص الحبير 179:1.
4- مسند أحمد 287:3 صحيح البخاري 67:1، صحيح مسلم 1296:3 ح 1671، سنن ابن ماجة 861:2 ح 2578، سنن أبي داود 13:4 ح 4364، الجامع الصحيح 106:1 ح 72، و العرنيين حي من بجيلة من قحطان، و قيل: حي من قضاعة. لاحظ: الأنساب للسمعاني 8: 441، معجم قبائل العرب 776:2.
5- الانفحة: شيء يخرج من بطن الجدي أصفر، يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن. مجمع البحرين - مادة نفح.

اللبن: و الأولى: تطهير ظاهرها من الميتة، للملاقاة.

و في لبن الميتة روايتان(1) أصحهما الطهارة، و نقل الشيخ فيه الإجماع(2).

السادسة: القيح طاهر، و الصديد

ان خلا عن الدم، و كذا المسك - إجماعا - و فارته و ان أخذت من غير المذكّى، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يتطيب به(3).

و لو اشتبه الدم الطاهر بالنجس، فالأصل: الطهارة، و كذا باقي النجاسات.

السابعة: نجاسة الميت ذاتية

في وجه لتعدّيه، و طهره كما مر. أما غير الآدمي فلا ريب في عدم طهارته بالغسل.

الثامنة: ما لا تحلّه الحياة من الميتة طاهر

- كالصوف، و الريش، و العظم - لعدم صدق الاسم، إلاّ الثلاثة.

التاسعة: لا ينجس الطعام بموت المتولّد فيه

من الدود و شبهه، لطهارته و ان حرم أكله، لاستخباثه.

العاشرة: الجنين إن حلّ فطاهر، و إلاّ فنجس و إن كان مضغة.

و بيض المأكول و غيره طاهر و لو من الميتة إذا اكتسى القيض، للرواية عن علي (عليه السلام).

الحادية عشرة: المسكرات الجامدة بالأصالة طاهرة،

فلا ينجّس السيلان العارض، كما لا يطهر الجمود المائع بالأصالة. و الخمر في حب العنب نجس.

الثانية عشرة: المتولد من الكلب و الخنزير نجس

- في الأقوى - لنجاسة

ص: 118


1- لاحظ الكافي 258:6 ح 3، الفقيه 216:3 ح 1006، التهذيب 76:1 ح 324، 325، الاستبصار 89:4 ح 340.
2- الخلاف 520:1 المسألة: 262.
3- الكافي 514:6 ح 2، مسند أحمد 186:6، صحيح مسلم 849:2 ح 1192، الجامع الصحيح 259:3 ح 917، سنن النسائي 138:5.

اصلية. و الأولى في ولوغه: التراب مع السبع، أخذا بالأمرين، إلاّ مع خلوص التسمية بأحدهما. و لو طهر أحد أصليه تبع الاسم.

الثالثة عشرة: كلب الماء طاهر

- في الأقوى - حملا للّفظ على الحقيقة.

و قيل: بالنجاسة، لشمول اللفظ.

الرابعة عشرة: ولد الكافرين نجس.

و لو سباه مسلم و قلنا بالتبعية، طهر و إلاّ فلا، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

الخامسة عشرة: آنية المشركين و ما في أيديهم طاهرة مع جهل النجاسة،

للأصل، و خبر النظيف(1).

و الخبر السالف بغسلها(2) محمول على علم المباشرة برطوبة، و كذا قول الباقر (عليه السلام) في آنية أهل الذمة و المجوس: «لا تأكلوا فيها»(3). و لم يصح وضوء النبي صلّى اللّه عليه و آله من مزادة مشرك(4). و وضوء عمر من جرّة نصرانية مستند إلى رأيه(5).

و يلحق بذلك ما ظن نجاسته و لم يثبت،
اشارة

و هو اثنا عشر، ذكر منها في الأسئار سبعة، و لنذكر هنا خمسة:

أولها: ذرق الدجاج غير الجلاّل

- في المشهور - لحلّ لحمه، و لقول الباقر (عليه السلام): «لا بأس بخرء الدجاج»(6).

و نجّسه الشيخان(7) - إلا في كتابي الحديث(8) - لمكاتبة فارس(9) و تحمل على

ص: 119


1- تقدم في ص 111 الهامش 8.
2- تقدم في ص 116 الهامش 3.
3- الكافي 264:6 ح 5، التهذيب 88:9 ح 372.
4- سبل السلام 46:1.
5- الام 8:1، سنن الدار قطني 32:1، السنن الكبرى 32:1، معرفة السنن و الآثار 181:1.
6- التهذيب 283:1 ح 831، الاستبصار 177:1 ح 618.
7- المقنعة: 10، المبسوط 36:1، النهاية: 51، الخلاف 485:1 المسألة: 230.
8- التهذيب 284:1، الاستبصار 178:1.
9- التهذيب 266:1 ح 782، الاستبصار 178:1 ح 619.

الجلاّل مع انها مقطوعة، و الراوي غال.

و ثانيها: لبن البنت،

للرواية عن علي (عليه السلام)(1). و تحمل على الندب(2).

و ثالثها: القيء،

لرواية عمار(3)، و نقل الشيخ نجاسته(4).

و رابعها: عرق الإبل الجلاّلة، و الجنب من الحرام

- في المشهور - للأصل.

و الخبر الصحيح عن الصادق (عليه السلام) بغسل عرق الإبل الجلاّلة(5)يحمل على الندب.

و الخبر عنه بغسل ثوب الجنب(6) يحمل على نجاسته، و هو أولى من حمله على الجنابة من الحرام.

و الشيخ نقل في الخلاف الإجماع على نجاسة عرق الحرام(7). و في المبسوط: نسبه الى رواية الأصحاب، و قوّى الكراهية(8) و لعلّه ما رواه محمد بن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد الكفرتوثي: أنّه كان يقول بالوقف، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام)، و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ يصلّي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (عليه السلام) حركه أبو الحسن (عليه السلام) بمقرعة، و قال مبتدئا: «إن كان من حلال فصلّ فيه، و ان كان من حرام فلا تصلّ فيه».

و روى الكليني بإسناده إلى الرضا (عليه السلام) في الحمام: «يغتسل فيه

ص: 120


1- الفقيه 40:1 ح 157، التهذيب 250:1 ح 718، الاستبصار 173:1 ح 601.
2- الفرع في م هكذا: لبن البنت، و الرواية عن علي (عليه السلام) تحمل على الندب.
3- الكافي 406:3، التهذيب 324:1 ح 1340، و 358:2 ح 1484.
4- المبسوط 38:1.
5- الكافي 251:6، التهذيب 263:1 ح 767.
6- الفقيه 40:1 ح 155، التهذيب 271:1 ح 799، الاستبصار 187:1 ح 655.
7- الخلاف 483:1 المسألة: 227، و فيه: «تحرم الصلاة فيه».
8- المبسوط 38:1.

الجنب من الحرام»(1).

و عن أبي الحسن (عليه السلام): «لا تغتسل من غسالته، فإنه يغتسل فيه من الزنا»(2).

أمّا عرق الجنب من الحلال، و الحائض، و النفساء، و المستحاضة، فطاهر إجماعا، قاله في المعتبر(3).

و خامسها: المذي

- في المشهور - و نقل فيه الإجماع، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس بشيء»(4) و قول الصادق (عليه السلام): «انما هو بمنزلة النخامة»(5) و لمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(6).

و ابن الجنيد: ينجّس المذي عقيب الشهوة و ينقض الطهارة(7)، لرواية الحسين بن أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام): «فاغسله»(8).

و في السند منع، و يحمل على الندب.

و الودي - بالمهملة - الخارج عقيب البول، و الوذي - بالمعجمة - عقيب المني، طاهران.

و الحديد طاهر إجماعا. و قول الصادق (عليه السلام) في من حلق شعره أو قص ظفره بالحديد: «عليه أن يمسحه بالماء»(9) محمول على الندب، و ما في

ص: 121


1- الكافي 503:6 ح 38.
2- الكافي 498:6 ح 10.
3- المعتبر 415:1.
4- التهذيب 17:1 ح 39، الاستبصار 91:1 ح 292.
5- الكافي 39:3 ح 1، علل الشرائع: 295:1، التهذيب 21:1 ح 52، الاستبصار 94:1 ح 205.
6- التهذيب 19:1 ح 47، الاستبصار 93:1 ح 300.
7- المعتبر 417:1، مختلف الشيعة: 18.
8- التهذيب 235:1 ح 731، الاستبصار 174:1 ح 606.
9- التهذيب 425:1 ح 1353، الاستبصار 96:1 ح 311.

الرواية: «ان الحديث نجس»(1) لتأكيد الاستحباب.

في أحكام النجاسات، و فيها بحوث:
اشارة

و أمّا الحكم ففيه عشرون بحثا:

الأول: يجب ازالة ما عدا الدم عن الثوب و البدن،

للصلاة، و الطواف، و دخول المساجد مع التلويث، لعموم وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2) و قول النبي (عليه السلام): «جنّبوا مساجدكم النجاسة»(3).

و منه يعلم وجوب إزالتها عن المساجد، و هو فرض كفاية.

هذا مع التلويث، أمّا مع عدمه فلا، لجواز دخول الحائض و المستحاضة المسجد و الأطفال و هم لا ينفكون عن النجاسة غالبا، و منع الكافر لغلظ نجاسته أو لأنّه معرّض للتلويث.

و قال في الخلاف: لا يجوز للجنب و الحائض دخول المسجد بالإجماع، و لم يعتبر التلويث. ثم قال: لا خلاف في ان المساجد يجب ان تجنّب النجاسات(4).

و يجب إزالة النجاسة أيضا:

عن مسجد الجبهة، للنص(5).

و عن المصلّى بأسره عند المرتضى(6)، و المساجد السبعة عند أبي الصلاح(7).

و الأقرب: العدم، لدعوى الشيخ الإجماع على ذلك(8)، و لتجويز الصلاة على

ص: 122


1- التهذيب 425:1 ح 1353، الاستبصار 96:1 ح 311.
2- سورة المدثر: 4.
3- لاحظناه في تذكرة الفقهاء 91:1.
4- الخلاف 513:1 المسألة: 258، 528، 260.
5- قال في جواهر الكلام - بعد أن حكى كلام الشهيد - 100:6: لعل المراد به موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام)، و هي في التهذيب 272:1 ح 802، الاستبصار 193:1 ح 675.
6- المعتبر 431:1.
7- الكافي في الفقه: 106.
8- الخلاف 502:1 المسألة: 242.

الشاذ كونة(1) عليها الجنابة بنص الباقر و الصادق (عليهما السلام)(2)، و لا يستقر الوجوب في شيء من ذلك إلاّ مع تعيّن الحاجة إليه.

و عن كلّ مستعمل برطوبة، في أكل أو شرب، أو ضوء تحت ظل، لتحريم النجس، و النص(3).

و عمّا أمر الشرع بتعظيمه، كالمصحف، و الضرائح المقدّسة.

و الواجب ذهاب العين و الأثر، و لا عبرة بالرائحة و اللون، لعسر الإزالة، دفعا للحرج، و الرواية(4). و يستحب صبغه بالمشق - بكسر الميم و إسكان الشين - و هو المغرة(5) - بتحريك الغين المعجمة - و شبهه، للنص(6) لتزول صورته من النفس. و يستحبّ حتّ دم الحيض و قرصه(7) و ليسا بشرطين في الغسل.

و لا يجب العصر في غير القليل من الماء. و فيه يجب، لوجوب إخراج النجاسة، و الأولى: الشرطية، لظن انفصال النجاسة مع الماء بخلاف الجفاف المجرد. أمّا بول الصبي فيكفي الصب عليه، للنص(8). و في بول الصبية قول بالمساواة، و العصر أولى.

الثاني: انما يطهر بالغسل العددي ما يمكن فصل الغسالة عنه

كالثوب و يجزئ في الثخين كاللحاف: الدقّ و الغمز، للرواية(9) - فلا تطهر المائعات

ص: 123


1- الشاذكونة: ثياب غلاظ مضرّبة تعمل باليمن، و قيل: انها حصير صغير يتخذ للافتراش. مجمع البحرين - مادة شذك.
2- التهذيب 274:1 ح 806، و 369:2 ح 1537، الاستبصار 393:1 ح 1499، و ح 1500.
3- التهذيب 372:2 ح 1548.
4- الكافي 17:3 ح 9، التهذيب 28:1 ح 75.
5- المغرة: الطين الأحمر الذي يصبغ به. مجمع البحرين - مادة مغر.
6- التهذيب 257:1 ح 746.
7- القرص: الغسل بأطراف الأصابع.. و قيل: هو القلع بالظفر و نحوه. مجمع البحرين - مادة قرص.
8- الكافي 56:3 ح 6، التهذيب 249:1 ح 715، الاستبصار 173:1 ح 602.
9- قال البحراني في الحدائق الناضرة 370:6: و الذي وقفت عليه مما يتعلق بهذا المقام روايات ثلاث، و هي لا تعرض في شيء منها لما ذكروه من الدق و التغميز و التقليب. و قال الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام 144:6: و لم نعثر فيما وصل إلينا من الروايات على شيء من ذلك.

و القرطاس و الطين و لو ضربت بالماء إلاّ في الكثير.

و في طهارة الدهن في الكثير وجه اختاره الفاضل في تذكرته، و كذا العجين إذا رقّق و تخلّله الماء(1)، و في صحاح ابن أبي عمير المرسلة عن الصادق (عليه السلام) طهره بالخبز(2) و البيع(3) و الدفن(4) و هي مشعرة بسد باب طهارته بالماء، إلاّ أن يقيّد بالمعهود من القليل.

و الظاهر: طهارة الحنطة و اللحم و شبهه - مما طبخ بالماء النجس - بالكثير إذا علم التخلل، و كذا الجلد المدهون بالنجس.

و في طهارة الحديد المشرب بالنجس، بتشريبه بالماء الطاهر، احتمال مع كثرة الماء بل و مع قلته، لملاقاة الطاهر ما لاقى النجس. و يمكن طهره كالآجر، لما يأتي.

الثالث: يكفي الغسل مرة في غير الإناء،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في دم الحيض: «حتّيه ثم اغسليه»(5) و كذا أوامر الغسل، و الأمر المطلق لا يقتضي التكرار.

أمّا البول فيجب تثنيته، لقول الصادق (عليه السلام) في الثوب يصيب البول: «اغسله مرتين، الأول: للإزالة، و الثاني: للإنقاء»(6).

و لو قيل في الباقي كذلك كان أولى، لمفهوم الموافقة - فان نجاسة غير البول أشد - و ظاهر التعليل. و تستحب الثالثة، و في المبسوط: لا يراعى العدد إلاّ في

ص: 124


1- تذكرة الفقهاء 9:1.
2- الفقيه 11:1 ح 19، التهذيب 414:1 ح 1304، الاستبصار 29:1 ح 75.
3- التهذيب 414:1 ح 1305، الاستبصار 29:1 ح 76.
4- التهذيب 414:1 ح 1306، الاستبصار 29:1 ح 77.
5- راجع: تلخيص الحبير 47:1، نيل الأوطار 237:1. و ألحت: ان يحك بطرف حجر أو عود مجمع البحرين - مادة حتت.
6- عوالي اللئالي 348:1 ح 131، و راجع الحدائق الناضرة 359:5.

الولوغ(1).

أمّا الإناء، فالإجماع على الثلاث في ولوغ الكلب، و لخبر الفضل عن الصادق (عليه السلام): «اغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء مرتين»(2).

و ابن الجنيد أوجب سبعا(3)، للخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله(4) و لقول الصادق (عليه السلام): «يغسل من الخمر سبعا، و كذا الكلب»(5).

و يعارض بما روي من التخيير بينها و بين الخمس و الثلاث(6)، فيحمل على الندب.

و يجب التراب في الأولى، لخبر الفضل(7). و المفيد: الوسطى(8).

و الراوندي و ابن إدريس: تمزج بالماء، تحصيلا لحقيقة الغسل(9).

قلنا: لا ريب في انتفاء الحقيقة على التقديرين، و الخبر مطلق فلا ترجيح، و ازالة اللعاب حاصلة بهما.

و لا يجزئ غير التراب إلاّ للضرورة، للنص. و ابن الجنيد خيّر(10).4.

ص: 125


1- المبسوط 37:1.
2- أخرجه المحقق في المعتبر 458:1، و العلامة في مختلف الشيعة: 63. و في التهذيب 225:1 ح 646، الاستبصار 19:1 ح 40، بدون كلمة: «مرتين». راجع في ذلك: الحدائق الناضرة 5: 477، جواهر الكلام 355:6.
3- المعتبر 458:1.
4- صحيح مسلم 234:1 ح 90، 91، الجامع الصحيح 151:1 ح 91، سنن الدار قطني 1: 63، السنن الكبرى 240:1.
5- التهذيب 116:9 ح 502.
6- سنن الدار قطني 65:1، السنن الكبرى 240:1.
7- راجع الهامش 5.
8- المقنعة: 9.
9- السرائر: 15.
10- مختلف الشيعة: 64.

و مباشرة الكلب بباقي أعضائه كولوغه، عند المفيد(1) و ابن بابويه(2).

و المشهور خلافه.

و الأولى اعتبار تقدّم التراب في الجاري و الكثير - ثم لا يشترط فيهما العدد، خلافا للشيخ(3) - لإطلاق الأمر بالتراب، و لعلّه تعبّد. و لو قلنا: إنّه لإزالة النجاسة، كفى زوالها.

و هو اختيار الفاضل، لظاهر رواية عمار عن الصادق (عليه السلام) في غسل الإناء: «بماء يصبّ فيه ثم يحرّك فيه، ثم يفرغ ثم يصبّ فيه ماء ثم يفرغ، ثم يصب فيه ماء آخر»(4)، فان مفهومه: ان العدد مع صب الماء.

و لا يتكرر الغسل بتكرر الولوغ. نعم، يعاد بولوغ في الأثناء. و لو نجس بغيره في الأثناء، كفى الإتمام إن لم نوجب الثلاث في الإناء، و إلاّ استؤنف ثلاثا بالماء.

و لا يعتبر التراب فيما نجس بماء الولوغ، و لا الجفاف، خلافا للشيخ(5).

و الخنزير لا يساويه، خلافا للشيخ في المبسوط، لتسميته كلبا، و لعدم الفارق(6).

و الأقرب: السبع فيه بالماء، لنص الكاظم (عليه السلام)(7).0.

ص: 126


1- المقنعة: 9.
2- الفقيه: 8:1، المقنع: 12.
3- المبسوط 14:1، الخلاف 181:1 المسألة: 136.
4- مختلف الشيعة: 64. و حديث الصادق (عليه السلام) في التهذيب 284:1 ح 832.
5- لعل المراد ب (الشيخ): المفيد - بخلاف المتعارف من إطلاق (الشيخ) على الطوسي - فيه و بالصدوقين انحصر اعتبار الجفاف - راجع: المقنعة: 9، الفقيه 8:1، المعتبر 458:1، الحدائق الناضرة: 483:5.
6- المبسوط 15:1، الخلاف 186:1 المسألة: 143.
7- التهذيب 261:1 ح 760.

و كذا الخمر و المسكر و الجرذ، للخبرين عن الصادق (عليه السلام)(1).

و في المعتبر: ثلاث فيهما، لرواية عمار عن الصادق (عليه السلام) في الخمر، و احتمل فيه أن تحمل السبع على الجرذ فلا يتناول الفأرة، ثم رجع إلى المرة(2) كما يأتي.

و يغسل الإناء من غير ذلك ثلاثا، لرواية عمار عن الصادق (عليه السلام) في الكوز و الإناء: يصب فيه الماء و يفرغ ثلاثا(3).

و في المعتبر و المختلف: يكفي المرّة فيما عدا الولوغ، لحصول الغرض من الإزالة، و ضعف رواية عمار(4).

قلنا: قد يعلم المذهب بالرواية الضعيفة، و خصوصا مع نقل الشيخ الإجماع(5).

و لا ريب في عدم اعتبار العدد في الجاري و الكثير في غير الولوغ.

و قول ابن بابويه: باعتبار المرتين في الراكد دون الجاري(6)، لحسنة محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)(7) محمول على الناقص عن الكر أو على الندب، لتغاير المياه في الجاري، فكأنّه غسل أكثر من مرّة بخلاف الراكد.

و لا فرق في آنية الخمر بين المغضور(8) و غيره، لإطلاق الرواية(9). و نهى0.

ص: 127


1- التهذيب 284:1 ح 832، و 116:9 ح 502.
2- المعتبر 460:1-461. و رواية عمار في التهذيب 283:1 ح 830 و 115:9 ح 501.
3- راجع الهامش 4 صحيفة 126.
4- المعتبر 461:1، مختلف الشيعة: 64.
5- قال في مفتاح الكرامة 197:1 - بعد نقل إجماع الشيخ عن المصنف -: و لعله أشار إلى ما في الخلاف 27:1 المسألة 138 من قوله: إذ مع الغسلات الثلاث يحصل الإجماع على طهارته.. و الشيخ انما استدل على ذلك بالخبر و الاحتياط و لم يستدل بالإجماع.
6- الفقيه: 40:1.
7- التهذيب 250:1 ح 717.
8- المغضور: الإناء المطلي بطين اخضر لازق يمنع خروج شيء منه أو نفوذ شيء إليه، لاحظ: لسان العرب - مادة غضر.
9- الكافي 418:6 ح 3، التهذيب 283:1 ح 829، و 115:9 ح 499، 500.

النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الخشب(1) للتنزيه.

و أمّا البدن فيصبّ عليه مرتين، لقول الصادق (عليه السلام) في البول يصيب الجسد: «يصب عليه مرتين، فإنما هو ماء»(2) و فيه اشعار بعدم الدلك فيه، و لو احتيج الى الدلك في غيره وجب. و يكفي في المرتين تقديرهما كالماء المتصل.

الرابع: تطهر الأرض و الحصر و البواري بتجفيف الشمس،

من نجاسة البول و شبهه، و الخمر في الأقرب، لقول الصادق (عليه السلام): «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(3) و في رواية عمار عنه (عليه السلام): «البول و غيره»(4).

و قال الراوندي و ابن حمزة: يجوز الصلاة عليها و لا تطهر(5). و مال إليه المحقق، لروايتي عمار و علي بن جعفر، عن الصادق و الكاظم عليهما السلام، بجواز الصلاة(6).

و منع الراوندي من طهارة غير الثلاثة(7)، و الخبر يدفعه، لشموله: البناء، و الشجر، و شبههما. نعم، لا يطهر المنقول عادة غير الأخيرين(8) اقتصارا على المتيقن.

و في الخلاف: الريح المزيل للعين تطهّر، و أوّل بإرادة ذهاب الأجزاء

ص: 128


1- راجع الهامش السابق.
2- الكافي 55:3 ح 1، التهذيب 249:1 ح 714.
3- التهذيب 273:1 ح 804، الاستبصار 193:1 ح 677، عن الباقر (عليه السلام).
4- التهذيب 273:1 ح 802، الاستبصار 193:1 ح 675.
5- الوسيلة 76، و حكاه عن الراوندي: المحقق في المعتبر 446:1، و العلامة في مختلف الشيعة: 61.
6- المعتبر 446:1. و رواية عمار تقدمت في الهامش 10، و رواية علي بن جعفر في التهذيب 273:1 ح 803، الاستبصار 193:1، ح 676.
7- مختلف الشيعة: 61.
8- في س: غير الأخير من الحصر و البواري. و لعل (من) تصحيف لعلامة التثنية، و الحصر و البواري مقحمة إذ في «م» وردت تحت: «الأخيرين».

المنجّسة، لحكمه فيه: أنه لا تطهر الأرض بجفاف غير الشمس(1)و قطع في المبسوط بعدم الطهارة بتجفيف الريح، و بطهارة حجر الاستنجاء بالشمس(2).

و لا تطهر المجزرة(3) و الكنيف بالشمس، لبقاء العين غالبا، و كذا كل ما يبقى فيه العين.

الخامس: يطهر باطن القدم و باطن النعل و الخف بالأرض،

سواء مشى عليها أو لا، للخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في النعلين: «فليمسحهما و ليصلّ فيهما»(4).

و قوله (عليه السلام): «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه، فان التراب له طهور»(5).

و قول الباقر (عليه السلام) في العذرة يطؤها برجله: «يمسحها حتى يذهب أثرها»(6).

و لا يشترط جفاف النجاسة، و لا كونها ذات جرم، للعموم. نعم، يشترط طهارة الأرض.

و لا حصر في المشي، و ابن الجنيد: نحو خمس عشرة ذراعا، و هو مروي عن الصادق (عليه السلام)(7).

و حكم الصنادل حكم النعل، لأنّها مما ينتعل.

السادس: لا خلاف في طهارة النّطفة و العلقة و البيضة بصيرورتها حيوانا.

ص: 129


1- الخلاف 218:1 المسألة: 186.
2- المبسوط 17:1، 93.
3- المجزرة: موضع الجزر و نحر الإبل. مجمع البحرين - مادة جزر.
4- سنن أبي داود 175:1 ح 650، شرح معاني الآثار 511:1، السنن الكبرى 402:2.
5- سنن أبي داود 105:1 ح 385، المستدرك على الصحيحين 166:1، السنن الكبرى 430:2.
6- التهذيب 275:1 ح 809.
7- الكافي 38:3 ح 1.

و تطهّر النار ما أحالته رمادا، لنقل الشيخ الإجماع(1) و لكتابة أبي الحسن (عليه السلام) في الجصّ يوقد عليه بالعذرة: «إن الماء و النار قد طهّراه»(2). و كذا الدخان للإجماع على عدم توقّي دواخن الأعيان النجسة.

و لو صار آجرا أو خزفا، طهر عند الشيخ أيضا، لجريانه مجرى الرماد(3).

و كذا لو استحالت العين النجسة - كالعذرة، و الميتة - ترابا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «التراب طهور»(4). و لو صارت ملحا أمكن ذلك، لزوال الاسم و الصورة.

السابع: تطهر الأرض بما لا ينفعل من الماء بالملاقاة.

و في الذنوب(5) قول لنفي الحرج، و لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله به في الحديث المقبول(6). و التأويل بالكر، و ذهاب الرائحة، و الأعداد للشمس، بعيد.

نعم، روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بإلقاء التراب الذي أصابه البول، و صبّ الماء على مكانه(7).

و الشيخ حكم بطهارة الأرض التي يجري عليها و إليها، قال: و يتعدّد بتعدّد البول(8) و تبعه ابن إدريس في الجميع(9).

الثامن: لو طهّر بعض الثوب النجس،

أو شيئا من البدن النجس طهر،

ص: 130


1- الخلاف 500:1 المسألة: 239.
2- الكافي 330:3 ح 3، الفقيه 175:1 ح 829، التهذيب 235:2 ح 928، و 306 ح 1237.
3- الخلاف 499:1 المسألة: 239، المبسوط 94:1.
4- سنن أبي داود 105:1 ح 385، المستدرك على الصحيحين 166:1، السنن الكبرى 4302.
5- الذنوب: في الأصل الدلو العظيم، لا يقال لها ذنوب الا و فيها ماء. مجمع البحرين - مادة ذنب.
6- مسند أحمد 110:3، صحيح البخاري 65:1، صحيح مسلم 336:1 ح 284، مسند أبي عوانة 214:1.
7- سنن أبي داود 104:1 ح 381، سنن الدار قطني 132:1، السنن الكبرى 428:2.
8- المبسوط 92:1.
9- السرائر: 37.

قطع به: الشيخ(1) و المحقق(2) و الفاضل(3). و توهّم السريان مدفوع: بطهارة السمن و الزّيت بإلقاء المنجّس منه خاصّة، و لزوم نجاسة العالم كلّه بنجاسة موضع منه.

التاسع: لو اشتبه موضع النجاسة غسل كل ما يمكن،

لتيقن الخروج عن العهدة و لا يتحرى. و لو كان بعدد غير محصور فلا، للعسر.

العاشر: الظاهر: اشتراط ورود الماء على النجاسة،

لقوته بالعمل، إذ الوارد عامل، و للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل(4)، فلو عكس نجس الماء و لم يطهر. و هذا ممكن في غير الأواني و شبهها مما لا يمكن فيه الورود، الاّ ان يكتفى بأول وروده.

مع ان عدم اعتباره مطلقا متوجه، لأن امتزاج الماء بالنجاسة حاصل على كل تقدير، و الورود لا يخرجه عن كونه ملاقيا للنجاسة.

و في خبر الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى: «ان الماء و النار قد طهّراه»(5) تنبيه عليه.

الحادي عشر: يطهر الكافر بإسلامه إجماعا

- و لو كان عن ردّة فطريّة على الأشبه - لا ما كان قد باشره، و لا ثيابه التي عليه.

الثاني عشر: يطهر الدم بانتقاله إلى البعوض و البرغوث،

لسرعة استحالته الى دمها.

و تطهر البواطن كلّها بزوال العين لرفع الحرج، و هو مروي عن الصادق (عليه السلام) في الأنف عليه الدم: «انما عليه ان يغسل ما ظهر منه»(6) و كان

ص: 131


1- المبسوط 37:1.
2- المعتبر 450:1.
3- تذكرة الفقهاء 9:1.
4- تقدم في ص 72 الهامش 5.
5- الكافي 330:3 ح 3، الفقيه 175:1 ح 829، التهذيب 235:2 ح 928، 304 ح 1227.
6- الكافي 59:3 ح 5، التهذيب 420:1 ح 1330.

السؤال عن باطنه.

و تطهر أدوات الاستنجاء و الاستبراء، و قد مر النزح، و النقص، و التراب في الولوغ. اما الغيبة فلا.

نعم، لو علم المكلّف بالنجاسة، ثم مضى زمان يمكن فيه الإزالة، حكم بالطهارة، لظاهر تنزه المسلم عن النجاسة.

الثالث عشر: طهّر المرتضى الصقيل - كالسيف و المرآة - بالمسح ،

الثالث عشر: طهّر المرتضى الصقيل - كالسيف و المرآة - بالمسح(1)، لصلابتها فلا يتداخلها شيء من النجاسة. و منعه الشيخ، لعدم ورود الشرع به(2).

الرابع عشر: روي عن علي (عليه السلام): «لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق»

الرابع عشر: روي عن علي (عليه السلام): «لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق»(3) و هو في الضعيف، و عمل به ابن الجنيد(4) و حمل على دم طاهر(5). نعم، لو جعل الماء في فيه و غسل به جاز، للخبر عن الكاظم (عليه السلام)(6).

الخامس عشر: لا تتعدّى النجاسة مع اليبوسة،

و هو منصوص في الكلب و الخنزير و الكافر(7).

و في المرسل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «انضحه يابسا»(8) و هو للندب، و حمله ابن حمزة على الوجوب(9) و قال (عليه السلام): «كل يابس ذكي»(10).

ص: 132


1- المعتبر 450:1، مختلف الشيعة: 63.
2- الخلاف 479:1 المسألة: 222.
3- التهذيب 425:1 ح 1350.
4- مختلف الشيعة: 63.
5- العلامة في مختلف الشيعة: 63.
6- التهذيب 423:1 ح 1343.
7- راجع في الموارد الثلاث: الكافي 60:3، التهذيب 260:1 ح 757، 760، 764، قرب الاسناد: 89، 96.
8- الكافي 60:3 ح 1، التهذيب 260:1 ح 756.
9- الوسيلة: 73.
10- التهذيب 49:1 ح 141، الاستبصار 57:1 ح 167.

أمّا الميت فقد قيل بالتعدي مطلقا، لعموم قول الصادق (عليه السلام):

«فاغسل ما أصاب ثوبك منه»(1) و ترك الاستفصال دليل العموم.

و كذا الميتة، لمرسل يونس عن الصادق (عليه السلام)، في مس شيء من السباع أو الثعلب و الأرنب حيا أو ميتا: «يغسل يده»(2). و التسوية بين الحي و الميت تشعر بالاستحباب، لطهارة المذكورة حال الحياة، فيحمل على اليبوسة - للفرق مع الموت - و الرطوبة قطعا.

و الشيخ في المبسوط بعد إطلاقه نجاسة الثوب الملاقي للميت، قال: كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن و كانت يابسة لا يجب غسلها، و انما يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب(3).

و عن الكاظم (عليه السلام) في الثوب يقع على خنزير ميت، أ يصلّي فيه؟ «لا بأس»(4).

و قال (عليه السلام) في كلب ميت يقع عليه الثوب: «ينضحه و يصلّي فيه»(5) و حمله في التهذيب على صيرورته عظما بعد سنة(6)، لقول الصادق (عليه السلام): «عظم الميت إذا جاز سنة فلا بأس»(7). و كل هذا يشعر بعدم النجاسة باليبوسة.

السادس عشر: لا يطهر جلد الميتة بالدباغ،

إجماعا، و به أخبار متواترة، مثل:

قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء»(8).

ص: 133


1- الكافي 61:3 ح 5، 161 ح 7.
2- الكافي 60:3 ح 4، التهذيب 262:1 ح 763، و 816:277.
3- المبسوط 37:1-38.
4- التهذيب 276:1 ح 813 و فيه: «حمار ميت».
5- الفقيه 43:1 ح 169، التهذيب 277:1 ح 815، الاستبصار 192:1 ح 674.
6- التهذيب 276:1 ذيل الحديث 813.
7- الكافي 73:3 ح 13، التهذيب 277:1 ح 814، الاستبصار 192:1 ح 673.
8- شرح معاني الآثار 468:1، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 286:2 ح 1276، نيل الأوطار 78:1 عن البخاري في تاريخه.

و قول الباقر (عليه السلام): «لا، و لا، و لو دبغ سبعين مرة»(1).

و قول الصادق (عليه السلام): «لا تصلّ في شيء منه، و لا شسع»(2).

و الشلمغاني و ابن الجنيد طهّرا بالدبغ ما كان طاهرا في حال الحياة(3) لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أيّما إهاب دبغ فقد طهر»(4) و لخبر شاة ميمونة(5).

و عن الصادق (عليه السلام) في جلد الميتة: «يدبغ و يتوضأ منه، و لا يصلّي فيه»(6).

و الصدوق أرسل عن الصادق (عليه السلام) في جلود الميتة: «تجعل فيها ما شئت من لبن أو سمن، و تتوضأ منه و تشرب، و لا تصلّ فيها»(7).

و لم يذكر الدبغ، و هو أغرب من الأول و أشذ، و الشاذ لا يعارض المتواتر، مع عدم معرفة صحّة السند و صحة معارضه، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام): «زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الاّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(8).

و في صحاح العامة: كتب النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى جهينة: «كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا، فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب8.

ص: 134


1- الفقيه 160:1 ح 750، التهذيب 203:2 ح 794.
2- التهذيب 203:2 ح 793.
3- مختلف الشيعة: 64.
4- المصنف لعبد الرزاق 63:1 ح 190، مسند أحمد 219:1، سنن الدارمي 85:2، صحيح مسلم 277:1 ح 366، سنن ابن ماجة 1193:2 ح 3609، سنن أبي داود 46:4 ح 4123.
5- المصنف لعبد الرزاق 1 62 ح 184، الموطأ 498:2 ح، مسند أحمد 327:1، صحيح مسلم 276:1 ح 363، سنن أبي داود 65:4 ح 4120، سنن النسائي: 178:7.
6- التهذيب 78:9 ح 332، الاستبصار 90:4 ح 343، باختصار في الألفاظ.
7- الفقيه 9:1 ح 15.
8- الكافي 398:3 ح 5، التهذيب 204:2 ح 798.

و لا عصب» و كان ذلك قبل موته بشهر أو شهرين(1) فيكون ناسخا للمتقدم ان صح. و خبر شاة ميمونة(2) أو سودة بنت زمعة(3) مأوّل بقول الصادق (عليه السلام): «ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها، أي:

بالذكاة، و كانت مهزولة»(4) و هو أعرف بالنقل.

و ابن الجنيد و أفق على عدم جواز الصلاة فيه و ان دبغ(5).

و لا ينتفع بجلد الميتة أيضا في اليابس، لعموم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ (6)، و «لا تنتفعوا»(7).

السابع عشر: الأصح وقوع الذكاة على الطاهر في حال الحياة كالسباع،

لعموم إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (8) و قول الصادق (عليه السلام): «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه»(9) فيتطهر بالذكاة.

و المشهور: تحريم استعماله حتى يدبغ. و الفاضلان جعلاه مستحبا، لطهارته، و إلاّ لكان ميتة فلا يطهره الدبغ(10).

و ليكن الدبغ بالطاهر، كالقرظ، و هو: ورق السلم، و الشث - بالشين

ص: 135


1- مسند أحمد 310:4، سنن أبي داود 67:4 ح 4128، الجامع الصحيح 222:4 ح 1729، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 286:2 ح 1274، السنن الكبرى 15:1.
2- راجع ص 134 الهامش 5.
3- الكافي 398:3 ح 6، و 259:6 ح 7، التهذيب 204:2 ح 799.
4- راجع الهامش السابق.
5- مختلف الشيعة: 79.
6- سورة المائدة: 3.
7- راجع ص 133 الهامش 8.
8- سورة المائدة: 3.
9- الكافي 397:3 ح 1، التهذيب 209:2 ح 818، الاستبصار 383:1 ح 1454، باختلاف في ألفاظ الحديث.
10- المعتبر 466:1، مختلف الشيعة: 65.

و الثاء المعجمتين المثلثتين - و هو: نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، قاله الجوهري(1) و قيل: بالباء الموحدة تحت، و هو يشبه الزاج. و الأصل فيهما ما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أ ليس في الشث و القرظ ما يطهره»(2).

و لا يجوز بالنجس، فلا يطهر عند ابن الجنيد(3).

و الأجود: انه يكفي فيما يحتاج إلى الدبغ، و لكن لا يستعمل إلاّ بعد طهارته، لقول الرضا (عليه السلام) في جلود الدارش - بالراء المهملة، و الشين المعجمة -: «لا تصلّ فيه، فإنها تدبغ بخرء الكلاب»(4).

الثامن عشر: عفي عن الدم في الثوب و البدن عما نقص عن سعة الدرهم الوافي.

و هو البغلي - بإسكان الغين - و هو منسوب الى رأس البغل، ضربه للثاني في ولايته بسكة كسرويّة، و زنته ثمانية دوانيق، و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسرويّة، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله، و جرت في المعاملة مع الطبريّة، و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتّخذ الدرهم منهما، و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، و هذه التسمية ذكرها ابن دريد.

و قيل: منسوب الى بغل - قرية بالجامعين - كان يوجد بها دراهم يقرب سعتها من أخمص الراحة، لتقدم الدراهم على الإسلام.

قلنا: لا ريب في تقدّمها، و انّما التسمية حادثة، فالرجوع الى المنقول أولى.

و انما يعفى عنه لصحيح عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام):

«يغسله و لا يعيد صلاته، إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد»(5)و نقل فيه الإجماع(6).

ص: 136


1- الصحاح 285:1.
2- تلخيص الحبير 293:1.
3- المعتبر 466:1، مختلف الشيعة: 65.
4- الكافي 403:3 ح 25، التهذيب 373:2 ح 1552، علل الشرائع: 345.
5- التهذيب 255:1 ح 740، الاستبصار 176:1 ح 611.
6- كالعلامة في مختلف الشيعة: 60.

و الغسل في الرواية ان وجب ينافي الحكم بالعفو.

و المتفرق، المشهور: انه عفو، و إلحاقه بالمجتمع أولى، لظاهر الخبر.

و اعتبر بعضهم المتفاحش(1) و هو: الزائد عن الحد عادة.

و سلار: يعفى عن سعته(2).

و ابن أبي عقيل: إذا كان بسعة الدينار غسله و لم يعد الصلاة(3) لحسن محمد ابن مسلم، قلت له: الدم يكون في الثوب: «لا إعادة ما لم يزد على مقدار الدرهم»(4).

و ابن الجنيد قدّر الدرهم بعقد الإبهام، و طرد الحكم في جميع النجاسات بالعفو عما دونه الا دم الحيض و المني، و قطع بان الثوب لا ينجس بذلك(5).

و يعفى عن دم الجرح و القرح لا يرقأ و ان كثر، لقول الصادق (عليه السلام): «يصلي و ان كانت الدماء تسيل»(6) و صلّى به (عليه السلام) و قال:

«لست أغسل ثوبي حتى تبرأ»(7).

فرع:

لو تعاقب هذا الدم بفترة تسع الصلاة، فالأقرب: إزالته و الصلاة، لزوال الضرورة. و يظهر من الرواية عدمه.6.

ص: 137


1- في س، ط: التفاحش.
2- المراسم: 55.
3- المعتبر 430:1، مختلف الشيعة: 60.
4- الكافي 59:3 ح 3، الفقيه 161:1 ح 758، التهذيب 254:1 ح 736، الاستبصار 175:1 ح 609، باختصار في الألفاظ.
5- مختلف الشيعة: 59.
6- التهذيب 256:1 ح 744، 348 ح 1025، الاستبصار 177:1 ح 615، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام.
7- التهذيب 258:1 ح 747، الاستبصار 177:1 ح 616.

و استثني دم الحيض في المشهور، و هو في موقوف أبي بصير: «لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره الا دم الحيض، فإن قليله و كثيره في الثوب، لمن رآه و من لم يره، سواء»(1).

و الحق به دم الاستحاضة و النفاس(2) لتساويها(3) في إيجاب الغسل، و هو يشعر بالتغليظ، و لأنّ أصل النفاس حيض، و الاستحاضة مشتقة منه.

و ألحق الراوندي و الفاضل دم نجس العين(4) لأن نجاسته لا عفو فيها.

و أنكره ابن إدريس، قضية للظاهر(5).

فروع:

الأول: لو تفشّى الدم، فواحد إن رقّ الثوب، و الا تعدّد.

الثاني: لو أصابه نجاسة أخرى فلا عفو، و ان اصابه مائع طاهر فالعفو قوي، لأن المنجس بشيء لا يزيد عليه، و لمسّ الحاجة.

الثالث: لا فرق بين المسجد و غيره، لما مر من اعتبار التلويث.

و عفي عن مطلق النجاسة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده، لقول الصادق (عليه السلام): «كل ما كان على الإنسان أو معه، مما لا يجوز الصلاة فيه، فلا بأس ان يصلي فيه و ان كان فيه قذر، مثل: القلنسوة، و التكّة، و النعل، و الخفين، و ما أشبه ذلك»(6). و الخبر و ان أرسل الا أنّه متأيّد بغيره و بالعمل.

و اقتصر الراوندي على ما في الرواية و الجورب(7) و لفظ «مثل»، و «ما أشبه1.

ص: 138


1- الكافي 405:3 ح 3، التهذيب 257:1 ح 745.
2- كالشيخ في المبسوط 35:1.
3- في س: لتساويهما.
4- السرائر: 35، مختلف الشيعة: 60.
5- السرائر: 35.
6- التهذيب 275:1 ح 810.
7- مختلف الشيعة: 61.

ذلك» يأباه.

و ألحق الصدوقان العمامة(1). و قيّدها بعضهم بالصغر(2). و اشترط الفاضل كونها في محالها(3) و يمنعه قوله (عليه السلام): «أو معه».

و ظاهرهم اعتبار الملابس، فلا يعفى عن محمول، و الرواية مشعرة بالعموم، و قد أومأ إليه في المعتبر(4).

و عفي عن نجاسة ثوب المربية للصبي ذات الثوب الواحد إذا غسلته كل يوم مرة، عن الصادق (عليه السلام)(5) و الليلة تابعة، و لتتحر إقلال النجاسة بجهدها. و لا يعفى عن نجاسته بغير الصبي، و الأولى: دخول الصبية، للمشقة، و لأن السؤال عن مولود، و دخول المربّي، و المتعدد.

و عفي عن خصيّ يتواتر بوله بعد غسل ثوبه مرّة في النهار، و ان ضعفت الرواية عن الكاظم (عليه السلام)(6) للحرج.

التاسع عشر: لو تعذّر الستر بغير ثوب نجس تعذّر تطهيره،

فالمشهور:

الصلاة عاريا إلا لضرورة، لقول الصادق (عليه السلام): «يطرحه و يومئ»(7).

و حمل قول الصادق و الكاظم (عليهما السلام): «يصلّى فيه»(8) على الضرورة.

و التخيير قوي، لتعارض الستر و القيام، و استيفاء الافعال و المانع.

و روى عمار عن الصادق (عليه السلام): «إعادة ما صلى فيه»(9) و تحمل على

ص: 139


1- الفقيه 42:1، الهداية: 15، و حكاه عن علي بن بابويه: العلامة في مختلف الشيعة: 61.
2- كالراوندي، كما في المعتبر 435:1.
3- تحرير الأحكام 24:1، مختلف الشيعة: 61، منتهى المطلب 174:1.
4- المعتبر 434:1.
5- الفقيه 41:1 ح 161، التهذيب 250:1 ح 719.
6- الكافي 20:3 ح 6، الفقيه 43:1 ح 168، التهذيب 353:1 ح 1051، و 425 ح 1349.
7- التهذيب 406:1 ح 1278، و 223:2 ح 882، الاستبصار 168:1 ح 583.
8- الفقيه 160:1 ح 753، 754، 756، التهذيب 224:2 ح 884، 885.
9- التهذيب 115:1 ح 1279، و 224:2 ح 886، الاستبصار 169:1 ح 587.

الندب.

و لو اشتبه النجس بغيره، صلّى فيما زاد على عدد النجس في المشهور، لحسن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) في الثوبين(1) و عليه يحمل الزائد.

و نقل الشيخ الصلاة عاريا(2) و اختاره ابن إدريس، تفصّيا من شروعه شاكا في الصلاة، و الواجب مقارنة الوجه المقتضي لوجوبه(3).

قلنا: لمّا كان اليقين موقوفا على الجميع قطع بوجوب الجميع - كالصلاة إلى الجهات - فقارن وجه الوجوب، و ما أبعد ما بين الصلاة في الثوب المتيقن النجاسة و الصلاة عاريا هنا.

و لو ضاق الوقت صلّى المحتمل.

و لو كثرت الثياب و شق ذلك، فالتحرّي وجه، للحرج.

و لو حصلت أمارة تظن بها طهارة بعض، أمكن الاقتصار عليه. و الوجه:

الجميع.

و لو فقد أحد المشتبهين صلّى في الآخر و عاريا. و على القول: بجواز الصلاة في متيقن النجاسة، يكفيه الصلاة في الباقي.

العشرون: يعيد المصلّي بنجاسة في بدنه أو ثوبه مع تمكنه

من ثوب طاهر إذا كان عامدا إجماعا، للنهي المفسد للعبادة.

و لو علم ثم نسي حال الصلاة، فخبران عن الصادق (عليه السلام):

أشهرهما إطلاق الإعادة(4) و الآخر إطلاق عدمها(5).

و في مكاتبة مجهولة المروي عنه التقييد بخروج الوقت(6) و اختارها في

ص: 140


1- الفقيه 161:1 ح 757، التهذيب 224:2 ح 887.
2- المبسوط 91:1.
3- السرائر: 37.
4- التهذيب 202:2 ح 792، الاستبصار 182:1 ح 639.
5- التهذيب 424:1 ح 1345، و 360:2 ح 1492، الاستبصار 183:1 ح 642.
6- التهذيب 426:1 ح 1355، الاستبصار 184:1 ح 643.

الإستبصار(1)، لأن المطلق يحمل على المقيد، و فيه جمع ظاهر و ان كانت الإعادة خارج الوقت أظهر، لعدم الإتيان على الوجه، و التضييع بالنسيان.

و لو علم بعد الصلاة سبق النجاسة من غير سبق علم، ففيه خبران صحيحان عن الصادق (عليه السلام) بإطلاق الإعادة(2) و عدمها(3) جمع بينهما بالحمل على الوقت و خارجه.

و الأكثر على عدم الإعادة مطلقا(4) للامتثال المقتضي للإجزاء.

قال في المعتبر: و يؤيده رواية محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) في المني و البول: «و ان نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم صلّيت فيه، ثم رأيته بعد، فلا إعادة عليك»(5).

و لو قيل: لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة و يعيد غيره أمكن، لهذا الخبر.

و لقول الصادق (عليه السلام) في المني تغسله الجارية ثم يوجد: «أعد صلاتك، امّا انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء»(6)، ان لم يكن احداث قول ثالث.

و لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة، فان لم يعلم سبقها طرحها أو غسلها ما لم يكثر الفعل و أتم، و ان احتاج الى فعل كثير استأنف، لأصالة صحة الصلاة الخالية عن معارضة التقدم. و كذا لو أصاب نجاسة في الأثناء و لا يعلم ثم زالت و علم.6.

ص: 141


1- الاستبصار 184:1.
2- التهذيب 202:2 ح 792، الاستبصار 182:1 ح 639.
3- التهذيب 254:1 ح 737، الاستبصار 182:1 ح 637.
4- راجع: النهاية: 52، المعتبر 442:1.
5- المعتبر 442:1. و الرواية في الفقيه 161:1 ح 758، التهذيب 252:1 ح 730، 223:2 ح 880.
6- الكافي 53:3 ح 2، التهذيب 252:1 ح 736.

و في المعتبر بنى ذلك على القولين(1).

امّا لو علم في الأثناء سبقها فلا إشكال في بنائه عليهما، و حينئذ لو علم بعد خروج الوقت و هو متلبس في الصلاة، أمكن عدم التفاته، مصيرا الى استلزامه القضاء المنفي قطعا، و قد نبّه عليه في المعتبر(2).

الحادي و العشرون: قال الفاضل: مراتب إيراد الماء ثلاثة:

النضح المجرد و مع الغلبة، و مع الجريان. و لا حاجة في الرش الى الجريان بل الى النضح و الغلبة، و جعل الرش لبول الرضيع، فاستحب النضح في مواضع منصوصة:

شك النجاسة، و المذي، و الكلب و الخنزير يابسين، و الفأرة الرطبة، و بول الخيل و البغال و الحمير، و عرق الجنب، و بول البعير و الشاة(3).

قلت: و الكافر يابسا، و الكلب ميتا كذلك، و ذو الجرح في المقعدة يجد الصفرة بعد الاستنجاء، عن الرضا (عليه السلام)(4).

و في المبسوط عمّم الحكم في كل نجاسة يابسة باستحباب النضح(5) و قد مرّ.

فروع:
الأول: لو حمل المصلي حيّا طاهرا غير مأكول

- كالصبي - لم تفسد الصلاة، للأصل، و الباطن معفو عنه، و لحمل (النبي صلّى اللّه عليه و آله) امامة بنت أبي العاص و هو يصلي(6) و ركب الحسين (عليه السلام) على ظهره و هو ساجد(7).

ص: 142


1- المعتبر 443:1.
2- المعتبر 433:1.
3- نهاية الإحكام 289:1.
4- الكافي 19:3 ح 3، التهذيب 46:1 ح 131، و 347 ح 1019.
5- المبسوط 38:1.
6- الموطأ 170:1، ترتيب مسند الشافعي 116:1 ح 345، صحيح البخاري 137:1، صحيح مسلم 385:1 ح 543، سنن أبي داود 241:1 ح 917، سنن النسائي 10:3.
7- السنن الكبرى 263:2.

و لو حمل قارورة مشدودة الرأس بالرصاص فيها نجاسة، تردد فيه الشيخ في الخلاف(1) و قطع في المبسوط بالفساد، و قال: لو حمل لبنا نجسا لم تجز صلاته، لأنه حامل لنجاسة(2).

و جوّزه في المعتبر، لأنّه محمول لا تتم فيه الصلاة منفردا، و طالب بدليل منع نجاسة المحمول ما لم تتصل بالثوب و البدن(3).

و في خبر علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليه السلام) - قلع الثؤلول و نتف اللحم في الصلاة(4) - تنبيه على قوله رحمه اللّه.

و على قوله لا حاجة الى شدّ رأسها إذا أمن التعدي، و من اشترطه من العامّة لم يقل بالعفو عما لا تتمّ الصلاة فيه وحده، بل مأخذه القياس على حمل الحيوان(5).

و لو كان مذبوحا فكالقارورة، لصيرورة الظاهر و الباطن سواء بعد الموت.

الثاني: لا يضرّ الحبل المشدود في نجاسة

و ان تحركت بحركته، لعدم اللبس و الحمل، و كذا لو نجس طرف ثوبه الذي لا يقلّه إذا قام - كالعمامة - لخروجه عن حدّ ثوبه الساتر له، قاله في المبسوط(6) و تبعه في المعتبر(7).

الثالث: لو جبر بعظم نجس

وجب قلعه إجماعا، ما لم يخف التلف أو المشقة لنبات اللحم عليه، للحرج. فلو صلّى به مع إمكان القلع بطلت.

قال الشيخ: لأنّه حامل للنجاسة، و يجبره السلطان على ذلك. و لو مات

ص: 143


1- الخلاف 503:1 المسألة: 244.
2- المبسوط 94:1.
3- المعتبر 443:1.
4- الفقيه 164:1 ح 775، التهذيب 378:2 ح 1576، الاستبصار 404:1 ح 1542.
5- المجموع 150:3.
6- المبسوط 94:1.
7- المعتبر 432:1.

قبله لم يجز قلعه، لسقوط التكليف(1).

و يمكن عدم الوجوب مع اكتساء اللحم، لالتحاقها بالباطن.

و حكم الخيط النجس في الجرح حكم العظم.

و ليس له إنبات سنّ نجسة مكان سنّه، و يجوز الطاهرة. و لو كانت سن آدمي، أو جبر بعظم آدمي، أمكن الجواز لطهارته، و لتجويز الصادق (عليه السلام) أخذ سنّ الميت لمن سقطت سنه(2). و ردّ سنّه الساقطة أولى بالجواز، لطهارتها عندنا.

و يمكن المنع في العظم لوجوب دفنه، و إن أوجبنا دفن السنّ توجّه المنع أيضا.

الرابع: حكم في المبسوط بنجاسة تراب القبر المختلط بالميت،

و لو شكّ في اختلاطه استحبّ اجتنابه(3). فكأنّه يرى طهارة ظاهر الميت بالغسل خاصة، و لا يحكم بالطهارة بالاستحالة. و الظاهر: أنّه لمخالطة الدم النجس و غيره، و حكى ذلك عنه في المعتبر(4)، و حمله على قبر كافر بعيد.

الخامس: لو شرب خمرا أو نجسا أو أكل ميتة غير مضطرّ،

أو أدخل دما نجسا أو شبهه تحت جلده، أمكن وجوب إخراج ذلك، لتحريم الاغتذاء به، و انه نجاسة لا لضرورة، و به قطع الفاضل رحمه اللّه(5). و وجه العدم: التحاقه بالباطن، و عليه تتفرّع صحّة الصلاة به.

و في الجمع بين بطلان الصلاة هنا، و صحتّها مع حمل الحيوان غير المأكول بعد، لاختيار حمله نجاسة باطنة فيهما، و إمكان الإزالة. و على قول المحقق في المعتبر(6) تنسحب الصحة في الجميع.

ص: 144


1- المبسوط 92:1.
2- التهذيب 78:9 ح 332.
3- المبسوط 93:1.
4- المعتبر 452:1.
5- تذكرة الفقهاء 98:1.
6- تقدم قوله في ص 143 الهامش 3.
خاتمة: الآنية خمسة:
إحداها: المتّخذة من الذهب و الفضة.

و يحرم استعمالها في الأكل و الشرب إجماعا.

و في الخلاف: يكره استعمالها(1) و الظاهر: انه يريد التحريم كقوله في المبسوط(2).

و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم»(3)، اي: يحدر أو يردد.

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة، و لا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، و لكم في الآخرة»(4) و هو يدل بالإيماء على تحريم استعمالها مطلقا - كالبخور، و الاكتحال، و الطهارة - و ذكر الأكل و الشرب للاهتمام، و كذا قول الصادق (عليه السلام): «لا تأكلوا في آنية الذهب و الفضة»(5).

و لنهي الباقر (عليه السلام) عن آنية الذهب و الفضة(6) و النهي انما يتعلق بالمنافع، و لقول الكاظم (عليه السلام): «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون»(7)، و فيهما إيماء إلى تحريم اتخاذها مطلقا.

و لما فيه من السرف و تعطيل الإنفاق.

ص: 145


1- الخلاف 69:1 المسألة 15.
2- المبسوط 13:1.
3- صحيح البخاري 146:7، صحيح مسلم 1634:3 ح 2065، السنن الكبرى 28:1.
4- صحيح البخاري 99:7، 147، صحيح مسلم 1638:3 ح 2067، السنن الكبرى 1: 28.
5- الكافي 267:6، ح 1، التهذيب 90:9 ح 384.
6- المحاسن: 581 ح 59، الكافي 6: ح 4، التهذيب 90:9 ح 385.
7- الكافي 268:6، المحاسن: 582، 62.

و لتزيين المجالس أولى بالتحريم، لعظم الخيلاء به، و كسر قلوب الفقراء.

و في المساجد و المشاهد نظر، لفحوى النهي، و شعار التعظيم.

و في المفضّض خبران عن الصادق (عليه السلام): انه كره الشرب في الفضة و القداح المفضّضة، و أن يدّهن في مدهن مفضّض(1) و العطف على الشرب في الفضة مشعر بإرادة التحريم.

و قوله (عليه السلام) في التور(2) يكون فيه تماثيل أو فضة: «لا يتوضأ منه، و لا فيه»(3) و النهي للتحريم، و قوله (عليه السلام): «لا بأس بالشرب في المفضّض، و اعزل فاك عن موضع الفضة»(4) فالجمع بالحمل على الكراهية، و استعمال اللفظ فيها و في التحريم في الأول، مجاز يصار إليه بقرينة.

و الأقرب: وجوب عزل الفم، للأمر به.

و في المعتبر: يستحب، لقول الصادق (عليه السلام) في القدح ضبته فضة: «لا بأس، إلاّ أن تكره الفضة فتنزعها منه»(5). و دلالته غير واضحة، لعدم التصريح باستعمال موضع الفضة، و لإمكان اختصاصه بالضبة، و هي: ما يشعب بها الإناء.

أما نحو الحلقة للقصعة، و قبيعة السيف(6) و السلسلة، فإنّه جائز، لما روي في حلقة قصعة النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(7)، و قبيعة سيفه(8) و أنف عرفجة بن2.

ص: 146


1- المحاسن 582، الكافي 267:6 ح 5، الفقيه 222:3 ح 1032، التهذيب 90:9 ح 387.
2- التور: إناء صغير من صفر و خزف يشرب منه و يتوضأ فيه. مجمع البحرين - مادة تور.
3- التهذيب 425:1 ح 1353.
4- التهذيب 91:9 ح 392.
5- المعتبر 455:1. و حديث الصادق (عليه السلام) في التهذيب 91:9 ح 391، المحاسن: 582.
6- قبيعة السيف: ما على مقبضه من فضة أو حديد. مجمع البحرين - مادة قبع.
7- لاحظ: صحيح البخاري 147:7، نيل الأوطار 84:1.
8- مسند أحمد 168:5، سنن الدارمي 221:2.

أسعد(1) بإذن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، ثم اتخذه من ذهب لما أنتن(2).

و كان للكاظم (عليه السلام) مرآة عليها فضة(3).

و قال الصادق (عليه السلام): «كان نعل سيف(4) رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و قائمته فضة(5)، و بين ذلك حلق من فضة، و لدرعه ثلاث حلقات من فضّة: قدامها، و ثنتان خلفها»(6).

و في طريق قوي عن الصادق (عليه السلام): «تحلية السيف بالذهب و الفضة»(7).

و في طريق فيه سهل بن زياد عن الصادق (عليه السلام): «ليس بحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس»(8).

و عن محمد الوراق: انه عرض على الصادق (عليه السلام) قرآنا معشرا بالذهب، و في آخره سورة مكتوبة بالذهب، فلم يعب سوى كتابة القرآن بالذهب، و قال: «لا يعجبني أن يكتب القرآن الا بالسواد كما كتب أول مرة»(9)و عن الصادق (عليه السلام) في ماء الذهب: «لا بأس»(10).

و في التذكرة: يحرم ان انفصل منه شيء بالنار(11).1.

ص: 147


1- عرفجة بن أسعد بن كريب التميمي: له صحبة و معدود في أهل البصرة، أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية، فاتخذ أنفا من ورق فأنتن، فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله - كما نقل في ترجمته بأن يتخذ أنفا من ذهب. راجع أسد الغابة 40:3، تهذيب التهذيب 160:7.
2- مسند أحمد 23:5، مسند أبي داود: 177.
3- المحاسن: 582، الكافي 267:6 ح 2، عيون أخبار الرضا 19:2، التهذيب 91:9 ح 390.
4- نعل السيف: ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة. الصحاح - مادة نعل.
5- قائم السيف و قائمته: مقبضه. الصحاح - مادة قوم.
6- الكافي 475:6 ح 4.
7- الكافي 475:6 ح 5، باختصار في الألفاظ.
8- الكافي 475:6 ح 7.
9- الكافي 460:2 ح 8، التهذيب 367:6 ح 1056.
10- الكافي 476:6 ح 10.
11- تذكرة الفقهاء 68:1.

فروع:

الأول: لا يقطع بتعليل التحريم: بالخيلاء و الفخر و كسر قلوب الفقراء لما يتضمن من السرف و تعطيل المال، لتخلّفه في آنية الجواهر، فيمكن كونه تعبّدا محضا.

الثاني: لا يحرم المأكول و المشروب و إن حرم الاستعمال، لعدم تناول النهي المستعمل، و يخرج عن المعصية بوضعه في غير الإناء، أو بتوبته ثم أكله.

و عن المفيد - رحمه اللّه - تحريمه(1) و يلوح من كلام أبي الصلاح(2). و حديث «يجرجر»(3) محمول على انّه سبب في دخول النار، لامتناع إرادة الحقيقة.

الثالث: التحريم يعمّ النساء إجماعا، قاله في التذكرة، لوجود المقتضي، و لا يلزم من إباحة التحلّي لهن للحاجة إباحة ذلك(4).

الرابع: لا يشترط في تحريم المجمرة(5) اشتماله عليها، بل يكفي مجرد وضع البخور فيها للرائحة، لأنه استعمال.

الخامس: لا تبطل الطهارة منها و لا فيها و ان حرم، لأنّ النهي عن أمر خارج، إذ أخذ الماء ليس جزءا من الطهارة، إذ الشروع فيها بعد وضعه على العضو و صبّ الماء فيها أبلغ في الخروج عن الطهارة. و الفرق بينه، و بين الصلاة في المغصوب: أنّ التصرّف بالقيام و القعود جزء من الصلاة منهي عنه.

السادس: الأقرب: تحريم المكحلة منهما و ظرف الغالية(6)و ان كانت بقدرا.

ص: 148


1- المقنعة: 90.
2- الكافي في الفقه: 278.
3- تقدم في ص 145 الهامش 3.
4- تذكرة الفقهاء 67:1.
5- المجمرة: اسم الشيء الذي يجعل فيه الجمر. الصحاح - مادة جمر.
6- الغالية: ضرب من الطيب مركّب من مسك و عنبر و كافور و دهن البان و عود، و ظرف الغالية: قارورتها. مجمع البحرين - مادة غلا.

الضبة، لصدق الإناء، أما الميل فلا. و لو موّههما(1) بغيرهما حرم، لأنّهما منهما، و العلّة بالفخر و كسر القلب لم تثبت.

السابع: لا يضمن كاسرها الأرش، لأنه لا حرمة لها.

الثامن: هل ضبّة الذهب كالفضة؟ يمكن ذلك كأصل الإناء، و المنع، لقوله (عليه السلام) في الذهب و الحرير: «هذان محرّمان على ذكور أمتي»(2).

التاسع: يصح بيع هذه الآنية، و على المشتري سبكها.

العاشر: لا كراهية في الشرب عن كوز فيها خاتم فضّة، أو إناء فيه دراهم، لعدم الاسم.

و ثانيها: المتّخذ من غير هذين من المعادن و الجواهر،

فيجوز و ان علا ثمنه، للأصل، و لعدم إدراك العامة نفاستها و عدم نفقتها.

و ثالثها: المتّخذ من العظام،

و يشترط طهارة الأصل، فعظم الثلاثة يحرم اتخاذه، و ان أخذ من ميتة وجب تطهيره، و ان لا يكون عظم آدمي، لوجوب دفنه و حرمته. و في حكمه: القرن، و الظلف، و الشعر، و الوبر، و الصوف.

و رابعها: المتّخذ من الجلد،

و يشترط طهارة الأصل، و التذكية.

و خامسها: المتّخذ من غير هذه،

و لا ريب في جوازه.

و يلحق بذلك النظر في آداب الحمّام و الاستطابة:
الأوّل: آداب الحمام

لا يكره اتخاذ الحمّام، و لا بيعه، و لا شراؤه، للأصل، و كان للباقر (عليه السلام) حمام(3).

و يستحب الاستحمام، لدخول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) حمّام الجحفة(4)

ص: 149


1- موّهت الشيء: إذا طليته بفضة أو ذهب. الصحاح - مادة موه.
2- المصنف لابن أبي شيبة 163:8، مسند أحمد 96:1، 115، سنن ابن ماجة 1189:2 ح 3595، سنن أبي داود 50:4 ح 4057، سنن النسائي 160:8، مسند أبي يعلى 235:1 ح 272.
3- الكافي 497:6 ح 7، الفقيه 65:1 ح 250.
4- ترتيب مسند الشافعي 314:1 ح 816.

و دخول علي (عليه السلام)(1)، و كان الباقر (عليه السلام) يدخل حمّامه(2).

و قال علي (عليه السلام): «نعم البيت الحمّام، تذكر فيه النار، و يذهب بالدرن»(3).

و ما روي عنه و عن الصادق (عليهما السلام): «بئس البيت الحمّام، يهتك الستر، و يذهب بالحياء، و يبدي العورة»(4) فالمراد به مع عدم المئزر.

و لتمنع منه النساء إلاّ منفردات، و عليه يحمل نهي النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(5)، و يجوز مع العذر، و تخف الكراهية بالائتزار و إن اجتمعن، عن علي (عليه السلام)(6).

و ليكن يوم الأربعاء - عن الصادق (عليه السلام)(7) - و الجمعة أفضل.

و ليدخله بمئزر، لأمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) به، و كذا سائر المياه، لأنّ لها أهلا(8). و ليعمّ الفخذين، لقول الصادق (عليه السلام): «هما من العورة»(9).

و لو اغتسل خاليا فالستر أفضل و ان كان جائزا. نعم، يجب ستر الفرج، و غضّ البصر و لو عن عورة الكافر، و فيه خبر عن الصادق (عليه السلام)ة.

ص: 150


1- التهذيب 377:1 ح 1166.
2- الكافي 497:6 ح 7، التهذيب 65:1 ح 26.
3- الكافي 496:6 ح 1، الفقيه 63:1 ح 237
4- الفقيه 63:1 ح 238، 239.
5- الفقيه 63:1 ح 240، مسند أحمد 20:1، 321:2.
6- التهذيب 374:1 ح 1146.
7- الفقيه 77:1 ح 345.
8- الفقيه 60:1 ح 225، 226.
9- لعل الشيخ المصنف (قدّس سرّه) انفرد برواية هذه اللفظة، إذ الذي عثرنا عليه في المصادر بلفظ: «كشف السرة و الفخذ و الركبة في المسجد من العورة» كما في قرب الاسناد: 215، و التهذيب 3: 263-742، أو بلفظ «ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه» كما في الخصال 630:2 قطعة من حديث الأربعمائة.

بالجواز(1). و النورة سترة، عن الباقر (عليه السلام)(2).

و لو ترك الستر متعمدا قادرا، فالأشبه: صحة غسله، للامتثال، و خروج المنهي عنه عن حقيقة الغسل.

و ليقل ما نقل عن الصادق (عليه السلام): «فعند نزع الثّياب: اللّهم انزع عني ربقة النفاق، و ثبّتني على الإيمان. و عند دخول البيت الأول: اللّهم إني أعوذ بك من شر نفسي، و أستعيذ بك من أذاه. و عند دخول البيت الثاني: اللّهم أذهب عني الرجس النجس، و طهّر جسدي و قلبي.

ثم يضع الماء الحار على هامته و رجليه، و ابتلاع جرعة منه ينقي المثانة.

و يلبث ساعة في البيت الثاني، و يقول في الثالث - مكررا الى خروجه -: اللّهم إني أعوذ بك من النار، و أسألك الجنة. و ليترك الماء البارد، لأنّه يضعف البدن الا على القدمين، فإنه يسل الداء من الجسد. و عند لبس الثياب: اللّهم ألبسني التقوى، و جنبني الرّدى. فإذا قال ذلك أمن من كل داء»(3).

و لا بأس بالقراءة فيه للمؤتزر - بلا ترديد الصوت - عن الباقر (عليه السلام)، و خصّ نهي علي (عليه السلام) بالعريان(4).

و لا بأس بالمباشرة، عن الكاظم (عليه السلام)(5).

و نهى الصادق (عليه السلام) عن الاتكاء فيه، و التسريح، و غسل الرأس بالطين، اما مطلقا أو طين مصر، و الدّلك بالخزف مطلقا أو بخزف الشام، و مسح الوجه بالإزار، و السواك فيه، معللا: بإذابة شحم الكليتين، و وباء الشعر، و تسميج الوجه، و البرص، و ذهاب ماء الوجه(6).3.

ص: 151


1- الكافي 501:6 ح 27، الفقيه 63:1 ح 236.
2- الكافي 497:6 ح 7، الفقيه 65:1 ح 250.
3- الفقيه 62:1 ح 232، أمالي الصدوق: 297.
4- الكافي 502:6 ح 32 الفقيه 63:1 ح 233، و عبارة: «بلا ترديد الصوت» ليست من الحديث.
5- الكافي 502:6 ح 31، الفقيه 63:1 ح 234، التهذيب 375:1 ح 1155.
6- الكافي 501:6 ح 24، الفقيه 64:1 ح 243.

و نهى الكاظم (عليه السلام) عن دخوله على الريق(1) قال: «و إدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين، و غبّا يكثر اللحم»(2). و عن الصادق (عليه السلام):

دخوله على البطنة يهدم البدن(3).

و أمر الصادق (عليه السلام) بالتعمم عند الخروج، ففعله المأمور شتاء و صيفا(4).

و يستحب الإطلاء خالعا للمئزر، و ليباشر العورة بنفسه، لفعل الصادق (عليه السلام)(5). و نهى عن إخلاء الحمام له، لخفّة مئونة المؤمن(6).

و ليسلّم ذو المئزر لا غير، لتسليم الكاظم (عليه السلام) مؤتزرا(7).

و يستحبّ الخضاب، تأسّيا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)(8). و يجوز تركه، تأسيا بعلي (عليه السلام)، عن زين العابدين (عليه السلام)(9).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «الحناء يجلي البصر، و يكثر الشعر، و يطيب الروح، و يسكن الزوجة»(10).

و عن الصادق (عليه السلام): «يذهب بالسهك(11) و يزيد ماء الوجه، و يطيب النكهة، و يحسن الولد»(12).1.

ص: 152


1- الفقيه 64:1 ح 245.
2- الكافي 496:6 ح 2، الفقيه 65:1 ح 247.
3- المحاسن: 463، الكافي 314:6 ح 6، الفقيه 72:1 ح 300.
4- الكافي 500:6 ح 17، الفقيه 65:1 ح 246.
5- الفقيه 65:1 ح 248.
6- الكافي 503:6 ح 37، الفقيه 65:1 ح 249.
7- قرب الاسناد: 131، الفقيه 65:1 ح 251، التهذيب 374:1 ح 1147.
8- الكافي 497:6 ح 8، الفقيه 66:1 ح 252.
9- الكافي 497:6 ح 8، الفقيه 66:1 ح 252.
10- الكافي 483:6 ح 4، الفقيه 68:1 ح 272، و فيهما: «يطيب الريح».
11- السهك: ريح كريهة توجد من الإنسان إذا عرق. مجمع البحرين - مادة سهك.
12- الكافي 484:6 ح 5، الفقيه 69:1 ح 273، ثواب الأعمال: 38، التهذيب 376:1 ح 1161.

و اختضب الكاظم (عليه السلام) بالسواد، و قال: «ان في الخضاب أجرا، و زيادة في عفّة النساء»(1).

و كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و الباقر يخضبان بالكتم(2).

و روي: «انه كان في رأس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و لحيته سبع عشرة شيبة»(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس بالخضاب كله»(4) يعني: ألوانه كلها.

و قتل الحسين (عليه السلام) مخضوبا بالوسمة(5).

و عن الصادق (عليه السلام): «تجعل نورة على طرف الأنف، و يقال:

اللّهم ارحم سليمان بن داود (عليه السلام) كما أمرنا بالنورة، فلا تحرقه»(6).

و ليقم المتنوّر لخوف الفتق على الجالس(7) و هو: علّة و نتوء في مراق البطن.

و يجوز الاطلاء للجنب.

و عن علي (عليه السلام): يتوقى يوم الأربعاء لا غير(8)، و روي أيضا يوم الجمعة خوف البرص فيه(9).7.

ص: 153


1- الكافي 480:6 ح 1 الفقيه 69:1 ح 276.
2- الكافي 481:6 ح 7، الفقيه 69:1 ح 279. و الكتم: نبت يخلط بالوسمة يختضب به. الصحاح - مادة كتم.
3- الفقيه 69:1 ح 278.
4- الفقيه 69:1 ح 275.
5- الكافي 483:6 ح 5. الوسمة - بكسر السين - العظلم يختضب به، و العظلم: نبت يصبغ به: الصحاح - مادتي وسم، عظلم.
6- الكافي 506:6 ح 13، الفقيه 67:1 ح 256.
7- الفقيه 67:1 ح 257.
8- الفقيه 68:1 ح 266، الخصال: 388.
9- الفقيه 68:1 ح 267.

و السنّة فيها كل خمسة عشر يوما، عن علي (عليه السلام)(1) و نهى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) عن ترك العانة أربعين، و للمرأة عشرون(2).

و عن الصادق (عليه السلام) في شعر الإبط: «حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه»(3).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من اطلى و اختضب بالحناء، آمنه اللّه من الجذام و البرص و الأكلة(4) إلى طلية مثلها»(5).

و روي نفي الفقر إذا تدلّك المطلي بالحناء مستوعبا الى قدمه(6).

و يتأكد الخضاب للنساء و ان طعن في السن(7).

و قال رسول اللّه لعلي (عليهما الصلاة و السلام): «درهم في الخضاب أفضل من الف درهم في سبيل اللّه، و فيه أربعة عشر خصلة: يطرد الريح من الأذنين، و يجلو البصر، و يلين الخياشيم، و يطيب النكهة، و يشد اللثة، و يذهب بالضنى(8)- و روي: بالصفار، و روي: الغثيان - و يقل وسوسة الشيطان، و تفرح به الملائكة، و يستبشر به المؤمن، و يغيظ به الكافر و هو زينة و طيب، و يستحي منه منكر و نكير، و هو براءة له في قبره»(9).

و عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الحلق يزيد في الجمال»(10).7.

ص: 154


1- الكافي 506:6 ح 8، الفقيه 67:1 ح 258.
2- الكافي 506:6 ح 11، الفقيه 67:1 ح 260.
3- الفقيه 68:1 ح 263.
4- الأكلة - بالكسر -: الحكّة. الصحاح - مادة أكل - الأكلة - مقصور -: داء يقع في العضو فيأتكل منه. لسان العرب، مادة أكل.
5- الفقيه 68:1 ح 269، ثواب الأعمال: 39.
6- الكافي 509:6 ح 3، الفقيه 68:1 ح 271، التهذيب 376:1 ح 1161.
7- الفقيه 70:1 ح 283.
8- الضّنى: المرض. الصحاح - مادة ضنا.
9- الكافي 482:6 ح 12، الفقيه 70:1 ح 285، و 267:4 ح 821، الخصال: 497.
10- الفقيه 71:1 ح 287.

و عن الصادق (عليه السلام): «غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص و الجنون»(1).

و عنه (عليه السلام): «انه ينفي الفقر و يزيد في الرزق»(2).

و عن الكاظم (عليه السلام): «غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق»(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «اغسلوا رءوسكم بورق السدر، فإنه قدّسه كل ملك مقرّب و كل نبي مرسل. و من غسل رأسه بورق السدر، صرف اللّه عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما، و من صرف عنه وسوسة الشيطان لم يعص، و من لم يعص دخل الجنة»(4).

و عن الحسن (عليه السلام) للخارج من الحمام: «طاب ما طهر منك، و طهر ما طاب منك»(5).

و عن الصادق (عليه السلام): «طاب حمامك، و جوابه: أنعم اللّه بالك»(6).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «داو الدم بالحجامة، و البلغم بالحمام، و المرّة(7) بالمشي»(8).

و يجوز التدلّك في الحمام بالدقيق الملتوت بالزيت و السويق و النخالة، و لا سرف فيما ينفع البدن، انما السّرف فيما أتلف المال و أضرّ بالبدن، حسب ما روي عن الصادق (عليه السلام)(9).0.

ص: 155


1- الكافي 504:6 ح 2، الفقيه 71:1 ح 290، التهذيب 236:3 ح 624.
2- ثواب الأعمال: 36.
3- الكافي 504:6 ح 6، الفقيه 72:1 ح 295، ثواب الأعمال: 36.
4- الفقيه 72:1 ح 296، ثواب الأعمال: 37.
5- الكافي 500:6 ح 21، الفقيه 72:1 ح 297.
6- الفقيه 72:1 ح 298.
7- المرّة: مزاج من أمزجة البدن، و هي إحدى الطبائع الأربعة. الصحاح و القاموس - مادة مرر.
8- الفقيه 72:1 ح 299.
9- الكافي 499:6 ح 14، التهذيب 376:1 ح 1160.

و يكره دخول الولد مع أبيه الحمام(1) و دخول الباقر مع أبيه، لعصمتهما(2).

الثاني: في الاستطابة،
اشارة

و هي نوعان:

الأول: المطلقة،

و قد مر بعضها كالخضاب و ازالة الشعر، و منها: الطيب، و تقليم الأظفار يوم الجمعة، و أخذ الشارب، و عن الصادق (عليه السلام): انهما أبلغ في استنزال الرزق من التعقيب الى طلوع الشمس(3).

و روى هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام): «القلم يوم الجمعة أمان من الجذام و البرص و العمى، و ان لم تحتج فحكّها حكا»(4). و في خبر آخر: «و ان لم تحتج فأمرّ عليها السّكين و المقراض»(5).

و روى عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر (عليه السلام): «من أخذ من أظفاره و شاربه كل جمعة، و قال حين يأخذه: بسم اللّه و باللّه و على سنّة محمد و آل محمد (عليهم السلام)، لم تسقط منه قلامة و لا جزازة إلا كتب اللّه له بها عتق نسمة، و لم يمرض إلاّ مرضة الموت»(6).

و عن الصادق (عليه السلام): «من قلّم و جزّ طهر إلى الجمعة الأخرى»(7).

و عنه (عليه السلام): «من قلّم يوم الخميس، و أبقى واحدا للجمعة، نفى اللّه عنه الفقر»(8).

و روي: «البدأة يوم الجمعة بخنصر اليسرى، و الختم بخنصر اليمنى»(9).

ص: 156


1- الكافي 501:6 ح 23.
2- الكافي 497:6 ح 8، الفقيه 66:1 ح 252.
3- الفقيه 74:1 ح 311، التهذيب 238:3 ح 630.
4- الكافي 490:6 ح 2، الفقيه 73:1 ح 302، الخصال: 391.
5- الفقيه 73:1 ح 303.
6- الكافي 491:6 ح 9، الفقيه 73:1 ح 304، التهذيب 237:3 ح 627.
7- الكافي 490:6 ح 8، الفقيه 73:1 ح 307.
8- الفقيه 74:1 ح 310، ثواب الأعمال: 41، الخصال 390:2.
9- الفقيه 73:1 ح 305.

و عن الباقر (عليه السلام): «القلم يوم الخميس يدفع الرمد عن الولد»(1)، و روى «يدفع الرمد» مطلقا(2).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من قلم في السبت و الخميس و جز الشارب، عوفي من وجع الضرس و العين»(3).

و عن الصادق (عليه السلام) في تعيين يوم لقلمها: «قصّها إذا طالت»(4).

و يسنّ دفن الشعر و الظفر و الدم(5). و يكره القلم بالسن. و يستحب حك الظفر بعد قصّه و تحسين قصّه.

و الختان واجب في الرجال، مكرمة في النساء. و يستحب عدم الاستيصال، لأنّه أنور للوجه.

و عن الصادق (عليه السلام): «أربعة من أخلاق الأنبياء: التطيّب، و التنظيف بالموسى، و حلق الجسد بالنّورة و كثرة الطروقة(6).

و قال (عليه السلام): «قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، و استحمّوا يوم الأربعاء، و أصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، و تطيّبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة»(7).

و قال (عليه السلام): «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة، و يغتسل و يتنظف(8)و يسرّح، و يلبس أنظف ثيابه، و ليتهيأ للجمعة، و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار»(9).2.

ص: 157


1- الفقيه 74:1 ح 312.
2- الفقيه 74:1 ح 311.
3- الفقيه 74:1 ح 313، ثواب الأعمال: 41.
4- الفقيه 74:1 ح 315.
5- الفقيه 74:1 ح 318.
6- الفقيه 77:1 ح 344.
7- الفقيه 77:1 ح 354، عيون أخبار الرضا 279:1، الخصال: 391.
8- في المصادر: يتطيب.
9- الكافي 417:3 ح 1، الفقيه 64:1 ح 244، التهذيب 10:3 ح 32.

و قال (عليه السلام): «غسل يوم الجمعة طهور، و كفارة لما بينهما من الذنوب»(1) يعني: الجمعة إلى الجمعة.

و عن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ منه: «التمشّط للصلاة»(2).

و قال الصادق (عليه السلام): «مشط الرأس يذهب بالوباء، و مشط اللحية يشدّ الأضراس»(3).

و قال الكاظم (عليه السلام): «إذا سرّحت لحيتك و رأسك، فأمرّ المشط على صدرك، فإنه يذهب بالوباء و الهم»(4).

و قال الصادق (عليه السلام): «من سرّح لحيته سبعين مرة، و عدّها مرة مرة، لم يقربه الشيطان أربعين يوما»(5).

و قال الكاظم (عليه السلام): «تمشّطوا بالعاج فإنه يذهب بالوباء»(6) بالباء الموحدة تحت و الهمزة، و روى البرقي بالنون و القصر(7) و هو: الضعف(8).

و يجوز مشط العاج، عن الصادق (عليه السلام)(9)، كما روي عن الكاظم (عليه السلام)(10).

و قال الصادق (عليه السلام) لإسحاق بن عمار: «استأصل شعرك، يقل6.

ص: 158


1- الفقيه 61:1 ح 229.
2- الكافي 489:6 ح 7، الفقيه 75:1 ح 319. و الآية في سورة الأعراف: 31.
3- الكافي 488:1 ح 1، الفقيه 75:1 ح 320.
4- الكافي 489:6 ح 8، الفقيه 75:1 ح 321.
5- الكافي 489:6 ح 10، الفقيه 75:1 ح 322، ثواب الأعمال: 40.
6- الكافي 488:6 ح 3، الفقيه 323:75:1.
7- أي: الونى.
8- الفقيه 75:1 ح 325.
9- الكافي 489:6 ح 11.
10- راجع الهامش 6.

درنك و دوابك و وسخك، و تغلظ رقبتك، و يجلو بصرك»، و في رواية: «و يستريح بدنك»(1).

و عن الصادق (عليه السلام): «حلق القفا يذهب بالغم»(2).

و قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من اتّخذ شعرا، فليحسن ولايته، أو ليجزّه»(3).

و قال (عليه الصلاة و السلام): «الشعر الحسن من كسوة اللّه تعالى فأكرموه»(4).

و قال الصادق (عليه السلام): «من اتخذ شعرا فلم يفرقه، فرقه اللّه بمنشار من نار. و كان شعر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) وفرا لم يبلغ الفرق»(5)، و هو الى شحمة الاذن.

و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «حفوا الشوارب، و أعفوا اللحى، و لا تتشبهوا باليهود»(6).

و قال (صلّى اللّه عليه و آله): «ان المجوس جزّوا لحاهم و وفروا شواربهم، و اما نحن نجزّ الشوارب و نعفي اللحى، و هي: الفطرة»(7).

و قال الصادق (عليه السلام): «ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار»(8).5.

ص: 159


1- الكافي 484:6 ح 2، الفقيه 75:1 ح 327.
2- الكافي 485:6 ح 7.
3- الكافي 485:6 ح 2، الفقيه 75:1 ح 328.
4- الفقيه 76:1 ح 329.
5- الفقيه 76:1 ح 330، 331.
6- الفقيه 76:1 ح 332.
7- الفقيه 76:1 ح 334.
8- الكافي 486:6 ح 2، الفقيه 76:1 ح 335.

و قال (عليه السلام): «تقبض على لحيتك بيدك و تجزّ ما فضل»(1).

و يكره نتف الشيب، لنهي النبي (صلّى اللّه عليه و آله) عنه(2)، و قال:

«الشيب وقار»(3)، و كان علي (عليه السلام) لا يرى بجزّه بأسا(4).

و أخذ شعر الأنف يحسن الوجه، عن الصادق (عليه السلام)(5).

و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) للنساء: «اتركن من أظافيركنّ فإنه أزين لكنّ»(6).

و قال الصادق (عليه السلام): «لا ينبغي للمرأة ان تعطّل نفسها و لو ان تعلّق في عنقها قلادة»(7).

و روي: ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لعن الواصلة و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة، و الواشرة و المستوشرة، و في رواية بدل الواشمة «النامصة و المنتمصة»(8)، أي: للشعر، و غرز البدن بإبرة و اتباعه بخضاب، و ترقيق الأسنان.

و تنميص الشعر في الفاعلة و القابلة لا لنجاسة الشعر.

قيل: و لا تحريم نظره إذا كان من أجنبية، بل للتهمة لغير المزوّجة و التدليسة.

ص: 160


1- الكافي 487:6 ح 3، الفقيه 76:1 ح 337.
2- الجعفريات: 156، دعائم الإسلام 125:1، سنن الترمذي 125:5-2821، سنن أبي داود 85:4-4202، سنن ابن ماجة 1226:2-3721.
3- علل الشرائع 104:1-1، أمالي الطوسي 310:2، مكارم الأخلاق: 68 و فيها عن الصادق عليه السلام في قصة شيب إبراهيم (عليه السلام).
4- الكافي 492:6 ح 3، الفقيه 77:1 ح 342.
5- الكافي 448:6 ح 1، الفقيه 71:1 ح 298.
6- الكافي 491:6 ح 15، الفقيه 74:1 ح 316.
7- الفقيه 70:1 ح 283، أمالي الصدوق: 324، أمالي الطوسي 52:2.
8- أخرج المتقي الهندي الرواية في كنز العمال 603:16 ح 46020 عن ابن جرير. و روى الصدوق في معاني الأخبار: 250، بإسناده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و اخرج المتقي الهندي في كنز العمال 604:16 ح 46025 عن ابن جرير، رواية تتضمن الجملتين، أي الواشمة و النامصة.

للمزوجة، فعلى هذا لو أذن لم يحرم(1). و هذا كلّه من باب تغيير خلق اللّه.

و روي ان السنن الحنيفية عشر: خمس في الرأس: المضمضة و الاستنشاق، و السواك، و فرق الشعر، و قص الشارب. و خمس في البدن: قصّ الأظفار، و حلق العانة و الإبطين، و الختان، و الاستنجاء(2).

و يتأكد السواك عند الوضوء، و الصلاة، و السحر، و قراءة القرآن، و تغيّر النكهة و لو كان صائما جميع النهار. و يكره على الخلاء، و ان يترك زيادة على ثلاثة أيام.

و عن الصادق (عليه السلام): «فيه اثنتا عشر فائدة: هو من السنّة، و مطهرة للفم، و مجلاة للنظر(3)، و يرضي الرحمن، و يبيّض الأسنان، و يذهب بالحفر(4)، و يشدّ اللثة، و يشهّي الطعام، و يذهب بالبلغم، و يزيد في الحفظ، و يضاعف الحسنات، و تفرح به الملائكة»(5).

و يستحب الاكتحال بالإثمد عند النوم وترا وترا، تأسيا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)(6). و عن الصادق (عليه السلام): «انه أربع في اليمين و ثلاث في اليسار»(7).

و يستحب: فراهة الدابة، و حسن وجه المملوك، و إظهار النعمة.2.

ص: 161


1- كذا في النسخ الثلاث، و لا يخفى أن ما ذكره من الوجه للحرمة، و انه لا حرمة من الاذن، يتناسب مع الواصلة و المستوصلة و ليس مع النامصة و المنتمصة. قال الصدوق بعد نقل الرواية: قال علي بن غراب: النامصة التي تنتف الشعر من الوجه، و المنتمصة التي يفعل بها ذلك.. و الواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، و المستوصلة التي يفعل ذلك بها.
2- الهداية: 17، الخصال: 271، فقه الرضا: 66.
3- في المصادر: «البصر».
4- الحفرة: صفرة تعلو الأسنان، مجمع البحرين - حفر.
5- المحاسن 562 الكافي 495:6، الفقيه 34:1 ح 126، الخصال: 481، ثواب الأعمال: 34.
6- الكافي 493:6 ح 1.
7- الكافي 495:6 ح 12.
النوع الثاني: استطابة الخلوة، و فيها مطلبان:
المطلب الأول كيفية التخلّي و سننه

يستحب ارتياد موضع مناسب، فللبول: المرتفع، أو ذو التراب الكثير، لفعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(1) و فعل الرضا (عليه السلام)، و قال:

«من فقه الرجل ان يرتاد لبوله»(2).

و ابعاد المذهب بحيث لا يرى، لفعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(3) و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «من أتى الغائط فليستتر»(4) و بيت الخلاء كاف.

و الدخول باليسرى و الخروج باليمنى، عكس المكان الشريف.

و ان لا يكشف العورة إلا بعد الدنوّ من الأرض، لفعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(5).

و تغطية الرأس اتفاقا، و لتقنّع الصادق (عليه السلام)(6).

و قول: «بسم اللّه و باللّه، اللّهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث، الرجس النجس الشيطان الرجيم» إذا دخل(7).

و يجب ستر العورة عن الناظر، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «احفظ عورتك، الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»(8).

ص: 162


1- الفقيه 16:1 ح 36، علل الشرائع: 278، التهذيب 33:1 ح 87.
2- التهذيب 33:1 ح 86.
3- سنن ابن ماجة 121:1 ح 335، سنن أبي داود 1:1 ح 2، السنن الكبرى 93:1.
4- مسند أحمد 371:3، السنن الكبرى 94:1.
5- سنن أبي داود 4:1 ح 14، السنن الكبرى 96:1.
6- الفقيه 17:1 ح 41، التهذيب 24:1 ح 62.
7- الكافي 6:3 ح 1، التهذيب 25:1 ح 63.
8- سنن أبي داود 40:4 ح 4017، الجامع الصحيح 110:5 ح 2794، السنن الكبرى 1: 199.

و يحرم استقبال القبلة و استدبارها، في الصحاري و الأبنية - في المشهور - لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، و لكن شرّقوا أو غرّبوا»(1).

و قال الحسن (عليه السلام): «لا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها»(2).

و لتعظيم شعائر اللّه.

و قال المفيد: يكره في الصحاري، لا في الأبنية(3).

و ابن الجنيد: يستحبّ تجنّب القبلة(4)، لأنّه كان في منزل الرضا (عليه السلام) كنيف مستقبل القبلة(5).

و لقول جابر: نهى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ان نستقبل القبلة، ببول، و رأيته قبل ان يقبض بعام يستقبلها(6)، فيكون فعله ناسخا.

و الأول: لا حجة فيه. و الثاني محمول على حالة التنظيف صونا عن المكروه، و لأنّ القول مع التعارض أقوى من الفعل، و جاز أن يكون الراوي ظنّ الاستقبال.

و رواية عائشة انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «استقبلوا بمقعدتي القبلة»(7) لم تثبت، لأنّ الراوي عنها عراك و لم يثبت لقاؤه إيّاها، و كذا استدباره1.

ص: 163


1- التهذيب 25:1 ح 64، الاستبصار 47:1 ح 130.
2- التهذيب 26:1 ح 65، و 33 ح 88، الاستبصار 47:1 ح 131.
3- المقنعة: 4.
4- حكاه عنه: المحقق في المعتبر 122:1، و العلامة في مختلف الشيعة: 19.
5- التهذيب 26:1 ح 66، 352 ح 1043، الاستبصار 47:1 ح 132.
6- سنن ابن ماجة 117:1 ح 325، سنن أبي داود 4:1 ح 13، الجامع الصحيح 15:1 ح 9، السنن الكبرى 92:1.
7- مسند أحمد 137:6، سنن ابن ماجة 117:1 ح 324، سنن الدار قطني 60:1، السنن الكبرى 92:1.

الكعبة(1).

و السبب مجرّد احترام الكعبة، لا عدم خلوّ الصحراء عن مصلّ من الإنس أو الجنّ، إذ المرئيّ يبعد عنه و غيره لا يكلّف به، و الجنّ لا يمكن الاحتراز منهم، فيعمّ الأبنية التحريم.

و ينحرف وجوبا لو صادفهما، أو تخلّى في المبنيّ عليهما. و لو تعذّر الانحراف، قال في المبسوط: سقط(2) و حمله في المعتبر على عدم التمكّن من غيره(3).

و احتمال اختصاص الاستدبار بنحو المدينة لمكان بيت المقدس، لا أصل له.

و خبر معقل بن أبي معقل الأسدي: ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله) نهى عن استقبال القبلتين(4) يعني: الكعبة و بيت المقدس، لا دلالة فيه على ذلك لو صحّ، و حمله بعضهم على زمان كونه قبلة.

و يكره استقبال قرص الشمس و القمر بالبول لا جهتهما، لنهي النبي (صلّى اللّه عليه و آله) عنه(5) و الغائط محمول عليه، و ربما روي «بفرجه»(6) فيشملهما. و في استدبارهما احتمال، للمساواة في الاحترام.

و استقبال الريح و استدبارها، لنهي الحسن (عليه السلام) عنه(7).

و البول في الصلبة، لمنافاته الخبر(8) و جواز عوده، و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «استنزهوا من البول، فإن عامّة عذاب القبر منه»(9).1.

ص: 164


1- صحيح مسلم 224:1 ح 226، الجامع الصحيح 16:1 ح 11.
2- المبسوط 16:1.
3- المعتبر 124:1.
4- المصنف لابن أبي شيبة 50:1، سنن أبي داود 3:1 ح 10، السنن الكبرى 91:1.
5- عوالي اللئالي 189:2 ح 73.
6- التهذيب 34:1 ح 91.
7- الفقيه 18:1 ح 47، التهذيب 26:1 ح 65، و 33 ح 88، الاستبصار 47:1 ح 131.
8- الفقيه 16:1 ح 36، التهذيب 33:1 ح 87.
9- سنن الدار قطني 128:1.

و في الجحرة، لنهي النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(1) خوفا من الأذى، و قيل:

لأنّها مساكن الجن.

و في الماء الجاري، لنهي علي (عليه السلام) مستثنيا الضرورة(2).

و عن الصادق (عليه السلام) بثلاثة أسانيد: «لا بأس به في الجاري»(3).

و اختاره علي بن بابويه رحمه اللّه.

و الراكد، لنص الصادق (عليه السلام)(4) و لخوف الشيطان، قاله الصادق (عليه السلام) في مطلق الماء(5).

و قيل: الماء للجن ليلا فالكراهية فيه أشد، و كلاهما في البول، فالغائط بطريق الأولى.

و الجلوس في المشارع و الشوارع، و تحت المثمرة، و الملعن، لنص زين العابدين (عليه السلام)، و فسّر الملاعن ب: أبواب الدور(6). و قيل: مجتمع النادي، لتعرضه للعنهم. و عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «اتقوا الملاعن»(7).

و الأفنية، و خصوصا أفنية المساجد، و فيء النزّال، لنصّ الكاظم (عليه السلام)(8). و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ملعون المتغوط في ظلّ النزّال، و موضع الأذى»(9) للتعرض للمحرّم.

و الكلام بغير ذكر اللّه تعالى أو آية الكرسي، لنهي النبي (صلّى اللّه عليه0.

ص: 165


1- مسند أحمد 82:5، سنن أبي داود 8:1 ح 29، السنن الكبرى 99:1.
2- التهذيب 34:1 ح 90، الاستبصار 13:1 ح 25.
3- التهذيب 43:1 ح 120، 121، 122، الاستبصار 13:1 ح 22، 23، 24.
4- التهذيب 43:1 ح 121، الاستبصار 13:1 ح 23.
5- التهذيب 352:1 ح 1044.
6- الكافي 15:3 ح 2، الفقيه 18:1 ح 44، معاني الأخبار: 368، التهذيب 30:1 ح 78.
7- سنن ابن ماجة 119:1 ح 328، سنن أبي داود 7:1 ح 25.
8- الكافي 16:3 ح 5، التهذيب 30:1 ح 79.
9- لاحظ: الكافي 16:3 ح 4، التهذيب 30:1 ح 80.

و آله) عنه(1)، و قوله تعالى لموسى (عليه السلام): «ذكري على كل حال حسن»(2)، و قول الصادق (عليه السلام): «لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي، و حمد اللّه، أو آية»(3).

و قيل: يحكي الأذان.

و البول قائما، لما روي انه: «من غير علة من الجفاء»(4).

و مطمحا من السطح في الهواء، لنص النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(5).

و طول الجلوس خوفا من البواسير، قاله الصادق (عليه السلام)، عن لقمان رضي اللّه عنه(6).

و استصحاب ما عليه اسم اللّه تعالى - كخاتم و مصحف - لوضع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) خاتمه قبل التخلّي(7) أما أسماء الأنبياء فلا بأس.

و استصحاب دراهم بيض الا ان تكون مصرورة، عن الباقر (عليه السلام)(8).

و الاستنجاء باليمين لأنّه من(9) الجفاء(10) و باليسار و فيها خاتم عليه اسم اللّه تعالى، أو اسم نبي أو إمام، أو فصّه حجر زمزم، لما روي: سألته عن الفصّ من3.

ص: 166


1- التهذيب 27:1 ح 69.
2- الفقيه 20:1 ح 58، التهذيب 27:1 ح 68.
3- الفقيه 19:1 ح 57، التهذيب 352:1 ح 1042.
4- الفقيه 19:1 ح 51.
5- الفقيه 19:1 ح 50، التهذيب 352:1، ح 1045.
6- الفقيه 19:1 ح 56، التهذيب 352:1، ح 1041.
7- سنن ابن ماجة 110:1 ح 303، سنن أبي داود 5:1 ح 19، سنن الدار قطني 54:1، السنن الكبرى 94:1.
8- التهذيب 353:1 ح 1046.
9- في س زيادة: باب.
10- الكافي 17:3.

حجر زمزم، قال: «لا بأس به و إذا أراد الاستنجاء نزعه»(1) و المروي عنه و ان جهل لكن الظّاهر انه الإمام، لافتاء الجماعة به. و في نسخة بالكافي للكليني - رحمه اللّه - إيراد هذه الرواية بلفظ: «من حجارة زمرد» و سمعناه مذاكرة.

و السّواك، لما روى الشيخ: «انه يورث البخر»(2).

و الأكل و الشرب، لفحوى رواية (اللقمة) عن الباقر (عليه السلام)(3)و تضمنه مهانة النفس.

و استقبال بيت المقدس - قاله الفاضل - لشرفه(4).

و مس الذكر باليمنى، لنهي الباقر (عليه السلام) عنه(5).

و الظاهر كراهيته عند القبور، للخبر(6).

و يستحب الاعتماد على اليسرى، للخبر عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(7).

و اعداد النّبل، للخبر عنه أيضا(8) و هي: أحجار الاستنجاء، جمع نبلة و أصلها الحصاة.

و الدعاء دخولا و خروجا، و إخراجا، و لرؤية الماء، و استنجاء، و فراغا.

و مسح البطن عند الفراغ قائما، قاله المفيد و من تبعه(9).

و الصبر هنيهة، ثم الاستبراء، لقول الباقر و الصادق (عليهما السلام)(10).3.

ص: 167


1- الكافي 17:3 ح 6، التهذيب 355:1 ح 1059.
2- الفقيه 32:1 ح 110، التهذيب 32:1 ح 85.
3- الفقيه 18:1 ح 49.
4- منتهى المطلب 40:1.
5- الفقيه 19:1 ح 55.
6- الكافي 533:6 ح 2.
7- السنن الكبرى 96:1.
8- أخرجه عبد الرزاق، و الرازي في العلل 36:1 ح 75، كما في تلخيص الحبير 472:1.
9- المقنعة: 4، المراسم 33.
10- التهذيب 20:1 ح 50، الاستبصار 94:1 ح 303.

و ليكن بالتسع المشهورة. و المرتضى: ينتره من أصله إلى طرفه ثلاثا(1). و المفيد:

مسحه تحت أنثييه مرتين أو ثلاثا، ثم يجعله بين الإبهام فوقه و المسبحة تحته، و يمرهما عليه معتمدا من أصله إلى طرفه مرتين أو ثلاثا(2). و في كلام الباقر (عليه السلام): «يعصره من أصله اليه ثلاثا، و ينتر طرفه»(3). و لا يشترط المشي في الاستبراء و ظاهر الاستبصار وجوب الاستبراء(4).

و التنحنح ثلاثا، قاله سلار(5)، و ذكره ابن الجنيد في المرأة.

و تولّيه بنفسه، و لو غسله غيره كأمته جاز، و يكره الزوجة الحرة، لقول الصادق (عليه السلام)(6).

و غسل اليد قبل إدخالها الإناء، لقول الباقر و الصادق (عليهما السلام) الشامل له(7).

و البدأة بالدبر، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(8).

و الظاهر عدم كراهية البول في الإناء، لما روي انه كان للنبي قدح لذلك(9). نعم، لا يبقي الإناء في المنزل، للنهي(10).

و الأشبه: تحريمه في إناء في المسجد، للتعظيم، و لأنّه معرّض للتلويث.4.

ص: 168


1- المعتبر 134:1.
2- المقنعة: 4.
3- الكافي 19:3 ح 1، التهذيب 28:1 ح 71، و 356 ح 1063، الاستبصار 49:1 ح 137.
4- الاستبصار 48:1.
5- المراسم: 32.
6- التهذيب 356:1 ح 1068.
7- الكافي 12:3 ح 5، التهذيب 36:1 ح 96، 97، الاستبصار 50:1 ح 141، 142.
8- الكافي 17:3 ح 4، التهذيب 29:1 ح 76.
9- سنن أبي داود 7:1 ح 24، سنن النسائي 31:1، السنن الكبرى 99:1.
10- الفقيه 159:1 ح 744.
المطلب الثاني: في الاستنجاء.

و هو: من النجوة، ما ارتفع من الأرض. و قيل: من نجوت الشجرة قطعتها.

و شرعا: إزالة خبثية البول و الغائط الناقضين عن مخرجهما لا غير، فلا استنجاء بالحجر:

من النوم و الريح، لتعجّب أبي الحسن (عليه السلام) من فاعله(1).

و لا من دم الحدث، و لا غيره من الدماء، لوجوب الغسل.

و لا من الخارج من المخرجين - كالدود الخالي - لطهارته.

و لا من الخارج من غير المعتاد قبل نقضه، و فيما بعده وجهان، أقربهما:

الجواز، للمساواة في النقض و الحاجة.

و لا من البول، لقول الباقر (عليه السلام): «و يجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، و اما البول فلا بد من غسله»(2). و يجزئ مثلاه مع الفصل، للخبر(3).

و لا يجب الدلك، لعدم الجرم، و مع تعذّر الماء يتمسّح وجوبا و يصلي ثم يغسله عند الوجدان.

و خبر حنّان - عن الصادق (عليه السلام): «يمسحه بريقه فإذا وجد بللا فمنه»(4) - متروك. و لأمر الصادق (عليه السلام) بالغسل من البول(5).

و لا من الغائط المنتشر عن المخرج، إجماعا، و هو مروي(6).

ص: 169


1- الفقيه 22:1 ح 65، التهذيب 44:1 ح 124.
2- التهذيب 49:1 ح 144، و 209 ح 605، الاستبصار 55:1 ح 160.
3- التهذيب 35:1 ح 93، الاستبصار 49:1 ح 139.
4- الكافي 20:3 ح 4، التهذيب 348:1 ح 1022، 353 ح 1050، باختلاف يسير.
5- التهذيب 51:1 ح 149، الاستبصار 56:1 ح 164.
6- قال في جواهر الكلام 30:2 بعد أن حكى الحكم عن جماعة: قد عرفت ان المستند في أصل الحكم الإجماعات المنقولة، مع نسبته له في الذكرى الى الرواية، و لعل أشار الى ما رواه في المعتبر 1: 128 عنه (عليه السلام): «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز المحل».

و يجزئ فيه مع عدم التعدّي ثلاثة أحجار، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها، فإنها تجزئ عنه»(1).

و لقول الصادق (عليه السلام): «جرت السنّة بثلاثة أحجار أبكار»(2).

و لو نقي بما دونها وجب الإكمال في الأشبه، لقول سلمان - رضي اللّه عنه -:

نهانا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ان نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار(3). و يجب الزائد لو احتيج إليه، إجماعا.

و لا عبرة بالأثر - كالرائحة - بخلاف الرطوبة.

و يستحب الوتر، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من استجمر فليوتر، و من لا لا حرج»(4).

و في إجزاء ذي الشعب قولان، للصورة و المعنى. و احتاط في المبسوط بالمنع، و اجتزأ بالتوزيع(5).

و الأشبه جزاؤهما، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا جلس أحدكم لحاجته، فليتمسّح ثلاث مسحات»(6).

قيل: و الأفضل إمرار الأول على مقدّم الصفحة اليمنى راجعا الى اليسرى، و الثاني عكسه، و الثالث المسربة معهما. و هو حسن إن استوعب في كل مرة. و المسربة3.

ص: 170


1- سنن أبي داود 10:1 ح 40، سنن النسائي 41:1، السنن الكبرى 103:1.
2- التهذيب 46:1 ح 130، 209 ح 706.
3- صحيح مسلم 223:1 ح 262، سنن أبي داود 3:1 ح 7، الجامع الصحيح 24:1 ح 16، سنن النسائي 38:1.
4- سنن ابن ماجة 121:1 ح 337، سنن أبي داود 9:1 ح 35، السنن الكبرى 104:1.
5- المبسوط 17:1.
6- نحوه في مسند أحمد 336:3.

- بضم الراء -: المخرج.

و ليضعه على المكان الطاهر أولا، و لا يجب الإدارة و الالتقاط لعسره.

و لا يجزئ النجس، و لو جفّ بالشمس بعد زوال العين طهر.

و يجزئ الخزف، و الخرق، و كل طاهر مزيل للعين، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «و استطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاثة حثيات من تراب»(1). و التمسّح بالكرسف مروي عن الحسين (عليه السلام)(2).

و سلاّر اعتبر الأرض في أصله، لذكر الحجار(3).

قلنا: لغلبتها في الاستعمال، و في القدرة عليها.

و ابن الجنيد: لا يختار الآجر و الخزف الا أن يلابسه طين أو تراب يابس.

و نهي عن العظم و الروث، لمتاع الجنّ (4). و المطعوم، لفحوى طعام الجن.

و المحترم(5).

و الأشبه: الاجزاء، لعدم التنافي بين التحريم و بينه.

و أبوه في المبسوط(6) و السرائر(7) و المعتبر(8) و هو قول المرتضى، للنهي، أو عدم مشروعيته. نعم، لا يجزئ الصقيل.

و ليكن باليسار كالغسل، لأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كانت اليمنى لطهوره و طعامه، و اليسرى لخلائه و ما كان من أذى(9).1.

ص: 171


1- سنن الدار قطني 57:1، السنن الكبرى 111:1.
2- التهذيب 354:1 ح 1055.
3- المراسم: 32.
4- الفقيه 20:1، التهذيب 354:1 ح 1053، مسند أحمد 438:5، الجامع الصحيح 29:1 ح 18.
5- المحاسن: 586، الكافي 301:6 ح 1.
6- المبسوط 16:1.
7- السرائر: 16.
8- المعتبر 132:1.
9- سنن أبي داود 9:1 ح 33، السنن الكبرى 113:1.

و الجمع بين الحجر و الماء في المتعدي مستحب، للمبالغة و تنزيه اليد. و في غيره الماء أفضل، لثناء اللّه تعالى على أهل قبا به(1). و الجمع أكمل، لإزالة العين و الأثر. و الحدّ: النقاء، لا الصرير.

و ليستنج الرجل بالماء طولا، و المرأة عرضا.

و لا نظر الى الرائحة، عن الرضا (عليه السلام)(2).

و لا يتعرض للباطن، لقول الصادق (عليه السلام): «انما عليه ان يغسل ما ظهر، و ليس عليه ان يغسل باطنه»(3).

و في تحريم الاستقبال و الاستدبار هنا نظر، لما مرّ من التأويل في خبر جابر، و قول الصادق (عليه السلام): «يقعد له كما يقعد للغائط»(4).

و يحكم بطهارة المحل بعد الأحجار كالماء، لمفهوم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تستنجوا بعظم، و لا روث، فإنهما لا يطهّران»(5).

و الخرقة التي لا تنفذ فيها يستعمل وجهاها.

و لو خرج أحد الحدثين اختص بالغسل إجماعا، و هو مروي عن عمار عن الصادق (عليه السلام)(6).9.

ص: 172


1- سنن ابن ماجة 127:1 ح 355، سنن أبي داود 11:1 ح 44، المستدرك على الصحيحين 1: 155، السنن الكبرى 105:1.
2- الكافي 17:3 ح 9، التهذيب 28:1 ح 75.
3- الكافي 18:3 ح 11.
4- الكافي 18:3 ح 11، الفقيه 19:1 ح 54، باختلاف يسير.
5- سنن الدار قطني 56:1.
6- التهذيب 45:1 ح 127، الاستبصار 52:1 ح 149.
فروع عشرة.
الأول: تعيّن الماء لو استجمر بنجس مطلقا،

لقصر الرخصة على محل الضرورة. و الفرق بين الغائط و غيره ضعيف.

الثاني: لو خرج الغائط ممتزجا بنجاسة أخرى لم يكف الاستجمار.
الثالث: يستحب تقديم الاستنجاء على الوضوء،

فقبله صحيح - في الأصح - لقول الكاظم (عليه السلام): «و تعاد الصلاة»(1). و خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام) باعادتهما ضعيف بسماعة، و رواية محمد بن عيسى عن يونس(2). و خبر هشام عن الصادق (عليه السلام) بصحة الصلاة(3) متروك لضعفه.

و الجاهل بالحكم يعيدها كغير الاستنجاء، و بالنجاسة يعيد في الوقت. اما الغسل فصحيح الى موضع النجاسة. و اما التيمم فمبني على توسعته مع إمكان صحته مطلقا، لأنّ زمانه مستثنى كزمان التيمم، و كذا الكلام في النجاسة على البدن.

الرابع: يجب كشف البشرة على الأغلف ان أمكن،

لأنّها كالظاهر. و لو كان مرتتقا سقط.

الخامس: لو وجد بللا مشتبها بعده،

فلا التفات مع الاستبراء، لأنّه من الحبائل - و هي: عروق في الظهر - و الا أعاد الوضوء دون الصلاة قبله.

السادس: لا ريب في أجزاء ذي الشعب الثلاثة،

و لو كسر أجزأ مطلقا.

ص: 173


1- قرب الاسناد: 90، التهذيب 50:1 ح 145، الاستبصار 55:1 ح 161، مستطرفات السرائر: 485.
2- الكافي 19:3 ح 17، علل الشرائع: 580، التهذيب 50:1 ح 146، الاستبصار 55:1 ح 162. ففي الخبر علتان.
3- التهذيب 48:1 ح 140، الاستبصار 54:1 ح 157.

و الشعبة الواحدة مجزئة مع التطهير في كل مرّة و ان كان رطبا ما لم ينتشر، مع إمكان عدم الإجزاء، لنجاسة البلّة فلا يعفى عنها.

و يندفع بأنها من نجاسة المحل، و لأنّها كالماء لا ينجس حتى تنفصل.

السابع: الخنثى المشكل

تستجمر في الدبر كالرجل، و في القبلين: الماء.

و هل يكون ماؤهما استنجاء؟ الأشبه ذلك إذا اعتيد منهما.

الثامن: لا فرق في عدم غسل الباطن بين الرجل و المرأة، بكرا أو ثيّبا.

نعم، لو علمت الثّيب وصول البول الى مدخل الذكر و مخرج الولد، وجب غسل ما ظهر منه عند الجلوس على القدمين.

التاسع: من المحترم ما كتب عليه قرآن، أو فقه، أو حديث.

أمّا جزء الحيوان، فالأشبه لا و لو عقب نفسه أو يده، و كذا جملته كالعصفور، و كذا لا احترام في النقدين و نفيس الجواهر عندنا.

العاشر: لو قلنا في المحترم بعدم الاجزاء،

بناء على أنّ الرخص لا تناط بالمعاصي، و للخبر(1) أجزأ ثلاثة غيره هنا قطعا.

ص: 174


1- المحاسن: 586، الكافي 301:6 ح 1.

الفصل الثاني: المستعمل الاضطراري

ص: 175

ص: 176

الفصل الثاني: المستعمل الاضطراري.
اشارة

و هو: الصعيد. قال اللّه تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

و النظر إمّا فيه، أو في مسوّغة، فهنا مطلبان:

المطلب الأول: الصعيد:
اشارة

وجه الأرض ترابا كان أو مدرا أو صخرا، دون المتصل بالأرض من النبات، و هو قول الزجاج.

و الطيب: الطاهر، و انما كان طهورا لقوله تعالى لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (2) و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجدا و ترابها طهورا»(3) و لا دلالة فيه على اختصاص بالتراب، لجواز ذكر ما هو الأولى في الاستعمال، و لأنّه روي بحذف: «ترابها»(4).

و يشترط كون التراب خالصا. فلو شيب بنحو زعفران أو دقيق و استهلكه التراب جاز و إلاّ فلا. وحّده أن لا يرى الخليط، و لا يسلب عنه اسم التراب، و لا يخرجه وصفه بالأسود - و منه: طين الدواة - و الأعفر - و هو: غير خالص - و الأحمر - و منه: الأرمني للتداوي - و البطحاء - و هو: التراب اللين في مسيل الماء - لأنّها أقسامه كما ينقسم الماء الى الملح و العذب.

و منع ابن الجنيد من السبخ، لشبهه بالملح(5).

و ردّ بتيمّم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من أرض المدينة(6)، و السبخ غالب عليها. نعم، يكره مع وجود غيره.

ص: 177


1- سورة المائدة: 6.
2- سورة الأنفال: 11.
3- صحيح مسلم 371:1 ح 522، السنن الكبرى 213:1.
4- صحيح مسلم 371:1 ح 523، سنن أبي داود 132:1 ح 489.
5- المعتبر 374:1، مختلف الشيعة: 48.
6- السنن الكبرى 206:1.

و ظاهره منع الحجر و الآجر(1). و شرط فيه الشيخ في النهاية - ظاهرا - و المفيد و ابن إدريس عدم التراب(2). و جوّزه في المبسوط(3) و الخلاف(4) و المرتضى قائلا: لا نص(5) فيه لأنّه أرض. و منه: الرخام، و البرام.

و كذا يجوز بأرض النورة و أرض الجص. و في النهاية: عند عدم التراب(6)و يضعف: بأنّهما أرض.

اما نفس النورة و الجص فجوّزهما المرتضى(7) لما روي عن علي (عليه السلام)(8).

و منع في المبسوط و الخلاف و السرائر من النورة للاستحالة(9) و هو ممنوع.

و الخزف مثلها - و منعه في المعتبر(10) كما يظهر من ابن الجنيد(11) - و كذا الآجر، و الأرض شاملة لهما، و للرمل و ان كره.

و يجوز بالمبتلّة، و ليتحرّ أجفّها، لقول الصادق (عليه السلام)(12).

و لا يجوز بالمعدن، لخروجه عن اسم الصعيد، خلافا لابن أبي عقيل، بناء على أنّه أرض(13).1.

ص: 178


1- مختلف الشيعة: 48.
2- النهاية: 49، المقنعة: 8، السرائر: 26.
3- المبسوط 32:1.
4- الخلاف 134:1 المسألة: 77.
5- المعتبر 376:1.
6- النهاية: 49.
7- جمل العلم و العمل: 52.
8- التهذيب 187:1 ح 539.
9- المبسوط 33:1، الخلاف 136:1 المسألة: 78، السرائر: 26.
10- المعتبر 375:1.
11- المعتبر 375:1، مختلف الشيعة: 48.
12- الكافي 66:3، التهذيب 189:1 ح 546، الاستبصار 56:1 ح 539.
13- المعتبر 372:1.

و لا بالنجس و ان كان بعضه، للتقييد بالطيب، و اعتبار التغير بالنجاسة في التراب هوس.

و لا المغصوب، للنهي.

و لا بالرماد و ان كان رماد التراب، و المنسحقات الباقية أولى بالمنع.

و يجوز بالمستعمل إجماعا، لبقاء اسمه، و لعدم رفعه الحدث. و فسّر بالممسوح به أو المنفوض. اما المضروب عليه فلا استعمال فيه إجماعا، لأنّه كالإناء يغترف منه.

و تراب القبر ما لم تعلم النجاسة. و لو علم اختلاطه بالصديد اجتنب. و في اللّحم و العظم نظر، للطهارة بالغسل. و على قول المبسوط ينبغي المنع(1). و في المعتبر: يجوز و ان تكرّر نبشه، لأنّه عندنا طاهر(2). نعم، لو كان الميت نجسا منع.

و مع فقد الصعيد يتيمّم بغبار ثوب أو لبد أو عرف، يتحرّى أكثرها غبارا فينفض ثم يتيمم عليه، و لو تلاشى بالنفض ضرب عليه.

و مع فقده، بالوحل، لموثّق زرارة عن الباقر (عليه السلام)(3).

و يستحب من العوالي، لبعدها عن النجاسة، و لنهي علي (عليه السلام) من التيمّم من أثر الطريق(4) و قال: «لا وضوء من موطإ»(5).

فروع:
الأول يجب شراء التراب - كالماء - أو استئجاره.

و لو بذل له وجب القبول، لعدم المنّة.

ص: 179


1- المبسوط 32:1.
2- المعتبر 379:1.
3- التهذيب 189:1 ح 545، و 191 ح 551، الاستبصار 156:1 ح 538.
4- الكافي 62:3 ح 6، التهذيب 187:1 ح 538.
5- الكافي 62:3 ح 5، التهذيب 186:1 ح 537.
الثاني: يجوز على جدار الغير و بأرضه،

عملا بشاهد الحال. و لو ظنّ الكراهية أو صرّح بها امتنع، و لا يجب على الغير بذله. و كذا لا يجوز في المغصوب للغاصب، و امّا غيره فمنع الصلاة مشعر بمنعه.

الثالث: لو مزج بالصعيد ماء مضاف و غلب التراب،

منع منه في المبسوط، لسلب اسم الأرض(1) و يمكن كونه كالمبتّل بالمطلق.

الرابع: لو أمكن تجفيف الوحل وجب،

و إلاّ ضرب عليه مع تعذّر ما مرّ، و يفركه و يتيمّم.

و قيل: يجفّفه ثم يتيمّم مع سعة الوقت، و هو حق ان كان التجفيف قبل الضرب، و في خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «يتيمم بالطين»(2) و زرارة عن الباقر (عليه السلام): «يتيمم من الطين»(3) و كذا في خبر رفاعة عن الصادق (عليه السلام)(4).

الخامس: الترتيب بين الغبار و الوحل

كما هو بين التراب و الغبار، فلو قدّم الوحل لم يجز، اما لو جفّفه فهو تراب.

السادس: ظاهر المرتضى و ابن الجنيد التيمّم بالثلج

السادس: ظاهر المرتضى و ابن الجنيد التيمّم بالثلج(5). و المفيد و الشيخ - في النهاية -: قدّما التراب عليه، فان فقد ادّهن به(6). و ظاهر التذكرة العكس(7).

و المعتبر: ان غسل و الا فالتراب(8) و يظهر من المبسوط(9)، و قد مر خبر الكاظم (عليه

ص: 180


1- المبسوط 32:1.
2- الكافي 67:3 ح 1، التهذيب 189:1 ح 543، الاستبصار 156:1 ح 537.
3- التهذيب 189:1 ح 545، الاستبصار 156:1 ح 538.
4- التهذيب 192:1 ح 554، الاستبصار 158:1 ح 547.
5- حكاه عنهما المحقق في المعتبر 377:1.
6- المقنعة: 8، النهاية: 47.
7- تذكرة الفقهاء 65:1.
8- المعتبر 378:1.
9- المبسوط 31:1.

السلام)(1).».

ص: 181


1- لم نلاحظه فيما مر، و هو في التهذيب 192:1 ح 554، و الاستبصار 158:1 ح 547، و لفظه: قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء، و هو يصيب ثلجا و صعيدا، أيها أفضل؟ أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: «الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم».
المطلب الثاني: في مسوّغة.
اشارة

و هو: العجز عن الماء، و له أسباب:

أحدها: عدم وجوده،

للآية(1). و يتحقق بالطلب - بعد رحله و أصحابه - سهما في الحزنة، و سهمين في السّهلة، للخبر عن علي (عليه السلام)(2).

فالمفيد: يطلب أمامه، و يمينه و شماله(3).

و في المبسوط: يطلب في سائر جوانبه(4).

و حسن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): «يطلب ما دام في الوقت»(5)، و مال إليه في المعتبر، لوضوح السند و المعنى(6).

و عن الصادق (عليه السلام): «لا تطلب الماء يمينا، و لا شمالا، و لا في بئر»(7). و حملها الشيخ على الخوف(8)، و المحقّق - في المعتبر - بعّد هذا الحمل، و لكن ضعّفها بعلي بن أسباط(9).

و لو تيقّن عدمه سقط الطلب. و لا يجزئ قبل الوقت ان انتقل الى مكان آخر، و إلاّ أجزأ ان علم عدم الماء. و لو علم وجوده في مكان أبعد من المقدّر وجب مع الإمكان.

ص: 182


1- سورة المائدة: 6.
2- التهذيب 202:1 ح 586، الاستبصار 165:1 ح 571.
3- المقنعة: 8.
4- المبسوط 31:1.
5- الكافي 63:3 ح 2، التهذيب 192:1 ح 555، و 203 ح 589، الاستبصار 159:1 ح 548، و 165 ح 574.
6- المعتبر 393:1.
7- التهذيب 202:1 ح 587، الاستبصار 165:1 ح 572.
8- التهذيب 202:1.
9- المعتبر 392:1.

و لو تيمّم قبل الطلب و صلّى بطلا عند الشيخ(1).

و يشكل: بتحتّم التيمّم عند ضيق الوقت، و الأمر به المقتضي للإجزاء، و كذا من وهب الماء أو أراقه في الوقت. نعم، لو وجد الماء في محل الطلب قوي قوله، للخبر عن الصادق (عليه السلام)(2).

و لو نسي الماء أجزأ عند المرتضى(3)، لعموم «رفع»(4). و الشيخ: يعيد ان لم يطلب(5) لهذا الخبر(6) و ضعّف بعثمان بن عيسى، و كذا لو كان بقربه ماء لم يره. و قول الشيخ أقرب، للتفريط، و الشهرة تدفع ضعف السند.

و يكفي الطلب مرّة في صلوات، إذا ظنّ الفقد بالأول مع اتحاد المكان. و لو ظهر ركب في أثناء الطلب سأل كلا منهم. و تجوز النيابة في الطلب، و يحتسب لهما، لحصول الظن.

و لا يشترط السفر، لظاهر قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الصعيد الطيب طهور المسلم ان لم يجد الماء الى عشر سنين»(7). و السفر في الآية للأغلب.

و لا يعيد الحاضر، خلافا للمرتضى - في شرح الرسالة - للامتثال، و لإطلاق قول الصادق (عليه السلام): «و قد أجزأته صلاته»(8).

و لا فرق بين الأسفار، للعموم و لو كان معصية.9.

ص: 183


1- النهاية: 48.
2- الكافي 65:3 ح 10، التهذيب 212:1 ح 616.
3- المعتبر 367:1.
4- الكافي 335:2 ح 2، الخصال: 417، التوحيد للصدوق: 353، تحف العقول: 50، كنز العمال 233:4 ح 10307 عن الطبراني.
5- المبسوط 31:1، الخلاف 23:1 المسألة 116.
6- راجع الهامش 2.
7- سنن أبي داود 92:1 ح 333، الجامع الصحيح 212:1 ح 124، سنن الدار قطني 186:1، السنن الكبرى 212:1.
8- التهذيب 193:1 ح 556، الاستبصار 19:1 ح 549.

و لو أفضى الطلب، أو تحصيل الماء، الى فوات مطلوب - مثل: الحطّاب، و الصائد - أمكن التيمم، دفعا للضرر(1). و عدمه، لقدرته على الماء.

و ثانيها: عدم وصلته، لفقد ثمنه.

و لو وجد وجب و ان زاد عن ثمن المثل - في الأشبه - لانتفاء الضرر، و قد بلغ صفوان في سؤال أبي الحسن (عليه السلام) ألف درهم فحكم بالشراء(2). هذا مع عدم الضرر الحالي أو المتوقّع، في زمان لا يتجدّد فيه مال عادة، أما معه فلا.

و كذا لو أجحف بماله، للحرج، و لسوغ التيمّم عند خوف لصّ يجحف بماله كما يأتي.

و ربما فرّق بينهما بالعوض و الثواب. و هو خيال ضعيف، لأنّه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حيّز الثواب.

و اعتبار ثمن المثل بحسب المكان و الزمان، لا اجرة تحصيل الماء، لأنّه متقوّم بنفسه.

و لو بيع بأجل وجب مع القدرة و عدم الإجحاف، و لا يقهر صاحبه و ان فضل عنه. و لو بذل وجب قبوله، لعدم المنّة عادة. و لو بذل ثمنه لم يجب، خلافا للشيخ(3)، و كذا خصال الكفارة المرتّبة.

و عادم الآلة يتيمّم، فلو أعيرها وجب بخلاف هبتها، و يجيء على قول الشيخ الوجوب(4). و يجب شراء الآلة كالماء للمتمكن أو استئجارها.

و القادر على إنزال عمامة و نحوها واجد، و لا عبرة بنقصها و ان كثر، ما لم يضرّ به في الحال أو بعده، قاله في التذكرة(5).

ص: 184


1- في س: للضرورة.
2- الكافي 74:3 ح 17، الفقيه 23:1 ح 71، التهذيب 406:1 ح 1276.
3- المبسوط 31:1.
4- المبسوط 31:1.
5- تذكرة الفقهاء 63:1.

و قد مرّ خائف العطش، و قال الصادق (عليه السلام): «لا يهريق منه قطرة و يتيمم»(1).

و مزاحمة النجاسة، و لو أمكن استقباله الماء تطهّر و شربه. و لا مزاحمة في غير المحترم - كالمرتدّ عن فطرة، و الحربي، و الكلب العقور، و الخنزير - و كل ما يجوز قتله:

وجب، كالزاني المحصن و الموقب، أو لا، كالحية، و الهرة الضارية.

و وجود ما يكفي بعض الأعضاء كعدمه، للآية، فلا يستعمله و يتيمّم، لعدم الفائدة. و ينبّه عليه قول الصادق (عليه السلام) في المجنب معه ما يكفي الوضوء: «يتيمم»(2).

و قال في المبسوط و الخلاف: المتضرّر بعض أعضائه يحتاط بغسل الصحيح و التيمم(3).

و لا يتيمم عن نجاسة البدن، إجماعا، لعدم زوال النجاسة عن المحل، و كون الصعيد طهورا مختص بالبدل من الوضوء و الغسل، و لعدم العموم فيه.

و ثالثها: الخوف على نفسه أو ماله من استعماله،
اشارة

لقول الصادق: «لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع»(4).

و الخوف من وقوع الفاحشة يسوّغ للرجل و المرأة. و في مجرد الجبن نظر، أقربه الجواز، للضرر.

و خائف التلف باستعماله، لقوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (5)، وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ (6).

و عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) في الجنب به القروح: «لا

ص: 185


1- الكافي 65:3 ح 1، التهذيب 404:1 ح 1267.
2- الفقيه 57:1 ح 213.
3- المبسوط 35:1، الخلاف 154:1 المسألة 105.
4- الكافي 65:3 ح 8، التهذيب 184:1 ح 528.
5- سورة النساء: 29.
6- سورة البقرة: 195.

يغتسل»(1).

و لو تمكّن من إسخان الماء وجب و لو بعوض مقدور، و كذا خائف تلف عضو.

اما الضرر اليسير - كصداع، أو وجع ضرس - فغير مانع، قاله الفاضلان، لأنّه واجد الماء(2).

و يشكل: بالعسر و الحرج، و بقول النبي (عليه السلام): «لا ضرر»(3) مع تجويزهما التيمم للشين.

و طول المرض مسوّغ و عسر برئه، اما الألم الحالي فلا، و عليه يحمل الخبر باغتسال الصادق (عليه السلام) في ليلة باردة و هو شديد الوجع(4).

و المجنب عمدا كغيره - في الأشبه - للعموم.

و في المفضل عن الصادق (عليه السلام) الفرق(5).

و في الصحيح عنه: «يغتسل على ما كان»(6) و لم يقيّد فيه بتعمّد أو غيره.

فأوجب المفيد على المتعمّد الغسل و ان خاف على نفسه(7) و هو ظاهر كلام ابن الجنيد(8).

و في النهاية: إذا خاف التلف تيمّم و صلّى و أعاد(9).

و الأدلة السابقة تدفعهما، مع ضعف سند الأول، و حمل الثاني على الألم6.

ص: 186


1- الكافي 68:3 ح 1، التهذيب 184:1 ح 530، 531.
2- المعتبر 365:1، تذكرة الفقهاء 63:1.
3- الكافي 280:5 ح 4، الفقيه 45:3 ح 154، التهذيب 146:7 ح 651.
4- التهذيب 198:1 ح 575، الاستبصار 162:1 ح 563.
5- الكافي 68:3 ح 3، التهذيب 198:1 ح 574، الاستبصار 162:1 ح 562.
6- التهذيب 198:1 ح 576، الاستبصار 163:1 ح 564.
7- المقنعة: 8.
8- مختلف الشيعة: 52.
9- النهاية: 46.

المجرّد، مع المعارضة بقول الصادق (عليه السلام) - في الصحيح - في الجنب فاقد الطهور: «فليمسح من الأرض و ليصلّ»(1) و في الصحيح عنه (عليه السلام) في المجنب يتيمم و يصلي: «لا يعيد»(2).

و منه يعلم عدم إعادة المتيمم لزحام الجمعة و عرفة.

و عن علي (عليه السلام): «يعيد»(3) و طريقه السكوني.

و كذا ذو ثوب نجس إذا تيمم.

و عن الصادق (عليه السلام): يعيد(4) و طريقه عمار.7.

ص: 187


1- الكافي 63:3 ح 3، التهذيب 197:1 ح 572، الاستبصار 161:1 ح 558.
2- التهذيب 197:1 ح 571، الاستبصار 161:1 ح 557.
3- التهذيب 185:1 ح 534، الاستبصار 81:1 ح 254.
4- التهذيب 407:1 ح 1279، و 224:2 ح 88، الاستبصار 169:1 ح 587.
مسائل أربع:
المسألة الأولى: الجنب أولى من الميت و المحدث بالماء،

للصحيح عن الكاظم (عليه السلام)(1) - و فيه إشارة إلى عدم طهورية المستعمل و إلاّ لأمر بجمعه - و عليه الأكثر.

و في المبسوط و الخلاف: التخيير مع الإباحة، و مع ملك أحدهم هو أولى(2).

و ابن إدريس: في المباح يستعمله الحيّان ثم يغسلانه مع ضيق الوقت، و إلاّ فالميت أولى(3) و هو إطراح للخبر.

و قيل: الميت أولى، لخبر محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام)(4) و هو مقطوع.

فروع:

الأول: هذه الأولوية مستحبة في المباح، و مستحقة في البذل للأحوج، أو الأولى بوصيّة و شبهها. و عللت الأولوية بتعبّد الجنب بخلاف الميت، و بأنّ للجنب غايتين: استباحة الصلاة، و طهارة بدنه، و للميت الثانية لا غير.

و لا يعارضه إمكان استدراك الجنب دون الميت، لأن طهارة الميت نظافية و هي تحصل بالتيمم، و العكس في هذه العلّة أحقّ.

الثاني: لو سبق أحدهم إلى المباح اختص، و لو استووا اشتركوا.

ص: 188


1- الفقيه 59:1 ح 222، التهذيب 109:1 ح 285، الاستبصار 101:1 ح 329.
2- المبسوط 34:1، الخلاف 166:1 المسألة: 118.
3- السرائر: 27.
4- التهذيب 110:1 ح 288، الاستبصار 102:1 ح 332.

و لو تغلّب أحدهم أثم و ملك، قاله في المعتبر، لسبقه حينئذ(1).

و يشكل: بإزالة أولويّة غيره بنصيبه، و هي في معنى الملك، و هذا مطرد في كلّ أولويّة، كالتحجير و التحشيش و دخول الماء.

الثالث: الجنب أولى من الحائض و قسيميها و من ماسّ الميت، و الشيخ على التخيير(2).

و لو قلنا: بتوقف وطء الزوج على الغسل، أمكن أولويتها على الجنب، لقضائها حق اللّه تعالى و حق الزوج.

الرابع: مزيل النجاسة أولى من الجميع، لأنّه لا بدل له. و العطشان أولى مطلقا، للضرر.

و في تقديم الأشد حاجة - إما لزيادة عطشه، أو لضعفه بصغر أو مرض - نظر، من ظهور رجحان سببه، و اشتراكهم في المبيح. و كذا في الترجيح بالخصال الدينية في الجميع، و المعصوم أولى مطلقا.

المسألة الثانية: لا يجوز للمكلّف بالطهارة بماء بذله لغيره،

لوجوب صرفه في طهارته، و التيمم مشروط بتعذّر الماء، و نبّه عليه قول الصادق (عليه السلام) في قوم ليس معهم إلاّ ما يكفي الجنب: «يتوضّئون، و يتيمّم الجنب»(3). كذا قاله في المعتبر(4).

و ليس فيه تصريح باختصاصهم بملكه، و لعلهم مشتركون و لكن الجنب لا يكتفي بنصيبه.

المسألة الثالثة: فاقد الطهورين يؤخر الصلاة،

لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«لا صلاة إلاّ بطهور»(5). و نمنع عدم إنكاره (صلّى اللّه عليه و آله) على المصلّين

ص: 189


1- المعتبر 407:1.
2- المبسوط 34:1.
3- التهذيب 190:1 ح 548.
4- المعتبر 406:1.
5- سنن أبي داود 16:1 ح 59.

بغير وضوء(1) مع إمكان كونه منسوخا، أو لأنّه لا إثم عليهم لعدم علمهم.

و الأشبه: القضاء، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من فاتته صلاة فريضة فليقضها»(2).

و للمفيد قول بسقوطه، بناء على تبعيّة القضاء الأداء.

و ردّ بتبعيته سبب وجوب الأداء، و هو الوقت.

المسألة الرابعة: لو وجد من عليه غسل و وضوء ما يكفي أحدهما،

فعله و تيمّم للآخر. و يتخيّر في التقديم، لأنّهما فرضان مستقلان، فان كفى الغسل فهو أولى من الوضوء لكماله.

ص: 190


1- صحيح البخاري 92:1، صحيح مسلم 279:1 ح 376.
2- المهذب البارع 46:1، عوالي اللئالي 107:3 ح 150.
الفصل الثالث: المستعمل له
اشارة

ص: 191

ص: 192

الفصل الثالث:

في المستعمل له و منه، و فيه مطلبان:

المطلب الأول في الوضوء و الغسل
اشارة

يجب الوضوء للصلاة الواجبة - للآية، و الخبر و الإجماع - و الطواف الواجب كذلك، و لمسّ كتابة القرآن ان وجب بنذر و شبهه - على الأقرب - للآية(1)، و لقول الصادق (عليه السلام) لابنه إسماعيل: «لا تمسّ الكتاب»(2).

و في المبسوط و السرائر: يكره المسّ (3)، للأصل، و لعدم منع السلف الصبيان منه.

و ألحق أبو الصلاح مسّ اسم اللّه تعالى(4).

و يستحب: لندبي الصلاة و الطواف - بمعنى: الشرطيّة في الصلاة، و الكماليّة في الطواف على الأصح، للخبر - و لطلب الحاجة، و حمل المصحف للتعظيم، و لأفعال الحج - عدا الطواف و الصلاة - و لصلاة الجنازة، و زيارة قبور المؤمنين، و تلاوة القرآن، و نوم الجنب، و جماع المحتلم، و جماع غاسل الميت و لمّا يغتسل، و لمريد غسل الميت و هو جنب، و ذكر الحائض، و التأهب للفرض قبل وقته، و التجديد، و الكون على طهارة، كل ذلك للنص.

و الغسل يجب لما وجب له الوضوء، و لدخول المساجد، للآية(5)، و للجواز في المسجدين، للخبر(6)، و قراءة العزائم و أبعاضها، للإجماع، و لصوم الجنب، و الحائض و النفساء، و لصوم المستحاضة مع غمس القطنة، لا لصوم ماسّ الميت، للأصل.

ص: 193


1- سورة الواقعة: 79.
2- التهذيب 126:1 ح 342، الاستبصار 113:1 ح 376.
3- المبسوط 23:1، السرائر: 21.
4- الكافي في الفقه: 126.
5- سورة النساء: 42.
6- الكافي 50:3 ح 3، 4.

تنبيه:

ظاهر الأصحاب ان وجوب الغسل مشروط بهذه الأمور، فلا يجب في نفسه، سواء كان عن جنابة أو غيرها، لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1). عطفه على الوضوء المشروط بالصلاة، و عطف عليه التيمّم المشروط بها.

و لعدم الذمّ بتأخيره إلى وقت الصلاة.

و لصحيح عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن الصادق (عليه السلام) في المرأة يجامعها الرجل فتحيض و هي في المغتسل، هل تغتسل؟ قال: «قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل»(2).

و لصحيح زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، انه قال: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلا بطهور»(3)، و في «إذا» معنى الشرط، فقبل دخول الوقت لا وجوب.

و هذا الخبر لم يذكره المتعرّضون لبحث هذه المسألة، و هو من أقوى الأخبار دلالة و سندا، أورده في التهذيب في باب تفصيل واجب الصلاة.

و الراوندي - رحمه اللّه - و جماعة على وجوبه لا بشرط(4) لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الماء من الماء»(5).1.

ص: 194


1- سورة المائدة: 6.
2- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 370:1 ح 1128، السرائر: 485.
3- الفقيه 22:1 ح 67، التهذيب 140:2 ح 546.
4- فقه القرآن 31:1، مختلف الشيعة: 29.
5- مسند أحمد 29:3، سنن ابن ماجة 199:1 ح 607، سنن أبي داود 56:1 ح 217، الجامع الصحيح 186:1 ح 112، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 249:2 ح 1183، شرح معاني الآثار 54:1.

و صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام): «ان عليا (عليه السلام) قال:

إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل»(1).

و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «إذا أدخله فقد وجب الغسل، و المهر، و الرجم»(2)، و المعطوفان غير مشروطين.

و صحيح علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام): «إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل»(3).

و لفساد صوم تاركه و ان كان خاليا من عبادة مشروطة به.

قلنا: لا نزاع في الوجوب بهذه الأسباب، لكنّه مشروط بوجوب الصلاة توفيقا بين الأدلّة.

و يعارض: بالأوامر في الوضوء و باقي الأغسال غير المقيّدة بالصلاة، كقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «فمن نام فليتوضأ»(4).

و قول علي (عليه السلام): «من وجد طعم النوم قائما أوجب عليه الوضوء»(5).

و قول الرضا (عليه السلام): «إذا خفي الصوت وجب الوضوء»(6).

و قول الصادق (عليه السلام): «غسل الحائض إذا طهرت واجب، و غسل الاستحاضة واجب، و غسل من مسّ ميتا واجب»(7).

و شبه ذلك من الحكم بوجوب غسل الثوب و البدن و الإناء من النجاسة.5.

ص: 195


1- التهذيب 119:1 ح 314، السرائر: 19.
2- الكافي 46:3 ح 1، التهذيب 118:1 ح 310، الاستبصار 108:1 ح 358، السرائر: 19.
3- الكافي 46:3 ح 3، التهذيب 118:1 ح 312، الاستبصار 109:1 ح 360.
4- سيأتي تمامه في ص 209 الهامش 6.
5- التهذيب 8:1 ح 10، الاستبصار 80:1 ح 252.
6- الكافي 37:3 ح 14، التهذيب 9:1 ح 14، باختصار في الألفاظ.
7- الكافي 40:3 ح 2، الفقيه 45:1 ح 176، التهذيب 104:1 ح 270، الاستبصار 97:1 ح 315.

و هم يوافقون على ان المراد بها الوجوب المشروط.

و الأصل في ذلك: انه لما كثر علم الاشتراط أطلق الوجوب و غلب في الاستعمال، فصار حقيقة عرفية. قال المحقّق في المصريّة: إخراج غسل الجنابة من دون ذلك كلّه تحكّم بارد.

و الفائدة في نيّة الوجوب قبل الشرط عند من لم يكتف بالقربة، و في عصيان المكلّف لو ظنّ الموت قبل إدراك شرط الوجوب.

و ربّما قيل: يطرد الخلاف في كل الطهارات، لأن الحكمة ظاهرة في شرعيتها، مستقلة.

و يستحب الغسل لما يذكر بحسب الرواية، فروى محمد بن عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام): «ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أمر الأنصار بالغسل يوم الجمعة، فجرت بذلك السنّة»(1).

و عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «الجمعة، و العيدان، و يوم عرفة عند الزوال، و للإحرام، و دخول مكّة و الكعبة و المدينة، و الزيارة، و ثلاث الليالي في شهر رمضان»(2).

و قول الصدوق بوجوب الجمعة(3) - لرواية عبد اللّه بن المغيرة عن الرضا (عليه السلام)(4)، و رواية الحسين بن خالد عن الكاظم (عليه السلام)(5) - معارض، فيحمل على التوكيد، لرواية الحسين بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): «سنّة و ليس بفريضة»(6).

و يستحبّ للنساء و العبيد، لرواية ابن المغيرة عن الصادق (عليه3.

ص: 196


1- الفقيه 62:1 ح 230، علل الشرائع: 285، التهذيب 366:1 ح 1112.
2- التهذيب 110:1 ح 290.
3- الفقيه 61:1، الهداية: 22.
4- الكافي 41:3 ح 1، التهذيب 111:1 ح 291، 9:3 ح 28، الاستبصار 103:1 ح 336.
5- المحاسن: 313، الكافي 42:3 ح 4، التهذيب 111:1 ح 293.
6- التهذيب 112:1 ح 295، الاستبصار 102:1 ح 333.

السلام)(1).

و روى سماعة عن الصادق (عليه السلام): «يقضيه آخر النهار، فالسبت»(2) و رواية عمار عن الصادق (عليه السلام): «يغتسل و يعيد الصلاة في الوقت»(3)، للندب.

و يقدّم الخميس لخوف الإعواز، لأمر الكاظم (عليه السلام) امرأتيه به(4).

و لا يقدّم على الفجر اختيارا، لدعوى الشيخ الإجماع(5)، و إضافته - النبي (صلّى اللّه عليه و آله) - إلى اليوم(6).

و يمتد الى الزوال إجماعا، و قربه منه أفضل لتأكيد الغرض. و في الخلاف:

يمتدّ الى أن يصلّي الجمعة(7).

و ليدع في غسل الجمعة بما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام):».

ص: 197


1- الكافي 41:3 ح 1، التهذيب 111:1 ح 291، الاستبصار 103:1 ح 336، و في الجميع: عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
2- التهذيب 113:1 ح 300، الاستبصار 104:1 ح 340.
3- التهذيب 112:1 ح 298، الاستبصار 103:1 ح 338، باختصار في الألفاظ.
4- الكافي 42:3 ح 6، الفقيه 61:1 ح 227، التهذيب 365:1، ح 1110.
5- الخلاف 221:1 المسألة: 188.
6- سنن الدارمي 361:1، صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 580:2 ح 846، السن الكبرى 294:1.
7- الخلاف 220:1 المسألة: 188.

و يرجى فيها ليلة القدر»(1).

و روى بكير بن أعين عنه (عليه السلام): قضاء غسل ليالي الافراد الثلاث بعد الفجر لمن فاته ليلا(2).

و يوم الغدير، و نقل فيه الشيخ الإجماع(3).

و يوم التروية، و لتكفين الميت، و غسل الكسوف إذا أوعب.

و الحسن بن راشد عنه (عليه السلام): لليلة الفطر(4).

و روى أبو بصير عنه (عليه السلام): ليلة نصف شعبان(5).

و روى سماعة عنه (عليه السلام): «غسل المباهلة واجب»(6)، و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة في المشهور، و يراد التأكيد.

قال الشيخ: و روي عن الصادق (عليه السلام) غسل التوبة عن استماع الغناء(7) و لفتوى الأصحاب(8) و ان الغسل خير. و قيّده المفيد بالتوبة عن الكبائر(9).

و سماعة عنه (عليه السلام): للاستسقاء، و الاستخارة، و غسل المولود عند ولادته(10).

و محمد بن مسلم عن الباقر: دخول مسجد الرسول (صلّى اللّه عليه0.

ص: 198


1- التهذيب 114:1 ح 302، عن أحدهما (عليهما السلام).
2- التهذيب 373:1 ح 1142.
3- الخلاف 219:1 المسألة: 187.
4- الكافي 167:4 ح 3، الفقيه 109:2 ح 466، التهذيب 115:1 ح 303، علل الشرائع 1 : 338.
5- التهذيب 117:1 ح 308.
6- الفقيه 45:1 ح 176، التهذيب 104:1 ح 270.
7- الفقيه 45:1 ح 177، التهذيب 116:1 ح 304.
8- راجع: المبسوط 40:1، المهذب 33:1، الكافي في الفقه: 135، المعتبر 359:1.
9- المقنعة: 6.
10- الكافي 40:3 ح 2، الفقيه 45:1 ح 176، التهذيب 104:1 ح 270.

و آله)(1).

و عبد الرحيم القصير عن الصادق (عليه السلام): غسل الحاجة(2) و رواه مقاتل عن الرضا (عليه السلام)(3).

و فرادى رمضان، ذكره الشيخ في المصباح(4). و الشيخ محمد بن أبي قرّة ذكر ليلة أربع و عشرين و خمس و عشرين، و ليلة سبع و عشرين، و ليلة تسع و عشرين.

و نصف رجب و المبعث مشهوران، و لم يصل إلينا خبر فيهما.

و نوروز الفرس، رواه المعلى بن خنيس عن الصادق(5) و في المعلّى قول مع عدم اشتهاره. و فسّر بأول سنة الفرس، أو حلول الشمس الحمل، أو عاشر أيّار.

قال الصدوق: روي الغسل على قاتل وزغة، لخروجه عن ذنوبه(6)، و أثبته المفيد في الاشراف(7).

و قال: و روي وجوبه لرؤية المصلوب(8).

و روى بريد: رأيته اغتسل في ليلة ثلاث و عشرين مرتين: أول الليل، و آخره(9)، و الظاهر انه الإمام.

و ذكر الأصحاب لدحو الأرض: الخامس و العشرين من ذي القعدة.

و قال ابن الجنيد: يستحبّ لكلّ مشهد أو مكان شريف، أو يوم و ليلة شريفة، و عند ظهور الآثار في السماء، و عند كل فعل يتقرب به الى اللّه، و يلجأ فيه اليه.7.

ص: 199


1- التهذيب 105:1 ح 12.
2- الكافي 476:3 ح 1، الفقيه 353:1 ح 7، التهذيب 116:1 ح 305.
3- الكافي 477:3 ح 3، التهذيب 117:1 ح 306.
4- مصباح المتهجد: 570.
5- مصباح المتهجد: 790.
6- الفقيه 44:1، الهداية: 19.
7- الاشراف: 5.
8- الفقيه 45:1، الهداية: 19.
9- التهذيب 331:4 ح 1035، إقبال الأعمال: 207.

و قال المفيد في العزية: يستحب الغسل لرمي الجمار(1).

و الفاضل: للإفاقة من الجنون، لما قيل انه يمني(2)، و الحكم لا نعرفه، و التعليل لا نثبته.

نعم، روى العامة: ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يغمى عليه في مرض موته فيغتسل(3). فيكون الجنون بطريق الأولى.

و ظاهر ضعف هذا التمسك.

و لو صحّ الأول كان غسلا ينوي به(4) رفع الجنابة، و خصوصا عنده لاشتراطه في نيّة الطهارة، كما ينوي في غسل واجدي المني على الفراش المشترك.

و في التهذيب: لمن مسّ ميتا بعد الغسل، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(5). و استحب فيه الغسل لمن مات جنبا مقدّما على غسل الميت، لخبر العيص عن الصادق (عليه السلام)(6).

و ابن زهرة: لصلاة الشكر(7).

و المفيد في الإشراف: لمن أهرق عليه ماء غالب النجاسة(8).

فروع:
الأول: بعض هذه الأغسال آكد من بعض،

كالجمعة، و الإحرام و المولود، و السعي إلى المصلوب، مما قيل فيه بالوجوب، و كما اشتهر على ما لم يشتهر، و كما

ص: 200


1- العزية: مخطوط مفقود.
2- نهاية الإحكام 179:1.
3- صحيح البخاري 175:1، صحيح مسلم 311:1 ح 418، السنن الكبرى 123:1.
4- في س: فيه.
5- التهذيب 430:1 ح 1373، الاستبصار 100:1 ح 328.
6- التهذيب 433:1 ح 1387، الاستبصار 194:1 ح 683.
7- الغنية: 493.
8- الاشراف: 5.

علم مأخذه على ما لم يعلم. و تظهر الفائدة في مزاحمة اثنين على ماء مباح أو مبذول للأحوج، فالأهم منهما يقدم.

و الصدوق أطلق وجوب غسل الإحرام، و عرفة، و الزيارة، و الكعبة، و المباهلة، و الاستسقاء، و المولود(1).

الثاني: لا يختص غسل الجمعة بآتيها

الثاني: لا يختص غسل الجمعة بآتيها(2) لعموم قول الرضا (عليه السلام):

«واجب على كل ذكر و أنثى، من حر و عبد»(3).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من جاء إلى الجمعة فليغتسل»(4)يحمل على التأكيد، و لأن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق.

الثالث: قضاؤه مشروع لمن فاته لعذر و غيره،

لإطلاق الرواية(5) و خصّه الصدوق بالنسيان و العذر(6).

و لو قدّمه الخميس، ثم تمكّن منه في الجمعة، أعاد، لسقوط البدل بالمبدل.

و لو تعارض الحال بين التعجيل و القضاء، فالأفضل: التعجيل، لقربه من الجمعة.

الرابع: كل غسل لزمان فهو ظرفه،

و لمكان أو فعل فقبله، إلاّ غسل التوبة و المصلوب.

و في التقديم لخائف الإعواز و القضاء لمن فاته نظر، و لعلّهما أقرب، و قد نبّه عليه في غسل الإحرام، و في رواية بكير السالفة(7).

ص: 201


1- الفقيه 45:1 ح 176.
2- في م: بإتيانها.
3- الكافي 41:3 ح 1، التهذيب 111:1 ح 291، الاستبصار 103:1 ح 336.
4- سنن الدارمي 361:1، صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 579:2 ح 844
5- الكافي 23:3 ح 7، التهذيب 113:1 ح 300، 301.
6- الفقيه 61:1، الهداية: 23.
7- التهذيب 373:1 ح 1142، و تقدمت في ص 198 الهامش 2.

و ذكر المفيد قضاء غسل عرفة(1).

الخامس: لو فقد الماء، ففي شرعيّة التيمم نظر،

و قد ذكر في غسل الإحرام. و الأصل فيه انّها للنظافة المحضة، و ان التراب طهور. و على قول المرتضى بأنها ترفع الحدث(2) يقطع على استحباب التيمّم، و تكون مبيحة للصلاة.

السادس: الظاهر: ان غسل العيدين يمتدّ بامتداد اليوم،

عملا بإطلاق اللّفظ، و يتخرّج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة، أو الى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد، و هو ظاهر الأصحاب(3).

السابع: لا فرق في استحباب الغسل للتوبة بين: الفسق و الكفر،

و ان كان عن ردة.

و أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قيس بن عاصم(4) و ثمامة بن أثال(5)- بضمّ أول الاسمين - بعد إسلامهما بالغسل محمول على الندب، أو انه وجد منهما سبب الغسل - بناء على الغالب - و الإسلام لا يسقطه، إذ هو حدث له رافع معلوم.

الثامن: هيئة هذه الأغسال كهيئة الواجب،

فلو نذرها وجبت الهيئة كالترتيب. و لينو السبب فيها ليحصل التمييز فيها، بخلاف الواجب، لاختلاف الغايتين.

التاسع: الأقرب: إعادة غسل الفعل بتخلّل الحدث،

و قد ذكر في دخول مكة - شرّفها اللّه - و في النوم في الإحرام. و لو أحدث في الأثناء فالإعادة أولى.

ص: 202


1- الاشراف: 4.
2- الناصريات: 225.
3- راجع المقنعة: 22، المبسوط 40:1، النهاية: 135.
4- مسند أحمد 61:5، الجامع الصحيح 502:2 ح 605، سنن النسائي 109:1.
5- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 269:2 ح 1235، السنن الكبرى 171:1.
مسائل أربع:
الأولى: يمكن ان يكون الوضوء معتبرا في تحقق غايتها،

لعموم حسن حمّاد ابن عثمان عن الصادق (عليه السلام): «في كل غسل وضوء، إلاّ الجنابة»(1) و قول الكاظم (عليه السلام) في خبر علي بن يقطين: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل»(2).

و يمكن ان اعتباره في العبادة المشروطة به - كالصلاة، و الطواف - لإطلاق الأمر بالغسل، فالفاعل ممتثل.

و في مكاتبة محمّد بن عبد الرّحمن الهادي (عليه السلام): «لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة و لا غيره»(3).

و روى عمار عن الصادق (عليه السلام) في الغسل من جنابة، أو يوم جمعة، أو عيد، أ عليه وضوء قبل أو بعد؟ فقال (عليه السلام): «ليس عليه قبل و لا بعد»(4).

و في مرسل حمّاد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يغتسل الجمعة، أو غير ذلك، أ يجزئه عن الوضوء؟ فقال (عليه السلام): «و أي وضوء أطهر من الغسل»(5).

و هي دليل ابن الجنيد و المرتضى على إجزاء الغسل - فرضه و نفله - عن الوضوء(6) و حملت على سلب الوضوء بالنسبة إلى غاياتها، لا سلبه لأجل الصلاة.

ص: 203


1- التهذيب 143:1 ح 403، 303 ح 881، الاستبصار 209:1 ح 733.
2- التهذيب 142:1 ح 401، الاستبصار 127:1 ح 434.
3- التهذيب 141:1 ح 397، الاستبصار 126:1 ح 431.
4- التهذيب 141:1 ح 398، الاستبصار 127:1 ح 432.
5- التهذيب 141:1 ح 399، الاستبصار 127:1 ح 433.
6- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 33.

و يندفع بأنّه قد صرّح «لا وضوء للصلاة». و الحمل على غير وقتها بعيد جدا، لقوله: «و لا بعد».

و الحق أنّ الترجيح باعتبار الشهرة بين الأصحاب، و يكاد يكون إجماعا، و الروايات معارضة بمثلها و بما هو أصحّ إسنادا منها.

الثانية: أوجب ابن أبي عقيل غسل الإحرام

الثانية: أوجب ابن أبي عقيل غسل الإحرام(1) و نقله المرتضى عن كثير من الأصحاب(2).

و المشهور الاستحباب، و قول الصادق: «واجب»(3) يحمل على التأكيد.

و أوجب المرتضى - في المصرية الثالثة - و أبو الصلاح و سلاّر غسل الكسوف و الخسوف(4)، لظاهر الأمر عنهم (عليهم السلام)(5).

و يندفع باحتمال الصيغة: الندب، فيصار إليه لفتوى الأصحاب(6).

و أبو الصلاح غسل المصلوب(7) و أرسله الصدوق(8).

و أوجب ابن حمزة غسل المولود(9) لصيغة الوجوب، و هو من التأكيد.

الثالثة: قيل: لا تداخل في هذه الأغسال،

لاعتبار نية السبب.

و قال الشيخان: إذا ضمّ إليها واجب تداخلت إذا نوى الجميع، أو نوى الجنابة(10)، لخبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): «إذا اجتمعت للّه عليك

ص: 204


1- مختلف الشيعة: 28.
2- الناصريات: 224 المسألة 44.
3- الفقيه 45:1 ح 176، التهذيب 104:1 ح 270، الاستبصار 98:1 ح 316.
4- الكافي في الفقه: 135، المراسم: 40، و حكاه عن المرتضى: العلامة في مختلف الشيعة: 28.
5- الفقيه 44:1 ح 172، التهذيب 114:1 ح 302.
6- راجع: المقنعة: 6، المهذب 33:1، مختلف الشيعة: 28.
7- الكافي في الفقه: 135.
8- الفقيه 45:1 ح 175، الهداية: 19.
9- الوسيلة: 54.
10- الاشراف: 4، الخلاف 222:1 المسألة: 191.

حقوق أجزأك عنها غسل واحد»، قال: «و كذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها، و غسلها من حيضها، و عيدها»(1). و هذا قوي، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لكلّ امرئ ما نوى»(2).

و في الخبرين دلالة على إجزاء الواحد و إن لم يجامع الواجب، و لأنّ الغرض مسمى الغسل و هو حاصل، و من قال برفعه الحدث فلا إشكال عنده في التداخل، و لو نوى البعض حصل و بقي الآخر.

هذا كلّه مع اشتراكها في الندب. اما لو جامعها الواجب، فيشكل من حيث تضادّ وجهي الوجوب و الندب إن نواها معه، و وقوع عمل بغير نيّة إن لم ينوها، إلاّ أن يقال: نية الوجوب تستلزم نيّة الندب، لاشتراكهما في ترجيح الفعل، و لا يضر اعتقاد منع الترك، لأنّه مؤكّد للغاية، و مثله الصلاة على جنازتي بالغ و صبي لدون ست، بل مطلق الصلاة الواجبة.

و قال الشيخ: لو نوى المجنب و عليه غسل الجمعة الجميع، أو الجنابة، أجزأ عنهما. و لو نوى الجمعة لم يجزئ عن أحدهما، لعدم نيّة ما يتضمّن رفع الحدث فلا ترتفع الجنابة، و لأنّ الغرض التنظيف و لا يصحّ مع وجود الحدث فلا يحصل غسل الجمعة(3).

و نوقض بإجزاء غسل الإحرام من الحائض، للخبر(4) و فتوى الأصحاب(5).

و الفرق عدم قبول الحيض للرفع بخلاف الجنابة.9.

ص: 205


1- الكافي 41:3 ح 1، التهذيب 107:1 ح 279، السرائر 485.
2- التهذيب 186:4 ح 519 مسند أحمد 25:1، صحيح البخاري 2:1، صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907، سنن أبي داود 262:2 ح 2201، الجامع الصحيح 1079:4 ح 2147. السنن الكبرى 341:7.
3- الخلاف 36:1 المسائل 189-193.
4- الكافي 41:3 ح 1، التهذيب 107:1 ح 279.
5- راجع: المعتبر 362:1، مختلف الشيعة: 29.

و الأقرب - تفريعا على القول بانّ الغسل المندوب لا يرفع الحدث - صحته من كلّ محدث لحصول الغاية.

الرابعة: لو أجنبت ثم حاضت أخّرته،
اشارة

إذ لا طهارة مع الحيض، و لقول الصادق (عليه السلام): «قد جاءها ما يفسد صلاتها»(1)، و كذا لو نفست.

امّا لو استحيضت، لم يمنع الرفع مع بقاء حدث الاستحاضة، لأنّه غير مانع من الصلاة.

و امّا التيمّم فيجب لما تجب له الطهارتان، تحقيقا للبدليّة.

و في الصوم نظر، لعدم رفع الحدث به، و عدم اشتراط الطهارة فيه، و من وجوب الغسل المتعذر فلينتقل الى بدله، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«الصعيد طهور المسلم»(2) و قوله لأبي ذر: «يكفيك الصعيد عشر سنين»(3) و قول الصادق (عليه السلام): «هو بمنزلة الماء»(4).

و كذا في تيمّم الحائض لإباحة الوطء ان شرطنا الغسل، لرواية عمار عن الصادق (عليه السلام) به(5).

و يزيد(6): الخروج من المسجدين للمجنب و الحائض، لقول الباقر (عليه السلام) في المحتلم في المسجدين: «لا يمرّ إلاّ متيمّما».

و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك، رواه أبو حمزة عنه (عليه السلام)(7).

و في المعتبر: لا يجب على الحائض و إن استحب، لأنّه لا سبيل لها إلى

ص: 206


1- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 370:1 ح 1128، السرائر: 485.
2- سنن أبي داود 91:1 ح 333، الجامع الصحيح 212:2 ح 124، السنن الكبرى 212:1.
3- الفقيه 59:1 ح 221، التهذيب 194:1 ح 561.
4- التهذيب 200:1 ح 581، الاستبصار 163:1 ح 566.
5- التهذيب 405:1 ح 1268.
6- في «م»: و نريد، و في «س»: و مزيل، و في ط: و مريد. و مع التأمل الصحيح هو المتثبت.
7- الكافي 73:3 ح 14.

الطهارة بخلاف الجنب(1) و هو اجتهاد في مقابلة النص.

و ابن حمزة: يستحبّ التيمّم لخروج الجنب(2).

و ابن الجنيد: إذا اضطرّ الجنب أو الحائض إلى دخول المساجد تيمّما(3).

و يبعد إرادة منقطعة الحيض في الخبر، و في كلامه.

و جاز ان يكون التيمّم مبيحا لهذا - و إن كان الحدث باقيا - فإنّه لا يرفع الحدث في موضع إمكانه بالمائية، فكيف موضع استحالته؟.

فروع:
الأول: يجب على المجنب الذهاب بأقرب الطرق،

تخفيفا للكون. و لو قصر زمان الخروج عن زمان التيمّم، فالأقرب: الوجوب، للعموم(4).

الثاني: الأقرب: استحباب التيمّم لباقي المساجد،

لما فيه من القرب إلى الطهارة، و لا يزيد الكون فيه عن الكون في التيمّم في المسجدين.

الثالث: الخبر ورد في المحتلم،

و الظاهر: الشمول لكلّ مجنب، لعدم تعقّل خصوصيّة الاحتلام، و لا فرق بين الرجل و المرأة.

الرابع: لو أمكنه الغسل في المسجد بماء كثير أو قليل، ففي جوازه نظر،

الرابع: لو أمكنه الغسل في المسجد(5) بماء كثير أو قليل، ففي جوازه نظر، من تخصيص التيمّم بالذكر، مع حرمة الكون في المسجد، و قضية الأصل، و ذكر التيمم بناء على الغالب من عدم التمكّن من تعجيل الغسل في المسجد إعمالا للبدليّة الاضطرارية. و حينئذ يمكن تعيّن الغسل، و لو ساوى زمان التيمم فالإجزاء أقوى، هذا مع عدم تنجيس المسجد.

ص: 207


1- المعتبر 222:1-223.
2- الوسيلة: 70.
3- المعتبر 223:1.
4- التهذيب 407:1 ح 1280.
5- في س: المسجدين.

و يستحبّ بدلا من الوضوء في كلّ مكان يكون الوضوء رافعا. و في استحبابه بدلا من وضوء غير رافع - كنوم الجنب، و جماع المحتلم، و ذكر الحائض - وجه بطريق الأولى. و عن الغسل ذكر.

نعم، يستحبّ للنوم مع وجود الماء، و في الجنازة على المشهور، بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع(1) و هو في خبر سماعة.

قال: سألته عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير طهر، قال: «يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم»(2)، و لم أر لها رادّا غير ابن الجنيد، حيث قيده بخوف الفوت(3).

و في المعتبر: الإجماع لا نعلمه، و الخبر ضعيف المستند، و المتن مقطوع، فالتمسك بالأصل من اشتراط عدم الماء في التيمّم أولى ما لم يخف فوت الجنازة(4).

و يرد بحجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد، و الحجة عمل الأصحاب بالرواية فلا يضرّ ضعفها، و هي ظاهرة في المراد.

و في استحباب تجديده بحسب الصلوات وجه، مخرّج من الرواية الدالّة على التيمّم لكلّ صلاة، كما روي عن علي (عليه السلام)(5) و السكوني عن الصادق (عليه السلام)(6) و أبو همام عن الرضا (عليه السلام)(7) فحمله في التهذيب و المعتبر على الاستحباب(8).1.

ص: 208


1- الخلاف 160:1 المسألة: 112.
2- الكافي 178:3 ح 5، التهذيب 203:3 ح 477.
3- المعتبر 404:1.
4- المعتبر 405:1.
5- المصنف لابن أبي شيبة 160:1، السنن الكبرى 221:1.
6- التهذيب 201:1 ح 584، الاستبصار 163:1 ح 565.
7- التهذيب 201:1 ح 583، الاستبصار 164:1 ح 568.
8- التهذيب 201:1، المعتبر 403:1.
المطلب الثاني: في المستعمل منه. و هو الأسباب الموجبة للطهارة،
اشارة

و هي تنقسم ثلاثة أقسام: موجب الوضوء وحده، و موجب الغسل وحده، و موجبهما مجتمعين أو متفرّقين.

فالأول الموجبة للوضوء وحده
اشارة

ستة: خروج البول و الغائط و الريح من الموضع المعتاد، و النوم الغالب على الحاسّتين تحقيقا أو تقديرا، و ما يزيل العقل، و الاستحاضة - على وجه.

قال الشيخ: اتفق المسلمون أنّ خروج هذه ينقض الطهارة(1).

و لقوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ اَلْغائِطِ (2).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لكن من بول أو غائط»(3).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «فلا ينصرفنّ حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»(4).

و قول الصادق (عليه السلام): «لا يجب الوضوء إلاّ من بول، أو غائط، أو ضرطة، أو فسوة تجد ريحها»(5).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «العين وكاء السّه فمن نام فليتوضأ»(6)و السّه: حلقة الدبر.

ص: 209


1- لاحظ: التهذيب 5:1، المعتبر 106:1.
2- سورة النساء: 43.
3- سنن ابن ماجة 161:1 ح 478، السنن الكبرى 118:1.
4- صحيح مسلم 276:1 ح 362، سنن ابن ماجة 171:1 ح 514، الجامع الصحيح 109:1 ح 75، سنن النسائي 98:1.
5- التهذيب 10:1 ح 16.
6- سنن ابن ماجة 161:1 ح 477، سنن أبي داود 52:1 ح 303، سنن الدار قطني 161:1، السنن الكبرى 167:1.

و قال الباقر و الصادق (عليهما السلام): «و النوم حتى يذهب العقل»(1) و منه يعلم مزيل العقل.

و لقول الصادق (عليه السلام): «إذا خفي عليه الصوت وجب الوضوء»(2).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاة»(3)و بمعناه كلام الصادق (عليه السلام)(4).

مسائل:
الأولى: الخارج من الثلاثة من غير المخرج المعتاد ناقض ان اعتيد،

سواء كان فوق المعدة أو تحتها، و إلاّ فلا.

اما مع العادة، فلعموم الآية(5) و الحديث(6).

و لقول الصادق (عليه السلام): «ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك، اللذين أنعم اللّه بهما عليك»(7) لتحقّق النعمة بهما.

و اما مع الندور، فللأصل و الخبر، إذ ليس من(8) الطرفين.

الثانية: لا ينقض ما يخرج منهما غير الثلاثة و الدماء الثلاثة،

ما لم يستصحب حدثا، للأصل، و الخبر، و قول الصادق (عليه السلام): «ليس في

ص: 210


1- الكافي 36:3 ح 6، الفقيه 37:1 ح 137، التهذيب 9:1 ح 15.
2- الكافي 37:3 ح 14، التهذيب 9:1 ح 14، عن أبي الحسن (عليه السلام).
3- سنن أبي داود 80:1 ح 298، السنن الكبرى 347:1.
4- الكافي 88:3 ح 2، التهذيب 106:1 ح 277.
5- سورة النساء: 43.
6- الكافي 36:3 ح 2، التهذيب 10:1 ح 18.
7- الكافي 35:3 ح 1، التهذيب 10:1 ح 17، الاستبصار 85:1 ح 271.
8- ليست في م، س.

حب القرع و الديدان الصغار وضوء»(1) و التقييد بالصغار لأن الكبيرة مظنة التلطّخ، و عليه يحمل قول الصادق (عليه السلام) في الوضوء من حب القرع(2).

الثالثة: لا ينقض خروج الريح من الذّكر،

للأصل، و لعدم المنفذ الى الجوف.

أمّا قبل المرأة، فقال الفاضلان: ينقض خروج الريح منه للمنفذ، و تسميته ريحا(3).

و يشكل: بالحمل على المعهود مع التمسك بالأصل حتى يعتاد.

اما الجشاء، فلا ينقض إجماعا.

الرابعة: لا ينقض الدهن المستدخل و الحقنة إذا خرجا ما لم يستصحبا،

خلافا لابن الجنيد في الحقنة(4).

و لو خرجت المقعدة ملوّثة بالغائط، ثم عادت و لمّا ينفصل، فالأقرب: عدم النقض، لعدم صدق الخروج المعهود.

الخامسة: الخنثى المشكل

إذا اعتاد المخرجين نقضا، و إلاّ فالناقض المعتاد، و لا يشترط مع الاعتياد الخروج منهما بل يكفي أحدهما.

السادسة: لا تنقض السنة -

و هي: ابتداء النعاس - لعدم التسمية، و لعدم ذهاب العقل.

و لا فرق بين حالات النائم، للعموم، و لحسن عبد الحميد عن الصادق (عليه السلام): «من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش، على أي الحالات، فعليه الوضوء»(5).

ص: 211


1- الكافي 36:3 ح 4، التهذيب 12:1 ح 22.
2- التهذيب 11:1 ح 19، الاستبصار 82:1 ح 257.
3- المعتبر 108:1، نهاية الإحكام: 71:1، تذكرة الفقهاء 11:1.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 18.
5- التهذيب 6:1 ح 3، الاستبصار 79:1 ح 247.

و الصدوق أورد خبر سماعة في الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا: «لا وضوء عليه»(1) و قول الكاظم (عليه السلام): «لا وضوء عليه ما دام قاعدا لم ينفرج»(2).

و أبوه لم يذكر النوم في النواقض.

و الخبران محمولان على السنة، مع قطع الأول، و عدم العلم بصحة سند الثاني.

السابعة: لا ينقض المذي مطلقا،

لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«ليس بشيء»(3) و لخبر عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام): «ما هو إلاّ كالنّخامة»(4).

و ابن الجنيد: ينقض عقيب الشهوة(5)، لصحيح محمّد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام)، و أسنده (عليه السلام) أيضا الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(6)، و حملت على الندب(7).

و كذا الودي و القهقهة.

و حجة ابن الجنيد بخبر سماعة المقطوع(8) يحمل على الندب.

و لا دم من السبيل يشك في خلوّه من الحدث، لخبر أبي بصير عن الصادق

ص: 212


1- الفقيه 38:1 ح 143.
2- الفقيه 38:1 ح 144.
3- التهذيب 17:1 ح 39، الاستبصار 91:1 ح 292.
4- الكافي 39:3 ح 2، علل الشرائع: 296، التهذيب 17:1 ح 38، الاستبصار 91:1 ح 291.
5- مختلف الشيعة: 18.
6- التهذيب 18:1 ح 42، الاستبصار 92:1 ح 295.
7- حملها الشيخ في التهذيب 18:1، و الاستبصار 92:1.
8- مختلف الشيعة: 18. و خبر سماعة في التهذيب 12:1 ح 23، الاستبصار 83:1 ح 262، 86 ح 273.

(عليه السلام) في كل دم سائل: «ليس فيه وضوء»(1).

و ابن الجنيد أوجبه، و وافق مع علم خلوّه في عدم الوضوء(2).

و خبر أبي عبيدة عن الصادق (عليه السلام): ينقض الوضوء مع استكراهه الدم السائل(3) حمل على التقيّة أو الندب(4) و كذا خبر عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام)(5).

و لا مسّ قبل و دبر - باطنا و ظاهرا، محرّما أو محللا - و لا قبلة، لما مر.

و صحيح ابن أبي عمير المرسل عن الصادق (عليه السلام): «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مسح الفرج، و لا من المضاجعة، وضوء»(6).

و صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام): «ليس في القبلة و المباشرة، و لا مس الفرج، وضوء»(7).

و حجة ابن الجنيد(8) بخبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة، أو مس فرجها، أعاد الوضوء»(9) و حجّة الصدوق(10) لخبر عمّار عنه (عليه السلام): «من مس باطن دبره و إحليله أعاد الوضوء»(11) محمولان4.

ص: 213


1- الكافي 37:3 ح 13، التهذيب 15:1 ح 33، الاستبصار 84:1 ح 264.
2- مختلف الشيعة: 18.
3- التهذيب 13:1 ح 26، الاستبصار 83:1 ح 263، باختصار في الألفاظ.
4- التهذيب 13:1، و الاستبصار 83:1.
5- التهذيب 350:1 ح 1032، الاستبصار 84:1 ح 267.
6- التهذيب 19:1 ح 47 و 253 ح 734، الاستبصار 93:1 ح 200 و 174 ح 605.
7- الكافي 375:3 ح 12، الفقيه 38:1 ح 145، التهذيب 21:1 ح 54، الاستبصار 87:1 ح 277.
8- مختلف الشيعة: 17، المعتبر 113:1.
9- التهذيب 22:1 ح 56، الاستبصار 88:1 ح 280.
10- الفقيه 39:1.
11- التهذيب 45:1 ح 127، 348 ح 1023، الاستبصار 88:1 ح 284.

على الندب مع صحة السند.

و لا قيء و ان ملأ الفم.

و لا إنشاد شعر كذب و ان زاد على أربعة أبيات.

و حمل الشيخ رواية سماعة(1) به على الندب(2)، مع أنّها مقطوعة معارضة برواية معاوية بن ميسرة عن الصادق (عليه السلام)(3).

و لا بمس النساء مطلقا. و الآية(4) يراد بها الجماع، قضاء للعرف.

و لقول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي مريم في لمس المرأة: «لا و اللّه، ما بذا بأس»، و فسّر الملامسة بالمواقعة(5).

و لا أكل ما مسته النار.

و ما روي من قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «توضئوا مما مسّته النار»(6)منسوخ بخبر جابر: كان آخر الأمرين من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ترك الوضوء مما مسّته النار(7).

و لا دم حجامة، لخبر أنس: انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله): احتجم و صلّى و لم يتوضأ، و لم يزد على غسل محاجمه(8).

و لا أكل لحم جزور.

و لم يثبت قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «توضئوا من لحوم الإبل»(9).1.

ص: 214


1- التهذيب 16:1 ح 35، الاستبصار 87:1 ح 276.
2- التهذيب 16:1، الاستبصار 87:1.
3- التهذيب 16:1 ح 37، الاستبصار 86:1 ح 275.
4- سورة المائدة: 6.
5- التهذيب 22:1 ح 55، الاستبصار 87:1 ح 278.
6- صحيح مسلم 272:1 ح 351، سنن أبي داود 50:1 ح 195، الجامع الصحيح 114:1 ح 79، سنن النسائي 105:1.
7- سنن أبي داود 49:1 ح 192، سنن النسائي 108:1، السنن الكبرى 156:1.
8- سنن الدار قطني 157:1، السنن الكبرى 141:1.
9- مسند أحمد 288:4، سنن ابن ماجة 66:1 ح 494، سنن أبي داود 47:1 ح 184، الجامع الصحيح 123:1 ح 81.

فهو منسوخ بخبر جابر(1)، أو يحمل على غسل اليد.

و لا قصّ شارب، و تقليم ظفر، و نتف إبط، لخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): في القلم و الجزّ، و الأخذ من اللّحية و الرأس، انه يزيده تطهيرا(2) 3.

و نقل الخلاف في الثلاثة عن مجاهد و الحكم و حماد من العامة بغير حجة(3).

و رواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في القلم و أخذ الشعر بعد الوضوء انه يمسحهما بالماء(4) للندب.

و لا فتح الإحليل، خلافا للصدوق(5).

و لا ارتداد و لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (6) مقيّد بموته عليه.

و الخبر عن الصادق (عليه السلام) بالوضوء من مصافحة المجوسي و مس الكلب(7) محمول على التنظيف.

القسم الثاني: موجب الغسل و حدّه.

و هو الجنابة باتّفاقنا، لقوله تعالى فَاطَّهَّرُوا (8).

ص: 215


1- راجع الهامش 7 المتقدّم.
2- الفقيه 38:1 ح 140، التهذيب 346:1 ح 1013، الاستبصار 95:1 ح 308.
3- المغني 229:1، الشرح الكبير 228:1.
4- الكافي 37:3 ح 11، التهذيب 345:1 ح 1010، الاستبصار 95:1 ح 307.
5- الفقيه 39:1.
6- سورة الزمر: 65.
7- التهذيب 23:1 ح 60، 347 ح 1020، الاستبصار 89:1 ح 285 ح 286.
8- سورة المائدة: 6.

و قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا (1) غيّا المنع به فلا يتوقّف على غيره.

و للخبر عن زوج النبي (صلّى اللّه عليه و آله): كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يتوضّأ بعد الغسل من الجنابة(2).

و قيل للباقر (عليه السلام): كان علي يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة، فقال: «كذبوا على علي (عليه السلام)»(3).

و لقول الكاظم (عليه السلام): «لا وضوء عليه»(4).

و من ثم يجزئ عن غيره، و الأقرب العكس أيضا و خصوصا مع الوضوء، لأنّ خصوصية السبب ملغاة، و المعتبر هو القدر المشترك، و لما مر.

و لرواية زرارة عن الباقر (عليه السلام): «إذا حاضت المرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد»(5).

و عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في الحائض بعد الجنابة:

«تجعله غسلا واحدا»(6) و مثله عن حجاج الخشاب عن الصادق (عليه السلام)(7).

و ربما احتج مانع العكس بخبر سماعة عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام) في الحائض بعد الجماع: «غسل الجنابة عليها واجب»(8).

و هو من مفهوم اللقب و ليس بحجة، و جاز ذكره ليعلم بقاء حدث الجنابة، فيكون الغسل بعد الحيض رافعا لهما.5.

ص: 216


1- سورة النساء: 43.
2- سنن ابن ماجة 191:1 ح 579.
3- التهذيب 142:1 ح 400، الاستبصار 125:1، 426.
4- التهذيب 142:1 ح 402.
5- التهذيب 395:1 ح 1225، الاستبصار 146:1 ح 502، السرائر: 485.
6- التهذيب 395:1 ح 1226، الاستبصار 147:1 ح 503.
7- التهذيب 395:1 ح 1227، الاستبصار 147:1 ح 504.
8- التهذيب 395:1 ح 1228، الاستبصار 147:1 ح 505.

و هذه الأخبار تدلّ على إجزاء الواحد، و هو شامل للنية المطلقة - في الرفع أو الاستباحة - و للنية المخصصة. و مع الإطلاق، أو تخصيص الجنابة لا وضوء قطعا. و مع تخصيص غيره، الأقرب: وجوبه، للعموم.

و قوّى في المعتبر عدم الوضوء، لأنّه جنب(1) و لظاهر الأخبار.

أما غسل المستحاضة إذا جامع هذه، فان كانت منقطعة، و قلنا بوجوبه، تداخل و ان كان الدم مستمرا. اما مع التخير أو التيقن، فالأحوط: التعدّد، لبقاء الحدث.

و على الاكتفاء بالقربة، لا بحث في التداخل في غير الاستحاضة.

القسم الثالث الموجبة للوضوء و الغسل مجتمعين أو متفرقين
اشارة

الدماء الثلاثة، و مسّ ميت الآدمي النجس، و يجامعها الوضوء عند الأكثر، لعموم قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (2).

و لصحيح ابن أبي عمير المرسل عن الصادق (عليه السلام): «كلّ غسل قبله وضوء، إلاّ غسل الجنابة»(3).

و لخبر حماد عنه (عليه السلام): «في كلّ غسل وضوء، إلاّ الجنابة»(4).

و حكم بتقديم الوضوء: المفيد(5) و الصدوقان(6) و أبو الصلاح(7) و الشيخ - في الجمل(8) - للخبر(9).

ص: 217


1- المعتبر 361:1.
2- سورة المائدة: 6.
3- الكافي 45:3 ح 13، التهذيب 139:1 ح 391، الاستبصار 126:1 ح 428.
4- التهذيب 143:1 ح 403، 303 ح 881، الاستبصار 209:1 ح 733.
5- المقنعة: 7.
6- الفقيه 46:1، الهداية: 20، مختلف الشيعة: 34.
7- الكافي في الفقه: 134، 135.
8- الجمل و العقود: 163.
9- راجع الهامش 3.

و في المبسوط: يجوز التأخير، و التقديم أفضل(1) للأصل، و لخبر حمّاد.

و الأول أشهر.

و قد روى عبد اللّه بن سليمان عن الصادق (عليه السلام)، و سليمان بن خالد عن الباقر: «الوضوء بعد الغسل بدعة»(2).

و من موجبات الغسل: الموت، و إن لم يسمّ حدثا، و هو كاف عن جميع الأغسال، لسقوط التكليف.

و في الجنابة روايتان: أشهرهما سقوط غسلها، و هي عن الباقر(3)و الصادق(4) و الكاظم(5) و الأخرى سبقت(6).5.

ص: 218


1- المبسوط 30:1.
2- الكافي 45:3 ح 12، التهذيب 140:1 ح 395، 396.
3- الكافي 154:3 ح 1، التهذيب 432:1 ح 1384، الاستبصار 194:1، ح 680.
4- الكافي 154:3 ح 2، التهذيب 432:1 ح 1382.
5- التهذيب 432:1 ح 1383، الاستبصار 194:1 ح 679.
6- سبقت في ص 200 الهامش 5.

فهنا مقامات ستة:

المقام الأول: للجنابة سببان:
اشارة

الإنزال مع علم كون الخارج منيّا، نوما كان أو يقظة، بشهوة أو غيرها، بإجماع المسلمين، و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الماء من الماء»(1).

و له خواص أربع: خروجه بدفق دفعات غالبا.

قال اللّه عزّ و جلّ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (2).

و مقارنة الشهوة له، و فتور الجسد و الشهوة بعده، و قرب رائحته من رائحة الطلع و العجين ما دام رطبا، و من بياض البيض جافّا. و لمنيّ الرجل الثخانة و البياض، و يشاركه فيهما الوذي، و لمني المرأة الصفرة و الرقة، و يشاركه فيهما المذي، كلّ ذلك حال اعتدال الطبع.

و التقاء الختانين، لقول علي (عليه السلام): «إذا التقى الختانان وجب الغسل»(3).

و قول الرضا (عليه السلام) مثله(4).

و قول أحدهما (عليهما السلام): «إذا أدخله فقد وجب الغسل، و المهر، و الرجم»(5).

و قد يعبر عنه بالشعب، فعن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل»(6)، و هي: رجلاها و فرجاها.

ص: 219


1- تقدم في ص 194 الهامش 5.
2- سورة الطارق: 6.
3- التهذيب 119:1 ح 314.
4- الكافي 48:3 ح 2، التهذيب 118:1 ح 311، الاستبصار 108:1 ح 359.
5- الكافي 46:3 ح 1، التهذيب 118:1 ح 310، الاستبصار 108:1 ح 358.
6- المصنف لعبد الرزاق 246:1 ح 940، مسند أحمد 234:2، صحيح مسلم 271:1، 348، سنن ابن ماجة 200:1 ح 610، سنن النسائي 111:1، سنن الدار قطني 113:1.

و هو مرويّ عن عائشة: فعلته أنا و رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فاغتسلنا(1).

و حدّه غيبوبة الحشفة، كما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام)(2).

و معنى الالتقاء: تحاذيهما، لا انضمامهما، لعدم إمكانه، فإنّ مدخل الذكر أسفل الفرج و هو مخرج الولد و الحيض، و موضع الختان أعلاه، و بينهما ثقبة البول و الأسكتان(3)، تحيطان بهما جميعا لا يصل إليه شيء من الحشفة. لكن لو كان عند إحاطة الشفرين بأول الحشفة، لاقى بعض الحشفة ذلك الموضع، كان التضامّ ممكنا، و يمكن ان يراد بالخبر ذلك.

ثم لا يعتبر موضع الختان بعينه فيهما. أمّا في الرجل، ففي المقطوع إذا غيّب بقدر الحشفة. و أمّا في المرأة، فلوجوب الغسل بالإيلاج في الدّبر - على الأصح - لنقل المرتضى الإجماع(4).

و لقول الصادق (عليه السلام): «هو أحد المأتيّين فيه الغسل»(5).

و لفحوى إنكار علي (عليه السلام) على الأنصار(6).

و صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في تعليق الغسل على الإنزال فيما دون الفرج(7) و رواية ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام) في إتيانها في الدبر:0.

ص: 220


1- سنن ابن ماجة 199:1 ح 608، الجامع الصحيح 180:1 ح 108، سنن الدار قطني 1: 111.
2- الكافي 46:3 ح 2، التهذيب 118:1 ح 311، الاستبصار 108:1 ح 359، عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام).
3- الأسكتان - بكسر الهمزة -: جانبا الفرج، و هما قذّتاه. الصحاح - مادة اسك.
4- مختلف الشيعة: 31.
5- التهذيب 414:7 ح 1658، الاستبصار 243:3 ح 868.
6- التهذيب 119:1 ح 314.
7- الفقيه 47:1 ح 185، التهذيب 124:1 ح 335، الاستبصار 111:1 ح 370.

«لا غسل عليهما»(1) غير صريحين، لأنّ الدبر فرج، و الإتيان لا يستلزم الإيقاب.

و لا فرق بين دبري الذكر و الأنثى، للإجماع المركّب.

قال المحقّق - لمّا نقل عن المرتضى: كلّ من قال بإيجاب الغسل في دبرها قال به في دبر الذكر -: لم أتحقّق إلى الآن ما ادّعاه، فالأولى التمسّك فيه بالأصل(2).

أمّا فرج البهيمة فلا نصّ فيه، و الحمل على ختان المرأة قوي، و لفحوى قضيّة الأنصار(3).

و المفعول كالفاعل في الوجوب.

و الميتة كغيرها، للخبر: «إن حرمة الميت كحرمة الحي»(4) و صدق الختان و غيره من الظواهر.

و واجد المني على بدنه أو ثوبه أو فراشه المختصّ به جنب، و ان لم يذكر احتلاما و لا شهوة، لأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) سئل عمّن يجد البلل و لا يذكر احتلاما، قال: «يغتسل»(5)، و لخبر سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)(6).

و يعيد كلّ صلاة لا يمكن سبقها بالنظر الى الحدث، و بالنظر الى الخبث يعيد ما كان في وقته لا ما خرج.

و قول الشيخ في المبسوط بإعادة كل ما صلاّه بعد آخر غسل رافع للحدث(7) للاحتياط، أو لأنّه نزع الثوب و صلّى في غيره.1.

ص: 221


1- الكافي 47:3 ح 8، التهذيب 125:1 ح 336، الاستبصار 112:1 ح 371، عن البرقي رفعه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام).
2- المعتبر 181:1.
3- راجع الهامش 6، المتقدم.
4- التهذيب 62:10 ح 229.
5- سنن ابن ماجة 200:1 ح 612، الجامع الصحيح 190:1 ح 113، السنن الكبرى 168:1.
6- التهذيب 367:1 ح 1118، الاستبصار 111:1 ح 367.
7- المبسوط 28:1.

و مع الاشتراك، لا غسل عليهما، للأصل. و اعتبار الشركة بعد قيامه من موضعه عند الشيخ(1)، و الظاهر: اعتبارها مطلقا. و يستحب لهما الغسل الرافع للحدث، و كذا لو تعدّوا.

و في سقوط اعتبار الجنابة عن الجميع نظر، من القطع بجنب، و من أصالة عدم تعلّق تكليف مكلّف بغيره. و تظهر الفائدة في الائتمام، و انعقاد الجمعة.

و قطع المحقّق بالأول(2).

مسائل:
الأولى: مراعاة صفات المنيّ إنّما هي مع الاشتباه،

فلو تيقّن المني فلا عبرة بها، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الماء من الماء»(3)، و قول علي (عليه السلام): «إنّما الغسل من الماء الأكبر»(4).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) للمرأة تحتلم: «أ تجد لذة؟»(5) محمول على الاشتباه، لأنّ اللذة شرط. فلو أحسّ بخروجه فأمسك، ثم خرج بعد بغير شهوة و لا فتور، وجب الغسل حينئذ. و كذا لو لم يستبرئ و اغتسل، ثم وجد بللا معلوما أو مشتبها، بناء على أنّه من الأول غالبا.

و مع الاشتباه يعتبر الصفات، لخبر علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام): «إن لم يكن شهوة، و لا فتور، فلا بأس»(6).

و يكفي في المريض الشهوة وحدها، لخبر ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه

ص: 222


1- النهاية: 20.
2- المعتبر 179:1.
3- تقدم في ص 194 الهامش 5.
4- الكافي 48:3 ح 1، التهذيب 120:1 ح 316 و 368 ح 1121، الاستبصار 109:1 ح 362.
5- أرسله المحقق في المعتبر 177:1.
6- قرب الاسناد: 85، التهذيب 120:1 ح 317، الاستبصار 104:1 ح 342.

السلام)(1).

الثانية: لا عبرة بالشهوة و الفتور من غير أمناء

- و إن احتلم بالجماع - للخبر عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(2)، و لخبر الحسين بن أبي العلاء(3).

و لو شك في كونه منيّا، و لم يتميّز بالصفة، فالأصل: الطهارة.

الثالثة: روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن الصادق (عليه السلام): عدم وجوب الغسل على المرأة بخروج نطفة الرجل .

الثالثة: روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن الصادق (عليه السلام): عدم وجوب الغسل على المرأة بخروج نطفة الرجل(4). نعم، لو علمت الاختلاط وجب. و لو شكّت، فالأحوط: الوجوب، للاختلاط المظنون. و في خبر سليمان ابن خالد عنه (عليه السلام): «ما يخرج منها إنّما هو من ماء الرجل»(5).

الرابعة: لا يكفي في الإيلاج غيبوبة بعض الحشفة،

للخبرين السالفين(6)، و لا إيلاج الخنثى فرجه، لجواز زيادته، و لا إيلاج الخنثى في الخنثى.

و لو أولج فيه الواضح دبرا وجب، و قبلا لم يجب، لما ذكر.

و في التذكرة: يجب، لصدق التقاء الختانين، و وجوب الحدّ به(7). و فيهما منع.

و يلزمه الوجوب و لو علم رجولية المولج فيه.

و لو أولج رجل في قبل الخنثى، و أولجت في فرج امرأة، وجب الغسل على الخنثى، لامتناع الخلو عن الموجب، و الرجل و المرأة كواجدي المني على الثوب المشترك، لأنّه إن كان الخنثى امرأة فالرجل جنب، و إن كان رجلا فالمرأة جنب.

الخامسة: إيلاج الصبي في البالغة، و بالعكس،

موجب للغسل على البالغ

ص: 223


1- الكافي 48:3 ح 4، التهذيب 369:1 ح 1124، الاستبصار 110:1 ح 365.
2- تقدم في ص 222، الهامش 3.
3- الكافي 48:3 ح 1، التهذيب 120:1 ح 316، الاستبصار 109:1 ح 362.
4- الكافي 49:3 ح 3، التهذيب 146:1 ح 413.
5- الكافي 49:3 ح 1، علل الشرائع: 287 ح 1، التهذيب 143:1 ح 404، الاستبصار 1: 118 ح 399.
6- راجع ص 220.
7- تذكرة الفقهاء 23:1.

منهما، و في الآخر نظر، و كذا الصبي في الصبيّة، من أنّه من باب الأسباب أو الأحكام. و تظهر الفائدة في منعه عن المساجد، و العزائم، و مسّ كتابة القرآن.

و في استباحتها بغسله الآن وجهان، و كذا في اكتفائه به لو بلغ، و الأقرب تجديده.

السادسة: الملفوف كغيره

و إن غلظت اللفافة، لالتقاء الختانين.

و احتمل الفاضل السقوط، لأنّ اللذة إنّما تحصل بارتفاع الحجاب(1).

و في غير اللينة - و هي المانعة من الحرارة و البلل - و كذا باقي أحكام الإيلاج - كالمصاهرة، و التحليل، و الحرمة -، و في المقطوع، و آلة الميت، و البهيمة، نظر، للأصل، و صدق الالتقاء.

أمّا استدخال آلة النائم، أو الإيلاج في النائمة، فتتعلق بهما الأحكام قطعا، و لا يقبل إخبار كلّ منهما على صاحبه إلاّ مع علم صدقه.

السابعة: لا فرق بين العضو الأشلّ و غيره.

و لو قطع بعض الحشفة كفى الباقي، إلاّ أن يذهب المعظم، فيغيّب بقدرها.

الثامنة: لو خرج المني من ثقبة اعتبر الاعتياد.

و الخروج من الصلب فما دونه و من فوقه وجه، عملا بالعادة.

و لو خرج بلون الدم لكثرة الوقاع، فالأقرب: الوجوب، تغليبا للخواص.

و وجه العدم: أنّ المني دم في الأصل، فلما لم يستحلّ الحق بالدّماء.

التاسعة: لا فرق بين الرجل و المرأة في خروج المني،

لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لأم سليم لمّا سألته عن الغسل لاحتلام المرأة: «نعم، إذا رأت الماء»(2)و هو يشعر باشتراط الانفصال عن الفرج.

و في خبر معاوية عن الصادق (عليه السلام): «إذا أمنت من شهوة في نوم

ص: 224


1- نهاية الإحكام 94:1، تذكرة الفقهاء 24:1.
2- مسند أحمد 292:1، 302، سنن النسائي 115:1، السنن الكبرى 168:1.

أو يقظة، جامعها أو لا، فعليها الغسل»(1) و مثله عن الكاظم(2) و الرضا عليهما السلام(3).

و لا يعارضه خبر عمر بن أذينة عن الصادق (عليه السلام)(4)، و مقطوع زرارة(5) بعدم الغسل عليها، لشهرة الأول، و أوّل الثاني باحتمال رؤيتها الماء مناما لا غير.

العاشرة: الغسل يجب على الكافر كسائر العبادات،

و لا يسقط بإسلامه، لبقاء سببه كالحدث الأصغر، و لا يقع منه في حال كفره، لاشتراط النّية الممتنعة منه.

ص: 225


1- التهذيب 122:1 ح 324، الاستبصار 106:1 ح 347.
2- الكافي 47:3 ح 7، التهذيب 122:1 ح 326.
3- الكافي 47:3 ح 5، التهذيب 123:1 ح 327، الاستبصار 108:1 ح 354.
4- التهذيب 123:1 ح 329، الاستبصار 107:1 ح 351.
5- التهذيب 124:1 ح 332، الاستبصار 107:1 ح 353، عن عبيد بن زرارة.

ص: 226

المقام الثاني: في الحيض.
اشارة

و هو لغة: السيل بقوة، من قولهم: حاض الوادي، إذا سال بقوة.

و يسمّى: محيضا - للآية(1) - و طمثا، و هو كثير في الأخبار(2).

و شرعا: قال في المبسوط: انه الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدّة على وجه، اما بظهوره أو انقطاعه(3) و عنى به: اختلاف تفسيري القرء. و هو غير مانع، لمشاركة النفاس إيّاه في هذه الخاصة، في مثل المطلقة و هي حامل من الزنا، فإنّه ربّما رأت قرءين في الحمل، بناء على حيض الحامل، ثم ترى قرءا بعد الوضع، فيكون بظهور دم النفاس أو انقطاعه انقضاء عدّتها.

و حذف شطره الأخير المحقّق(4) لأنّ التعلّق مشعر به. و لو حذف الانقضاء أمكن، لأنّ العدّة بالأقراء، و هي: إمّا الحيض أو الطهر المنتهى به، فله في الجملة تعلّق بالعدّة.

و عرّفه الشيخ أيضا بأنّه: الدم الأسود الخارج بحرارة على وجه(5).

و هو مأخوذ من قول الصادق (عليه السلام): «دم الحيض حار عبيط أسود(6)و العبيط: هو الخالص الطري - بالعين المهملة.

و الحكمة فيه تربية الولد، لإعداده الرحم للحمل، و اغتذائه جنينا و رضيعا مخلوعا عنه صورة الدم، و من ثم قلّ حيض المرضع.

و في الحامل خلاف. و ادّعى الشيخ الإجماع على عدم الحيض إذا استبان

ص: 227


1- سورة البقرة: 222.
2- لاحظ: الكافي 94:3 ح 2، التهذيب 385:1 ح 1184.
3- المبسوط 41:1.
4- شرائع الإسلام 28:1.
5- المبسوط 41:1.
6- الكافي 91:3 ح 1، التهذيب 151:1 ح 429.

الحمل(1)، و يمكن قبله.

و في الأخبار الصحيحة المشهورة عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام) إطلاق حيضها(2). و عليها: الصدوقان(3) و المرتضى(4) و الفاضل(5).

و في خبر السكوني عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل»(6)، و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «لا توطأ حامل حتى تضع، و لا حائل حتى تستبرأ بحيضة»(7) فهي علم لبراءة الرحم من الحمل، فكيف يجامعه؟ و عليه: المفيد(8) و ابن الجنيد(9) و ابن إدريس(10).

و في صحيح الحسين بن نعيم عن الصادق (عليه السلام) في العادة أو قبلها بقليل: حيض، لا بعدها بعشرين يوما(11). و عليه النهاية(12). و حملت على عدم الشرائط غالبا بعد العادة.

و من ثم لا تحيض الناقصة عن تسع إجماعا، و لا الزائدة عن ستين سنة إن كانت قرشية أو نبطية، أو خمسين لغيرهما، لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه5.

ص: 228


1- الخلاف 239:1 المسألة: 205، و قد استفيد الإجماع على المسألة من قوله: عندنا، و نسب الى الشيخ ذلك أغلب من تعرض للمسألة، راجع: المعتبر 201:1، الحدائق الناضرة 177:3، جواهر الكلام 262:3، مفتاح الكرامة 341:1.
2- الكافي 95:3 ح 1، 98 ح 6، التهذيب 386:1 ح 1186، 388، ح 1197، الاستبصار 1: 138 ح 473، 141 ح 483.
3- الفقيه 51:1، المقنع: 16، المعتبر 200:1.
4- الناصريات: 227 المسألة 61.
5- تذكرة الفقهاء: 26:1، مختلف الشيعة: 37.
6- التهذيب 387:1 ح 1196، الاستبصار 140:1 ح 481.
7- مسند أحمد 62:3، سنن الدارمي 171:2، سنن أبي داود 248:2 ح 2157.
8- المقنعة: 81.
9- المعتبر 200:1، مختلف الشيعة: 36.
10- السرائر 29.
11- الكافي 95:3 ح 1، التهذيب 388:1 ح 1197، الاستبصار 140:1، ح 482.
12- النهاية: 25.

السلام): «إذا بلغت خمسين لم تر حمرة، إلاّ القرشية»(1).

و في خبري عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) إطلاق الستين و الخمسين(2) فجمع بينهما بالتفصيل.

و اما النبطيّة فذكره المفيد - رحمه اللّه - رواية و من تبعه(3) و لم أجد به خبرا مسندا.

و إذا طمثت البكر و اشتبه بالطمث، فتطوّق القطنة ينفي الحيض، لخبر زياد بن سوقة عن الباقر (عليه السلام)(4) و خلف بن حماد عن الكاظم (عليه السلام)، و قال: «سرّ اللّه فلا تذيعوه، و لا تعلّم هذا الخلق أصول دين اللّه»(5).

و انتفاعها يثبته، للخبرين.

قال المحقّق - رحمه اللّه -: الانتفاع محتمل(6).

قلنا: ثبوت الحيض فيه إنّما هو بالشرائط المعلومة، و مفهوم الخبرين انه ملتبس بالعذرة لا غير.

و لو اشتبه بالقرح، استلقت و أدخلت إصبعها، فمن الأيمن حيض. رفعه محمد بن يحيى الى أبان عن الصادق (عليه السلام)، ذكره الكليني(7) و أفتى به ابن الجنيد(8). و في كثير من نسخ التهذيب الرواية بلفظها بعينه.

و قال الصدوق و الشيخ - في النهاية -: الحيض من الأيسر(9).4.

ص: 229


1- الكافي 107:3 ح 3، التهذيب 397:1 ح 1236.
2- الكافي 107:3 ح 4، 85:6 ح 4، التهذيب 397:1 ح 1237، 67:8 ح 222، 469:7 ح 1881، الاستبصار 337:3 ح 1202.
3- المقنعة: 82، الفقيه 51:1، المبسوط 42:1.
4- المحاسن: 307 ح 21، الكافي 94:3 ح 2، التهذيب 152:1 ح 432.
5- المحاسن: 307 ح 22، الكافي 92:3 ح 1، التهذيب 385:1 ح 1184.
6- المعتبر 198:1.
7- الكافي 94:3 ح 3.
8- المعتبر 201:1، مختلف الشيعة: 36.
9- الفقيه 54:1، المقنع: 16، النهاية: 24.

قال ابن طاوس: و هو في بعض نسخ التهذيب الجديدة(1)، و قطع بأنّه تدليس، إلاّ أنّ الرواية مرسلة.

و لو اشتبه بالاستحاضة اعتبر: بالسواد و الحمرة و الغلظ و الحرارة و أضدادها، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا كان دم الحيض فإنّه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، و إذا كان الآخر فتوضّئي»(2).

و قول الصادق (عليه السلام) السابق، و قوله: «هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة فاسد بارد»(3).

و بالثلاثة و العشرة، اللذين هما أقلّه و أكثره باتفاقنا، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر أبي أمامة: «أقلّ الحيض ثلاثة و أكثره عشرة»(4)، و بمعناه قول الصادق و الرضا عليهما السلام(5).

و خبر ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) بالثمانية في أكثره(6) محمول على من عادتها ذلك و استمرّ بها الدم، لمخالفته الإجماع، كما قاله الشيخ في التهذيب(7).

و يشترط التوالي - في المشهور - عملا بالمتيقّن.

و الخبر عن الصادق (عليه السلام) بعدم التوالي - أرسله يونس(8) - منقطع في العشرة، و قد تركه الأكثر(9).6.

ص: 230


1- التهذيب 385:1، 1185.
2- سنن أبي داود 75:1 ح 286، سنن النسائي 185:1، سنن الدار قطني 206:1، السنن الكبرى 325:1.
3- الكافي 91:3 ح 3، التهذيب 151:1 ح 431.
4- سنن الدار قطني 218:1، كنز العمال 407:9 ح 26719 عن الطبراني.
5- الكافي 75:3 ح 1، 2، التهذيب 156:1 ح 445، الاستبصار 130:1 ح 446.
6- التهذيب 157:1 ح 450، الاستبصار 131:1 ح 451.
7- التهذيب 157:1، الإستبصار 131:1.
8- الكافي 76:3 ح 5، التهذيب 157:1 ح 452.
9- راجع: المبسوط 42:1، الجمل و القعود: 163، المعتبر 202:1، مختلف الشيعة: 36.

و ما بين الأقل و الأكثر حيض مع إمكانه - و إن اختلف لونه - لاستصحاب الحيض.

و لخبر سماعة عن الصادق (عليه السلام): «تستدخل الكرسف، فإن خرج دم لم تطهر»(1).

و كذا لو لم تر هذه العاشر، أو رأته متفرّقا بعد الثلاثة، لخبر محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): «إذا رأته قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى»(2).

و أقلّ الطهر عشرة أيام باتفاقنا، للنص عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)(3). و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «تلبث شطر دهرها لا تصوم و لا تصلي»(4). و قد ثبت أنّ أكثر الحيض عشرة فالشرط الآخر مثلها. و قول علي (عليه السلام): «قالون»(5) لمن قال فيمن ادّعت ثلاث حيض في شهر تأتي ببيّنة من أهلها(6). و روى السكوني عن الصادق (عليه السلام) حكم علي بذلك(7)، و لا يتم مع كون الطهر خمسة عشر يوما.

و لا حدّ لأكثره إجماعا، قاله الفاضل، و حمل قول أبي الصلاح في تحديده بثلاثة أشهر على الغالب(8).

و الأغلب في الحيض الستة و السبعة، و الطهر باقي الشهر للوجدان في كثير.

و يختلف بحسب السن، فينقص عدده عند الكبر، كما في مرسلة يونس عن8.

ص: 231


1- التهذيب 161:1 ح 462، باختصار في الألفاظ.
2- التهذيب 156:1 ح 448، الاستبصار 130:1 ح 449.
3- الكافي 76:3 ح 4، 5، التهذيب 157:1 ح 451، 452، الاستبصار 131:1 ح 452.
4- تذكرة الفقهاء 27:1.
5- في هامش م، س: لغة رومية، أي: جيد.
6- صحيح البخاري 81:1.
7- الفقيه 55:1 ح 207، التهذيب 166:8 ح 576، الاستبصار 356:3 ح 1277.
8- تذكرة الفقهاء 27:1. و قول أبي الصلاح في الكافي في الفقه: 128.

الصادق (عليه السلام)(1).

مسائل:
الأولى: تثبت العادة بمرتين متساويتين عددا و وقتا،

ففي الثالثة ترد إليها، لأنّ العود لا يحصل إلاّ بالتكرار.

و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «دعي الصلاة أيام أقرائك»(2)، و لا يصدق الجمع على الواحد.

و في مقطوع سماعة: «إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها»(3).

و لا تشترط الثلاث باتفاقنا، لأنّ الجمع يصدق على الاثنين، و قد حصل المشتق منه.

الثانية: لا يشترط في العادة تعدّد الشهر،

و ما ذكره في الخبر من الشهر بناء على الغالب. فلو تساوى الحيضان في شهر واحد كفى في العددية، صرّح به في المبسوط و الخلاف(4)، و كذا لو تساويا في زيادة على شهرين.

أمّا الوقتية، فالظاهر: اشتراط تكرّر الطهرين متساويين وقتا.

و لو تساويا عددا و اختلفا وقتا، استقرّ العدد لا غير، فحينئذ تستظهر برؤية الدم الثالث إلى ثلاثة أيام، و لو عبر العشرة رجعت الى العدد.

و لو استقرّا وقتا و اختلفا عددا، اعتبر الوقت و أقلّ العددين، لتكرّره، و لعموم خبر الأقراء(5).

ص: 232


1- الكافي 76:3 ح 5، التهذيب 157:1 ح 452.
2- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183، سنن الدار قطني 212:1، السنن الكبرى 332:1.
3- الكافي 79:3 ح 1، التهذيب 380:1 ح 1178.
4- المبسوط 47:1، الخلاف 239:1 المسألة: 206.
5- راجع الهامش 2.

و يمكن أن تكون وقتية لا غير، لعدم عود العدد الأول.

اما لو اختلف العدد، و لم يستقرّ الطهر بتكراره متساويا مرتين، فلا وقت هنا قطعا، و في العدد الوجهان.

و يظهر من كلام الفاضل انه لا عبرة باستقرار الطهر(1).

و تظهر فائدته لو تغاير الوقت في الثالث، فإن لم نعتبر استقرار الطهر جلست لرؤية الدم، و إن اعتبرناه فبعد الثلاثة أو حضور الوقت.

هذا ان تقدم على الوقت، و لو تأخر أمكن ذلك استظهارا.

و يمكن القطع بالحيض هنا، إذ وجوده في الجملة مقطوع به، و تأخر وقته يزيده انبعاثا.

و الأقرب: أنّ اتحاد الوقت إنّما يؤثر في الجلوس برؤية الدم فيه، و قلّما يتفق دائما.

و في المبسوط: إذا استقرت العادة، ثم تقدمها أو تأخّر عنها الدم بيوم أو يومين إلى العشرة حكم بأنه حيض، و إن زاد على العشرة فلا(2).

الثالثة: لو اتفقت أيام التمييز

عددا و وقتا و صفة مرتين استقرّت العادة، للحكم بأنّها أقراء.

و لو اختلفت الصفة، أمكن ذلك إذا حكمنا بكونه حيضا كالأسود و الأحمر، و يمكن عدم العادة هنا.

الرابعة: قد تتعدّد العادة على نظام طبيعي،

كالثلاثة، و الأربعة، و الخمسة.

أو لا، كعكسه إذا حصل التكرار المعتبر في الواحدة. و لا فرق بين أن يكون تكرّرها على التوالي، كما لو رأت كلّ واحدة شهرين متواليين. أو لا، كما لو رأت الأعداد في ثلاثة أشهر، ثم رأتها على الترتيب الأول في ثلاثة أشهر أخرى، لأنّ

ص: 233


1- تذكرة الفقهاء 27:1.
2- المبسوط 43:1.

تعاقب الأقدار المختلفة قد صار عادة لها.

و يمكن منع تعدّد العادة، لأنّ كلّ مقدار ناسخ لما قبله، فيخرجه عن الاعتبار، فحينئذ لو نسيت المستحاضة النوبة أخذت أقلّ المحتملات في كل شهر. ففي الفرض الأول تأخذ الثلاثة دائما، و لو علمت عدمها أخذت أربعة ثم ثلاثة ثم ثلاثة، و كذا في كلّ دور. و في عكسه إن اتسق فالحكم كذلك، و ان لم يتسق فالثلاثة دائما.

و يمكن العود الى التمييز، فإن فقد فإلى الروايات، لما يأتي - إن شاء اللّه - و يتعيّنان لو منعنا تعدّد العادة.

الخامسة: قد تترك ذات التمييز الصلاة و الصوم عشرين يوما متوالية،

بأن ترى الأحمر عشرة، فإنّها تجلس فيها، لإمكان كونه حيضا على القول بعدم الاستظهار - ثم ترى الأسود بعده عشرة، فإنّها تعمل بأقوى الدمين، و تبيّن أنّ الأول استحاضة. و لو فرض قوة الدم الثالث انتقلت إليه. و كذا يتعدّد الجلوس في ناسية العادة لو ذكرت.

و في المعتبر: تحتاط في العشرة الثانية بالعبادة، فإن انقطع عليها أو قبلها قضت الصوم(1)، و إلاّ صحّ، لأنّه مع تجاوز العشرة فات شرط التمييز.

السادسة: هل يشترط في التمييز بلوغ الدم الضعيف أقلّ الطهر؟

وجهان:

نعم، لأنّا إذا جعلنا القوي حيضا جعلنا الضعيف طهرا، لأنّه مقابله. و لا، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «دم الحيض أسود يعرف»(2).

فلو رأت خمسة أسود، ثم تسعة أصفر، ثم عاد الأسود ثلاثة فصاعدا، فعلى الأول لا تمييز لها، و هو ظاهر المعتبر(3). و على الثاني حيضها خمسة.

و ظاهر المبسوط أنّ الحيض: العائد، إن لم يتجاوز العشرة(4)، لأنّ الصفرة

ص: 234


1- المعتبر 206:1.
2- تقدم في ص 230 الهامش 2.
3- المعتبر 205:1.
4- المبسوط 50:1.

لمّا خرجت عن الحيض خرج ما قبلها.

و في خبر يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام): «في الدم ثلاثة أو خمسة يتعقّبه طهر خمسة، ثم يعود الدم أربعة إن رأت الدم لم تصلّ، و إن رأت الطهر صلّت الى ثلاثين يوما، فإذا انصبّ الدم فهي مستحاضة(1).

و حمله الشيخ على مضطربة اختلط حيضها، أو مستحاضة استمرّ بها الدم، و اشتبهت عادتها، ففرضها أن تجعل ما يشبه دم الحيض حيضها، و الآخر طهرا - صفرة كان أو نقاء - ليستبين حالها(2). و هو تصريح بعدم اشتراط كون الضعيف أقلّ الطهر.

و في المبسوط: إن اختلط عليها أيامها فلا تستقرّ على وجه واحد، تركت العبادة كلّما رأت الدم، و صلّت كلّما رأت الطهر، الى أن تستقرّ عادتها(3). و هو مطابق بظاهره الخبر.

و في المعتبر: انّما كان كذلك لأنّه ليس هنا طهر و لا حيض على اليقين، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط(4).

السابعة: قال في المبسوط: روي عنهم (عليهم السلام): «انّ الصفرة في أيام الحيض حيض،

و في أيام الطهر طهر». و فسّر أيام الحيض بالعادة، أو بما يمكن فيه ذلك كالمبتدأة، و التي تعقب عادتها دم بعد أقلّ الطهر، حملا للخبر على عمومه(5).

و الذي في الكافي عن الصادق (عليه السلام): «كلّما رأت المرأة في أيام

ص: 235


1- الكافي 79:3 ح 2، التهذيب 380:1 ح 1179، 1180، الاستبصار 131:1 ح 453، 454.
2- الاستبصار 132:1.
3- المبسوط 43:1.
4- المعتبر 207:1.
5- المبسوط 44:1. و الظاهر نقل الرواية بالمعنى انظر التهذيب 157:1 ح 452، 396 ح 1231 و 1232 و غيرها.

حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلّما رأته بعد حيضها فليس من الحيض»(1).

و عنه (عليه السلام): «السنّة في الحيض أن تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كلّه»(2).

الثامنة: ذات العادة المستقرة تترك العبادة بالرؤية

حسب ما مرّ، لأنّ المعتاد كالمتيقّن.

و لخبر محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيام حيضها: «لا تصلي»(3).

و عنه (عليه السلام): «إذا رأت الدم أيام حيضها تركت الصلاة»(4).

و المبتدأة أيضا عند الشيخ(5)، لظاهر الخبر السالف بناء على ما فسّر به الأيام، و ما تلوناه من الخبرين ظاهرهما المعتادة.

و لخبر منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام): «أيّ ساعة رأت الصائمة الدم تفطر»(6).

و عن الباقر (عليه السلام) في خبر محمّد بن مسلم: «تفطر، إنّما فطرها من الدم»(7).

و ردّه في المعتبر بحمل الدم على المعهود، و هو دم الحيض، و إنّما يكون في العادة. و رجّح قول ابن الجنيد و المرتضى بالتعبّد إلى الثلاثة، لتيقن الأمر بالعبادة فلا يزول إلاّ بمثله.

ص: 236


1- الكافي 76:3 ح 5، التهذيب 157:1 ح 452.
2- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
3- الكافي 78:3 ح 1، التهذيب 396:1 ح 1230.
4- الكافي 76:3 ح 5، التهذيب 158:1 ح 452.
5- المبسوط 42:1.
6- التهذيب 394:1 ح 1218، الاستبصار 146:1 ح 499.
7- التهذيب 153:1 ح 435.

و لا يعارض بالمعتادة، و بأنّ الاحتمال قائم بعد الثلاثة، لجواز وجود دم أقوى بعدها ناقل لحكم الحيض إليه، لما مرّ. و لأنّ الأصل عدم دم طارئ(1).

و في المختلف احتجّ على الأول بقول الصادق (عليه السلام) في خبرين:

«ان دم الحيض حار»، و الوصف بالحرارة مسلّط على الحكم بالحيض حيث وجدت(2).

قلنا: ظاهر الخبرين في المستحاضة مع الاشتباه.

سلّمنا، لكن الدليل أخصّ من الدعوى، فإنّه إن سلّم كان المصير إلى الحيض إذا حصل الشرط، و المدّعى أعمّ منه. و لا ريب في قوّة قول الشيخ، و إن كان الاستظهار أحوط.

و حكم المضطربة كالمبتدأة.

و قد روى سماعة، قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال:

«إذا رأت قبل وقتها فلتدع الصلاة، فإنّه ربّما تعجّل الوقت»(3).

و في خبر إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السلام) في المرأة ترى الصفرة: «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض»(4). و هما يرجّحان مذهب الشيخ(5).

و لأنّ اتفاق الوقت دائما نادر.

التاسعة: المعتادة دون العشرة مع الدم المستمر،

تستظهر بترك العبادة يوما أو يومين، ثم تغتسل للحيض و تأتي بأفعال المستحاضة مع المراعاة، فتستدرك ما ظهر فيه الخلل في المشهور، لخبر محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام):

ص: 237


1- المعتبر 214:1.
2- مختلف الشيعة: 37. و الخبران في: الكافي 91:3 ح 1، 2، التهذيب 151:1 ح 429، 430.
3- الكافي 77:3 ح 2، التهذيب 158:1 ح 453.
4- الفقيه 51:1 ح 5، الكافي 78:3 ح 2، التهذيب 396:1 ح 1231.
5- المبسوط 42:1.

«إذا رأت دما بعد أيامها، فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين»(1) و مثله عن الصادق (عليه السلام)(2).

و المرتضى و ابن الجنيد: تستظهر إلى العشرة(3)، لأنّها أيام الحيض.

و لخبر يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام): «تنتظر عدتها، ثم تستظهر بعشرة أيام»(4).

و التخيير وجه قوي، لأنّه في خبر سعيد بن يسار عن الصادق (عليه السلام)(5) و خبر البزنطي عن الرضا (عليه السلام): «أو ثلاثة»(6) و إن كان الاقتصار أحوط للعبادة.

و ترك الاستظهار جائز و إن كان ظاهر الشيخ و المرتضى وجوبه(7) - و قد قطع به ابن إدريس رحمه اللّه(8).

لنا: قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «دعي الصلاة أيام أقرائك»(9)و مفهومه الصلاة بعدها.

و لخبر ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): «المستحاضة إذا مضى أيام أقرائها اغتسلت»(10).8.

ص: 238


1- المعتبر 215:1 عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب.
2- التهذيب 172:1 ح 490، الاستبصار 149:1 ح 513.
3- المعتبر 214:1 و مختلف الشيعة: 38.
4- التهذيب 402:1 ح 1259، الاستبصار 149:1 ح 516.
5- التهذيب 172:1 ح 490، الاستبصار 149:1 ح 513.
6- التهذيب 171:1 ح 489، الاستبصار 149:1 ح 514.
7- النهاية: 24، الناصريات: 227.
8- السرائر: 29.
9- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183، سنن الدار قطني 212:1، السنن الكبرى 332:1.
10- التهذيب 402:1 ح 1258.

و لخبر معاوية بن عمّار عن الصادق (عليه السلام): «فإذا جاوزت أيامها و رأت دمها يثقب الكرسف اغتسلت»(1).

و ابن الجنيد: الاحتياط أن تتطهّر بعد عادتها، و تسبّح بقدر صلاتها إلى العشرة، مع حكمه بالاستظهار إلى العشرة، و كذا تصنع من يقدم الدم عادتها بيوم أو يومين عنده(2).

و كلاهما يخالف المشهور، و إن أراد بالتطهّر الاغتسال اشتدت المخالفة.

و لا فرق في الاستظهار و الرجوع الى العادة بين تقدّمها و تأخّرها، أو أن ترى قبلها و بعدها و فيها، و لو لم يتجاوز فالجميع حيض.

فرع:

هذا الاستظهار إنّما هو مع بقاء الدم بأيّ لون اتّفق، لمنطوق الأخبار، و احتمال الحيض، امّا مع النقاء فلا.

و يظهر من المختلف عمومه، و حجته غير ظاهرة الدلالة(3). و في التذكرة قطع بما قلناه(4).

و كذا تستظهر المبتدأة إذا رجعت الى عادة نسائها بيوم، رواه محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(5).

العاشرة: لو عارض التمييز العادة -

بمعنى: عدم إمكان الجمع - فالعمل على العادة في المشهور، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المذكور(6) و عموم خبري الصفرة(7).

ص: 239


1- الكافي 88:3 ح 2، التهذيب 106:1 ح 277 و ص 170 ح 484.
2- مختلف الشيعة: 38.
3- مختلف الشيعة: 38.
4- تذكرة الفقهاء 29:1.
5- التهذيب 401:1 ح 1252، الاستبصار 138:1 ح 472.
6- تقدم في ص 238 الهامش 9.
7- تقدما في 236 الهامش 1، 2.

و في النهاية على التمييز(1)، لصحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: «دم الحيض حار»(2).

و في حسن حفص عنه (عليه السلام): «دم الحيض حارّ عبيط أسود، له دفع و حرارة»(3).

قلنا: الجمع بين الأخبار بحمل هذه على غير المعتادة.9.

ص: 240


1- النهاية: 24.
2- الكافي 91:3 ح 2، التهذيب 151:1 ح 430.
3- الكافي 91:3 ح 1، التهذيب 151:1 ح 429.
المقام الثالث: في الاستحاضة.
اشارة

و دمها غالبا أصفر بارد، لقول الصادق (عليه السلام) في حسن حفص:

«و دم الاستحاضة أصفر بارد»(1).

و زاد الشيخان الرقة(2) كما زادا الغلظ في الحيض(3).

و في خبر سعيد بن يسار عن الصادق (عليه السلام). في المرأة تحيض ثم تطهر، و ربما رأت بعده الدم الرقيق(4).

و في خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط، فإذا رقّ و كانت صفرة اغتسلت»(5). و العبيط يشعر بالغلظ، و الرقّة تنبيه عليه.

و كلّ ما تراه الصبية، أو اليائسة، أو دون الثلاثة، أو غير متوالية، أو أزيد من العادة و يتجاوز العشرة، أو بعد أكثر النفاس، أو بعد التمييز أو قبله إذا كان الدم التالي أقوى و ليس بينهما عشرة، أو بعد ردّها إلى عادة النساء أو الأقران، أو إحدى الروايات الآتية، و يستمرّ، فهو استحاضة ما لم تعلم أنّه لعذرة أو قرح و شبهه، و قد مرّ و سيجيء تقريره.

و يجب اعتبار الدم. فإن لطخ باطن الكرسف و لم يثقبه، و لا ظهر عليه، فعليها إبدالها أو غسلها - لوجوب إزالة النجاسة - و الوضوء لكلّ صلاة. و إن ثقبه و لم يسل، فعليها مع ذلك تغيير الخرقة أو غسلها، و غسل للصبح. و إن سال، فمع ذلك غسلان للظهرين و العشاءين، مع الجمع بينهما بتأخير الأولى حتى يدخل

ص: 241


1- الكافي 91:3 ح 1، التهذيب 151:1 ح 429.
2- المقنعة: 7، التبيان 220:2.
3- المقنعة: 6، التبيان 220:2.
4- التهذيب 172:1 ح 490، الاستبصار 149:1 ح 513.
5- التهذيب 174:1 ح 497.

وقت الثانية.

و ابن أبي عقيل جعل القسم الأول غير ناقض للطهارة، و سوّى بين القسمين الآخرين في وجوب الغسل ثلاثا، و لم يذكر الوضوء(1). فالإجماع حاصل في الثلاثة على القسم الأخير.

و في المعتبر: الذي ظهر لي أنّه إن ظهر على الكرسف وجب ثلاثة أغسال، و إن لم يظهر فالوضوءات، و هو ظاهر صاحب الفاخر(2).

و المرتضى على أصله في أن لا وضوء مع الغسل(3).

و ابن الجنيد: إن ثقب الكرسف فالأغسال الثلاثة، و إلاّ فغسل في اليوم و الليلة(4).

و أمّا الأخبار:

فروى الصحّاف عن الصادق (عليه السلام): «فلتغتسل و تصلّي الظهرين، ثم لتنظر: فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها و بين المغرب، فلتتوضّأ لكل صلاة ما لم تطرح الكرسف، فإن طرحته و سال وجب عليها الغسل، و إن طرحته و لم يسل فلتتوضّأ و لا غسل عليها. و إن كان إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلفه صبيبا، فعليها الغسل ثلاثا».

و قال الصادق (عليه السلام): «فإذا فعلت ذلك أذهب اللّه الدم عنها»(5).

و في خبر ابن سنان عنه (عليه السلام): «لم تفعله امرأة قط احتسابا، إلاّ عوفيت من ذلك»(6).4.

ص: 242


1- المعتبر 244:1، مختلف الشيعة: 40.
2- المعتبر 245:1.
3- المعتبر 247:1، مختلف الشيعة: 40.
4- المعتبر 244:1، مختلف الشيعة: 40.
5- الكافي 95:3 ح 1، التهذيب 168:1 ح 482، الاستبصار 140:1 ح 482.
6- الكافي 90:3 ح 5، التهذيب 171:1 ح 478 و ص 401 ح 1254.

فرع:

هذا مشعر بأنّ الاعتبار بوقت الصلاة، فلا أثر لما قبله. و يظهر منه أنّ السيل ينبغي أن يكون واقعا، فلو كان مقدّر الوقوع فلا أثر له، لقوله: «ما لم تطرح الكرسف» الى آخره.

و روى زرارة عن الباقر (عليه السلام): «فلتغتسل، و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت»(1).

و روى معاوية بن عمّار عن الصادق (عليه السلام): «إذا ثقب الكرسف اغتسلت للظهرين، تؤخّر هذه و تعجّل هذه، و للعشاءين تؤخّر هذه و تعجّل هذه، و تغتسل للصبح، و تحتشي و تستثفر و تضمّ فخذيها في المسجد، و لا يأتيها بعلها أيّام قرئها. و إن لم يثقب توضأت لكلّ صلاة و دخلت المسجد»(2).

و هذه حجة المعتبر، و فيها تصريح بجواز دخول المستحاضة المسجد، و تلويح بأنّ التلويث مانع من الدخول.

و في صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «المستحاضة تغتسل ثلاثا»(3)، و لم يذكر الوضوء و لا التفصيل. و هذا حجة ابن أبي عقيل.

قلنا: المطلق يحمل على المقيّد.

و روى سماعة: «المستحاضة إذا ثقب الكرسف اغتسلت الثلاثة، و إن لم يجز الدم الكرسف فالغسل لكلّ يوم مرة، و الوضوء لكلّ صلاة»(4). و هذا لابن الجنيد، و حمل على النفوذ و عدم السيل.

و في الخبر المشهور في سنن الحيض الثلاث: «انّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه5.

ص: 243


1- التهذيب 169:1 ح 483.
2- الكافي 88:3 ح 2، التهذيب 106:1 ح 277 و ص 170 ح 484، باختصار في ألفاظ الحديث.
3- الكافي 90:3 ح 5، التهذيب 171:1 ح 487 و ص 401 ح 1254.
4- الكافي 89:3 ح 4، التهذيب 170:1 ح 485.

و آله) أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تدع الصلاة قدر أقرائها، ثم تغتسل»(1).

و في كلام الباقر (عليه السلام): «تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة»(2).

و أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الناسية وقتها و عددها بترك الصلاة عند إقبال الحيض، و بالاغتسال عند إدباره، و فسّر الصادق (عليه السلام) الإقبال و الإدبار: بتغيّر اللون من السواد الى غيره، لأن دم الحيض اسود يعرف(3).

و أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حمنة بنت جحش - و كانت مبتدأة - بالتلجّم و التحيّض في كلّ شهر في علم اللّه ستة أيّام أو سبعة، ثم الغسل للفجر، ثم للظهرين، ثم للعشاءين، تؤخّر الاولى و تعجّل الثانية(4).

و الجمع بين هذه بالقول المشهور.

و علم منها أنّها لا تجمع بين صلاتين بوضوء و إن كان الدم كثيرا.

و ظاهر المفيد في ذات الأغسال الاكتفاء بوضوء واحد لصلاتي الجمع(5)، و قطع به ابن طاوس و المحقّق بظاهر الخبر(6).

و إنّما وجب الوضوء الواحد بما تقدّم: من احتياج ما عدا غسل الجنابة إلى الوضوء.

و الخبر عن النبي (عليه السلام): «أنّ المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاة»(7)محمول على عدم نفوذ الدم.ا.

ص: 244


1- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
2- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
3- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 38:1 ح 1183.
4- سنن ابن ماجة 205:1 ح 627، الجامع الصحيح 221:1 ح 128، سنن الدار قطني 1: 214. و راجع: الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
5- المقنعة: 27.
6- المعتبر 247:1.
7- سنن ابن ماجة 204:1 ح 625، السنن الكبرى 344:1 و ما بعدها.

و قطع في المختلف بوجوب الوضوءين، لعموم الآية السالم عن [معارضة] كون الغسل رافعا للحدث(1).

فائدة:

معنى قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «في علم اللّه» اختصاص علمه باللّه، إذ لا حيض لها معلوم عندها، أو: فيما علّمك اللّه من عادات النساء، فإنّه القدر الغالب عليهن، و يكون كخبر محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في المستحاضة: «تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها»(2).

و عن سماعة أنّه سأله عن المبتدأة، فقال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن اختلفن فأكثر جلوسها عشرة أيام، و أقلّه ثلاثة»(3).

و استدلّ الشيخ على صحة الرواية بالإجماع(4).

و عن عبد اللّه بن بكير عن الصادق (عليه السلام) في الجارية المستحاضة:

«تأخذ عشرة من الشهر الأول، و ثلاثة من الثاني و ما بعده»(5).

و هذا حكم المبتدأة إذا فقدت التمييز، أمّا المضطربة فتشاركها في التمييز، ثم لا ترجع إلى النساء، لأنّه قد سبق لها عادة، بل تشاركها في الجلوس الشرعي.

و خيّر في المبسوط بين الثلاثة و العشرة في الشهرين و بين السبعة فيهما(6).

و في موضع آخر: عشرة طهر و عشرة حيض، لأنّه دم يمكن أن يكون حيضا(7).5.

ص: 245


1- مختلف الشيعة: 41، و منه ما أثبتناه بين المعقوفين.
2- التهذيب 401:1 ح 1252، الإستبصار 138:1.
3- الكافي 79:3 ح 3، التهذيب 380:1 ح 1181، الاستبصار 138:1 ح 471.
4- الخلاف 234:1 المسألة: 200.
5- التهذيب 400:1 ح 1251 و ص 381 ح 1182، الاستبصار 137:1 ح 469 و 470.
6- المبسوط 47:1.
7- المبسوط 51:1، 55.

و في الخلاف: ستة أو سبعة(1).

و في النهاية: روى عشرة ثم ثلاثة(2).

و الصدوق: أكثر جلوسها عشرة لكل شهر(3)، و هو ظاهر المرتضى حيث قال: ثلاثة إلى عشرة(4). و الكلّ متقارب.

فروع:
الأول: ظاهر الخبر التخيير بين الستة و السبعة،

و لا محذور في التخيير بين فعل الواجب و تركه، لوجود مثله في الصلاة في الأماكن الأربعة، و التسبيح بدل الحمد في الأقرب.

و يمكن عودها إلى ما يغلّب على ظنها، لقوة طرف الظن، و وجوب العمل بالراجح.

و على التفسير الثاني ل «علم اللّه» المؤيّد بالخبر: تجتهد في النساء، و تأخذ عادة الأقرب إليها من جهة الأبوين، و لا اختصاص للعصبة هنا، لأنّ المعتبر الطبيعة و هي جاذبة من الطرفين. فإن تعذّر فأقرانها، قاله في المبسوط(5)، و تبعه جماعة من الأصحاب(6).

فحينئذ إن كان عادة الأقرب ستة فهي المأخوذة، و إن كانت عادتهن سبعة فهي المأخوذة، فيكون قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «ستة أو سبعة» للتنويع، أي:

إن كنّ يحضن ستة فتحيّضي ستة، و إن كنّ يحضن سبعة فتحيّضي سبعة.

فإن زدن عن السبع أو نقصن عن الست، فالمعتبر عادتهن، لأن الأمر بالستة أو السبعة بناء على الغالب.

ص: 246


1- الخلاف 230:1 المسألة: 197.
2- النهاية: 25.
3- الفقيه 51:1.
4- مختلف الشيعة: 38.
5- المبسوط 46:1.
6- راجع: المهذب 37:1، الوسيلة 59، نهاية الإحكام 59.137:1.

و يمكن أخذ الستة إن نقصن، و السبعة إن زدن، عملا بالأقرب إلى عادتهن في الموضعين.

و ظاهر كلام الأصحاب(1) أنّ عادة النساء و الأقران مقدّمة على هذين العددين، و أنّها لا ترجع إليهما إلاّ عند عدم النساء و الأقران، أو اختلاف عادتهن من غير أن يكون فيهنّ أغلب، إذ لو كان الأغلب عليهن عددا تحيّضت به.

الثاني: خبر محمد بن مسلم يدل على التمسّك و لو بواحدة،

قضية للبعض، و هو خلاف الفتوى(2).

و يمكن حملها على غير المتمكنة من معرفة عادات جميع نسائها، فتكتفي بالبعض الممكن، و لأنّ تتبّع جميع نسائها فيه عسر غالبا.

الثالث: أنكر في المعتبر العود إلى الأقران

مطالبا بالدليل، و فارقا بالمشاكلة في الطباع و الجنسية في نسائها دون الأقران(3).

و لك أن تقول: لفظ «نسائها» دالّ عليه، فان الإضافة تصدق بأدنى ملابسة، و لما لابسنها في السن و البلد صدق عليهن النساء. و اما المشاكلة فمع السن و اتحاد البلد تحصل غالبا. و حينئذ ليس في كلام الأصحاب منع منه، و ان لم يكن فيه تصريح به.

نعم، الظاهر اعتبار اتحاد البلد في الجميع، لأنّ للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة.

و على ما فسّرنا به «علم اللّه» يقوى ذلك، و قرينته «ستة أو سبعة» فإن هذه الأغلبية لا تختصّ بنسائها دون غيرهن.

الرابع: حكم أبو الصلاح برجوع المضطربة الى النساء،

ثم التمييز، ثم السبعة(4). و هو مخالف للمشهور رواية و فتوى.

ص: 247


1- راجع: المبسوط 46:1، نهاية الإحكام 137:1، المهذب 37:1.
2- راجع: المبسوط 46:1، المهذب 37:1، الوسيلة: 50، نهاية الإحكام 137:1.
3- المعتبر 208:1 و ص 209.
4- الكافي في الفقه: 128.

و حكم ابن الجنيد في المبتدأة و المضطربة بعشرة أولا، ثم ثلاثة فيما بعد، و بقضاء عشرة من شهر رمضان، للاحتياط(1).

الخامس: لا تصح طهارتها قبل الوقت،

لعدم الحاجة إليه، و للخبر أنّها «تتوضّأ لكلّ صلاة»(2).

و حكم الشيخ - في المبسوط و الخلاف - و ابن إدريس بتوقّف صحة الصلاة على معاقبة الطهارة، فلو لم تتشاغل بها ثم صلّت لم تصح، لأنّ فرضها الوضوء عند الصلاة، و هي تقتضي التعقيب(3). و ليس في أكثر الأخبار «عند».

نعم هو في خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام) في الغسل ثلاثا(4)، و في خبر الصحّاف: «فلتتوضّأ، و لتصلّ عند وقت كل صلاة»(5).

و الأصل الصحة - كما قوّاه الفاضلان(6) - إلاّ أن يقال: الصلاة بالحدث مخالف للأصل، فيجب تقليله ما أمكن، و هو قريب.

نعم، لا يضرّ اشتغالها بمقدّمات الصلاة: كالستر، و الاجتهاد في القبلة، و انتظار الجماعة، قاله الفاضل(7).

و ظاهر الخلاف المنع في ذلك(8).

أما الأذان و الإقامة، فلا يقدحان قطعا، نظرا إلى فعلهما على الوجه الأكمل.

ص: 248


1- مختلف الشيعة: 38.
2- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
3- المبسوط 68:1، الخلاف 251:1 المسألة: 224، السرائر: 29.
4- الكافي 90:3 ح 5، التهذيب 171:1 ح 487 و ص 401 ح 1254.
5- الكافي 95:3 ح 1، التهذيب 168:1 ح 482 و ص 388 ح 1197، الاستبصار 40:1 ح 482.
6- المعتبر 113:1، مختلف الشيعة: 41.
7- نهاية الإحكام 127:1.
8- الخلاف 251:1 المسألة: 224.
السادس: الأجود تجديد الوضوء لصلاة النافلة،

لما قلناه من الحدث، و لظاهر الخبر(1).

و جوّز الشيخ صلاة ما شاءت من النافلة بوضوء الفريضة(2)، فكأنّه يحمل الصلاة المأمور بالوضوء لها على المعهودة، و هي اليومية أو الفريضة.

و لو جوزنا لها فعل القضاء انسحب الخلاف.

نعم، يجوز لها الجمع بين الفرائض و النوافل بغسل واحد لوقته. و كذا تجمع بين صلاتي الليل و الصبح بغسل، فتؤخّر صلاة الليل و تقدّم صلاة الفجر لأول وقتها، لأنّ الغسل لا يتعدّد إلاّ بحسب الوقت المخصوص. و لو لم تتنفّل ليلا اغتسلت بعد الفجر، و لو كانت صائمة قدّمته على الفجر كغسل منقطعة الحيض.

تنبيه:

قال في المعتبر: تصير طاهرا بالأفعال إجماعا(3)، و صحة الصلاة موقوفة على جميعها.

أما الصوم، فيكفي فيه الغسل، و لو أخلّت به قضت لا غير، للخبر.

و كلام المبسوط يشعر بتوقفه في القضاء، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب(4).

نعم، لا يشترط في صحة صوم يوم غسل الليلة المستقبلة قطعا، لسبق تمامه.

و هل يشترط فيه غسل ليلته؟ فيه كلام يأتي ان شاء اللّه.

و استثنى ابن حمزة مما يحل للمستحاضة دخول الكعبة(5)، حراسة عن مظنة

ص: 249


1- راجع الهامش: 2 صحيفة 248.
2- المبسوط 68:1.
3- المعتبر 248:1.
4- المبسوط 68:1.
5- الوسيلة: 61.

التلويث.

السابع: ظاهر الأصحاب توقّف حلّ الوطء

على ما توقّف عليه الصلاة و الصوم، من الوضوء و الغسل، لقولهم: يجوز وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، قاله: المفيد(1) و ابن الجنيد(2) و المرتضى(3) و الشيخ(4) لوجود الأذى فيه كالحيض.

و لخبر عبد الملك بن أعين عن الصادق (عليه السلام): «و لا يغشاها، حتى يأمرها فتغتسل»(5).

و جعله المحقق في المعتبر مكروها مغلظا قبل الإفعال، لأنّه دم مرض و أذى، فالامتناع فيه أولى و ليس بمحرم، لعموم فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ، و نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ، و إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ .

و لما روي: أن حمنة بنت جحش كان زوجها يجامعها مستحاضة، و كذا أم حبيبة.

و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ أيام أقرائها» و مثله في خبر معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام).

و هذه الأخبار مطلقة، فاشتراط الأفعال خلاف الأصل.

و لأنّ الوطء لا يشترط فيه الخلو من الحدث كالحائض المنقطعة الدم.

و لأصالة الحل السالم عن المعارض الشرعي(6).

ص: 250


1- المقنعة: 7.
2- المعتبر 248:1.
3- المعتبر 248:1.
4- المبسوط 167:1.
5- التهذيب 402:1 ح 1257، عن أبي جعفر (عليه السلام).
6- المعتبر 248:1. و الآيات على التوالي في: سورة البقرة: 222، 223، سورة المؤمنون: 6. و قضية حمنة و أم حبيبة في: السنن الكبرى 329:1. و خبر ابن سنان في: الكافي 90:3 ح 5، التهذيب 171:1 ح 487. و خبر معاوية بن عمار في: الكافي 88:3 ح 2، التهذيب 170:1 ح 484.

و أجيب عن الأول: بأنّه قياس، و عن الخبر: إمكان إرادة غسل الحيض.

و ما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطء الحائض قبل الغسل. و لما علق المفيد حل الوطء على الأفعال، أتبعه: بأنه لا يجوز إلاّ بعد نزع الخرق و غسل الفرج بالماء(1).

الثامن: حكم الشيخ بأنّ انقطاع دمها بعد الوضوء يوجب الوضوء ،

الثامن: حكم الشيخ بأنّ انقطاع دمها بعد الوضوء يوجب الوضوء(2)، و لم يذكر البرء.

و قيّده بعض الأصحاب بالبرء(3).

و الأصل فيه: ان انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث، أو ان الصلاة أبيحت مع الدم للضرورة و قد زالت.

و يمكن أن يقال: انّ دم الاستحاضة في نفسه حدث يوجب الوضوء وحده تارة، و الغسل أخرى.

فإذا امتثلت، فإن كان حال الطهارة منقطعا و استمرّ الانقطاع، فلا وضوء و لا غسل، لأنّها فعلت موجبه. و ان خرج بعدهما أو في أثنائهما دم، ثم انقطع إما في الأثناء أو بعده، فان كان انقطاع فترة فلا أثر له، لأنّه بعوده كالموجود دائما. و ان كان انقطاع برء، فالأجود وجوب ما كان يوجبه الدم، لأن الشارع علّق على دم الاستحاضة الوضوء و الغسل و هذا دم استحاضة، و الطهارة الأولى كانت لما سلف قبلها من الدم، و لا يلزم من صحة الصلاة مع الدم عدم تأثيره في الحدث.

ص: 251


1- المقنعة: 7.
2- المبسوط 86:1.
3- راجع: نهاية الإحكام: 128:1، تحرير الأحكام 16:1.

و هذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت عليهم السلام، و لكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامة(1) بناء منهم على أنّ حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير، فإذا انقطع بقي على ما كان عليه، و لما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرا.

و على هذا، لو لم تغتسل مع الكثرة للصبح مثلا ثم دخل وقت الظهر، فان كان باقيا أجزأها غسل الظهرين، لأنّه يرفع ما مضى من الحدث. و ان كان منقطعا، فالأجود وجوب الغسل، و كذا لو أهملت غسلي النهار و دخل الليل.

و لو أهملت غسل الليل، و اغتسلت للصبح و صامت، أجزأ، لأنّه يأتي على ما سلف.

و ان كان الدم قد انقطع قبله، وجب فعله على ما قلناه، فلو أخلّت به بطل الصوم و الصلاة.

و في نهاية الفاضل قرّب وجوب الغسل لو انقطع الدم قبل فعله، إمّا بجنوبها أو لإخلالها(2).

التاسع: لو انقطع الدم في أثناء الصلاة،

حكم في المبسوط و الخلاف بإتمامها(3)، لأنّها دخلت دخولا مشروعا فلا تبطل عملها للنهي عنه.

و لحظ ابن إدريس و المحقق المنافاة، لأن الحدث كما يمنع من الدخول في الصلاة يمنع من الاستمرار فيها(4).

قال في المعتبر: لو قيل: خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه، فلم يكن مؤثرا في نفس الطهارة، و الانقطاع ليس بحدث، أمكن، لكن يلزم التسوية في جواز الصلاة بين انقطاعه قبل الشروع في الصلاة، و انقطاعه في أثنائها(5).

ص: 252


1- المجموع 538:2، المغني 390:1.
2- نهاية الإحكام 27:1.
3- المبسوط 168:1، الخلاف 250:1 المسألة: 222.
4- السرائر: 30، المعتبر 112:1.
5- المعتبر 112:1.

قلت: لا أظن أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة مع تعقّب الانقطاع، انما العفو عنه مع قيد الاستمرار، فلا يتم الاعتراض.

العاشر: قيل: الاعتبار في الكثرة و القلة بأوقات الصلوات،

فلو سبقت القلة و طرأت الكثرة انتقل الحكم، فلو كانت الكثرة بعد الصبح اغتسلت للظهرين.

و هل يتوقّف عليه صحة الصوم؟ نظر، من سبق انعقاده، و من الحكم على المستحاضة بوجوب الأغسال و جعلها شرطا في صحة الصوم، و هو أقرب.

و لا فرق في الصوم بين كثرته قبل فعل الظهرين، أو بعد فعلهما.

اما بالنسبة إلى الظهرين فلا يجب ان كثر بعدهما غسل لهما، بل إن استمر الى العشاءين اغتسلت لهما قطعا. و كذا ان انقطع مظنونا عوده أو مشكوكا فيه، لأصالة البقاء، و ان شفيت منه بني على ما مر.

و لو سبقت الكثرة في الصبح اغتسلت له، فلو قلّ عند الظهر توضّأت.

و لو جوّزت عود الكثرة، فالأجود الغسل، لأنه كالحاصل، و ان علمت الشفاء كفاها الوضوء، و الطريق الى علم الشفاء إما اعتياده أو إخبار العارف، و يكفي غلبة الظن.

الحادي عشر: الأجود انه إذا انقطع الدم بعد الطهارة إعادتها

و ان لم تعلم الشفاء، لأنّه يمكنها ان تصلي بطهارة رافعة للحدث، سواء ظنّت عدم الشفاء أو شكّت فيه. و لو ظنّت قصور الزمان عن الطهارة و الصلاة، فلا اعادة و لو صحب الانقطاع الصلاة، للامتثال. و يحتمل في الأول ذلك أيضا.

و جزم في الخلاف بوجوب اعادة الوضوء إذا انقطع الدم قبل دخولها في الصلاة، و ببطلان الصلاة لو لم تفعل(1)، و لم يفصّل.

ثم المستحاضة: إمّا ذات عادة مستقيمة معلومة، أو مبتدأة، و قد ذكرتا.

و إمّا مضطربة ذات تمييز، فتعمل عليه.

ص: 253


1- الخلاف 251:1 المسألة: 223.
حكم مضطربة فاقد التمييز في المرأة المستحاضة
اشارة

و إمّا فاقدته، و هي ثلاث:

الأولى: ذكرت العدد و نسيت الوقت،

فتخصص بالاجتهاد أيامها و لا اعتراض للزوج، و مع عدم الامارة تتخيّر، و أول الشهر أولى، لإمكان الحيض فيه مع سبقه، و لقول الصادق (عليه السلام): «تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوما»(1). و اختاره في التذكرة(2).

و وجه التخصيص: انّها لا تقصر عن ناسيتهما، و هو منصوص ابن الجنيد و الفاضل رحمهما اللّه(3). و القول بالاحتياط عسر منفي بالآية(4) و الخبر(5).

و لو جلست العدد، ثم ذكرت وقت العادة و تبيّن الخطأ، استدركت.

و لا فرق بين أن يكون الوقت المنسي فيه ينقص نصفه عن العدد أو لا، إلاّ في تيقّن الحيض في الزائد على النصف و مثله، و تتخير في الباقي من العدد فتضعه قبل المتيقن أو بعده أو تفرّقه.

فلو قالت: حيضي عشرة و الثاني عشر حيض بيقين، فالمضلة تسعة عشر يوما، و هي ما عدا الأولين و التسعة الأخيرة، فنصفها زائدة عنه العشرة بنصف يوم فيوم كامل حيض و هو الثاني عشر، فقد تطابقت القاعدة و علمها.

و لو قالت: لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية، فلا بدّ بينهما من الطهر، فالمضلة ما عدا ستة أيام من الثالث عشر إلى الثامن عشر، لأنّه لا يمكن تأخير الحيض الأول عن أول الخامس، و لا تأخير مبدأ الحيض الثاني عن الثالث و العشرين، و المتيقن في الحيضة الاولى من أول الخامس الى آخر الثامن، و في الثانية

ص: 254


1- التهذيب 381:1 ح 1182، الاستبصار 137:1 ح 469.
2- تذكرة الفقهاء 33:1.
3- مختلف الشيعة: 39.
4- سورة البقرة: 222.
5- راجع الهامش 1.

من الثالث و العشرين الى السادس و العشرين، و الضال ثمانية تضعها حيث شاءت مما لا يدخل في الطهر المتيقن، و هو: من الأول إلى آخر الرابع، و من التاسع الى آخر الثاني عشر، و من التاسع عشر الى آخر الثاني و العشرين.

و من هذا يعلم مسائل الامتزاج، المشهورة عند العامة بمسائل الخلط، و به سماها الشيخ رحمه اللّه(1) كأن تقول: حيضي عشرة، و كنت أمزج شهرا بشهر - أي: كنت آخر الشهر و أول ما بعده حائضا - فالمتيقن من الحيض لحظة من آخر كل شهر و لحظة من أوله، و المتيقن من الطهر من اللحظة الأخيرة من اليوم العاشر إلى أول لحظة من اليوم الحادي و العشرين، فتضل العشرة في عشرين يوما بنقص لحظتين، و هي ما بين اللحظة من أول الشهر و اللحظة من آخر العاشر، و ما بين اللحظة من أول ليلة الحادي و العشرين و اللحظة من آخر الشهر، فتزيد عن نصفها بلحظة فلحظتان متيقنتان، و تضم إليها الباقي كيف شاءت.

و لو لم تعلم عدد حيضها في هذه الصورة، فلحظتا الحيض بحالهما، و الطهر المتيقن بحاله. و اما المشتبه، ففي العشر الأول الناقص لحظة يحتمل: الحيض و الطهر و الانقطاع، و في العشر الأخير يحتمل: الحيض و الطهر لا غير، و يسمى:

المزج المطلق، و هو من باب القسم الآتي.

الثانية: ذكرت الوقت و نسيت العدد،

فان ذكرت أوّله أكملته ثلاثة لتيقنها.

و احتمل في الباقي ان يجعل طهرا بيقين، بناء على ان تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر. و احتمل ان تكون على التخيير بين الروايات السابقة، فلها جعله عشرة أو سبعة أو ستة، لصدق(2) الاختلاط، و عدم علم العادة.

و ان ذكرت آخره، جعلته نهاية الثلاثة، أو تلك الأعداد.

و ان ذكرت أنه أثناء حيض، فهو و يوم قبله و يوم بعده حيض بيقين.

ص: 255


1- المبسوط 59:1.
2- في م: لصدق.

و احتمل مراعاة تلك الأعداد. و كذا لو علمت انه وسط، غير انها لا تأخذ عددا زوجا، بل تأخذ إمّا السبعة أو الثلاثة.

و ان ذكرته خاصة و لم تعلم حاله، فهو حيض بيقين، و تضم اليه إمّا تمام الثلاثة أو غيرها من أعداد الروايات.

و أمّا الاحتياط، فمشهور في جميع هذه المواضع، و هي الجمع بين تكليف الحائض و المستحاضة، و الغسل للحيض في أوقات إمكان الانقطاع.

الثالثة: نسيتهما جميعا،

فظاهر الأصحاب العمل بالروايات في هذه، و ادّعى عليه في الخلاف إجماعهم(1)، إلاّ أنّه في المبسوط حكم بمقتضى الاحتياط المذكور(2).

و يدفعه: ما رواه هو و الكليني و غيره من خبر السنن الثلاث المتقدم عن الصادق (عليه السلام)، و قال فيه: «ان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) سنّ في الحيض ثلاث سنن، بيّن(3) فيها كل مشكل لمن سمعها و فهمها، حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي»(4).

و ضعّف الخبر في المعتبر بأنّه من مرويات محمد بن عيسى عن يونس - و قد سبق استثناء الصدوق له(5) - و بإرساله(6).

و الشهرة في النقل، و الإفتاء بمضمونه حتى عدّ إجماعا، يدفعهما.

و يؤيده أنّ حكمة الباري أجلّ من أن يدع أمرا مبهما، تعمّ به البلوى في كل زمان و مكان، و لم يبيّنه على لسان صاحب الشرع، مع لزوم العسر و الحرج فيما قالوه، و هما منفيان بالآي و الأخبار، و غير مناسبين للشريعة السمحة السهلة.

ص: 256


1- الخلاف 242:1 المسألة: 211.
2- المبسوط 59:1.
3- في م، س، ط: «سنّ».
4- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183.
5- تقدم في ص 72 الهامش 1.
6- المعتبر 210:1.

تتمة:

يجب على المستحاضة منع الدم بحسب المكنة، لما مرّ من الأمر بالتلجّم و الاستثفار(1) - بالتاء المثناة فوق، و الثاء المثلثة - فتغسل الفرج قبل الوضوء، و تحشوه بقطنة أو خرقة، فان احتبس و إلاّ تلجمت، بأن تشدّ على وسطها خرقة كالتكة، و تأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل أحدهما قدّامها و الأخرى خلفها، و تشدهما بالتكة. و يجب ذلك، إلاّ مع الضرر باحتباس الدم و شبهه، للحرج.

و الاستثفار: هو التلجّم، من ثغر الدابة، يقال: استثفر الرجل بثوبه، إذا ردّ طرفه بين رجليه الى حجزته. و تسمى خرقة الاستثفار للمرأة حيضة - بكسر الحاء.

و كذلك السلس و المبطون يستظهر، فيتخذ السلس كيسا، و يجعل فيه قطنا و يدخل الذكر فيه، و كذا لو كان يقطر منه دم، لنص الصادق (عليه السلام) على ذلك في البول و الدم(2). و ان أمكن حشو الإحليل بقطن فعل.

و الأحوط: وجوب تغيير ذلك عند كلّ صلاة - كالمستحاضة - إذا أمكن، لوجوب تقليل النجاسة عند تعذّر إزالتها.

و أنكر وجوبه في المعتبر، قصرا على موضع النص في المستحاضة(3).

أمّا الجرح الذي لا يرقأ دمه، فلا يجب شدّه بل يصلّى و ان كان سائلا، و نقل الشيخ فيه إجماعنا، و أورد خبر محمد بن مسلم عن أحدهما، و خبر ليث المرادي عن الصادق (عليه السلام)(4).9.

ص: 257


1- تقدم في 252 الهامش 2.
2- الفقيه 38:1 ح 146، التهذيب 348:1 ح 1021.
3- المعتبر 251:1.
4- الخلاف 252:1 المسألة: 225. و الخبر الأول في التهذيب 258:1 ح 749، و الاستبصار 177:1 ح 615، و الخبر الثاني في التهذيب 258:1 ح 750، 349، ح 1029.

و لو خرج دم المستحاضة بعد الطهارة، أعيدت بعد الغسل و الاستظهار ان كان لتقصير فيه، و ان كان لغلبة الدم فلا، للحرج. و هذا الاستظهار يمتدّ الى فراغ الصلاة، و لو كانت صائمة فالظاهر وجوبه جميع النهار، لأنّ توقّف الصوم على الغسل يشعر بتأثره بالدم، و به قطع الفاضل - رحمه اللّه -(1).1.

ص: 258


1- نهاية الإحكام 126:1.
المقام الرابع: في النفاس.
اشارة

و هو: دم الولادة معها أو بعدها، يقال: نفست المرأة بفتح النون و ضمها، و في الحيض تستعمل بفتح النون لا غير، و منه قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لأم سلمة رضي اللّه عنها: «أنفست»(1).

و هو مأخوذ من النفس التي هي الولد، لخروجه عقيبه، أو من النفس التي هي الدم، لتنفّس الرحم بالدم.

و الولد منفوس، و المرأة نفساء، و الجمع نفاس بكسر النون، مثل عشراء و عشار و لا ثالث لهما. و يجمع أيضا على نفساوات.

و ما تراه في الطلق ليس بنفاس، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام) فيه:

«تصلي ما لم تلد»(2).

و تكفي المضغة مع اليقين، لصدق الولادة. أما العلقة فلا، لعدم اليقين - و لو فرض العلم بأنه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل كان نفاسا - و النطفة أبعد.

و الإجماع على ان المتعقب نفاس. و لم يذكر المرتضى و أبو الصلاح المصاحب. و ذكره الشيخان(3)، لحصول المعنى المشتق منه، و لخروجه بسبب الولادة. و لو لم تر دما فلا نفاس، بل و لا حدث.

و لا حدّ لأقلّه باتفاقنا، لجواز عدمه، كالمرأة التي ولدت في عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسمّيت الجفوف(4).

و قال سلاّر: أقله انقطاع الدم(5).

ص: 259


1- صحيح البخاري 82:1، صحيح مسلم 243:1 ح 296، السنن الكبرى 311:1.
2- الكافي 100:3 ح 3، الفقيه 56:1 ح 211، التهذيب 403:1 ح 1261.
3- المقنعة: 7، المبسوط 68:1، الخلاف 246:1 المسألة: 217.
4- المهذب للشيرازي 52:1، المغني 393:1.
5- المراسم: 44.

و أكثره عشرة في المشهور. و للمفيد قول بثمانية عشر(1) و هو قول الصدوق(2) و ابن الجنيد(3) و المرتضى(4) و سلار(5). و جعله ابن أبي عقيل أحدا و عشرين يوما(6). و في المختلف: ذات العادة عادتها، و المبتدأة ثمانية عشر يوما(7).

و الأخبار منها: صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): «النفساء تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها»(8).

و صحيح يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام): «النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض»(9).

و في خبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) مثله(10)، و خبر مالك بن أعين عن الباقر (عليه السلام) نحوه(11).

و عن زرارة عن الصادق (عليه السلام) مثله: «و تستظهر بيوم أو يومين»(12).

و صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) في قعود النفساء:

«ثمان عشرة و سبع عشرة»(13).8.

ص: 260


1- المقنعة: 7.
2- الفقيه 55:1، الهداية: 22.
3- مختلف الشيعة: 41.
4- الانتصار: 35.
5- المراسم: 44.
6- المعتبر 253:1.
7- مختلف الشيعة: 41.
8- الكافي 97:3 ح 1، التهذيب 173:1 ح 495، 175 ح 499، الاستبصار 15:1 ح 519.
9- الكافي 99:3 ح 5، التهذيب 175:1 ح 500، الاستبصار 150:1 ح 520.
10- التهذيب 176:1 ح 504، و لا حظ الهامش 9.
11- التهذيب 176:1 ح 505، الاستبصار 152:1 ح 525.
12- الكافي 99:3 ح 6، التهذيب 175:1 ح 501، الاستبصار 151:1 ح 521، و في الجميع: «تستظهر بيومين».
13- التهذيب 177:1 ح 508، الاستبصار 152:1 ح 528.

و صحيح محمد أيضا عن الباقر (عليه السلام): «ان أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ان تغتسل لثمان عشرة، و لا بأس ان تستظهر بيوم أو يومين»(1) و ربّما تمسك بهذا ابن أبي عقيل.

و صحيح ابن سنان عنه (عليه السلام): تسع عشرة(2).

و روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي ثلاثين يوما(3).

و روى حفص بن غياث عن الصادق (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) أربعين(4).

و روى محمّد بن يحيى الخثعمي عن الصادق (عليه السلام): «ما بين الأربعين إلى خمسين»(5).

و اطّرحها الشيخ من حيث التضاد، و حملها على التقية. و خبر أسماء متأوّل بأنّ سؤالها كان عقيب الثمانية عشر فأمرها بالغسل، و لو سألته قبلها لأمرها(6).

و عن الصادق (عليه السلام) نحوه و تستظهر بيوم أو يومين(7).

و قال الصدوق: الأخبار بأربعين فما زاد معلولة(8).

تنبيه:

الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها الى عادتها في الحيض، و الأصحاب يفتون بالعشرة، و بينهما تناف ظاهر، و لعلّهم ظفروا بأخبار غيرها.

و في التهذيب قال: جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدة النفاس عشرة،1.

ص: 261


1- التهذيب 178:1 ح 511، 180 ح 515، الاستبصار 153:1 ح 531.
2- التهذيب 177:1 ح 510، الاستبصار 152:1 ح 530.
3- التهذيب 174:1 ح 497.
4- التهذيب 177:1 ح 506، الاستبصار 152:1 ح 526.
5- التهذيب 177:1 ح 507، الاستبصار 152:1 ح 527.
6- التهذيب 178:1 ح 512.
7- التهذيب 178:1 ح 512.
8- الفقيه 56:1.

و عليها أعمل، لوضوحها عندي(1).

ثم ذكر الأخبار الاولى و نحوها، حتى أنّ في بعضها عن الصادق (عليه السلام): «فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة أيام»، قال الشيخ: يعني: إلى عشرة، إقامة لبعض الحروف مقام بعض(2).

و هذا تصريح بأن أيامها أيام عادتها لا العشرة، و حينئذ فالرجوع الى عادتها - كقول الجعفي في الفاخر، و ابن طاوس، و الفاضل(3) رحمهم اللّه - اولى، و كذا الاستظهار كما هو هناك.

نعم، قال الشيخ: لا خلاف بين المسلمين ان عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من النفاس، و الذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلاّ بدلالة، و الزائد على العشرة مختلف فيه(4). فان صحّ الإجماع فهو الحجة، و لكن فيه طرح للأخبار الصحيحة، أو تأويلها بالبعيد.

و النفساء كالحائض في جميع المحرمات و المكروهات و الغسل، لأنّه في الحقيقة دم الحيض احتبس، و تعتبر حالها كما قلناه هناك.

مسائل:
الأولى: ما تراه بعد الأكثر استحاضة،

لأنّ الحيض لا يتعقّب النفاس إلاّ بطهر متخلّل، فلو تخلّل ثم رأت فهو حيض إن أمكن، و لو استمر فحكمها حكم الحائض إذا استحيضت، إلاّ انّ المشهور هنا: عود المبتدأة و المضطربة إلى العشرة.

و في خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «النفساء تجلس مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك، و استظهرت بثلثي أيامها، ثم تغتسل و تصنع صنع

ص: 262


1- النص للمفيد في المقنعة: 7، و كذا يتضح من التهذيب - الذي هو شرح المقنعة - 174:1.
2- التهذيب 176:1، و الحديث فيه برقم 502.
3- مختلف الشيعة: 41.
4- التهذيب 174:1-175.

المستحاضة. و ان كانت لا تعرف أيام نفاسها، جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، و استظهرت بثلثي ذلك، ثم صنعت صنع المستحاضة»(1). و فيه العود الى نفاسها و نسائها، و هو غير مشهور مع ضعف سنده و شذوذه، كذا قال في المعتبر(2).

و كذا في خبر محمد بن يحيى الخثعمي عن الصادق (عليه السلام) عودها الى أيام نفاسها السابق(3)، و هو في الشذوذ كالأول.

الثانية: لو لم تر دما حتى انقضى الأكثر فلا نفاس،

و يمكن ان يكون حيضا مع اجتماع شرائطه، و إلاّ فلا.

و لو رأت العاشر لا غير فهو النفاس، لأنّه في طرفه. و على اعتبار العادة، ينبغي ان يكون ما صادفها نفاسا دون ما زاد عليها.

و يحتمل اعتبار العشرة هنا إذا لم يتجاوز، كما لو انقطع دم المعتادة على العشرة، أمّا مع التجاوز فالرجوع إلى العادة قوي.

و لو رأت مرتين في العشرة، فهما و ما بينهما نفاس، لأن الطهر لا ينقص عن عشرة، و كذا لو تعدد متفرقا. و لو رأت الأول لا غير فهو النفاس.

الثالثة: ذات التوأمين فصاعدا يتعدّد نفاسها عملا بالعلة،

فلكلّ نفاس حكم نفسه، و ان تجاوز العشرة فالباقي طهر حسب ما مرّ.

و تردّد في المعتبر في الأول، من حيث إنّها حامل و لا نفاس مع الحمل، ثم قوّى أنه نفاس(4).

الرابعة: لو نفست ذات العادة عشرا،

ثم طهرت شهرين ثم استحيضت، رجعت الى عادتها في كل شهر، و لا يصير حيضها في شهرين مرة بسبب تغير الطهر.

ص: 263


1- التهذيب 403:1 ح 1262.
2- المعتبر 257:1.
3- التهذيب 177:1 ح 507، الاستبصار 152:1 ح 527.
4- المعتبر 257:1.

نعم، لو حصل ذلك مرة أخرى في حيضة أخرى أمكن النقل، لأنّ النفاس كحيضة.

و لو نفست أزيد عن عادتها أو أنقص، ثم حاضت بعدد النفاس، أمكن الانتقال الى الثاني، كالحيضتين الناسختين لما قبلهما.

الخامسة: لو سقط عضو من الولد و تخلف الباقي،

فالدم نفاس على الأقرب و لو وضعت الباقي بعد العشرة أمكن جعله نفاسا آخر، كالتوأمين. و على هذا، لو تقطّع بفترات تعدّد النفاس. و لم أقف فيه على كلام سابق.

السادسة: لو رأت ثلاثة ثم ولدت قبل مضيّ طهر،

فالأقرب: انّ الأول استحاضة، لفقد شرط ما بين الحيضتين، و فصل الولادة لم يثبت انه كاف عن الطهر.

السابعة: يفترق الحيض و النفاس في الأقل قطعا.

و في الأكثر على ما مرّ.

و في الدلالة على البلوغ، و انقضاء العدة، لحصولهما بالحمل.

نعم، لو كانت حاملا من زنا، و رأت قرءين في زمان الحمل، حسب النفاس قراء آخر، و انقضت به العدة بظهوره أو انقطاعه، كما سبق.

و يلحق بذلك أحكام المحدث،
اشارة

و هي قسمان:

أحدهما: حكم الأصغر،

و هو:

حرمة الصلاة مطلقا، و أبعاضها المفعولة بعدها، و المرغمتين(1)، للآية(2)و الخبر(3).

و الطواف الواجب، للخبر(4).

ص: 264


1- المرغمتان: سجدتا السهو، سميتا بذلك لكون فعلهما يرغم أنف الشيطان و يذله. مجمع البحرين - رغم.
2- سورة المائدة: 8.
3- الفقيه 22:1 ح 67، التهذيب 49:1 ح 144، الاستبصار 55:1 ح 160.
4- الفقيه 250:2 ح 1201، التهذيب 509154:5، الاستبصار 241:3 ح 841.

و مس القرآن، للآية،(1) و هو خبر معناه النهي.

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لحكيم بن حزام: «لا تمسّ المصحف إلاّ طاهرا»(2).

و قول الصادق (عليه السلام) لابنه إسماعيل: «لا تمسّ الكتاب» و كان على غير وضوء(3).

و ادّعى الشيخ عليه الإجماع(4) مع قوله في المبسوط يكره(5).

و يلزم ابن الجنيد الكراهية، لأنّه كره ذلك للجنب و الحائض و حدثهما أقوى.

و قد يريدان بالكراهية الحرمة.

و في منع الصبي من مسّ القرآن و ان تطهّر وجه، لعدم ارتفاع حدثه.

و وجه الجواز: إباحة الصلاة له بطهره، و لعدم التكليف في حقّه. أمّا قبل الطهارة، فالمنع أقرب.

و يكره للمحدث حمل المصحف، و مسّ خيطه(6) و تعليقه، و كتابته، لنهي أبي الحسن (عليه السلام) عن ذلك، و تلا الآية(7).

و لا يمنع من مسّ كتب الحديث، و لا الدراهم الخالية من القرآن، أو المكتوب عليها القرآن، ففي خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «اني لأوتى بالدرهم، فآخذه و إنّي لجنب» ثم ذكر ان عليه سورة من القرآن(8).ي.

ص: 265


1- سورة الواقعة: 79.
2- سنن الدار قطني 123:1، المستدرك على الصحيحين 485:3.
3- التهذيب 126:1 ح 342، الاستبصار 113:1 ح 376.
4- الخلاف 100:1 المسألة: 46.
5- المبسوط 23:1.
6- في م و نسخة من المصدر: «خطه».
7- التهذيب 127:1 ح 344، الاستبصار 113:1 ح 378.
8- المعتبر 188:1 عن جامع البزنطي.

و في خبر أبي الربيع عن الصادق (عليه السلام) في الجنب يمسّ الدراهم و فيها اسم اللّه، أو اسم رسوله، قال: «لا بأس، ربما فعلت ذلك»(1).

و إذ قلنا بذلك فالمحدث أولى، و لعلّ الوجه سلب اسم المصحف أو الكتاب عنها، أو لزوم الحرج بلزوم تجنّب ذلك.

و لا يمنع من مسّ الكتب المنسوخة، و لا ممّا نسخ تلاوته، و لا من سجود الشكر، و لا سجود التلاوة - في الأصحّ - للخبر.

و الأقرب: انّ اللمس يعمّ جميع أجزاء البدن مصيرا إلى اللغة، فلا يختص بباطن الكف.

و تكره المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو، خوفا من نيل أيديهم.

و لا يحرم مسّ ما بين السطور من البياض، و لا الحاشية، و لا مسّ جلده، و لا صندوقه، و لا تقليب ورقه بقضيب.

الثاني: حكم الأكبر،

و هو ما ذكر في الأصغر، لقوله تعالى وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (2).

و قول الباقر (عليه السلام) في الطامث: «لا تحلّ لها الصلاة»(3).

و يزيد عليه: حرمة قراءة العزائم الأربع إجماعا، و اللبث في المساجد، و الجواز في المسجدين، كلّ ذلك رواه محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(4).

و لقوله تعالى وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (5).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا أحلّ المسجد لحائض، و لا جنب»(6). و منه يعلم تحريم الاعتكاف.

ص: 266


1- المعتبر 188:1 عن كتاب الحسن بن محبوب.
2- سورة النساء: 43.
3- الكافي 101:3 ح 4، التهذيب 159:1 ح 456.
4- التهذيب 371:1 ح 1132.
5- سورة النساء: 43.
6- التاريخ الكبير للبخاري 67:2 برقم 1710، سنن أبي داود 60:1 ح 232، السنن الكبرى 442:2.

و رواية جميل عن الصادق (عليه السلام) في الجنب يجلس في المساجد:

«لا، و لكن يمرّ فيها إلاّ المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلّى اللّه عليه و آله)»(1).

و الصدوقان و المفيد أطلقوا المنع من دخول المساجد إلاّ اجتيازا(2)، و خبر محمد بن مسلم مخصّص غير المسجدين(3).

و وضع شيء فيها - في المشهور - لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام) في الجنب و الحائض: «لا يضعان في المسجد شيئا، و يجوز أخذهما منه»(4) بنصّه (عليه السلام) في هذه الرواية.

و عدّ سلار اللّبث في المساجد للجنب و الحائض و وضع شيء فيها ممّا يستحب تركه(5)، و لم يفرّق بين المسجدين و غيرهما. و ما مرّ يدفعه.

و في خبر الفضيل بن يسار عن الباقر (عليه السلام): «لا بأس أن يتلو الجنب و الحائض القرآن»(6).

و استثنى في خبر محمد بن مسلم السابق العزائم. و علل في التهذيب: بأنّه لا يجوز السجود إلاّ لطاهر من النجاسات، و حمل خبر أبي عبيدة عن الباقر (عليه السلام) في سجود الطامث إذا سمعت على الندب(7).

و يشكل: بمناقضة الندب الحرام، إلاّ أن يخصّ التحريم بالسجدة الواجبة.

و المشهور عدم تحريم السجود، لرواية أبي بصير عن الصادق (عليه5.

ص: 267


1- الكافي 50:3 ح 4، التهذيب 125:1 ح 338.
2- الفقيه 48:1، الهداية: 21، المقنعة: 6.
3- راجع ص 201 الهامش 3.
4- الكافي 51:3 ح 8، التهذيب 125:1 ح 339.
5- المراسم: 42.
6- التهذيب 128:1 ح 347، الاستبصار 114:1 ح 380.
7- التهذيب 129:1. و خبر أبي عبيدة في: الكافي 106:3 ح 3، التهذيب 129:1 ح 353، الاستبصار 115:1 ح 385.

السلام): «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها، فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و ان كنت جنبا، و ان كانت المرأة لا تصلي»(1).

و قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن في الحائض: «تقرأ، و لا تسجد»(2)يحمل على السجدات المستحبة فتؤخّر إلى الطهر، أو نهي عن السبب بلفظ المسبّب. فكأنّه قال: تقرأ القرآن إلاّ العزيمة. و ليست السجدة جزء صلاة حتى تدخل في قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور»(3). فالحجة على تحريم قراءة العزيمة لهما: الإجماع، و الخبر المذكور.

أمّا غير العزائم، فالصدوقان و الجعفي و المفيد و الشيخ في الخلاف - مدعيا للإجماع - على الجواز(4). و هو قول سلاّر(5) و ابن زهرة(6) و ابن إدريس(7).

و في كتابي الحديث إشعار بتحريم ما عدا السبع أو السبعين، جمعا بين الأخبار الدالة على قراءة ما شاء - كصحيح الحلبي الآتي(8) - و بين مقطوعي سماعة، الدال أحدهما على السبع و الآخر على السبعين(9) فجعل المشيّة(10) المطلقة في القرآن مخصوصة بهذا العدد.

ثم إنّه جمع بينهما أيضا بحمل الاقتصار على العدد على الندب و الباقي على الجواز(11). فعلم انّه غير جازم بالتحريم، و ليس في تأويله الثاني تصريح3.

ص: 268


1- الكافي 318:3 ح 2.
2- التهذيب 292:2 ح 1172.
3- مسند أحمد 20:2، صحيح مسلم 204:1 ح 224، سنن ابن ماجة: 100:1 ح 272، سنن الترمذي 5:1 ح 1، معرفة علوم الحديث: 129، السنن الكبرى 42:1.
4- الفقيه 28:1، المقنع: 13، الهداية 20، المقنعة: 6، الخلاف 101:1 المسألة 47.
5- المراسم: 42.
6- الغنية: 488.
7- السرائر: 21.
8- راجع الهامش: 11.
9- التهذيب 128:1 ح 350، 351، الاستبصار 114:1 ح 383.
10- (في قوله: يقرءان من القرآن ما شاءا) ه م.
11- التهذيب 128:1 ذيل الحديث 349، الاستبصار 115:1 ذيل الحديث 283.

بالكراهية، غايته انّه ترك الأفضل.

و الأقرب: الأول، لعموم قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (1).

و لصحيح الفضيل بن يسار عن الباقر (عليه السلام): «لا بأس أن تتلو الحائض و الجنب القرآن»(2).

و صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في الحائض و الجنب و المتغوط «يقرءون ما شاءوا»(3).

و عن سلار في «الأبواب» تحريم القراءة مطلقا.

و ابن البراج: لا يجوز الزيادة على السبع(4)، لاشتهار النهي عن قراءة القرآن للجنب و الحائض في عهد النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بين الرجال و النساء، و من ثم تخلّص عبد اللّه بن رواحة من تهمة امرأته بشعر موهما القراءة، فقالت: صدق اللّه و كذب بصري، فأخبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فضحك حتى بدت نواجذه(5).

و عن علي (عليه السلام): «لم يكن يحجب النبي (صلّى اللّه عليه و آله) عن قراءة القرآن شيء سوى الجنابة»(6).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «لا يقرأ الجنب و لا الحائض شيئا من القرآن»(7).1.

ص: 269


1- سورة المزمل: 20.
2- التهذيب 128:1 ح 347، الاستبصار 114:1 ح 380.
3- التهذيب 128:1 ح 348، الاستبصار 114:1 ح 381.
4- المهذب 34:1.
5- سنن الدار قطني 34:1.
6- مسند أحمد 84:1، 124 سنن ابن ماجة 195:1 ح 594، سنن أبي داود 59:1 ح 229، سنن النسائي 144:1، مسند أبي يعلى 247:1 ح 287، سنن الدار قطني 119:1.
7- سنن ابن ماجة 95:1 ح 595، الجامع الصحيح 236:1 ح 131، سنن الدار قطني 117:1، شرح معاني الآثار 88:1.

قلنا: يحمل على الكراهية إن صحّ، جمعا بين الأخبار، و لهذا عدّه متأخّرو الأصحاب مكروها(1).

و يحرم أيضا عليهما مسّ اسم اللّه تعالى، لقول الصادق (عليه السلام):

«و لا يمسّ الجنب دينارا و لا درهما عليه اسم اللّه تعالى»(2) أو أسماء الأنبياء أو الأئمة، للتعظيم. و الصوم على ما يأتي إن شاء اللّه.

و يكره للجنب الأكل و الشرب ما لم يتمضمض و يستنشق في المشهور.

و في خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): «غسل اليد و المضمضة و غسل الوجه للأكل»(3).

و عنه (عليه السلام): «لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ»(4). فاقتصر في المعتبر على غسل يده و المضمضة(5).

و النوم ما لم يتوضأ، و هو مروي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من غير طرقنا(6).

و رويناه عن الصادق (عليه السلام)(7) و يعارضه حديثان بالنوم بغير وضوء(8)، فحمل على الندب.

هذا حكم الأكبر بقول مطلق،

و أمّا حكم الحائض و النفساء
ففيه مسائل:
اشارة

ص: 270


1- المعتبر 90:1.
2- التهذيب 31:1 ح 82، الاستبصار 113:1 ح 374.
3- الكافي 50:3 ح 1، التهذيب 129:1 ح 354، باختلاف في الألفاظ.
4- الفقيه 47:1 ح 181.
5- المعتبر 191:1.
6- الموطأ 47:1 ح 76، صحيح البخاري 80:1، صحيح مسلم 249:1 ح 306، سنن ابن ماجة 193:1 ح 585، سنن أبي داود 57:1 ح 221، الجامع الصحيح 206:1 ح 120، سنن النسائي 14:1.
7- الفقيه 47:1 ح 179.
8- الفقيه 47:1 ح 180، التهذيب 369:1 ح 1126.
الأولى: يحرم منها موضع الدم - إجماعا،

و للآية(1) - لا غيره، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «افعلوا كلّ شيء إلاّ الجماع»(2).

و لإباحة الصادق (عليه السلام): «كلّ شيء عدا القبل»(3).

و حرّم المرتضى الاستمتاع إلاّ بما فوق المئزر(4)، لقول الصادق (عليه السلام): «تتزر الى الركبتين و تخرج سرّتها، ثم له ما فوق الإزار»(5) و هو من مفهوم الاسم، و غايته انّه ليس له، و المكروه يصدق عليه ذلك و نحن نقول به جمعا بين الأخبار، و لقول النبي: «من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه»(6).

و تجب الكفارة بالتعمّد و العلم في قول الأكثر، و نقل الشيخ فيه الإجماع(7)، لمقطوع محمد بن مسلم(8) و خبرين عن الصادق (عليه السلام)(9) و العمدة الشهرة. و العدم أصحّ إسنادا، و عليه النهاية و الفاضلان، و حملوا تلك الأخبار على الاستحباب جمعا(10).

و أمّا التفصيل بالمضطرّ و غيره، أو الشاب و غيره - كما قاله الراوندي(11) - فلا عبرة به.

ص: 271


1- سورة البقرة: 222.
2- مسند أحمد 132:3، صحيح مسلم 246:1 ح 302، سنن ابن ماجة 211:1 ح 644، سنن أبي داود 67:1 ح 258، السنن الكبرى 313:1.
3- الكافي 538:5 ح 1، التهذيب 154:1 ح 437، الاستبصار 128:1 ح 438.
4- المعتبر 224:1، مختلف الشيعة: 35.
5- الفقيه 54:1 ح 204، التهذيب 154:1 ح 439، الاستبصار 129:1 ح 442.
6- مسند أحمد 270:4، صحيح البخاري 70:3، صحيح مسلم 1219:3 ح 1599، سنن ابن ماجة 1319:2 ح 3984، سنن أبي داود 243:3 ح 3329، الجامع الصحيح 511:3 ح 1205.
7- الخلاف 226:1 المسألة: 194.
8- التهذيب 163:1 ح 467، الاستبصار 133:1 ح 455.
9- التهذيب 163:1 ح 468، 469، الاستبصار 133:1 ح 456، 457.
10- النهاية: 26، المعتبر 224:1، مختلف الشيعة: 35.
11- فقه القرآن 54:1.

و قدرها دينار أو نصفه أو ربعه، بحسب أول الحيض و وسطه و آخره، لخبر داود عن الصادق (عليه السلام) - و عدّه المرتضى إجماعا(1) - و فيه مع العجز الصدقة على مسكين واحد و إلاّ استغفر اللّه(2). و هو و إن كان في سنده إرسال إلاّ أنّ الشهرة تؤيّده.

و الصدوق في المقنع: الكفارة ما يشبع مسكينا(3) لخبر الحلبي عنه (عليه السلام)(4).

و أمته، ثلاثة أمداد طعام، ذكره الصدوق و الشيخ في النهاية(5).

أمّا وطؤها بعد الطهر قبل الغسل، فالأشهر جوازه و إن كره، للآية(6). و فيها دلالة من لفظ المحيض و من الغاية، و قراءة التشديد لا تنافيه، لأنّ تفعل تجيء بمعنى: فعل، كالمتكبر في أسماء اللّه تعالى، و يقال: تطعمت الطعام، بمعنى:

طعمته.

و الجواز مروي عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام)(7).

و لتغسل فرجها ندبا، لقول الباقر (عليه السلام) في الشبق(8).

و خبر أبي بصير و سعيد بن يسار بالمنع عن الصادق (عليه السلام)(9) يحمل على الكراهية توفيقا.

و لو قلنا بالوجوب و تعذّر الماء، فالتيمم، لخبر أبي عبيدة عن الصادق (عليه6.

ص: 272


1- الانتصار: 33.
2- التهذيب 164:1 ح 471، الاستبصار 134:1 ح 459.
3- المقنع: 16.
4- الفقيه 53:1 ح 200، التهذيب 163:1 ح 469، الاستبصار 133:1 ح 457.
5- المقنع: 16، الفقيه 53:1، النهاية: 571.
6- سورة البقرة: 222.
7- التهذيب 166:1 ح 476، 481، الاستبصار 135:1 ح 464، 468.
8- الكافي 539:5 ح 1، التهذيب 166:1 ح 477، الاستبصار 135:1 ح 463.
9- التهذيب 166:1 ح 478، 479، الاستبصار: 136 ح 465، 466.

السلام)(1).

الثانية: يحرم طلاقها مع الدخول،

و الحضور أو حكمه، و عدم الحمل إجماعا. و لا يقع اتفاقا منّا، للأخبار، و لردّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) امرأة ابن عمر لما طلّقت في الحيض و لم يره شيئا(2).

الثالثة: لا يرتفع حدثها لو تطهّرت،

للمانع، و خبر الكاهلي(3).

و إذا انقطع وجب الغسل إجماعا، لوجوب ما هو مشترط به، و هو الصلاة و الطواف بإجماعنا، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «امكثي مقدار ما كانت تجيئك حيضتك، ثم اغتسلي و صلّي»(4).

و عن الباقر (عليه السلام): «و إن لم تر شيئا فلتغتسل»(5) و فيه دلالة على أنّ وجوب الغسل بالانقطاع.

و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «و إذا أدبرت فاغتسلي»(6).

و يمكن أن يجب بالدم عند الانقطاع لاستباحة الصلاة مثلا، كما انّ البول و المني يوجبان الوضوء و الغسل بالخروج عند القيام إلى الصلاة.

اما الصوم، فنصّ ابن أبي عقيل على فساد الصوم بترك غسل الحيض و النفاس(7)، لخبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «إن طهرت من حيضها،

ص: 273


1- الكافي 82:3 ح 3، التهذيب 400:1 ح 1250.
2- المصنف لعبد الرزاق 308:6 ح 10952، صحيح البخاري 52:7، صحيح مسلم 1093:2 ح 1471، سنن أبي داود 255:2 ح 2179، الجامع الصحيح 478:3 ح 1175، سنن النسائي 138:6.
3- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 395:1 ح 1224.
4- مسند أحمد 222:6، صحيح مسلم 246:1 ح 334، سنن أبي داود 72:1 ح 279، سنن النسائي 119:1، السنن الكبرى 330:1، و في الجميع: «تحبسك» بدل «تجيئك».
5- الكافي 80:3 ح 2، التهذيب 161:1 ح 460.
6- الكافي 83:3 ح 1، التهذيب 381:1 ح 1183، صحيح البخاري 84:1، صحيح مسلم 262:1 ح 333، سنن أبي داود 74:1 ح 282، السنن الكبرى 33:1.
7- مختلف الشيعة: 220.

ثم توانت أن تغتسل حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم»(1).

و قرّبه الفاضل، حتى أوجب في المختلف الكفارة(2).

و تردّد في المعتبر، لضعف سند الرواية(3).

الرابعة: لو حاضت بعد إمكان الأداء قضت،

لخبر أبي عبيدة عن الصادق (عليه السلام)(4).

و لو طهرت و بقي قدر الطهارة و ركعة أدّت، و إلاّ قضت مع الإهمال، للخبر عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)(5).

و في التهذيب: إنّما يجب قضاء الظهر لو طهرت قبل مضي أربعة أقدام(6)، و رواه عن الكاظم (عليه السلام) الفضل بن يونس(7). و هو واقفي.

و الصدوق: لو حاضت بعد صلاة ركعتين من المغرب قضت الركعة، و بعد صلاة ركعتين من الظهرين لا قضاء(8)، لخبر أبي الورد عن الباقر (عليه السلام)(9).

و حملت على مضي ما يسع المغرب فيجب قضاؤها، و يعبّر بالركعة عن الصلاة.

الخامسة: يكره للجنب و الحائض الخضاب،

توفيقا بين أخبار المنع و الجواز، عن الصادق (عليه السلام) و الكاظم (عليه السلام)(10).

ص: 274


1- التهذيب 393:1 ح 1213، باختصار في الألفاظ.
2- مختلف الشيعة: 220.
3- المعتبر 226:1.
4- الكافي 103:3 ح 3، التهذيب 391:1 ح 1208، الاستبصار 145:1 ح 496.
5- الكافي 102:3 ح 2، 4، التهذيب 389:1 ح 1198، و 390 ح 1205، 1209، الاستبصار 141:1 ح 484.
6- التهذيب 391:1.
7- الكافي 102:3 ح 1، التهذيب 389:1 ح 1199، الاستبصار 142:1 ح 485.
8- الفقيه 52:1، المقنع: 17.
9- الكافي 103:3 ح 5، التهذيب 392:1 ح 1210، الاستبصار 144:1 ح 495.
10- قرب الاسناد: 124، الكافي 109:3 ح 1، 2، التهذيب 181:1 ح 517-525، الاستبصار 116:1 ح 386-392.

و علّل في رواية أبي بصير: بخوف الشيطان على الحائض(1).

و علّله المفيد بمنعه وصول الماء(2).

و يشكل: باقتضائه التحريم.

و أجيب: بأنّ المحرّم المنع التام، و الأجزاء الحاملة للّون خفيفة لا تمنع منعا تاما.

و فيه اعتراف بمنع الماء بالجملة، و هو غير جائز، إلاّ أن يقال: يعفى عنه لخفته.

و عن الصادق (عليه السلام) النهي عن الجنابة للمختضب من الرجل و المرأة(3).

و عن الكاظم (عليه السلام): «إذا بلغ مأخذه فجامع»(4).

و المفيد: لا يحرج في الجنابة بعد الخضاب، و لا الحيض بعده(5).

قال في المعتبر: يحمل على اتفاق الجنابة لا على القصد إليها، لأنّ تعليله الأول يقتضي المنع مع الرواية به! و لعلّه اطّرحها لضعف سندها، و نحن لا نراها تقصر عن الكراهية(6).

قلت: لعلّ الفرق تعلّق الوجوب في الأول بالبدن خاليا عن الحائل، بخلاف الثاني.

و يكره للجنب الدهن، قاله ابن الجنيد، لخبر حريز عن الصادق (عليه1.

ص: 275


1- التهذيب 181:1 ح 520.
2- المقنعة: 7.
3- التهذيب 182:1 ح 521، الاستبصار 116:1 ح 388.
4- التهذيب 181:1 ح 517، الاستبصار 116:1 ح 386.
5- المقنعة: 7.
6- المعتبر 192:1.

السلام)(1).

و يكره الجماع للمحتلم، و لا يكره بعد جماع، لفعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(2).

السادسة: يستحبّ الوضوء لوقت الصلاة،

و الكون في مصلاّها لذكر اللّه تعالى بقدر الصلاة، لخبر زيد الشحّام عن الصادق (عليه السلام)(3).

و قول الباقر (عليه السلام) في رواية زرارة: «عليها أن تتوضأ، ثم تقعد في موضع طاهر»(4) لتأكيد الندب، لا للوجوب الذي قاله الشيخ أبو الحسن بن بابويه رحمه اللّه(5).

و المفيد: تجلس ناحية من مصلاّها(6). و الروايتان خاليتان عن تعيين المكان.

قال في المعتبر: و هو المعتمد. و علّله أيضا بالتمرين على العبادة بقدر المكنة فيصير عادة، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الخير عادة»(7).

و هذا من تفرّدات الإمامية رحمهم اللّه.

السابعة: يجب قضاء الصوم دون الصلاة إجماعا،

لقول بعض أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله): كنّا نحيض على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)،

ص: 276


1- الكافي 51:3 ح 6، التهذيب 129:1 ح 355، و 372 ح 1138، الاستبصار 117:1 ح 393.
2- صحيح مسلم 249:1 ح 309، السنن الكبرى 204:1.
3- الكافي 101:3 ح 3، التهذيب 159:1 ح 455.
4- الكافي 101:3 ح 4، التهذيب 159:1 ح 456.
5- الفقيه 50:1.
6- المقنعة: 7.
7- المعتبر 233:1. و الحديث في: سنن ابن ماجة 80:1 ح 221، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 264:1 ح 310.

فنؤمر بقضاء الصوم، و لا نؤمر بقضاء الصلاة(1).

و عن الباقر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يأمر فاطمة بذلك و المؤمنات(2)»(3).

الثامنة: يجب عليها الاستبراء بقطنة عند الانقطاع

لدون الأكثر لتغتسل إن نقيت، لخبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(4).

و عن الصادق (عليه السلام): «لتقم و تلصق بطنها إلى الحائط، و ترفع رجلها اليسرى إلى الحائط، ثم تدخل الكرسف بيدها اليمنى»(5).

و لم يصرّح أكثر القدماء بوجوب الاستبراء، و هو من باب وجوب المقدمة.

فروع:

الأول: يحرم بعض العزيمة حتى الآي المشتركة بالنية منها - كالبسملة، و مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ (6) و يباح بالتيمّم المسوّغ للصلاة، لما مرّ.

و لا تمنع من ذكر اللّه تعالى، لقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة و محمد ابن مسلم - في الحائض و الجنب: «يقرءان ما شاءا إلاّ السجدة، و يذكران اللّه على كلّ حال»(7).

الثاني: يكره الاجتياز في المساجد للجنب و الحائض مع أمن التلويث،

للتعظيم، و كذلك: السلس، و المبطون، و المجروح، و الصبي المنجّس، و الدابة التي لا تؤكل. و لو علم التلويث حرم الجميع.

ص: 277


1- المصنف لعبد الرزاق 331:1 ح 1277، مسند أحمد 231:6، صحيح مسلم 265:1 ح 335، سنن أبي داود 69:1 ح 263، سنن النسائي 191:4، السنن الكبرى 308:1.
2- في المصدرين: «و كانت تأمر بذلك المؤمنات».
3- الكافي 104:3 ح 3، التهذيب 160:1 ح 459.
4- التهذيب 161:1 ح 460.
5- التهذيب 161:1 ح 461، 462.
6- سورة فصلت: 46، الجاثية: 15.
7- علل الشرائع: 288، التهذيب 26:1 ح 67، 129 ح 352، الاستبصار 115:1 ح 384.

و ألحق المفيد - في العزية - و ابن الجنيد المشاهد المشرّفة بالمساجد. و هو حسن، لتحقق معنى المسجديّة فيها و زيادة.

الثالث: يعزّر الواطئ العالم بالتحريم و الحيض، لانتهاكه حرمة، و كذا المرأة إن طاوعت.

و قطع في التذكرة بفسق الواطئ(1).

و لو استحلّه كفر، للإجماع على تحريمه.

و يجب القبول منها لو أخبرت بالحيض أو الطهر، لقوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ (2).

و لأنّه لا يمكن فيه إقامة البيّنة، لأنّ مشاهدة الدم لا تكفي في الحكم بأنّه حيض، لجواز كونه استحاضة.

و في الخبر المتقدم عن علي (عليه السلام) ما يدل على سماع البينة(3) فيه، و ذكر ذلك في العدد أيضا مرويا.

و حمله الشيخ في الاستبصار على كونها متهمة، لخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): «العدّة و الحيض إلى النساء»(4).

و لو اشتبه الحال فيها، إمّا لتحيرها أو لغلبة ظن كذبها، اجتنبت احتياطا، لأنّه إقدام على ما لا يؤمن قبحه، و نبّه عليه قول الصادق (عليه السلام) في آتي الطامث خطأ: «عصى اللّه»(5).

الرابع: لو كرّر الوطء تكرّرت الكفارة، مع تخلّل التكفير أو تغاير المقدّر و إلاّ فلا، أخذا بالعموم، و أصل البراءة.1.

ص: 278


1- تذكرة الفقهاء 28:1.
2- سورة البقرة: 228.
3- تقدم في ص 231 الهامش 5، 6.
4- الاستبصار 356:3. و خبر زرارة في الكافي 101:6 ح 1، التهذيب 165:8 ح 575، الاستبصار 356:3 ح 1276.
5- التهذيب 165:1 ح 473، الاستبصار 134:1 ح 461.

و يختلف الزمان المقدّر له بحسب العادة، قاله المفيد(1) و هو ظاهر الخبر(2).

و قال سلار: الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة(3). و الراوندي اعتبر العشرة و أسقط العادة(4). فظاهرهما إمكان خلو بعض العادات عن الوسط و الأخير.

و لو صادف الواطئ زمانين أو ثلاثة كما يتفق في النفساء، فالظاهر التعدّد، و لا كفارة عليها، و لا على الواطئ صبيا، لعدم التكليف.

و لا فرق بين الزوجة و الأجنبية، للعموم، أو الإطلاق في بعض الأخبار.

الخامس: قدّر الشيخان الدينار بعشرة دراهم(5) و الخبر خال منه. فإن لم نقل به، ففي جواز إخراج القيمة نظر، التفاتا الى عدم إجزاء القيم في الكفارة.

و على قولهما لا يجزئ دينار قيمته أقل من عشرة.

و الظاهر أنّ المراد به المضروب فلا يجتزئ التبر، لأنّه المفهوم من الدينار.

و مصرفه مستحق الزكاة، لحاجته.6.

ص: 279


1- المقنعة: 7.
2- راجع ص 205 الهامش 15.
3- المراسم: 44.
4- فقه القرآن 54:1.
5- المقنعة: 7، النهاية: 26.

ص: 280

المقام الخامس: في أحكام الميت:
اشارة

و هي خمسة:

الأول: احتضاره، و لنقدّم أخبارا نافعة لطالب الآخرة منقولة بالمعنى من الكافي:

الباقر (عليه السلام): «كان الناس يعتبطون اعتباطا، فسأل إبراهيم (عليه السلام) ربّه علّة يعرف بها الموت، فنزل البرسام ثم الداء بعده»(1).

قلت: الاعتباط - بالعين المهملة - الموت بغير علّة، و مات عبطة - بفتح العين - أي صحيحا شابا.

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «موت الفجأة تخفيف على المؤمن، و أخذه أسف على الكافر»(2).

عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «الحمّى رائد الموت، و هي سجن اللّه في الأرض، و حظ المؤمن من النار»(3).

الرضا (عليه السلام): «أكثر من يموت من موالينا بالبطن الذريع»(4).

قلت: الذريع - بالذال المعجمة - السريع.

الباقر (عليه السلام): «المؤمن يبتلى بكلّ بليّة، و يموت بكل ميتة، إلاّ أنّه لا يقتل نفسه»(5).

الصادق (عليه السلام) نحوه و زاد: «و لا يبتليه بذهاب عقله»، و ذكر أيّوب (عليه السلام)(6).

ص: 281


1- الكافي 111:3 ح 1. و البرسام: علة معروفة يهذى فيها. القاموس - مادة برسم.
2- الكافي 112:3 ح 5.
3- الكافي 112:3 ح 7، ثواب الأعمال: 288.
4- الكافي 112:3 ح 6.
5- الكافي 112:3 ح 8.
6- الكافي 112:3 ح 10.

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «في المؤمن يمرض يقول اللّه للملكين:

اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه و ليلته»(1) و كذلك من غلبه كبر أو ضعف.

أحدهما (عليهما السلام): «سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل من عبادة سنة»(2).

الباقر (عليه السلام): حمّى ليلة تعدل عبادة سنة، و حمّى ليلتين عبادة سنتين، و حمّى ثلاث عبادة سبعين سنة»(3).

الصادق (عليه السلام): «من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها، أي: لا يشكو ما أصابه الى أحد، كتب اللّه عز و جلّ له عبادة ستين سنة»(4).

جميل بن صالح عن الصادق (عليه السلام): «قول الرجل: حممت اليوم و سهرت البارحة ليس شكاية، إنّما الشكوى: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو أصابني ما لم يصب أحدا»(5).

الصادق (عليه السلام): «ينبغي للمريض أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه، فيؤجر فيهم و يؤجرون فيه، فيكتب له بذلك الحسنات، و ترفع له بها عشر درجات، و تمحى عنه بها عشر سيئات»(6).

و عن الكاظم (عليه السلام): «فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنّه ليس من أحد إلاّ و له دعوة مستجابة»(7).

الصادق (عليه السلام): «إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له، فليسأله2.

ص: 282


1- الكافي 113:3 ح 1.
2- الكافي 114:3 ح 6.
3- الكافي 114:3 ح 9.
4- الكافي 115:3 ح 4.
5- الكافي 116:3 ح 1، معاني الأخبار: 142.
6- الكافي 117:3 ح 1، مستطرفات السرائر: 482.
7- الكافي 117:3 ح 2.

يدعو له، فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة»(1).3.

ص: 283


1- الكافي 117:3 ح 3.

فصل:

قال الصادق (عليه السلام): «لا عيادة في وجع العين، و لا تكون عيادة في أقلّ من ثلاثة أيام، فإذا وجبت فيوم و يوم لا و يومين لا، فإذا طالت العلّة ترك العليل و عياله»(1).

و عنه (عليه السلام): «العيادة قدر فواق ناقة أو حلب ناقة»(2).

و أمر (عليه السلام) بحمل العائد هدية الى المريض كتفاحة أو سفرجلة، أو أترجة أو طيب، أو قطعة عود بخور، و قال: «إنّ المريض ليستريح الى كلّ ما أدخل به عليه»(3).

و عنه (عليه السلام): «تمام عيادة المريض أن تضع يدك على ذراعه، و تعجّل القيام من عنده، فإن عيادة النوكي أشدّ على المريض من وجعه»(4).

و عنه (عليه السلام): «تمام العيادة أن تضع يدك على المريض إذا دخلت عليه»(5).

و عن علي (عليه السلام): «إنّ أعظم العوّاد أجرا عند اللّه عزّ و جلّ لمن إذا عاد أخاه خفّف، إلاّ أن يكون المريض يحبّ ذلك و يريده و يسأله ذلك»، و قال:

«من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى، أو على جبهته»(6).

و عن الباقر (عليه السلام): «من مات دون الأربعين فقد اخترم، و من مات دون أربعة عشر يوما فموته موت فجأة»(7).1.

ص: 284


1- الكافي 117:3 ح 1.
2- الكافي 117:3 ح 2.
3- الكافي 118:3 ح 3.
4- الكافي 118:3 ح 4.
5- الكافي 118:3 ح 5.
6- قرب الاسناد: 8، الكافي 118:3 ح 6.
7- الكافي 119:3 ح 1.

و عن الصادق (عليه السلام): «من مات في أقلّ من أربعة عشر يوما كان موته موت فجأة»(1).

و عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه: يا فلان طبت و طاب ممشاك، أبشر بثواب اللّه عزّ و جلّ»(2).

الباقر (عليه السلام): «من عاد امرءا مسلما في مرضه، صلى عليه يومئذ سبعون ألف ملك إذا كان صباحا حتى يمسوا، و إن كان مساء حتى يصبحوا، مع أنّ له خريفا في الجنة»(3).

الصادق (عليه السلام): «من عاد مريضا شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع الى منزله»(4).

الباقر (عليه السلام): «أيّما مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف و كلّ اللّه عزّ و جلّ به سبعين ألف ملك يستغفرون له و يسترحمون عليه، و يقولون: طبت و طابت لك الجنة إلى تلك الساعة من الغد، و كان له خريف في الجنة، و هي: زاوية يسير الراكب فيها أربعين عاما»(5).

الصادق (عليه السلام): «من عاد مؤمنا في اللّه عزّ و جلّ في مرضه، و كلّ اللّه عزّ و جلّ به ملكا من العوّاد، يعوده في قبره و يستغفر له الى يوم القيامة»(6).

و عنه (عليه السلام): «من عاد مريضا من المسلمين، و كلّ اللّه جلّ و عزّ به سبعين ألفا من الملائكة، يغشون رحله يسبّحون فيه و يقدّسون و يهلّلون و يكبّرون الى يوم القيامة، نصف صلاتهم لعائد المريض»(7).5.

ص: 285


1- الكافي 119:3 ح 2.
2- قرب الاسناد: 8، الكافي 121:3 ح 10.
3- الكافي 119:3 ح 1.
4- الكافي 120:3 ح 2.
5- الكافي 120:3 ح 3.
6- الكافي 120:3 ح 4.
7- الكافي 120:3 ح 5.

الباقر (عليه السلام): «كان فيما ناجى به موسى (عليه السلام) ربّه عزّ و جلّ أن قال: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأجر؟ فقال عزّ و جلّ:

أوكّل به ملكا يعوده في قبره الى محشره»(1).1.

ص: 286


1- الكافي 121:3 ح 9، الفقيه 85:1 ح 390، ثواب الأعمال: 231.

فصل:

عن علي (عليه السلام): «إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا و أول يوم من الآخرة مثّل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت الى ماله فيقول: و اللّه إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا فما لي عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك، و يلتفت الى ولده، فيقول: و اللّه إنّي كنت لكم محبّا و إنّي كنت عليكم لمحاميا، فما ذا عندكم؟ فيقولون:

نؤدّيك إلى حفرتك نواريك فيها، فيلتفت الى عمله فيقول: و اللّه إنّي كنت فيك لزاهد و إن كنت عليّ لثقيلا، فما عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك و يوم نشرك حتى أعرض أنا و أنت على ربّك.

فإن كان للّه عزّ و جلّ وليّا، أتاه أطيب الناس ريحا و أحسنهم منظرا و أحسنهم رياشا، فقال: أبشر بروح و ريحان و جنة نعيم، و مقدمك خير مقدم، فيقول له:

من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا إلى الجنة، و إنّه ليعرف غاسله و يناشد حامله ان يعجّله.

فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان إشعارهما و يخدّان الأرض بأنيابهما، أصواتهما كالرعد القاصف، و أبصارهما كالبرق الخاطف! فيقولان له: من ربك؟ و ما دينك؟ و ما نبيك؟ فيقول: اللّه ربّي، و ديني الإسلام، و نبيّي محمد (صلّى اللّه عليه و آله). فيقولان: ثبّتك اللّه فيما تحبّ و ترضى، و هو قول اللّه عزّ و جلّ يُثَبِّتُ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا الآية(1) ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره، ثم يفتحان له بابا إلى الجنّة، ثم يقولان له: نم قرير العين نوم الشاب الناعم».

فإذا كان لربّه عدوا فإنّه يأتيه أقبح من خلق اللّه زيّا و أنتنه ريحا، فيقول له: أبشر بنزل من حميم و تصلية جحيم، و إنه ليعرف غاسله و يناشد حملته أن يحبسوه.

فإذا أدخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقيا أكفانه ثم يقولان: من ربك؟ و ما7.

ص: 287


1- سورة إبراهيم: 27.

دينك؟ و من نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت، و لا هديت، فيضربان يافوخه بمرزبة معهما ضربة ما خلق اللّه عزّ و جلّ من دابة إلاّ تذعر لها ما خلا الثقلين، ثمّ يفتح له باب إلى النار، و يسلّط اللّه عليه حيّات الأرض و عقاربها و هو أمها فتنهشه حتى يبعثه اللّه من قبره»(1).

و عن الباقر (عليه السلام): «يسألون عن الحجّة القائمة بين أظهرهم»(2).

و عن الكاظم (عليه السلام): «يقال للمؤمن في قبره: من ربك؟ فيقول:

اللّه، و يقال: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، و يقال: من نبيك؟ فيقول محمّد، فيقال: من إمامك؟ فيقول: فلان»(3)، و كذا في خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) السؤال عن الإمام(4).

و عنه (عليه السلام): «يسأل الميت في قبره عن خمس: صلاته، و زكاته، و حجّه و صيامه، و ولايته إيّانا أهل البيت. فتقول الولاية من جانب القبر للأربع: ما دخل فيكن من نقص فعليّ تمامه»(5).

قلت: المراد مع وقوع هذه الأفعال من المكلّف، و إلاّ لم يسأل عنها. و المراد بالنقص: ما وقع على سبيل سهو أو غلط أو لعذر.5.

ص: 288


1- تفسير القمي 369:1، الكافي 231:3 ح 1، أمالي الطوسي 358:1.
2- الكافي 237:3 ح 8.
3- الكافي 238:3 ح 11.
4- الكافي 239:3 ح 12.
5- الكافي 241:3 ح 15.

فصل:

عن الصادق (عليه السلام): «جاء جبرئيل إلى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فقال: يا محمد عش ما شئت فإنّك ميّت، و أحبب من شئت فإنّك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه»(1).

الباقر (عليه السلام)، قال: «سئل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): أيّ المؤمنين أكيس؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت، و أشدّهم له استعدادا»(2).

و عن عليّ (عليه السلام): «ما انزل الموت حقّ منزلته من عدّ غدا من أجله»(3).

و عنه (عليه السلام): «ما أطال عبد الأمل إلاّ أساء العمل»(4).

قلت: المراد بالاستعداد له التوبة و ردّ المظالم و إصلاح العمل، فربّما أتاه فجأة، و هو للمريض آكد. و قصر الأمل معين على ذلك، كما انّ طوله مظنّة إساءة العمل، لتسويف النفس بالتوبة رجاء الاستدراك.

و عن الباقر (عليه السلام): «أكثر ذكر الموت، فإنّه لم يكثر ذكر الموت الشاب إلاّ زهد في الدنيا»(5).

و عنه (عليه السلام): «ينادي مناد كلّ يوم: ابن آدم لد للموت، و اجمع للفناء، و ابن للخراب»(6).

و عنه قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): الموت الموت، الا و لا بدّ من الموت، جاء الموت بما فيه، جاء بالروح و الراحة و الكرامة المباركة إلى الجنة9.

ص: 289


1- الكافي 255:3 ح 17، الفقيه 298:1 ح 1363، الخصال: 7.
2- الكافي 257:3 ح 27.
3- الكافي 259:3 ح 30.
4- الكافي 259:3 ح 30.
5- الكافي 255:3 ح 18.
6- الكافي 255:3 ح 19.

العالية لأهل دار الخلود، الذين كانوا لها سعيهم و فيها رغبتهم. و جاء الموت بما فيه من الشقوة و الندامة بالكرّة الخاسرة، الى نار حامية لأهل دار الغرور، الذين كانوا لها سعيهم و فيها رغبتهم»(1).

الصادق (عليه السلام): «إذا أعدّ الرجل كفنه فهو مأجور إذا نظر اليه»(2).

قال زيد الشحّام للصادق (عليه السلام): في ملك الموت: الأرض بين يديه كالقصعة يمدّ يده فيها حيث يشاء؟ فقال: «نعم»(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «تنزل عليه صكاك من السماء اقبض نفس فلان بن فلان»(4).

و روى الصدوق عن الصادق (عليه السلام): «إنّ اللّه جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح، فتتوفاهم الملائكة و يتوفّاهم ملك الموت منهم مع ما يقبض هو، و يتوفّاها اللّه تعالى من ملك الموت»(5)، ذكره في تفسير قوله تعالى اَللّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (6).2.

ص: 290


1- الكافي 257:3 ح 27.
2- الكافي 253:3 ح 9.
3- الكافي 256:3 ح 24، الفقيه 80:1 ح 357.
4- الكافي 255:3 ح 21، أمالي الطوسي 305:2.
5- الفقيه 82:1 ح 371.
6- سورة الزمر: 42.

فصل:

عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروّته و عقله، قيل: يا رسول اللّه و كيف يوصي الميت؟ قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه قال: اللّهم فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب و الشهادة، الرحمن الرحيم، اللّهم إنّي أعهد إليك في دار الدّنيا أنّي أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا عبدك و رسولك و أنّ الجنّة حق و النار حق، و أنّ البعث حق و الحساب حق، و القدر حق و الميزان حق، و ان الدين كما وصفت، و أنّ الإسلام كما شرعت، و أنّ القول كما حدّثت، و أنّ القرآن كما أنزلت، و أنّك أنت اللّه الحق المبين، جزى اللّه محمدّا خير الجزاء، و حيّا اللّه محمّدا و آل محمّد بالسلام.

اللّهم يا عدّتي عند كربتي، و يا صاحبي عند شدّتي، و يا وليّ نعمتي. الهي و إله آبائي لا تكلني الى نفسي طرفة عين، فإنّك إن تكلني الى نفسي طرفة عين أقرب من الشرّ و أبعد من الخير، و آنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا.

ثم يوصي بحاجته. و الوصيّة حق، على كلّ مسلم ان يحفظ هذه الوصية و يعلّمها»(1).

و قال الصادق (عليه السلام): «الوصيّة حق على كلّ مسلم»(2).

و قال الباقر (عليه السلام): «الوصيّة حق و قد أوصى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»(3).3.

ص: 291


1- الكافي 2:7 ح 1، الفقيه 138:4 ح 482.
2- الكافي 3:7 ح 4، الفقيه 134:4 ح 462، التهذيب 172:9 ح 702.
3- الكافي 3:7 ح 5، الفقيه 134:4 ح 463.

فصل:

قال الصادق (عليه السلام): «إذا حضرت الميّت فلقّنه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله»(1).

و عنه (عليه السلام): «ما من أحد يحضره الموت، إلاّ وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشكّكه في دينه تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه. فإذا حضرتم موتاكم، فلقنوهم شهادة ان لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، حتى يموت»(2).

قال الشيخ أبو جعفر الكليني: و في رواية أخرى قال: «يلقّنه كلمات الفرج و الشهادتين، و يسمّي له الإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام»(3).

و عن أبي بكر الحضرمي: أنّه لقّن رجلا الشهادتين و الإقرار بالأئمة رجلا رجلا، فرئي الرجل بعد وفاته، فقال: نجوت بكلمات لقّنيهنّ أبو بكر، و لو لا ذلك كدت أهلك(4).

و قال الباقر (عليه السلام): «أما إنّي لو أدركت عكرمة - و كان يرى رأي الخوارج - لعلّمته كلمات ينتفع بها». فسئل عنها، فقال: «هي و اللّه ما أنتم عليه، لقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و الولاية»(5).

و عن الباقر (عليه السلام): «إذا أدركت الرجل عند النزع فلقّنه كلمات الفرج: لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه8.

ص: 292


1- الكافي 121:3 ح 1 التهذيب 286:1 ح 836.
2- الكافي 123:3 ح 6، الفقيه 79:1 ح 353.
3- الكافي 123:3 ح 6.
4- الكافي 122:3 ح 4.
5- الكافي 123:3 ح 5، التهذيب 287:1 ح 838.

ربّ السماوات السبع، و ربّ الأرضين السبع، و ما فيهنّ (1) و ما بينهنّ، و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه رب العالمين»(2).

و زاد في المبسوط بعد: «بينهن»: و ما تحتهنّ، و بعد: «العظيم»: و سلام على المرسلين(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت، قال له: قل: لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع، و ربّ الأرضين السبع، و ما بينهما، و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه ربّ العالمين. فإذا قالها المريض، قال: اذهب فليس عليك بأس»(4).0.

ص: 293


1- في المصدر زيادة: «و ما تحتهن».
2- الكافي 122:3 ح 3.
3- المبسوط 174:1.
4- الكافي 124:3 ح 7، التهذيب 288:1 ح 840.

تتمّة:

يستحب أن يمرّض المريض أرفق أهله به و أعلمهم بحاله، لأنه أقرب الى رجاء الصّلاح.

و التداوي، للخبر(1).

و أمره بالتوبة، لقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في آخر خطبة خطبها:

«من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه، من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه، من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه، من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه، من تاب و قد بلغت نفسه هاهنا - و أهوى [بيده] الى حلقه - تاب اللّه عليه»(2).

و فسّر الصادق (عليه السلام) قوله تعالى وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ ..

الآية(3): «بمعاينة أمر الآخرة»(4).

و يستحب حسن الظن باللّه في كلّ وقت، و آكده عند الموت، لقول جابر:

سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول قبل موته بثلاث: «لا يموتنّ أحدكم إلاّ و هو يحسن الظن باللّه عزّ و جلّ»(5).

و يستحبّ لمن يحضره أمره بحسن ظنّه و طمعه في رحمة اللّه.

و قال أبو الصلاح: يلقّنه جملة المعارف، و لا يقرب موضعه بنوح و لا قبيح(6).6.

ص: 294


1- مكارم الأخلاق: 362.
2- الفقيه 79:1 ح 354، ثواب الأعمال: 214.
3- سورة النساء: 18.
4- الفقيه 79:1 ح 355.
5- مسند أحمد 315:3، سنن أبي داود 189:3 ح 3113، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 16:2 ح 637، السنن الكبرى 378:3.
6- الكافي في الفقه: 236.
الحكم الأول: الاحتضار.
اشارة

و يجب فيه أن يستقبل بوجهه و أخمصه القبلة في الأشهر خبرا و فتوى، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «وجّهوه إلى القبلة، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة»(1) قاله في هاشميّ كان في السوق.

و قول الصادق (عليه السلام): «استقبل بباطن قدميه»(2).

و عنه (عليه السلام): «إذا مات لأحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فيكون مستقبل القبلة بباطن قدميه و وجهه إلى القبلة»(3).

و عنه (عليه السلام): «يستقبل بوجهه القبلة و يجعل باطن قدميه ممّا يلي القبلة»(4).

و في الخلاف: يستحبّ (5). و اختاره في المعتبر، لضعف السند و الدلالة على الوجوب(6).

قلنا: يجبر بالشهرة، و صيغة الأمر للوجوب.

فرعان:
الأول: ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته،

و ان الواجب أن يموت على القبلة. و في بعضها احتمال دوام الاستقبال، و نبّه عليه ذكره حال الغسل، و وجوبه حال الصلاة و الدفن، و إن اختلفت الهيئة عندنا.

ص: 295


1- الفقيه 79:1 ح 352، ثواب الأعمال: 322.
2- الكافي 127:3 ح 2، الفقيه 79:1 ح 351، التهذيب 285:1 ح 834.
3- الكافي 127:3 ح 3، الفقيه 123:1 ح 591، التهذيب 286:1 ح 835.
4- الكافي 126:3 ح 1، التهذيب 285:1 ح 833.
5- الخلاف 691:1 المسألة: 466.
6- المعتبر 259:1.
الثاني: يسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة،

و لا يجب أن يستقبل به الأربع مع احتماله. و هو فرض كفاية، و كذا أحكام الميت، لأنّ الغرض إدخالها في الوجود.

و يكره حضور جنب أو حائض عنده، لقول الصادق (عليه السلام): «لا تحضر الحائض الميت، و لا الجنب عند التلقين»(1).

و عن أبي الحسن (عليه السلام) في الحائض: «فلتتنح عن قربه، فإنّ الملائكة تتأذى بذلك»(2).

و أن يجعل على بطنه حديد، ذكره الشيخان(3) و أكثر الأصحاب(4)، و في التهذيب: سمعناه مذاكرة(5).

و ابن الجنيد: يضع على بطنه شيئا يمنع ربوها(6).

و احتج في الخلاف على الكراهية بإجماعنا(7).

و المستحبّ نقله الى مصلاه عند تعسّر الموت، لقول الصادق (عليه السلام): «إذا عسر على الميّت موته قرّب الى مصلاّه الذي كان يصلّي فيه»(8).

و قال (عليه السلام): «إن أبا سعيد الخدري قد رزقه اللّه عزّ و جلّ هذا الرأي، و إنّه اشتدّ نزعه، فقال: احملوني إلى مصلاي، فحملوه. فلم يلبث أن هلك»(9).

ص: 296


1- التهذيب 428:1 ح 1362.
2- قرب الاسناد: 129، الكافي 138:3 ح 1، التهذيب 428 ح 1361.
3- المقنعة: 11، المبسوط 174:1، الخلاف 691:1 المسألة: 467.
4- المراسم: 47، الوسيلة 62:1، شرائع الإسلام 36:1، مختلف الشيعة: 43.
5- التهذيب 290:1.
6- المعتبر 264:1، مختلف الشيعة: 43.
7- الخلاف 691:1 المسألة: 467.
8- الكافي 125:3 ح 2، التهذيب 427:1 ح 1356.
9- الكافي 126:3 ح 4، رجال الكشي 203:1.

و عن زين العابدين: «إنّ أبا سعيد الخدري كان مستقيما، فنزع ثلاثة أيام، ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه»(1).

و قراءة الصافات، لأمر الكاظم ابنه القاسم بقراءتها، فقال له يعقوب بن جعفر: كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده يس فصرت تأمر بالصّافات، فقال:

«لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلاّ عجّل اللّه راحته»(2).

و روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «اقرءوا يس على موتاكم»(3).

و أن لا يظهر عليه الجزع، لأنّه إعانة عليه لضعف نفسه.

و لا يمسّ، لقول الصادق (عليه السلام): «من مسّه على هذه الحال أعان عليه»(4).

قال الصدوق: و لا يمنع من تحريك يديه أو رجليه أو رأسه(5).

و يستحبّ قراءة القرآن بعد خروج روحه، كما استحبّ قبله استدفاعا عنه.

و تغميض عينيه، و إطباق فيه، و شدّ لحييه، لأمر الصادق (عليه السلام) في ابن له(6)، و فعله في ابنه إسماعيل(7).

و مدّ ساقيه، و مدّ يديه الى جنبيه، لإعانة الغاسل.

و تغطيته بثوب، لأنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) سجّي بحبرة(8)، و غطى الصادق (عليه السلام) إسماعيل بملحفة(9).2.

ص: 297


1- الكافي 125:3 ح 1، رجال الكشي 205:1.
2- الكافي 126:3 ح 5، التهذيب 427:1 ح 1358.
3- سنن أبي داود 191:3 ح 3121، مسند الطيالسي: 126.
4- التهذيب 289:1 ح 841.
5- الفقيه 83:1.
6- التهذيب 289:1 ح 841.
7- التهذيب 289:1 ح 842.
8- صحيح مسلم 651:2 ح 942، السنن الكبرى 385:3.
9- التهذيب 289:1 ح 842.

و أن يكون عنده من يتلو القرآن و يذكر اللّه. و لا يترك وحده، لقول الصادق (عليه السلام): «ليس من ميت يترك وحده، إلاّ لعب الشيطان في جوفه»(1).

و الإسراج عنده الى الصبح إن مات ليلا. ذكره الشيخان(2).

و علّله في التهذيب: إنّه لما قبض الباقر (عليه السلام) أمر أبو عبد اللّه (عليه السلام) بالسرّاج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه (عليه السلام).

و أمر أبو الحسن بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه حتى أخرج به إلى العراق(3)، فيدخل في ذلك المدّعى، و يدلّ على استحباب دوام السراج في بيت مات فيه ميت.

و ضعّف الرواية في المعتبر، لسهل بن زياد و عثمان بن عيسى، و أنّها حكاية حال، قال: لكنّه فعل حسن(4).

و إيذان إخوانه بموته، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا يموت منكم أحد إلاّ آذنتموني»(5).

و قول الصادق (عليه السلام): «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت، يشهدون جنازته، و يصلّون عليه، و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر و للميت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما اكتسبت له من الاستغفار»(6).0.

ص: 298


1- الكافي 138:3 ح 1، الفقيه 86:1 ح 399، التهذيب 290:1 ح 844.
2- المقنعة: 11، المبسوط 174:1، النهاية: 30.
3- الكافي 251:3 ح 5، الفقيه 97:1 ح 450، التهذيب 289:1 ح 843.
4- المعتبر 261:1.
5- سنن النسائي 85:4، سنن ابن ماجة 489:1 ح 1528، السنن الكبرى 48:4.
6- الكافي 166:3 ح 1، التهذيب 452:1 ح 1470.

فرع:

الإيذان: الإعلام كيف اتفق. و لا نصّ في النداء، قاله في الخلاف(1).

و في المعتبر و التذكرة: لا بأس به، للفوائد المذكورة و خلوّه من منع شرعي(2).

و قال الجعفي: يكره النعي، إلاّ أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به، و لو كان حوله قرى أوذنوا، كما فعل الصحابة من إيذان قرى المدينة لمّا مات رافع بن خديج(3).

و تعجيل تجهيزه إذ علم موته إجماعا، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«عجّلوا بهم الى مضاجعهم»(4).

و قوله «إذا مات الميت لأول النّهار، فلا يقيل إلاّ في قبره»(5).

و روى علي بن أبي حمزة عن الكاظم (عليه السلام): «أنّ أناسا دفنوا أحياء ما ماتوا إلاّ في قبورهم»(6).

و قيل: يستبرأ بانخساف صدغيه، و ميل أنفه، و امتداد جلدة وجهه، و انخلاع كفه من ذراعه، و استرخاء قدميه، و تقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.

و قال ابن الجنيد: من علامته زوال النور من بياض العين و سوادها، و ذهاب النفس، و زوال النبض.

و زعم جالينوس ان أسباب الاشتباه: الإغماء، أو وجع القلب، أو إفراط1.

ص: 299


1- الخلاف 731:1 المسألة: 561.
2- المعتبر 262:1، تذكرة الفقهاء 38:1.
3- السنن الكبرى 74:4.
4- الكافي 137:3 ح 1، الفقيه 85:1 ح 389، التهذيب 427:1 ح 1359.
5- الكافي 138:3 ح 2، التهذيب 428:1 ح 1360.
6- الكافي 210:3 ح 6، التهذيب 338:1 ح 991.

الرعب، أو الغم، أو الفرح، أو الأدوية المخدّرة. فيستبرأ بنبض عروق بين الأنثيين، أو عرق يلي الحالب و الذكر - بعد الغمز الشديد - أو عرق في باطن الألية، أو تحت اللسان، أو في بطن المنخر. و منع الدفن قبل يوم و ليلة إلى ثلاثة.

و إن اشتبه تربّص به ثلاث وجوبا إلا أن يعلم حاله، لئلاّ يعان على قتل المسلم، فقد دفن جماعة أحياء منهم من اخرج حيّا، و منهم من مات في قبره.

و قال الصادق (عليه السلام): «خمسة ينتظر بهم إلاّ أن يتغيّروا: الغريق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدّخن»(1).

و عنه (عليه السلام): «يترك الغريق ثلاثة أيام قبل الدفن، إلاّ أن يتغيّر»(2).

و المصلوب ينزل بعد ثلاثة أيام، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تقرّوا المصلوب بعد ثلاثة أيام»(3).

نكت

قال الصدوق في المقنع: إذا قضى فقل: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، اللّهم اكتبه عندك في المحسنين، و ارفع درجته في عليّين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و نحتسبه عندك يا ربّ العالمين(4).

و قال في «من لا يحضره الفقيه»: إذا قضى يجب ان يقول: إنا للّه و إنّا إليه راجعون(5).

و قال ابن الجنيد: يقرأ عنده من غير أن يرفع صوته بالقراءة، و قال عقيب تلقينه: و لا يكثر عليه عند أحوال الغشي، لئلاّ يشغل بذلك عن حال يحتاج إلى1.

ص: 300


1- الكافي 210:3 ح 5، التهذيب 337:1 ح 988.
2- الكافي 209:3 ح 2، التهذيب 338:1 ح 990.
3- الكافي 216:3 ح 3، التهذيب 335:1 ح 981.
4- المقنع: 17، و فيه: «أعلى عليين».
5- الفقيه 83:1.

معاينتها.

و ضمّ ابن حمزة إلى نقله الى مصلاّه: بسط ما كان يصلّي عليه تحته(1).

و قال صاحب الفاخر: ضعه في مصلاّه الذي كان يصلّي فيه أو عليه، و قال: لا يحضر عنده مضمّخ بورس أو زعفران. و أمر بجعل الحديد على بطنه و بقراءة آية الكرسي و السخرة عند احتضاره، و قول: اللّهم أخرجها منه الى رضى منك و رضوان.

و ذكر الفاضل - رحمه اللّه - في التذكرة ما لم أقف عليه في غير كتب العامة.

منها: استحباب تليين مفاصله، فإنّه أبقى للينها، فيردّ ذراعيه الى عضديه و يمدّهما، و يردّ فخذيه الى بطنه و يمدّهما، و رجليه الى فخذيه و يمدّهما، فإنّه يسهّل تصرّف الغاسل في تمديده و تكفينه.

و منها: تجريد ثيابه لئلاّ تحميه فيفسد. و وضعه على لوح أو سرير، لأنّه إذا كان على الأرض تسارع إليه الفساد و نالته الهوام.

و سوّى - رحمه اللّه - بين الحديد و غيره في كراهة وضعه على بطنه(2).

و الذي ذكره ابن الجنيد و الشيخان: أن تمدّ يداه و رجلاه الى جنبيه(3) كما مرّ.

قال في المعتبر: و لا أعلم به نقلا عن أئمتنا، و لكن ليكون أطوع للغاسل و أسهل للإدراج(4).

خاتمة:

تجب الوصيّة على كلّ من عليه حقّ، و عليه يحمل قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من مات بغير وصية مات ميتة جاهليّة»(5).1.

ص: 301


1- الوسيلة: 62.
2- تذكرة الفقهاء 37:1.
3- المقنعة: 10، المبسوط 174:1، النهاية: 30، المعتبر 261:1.
4- المعتبر 261:1.
5- المقنعة: 101.

و قولهم عليهم السلام: «الوصية واجبة على كل مسلم»(1).

و تستحبّ لغيره.

و ليشهد عليه عدولا، لتحصل الفائدة. و ليكن وصيه عدلا وجوبا، لما يأتي إن شاء اللّه عزّ و جلّ.

و تستحب الوصيّة لذي القرابة، و لم يثبت عندنا نسخه.

و تستحب المسارعة في قضاء دين الميت، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«نفس المؤمن معلّقة بدينه حتى يقضى عنه»(2).

و لو تعذّر قضاؤه في الحال استحب لوارثه ضمانه، كما فعل علي (عليه السلام) بضمان دين على ميت امتنع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من الصلاة عليه(3).

و كذا تستحب المسارعة إلى قضاء وصاياه و إنفاذها في وجوهها، لعموم:

وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (4)أي: موجبها، و ليعجّل له ثوابها.3.

ص: 302


1- الكافي 3:7 ح 4، الفقيه 134:4 ح 642، التهذيب 72:9 ح 702، 704.
2- مسند أحمد 440:2، سنن ابن ماجة 806:2 ح 2413، الجامع الصحيح 389:3 ح 1078، المستدرك على الصحيحين 26:2، السنن الكبرى 74:6.
3- سنن الدار قطني 47:3، السنن الكبرى 73:6، المطالب العالية 413:1 ح 1377 عن عبد بن حميد.
4- سورة آل عمران: 133.
الحكم الثاني: التغسيل:
اشارة

و هو واجب إجماعا - إلاّ ما نستثنيه - و لما روي: «أنّ الملائكة غسّلت آدم (عليه السلام)، و قالوا لولده: هذه سنّة موتاكم»(1).

و النظر إمّا في: الغاسل، أو المحل، أو الغسل.

النظر الأول: في الغاسل:
اشارة

و أولى الناس به أولاهم بإرثه، و كذا باقي الأحكام، لعموم وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (2).

و لقول علي (عليه السلام): «يغسل الميّت أولى الناس به»(3).

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار: «الزوج أحقّ بامرأته حتى يضعها في قبرها»(4).

فرع:
اشارة

لو لم يكن وليّ، فالإمام وليّه مع حضوره، و مع غيبته الحاكم، و مع عدمه المسلمون.

و لو امتنع الوليّ، ففي إجباره نظر، من الشكّ في أنّ الولاية هل هي نظر له أو للميت؟ و سيأتي تسليمه إلى غيره.

و يشترط: المساواة في الذكورة و الأنوثة - مع الاختيار اتفاقا، لتحريم النظر - و إسلام الغاسل، إلاّ في مواضع:

أحدها: الزوجية،

فلكل من الزوجين تغسيل صاحبه اختيارا في الأقوى.

ص: 303


1- مسند أحمد 136:5، المستدرك على الصحيحين: 545:2.
2- سورة الأنفال: 75.
3- التهذيب 431:1 ح 1376.
4- الكافي 194:3 ح 6، التهذيب 325:1 ح 949.

و هو قول: ابن الجنيد(1) و الجعفي صاحب الفاخر، و المرتضى(2) و ظاهر المبسوط و الخلاف(3).

لاشتهار ذلك في الصدر الأول من تغسيل علي فاطمة(4) و أسماء زوجها(5).

و قول ابنته: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسّل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إلاّ نساؤه(6).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لبعض نسائه: «لو متّ قبلي لغسّلتك»(7)و لم ينكر ذلك كلّه أحد.

و روى المفضّل عن الصادق (عليه السلام): «انّ عليا غسّل فاطمة لأنّها صدّيقة لم يكن يغسّلها إلاّ صدّيق»(8).

و عن محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم، إنّما يمنعها أهلها تعصّبا»(9).

و المشهور في الأخبار أنّه من وراء الثياب، كصحيح منصور عن الصادق (عليه السلام) عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته يغسّلها؟ قال: «نعم، و امّه0.

ص: 304


1- مختلف الشيعة: 45.
2- جمل العلم و العمل 51:3.
3- المبسوط 175:1، الخلاف 691:1 المسألة: 486.
4- سنن الدار قطني 79:2، حلية الأولياء 43:2، السنن الكبرى 297:3.
5- الموطأ 223:1، السنن الكبرى 298:3.
6- مسند أحمد 267:6، سنن ابن ماجة 470:1 ح 1464، سنن أبي داود 196:3 ح 3141، مسند أبي يعلى 467:7 ح 4494، المستدرك على الصحيحين 159:3، السنن الكبرى 3: 398.
7- مسند أحمد 228:6، سنن ابن ماجة 470:1 ح 1465، سنن الدارمي 37:1، السنن الكبرى 396:3.
8- الكافي 159:3 ح 13، الفقيه 87:1 ح 402، التهذيب 440:1 ح 1422، الاستبصار 1: 199 ح 703.
9- الكافي 158:3 ح 11، التهذيب 439:1 ح 1419، الاستبصار 199:1 ح 700.

و أخته و نحو هذا، يلقي على عورتها خرقة»(1).

و صحيح محمد بن مسلم: سألته عن الرجل يغسّل امرأته، قال: «نعم، من وراء الثياب»(2).

و المطلق منها يحمل على المقيّد.

و في كتابي الأخبار: إنّما يجوز غسل أحد الزوجين صاحبه، للضرورة(3).

و يظهر من كلام كثير من الأصحاب أنّهما كالمحارم(4)، و هم الذين يحرم التناكح بينهم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة.

و ابن زهرة صرّح بأنّه مع الضرورة(5)، لخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلاّ النساء، قال:

«تغسّله امرأته و ذات محرمه، و تصبّ عليه النساء الماء صبّا من فوق الثياب»(6).

و لخبر عبد اللّه بن سنان عنه (عليه السلام) في نظر الرجل إلى امرأته حين تموت أو يغسّلها لأن لم يكن عندها من يغسّلها، و المرأة هل تنظر الى زوجها؟ فقال: «لا بأس، إنّما يفعل ذلك أهل المرأة كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه»(7).

و في خبر أبي الصباح عنه (عليه السلام): «يغسّلها من فوق الدرع»8.

ص: 305


1- الكافي 158:3 ح 8، التهذيب 439:1 ح 1418، الاستبصار 199:1 ح 699.
2- الكافي 157:3 ح 3، التهذيب 438:1 ح 1411، الاستبصار 196:1 ح 690.
3- التهذيب 440:1، الاستبصار 199:1.
4- راجع: المقنع: 20، الخلاف 162:1 المسألة: 21، السرائر: 33، تذكرة الفقهاء 39:1، نهاية الإحكام 229:2.
5- الغنية: 501.
6- الكافي 157:3 ح 4، التهذيب 439:1 ح 1416، الاستبصار 197:1 ح 695.
7- الكافي 157:3 ح 2، الفقيه 86:1 ح 401، التهذيب 439:1 ح 1417، الاستبصار 1: 198 ح 698.

و السؤال: عن الرجل يموت مع النساء و المرأة مع الرجال(1).

و روى زرارة عنه (عليه السلام): «تغسّله امرأته لأنّها معتدّة منه، و لا يغسّلها، لعدم العدة منها»(2).

و حملها الشيخ على أنّه لا يغسّلها مجرّدة، لخبر الحلبي عنه (عليه السلام)، أنّه سئل عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلاّ النساء: «تغسّله امرأته أو ذات قرابته، تصبّ الماء صبّا، و المرأة إذا ماتت أدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسّلها»(3).

و هذه الأخبار لا تنهض حجة في اشتراط الضرورة، فتحمل على الندب أو الغالب.

و ثانيها: أم الولد،

لبقاء علاقة الملك من وجوب الكفن و المئونة و العدّة، و لإيصاء زين العابدين أن تغسّله أم ولده(4).

و في غير أم الولد من المملوكات احتمال، استصحابا لحكم الملك فيباح، و لأنّها في معنى الزوجة في إباحة اللمس و النظر. و من انتقال ملكها إلى الوارث.

و قرّبه في المعتبر(5).

و قطع الفاضل بالأول، إلاّ ان تكون متزوجة أو معتدّة أو مكاتبة أو معتقا بعضها و لا يمنع الظهار و الارتداد، لبقاء الملك و الزوجية(6).

و يشكل الفرض: فإن الكافرة لا تغسّل و لا تباشر الغسل، إلاّ على خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) المتضمّن جواز مباشرة الكافرة غسل المرأة عند

ص: 306


1- التهذيب 438:1 ح 1414، الاستبصار 197:1 ح 693.
2- التهذيب 437:1 ح 1409، الاستبصار 198:1 ح 697.
3- الكافي 157:3 ح 1، التهذيب 437:1 ح 1410، الاستبصار 196:1 ح 689.
4- التهذيب 444:1 ح 1437، الاستبصار 200:1 ح 704.
5- المعتبر 321:1.
6- تذكرة الفقهاء 39:1، بالمضمون.

عدم النساء(1).

فيجوز للزوجة الكافرة عند عدم الرجال و محارم النساء تغسيل الزوج، كذا قاله بعضهم(2).

و النيّة هنا مغتفرة كاغتفارها في تغسيل الكافر المسلم.

و ثالثها: المحرمية،

لتسويغ النظر و اللمس، و لما مرّ، و لكنه من وراء ثوب محافظة على العورة. هذا مع عدم المماثل.

و رابعها: من لم يزد سنّة على ثلاث سنين

يجوز للنساء تغسيله مجردا، لنص الصادق (عليه السلام)(3).

و قال المفيد و سلاّر: ابن خمس سنين - مجردا - و فوقها يغسّلنه من فوق الثياب(4)، و لم نقف على مأخذه.

و كذلك الصبية يغسّلها الرجال لثلاث سنين مجرّدة.

و شرط في النهاية في الموضعين عدم المماثل(5) و أطلق في المبسوط(6).

و روي في الجارية: «إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسّل»(7) أرسله محمد بن يحيى، و هو مضطرب المتن و الإسناد.

و في جامع محمد بن الحسن: إذا كانت بنت أكثر من خمس أو ست دفنت و لم تغسّل و إن كانت بنت أقل من خمس غسّلت(8).

قال ابن طاوس - رحمه اللّه -: ما في التهذيب من لفظة (أقل) و هم.

ص: 307


1- الكافي 159:3 ح 12، الفقيه 95:1 ح 439، التهذيب 340:1 ح 997.
2- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 40:1.
3- الكافي 160:3 ح 1، الفقيه 94:1 ح 431، التهذيب 341:1 ح 998.
4- المقنعة: 13، المراسم: 50.
5- النهاية: 41.
6- المبسوط 176:1.
7- التهذيب 341:1 ح 999.
8- الفقيه 94:1 ح 432.

و أسند الصدوق في كتاب المدينة ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1).

و ظاهر المعتبر أنّه لا يجوز للرجال تغسيل الصبيّة، محتجّا بأنّ الشرع أذن في اطّلاع النساء على الصبي لافتقاره الى تربيتهن بخلاف الصبيّة، و الأصل حرمة النظر(2).

و نقل في التذكرة إجماعنا على تغسيل الرجل الصبيّة(3).

و خامسها: إذا فقد المماثل و الرحم،

قيل: جاز للأجانب تغسيل الأجنبية من فوق الثياب، و للأجنبيّات تغسيل الأجنبي من فوق الثياب، و هو ظاهر المفيد(4). لما ذكر في الصبيّين.

و قطع به الشيخ في شرح كلامه من التهذيب(5) و قال أبو الصلاح و ابن زهرة به مع تغميض العينين(6). و في الزيادات منه جعل الشيخ الغسل مستحبّا(7)، و كذا في الاستبصار، و جوّز الدفن بغير غسل(8) و اعرض عن ذلك في النهاية و المبسوط و الخلاف، و حكم بالدفن بغير غسل و لا تيمم(9). و جوّز في النهاية تغسيل وجهها و يديها(10).

و الروايات المشهورة هذه:

ص: 308


1- و قال في «من لا يحضره الفقيه» بعد ذكر ما في الجامع 94:1: و ذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق (عليه السلام).
2- المعتبر 324:1.
3- تذكرة الفقهاء 40:1.
4- المقنعة: 13.
5- التهذيب 343:1.
6- الكافي في الفقه: 237، الغنية: 501.
7- التهذيب 442:1.
8- الإستبصار 202:1، 203.
9- النهاية: 42، المبسوط 175:1، الخلاف 698:1 المسألة 485.
10- النهاية: 43.

زيد بن علي بإسناده عن علي (عليه السلام): «إذا مات الرجل مع النساء، و ليس فيهن امرأة(1) و لا ذات محرم، يؤزّرنه إلى الركبتين و يصببن الماء عليه، و لا ينظرن الى عورته، و لا يلمسنه بأيديهن»(2).

و أبو سعيد عن الصادق (عليه السلام): «المرأة تموت مع قوم ليس لها فيهم محرم صبّ الماء عليها، و الرجل بين النساء يصببن عليه و يلمسن ما كان يحل لهنّ النظر إليه، فإذا بلغن ما لا يحل النظر اليه صببن الماء»(3).

و جابر عن الباقر (عليه السلام) مثله(4).

و المفصّل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) في المرأة تموت مع رجال ليس معهم امرأة و لا ذو محرم لها: «يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمم: يغسل بطن كفيها، ثم يغسل وجهها، ثم يغسل ظهر كفّيها، و لا تمسّ و لا يكشف شيء من محاسنها»(5).

و أبو بصير عن الصادق (عليه السلام): «يغسل منها موضع الوضوء»(6).

و جابر عنه (عليه السلام): «يغسل كفيها»(7)، و مثله خبر داود بن فرقد بسنده عنه (عليه السلام)(8).

و زيد بن علي بإسناده الى علي (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه3.

ص: 309


1- في المصدرين: امرأته.
2- التهذيب 441:1 ح 1426، الاستبصار 201:1 ح 711.
3- التهذيب 342:1 ح 1001، الاستبصار 204:1 ح 721، باختصار في الألفاظ.
4- التهذيب 442:1 ح 1427، الاستبصار 202:1 ح 712.
5- الكافي 159:3 ح 13، الفقيه 95:1 ح 438، التهذيب 442:1 ح 1429، الاستبصار 1: 200 ح 705.
6- التهذيب 443:1 ح 1430، الاستبصار 203:1 ح 715.
7- التهذيب 443:1 ح 1431، الاستبصار 203:1 ح 716.
8- الكافي 157:3 ح 5، الفقيه 93:1 ح 428، التهذيب 442:1 ح 1428، الاستبصار 202:1 ح 713.

و آله) في الميتة و لا محرم: «تيمّم، و لا تمسّ، و لا يكشف لها شيء من محاسنها»(1).

و داود بن سرحان عن الصادق (عليه السلام) في الميت مع النساء: «يدفن و لا يغسل»(2).

و حمله الشيخ على أنّه لا يغسل مجرّدا، جمعا بين الأخبار(3).

و ابن أبي يعفور، و أبو عبد اللّه البصروي، و أبو الصباح الكناني، عنه (عليه السلام): «يلففنه و لا يغسّلنه»(4) و كذا في مقطوعة زيد الشحام(5).

و المنع مطلقا هو الأظهر فتوى، و الأشهر رواية، و الأصحّ إسنادا.

و سادسها: إذا مات مسلم و لا مسلم و لا ذات رحم معه، أو مسلمة و لا مسلمة معها و لا ذو رحم، فالمشهور: تولّي الكافر و الكافرة الغسل بعد اغتسالهما، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(6).

و روى عمرو بن خالد بإسناده إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسّلها»(7).

و لا أعلم مخالفا لهذا من الأصحاب سوى المحقّق في المعتبر، محتجّا بتعذّر النيّة من الكافر مع ضعف السّند(8).

و جوابه: منع النيّة هنا، إذ الاكتفاء بنيّة الكافر كالعتق منه.1.

ص: 310


1- انظر: التهذيب 443:1 ح 1433، الاستبصار 303:1 ح 718.
2- الكافي 158:3 ح 7، التهذيب 343:1 ح 1003، 438 ح 1415، الاستبصار 197:1 ح 694، 201 ح 710.
3- التهذيب 343:1، الاستبصار 197:1.
4- الفقيه 94:1 ح 429، التهذيب 438:1 ح 414، 441 ح 1424، 1425، الاستبصار 1: 197 ح 693، 201 ح 707، 708.
5- التهذيب 443:1 ح 1432، الاستبصار 203:1 ح 717.
6- الكافي 159:3 ح 12، الفقيه 95:1 ح 439، التهذيب 340:1 ح 997.
7- التهذيب 443:1 ح 1433، الاستبصار 203:1 ح 718.
8- المعتبر 326:1.

و الضعف: العمل يجبره، فإنّ الشيخين نصّا عليه(1) و ابني بابويه(2) و ابن الجنيد و سلار(3) و الصهرشتي، و ابن حمزة(4) و كذا المحقق في غير المعتبر(5)، و ابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد(6).

نعم، لم يذكره ابن أبي عقيل، و لا الجعفي، و لا ابن البرّاج في كتابيه، و لا ابن زهرة، و لا ابن إدريس، و لا الشيخ في الخلاف.

و للتوقف فيه مجال، لنجاسة الكافر في المشهور، فكيف يفيد غيره الطهارة؟!.

فروع:

الأول: المطلقة رجعيا زوجة بخلاف المطلقة البائن، و لا فرق بين الزوجة الحرة و الأمة، و المدخول بها و غيرها. و لا عبرة بانقضاء عدّة المرأة عندنا، بل لو نكحت جاز لها تغسيله، و ان كان الفرض بعيدا عندنا.

و الظاهر: جواز المسّ (7) للزوجين، لجواز النظر. و لو قلنا بالتجريد زال الإشكال.

الثاني: قال ابن الجنيد: الأحوط أن يقيم الرجل كتابيّة تغسل فرج رحمه، و يغسّل هو الباقي، و كذا تقيم الزوجة كتابيّا يغسل فرج زوجها(8).

و لم نقف على مأخذه، مع أنّ نجاسة الكافر مانعة، و خبر عمار عن الصادق5.

ص: 311


1- المقنعة: 13، المبسوط 175:1، النهاية: 42.
2- الفقيه 95:1 ح 440.
3- المراسم: 50.
4- الوسيلة: 63.
5- شرائع الإسلام 37:1.
6- الجامع للشرائع: 50.
7- في س: اللمس.
8- مختلف الشيعة: 45.

(عليه السلام) دال على المنع(1).

الثالث: الخنثى المشكل لثلاث أمره ظاهر، و فوقها يغسّله محارمه من الرجال و النساء من فوق الثياب، لأنّه موضع ضرورة. و على ما تقدم يجوز للأجانب بطريق الأولى عند عدم المحارم.

و قال ابن البراج: لا يغسّله رجل، و لا امرأة، و يمّم(2).

و قال ابن الجنيد: تغسّله أمته. و شراء أمة من تركته أو بيت المال، أو استصحاب حاله في الصغر بعيدان، لانتفاء الملك عن الميت، مع الشك في جواز تغسيل الأمة المملوكة كما مر، و انتفاء الصغر المزيل للشهوة.

و لو قيل: بعدّ الأضلاع أو القرعة، فلا إشكال.

الرابع: المميّز صالح لتغسيل الميت، لصحة طهارته، و أمره بالعبادة.

و يمكن المنع، لأنّ فعله تمرين، و النيّة معتبرة.

الخامس: يظهر من قول الفاضل القول بالتيمّم عند فقد الغاسل المماثل و المحرم(3) كما سلف في رواية(4) و هي متروكة.

و ظاهر المذهب عدمه إلاّ مع خوف الغاسل على نفسه أو على الميت - كما يأتي إن شاء اللّه تعالى - مع انه قال في التذكرة: قال علماؤنا: يدفن بغير غسل و لا تيمم(5).

السادس: لا يقدّر الصبي بغير السن من بلوغ حدّ لا يشتهي مثله، لأنّه ردّ إلى جهالة.

السابع: قال في المبسوط: لو تشاحّ الأولياء في الرجل، قدّم الأولى بالميراث من الرجال و لو كان الأولى نساء محارم.1.

ص: 312


1- الكافي 159:3 ح 12، الفقيه 95:1 ح 436، التهذيب 340:1 ح 997.
2- المهذب 56:1.
3- منتهى المطلب 437:1.
4- تقدمت في ص 310 الهامش 1.
5- تذكرة الفقهاء 40:1.

قال: و روي جوازه لهنّ من وراء الثياب، و الأول أحوط. و لو كنّ غير محارم، فكالأجنبيّات و إن كنّ ذوي رحم.

قال: و يقدّم في تغسيل المرأة الزوج، ثمّ النساء المحارم - و هي كل من لو كانت رجلا لم يحلّ له نكاحها كالأم و الجدّة و البنت، و يترتّبن أيضا ترتيب الإرث ثم الرحم غير المحرم - كبنت العمة و الخالة - أولى من الأجنبيات، ثم الأجنبيات أولى من الرجال، ثم المحارم من الرجال عند فقد النساء، و ما عداهم من الرحم فكالأجنبي(1).

قلت: و يظهر أنّ الزوجة تقدّم كما يقدّم الزوج، و لم يذكرها الشيخ مع دلالة خبر زرارة - المتقدم(2) - على قوة جانب الزوجة على الزوج. و تقديمهما على تقدير التجريد ظاهر، و أمّا على عدمه - كما هو ظاهر مذهبه - فمحتمل للتمكّن التام مع التجريد، فيكون أولى من الغسل لا معه.

الثامن: إذا كان التقديم تابعا للإرث انتفى مع عدمه و إن كان أقرب، كالقاتل ظلما و الرقّ و الكافر. و لو سلّم الأولى الى غيره جاز، إلاّ في تسليم الرجال الى النساء في الرجل، و بالعكس في المرأة.

التاسع: ذكر الشيخان في تغسيل الكافر المسلم أمر المسلمة و المسلم إيّاه(3).

و الظاهر: أنه لتحصيل هذا الفعل لا أنّه شرط، لخلوّ الرواية منه و للأصل، إلاّ أن يقال: ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادرا عن المسلم، لأنه آلة له، و يكون المسلم بمثابة الفاعل فتجب النّيّة منه.

العاشر: لو وجد بعد الغسل الاضطراري فاعل الاختياري، فلا إعادة في غير من غسله كافر، للامتثال.2.

ص: 313


1- المبسوط 174:1-175.
2- قد تقدم في ص 306.
3- المقنعة: 13، المبسوط: 175، النهاية: 42.

و الأقرب: الإعادة في الكافر، لعدم الطهارة الحقيقية.

الحادي عشر: قال صاحب الفاخر: لا يغسّل الجنب و الحائض الميت.

فإن أراد التحريم فهو غير مشهور، مع رواية يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام): «لا تحضر الحائض الميت و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس أن يليا غسله»(1) و صرّح به ابن بابويه رحمه اللّه(2).

الثاني عشر: إذا فقد الزوج و النساء في المرأة، و وجد الأب و الجد، فالأب أولى، لقول علي (عليه السلام) السالف(3).

و قال ابن الجنيد: الجد أولى، لصلاحيته لولاية الأب، و لتقديمه في النكاح(4).

قلنا: معارض بالقرب، و لتقدّمه في الحضانة.5.

ص: 314


1- التهذيب 428:1 ح 1362.
2- الفقيه 98:1.
3- تقدم في ص 303 الهامش 3.
4- مختلف الشيعة: 45.
النظر الثاني: في المحل:
اشارة

و هو المسلم، لقول الصادق (عليه السلام): «اغسل كلّ الموتى، إلاّ من قتل بين الصفين»(1).

و كذا من هو بحكمه، كسقط لأربعة أشهر، لمقطوعة أحمد بن محمد(2).

و في رواية سماعة عن الصادق (عليه السلام): «إذا استوت خلقته يجب الغسل»(3).

و القطع في الاولى، و ضعف سند الثانية، مغتفر بقبول(4) الأصحاب.

و لو نقص عن أربعة لم يغسل، لفقد الموت الذي هو عدم الحياة عن محل اتّصف بها، بخلاف الأول.

و في الخلاف اعتبر الحياة في وجوب الغسل(5).

و الظاهر: أنّ الأربعة مظنّتها، و يلوح ذلك من خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(6).

و في خبر يونس الشيباني عن الصادق (عليه السلام): «إذا مضت خمسة أشهر فقد صار فيه الحياة»(7).

و روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): إذا بقي أربعة أشهر ينفخ فيه

ص: 315


1- الكافي 213:3 ح 7، التهذيب 330:1 ح 967، الاستبصار 213:1 ح 753، باختصار في الألفاظ.
2- التهذيب 328:1 ح 960.
3- التهذيب 329:1 ح 962، و في الكافي 208:3 ح 5 عن أبي الحسن الأول (عليه السلام).
4- في ط، س: بقول.
5- الخلاف 709:1 المسألة: 512.
6- الكافي 345:7 ح 10، التهذيب 283:10 ح 1103.
7- الكافي 354:7 ح 11، الفقيه 108:4 ح 366، التهذيب 283:10 ح 1105.

الروح(1).

و في خبر الديلمي عن الصادق (عليه السلام) إشارة إليه(2).

و في مكاتبة محمد بن الفضل لأبي جعفر (عليه السلام): «السقط يدفن بدمه»(3). و ظاهرها أنّه لا يكفن أيضا، و لم يذكره الشيخان، و قال ابن البرّاج:

يلفّ بخرقة(4) فتحمل الرواية على الناقص عن أربعة جمعا.

و ما فيه الصدر يغسّل، لمرفوعة رواها البزنطي: «إذا قطّع أعضاء يصلّى على العضو الذي فيه القلب»(5) و هو يستلزم أولوية الغسل.

و عن الفضل بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) في المقتول: «ديته على من وجد في قبيلته: صدره و يداه، و الصلاة عليه»(6).

و لشرف القلب بمحلية العلم و الاعتقاد الموجب للنجاة.

و كذا عظام الميت تغسل، لخبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) في أكيل السبع فتبقى عظامه بغير لحم: «يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن، فإذا كان نصفين صلّي على النصف الذي فيه القلب»(7).

و كذا تغسّل قطعة فيها عظم، ذكره الشيخان(8).

و احتج عليه في الخلاف بإجماعنا، و بتغسيل أهل مكة أو اليمامة يد عبد الرحمن بن عتاب ألقاها طائر من وقعة الجمل عرفت بنقش خاتمه، و كان0.

ص: 316


1- مسند أحمد 382:1، صحيح البخاري 135:4، سنن أبي داود 228:4 ح 4708.
2- الكافي 161:3 ح 1.
3- الكافي 208:3 ح 6، التهذيب 329:1 ح 961.
4- المهذب 56:1.
5- أخرجها المحقق في المعتبر 317:1 عن جامع البزنطي.
6- الفقيه 104:1 ح 484، التهذيب 329:3 ح 1030.
7- الكافي 212:3 ح 1، التهذيب 336:1 ح 983، و 329:3 ح 1028.
8- المقنعة: 13، المبسوط 182:1، النهاية: 40.

قطعها الأشتر ثم قتله فحمل يده عقاب أو نسر(1).

و في حسن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «إذا قتل قتيل، فلم يوجد إلاّ لحم بلا عظم، لم يصلّ عليه»(2) و لم يذكر الغسل.

و يلوح ما ذكره الشيخان من خبر علي بن جعفر، لصدق العظام على التامة و الناقصة.

و لو كان لحم بغير عظم فلا غسل، قال ابن إدريس: و لا كفن و لا صلاة(3). و أوجب سلار لفّها في خرقة و دفنها(4). و لم يذكره الشيخان.

أمّا لو أبينت القطعة من حي، فالأقرب أنّها كالمبانة من الميت.

و في المعتبر: تدفن بغير غسل و لو كان فيها عظم، لأنّها من جملة لا تغسل(5).

قلنا: الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة.

و في النهاية و المبسوط: يجب الغسل بمسّ قطعة فيها عظم أبينت من حيّ (6)، و لم يذكر تغسيلها، و الظاهر تلازمهما.

و ابن الجنيد: أطلق غسل ما فيه عظم، و غسل عظم مفرد(7)، و لم يذكر الصدر.

و ابنا بابويه: ان كان أكيل السبع فاغسل ما بقي منه، و إن لم يبق منه إلاّ عظام جمعت و غسّلت و صلّي عليها(8).

و في مرسل محمد بن خالد عن الصادق (عليه السلام): «إن وجد عضو تام6.

ص: 317


1- الخلاف 167:1 المسألة: 527. و لاحظ في الحادثة: أسد الغابة 308:3، الام 268:1، تلخيص الحبير: 274.
2- الكافي 212:3 ح 2، التهذيب 336:1 ح 984 و 329:3 ح 1031.
3- السرائر: 33.
4- المراسم: 46.
5- المعتبر 319:1.
6- النهاية: 40، المبسوط 183:1.
7- مختلف الشيعة: 46.
8- الفقيه 87:1، المقنع: 19، و حكاه عن علي ابن بابويه: العلامة في مختلف الشيعة: 46.

صلّي عليه(1) و إن لم يوجد عضو تام لم يصلّ عليه و دفن»(2).

و يغسّل المحرم و لا يقرب الكافور، للخبر عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(3).

و لقول الباقر و الصادق (عليهما السلام) في رواية محمد بن مسلم: «يغطّى وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقرّب طيبا»(4).

و لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام): «إنّ عبد الرحمن بن الحسن مات مع الحسين (عليه السلام) بالأبواء(5) و هو محرم، فصنع به كما يصنع بالميت، و غطّى وجهه و لم يمسه طيبا»(6).

و المرتضى و الجعفي و ابن أبي عقيل: لا يغطّى وجهه و رأسه(7)، لظاهر قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «فإنّه يحشر يوم القيامة ملبيّا»(8).

قلنا: النص مقدّم على الظاهر.

قالوا: في بعضها: «و لا تخمروا رأسه»(9).

قلنا: لم يثبت عندنا.

و تغطّى رجلاه، خلافا للجعفي، و يلبس المخيط.

و المرأة يخمر رأسها إجماعا، و وجهها عندنا. و لو ماتت المعتدّة للوفاة،9.

ص: 318


1- في المصدرين بإضافة: «و دفن».
2- الكافي 212:3 ح 3، الفقيه 104:1 ح 485.
3- مسند أحمد 287:1، صحيح البخاري 96:2، صحيح مسلم 865:2 ح 1206، سنن ابن ماجة 1030:2 ح 3084، سنن أبي داود 219:3 ح 3241، الجامع الصحيح 286:3 ح 951.
4- التهذيب 330:1 ح 965.
5- الأبواء: قرية قرب المدينة، بينها و بين الجحفة مسافة، و بها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلّى اللّه عليه و آله. معجم البلدان 79:1.
6- التهذيب 329:1 ح 963.
7- حكاه عن المرتضى و ابن أبي عقيل: المحقق في المعتبر 326:1.
8- راجع ص 242 الهامش 9.
9- راجع ص 242 الهامش 9.

أو المعتكف، لم يحرم الطيب في حقهما.

تفريع:

القلب وحده كالصدر، لفحوى الرواية(1)، و كذا بعض كلّ واحد منهما، أخذا بأنه من جملة يجب غسلها منفردة.

و قطع في النهاية و المبسوط بتحنيط ما فيه عظم(2)، قال: و إن كان موضع الصدر صلّي عليه أيضا(3).

و لو وجد ميت في دار الإسلام غسّل و جهّز - قضاء للظاهر - و إن لم يكن فيه علامة الإسلام. و لو كان في دار الحرب اعتبرت العلامة المفيدة للظن كالختان، و مع عدمها يسقط، للأصل.

و الظاهر: ان حكم الإحرام مستمر حتى يحل الطيب - و إن تحلّل من غيره - لفحوى اللفظ. و في سقوط غسلة الكافور احتمال يعرف ممّا يأتي إن شاء اللّه.1.

ص: 319


1- راجع ص 317.
2- النهاية: 40، المبسوط 182:1.
3- المبسوط 182:1.
و يسقط تغسيل عشرة:
الأول: الشهيد إذا مات في المعركة،
اشارة

و لا يكفّن أيضا باتّفاقنا، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «زمّلوهم بدمائهم»(1).

و لرواية أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام): «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه، و لا يغسّل إلاّ أن يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد، فإنّه يغسّل و يكفّن. إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كفّن حمزة في ثيابه و لم يغسّله، و لكنّه صلّى عليه»(2).

و عن عمّار عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: «أنّ عليّا (عليه السلام) لم يغسّل عمار بن ياسر، و لا هاشم بن عتبة المرقال، و دفنهما في ثيابهما، و لم يصلّ عليهما»(3).

و نسب الشيخ نفي الصلاة إلى أنّه وهم من الراوي، لتظافر الأخبار بها(4).

و لو نقل من المعركة و به رمق ثم مات غسّل و كفّن، لفحوى الرواية، و ظاهرها أنّ المعتبر في غسله إدراك المسلمين له و به رمق، و كذا باقي الروايات في التهذيب.

و روي عن عمرو بن خالد بإسناده الى علي (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه، و إن بقي أياما حتى يتغيّر جرحه غسّل»(5).

ص: 320


1- ترتيب مسند الشافعي 204:1 ح 567، مسند أحمد 431:5، سنن النسائي 78:4، مسند أبي يعلى 455:3 ح 1951، السنن الكبرى 11:4.
2- الكافي 210:3 ح 1، الفقيه 97:1 ح 447، التهذيب 331:1 ح 969، الاستبصار 214:1 ح 755.
3- الفقيه 96:1 ح 445، التهذيب 331:1 ح 968، الاستبصار 214:1 ح 754.
4- التهذيب 331:1، الاستبصار 214:1.
5- التهذيب 332:1 ح 974 و 168:6 ح 321، الاستبصار 215:1 ح 758.

و الطريق ضعيف، مع مخالفته للمشهور و موافقته العامة.

و روى أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام): «انّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كفّن حمزة لأنّه جرّد»(1).

فروع:
الأول: لو قتل في الجهاد السائغ مع غيبة الإمام،

فالأولى أنّه شهيد، لإطلاق الأخبار، و عموم بعضها(2).

و ظاهر الشيخين المنع، إلاّ مع الإمام أو نائبه(3).

قال في المعتبر: ما ذكراه فيه زيادة لم تعلم من النص(4).

الثاني: لا فرق بين الجنب و غيره على الأقوى،

و كذا الحائض و النفساء لو قتلتا لم تغسّلا، للعموم.

و قال ابن الجنيد و المرتضى - في شرح الرسالة -: يغسل الجنب، لإخبار النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بغسل الملائكة حنظلة بن الراهب لمكان خروجه جنبا(5).

و لخبر عيص عن الصادق (عليه السلام) في الجنب يموت: «يغسّل من الجنابة، ثم يغسّل بعد غسل الميّت»(6).

ص: 321


1- الكافي 210:3 ح 1، الفقيه 97:1 ح 447، التهذيب 331:1 ح 969، الاستبصار 1: 214 ح 755.
2- لاحظ: الكافي 210:3 ح 1، 213 ح 7، الفقيه 97:1 ح 447، التهذيب 330:1 ح 967، 969، الاستبصار 213:1 ح 753، 755.
3- المقنعة: 12، النهاية: 40، المبسوط 181:1.
4- المعتبر 311:1.
5- حكاه عنهما المحقق في المعتبر 310:1. و خبر حنظلة في: الفقيه 97:1 ح 448، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 84:9 ح 6986، المستدرك على الصحيحين 204:3، السنن الكبرى 15:4.
6- التهذيب 433:1 ح 1378، الاستبصار 194:1 ح 683.

قلنا: لعلّه(1) تكليف الملائكة. و خبر العيص ظاهر في غير الشهيد، و معارض بخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) في الميت جنبا: «يغسّل غسلا واحدا، يجزي للجنابة و تغسيل الميت»(2) فالجمع بالحمل على الندب.

على أنّه روى الكليني بإسناده إلى الصادق (عليه السلام): «انّ كلّ ميت تخرج منه النطفة التي خلق منها، فلذلك يغسّل غسل الجنابة»(3) فحينئذ المجنب قبل موته بمنزلة من تكرّرت جنابته.

و لو سلّم التعدّد هنا أخرجنا الشهيد، للنص الدّال على أنّه لا يغسّل بالإطلاق.

الثالث: لو وجد ميت في المعركة أو غريق أو محترق،

و عليه أثر القتل، فهو شهيد. و لو خلا عنه، فهو شهيد أيضا عند الشيخ، لأنّ القتل لا يستلزم ظهور الأثر، فيعمل بالظاهر(4). و غير شهيد عند ابن الجنيد(5)، للشكّ في الشرط، و أصالة وجوب الغسل. و قوّى الفاضلان الأول(6).

الرابع: لا فرق بين الصغير و الكبير،

و الرجل و المرأة، و الحرّ و العبد، و المقتول بالحديد و الخشب، و الصدم و اللطم، و لا بين من عاد سلاحه اليه فقتله و غيره، عملا بإطلاق اللفظ، و لأنّه كان في قتلى بدر و أحد أطفال كحارثة بن النعمان و عمر بن أبي وقاص، و قتل في الطف مع الحسين (عليه السلام) ولده الرضيع، و لم ينقل في ذلك كلّه غسل.

و روي أنّ رجلا أصاب نفسه بالسيف، فلفّه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بثيابه و دمائه و صلّى عليه، فقالوا: يا رسول اللّه أ شهيد هو؟ قال: «نعم، و أنا

ص: 322


1- ليست في س.
2- الكافي 154:3 ح 1، التهذيب 432:1 ح 1384، الاستبصار 194:1 ح 680.
3- الكافي 161:3 ح 1.
4- المبسوط 182:1، الخلاف 712:1 المسألة: 517.
5- المعتبر 312:1، مختلف الشيعة: 46.
6- المعتبر 312:1، تذكرة الفقهاء 41:1.

له شهيد»(1).

و الاعتبار بالرمق لا بالأكل و الشرب، لما مرّ.

الخامس: المقتول من أهل العدل شهيد،

لفعل علي (عليه السلام)(2)، و أوصى عمار ان لا يغسّل، و قال: ادفنوني بثيابي فإنّي مخاصم(3)، و كذا وصّى أصحاب الجمل(4). و تغسيل أسماء ابنها عبد اللّه، لعدم شرط الشهادة، و لأنّه أخذ و صلب و لم يمت في المعركة(5).

و المقتول من البغاة ليس بشهيد، و تنتفي عنه أحكام الميت، لكفره عند الشيخ(6). و في سير الخلاف: يغسّل و يصلّى عليه، بناء على إسلامه(7).

السادس: أطلقت الشهادة في الأخبار على من قتل دون ماله و دون أهله،

و على المطعون و المبطون(8) و الغريق و المهدوم عليه و النفساء، لا بمعنى لحوق أحكام الشهيد بل المعنى المساواة أو المقاربة في الفضيلة.

تتمّات:

روى زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّه نزع عن الشهيد: الفرو، و الخف، و القلنسوة، و العمامة، و المنطقة، و السراويل، إلاّ أن يكون أصابه دم، فإن أصابه دم ترك، و لا يترك عليه شيء معقود إلاّ حلّ»(9).

ص: 323


1- سنن أبي داود 21:3 ح 2539.
2- التهذيب 331:1 ح 968، الاستبصار 214:1 ح 754.
3- المصنف لابن أبي شيبة: 253:3، السنن الكبرى 17:4.
4- المغني 402:2، و لاحظ المصنف لابن أبي شيبة 253:3، السنن الكبرى 17:4.
5- السنن الكبرى 17:4.
6- المبسوط 182:1، الخلاف 714:1 المسألة: 524.
7- الخلاف 344:1 المسألة: 13.
8- ليست في س.
9- الكافي 211:3 ح 4، الفقيه 97:1 ح 449، الخصال: 333، التهذيب 332:1 ح 972، و في الجميع: «انه ينزع».

و تنزع هذه الأشياء، قال ابن بابويه: إلاّ أن يصيب شيئا منها دم(1).

و ابن الجنيد: تنزع عنه الجلود، و الحديد المفرد(2)، و المنسوج مع غيره، و السراويل، إلاّ أن يكون فيه دم(3).

و في النهاية: يدفن جميع ما عليه ممّا أصابه الدم إلاّ الخفين، و قد روي: أنّه إذا أصابهما الدم دفنا معه(4).

و في الخلاف: يدفن بثيابه، و لا ينزع منه إلاّ الجلود(5).

و المفيد: ينزع عنه السراويل إلاّ أن يصيبه دم، و ينزع عنه الفرو و القلنسوة، و إن أصابهما دم دفنا معه، و ينزع الخفّ عنه على كلّ حال(6).

و ابن إدريس: يدفن بثيابه و إن لم يصبها الدم، و بالخفّ و الفرو و القلنسوة إن أصابها دم، و إن لم يصبها دم نزعت(7).

و في المعتبر: دفنه بثيابه و إن لم يصبها دم أجمع عليه المسلمون، و قال:

الأوجه وجوب دفن السروال، لأنّه من الثياب.

و ظاهره: ينزع عنه الخف و الفرو و الجلود و ان أصابها الدم، لأن دفنها تضييع.

و لما روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): أنّه أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الجلود و الحديد.

و لعدم تسمية الجلود ثوبا عرفا، و الرواية رواها رجال الزيدية، فهي ضعيفة(8).4.

ص: 324


1- مختلف الشيعة: 45.
2- في ط: و الفرو.
3- مختلف الشيعة: 45.
4- النهاية: 40.
5- الخلاف 710:1 المسألة: 514.
6- المقنعة: 12.
7- السرائر: 33.
8- المعتبر 312:1-313. و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في: مسند أحمد 247:1، سنن ابن ماجة 485:1 ح 1515، سنن أبي داود 195:3 ح 3134، السنن الكبرى 14:4.

و المقتول ظلما بحديد كالمقتول بمثقل في وجوب الغسل، لتغسيل الحسنين (عليهما السلام) أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) و تغسيل الصحابة الثاني(2).

و يغسّل اللصّ و المحارب كغيرهما، لأنّ الفسق غير مانع من إجراء الأحكام.

و هل تزال النجاسة من غير أثر الشهادة؟ نظر: من النهي عن غسل الشهيد مطلقا، و من أنّ هذه النجاسة ليست من أثر العبادة. و يقوّى الأول: إذا اقتضى زوالها زوال أثر الشهادة.

و الأقرب: أنّه لا يمكن الوارث من إبدال ثيابه، لقوله (عليه السلام):

«زمّلوهم بكلومهم»(3).

و لأنّ عمارا و المرقال دفنا بثيابهما بحضرة علي (عليه السلام)(4).

و لأنّ النبي أمر في قتلى أحد بأن يدفنوا بدمائهم و ثيابهم(5).

الثاني: الكافر

لا يغسّل بإجماعنا، بل لا يجوز غسله، لانتفاء التطهير به، و لا فرق بين القريب و غيره، و الزوجة و غيرها، و أولادهم يتبعونهم.

و كذا لا يكفّن و لا يدفن و لا يصلّى عليه، للآية(6)، و لقوله تعالى:

وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (7).

و لأنّ ذلك إكرام لا يصلح للكافر.

ص: 325


1- كشف الغمة 436:1 و 437، العدد القوية: 242-21.
2- الموطأ 463:2، ترتيب مسند الشافعي 204:1 ح 564، السنن الكبرى 17:4.
3- ترتيب مسند الشافعي 204:1 ح 567، مسند أحمد 431:5، السنن الكبرى 11:4.
4- الفقيه 96:1 ح 445، التهذيب 331:1 ح 968، الاستبصار 214:1 ح 754.
5- راجع صحيفة 324، الهامش 8.
6- سورة التوبة: 84.
7- سورة المائدة: 51.

و لرواية عمّار عن الصادق (عليه السلام) عن النصراني يموت مع المسلمين: «لا يغسّله و لا كرامة، و لا يدفنه، و لا يقوم على قبره، و لو كان أباه»(1).

و المرتضى - في شرح الرسالة - أورد عن يحيى بن عمّار عن الصادق (عليه السلام): النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك، و أن يكفنه و يصلّي عليه و يلوذ به.

قال المرتضى: فإن لم يكن له من يواريه جاز مواراته لئلا يضيّع(2).

و الاحتجاج: بقوله وَ صاحِبْهُما فِي اَلدُّنْيا مَعْرُوفاً (3) و بتغسيل علي أباه(4)و بجواز تغسيله حيّا، يردّ: بأنّ ما بعد الموت من الآخرة لا من الدنيا.

و نمنع أنّ ذلك معروف، لأنّه لم يعلم التجهيز إلاّ من الشرع فيقف على دلالة الشرع.

و أبو علي (عليه السلام) قد قامت الدلائل القطعية على أنّه مات مسلما و هذا من جملتها، و الغسل حيّا للتنظيف لا للتطهير بخلاف غسل الميت.

فرع:

لو اشتبه موتى المسلمين بالكفّار في غير الشهداء، فالوجه: وجوب غسل الجميع، لتوقّف الواجب عليه.

و لو تميّز بأمارة قويّة عمل عليها. و حينئذ لو مسّ أحدهم بعد غسله وجب الغسل بمسّه، لجواز كونه كافرا.1.

ص: 326


1- الكافي 159:3 ح 12، الفقيه 95:1 ح 437، التهذيب 335:1 ح 982.
2- المعتبر 328:1.
3- سورة لقمان: 15.
4- السنن الكبرى 305:1.

و يمكن عدمه، للشكّ في الحدث، فلا يرفع يقين الطهارة.

أمّا لو مسّ الجميع، فلا إشكال في الوجوب.

و حكم في المعتبر بعدم تغسيل ميت يوجد في دار الكفر و إن كان فيه علامة، لاشتراك العلامات بين المسلمين و الكفّار(1).

الثالث: المخالف عند المفيد لا يغسّله المؤمن و لا يصلّي عليه،

إلاّ لضرورة فيغسّله غسل أهل الخلاف(2).

و احتجّ في التهذيب بأنّه من القسم الثاني(3)، و فيه منع ظاهر.

و القاضي ابن البرّاج: لا يغسّل المخالف إلاّ لتقيّة(4).

و المشهور: كراهيته. و لا ينبغي وضع الجريدة معه.

الرابع: إذا فقد الغاسل،

و قد مرّ الخلاف فيه.

الخامس: إذا عدم الماء أو وصلته.
السادس: إذا عجز المسلم عن تغسيله،

إمّا لضرورة في نفسه، أو لغير ذلك. و لو لم يوجد إلاّ غير العارف بكيفيّة الغسل، قال المفيد - في أحكام النساء -:

أجزأه صبّ الماء عليه(5).

السابع: إذا لم يمكن تغسيله لخوف تناثر لحمه

- كالمحترق و المجدور و الملسوع - صبّ عليه الماء صبّا، فإن خيف ذهاب اللحم أو الجلد بالصبّ سقط.

و هذه الأقسام الثلاثة ييمّمون، لعموم بدليته من الغسل، فيمسح وجهه ثم ظاهر كفّيه بعد الضرب على الأرض مرتين، لأنّه بدل من الغسل.

و روى ضريس عن زين العابدين أو الباقر (عليهما السلام): «المجدور

ص: 327


1- المعتبر 315:1.
2- المقنعة: 13.
3- التهذيب 335:1.
4- المهذب 54:1.
5- احكام النساء: 39.

و الكسير و الذي به القروح يصبّ عليه الماء»(1).

و خبر زيد بإسناده إلى علي (عليه السلام) في المحترق: «يصبّ عليه الماء»(2).

(و بالإسناد)(3) عن علي عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، أنّه قال في المجدور ينسلخ إذا غسّل: «يمّموه»(4).

و الطريق ضعيف برجال الزيديّة إلاّ أنّ الشهرة تؤيّده.

و نقل الشيخ في تيمّم المحترق إجماعنا، و إجماع المسلمين إلاّ الأوزاعي حيث لم يذكر التيمّم(5) و قد استقرّ الإجماع، لانقراضه.

تفريع:

يلوح من الاقتصار على الصب الاجتزاء بالقراح، لأنّ الماءين الآخرين لا تتم فائدتهما بدون الدلك غالبا، و حينئذ الظاهر الاجتزاء بالمرة، لأنّ الأمر لا يدلّ على التكرار.

و الضرب و المسح بيدي المباشر. و لو يمّم الحي العاجز، فالضرب و المسح بيدي العاجز بإعانة القادر، و لو تعذّر فكالميت.

و ظاهر الخبر(6) و الأصحاب(7) انّ التيمّم مرة، لإطلاق الأمر، و لأنّ الغسل واحد و إنّما تعدّد باعتبار كيفيته. و وجه الثلاث: تعدّد الفعل الذي يطلق عليه اسم الغسل.

قلنا: إن أريد استقلاله بالتسمية فمنعه ظاهر، و إن أريد مطلق التسمية1.

ص: 328


1- التهذيب 333:1 ح 975.
2- الكافي 213:3 ح 6، التهذيب 333:1 ح 976.
3- في س، ط: و بإسناده.
4- التهذيب 333:1 ح 977.
5- الخلاف 717:1 المسألة: 529.
6- راجع الهامش 2.
7- المقنعة: 13، المبسوط 180:1، المعتبر 268:1.

فغير مستلزم للمطلوب. و ربّما انسحب هذا في تعدّد نية الغسل، و هو ضعف في ضعف. و إذا جعلنا التطهير بالقراح وحده فلا بحث.

الثامن: من وجب عليه الرجم أو القود

يؤمر بالاغتسال و التحنيط و التكفين ثمّ يقام الحدّ عليه، و لا يغسّل بعد ذلك، و لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب.

و به خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) في المرجوم و المرجومة:

«يغتسلان و يتحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك، و المقتصّ منه بمنزلة ذلك»(1).

و الطريق إلى مسمع ضعيف، لكنّ الشهرة تؤيّده.

و إنّما لا يغسّل بعد، للامتثال السابق. و يصلّى عليه، للعموم.

تفريع:

الظاهر إلحاق كلّ من وجب عليه القتل بهم، للمشاركة في السبب.

و يجب فيه مواجب غسل الميت، لأنّه بمنزلته.

و لا يضرّ تخلّل الحدث بعده، للامتثال. و في أثنائه يمكن مساواته لغسل و يؤيّده قول المفيد - رحمه اللّه -: فيغتسل كما يغتسل من الجنابة(2).

و في تداخل باقي الأغسال فيه نظر، من فحوى الأخبار السابقة كما في خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) في الميت جنبا: «يغسّل غسلا واحدا، يجزئ للجنابة و لغسل الميت، لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»(3).

و في تحتّمه أيضا نظر، من ظاهر الخبر. و يمكن تخيّر المكلّف، لقيام الغسل بعده - بطريق الأولى - مقامه.

ص: 329


1- الكافي 214:3 ح 1، التهذيب 334:1 ح 978.
2- المقنعة: 13.
3- الكافي 154:3 ح 1، التهذيب 432:1 ح 1384، الاستبصار 194:1 ح 680.

و لو مات لم يجزئ، لعموم الأمر بغسل الميت، خرج منه صورة النص. و كذا لو قتل بسبب آخر، سواء سقط حكم الأول أو لا، لأنّه سبب جديد. و لو عفي عنه، ثم أريد قتله بسبب آخر، فالظاهر التجديد أيضا.

ثم لا يجب الغسل بمسّه بعد الموت، لطهارته بالغسل.

و مكاتبة الصفار: «إذا أصابت يدك جسد الميت قبل أن يغتسل(1) وجب الغسل»(2).

و خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «مسّ الميت عند موته، و بعد غسله، و القبلة، ليس به بأس»(3).

و لأنّه لو لا كون الغسل مطهّرا لم يفد شيئا.

و لا يلزم منه(4) سبق التطهير على النجاسة، لأنّ المعتبر أمر الشرع(5) بالغسل و حكمه بالطهر(6) و قد وجد في هذا الموضع كما وجد بعد الموت، إذ نجاسة الميت لو كانت عينيّة لامتنع طهارته كباقي النجاسات.

و التحقيق هنا: أنّ تقديم الغسل يمنع من الحكم بنجاسته بعد الموت، لسقوط غسله بعده، و ما ذلك إلاّ لعدم النجاسة.

و كذا لا يجب الغسل بمسّ الشهيد، لطهارته أيضا. أمّا مغسول الكافر و الميمّم، فالظاهر: الوجوب بمسّهما، لفقد التطهير الحقيقي.

التاسع: ما في بطن الميتة من الأجنّة إذا مات،

لأنّه كالجزء من الام. و لو اتفق خروجه وجب غسله، للعموم.

ص: 330


1- في المصدر: «يغسل».
2- التهذيب 429:1 ح 1368.
3- الفقيه 87:1 ح 403، التهذيب 430:1 ح 1370، الاستبصار 100:1 ح 326.
4- ليست في س.
5- في س: الشارع.
6- في س: بالتطهر.

و لو مات و هي حيّة، و عسر إخراجه، قطّع. و نقل الشيخ الإجماع فيه(1).

و رواه وهب عن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين في امرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها: «لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطّعه و يخرجه إذا لم يتفق النساء»(2).

و لضعف وهب عدل في المعتبر الى وجوب التوصّل إلى إسقاطه صحيحا ببعض العلاج، فإن تعذّر فالأرفق في إخراجه ثمّ الأرفق، و يتولاه النساء ثمّ محارم الرجال، ثم الأجانب دفعا عن نفس الحي(3).

و هذا لا ينافي الرواية.

و لو علم حياة الجنين بعد موتها بحركته، شقّ بطنها من الجانب الأيسر - قاله الصدوق و الشيخان(4) - و اخرج، توسّلا إلى بقاء الحي.

و لخبر علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام): «يشقّ عن الولد»(5).

و ابن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام) لمّا قيل له أ يشقّ بطنها و يستخرج الولد؟ قال: «نعم»(6).

و ليس في الأخبار ذكر الأيسر، و من ثمّ أطلق في الخلاف(7).

قال في التهذيب: و في رواية ابن أبي عمير، عن ابن أذينة: «يخرج الولد7.

ص: 331


1- الخلاف 729:1 و 730 المسألة: 557.
2- قرب الاسناد: 64، الكافي 206:3 ح 2، التهذيب 344:1 ح 1008، و في الجميع: «ترفق به» بدل «يتفق».
3- المعتبر 316:1.
4- الفقيه 97:1، المقنعة: 13، المبسوط 180:1، النهاية: 42.
5- التهذيب 343:1 ح 1004.
6- الكافي 155:3 ح 2، التهذيب 344:1 ح 1006.
7- الخلاف 729:1 المسألة: 557.

و يخاط بطنها»(1) و في الكافي نسبه الى ابن أبي عمير(2).

قال المحقّق: الرواية موقوفة، و الضرورة منتفية، لأنّ المصير الى البلاء(3).

قلنا: هذان الراويان من عظماء الأصحاب و أصحاب الأئمة، و ظاهرهما القول عن توقيف، و زيادة الثقة مقبولة.

فرع:

لو أمكن القوابل إخراجه حيّا بغير شقّ حرم الشقّ. و لو تعذّر القوابل أجزأ الرجال، للضرورة. و لا عبرة بكونه ممّا يعيش عادة أو لا، لظاهر الخبر.

العاشر: قطعة لا عظم فيها،

أبينت من حي أو لا، و قد مرّ.

تتمّة:

روى العلاء بن سيّابة عن الصادق (عليه السلام): «إنّ القتيل في معصية يغسل دمه، ثمّ يصبّ عليه الماء و لا يدلك، و يبدأ بيديه و تربط جراحه بالقطن و الخيوط، ثمّ يعصب على القطن. و إن بان الرأس قدّم على الجسد، ثمّ يوضع القطن فوق الرقبة و يضمّ إليه الرأس في الكفن، و الدفن إلى القبلة»(4).

و عدم الدلك هنا لئلاّ يخرج الدم، و في غيره لا يجب الدلك أيضا، لصدق الغسل من غير دلك.

و عن الصادق (عليه السلام) في الميتة نفساء و يكثر دمها: «تدخل في الأدم و شبهه إلى السرّة، و تنظّف و يحشى فرجاها ثم تكفّن»(5).

ص: 332


1- التهذيب 344:1 ح 1007.
2- الكافي 155:3 ح 2.
3- المعتبر 316:1.
4- التهذيب 448:1 ح 1449. و فيه: «باليدين و الدبر».
5- الفقيه 93:1 ح 427. و رواه في الكافي 154:3 ح 3، و التهذيب 324:1 ح 937 مضمرا.
النظر الثالث: في الغسل:
اشارة

و فيه فضل عظيم. روى الشيخ أبو جعفر الكليني بإسناده إلى سعد الإسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا، فقال إذا قلّبه: اللّهم إن هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه و فرّقت بينهما فعفوك عفوك، إلاّ غفر اللّه عزّ و جلّ له ذنوب سنة إلاّ الكبائر»(1).

و عن سعد عنه (عليه السلام): «من غسّل ميتا، فأدّى فيه الأمانة غفر له، و هو: أن لا يخبر بما رأى»(2).

و عن إبراهيم بن عمر عن الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمن يغسّل مؤمنا، و يقول و هو يغسّله: ربّ عفوك عفوك، إلاّ عفا اللّه عنه»(3).

و عن أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام)، قال: «كان فيما ناجى به موسى ربّه تبارك و تعالى: يا ربّ ما لمن غسّل الموتى؟ فقال: أغسله من ذنوبه كما ولدته امّه»(4).

و لا يضرّ ضعف الإسناد في ثواب الأعمال.

و لنذكر مضمون الأخبار في الكافي و التهذيب الذي عليه معظم الأصحاب، و خبر الكاهلي عن الصادق (عليه السلام) يتضمّن كثيرا من أحكامه، فلنذكره بلفظه عنه (عليه السلام) تيمّنا.

قال: «استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة، ثم

ص: 333


1- الكافي 164:3 ح 1، الفقيه 85:1 ح 392، أمالي الصدوق: 434، ثواب الأعمال: 232، التهذيب 303:1 ح 884.
2- الكافي 164:3 ح 2، الفقيه 85:1 ح 391، التهذيب 450:1 ح 1460.
3- الكافي 164:3 ح 3، الفقيه 85:1 ح 393.
4- الكافي 164:3 ح 4، الفقيه 85:1 ح 390، ثواب الأعمال: 231.

تليّن مفاصله، و إن امتنعت(1) عليك فدعها». و هذه عبارة الشيخ(2) و أكثر الأصحاب(3).

قال (عليه السلام): «ثمّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض(4) فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء، و امسح بطنه مسحا رفيقا. ثم تحوّل الى رأسه فابدأ بشقّه الأيمن من لحيته و رأسه، ثم تثنّي بشقّه الأيسر من رأسه و لحيته. و وجهه فاغسله برفق، و إيّاك و العنف و اغسله غسلا ناعما. ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه الى قدمه، و امسح يدك على ظهره و بطنه بثلاث غسلات، ثمّ ردّه على جانبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله ما بين قرنه الى قدمه، و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات.

ثم ردّه على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور(5) و الحرض، و امسح يدك على ظهره و بطنه مسحا رفيقا، ثم تحوّل إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته من جانبيه كليهما و رأسه و وجهه بماء الكافور ثلاث غسلات، ثم ردّه إلى جانبه الأيسر حتى يبدو لك الأيمن من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات.

و ادخل يدك تحت منكبيه و ذراعيه، و يكون الذراع و الكف مع جنبه ظاهرة كلّما غسلت شيئا منه أدخلت يدك تحت منكبيه و باطن ذراعيه، ثمّ ردّه على ظهره ثمّ اغسله بماء قراح كما صنعت أولا: تبدأ بالفرج، ثمّ تحوّل إلى الرأس و اللحية و الوجه حتى تصنع كما صنعت أولا بماء قراح، ثمّ أزّره بالخرقة و يكون تحتها القطن تذفره به إذفارا قطنا كثيرا».

قلت: هكذا وجد في الرواية، و المعروف يثفره به إثفارا، من أثفرت الدابة».

ص: 334


1- في م، ط: «صعبت».
2- المبسوط 178:1.
3- راجع المقنعة: 11، المراسم: 48، السرائر: 31، مختلف الشيعة: 48.
4- الحرض: الأشنان، و الأشنان معروف تغسل به الأيدي، لسان العرب - مادة اشن.
5- في التهذيب زيادة: «فاصنع كما صنعت أول مرة، اغسله بثلاث غسلات بماء الكافور».

إثفارا.

«ثم تشدّ فخذيه على القطن بالخرقة شدّا شديدا، حتى لا تخاف ان يظهر شيء، و إيّاك أن تقعده أو تغمز بطنه، و إيّاك أن تحشو في مسامعه شيئا، فإن خفت أن يظهر من المنخر شيء فلا عليك أن تصيّر ثمّ قطنا، و ان لم تخف فلا تجعل فيه شيئا، و لا تخلل أظفاره. و كذلك غسل المرأة»(1).

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «تستر عورته بقميص أو غيره، و تبدأ بكفّيه و رأسه ثلاثا، و تلف خرقة على يدك(2) اليسرى، و تغسل فرجه من تحت الثوب، ثم يجفّف بثوب»(3).

و في خبر ابن مسكان عنه (عليه السلام): تجعل في الثالثة مع الكافور ذريرة، و أحبّ (عليه السلام) خرقة على يد الغاسل(4).

و عن يونس عنهم (عليهم السلام): «يخرج يداه من القميص، و يجمع(5)على عورته، و يرفع من رجليه الى فوق الركبة، و ان لم يكن قميص فخرقة على العورة. و يضرب السدر ليرغّى، فيعزل الرغوة، فيغسل يدي الميت ثلاثا الى نصف الذراع كما يغتسل من الجنابة، ثم ينقّي فرجه، ثمّ يغسل رأسه بالرغوة مبالغا. و ليحذر من دخول الماء منخريه و أذنيه، ثم يغسل الإجانة و يديه الى مرفقيه - أي الغاسل - ليضع فيها ماء الكافور، ثمّ ليغسل يديه بعد فراغ الكافور و الإجانة للقراح، و ليضع على فرجيه قطنا و حنوطا، و يحشو دبره قطنا»(6).

و عن علي بن جعفر عن الكاظم (عليه السلام) في غسله في فضاء: «لا7.

ص: 335


1- الكافي 140:3 ح 4، التهذيب 298:1 ح 873.
2- في النسخ الثلاث «يده»، و المثبت من المصدر و هو الصحيح.
3- الكافي 138:3 ح 1، التهذيب 299:1 ح 874، باختصار في الألفاظ.
4- الكافي 139:3 ح 2، التهذيب 300:1 ح 875، و فيهما: جعل الذريرة في الغسلة الثانية.
5- في س زيادة: القميص.
6- الكافي 141:3 ح 5، التهذيب 301:1 ح 877.

بأس، و الستر أحبّ إليّ»(1).

و عن فضيل سكرة عن الصادق (عليه السلام): «انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعلي (عليه السلام): إذا أنا متّ فاستق لي ست قرب من بئر غرس»(2).

قلت: هي غرس - بفتح الغين المعجمة، و سكون الراء و السين المهملة - و كانت منازل بني النضير، قاله الواقدي(3). و هي غير بئر أريس - بفتح الهمزة و تخفيف الراء - و هي بناحية قباء معروفة شاهدتها، و روي أنّ خاتم النبي صلّى اللّه عليه و آله سقط فيها فيتبرّك بها الناس(4).

و في خبر حفص عنه (عليه السلام): «سبع»(5).

و في مكاتبة محمد بن الحسن إلى العسكري (عليه السلام): «يغسل حتى يطهر»، و كتب إليه في صبّ الماء في كنيف، فوقّع: «في بلاليع»، و كذا ماء الوضوء(6).

و في مرسل ابن أبي نجران: «أقلّ المجزئ من الكافور مثقال»(7).

و في خبر الكاهلي: «القصد أربعة مثاقيل»(8).

و في مرفوع إبراهيم بن هاشم: «إنّ جبرئيل نزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله بحنوط وزنه أربعون درهما، فقسّمه أثلاثا: بينه و بين علي و فاطمة عليهم السلام»(9).5.

ص: 336


1- قرب الاسناد: 85، الكافي 142:3 ح 6، الفقيه 86:1 ح 400، التهذيب 431:1 ح 1379.
2- الكافي 150:3 ح 1، التهذيب 435:1 ح 1397، الاستبصار 196:1 ح 688.
3- معجم البلدان 193:4.
4- صحيح البخاري 201:7، صحيح مسلم 1656:3 ح 2091.
5- الكافي 150:3 ح 2، التهذيب 435:1 ح 1398، الاستبصار 196:1 ح 687.
6- الكافي 150:3 ح 3، التهذيب 431:1 ح 1377، 1378.
7- الكافي 151:3 ح 5، التهذيب 291:1 ح 846.
8- الكافي 151:3 ذيل ح 5، التهذيب 291:1 ح 847.
9- الكافي 151:3 ح 4، التهذيب 290:1 ح 845.

و في مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): «لا يمسّ منه شعر و لا ظفر، فإن سقط جعل في الكفن»(1).

و في خبر غياث عنه (عليه السلام): «كره علي (عليه السلام): حلق عانته، و قلم ظفره، و جزّ شعره»(2).

و في خبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) انّه كره ذلك، «أو يغمز له مفصل»(3).

و في خبر عبد اللّه بن عبيد عن الصادق (عليه السلام): «يوضّأ أولا، و يغسل رأسه بالسدر و الأشنان» و قدّر السدر بسبع ورقات صحاح(4).

و في خبر حريز عنه (عليه السلام): «الوضوء»(5).

و في التهذيب عن [أمّ] أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في الحبلى لا يحرّكها، و غيرها يمسح بطنها مسحا رفيقا، و يلقى على عورتها ثوب ستير، ثمّ يسمح من تحت الثوب ثلاثا بالكرسف، ثم توضّأ بماء فيه سدر(6).

و عن معاوية بن عمار: أمرني الصادق (عليه السلام): «أن أغمز بطنه، ثمّ أوضّيه، ثم أغسله بالأشنان، ثمّ أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثمّ أفيض على جسده منه، ثمّ ادلك منه جسده، ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم أغسله بالقراح، ثم أفيض عليه الماء بالكافور و القراح، و أطرح فيه سبع ورقات سدر»(7) و في هذا الخبر غرائب.

و عن محمد بن إسماعيل بن بزيع: أمر الباقر (عليه السلام) إيّاه بنزع أزرار9.

ص: 337


1- الكافي 155:3 ح 1، التهذيب 323:1 ح 940.
2- الكافي 156:3 ح 2.
3- الكافي 156:3 ح 3، التهذيب 323:1 ح 941.
4- التهذيب 302:1 ح 978، الاستبصار 206:1 ح 726.
5- التهذيب 302:1 ح 879، الاستبصار 206:1 ح 727.
6- التهذيب 303:1 ح 880، الاستبصار 207:1 ح 728.
7- التهذيب 303:1 ح 882، الاستبصار 207:1 ح 729.

القميص(1).

و في مرسل محمد بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «لا تجعل للجديد كمّا، و اللّبيس لا بأس»(2).

و عن عمار بن موسى عنه (عليه السلام): «لا بأس بغسل رأسه و لحيته بالخطميّ، و يجعل في الجرّة من الكافور نصف حبة، و يمرّ يده على جسده كلّه، و ينصب رأسه و لحيته شيئا، ثمّ يعصر بطنه شيئا، ثم يمال رأسه شيئا فينفض ليخرج الخارج من أنفه، و يغسل بجزّ ثلاث للغسلات الثلاث، و لا بأس بالزيادة، و يحشى القطن في مقعدته»(3).

و عن يعقوب بن يزيد عن عدّة من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام):

«لا يسخّن للميت الماء، لا يعجّل له النّار، و لا يحنّط بمسك»(4).

و عن عبد اللّه بن المغيرة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): «لا يقرب الميت ماء حميما»(5).

و عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه: «يضع للمرأة القطن أكثر من الرجل، و يحشى القبل و الدّبر به»(6).

و في خبر عمار المذكور: «لقبلها نصف منّ»(7).

و عن طلحة بن زيد انّ الصادق (عليه السلام): «استحب أن يجعل بين الميت حال الغسل و بين السّماء سترا»(8).

و عن عثمان النّواء - و كان غاسلا - عن الصادق (عليه السلام): «إذا غسّلته..

ص: 338


1- التهذيب 304:1 ح 885، رجال الكشي: 348.
2- الفقيه 90:1 ح 418، التهذيب 305:1 ح 886.
3- التهذيب 305:1 ح 887.
4- الكافي 147:3 ح 2، التهذيب 322:1 ح 937.
5- رواه الطوسي في التهذيب 322:1 ح 939 مرسلا عن عبد اللّه بن المغيرة.
6- الكافي 147:3 ح 2، التهذيب 324:1 ح 944.
7- التهذيب 305:1 ح 887.
8- التهذيب 432:1 ح 1380. و فيه: أن أباه - اي الباقر (عليه السلام) - كان يستحب..

فأرفق به، و لا تعصره، و لا تقربنّ مسامعه بكافور»(1).

و عن أبي العباس عن الصادق (عليه السلام): «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا، و تغسّله بالماء و الحرض، ثمّ بماء و كافور، ثمّ بالقراح»(2).

قال الشيخ: ذكر إقعاده محمول على التقية(3).

قلت: و يمكن حمله على مدلول رواية عمار(4).

قال في المعتبر: لا معنى للحمل على التقيّة هنا، لكن لا بأس بتجنّب ما قاله الشيخ(5).

و نقل في الخلاف الإجماع على كراهية إقعاده(6) و عصر بطنه(7).

و عن سليمان بن خالد عنه (عليه السلام): «يغسّل بماء و سدر، ثمّ بماء و كافور، ثم بماء»(8).

و عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح: «يغسل الغاسل يديه الى المنكبين ثلاثا عند تكفينه»(9).

و عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «غسل الميت مثل غسل الجنب، و إن كان كثير الشعر فزد عليه ثلاث مرات»(10).

قلت: يدل على وجوب الترتيب، و على عدم وجوب الوضوء.2.

ص: 339


1- الكافي 144:3 ح 8، التهذيب 309:1 ح 899، 445 ح 1441، الاستبصار 205:1 ح 722.
2- التهذيب 446:1 ح 1442، الاستبصار 206:1 ح 724.
3- الهامش السابق.
4- التهذيب 305:1 ح 887.
5- المعتبر 278:1.
6- الخلاف 693:1 المسألة: 473.
7- يستفاد ذلك من المسألة 14 ص 162 ج 1.
8- التهذيب 446:1 ح 1443.
9- التهذيب 446:1 ح 1444، الاستبصار 208:1 ح 731.
10- الفقيه 122:1 ح 586، التهذيب 447:1 ح 1447، الاستبصار 208:1 ح 732.

و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «لا يجعله بين رجليه، بل يقف من جانبه»(1).

و عن العلاء بن سيّابة عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك»(2).

قال الشيخ: العمل على عدم الركوب و هو الأفضل، و هذا جائز(3).

و في مكاتبة أحمد بن القاسم إلى الهادي (عليه السلام): «يغسّل المؤمن غسله و ان كان العامة حضورا»(4).

و عن مغيرة مؤذن بني عدي عن الصادق (عليه السلام): «غسّل علي (عليه السلام) رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بدأه بالسدر، و الثانية ثلاث مثاقيل من كافور و مثقال من مسك، و أفاض في الثالث عليه قربة مشدودة الرأس»(5).

و الأولى ترك المسك، و الخبر معارض بأشهر منه.

ثم هنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب استقبال القبلة حالة الغسل،

كالاحتضار، في ظاهر كلام الشيخ(6) و ظاهر الخبر السابق.

و خبر الكاهلي: سألت الصادق (عليه السلام) عن غسل الميت، فقال:

«استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة»(7).

ص: 340


1- أخرجه المحقق في المعتبر 277:1، و العلامة في نهاية الإحكام 227:2.
2- الفقيه 122:1 ح 587، التهذيب 447:1 ح 1448، الاستبصار 206:1 ح 725.
3- التهذيب 448:1.
4- التهذيب 448:1 ح 1451.
5- التهذيب 450:1 ح 1464. و في النسخ الثلاث: سبرة مؤذن بني عدي.. و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
6- المبسوط 77:1.
7- الكافي 140:3 ح 4، التهذيب 298:1 ح 873.

و في المصرية للمرتضى: لا يجب(1) للأصل، و الخبر يعقوب بن يقطين سألت الرضا (عليه السلام) عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجّها وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: «يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره»(2). و هو مختار المحقّق(3).

المسألة الثانية: يستحبّ وضعه على مرتفع

لئلا يعود إليه ماء الغسل، و ليجعل على ساجة أو سرير حفظا لجسده من التلطّخ، و ليكن مكان الرجلين منحدرا كيلا يجتمع الماء تحته، و ليحفر للماء حفرة ليجتمع فيها.

و روى سليمان بن خالد(4) عن الصادق (عليه السلام): «و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة»(5).

و الحفرة أولى من البالوعة، قاله ابن حمزة(6).

و قال ابن الجنيد: يقدّم اللوح الذي يغسّل عليه الى الميت، و لا يحمل الميت الى اللوح. و كره أن يحضر الغسل جنب أو حائض أو نفساء.

و قال الصدوق: يعدّ الغاسل لنفسه مئزرا(7) و هو حسن ليقي أثوابه.

المسألة الثالثة: يفتق قميصه و ينزع من تحته،

لأنّه مظنّة النجاسة، قال في المعتبر: ينزع كذلك إذا أريد ستره به، ثم ينزع بعد الغسل من أسفله، لخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ثمّ يخرق القميص

ص: 341


1- مختلف الشيعة: 42.
2- التهذيب 298:1 ح 871.
3- المعتبر 269:1.
4- في م، س: حماد، و ما أثبتناه من ط، و المصادر.
5- الكافي 127:3 ح 3، الفقيه 123:1 ح 591، التهذيب 286:1 ح 835، 298 ح 872.
6- الوسيلة: 64.
7- الهدية: 50.

إذا فرغ من غسله و ينزع من رجليه»(1).

و في النهاية و المبسوط: ينزع قميصه، و يترك على عورته ساتر(2).

و خيّر في الخلاف بين غسله في قميصه أو يستر بخرقة، و نقل الإجماع على التخيير(3). و قد مرّت الرواية باستحباب القميص(4).

و في المعتبر: الوجه جوازهما، و بخرقة عريانا أفضل، لدلالة الأخبار عليهما.

و أفضليّة التجريد، لأنّه أمكن للتطهير، و لأنّ الثوب قد ينجس بما يخرج من الميت، و لا يطهر بصبّ الماء فتتفاحش(5) النجاسة في الميت و الغاسل. و تغسيل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في قميصه للأمن من ذلك فيه(6).

و ابن أبي عقيل: السنّة تغسيله في قميصه، لتواتر الأخبار بفعل علي (عليه السلام) في النبي صلّى اللّه عليه و آله(7) و هو ظاهر الصدوق(8).

و ابن حمزة أوجب تجريده إلاّ ما يستر العورة(9).

قلت: عند المحقق أنّ نجاسة الميت تتعدّى إلى الملاقي، فهي حاصلة و ان لم يخرج منه شيء، و عدم طهارة القميص هنا بالصبّ ممنوع، لإطلاق الرواية، و جاز أن يجري مجرى ما لا يمكن عصره.5.

ص: 342


1- المعتبر 270:1. و الخبر في الكافي 144:3 ح 9، التهذيب 308:1 ح 894.
2- النهاية: 33، المبسوط 178:1.
3- الخلاف 692:1 المسألة: 469.
4- تقدمت في ص 335 الهامش 3.
5- في م، س: متفاحش.
6- المعتبر 270:1-271. و تغسيل النبي صلّى اللّه عليه و آله في: الموطأ 222:1.
7- مختلف الشيعة: 44.
8- المقنع: 18.
9- الوسيلة: 65.

و هذا كلّه لوجوب ستر العورة، إلاّ أن يكون الغاسل غير مبصر أو واثقا من نفسه بكفّ البصر فيستحب استظهارا، للأمن من البصر غلطا أو سهوا.

و على هذا لو كان زوجا أو زوجة لم يجب، لإباحة النظر إن جوّزنا غسله مجرّدا، و كذا لو كان طفلا يباح غسله للنساء، لأنّه لا شهوة فيه، و من ثمّ جاز للنساء غسله.

قال في المعتبر: جواز نظر المرأة يدلّ على جواز نظر الرجل(1). فإن أراد إلى العورة أمكن توجّه المنع، إلاّ أن يعلّل بعدم الشهوة فلا حاجة الى الحمل على النساء.

المسألة الرابعة: يجب إزالة النجاسة عن بدنه أولا،

لتوقّف تطهيره عليها، و أولوية إزالتها على الحكمية، و لخبر يونس عنهم (عليهم السلام): «فإن خرج منه شيء فأنقه»(2).

المسألة الخامسة: قطع في الخلاف على وجوب النيّة على الغاسل مدّعيا الإجماع .

المسألة الخامسة: قطع في الخلاف على وجوب النيّة على الغاسل مدّعيا الإجماع(3). و تردّد في المعتبر، لأنّه تطهير للميت من نجاسة الموت فهو كإزالة النجاسة عن الثوب، ثم احتاط بها(4).

قلت: و قد مرّ أنّه كغسل الجنابة، و تجب فيه النيّة قطعا، و لأنّه عبادة.

و لو اشترك في غسله جماعة نووا. و لو نوى الصابّ وحده أجزأ، لأنّه الغاسل حقيقة. و لو نوى الآخر، فالأقرب: الإجزاء، لأنّ الصابّ كالآلة.

و على عدم النية: يجزئ في المكان المغصوب، و بالماء المغصوب.

المسألة السادسة: يجب تغسيله ثلاثا: بالسدر، ثمّ الكافور، ثم القراح
اشارة

و هو:

الخالص البحت عند الأكثر، لما مرّ، و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لأمّ عطيّة

ص: 343


1- المعتبر 271:1.
2- الكافي 141:3 ح 1، التهذيب 301:1 ح 877.
3- الخلاف 702:1 المسألة: 492.
4- المعتبر 265:1.

غاسلة ابنته: «اغسليها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر»(1) فيجب أقلّ مراتب التخيير.

و نقل فيه الشيخ الإجماع(2).

و اجتزأ سلاّر بالقراح(3) للأصل، و لخبر علي عن الكاظم (عليه السلام) في الميت جنبا، قال: «غسل واحد»(4). فغير الجنب أولى.

قلنا: الأخبار مخرجة عن الأصل، و المراد بالوحدة عدم تعدّد الغسل بسبب الجنابة، و لأنّ غسل الميت واحد بنوعه و ان تعدّد صفة.

فروع:
الأول: الترتيب في هذه المياه واجب،

لظاهر خبر الحلبي السابق(5)و غيره(6).

و يلوح من كلام ابن حمزة استحباب الترتيب(7)، للأصل، و حمل الروايات على الندب.

قلنا: المذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب.

الثاني: لو عدم الخليط،

فظاهر كلام الشيخ الاجتزاء بالمرّة(8). و ابن إدريس اعتبر ثلاثا(9).

و الأول أفقه، للأصل، و للشكّ في وجوب الزائد فلا يجب، و لأنّ المراد

ص: 344


1- صحيح البخاري 93:2، صحيح مسلم 646:2 ح 939، سنن ابن ماجة 468:1 ح 1458، سنن النسائي 28:4.
2- الخلاف 694:1 المسألة: 476.
3- المراسم: 47.
4- التهذيب 432:1 ح 1383، الاستبصار 194:1 ح 679.
5- تقدم في ص 335 الهامش 3.
6- راجع: التهذيب 450:1 ح 1464.
7- الوسيلة: 64.
8- المبسوط 181:1، النهاية: 43.
9- السرائر: 34.

بالسدر الاستعانة على النظافة، و بالكافور تطييب الميت و حفظه من تسارع التغيّر و تعرّض الهوام، فكأنّهما شرط في الماء فيسقط الماء عند تعذّرهما، لانتفاء الفائدة، و لأنّه كغسل الجنابة.

و وجه الثاني: إمكان الجزء فلا يسقط بفوات الآخر، لأصالة عدم اشتراط أحدهما بصاحبه.

و لو مسّ بعد الغسل بني على الخلاف فيما لو وجد الخليط بعد الغسل بالقراح.

و الأقرب: وجوبه ما لم يدفن، لتوجّه(1) الخطاب حينئذ.

و يمكن المنع، للامتثال المقتضي للإجزاء.

الثالث: لو وجد ماء لغسلة واحدة،

فالأولى القراح، لأنّه أقوى في التطهير، و لعدم احتياجه الى جزء آخر. و لو وجد لغسلتين، فالسدر مقدّم لوجوب البدأة به، و يمكن الكافور لكثرة نفعه. و لا ييمّم في هذين الموضعين، لحصول مسمّى الغسل.

المسألة السابعة: تجب البدأة برأسه،

ثمّ جانبه الأيمن، ثمّ الأيسر، باتفاقنا، و قد سبق في الأخبار دليله(2).

و الظاهر سقوطه بالغمس في الكثير، كغسل الجنابة.

و لا يزاد على ثلاث غسلات اقتصارا على المنقول، و لم يثبت عندنا خبر التخيير بينها و بين الخمس(3)، و إنّما ذكرناه التزاما.

المسألة الثامنة: يظهر من الأخبار السابقة و غيرها وجوب الوضوء،

لأنّه مذكور في سياق الغسل، و لصحيح ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن الصادق

ص: 345


1- في ط: أوجه.
2- راجع ص 333 و ما بعدها.
3- راجع ص 344 الهامش 1.

(عليه السلام): «في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة»(1). و هو ظاهر أبي الصلاح(2).

و في النهاية: أحوط(3). و في المبسوط: عمل الطائفة على ترك الوضوء(4).

و في المقنعة: يوضّأ(5). و نقل سلاّر عن شيخه أنّه لا يرى وضوءه(6) و المفيد أشهر شيوخه.

و الأقرب الاستحباب، لتظافر الأخبار به مع أصالة عدم الوجوب، و لعدم ذكر العبد الصالح (عليه السلام) الوضوء في خبر يعقوب بن يقطين(7). و كونه كغسل الجنابة لا يلزم منه عدم الوضوء، لصدق المشابهة من وجه. و هو اختيار الاستبصار(8) و الفاضلين(9).

نعم، لا مضمضة، و لا استنشاق، للتعرض لخروج شيء.

المسألة التاسعة: يستحبّ تليين أصابعه برفق،

فإن تعسّر تركها كما مرّ، و بعد الغسل لا يليّن، لعدم فائدته.

و ابن أبي عقيل نفاه مطلقا(10)، لخبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام): «و لا يغمز له مفصلا»(11) و حمله الشيخ على ما بعد الغسل(12).

المسألة العاشرة: مسح بطنه في الأوليين قبلهما ليرد عليه الماء،

و الغرض به التحفّظ

ص: 346


1- التهذيب 143:1 ح 403، 303 ح 881، الاستبصار 209:1 ح 733.
2- الكافي في الفقه: 134.
3- النهاية: 35.
4- المبسوط 178:1.
5- المقنعة: 11.
6- المراسم: 48.
7- التهذيب 446:1، 1444، الاستبصار 208:1 ح 731.
8- الاستبصار 208:1.
9- المعتبر 267:1، مختلف الشيعة: 42.
10- مختلف الشيعة: 42.
11- الكافي 156:3 ح 3، التهذيب 323:1 ح 941.
12- الخلاف 696:1 المسألة: 480.

من الخارج بعد الغسل لعدم القوة الماسكة، و من ثمّ أمر بحشو المخرج عند خوف الخروج كما دلّ عليه الخبر(1).

و نقل الشيخ فيه الإجماع(2). و أنكره ابن إدريس - بعد أن جوّزه في أول الباب - لما ثبت من مساواة الميت الحيّ في الحرمة(3).

قلنا: الحشو أبلغ في الحرمة.

و لا يستحبّ المسح في الثالثة بالإجماع، بل يكره، لأنّه تعرّض لكثرة الخارج، و لهذا لم يذكر في خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(4).

و لا يمسح بطن الحامل، لما مرّ، و للخوف من الإجهاض.

و لو خرج منه نجاسة في الأثناء أو بعد الفراغ غسلت و لا يعاد الغسل، للامتثال، و لخبر الكاهلي و الحسين بن المختار و روح بن عبد الرحيم عن الصادق (عليه السلام): «ان بدا منه شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه، و لا تعد الغسل»(5).

و ابن أبي عقيل: إذا انتقض منه شيء استقبل به الغسل استقبالا(6). و نبه بهذا التأكيد على مخالفة ما يقوله بعض المنتمين إلى الشيعة من انّه إن حدث في أثناء الثلاث لم يلتفت اليه، و ان حدث بعد كمالها تمّمت خمسا، و بعد الخمس تكمّل سبعا، و بعد السبع لم يلتفت اليه. و هذا مبني على ما لم يثبت عن أهل البيت (عليهم السلام).

و كلامه - رحمه اللّه - لم نقف على مأخذه، فإن قال: لتكون خاتمة أمره على كمال الطهارة.3.

ص: 347


1- الكافي 141:3 ح 5، التهذيب 301:1 ح 877.
2- الخلاف 703:1 المسألة: 494.
3- السرائر: 33.
4- لاحظ الكافي 141:3 ح 5، التهذيب 301:1 ح 877.
5- الكافي 156:3 ح 2، التهذيب 449:1 ح 1455، 1456.
6- المعتبر 274:1، مختلف الشيعة: 43.

قلنا: الطهارة قد حصلت، و الحدث إنّما يكون ناقضا في الأحياء، و لا فرق بين خروجها في الأثناء أو بعد الغسل أو بعد الإدراج، و كذا لا يعاد الوضوء لو سبق. و يتخرّج من كونه كغسل الجنابة أو نفس غسل الجنابة الخلاف في غسل الجنابة إذا كان الحدث في الأثناء، و الرواية ظاهرها أنّه بعد كمال غسله(1).

المسألة الحادية عشرة: استحباب غسله تحت سقف اتفاق علمائنا،

قال المحقّق:

و لعلّ الحكمة كراهة أن يقابل السماء بعورته(2).

و لا حدّ في ماء الغسل غير التطهير، كما مرّ. و ظاهر المفيد: صاع لغسل الرأس و اللحية بالسدر، ثمّ صاع لغسل البدن بالسدر(3). و نقل في المعتبر عن بعض الأصحاب أنّ لكلّ غسلة صاعا(4) و هو مختار الفاضل في النهاية(5) لخبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «غسل الميت مثل غسل الجنب»(6).

و المسخّن جائز عند ضرورة الغاسل. و الصدوق: توقي الميت في البرد ممّا توقّي نفسك، و نسبه الى الحديث(7). و حينئذ يقتصر على ما يدفع الضرورة من السخونة.

و استحباب الدّعاء المخصوص قد ذكر(8)، و يستحبّ معه الاستغفار و ذكر اللّه تعالى.

المسألة الثانية عشرة: نقل الشيخ الإجماع على أنّه لا يجوز قصّ أظفاره،

و لا تنظيفها من الوسخ بالخلال، و لا تسريح لحيته. و جعل حلق رأسه مكروها

ص: 348


1- راجع ص 347 الهامش 5.
2- المعتبر 275:1.
3- المقنعة: 11.
4- المعتبر 276:1.
5- نهاية الإحكام 226:2.
6- الفقيه 122:1 ح 586، التهذيب 447:1 ح 1447، الاستبصار 208:1 ح 732.
7- الفقيه 86:1 ح 398.
8- راجع ص 333، الهامش 1 و 3.

و بدعة، و كره حلق عانته و إبطه و حفّ شاربه(1).

و لعلّ مراده الكراهية، لقضية الأصل، و النهي أعمّ من التحريم، و يؤيّده أنّه ذكر كراهية قلم الأظفار بعد ذلك.

و ابن حمزة حرّم القصّ و الحلق و القلم و تسريح الرأس و اللحية(2) و قد ذكر مأخذ ذلك.

و لم يثبت عندنا قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «افعلوا بموتاكم ما تفعلون بعرائسكم»(3) مع أنّه متروك الظاهر، إذ العروس تطيّب بكل الطيب و يزيّن وجهها و تحلّى بخلاف الميتة.

و لا يظفر شعر الميتة، لقول الصادق (عليه السلام): «لا يمسّ من الميت شعر و لا ظفر»(4).

و لم يثبت خبر أمّ سليم أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال في ابنته:

«و اظفرن شعرها ثلاثة قرون، و لا تشبّهنها بالرّجال»(5).

و يكره التجمير حال الغسل، و الصدوق استحبّ تجمير الكفن(6)، لما في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «و جمّر ثيابه بثلاثة أعواد»(7).

و قال الفاضل: يخرج الوسخ من أظفاره بعود عليه قطن مبالغة في التنظيف(8).

و يدفعه: نقل الإجماع، مع النهي عنه في خبر الكاهلي السابق(9).1.

ص: 349


1- الخلاف 694:1 المسألة: 475، و ص 695 المسألة: 478 و ص 696 المسألة: 481 و ص 697 المسألة: 482.
2- الوسيلة: 65.
3- تلخيص الحبير: 120.
4- الكافي 155:3 ح 1، التهذيب 323:1 ح 940.
5- السنن الكبرى 5:4.
6- الفقيه 91:1.
7- التهذيب 305:1 ح 887.
8- تذكرة الفقهاء 42:1.
9- تقدم في 335 الهامش 1.
المسألة الثالثة عشرة: أجمعنا على كراهية إرسال الماء في الكنيف دون البالوعة،

لما مرّ. و على وضع خرقة على يد الغاسل اليسرى لغسل فرج الميت، و هل يجب؟ يحتمل ذلك، لأنّ المسّ كالنظر بل أقوى، و من ثمّ نشر حرمة المصاهرة دون النظر.

أمّا باقي بدنه فلا تجب الخرقة قطعا، و هل تستحب؟ كلام الصادق (عليه السلام) السابق يشعر به(1).

المسألة الرابعة عشرة: قال الفاضل - رحمه اللّه -: يشترط كون السدر و الكافور لا يخرجان الماء إلى الإضافة،

لأنّه مطهر و المضاف غير مطهر(2).

و المفيد - رحمه اللّه - قدّر السدر برطل أو نحوه(3)، و ابن البراج: برطل و نصف(4). و اتفق الأصحاب على ترغيته. و هما يوهمان الإضافة، و يكون المطهّر هو القراح، و الغرض بالأولين التنظيف، و حفظ البدن من الهوام بالكافور، لأنّ رائحته تطردها.

و لو عدم السدر، قال الشيخ: يقوم الخطمي مقامه في غسل الرأس، و قليل من الكافور في الغسلة الثانية(5). و هو يشعر بإقامة غير السدر مقامه في الغسلة الأولى، و تطيب الرائحة.

المسألة الخامسة عشرة: يستحبّ تقديم غسل يديه و فرجيه مع كلّ غسلة،

كما في الخبر(6) و فتوى الأصحاب(7). و تثليث غسل أعضائه كلّها من اليدين و الفرجين و الرأس و الجنبين بالإجماع.

و حصرها الجعفي في كلّ غسلة خمس عشرة صبّة لا تنقطع، و ابن الجنيد

ص: 350


1- تقدم في ص 335 الهامش 1.
2- تذكرة الفقهاء 38:1.
3- المقنعة: 11.
4- المهذب 56:1.
5- المبسوط 177:1.
6- الكافي 141:3 ح 4، التهذيب 301:1 ح 877.
7- كالمحقق في المعتبر 272:1، و العلامة في تذكرة الفقهاء 38:1.

و الشيخ قالا: بعدم الانقطاع أيضا حتى يستوفي العضو(1). و الصدوق ذكر ثلاث حميديات(2). و كأنّه إناء كبير، و لهذا مثّل ابن البراج الإناء الكبير بالإبريق الحميدي(3).

المسألة السادسة عشرة: لا يجزئ تكرار القراح ثلاثا في الغسل

مع إمكان الخليط، لمخالفة الأمر.

قال الفاضل: يحتمل الإجزاء، لأنّه أبلغ(4). و هو مشكل على مذهبه من الاشتراط، لأنّ الجميع ماء مطلق عنده، و في النصوص زيادة التنظيف بالخليط، فالأبلغيّة إنّما هي في المنصوص.

المسألة السابعة عشرة: الغريق يعاد غسله بعد تيقّن موته بالاستبراء،

لخبر إسحاق ابن عمار(5)، و لأنّ السدر و الكافور مفقودان فيه.

و لو قال سلار بعدم وجوب النية، أمكن الإجزاء عنده(6) إذا علم موته قبل خروجه من الماء، لحصول الغرض من تنظيفه، كالثوب النجس تلقيه الريح في الماء. نعم، لو نوى عليه في الماء أجزأ عنده.

المسألة الثامنة عشرة: لا تستحب الدخنة بالعود و لا بغيره في أشهر الأخبار،

لقول علي (عليه السلام): «لا تجمّروا الأكفان»(7) و لما مرّ(8). و عن أبي حمزة عن الباقر (عليه السلام): «لا تقربوا موتاكم بالنار»(9) يعني الدخنة.

ص: 351


1- المبسوط 178:1.
2- الفقيه 91:1، المقنع: 18.
3- المهذب 58:1.
4- تذكرة الفقهاء 39:1.
5- الكافي 209:3 ح 2، التهذيب 338:1 ح 990.
6- بناء على قوله المتقدم في ص 264 الهامش 6.
7- الكافي 147:3 ح 3، علل الشرائع: 308:1، الخصال: 618، التهذيب 295:1 ح 863، الاستبصار 209:1 ح 735.
8- راجع ص 249 الهامش 6، 7.
9- التهذيب 295:1 ح 866، الاستبصار 209:1 ح 737.

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد اللّه بن سنان: «لا بأس بدخنة كفن الميت، و ينبغي للمسلم أن يدخّن ثيابه إذا كان يقدر»(1) لا ينفي الكراهية بل يشعر بها، و حمله الشيخ على التقيّة(2).1.

ص: 352


1- التهذيب 295:1 ح 867، الاستبصار 209:1 ح 738.
2- التهذيب 295:1، الاستبصار 209:1.
الحكم الثالث: تكفينه.
اشارة

و الواجب منه: مئزر، و قميص، و إزار، عند الجميع إلاّ سلار، فإنه اكتفى بقطعة واحدة، و جعل الأسبغ سبع قطع، ثمّ خمسا ثم ثلاثا(1)، لقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب، و ثوب تام لا أقلّ منه يواري فيه جسده كلّه، فما زاد فهو سنة الى ان يبلغ خمسة، فما زاد فهو مبتدع، فالعمامة سنة»(2).

لنا: الإجماع، و ما روي أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كفّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية(3) بالحاء المهملة بعد السين المفتوحة، قيل: منسوب الى سحول قرية باليمن. و عن زرارة عن الصادق (عليه السلام)، قال: «كفّن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بثلاثة أثواب: ثوبين سحوليين، و ثوب حبرة يمنية عبريّ»(4).

و عن أبي مريم الأنصاري: كفّن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في ثلاثة أثواب(5) و حمل ال «ثوب التام» على التقية، أو نقول: هو من عطف الخاص على العام، على أنّ لفظ «ثوب» محذوف في كثير من النسخ(6).

و هل يتعيّن القميص أو يكفي ثوب مكانه؟ المعظم على الأول(7)، لما روى ابن المغفّل: انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كفّن في قميص(8) و لخبر معاوية بن

ص: 353


1- المراسم: 47.
2- الكافي 144:3 ح 5، التهذيب 292:1 ح 854، و فيه: «أو ثوب».
3- المصنف لعبد الرزاق 421:3 ح 6171، مسند أحمد 40:6، صحيح البخاري 97:2، صحيح مسلم 649:2 ح 941، السنن الكبرى 399:3.
4- أخرجه المحقق في المعتبر 279:1، و العلامة في نهاية الإحكام 244:2. و سيأتي نحوه في ص 361 الهامش 1.
5- التهذيب 296:1 ح 869.
6- يلاحظ في ذلك: الحدائق الناضرة 15:4.
7- راجع: المقنعة: 11، المبسوط 176:1، النهاية: 31، نهاية الإحكام 243:2.
8- مجمع الزوائد 24:3 عن الطبراني في الكبير.

وهب عن الصادق (عليه السلام): «يكفّن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزرّ عليه، و إزار، و خرقة، و برد يلفّ فيه، و عمامة»(1).

و ابن الجنيد و المحقّق خيّرا بين القميص و بين ثوب يدرج فيه، لخلوّ أكثر الأخبار من تعيينه(2) و أصل البراءة، و لخبر محمد بن سهل، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل، أ يكفن فيها؟ قال:

«أحبّ ذلك الكفن»، يعني: قميصا. قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: «لا بأس به، و القميص أحبّ اليّ»(3).

و روت عائشة: انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص(4).

قلت: لعلّ القميص هو المعهود، و هو ما كان يصلّي فيه، و لقول الباقر (عليه السلام): «ان استطعت ان يكون كفنه ثوبا كان يصلّي فيه»(5) فجاز أن يكون في الثلاثة الأثواب قميص غيره.

و روى الصدوق تكفينه في ثلاثة أثواب بغير قميص عن الكاظم (عليه السلام)(6). و هي الرواية بعينها(7) و لكن حذف صدرها، و خبرها معارض بما مرّ، و المثبت راجح.

مسائل:
الأولى: يجزي عند الضرورة ثوبان.

الأولى: يجزي(8) عند الضرورة ثوبان. و لو لم يوجد إلاّ واحد كفى، لأنّ

ص: 354


1- الكافي 145:3 ح 11، التهذيب 293:1 ح 858، 310 ح 900.
2- المعتبر 279:1.
3- التهذيب 292:1 ح 855.
4- صحيح مسلم 649:2 ح 941، الجامع الصحيح 321:3 ح 996، السنن الكبرى 399:3.
5- الفقيه 89:1 ح 413، التهذيب 292:1 ح 852.
6- الفقيه 93:1 ح 424.
7- أي رواية محمد بن سهل المتقدمة في الهامش 5.
8- في س: يجوز.

الضرورة تجوّز دفنه بغير كفن فبعضه أولى. نعم، لو كان هناك بيت مال تمّم الكفن منه، لأنّه مصلحة لمسلم.

الثانية: لا يجوز التكفين في المغصوب،

إجماعا، و للنهي عن إتلاف مال الغير.

و لا في الحرير للرجل و المرأة باتفاقنا، لإعراض السلف عنه، و لدلالة مقطوعة الحسن بن راشد عليه - و هي من المقبولات، لأنّه نفى البأس إذا كان القطن أكثر من القز(1)، فيثبت البأس عند عدمه، و قد أرسلها الصدوق عن الهادي (عليه السلام)(2). و لخبر مروان بن عبد الملك عن أبي الحسن (عليه السلام) في كسوة الكعبة: لا يكفّن بها الميت، مع حكمه بجواز بيعها و هبتها(3)و الظاهر أنّه لأجل الحرير.

و لا في النجس، إجماعا، و لوجوب إزالة النجاسة العارضة في الكفن.

و اشتراط كونه من جنس ما يصلّى فيه، ينفي أوبار و أشعار غير المأكول.

و أمّا الجلد فيمنع منه مطلقا، لعدم فهمه من إطلاق الثوب، و لنزعه عن الشهيد.

نعم، لو اضطرّ الى ما عدا المغصوب ففيه ثلاثة أوجه: المنع، لإطلاق النهي. و الجواز لئلاّ يدفن عاريا، مع وجوب ستره و لو بالحجر. و وجوب ستر العورة لا غير حالة الصلاة، ثمّ ينزع بعده.

و حينئذ، فالجلد مقدّم، لعدم صريح النهي فيه، ثمّ النجس، لعروض المانع، ثمّ الحرير، لجواز صلاة النساء فيه، ثم وبر غير المأكول. و في هذا الترتيب للنظر مجال، إذ يمكن أولوية الحرير على النجس، لجواز صلاتهنّ فيه اختيارا.

الثالثة: يجب وضع الكافور على المساجد السبعة،

و هو: الحنوط، و نقل الشيخ فيه الإجماع(4).

ص: 355


1- الكافي 149:3 ح 12، التهذيب 435:1 ح 1396، الاستبصار 211:1 ح 744.
2- الفقيه 90:1 ح 415.
3- الكافي 148:3 ح 5، الفقيه 90:1 ح 416، التهذيب 434:1 ح 1391.
4- الخلاف 704:1 المسألة: 495.

و أقله مسمّاه، قاله في المعتبر، لصدق الامتثال(1).

و اختلف الأصحاب في تقديره.

فالشيخان و الصدوق: أقلّه مثقال، و أوسطه أربعة دراهم(2).

و الجعفي: أقلّه مثقال و ثلث، قال: و يخلط بتربة مولانا الحسين (عليه السلام).

و ابن الجنيد: أقلّه مثقال، و به رواية مرسلة عن الصادق (عليه السلام)(3).

و في مرسلة عنه (عليه السلام): «مثقال و نصف»(4).

و أوسطه أربعة مثاقيل، لرواية الحسين بن مختار عن الصادق (عليه السلام)(5).

و حملها في المعتبر كلّها على الفضيلة(6) تطييبا لمواضع العبادة، و تخصّصا لها بمزيد العناية.

و أكثره مرّ(7)، و ابن البراج جعله ثلاثة عشر درهما و نصفا(8).

و لا يشاركه الغسل في هذه المقادير، قطع به الأكثر.

و ابن إدريس فسّر المثاقيل بالدراهم(9) نظرا الى قول الأصحاب، و طالبه ابن طاوس - رحمه اللّه - بالمستند.

و اختلف الأصحاب في تحنيط ما عدا السبعة و الصدر، من الأنف و السمع و البصر و الفم.2.

ص: 356


1- المعتبر 281:1.
2- المقنعة: 11، الخلاف 704:1 المسألة: 498 المقنع: 18، الهداية: 25.
3- الكافي 151:3 ح 5، التهذيب 291:1 ح 846.
4- التهذيب 291:1 ح 849.
5- الكافي 151:3 ح 5، التهذيب 291:1 ح 847، 848.
6- المعتبر 281:1.
7- تقدم في ص 336 الهامش 9.
8- في المهذب 61:1 ثلاثة عشر درهما و ثلث، و لعل المصنف نقل عن غيره.
9- السرائر: 32.

فالصدوق تحنّط، و كذا المغابن، و هي: الآباط و أصول الأفخاذ(1).

و ابن أبي عقيل و المفيد ألحقا الأنف بالسبعة(2).

و أضاف الصدوق الى الكافور المسك(3).

و الشيخ أنكر ذلك كله(4).

و لنشر الى الحديث:

ففي خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام): «إذا كفّنته فذر على كل ثوب شيئا من الذريرة و الكافور، و اجعل شيئا من الحنوط على مسامعه و مساجده، و شيئا على ظهر الكف(5)»(6).

و في خبر عمار عنه (عليه السلام): «و اجعل الكافور في مسامعه، و أثر سجوده منه، و فيه»(7).

و في خبر يونس عنهم (عليهم السلام): «يوضع على جبهته و موضع سجوده، و يمسح به مغابنه من اليدين و الرجلين و وسط راحته» الى قوله: «و لا تجعل في منخريه، و لا في بصره، و لا في مسامعه، و لا وجهه، قطنا و لا كافورا»(8).

و في مقطوع عبد الرحمن: «و لا تجعل في مسامعه حنوطا»(9).

و في خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «فامسح به آثار السجود و مفاصله كلّها، و رأسه و لحيته، و على صدره من الحنوط»، و قال: «الحنوط للرجل8.

ص: 357


1- الفقيه 91:1، المقنع: 18.
2- المقنعة: 11، مختلف الشيعة: 43.
3- الفقيه 93:1 ح 422.
4- الخلاف 703:1 المسألة: 495، المبسوط 177:1، 179.
5- في م، ط، المصدر: «الكفن».
6- التهذيب 435:1 ح 1399.
7- التهذيب 305:1 ح 887.
8- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 306:1 ح 888.
9- التهذيب 308:1 ح 893، الاستبصار 212:1 ح 748.

و المرأة سواء»(1).

و مثله في خبر زرارة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)، و زاد: «فاه و سمعه و فرجه»(2).

و في خبر الحسين بن مختار عن الصادق (عليه السلام): «يوضع على المساجد، و على اللبّة و باطن القدمين، و موضع الشراك من القدمين، و على الركبتين و الراحتين و اللحية»(3).

و في خبر عبد اللّه بن سنان عنه (عليه السلام): «يضع في فمه و مسامعه و آثار السجود»(4)، و شهادة هذه للصدوق - رحمه اللّه - أتمّ.

و أمّا المسك، ففي خبرين أرسلهما الصدوق: أحدهما - «أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) حنّط بمثقال من مسك سوى الكافور»(5). و الآخر عن الهادي (عليه السلام) أنّه سوّغ تقريب المسك و البخور الى الميت(6).

و يعارضهما مسند محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجمّروا الأكفان، و لا تمسّوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور، فإنّ الميت بمنزلة المحرم»(7).

و خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام): «أنّ أباه كان يجمّر الميت بالعود»(8) ضعيف السند.

و يستحبّ سحق الكافور باليد خوفا من الضياع، قال في المعتبر: قاله9.

ص: 358


1- الكافي 143:3 ح 4، التهذيب 307:1 ح 890، الاستبصار 212:1 ح 746.
2- التهذيب 136:1 ح 1403، الاستبصار 213:1 ح 750.
3- التهذيب 307:1 ح 892، الاستبصار 212:1 ح 747.
4- التهذيب 307:1 ح 891، الاستبصار 212:1 ح 749.
5- الفقيه 93:1 ح 422.
6- الفقيه 93:1 ح 426.
7- الكافي 147:3 ح 3، علل الشرائع 308:1، الخصال: 618، التهذيب 295:1 ح 863، الاستبصار 209:1 ح 735.
8- التهذيب 295:1 ح 865، الاستبصار 210:1 ح 739.

الشيخان، و لم أتحقّق مستنده(1).

و قال في المبسوط: و يكره سحقه بحجر أو غير. ذلك، و يكفي وضعه - على المساجد من غير قطن(2).

الرابعة: يستحبّ الذريرة على الأكفان.

قال الشيخ في التبيان: هي فتات قصب الطيب، و هو قصب يجاء به من الهند كأنّه قصب النّشاب(3).

و قال في المبسوط و النهاية: تعرف بالقمّحة - بضم القاف و تشديد الميم المفتوحة و الحاء المهملة أو بفتح القاف و التخفيف - كواحدة القمح(4). و سمّاها به أيضا الجعفي.

و قال الصغاني: هي فعيلة بمعنى مفعولة، و هي ما يذرّ على الشيء، و قصب الذريرة دواء يجلب من الهند، و باليمن يجعلون أخلاطا من الطيب يسمّونها الذريرة.

و قال المسعودي: من الأفاوية الخمسة و العشرين: قصب الذريرة، و الورس، و السليخة، و اللاّذن، و الزباد. و الأفاوية: ما يعالج به الطيب كالتوابل للطعام. و عدّ أصول الطيب خمسة: المسك، و الكافور، و العود، و العنبر، و الزعفران(5).

و ابن إدريس: هي نبات طيب غير الطيب المعهود، يسمّى: القمّحان - بالضمّ و التشديد. ثم استشهد بقول الأصمعي: يقال للذي يعلو الخمر مثل الذريرة القمّحان، و انشد فيه شعرا:

ص: 359


1- المعتبر 286:1. و قول الشيخين في: المقنعة: 11، المبسوط 179:1.
2- المبسوط 179:1.
3- التبيان 448:1.
4- المبسوط 177:1، النهاية: 32.
5- مروج الذهب 194:1.

إذا فضّت خواتمه علاه يبيس القمّحان من المدام(1).

و ليس فيهما صراحة بالمطلوب، و لا في كلامه تعيين له.

قال في المعتبر: و هو خلاف المعروف بين العلماء، بل هي الطيب المسحوق(2).

و قال الراوندي: قيل: إنّها حبوب تشبه حبّ الحنطة التي تسمى بالقمح، تدقّ تلك الحبوب كالدقيق، لها ريح طيب.

قال: و قيل: الذريرة هي الورد و السنبل و القرنفل و القسط و الأشنة، و كلّها نبات، و يجعل فيها اللاّذن و يدقّ جميع ذلك.

و يجعل الذريرة أيضا على القطن الذي يوضع على الفرجين، قاله ابن بابويه(3) و الشيخ في المبسوط(4).

و لا يطيّب بغير الكافور و الذريرة، لما مرّ. و لا يجب استيعاب كل المسجد بالمسح.

الخامسة: يستحبّ عندنا أن يزاد الرجل و المرأة حبرة

- بكسر الحاء و فتح الباء - يمنية عبرية - منسوبة إلى موضع أو جانب واد - لقول أبي مريم الأنصاري:

سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: «كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثة أثواب: برد حبرة أحمر، و ثوبين أبيضين صحاريين، و قال: إنّ الحسن بن علي (عليهما السلام) كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، و إنّ عليا (عليه السلام) كفّن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة»(5).

ص: 360


1- السرائر: 32. و البيت للنابغة الذبياني، راجع ديوانه ص 112.
2- المعتبر 284:1.
3- الفقيه 92:1، المقنع: 18.
4- المبسوط 179:1.
5- التهذيب 296:1 ح 869. و ذيل الحديث في الكافي 149:3 ح 9، و التهذيب 296:1 ح 868.

و عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثوبين صحاريين، و ثوب يمنة عبري أو أظفار»(1). قال الشيخ: و الصحيح أو ظفار، و هما بلدان(2).

قلت اليمنة - بضم الياء -: البردة من برود اليمن.

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «كتب أبي في وصيّته أن أكفّنه بثلاثة أثواب، أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة»(3).

و بهذه استدلّوا على استحباب زيادة الحبرة، و هي غير بيّنة منها، فالحجّة عملهم.

و لتكن غير مطرزة بالذهب و الحرير، لأنّه إتلاف غير مأذون فيه. و ظاهر الأخبار أفضلية الحمراء(4)، و لو تعذّرت الأوصاف في الحبرة اتفاقا كفى بعضها، فإن لم يوجد فلفافة اخرى.

السادسة: يزادان أيضا خرقة لشدّ الفخذين،

و تسمّى: الخامسة، طولها ثلاث أذرع و نصف، و يلفّ بها فخذاه لفّا شديدا. و الرجل عمامة و المرأة خمار، لخبر معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): «يكفّن الميت في خمسة أثواب:

قميص، و إزار، و خرقة يعصّب بها وسطه، و برد يلفّ فيه، و عمامة»(5). و هذا الخبر يدلّ على أنّ العمامة من الكفن.

و في خبر يونس عنهم: «خذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدّها من حقويه، و ضمّ فخذيه ضمّا شديدا و لفّها في فخذيه، ثمّ أخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن و أغمزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة»(6).

ص: 361


1- التهذيب 292:1 ح 853.
2- التهذيب 292:1.
3- الكافي 144:3 ح 7، الفقيه 93:1، 423، التهذيب 293:1 ح 857.
4- الكافي 149:3 ح 9، التهذيب 296:1 ح 868.
5- الكافي 145:3 ح 11، التهذيب 293:1 ح 858، 310 ح 900.
6- الكافي 141:3 ح 5، التهذيب 301:1 ح 877.

و في خبر عمّار عن الصادق (عليه السلام): «طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصف، و عرضها شبر و نصف»(1).

و ليكن تحتها قطن، لما مرّ، و اختلاف الروايتين في القدر يدلّ على إرادة التقريب. و لا يشقّ رأسها، أو يجعل فيها خيط يشدّها.

و ليحنّك بالعمامة، لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(2).

و لينشر وسطها على رأسه و ترد الى خلفه، و يطرح طرفيها على ظهره لا كعمّة الأعرابي - و قال في المبسوط: عمّة الأعرابي بغير حنك(3) - و هذه الهيئة في خبر عثمان النوّاء عن الصادق (عليه السلام)(4).

و في خبر معاوية بن وهب عنه (عليه السلام): «يلقى فضلها على وجهه»(5).

و في خبر يونس: «يؤخذ وسط العمامة، فيثنى على رأسه بالتدوير، ثمّ يلقى فضل الشقّ الأيمن على الأيسر، و الأيسر على الأيمن، ثمّ يمدّ على صدره»(6)، و المشهور بين الأصحاب مضمون هذا الخبر(7).

و أمّا الخمار فأفتى به الأصحاب(8) و هو موجود في خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع، و منطق، و خمار، و لفّافتين»(9).5.

ص: 362


1- التهذيب 305:1 ح 887.
2- الكافي 145:3 ح 10، التهذيب 308:1 ح 895.
3- المبسوط 179:1.
4- الكافي 144:3 ح 8، التهذيب 309:1 ح 899، و فيهما: «و اطرح طرفيها على صدره».
5- الكافي 145:3 ح 11، التهذيب 293:1 ح 858، 310 ح 900.
6- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 306:1 ح 888.
7- راجع: المبسوط 179:1، النهاية: 36، المهذب 61:1، المعتبر 283:1.
8- راجع: المعتبر 286:1، نهاية الإحكام 245:2.
9- الكافي 147:3 ح 3، التهذيب 324:1 ح 945.

قلت: الدرع: القميص. و المنطق - بكسر الميم و فتح الطاء -: ما يشدّ به الوسط، و لعلّه المئزر. و اللفّافتان: الإزار و الحبرة، أو الإزار و النمط(1).

و في خبر عبد اللّه بن سنان عنه (عليه السلام): «يكفّن في ثلاثة سوى العمامة، و الخرقة تشدّ بها وركيه لئلاّ يبدو منه شيء، و ليسا من الكفن»(2).

و الجمع بينه و بين ما تقدّم أنّ النفي للكفن الواجب، و الأول يراد مطلق الكفن، كما في خبر زرارة، قلت لأبي جعفر (عليه السلام): العمامة للميت أمن الكفن هي؟ قال: «لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب» إلى قوله: «الى أن يبلغ خمسة فما زاد مبتدع. و العمامة سنّة، و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بالعمامة» و بعث الصادق (عليه السلام) بدينار ليشترى به حنوط و عمامة لأبي عبيدة الحذاء(3).

و عن يونس عن بعض رجاله عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): «الكفن فريضة، للرجال ثلاثة أثواب، و العمامة و الخرقة سنّة»(4).

و خبر عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام): «تكفّن في خمسة أثواب أحدها الخمار»(5).

و تزاد المرأة خرقة لثدييها، لخبر سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه، قال: سألته كيف تكفن المرأة؟ قال: كما يكفّن الرجل، غير أنّها يشدّ على ثدييها خرقة تضمّ الثدي إلى الصدر، و تشدّ الى ظهرها»(6).

و لئلاّ يبدو حجم الثديين أو يضطربا فتنتشر الأكفان، و لا تنزع هذه الخرقة في القبر.4.

ص: 363


1- في ط زيادة: و الخمار: القناع.
2- الكافي 144:3 ح 6، التهذيب 293:1 ح 856، باختصار في الألفاظ.
3- الكافي 144:3 ح 5، التهذيب 292:1 ح 854.
4- التهذيب 291:1 ح 851.
5- الكافي 146:3 ح 1، التهذيب 324:1 ح 946.
6- الكافي 147:3 ح 2، التهذيب 324:1 ح 944.
السابعة: قال كثير من الأصحاب: تزاد المرأة نمطا ،

السابعة: قال كثير من الأصحاب: تزاد المرأة نمطا(1)، و هو لغة: ضرب من البسط، و لعلّه مراد. أو هو ثوب فيه خطط مأخوذ من الأنماط، و هي: الطرائق.

و ابن إدريس جعله الحبرة، لدلالة الاسمين على الزينة(2).

و المفيد: تزاد المرأة ثوبين، و هما: لفافتان، أو لفافة و نمط(3).

و في النهاية: نهايته خمسة أثواب، و هي: لفافتان، إحداهما: حبرة، و قميص، و إزار، و خرقة. و المرأة تزاد لفافة أخرى و نمطا(4).

و في المبسوط مثل النهاية، ثم قال: و إن كانت امرأة زيدت لفافتين فيكمل لها سبعة(5) فظاهره هنا مشاركة المرأة في الخمسة الأول و زيادتها لفافتين.

و في الخلاف: تزاد المرأة إزارين(6).

و لم يذكر الشيخ في التهذيب ما يدلّ على ذلك غير خبري محمد بن مسلم و سهل بن زياد(7).

و قال الجعفي: الخمسة: لفافتان و قميص، و عمامة، و مئزر. و قال: قد روي سبع: مئزر، و عمامة، و قميصان، و لفافتان، و يمنة، و ليس تعدّ الخرقة التي على فرجه من الكفن. قال: و روي: ليس العمامة من الكفن المفروض.

و قال أبو الصلاح: يكفّنه في: درع، و مئزر، و لفافة، و نمط، و يعممه.

قال: و الأفضل ان يكون الملاّف ثلاثا: إحداهنّ حبرة يمنية، و تجزئ واحدة(8).

و هذا اللفظ يدلّ على اشتراك الرجل و المرأة في النمط و اللفاتف.

و لم يذكر البصروي النمط، و سمّى الإزار الواجب حبرة.

ص: 364


1- راجع: الاقتصاد: 248، المعتبر 285:1، مختلف الشيعة: 45.
2- السرائر: 31.
3- المقنعة: 12.
4- النهاية: 31.
5- المبسوط 176:1.
6- الخلاف 701:1 المسألة: 491.
7- التهذيب 324:1 ح 944، 945.
8- الكافي في الفقه: 237.

و قال علي بن بابويه: ثم اقطع كفنه، تبدأ بالنمط و تبسطه، و تبسط عليه الحبر، و تبسط الإزار على الحبر، و تبسط القميص على الإزار، و تكتب على قميصه، و إزاره و حبرة(1). و ظاهره مساواة الرجل و المرأة.

و ابنه الصدوق لمّا ذكر الثلاث الواجبة، و حكم بأنّ العمامة و الخرقة لا تعدّان من الكفن، قال: من أحبّ أن يزيد زاد لفّافتين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب(2).

و قال في المقنع كقول أبيه بلفظ الخبر(3).

و سلاّر ذكر الحبرة و الخرقة للرجل، ثمّ قال: و يستحبّ أن يزاد للمرأة لفافتين. قال: و أسبغ الكفن سبع قطع، ثم خمس، ثمّ ثلاث(4). و يظهر منه زيادة اللفائف، و مساواة الرجل للمرأة.

و قال ابن أبي عقيل - رحمه اللّه -: الفرض: إزار، و قميص، و لفافة. و السنة ثوبان: عمامة، و خرقة، و جعل الإزار فوق القميص. و قال: السنّة في اللّفافة أن تكون حبرة يمانية، فإن أعوزهم فثوب بياض، و المرأة تكفّن في ثلاثة: درع، و خمار، و لفافة.

و قال ابن البراج في الكامل: يسنّ لفافتان زيادة على الثلاثة المفروضة، إحداهما حبرة يمنية، فإن كان الميت امرأة كانت احدى اللفافتين نمطا، فهذه الخمس هي الكفن، و لا يجوز الزيادة عليها. و يتبع ذلك و إن لم يكن من الكفن:

خرقة و عمامة، و للمرأة خرقة للثديين. قال: و ان لم يوجد حبرة و لا نمط جاز أن يجعل بدل كلّ واحدة منهما إزار.

و نحوه قال في المهذب(5). و صرح بثلاثة أزر أحدها الحبرة، و هو ظاهر ابن1.

ص: 365


1- مختلف الشيعة: 45.
2- الفقيه 92:1.
3- المقنع: 18.
4- المراسم: 47.
5- المهذب 60:1.

زهرة(1) - رحمه اللّه - أيضا.

و ابن الجنيد لم يفرّق بين الرجل و المرأة في ثلاثة أثواب يدرج فيها، أو ثوبين و قميص. قال: و لا بدّ من العمامة، و يستحبّ المئزر و الخمار للإشعار(2).

فظهر أنّ النمط مغاير للحبرة في كلام الأكثر، و أنّ بعض الأصحاب على استحباب لفّافتين فوق الإزار الواجب للرجل و المرأة و ان كانت تسمّى إحداهما نمطا، و ان الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة و العمامة، و السبعة للمرأة غير القناع.

الثامنة: يستحب التكفين في القطن الأبيض

- إلاّ الحبرة - و يكره الكتّان، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس من لباسكم أحسن من البياض، فالبسوه و كفّنوا فيه موتاكم»(3)، رواه جابر عن الباقر (عليه السلام) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله: «البسوا البياض، فإنّه أطهر و أطيب، و كفّنوا فيه موتاكم»(4).

و لما تقدّم في خبر أبي مريم: في ثوبين أبيضين صحاريين(5)، و هما منسوبان الى صحار - بضم الصاد المهملة - و هي: قصبة عمان ممّا يلي الجبل.

و لرواية أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام): «الكتّان كان لبني إسرائيل يكفّنون به، و القطن لأمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله»(6).

و في رواية يعقوب بن يزيد عنه (عليه السلام): «لا يكفّن الميت في

ص: 366


1- الغنية: 501.
2- المعتبر 279:1.
3- الكافي 148:3 ح 3، التهذيب 434:1 ح 1390.
4- الكافي 445:6 ح 1، 2.
5- تقدم في ص 360 الهامش 5.
6- الكافي 149:3 ح 7، الفقيه 89:1 ح 414، التهذيب 434:1 ح 1392، الاستبصار 1: 210 ح 741.

كتّان»(1).

و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «الكفن يكون بردا، فإن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطنا، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريّا»(2). و هو يعطي مغايرة البرد للقطن و أفضليّته عليه، فيحمل على الحبرة، لما سبق من تسميتها بردا، و لعلّه الممتزج بالحرير، هذا مع ضعف السند.

و عن يونس بن يعقوب عن الكاظم (عليه السلام): «كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه، و في عمامة كانت لعلي بن الحسين، و في برد اشتريته بأربعين دينارا و لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار»(3)، و هو يشعر بأفضلية البرد.

قلت: الشطوي - بفتح الشين المعجمة، و فتح الطاء المهملة - منسوب الى شطا قرية بمصر، قاله الجوهري(4).

التاسعة: يكره في السواد ، و كلّ صبغ على الأصحّ،

التاسعة: يكره في السواد(5)، و كلّ صبغ على الأصحّ، و عليه تحمل رواية الحسين بن المختار: «لا يكفّن الميت في السّواد»(6).

و منع ابن البرّاج من المصبوغ، و نقل الكراهية في الأسود. و كذا منع الممتزج بالحرير، و بما فيه أو له طراز من حرير، و من القميص المبتدأ للكفن إذا خيط(7).

و الأقرب الكراهة، للأصل، و لصحة الصلاة فيه، و لخبر الحسن بن راشد في المشبّه بالعصب اليماني - بالعين و الصاد المهملتين، و هو البرد لأنّه يصبغ بالعصب و هو نبت -: «إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس»(8).

ص: 367


1- التهذيب 451:1 ح 1465، الاستبصار 211:1 ح 745.
2- الكافي 149:3 ح 10، التهذيب 296:1 ح 870، الاستبصار 210:1 ح 740.
3- الكافي 149:3 ح 8، التهذيب 434:1 ح 1393، الاستبصار 210:1 ح 742.
4- الصحاح 2392:6.
5- في ط زيادة: بل.
6- الكافي 149:3 ح 11، التهذيب 434:1 ح 1394.
7- المهذب 59:1-60.
8- الكافي 149:3 ح 12، التهذيب 435:1 ح 1396، الاستبصار 211:1 ح 744.

أمّا المذهب، فالظاهر المنع لما ذكر في الحبرة، و قطع بالمنع ابن البراج(1).

و منع ابن الجنيد من التكفين في الوبر(2) إمّا لعدم النقل أو لنقل العدم.

و الظاهر: الجواز إذا صحّت الصلاة فيه، و كذا الشعر و الصوف.

العاشرة: يستحبّ الجريدتان،

و فيهما مباحث.

الأول: في شرعيتهما. و الأصل فيه انّ آدم (عليه السلام) لما هبط من الجنة خلق اللّه من فضل طينه النخلة، فكان يأنس بها في حياته، فأوصى بنية أن يشقّوا منها جريدا بنصفين و يضعوه معه في أكفانه، و فعله الأنبياء بعده عليهم الصلاة و السلام الى أن درس في الجاهلية، فأحياه نبيّنا عليه الصلاة و السلام(3). و اجمع الإمامية على ذلك، و به أخبار كثيرة من طريقي الخاصة و العامة، فمنها:

ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام): «أنّه يتجافى [العذاب] عنه ما دامت رطبة»(4).

و عنه (عليه السلام): «الجريدة تنفع المحسن و المسيء»(5).

و عنه في خبر [الحسن بن] زياد الصيقل: «الجريدة تنفع المؤمن و الكافر»(6).

و روت العامة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «خضّروا موتاكم»(7)، و أسند سفيان الثوري عن الباقر (عليه السلام) ذلك(8).

و في صحاح العامة عن ابن عبّاس: مرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بقبرين،

ص: 368


1- المهذب 60:1.
2- المعتبر 208:1.
3- لاحظ المقنعة: 12، التهذيب 326:1 ح 952، 953.
4- الكافي 153:3 ح 7، التهذيب 327:1 ح 955، و منهما ما أثبتناه بين المعقوفين.
5- المقنعة: 12.
6- الكافي 151:3 ح 1، التهذيب 327:1 ح 954.
7- لم نجده في مصادر أبناء العامة المتوفرة لدينا، و نقله السيد المرتضى في الانتصار: 36 هكذا: روي من طرق معروفة أن سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة الملكي عن التخضير.. خضروا صاحبكم..
8- الكافي 152:3 ح 2، الفقيه 88:1 ح 408.

فقال: «إنّهما ليعذّبان، و ما يعذّبان بكبير، أمّا أحدهما فكان لا يستنزه من البول، و أمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة»، و أخذ جريدة رطبة فشقّها بنصفين و غرز في كلّ قبر واحدة، و قال: «لعلّه يخفّف عنهما ما لم تيبسا»(1).

و روى الأصحاب: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله مرّ على قبر يعذّب صاحبه - و قيل هو قيس بن فهد، أو ابن قمير الأنصاري - فشقّ جريدة بنصفين، فجعل واحدا عند رأسه، و الآخر عند رجليه، و قال: «يخفّف عنه العذاب ما كانا خضراوين»(2).

و في خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): «إنّما الحساب و العذاب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة، قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم، و إنّما جعلت السعفتان لذلك، فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفافها إن شاء اللّه»(3).

قال المرتضى و ابن أبي عقيل: التعجّب من ذلك كتعجّب الملحدة من الطواف و الرمي و تقبيل الحجر، بل من غسل الميت و تكفينه مع سقوط التكليف عنه، و كثير من الشرائع مجهولة العلل(4).

الثاني: في قدرها. و المشهور قدر عظم الذراع.

و في خبر يونس عنهم: «قدر ذراع»(5).

و روى الصدوق: «قدر الذراع أو الشبر»(6).

و في خبر جميل بن دراج: «قدر شبر»(7).7.

ص: 369


1- مسند أحمد 225:1، سنن الدارمي 188:1، صحيح البخاري 124:2، صحيح مسلم 1: 240 ح 292، سنن أبي داود 6:1 ح 20، سنن النسائي 106:4، السنن الكبرى 104:1.
2- الفقيه 88:1 ح 405.
3- الكافي 152:3 ح 4، الفقيه 89:1 ح 410، علل الشرائع 302:1.
4- الاستبصار 36:1.
5- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 306:1 ح 888.
6- الفقيه 87:1 ح 403.
7- الكافي 152:3 ح 5، التهذيب 309:1 ح 897.

و ابن أبي عقيل: قدر أربع أصابع فما فوقها(1).

و الكل جائز، لثبوت الشرعية، مع عدم القاطع على قدر معيّن.

و هل تشقّ أو تكون صحيحة؟ الخبر دلّ على الأول، و العلّة تدلّ على الثاني، و الظاهر جواز الكل. نعم، تعتبر الخضرة قطعا، لخبر محمد بن علي بن عيسى عن الكاظم (عليه السلام): «لا يجوز اليابس»(2).

الثالث: في بدلها. و الأجود أنّه مع التعذّر شجر رطب. و هو اختيار ابن بابويه(3) و الجعفي، و الشيخ في الخلاف(4)، و عليه دلّت مكاتبة علي بن بلال أبا الحسن الثالث (عليه السلام) كما ذكره الصدوق(5) و في التهذيب جعلها مجهولة المكتوب إليه(6).

و السدر أفضله ثم الخلاف، و عكس المفيد(7) و يشهد للطرد خبر سهل بن زياد(8).

و في خبر علي بن إبراهيم: «عود الرّمان»(9).

الرابع: في محلها. و المشهور أنّ إحداهما لاصقة بجلد الجانب(10) الأيمن من ترقوته، و الأخرى من ترقوة جانبه الأيسر بين القميص و الإزار.

اختاره جماعة(11) منهم الصدوق في المقنع(12) و هو في خبر جميل، قال:8.

ص: 370


1- مختلف الشيعة: 44.
2- التهذيب 432:1 ح 1381.
3- الفقيه 88:1 ح 407.
4- الخلاف 704:1 المسألة: 499.
5- الفقيه 88:1 ح 407.
6- الكافي 153:3 ح 11، التهذيب 294:1 ح 860.
7- المقنعة: 11.
8- الكافي 153:3 ح 10.
9- الكافي 154:3 ح 12، التهذيب 294:1 ح 861.
10- في س: الميت.
11- المقنعة: 11، النهاية: 36.
12- المقنع: 18.

«توضع من عند الترقوة الى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن، و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص»(1).

و قال في غيره كما قال والده في الرسالة: إنّ اليسرى عند وركه ما بين القميص و الإزار، و اليمنى كما سبق(2).

و قال الجعفي: إحداهما تحت إبطه الأيمن، و الأخرى نصف مما يلي الساق، و نصف مما يلي الفخذ. و هو في خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(3).

قال المحقّق - رحمه اللّه - في المعتبر: مع هذا الخلاف الجزم بالقدر المشترك، و هو: وضعها مع الميت في كفنه أو قبره كيف شئت(4).

هذا مع إمكان ذلك، و مع تعذّره للتقية توضع حيث يمكن - لخبر سهل بن زياد(5).

و في مكاتبة أحمد بن القاسم الى أبي الحسن الثالث (عليه السلام):

«ليستخف بها، و ليجتهد في ذلك جهده»(6) - و لو في القبر، لخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام)(7). و لو أنسيت أو تركت، فالأولى جواز وضعها على القبر، كما في الخبر النبوي(8).

قال الأصحاب: و توضع مع جميع أموات المسلمين حتى الصغار، لإطلاق الأمر بذلك(9)، قالوا: و يجعل على الجريدتين قطن(10).9.

ص: 371


1- الكافي 152:3 ح 5، التهذيب 309:1 ح 897.
2- الفقيه 91:1، و حكاه عن والده العلامة في مختلف الشيعة: 44.
3- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 306:1 ح 888.
4- المعتبر 288:1.
5- الكافي 153:3 ح 8.
6- التهذيب 448:1 ح 1451.
7- الكافي 153:3 ح 9، التهذيب 328:1 ح 958.
8- الفقيه 88:1 ح 405.
9- راجع: النهاية: 43.
10- راجع: المهذب 61:1، المراسم: 49.
الحادية عشرة: يستحب ان يكتب على الحبرة و اللفافة و القميص و العمامة و الجريدتين:

فلان يشهد ان لا إله إلاّ اللّه، لخبر أبي كهمس: أنّ الصادق (عليه السلام) كتبه على حاشية كفن ولده إسماعيل(1).

و زاد ابن الجنيد: و أنّ محمدا رسول اللّه(2).

و زاد الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف: أسماء النبي و الأئمة(3) و ظاهره في الخلاف دعوى الإجماع عليه.

و العمامة ذكرها الشيخ في المبسوط(4) و ابن البرّاج(5) لعدم تخصيص الخبر.

و لتكن الكتابة بتربة الحسين (عليه السلام)، و مع عدمها بطين و ماء، و مع عدمه بالإصبع. و في العزّية للمفيد: بالتربة أو غيرها من الطين(6). و ابن الجنيد:

بالطّين و الماء(7). و لم يعيّن ابن بابويه ما يكتب به(8). و الظاهر: اشتراط التأثير في الكتابة، لأنّه المعهود.

و يكره بالسواد، قال المفيد: و بغيره من الأصباغ(9).

و لم ينقل استحباب كتابة شيء على الكفن سوى ذلك، فيمكن أن يقال بجوازه قضيّة للأصل، و بالمنع لأنّه تصرّف لم يعلم إباحة الشرع له.

الثانية عشرة: يستحبّ أن يخاط الكفن بخيوطه،

قاله الشيخ في المبسوط(10).

ص: 372


1- التهذيب 289:1 ح 842، 309 ح 898.
2- مختلف الشيعة: 46.
3- النهاية: 32، المبسوط 177:1، الخلاف 706:1 المسألة: 504.
4- المبسوط 177:1.
5- المهذب 61:1.
6- السرائر: 32، مختلف الشيعة: 46.
7- مختلف الشيعة: 46.
8- مختلف الشيعة: 46.
9- المقنعة: 11.
10- المبسوط 177:1.

و الأصحاب(1).

و يكره بلّ الخيوط بالرّيق في المشهور، قال في المعتبر: ذكره الشيخ، و رأيت الأصحاب يجتنبونه، و لا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال، و وقوفا على موضع الوفاق(2). اما بلها بغير الريق، فالظاهر: عدم الكراهية، للأصل، و لإشعار التخصيص بالريق إباحة غيره.

و كذا يكره الأكمام للأكفان المبتدأة، قاله الأصحاب(3) و قد تقدم مأخذه(4).

و يكره أن يقطع الكفن بالحديد، قال الشيخ: سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ، و عليه كان عملهم(5).1.

ص: 373


1- الوسيلة: 66.
2- المعتبر 289:1. و ذكره الشيخ في المبسوط 177:1.
3- المبسوط 177:1، المعتبر 289:1.
4- تقدم في ص 338 الهامش 2.
5- التهذيب 294:1.
خاتمة: في كيفية التكفين.
اشارة

يستحبّ تجفيفه بثوب طاهر بعد فراغ الغسل صونا للكفن. و في خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «إذا فرغت من غسله، ثم جعلته في ثوب، ثم جففته»(1).

و في خبر يونس عنهم (عليهم السلام): «ثم نشفه بثوب طاهر»(2).

و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «يجفّفه بثوب نظيف»(3).

و تقديم تهيئة الأكفان على تغسيله، فيبسط الحبرة و يضع عليها الحنوط، ثم يحنّط الميت، ثم يشد الخامسة و عليها قطن و حنوط، بعد أن يضع بين أليتيه القطن أيضا و عليه الحنوط، كما في خبر يونس(4)، و كذا على قبله، رواه أيضا(5).

و يحشو ما يخاف الخروج منه، و ليكثر في قبل المرأة الى نصف منّ، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(6).

ثمّ يؤزّره بالمئزر، و يستحبّ أن يكون عريضا يغطّي الصدر و الرجلين، لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(7).

ثم ينقله إلى الأكفان، و هو الأفضل، قاله الأصحاب(8) و هو في خبر يونس عنهم (عليهم السلام)، قال: «يحمل فيوضع على قميصه، و يردّ مقدّم القميص

ص: 374


1- الكافي 138:3 ح 1، التهذيب 299:1 ح 874.
2- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 301:1 ح 877.
3- التهذيب 305:1 ح 887.
4- راجع الهامش 2.
5- راجع الهامش 2.
6- راجع الهامش 3.
7- راجع الهامش 3.
8- لاحظ: المبسوط 179:1، النهاية: 35.

عليه»(1) و يجوز ان ينقلها اليه. و ليكن ذلك بعد غسل الغاسل من المسّ، أو بعد وضوءه الذي يجامع الغسل، فإن خيف على الميت فليغسل الغاسل يديه الى المنكبين، كما رواه يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام)(2).

و في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما، و قد سأله: هل يغتسل الغاسل قبل تكفينه؟ فقال (عليه السلام): «يغسل يده من العاتق، ثم يلبسه أكفانه، ثم يغتسل»(3). و فيه دلالة على تأخير الغسل، و يمكن حمله على الضرورة. و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «تغسل يديك الى المرافق، و رجليك الى الركبتين، ثمّ تكفّنه»(4).

و ذهب بعض الأصحاب إلى أنّ البرد لا يلف و لكن يطرح عليه طرحا، فإذا دخل القبر وضع تحت خدّه و تحت جنبه، و هو رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(5)، و الظاهر أنّ المراد به الحبرة.

و قال الصدوق - رحمه اللّه -: و ان شاء لم يجعل الحبر معه حتى يدخله قبره فيلقيه عليه(6).

و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «يبدأ بالقميص ثمّ بالخرقة فوق القميص، ثمّ يشدّ الإزار ثم اللفافة ثم العمامة»(7). و هو مخالف للمشهور: من جعل الخرقة تحت المئزر، و القميص فوقه.

قال الأصحاب - و نقل الشيخ فيه الإجماع: و تطوى اللفّافتان جانبهما الأيسر على جانبه الأيمن، و جانبهما الأيمن على جانبه الأيسر، و يعقد طرفهما ممّا1.

ص: 375


1- الكافي 143:3 ح 1، التهذيب 307:1 ح 888.
2- التهذيب 446:1، ح 1444، الاستبصار 208:1 ح 731.
3- الكافي 160:3 ح 2، التهذيب 428:1 ح 1364.
4- راجع الهامش 2.
5- التهذيب 436:1 ح 1400.
6- الفقيه 92:1.
7- التهذيب 887:305:1.

يلي رأسه و رجليه(1).

قال ابن البراج: يشقّ حاشية الظاهرة منهما و يعقد بها(2).

و يستحبّ الإكثار من الذكر حال تكفينه، و أن يكون في حال تكفينه مستقبل القبلة كما كان في حال غسله.

قال المفيد - رحمه اللّه -: و كلّ ما سقط من شعره أو ظفره يغسل و يجعل معه في كفنه(3).

قلت: روى الكليني بإسناده الى عبد الحميد الفرّاء: أنّ أبا جعفر (عليه السلام) انقلع ضرسه، فحمد اللّه ثم قال: «يا جعفر إذا أنت دفنتني فادفنه معي» ثمّ انقلع آخر فأوصاه بذلك(4).

ثمّ تشدّ الأكفان بشداد خيفة انتشارها عند الحمل، و إن خيطت في مواضع أو عملت بخلال أمكن ذلك، ثمّ تزال الشداد و الخياطة عند الحادة.

و يلحق بذلك فوائد:

الأول قد مرّ أنّ العمامة و الخرقة ليسا من الكفن الواجب،

أو ليستا ممّا يعدّ كفنا.

قال الفاضل - رحمه اللّه -: و تظهر الفائدة لو سرقها سارق لم يقطع، لأنّ القبر حرز للكفن لا غير(5). و هو يتأتّى على التفسير الثاني، و لكن يلزمه مثله في الخرقة.

و الذي يظهر أنّهما بالنسبة إلى النبّاش من الكفن، لشمول الاسم لهما، و الأخبار محمولة على ما قلناه. و لو سلّم كونهما لا يعدّان من الكفن، فهو بالنسبة إلى المهم، أو نظرا الى ما يدرج فيه الميت كما مرّ.

الثانية: لو خرج من الميت نجاسة غسلت عن بدنه مطلقا،

لوجوب ازالة

ص: 376


1- راجع مفتاح الكرامة 454:1.
2- المهذب 62:1.
3- المقنعة: 13، و لم يذكر الغسل.
4- الكافي 262:3 ح 43.
5- تذكرة الفقهاء 43:1.

النجاسة، و عن كفنه، ما لم يوضع في القبر فيقرض، قاله الصدوقان(1) و ابن إدريس(2) لاستبقاء الكفن مع إمكان غسله، و النهي عن إتلاف المال. و أطلق الشيخ قرضها(3) لصحيح الكاهلي عن الصادق (عليه السلام)(4) و مرسل ابن أبي عمير(5) عنه.

قال الصدوق: و إذا قرضت مدّ أحد الثوبين على الآخر(6). قال: و إن خرج منه دم كثير لا ينقطع عولج بالطين الحر فإنّه ينقطع(7).

قلت: لو أفسد الدم معظم الكفن، أو ما يفحش قطعه، فالظاهر وجوب الغسل مطلقا، استبقاء للكفن لامتناع إتلافه على هذا الوجه، و مع التعذّر يسقط للحرج.

الثالثة: لو تعذّر شيء من الواجبات في الغسل و الكفن

- كالحنوط و غيره - سقط، و لا يتدارك بعد الدفن لو وجد. نعم، لو كان قبله فعل.

و لا يكفي وضع الحنوط على النعش. و هل يستحبّ؟ في خبر غياث عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: «انّه ربما كان يجعل الحنوط على النعش»(8). و في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يوضع الحنوط على النعش»(9). و الخبران ضعيفا السند، و إن كان الأخير أقوى في العمل، و المستحبّات أولى بالسقوط عند التعذّر.

الرابعة: في خبر أمّ أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في وصف غسل المرأة:

ص: 377


1- الفقيه 92:1، مختلف الشيعة: 43.
2- السرائر: 33.
3- المبسوط 181:1، النهاية: 43.
4- الكافي 156:3 ح 1، التهذيب 436:1 ح 1405.
5- الكافي 156:3 ح 3، التهذيب 450:1 ح 1458.
6- الفقيه 92:1.
7- الفقيه 98:1.
8- التهذيب 295:1 ح 865، الاستبصار 210:1 ح 739.
9- الكافي 146:3 ح 16، التهذيب 437:1 ح 1408.

«ثمّ وضّئيها بماء فيه سدر»(1) كما مرّ، و لم يذكره الأصحاب، و الطريق ضعيف.

الخامسة: لو كفّنه في قميصه نزع أزراره دون أكمامه،

لمرسل محمد بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(2)، و لأمر أبي جعفر محمد بن بزيع بنزع الأزرار(3).

و في خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «يخرق القميص إذا غسل، و ينزع من رجليه»(4)، و الظاهر أنّ المراد به إذا غسل في قميصه. و هذا يفعله الولي، أو من أذن له شرعا.

السادسة: لا بأس بمسّ الميت عند موته،

و تقبيله بعد غسله و قبله، فقد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عثمان بن مظعون بعد موته، رواه السكوني عن الصادق (عليه السلام)(5)، و قبّل الصادق (عليه السلام) ابنه إسماعيل قبل غسله، رواه إسماعيل بن جابر(6) و قبّله أيضا بعد تكفينه(7).

و روى محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «لا بأس بمسّه و قبلته»(8).

و لا يمنع أهل الميت من رؤيته بعد تكفينه، لما روى جابر قال: لما قتل أبي جعلت أكشف عن وجهه و أبكي، و رسول اللّه لا ينهاني(9) و تقريره صلّى اللّه عليه و آله حجّة.

ص: 378


1- التهذيب 302:1 ح 880، الاستبصار 207:1 ح 728.
2- الفقيه 90:1 ح 418، التهذيب 305:1 ح 886.
3- التهذيب 304:1 ح 885.
4- الكافي 144:3 ح 9، التهذيب 308:1 ح 894.
5- الكافي 161:3 ح 6، الفقيه 98:1 ح 453، التهذيب 430:1 ح 1371، الاستبصار 100:1 ح 327.
6- التهذيب 429:1 ح 1366.
7- الفقيه 98:1 ح 452.
8- الفقيه 87:1 ح 403، التهذيب 430:1 ح 1370، الاستبصار 100:1 ح 326.
9- صحيح البخاري 91:2، صحيح مسلم 1917:4 ح 2471، سنن النسائي 12:4، السنن الكبرى 407:3.

و حمل الشيخ التقبيل على ما كان قبل برده أو بعد غسله(1) فإن أراد به التحرّز من وجوب الغسل فمسلّم، و إن جعله شرطا في جواز القبلة فممنوع.

السابعة: لا فرق بين حنوط الرجل و المرأة،

لأغلبية تساويهما في الأحكام، و لخبر زرارة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): «حنوط الرجل و المرأة سواء»(2).

الثامنة: الكفن من أصل المال

- قبل الدين إجماعا منا - لا من الثلث، و قد روي أنّ حمزة و مصعب بن عمير لم يتركا إلاّ قدر الكفن فكفّنا(3) به و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الذي و قصت به راحلته: «كفّنوه في ثوبيه»(4) و لم يسأل عن ثلثه، و لأنّ الإرث بعد الدين و المئونة قبله، و لخبر ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ثمن الكفن من جميع المال»(5).

و لا فرق بين أن يوصى به أو لا. و ليس الوجوب منحصرا في ساتر العورة.

و المرتهن مقدّم بخلاف غرماء المفلس.

و يجوز تكفينه من الزكاة، لرواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام): «كان أبي يقول: إنّ حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيّا، فوار بدنه و عورته، و جهّزه و كفّنه و حنّطه، و احتسب بذلك من الزكاة»(6). و لو دفعت الزكاة إلى وارثه، و كفّنه هو و جهّزه كان أفضل، لقوله (عليه السلام) في هذا الخبر: «أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهّزونه، فيكونون هم الذين يجهّزونه»(7).

و لو خلّف كفنا، فتبرّع عليه بآخر، ففي هذا الخبر(8) يكفّن بالمتبرع به

ص: 379


1- التهذيب 430:1.
2- التهذيب 436:1 ح 1403، الاستبصار 213:1 ح 750.
3- صحيح البخاري 97:2، السنن الكبرى 14:4.
4- صحيح البخاري 96:2، سنن أبي داود 219:3 ح 3238، السنن الكبرى 392:3.
5- الكافي 23:7 ح 1، الفقيه 143:4 ح 490، التهذيب 437:1 ح 1407.
6- قرب الاسناد: 130، التهذيب 445:1 ح 1440.
7- قرب الاسناد: 130، التهذيب 445:1 ح 1440.
8- قرب الاسناد: 130، التهذيب 445:1 ح 1440.

عليه، و الآخر للورثة لا يقضى منه الدين، لأنّه شيء صار إليه بعد الوفاة فلا يعدّ تركة.

التاسعة: لو تشاحّ الورثة في الكفن اقتصر على الواجب.

و لو تبرّع بعضهم أخذ من نصيبه الندب. و لو كان هناك دين مستوعب منع من الندب، و ان كنا لا نبيع ثياب التجمّل للمفلس لحاجته الى التجمّل، بخلاف الميت فإنّه أحوج إلى براءة ذمته.

و لو أوصى بالندب، فهو من الثلث إلاّ مع الإجازة. و لو اوصى بإسقاطه، فالأقرب: أنّ للوارث الخيار، و قيل: تنفذ وصيته، فإن أريد تحريم الندب على الوارث و على غيره فهو بعيد، و توصية بعض الصحابة بأن يكفّن في ثوبه الخلق و إنفاذ أهله(1) ليس حجّة، و لو سلّم فغير دال على الوجوب، فلو تبرّع بالندب متبرّع من الورثة أو غيرهم لم يمنع.

و حكم الحنوط و مئونة التجهيز حكم الكفن.

و لو قصر الكفن عنه، غطّى رأسه و جعل على رجليه حشيش و شبهه يستره، كما فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله بحمزة أو بمصعب بن عمير لما قتل يوم أحد، فلم يخلّف إلاّ نمرة إذا غطّي بها رأسه بدت رجلاه و بالعكس، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «غطّوا بها رأسه، و اجعلوا على رجليه من الإذخر»(2). و النمرة: بردة صوف يلبسها الأعراب.

و لو كثر الموتى و قلّت الأكفان، قيل: يجعل اثنان و ثلاثة في ثوب واحد(3). قال في المعتبر: و لا بأس به، لخبر أنس(4).

ص: 380


1- السنن الكبرى 399:3.
2- صحيح البخاري 98:2، صحيح مسلم 649:2 ح 940، سنن أبي داود 199:3 ح 3155، السنن الكبرى 7:4، و لاحظ: الكافي 211:3 ح 2، التهذيب 331:1 ح 970.
3- المغني 341:2، الشرح الكبير 340:2.
4- المعتبر 331:1. و خبر أنس في: سنن أبي داود 195:3 ح 3136، السنن الكبرى 10:4.

قلت: روى البخاري و غيره عن جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد(1).

و لو لم يكن له مال فمن بيت المال أو الزكاة، و مع عدمهما يدفن عاريا، و لا يجب على المسلمين كفنه و لا مئونته - قاله جماعة من الأصحاب(2) - بل يستحبّ استحبابا مؤكّدا، لرواية سعيد بن طريف - بالطاء المهملة - عن أبي جعفر (عليه السلام): «من كفّن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته الى يوم القيامة»(3).

العاشرة: كفن الزوجة على زوجها و إن كانت ذات يسار،

أفتى به الأصحاب(4) و نقل فيه الشيخ الإجماع(5) و رواه السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليها (عليه السلام) قال: على الزوج كفن امرأته إذا ماتت»(6)و لبقاء أثر الزوجية و من ثم حلّ تغسيلها و رؤيتها، و لأنّها زوجة لآية الإرث(7)فيجب مئونتها لأنّها من أحكام الزوجية.

فروع:

الأول: الظاهر: أنّ مئونة التجهيز أيضا على الزوج، كالحنوط و غيره من الواجب.

قال في المبسوط: لزم زوجها كفنها و تجهيزها، و لا يلزم ذلك في مالها(8) و كذا

ص: 381


1- صحيح البخاري 114:2، سنن ابن ماجة 485:1 ح 1514، الجامع الصحيح 354:3 ح 1036، سنن النسائي 62:4، السنن الكبرى 34:4.
2- لاحظ: المقنعة: 13، تذكرة الفقهاء 44:1.
3- الكافي 164:3 ح 1، التهذيب 450:1 ح 1461.
4- لاحظ: السرائر: 34، المعتبر 307:1، تذكرة الفقهاء 44:1.
5- الخلاف 708:1-709 المسألة: 510.
6- الفقيه 143:4 ح 491، التهذيب 445:1 ح 1439.
7- سورة النساء: 12.
8- المبسوط 188:1.

ابن إدريس(1) و صرّح به الفاضل في النهاية(2).

الثاني: لو أعسر عن الكفن، بأن لا يفضل شيء عن قوت يوم و ليلة، و ما يستثني في الدين، كفّنت من تركتها، قاله الفاضل(3) لأنّ الإرث بعد الكفن.

و لو ملك البعض أخرج الباقي من تركتها.

الثالث: لا فرق بين الحرّة و الأمة في ذلك، و كذا المطلقة الرجعية. أمّا الناشز فالتعليل بالإنفاق ينفي وجوب الكفن، و إطلاق الخبر يشمله(4)، و كذا المستمتع بها.

الرابع: لو ماتا معا، فالظاهر: سقوط كفنها، لخروجه عن التكليف.

و لو مات بعدها لم يسقط. نعم، لو لم يكن إلاّ واحدا أمكن اختصاصه، لأنّ مئونته مقدّمة في حال الحياة، و اختصاصها، لسبق التعلّق، و هو ضعيف لعدم تعلّقه بالعين. و لو أوصت بالكفن فهو من الثلث، لعدم وجوبه من مالها.

الخامس: لا يلحق واجب النفقة بالزوجة، للأصل، إلاّ العبد، للإجماع عليه، و إن كان مدبّرا، أو مكاتبا مشروطا، أو مطلقا لم يتحرّر منه شيء، أو أمّ ولد. و لو تحرّر منه شيء، فبالنسبة.

الفائدة:

الحادية عشرة: لو وجد الكفن و يئس من الميت عاد ميراثا،

لأنّه مال متروك فيرثه الوارث، للعموم في آي الإرث(5). و لو كان من الزكاة، أو بيت المال، أو متبرع، عاد الى ما كان، لأنّه مشروط ببقائه كفنا و قد زال الشرط، فإن تطوّع به على الورثة فهو عطيّة مستأنفة.

ص: 382


1- السرائر: 34.
2- نهاية الإحكام 248:2.
3- نهاية الإحكام 248:2.
4- تقدم في ص 381 الهامش 6.
5- سورة النساء: 11-12.
الثانية عشرة: روى السكوني عن الصادق (ع)، قال: «قال رسول اللّه (ص): نعم الكفن الحلّة» ،

الثانية عشرة: روى السكوني عن الصادق (ع)، قال: «قال رسول اللّه (ص): نعم الكفن الحلّة»(1)، قال الشيخ في التهذيب:

لا يعمل بهذا الخبر، لعدم جواز الإبريسم(2).

قلت: قال أبو عبيد و الجوهري: الحلّة: إزار و رداء لا يسمّى حتى يكون ثوبين، و قال أبو عبيد: الحلل برود اليمن(3) و ليس في هذا إشعار بأنّها من حرير، لأنّا أجمعنا على استحباب الحبرة، و قد قال أهل اللغة: هي برد يمان، و حلّة الدّية لم يشرط أحد كونها من حرير، فالخبر يمكن العمل بظاهره من غير احتياج إلى تأويل.

الثالثة عشرة: يستحبّ إعداد الكفن في حال الحياة،

لخبر محمد بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «من كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين، و كان مأجورا كلّما نظر إليه»(4).

و يستحبّ إجادته عندنا، لمرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام):

«أجيدوا أكفان موتاكم، فإنّها زينتهم»(5).

و روى يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام): أنّ أباه أوصى بإجادة كفنه، و قال: «إنّ الموتى يتباهون بأكفانهم»(6).

و روى ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «تنوقوا في الأكفان، فإنّكم تبعثون بها»(7). و التنوّق فيها: تطلّب أحسنها و أعجبها.

و لم يثبت عندنا الخبر عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تغالوا بالكفن،

ص: 383


1- التهذيب 437:1 ح 1406، الاستبصار 211:1 ح 743.
2- التهذيب 437:1.
3- الصحاح 1673:4.
4- الكافي 256:3 ح 23، التهذيب 449:1 ح 1452.
5- الكافي 148:3 ح 1، الفقيه 89:1 ح 412.
6- علل الشرائع 301:1، التهذيب 449:1 ح 1453.
7- الفقيه 89:1 ح 411، التهذيب 449:1 ح 1454.

فإنّه يسلب سلبا سريعا»(1) مع معارضته بما في الصحاح عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه»(2) و بما مرّ من حديث الحلّة، و هو من الحسان عند العامة، رواه عبادة بن الصامت عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(3). و لو سلّم حمل على البلوغ في ذلك الى حدّ الإسراف، أو الإجحاف بالوارث.6.

ص: 384


1- سنن أبي داود 199:3 ح 3154، السنن الكبرى 403:3.
2- صحيح مسلم 651:2 ح 943، المستدرك على الصحيحين 369:1، السنن الكبرى 3: 403.
3- سنن ابن ماجة 473:1 ح 1473، سنن أبي داود 199:3 ح 3156.
الحكم الرابع: في الصلاة عليه.
اشارة

و النظر في: الحمل، و المحل، و المصلّي، و الكيفية.

النظر الأول: في الحمل:
اشارة

و هو واجب على الكفاية، و ليس فيه لزوم دنوءة و لا سقوط مروءة، فقد حمل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) جنازة سعد بن معاذ(1) و لم تزل الصحابة و التابعون على ذلك، لما فيه من البرّ و الإكرام للمؤمن.

و هو وظيفة الرجال لا النساء و ان كان الميت امرأة، إلاّ لضرورة.

و الحمل جائز كيف اتفق، الا على أحوال مزرية، أو على هيئة يخاف منها السقوط.

و الجنازة - بالكسر -: الميت على السرير. و الخالي عن الميت: سرير لا غير.

و قيل: الجنازة - بالفتح -: الميت، و بالكسر: السرير. و قيل: هما لغتان.

و أفضله التربيع عندنا، و هو مروي عن أكابر الصحابة، و لأنّه أسهل من الحمل بين العمودين.

قال ابن مسعود: إذا شيع أحدكم جنازة، فليأخذ بجوانب السرير الأربعة، ثم ليتطوع بعد أو ليذر، فإنّه السنّة(2).

و عن الباقر (عليه السلام): «السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع»(3).

و قال الباقر (عليه السلام): «من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر له أربعون كبيرة»(4).

ص: 385


1- المغازي للواقدي 527:2، تلخيص الحبير 140:5.
2- سنن ابن ماجة 474:1 ح 1477، السنن الكبرى 19:4.
3- الكافي 168:3 ح 2، الفقيه 99:1 ح 461، التهذيب 453:1 ح 1476، الاستبصار 1: 216 ح 765.
4- الكافي 174:3 ح 1، الفقيه 99:1 ح 461، التهذيب 454:1 ح 1479.

و عن الصادق (عليه السلام): «من أخذ بقوائم السرير غفر اللّه له خمسا و عشرين كبيرة، و إذا ربّع خرج من الذنوب»(1).

و قال (عليه السلام) لإسحاق بن عمّار: «إذا حملت جوانب سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمّك»(2).

و المراد بالتربيع حملها من جوانبها الأربعة كيف اتفق بأربعة رجال، و أفضله التناوب ليشترك الجميع في الأجر للتعاون. و أفضله أن يكون على هذه الهيئة، و هي ما رواه العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام): «تبدأ في الحمل من الجانب الأيمن، ثمّ تمرّ عليه من خلفه الى الجانب الآخر حتى ترجع الى المقدّم، كذلك دور الرحى»(3).

و عن الفضل بن يونس عن الكاظم (عليه السلام): «ان لم يكن تقية، فالسنّة البدأة باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم بالرجل اليسرى، ثم باليد اليسرى. و في التقيّة يبدأ باليد اليمنى، ثم الرّجل اليمنى ثم يرجع الى اليد اليسرى من قدّام الميت، ثم رجله اليسرى»(4).

قلت: لأن بعضهم لا يرى المشي خلف الجنازة فلذلك يرجع الى مقدّمها، و بعضهم يحمل الأيسر من مقدمها على عاتقة الأيمن ثم يسلمه الى غيره، ثم يأخذ العمود الأيسر من مؤخّرها فيحمله على العاتق الأيمن أيضا، ثم يتقدّم بين يديها و يأخذ العمود الأيمن من مقدّمها و يحمله على عاتقه الأيسر، ثم يأخذ العمود الأيمن من مؤخّرها. و هذا يبطل قولهم بأفضليّة الحمل بين العمودين، لأنّه انما يتأتّى إذا حملت على وجه التربيع.

و يدلّ على جواز الحمل كيف كان مكاتبة الحسين بن سعيد الرضا (عليهظ.

ص: 386


1- الكافي 174:3 ح 2، الفقيه 99:1 ح 462.
2- الفقيه 100:1 ح 463.
3- الكافي 169:3 ح 4، التهذيب 453:1 ح 1474، الاستبصار 216:1 ح 763.
4- الكافي 168:3 ح 3، التهذيب 452:1 ح 1473، باختصار في الألفاظ.

السلام): يسأله عن سرير الميت أ له جانب يبتدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما شاء الرجل؟ فكتب: «من أيّها شاء»(1). و على هذا عمل ابن الجنيد(2).

و الشيخ في الخلاف(3) عمل على خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): باستقبال السرير بشقّه الأيمن، فيحمل الأيسر بكفّه الأيمن، ثم يمرّ عليه الى الجانب الرابع ممّا يلي يسار الحامل(4).

و يمكن حمله على التربيع المشهور، لأنّ الشيخ ادّعى عليه الإجماع(5) و هو في المبسوط و النهاية(6) و باقي الأصحاب على التفسير الأول، فكيف يخالف دعواه؟ و لأنّه قال في الخلاف يدور دور الرحى - كما في الرواية(7) - و هو لا يتصور إلاّ على البدأة بمقدّم السرير الأيمن و الختم بمقدّمه الأيسر، و الإضافة هنا قد تتعاكس، و الراوندي حكى كلام النهاية و الخلاف، و قال: معناهما لا يتغير.

و يستحب تشييع الجنازة، قال علي (عليه السلام): «من تبع جنازة كتب له أربعة قراريط: قيراط لاتّباعها، و قيراط للصلاة عليها، و قيراط للانتظار حتى يفرغ من دفنه، و قيراط للتعزية»، رواه الأصبغ(8).ة.

ص: 387


1- الفقيه 100:1 ح 465، التهذيب 453:1 ح 1477، الاستبصار 216:1 ح 766.
2- مختلف الشيعة: 122.
3- الخلاف 718:1 المسألة: 531.
4- الكافي 168:3 ح 1، التهذيب 453:1 ح 1475، الاستبصار 216:1 ح 764.
5- راجع الهامش 3.
6- المبسوط 183:1، النهاية: 37.
7- راجع الهامش 3.
8- الكافي 173:3 ح 7، الفقيه 98:1 ح 454، التهذيب 455:1 ح 1484.

و عن الباقر (عليه السلام): «من مشى مع جنازة حتى يصلّى عليها ثم رجع كان له قيراط، فإذا مشى معها حتى تدفن فله قيراطان، و القيراط مثل أحد»، و رواه أبو بصير(1).

و قال (عليه السلام): «من شيع جنازة مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات، و لم يقل شيئا إلا قال له الملك: و لك مثل ذلك»، رواه ميسر(2).

و قال الصادق (عليه السلام): «من شيّع جنازة مؤمن حتى تدفن، وكّل اللّه به سبعين ملكا من المشيعين، يشيّعونه و يستغفرون له إذا اخرج من قبره الى الموقف»(3).

و قال (عليه السلام): «أول ما يتحف به المؤمن في قبره أن يغفر لمن شيّع جنازته»، رواه إسحاق بن عمار(4).

و قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذا أدخل المؤمن قبره نودي: الا ان أول حبائك الجنة، و أول حباء من تبعك المغفرة»(5).

و لو دعي إلى وليمة و جنازة قدّم الجنازة، لخبر إسماعيل بن أبي زياد عن الصادق، عن أبيه، عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) معلّلا: «بأن الجنازة تذكّر الآخرة، و الوليمة تذكّر الدنيا»(6).

و يستحبّ أن يقول حامل الجنازة: «بسم اللّه (اللّهم صلّ)(7) على محمد و آل محمد، اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات»، رواه عمار عن الصادق (عليه».

ص: 388


1- الكافي 173:3 ح 5، الفقيه 99:1 ح 455، التهذيب 455:1 ح 1485.
2- الكافي 173:3 ح 6، الفقيه 99:1 ح 456، التهذيب 455:1 ح 1483. و في الجميع: «من تبع».
3- الكافي 173:3 ح 2، الفقيه 99:1 ح 458، أمالي الصدوق: 180.
4- الكافي 173:3 ح 3، الفقيه 99:1 ح 460، الخصال: 24، التهذيب 455:1 ح 1482.
5- الكافي 172:3 ح 1، الفقيه 99:1 ح 461.
6- الفقيه 106:1 ح 493، التهذيب 462:1 ح 1510.
7- في المصدر: «و باللّه و صلى اللّه».

السلام)(1).

و يقول من رآه: «اللّه أكبر، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللّهم زدنا ايمانا و تسليما، الحمد للّه الذي تعزّز بالقدرة، و قهر العباد بالموت»، رواه عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه السلام)(2).

و عن أبي حمزة: كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا رأى جنازة قال:

«الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم»(3). و روي أيضا عن الباقر (عليه السلام)(4).

قلت: السواد: الشخص. و المخترم: الهالك أو المستأصل. و المراد هنا(5)الجنس، و منه قولهم: السواد الأعظم، أي: لم يجعلني من هذا القبيل.

و لا ينافي هذا حبّ لقاء اللّه تعالى لأنّه غير مقيّد بوقت، فيحمل على حال الاحتضار و معاينة ما يحب، كما روينا عن الصادق (عليه السلام)(6) و رووه في الصحاح عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، أنّه قال: «من أحبّ لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه، و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه»، فقيل له (صلّى اللّه عليه و آله) انا لنكره الموت، فقال: «ليس ذلك، و لكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان اللّه و كرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحب لقاء اللّه و أحب اللّه لقاءه، و ان الكافر إذا حضر بشّر بعذاب اللّه، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه، كره لقاء اللّه فكره اللّه لقاءه»(7). و بقية عمر المؤمن نفيسة، كما أشار إليه النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في الصحاح: «لا يتمنّ أحدكم الموت، و لا يدع به من قبل أن يأتيه، انه إذا4.

ص: 389


1- التهذيب 454:1 ح 1478.
2- الكافي 167:3 ح 3، التهذيب 452:1 ح 1471.
3- الكافي 167:3 ح 1، الفقيه 113:1 ح 525، التهذيب 452:1 ح 1472.
4- الكافي 167:3 ح 2.
5- في س زيادة: به.
6- الكافي 134:3 ح 12، معاني الأخبار: 236.
7- سنن الدارمي 312:2، سنن ابن ماجة 1425:2 ح 4264.

مات انقطع عمله، و انه لا يزيد المؤمن عمره إلاّ خيرا»(1)، و قال علي (عليه السلام): «بقية عمر المؤمن لا ثمن لها، يدرك بها ما فات، و يحيى بها ما مات»(2).

و يجوز أن يكنى بالمخترم عن الكافر، لأنه الهالك على الإطلاق بخلاف المؤمن، أو يراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة كما(3) مر و إذا أريد به المستأصل فالجمع أظهر.

و أفضل مشي المشيّع وراءها، لأنّها متبوعة لا تابعة، و لرواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) بإسناده إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب»(4).

أو عن جانبيها، لرواية سدير عن أبي جعفر (عليه السلام): «من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير»(5).

و روى العامة عن علي (عليه السلام) أنّه سمع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول: «فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوّع»(6).

و يجوز أمامها، لرواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «بين يديها، و عن يمينها، و عن شمالها، و من خلفها»(7) و لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها، و لا7.

ص: 390


1- مسند أحمد 316:2، السنن الكبرى 377:3.
2- سجع الحمام في حكم الامام: 147 ح 506 عن كتاب التمثيل و المحاضرة للثعالبي، الدعوات للراوندي: 122 ح 298.
3- تقدم في ص 284 الهامش 7.
4- التهذيب 311:1 ح 901.
5- الكافي 170:3 ح 6.
6- المصنف لعبد الرزاق 447:3 ح 6267، شرح معاني الآثار 482:1، دعائم الإسلام 1: 234، المطالب العالية 205:1 ح 732، 733، مجمع الزوائد 30:3.
7- الكافي 169:3 ح 4، الفقيه 100:1 ح 467.

بأس ان يمشي بين يديها»(1). و عن جابر عن الباقر (عليه السلام): «قيل لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في مشيه خلفها، فقال: ان الملائكة رأيتهم يمشون أمامها و نحن تبع لهم»(2).

و قال ابن أبي عقيل: يجب التأخر خلف جنازة المعادي لذي القربى، لخبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): بمنع المشي أمام جنازة المخالف لاستقبال ملائكة العذاب إياه(3). و ما رواه العامة من رؤية ابن عمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و الأوّلين يمشون أمامها(4) لم يثبت، و لو سلم فهو حكاية حال، فجاز أن يكون لبيان الجواز منه (عليه السلام)، و أمّا فعلهما فليس حجّة بمجرده.

و ابن الجنيد قال: يمشي صاحب الجنازة بين يديها، و القاضون حقه وراءها، و روى الحسين بن عثمان: ان الصادق (عليه السلام) تقدم سرير(5) ابنه إسماعيل بلا حذاء و لا رداء(6).

و كثير من الأصحاب يرى كراهية المشي أمامها(7)، و في النهاية جعل تركه أفضل(8)، و هو الأولى.

و يكره الركوب، لقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في تشييع جنازة أنصاري: «إني لأكره أن أركب و الملائكة يمشون»، رواه عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام)(9). و روى العامة عن ثوبان: خرجنا مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه6.

ص: 391


1- التهذيب 311:1 ح 902.
2- الكافي 169:3 ح 3، التهذيب 311:1 ح 903.
3- التهذيب 312:1 ح 905، و بسند آخر في الكافي 170:3 ح 7، و علل الشرائع: 304.
4- سنن أبي داود 205:3 ح 3179، سنن النسائي 56:4، سنن الدار قطني 70:2، السنن الكبرى 23:4.
5- في م، س: بسرير.
6- الكافي 204:3 ح 5، الفقيه 112:1 ح 524، التهذيب 463:1 ح 1513.
7- لاحظ: المبسوط 183:1، السرائر: 33، الوسيلة: 62.
8- النهاية: 37.
9- الكافي 170:3 ح 2، الفقيه 122:1 ح 588، التهذيب 312:1 ح 906.

و آله) في جنازة فرأى ركبانا، فقال: «الا تستحيون فإن ملائكة اللّه على أقدامهم و أنتم على ظهور الدواب»(1).

و يجوز مع العذر، لخبر غياث عن الصادق (عليه السلام) عن علي: «انه كره الركوب معها في بدأة الاّ من عذر، و قال: يركب إذا رجع»(2). و من ركب يتأكد له التأخير، لما روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «الراكب يمشي خلف الجنازة، و الماشي: خلفها و امامها و عن جانبيها قريبا منها»(3).

و ابن الجنيد قال: لا يركب فيها صاحب الجنازة، و لا اهله، و لا إخوان الميت.

و هنا مسائل.
الأولى: يستحب للمشيّع ان يحضر قلبه التفكر في مآله،

و التخشّع و الاتّعاظ بالموت.

و يكره له الضحك و اللّهو، لما روي ان النبي أو عليا صلّى اللّه عليهما شيّع جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال: «كأن الموت فيها على غيرنا كتب»(4).. الحديث.

و رفع الصوت، لنهي النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ان تتبع الجنازة بصوت(5).

و قال علي بن بابويه: إياك أن تقول ارفقوا به، أو ترحّموا عليه، أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك(6).

ص: 392


1- سنن ابن ماجة 475:1 ح 1480، الجامع الصحيح 333:3 ح 1012، المستدرك على الصحيحين 356:1، السنن الكبرى 23:4.
2- التهذيب 464:1 ح 1518.
3- سنن أبي داود 205:3 ح 3180، سنن النسائي 56:4، المستدرك على الصحيحين 355:1، السنن الكبرى 24:4.
4- نهج البلاغة: 490 الحكمة 122.
5- مسند أحمد 92:2، سنن ابن ماجة 504:1 ح 1583، السنن الكبرى 74:4.
6- المعتبر 294:1، تذكرة الفقهاء 48:1.

قال المحقّق: و به رواية نادرة، و لا بأس بمتابعته تفصيا من المكروه(1).

قلت: روى السكوني عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء، و الذي يقول قفوا، و الذي يقول استغفروا له غفر اللّه لكم»(2).

و منه يعلم كراهية مشي غير صاحب الجنازة بغير رداء، و يظهر من ابن حمزة تحريمه(3). اما صاحب الجنازة، فيخلعه ليتميز عن غيره، لما مرّ، و لخبر ابن أبي عمير المرسل عن الصادق (عليه السلام)(4) و خبر أبي بصير عنه (عليه السلام)(5).

و ذكره الجعفي، و ابن حمزة(6) و الفاضلان(7).

و ذكر ابن الجنيد أيضا التمييز - بطرح بعض زيّه بإرسال طرف العمامة، أو أخذ مئزر من فوقها - على الأب و الأخ، و لا يجوز على غيرهما. و ابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز(8) فكأنّه يخصّ النهي(9) في غير الأب و الأخ بهذا النوع من الامتياز.

و أنكر ابن إدريس الامتياز بهذين، لعدم الدليل عليهما، و زعم أنّه من خصوصيات الشيخ(10). و ردّه الفاضلان بأحاديث الامتياز(11). و لعلّه إنّما أنكر هذا3.

ص: 393


1- المعتبر 294:1.
2- التهذيب 462:1 ح 1507.
3- الوسيلة: 69.
4- الكافي 204:3 ح 6، التهذيب 463:1 ح 1514.
5- الكافي 204:3 ح 8، الفقيه 110:1 ح 509، علل الشرائع 307:1، التهذيب 463:1 ح 1515.
6- الوسيلة: 69.
7- المعتبر 342:1، مختلف الشيعة: 123.
8- الوسيلة: 69.
9- في س، ط: التمييز.
10- السرائر: 34. و لاحظ المبسوط 189:1.
11- المعتبر 342:1، مختلف الشيعة: 123.

النوع من الامتياز و ظاهر أنّ الأخبار لا تتناوله، ثم لم نقف على دليل الشيخ عليه، و لا على اختصاص الأب و الأخ.

و قال أبو الصلاح: يتحفّى، و يحلّ أزراره في جنازة أبيه و جدّه خاصة(1) و يردّه ما تقدم.

فرع:

قال في التذكرة: يكره مسّ الجنازة بالأيدي و الأكمام، لأنّه لا يؤمن معه فساد الميت(2).

الثانية: نقل الشيخ الإجماع على كراهية الإسراع بالجنازة

الثانية: نقل الشيخ الإجماع على كراهية الإسراع بالجنازة(3) لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «عليكم بالقصد في جنائزكم»(4) لما رأى جنازة تمخض مخضا، و قال ابن عباس في جنازة ميمونة: ارفقوا فإنّها أمكم(5). و لو خيف على الميت فالإسراع أولى.

قال المحقّق: أراد الشيخ كراهية ما زاد على المعتاد(6).

و قال الجعفي: السعي بها أفضل: و قال ابن الجنيد: يمشي بها خببا(7).

قلت: السعي: العدو، و الخبب ضرب منه، فهما دالاّن على السرعة.

و روى الصدوق عن الصادق (عليه السلام): «إنّ الميت إذا كان من أهل الجنة نادى: عجلوا بي، و إن كان من أهل النار نادى: ردّوني»(8).

الثالثة: يستحبّ حمل النساء في النعش، للستر.

ص: 394


1- الكافي في الفقه: 238.
2- تذكرة الفقهاء 48:1.
3- الخلاف 718:1 المسألة: 532.
4- مسند أحمد 406:4، السنن الكبرى 22:4.
5- السنن الكبرى 22:4.
6- المعتبر 333:1.
7- مختلف الشيعة: 121.
8- الفقيه 123:1 ح 592.

و عن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام): «أوّل من جعل له النعش فاطمة بنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»(1).

و عن الحذّاء عن الصادق (عليه السلام): أنّه أوّل نعش أحدث في الإسلام، اتخذته لها أسماء - كما رأت بالحبشة - أخذت جرائد فشدّت على قوائمه، ثم جلّلته ثوبا(2).

قال ابن الجنيد - بعد ذكر النعش للنساء -: و لا بأس بحمل الصبي على أيدي الرجال، و الجنازة على ظهور الدواب.

قلت: النعش - لغة -: السرير عليه الميت، أو السرير. و هنا يراد: المظلّل عليه.

الرابعة: يكره الاتباع بنار،

إجماعا، و هو مروي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(3).

و عن الصادق (عليه السلام): «إنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) نهى ان تتبع بمجمرة» رواه السكوني(4). و رواه الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(5).

و لو كان ليلا جاز المصباح، لقول الصادق (عليه السلام): «إنّ ابنة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أخرجت ليلا و معها مصابيح»(6).

الخامسة: يكره اتباع النساء الجنازة،

لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله):

«ارجعن مأزورات غير مأجورات»(7) و لقول أم عطية: نهينا عن اتباع الجنازة(8)

ص: 395


1- الفقيه 124:1 ح 597، التهذيب 469:1 ح 1539.
2- التهذيب 469:1 ح 1540.
3- مسند احمد 427:2، سنن أبي داود 203:3 ح 3171، المصنف لابن شيبة 272:3.
4- الكافي 147:3 ح 4، التهذيب 295:1 ح 864، الاستبصار 209:1 ح 736.
5- الكافي 143:3 ح 4. التهذيب 307:1 ح 890.
6- الفقيه 100:1 ح 466.
7- سنن ابن ماجة 502:1 ح 1578، مسند أبي يعلى 109:7 ح 4056، تاريخ بغداد 102:9، السنن الكبرى 77:4.
8- صحيح مسلم 646:2 ح 938، سنن ابن ماجة: 502:1 ح 1577، سنن أبي داود 3167:202:3.

و لأنّه تبرّج.

السادسة: لا يستحبّ القيام لمن مرّت عليه الجنازة،

لقول علي (عليه السلام): «قام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، ثم قعد»(1) و لخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): أنّه لم يقم، فقيل له: إنّ الحسين (عليه السلام) فعل ذلك. فقال (عليه السلام): «و اللّه ما فعله الحسين، و لا أحد منّا»، فتشكّك القائل(2).

نعم، لو كان الميت كافرا جاز القيام، لخبر مثنّى الحناط عن الصادق (عليه السلام): «كان الحسين جالسا، فمرّت به جنازة فقام الناس، فقال (عليه السلام): مرّت جنازة يهودي، و كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) جالسا فكره أن تعلو رأسه»(3).

و قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»(4) منسوخ.

السابعة: اختلف الأصحاب في كراهة جلوس المشيّع قبل الوضع في اللّحد:

فجوّزه في الخلاف(5)، و نفى عنه البأس ابن الجنيد(6) للأصل، و لرواية عبادة بن الصامت: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللّحد، فقال اليهودي: إنّا لنفعل ذلك، فجلس و قال:

«خالفوهم»(7).

ص: 396


1- الموطأ: 232، مسند أحمد 82:1، صحيح مسلم 662:2 ح 962، سنن أبي داود 204:3 ح 3175، الجامع الصحيح 361:3 ح 1044، سنن النسائي 77:4.
2- الكافي 191:3 ح 1، التهذيب 456:1 ح 1486.
3- الكافي 192:3 ح 2، التهذيب 456:1 ح 1487.
4- صحيح مسلم 660:2 ح 959، سنن ابن ماجة: 492:1 ح 1543، سنن أبي داود 203:3 ح 3172.
5- الخلاف 719:1 المسألة: 534.
6- مختلف الشيعة: 122.
7- سنن ابن ماجة: 493:1 ح 1545، سنن أبي داود 204:3 ح 3176، الجامع الصحيح 3: 340 ح 1020.

و كرهه ابن أبي عقيل(1) و ابن حمزة(2) و الفاضلان(3). و هو الأقرب، لصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ينبغي لمن شيّع جنازة أن لا يجلس حتّى يوضع في لحده»(4). و الحديث حجّة لنا، لأنّ (كان) تدلّ على الدوام، و الجلوس لمجرّد إظهار المخالفة، و لأنّ الفعل لا عموم له فجاز وقوع الجلوس تلك المرّة خاصة، و لأنّ القول أقوى من الفعل عند التعارض، و الأصل يخالف للدليل.

الثامنة: لا يمنع من الاتّباع كون المنكر مع الجنازة،

لأنّ عطاء لما رجع لسماع صارخة، قال الباقر (عليه السلام) لزرارة: «امض بنا، لو أنّا إذا رأينا شيئا من الباطل تركنا الحق، لم نقض حقّ مسلم»(5).

التاسعة: قال الشيخ و جماعة من الأصحاب: يكره حمل ميتين على سرير،

رجلين كانا أو امرأتين، أو رجلا و امرأة حتى قال في النهاية: لا يجوز و هو بدعة(6)، و كذا ابن إدريس، هذا مع الاختيار(7)، و ممن صرّح بالكراهية ابن حمزة(8). و قال الجعفي: لا يحمل ميتان على نعش واحد.

و الذي في مكاتبة الصفار إلى أبي محمد العسكري: و سأله عن جواز حمل ميتين على سرير، و الصلاة عليهما و إن كان الميتان رجلا و امرأة مع الحاجة أو كثرة الناس: «لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد»(9). و هو أخصّ من الدعوى، و ظاهره عدم جوازه مع الحاجة.

ص: 397


1- المعتبر 334:1.
2- الوسيلة: 69.
3- المعتبر 334:1، مختلف الشيعة: 122.
4- التهذيب 462:1 ح 1509.
5- الكافي 171:3 ح 3، التهذيب 454:1 ح 1481، باختصار في الألفاظ.
6- النهاية: 44. و لاحظ: المعتبر 305:1، تذكرة الفقهاء 54:1.
7- السرائر: 34.
8- الوسيلة: 62.
9- التهذيب 454:1 ح 1480.
العاشرة: قال ابن الجنيد: من صلّى على جنازة لم يبرح حتى تدفن،

أو يأذن أهله في الانصراف، إلاّ من ضرورة، لرواية الكليني بإسناده الى من رفعه عن الصادق (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): أميران و ليسا بأميرين، ليس لمن شيع جنازة أن يرجع حتى تدفن أو يؤذن له، و رجل يحجّ مع امرأة ليس له أن ينفر حتى تقضي نسكها(1).

و في رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) لمّا قال له وليّ الجنازة: ارجع مأجورا. و قال له زرارة: قد اذن لك في الرجوع. قال (عليه السلام): «ليس بإذنه جئنا، و لا بإذنه نرجع، إنّما هو فضل و أجر طلبناه، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك»(2).

و ليس بينهما منافاة، و كلام زرارة يدلّ على أنّ الإذن مؤثّر، و الظاهر أنّ المراد به الاستحباب قضيّة للأصل، و لندب الحضور في أصله فيستصحب(3).

الحادية عشرة: يجب التغسيل، ثم الكفن، ثم الصلاة، ثم الدفن،

تأسّيا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)، و لقول الصادق (عليه السلام) في رواية عمار: «لا يصلّى على الميت بعد ما يدفن، و لا يصلّى عليه و هو عريان»(4).

فإن لم يكن كفن، و أمكن ستره بثوب، صلّي عليه قبل الوضع في اللّحد و إلاّ فبعده. و يستر عورته بما أمكن، و لو باللبن و الحجر، لما رواه عمار عن الصادق (عليه السلام) في ميت وجده قوم عريانا لفظه البحر، و ليس معهم فضل ثوب يكفّنونه به، قال: «يحفر له، و يوضع في لحده، و تستر عورته باللبن و الحجر، ثم يصلّى عليه، ثم يدفن»(5).

اما الشهيد فالصلاة عليه بلا غسل و لا كفن، إلاّ أن يجرّد كما مرّ.

ص: 398


1- الكافي 171:3 ح 2، الخصال: 49، المقنع: 19.
2- الكافي 171:3 ح 3، التهذيب 454:1 ح 1481.
3- في س: فيستحب.
4- الكافي 214:3 ح 4، التهذيب 179:3 ح 406.
5- الكافي 214:3 ح 4، الفقيه 104:1 ح 182، التهذيب 179:3 ح 406.
النظر الثاني: في المحل. و هو الميت المسلم،
اشارة

و حكمه، الحاضر، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فيما رواه سعيد بن غزوان عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه: «انّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: صلّوا على المرجوم من أمتي، و على القتّال نفسه من أمتي، لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة»(1).

و لقوله (صلّى اللّه عليه و آله): «صلّوا على كلّ برّ و فاجر»(2).

و لقوله (صلّى اللّه عليه و آله): «صلّوا على من قال لا إله إلاّ اللّه»(3).

و لخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «لما مات آدم، قال هبة اللّه لجبرئيل: تقدم يا رسول اللّه فصلّ على نبيّ اللّه. فقال جبرئيل: انّ اللّه أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده، و أنت من أبرّهم. فتقدّم، فكبّر عليه خمسا عدّة الصلاة التي فرضها اللّه على أمة محمّد (صلّى اللّه عليه و آله)، و هي السنّة الجارية إلى يوم القيامة»(4).

و روى العامة: «انّ الملائكة صلّت على آدم، و قالت لولده: هذه سنة موتاكم»(5).

و احترزنا بالميت عن أبعاضه، فلا صلاة على بعض غير الصدر و القلب، لما مرّ في خبر الفضل بن عثمان(6)، و في مرفوع: «المقتول إذا قطّع أعضاء يصلى على العضو الذي فيه القلب»(7). اما عظام الميت فيصلّى عليها، لما مرّ في أكيل

ص: 399


1- رواه الصدوق في الفقيه 103:1 ح 480 مرسلا، و الطوسي في التهذيب 328:3 ح 1026 بسنده عن محمد بن سعيد عن عزوان عن السكوني، و في الاستبصار 468:1 ح 1810 بسنده عن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني، و هو الصحيح. راجع: جامع الرواة: 117:2، معجم رجال الحديث 110:16.
2- سنن الدار قطني 57:2.
3- سنن الدار قطني: 56:2، حلية الأولياء 320:10.
4- الفقيه 100:1 ح 468، التهذيب 330:3 ح 1033.
5- سنن الدار قطني 71:2، المستدرك على الصحيحين 345:1.
6- تقدم في ص 316 الهامش 6.
7- المعتبر 317:1 عن جامع البزنطي.

السبع عن الكاظم (عليه السلام)(1).

و لا يصلى على العضو التام في الأشهر. و روي عن عبد اللّه بن المغيرة، انّه قال: بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه يصلّى على كل عضو رجلا أو يدا أو الرأس، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصلّ عليه(2). و عن محمد بن خالد، عمّن ذكره، عن الصادق (عليه السلام): «إن وجد له عضو تام صلّي على ذلك العضو، فإن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه»(3). و هذان مطّرحان، مع إرسالهما.

و خبر إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السلام): «إنّ عليّا وجد قطعا من ميت، فجمعت ثمّ صلّى عليها»(4) محمول على ما فيه الصّدر. و صلاة أهل مكة على يد عبد الرّحمن ممنوعة، لأنّ البلاذري روى أنّ اليد ألقيت باليمامة(5)، و فعل أهل اليمامة ليس بحجّة. سلّمنا، لكن لم يبق بمكة من يعتدّ بفعله من الصحابة لخروجهم مع علي (عليه السلام)، أو أنّ من صلّى كان يرى الصلاة على الغائب و سنبطله.

أمّا العضو غير التام فالقطع فيه بعدم الصلاة مطلقا عندنا. و بالغ بعض العامة فاحتمل الصلاة على الشعرة مع علم موته(6).

فرع

إذا صلّي على الصدر، أو قلنا بالصلاة على العضو التام، فالشرط فيه موت5.

ص: 400


1- تقدم في ص 316 الهامش 7.
2- المعتبر 317:1.
3- الكافي 212:3 ح 3.
4- الفقيه 104:1 ح 483، التهذيب 337:1 ح 986.
5- راجع الام 268:1، أسد الغابة 308:3، تلخيص الحبير 274:5. و قد تقدمت في ص 317 الهامش 1.
6- انظر المحلى 138:5.

صاحبه إجماعا. و هل ينوي الصلاة عليه خاصة، أو على الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة إذ لا صلاة على الغائب، فلو وجد الباقي وجبت الصلاة على ما لم يصلّ عليه.

و احترزنا بالمسلم عن الكافر فلا يصلّى عليه، لقوله تعالى وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (1). و لا فرق بين الأصلي و المرتد، و الذمي و الحربي، للعموم. و لو اشتبه المسلم بالكافر، فالأقرب: الصلاة على الجميع بنية الصلاة على المسلمين، لتوقّف الواجب عليه.

و روى حمّاد بن يحيى عن الصادق (عليه السلام): «أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذكر - أي صغيرة - و قال: لا يكون إلاّ في كرام الناس»(2) و أورده الشيخ في الخلاف و المبسوط عن علي (عليه السلام)(3).

فحينئذ يمكن العمل به في الصلاة في كلّ مشتبه، لعدم تعقّل معنى في اختصاص الشهيد.

و في المبسوط أورد الرواية في اشتباه قتلى المسلمين بالمشركين، و بنى عليها الصلاة، ثم قوّى ما قلناه أولا، و احتاط بان يصلّى على كلّ واحد واحد بشرط إسلامه(4).

قال في المعتبر: و لو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا(5). و هذا فيه طرح للرواية لضعفها، و الصلاة على الجميع حينئذ بطريق الأولى.

و لو وجد ميت لا يعلم إسلامه الحق بالدار، إلاّ أن يغلب الظن على إسلامه في دار الكفر، لقوة العلامة، فيصلّى عليه.1.

ص: 401


1- سورة التوبة: 84.
2- التهذيب 172:6 ح 336.
3- الخلاف 716:1 المسألة: 528، المبسوط 182:1.
4- المبسوط 182:1.
5- المعتبر 315:1.

أمّا القرعة فاستعمالها في هذين ضعيف، لأنّ محلّها الإشكال في مواضع مخصوصة. و لو أطردت القرعة، لجنح إليها فيما اختلف فيه من الأحكام، فيستغني عن الاجتهاد فقهاء الإسلام.

و المراد بالمسلم من أظهر الشهادتين، و لم يجحد ما علم ثبوته من الدّين ضرورة. فيصلّي على غير الناصب و الغالي، للعموم السالف، و لخبر طلحة بن زيد، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه: «صلّ على من مات من أهل القبلة، و حسابه على اللّه»(1).

و قال ابن الجنيد: يصلّى على سائر أهل القبلة، ممّن لم يخرج منها بقول و فعل.

و قال أبو الصلاح: لا تجوز الصلاة على المخالف: بجبر، أو تشبيه، أو اعتزال، أو خارجية، أو إنكار امامة، إلاّ لتقية. فإن فعل لعنه بعد الرابعة(2).

و قال المفيد - رحمه اللّه -: و لا يجوز أن يغسّل مخالفا للحق في الولاء، و لا يصلّي عليه، إلاّ أن تدعوه ضرورة الى ذلك من جهة التقيّة، فيلعنه في صلاته(3)مع أنّه جوّز الصلاة على المستضعف(4).

و شرط سلاّر في الغسل اعتقاد الميت للحق(5) و يلزمه ذلك في الصلاة.

و ابن إدريس قال: لا تجب الصلاة إلاّ على المعتقد للحق، و من بحكمه كابن ست أو المستضعف، محتجّا بكفر غير المحق(6).

و الشيخ و ابن البراج لم يصرّحا بغير لعنة الناصب(7) لكن قال في باب الصلاة1.

ص: 402


1- أمالي الصدوق: 180، التهذيب 328:3 ح 1205، الاستبصار 468:1 ح 1809.
2- الكافي في الفقه: 157.
3- المقنعة: 13.
4- المقنعة: 38.
5- المراسم: 45.
6- السرائر: 80.
7- المبسوط 185:1، المهذب 131:1.

من المبسوط: لا يصلّى على الباغي لكفره(1). و كذا في قتال أهل البغي من المبسوط(2) و أمّا في هذا الباب من الخلاف فأوجب الصلاة على الباغي، محتجّا بالعمومات(3).

و نقل ابن إدريس عن الشيخ إيجاب الصلاة على أهل القبلة(4).

فرع:

الصلاة على ولد الزنا تابعة لإسلامه، و من ثم منعه ابن إدريس بناء على كفره عنده(5). و الشيخ في الخلاف أوجبها عليه، محتجّا بالإجماع - إلاّ من قتادة - و العمومات(6). و يشكل قبل بلوغه إذ لا لحاق له بأحد الأبوين، و يمكن تبعيّة الإسلام هنا للغة كالتحريم، و يؤيد الإسلام تبعية الفطرة.

و اما النفساء المسلمة فالصلاة عليها بالإجماع، الا من الحسن البصري(7).

و المراد ب (حكم المسلم): الطفل الذي كمل ست سنين في الأشهر. ذكره:

الشيخ(8) و ابن البراج(9) و ابن زهرة(10) و ابن حمزة(11) و سلار(12) و البصروي،0.

ص: 403


1- المبسوط 182:1.
2- المبسوط 278:7.
3- الخلاف 344:5 المسألة: 13.
4- السرائر: 80.
5- السرائر: 81.
6- الخلاف 714:1 المسألة: 522.
7- المغني 203:2، عمدة القارئ 136:8.
8- النهاية: 143.
9- المهذب 128:1.
10- الغنية: 502.
11- الوسيلة: 118.
12- المراسم: 80.

و المتأخرون(1) و نقل المرتضى فيه الإجماع(2).

و المفيد: حدها بان يعقل الصلاة(3).

و قال الجعفي لا يصلّى على صبي حتى يعقل.

و أسقطها ابن أبي عقيل ما لم يبلغ(4).

و أوجبها ابن الجنيد على المستهل(5).

و قال الصدوق: لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة، ذكره في المقنع(6)و روى الست في الفقيه عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)(7).

و لم يتعرّض أبو الصلاح لغير كيفيّة الدعاء في الطفل(8).

لنا: حسن زرارة عن الصادق (عليه السلام)، قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا كان ابن ست سنين»(9) و لأنه ليس من أهل الصلاة لو نقص عن الست، و لأن الصلاة استغفار للميت و شفاعة له، و من لا يخاطب بالصلاة لا يتحقق فيه المعنى، و نبه عليه رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «إذا عقل الصلاة صلّ عليه»(10).

قال هشام: قلت للصادق (عليه السلام): قالوا لو توقّفت الصلاة على الصلاة لم يصل على الميت بعد إسلامه بلا فصل. فقال (عليه السلام): «إنّما يجب8.

ص: 404


1- المعتبر 343:2.
2- الانتصار: 59.
3- المقنعة: 38.
4- مختلف الشيعة: 119.
5- مختلف الشيعة: 119.
6- المقنع: 21.
7- الفقيه 104:1 ح 486، 488.
8- لاحظ: الكافي في الفقه: 157.
9- الكافي 206:3 ح 2، الفقيه 104:1 ح 486، التهذيب 198:3 ح 456، الاستبصار 1: 479 ح 1855.
10- قرب الاسناد: 99، التهذيب 199:3 ح 458.

ان يصلّى على من وجبت عليه الصلاة و الحدّ، و لا يصلّى على من لم تجب عليه الصلاة و لا الحدّ»(1). و فيه اشعار بمذهب ابن أبي عقيل، إلاّ ان يريد بالوجوب هنا ما لا بدّ منه، فيكون شاملا(2) لتأكد الاستحباب.

و يشهد له أيضا خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «إنّما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم»(3). و يمكن ان يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي، و التمرين خطاب شرعي.

و عن زرارة: لما صلّى الباقر (عليه السلام) على ابن ابنه عبد اللّه و كان فطيما دارجا، قال: «انه لم يكن يصلّى على الأطفال، إنّما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بهم فيدفنون، و انما صلّيت عليهم من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا: لا يصلون على أطفالهم»(4). و هذا مطلق فيقيّد بما دون الست، و ذكر الصدوق انّ الطفل كان عمره ثلاث سنين(5).

و حجّة ابن الجنيد بصحيح عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام):

«لا يصلّى على المنفوس، و هو المولود الذي لم يستهلّ، و إذا استهل فصلّ عليه و ورّثه»(6).

و خبر السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام): «يورث الصبي و يصلّى عليه إذا سقط من بطن امّه فاستهلّ صارخا، و إذا لم يستهلّ صارخا لم يورث و لم يصل عليه»(7).

و في مرسلة أحمد بن محمد عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) في الصلاة5.

ص: 405


1- الكافي 209:3 ح 8، التهذيب 332:3 ح 1039.
2- في س: مثالا.
3- التهذيب 199:3 ح 460، الاستبصار 480:1 ح 1858.
4- الكافي 206:3 ح 3، التهذيب 198:3 ح 457، الاستبصار 479:1 ح 1856.
5- الفقيه 105:1 ح 487.
6- التهذيب 199:3 ح 459، الاستبصار 480:1 ح 1857.
7- التهذيب 331:3 ح 1035.

على الصبي: «يصلى عليه على كل حال، الا ان يسقط لغير تمام»(1).

و حملها الشيخ على التقية أو الندب، جمعا بين الأخبار(2).

و في النهاية: يصلّى على من نقص عن ست استحبابا و تقية(3).

فرع:

لقيط دار الإسلام لو مات طفلا، فبحكم المسلم تغليبا للدار. و كذا لقيط دار الحرب إذا كان فيها مسلم، تغليبا للإسلام. و كذا المجنون المتولد من مسلم، أو كان أحد اللقيطين. و اما الأخرس، فاسلامه حقيقي بالإشارة إذا كان يعقل.

و احترزنا بالحاضر عن الغائب، و هو: من لم يشاهده المصلي حقيقة و لا حكما، أو من كان بعيدا بما لم تجر العادة به.

أمّا الأول، فلأنّه لو جاز لصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله في الأمصار و على من مات بعده من الصحابة، و لو وقع ذلك لاشتهر، و لأنّ استقبال القبلة بالميت شرط.

قالوا: صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله على النجاشي(4).

قلنا: قيل ان الأرض. زويت له، أو محمولة على الدعاء كما يأتي.

و في الخلاف و المبسوط استدل على المنع بعدم دليل الثبوت، و لم يذكر خبرا و لا إجماعا(5).

و أما البعد بما لم تجر العادة به، فلأنّه كالغائب، و لان عمل الناس على القرب في جميع الأعصار. و قيل: يستحب أن يتباعد عنها يسيرا.1.

ص: 406


1- التهذيب 331:3 ح 1036، الاستبصار 480:1 ح 1859.
2- التهذيب 331:3، الإستبصار 480:1.
3- النهاية: 143.
4- صحيح البخاري 111:2، سنن ابن ماجة 490:1 ح 1534، سنن أبي داود 212:3 ح 3204، سنن النسائي 72:4.
5- الخلاف 731:1 المسألة: 563، المبسوط 185:1.

و اعتبرنا الحقيقة و الحكم، لتدخل فيه الصلاة على القبر في أشهر الخبرين، فإنه و ان لم يكن مشاهدا حقيقة فهو في حكم المشاهد، لصحيح هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن»(1).

و عن مالك مولى الجهم عنه (عليه السلام): «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن، فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن»(2). و الخبران يشملان من صلّي عليه، و من لم يصل عليه.

و عن عمرو بن جميع عن الصادق (عليه السلام): «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا فاتته الصلاة على الميت صلّى على القبر»(3). و روي: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى على قبر مسكينة دفنت ليلا(4). و هذان ظاهران فيمن صلّي عليه.

و بإزاء هذه الأخبار:

خبر يونس بن ظبيان، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى عليه»(5).

و خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) في ميت صلّي عليه و هو مقلوب رجلاه الى موضع رأسه، قال: «يسوّى و تعاد الصلاة ما لم يدفن، فان دفن فقد مضت الصلاة، و لا يصلّي عليه و هو مدفون»(6).

و روى عمار أيضا عنه: «لا يصلى على الميت بعد ما يدفن»(7).

و روي ذلك عن رجل من أهل الجزيرة عن الرضا (عليه السلام) في الصلاة2.

ص: 407


1- التهذيب 467:1 ح 1530، الاستبصار 482:1 ح 1866.
2- الفقيه 103:1 ح 475، التهذيب 201:3 ح 467.
3- الفقيه 103:1 ح 476، التهذيب 467:1 ح 1531، الاستبصار 482:1 ح 1868.
4- السنن الكبرى 48:4.
5- المقنع: 21، التهذيب 461:1 ح 1504، الاستبصار 482:1 ح 1869.
6- الكافي 174:3 ح 2، التهذيب 201:3، 470، الاستبصار 482:1 ح 1870.
7- الكافي 214:3 ح 4، التهذيب 179:3 ح 406، 327 ح 1022.

على المدفون، قال: «لا، و لو جاز ذلك لجاز لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(1).

و هو شامل لنفي الصلاة على القبر، و نفيها على الغائب.

و روى جعفر بن عيسى: ان الصادق (عليه السلام) قال له حين أخبره بموت عبد اللّه بن أعين بمكة: «انطلق بنا الى قبره حتى نصلي عليه». فقلت:

نعم. فقال: «لا، و لكن نصلي عليه هاهنا» فرفع يديه يدعو و اجتهد في الدعاء و ترحم عليه(2). و هذا يحتمل أن يريد بالصلاة الأولى حقيقتها، فتكون من قبيل الأخبار الأول، و ان يريد بها الدعاء المجرّد، و يكون قد اعرض عن الدعاء على القبر الى الدعاء في موضعه، فيكون محتملا لعدم الصلاة بالمعنى الحقيقي.

و في مقطوع محمد بن مسلم أو زرارة، قال: «الصلاة على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء». قلت: فالنجاشي ألم يصلّ عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله؟ فقال: «لا، انما دعا له»(3).

و الشيخ جمع بين الأخبار بالحمل على يوم و ليلة(4) - كما قاله المفيد رحمه اللّه(5) - لأنه القدر المتفق عليه.

و اختاره في المبسوط و النهاية، حيث قال: و من فاتته الصلاة على الجنازة، جاز ان يصلي على القبر يوما و ليلة(6).

و قال في الخلاف: من صلّى على جنازة يكره أن يصلي عليها ثانيا، و من فاتته الصلاة جاز ان يصلّي على القبر يوما و ليلة، و قد روي ثلاثة أيام(7).

ثم قال: قد حددنا الصلاة على القبر يوما و ليلة، و أكثره ثلاثة أيام(8).9.

ص: 408


1- التهذيب 201:3 ح 471، الاستبصار 483:1 ح 1871.
2- التهذيب 202:3 ح 472، الاستبصار 483:1 ح 1872.
3- التهذيب 202:3 ح 473، الاستبصار 483:1 ح 1873.
4- التهذيب 201:3، الإستبصار 483:1.
5- المقنعة: 38.
6- المبسوط 185:1، النهاية: 146.
7- الخلاف 726:1 المسألة: 548.
8- الخلاف 726:1 المسألة: 549.

و جمع أيضا بين الأخبار بحمل أخبار الصلاة على الدعاء(1) و في هذا الحمل إنكار للصلاة على المدفون.

و قد جنح إليه في المعتبر حيث قال - بعد حكاية المذاهب فيما إذا لم يصل على الميت -: الوجه عندي انها لا تجب، و لا أمنع الجواز، لأن المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فساوى من فني في قبره، و لأنه لو جازت الصلاة عليه بعد دفنه لصلّي على الأنبياء في قبورهم و الصلحاء و ان تقادم العهد. و يؤيد ذلك ما رواه عمار، و تلا بعض الروايات المذكورة(2).

قال: و اما التقدير باليوم و الليلة و ثلاثة أيام فلم أقف به على مستند، و ما روي من الصلاة على القبر محمول على الجواز أو الدعاء المحض(3).

و في المختلف جمع بحمل أخبار الجواز على ميت لم يصل عليه، و صرف أخبار المنع الى ميت صلّي عليه، لاعتضاد الأول بالعمومات الدالة على الصلاة على الميت(4). و ظاهر بعد هذا الحمل.

و إنكار الصلاة على المدفون يخالف فتوى الأصحاب: أما الشيخان فقد ذكرا، و اما غيرهما:

فقال ابن الجنيد: من فاتته الصلاة على الميت، صلّى عليه ما لم يعلم منه تغير صورته(5). و هذا ظاهر فيمن فاتته الصلاة على الميت.

و قال ابن البراج: و ان فاتته الصلاة، جاز له ان يصلي على القبر يوما و ليلة(6). و مثله الكيدري.

و قال ابن زهرة: و لا يجوز أن يصلّي على الميت بعد أن يمضي عليه يوم1.

ص: 409


1- التهذيب 201:3، الاستبصار 483:1.
2- المعتبر 358:2.
3- المعتبر 358:2.
4- مختلف الشيعة: 120.
5- مختلف الشيعة: 120.
6- المهذب 132:1.

و ليلة(1).

و قال ابن حمزة: و ان فاتته الصلاة، صلّى على القبر الى انقضاء يوم و ليلة(2).

و قال سلار: يجوز الصلاة على القبر إلى ثلاثة أيام(3). و كلام الشيخ يشعر بأنّ به رواية(4).

و قال ابن إدريس: و من فاتته الصلاة على الجنازة، جاز أن يصلي على القبر يوما و ليلة، و جعله أظهر من القول بثلاثة أيام(5).

قلت: و أكثر هذه ظاهرة فيمن صلّي عليه، و في الجواز بمعناه الحقيقي لا الدعاء. و يلزم من جوازها فيمن صلّي عليه وجوبها في فاقد الصلاة، لأن العمومات الدّالة سالمة عن معارض كون الميت غير صالح للصلاة عليه. و قول المحقق: انه يساوي من فني في قبره، محض الدعوى، و لأنّه مهما قدّر(6) الجواز به قدّرنا به الوجوب. و منع الصلاة على الأنبياء، لانتفاء ما قدّره به العلماء، أو لما حكاه الشيخ في الخلاف من استلزامه الفتنة، لما روي عنه (عليه السلام): «لا تتخذوا قبري وثنا يعبد، لعن اللّه اليهود فإنّهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(7)، أو لما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال: «أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري أكثر من ثلاث»(8).5.

ص: 410


1- الغنية: 502.
2- الوسيلة: 120.
3- المراسم: 80.
4- الخلاف 726:1 المسألة: 548.
5- السرائر: 81.
6- في س: قدّرنا.
7- الخلاف 170:1 المسألة 84. و الرواية في مسند أحمد 246:2، صحيح البخاري 111:2، سنن النسائي 96:4، السنن الكبرى 80:4.
8- تلخيص الحبير 198:5.

تذنيب:

أكثر هؤلاء حكموا بكراهية الصلاة على الجنازة مرتين. و ظاهرهم اختصاص الكراهية بمن صلّى على الميت، لما تلوناه عنهم من جواز صلاة من فاتته على القبر، أو يريدون بالكراهية قبل الدفن حتى ينتظم الكلام. و ابن إدريس قيّد الكراهية بالصلاة جماعة، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله فرادى(1).

و قد روى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلى على جنازة، فلما فرغ جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها، فقال صلّى اللّه عليه و آله: «ان الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين، ادعوا له و قولوا خيرا»(2). و مثله رواية وهب بن وهب، عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(3).

و بإزاء هاتين الروايتين روايات، منها:

رواية عمار عن الصادق (عليه السلام): «الميت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب و ان كان قد صلّي عليه»(4).

و رواية يونس بن يعقوب عنه (عليه السلام): «إن أدركتها قبل أن تدفن، فإن شئت فصلّ عليها»(5).

و رواية عمرو بن شمر عن جابر عن الباقر (عليه السلام): «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلّى عليها، فوجد الحفرة لم5.

ص: 411


1- السرائر: 81.
2- التهذيب 324:3 ح 1010، الاستبصار 484:1 ح 1878.
3- قرب الاسناد: 63، التهذيب 332:3 ح 1040، الاستبصار 485:1 ح 1879.
4- التهذيب 334:3 ح 1045، الاستبصار 484:1 ح 1874.
5- التهذيب 334:3 ح 1046، الاستبصار 484:1 ح 1875.

يمكثوا(1) فوضعوا الجنازة، فلم يجئ قوم إلاّ قال لهم (عليه السلام): صلوا عليها»(2).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)، قال: «كبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) على سهل بن حنيف و كان بدريا خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة، ثم وضعه و كبّر عليه خمس تكبيرات اخرى، يصنع ذلك حتى كبّر عليه خمسا و عشرين تكبيرة»(3).

و في خبر عقبة: ان الصادق (عليه السلام) قال: «اما بلغكم انّ رجلا صلّى عليه عليّ (عليه السلام) فكبّر عليه خمسا حتى صلّى عليه خمس صلوات. و قال:

انه بدري، عقبي، أحدي، من النقباء الاثني عشر، و له خمس مناقب فصلّى عليه لكل منقبة صلاة»(4).

و في خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على حمزة سبعين تكبيرة، و كبّر علي (عليه السلام) عندكم على سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة، كلّما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه و يكبّر حتى انتهى الى قبره، خمس مرات»(5).

فتبين رجحان الصلاة بظهور الفتوى، و كثرة الأخبار.

و قال الفاضل: ان خيف على الميت كره تكرار الصلاة و الا فلا، و ظاهره انه إن نافى التعجيل أيضا(6) كره. و هذا فيه جمع بين الأخبار، الا انه لا يرد في الصلاة على القبر.1.

ص: 412


1- في م سواد، و في المصدرين: «يمكنوا».
2- التهذيب 325:3 ح 1012، الاستبصار 484:1 ح 1877.
3- الكافي 186:3 ح 2.
4- التهذيب 318:3 ح 985.
5- الكافي 186:3 ح 3، الفقيه 101:1 ح 470، التهذيب 197:3 ح 455.
6- تذكرة الفقهاء 51:1.

و في المختلف: المشهور كراهة التكرار(1) و قد علمت الحال فيه.

فرع له - رحمه اللّه -: لو قلع الميت، صلى عليه من غير تقدير(2) لزوال المانع بالظهور. و هو تام مع بقاء شيء منه، و القلع يدل عليه، فلو صار رميما ففي الصلاة بعد إذ لا ميت. و هذا فيمن لم يصل عليه، و لو كان قد صلى عليه ثم ظهر، ففي استحباب التثنية القولان، و كذا ينسحب تقديرها أيضا باليوم أو الثلاثة، و يمكن عدم التقدير لعدم مقتضيه.

تنبيهات
الأول: لا فرق في تكرار الصلاة بين الولي و غيره،

لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله صلى على المدفون ليلا جماعة، رواه ابن عباس و قال: و انا فيهم(3). و لو اختص التكرار بالولي صلّى وحده.

و توجيه الثلاثة: بأنها أول حدّ الكثرة و آخر حدّ القلّة، لا وجه له.

و التحديد بالشهر أخذا من صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله على النجاشي(4)و بينهما مسيرة شهر و لو لا الوحي لتأخّر علمه به، ظاهر الضعف، فإنه صلّى عليه ليوم موته باخبار اللّه تعالى، و لا طريق الى علم عدم صلاته لو زاد على شهر. و ما نقل من صلاته صلّى اللّه عليه و آله على البراء بن معرور بعد شهر(5) لا ينفي الزيادة عليه.

الثاني: لو قدّرنا بتقدير ابن الجنيد فالظاهر: انّ البلى غير شرط،

الثاني: لو قدّرنا بتقدير ابن الجنيد(6) فالظاهر: انّ البلى غير شرط، إذ

ص: 413


1- مختلف الشيعة: 120.
2- تذكرة الفقهاء 45:1، نهاية الإحكام 253:2.
3- انظر: صحيح البخاري 113:2، صحيح مسلم 658:2 ح 954، سنن النسائي 85:4، السنن الكبرى 46:4.
4- تقدم في 406 الهامش 4.
5- المصنف لابن أبي شيبة 360:3، السنن الكبرى 49:4.
6- راجع قوله في ص 409 الهامش 5.

الصورة الإنسانية تتغيّر بدونه، و لو شككنا في تغيّر الصورة، فالأصل: العدم، و عليه نبّه بقوله: ما لم يعلم تغيّر صورته، و يمكن أن يراد بتغير الصورة انمحاق الاجزاء، لأن المعتبر اسم البدن، و هو حاصل قبل الانمحاق.

الثالث: لا فرق في هذه الصلاة بين الموجود عند موته و غيره،

و لا بين المكلف و غيره.

و يمكن الفرق، لأن غير الموجود لم يكن متوجّها اليه الخطاب. و على هذا يشترط ان يكون مكلّفا حتى يكون من أهل فرض الصلاة. و يمكن الاجتزاء بكونه مميّزا، اعتبارا بكونه من أهل الصلاة.

و تظهر الفائدة في المميّز عند موته، فعلى الأول لا يصلّي، و على الثاني يصلّي.

و يمكن أن يقال: ان كان الميت لم يصل عليه اشترط الأول، و ان كان ممن فاتته الصلاة كفى اعتبار الثاني. و هذا الشرط انما يظهر على مذهب ابن الجنيد، أو على القول بعدم التقدير.

الرابع: يعتبر هنا مشاهدة القبر أو في حكمه،

و إلاّ لكان صلاة على الغائب. و وقوفه مستقبلا، جاعلا لما يلي الرأس عن يمينه، كالميت الظاهر.

الخامس: لا يتقدّر التباعد عن الجنازة بثلاثمائة ذراع

الخامس: لا يتقدّر التباعد عن الجنازة بثلاثمائة ذراع(1) لأنه بعد مفرط لم يعتد مثله. و حمله على الجماعة اليومية(2) غلط في غلط.

السادس: إذا كان الميت لم يصلّ عليه،

فايقاعها بنيّة الفرض. و لو كان قد صلّي عليه، فالظاهر: أنها بنيّة النفل، لجواز تركها لا الى بدل و النية تابعة للوجه. و لا منافاة بين فرضيّتها في حقّ الأولين دون الآخرين، لاختلافهما في المقتضى، و هو كونه ميتا لم يصلّ عليه أولا بخلاف من صلّي عليه.

السابع: يصلّى على المرجوم،

للعموم، و لصلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله

ص: 414


1- المجموع 253:5، فتح العزيز 191:5.
2- المجموع 253:5، فتح العزيز 191:5.

على الغامدية(1) و أمر علي (عليه السلام) بالصلاة على سراحة الهمدانية(2) و هما مرجومتان. و كذا يصلّي الامام عليه، لما قلناه.

و كذا يصلى على الغالّ، و هو: كاتم الغنيمة ليخص بها. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الجهنيّ الغال: «صلّوا على صاحبكم»(3) للمبالغة في المنع من الغلول، كما امتنع من الصلاة على المديون(4) مع أنّ الصلاة عليه مشروعة بالإجماع.

و كذا يصلّى على قاتل نفسه. و امتناع النبي صلّى اللّه عليه و آله من الصلاة على قاتل نفسه بمشاقص(5) كالأول.

و كذا يصلّى على تارك الصلاة - و ان قتل لتركها - و قاطع الطريق.

الثامن: لا صلاة على السقط

إذا لم يستهل و ان ولجته الروح، أو مضى عليه: الأربعة أشهر التي ورد في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «انه ينفخ فيه الروح بعدها»(6) لعدم تناول العموم له. و اولى إذا لم ينفخ الروح فيه و ان ظهر التخطط أو اختلج.

و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «السقط يصلى عليه»(7)مطلق، فيحمل على المقيد بالاستهلال، مع ان راويه المغيرة بن شعبة و هو مشهور بالانحراف عن علي (عليه السلام)، و لما ولاّه عمر الكوفة قال له: أنت القويّ

ص: 415


1- سنن أبي داود 152:4 ح 4442، سنن النسائي 63:4.
2- الفقيه 16:4 ح 28، التهذيب 47:10 ح 174.
3- الجامع الصحيح 1070382:3، سنن النسائي 64:4، سنن الدار قطني 78:3، السنن الكبرى 101:9.
4- تقدم في ص 302 الهامش 3.
5- سنن أبي داود 206:3 ح 3185، الجامع الصحيح 380:3 ح 1068، سنن النسائي 66:4، السنن الكبرى 19:4.
6- مسند أحمد 382:1، صحيح البخاري 135:4، سنن أبي داود 228:4 ح 4708.
7- مسند أحمد 249:4 سنن أبي داود 205:3 ح 3180، السنن الكبرى 25:4.

الفاجر(1) فلا تنهض روايته حجّة.

و لو استهل بعد خروج بعضه، ثم مات قبل تمام خروجه، صلّي عليه ندبا و ان خرج أقلّه، لدخوله تحت ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال: «إذا استهلّ السقط صلي عليه»(2) و لما مر.

التاسع: يصلّى على من غسّله الكافر، أو غسّل بالصب، أو يمّم.

و لو لم يحصل أحد هذه - إما لتعذّرها كمن مات في بئر أو معدن انهدما عليه و تعذّر إخراجه، و اما لعدم وجود فاعلها - و دفن، فالظاهر: وجوب الصلاة: و انها غير مشروطة بتقدّم الغسل أو بدله، للعموم، و عدم ثبوت التلازم بين الغسل و الصلاة.

و روى العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) في بئر مخرج مات فيه رجل و لم يمكن إخراجه: «انها تجعل قبرا»(3) و لم يذكر الصلاة عليه، و الظّاهر انه معلوم من عموم الصلاة بعد الدفن، قال: «و ان أمكن إخراجه أخرج و غسّل و كفّن»(4).

و في المعتبر: ان تعذر الا بالتمثيل به لم يجز، لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله - في هذه الرواية -: «حرمة المسلم ميتا كحرمته و هو حي»، فإن اضطر أهل البئر بان خافوا التلف، جاز إخراجه و لو تقطع إذا لم يمكن بدونه(5).

ص: 416


1- انظر مختصر تاريخ دمشق 169:5.
2- سنن ابن ماجة 483:1 ح 1508، السنن الكبرى 8:4.
3- المقنع: 11، التهذيب 419:1 ح 1324، 465 ح 1522.
4- المقنع: 11، التهذيب 419:1 ح 1324، 465 ح 1522. و المخرج: مكان خروج الفضلات، أي الكنيف. مجمع البحرين - مادة خرج. و في الموضعين من التهذيب: محرج: اي ضيق. لاحظ الصحاح - مادة حرج.
5- المعتبر 337:1.
النظر الثالث: في المصلّي،
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى: الأولى بالإرث أولى بالصلاة،

لآية اولي الأرحام(1) و مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): «يصلي على الجنازة أولى الناس بها، أو يأمر من يحب»(2).

و امام الأصل أولى منه عند حضوره، لقيامه مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله الذي هو أولى بالمؤمنين، و لخبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام): «إذا حضر الإمام الجنازة، فهو أحق الناس بالصلاة عليها»(3).

و يظهر منهما عدم احتياجه إلى اذن، قال أبو الصلاح: الإمام أولى، فإن تعذر حضوره و اذنه فولي الميت(4).

و في المبسوط: يحتاج(5) لخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة، فهو أحق بالصلاة عليها ان قدّمه وليّ الميت، و إلاّ فهو غاصب»(6). و يحمل على غير إمام الأصل، لأن تنكيره مشعر بالكثرة، و فيه اشعار باستحباب تقديم الولي إياه، و كذا قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا يؤمّ الرجل في سلطانه»(7) ان حملناه على العموم في السلطان و الامامات.

و تقديم الحسين (عليه السلام) سعيد بن العاص في الصلاة على الحسن

ص: 417


1- سورة الأنفال: 75.
2- الكافي 177:3 ح 1، التهذيب 204:3 ح 483.
3- الكافي 177:3 ح 4، التهذيب 206:3 ح 489.
4- الكافي في الفقه: 156.
5- المبسوط 183:1.
6- التهذيب 206:3 ح 490.
7- مسند أحمد 118:4 صحيح مسلم 465:1 ح 673، سنن أبي داود 159:1 ح 582، الجامع الصحيح 459:1 ح 235، سنن النسائي 76:2، السنن الكبرى 125:3.

(عليه السلام) و قوله: «لو لا السنّة لما قدمتك»(1) لإطفاء الفتنة، فإنه من السنّة إطفاؤها، لأن السلطان عندنا الحسين (عليه السلام).

و قال ابن الجنيد: الأولى الإمام، ثم خلفاؤه، ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات(2).

و نقل الفاضل: انّ الولي أولى من الوالي عند علمائنا(3) فإن أراد توقّفه على تقديمه و ان كان تقديمه مستحبا فحسن، و ان أراد نفي استحباب تقديمه فظاهر الخبر يدفعه.

و لو قلنا باحتياج الإمام إلى إذن، وجب على الولي تحصيلا للغرض، فان امتنع سقط اعتبار إذنه، لزوال حقه بامتناعه.

الثانية: لو كان الأقرب امرأة فهي أولى،

لخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام)، قلت له: المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «لا، الا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن»(4).

و روى يزيد بن خليفة عن الصادق (عليه السلام): «ان فاطمة خرجت في نسائها فصلّت على أختها»(5) يعني زينب عليهما السلام.

و هذا محمول على خروجها بهن في سترة عن الرجال، لكراهة خروج الشواب لصلاة الجنازة، لخبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «ليس ينبغي للشابة، الا ان تكون مسنّة»(6)، و لعلّه لخوف الفتنة، و لو أمن فلا بأس، لخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «خير

ص: 418


1- السنن الكبرى 28:4.
2- مختلف الشيعة: 120.
3- تذكرة الفقهاء 47:1.
4- الفقيه 259:1 ح 1177، التهذيب 206:3 ح 488، الاستبصار 427:1 ح 1648.
5- التهذيب 333:3 ح 1043، الاستبصار 485:1 ح 1880.
6- التهذيب 333:3 ح 1044، الاستبصار 486:1 ح 1881.

الصفوف في الجنازة المؤخّر لستره النساء»(1) و خبر الحسن الصيقل عن الصادق (عليه السلام) في صلاة النساء بلا رجال: «لا تتقدمهن امرأة»(2).

و في انفراد الحائض هنا نظر، من خبر محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): «لا تقف معهم، تقف منفردة»(3) فإن الضمير يدل على الرجال، و إطلاق الانفراد يشمل النساء، و به قطع في المبسوط(4) و تبعه ابن إدريس(5)و المحقق(6).

الثالثة: لو تعدد الوارث فالزوج أولى،

لخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): الزوج أحقّ من الأب و الولد و الأخ(7).

و في خبرين عنه (عليه السلام) معتبري الاسناد: الأخ أحقّ من الزوج(8).

و حملا على التقية، و ضعّفهما في المعتبر بابان بن عثمان في أحدهما، و بحفص بن البختري في الأخر(9).

قلت: قد نقل الكشي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان(10) و وثّق النجاشي حفصا(11).

و قال في المعتبر: أن سند الأولى سالم(12) مع ان فيه علي بن أبي حمزة رأس

ص: 419


1- الكافي 176:3 ح 3، علل الشرائع: 306، التهذيب 319:3 ح 991.
2- الفقيه 103:1 ح 479.
3- الكافي 179:3 ح 4، الفقيه 107:1 ح 496، التهذيب 204:3 ح 479.
4- المبسوط 184:1.
5- السرائر: 81.
6- المعتبر 354:2.
7- الكافي 177:3 ح 2.
8- التهذيب 205:3 ح 485، 486، الاستبصار 486:1 ح 1884، 1885.
9- المعتبر 346:2.
10- رجال الكشي: 375 رقم 705.
11- رجال النجاشي: 134 رقم 344.
12- المعتبر 346:2.

الواقفة - و لعنه ابن الغضائري(1) - و القاسم بن محمد - و الظاهر انه الجوهري - و قد قال الشيخ: كان واقفيا(2). نعم، مضمون الأولى أشهر في العمل، لا اعلم فيها مخالفا من الأصحاب.

و لأن ميراث الزوج أكثر مع الأبوين و الاخوة(3).

و قول عمر لأهل امرأته: أنتم أحق بها(4) لا حجّة فيه، و جاز ان يكون إيثارا لهم.

و لو فقد الزوج، قال الشيخ: الأب أولى، ثم الولد، ثم ولد الولد، ثم الجد للأب(5)، ثم الأخ للأبوين، ثم الأخ للأب، ثم الأخ للأمّ، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال(6).

قال: و بالجملة من كان أولى بالإرث فهو أولى بالصلاة، للآية(7).

و لا يمكن تعليل هذا بأولويّة الإرث، لعدم اطّرادها في الأب، فإنّه أقلّ إرثا مع الولد، و لهذا عدوّه في باب الغرقى أضعف، و الجد مساو للأخ في الإرث.

نعم، في الأب مزيد اختصاص بالحنوّ و الشفقة، و في الجدّ بالتولّد، و لكنه خروج عن الإرث.

و قال ابن الجنيد: الجد ثم الأب ثم الولد(8) و كأنّه يراعي الشرف.

الرابعة: لو لم يكن الا المولى أو قرابته، فهو أولى لإرثه.

و اما الموصى إليه بالصلاة، فابن الجنيد قدّمه، وفاء بعهد الميت(9) و لاشتهار

ص: 420


1- حكاه عنه ابن داود في رجاله: 259.
2- رجال الطوسي: 358.
3- هذا الدليل الثاني للمسألة الثالثة.
4- المصنف لابن أبي شيبة 250:3.
5- في المصدر زيادة: و الام.
6- المبسوط 183:1.
7- المبسوط 183:1.
8- مختلف الشيعة: 120.
9- مختلف الشيعة: 120.

ذلك بين السلف، كوصية الأول بصلاة الثاني، و وصية الثاني بصلاة صهيب، و وصية عائشة بصلاة أبي هريرة، و وصية ابن مسعود بصلاة الزبير، و وصية ابن جبير بصلاة أنس، و وصية أبي شريحة بصلاة زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة ليتقدم فأعلمه بوصيته فقدم زيدا. و لأن إيصاءه إليه لظنه فيه مزيّة، فلا ينبغي منعه منها.

و الفاضل - رحمه اللّه - قال: الوارث أولى(1). و هو أقرب، للآية و الخبر، و نقل المذكورين ليس حجة، و جاز أن يكون برضى الوارث و نحن لا نمنعه إذا رضي، بل يستحب له إنفاذه مع الأهليّة.

الخامسة: لو تساوى الأولياء،
اشارة

قال في المبسوط و الخلاف: يقدم الأقرأ فالأفقه فالأسن(2) و تبعه الفاضلان في المعتبر و التذكرة(3) لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يؤمّكم أقرؤكم»(4).

قال في المبسوط - بعد الأسن -: فإن تساووا أقرع بينهم(5)، قال: و الحرّ أولى من العبد، و الذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة(6) و تبعه ابن إدريس(7). و هو يشعر بان التمييز كاف في الإمامة، كما افتى به في المبسوط و الخلاف في جماعة اليوميّة(8).

و ابن البراج قال في الابنين بالتخيير، فان تشاحّا أقرع، و لم يعتبر أفضلية(9).

ص: 421


1- تذكرة الفقهاء 46:1، مختلف الشيعة: 120.
2- المبسوط 184:1، الخلاف 720:1 المسألة: 537.
3- المعتبر 346:2، تذكرة الفقهاء 47:1.
4- الفقيه 185:1 ح 880، سنن ابن ماجة 240:1 ح 726، سنن أبي داود 161:1 ح 590، مسند أبي يعلى 231:4 ح 2343 السنن الكبرى 426:1.
5- المبسوط 184:1.
6- المبسوط 184:1.
7- السرائر: 81.
8- المبسوط 154:1، و الخلاف 553:1 المسألة: 295.
9- المهذب 130:1.

و في الكامل قيّده بالتساوي في العقل و الكمال.

و لم نقف على مأخذ ذلك في خصوصية الجنازة، و ظاهرهم إلحاقها بجماعة المكتوبة، و هي مرجّحة بهذه الأوصاف كلّها. و لكن ذكر العبد هنا مشكل، لأنه لا إرث له فيخرج عن الولاية.

و في شرائع المحقّق قدّم الأفقه على الأقرأ(1). و هو متوجه، لأن القراءة هنا ساقطة، إلاّ أنّه خلاف فتوى الأصحاب بتقديم الأقرأ في الجماعة على الإطلاق(2)و خلاف فتواه(3)، و فتوى الشيخ في هذه الصورة(4).

فروع ستّ:
الأول: لو كان الذكر صغيرا و الأنثى كاملة،

فالأقرب: ان الولاية لها، لأنه لنقصه كالمعدوم، و كذا لو كان ناقص الحكم بجنون أو عته. و لو لم يكن في طبقته مكلّف، ففي كون الولاية للأبعد أو للحاكم عليه نظر، من عموم آية اولي الأرحام، و الناقص كالمعدوم، و انه أولى بالإرث فلتكن الولاية له يتصرف فيها الولي.

و مهما امتنع الولي من الصلاة و الاذن، فالأقرب: جواز الجماعة، لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة من عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله الى الآن، و هو يدلّ على شدة الاهتمام، فلا يزول هذا المهم بترك إذنه. نعم، لو كان هناك حاكم شرعي كان الأقرب اعتبار إذنه، لعموم ولايته في المناصب الشرعية.

الثاني: لم يتعد الشيخ و الجماعة الأسن،

و لعلّ اعتبار الأسن لما روي عنه صلّى

ص: 422


1- شرائع الإسلام: 105:1.
2- راجع: المقنع: 24، النهاية: 111، المراسم: 87، الوسيلة: 105، تذكرة الفقهاء 179:1.
3- المعتبر 346:2.
4- المبسوط 184:1، النهاية: 111.

اللّه عليه و آله: «إن اللّه لا يرد دعوة ذي الشيبة المسلم»(1). و على مأخذهم ينبغي اعتبار جميع مرجحات المكتوبة من قدم الهجرة و صباحة الوجه، و قد صرّح به في التذكرة(2) أخذا بعمومات التراجيح، و يقوى اعتبار هذه المرجّحات في نائب الولي.

و لو لم يكن هناك وليّ، قال في التذكرة، يتقدّم بعض المؤمنين(3) و كأنّه أراد به مع عدم الحاكم. و ذكر ابن الجنيد ثبوت الولاية هنا لقرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

الثالث: لو لم يكن الولي بصفة الإمام استناب،

الثالث: لو لم يكن الولي بصفة(4) الإمام استناب، و مع الصلاحية لو استناب جاز، و لو وجد الأكمل، ففي استحباب الاستنابة قوة، لأنّ كماله قد يكون سببا في إجابة دعائه. و جعل المفيد - في العزيّة - تقديم العالم الفقيه من السنّة إلاّ أنّه بعد الهاشمي.

و يمكن ترجيح مباشرة الولي، لاختصاصه بمزيد الرقّة التي هي مظنّة الإجابة.

و ليتحرّ الأفضل.

قال ابن بابويه و الشيخان و الجعفي و أتباعهم: الهاشمي أولى(5).

و بالغ المفيد رحمه اللّه فأوجب تقديمه(6). و ربما حمل كلامه على إمام

ص: 423


1- تلخيص الحبير 161:5.
2- تذكرة الفقهاء 47:1.
3- تذكرة الفقهاء 47:1.
4- في س: بصفات.
5- الفقيه 102:1، المقنع: 21، المقنعة: 38، المبسوط 183:1، النهاية: 143، السرائر: 81، المعتبر 347:2، مختلف الشيعة: 120.
6- المقنعة: 38.

الأصل(1) و هو بعيد لأنّه قال: و إن حضر رجل من فضلاء بني هاشم(2) و هو صريح في كلّ واحد من فضلائهم، و لم أقف على مستنده.

و الصدوق عزاه إلى أبيه في رسالته(3). و لم يذكر في التهذيب عليه دليلا.

و في المعتبر احتج بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «قدّموا قريشا و لا تقدموها»(4)، و لم نستثبته في روايتنا، مع انه أعمّ من المدّعى.

و قال ابن الجنيد: و من لا أحد له، فالأقعد نسبا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الحاضرين أولى به. و هو انّما يقتضي ثبوت الولاية مع عدم الولي، و يقتضي تقديم الأقرب الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالأقرب، و لعلّه إكرام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فكلّما كان القرب منه أكثر كان أدخل في استحقاق الإكرام.

و ليس للنائب الاستنابة بدون الاذن، اقتصارا على المأذون فيه.

الرابع: للوليّ الرجوع عن الاذن ما لم يشرع فيها،

لأنّه وكالة في المعنى.

أمّا بعده، فالأقرب: المنع، لما فيه من اختلال نظم الصلاة. و وجه الجواز: أنّها صلاة عن إذنه - الذي هو جائز في الأصل - فيستصحب، و حينئذ يصلّون فرادى إذ لا طريق إلى الإبطال، و العدول الى إمام آخر بعيد.

الخامس: لو صلّيت فرادى صحت الصلاة،

لأنّ الصحابة صلّى أكثرهم على النبي صلّى اللّه عليه و آله فرادى(5) و لكن الجماعة أفضل قطعا.

و لا يشترط الكثرة، فلو صلّى الواحد أجزأ و ان(6) كان امرأة، لأنّها فرض

ص: 424


1- حمله العلامة في مختلف الشيعة: 120.
2- المقنعة: 38.
3- الفقيه 120:1.
4- المعتبر 347:2. و الحديث النبوي في: ترتيب مسند الشافعي 194:2 ح 691، الكامل لابن عدي 1810:5، مجمع الزوائد 25:10، كنز العمال 22:12 ح 33789-33791 عن البزار و البيهقي في المعرفة و غيرهم.
5- السنن الكبرى 30:4.
6- في س: و لو.

كفاية، و لرواية القاسم بن عبيد اللّه القمّي عن الصادق (عليه السلام) في جواز صلاة الرجل وحده على الجنازة أو الاثنين(1).

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «صلّوا»(2) لا تدلّ على الجمع، فإنّ الخطاب هنا لكل واحد لا للجميع، و إلاّ لوجبت على عامة الناس، فلا يشترط الاثنان و لا الثلاثة(3) حينئذ.

و اشتراط الأربعة لأنّهم الحملة للجنازة(4) غلط، إذ لا تلازم بين عدد الحملة و المصلّين، و للاتفاق على جواز حمل واحد أو الحمل على دابّة، على أنّ الحمل بين العمودين عند هذا المشترط أفضل، و هو يحصل بثلاثة.

و خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) عن الباقر (عليه السلام): «لا صلاة على جنازة معها امرأة»(5) ضعيف السند، و يجوز أن يكون المنفي الفضل و الكمال لا الصحّة.

السادس: لو اجتمع جنائز،

فتشاحّ أولياؤهم و أراد كلّ إفراد ميّته بصلاة جاز، و الاّ فالأقرب تقديم أولاهم بالإمامة في المكتوبة، للعموم. و ربما أمكن تقديم وليّ من سبق ميّتة، لأنّه استحق الإمامة فيستصحب، و حينئذ لو توافوا جميعا زالت الخصوصيّة.

ص: 425


1- التهذيب 319:3 ح 990، و في الكافي 176:3 ح 1، و الفقيه 103:1 ح 477 عن اليسع بن عبد اللّه القمي.
2- راجع ص 399 الهامش 1، 2، 3.
3- كما هو مذهب بعض العامة، راجع شرح صحيح مسلم للنووي 281:4.
4- اشترطه بعض الشافعية، لاحظ: المجموع 212:5.
5- التهذيب 333:3 ح 1042، الاستبصار 486:1 ح 1882.

ص: 426

النظر الرابع: في الصلاة.
ومطالبه ثلاثة
المطلب الأول في واجبها،
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى: تجب النيّة المشتملة على قصد الفعل على وجهه تقرّبا الى اللّه تعالى،

لأنّها عبادة و عمل، فتدخل تحت وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اَللّهَ مُخْلِصِينَ (1).

و «إنّما الأعمال بالنيات»(2) و عن الرضا (عليه السلام): «لا عمل إلاّ بنيّة»(3)، و لأن الفعل إذا أمكن وقوعه على وجوه بعضها غير مراد للشارع لم يحصل الامتياز إلاّ بالنيّة، و إلاّ لزم الترجيح من غير مرجّح.

و هي فعل قلبي لا عمل للسان فيها، لأنّها إرادة و الإرادة من فعل القلب.

و لو جمع بين القلب و اللسان جاز، و الأقرب: عدم استحبابه، لعدم نقله عن السلف الصالح. و تخيّل أنّه زيادة مشقة فيستتبع الثواب: ضعيف، لأنّ المشقة المعتبرة هي ما أمر به الشارع، و التقدير خلوّه عن أمره.

و لتكن مقارنة للتكبير: لأنّه حين الاحتياج الى التمييز و الشروع في العبادة.

و يجب استدامتها الى آخر الفعل، لتقع الأفعال بعدها بنيّة. و تكفي الاستدامة الحكميّة، تفاديا من لزوم الحرج المنفي لو لزم البقاء عليها فعلا، لما يعرض من الصوارف و الشواغل في القلب. و هذا حكم عام في جميع العبادات.

تفريع:

لا يشترط التعرّض لكونها فرض كفاية، بل يكفي نية مطلق الفرض،

ص: 427


1- سورة البينة: 5.
2- التهذيب 186:4 ح 519، مسند أحمد 25:1، صحيح البخاري 2:1، صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907، سنن أبي داود 262:2 ح 2201، الجامع الصحيح 1079:4 ح 2147، السنن الكبرى 341:7.
3- أمالي الطوسي 203:2.

لحصول الامتياز به. و نحتمله، لأنّ النية لامتياز الشيء على ما هو عليه.

ثم إن كان الميت واحدا نواه، و ان كانوا جماعة نواهم، و لا يشترط تعيين الميت و معرفته بل يكفي نيّة منويّ الإمام، فلو عيّن و أخطأ فالأقرب البطلان، لخلو الواقع عن نية. و لينو المأموم القدوة كما في سائر الجماعات.

الثانية: يجب فيها القيام مع الإمكان إجماعا،

بل هو الرّكن الأظهر، لأنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و الصحابة صلّوا عليها قياما، و التأسّي واجب و خصوصا في الصلاة، لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «صلوا كما رأيتموني أصلّي»(1) و لأنّ الأصل بعد شغل الذمّة عدم البراءة إلاّ بالقيام فيتعيّن. و لو عجز عنه صلّى بحسب مكنته، كاليومية.

فرع:

لو وجد من يمكنه القيام، فهو أولى من العاجز. و في الاجتزاء بصلاة العاجز حينئذ نظر، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة اليه، و من نقصها و قدرة غيره على الكاملة.

الثالثة: الأقرب وجوب ستر العورة مع الإمكان،

إلحاقا لها بسائر الصلوات، و بحكم التأسي. و مع التعذّر يسقط كاليومية، و لا يبرز عنهم الإمام - لأنّه أقرب الى الستر - بل يقف وسطهم، قاله الشيخ في النهاية و المبسوط(2) مع أنّ مذهبه في جماعة العراة في اليوميّة الجلوس(3). و يمكن الفرق بالاحتياج إلى الركوع و السجود هناك.

و قال الفاضل: ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة، لأنّها دعاء(4).

ص: 428


1- مسند أحمد 53:5، سنن الدارمي 286:1، صحيح البخاري 162:1، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 85:3 ح 1656، سنن الدار قطني 273:1، السنن الكبرى 120:3.
2- النهاية: 147، المبسوط 186:1.
3- النهاية: 119، المبسوط 87:1.
4- قواعد الأحكام: 28، نهاية الإحكام 372:1.

قلنا: لا ريب أنّها تسمّى صلاة و ان اشتملت على الدعاء، فتدخل تحت عموم الصلاة، و يعارض: بوجوب الاستقبال و القيام فيها.

الرابعة: يجب فيها خمس تكبيرات،

لخبر زيد بن أرقم: أنه كبّر على جنازة خمسا، و قال: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يكبّرها، أوردها مسلم و أكثر المساند(1) و لفظة (كان) تشعر بالدوام. و الأربع و ان رويت(2) فالإثبات مقدّم على النفي، و جاز أن يكون راوي الأربع لم يسمع الخامسة أو أنساها.

قال بعض العامّة: الزيادة ثابتة عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، و الاختلافات المنقولة في العدد من جملة الاختلاف في المباح، و الكلّ سائغ(3).

و في كلام بعض شرّاح مسلم: انما ترك القول بالخمس لأنّه صار علما لتشيّع(4) و هذا عجيب.

و أما الأصحاب فمتفقون على ذلك، و به أخبار كثيرة، منها.

خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كبّر خمسا»(5).

و خبر أم سلمة عن الصادق (عليه السلام): ان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كبّر خمسا(6).

و خبر قدّامة بن زائدة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى

ص: 429


1- صحيح مسلم 659:2 ح 957، الجامع الصحيح 343:3 ح 1023، سنن النسائي 72:4، السنن الكبرى 36:4.
2- راجع: صحيح البخاري 112:2، صحيح مسلم 659:2، سنن النسائي 70:4، السنن الكبرى 36:4.
3- قاله ابن سريج، لاحظ: المجموع 230:5، فتح العزيز 167:5.
4- لم نجده في شرح النووي و لعله في غيره. و انظر شرح النووي 23:7 و عمدة القارئ 28:8.
5- التهذيب 315:3 ح 977، الاستبصار 474:1 ح 1833.
6- الكافي 181:3 ح 3، الفقيه 100:1 ح 469، علل الشرائع: 303، التهذيب 189:3 ح 431.

اللّه عليه و آله) كبّر على ابنه إبراهيم خمسا»(1).

و روي ذلك عن علي (عليه السلام) كما مرّ(2) و عن الباقر (عليه السلام) - رواه أبو بكر الحضرمي - معللا: بأخذ تكبيرة من كلّ صلاة من الخمس(3).

قال الصدوق: و روي ان اللّه تعالى فرض خمسا: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الولاية. و جعل للميت من كل فريضة تكبيرة، و انما تكبّر العامة أربعا لأنّهم تركوا الولاية(4).

و روى الخمس عن الصادق (عليه السلام) جماعة، منهم: عبد اللّه بن سنان(5) و أبو بصير(6) و كليب الأسدي(7) و أبو ولاّد(8) و يونس(9) و عمّار(10) و عبد الرحمن العرزمي(11).

و في خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ان هبة اللّه صلّى على أبيه آدم و كبّر خمسا، و أنّها سنّة جارية في ولده الى يوم القيامة»(12).

و روى هشام بن سالم عنه (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يكبّر على قوم خمسا، و على قوم أربعا، فإذا كبّر على رجل أربعا أتهم» يعني:ث.

ص: 430


1- التهذيب 316:3 ح 979، الاستبصار 474:1 ح 1835، باختلاف يسير.
2- تقدم في ص 412 الهامش 5.
3- المحاسن: 317، الكافي 181:3 ح 5، الخصال: 280، علل الشرائع: 302، التهذيب 189:3 ح 430.
4- علل الشرائع: 304، عيون اخبار الرضا 82:2.
5- التهذيب 315:3 ح 976، الاستبصار 474:1 ح 1832.
6- التهذيب 315:3 ح 978، الاستبصار 474:1 ح 1832.
7- التهذيب 315:3 ح 975، الاستبصار 474:1 ح 1837.
8- التهذيب 316:3 ح 980، الاستبصار 474:1 ح 1836.
9- التهذيب 318:3 ح 987.
10- التهذيب 330:3 ح 1034.
11- التهذيب 194:3 ح 445، الاستبصار 478:1 ح 1851.
12- الفقيه 100:1 ح 468، التهذيب 330:3 ح 1033، باختصار في ألفاظ الحديث.

بالنفاق(1).

و مثله روى إسماعيل بن همام عن أبي الحسن (عليه السلام)(2).

و روى إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام): «أما المؤمن فخمس تكبيرات، و أما المنافق فأربع»(3).

و هذا جمع حسن بين ما رواه العامّة لو كانوا يعقلون، و كذا ما روي من شواذ الأخبار من طريقنا:

مثل: الضعيف بعمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام):

«كبّر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إحدى عشرة، و سبعا، و خمسا، و ستّا، و أربعا»(4). قال الشيخ: الزيادة على الخمس منفيّة بالإجماع(5).

و مثل: خبر عقبة عن الصادق (عليه السلام) و سئل عن التكبير على الجنائز: «ذاك الى أهل الميت ما شاءوا كبّروا». فقيل: انّهم يكبّرون أربعا. فقال:

«ذاك إليهم»(6).

مع ان هذين الخبرين ظاهران في التقيّة، قال الشيخ: و يحتمل ان يريد بالأربع: الأذكار بين التكبيرات، فإنّها أربع كما روى أبو بصير عن الصادق (عليه السلام) و سئل عن التكبير فقال: «خمس». ثم سئل عن الصلاة على الجنازة، فقال: «أربع». ثم قال: «إنّها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات»(7).

و مما هو ظاهر في التقيّة خبر زرارة: انّ الباقر (عليه السلام) كبّر على ابن ابنه2.

ص: 431


1- الكافي 181:3 ح 2، علل الشرائع: 303، التهذيب 197:3 ح 454، الاستبصار 1: 475 ح 1839.
2- التهذيب 317:3 ح 983، الاستبصار 475:1 ح 1840.
3- التهذيب 192:3 ح 439.
4- التهذيب 316:3 ح 981، الاستبصار 474:1 ح 1838.
5- راجع الهامش السابق.
6- التهذيب 318:3 ح 985.
7- التهذيب 318:3، الاستبصار 476:1، و رواية أبي بصير فيهما برقم 986، 1842.

أربعا، لقوله: «انما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة، كراهية أن يقولوا لا يصلّون على أطفالهم»(1).

الخامسة: الأقرب وجوب الأذكار الأربعة،

لخبر أبي بصير المذكور.

و خبر أم سلمة عن الصادق (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا صلّى على ميت كبّر و تشهد، ثم كبّر فصلّى على الأنبياء و دعا، ثم كبّر و دعا للمؤمنين، ثم كبّر الرابعة و دعا للميت، ثم كبّر و انصرف. فلما نهاه اللّه عن الصلاة على المنافقين، كبّر و تشهد، ثم كبّر فصلى على النبيين، ثم كبّر و دعا للمؤمنين ثم كبّر الرابعة و انصرف و لم يدع للميت»(2).

و رواية إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن (عليه السلام)، عن الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حمد اللّه و مجّده بعد الاولى، و دعا في الثانية للنبي، و في الثالثة للمؤمنين، و في الرابعة للميت»(3).

و عن يونس بن يعقوب عنه (عليه السلام): «إنّما هو تكبير و تسبيح و تمجيد(4) و تهليل»(5).

و عن يونس عن الصادق (عليه السلام): «الصلاة على الجنائز: التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة، و الثانية الشهادتان، و الثالثة الصلاة على النبي و أهل بيته و الثناء على اللّه، و الرابعة له»(6).

و في خبر سماعة: سألته عن الصلاة على الميت؟ فقال: «خمس تكبيرات

ص: 432


1- الكافي 206:3 ح 3، التهذيب 198:3 ح 457، الاستبصار 479:1 ح 1856.
2- الكافي 181:3 ح 3، الفقيه 100:1 ح 469، علل الشرائع: 303، التهذيب 189:3 ح 431.
3- التهذيب 317:3 ح 983، الاستبصار 475:1 ح 1840.
4- في جميع المصادر: «و تحميد».
5- الكافي 178:3 ح 1، الفقيه 107:1 ح 495، التهذيب 203:3 ح 475.
6- التهذيب 318:3 ح 987.

يقول إذا كبّر: أشهد ان لا إله إلاّ اللّه».. الى آخره(1)، و عن أبي ولاّد عن الصادق (عليه السلام) نحوه(2).

هذا و الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفيّة الصلاة: كابني بابويه(3)و الجعفي، و الشيخين(4) و أتباعهما(5) و ابن إدريس(6). و لم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار، و المذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب.

فان قلت: قد روى زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام):

«ليس في الصلاة على الميت قراءة، و لا دعاء موقّت، إلاّ أن تدعو بما بدا لك، و أحقّ الأموات أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»(7). و لهذا قال ابن الجنيد: ليس في الدعاء بين التكبيرات شيء موقّت لا يجوز غيره.

قلت: نحن لا نوقت لفظا بعينه، بل نوجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأية عبارة كانت، و لأنّ الغاية من الصلاة الدعاء للميت فيجب تحصيلا لها، فيجب الباقي إذ لا قائل بالفرق.

السادسة:

روى أبو ولاّد عن الصادق (عليه السلام): «تقول إذا كبّرت:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له. اللّهم صل على محمد و آل محمد.

اللّهم إن هذا المسجّى قدامنا عبدك و ابن عبدك، و قد قبضت روحه إليك، و قد احتاج الى رحمتك و أنت غني عن عذابه. اللّهم انا لا نعلم من ظاهره إلاّ خيرا،

ص: 433


1- الكافي 182:3 ح 1، التهذيب 191:3 ح 435.
2- الكافي 184:3 ح 3، التهذيب 191:3 ح 436.
3- الفقيه 101:1، المقنع: 20، الهداية: 25.
4- المقنعة: 37، النهاية: 145، المبسوط 184:1.
5- راجع: المهذب 130:1، المراسم: 79، الغنية: 501، الوسيلة: 119، نهاية الإحكام 2: 263.
6- السرائر: 81.
7- التهذيب 189:3 ح 429.

و أنت أعلم بسريرته. اللّهم إن كان محسنا فضاعف إحسانه، و ان كان مسيئا فتجاوز عن إساءته. ثم تكبّر الثانية و تفعل ذلك في كل تكبيرة»(1). و نحوه عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(2).

و في رواية سماعة يقول إذا كبّر: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله. اللّهم صل على محمد و آل محمد و على أئمة الهدى، و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا انك رءوف رحيم. اللّهم اغفر لأحيائنا و أمواتنا من المؤمنين و المؤمنات، و ألّف بين قلوبنا على قلوب خيارنا، و اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم.

فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرّك، فقل: اللّهم هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، و أنت أعلم به منا(3)، افتقر إليك و استغنيت عنه. اللّهم تجاوز عن سيئاته، و زد في حسناته، و اغفر له و ارحمه، و نوّر(4) في قبره، و لقّنه حجّته، و الحقه بنبيّه، و لا تحرمنا أجره، و لا تفتنا بعده. قل هذا حتى تفرغ من الخمس تكبيرات»(5).

و بهذا صدّر في الكافي، ثم أسند عن الحلبي و زرارة عن الصادق (عليه السلام): «يكبّر و يصلّي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله)». ثم ذكر الدعاء للميت و فيه: «و افسح له في قبره، و اجعله من رفقاء محمد (صلّى اللّه عليه و آله). ثم يكبّر الثانية، و يقول: اللّهم إن كان زاكيا فزكّه، و ان كان خاطئا فاغفر له. ثم يكبّر الثالثة، و يقول: اللّهم لا تحرمنا أجره، و لا تفتنّا بعده، ثم يكبّر الرابعة، و يقول:5.

ص: 434


1- الكافي 184:3 ح 3، التهذيب 191:3 ح 436.
2- الكافي 184:3 ح 4.
3- ليست في التهذيب، و في الكافي: «مني».
4- في المصدرين زيادة: «له».
5- الكافي 182:3 ح 1، التهذيب 191:3 ح 435.

اللّهم اكتبه عندك في علّيين، و اخلف له على عقبه في الغابرين، و اجعله من رفقاء محمد (صلّى اللّه عليه و آله)»(1).

و عن الحلبي عنه (عليه السلام) بعد كلّ تكبيرة: التشهد و الصلاة و الدعاء للميت، و فيه: «اللّهم اسلك بنا و به سبيل الهدى، و اهدنا و إياه إلى(2) صراطك المستقيم»(3).

و في رواية عمار عن الصادق (عليه السلام): «يكبّر، و يقول: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ . إِنَّ اَللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً . اللّهم صلّ على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، كما صليت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد. اللّهم صلّ على محمد و على أئمة المسلمين. اللّهم صلّ على محمد و على إمام المسلمين. اللّهم عبدك فلان و أنت أعلم به، اللّهم ألحقه بنبيّه، و افسح له في قبره، و نوّر له فيه، و صعّد روحه، و لقّنه حجته، و اجعل ما عندك خيرا له، و أرجعه إلى خير مما كان فيه.

اللّهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره، و لا تفتنّا بعده. اللّهم عفوك عفوك(4).

تقول هذا في الثانية و الثالثة و الرابعة، فإذا كبّرت الخامسة، فقل: اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد. اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و ألّف بين قلوبهم، و توفّني على ملّة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله). اللّهم اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رءوف رحيم.

اللّهم عفوك عفوك»(5).

و هذه الروايات مشتركة في تكرار الدعاء له بين التكبيرات، و في أكثرها4.

ص: 435


1- الكافي 183:3 ح 2، عن الحلبي عن زرارة عن الصادق (عليه السلام).
2- ليست في المصدر.
3- الكافي 184:3 ح 4.
4- في المصدر زيادة: «تقول هذا كله في التكبيرة الأولى، ثم تكبر الثانية و تقول: «اللّهم عبدك فلان ألحقه بنبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله، و افسح له.. تقول هذا في الثانية..».
5- التهذيب 330:3 ح 1034.

تكرار جميع الأذكار، و انفردت الأخيرة بالدعاء بعد الخامسة و نحن لا نمنع جوازه، فإنّ الدعاء حسن على كلّ حال.

و المشهور: توزيع الأذكار على ما مرّ، و نقل فيه الشيخ الإجماع(1)، و لا ريب أنّه كلام الجماعة، إلاّ ابن أبي عقيل و الجعفي، فإنّهما أوردا الأذكار الأربعة عقيب كلّ تكبيرة و ان تخالفا في الألفاظ(2).

قال الفاضل - رحمه اللّه - كلاهما جائز(3).

قلت: لاشتمال ذلك على الواجب، و زيادة غير منافية مع ورود الروايات بها، و ان كان العمل بالمشهور أولى. و لكن ينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمّنا بما ورد عنهم - عليهم السلام -، و لذلك أوردناها.

و ليقل أيضا ما ذكره ابن بابويه - بعد الشهادتين -: أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة. و في الدّعاء للميت: اللّهم اجعله عندك في أعلى عليّين، و اخلف على أهله في الغابرين، و ارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين(4).

و ما ذكره المفيد رحمه اللّه تعالى - بعد التشهّد -: «إلها واحدا أحدا، فردا صمدا، حيّا قيّوما، لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا، لا إله إلاّ اللّه الواحد القهّار، ربّنا و ربّ آبائنا الأولين. و في الدّعاء للمؤمنين: اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، و أدخل على موتاهم رأفتك و رحمتك، و على أحيائهم بركات سماواتك و أرضك، إنّك على كلّ شيء قدير.

و بعد الخامسة: اللّهم عفوك عفوك(5).

السابعة: هذا الدّعاء للمؤمنين،

و اما المستضعف - و هو: الذي لا يعرف

ص: 436


1- الخلاف 724:1 المسألة: 543.
2- مختلف الشيعة: 119.
3- مختلف الشيعة: 119.
4- الفقيه 101:1، المقنع: 20، الهداية: 25.
5- المقنعة: 37.

الحق، و لا يعاند فيه، و لا يوالي أحدا بعينه. و قال في العزية: يعرف بالولاء، و يتوقّف عن البراءة - فليقل ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): و إن كان منافقا(1) مستضعفا فكبّر و قل: اللّهم اغفر للذين تابوا و اتّبعوا سبيلك، و قهم عذاب الجحيم»(2). و زاد الجعفي إلى آخر الآيات. و في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «ربّنا اغفر» الى آخر الآيتين(3).

قال الصدوق: إن كان المستضعف منك بسبيل، فاستغفر له على وجه الشفاعة، لا على وجه الولاية(4)، لرواية الحلبيّ عن الصادق (عليه السلام)(5). و في مرسل ابن فضال عنه: «الترحّم على جهة الولاية و الشفاعة»(6).

و ان كان مجهولا، قال ما رواه ثابت أبو المقدام: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول على جنازة لقوم من جيرته: «اللّهم انك خلقت هذه النفوس، و أنت تميتها، و أنت تحييها، و أنت أعلم بسرائرها و علانيتها منّا، و مستقرّها و مستودعها. اللّهم و هذا عبدك و لا أعلم منه شرّا و أنت أعلم به، و قد جئناك شافعين له بعد موته، فإن كان مستوجبا فشفّعنا فيه، و احشره مع من كان يتولاّه»(7).

و قال الصدوق - رحمه اللّه - يقول: اللّهم هذه(8) أنت أحييتها، و أنتس.

ص: 437


1- في المصدرين: «واقفا».
2- الكافي 187:3 ح 2، التهذيب 196:3 ح 450. و الآية في سورة غافر: 7.
3- الكافي 186:3 ح 1، الفقيه 105:1 ح 489. و الآيتان في سورة غافر: 7-8.
4- الفقيه 106:1.
5- الكافي 187:3 ح 3، الفقيه 106:1 ح 491.
6- الكافي 187:3 ح 4.
7- الكافي 188:3 ح 6، التهذيب 196:3 ح 451.
8- في المصدر زيادة: النفس.

أمتّها، اللّهم ولّها ما تولّت و احشرها مع من أحبت»(1).

و روى إسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق (عليه السلام) في صلاة الجنازة: «اللّهم أنت خلقت هذه النفس، و أنت أمتّها، تعلم سرّها و علانيتها، أتيناك شافعين فيها فشفّعنا، ولّها ما تولّت، و احشرها مع من أحبّت»(2).

و روي عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في المجهول: «اللّهم إن كان يحبّ الخير و أهله فاغفر له، و ارحمه، و تجاوز عنه»(3).

و إن كان طفلا، فليقل ما رواه زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (عليه السلام): «اللّهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا»(4). و الفرط: الأجر المتقدم.

و قال المفيد - رحمه اللّه - يقول: اللّهم هذا الطفل كما خلقته قادرا و قبضته طاهرا، فاجعله لأبويه نورا، و ارزقنا أجره، و لا تفتنّا بعده(5).

و في الشرائع: سأل اللّه أن يجعله مصلحا لحال أبيه، شافعا فيه(6).

و ان كان ناصبا، فليقل ما رواه عامر بن السمط عن الصادق (عليه السلام): انّ منافقا مات فخرج الحسين (عليه السلام)، فقال مولى له: أفرّ من جنازته. فقال: «قم عن يميني فما تسمعني أقول فقل مثله». فلمّا ان كبّر عليه وليّه، قال الحسين: «اللّه أكبر، اللّهم العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة.

اللّهم أخز عبدك في عبادك و بلادك، و أصله حرّ نارك، و أذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، و يعادي أولياءك، و يبغض أهل بيت نبيّك»(7). و نحوه رواية3.

ص: 438


1- المقنع: 21.
2- الكافي 185:3 ح 6.
3- الكافي 187:3 ح 3، الفقيه 105:1 ح 491.
4- التهذيب 195:3 ح 449.
5- المقنعة: 38.
6- شرائع الإسلام 107:1.
7- الكافي 188:3 ح 2، التهذيب 197:3 ح 453.

صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السلام) في القضيّة بعينها، و قال فيها: فرفع يده، يعني: الحسين (عليه السلام)(1).

و عن الحلبي عنه (عليه السلام): «اللّهم انّ فلانا لا نعلم إلاّ أنّه عدو لك و لرسولك، فاحش قبره نارا، و احش جوفه نارا، و عجّله الى النار، فإنّه كان يتولى أعداءك، و يعادي أولياءك، و يبغض أهل بيت نبيّك (صلّى اللّه عليه و آله). اللّهم ضيّق عليه قبره»(2)، و ذكر ابن أبي عقيل انّ ذلك المنافق سعيد بن العاص، «فإذا رفع فقل: اللّهم لا ترفعه و لا تزكّه»(3).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «إن كان جاحدا للحقّ فقل: اللّهم املأ جوفه نارا، و قبره نارا، و سلّط عليه الحيّات و العقارب» قاله أبي لامرأة سوء من بني أميّة، و زاد: «و اجعل الشيطان له قرينا»(4). فسأله محمد بن مسلم لأيّ شيء؟ فقال: «تعضضها الحيّات، و تلسعها العقارب، و الشيطان يقارنها في قبرها». قال: أو تجد ألم ذلك؟ قال: «نعم شديدا»(5).

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)، قال: «لما مات عبد اللّه بن أبي قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لما حضر جنازته: اللّهم احش جوفه نارا، و املأ قبره نارا، و أصله نارا»(6).

قلت: الظاهر أنّ الدعاء على هذا القسم غير واجب، لأنّ التكبير عليه أربع و بها يخرج من الصلاة.

و في الدّعاء للمرأة تقول: اللّهم أمتك بنت أمتك، ثمّ تلحقها علامة2.

ص: 439


1- قرب الاسناد: 29، الكافي 189:3 ح 3، الفقيه 105:1 ح 490.
2- الكافي 189:3 ح 4، الفقيه 105:1 ح 491.
3- الكافي 189:3 ح 4، الفقيه 105:1 ح 491.
4- كذا في النسخ الثلاث، و في المصدر: لها.
5- الكافي 189:3 ح 5.
6- الكافي 188:3 ح 1، التهذيب 196:3 ح 452.

التأنيث إلى آخر الدّعاء.

و للعامة عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) دعوات في صلاة الميت، ففي الصّحاح رواية عوف بن مالك: «اللّهم اغفر له، و ارحمه، و عافه و اعف عنه، و أكرم نزله، و وسّع مدخله، و اغسله بالماء و الثلج و البرد، و نقّه من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس، و أبدله دارا خيرا من داره، و أهلا خيرا من أهله، و زوجا خيرا من زوجه، و أدخله الجنة و قه فتنة القبر، و عذاب النّار». قال عوف:

حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت(1).

و في الحسان: «اللّهم اغفر لحيّنا و ميّتنا، و شاهدنا و غائبنا، و صغيرنا و كبيرنا، و ذكرنا و أنثانا. اللّهم من أحييته منّا فأحيه على الإسلام، و من توفيته منّا فتوفّه على الإيمان. اللّهم لا تحرمنا أجره، و لا تفتنّا بعده»(2).

و من الحسان رواية واثلة بن الأسقع: «اللّهم انّ فلان بن فلان في ذمّتك و حبل جوارك، فقه من فتنة القبر و عذاب النار، و أنت أهل الوفاء و الحق. اللّهم اغفر له و ارحمه، إنّك أنت الغفور الرحيم»(3).

الثامنة: لا تجب فيها الطهارة إجماعا منّا،

فتجوز للجنب و الحائض و المحدث، لأنّ الغرض الدّعاء و هي غير واجبة فيه. و عليه نبّه خبر يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام)، و سأله عن فعلها على غير وضوء، فقال:

«نعم، إنّما هي: تكبير، و تسبيح، و تمجيد، و تهليل، كما تكبّر و تسبّح في بيتك على غير وضوء»(4).

و روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، و محمد بن مسلم، و من أخبر عبد اللّه بن

ص: 440


1- صحيح مسلم 662:2 ح 963، سنن النسائي 73:4، السنن الكبرى 40:4.
2- سنن ابن ماجة 480:1 ح 1498، سنن أبي داود 211:3 ح 3201 سنن النسائي 74:4.
3- سنن ابن ماجة 480:1 ح 1499، سنن أبي داود 211:3 ح 3202.
4- تقدم في ص 432 الهامش 5.

المغيرة، جميعا عنه (عليه السلام): جواز صلاة الحائض على الجنازة(1). و كذا مرسل حريز عنه (عليه السلام) في صلاة الحائض، معلّلا: بأنّه لا ركوع فيها و لا سجود، و قال: «الجنب يتيمّم و يصلّي عليها»(2).

و روى سماعة عنه (عليه السلام): تيمّم الحائض إذا حضرت الجنازة(3).

نعم، يستحبّ، لرواية عبد الحميد بن سعد، عن أبي الحسن (عليه السلام): «تكون على طهر أحبّ إليّ»(4) و خصوصا للإمام، حتّى أنّ ابن الجنيد قال: لا بأس بالتيمّم إلاّ للإمام ان علم ان خلفه متوضّئا، و لا بأس بالصّلاة للمأموم عليها بغير طهارة(5). و كأنّ نظره الى إطلاق الخبر بكراهة ائتمام المتوضئ بالمتيمّم، قلنا: ذلك في الصلاة الحقيقية.

التاسعة: لا تجب فيها القراءة باتفاقنا،

لرواية ابن مسعود: لم يوقّت لنا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في صلاة الجنازة قولا و لا قراءة، اختر من طيّب القول ما شئت(6) و لما مرّ.

و عن إسماعيل الجعفي، عن الباقر (عليه السلام): «ليس في الصّلاة على الميت قراءة»(7).

و في الأحاديث لم تذكر القراءة إلاّ في حديثين:

أحدهما: عن علي بن سويد، عن الرضا (عليه السلام) - فيما نعلم -:

«تقرأ في الأولى بأمّ الكتاب، و في الثانية تصلّي على النبي (صلّى اللّه عليه و آله)

ص: 441


1- الكافي 179:3 ح 3، 4، التهذيب 203:3 ح 478، 479، 482.
2- الكافي 179:3 ح 5، التهذيب 204:3 ح 480.
3- الفقيه 107:1 ح 497، التهذيب 204:3 ح 481.
4- الكافي 178:3 ح 3، التهذيب 203:3 ح 476.
5- مختلف الشيعة: 121.
6- سبل السلام 560:2، و نحوه في المصنف لابن أبي شيبة 203:3، السنن الكبرى 36:4، المغني 366:2.
7- الكافي 185:3، التهذيب 193:3 ح 442، الاستبصار 476:1 ح 1843.

و تدعو في الثالثة للمؤمنين، و تدعو في الرابعة لميتك»(1).

قال الشيخ: أول ما فيه أنّ الراوي شاك في كونه الرّضا (عليه السلام)، و كما يكون شاكّا يجوز ان يكون قد وهم في القراءة، و لأنّه رواه بطريق آخر عن الكاظم (عليه السلام)، و اضطراب النقل دليل الضعف، و لو صحّ حمل على التقيّة(2).

و الثاني: عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه: «انّ عليها (عليه السلام) كان إذا صلّى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب، و يصلّي على النبي و آله (صلّى اللّه عليهم)»(3) و حمله الشيخ أيضا على التقيّة(4).

فرع:

قال الشيخ في الخلاف: تكره القراءة(5) و كأنّه نظر الى أنّه تكلّف ما لم يثبت شرعه. و يمكن أن يقال بعدم الكراهية، لأنّ القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه، و الأخبار خالية عن النهي و غايتها النفي، و كذا كلام الأصحاب. لكنّ الشيخ نقل الإجماع بعد ذلك(6) و قد يفهم منه الإجماع على الكراهية، و نحن فلم نر أحدا ذكر الكراهية فضلا عن الإجماع عليها.

العاشرة: أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها،

و ظاهرهم عدم مشروعيته فضلا عن استحبابه.

قال في الخلاف: ليس فيها تسليم، و احتجّ عليه بإجماع الفرقة، و نقل عن

ص: 442


1- التهذيب 193:3 ح 440، الاستبصار 477:1 ح 1844.
2- التهذيب 193:3 و حديث الكاظم (عليه السلام) فيه برقم 441.
3- التهذيب 319:3 ح 988، الاستبصار 477:1 ح 1845.
4- راجع الهامش السابق.
5- الخلاف 723:1 المسألة: 542.
6- الخلاف 723:1 المسألة: 542.

العامة التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنّة(1) و هو يفهم كونه عنده غير سنّة.

و قال ابن الجنيد: و لا استحبّ التسليم فيها، فإن سلّم الإمام فواحدة عن يمينه(2). و هذا يدلّ على شرعيته للإمام و عدم استحبابه لغيره، أو على جوازه للإمام من غير استحباب بخلاف غيره.

و احتجّ المرتضى بعد الإجماع بأنّ مبناها على التخفيف، و لهذا حذف منها الركوع و السجود، فغير منكر أن يحذف التسليم(3).

و قال ابن أبي عقيل: لا تسلّم، لأنّ التسليم في الصّلاة التي فيها الركوع و السجود، و لذلك(4) لا تسليم في صلاة الخوف التي ليس فيها ركوع و لا سجود.

لنا على عدمه في الجملة إطباق الأصحاب على تركه علما و عملا، و خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «ليس في الصّلاة على الميت تسليم»(5).

و عن الحلبي - بطريق آخر - و عن زرارة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): «ليس في الصّلاة على الميت تسليم»(6).

و عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام): «لا سلام فيها»(7).

و في خبر أمّ سلمة: «ثمّ كبّر و انصرف»(8) و لم تذكر التسليم، و كذا في أكثر الأخبار.1.

ص: 443


1- الخلاف 724:1 المسألة: 544.
2- مختلف الشيعة: 119.
3- الانتصار: 60.
4- في س: كذلك.
5- الكافي 185:3 ح 2، التهذيب 192:3 ح 437، الاستبصار 477:1 ح 1846.
6- الكافي 185:3 ح 3، التهذيب 192:3 ح 438، الاستبصار 477:1 ح 1847.
7- التهذيب 192:3 ح 439، الاستبصار 477:1 ح 1848.
8- الكافي 181:3 ح 3، الفقيه 100:1 ح 469، التهذيب 189:3 ح 431.

و قد أورد في التهذيب التسليم في أربعة أخبار:

مضمر سماعة: «فإذا فرغت سلّمت عن يمينك»(1)، و هو يعطي التسليم مطلقا.

و خبر الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس، عن الصادق (عليه السلام):

«و الخامسة يسلّم، و يقف مقدار ما بين التكبيرتين، و لا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه»(2).

و خبر عمار عن الصادق (عليه السلام): سئل عن ميت صلّي عليه، و لمّا سلّم الإمام فإذا الميت مقلوب(3).

و هذان يدلان على تسليم الإمام، و الثاني منهما حكاية فعل الإمام إلاّ أنّه لم يذكر إنكار المعصوم إيّاه.

و خبر عمّار عنه (عليه السلام): سألته عن الصلاة على الميت، فقال:

«تكبّر».. الى قوله: «اللّهم عفوك عفوك، و تسلّم»(4) و هذا كالأول في إطلاق التسليم. و هي بأسرها ضعيفة الاسناد، معارضة للمشهور، محمولة على التقيّة.

و امّا شرعيّة التسليم استحبابا أو جوازا، فالكلام فيه كالقراءة إذ الإجماع المعلوم إنّما هو على عدم وجوبه، و مع التقيّة لا ريب فيه.

الحادية عشرة: يجب فيها استقبال المصلّي،

إلحاقا لها بسائر الصلوات.

و في وجوب إزالة الخبث عنه و عن ثوبه نظر، من الأصل و أنّها دعاء، و أخفّية الخبث بالنسبة إلى الحدث، و من ثمّ صحّت الصلاة مع الخبث لا مع بقاء حكم الحدث. و من إطلاق التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك، و للاحتياط. و لم أقف في هذا على نصّ و لا فتوى.

ص: 444


1- التهذيب 191:3 ح 435، الاستبصار 478:1 ح 1849.
2- التهذيب 318:3 ح 987.
3- الكافي 174:3 ح 2، التهذيب 201:3 ح 470، الاستبصار 482:1 ح 1870.
4- التهذيب 330:3 ح 1034.

و يجب الاستقبال بالميت، بأن يوضع رأسه عن يمين المصلّي مستلقيا و رجلاه الى يسار المصلّي، قال ابن حمزة: بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة(1)تأسّيا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام)، و لدلالة خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) عليه حيث قال: و سئل عن ميت صلّي عليه، فلمّا سلّم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه، قال: «يسوى، و تعاد الصلاة عليه و إن كان قد حمل ما لم يدفن، فان كان قد دفن فقد مضت الصّلاة عليه، لا يصلّى عليه و هو مدفون»(2). و الأصحاب عاملون بهذه الأحكام كلّها.

و يجب أن يكون إمام المصلّي بغير تباعد فاحش، و لا يجوز التباعد بمائتي ذراع. و لو كان خلف المصلّي لم يصحّ عندنا. و الحمل على الغائب خطأ على خطأ.

و إنّما يجب الاستقبال مع الإمكان، فيسقط لو تعذّر من المصلّي أو الجنازة، كالمصلوب الذي يتعذّر إنزاله، كما روى أبو هاشم الجعفري عن الرضا (عليه السلام): «إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، فإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإنّ بين المشرق و المغرب قبلة، و إن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، فإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، و كيف كان منحرفا فلا تزايلنّ مناكبه، و ليكن وجهك الى ما بين المشرق و المغرب، و لا تستقبله و لا تستدبره البتة».. قال الرّضا (عليه السلام): «أمّا علمت أنّ جدّي صلّى على عمه»(3)، يعني الصادق (عليه السلام) و زيدا رضي اللّه عنه.

و هذه الرواية و ان كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق(4) و أكثر الأصحاب لم1.

ص: 445


1- الوسيلة: 118.
2- الكافي 174:3 ح 2، التهذيب 201:3 ح 470، 323 ح 1004، الاستبصار 483:1 ح 1870.
3- الكافي 215:3 ح 2، عيون أخبار الرضا 255:1، التهذيب 327:3 ح 1021.
4- عيون أخبار الرضا 256:1.

يذكروا مضمونها في كتبهم، إلاّ أنّه ليس لها معارض و لا رادّ.

و قد قال أبو الصلاح و ابن زهرة: يصلّى على المصلوب، و لا يستقبل وجهه الإمام في التوجّه(1) فكأنّهما عاملان بها، و كذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد(2) و الفاضل في المختلف قال: ان عمل بها فلا بأس(3).

و ابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب إن صلّي عليه و هو على خشبته استقبل وجهه وجه المصلّي، و يكون هو مستدبر القبلة، ثمّ حكم بأنّ الأظهر إنزاله بعد الثلاثة، و الصلاة عليه(4).

قلت: هذا النقل لم نظفر به، و إنزاله قد يتعذّر كما في قصة زيد (عليه السلام).

الثانية عشرة: الأجود ترك ما يترك في ذات الركوع،

و الإبطال بما تبطل به، خلا ما يتعلّق بالحدث و الخبث على ما تقدّم.

و الشاك في عدد تكبيراتها يبني على الأقل، لأنّه المتيقّن. فلو فعله ثمّ ذكر سبقه، فالأقرب: الصحّة، بناء على أنّ التكبير ذكر حسن في نفسه. و يحتمل البطلان، لأنّه ركن زيد. امّا زيادة الدّعوات فلا تضرّ قطعا.

و لو صلّى قاعدا ناسيا، فالأولى: البطلان أيضا، لركنيّة القيام. و كذا لو قعد في بعضها ناسيا إن أتى بالتكبير فيه.

ص: 446


1- الكافي في الفقه: 157، الغنية: 502.
2- الجامع للشرائع: 122.
3- مختلف الشيعة: 120.
4- السرائر: 34.
المطلب الثاني: في سننها.
اشارة

و فيه مسائل:

الأول: يستحبّ كثرة المصلّين،

لرجاء مجاب الدعوة فيهم. و في الأربعين بلاغ، ففي الصحاح عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون باللّه شيئا، إلاّ شفّعهم اللّه فيه»(1).

و روينا عن عمر بن يزيد، عن الصادق (عليه السلام): «إذا مات المؤمن، فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللّهم إنّا لا نعلم إلاّ خيرا، و أنت أعلم به منّا، قال اللّه تعالى: قد أجزت شهادتكم، و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون»(2).

و المائة أبلغ، لما في الصحاح عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ما من ميت، يصلّي عليه امة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له، إلاّ شفّعوا فيه»(3).

و أقلّ الفضل اثنان، لما في الصحاح عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «أيّما مؤمن شهد له أربعة بخير أدخله اللّه الجنة». قلنا: و ثلاثة؟ قال: «و ثلاثة» قلنا: و اثنان؟ قال: «و اثنان». ثمّ لم نسأله عن الواحد(4).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله) من الصحاح: انّهم مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «وجبت» ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرّا، فقال: «وجبت» فقيل له (صلّى اللّه عليه و آله): ما وجبت؟ فقال: «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة، و هذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النار، المؤمنون

ص: 447


1- مسند أحمد 277:1، صحيح مسلم 665:2 ح 948، سنن أبي داود 203:3 ح 317.
2- الكافي 254:3 ح 14، الفقيه 102:1 ح 472.
3- مسند أحمد 32:6، صحيح مسلم 654:2 ح 947، الجامع الصحيح 348:3 ح 1029، سنن النسائي 75:4، مسند أبي يعلى 633:7 ح 4398، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 5: 33 ح 3070.
4- مسند أحمد 22:1، صحيح البخاري 222:3، سنن النسائي 51:4.

شهداء اللّه في الأرض»(1).

قال الفاضل: و ليكونوا ثلاثة صفوف، لما روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب»(2).

قلت: الخبر عامي، و لكنّ فضائل الأعمال ربّما تثبت بالخبر الضعيف.

و يستحبّ تسوية الصفّ (3) كالمكتوبة، لما يأتي ان شاء اللّه تعالى. و قول عطاء: بعدم استحباب التسوية هنا(4) مخالف للإجماع.

و وقوف الواحد خلفه و ان كان رجلا، لخبر اليسع بن عبد اللّه القمّي عن الصادق (عليه السلام): «يقوم خلفه، و لا يقوم بجنبه»(5) و الظاهر أنّ المرأتين تقفان صفّا، لظاهر الخبر في صلاتهنّ على الجنازة(6)، و لأنّه أنسب بالستر، و كذلك العاريان.

و أفضل الصفوف المؤخر، لخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «خير الصفوف في الصلاة المقدّم، و في الجنائز المؤخّر لأنّه سترة للنساء»(7). و جعل الصدوق سبب الخبر: ترغيب النساء في التأخّر منعا لهنّ عن الاختلاط بالرجال في الصلاة، كما كنّ يصلّين على عهد النبي (صلّى1.

ص: 448


1- مسند أحمد 186:3، صحيح البخاري 121:2، صحيح مسلم 655:2 ح 949، سنن ابن ماجة 478:1 ح 1491، سنن النسائي 49:4 مسند أبي يعلى 181:6 ح 3466.
2- تذكرة الفقهاء 49:1، نهاية الإحكام: 266:2. و حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله في: الجامع الصحيح 347:3 ح 1028، و نحوه في: سنن ابن ماجة 478:1 ح 1490، سنن أبي داود 202:3 ح 3166، المستدرك على الصحيحين 1: 362.
3- في س: الصفوف.
4- المغني 372:2، الشرح الكبير 348:6.
5- الكافي 176:3 ح 1، الفقيه 103:1 ح 477، التهذيب 319:3 ح 990، باختصار في الألفاظ.
6- الفقيه 259:1 ح 1177، التهذيب 206:3 ح 488، الاستبصار 427:1 ح 1648.
7- الكافي 176:3 ح 3، علل الشرائع 306:1، التهذيب 319:3 ح 991.

اللّه عليه و آله) و يتقدّمن، و إن كان الحكم بالأفضليّة عاما لهنّ و للرجال(1).

الثانية: يستحبّ نزع الحذاء، لا الخف،

لخبر سيف بن عميرة عن الصادق (عليه السلام): «لا يصلّى على الجنازة بحذاء، و لا بأس بالخف»(2).

قال في المقنع: روي أنّه لا يجوز للرجل أن يصلّي على جنازة بنعل حذو.

و كان محمد بن الحسن يقول: كيف تجوز صلاة الفريضة به، و لا تجوز صلاة الجنازة؟ و كان يقول: لا نعرف النهي عن ذلك إلاّ من رواية محمد بن موسى الهمداني، و كان كذّابا. قال الصدوق: و صدق في ذلك، إلاّ انّي لا أعرف عن غيره رخصة، و أعرف النهي و ان كان عن غير ثقة، و لا يردّ الخبر بغير خبر معارض(3).

قلت: قد روى الكليني عن عدّة، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، ما قلناه(4). و هذا طريق غير طريق الهمداني، إلاّ أن يفرّق بين الحذاء و نعل الحذو.

و احتجّ في المعتبر على استحباب الحفاء - و هو عبارة ابن البراج(5) - بما روي عن بعض الصّحابة ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، قال: «من اغبرّت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما اللّه على النار»، و لأنّه موضع اتّعاظ فناسب التذلّل بالحفاء(6).

قلت: استحباب الحفاء يعطي استحباب نزع الخف، و الشيخ و ابن الجنيد و يحيى بن سعيد استثنوه(7)، و الخبر ناطق به.

ص: 449


1- الفقيه 106:1.
2- الكافي 176:3 ح 2، التهذيب 206:3 ح 491.
3- لم يلاحظ في المقنع، و في الفقيه 55:2-241 إشارة إلى ضعف محمد بن موسى الهمداني فقط.
4- راجع الهامش 2.
5- المهذب 130:1.
6- المعتبر 355:2. و حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله في صحيح البخاري 9:3، و سنن النسائي 14:6.
7- النهاية: 145، المبسوط 184:1، الجامع للشرائع: 122.

و في التذكرة اختار عدم نزع الخف، و احتج بحجة المعتبر(1) و هو تام لو ذكر الدليل المخرج للخف عن مدلول الحديث.

الثالثة: ينبغي ان يكون بين الإمام و الميت شيء يسير،

قاله الشيخ(2)و الجماعة(3) و كأنّه للتحرّز عن التباعد عنها.

و يستحبّ إيقاعها في المواضع المعتادة، قاله الأصحاب(4) أمّا للتبرّك بها لكثرة من صلّى فيها، و أمّا لان السامع بموته يقصدها.

و يكره إيقاعها في المساجد - إلاّ بمكة - خوفا من التلطيخ، و لرواية أبي بكر بن عيسى العلوي عن الكاظم (عليه السلام): انّه منعه من الصلاة على جنازة في المسجد، و قال: «إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد»(5) فيحمل على الكراهة، جمعا بينه و بين خبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام):

و سأله هل يصلّى على الميت في المسجد؟ قال: «نعم»(6) و مثله خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(7).

و مسجد مكة استثناه الشيخ في الخلاف من الكراهية، و احتجّ بالإجماع عقيب ذكر الكراهية و الاستثناء(8).

قلت: لعلّه لكونها مسجدا بأسرها، كما في حق المعتكف و صلاة العيد.

و قال ابن الجنيد: لا بأس بها في الجوامع(9) و حيث يجتمع الناس على الجنازة

ص: 450


1- تذكرة الفقهاء 49:1.
2- المبسوط 184:1، النهاية: 144.
3- راجع: السرائر: 81، المهذب 130:1.
4- راجع: الوسيلة: 119، المهذب 130:1، المعتبر 356:2، نهاية الإحكام 266:2.
5- الكافي 182:3 ح 1، التهذيب 326:3، ح 1016، الاستبصار 473:1 ح 1831.
6- الفقيه 102:1 ح 473، التهذيب 320:3 ح 992، 325 ح 1013، الاستبصار 473:1 ح 1829.
7- التهذيب 320:3 ح 993، 325 ح 1014، الاستبصار 473:1 ح 1830.
8- الخلاف 721:1 المسألة: 538.
9- في م: الجامع.

دون المساجد الصغار.

الرابعة: لا كراهة في فعلها في الأوقات الخمسة في أشهر الأخبار،

لأنّها دعاء مجرّد، و واجبة، و ذات سبب، و لخبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «يصلّى على الجنازة في كلّ ساعة، انّها ليست صلاة ركوع و لا سجود، و إنّما تكره عند طلوع الشمس و غروبها، التي فيها الركوع و السجود»(1).

و خبر عبيد اللّه الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس و حين تطلع، انّما هو استغفار»(2) و يقرب منه خبر جابر عن الباقر (عليه السلام)(3) و هذه و إن لم يصرّح فيها بالخمس فالتعليل يقتضيه.

و خبر محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): و سأله هل يمنع شيء من هذه الساعات عن صلاة الجنازة، فقال: «لا»(4).

و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام) بكراهيتها حين تصفرّ الشمس و حين تطلع(5) لا يعارض المشهور، و الشيخ حمله على التقيّة(6).

و لو اتفقت في وقت حاضرة، قال المحقّق: تخير ما لم يخف على الميت أو يخف فوت الحاضرة، جمعا بين رواية جابر عن الباقر (عليه السلام): و سأله في الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة، فقال: «عجّل الميت، إلاّ أن تخاف فوت الفريضة»، و رواية هارون بن حمزة عن الصادق (عليه السلام): «إذا دخل وقت مكتوبة، فابدأ بها قبل الصلاة على الميت، إلاّ أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو ذلك»(7).

ص: 451


1- الكافي 180:3 ح 2، التهذيب 321:3 ح 998، الاستبصار 470:1 ح 1814.
2- التهذيب 321:3 ح 999، الاستبصار 470:1، ح 1815.
3- التهذيب 320:3 ح 995، الاستبصار 469:1، ح 1812.
4- الكافي 180:3 ح 1، التهذيب 321:3 ح 997، الاستبصار 469:1 ح 1813.
5- التهذيب 321:1 ح 1000، الاستبصار 470:1 ح 1816.
6- راجع الهامش السابق.
7- المعتبر 360:2. و رواية جابر في التهذيب 320:3 ح 995، الاستبصار 469:1 ح 1812. و رواية هارون في التهذيب 320:3 ح 994.

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام): «لا صلاة في وقت صلاة، إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب، ثمّ صلّ على الجنائز»(1). فإنّه لمّا تعارضتا في التقديم انتفت الأولوية، و هو معنى التخيير.

قلت: الأقرب استحباب تقديم المكتوبة ما لم يخف على الميت، لأفضليّتها، و عموم أحاديث أفضليّة أول الوقت كما يأتي ان شاء اللّه، و خبر جابر ضعيف السند، مع انّ الشيخ و ابن البراج و ابن إدريس على ما قلناه(2).

فرع:1.

ص: 452


1- التهذيب 320:3 ح 996.
2- النهاية: 146، المهذب 132:1، السرائر: 81.

الصلاة على القبر، إلاّ أنّه يشكل بأنّ زمان فعل الحاضرة يخاف فيه على الميت قبل الدفن، فيجب تعجيل دفنه خوفا من الحادث و لا يتمّ إلاّ بالصلاة، على أنّه يمكن هنا تأخّر الصلاة عليه عن الدفن إذا خيف بسببها، فتبقى في الحقيقة المعارضة بين المكتوبة و دفنه. و من هذا يعلم حكم تضيّقهما معا، و ما لو جامعت صلاة واجبة غير المكتوبة.

الخامسة: الأفضل وقوف الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة،

لمرسل عبد اللّه بن المغيرة عن الصادق (عليه السلام): «قال علي (عليه السلام): من صلّى على امرأة فلا يقوم وسطها، و يكون ممّا يلي صدرها، و إذا صلّى على الرجل فليقم في وسطه»(1).

و في خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام): «إذا صلّيت على المرأة فقم عند رأسها، و إذا صلّيت على رجل فقم عند صدره»(2).

قال الشيخ: لا تنافي لأنّ الشيء يعبّر عنه بما يجاوره(3).

و عن عمرو بن شمر عن جابر عن الباقر (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقوم من الرجل بحيال السرّة، و من النساء دون ذلك من قبل الصّدر»(4).

و في الخلاف: يقف عند رأس الرجل و صدر المرأة(5).

و في الاستبصار عمل على خبر موسى بن بكر(6).

ص: 453


1- الكافي 176:3 ح 1، التهذيب 190:3 ح 433، الاستبصار 471:1 ح 818.
2- الكافي 177:3 ح 2، التهذيب 190:3 ح 432، 319 ح 989، الاستبصار 470:1 ح 1817.
3- التهذيب 190:3.
4- التهذيب 190:3 ح 434، الاستبصار 471:1 ح 1819.
5- الخلاف 731:1 المسألة: 562.
6- الاستبصار 471:1.
السادسة: لو تعدّدوا أجزأت الصلاة الواحدة،

و عليه دلّت رواية عمار(1)و الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(2). و محمد بن مسلم عن أحدهما(3).

و مضمرة سماعة(4).

و التفريق أفضل و لو على كلّ طائفة، لما فيه من تكرار ذكر اللّه، و تخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم، إلاّ أن يخاف حدوث أمر بالميت فالصلاة الواحدة أولى.

فيستحبّ إذا اجتمع الرجل و المرأة محاذاة صدرها لوسطه، ليقف الإمام موقف الفضيلة، و أن يلي الرجل الإمام، ثم الصبي لست، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الطفل لدون ست، ثم الطفلة.

و جعل ابن الجنيد الخصيّ (5) بين الرجل و الخنثى(6).

و نقل في الخلاف الإجماع على تقديم الصبيّ الذي تجب عليه الصلاة الى الإمام على المرأة، لأنّ الحسن و الحسين (عليهما السلام) صلّيا على أم كلثوم أختهما و ابنها زيد، و هو مقدّم عليها، رواه عمار بن ياسر(7).

و روى ابن بكير مرسلا عن الصادق (عليه السلام): «توضع النساء ممّا يلي

ص: 454


1- الكافي 174:3 ح 2، التهذيب 322:3 ح 1004، الاستبصار 472:1 ح 827.
2- التهذيب 323:3 ح 1008، الاستبصار 471:1 ح 1853.
3- الكافي 175:3 ح 4، التهذيب 323:3 ح 1005، الاستبصار 471:1 ح 1822.
4- الكافي 175:3 ح 6، التهذيب 322:3 ح 1003، الاستبصار 472:1 ح 1826.
5- في ط، س: الصبي.
6- مختلف الشيعة: 121.
7- الخلاف 722:1 المسألة: 541. و الرواية في: المصنف لعبد الرزاق 465:3 ح 6337، المصنف لابن أبي شيبة: 314:3، سنن الدار قطني 79:2، السنن الكبرى 33:4، عن ابن عمر. و في: سنن أبي داود 208:3 ح 1393، سنن النسائي 71:4، السنن الكبرى 33:4، عن عمار مولى الحرث بن نوفل.

القبلة، و الصبيان دونهم، و الرجال دون ذلك»(1).

و هذان الخبران ليس فيهما تعيين سن الصبيّ بل الإطلاق، و كذا أطلق الصدوقان تقديم الصبيّ الى الإمام(2) و ما قيّدنا به: تقييد الخلاف و المبسوط(3) لأنّ مراعاة الواجب أولى من الندب، و الصلاة على من دون السّت ندب. و في النهاية: أطلق تقديم الصبيّ إلى القبلة على المرأة(4)، و خبر طلحة الآتي قد يدلّ عليه.

و لا خلاف انّ الرجل يلي الإمام، إلاّ من الحسن البصري و ابن المسيّب(5).

لنا: ما مرّ، و قد كان في الجنازة الحسنان، و ابن عباس، و أبو سعيد، و ابن عمر، و أبو قتادة، و أبو هريرة، و قالوا: هكذا السّنة(6). و روى تقديم الرجل الى الإمام، زرارة و الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(7)، و محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(8). و روى أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «في كتاب علي تقدم الرجال»(9).

و عن طلحة بن زيد، عنه (عليه السلام): انّ عليا (عليه السلام) قدّم المرأة و أخّر الرجل، و قدّم العبد و أخّر الحر، و قدّم الصغير و أخّر الكبير(10).

قلت: المراد به التقديم إلى القبلة.1.

ص: 455


1- الكافي 175:3 ح 5، التهذيب 323:3 ح 1007، الاستبصار 472:1 ح 1824.
2- الفقيه 107:1، المقنع: 21، مختلف الشيعة: 121.
3- المبسوط 184:1، الخلاف 722:1 المسألة: 541.
4- النهاية: 144.
5- المجموع 228:5.
6- راجع ص 368 الهامش 7. و في بعضها لم يورد اسم الحسنان عليهما السلام.
7- التهذيب 323:3 ح 1006، الاستبصار 471:1 ح 1823.
8- الكافي 174:3 ح 1، التهذيب 321:3 ح 1001، الاستبصار 471:1 ح 1820.
9- الكافي 175:3 ح 6، التهذيب 322:3 ح 1003، الاستبصار 472:1 ح 1826.
10- الكافي 175:3 ح 3، الفقيه 106:1 ح 492، التهذيب 322:3 ح 1002، الاستبصار 1: 471 ح 1821.

و إنّما جعلناه مستحبّا جمعا بين ما سبق، و بين صحيح هشام بن سالم، عن الصادق (عليه السلام): «لا بأس ان يقدّم الرجل و تؤخّر المرأة، و يؤخّر الرجل و تقدّم المرأة» يعني في الصلاة على الميت(1).

و عن عبيد اللّه الحلبي، سألته عن الرجل و المرأة كيف يصلّى عليهما؟ قال:

«يكون الرجل بين يدي المرأة ممّا يلي القبلة، و يكون رأس المرأة عند وركيه»(2)، و الظاهر أنّه الإمام، و هو دليل الجواز.

تفريع:

ظاهر خبر طلحة إنّ الأسنّ مقدّم الى الإمام، لدلالة الصغر و الكبر عليه، و هو الذي فهمه يحيى بن سعيد رحمه اللّه(3)، فعلى هذا، متى اجتمع حرّان، أو عبدان أو حرتان، أو أمتان، أو صبيان، قدّمنا أسنّهما الى الإمام. و يمكن أن يراد بالصغر دون البلوغ.

و الأقرب: أنّ الحرّة مقدّمة على الأمة، لفحوى الحرّ و العبد. أمّا الحرّة و العبد، فتعارض فيه فحوى الرجل و المرأة و الحرّ و العبد، لكنّ الأشهر تغليب جانب الذكورية، فيقدّم العبد الى الإمام.

السابعة: لو اجتمع الرجال صفّوا مدرّجا،

يجعل رأس الثاني إلى ألية الأول و هكذا، ثم يقوم الإمام في الوسط. و لو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأولى الى ألية الرجل الأخير، ثم الثانية إلى الأولى و هكذا، ثم يقوم وسط الرجال و يصلّي عليهم صلاة واحدة. روى ذلك كلّه عمار عن الصادق (عليه السلام)(4).

ص: 456


1- الفقيه 106:1 ح 493، التهذيب 324:3 ح 1009، الاستبصار 473:1 ح 1828.
2- التهذيب 323:3 ح 1008، الاستبصار 472:1 ح 1825.
3- الجامع للشرائع: 123.
4- الكافي 174:3 ح 2، و في التهذيب 322:3 ح 1004 باختلاف أشار إليه البحراني في الحدائق الناضرة 439:10.

و قال في التذكرة: يقدم الأفضل الى الإمام، كما يقدّم أفضل المأمومين إلى الصفّ الأول، و لأنّه نوع تعظيم فالأفضل أولى به، مع حكمه قبل ذلك بالتدريج(1)، و هو مدفوع بإطلاق النصّ و الأصحاب.

تفريع:

لا فرق في التدريج إذا كان المجتمعون صنفا واحدا بين صفّ الرّجال و النساء، و الأحرار و العبيد، و الإماء و الأطفال. و الظاهر: أنّه يجعلهم صفّين كتراصّ البناء، لئلاّ يلزم الانحراف عن القبلة، و إن كان ظاهر الرواية أنّه صفّ واحد.

و الأقرب: جواز الجمع بين من يجب عليه و من يستحب و إن اختلفا في الوجه، لإطلاق الأخبار في ذلك. فحينئذ يمكن الاكتفاء بنيّة الوجوب، لزيادة الندب تأكيدا. و يمكن أن ينوي الوجهان معا بالتوزيع - قاله في التذكرة(2) - لعدم التنافي، لاختلاف الاعتبارين. و يشكل: بأنّه فعل واحد من مكلف واحد، فكيف يقع على وجهين؟!.

الثامنة: الإجماع على استحباب رفع اليدين في التكبير الأول.

و هل يستحبّ في الباقي؟ الأكثر على نفيه، و هو مروي من فعل علي (عليه السلام) بطريق غياث بن إبراهيم، و إسماعيل بن إسحاق، عن الصادق (عليه السلام)، حيث قال: «كان عليّ (عليه السلام) يرفع يديه في أول التكبير، ثم لا يعود حتى ينصرف»(3).

و ظاهر كتابي الأخبار - و هو اختيار المعتبر(4) - استحبابه في الكلّ (5).

ص: 457


1- تذكرة الفقهاء 50:1.
2- تذكرة الفقهاء 50:1.
3- التهذيب 194:3 ح 443، 444، الاستبصار 478:1 ح 1853، 1854.
4- المعتبر 356:2.
5- راجع: التهذيب 194:3، الاستبصار 479:1.

و قد رواه عبد الرحمن العرزمي(1) و عبد اللّه بن خالد(2) من فعل الصادق (عليه السلام). و رواه يونس عن أمر الرضا (عليه السلام)، و قال له: إنّ الناس يرفعون في الاولى لا غير، فقال: «ارفع يدك في كلّ تكبيرة»(3). و هذه الطرق و إن ضعف بعضها، إلاّ أنّها مشهورة بين الأصحاب.

و قال في المعتبر: ما دلّ على الزيادة أولى. و لأنّ رفع اليدين مراد للّه في أول التكبير، و هو دليل الرجحان، فيشرع في الباقي تحصيلا للأرجحية. و لأنّه فعل مستحب، فجاز أن يفعل مرّة و يخلّ به اخرى، فلذلك اختلفت الروايات(4).

قلت: رواية النقيصة تدلّ على نفي الزائد صريحا، فهما متعارضتان في الإثبات. و الثاني مرغوب عنه. و الثالث لا بأس به لو لا ان «كان» تشعر بالدّوام.

و لو حملت رواية عدم الرفع على التقية - كما قاله الشيخ(5) - أمكن، لأنّ بعض العامة يرى ذلك(6). و بالجملة الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه.

التاسعة: لا يستحبّ دعاء الاستفتاح عندنا،

و لا التعوذّ، و لا تكبيرات ستّ قبلها، لبنائها على التخفيف، و لما مرّ من صفتها.

و الأقرب: استحباب الجهر بالتكبير للإمام ليعلم من خلفه، و لأنّ كثيرا من الرواة حكى عدد التكبير من فعل النبي و الأئمة، و هو لا يحصل غالبا إلاّ بسماعه فيتأسّى بهم.

و قال الفاضلان باستحباب السرّ في الدعاء، سواء فعلت ليلا أو نهارا، لأنه

ص: 458


1- التهذيب 194:3 ح 445، الاستبصار 478:1 ح 1851.
2- التهذيب 195:3 ح 447، الاستبصار 478:1 ح 1850، عن: محمد بن عبد اللّه بن خالد.
3- الكافي 184:3 ح 5، التهذيب 195:3 ح 446، الاستبصار 478:1 ح 1852.
4- المعتبر 356:2.
5- التهذيب 195:3.
6- كالثوري و أصحاب الرأي، راجع المجموع 332:5.

أبعد من الرياء فيكون أقرب الى الإجابة(1)، و لرواية أبي همام عن الرّضا (عليه السلام): «دعوة العبد سرّا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية»(2).2.

ص: 459


1- المعتبر 351:2، تذكرة الفقهاء 50:1.
2- الكافي 345:2.

ص: 460

المطلب الثالث: في اللواحق
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى: لا يتحمّل الإمام هنا عن المأموم شيئا من الأذكار،

لأنّ المتحمّل إنّما هو القراءة و لا قراءة هنا، و لأنّ الغرض كثرة الدّاعين.

الثانية: يجوز الدخول في أثنائها

و لو كان بين تكبيرتين، لعموم شرعية الائتمام، و نقل الشيخ فيه الإجماع(1). و لا ينتظر تكبيرة الإمام، و لا نسلم أنّ التكبيرة تساوي الركعة ليتوقف الدخول عليها، و وجوب قضاء باقيها بعد الفراغ لا يدلّ على مساواة الركعة.

فحينئذ يأتي بالباقي بعد فراغ الإمام على الأشهر، لعموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ما أدركتم فصلّوا، و ما فاتكم فاقضوا»(2). و لرواية العيص عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يدرك من الصّلاة على الميت تكبيرة: «يتمّ ما بقي»(3). و لرواية زيد الشحام عن الصادق (عليه السلام) فيمن فاته تكبيرة فصاعدا: يتمّ ما فاته(4).

و في رواية إسحاق بن عمار، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه: «أنّ عليّا (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز»(5). و حمله الشيخ على القضاء الخاص، و هو القضاء مشفوعا بالدعاء لا القضاء المتتابع(6).

ص: 461


1- الخلاف 725:1 المسألة: 547.
2- المصنف لعبد الرزاق 287:2 ح 3399، مسند أحمد 27:2، سنن أبي داود 156:1 ح 572، سنن النسائي 114:2، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 291:3 ح 2142، السنن الكبرى 297:2.
3- التهذيب 199:3 ح 461، الاستبصار 481:1 ح 1861.
4- التهذيب 200:3 ح 464، الاستبصار 481:1 ح 1863.
5- التهذيب 200:3 ح 465، الاستبصار 481:1 ح 1864.
6- التهذيب 200:3.

قلت: يريد به نفي وجوب الدعاء لحصوله من السابقين و لأنّه موضع ضرورة، لا نفي جوازه لدلالة ما يأتي عليه، بل يمكن وجوبه مع الاختيار، لعموم أدلة الوجوب، و عموم قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «و ما فاتكم فاقضوا»(1).

فحينئذ تحمل رواية إسحاق على غير المتمكّن من الدعاء بتعجيل رفعها، و عليه يحمل قول الصادق (عليه السلام) في رواية الحلبي: «فليقض ما بقي متتابعا»(2).

و لو رفعت أتمّ و هي محمولة، و لو ماشيا الى سمت القبلة، و لو عند القبر، أو عليه بعد الدفن، لقول الباقر (عليه السلام) في رواية القلانسي عن رجل، عنه (عليه السلام)، في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فقال:

«يتمّ التكبير و هو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر، فإن أدركهم و قد دفن كبّر على القبر»(3). و هذا يشعر بالاشتغال بالدّعاء، إذ لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن.

الثالثة: لو سبق المأموم بتكبيرة فصاعدا متعمّدا أثم و أجزأ.

و لو كان ناسيا أو ظانا، فلا إثم و أعادها معه، ليدرك فضل الجماعة. و في إعادة العامد تردّد، من حيث المساواة لليومية في عدم إعادة العامد، و لأنّها أركان(4) زيادتها كنقصانها، و من أنّها ذكر للّه تعالى فلا تبطل الصلاة بتكرّره.

و لو تخلّف عن الإمام عمدا، حتى سبقه بتكبيرة فصاعدا، فالوجه: أنّها لا تبطل و يأتي بالفائت بعد الفراغ، لأصالة الصحة، و عدم وجوب أصل الاقتداء، و كما لو تعمّد التأخّر بركن في اليومية، و ان أثم. و يمكن البطلان، لأن الاقتداء في الجنازة أثره في المتابعة في التكبير، و هذا تخلّف فاحش. اما لو كان التخلّف سهوا لم يؤثر، لعدم مؤاخذة الساهي.

ص: 462


1- تقدم في ص 461 الهامش 2.
2- التهذيب 200:3 ح 463، الاستبصار 482:1 ح 1865.
3- التهذيب 200:3 ح 462، الاستبصار 481:1 ح 1862.
4- في م، ط: اذكار.
الرابعة: لو حضرت جنازة أخرى في أثناء الصلاة،

قال الصدوقان و الشيخ: يتخيّر في الإتمام على الأولى ثم يستأنف أخرى على الثانية، و في إبطال الاولى و استئناف الصلاة عليهما(1) لأنّ في كلّ من الطريقين تحصيل الصلاة، و لرواية علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين و وضعت معها أخرى، قال: «إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاءوا رفعوا الاولى و أتمّوا التكبير على الأخيرة، كلّ ذلك لا بأس به»(2).

و الرواية قاصرة عن إفادة المدّعى، إذ ظاهرها انّ ما بقي من تكبير الاولى محسوب للجنازتين، فإذا فرغ من تكبير الاولى تخيّروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة، و بين رفعها من مكانها و الإتمام على الأخيرة، و ليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الاولى بوجه، هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة.

نعم، لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثم استأنف عليها، لأنّه قطع لضرورة.

إلاّ أنّ مضمون الرواية يشكل بعدم تناول النيّة أولا للثانية، فكيف يصرف باقي التكبير إليها مع توقّف العمل على النّية؟ إلاّ أن يقال: يكفي إحداث نيّة من الآن لتشريك باقي التكبير على الجنازتين، و هو يتم إذا قلنا أنّ محل النيّة الثانية لم يفت ما بقي التكبير، لأنّ الواجب خمس تكبيرات على الجنازة بأذكارها المخصوصة، و قد حصل هنا. فحينئذ إن قلنا بجمع الأذكار مع كلّ تكبيرة فلا بحث، و إلاّ فالأولى الجمع بين وظيفة التكبير بالنسبة إلى الجنازتين فصاعدا.

و ابن الجنيد يجوّز للإمام جمعهما الى ان يتم على الثانية خمسا، و إن شاء أن يومئ إلى أهل الأولى ليأخذوها و يتمّ على الثانية خمسا، و هو أشدّ طباقا للرواية.

و قد تأوّل الشيخ رواية جابر عن الباقر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه

ص: 463


1- الفقيه 102:1، المقنع: 21، المبسوط 185:1.
2- الكافي 190:3 ح 1.

(صلّى اللّه عليه و آله) كبّر إحدى عشرة و سبعا و ستا»(1) بالحمل على حضور جنازة ثانية، فيبتدئ من حين انتهى خمسا، و هكذا(2).

الخامسة: يستحبّ ملازمة الإمام مكانه

حتى ترفع الجنازة على أيدي الرجال، قاله الأصحاب(3) و هو مروي بطريق حفص بن غياث عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: «أنّ عليّا (عليه السلام) كان إذا صلّى على جنازة، لم يبرح من مصلاّه حتى يراها على أيدي الرّجال»(4).

قلت: هذا مخصوص بالإمام فغيره لا يستحبّ له ذلك، كما قاله ابن الجنيد.

السادسة: تضمّن خبر أم سلمة الصلاة على الأنبياء من فعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)

السادسة: تضمّن خبر أم سلمة الصلاة على الأنبياء من فعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله)(5)

فيحمل على الاستحباب، للأصل الدالّ على عدم الوجوب، و خلو أكثر الأخبار منه. نعم، تجب الصلاة على آل محمد إذا صلّي عليه كما تضمنته الأخبار.

السابعة: تجوز الصلاة على الميت ليلا و دفنه فيه،

لعموم الأخبار الدالّة على تعجيله، و لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا ألفين رجلا منكم مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل»(6) و هذا يدلّ على مساواة الليل للنّهار.

و في المبسوط: النهار أفضل، إلاّ أن يخاف على الميت(7) و لعلّه ليكثر اجتماع الناس عليه.

ص: 464


1- التهذيب 316:3 ح 981، الاستبصار 474:1 ح 1838.
2- التهذيب 316:3.
3- راجع: المقنعة: 38، المبسوط 185:1، المهذب 131:1، شرائع الإسلام 107:1.
4- التهذيب 195:3 ح 448.
5- الكافي 181:3 ح 3، الفقيه 100:1 ح 469، التهذيب 189:3 ح 431.
6- الكافي 137:3 ح 1، الفقيه 85:1، ح 389، التهذيب 427:1 ح 1359.
7- المبسوط 184:1.
الثامنة: لو زاد في التكبير متعمّدا لم تبطل،

لأنّه خرج بالخامسة من الصلاة فكانت زيادة خارجة من الصلاة. و لو قلنا باستحباب التسليم فكذلك، لأنّه لا يعدّ جزء منها.

ثم ان اعتقد شرعيته فهو آثم، و إلاّ فلا. و لو زاد في الأثناء معتقدا شرعيّته أثم أيضا، و الأقرب: عدم البطلان، لما سبق في المأموم.

و لو زاد الإمام على المقدّر لم يتابعه المأموم بل ينصرف، لأنّه غير معتدّ به في الاقتداء.

و قال ابن الجنيد: ان كان الإمام الأكبر هو المكبّر فالواجب اتّباعه، زاد على الخمس أو نقص.

قلت: الظاهر أنّه أراد به المعصوم، و التأسّي به واجب، أمّا في النقيصة فلعلّ الميت من أهلها، و أمّا في الزيادة فكما مرّ من فعل النبي و علي (عليهما السلام)(1).

ص: 465


1- تقدم في ص 412 الهامش 4، 5.

المجلد 2

اشارة

بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734

عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.

مواصفات المظهر:ج 4

الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)

ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377

ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6

ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4

ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2

ملاحظة:فهرس

الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5

المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

المعرف المضاف:عنوان

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

ادامة الاقطاب الأربعة

ادامة القطب الأول في العبادات

ادامة كتاب الصلاة
ادامة البحث في شروط الصلاة
ادامة الباب الأول فى الطهارة
ادامة الفصل الثالث
ادامة المطلب الثاني
تتمة القسم الثالث
ادامة المقام الخامس في أحكام الميت
اشارة

ص: 5

ص: 6

الحكم الخامس:الدفن.و
مطالبه ثلاثة:
المطلب الأول:في المدفن،و
فيه مسائل:
المسألة الأولى:الواجب حفرة يوجّه الميت فيها إلى القبلة مضطجعا على جانبه

الأيمن،

ليستر عن الإنس ريحه و عن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا.

و هاتان الصفتان متلازمتان في الغالب،و لو قدّر وجود إحداهما بدون الأخرى وجب مراعاة الأخرى،للإجماع على وجوب الدّفن و لا تتم فائدته إلاّ بهما،و أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)به (1).

و امّا كيفيّته،فلأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)دفن كذلك،و فعله (2)و عليه الصحابة و التابعون.و قد ذكر هذه الكيفية:الصدوقان (3)و الشيخان (4)و ابن البراج (5).

و في رواية معاوية بن عمار عن الصادق(عليه السلام)،قال:«مات البراء ابن معرور الأنصاري بالمدينة و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بمكة،فأوصى أنّه إذا دفن يجعل وجهه الى وجه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى القبلة،فجرت به السّنة،و كانت الصلاة حينئذ إلى بيت المقدس» (6).

و ابن حمزة جعل استقبال القبلة بالميت في الدفن مستحبّا (7)لأصالة البراءة،

ص: 7


1- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،سنن النسائي 4:80،السنن الكبرى 4:34.
2- الإرشاد للشيخ المفيد:101.
3- الفقيه 1:108،الهداية:27.
4- المقنعة:18،المبسوط 1:186.
5- المهذب 1:63.
6- علل الشرائع:1:301.
7- الوسيلة:68.

و يعارض بما تقدّم.

و يجب كون الحفرة في مكان مملوك للمتصرّف أو مباح،خالية عن ميت طمّ بها،لتحريم التصرّف في ملك الغير،و تحريم نبش القبور لأدائه إلى المثلة و الهتك، و على تحريمه إجماع المسلمين،و قول الشيخ في المبسوط:يكره (1)الظاهر أنّه أراد التحريم،لأنّه قال بعد:و لو حفر فوجد عظاما ردّ التراب و لم يدفن فيه شيئا (2)، قال المحقق:لأن القبر صار حقّا للأول بدفنه فيه،فلم يجز مزاحمته بالثاني (3).

أمّا دفن ميتين فصاعدا في قبر ابتداء فيكره،قال في المبسوط:لقولهم (عليهم السلام):«لا يدفن في قبر واحد اثنان» (4)و لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) أفرد كلّ واحد بقبر (5)و مع الضرورة تزول الكراهية،بأن تكثر الموتى و يعسر الإفراد،لما روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال للأنصار يوم أحد:«احفروا، و أوسعوا،و عمّقوا،و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد و قدّموا أكثرهم قرآنا» (6).

فرعان:

الأول: المراد بالتقديم جعله في قبلة اللحد،فالرجل،ثم الصبي، ثم الخنثى،ثم المرأة،كذا قاله الشيخ (7).

و لو تساوت الطبقة قدّم الأفضل كما تضمّنه الخبر،إلاّ في الأب و ابنه،فإن الأب مقدّم مطلقا لحرمة الأبوة.و كذا تقدّم الام على البنت،و لا تقدّم على الابن.4.

ص: 8


1- المبسوط 1:187.
2- المبسوط 1:188.
3- المعتبر 1:306.
4- المبسوط 1:155.
5- قال في تلخيص الحبير 5:245.لم أره هكذا لكنه معروف بالاستقراء.
6- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،السنن الكبرى 3:413،4:34.
7- المبسوط 1:184.

و ينبغي ان لا يجمع بين الرجال و النساء إلاّ مع شدّة الحاجة،و لتراع المحرميّة إن أمكن.قال في المعتبر:يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد (1).

و اعتبر ابن البرّاج الحاجز بين الرجل و الخنثى و بين الخنثى و المرأة (2)و الظاهر أنّه أراد غير المحارم.و ليكن الحاجز من تراب أو غيره.

الثاني: لو اتخذ سرب للدفن جاز الجمع فيه ابتداء على كراهية،و استدامة كذلك على الأقوى،لأنّه لا يعد نبشا و لا يحصل به هتك.

المسألة الثانية:يسقط الاستقبال عند التباس القبلة،

و عند تعذّره،كمن مات في بئر و تعذّر إخراجه و صرفه إليها،كما مر (3).

و في الذميّة الحامل من مسلم،إذ يستدبر بها لما قيل:أنّ وجه الولد الى ظهر امه،و المقصود بالذات دفنه و هي كالتابوت له،و لهذا دفنت في مقبرة المسلمين إكراما للولد،لأنّه لو سقط لم يدفن إلاّ في مقابر المسلمين،قال في التذكرة:و هو وفاق (4)يعني:استدبارها.

و قد روى أحمد بن أشيم عن يونس،عن الرضا(عليه السلام)،في الأمة الكتابيّة تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها،أ يدفن معها على النصرانيّة،أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟فكتب:«يدفن معها» (5).

قال في المعتبر:و لا حجّة فيها،لضعفها بابن أشيم،و عدم تضمّنها الدفن في مقبرة المسلمين (6).قال:و الوجه انّ الولد لمّا حكم بإسلامه لم يجز دفنه بين الكفّار،و إخراجه مع موتها غير جائز فتدفن تبعا له،و لأنّ عمر أمر به و لم ينكر

ص: 9


1- المعتبر 1:338.
2- المهذب 1:65.
3- تقدم في ص 416،التنبيه 9.
4- تذكرة الفقهاء 1:54.
5- التهذيب 1:334 ح 980.
6- المعتبر 1:292.

عليه (1).

المسألة الثالثة:من مات في البحر وجب نقله الى البر،

فان تعذّر لم يتربّص به،بل يوضع في خابية.و يوكى رأسها و تطرح في الماء،لخبر أيوب بن الحر عن الصادق (عليه السلام) (2)أو يثقل،لمرسلة أبان عنه(عليه السلام) (3)و هو في مرفوع سهل بن زياد اليه(عليه السلام):«يكفّن،و يحنّط،في ثوب و يلقى في الماء» (4).

و الأقرب وجوب استقبال القبلة به حالة الإلقاء-كما قاله ابن الجنيد-لأنّه دفن،لحصول مقصود الدفن به.

و لا يجعل بين لوحين رجاء لوصوله البر فيدفنه المسلمون،لأنّ فيه تعريضا لهتك معلوم بإزاء أمر موهوم.

المسألة الرابعة:يراعى في موضع الدفن الأقرب-

استحبابا-لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«عجّلوهم الى مضاجعهم» (5).

و يكره نقله إلى غير مشهد إجماعا و لو كان بقرب أحد المشاهد استحبّ نقله إليها ما لم يخف هتكه،لإجماع الإمامية عليه من عهد الأئمة الى ما بعده،قال في المعتبر:و لأنه يقصد بذلك التمسّك بمن له أهلية الشفاعة،و هو حسن بين الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا،فالتوصّل إلى فوائد الآخرة أولى (6).

قلت:و روى الصدوق عن مولانا الصادق(عليه السلام):انّ موسى (عليه السلام)استخرج عظام يوسف(عليه السلام)من شاطئ النيل،و حمله الى

ص: 10


1- المعتبر 1:292.
2- الكافي 3:213 ح 1،الفقيه 1:96 ح 442،التهذيب 1:340 ح 996،الاستبصار 1:215 ح 762.
3- الكافي 3:214 ح 2،التهذيب 1:339 ح 993،الاستبصار 1:215 ح 759.
4- الكافي 3:214 ح 3،التهذيب 1:339 ح 994،الاستبصار 1:215 ح 760.
5- الكافي 3:137 ح 1،التهذيب 1:427 ح 1359.
6- المعتبر 1:307.

الشام (1).

قال في التذكرة:و لأنّ موسى(عليه السلام)لمّا حضرته الوفاة سأل اللّه عزّ و جلّ ان يدنيه إلى الأرض المقدّسة رمية حجر،قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (2).

قال المفيد في العزّية:و قد جاء حديث يدلّ على رخصة في نقل الميت الى بعض مشاهد آل الرسول(عليهم السلام)إن وصّى الميت بذلك.

و قال صاحب الجامع:لو مات بعرفة فالأفضل نقله الى الحرم (3).و الظاهر أنّه وقف على نصّ فيه.

و لو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء،استحبّ الحمل إليها، لتناله بركتهم و بركة زيارتهم.

و لو كان بمكة أو بالمدينة فبمقبرتيهما.

أمّا الشهيد،فالأولى:دفنه حيث قتل،لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ادفنوا القتلى في مصارعهم» (4).

و يستحبّ جمع الأقارب في مقبرة،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لمّا دفن عثمان بن مظعون،قال:«أدفن إليه من مات من أهله» (5)و لأنّه أسهل لزيارتهم.

فيقدّم الأب ثم من يليه في الفضل،و الذكر على الأنثى.2.

ص: 11


1- الفقيه 1:123 ح 594،علل الشرائع:296.
2- تذكرة الفقهاء:1:53. و الرواية في مسند أحمد 2:269،صحيح البخاري 2:113،سنن النسائي 4:119.
3- الجامع للشرائع:56.
4- سنن ابن ماجة 1:486 ح 1516،سنن النسائي 4:79،السنن الكبرى 4:57.
5- سنن أبي داود 3:212 ح 3206،السنن الكبرى 3:412.

فروع خمسة:

الأول:الدفن في المقبرة أفضل من البيت، لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) أمر بالدفن في البقيع (1)،و لإطباق النّاس عليه،و لأنّه أجلب للترحّم و الدعاء، و أشبه بمساكن الآخرة،و أقلّ ضررا على ورثته.و دفن النبي في بيته من خصوصيّاته أو خصوصيّات الأنبياء،أو لأنّه قبض في أشرف البقاع فدفن فيها، و نقل ذلك عن علي(عليه السلام) (2)فاتّبعه الصحابة.

الثاني: لو أوصى بدفنه في بيته أو ملكه اعتبر الإجازة أو الثلث،و لا يخالف بالدفن في المسبّلة،لعموم إنفاذ وصيّة الميت بالمعروف.

الثالث: لو اختلف الوراث في الدفن في ملكه أو المسبّلة،قدّم اختيار المسبّلة،إذ لا ضرر فيه على الورثة.

و لو أراد أحدهما دفنه في ملك نفسه و أراد الآخر المسبّلة،فإن كان فيها قوم صالحون أو ترجّحت ببعض الأسباب أجيب،و إلاّ ففي الترجيح نظر،لاشتماله على منّة على الوارث أو لأنّه يضرّ بوارثه،و من إمكان تعلّق غرض الوارث به لدوام زيارته و شبههه،فيقدم.و يمكن مراعاة الأقرب،و مع التساوي يقرع.

الرابع: لو سبق وليّان بميتين الى مباح و تعذّر الجمع،فالقرعة.و لو سبق أحدهما فهو أولى،كمقاعد الأسواق و المساجد.

الخامس:لو دفن لم يجز نقله مطلقا، لتحريم النبش.و سمع الشيخ مذاكرة جوازه (3)،و قد مرّ فعل موسى(عليه السلام)إيّاه (4).و جعله ابن حمزةة.

ص: 12


1- المغني لابن قدامة:2:383.
2- أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى 2:278 عن أبي يعلى.
3- المبسوط 1:187.
4- انظر صحيفة:10،المسألة الرابعة.

مكروها (1)و ابن الجنيد جوّز النقل،لصلاح يراد بالميت (2).و قطع المفيد-في العزية-و ابن إدريس بتحريم نقله (3)و اختاره الفاضل (4).

المسألة الخامسة:اللّحد أفضل من الشقّ-

عندنا-في غير الأرض الرّخوة، لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«اللّحد لنا،و الشقّ لغيرنا» (5).

و لرواية الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لحد له أبو طلحة الأنصاري» (6).

و في رواية إسماعيل بن همام عن الرّضا(عليه السلام)،قال:«قال أبو جعفر(عليه السلام)احفروا لي شقّا،فإن قيل لكم:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لحد له،فصدقوا» (7).

و ليكن اللّحد ممّا يلي القبلة واسعا مقدار ما يجلس فيه.

أمّا في الرخوة،فالشقّ أفضل خوفا من انهدامه.و لو عمل شبه اللّحد من بناء في قبلته كان أفضل،قاله في المعتبر (8)،و يظهر من كلام ابن الجنيد.

و في حفر القبور ثواب عظيم،قال الصادق(عليه السلام):«من حفر لميت قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا الى يوم القيامة»،رواه سعد بن طريف (9).

ص: 13


1- الوسيلة:69.
2- مختلف الشيعة:123.
3- السرائر:34.
4- تذكرة الفقهاء 1:56،نهاية الإحكام 2:283.
5- مسند أحمد 4:359،سنن ابن ماجة 1:496 ح 1554،سنن أبي داود 3:213 ح 3208، الجامع الصحيح 3:363 ج 1045.
6- الكافي 3:166 ح 3،التهذيب 1:451 ح 1467.
7- الكافي 3:166 ح 2،التهذيب 1:451 ح 1468.
8- المعتبر 1:296.
9- في الكافي 3:165 ح 1،و التهذيب 1:450 ح 1462،عن الباقر(عليه السلام)،و في الفقيه 1:92 ح 419 مرسلا عن الصادق(عليه السلام).
المسألة السادسة:يستحبّ تعميقه قامة أو الى الترقوة،

لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«و أوسعوا و عمّقوا» (1).

و عن الصادق(عليه السلام):«حدّ القبر إلى الترقوة»أرسله الصدوق (2).

و عن ابن أبي عمير عنه(عليه السلام):«حدّ القبر إلى الترقوة»،و قال بعضهم:الى الثديين،و قال بعضهم:قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر (3)و الظاهر أنّ هذا من محكي ابن أبي عمير،لأنّ الإمام لا يحكي قول أحد.

و في الكليني أسنده إلى سهل بن زياد،قال:روى أصحابنا أنّ حدّ القبر..الى آخره (4).

و روى السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ النبي نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاث أذرع» (5).و الظاهر أنّه نهي كراهة.

و في خبر ابن أبي عمير المرسل عن الصادق(عليه السلام):«انّ زين العابدين قال:احفروا لي حتى تبلغوا الرّشح» (6).و يمكن حمله على الثلاث،لأنّها قد تبلغ الرّشح في البقيع.

المسألة السابعة:لو تعذّر الحفر لصلابة الأرض أو تحجّرها،

و أمكن نقله إلى ما يمكن حفره،وجب.و ان تعذّر أجزأ البناء عليه بما يحصل الغرضين المذكورين،لأنّه في معنى الدفن.و لو فعل ذلك اختيارا،فالأقرب المنع،لأنّه

ص: 14


1- مسند أحمد 4:19،سنن أبي داود 3:214 ح 3215،السنن الكبرى 3:413،4:34.
2- الفقيه 1:107 ح 498.
3- التهذيب 1:451 ح 1469.
4- الكافي 3:165 ح 1.
5- الكافي 3:166 ح 4،التهذيب 1:451 ح 1466.
6- التهذيب 1:451 ح 1469. و الرشح:عرق الأرض و نداوتها.مجمع البحرين-مادة رشح.

مخالف لما أمر به النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من الحفر.

و كذا لا يجزئ جعله في تابوت من صخر أو غيره،مكشوفا أو مغطى،و ان حصل الغرضان،لعدم مسمّى الدفن،و يجزئ مع التعذّر.نعم،لو دفن بالتابوت في الأرض جاز،لكنه مكروه إجماعا،نقله في المبسوط (1)و لا فرق في الكراهية بين أنواع التابوت.7.

ص: 15


1- المبسوط 1:187.
المطلب الثاني:في الكيفية،
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:يستحبّ إذا قرّب الرجل من القبر وضعه عند رجليه،

و الصبر هنيئة،ثم نقله في ثلاث دفعات يصبر فيها عليه،و ينزّل في الثالثة سابقا برأسه- قال المفيد:كما سبق الى الدّنيا في خروجه من بطن امه (1)-لخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام):«ينبغي أن يوضع دون القبر هنيئة،ثمّ واره» (2).

و عن محمد بن عجلان عنه(عليه السلام):«لا تفدحه بقبره،و لكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة،و دعه حتى يتأهّب للقبر» (3).

و تؤخذ المرأة عرضا في دفعة واحدة.

و يسلّ الميت سلاّ في إنزاله القبر،لما روي أنّ النبي سلّ من قبل رأسه سلاّ (4)، و ليكن رفيقا،لخبر الحلبي و ابن عجلان عن الصادق(عليه السلام) (5).

و لم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرة،و هو ظاهر المعتبر،عملا بمدلول الحديث (6).

الثانية:يستحبّ لملحده حلّ أزراره،

و كشف رأسه،و حفاؤه،إلاّ لضرورة،لخبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق(عليه السلام):«لا تنزل القبر و عليك عمامة،و لا قلنسوة،و لا رداء،و لا حذاء،و حلّ أزرارك».قلت:فالخف؟ قال:«لا بأس بالخف في وقت الضرورة و التقية،و ليجتهد في ذلك جهده» (7).

ص: 16


1- المقنعة:12.
2- التهذيب 1:313 ح 908.
3- التهذيب 1:313 ح 909.
4- السنن الكبرى 4:54.
5- الكافي 3:194 ح 1،195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:315 ح 915،317 ح 922.
6- المعتبر 1:298.
7- الكافي 3:192 ح 3،التهذيب 1:313 ح 911،الاستبصار 1:213 ح 751.

و يقرب منه خبر سيف بن عميرة عنه(عليه السلام)،و قال:«لا بأس بالخفّ، فإنّ في خلعه شناعة» (1).

و في خبر ابن أبي يعفور عنه(عليه السلام):«لا ينبغي دخول القبر في نعلين،و لا خفين،و لا رداء،و لا قلنسوة» (2).

و ليس ذلك واجبا،إجماعا،و لخبر محمد بن بزيع:رأيت أبا الحسن(عليه السلام)دخل القبر،و لم يحلّ أزراره (3).

قال الفاضلان:يستحبّ أن يكون متطهّرا،لقول الصادق(عليه السلام):«توضّأ إذا دخلت القبر»،و هو في سياق خبر محمد بن مسلم و الحلبي عنه(عليه السلام) (4).

و ابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين (5).و الأقرب تقييده كما ذكر، و عليه الأكثر (6).

ثمّ إن استقلّ الواحد بحمله لصغره و شبهه و إلاّ ضمّ إليه غيره،و لا يعتبر الوتر عندنا-كثلاثة،أو خمسة-لخبر زرارة عن الصادق(عليه السلام):و سأله عن القبر كم يدخله؟قال:«ذاك إلى الولي،إن شاء أدخل وترا،و ان شاء شفعا» (7).

الثالثة:يستحبّ الدعاء باتّفاق العلماء.

فعند معاينة القبر:اللّهم اجعلها روضة من رياض الجنة،و لا تجعلها حفرة

ص: 17


1- التهذيب 1:313 ح 910.
2- الكافي 3:192 ح 1،التهذيب 1:314 ح 913.
3- التهذيب 1:314 ح 912،الاستبصار 1:213 ح 752.
4- المعتبر 1:302،تذكرة الفقهاء 1:52. و الخبر في التهذيب 1:321 ح 934.
5- مختلف الشيعة:121.
6- راجع:المبسوط 1:186،مختلف الشيعة 1:121.
7- الكافي 3:193 ح 4،التهذيب 1:314 ح 914.

من حفر النّار.

و عند تناوله:بسم اللّه و باللّه،و على ملة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله).

اللهم إيمانا بك،و تصديقا بكتابك،هذا ما وعد اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله.

اللّهم زدنا إيمانا و تسليما.

و بعد وضعه في اللحد يستحبّ قراءة الفاتحة و الإخلاص و المعوذتين و آية الكرسي،لخبر محمد بن عجلان عن الصادق(عليه السلام) (1).

و ليقل أيضا بعد وضعه ما رواه الحلبي عنه(عليه السلام):«بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله).(اللهم عبدك نزل بك، و أنت خير منزول به) (2).اللّهم افسح له في قبره،و ألحقه بنبيّه(صلّى اللّه عليه و آله).اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته،و ان كان مسيئا فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه.و ليستغفر له ما استطاع» (3).قال-و الظاهر أنّه الصادق(عليه السلام)-:

«و كان علي بن الحسين(عليه السلام)إذا دخل القبر،قال:اللهم جاف الأرض عن جنبيه،و صاعد عمله،و لقّه منك رضوانا» (4).

أو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا وضعه في لحده،فقل:بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (5).اللهم إنّا لا نعلم منه (6)إلاّ خيرا و أنت أعلم به،فإذا وضعت اللبن فقل:اللهم صل وحدته،و آنس وحشته،و أسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك.فإذا خرجت من قبره،فقل: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،س.

ص: 18


1- الكافي 3:195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:317 ح 922.
2- العبارة ليست في المصدرين.
3- الكافي 3:194 ح 1،التهذيب 1:315 ح 915.
4- الكافي 3:194 ح 1،التهذيب 1:315 ح 915.
5- في المصدرين زيادة:«اللهم عبدك نزل بك،و أنت خير منزول به،اللّهم افسح له في قبره،و الحقه بنبيّه».
6- ليست في م،س.

و الحمد للّه ربّ العالمين.اللهم ارفع درجته في أعلى عليّين،و اخلف على عقبه في الغابرين،و عندك نحتسبه يا ربّ العالمين» (1).

و في رواية ابن عجلان عن الصادق(عليه السلام):«ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه،ليذكر اسم اللّه،و يصلّي على النبي و آله،و يتعوّذ من الشيطان، و ليقرأ:فاتحة الكتاب،و المعوذتين،و التوحيد،و آية الكرسي» (2).

و روى ابن عمر:أنّه سمع من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه يقال عند الوضع:«بسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم».و عند تسوية اللبن:«اللهم أجره من الشّيطان و من عذاب القبر.اللّهم جاف الأرض عن جنبيه،و صعّد روحه،و لقّه منك رضوانا» (3).

الرابعة:يستحبّ أن يلقّنه الشهادتين و أسماء الأئمة(عليهم السلام)،

و به أخبار تكاد تبلغ التواتر.

كخبر ابن عجلان هذا عن الصادق(عليه السلام):«يلقّنه الشهادتين، و يذكر له ما يعلم واحدا واحدا» (4).

و خبر محفوظ الإسكاف عن الصادق(عليه السلام):«ليكن أعقل من ينزل في قبره عند رأسه،و ليكشف عن خدّه الأيمن حتى يفضي به الى الأرض،و يدني فاه الى سمعه،و يقول:اسمع افهم-ثلاثا-اللّه ربك،و محمد نبيك،و الإسلام دينك،و فلان (5)اسمع افهم،و أعدها عليه ثلاثا» (6).

و خبر أبي بصير عنه(عليه السلام):«ضع فاك على أذنه،فقل:اللّه ربّك،

ص: 19


1- الكافي 3:196 ح 6،التهذيب 1:316 ح 920.
2- الكافي 3:195 ح 4،علل الشرائع:306،التهذيب 1:317 ح 922.
3- سنن ابن ماجة 1:495 ح 1553،السنن الكبرى 4:55.باختلاف يسير.
4- التهذيب 1:313 ح 909.
5- في المصدرين زيادة:«امامك».
6- الكافي 3:195 ح 5،التهذيب 1:317 ح 923.

و الإسلام دينك،و محمّد نبيك،و القرآن كتابك،و عليّ إمامك» (1).

و خبر إسحاق بن عمار عنه(عليه السلام):«تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر،و تحرّك تحريكا شديدا،ثمّ تقول:يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل:اللّه ربّي،و محمد نبيّي،و الإسلام ديني،و القرآن كتابي،و عليّ إمامي،حتى تستوفي الأئمة.ثم تعيد القول،ثم تقول:افهم (2)يا فلان،فإنّه يقول:نعم.ثم تقول:

ثبّتك اللّه بالقول الثابت،هداك اللّه الى صراط مستقيم،عرّف اللّه بينك (3)و بين أوليائك في مستقر من رحمته» (4).

و أورد الصدوق فيه وضع يده اليمنى تحت منكبه الأيمن،و يحرّكه تحريكا شديدا،و يقول:«يا فلان اللّه ربك،و محمد نبيك»..الى آخره (5).

و خبر زرارة عن الباقر(عليه السلام):«اضرب بيدك على منكبه الأيمن، ثم قل:يا فلان قل رضيت باللّه ربّا،و بالإسلام دينا،و بعلي إماما،و يسمي إمام زمانه» (6).

الخامسة:يستحبّ أن يجعل له وسادة من تراب،

و يجعل خلف ظهره مدرة و شبهها لئلا يستلقي،رواه سالم بن مكرم عن الصادق(عليه السلام) (7).و حل عقد الأكفان،و رواه إسحاق بن عمار،و أبو بصير عنه(عليه السلام) (8)و أبو حمزة عن أحدهما(عليهما السلام)،و زاد:«و يبرز وجهه» (9).

ص: 20


1- الكافي 3:195 ح 2،التهذيب 1:318 ح 924.
2- في المصدر:«أ فهمت».
3- في س زيادة:«و بين نبيك»،و هي ليست في المصدر.
4- التهذيب 1:457 ح 1492.
5- الفقيه 1:108 ح 500.
6- الكافي 3:196 ح 7،التهذيب 1:457 ح 1490.
7- الفقيه 1:108 ح 500.
8- التهذيب 1:450 ح 1463،457 ح 1492.
9- التهذيب 1:457 ح 1491.

و في خبر حفص بن البختري،و ابن أبي عمير عن غير واحد،عن الصادق (عليه السلام):«يشقّ الكفن من عند رأسه» (1).قال في المعتبر:هذا مخالف لما عليه الأصحاب،و لأنّ فيه إفسادا للمال على وجه لم يتحقّق شرعه،و الصّواب:

الاقتصار على حلّ عقده (2).

قلت:يمكن أن يراد بالشقّ:الفتح،ليبدو وجهه فان الكفن كان منضمّا، فلا مخالفة و لا إفساد.

السادسة:يستحبّ وضع التربة معه،

قاله الشيخان (3)و لم نعلم مأخذه، و التبرّك بها كاف في ذلك.

و الأحسن جعلها تحت خدّه،كما قاله المفيد في المقنعة (4).و في العزيّة:في وجهه،و كذا في اقتصاد الشيخ (5).و قيل:تلقاء وجهه (6)و قيل:في الكفن.و في المختلف:الكل جائز (7).

و قد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع،فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها فاستقرت،قال الشيخ نجيب الدين يحيى ابن سعيد في درسه:يصلح أن يكون هذا متمسكا.و نقل الفاضل أنّها كانت تزني و تحرق أولادها،و إنّ أمها أخبرت الصادق(عليه السلام)،فقال:«إنّها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه،اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين(عليه السلام)

ص: 21


1- الكافي 3:196 ح 9،التهذيب 1:317 ح 921،458 ح 1493.
2- المعتبر 1:301.
3- المبسوط 1:186،و عن المفيد في السرائر:33،مختلف الشيعة:121.
4- قال في مفتاح الكرامة-بعد نقله ما في المقنعة عن الذكرى-1:498:و لم أجده فيها،و يؤيد عدم وجوده اني لم أجد أحدا سواه نسبه إليها،و في السرائر:33،و المعتبر 1:301 نسباه إلى المفيد من دون ذكر المقنعة.
5- الاقتصاد:250.
6- نسبه في السرائر:33 إلى الشيخ الطوسي.
7- مختلف الشيعة:121.

فاستقرّت» (1).

السابعة:ينبغي تشريج اللّحد،

أي:تنضيده باللبن و شبهه،و إن سوّاه بالطّين كان ندبا،لما روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رأى في قبر ابنه خللا فسوّاه بيده،ثم قال:«إذا عمل أحدكم عملا فليتقن» (2).و هو في رواية إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام):«تضع الطين و اللبن،و تقول ما دمت تضعه:اللّهم صل وحدته،و آنس وحشته،و آمن روعته،و أسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك،فإنّما رحمتك للظالمين» (3).

قال الراوندي:عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس، ثم يخرج من القبر و يقول: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،اللّهم ارفع درجته في علّيين، و اخلف على أهله في الغابرين،عندك نحتسبه يا ربّ العالمين (4)،و قد تقدّم هذا برواية أخرى (5).

الثامنة:يستحبّ في المرأة نزول الزوج أو المحارم،

و في الرجل:الأجانب، لخبر السكوني عن الصادق(عليه السلام):«قال علي(عليه السلام):مضت السّنة من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)انّ المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حال حياتها» (6).

و خبر عبد اللّه بن محمد بن خالد،عن الصادق(عليه السلام):«الوالد لا ينزل في قبر ولده،و الولد لا ينزل في قبر والده» (7).

ص: 22


1- تذكرة الفقهاء 1:53،منتهى المطلب 1:461.
2- الكافي 3:262 ح 45.
3- التهذيب 1:457 ح 1492.
4- الدعوات:266.
5- تقدم في ص 19 الهامش 1.
6- الكافي 3:193 ح 5،التهذيب 1:325 ح 948.
7- و كذا نقله المصنف في روض الجنان:318،و لكن في التهذيب 1:320 ح 929 بلفظ:(و الولد ينزل). قال في مفتاح الكرامة-بعد ذكره لصيغة الرواية عند المصنف-1:495:و في التهذيب و كثير من كتب الاستدلال تركها-أي لفظة:لا-في الشق الأخير.

و لا ينافيه خبر عبد اللّه العنبري عنه(عليه السلام):«لا يدفن ابنه،و لا بأس بدفن الابن أباه» (1)لأنّ المكروه لا بأس به،و هو مشعر بأنّ الكراهة في جانب الأب الدافن أشدّ.

و علّل الأصحاب كراهة نزول الرحم بالقسوة.و قد روى عبيد بن زرارة أنّ الصادق(عليه السلام)رأى والدا يطرح على ابنه التراب،فأخذ بكفّيه و قال:«لا تطرح عليه التراب،و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب».ثمّ قال:«أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام،فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب،و من قسا قلبه بعد من ربّه» (2).

فرع:

الزوج أولى من المحرم بالمرأة،لما تقدم في الصلاة.و لو تعذّر فامرأة صالحة،ثم أجنبي صالح،و إن كان شيخا فهو أولى،قاله في التذكرة (3).يدخل يده من قبل كتفيها،و آخر يدخل يده تحت حقويها،قاله ابن حمزة (4).

التاسعة:يكره فرش القبر بساج أو غيره،

إلاّ لضرورة كنداوة القبر،لمكاتبة علي بن بلال إليه:ربّما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية،فنفرش القبر بالساج،أو نطيّن عليه؟فكتب:«ذلك جائز» (5)و الظاهر أنّه الإمام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب (6).

ص: 23


1- الكافي 3:194 ح 8،التهذيب 1:320 ح 930.
2- الكافي 1:199 ح 5،علل الشرائع:304،التهذيب 1:319 ح 928.
3- تذكرة الفقهاء 1:52.
4- الوسيلة:68.
5- الكافي 3:197 ح 1،التهذيب 1:456 ح 1488.
6- راجع:المبسوط 1:187،المهذب 1:65،الوسيلة:69،المعتبر 1:304،نهاية الإحكام 2:283.

أمّا وضع الفرش عليه و المخدة فلا نصّ فيه.نعم،روى ابن عبّاس من طريقهم أنّه جعل في قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قطيفة حمراء (1).و الترك أولى، لأنّه إتلاف للمال فيتوقّف على اذن،و لم يثبت.

و قال ابن الجنيد:لا بأس بالوطاء في القبر،و إطباق اللحد بالساج.

العاشرة:اختلفت عبارة الأصحاب في تغشية القبر بثوب عند إنزال الميت.

ففي الخلاف:نعم،محتجّا بالإجماع على جوازه،و الاحتياط على استعماله (2)و لرواية جعفر بن كلاب عن الصادق(عليه السلام):«يغشّى قبر المرأة بالثوب،و لا يغشّى قبر الرجل»،قال:«و قد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب، و النبي(عليه السلام)شاهد فلم ينكر ذلك» (3).و هو يدل على أهمّية تغطية الثوب للمرأة و على إباحته للرجل،و لما ذكر في خبر ابن أبي عمير السالف:حتى يمدّ الثوب على رأس من في القبر (4).فإنّه كما يجوز حمله على الإمكان يجوز حمله على الوقوع،و لأنّه أنسب بستر الميت لما يخشى من حدوث حادث فيه،و أقلّه بدو شيء ممّا ينبغي ستره عند حلّ العقد.

و قال المفيد-في أحكام النساء-و ابن الجنيد:يجلّل قبر المرأة الى أن يغشى باللبن دون الرّجل (5)لمناسبته للستر،و لما روي أنّ عليا(عليه السلام)مرّ بقوم دفنوا ميتا و بسطوا على قبره الثوب،فجذبه و قال:«إنّما يصنع هذا بالنساء» (6)،و هو الذي ارتضاه في المعتبر (7).

ص: 24


1- مسند أحمد 1:328،صحيح مسلم 2:665 ح 967،الجامع الصحيح 3:365 ح 1048، سنن النسائي 4:81.
2- الخلاف 1:728 المسألة:552.
3- التهذيب 1:464 ح 1519.
4- تقدم في ص 14 الهامش 3.
5- حكاه عن المفيد ابن إدريس في السرائر:34،و العلامة في مختلف الشيعة:121 عن بعض نسخ احكام النساء،و النسخة التي تحت أيدينا خالية منه.
6- السنن الكبرى 4:54.
7- المعتبر 1:335.

و ابن إدريس أنكر استحباب التغشية في الرّجل،و أحال المرأة على ثبوت ذلك بنص (1).

قلنا:ما ذكر كاف في هذا المطلوب.

الحادية عشر:يستحبّ الخروج من قبل الرجلين،

لخبر عمار عن الصادق (عليه السلام):«لكل شيء باب،و باب القبر ممّا يلي الرجلين» (2).و مثله رواية الأصحاب عن جبير بن نفير الحضرمي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (3).

و روى السكوني عن الباقر(عليه السلام)عن أبيه:«من دخل القبر، فلا يخرج منه إلاّ من قبل الرّجلين» (4).

و الظاهر انّ هذا النهي أو النفي للكراهية.

و وافق ابن الجنيد-رحمه اللّه-في الرجل،و قال في المرأة:يخرج من عند رأسها (5)لإنزالها عرضا،أو للبعد عن العورة،و الأحاديث مطلقة.

الثانية عشرة:يستحبّ إهالة الحاضرين عليه التراب بظهور الأكف،

لخبر محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا،قال:رأيت أبا الحسن(عليه السلام).

و هو في جنازة فحثى التراب على القبر بظهور كفيه (6).

و أقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا،لفعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله) ذلك (7)،و في خبر محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام):انه حثا على ميت ممّا

ص: 25


1- السرائر:34.
2- التهذيب 1:316 ح 919.
3- التهذيب 1:316 ح 918.
4- الكافي 3:193 ح 4 عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،و في التهذيب 1:316 ح 917 عن جعفر عن أبيه عليهما السلام.
5- مختلف الشيعة:121.
6- التهذيب 1:318 ح 925،عن احمد بن محمد الأصبغ.
7- السنن الكبرى 3:410.

يلي رأسه ثلاثا بكفّيه (1).

و ليدع بما دعا به الباقر(عليه السلام)-في هذه الرواية-باسطا كفّيه على القبر:«اللّهم جاف الأرض عن جنبه،و صعّد إليك روحه،و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك» (2).

أو يدعو بما رواه السكوني بسند الخبر الأول الى علي(عليه السلام):

«سمعت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقول:من حثا على ميت و قال:إيمانا بك،و تصديقا بنبيّك،هذا ما وعد اللّه و رسوله(صلّى اللّه عليه و آله)أعطاه اللّه بكل ذرّة حسنة» (3).

و ليقولوا: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .

قال الأصحاب:و لا يهيل ذو الرّحم (4)لما مرّ.

و يرفع القبر عن الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات لا أكثر من ذلك،قاله المفيد (5).و ابن زهرة خيّر بينها و بين شبر (6).

و في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«و يلزق القبر بالأرض،إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات،و يربّع قبره» (7).

و في خبر سماعة عن الصادق(عليه السلام):«يرفع من الأرض قدر أربع أصابع مضمومة،و ينضح عليه الماء» (8).و عليها ابن أبي عقيل.

و في خبر حماد بن عثمان عنه(عليه السلام):انّ أباه(عليه السلام)أمر أن2.

ص: 26


1- الكافي 3:198 ح 3،التهذيب 1:319 ح 927.
2- الكافي 3:198 ح 3،التهذيب 1:319 ح 927.
3- الكافي 3:198 ح 2،التهذيب 1:319 ح 926.
4- راجع:المقنعة:12،المبسوط 1:187،المعتبر 1:300.
5- المقنعة:12.
6- الغنية:502.
7- الكافي 3:195 ح 3،التهذيب 1:315 ح 916،458 ح 1494.
8- الكافي 3:199 ح 2،التهذيب 1:320 ح 932.

يرفع قبره أربع أصابع،و أن يرشّه بالماء (1).

و في خبر عبيد اللّه الحلبي و محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):

«أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات،و ذكر أنّ الرشّ بالماء حسن» (2).

قلت:اختلاف الرواية دليل التخيير.و ما رووه عن جابر:أنّ قبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله)رفع قدر شبر (3)و رويناه عن إبراهيم بن علي عن الصادق (عليه السلام)أيضا (4)يقارب التفريج.و لما كان المقصود من رفع القبر أن يعرف ليزار و يحترم كان مسمّى الرفع كافيا،و ابن البراج:شبر أو أربع أصابع (5).

و رشّ الماء عليه مستحب،لما مر.و صورته ما رواه موسى بن أكيل-بضم الهمزة و فتح الكاف-عن الصادق(عليه السلام):«السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة و تبدأ من عند الرأس إلى الرجلين،ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر،ثمّ ترشّ على وسط القبر» (6).و ليكن متصلا الى أن يرجع الى الرأس،قاله الصّدوق (7).

الثالثة عشرة:يستحبّ تربيع القبر،

لما سلف من خبر محمد بن مسلم (8).

و ليكن مسطّحا بإجماعنا-نقله الشيخ (9)-لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) سطح قبر ابنه إبراهيم (10)و قال القاسم بن محمد:رأيت قبر النبي(صلّى اللّه عليه

ص: 27


1- الكافي 3:200 ح 5،التهذيب 1:320 ح 933.
2- التهذيب 1:321 ح 934.
3- السنن الكبرى 3:410.
4- التهذيب 1:496 ح 1538.
5- المهذب 1:63.
6- التهذيب 1:320 ح 931.
7- الفقيه 1:109،الهداية:28.
8- تقدم في ص 26 الهامش 7.
9- الخلاف 1:706 المسألة:505.
10- الام 1:273،مختصر المزني:37،الخلاف 1:706،المعتبر 1:302.

و آله)و القبرين عنده مسطّحة لا مشرفة،و لا لاطئة،مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء (1)و لأنّ التربيع يدلّ على التسطيح،و لأنّ قبور المهاجرين و الأنصار بالمدينة مسطحة و هو يدلّ على أنّه أمر متعارف.

و احتجّ الشيخ أيضا في الخلاف بما رواه أبو الهياج،قال قال علي(عليه السلام):«أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):لا ترى قبرا مشرفا إلاّ سوّيته،و لا تمثالا إلاّ طمسته» (2)و فيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا.

و في خبر زرارة و جابر عن الباقر(عليه السلام):«و سوّي قبره» (3).«و سوّي عليه» (4)دليل على التسطيح.

الرابعة عشرة:لا يطرح في القبر من غير ترابه،

و نقل فيه في التذكرة الإجماع (5)لنهي النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أن يزاد في القبر على حفيرته،و قال:

«لا يجعل في القبر من التراب أكثر ممّا خرج منه»رواه عقبة بن عامر (6)رويناه عن السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» (7).

و في الفقيه:قال الصادق(عليه السلام):«كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر،فهو ثقل على الميت» (8).

ص: 28


1- سنن أبي داود 3:215 ح 3220،مسند أبي يعلى 8:53 ح 4571،المستدرك على الصحيحين 1:369،السنن الكبرى 4:3.
2- الخلاف 1:707 المسألة:505. و الرواية في:صحيح مسلم 2:666 ح 969،سنن أبي داود 3:215 ح 3218،الجامع الصحيح 3:366 ح 1049،السنن الكبرى 4:3.
3- التهذيب 1:457 ح 1490.
4- التهذيب 1:459 ح 1496.
5- تذكرة الفقهاء 1:53.
6- السنن الكبرى 3:410.
7- الكافي 3:202 ح 4،التهذيب 1:460 ح 1500.
8- الفقيه 1:120 ح 576.

و ابن الجنيد:لا يزاد من غير ترابه وقت الدفن،و لا بأس بذلك بعد الدفن.

و عن السكوني عن الصادق(عليه السلام):«لا تطيّنوا القبر من غير طينه» (1).

و يستحبّ كثرة الدعاء له و الاستغفار في كلّ حال،و يسأل اللّه تثبيته عند الفراغ من دفنه.

الخامسة عشرة:يستحبّ أن يوضع عند رأسه حجر أو خشبة علامة،

ليزار و يترحّم عليه،كما فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،حيث أمر رجلا بحمل صخرة ليعلم بها قبر عثمان بن مظعون،فعجز الرجل فحسر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن ذراعيه،فوضعها عند رأسه،و قال:«اعلم بها قبر أخي،و أدفن اليه من مات من أهله» (2).

و روينا عن يونس بن يعقوب،قال:لما رجع الكاظم(عليه السلام)من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد (3)فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها،و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر (4).

و قال ابن الجنيد:لا بأس أن يوضع عليه الحصا و الصندوق و العلامة.

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام):«لا يصلح البناء على القبر،و لا الجلوس،و لا تجصيصه،و لا تطيينه» (5).

فيمكن الجمع بحمل المطلق هنا على المقيّد في خبر السكوني،و حمل التجصيص المكروه على ما كان بعد اندراسه لا ما وقع ابتداء،كما قاله الشيخ

ص: 29


1- الكافي 3:201 ح 1،التهذيب 1:460 ح 1499.
2- سنن أبي داود 3:212 ح 3206،السنن الكبرى 3:412.
3- فيد:بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة،معجم البلدان 1:282.
4- الكافي 3:202 ح 3،التهذيب 1:461 ح 1501،الاستبصار 1:217 ح 767.
5- التهذيب 1:461 ح 1503،الاستبصار 1:217 ح 767.

-رحمه اللّه- (1).

و في المعتبر قوى الكراهية مطلقا،و حمل خبر يونس على الجواز (2).

و روى العامة:«ان الميت لا يزال يسمع الأذان ما لم يطيّن قبره» (3)و فيه دلالة على إباحة الكتابة على القبر،و قد روي فيه نهي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من طريق العامة (4)و لو صحّ حمل على الكراهة لأنّه من زينة الدنيا.

السادسة عشرة:يستحب وضع الحصباء عليه،لما مرّ،و لما روي أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)فعله بقبر إبراهيم ولده (5)و لخبر ابان عن بعض أصحابه،عن الصادق(عليه السلام)،قال:«قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)محصب حصباء حمراء» (6).

السابعة عشرة:يستحب ما رواه زرارة عن الباقر(عليه السلام):«فإذا

حثي عليه التراب و سوّي قبره،فضع كفك على قبره عند رأسه،و فرّج أصابعك،

و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء»

(7) و ليقل ما مرّ في خبر محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) (8).

و قال الصدوق:متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة (9)و على ذلك عمل الأصحاب

ص: 30


1- المبسوط 1:187.
2- المعتبر 1:305.
3- الفردوس بمأثور الخطاب 5:98 ح 7587،الدعوات للراوندي:276 ح 797.
4- سنن ابن ماجة 1:498 ح 1563،سنن النسائي 4:86،المستدرك على الصحيحين 1: 370.
5- السنن الكبرى 3:411.
6- الكافي 3:201 ح 2،التهذيب 1:461 ح 1502.
7- التهذيب 1:457 ح 1490.
8- تقدم في ص 26 الهامش 2.
9- الهداية:28.لم نعثر عليه في كتبه ما عدا الهداية،و فيها:«من يزور القبر يستقبل القبلة».

و قد روى إسحاق بن عمار،قلت لأبي الحسن الأول(عليه السلام):انّ أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة و دفن الميت،لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر،أ فسنّة ذلك أم بدعة؟فقال:«ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» (1)و بسند آخر عن محمد بن إسحاق عن الصادق(عليه السلام):

«إنّما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه،فامّا من أدرك الصلاة فلا» (2).

و روى زرارة-في الحسن-عن الباقر(عليه السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين،كان إذا صلّى على الهاشمي و نضح قبره بالماء،وضع(صلّى اللّه عليه و آله)كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين،فكان الغريب يقدم أو المسافر فيرى القبر الجديد عليه أثر كفّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فيقول:من مات من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله» (3).

و ليس في هاتين مخالفة للأول،لأنّ الوجوب على من لم يحضر الصلاة لا ينافي الاستحباب لغيره،و المراد به انّه يستحبّ مؤكدا لغير الحاضر للصلاة،و لهذا لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر،فهو و ان كان مستحبا للحاضر لكنه غير مؤكد، و إخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجّة في نفسه،و تقرير الإمام عليه يؤكّده، و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حجّة فليتأس به،و تخصيص بني هاشم لكرامتهم عليه.

و قد روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألت الصادق(عليه السلام) كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليه و هو مقابل القبلة (4)و هذا يشمل حالة الدفن و غيره.8.

ص: 31


1- التهذيب 1:462 ح 1506.
2- التهذيب 1:467 ح 1532،عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام).
3- الكافي 3:200 ح 4،التهذيب 1:460 ح 1498.
4- الكافي 3:200 ح 3،التهذيب 1:462 ح 1508.
الثامنة عشرة:أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت (1)بعد

الثامنة عشرة:أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت(1) بعد انصراف الناس عنه.

و قد رواه العامة عن أبي أمامة الباهلي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،قال:«إذا مات أحدكم و سوّيتم عليه التراب،فليقم أحدكم عند رأس قبره،ثم ليقل:يا فلان بن فلانة،فإنه يسمع و لا يجيب.ثم يقول:يا فلان بن فلانة،فيستوي قاعدا فإنّه يقول:أرشدنا يرحمك اللّه.فيقول:اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلاّ اللّه،و انّ محمدا عبده و رسوله،و انك رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد نبيا،و بالقرآن إماما،فإن منكرا و نكيرا يتأخر كل واحد منهما،فيقول:انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقّن حجّته»:

قال يا رسول اللّه:فان لم نعرف اسم امّه؟قال:«انسبه الى حواء» (2).

و روينا عن يحيى بن عبد اللّه-بعدّة طرق-قال:سمعت الصادق(عليه السلام)يقول:«ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير».

قلت:كيف نصنع؟قال:«إذا أفرد الميت،فليتخلّف عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه،و ينادي بأعلى صوته،يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه،من شهادة ان لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمدا عبده و رسوله سيد النبيين،و انّ عليا أمير المؤمنين و سيد الوصيين،و ان ما جاء به محمد حق،و ان الموت حق،و البعث حق،و ان اللّه يبعث من في القبور.قال:فيقول منكر لنكير:انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجّته» (3).

و عن جابر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام):«ما على أحدكم إذا دفن ميّته،و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره،ثمّ يقول:يا فلان ابن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به،من شهادة انّ لا إله إلاّ اللّه،و ان

ص: 32


1- في س،ط:الولي.
2- مجمع الزوائد 2:324،تلخيص الحبير 5:243،كنز العمال 15:604 عن الطبراني و ابن عساكر و الديلمي.
3- الكافي 3:201 ح 11،الفقيه 1:109 ح 501،التهذيب 1:321 ح 935.

محمدا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ان عليا أمير المؤمنين إمامك،و فلان و فلان حتى تأتي على آخرهم،فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه:قد كفينا الدخول عليه و مسألتنا إيّاه فإنّه قد لقّن،فينصرفان عنه و لا يدخلان عليه» (1).

فرع:

لم يتعرض الشيخان و الخبران لكيفية الوقوف.

و قد قال ابن إدريس:انّ الملقّن يستقبل القبلة و القبر (2).

و قال ابن البراج (3).و ابن إدريس (4)و الشيخ يحيى (5):يستدبر القبلة و القبر أمامه.

و كلاهما جائز،لإطلاق الخبر الشامل لذلك،و لمطلق النداء عند الرأس على أي وضع كان المنادي.

قال ابن البراج:و مع التقيّة يقول ذلك سرا (6).

تنبيه:

نقل الشيخ المحقق عن الفقهاء الأربعة إنكار التلقين (7).و قال الشيخ3.

ص: 33


1- التهذيب 1:459 ح 1496.
2- السرائر:33.
3- المهذب 1:64.
4- تقدم قول ابن إدريس في الهامش 2 بما يخالف هذا،و الظاهر ان ذكره هنا سهو،و المراد منه أبو الصلاح الحلبي كما في كتابه الكافي في الفقه:239،و كما نسبه اليه ابن إدريس في السرائر:33. راجع:الحدائق الناضرة 4:129،مفتاح الكرامة 1:501.
5- الجامع للشرائع:55.
6- المهذب 1:64.
7- المعتبر 1:303.

الفاضل:خلافا للجمهور (1).

و قد قال الرافعي-من الشافعية-:يستحبّ أن يلقّن الميت بعد الدفن، فيقال:يا عبد اللّه بن أمة اللّه،اذكر ما خرجت عليه من الدنيا،شهادة ان لا إله إلاّ اللّه،و ان محمدا رسول اللّه،و ان الجنّة حق،و انّ النار حق،و ان الساعة آتية لا ريب فيها،و ان اللّه يبعث من في القبور،و أنك رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد نبيا،و بالقرآن إماما،و بالكعبة قبلة،و بالمؤمنين إخوانا.قال:ورد الخبر به عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم) (2).

و قال صاحب الروضة (3):هذا التلقين استحبه جماعة من أصحابنا،منهم:

القاضي حسين،و صاحب التتمة،و نصر المقدسي في كتابه التهذيب و غيرهم، و نقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا.و الحديث الوارد فيه ضعيف،لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم،و قد اعتضد بشواهد من الأحاديث الصحيحة،كحديث:«اسألوا اللّه له التثبيت»،و وصية عمرو بن العاص:أقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور.قال:و لم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول و في زمن من يقتدى به.قال:قال أصحابنا:

و يقعد الملقّن عند رأس القبر،و الطفل لا يلقّن (4).

قلت:و لا ينافي هذا صحة نقل الفاضلين،لأنّ المنقول انّما هو عن أصحاب الشافعي لا عن نفسه.

و اما الطفل،فظاهر التعليل يشعر بعدم تلقينه،و يمكن أن يقال يلقّن، إقامة للشعار و خصوصا المميز،و كما في الجريدتين.1.

ص: 34


1- تذكرة الفقهاء 1:53.
2- فتح العزيز 5:242.
3- الروضة في الفروع-روضة الطالبين و عمدة المتقين-لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي،المتوفّى سنة 676،و قد اختصره من شرح الوجيز للرافعي-لاحظ.كشف الظنون 1:929.
4- أورده-و باختلاف يسير-النووي في مصنف آخر،هو المجموع 5:304.و الحديث النبوي في: سنن أبي داود 3:315 ح 3221،المستدرك على الصحيحين 1:370 و وصية عمرو في صحيح مسلم 1:112 ح 121.
المطلب الثالث:في التوابع،و
فيه ثمانية مباحث.
البحث الأول:في الأحكام،و
فيه مسائل:
الأولى:لو اجتمع أموات،و لم يمكن الجمع بين تجهيزهم في وقت واحد،

بدئ بمن يخشى فساده.فلو تساووا في ذلك،أو في عدم الفساد،قال الشيخ:يقدّم الأب،ثم الابن و ابن الابن،ثم الجد.و ان كان أخوان في درجة واحدة قدم أسنهما،و ان تساويا أقرع بينهما،و ان كان أحدهما أقوى سببا قدّم.و الزوجتان تقدّم أسنّهما،فان تساوتا أقرع بينهما (1).

قال المحقق:لست أعرف وجه ما ذكره مع التساوي،إذ ليس هنا إشكال فيخرج بالقرعة،و الأقرب:تخيير الولي في البدأة (2).

قلت:لا ريب ان التعجيل مستحب(كما مر،فالمعجّل مرجّح في هذا الاستحباب) (3)فيحتاج الى مرجّح.و تخيير الولي لا شك في جوازه،و انما الكلام في تخصيص الولي أحد المتساويين بالاستحباب،هل هو مستند الى اختياره أو هو مرجّح بما جعله الشارع مرجّحا؟فيمكن الترجيح بخصال دينية أو بالذكورية،كما سبق.و يمكن القرعة،لإطلاق الأخبار في استعمالها عند الاشتباه.و مع التساوي في المرجحات فالقرعة،لأن ترجيح اللّه تعالى أولى من ترجيح الولي.

و الظاهر:ان هذا كلّه على سبيل الاستحباب إلاّ مع خشية الفساد،لأنّ الغرض التجهيز و هو يحصل،و لم يفت الا التعجيل و هو مستحب.

الثانية:المشهور كراهة البناء على القبر و اتخاذه مسجدا،

و كذا يكره القعود على القبر.و في المبسوط نقل الإجماع على كراهة البناء عليه (4).و في النهاية:يكره

ص: 35


1- المبسوط 1:176.
2- المعتبر 1:346.
3- العبارة ساقطة من س.
4- المبسوط 1:187.

تجصيص القبور و تظليلها (1).

و كذا يكره المقام عندها،لما فيه من إظهار السخط لقضاء اللّه،أو الاشتغال عن مصالح المعاد و المعاش،أو لسقوط الاتعاظ بها.

و قد روى يونس بن ظبيان عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه،قال:

«نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ان يصلّى على قبر،أو يقعد عليه،أو يبنى عليه» (2).

و في صحاح العامة عن جابر:نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ان يجصّص القبر،أو أن يبنى عليه،و أن يقعد عليه (3).

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«لا تجلسوا على القبور،و لا تصلّوا إليها» (4).

و خبر علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام):«لا يصلح البناء عليه،و لا الجلوس» (5)و ظاهره الكراهية،فيحمل النهي الأول و غيره عليها،كما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا تبنوا على القبور،و لا تصوّروا سقوف البيوت»،رواه جراح المدائني،عن الصادق(عليه السلام)عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (6).

و عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لان يجلس أحدكم على جمر،فتحرق ثيابه فتصل النار الى بدنه،أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر» (7)و هو في صحيح مسلم بنحو هذه العبارة (8).و هذا مبالغة في الزجر عن ذلك لاحترام القبر،«فإنّ1.

ص: 36


1- النهاية:44.
2- المقنع:21،التهذيب 1:461 ح 1504 و 3:201 ح 469،الاستبصار 1:482 ح 1869.
3- صحيح مسلم 2:667 ح 970،الجامع الصحيح 3:368 ح 1052،سنن النسائي 4:87.
4- صحيح مسلم 2:668 ح 972،سنن أبي داود 3:217 ح 3229،السنن الكبرى 4:79.
5- التهذيب 1:461 ح 1503،الاستبصار 1:217 ح 767.
6- المحاسن 612،التهذيب 1:461 ح 1505.
7- مسند أحمد 4:79،سنن ابن ماجة 1:499 ح 1566،سنن أبي داود 3:217 ح 3228، سنن النسائي 4:95،السنن الكبرى 4:79.
8- صحيح مسلم 2:667 ح 971.

حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا» (1)كما سبق.

و زاد الشيخ في الخلاف:كراهة الاتكاء عليه و المشي (2)،و نقله في المعتبر عن العلماء (3).و قد نقل الصدوق في الفقيه عن الكاظم(عليه السلام):«إذا دخلت المقابر فطأ القبور،فمن كان مؤمنا استروح الى ذلك،و من كان منافقا وجد ألمه» (4).و يمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل الى قبر إلاّ بالمشي على آخر،أو يقال:تختصّ الكراهية بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم.

و روى الصدوق عن سماعة،انّه سأله(عليه السلام)عن زيارة القبور و بناء المساجد فيها،قال:«زيارة القبور لا بأس بها،و لا يبنى عندها مساجد» (5).

قال الصدوق:و قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا تتخذوا قبري قبلة، و لا مسجدا،فان اللّه تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (6).

قلت:هذه الأخبار رواها الصدوق و الشيخان و جماعة المتأخّرين في كتبهم، و لم يستثنوا قبرا،و لا ريب انّ الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه:إحداهما البناء،و الأخرى الصلاة،و تانك ما في المشاهد المقدسة.فيمكن القدح في هذه الأخبار لأنها آحاد،و بعضها ضعيف الاسناد،و قد عارضها أخبار أشهر منها،و قال ابن الجنيد:لا بأس بالبناء عليه،و ضرب الفسطاط يصونه و من يزوره (7).أو تخصّص هذه العمومات بإجماعهم في عهود كانت الأئمة ظاهرة فيهم و بعدهم من غير نكير،و بالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم و عمارتها و أفضلية الصلاة عندها،و هي كثيرة منها:2.

ص: 37


1- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.
2- الخلاف 1:707 المسألة 507،المبسوط 1:188.
3- المعتبر 1:305.
4- الفقيه 1:115 ح 539.
5- الكافي 3:288 ح 2،الفقيه 1:114 ح 531.
6- الفقيه 1:114 ح 532.
7- مختلف الشيعة:122.

ما رواه الشيخ في التهذيب عن عامر البناني،عن الصادق(عليه السلام)، عن آبائه،عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،انه قال لعلي(عليه السلام):«يا أبا الحسن انّ اللّه جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة،و عرصة من عرصاتها.

و انّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه،و صفوة من عباده تحنّ إليكم،و تحتمل المذلّة و الأذى فيكم،فيعمرون قبوركم و يكثرون زيارتها،تقرّبا منهم الى اللّه،و مودّة منهم لرسوله،أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي،و الواردون حوضي،و هم زوّاري (1)غدا في الجنة.

يا علي،من عمر قبوركم و تعاهدها فكأنّما أعان سليمان على بناء بيت المقدس،و من زار قبوركم عدل له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام،و خرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمّه،فأبشر و بشّر أوليائك و محبيك من النعيم و قرّة العين بما لا عين رأت،و لا اذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.

و لكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي و لا يردون حوضي» (2).و قد روى كثيرا من أهل (3)الحديث،و ذكر تعيير الحثالة الحافظ ابن عساكر من علماء العامة (4).

قال المفيد-رحمه اللّه-:و قد روي انّه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام،و يصلّي الزائر ممّا يلي رأس الامام،و هو أفضل (5).

و قال الشيخ:و قد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمة(عليهم السلام)، خاصة في النوافل (6).5.

ص: 38


1- في المصدر زيادة:«و جيراني».
2- التهذيب 6:107 ح 189.
3- في«م»و«س»:أهل.
4- انظر:111-112 من هذا الجزء.
5- المقنعة:25.
6- المبسوط 1:85.

قلت:الذي رواه في التهذيب بإسناده الى محمد بن عبد اللّه الحميري، قال:كتبت الى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة،هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟و هل يجوز للمصلّي أن يقوم وراء القبر و يجعله قبلة؟فأجاب:«أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة،و لا فريضة،و لا زيارة،و لكن يضع خدّه الأيمن على القبر.و أمّا الصلاة فإنّها خلفه،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،لأنّ الإمام لا يتقدّم،و يصلّى عن يمينه و شماله» (1).

و قد روى المفيد عن ابن قولويه،بسنده الى ابن أبي عمير،عمن روى عن الباقر(عليه السلام):«انّ الصلاة الفريضة عند قبر الحسين تعدل عمرة» (2).

و بسنده الى أبي علي الحراني،عن الصادق(عليه السلام):«من أتاه وزارة، و صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات،كتبت له حجّة و عمرة».قال:و كذلك لكلّ من أتى قبر إمام مفترض الطاعة،قال:«نعم» (3).

و بسنده الى شعيب العقرقوفي،عن الصادق(عليه السلام):«ما صلّى عنده أحد صلاة إلاّ قبلها اللّه منه،و لا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيبت له عاجلة و آجلة» (4).

و الأخبار في ذلك كثيرة،و مع ذلك فقبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)مبنيّ عليه في أكثر الأعصار،و لم ينقل عن أحد من السلف إنكاره بل جعلوه أنسب لتعظيمه.و أمّا اتخاذ القبور مسجدا،فقد قيل هو لمن يصلّي فيه جماعة،أمّا فرادى فلا.

الثالثة:روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين(عليه السلام):«من حدّد

قبرا،أو مثّل مثالا،فقد خرج من الإسلام

» (5).

ص: 39


1- التهذيب 2:228 ح 898.
2- المزار للمفيد 116 ح 1.
3- المزار للمفيد 117 ح 3.
4- المزار للمفيد 118 ح 4.
5- المحاسن:612،الفقيه 1:120 ح 579،التهذيب 1:459 ح 1497.

و قد نقل الصدوق في الفقيه اختلافا في لفظه:فعن محمد بن الحسن الصفار:جدد-بالجيم-فحكى ابن الوليد عنه:عدم جواز تجديده و تطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه،و يجوز ابتداء،و يجوز الرم من غير تجديد.و عن سعد بن عبد اللّه:حدّد-بالحاء المهملة-أي سنّم قبرا.و عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي:

جدّث-بالثاء المثلثة أخيرا.قال الصدوق رحمه اللّه:الجدث:القبر،و لا ندري ما عني به.

و الذي أذهب اليه أنّه جدّد-بالجيم-و معناه:نبش قبرا،لأنّ من نبش قبرا فقد جدّده،أو أحوج إلى تجديده.و أقول:انّ المعاني الثلاثة في الحديث،و انّ من خالف الإمام في التجديد و التسنيم و النبش و استحلّ شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام (1).

قال:و معنى مثّل مثالا:أبدع بدعة دعا إليها،و وضع دينا.ثم قال:فإن أصبت فمن اللّه على ألسنتهم،و ان أخطأت فمن عند نفسي (2).

و نقل الشيخ في التهذيب عن شيخه المفيد:خدّد-بالخاء المعجمة و الدالين- من قوله تعالى قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ .و الخدّ هو:الشق،فالمعنى:شقّ القبر ليدفن فيه،أو على جهة النبش.قال:و يمكن أنّ معنى جدث:جعل القبر دفعة اخرى قبرا لآخر،لأنّ الجدث:القبر،فيؤخذ الفعل منه،و الكلّ محتمل، و اللّه أعلم بالمراد و الذي صدر الخبر عنه(عليه السلام) (3).

قلت:اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة،مؤذّن بصحة الحديث عندهم و ان كان طريقه ضعيفا،كما في أحاديث كثيرة اشتهرت و علم موردها و ان ضعف اسنادها،فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان و أبي الجارود9.

ص: 40


1- الفقيه 1:121.
2- الفقيه 1:121.
3- التهذيب 1:459.

راوييه (1).

على انه قد ورد نحوه من طريق أبي الهياج السالف (2)و قد نقله الشيخ في الخلاف (3)و هو من صحاح العامة،و هو يعطي صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف و التسوية عليه،و يعطي انّ المثال هنا هو التمثال هناك،و هو:الصورة، و قد ورد في النهي عن التصوير و في إزالة التصاوير أخبار مشهورة (4).

و اما الخروج من الإسلام بهذين،فاما على طريقة المبالغة زجرا عن الاقتحام على ذلك،و اما لأنّه فعل ذلك مخالفة للإمام(عليه السلام).

الرابعة:يكره الحدث بين القبور،

لتأذى المترحمين به،و لما روي ان النبي (صلّى اللّه عليه و آله)قال:«لا أبالي،أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» (5).

و يكره الضحك بينها،قال الصدوق:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«انّ اللّه تعالى كره لي ست خصال،فكرهتهن للأوصياء من بعدي و اتباعهم:العبث في الصلاة،و الرفث في الصوم،و المنّ بعد الصدقة،و إتيان المساجد جنبا،و التطلّع في الدور،و الضحك بين القبور» (6).

الخامسة:يجوز الدفن ليلا،

لما مرّ في الصلاة (7)،و قد فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذي النجادين (8)و علي(عليه السلام)بفاطمة (9)و الحسنان بعلي(عليه

ص: 41


1- المعتبر 1:304.
2- تقدم في 28 الهامش 2.
3- الخلاف 1:707 المسألة 505.
4- لاحظ:صحيح مسلم 2:666 ح 969،سنن السنائي 4:89،السنن الكبرى 4:3.
5- سنن ابن ماجة 1:499 ح 1568.
6- الفقيه 1:120 ح 575،أمالي الصدوق:60.
7- تقدم في ص 413 الهامش 3.
8- أخرجه ابن قدامة في المغني 2:417 عن الخلال في الجامع.
9- المصنف لعبد الرزاق 3:521 ح 6553-655،المصنف لابن أبي شيبة 3:346.

السلام) (1)و الصحابة بالأولين (2)و بعائشة (3).و ما روي انّه(صلّى اللّه عليه و آله) زجر عن الدفن ليلا إلاّ لضرورة (4)لا يمنع الجواز،و غايته انّ النهار أفضل تكثيرا للمصلين و المترحّمين،و للتمكّن من اتباع السّنة في وظائفه نهارا.

السادسة:أجمع العلماء على أنّه لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين كافر،

لئلاّ يتأذّى المسلمون بعذابهم،و لأنّها إن كانت وقفا ففيه إخراج له عن شرطه، و لأنّه أنسب بتعظيم المسلم،و قد سبق استثناء الحامل من مسلم (5).

فعلى هذا،لو دفن نبش ان كان في الوقف،و لا يبالي بالمثلة فإنه لا حرمة له.و لو كان في غيره،أمكن صرفا للأذى عن المسلمين،و لأنّه كالمدفون في الأرض المغصوبة.

ص: 42


1- ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر 3:312 ح 1416،1417.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:510 ح 6553،المصنف لابن أبي شيبة:3:346،صحيح البخاري 2:113.
3- مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر 2:278،أسد الغابة 6:192،تذكرة الفقهاء 1:54.
4- صحيح مسلم 2:651 ح 943،سنن ابن ماجة 1:487 ح 1521،سنن النسائي 4:82.
5- تقدم في ص:9،المسألة الثانية.
البحث الثاني:في التعزية.

و هي تفعلة من العزاء،أي:الصبر،يقال:عزّيته فتعزّى،أي:صبّرته فتصبّر.و المراد بها طلب التسلّي عن المصاب،و التصبّر عن الحزن و الاكتئاب، بإسناد الأمر الى اللّه عزّ و جلّ و نسبته الى عدله و حكمته،و ذكر لقاء وعد اللّه على الصبر،مع الدعاء للميت و المصاب لتسليته عن مصيبته.و هي مستحبّة إجماعا، و لا كراهة فيها بعد الدفن عندنا،و الدفن خاتمة أمره لا أمر أهله.

و قد روى إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام)،قال:«ليس التعزية إلاّ عند القبر ثم ينصرفون،لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت» (1)،و يظهر من كلام ابن البراج.

لنا:عموم قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى مصابا فله مثل أجره»،رواه العامّة (2)و رواه الكليني بزيادة:«من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيء»عن وهب،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (3).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبته إلاّ كساه اللّه من حلل الكرامة» (4)رواه عمرو بن حزم،عن أبيه،عن جده.

و روى الكليني،عن إسماعيل الجزري،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى حزينا كسي في الموقف حلّة يحبى بها» (5)و روي:«يحبر بها» (6)أي:يسر.

ص: 43


1- الكافي 3:203 ح 1،التهذيب 1:463 ح 1511.
2- سنن ابن ماجة 1:511 ح 1602،الجامع الصحيح 3:385 ح 1073.
3- قرب الاسناد:25،الكافي 3:205 ح 2،ثواب الأعمال:236.
4- سنن ابن ماجة 1:511 ح 1601،السنن الكبرى 4:59.
5- الكافي 3:226 ح 2،و فيه:عن إسماعيل الجوزي.
6- الكافي 3:205،ح 1،ثواب الأعمال:235.

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«التعزية تورث الجنة» (1).

و قال هشام بن الحكم:رأيت الكاظم(عليه السلام)يعزّي قبل الدفن و بعده (2).

و خبر إسحاق ليس بصريح في كونه قبل الدفن،و لو سلّم حمل على تعزية خاصّة كأقلّ التعزية،كما قال الصادق(عليه السلام):«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» (3)،و لا تحمل على الأفضل،لأنّ ابن أبي عمير أرسل عن الصادق(عليه السلام):«التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن» (4)و ظاهره:أنها الكاملة،و لأن ابن بابويه روى عنه(عليه السلام):«التعزية الواجبة بعد الدفن» (5).و من ثم حكم الشيخ بأفضليتها بعد الدفن (6)و تبعه الفاضلان (7)، لاشتغال المعزّى قبل دفنه بتجهيزه،و اشتداد جزعهم بعده بمفارقته.

و لا حدّ لزمانها،عملا بالعموم.نعم،لو أدّت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى.و يمكن القول بثلاثة أيام،لنقل الصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام):«يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات» (8).و نقل عن الصادق(عليه السلام):«انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أمر فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس و نساؤها،و ان تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام،فجرت بذلك السنّة» (9).9.

ص: 44


1- ثواب الأعمال:235.
2- الكافي 3:205 ح 9،الفقيه 1:110 ح 503،التهذيب 1:463 ح 1516،الاستبصار 1: 217 ح 769.
3- الفقيه 1:110 ح 505.
4- الكافي 3:204 ح 2 التهذيب 1:463 ح 1512،الاستبصار 1:217 ح 770.
5- الفقيه 1:110 ح 504.
6- الخلاف 1:729 المسألة 556.
7- المعتبر 1:342،تذكرة الفقهاء:1:58.
8- الكافي 3:217 ح 2،الفقيه 1:116 ح 545.
9- المحاسن:149،الكافي 3:217 ح 1،الفقيه 1:116 ح 549.

قال:و قال الصادق(عليه السلام):«ليس لأحد ان يحدّ أكثر من ثلاثة أيام،إلاّ المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها» (1).قال:و اوصى أبو جعفر(عليه السلام)بثمانمائة درهم لمأتمه،و كان يرى ذلك (2)السنة،لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر باتخاذ طعام لآل جعفر(عليه السلام) (3).

و في كلّ هذه إيماء الى ذلك،و الشيخ أبو الصلاح قال:من السنّة تعزية أهله ثلاثة أيام،و حمل الطعام إليهم (4).

و الشيخ في المبسوط نقل الإجماع على كراهية الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة (5).و ردّه ابن إدريس بأنّه اجتماع و تزاور (6).و انتصر المحقّق بأنّه لم ينقل عن أحد من الصحابة و الأئمة الجلوس لذلك،فاتخاذه مخالف لسنّة السلف،و لا يبلغ التحريم (7).

قلت:الأخبار المذكورة مشعرة به،فلا معنى لاغترام حجّة التزاور، و شهادة الإثبات مقدّمة،إلاّ أن يقال:لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم،لكن اللغة و العرف بخلافه،قال الجوهري:المأتم:النساء يجتمعن،قال:و عند العامّة:

المصيبة (8)،و قال غيره:المأتم:المناحة (9)و هما مشعران بالاجتماع.م.

ص: 45


1- الفقيه 1:116 ح 550.
2- في المصدرين زيادة:«من».
3- الفقيه 1:116 ح 546،الكافي 3:217 ح 4.
4- الكافي في الفقه:240.
5- المبسوط 1:189.
6- السرائر:34.
7- المعتبر 1:344.
8- الصحاح 5:1857.
9- قاله ابن بري كما في لسان العرب-مادة أتم.

تنبيه

الإجماع على استحباب إطعام أهل الميت،لما سبق.و يكره الأكل عندهم،لقول الصادق(عليه السلام):«الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية» (1).نعم،لو أوصى الميت بذلك نفّذت وصيته،لأنّه نوع من أنواع البرّ يلحقه ثوابه بعد موته،و لكن لو فوّض الى غير أهله لكان أنسب،لاشتغالهم بمصابهم عن ذلك كما دلّ عليه الخبر.

و ليقل المعزّي ما قاله الصادق(عليه السلام)لقوم:«جبر اللّه وهنكم، و أحسن عزاكم،و رحم متوفاكم» (2).

و عزّى(عليه السلام)آخر بابن له،فقال:«اللّه خير لابنك منك،و ثواب اللّه خير لك منه»،فلمّا بلغه شدّة جزعه عاد اليه،فقال له:«قد مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)أ فما لك به أسوة».فقال:انه كان مرهقا،أي:يظن به السوء.قال:«انّ أمامه ثلاث خصال:شهادة ألاّ إله إلاّ اللّه،و رحمة اللّه، و شفاعة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فلن تفوته واحدة منهنّ ان شاء اللّه» (3).

و عن زين العابدين:«لمّا توفّي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)سمعوا قائلا يقول:انّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة،و خلفا من كلّ هالك،و دركا ممّا فات،فباللّه فثقوا،و إيّاه فارجوا،فان المصاب من حرم الثواب» (4).2.

ص: 46


1- الفقيه 1:116 ح 548.
2- الفقه 1:110 ح 506.
3- الكافي 3:204 ح 7،الفقيه 1:110 ح 508،ثواب الأعمال:235،التهذيب 1:468 ح 1537.
4- كمال الدين:392.
البحث الثالث:في البكاء و توابعه.

و هو جائز إجماعا،قبل خروج الروح و بعده،لما روي انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله):قبّل عثمان بن مظعون و هو ميت،و رفع رأسه و عيناه تهرقان (1).

و في البخاري و مسلم عن أنس:دخلنا على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) و إبراهيم يجود بنفسه،فجعلت عينا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)تذرفان.فقال له عبد الرحمن بن عوف:و أنت يا رسول اللّه.فقال:«يا بن عوف انّها رحمة» ثم أتبعها بأخرى.فقال:«انّ العين تدمع،و القلب يحزن،و لا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا،و انّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (2).

و في الكليني:عن ابن القداح عن الصادق(عليه السلام):«لما مات إبراهيم هملت عينا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالدموع،ثم قال(صلّى اللّه عليه و آله):تدمع العين،و يحزن القلب،و لا نقول ما يسخط الرب،و انّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (3).

و عن ابن عمر:عاد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)سعد بن عبادة فوجده في غشيته،فبكى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا.فقال:

«الا تسمعون انّ اللّه لا يعذّب بدمع العين،و لا بحزن القلب،و لكن يعذّب بهذا»و أشار الى لسانه«أو يرحم» (4).

و روينا عن الحارث بن يعلى بن مرّة،عن أبيه،عن جده،قال:قبض

ص: 47


1- المصنف لعبد الرزاق 3:596 ح 6775،مسند أحمد 6:43،سنن ابن ماجة 1:468 ح 1456،سنن أبي داود 3:201 ح 3163،الجامع الصحيح 3:314 ح 989،المستدرك على الصحيحين 1:361.
2- صحيح البخاري 2:105،صحيح مسلم 4:1807 ح 2315.
3- الكافي 3:262 ح 45.
4- صحيح البخاري 2:106،صحيح مسلم 2:636 ح 924.

رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فستر بثوب و عليّ عند طرف ثوبه،و قد وضع خدّيه على راحتيه،و الريح تضرب طرف الثوب على وجه عليّ،و الناس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون (1).

قال الصدوق:لما انصرف رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)من وقعة أحد إلى المدينة،سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء،و لم يسمع من دار حمزة عمّه،فقال(صلّى اللّه عليه و آله):«لكنّ حمزة لا بواكي له».فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه،حتى يبدءوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه،فهم الى اليوم على ذلك (2).

و لما مرّ من بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام)على فاطمة (3).

و عن الصادق(عليه السلام):«من خاف على نفسه من وجد بمصيبة، فليفض من دموعه،فإنّه يسكّن عنه» (4).

و عنه(عليه السلام):«انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب(عليه السلام)و زيد بن حارثة رضي اللّه عنه كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا،و يقول:كانا يحدّثاني و يؤنساني فذهبا جميعا» (5).

و روى الشيخ في التهذيب بالسند الى محمد بن الحسن الواسطي،عن الصادق(عليه السلام):«ان إبراهيم خليل الرحمن سأل ربّه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» (6).

و لا يكره عندنا البكاء بعد الموت.و قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فإذا4.

ص: 48


1- التهذيب 1:468 ح 1535.
2- الفقيه 1:116 ح 553،السنن الكبرى 4:70.
3- مصادرة كثيرة للمثال انظر:الكافي 1:459،روضة الواعظين:151،كشف الغمة 1: 501،البحار 43:178.
4- الفقيه 1:119 ح 568.
5- الفقيه 1:113 ح 527.
6- التهذيب 1:465 ح 1524.

وجبت فلا تبكينّ باكية» (1)يحمل على رفع الصوت بالبكاء،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لما بكى و قال عبد الرحمن:أو لم تكن نهيت عن البكاء،قال:«لا، و لكن نهيت عن صوتين فاجرين:صوت عند مصيبة،خمش وجوه،و شق جيوب.

و رنّة شيطان» (2)و في صحيح مسلم:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)زار قبر امّه، فبكى و أبكى من حوله (3).

و يستحبّ الاسترجاع عند المصيبة،للآية (4)و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أربع من كنّ فيه كان في نور اللّه الأعظم:من كان عصمة أمره شهادة أنّ لا إله إلاّ اللّه و أنّي رسول اللّه،و من إذا أصابته مصيبة قال إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و من إذا أصاب خيرا قال:الحمد للّه،و من إذا أصاب خطيئة قال استغفر اللّه و أتوب اليه» (5).

و قال الباقر(عليه السلام):«ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا، فيسترجع عند المصيبة،و يصبر حين تفجؤه المصيبة،إلاّ غفر اللّه ما مضى من ذنوبه إلاّ الكبائر التي أوجب اللّه عليها النار.و كلّما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره،فاسترجع عندها و حمد اللّه عزّ و جلّ،إلاّ غفر اللّه له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير،إلاّ الكبائر من الذنوب» (6).

رواهما ابن بابويه،و أسند الكليني الثاني إلى معروف بن خربوذ عن الباقر (عليه السلام)و لم يستثن منه الكبائر.

و روى الكليني بالإسناد الى داود بن زربي-بكسر الزاء ثم الراء الساكنة-4.

ص: 49


1- الموطأ 1:108 ح 302،سنن النسائي 4:13.
2- الجامع الصحيح 3:328 ح 1005.
3- صحيح مسلم 2:671 ح 976،سنن ابن ماجة 1:501 ح 1572،سنن أبي داود 3:218 ح 3234،سنن النسائي 4:90.
4- سورة البقرة:156.
5- المحاسن:7،الفقيه 1:111 ح 514 الخصال:222،ثواب الأعمال:198.
6- الكافي 3:224 ح 5،الفقيه 1:111 ح 515،ثواب الأعمال:234.

عن الصادق(عليه السلام):«من ذكر مصيبته و لو بعد حين،فقال: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،و اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .اللّهم أجرني على مصيبتي،و اخلف عليّ أفضل منها،كان له من الأجر مثلما كان عند أول صدمة» (1).

و روى مسلم عن أم سلمة رضي اللّه عنها:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«ما من مسلم تصيبه مصيبة،فيقول ما أمره اللّه به:انّا للّه و انّا إليه راجعون.اللّهم آجرني في مصيبتي،و اخلف لي خيرا منها،إلاّ أخلف اللّه له خيرا منها».فلمّا مات أبو سلمة،قلت:أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر الى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)؟ثم اني قلتها فاخلف لي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (2).

و في الترمذي عن أبي موسى عبد اللّه بن قيس:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)«إذا مات ولد العبد قال اللّه تعالى لملائكته:أقبضتم ولد عبدي.

فيقولون:نعم.فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده.فيقولون:نعم.فيقول:ما ذا قال عبدي.فيقولون:حمدك و استرجع.فيقول اللّه:ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، و سموه:بيت الحمد» (3).

و نحوه رواه الكليني بسنده إلى السكوني،عن الصادق(عليه السلام)،عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (4).و كذا رواه ابن بابويه (5).

و في البخاري:«فيقول اللّه عزّ و جلّ:ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاّ الجنة» (6).

و عن ابن عباس:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من كان له فرطان2.

ص: 50


1- الكافي 3:224 ح 6.
2- صحيح مسلم 2:631 ح 918.
3- الجامع الصحيح 3:241 ح 1021.
4- الكافي 3:218 ح 4.
5- الفقيه 1:112 ح 523.
6- صحيح البخاري 8:112.

من أمتي أدخله اللّه بهما الجنة».فقيل:فمن كان له فرط؟قال:«و من كان له فرط».فقيل:فمن لم يكن له فرط؟فقال:«فانا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي» (1).

و روى ابن بابويه عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،انه قال:«لا يدخل الجنة رجل ليس له فرط».فقال له رجل:فمن لم يولد له و لم يقدم ولدا؟فقال:

«إنّ من فرط الرجل أخاه في اللّه» (2)و عن الصادق(عليه السلام):«الصبر صبران:صبر عند المصيبة حسن جميل،و أفضل من ذلك الصبر عند ما حرّم اللّه عزّ و جلّ عليك فيكون لك حاجزا» (3).

و عن الصادق(عليه السلام):«من قدّم ولدا،كان خيرا له من سبعين يخلفونه من بعده،كلّهم قد ركب الخيل و قاتل في سبيل اللّه» (4).

قال:و عنه(عليه السلام):«ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة،صبر أو لم يصبر» (5).

و عنه(عليه السلام):«من أصيب بمصيبة،جزع عليها أو لم يجزع،صبر عليها أو لم يصبر،كان ثوابه من اللّه الجنة» (6).

و يلحق بذلك فوائد شتى أوردت في الكافي و غيره:

منها:عن سليمان النخعي عن الصادق(عليه السلام):«من أصيب بمصيبة،فليذكر مصابه بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنّها من أعظم المصائب» (7).

و منها:عن عمرو بن سعيد الثقفي عن الباقر(عليه السلام):«فاذكر1.

ص: 51


1- مسند أحمد 1:334،الجامع الصحيح 3:376 ح 1062.
2- الفقيه 1:112 ح 520.
3- الفقيه 1:118 ح 565،و في الكافي 2:174 ح 11.
4- الفقيه 1:112 ح 519،و في الكافي 3:218 ح 1.
5- الفقيه 1:112،518،و في الكافي 3:219 ح 8.
6- الفقيه 1:111،ح 517.
7- الكافي 3:220 ح 1.

مصابك برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله» (1).

و منها:عن عبد اللّه بن الوليد بإسناده:لما أصيب علي(عليه السلام)بعثني الحسن الى الحسين(عليهما السلام)و هو بالمدائن:فلمّا قرأ الكتاب قال:«يا لها من مصيبة ما أعظمها،مع انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي،فإنّه لن يصاب بمصيبة أعظم منها» (2).

و منها:عن هشام بن سالم عن الصادق(عليه السلام)،قال:«لما مات النبي(صلّى اللّه عليه و آله)سمعوا صوتا و لم يروا شخصا،يقول:«كلّ نفس ذائقة الموت»إلى قوله:«فقد فاز».و قال:انّ في اللّه خلفا من كلّ هالك،و عزاء من كلّ مصيبة،و دركا ممّا فات،فباللّه فثقوا و إياه فارجوا،فإنّما المحروم من حرم الثواب» (3).

و منها:عن الحسين بن مختار،عنه(عليه السلام):«لما قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)جاء جبرئيل(عليه السلام)و النبي مسجّى،و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين(صلّى اللّه عليهم)،فقال:السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ .الآية،انّ في اللّه جلّ و عزّ عزاء من كل مصيبة،و خلفا من كلّ هالك،و دركا لمن فات،فباللّه عزّ و جلّ فثقوا و إياه فارجوا،فانّ المصاب من حرم الثواب.هذا آخر وطئي من الدنيا» (4).

و منها:عن زيد الشحام عنه(عليه السلام):«لما قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أتاهم آت،يسمعون حسّه و لا يرون شخصه،فقال:السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية،في اللّه عزاء من كلّ مصيبة،و خلف من كل هالك،و دركا لما فات،فباللّه فثقوا و إياه9.

ص: 52


1- الكافي 3:220 ح 2.
2- الكافي 3:220 ح 3.
3- الكافي 3:221 ح 4،تفسير العياشي:210.
4- الكافي 3:221 ح 5،تفسير العياشي:209.

فارجوا،فانّ المحروم من حرم الثواب،و السلام عليكم» (1).

و منها:عن عبيد بن الوليد عن الباقر(عليه السلام)مثله،و في آخره:

«و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.فقال بعضهم:هذا ملك من السماء بعثه اللّه عزّ و جلّ ليعزيكم.و قال بعضهم:هذا الخضر» (2).

و منها:عن جابر عن الباقر(عليه السلام):«أشدّ الجزع:الصراخ بالويل و العويل،و لطم الوجه و الصدر،و جزّ الشعر.و من اقام النواحة فقد ترك الصبر، و من صبر و استرجع و حمد اللّه جلّ ذكره،فقد رضي بما صنع اللّه و وقع أجره على اللّه جلّ و عزّ،و من لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء و هو ذميم،و أحبط اللّه عزّ و جلّ أجره» (3).

و منها:عن ربعي بن عبد اللّه عن الصادق(عليه السلام)،قال:«ان الصبر و البلاء يستبقان إلى المؤمن،يأتيه البلاء و هو صبور.و انّ الجزع و البلاء يستبقان الى الكافر،فيأتيه البلاء و هو جزوع» (4).

و منها:عن السكوني عنه(عليه السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره» (5).

و منها:عن موسى بن بكر عن الكاظم(عليه السلام)،قال:«ضرب الرجل يده على فخذه عند المصيبة إحباط أجره» (6).

و منها:عن إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام):«يا إسحاق:لا تعدّن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من اللّه عزّ و جلّ الثواب،انّما9.

ص: 53


1- الكافي 3:221 ح 6،تفسير العياشي:210.
2- الكافي 3:222 ح 8،عن عبد اللّه بن الوليد عن الباقر(عليه السلام).
3- الكافي 222 ح 1.
4- الكافي 3:223 ح 3،الفقيه 1:113 ح 528.
5- الكافي 3:224 ح 4.
6- الكافي 3:225 ح 9.

المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها و ثوابها إذا لم يصبر عند نزولها» (1).

و منها:عن(أبي ميسرة) (2)،قال:كنا عند أبي عبد اللّه(عليه السلام)، فجاءه رجل و شكا إليه مصيبة،فقال له:«اما انّك ان تصبر تؤجر،و إلاّ تصبر يمضي عليك قدر اللّه عزّ و جلّ الذي قدّر عليك» (3).

تتمة:

يستحبّ تعزية جميع أهل الميت،و يتأكّد في النساء،لضعف صبرهنّ.

و روى أبو الجارود عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«فيما ناجى به موسى(عليه السلام)ربه تعالى:يا رب ما لمن عزّى الثكلى؟فقال:أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي» (4).

و عن عبد اللّه العمري عن علي(عليه السلام):«من عزّى الثكلى أظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ الا ظلّه» (5).

و روى أبو داود عن أبي برزة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من عزّى ثكلى كسي بردا في الجنة» (6).

نعم،لا تعزّى الشابة الأجنبية خوف الفتنة.

و يعزّى الصغير،للعموم.

و قال ابن بابويه:إن كان المعزى يتيما مسح يده على رأسه،فقد روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من مسح يده على رأس يتيم ترحما له،كتب اللّه له6.

ص: 54


1- الكافي 3:224 ح 7.
2- في المصدر:فضيل بن ميسر.
3- الكافي 3:225 ح 10،و تمامه:«و أنت مأزور».
4- الكافي 3:226 ح 1،ثواب الأعمال:231.
5- الكافي 3:227 ح 3،عن عيسى بن عبد اللّه العمري،عن أبيه،عن جده،عن أبيه،قال:قال أمير المؤمنين(عليه السلام)..
6- الجامع الصحيح 3:387 ح 1076.

بعدد كل شعرة مرّت عليها حسنة».قال:و ان وجد باكيا سكّت بلطف،فعن العالم(عليه السلام):«إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش،فيقول اللّه تبارك و تعالى:

من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه،فو عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لا يسكته عبد إلاّ وجبت له الجنة» (1).

و يعزّى المسلم بقريبه الذمي،و الدعاء للمسلم.و اختلف في تعزية الذمي،فمنعه في المعتبر،لأنّه موادّة منهي عنها (2)و لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):

«لا تبدءوهم بالسلام» (3)و هذا في معناه.و جوزه في التذكرة،لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عاد يهوديا في مرضه و قال له:«أسلم»،فنظر الى أبيه فقال له أبوه:

أطع أبا القاسم فأسلم،فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«الحمد للّه الذي أنقذه من النار»،و التعزية في معنى العيادة (4).و أجيب:لعلّه لرجاء إسلامه.

و بالغ ابن إدريس-رحمه اللّه-فمنع من تعزية المخالف للحق مطلقا إلاّ لضرورة،فيدعو له بإلهام الصبر لا بالأجر،و يجوز الدعاء لهم بالبقاء،لما ثبت من جواز الدعاء لهم به في أخبار الأئمة(عليهم السلام).قال:و ليقل لأخيه في الدين:ألهمك اللّه صبرا و احتسابا،و وفّر لك الأجر،و رحم المتوفّى و أحسن الخلف على مخلّفيه،أو يقول:أحسن اللّه لك العزاء،و ربط على قلبك بالصبر،و لا حرمك الأجر.و يكفي:آجرك اللّه (5).

قال:و ليس في تعزية النساء سنّة (6).و يدفعه ما سبق.4.

ص: 55


1- بنصه في الفقه المنسوب للإمام الرضا(عليه السلام):172،و هو ينسب-فيما ينسب إليه-لعلي بن بابويه.راجع مقدّمة الكتاب ص 37-42.
2- المعتبر 1:343.
3- صحيح مسلم 4:1707 ح 21670،سنن أبي داود 4:352 ح 5205،الجامع الصحيح 4: 154 ح 1602.
4- تذكرة الفقهاء 1:58. و الرواية في مسند أحمد 3:280،صحيح البخاري 2:118،سنن أبي داود 3:185 ح 3095.
5- السرائر:34.
6- السرائر:34.
البحث الرابع:في النياحة.
اشارة

يحرم اللطم و الخدش و جزّ الشعر،إجماعا-قاله في المبسوط (1)-و لما فيه من السخط لقضاء اللّه،و لرواية خالد بن سدير عن الصادق(عليه السلام):«لا شيء في لطم الخدود،سوى الاستغفار و التوبة» (2).

و روى العامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في صحاحهم:«أنا بريء ممّن حلق و صلق» (3)أي:حلق الشعر،و رفع صوته.

و في الفقيه:قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي طالب:«لا تدعينّ بويل (4)،و لا ثكل،و لا حرب،و ما قلت فيه فقد صدقت» (5).

و روى مسلم:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن:الفخر بالأحساب،و الطعن في الأنساب،و الاستسقاء بالنجوم،و النياحة» (6).و المراد به المشتملة على ذلك،لما يأتي من إباحة النوح الخالي من ذلك.

و استثنى الأصحاب-إلاّ ابن إدريس (7)-شقّ الثوب على موت الأب و الأخ لفعل العسكري على الهادي (8)،و فعل الفاطميات على الحسين(عليه السلام).

روى فعل الفاطميات أحمد بن محمد بن داود،عن خالف بن سدير،عن الصادق

ص: 56


1- المبسوط 1:189.
2- التهذيب 8:325 ح 1207.
3- المصنف لعبد الرزاق 3:558 ح 6684،صحيح مسلم 1:100 ح 104،سنن ابن ماجة 1: 505 ح 1586،سنن أبي داود 3:194 ح 3130،سنن النسائي 4:20،السنن الكبرى 4: 64.
4- في المصدر:«بذل»،و زيادة:«و لا حزن».
5- الفقيه 1:112 ح 521.
6- صحيح مسلم 2:644 ح 934.
7- السرائر:34.
8- الفقيه 1:111 ح 511.

(عليه السلام)،و سأله عن شقّ الرجل ثوبه على أبيه و أمّه و أخيه،أو على قريب له؟فقال:«لا بأس بشق الجيوب،قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده،و لا زوج على امرأته،و تشق المرأة على زوجها» (1).

و في نهاية الفاضل:يجوز شق النساء الثوب مطلقا (2)و في الخبر إيماء اليه.

و روى الحسن الصفار عن الصادق(عليه السلام):«لا ينبغي الصياح على الميت،و لا شقّ الثياب» (3)و ظاهره الكراهة.و في المبسوط:روي جواز تخريق الثوب على الأب و الأخ،و لا يجوز على غيرهما (4).

و يجوز النوح بالكلام الحسن و تعداد فضائله باعتماد الصدق،لأنّ فاطمة عليها السلام فعلته في قولها:«يا أبتاه من ربه ما أدناه،يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه» (5)،و روي انها أخذت قبضة من تراب قبره(صلّى اللّه عليه و آله)فوضعتها على عينيها و أنشدت:

ما ذا على المشتم تربة أحمد *** أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبت على الأيام عدن لياليا (6)

و لما سبق من النوح على حمزة (7).

و روى ابن بابويه:ان الباقر(عليه السلام)أوصى أن يندب في المواسم2.

ص: 57


1- التهذيب 8:325 ح 1207.
2- نهاية الإحكام 2:290.
3- الكافي 3:225 ح 8،عن امرأة حسن الصيقل عن الصادق(عليه السلام).
4- المبسوط 1:189.
5- صحيح البخاري 6:18،سنن ابن ماجة 1:522،1630،سنن النسائي 4:13،المستدرك على الصحيحين 1:382،باختلاف يسير.
6- المغني لابن قدامة 2:411،المعتبر 1:345،إرشاد الساري 2:407،وفاء الوفا 4:1405، الوفا بأحوال المصطفى 2:803.
7- تقدّم في ص 48 الهامش 2.

عشر سنين (1).

و سئل الصادق(عليه السلام)عن أجر النائحة،فقال:«لا بأس،قد نيح على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» (2).

و في خبر أخر عنه:«لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا» (3).

و في خبر أبي بصير عنه(عليه السلام):«لا بأس بأجر النائحة» (4).

و روى حنان بن سدير عنه(عليه السلام):«لا تشارط،و تقبل كلّ ما أعطيت» (5).

و روى أبو حمزة عن الباقر(عليه السلام):«مات ابن المغيرة،فسألت أم سلمة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فاذن لها،و كان ابن عمها،فقالت:

أنعى الوليد بن الوليد *** أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدا يسمو الى طلب الوتيرة

قد كان غيثا للسنين و جعفرا غدقا و ميرة

و في تمام الحديث:فما عاب عليها النبي ذلك و لا قال شيئا» (6).

مسائل ثلاث:
الأولى:يجوز الوقف على النوائح،

لأنّه فعل مباح فجاز صرف المال اليه، و لخبر يونس بن يعقوب عن الصادق(عليه السلام)،قال:«قال لي أبي:يا جعفر

ص: 58


1- الفقيه 1:116 ح 547.
2- الفقيه 1:116 ح 551.
3- الفقيه 1:116 ح 552.
4- التهذيب 6:359 ح 1028،الاستبصار 3:60 ح 199.
5- قرب الاسناد:58،الكافي 5:117 ح 3،التهذيب 6:358 ح 1026،الاستبصار 3:60 ح 200.
6- الكافي 5:117 ح 2،التهذيب 6:358 ح 1027.

قف من مالي كذا و كذا،لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى» (1).و المراد بذلك تنبيه الناس على فضائله و إظهارها ليقتدى بها،و يعلم ما كان عليه أهل هذا البيت لتقتفى آثارهم،لزوال التقية بعد الموت.

و الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة حرّما النوح،و ادّعى الشيخ الإجماع (2).

و الظاهر:انّهما أرادا النوح بالباطل،أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية (3).

و في التهذيب جعل كسبها مكروها بعد روايته أحاديث النوح (4).

و احتجّ المانع بما سبق (5)،و بما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله):«النائحة إذا لم تتب،تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران» (6).

و في السنن عن أبي سعيد الخدري:لعن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) النائحة و المستمعة (7).

و روى مسلم عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«ليس منا من ضرب الخدود،و شقّ الجيوب»،رواه ابن مسعود (8).

و عن أم عطية:اتخذ علينا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عند البيعة ألاّ ننوح (9).

و جوابه:الحمل على ما ذكرناه،جمعا بين الأخبار،و لأنّ نياحة الجاهلية6.

ص: 59


1- الكافي 5:117 ح 1،التهذيب 6:358 ح 1025.
2- المبسوط 1:189،الوسيلة 1:69.
3- النهاية:365.
4- التهذيب 6:359.
5- تقدّم في ص 56 الهامش 3.
6- صحيح مسلم 2:644 ح 934،و في:مسند أحمد 5:342،سنن ابن ماجة 1:504 ح 1582،المستدرك على الصحيحين 1:383.
7- مسند أحمد 3:65،سنن أبي داود 3:193 ح 3128.
8- صحيح مسلم 1:99 ح 103،و في:مسند أحمد 1:456،صحيح البخاري 4:223،سنن ابن ماجة 1:504 ح 1584،الجامع الصحيح 3:324 ح 999،سنن النسائي 4:20.
9- صحيح مسلم 2:645 ح 936.

كانت كذلك غالبا،و لأنّ أخبارنا خاصة و الخاص مقدّم.

الثانية:المراثي المنظومة جائزة عندنا،

لما مرّ،و لأنّها نوع من النوح و قد دللنا على جوازه،و قد سمع الأئمة(عليهم السلام)المراثي و لم ينكروها.

الثالثة:لا يعذّب الميت بالبكاء عليه،

سواء كان بكاء مباحا أو محرّما كالمشتمل على المحرّم،لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1).

و ما في البخاري و مسلم في خبر عبد اللّه بن عمر-انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«انّ الميت ليعذّب ببكاء أهله» (2).و في رواية اخرى:«أنّ اللّه ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله» (3).و يروى أنّ حفصة بكت على عمر،فقال:مهلا يا بنية ألم تعلمي أنّ رسول اللّه قال:«انّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه» (4)-مأوّل.

قيل و أحسنه:أنّ الجاهلية كانوا ينوحون و يعدّون جرائمه كالقتل و شنّ الغارات، و هم يظنونها خصالا محمودة،فهو يعذّب بما يبكون به عليه (5).و يشكل:انّ الحديث ظاهر في المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميت،بحيث ينتفي التعذيب بسبب انتفاء البكاء قضية للعلية،و التعذيب بجرائمه غير منتف بكى عليه أولا.

و قيل:لأنهم كانوا يوصون بالندب و النياحة،و ذلك حمل منهم على المعصية و هو ذنب،فإذا عمل بوصيتهم زيدوا عذابا (6).و ردّ:بأنّ ذنب الميت الحمل على الحرام و الأمر به،فلا يختلف عذابه بالامتثال و عدمه،و لو كان للامتثال أثر لبقي الإشكال بحاله.

و قيل:لأنّهم إذا ندبوه يقال له:أ كنت كما يقولون (7).و ردّ:بأنّ هذا توبيخ

ص: 60


1- سورة فاطر:18.
2- ،
3- صحيح البخاري 2:101،صحيح مسلم 2:640 ح 927،928.
4- صحيح مسلم 2:638 ح 927،المصنف لابن أبي شيبة 3:391.
5- المجموع 5:309،شرح صحيح مسلم للنووي 4:248،عمدة القارئ 8:79.
6- قاله المزني و جمهور العلماء،المجموع 5:308،عمدة القارئ 8:79.
7- فتح العزيز 5:266.

و تخويف له و هو نوع من العذاب،فليس في هذا سوى بيان نوع التعذيب،فلم يعذب بما يفعلون.

و عن عائشة:رحم اللّه ابن عمرو اللّه ما كذب،و لكنه أخطأ أو نسي،انّما مرّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على يهودية و هم يبكون عليها فقال:«انّهم يبكون و انّها لتعذب في قبرها» (1).و روي أنّها قالت:و هل،أنّما قال رسول اللّه:

«أنّ أهل الميت ليبكون عليه و أنّه ليعذّب بجرمه» (2).و هذا نسبة الراوي الى الخطأ،و هو علّة من العلل المخرجة للحديث عن شرط الصحة.

و لك أن تقول:انّ(الباء)بمعنى(مع)،أي:يعذب مع بكاء اهله عليه، يعني:انّ الميت يعذّب بأعماله و هم يبكون عليه فما ينفعه بكاؤهم،و يكون زجرا عن البكاء لعدم نفعه،و تطابق الحديث الآخر.ل.

ص: 61


1- صحيح مسلم 2:643 ح 932،سنن ابن ماجة 1:508 ح 1595،سنن النسائي 4:17.
2- المصنف لابن أبي شيبة:3:392 صحيح مسلم 2:643 ح 932. و هل:غلط و نسي،لسان العرب-مادة و هل.
البحث الخامس:في زيارة القبور.

و هي مستحبة للرجال إجماعا.

روى مسلم عن بريدة،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«كنت نهيتكم عن زيارة القبور،فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة» (1).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«زوروا القبور فإنها تذكّر الموت» (2).

و روى الكليني عن محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام)،قال:

«قال أمير المؤمنين(عليه السلام):زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم، و ليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه و عند قبر امّه،بعد ما يدعو لهما» (3).

و روينا عن علي بن بلال و قد زار قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع بفيد-في طريق مكة شرّفها اللّه-قال:قال صاحب هذا القبر عن الرضا(عليه السلام):

«من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية كان،فوضع يده و قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر أمن الفزع الأكبر» (4).

و عن هشام بن سالم عن الصادق(عليه السلام)،قال:«عاشت فاطمة (عليها السلام)بعد أبيها خمسة و سبعين يوما،لم تر كاشرة و لا ضاحكة،تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرتين:الاثنين،و الخميس» (5).و عن يونس عنه(عليه السلام):«انّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت،فتأتي قبر حمزة

ص: 62


1- المصنف لعبد الرزاق 3:569 ح 6708 صحيح مسلم 2:672 ح 977،سنن ابن ماجة 1: 501 ح 1571،الجامع الصحيح 3:370 ح 1054،سنن النسائي 4:89.
2- صحيح مسلم 2:671 ح 976،سنن النسائي 4:90.
3- الكافي 3:229 ح 10،الخصال:582.
4- الكافي 3:229 ح 9،كامل الزيارات:319،التهذيب 6:104 ح 182،و في الجميع:«قرأ إنا أنزلناه سبع مرات».و لاحظ:رجال الكشي:564 رقم 1066.
5- الكافي 3:228 ح 3.

فتترحّم عليه و تستغفر له» (1).

و فيه دليل على جوازه للنساء،لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فاطمة بضعة مني» (2).و لأنّ عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن،فقيل لها:قد نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن زيارة القبور فقالت:نهى ثم أمر بزيارتها (3)و ان النساء داخلات في الرخصة.

و كرهه في المعتبر لهنّ،لمنافاته الستر و الصيانة (4).و هو حسن إلاّ مع الأمن و الصون،لفعل فاطمة(عليها السلام).و لو كانت زيارتهنّ مؤدّية إلى الجزع و التسخّط لقضاء اللّه لضعفهن عن الصبر منعن منها،و عليه يحمل ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لعن اللّه زوّارات القبور» (5).

و ليقل الزائر ما رواه أبو المقدام عن الباقر(عليه السلام)،أنّه قال على قبر رجل من الشيعة بالبقيع واقفا عليه:«اللّهم ارحم غربته،و صل وحدته،و آنس وحشته،و اسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك،و ألحقه بمن كان يتولاّه»،ثم قرأ القدر سبعا (6).

و سأل جرّاح الصادق(عليه السلام)عن كيفية التسليم على أهل القبور؟ قال:«يقول:السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،رحم اللّه3.

ص: 63


1- الفقيه 1:114 ح 537،التهذيب 1:465 ح 1523.
2- مسند أحمد 4:328،صحيح البخاري 5:26،صحيح مسلم 4:1903 ح 2499،حلية الأولياء 2:40.
3- مسند أبي يعلى 8:284 ح 4871،المستدرك على الصحيحين 1:376،السنن الكبرى 4: 78.
4- المعتبر 1:340.
5- المصنف لعبد الرزاق 3:569 ح 6704،الجامع الصحيح 3:371 ح 1056،السنن الكبرى 4:78.
6- التهذيب 6:105 ح 183.

المستقدمين (1)و المستأخرين،و انا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (2).

و روى في الفقيه عن محمد بن مسلم،قلت للصادق(عليه السلام):

الموتى نزورهم،قال:«نعم».قلت:أ فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟قال:«أي و اللّه انّهم ليعلمون بكم،و يفرحون بكم،و يستأنسون إليكم».قال:فأي شيء نقول إذا أتيناهم؟قال:قل:«اللّهم جاف الأرض عن جنوبهم،و صاعد إليك أرواحهم،و لقّهم منك رضوانا،و اسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تؤنس به وحشتهم،انك على كلّ شيء قدير» (3).

و روى إسحاق بن عمار عن الكاظم(عليه السلام):أنّه يعلم بزائره، و يأنس به،و يستوحش لانصرافه (4).

و قال فيه:قال الرضا(عليه السلام):«من أتى قبر مؤمن،يقرأ عنده إنّا أنزلناه سبع مرات،غفر اللّه له و لصاحب القبر» (5).

قال:و كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إذا مرّ على القبور قال:«السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين،و انّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» (6).

و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام)يقول:«السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،أنتم لنا فرط،و نحن إن شاء اللّه بكم لاحقون» (7).

و روى مسلم عن بريدة:كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يعلّمهم إذا خرجوا الى المقابر:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين و المسلمين،و انّا إن5.

ص: 64


1- في المصدرين زيادة:«منا».
2- الكافي 3:229 ح 8،الفقيه 1:114 ح 533.
3- الفقيه 1:115 ح 540.
4- الكافي 3:228 ح 4.
5- الفقيه 1:115 ح 541،باختلاف يسير.
6- الفقيه 1:114 ح 534،و في الكافي 3:229 ح 7 مضمرا.
7- الكافي 3:229 ح 5.

شاء اللّه بكم لاحقون» (1).

و في الترمذي عن ابن عباس:مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه،فقال:«السلام عليكم يا أهل القبور،يغفر اللّه لنا و لكم، أنتم سلفنا و نحن بالأثر» (2).

تنبيه

ظهر من ذلك استحباب قراءة القرآن عند زيارة الميت،للخبرين السالفين،و لما روي انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«من دخل المقابر فقرأ سورة يس،خفّف عنهم يومئذ،و كان له بعدد ما فيها حسنات» (3)و لأنّا سنبيّن أنّ الميت يلحقه أعمال الخير،و لأنّ الدعاء عقيب القراءة أقرب الى الإجابة و الدعاء ينفع الميت.

تتمة:

لا يستحبّ لمن دخل المقبرة خلع نعله،للأصل،و عدم ثبت.

قالوا:رأى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رجلا يمشي في المقبرة و عليه نعلان، فقال:«يا صاحب السّبتين ألق سبتيك فرمى بهما» (4).

قلنا:حكاية حال،فلعلّه لما في هذا النوع من الخيلاء لأنّه لباس أهل التنعم،لا لأجل المقبرة.

و السبت-بكسر السين و سكون الباء-:جلود البقر المدبوغة بالقرظ،لأنّ شعرها سبت عنها،أي:حلق.و قيل:لأنّها انسبتت بالدباغ،أي:لأنت.6.

ص: 65


1- المصنف لابن أبي شيبة 3:340 صحيح مسلم 2:671 ح 975،سنن ابن ماجة 1:494 ح 1547.
2- الجامع الصحيح 3:369 ح 1053.
3- مجمع البيان 8:413.
4- سنن أبي داود 3:217 ح 3230،سنن النسائي 4:96.
البحث السادس:فيما يلحق الميت من الأفعال بعد موته.

قال الفاضل:اما الدعاء،و الاستغفار،و الصدقة،و أداء الواجبات التي تدخلها النيابة،فإجماع (1).

قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (2).

و قال تعالى وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ (3).

و قد سبق في الدعاء للميت عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«اللهم اغفر لحينا و ميتنا» (4).و عن الأئمة(عليهم السلام)نحو ذلك (5).

و في الفقيه عن الصادق(عليه السلام):«انّ الميت يفرح بالترحم عليه و الاستغفار له،كما يفرح الحي بالهدية تهدى اليه» (6).

و روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال لعمرو بن العاص:«لو كان أبوك مسلما،فاعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم،بلغه ذلك» (7).

و في البخاري و غيره عن ابن عباس،قال رجل:انّ أختي نذرت أن تحجّ و انها ماتت.فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لو كان عليها دين،أ كنت قاضيه؟»قال:نعم.قال:«فاقض دين اللّه فهو أحقّ بالقضاء» (8).

و أمّا ما عداها فعندنا انّه يصل اليه.روى ابن بابويه عن الصادق(عليه

ص: 66


1- تذكرة الفقهاء 1:58.
2- سورة الحشر:10.
3- سورة محمد:19.
4- تقدم في ج 1 ص 440،الهامش 3.
5- فلاح السائل:250،إقبال الأعمال:70،376.
6- الفقيه 1:117 ح 554.
7- سنن أبي داود 3:118 ح 2883.
8- صحيح البخاري 8:177،سنن النسائي 5:117،السنن الكبرى 5:179.

السلام):«ستة تلحق المؤمن بعد وفاته:ولد يستغفر له،و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه،و صدقة ماء يجريه،و قليب يحفره،و سنّة يؤخذ بها من بعده» (1).

قلت:هذا الحديث يتضمّن المهم من ذلك،إذ قد روى ابن بابويه أيضا عن الصادق(عليه السلام):«من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا، أضعف له أجره،و نفع اللّه عز و جلّ به الميت» (2).

قال:و قال(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم، و الحج،و الصدقة،و البرّ،و الدعاء.و يكتب أجره للذي فعله و للميت» (3).

و لنذكر هنا أحاديث من هذا الباب،ضمنها السعيد المرتضى رضي الدين أبو القاسم علي بن الطاوس الحسني-طيب اللّه سره-في كتابه المسمى«غياث سلطان الورى لسكان الثرى»و قصد به بيان قضاء الصلوات عن الأموات.

الحديث الأول:رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه-و قد ضمن صحّة ما اشتمل عليه،و انّه حجّة بينه و بين ربّه-انّ الصادق(عليه السلام) سأله عمر بن يزيد،أ نصلّي عن الميت؟فقال:«نعم،حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع[اللّه]عليه ذلك الضيق،ثم يؤتى فيقال له:خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك») (4).

الثاني:ما رواه علي بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى(عليه السلام)، قال:حدّثني أخي موسى بن جعفر،قال:«سألت أبي جعفر بن محمد عن الرجل،هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟قال:نعم،فيصلي ما أحب،و يجعل تلك للميت،فهو للميت إذا جعل ذلك له» (5).

و لفظ«ما أحب»للعموم،و جعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن تكون9.

ص: 67


1- الفقيه 1:117 ح 555،و في الكافي 7:57 ح 5.
2- الفقيه 1:117 ح 556،.
3- الفقيه 1:117 ح 557.
4- الفقيه 1:117 ح 554،و منه ما أثبتناه بين المعقوفين.
5- مسائل علي بن جعفر:199 ح 429.

هدية صلاة مندوبة.

الثالث:من مسائله أيضا عن أخيه موسى(عليه السلام):و سأله عن الرجل هل يصلح أن يصلّي و يصوم عن بعض أهله بعد موته،فقال:«نعم، يصلّي ما أحبّ،و يجعل ذلك للميت،فهو للميت إذا جعله له» (1).

الرابع:ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى محمد بن عمر بن يزيد،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):يصلّى عن الميت؟قال:«نعم، حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك،ثم يؤتى فيقال له:خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك» (2).

الخامس:ما رواه بإسناده إلى عمار بن موسى الساباطي-من كتاب أصله المروي عن الصادق(عليه السلام)-:و عن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم،هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟قال:«لا يقضيه الاّ مسلم عارف» (3).

السادس:ما رواه الشيخ أيضا بإسناده الى محمد بن أبي عمير،عن رجاله، عن الصادق(عليه السلام)،في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:

«يقضيه أولى الناس به» (4)السابع:ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بإسناده الى ابن أبي عمير،عن حفص بن البختري،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:«يقضي عنه أولى الناس به (5).

الثامن:هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه الذي هو من».

ص: 68


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 3،و فيه:«يصوم».
2- الفقيه 1:117-554،و فيه:أخيك عنك،و لعل نسبته للشيخ من سهو القلم لاتحادهما في الكنية.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 5.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 6.
5- الكافي 4:123 ح 1،و فيه:«بميراثه».

الأصول (1)التاسع:ما روي في أصل هشام بن سالم،من رجال الصادق و الكاظم (عليهما السلام)،و يروي عنه ابن أبي عمير.قال هشام في كتابه:و عنه(عليه السلام)،قال:قلت:يصل الى الميت الدعاء و الصدقة و الصلاة و نحو هذا؟ قال:«نعم».قلت:أو يعلم من صنع ذلك به؟قال:«نعم».ثم قال:«يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه» (2)و ظاهره أنّه من الصلاة الواجبة التي تركها سبب في السخط.

العاشر:ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله،و هو من رجال الصادق و الكاظم أيضا(عليهما السلام).قال:و سألت عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته؟قال:«لا بأس به؟يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلته قرابته».قلت:و ان كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟قال:

«يخفّف عنه بعض ما هو فيه» (3)أقول:و هذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه. (4)

الحادي عشر:ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي-في كتاب المنسك-بإسناده الى علي بن أبي حمزة،قال:قلت:لأبي إبراهيم(عليه السلام):

أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الاحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟قال:«نعم، صدّق عنه،و صلّ عنه،و لك أجر آخر بصلتك إياه» (5).

قال ابن طاوس-رحمة اللّه عليه-يحمل في الحيّ على ما تصحّ فيه النيابة من الصلوات،و يبقى الميت على عمومه.9.

ص: 69


1- مخطوط.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 7.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 8.
4- لم نجده بلفظه و لكن انظر الفقيه 1:117 ذيل الحديث 554.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 9.

الثاني عشر:ما رواه الحسن بن محبوب-في كتاب المشيخة-عن الصادق (عليه السلام)،انه قال:«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج، و الصدقة،و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (1).

و هذا الحسن بن محبوب يروي عن ستين رجلا من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام).و روى عن الرضا(عليه السلام)،و قد دعا له الرضا(عليه السلام)و اثنى عليه،فقال-فيما كتبه-:«أنّ اللّه قد أيّدك بحكمة و أنطقها على لسانك،قد أحسنت و أصبت،أصاب اللّه بك الرشاد،و يسرّك للخير،و وفّقك لطاعته» (2)الثالث عشر:ما رواه محمد بن أبي عمير-بطريق آخر-عن الامام(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج،و الصدقة، و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (3).

قال السيد:هذا عمّن أدركه محمد بن أبي عمير من الأئمة،و لعله عن مولانا الرضا(عليه السلام).

الرابع عشر:ما رواه إسحاق بن عمار،قال:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام)يقول:«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج و الصدقة، و البرّ،و الدعاء».قال:«و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (4).

الخامس عشر:روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):«يدخل على الميت في قبره:الصلاة،و الصوم،و الحج،و الصدقة،و العتق» (5).

السادس عشر:ما رواه عمر بن محمد بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه9.

ص: 70


1- رواه الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
2- عنه بحار الأنوار 88:311.
3- انظر:الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
4- انظر:الصدوق في الفقيه 1:117 ح 557 مرسلا.
5- الفقيه 2:279 ح 1369.

(عليه السلام):«انّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحج و العمرة،و كلّ عمل صالح،ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه،و يقال:انّ هذا بعمل ابنك فلان و بعمل أخيك فلان-أخوه في الدين-». (1)

قال السيد:قوله(عليه السلام):«أخوه في الدين»إيضاح لكلّ ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.

السابع عشر:ما رواه علي بن يقطين،و كان عظيم القدر عند أبي الحسن موسى(عليه السلام)،له كتاب المسائل عنه.قال:و عن الرجل يتصدّق على الميت و يصوم و يعتق و يصلّي؟قال:«كلّ ذلك حسن تدخل منفعته على الميت» (2)الثامن عشر:ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي-في أصل كتابه-قال:

حدثني كردين،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):الصدقة و الحجّ و الصوم تلحق بالميت؟فقال:«نعم».قال:فقال:«هذا القاضي خلفي و هو لا يرى ذلك».قال:قلت:و ما أنا و ذا،فو اللّه لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه، قال:فضحك (3).

قال:و سألت أبا الحسن(عليه السلام):عن الصلاة على الميت أ تلحق به؟ قال:«نعم» (4).

قال:و سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)،فقلت:اني لم أتصدّق بصدقة منذ ماتت أميّ إلاّ عنها.قال:«نعم».قلت:أ فترى غير ذلك؟قال:«نعم نصف عنك،و نصف عنها».قلت:أ تلحق بها؟قال:«نعم» (5).

قال السيد:قوله(الصلاة على الميت)،أي:التي كانت على الميت أيام4.

ص: 71


1- عنه بحار الأنوار 88:311.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 11.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 12.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 13.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 14.

حياته،و لو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.

التاسع عشر:ما رواه حماد بن عثمان-في كتابه-قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«انّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحج و العمرة،و كلّ عمل صالح،ينفع الميت حتى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه،و يقال:هذا بعمل ابنك فلان،و بعمل أخيك فلان-أخوه في الدين-» (1).

العشرون:ما رواه عبد اللّه بن جندب،قال:كتبت الى أبي الحسن(عليه السلام)اسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا:ثلثا له و ثلثين لأبويه،أو يفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به،و ان كان أحدهما حيا و الآخر ميتا؟فكتب إليّ:«أمّا الميت فحسن جائز،و أمّا الحي فلا إلاّ البرّ و الصلة» (2).

قال السيد:لا يراد بهذا الصلاة المندوبة،لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات و الحج و غيرهما.

الحادي و العشرون:ما رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري:أنّه كتب الى الكاظم(عليه السلام)مثله،و اجابه بمثله (3).

الثاني و العشرون:ما رواه ابان بن عثمان،عن علي بن مسمع،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):انّ أمّي هلكت و لم أتصدّق بصدقة..كما تقدّم الى قوله:أ فيلحق ذلك بها؟قال:«نعم».قلت:و الحج؟قال:«نعم».قلت:

و الصلاة؟قال:«نعم».قال:ثم سألت أبا الحسن(عليه السلام)بعد ذلك أيضا عن الصوم فقال:«نعم» (4).

الثالث و العشرون:ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن مروان،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميتين،7.

ص: 72


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 15.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 16.
3- قرب الإسناد:129.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 17.

يصلّي عنهما،و يتصدّق عنهما،و يحجّ عنهما،و يصوم عنهما،فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك،فيزيده اللّه ببرّه و صلاته خيرا كثيرا» (1).

الرابع و العشرون:عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق(عليه السلام)، قال:«الصلاة التي حصل وقتها،قبل أن يموت الميت،يقضي عنه أولى الناس به» (2).

ثم ذكر-رحمه اللّه-عشرة أحاديث تدلّ بطريق العموم:

الحديث الأول:ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحجّ،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (3).

الثاني:ما رواه صفوان بن يحيى،و كان من خواص الرضا و الجواد(عليهما السلام)،و روى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق(عليه السلام)،قال:

«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (4)الثالث:ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (5)الرابع:ما رواه العلاء بن رزين في كتابه،و هو أحد رجال الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (6).

الخامس:ما رواه البزنطي رحمه اللّه،و كان من رجال الرضا(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم،و العتق،و فعله الحسن» (7).1.

ص: 73


1- الكافي 2:127 ح 7.
2- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 18.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 19.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 19.
5- عنه بحار الأنوار 88:313.
6- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 20.
7- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 21.

السادس:ما ذكره صاحب الفاخر-مما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام-قال:و يقضى عن الميت أعماله الحسنة كلّها (1).

السابع:ما رواه ابن بابويه-رحمه اللّه-عن الصادق(عليه السلام)،قال:

«من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت،أضعف اللّه أجره،و نفع اللّه به الميت» (2).

الثامن:ما رواه عمر بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا،أضعف اللّه أجره،و ينعم بذلك الميت» (3).

التاسع:ما رواه العلاء بن رزين،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحجّ،و الصوم،و العتق،و فعاله الحسن» (4).

العاشر:ما رواه حماد بن عثمان-في كتابه-قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا،أضعف اللّه أجره، و ينعم له بذلك الميت» (5).

قلت:و روى يونس،عن العلاء بن رزين،عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن الصادق(عليه السلام)،قال:«يقضى عن الميت:الحج،و الصوم، و العتق،و الفعل الحسن» (6).و مما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر ابن يزيد،قال:كان أبو عبد اللّه يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين،و عن والديه7.

ص: 74


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 22.
2- الفقيه 1:117 ح 556.
3- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 25.
4- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 23.
5- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 24.
6- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب قضاء الصلوات،الباب 12 ح 27.

في كل يوم ركعتين.قلت:جعلت فداك،كيف صار للولد الليل؟قال:«لأن الفراش للولد».

قال:و كان يقرأ فيهما القدر و الكوثر (1).فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب،و هو حجّة على من ينفي الوقوع أصلا، أو ينفيه الاّ من الولد.

ثم ذكر-رحمه اللّه-ان الصلاة دين،و كل دين يقضى عن الميت.اما ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث:

الأول:ما رواه حماد عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)في اخباره عن لقمان عليه السلام:«و إذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشيء،صلّها و استرح منها، فإنها دين» (2).

الثاني:ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر:إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء،صلّها و استرح منها،فإنها دين (3).

الثالث:ما رواه ابن بابويه-في كتاب معاني الأخبار-بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث الأذان:لمّا اسري بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله)..الى قوله:

ثمّ قال:«حيّ على الصلاة،قال اللّه جلّ جلاله:فرضتها على عبادي،و جعلتها لي دينا» (4)إذا روي بفتح الدال.

الرابع:ما رواه حريز بن عبد اللّه،عن زرارة،عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:قلت له:رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه،فخاف أن يدركه الصّبح،و لم يصلّ صلاة ليلته تلك،قال:«يؤخّر القضاء،و يصلّي صلاة ليلته2.

ص: 75


1- التهذيب 1:467-1533. و في«س»:والدته بدل و الدية.
2- روضة الكافي:349-547،الفقيه 2:195-884،المحاسن:375-145،الأمان:99.
3- الفقيه 2:195-884.
4- معاني الأخبار:42.

تلك» (1).

و أمّا قضاء الدّين عن الميت،فلقضية الخثعمية لما سألت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فقالت:يا رسول اللّه إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج،إن حججت عنه أ ينفعه ذلك؟فقال لها:«أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته،أ كان ينفعه ذلك؟».قالت:نعم.قال:«فدين اللّه أحقّ بالقضاء» (2).

إذا تقرّر ذلك،فلو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيّته، لعموم قوله تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (3).

و لأنّه لو أوصى ليهوديّ أو نصراني وجب إنفاذ وصيّته فكيف الصّلاة المشروعة، لرواية الحسين بن سعيد بسنده الى محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه،قال:«أعطه لمن أوصى له و ان كان يهوديّا أو نصرانيا،ان اللّه عزّ و جلّ يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (4).

و ذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق(عليه السلام):«لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهود و نصارى لوضعت فيهم،إنّ اللّه يقول:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ الآية (5).

قال السيّد بعد هذا الكلام:و يدلّ على أنّ الصلاة عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان بن يحيى و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان في بيت اللّه الحرام:5.

ص: 76


1- الوسائل،كتاب الصلاة،أبواب المواقيت،الباب 61 ح 5178.
2- انظر:صحيح البخاري 5:222،صحيح مسلم 2:973 ح 1334،سنن النسائي 5: 116،السنن الكبرى 5:179.
3- سورة البقرة:181.
4- بسند آخر في:الكافي 7:14 ح 1،2،الفقيه 4:148 ح 514،التهذيب 9:201 ح 804، الاستبصار 4:128 ح 485.
5- بسند آخر في:الكافي 7:201 ح 4،الفقيه 4:148 ح 515،التهذيب 9:202 ح 805.

أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته،و يصوم عنه،و يحجّ عنه ما دام حيّا، فمات صاحباه و بقي صفوان،فكان يفي لهما بذلك فيصلّي كل يوم و ليلة خمسين و مائة ركعة (1).و هؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب و الرواة (2)عن الأئمة عليهم السلام.

قال السيد رحمه اللّه-و حسنا قال-:انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعيّة وجدت الأخبار فيها مختلفة،حتى صنف لأجلها كتب و لم تستوعب الخلاف،و الصّلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع هذه الأخبار،و لم نجد خبرا واحدا يخالفها.و من المعلوم انّ هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع:بقضاء أو ترك،فإذا وجد المقتضي و لم يوجد المانع،علم موافقة ذلك للحكمة الإلهيّة،و قد ذكر ذلك الأصحاب لأنّهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الولي.

و قد حكى ابن حمزة-في كتابه في قضاء الصلاة-عن الشيخ أبي جعفر محمد ابن الحسين الشوهاني:أنّه كان يجوّز الاستئجار عن الميت.

و استدلّ ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع:أنها تجري مجرى الصّوم و الحج.و قد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام،حيث قال:و العليل إذا وجبت عليه الصلاة،و أخّرها عن وقتها الى أن فاتت،قضاها عنه وليّه كما يقضي حجة الإسلام و الصيام.قال:و كذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن سام عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).فقد سوّيا بين الصّلاة و بين الحج،و لا ريب في جواز الاستئجار على الحج.

قلت:هذه المسألة-أعني الاستئجار على فعل الصّلاة الواجبة بعد الوفاة -مبنيّة على مقدمتين:

إحداهما:جواز الصلاة عن الميت،و هذه إجماعيّة و الأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه.ة.

ص: 77


1- الاختصاص:85،فهرست الطوسي:83 رقم 346،رجال النجاشي:197 ح 524.
2- في س:و الرواية.

و الثانية:انّه كلّما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه.

و هذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر،و لا يخالف فيها أحد من الإمامية بل و لا من غيرهم لأنّ المخالف من العامة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه.اما من يقول بإمكان وقوعها له-و هم جميع الإمامية-فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار،إلاّ أن يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين على أنّ هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية -الخلف و السّلف-من عهد المصنّف و ما قبله الى زماننا هذا،و قد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية.

فإن قلت:فهلاّ اشتهر الاستئجار على ذلك و العمل به عن النبي و الأئمة (عليهم السلام)،كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة؟ قلت:ليس كلّ واقع يجب اشتهاره،و لا كلّ مشهور يجب الجزم بصحته، فربّ مشهور لا أصل له،و ربّ متأصّل لم يشتهر،إمّا لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان[أو] (1)لندور وقوعه.

و الأمر في الصلاة كذلك،فإنّ سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة و النافلة،على حدّ لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلاّ لعذر بعيد،كمرض موت أو غيره.و إذا اتفق فوات فريضة بادروا الى فعلها لأنّ أكثر قدمائهم على المضايقة المحضة،فلم يفتقروا الى هذه المسألة،و اكتفوا بذكر قضاء الوليّ لما فات الميت من ذلك على طريقة الندور.يعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث و الفقه و سيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها.

فخلف من بعدهم قوم تطرّق إليهم التقصير،و استولى عليهم فتور الهمم، حتّى آل الحال إلى أنّه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلاّ أوحديّهم،و لا مبادر بقضاء الفائت إلاّ أقلّهم،فاحتاجوا الى استدراك ذلك بعد الموت لظنّهم عجزل.

ص: 78


1- من دونها في النسخ،و يحتمل سقوطها في الشق الثاني.و لعل العدم صحيح فهي علّة لما قبلها،و قد أعرض المصنّف عن الشق الثاني ل«امّا»،و الظاهر هو الأوّل.

الولي عن القيام به،فوجب ردّ ذلك الى الأصول المقرّرة و القواعد الممهّدة.و فيما ذكرناه كفاية.

على انّ قضاء الصلاة عن الميت غير متروك ذكره بين أرباب المذاهب المباينة للشيعة على طرف النقيض،و لا مهمل روايته (1)عند نقلة حديثهم.

فإنّ شارح صحيح مسلم-من الشافعيّة-قال فيه ما هذا لفظه:و ذهب جماعة من العلماء إلى أنّه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصّلاة و الصّوم و القراءة و غير ذلك.

و حكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح و إسحاق بن راهويه أنّهما قالا بجواز الصّلاة عن الميت.و مال الشيخ أبو سعد عبد اللّه بن محمّد بن هبة اللّه بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار الى اختيار هذا.

و دليلهم القياس على الدعاء و الصّدقة و الحج فإنّها ممّا تصل بالإجماع.و اختلف أصحاب الشافعي في ركعتي الطّواف:هل تقع عن الأجير أو عن المستأجر؟ قلت:و هو قد حكى في الكتاب المذكور أنّ أبا إسحاق الطالقاني-بفتح اللام -ذكر أنّ شهاب بن خراش حدّث عن الحجّاج بن دينار-و هما ثقتان-عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،قال:«إنّ من البرّ بعد البرّ أن تصلّي لأبويك مع صلاتك،و تصوم لهما مع صومك»،ثمّ ضعّف الحديث بالإرسال مع اعترافه بثقتهما نقلا عن الحافظ الكبير عبد اللّه بن المبارك.و جماعة من العلماء يعتمدون مراسيل الثقات (2).

فهذه أربعون حديثا خالية عن معارض.

و في البخاري-في باب من مات و عليه نذر-:(أنّ ابن عمر أمر من ماتت3.

ص: 79


1- في س:روايتهم.
2- صحيح مسلم بشرح النووي 1:88-90 بتصرف.و انظر 8:25-26 عنه،و الحاوي الكبير 15:313.

أمها و عليها صلاة أن تصلّي عنها) (1)،و مذهب الصّحابي عند كثير من العلماء أنّه حجّة (2)،و خصوصا فيما خالف القياس،أو لم ينقل مخالفة غيره،و الأمران حاصلان هنا.

و احتجّ مانع لحوق ما عدا الدعاء و الصدقة و الحج عن الميت بقوله تعالى:

وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (3) و بقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث:صدقة جارية،أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له» (4).و على هذين اعتمد النووي و غيره (5).

و الجواب:انّهما عام مخصوص بمحل الوفاق،فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.

و هذا كاف في الجواب،ثم نقول:الأعمال الواقعة نيابة عنه بعد موته،نتيجة سعيه في تحصيل الإيمان و أصول العقائد المسوّغة للنيابة عنه،فهي مسنده إليه،و أمّا الخبر فدالّ على انقطاع عمله و هذا يصل إليه من عمل غيره.ثم نقول:عمل صالح اهدي الى الميت فيقع عنه كمحل الوفاق،و لا خلاص عن ذلك إلاّ بالتزام المدّعى،أو عدم دلالة الآية و الخبر على ما ادّعوه.8.

ص: 80


1- صحيح البخاري 8:177.
2- انظر:مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف.
3- سورة النجم:39.
4- مسند أحمد 2:372،صحيح مسلم 3:1255 ح 1631،سنن أبي داود 3:117 ح 2880، الجامع الصحيح 3:66 ح 1376،سنن النسائي 6:251،مسند أبي يعلى 11:343 ح 6457.
5- شرح صحيح مسلم 7:89-90،و لاحظ المغني 2:428.
البحث السابع:في نبش القبور.
اشارة

و هو حرام،إجماعا-كما سلف-إلاّ في مواضع:

أحدها:أن يصير الميت رميما-

فلو ظنّه فظهر بقاؤه وجب إعادته إلى ما كان عليه-و يختلف ذلك بحسب الترب و الأهوية.و لو علم صيرورته رميما،لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبّلة،لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيه.

و ثانيها:لو دفن في الأرض المغصوبة،

لتحريم شغل مال الغير،و يكفي غصب جزء منها في جواز القلع و لو أدّى الى الهتك،لأن حرمة الحي أولى بالمراعاة.

و الأفضل لمالكها تركه-امّا بعوض أو غير عوض-لئلاّ يهتك حرمته،و خصوصا لو كان الشريك وارثا أو رحما.

و لو اتفق الورّاث على دفنه في ملكهم حرم النبش،و كذا لو دفن في ملك الغير بإذنه،لأنّ ذلك يقتضي التأبيد الى بلى الميت عرفا،حذرا من المثلة و الهتك نعم،لو رجع المعير قبل الطمّ،جاز لعدم المانع.

و ثالثها:لو كفّن في ثوب مغصوب جاز نبشه لأخذ الثوب،

لبقائه على ملك صاحبه فينزعه و لا يجب عليه أخذ القيمة عندنا،لأنّها تجارة فيشترط فيها التراضي.

نعم،يستحبّ.

و الفرق:بانّ تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب،ضعيف،لإمكانه بإجارة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه.و أضعف منه:الفرق باشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض،لأنّ الفرض قيام الثوب.

و ربما احتمل انّه إن أدّى نبشه الى هتك الميت بظهور ما ينفّر منه لم ينبش- و الا نبش-لما في الخبر السالف:«أنّ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا» (1).و لكن هذا الاحتمال قائم في مواضع النبش الى البلى.

ص: 81


1- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.
و رابعها:إذا وقع في القبر ما له قيمة،

جاز نبشه و أخذه،للنهي عن إضاعة المال.و روي أنّ المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول اللّه ثم طلبه،ففتح موضع منه فأخذه،و كان يقول:أنا آخركم عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

و لو دفع الى صاحب المال قيمته،فكالثوب في عدم الوجوب بل أولى.

و خامسها:للشهادة على عينه،

ليضمن المال المتلف،أو لقسمة ميراثه، و اعتداد زوجته،فإنّه موضع ضرورة.و هذا يتمّ إذا كان النبش محصّلا للعين،و لو علم تغيّر الصورة حرم.

و توقّف في مواضع:

منها:إذا دفن في أرض ثم بيعت،قال في المبسوط:جاز للمشتري نقل الميت منها،و الأفضل تركه (2).و ردّه الفاضلان بتحريم النبش،إلاّ أن تكون الأرض مغصوبة فيبيعها المالك (3).

و منها:إذا دفن بغير غسل،أو كفن،أو صلاة،أو الى غير القبلة.

و قطع الشيخ-في الخلاف-بعدم النبش للغسل،لانه مثلة (4).و رجّحه في المعتبر (5).

و مال في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد الى إفساده،لأنّه واجب فلا يسقط بذلك،و كذا في الدفن الى غير القبلة.و اما الكفن،فوافق على عدم نبشه لأجله، لحصول الستر بغيره،فالاكتفاء به أولى من هتك حرمته بنبشه،و أولى بعدم النبش:الصلاة،لإمكان فعلها مدفونا (6).

ص: 82


1- الطبقات الكبرى لابن سعد 2:303،دلائل النبوة للبيهقي 7:257.
2- المبسوط 1:118.
3- المعتبر 1:337،تذكرة الفقهاء 1:54.
4- الخلاف 1:730 المسألة 560.
5- المعتبر 1:309.
6- تذكرة الفقهاء 1:54.

و منها:لو كفّن في حرير،فهو كالمغصوب و أولى بعدم النبش،لأن الحق فيه للّه تعالى و حقوق الآدمي أشدّ تضيّقا.

و منها:لو ابتلع حيا جوهرا أو ما له قيمة ثم مات،فهل يشق جوفه؟ وجهان:

أحدهما-و هو الذي رجّحه في الخلاف (1)-:لا،سواء كان له أو لغيره، لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا» (2).

و الثاني:نعم،توصلا الى استيفاء المال،و مراعاة حرمة الحي.

و يحتمل تقييده بعدم ضمان الوارث،جمعا بين الحرمتين لو ضمنه،و عليه يتفرع النبش.و يمكن الفرق بين ماله و مال غيره،لأنه استهلك مال نفسه بابتلاعه فهو كما لو أتلفه في حياته.

و مهما قلنا بعدم النبش يؤخذ من تركته إذا كان لغيره،لأنّه أتلفه في حياته.

أمّا لو بلي و انتفت المثلة،جاز النبش لإخراجه،لزوال المانع.فإن كان الوارث لم يغرم لصاحبه عاد إليه،و إن غرم فالأجود الترادّ لما يأتي في باب الغصب إن شاء اللّه تعالى.

فروع:

الأول:لو كان في يد الميت خاتم ،أو في أذنه حلقة،و تعذّر إخراجها توصّل اليه بالكسر أو البرد،لأنّ في تركه إضاعة المال المنهي عنه.

و لو أوصى بدفن خاتم معه-و شبهه-ممّا يتبرّك به،ففي إجابته وجهان:

من إضاعة المال المنهي عنها،و من تسلّطه على ماله فيجري مجرى الوصية به لغيره، و حينئذ يعتبر الثلث أو الإجازة.أمّا لو كان لا غرض فيه لم يجز قطعا،لأنّه إتلاف محض.2.

ص: 83


1- الخلاف 1:730 المسألة 559.
2- التهذيب 1:419 ح 1324،465 ح 1522.

الثاني:لو وجد جزء من الميت بعد دفنه لم ينبش، بل يدفن الى جانبه،لأنّ نبشه مثلة و ليس في تفرقة أجزائه ذلك.و لو أمكن إيصاله بفتح موضع من القبر لا يؤدي الى ظهور الميت أمكن الجواز،لأنّ فيه جمعا بين أجزائه و عدم هتكه.

الثالث:لا يختن الأغلف بعد موته ،قال في المعتبر:و عليه فتوى العلماء، لأن الختان تكليف في حال الحياة و قد زالت،و لأنّ فيه إبانة جزء من أعضاء الميت و هو حرام (1).

و لو ختن وجب دفن الجلدة معه،و في ضمان المباشر وجهان:من أنّه عاد، و من استحقاق قطعها من الحي فكأنّها منفصلة عنه.و لو قلنا بالضمان،ففيه عشر الأرش لو كان حيّا،و هو عسر الثبوت،لأنّه إذا قدّر قطعها حيّا فلا أرش.و يمكن ثبوته إذا كان القطع بغير إذنه مع كونه غير ممتنع من الختان،فإنّه لا يجوز ختنه حينئذ بغير إذنه،فان قدّر تفاوت في القيمة بحال خروج الدم نسب أرش الميت إليه.7.

ص: 84


1- المعتبر 1:337.
البحث الثامن:في البرزخ

و هو لغة الحاجز،و المراد هنا ما بين الموت و البعث.

قال اللّه تعالى وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1).روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):

«إنّ بين الدنيا و الآخرة ألف عقبة،أهونها و أيسرها الموت» (2).

و هنا مسائل:

الأولى:سؤال القبر عليه الإجماع ،إلاّ لمن لقّن على ما سلف من الأخبار، و روى الكليني بعدة أسانيد عن الصادق(عليه السلام):«إنّما يسأل في قبره من محض الإيمان و الكفر محضا،و أمّا ما سوى ذلك فيلهى عنه»رواه محمد بن مسلم (3)،و عبد اللّه بن سنان (4).و عن الباقر(عليه السلام)مثله،بطريق أبي بكر الحضرمي (5)و ابن بكير (6).و يجوز أن يأوّل بسؤال خاص لا مطلق السؤال.

و عن بشير الدّهان عن الصادق(عليه السلام):«يجيء الملكان:منكر و نكير،فيسألان الميت:من ربك؟و ما دينك؟فإذا كان مؤمنا قال:اللّه ربّي،و ديني الإسلام:فيقولان له:ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول:أشهد أنّه رسول اللّه.فيقولان له:نم نومة لا حلم فيها،و يفسح له في قبره تسع أذرع،و يفتح له باب إلى الجنّة فيرى مقعده فيها.و إذا كان كافرا دخلا عليه،و أقيم الشيطان بين يديه،عيناه من نحاس،فيقولان:من ربّك؟و ما دينك؟ و ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟فيقول:لا أدري.فيخلّيان

ص: 85


1- سورة المؤمنون:100.
2- الفقيه 1:80 ح 362.
3- الكافي 3:236 ح 4.
4- الكافي 3:435 ح 2.
5- الكافي 3:237 ح 8.
6- الكافي 3:235 ح 3.

بينه و بين الشيطان،و يفتح له باب الى النّار،و يرى مقعده فيها» (1).

و عن أبي بكر الحضرمي:«يسألون عن الحجة القائم بين أظهرهم، فيقول:ما تقول في فلان بن فلان؟فيقول:ذاك إمامي.فيقال له:نم أنام اللّه عينك،و يفتح له باب إلى الجنة.فما يزال ينفحه (2)من روحها الى يوم القيامة.

و يقال للكافر:ما تقول في فلان؟فيقول:قد سمعت به،و ما أدري ما هو!فيقال له:لا دريت،و يفتح له باب من النّار،فلا يزال ينفحه (3)من حرّها الى يوم القيامة» (4).

و رووا في الصّحاح عن أنس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّ هذه الأمة تمتلئ في قبورها،فإنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول:ما كنت تعبد؟ فان اللّه هداه بقول:كنت أعبد اللّه.فيقول:ما كنت تقول في هذا؟فيقول:هو عبد اللّه و رسوله.قال:فما يسأل عن شيء غيرها،فينطلق به الى بيته الذي كان في النّار،فيقال:هذا بيتك في النّار،و لكنّ اللّه عصمك و رحمك و أبدلك به بيتا في الجنّة،فيقول:دعوني حتى أذهب فأبشّر أهلي،فيقال له:اسكن.

و إنّ الكافر إذ وضع في قبره أتاه ملك فينتهزه،فيقول:ما كنت تعبد؟ فيقول:لا أدري!فيقال له:لا دريت و لا تليت.فيقول:ما كنت تقول في هذا الرجل؟فيقول:كنت أقول مثل ما يقول النّاس!قال:فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلائق غير الثقلين» (5).

و معنى تليت:قرأت،أتي بالياء لمجانسة دريت.و يروى:أتليت،من7.

ص: 86


1- الكافي 3:236 ح 7،باختلاف يسير.
2- في المصدر:«يتحفه».
3- في المصدر:«يتحفه».
4- الكافي 3:237 ح 8.
5- مسند أحمد 3:233،صحيح البخاري 2:113،سنن أبي داود 4:238 ح النسائي 4:97.

أتلت الإبل إذا ولدت و تلاها أولادها.

و في رواية أخرى:«و الكافر يرى مقعده من الجنة،فيقال:هذا مقعدك من الجنّة،و لكنّك عصيت اللّه و أطعت عدوه» (1).

و عن البراء بن عازب عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في قوله تعالى يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ (2).قال:هذا في القبر إذا سئل عن ذلك (3).

و روى الكليني عن أبي بصير،عن الصادق(عليه السلام)في المؤمن إذا أجاب:«يقولان له:نم نومة لا حلم فيها.و يفسح له في قبره تسع أذرع،و يرى مقعده من الجنّة،و هو قول اللّه تعالى يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ الآية (4).

الثانية:تظافرت الأخبار بعذاب القبر -نعوذ باللّه منه-و قد مرّ طرف منها، و قوله تعالى اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا،وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ (5)يدلّ عليه.

و قد روى ابن مسعود:أنّ أرواحهم في أجواف طير سود،يعرضون على النّار بكرة و عشيّا الى يوم القيامة (6).

و روى الكليني عن جابر،عن الباقر(عليه السلام):«قال النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):ليس من نبيّ إلاّ و قد رعى الغنم.كنت أنظر الى الغنم و الإبل و أنا9.

ص: 87


1- أورد نحوها ابن ماجة في سننه 2:1426 ح 4268.
2- سورة إبراهيم:27.
3- بمضمونه في:صحيح مسلم 4:2201 ح 2871،سنن ابن ماجة 2:1427 ح 4269،سنن أبي داود 4:238 ح 4750،سنن النسائي 4:101.
4- الكافي 3:238 ح 10.
5- سورة المؤمن:46.
6- انظر:الجامع لأحكام القرآن 15:369.

أرعاها قبل النبوّة،و هي متمكنة (1)ما حولها شيء يهيجها حتّى تذعر فتطير، فأقول:ما هذا؟فأعجب،حتى حدّثني جبرئيل(عليه السلام)انّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللّه جلّ و عزّ شيئا إلاّ يسمعها و يذعر لها إلاّ الثقلين،فنعوذ باللّه من عذاب القبر» (2).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)خرج في جنازة سعد و قد شيّعه سبعون ألف ملك،فرفع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)رأسه الى السماء ثم قال:أو مثل سعد يضمّ؟فقالت أم سعد:هنيئا لك يا سعد.فقال لها النبي(صلّى اللّه عليه و آله):يا أمّ سعد لا تحتمي على اللّه عزّ و جلّ» (3).

و عن بشير الدّهان عن الصادق(عليه السلام)،انّه قال:«إنّما القبر روضة من رياض الجنّة،أو حفرة من حفر النّار» (4).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام)في الكافر:«ينادي مناد من السماء:

افرشوا له في قبره من النار،و ألبسوه ثياب النار،و افتحوا له بابا الى النار حتى يأتينا و ما عندنا شيء له،فيضر بأنه بمرزبة ثلاث ضربات ليس فيها ضربة إلاّ يتطاير قبره،لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما» (5).

و عن الصادق(عليه السلام)في المصلوب يصيبه عذاب القبر:«يوحي اللّه عزّ و جلّ الى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر» (6).

و عن أبي بصير عن أحدهما(عليهما السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)-لما ماتت رقيّة ابنته-:إني لأعرف ضعفها،و سألت اللّه عزّ و جلّ أن7.

ص: 88


1- في م،س:متكئة.
2- الكافي 3:233 ح 1.
3- الكافي 3:236 ح 6.
4- الكافي 3:242 ح 2.
5- الكافي 3:240 ح 12.
6- الكافي 3:241 ح 17.

يجيرها من عذاب القبر» (1).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر» (2).

و في البخاري و مسلم عن أنس:أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)دخل نخلا لبني النجّار،فسمع صوتا ففزع،فقال:«من أصحاب هذه القبور؟».فقالوا:يا رسول اللّه ناس ماتوا في الجاهليّة.فقال:«نعوذ باللّه من عذاب القبر» (3).

و في رواية أخرى في المنافق و الكافر:«ليضيق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه،فتعوّذوا باللّه من عذابه و نقمته» (4).

و عن ابن عمر أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشي،و إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة،و إن كان من أهل النّار فمن أهل النّار.فيقال له:هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إليه يوم القيامة» (5).

الثالثة:دلّ القرآن العزيز -بقوله تعالى وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ (6)،و قوله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (7)،و غير ذلك-على بقاء النّفس بعد الموت بناء على تجرّدها-و عليه كثير من الأصحاب و من المسلمين-أو على تعلّقها بأبدان،و هو مروي بأسانيد متكثّرة من الجانبين،فمنها:9.

ص: 89


1- الكافي 3:241 ح 18.
2- الكافي 3:236 ح 6.
3- لاحظناه في:مسند أحمد 3:233،سنن أبي داود 4:238 ح 4751،و فيهما:«تعوذوا».
4- مسند أحمد 4:288،سنن أبي داود 4:240 ح 4754.و ليس فيهما:«فتعوذوا..».
5- مسند أحمد 2:113،صحيح البخاري 2:124،صحيح مسلم 4:2199 ح 2866،سنن ابن ماجة 2:1427 ح 4270،الجامع الصحيح 3:384 ح 1072،سنن النسائي 4:107.
6- سورة البقرة:154.
7- سورة آل عمران:169.

ما روى ابن عبّاس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،أنّه قال:«أرواح الشّهداء في جوف طير خضر،ترد أنهار الجنّة،و تأكل من ثمارها،و تأوي الى قناديل في ظلّ العرش» (1).

و منها ما روي من الطريقين عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«حياتي خير لكم،و مماتي خير لكم».قالوا:يا رسول اللّه و كيف ذلك؟قال:«أمّا حياتي فإنّ اللّه تعالى يقول وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ .و أمّا مفارقتي إيّاكم، فإن أعمالكم تعرض عليّ كلّ يوم،فما كان من حسن استزدت اللّه لكم،و ما كان من قبيح،استغفرت اللّه لكم».قالوا:و قد رممت؟فقال:«كلاّ،إنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا» (2).

و روى الأصحاب في تفسير قوله تعالى وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (3):انّ أعمال العباد تعرض على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و على الأئمة(عليهم السلام)كلّ يوم،أبرارها و فجّارها (4).

و في التهذيب:عن مروان بن مسلم،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)، قلت له:إنّ أخي ببغداد،و أخاف أن يموت بها.قال:«ما تبالي حيثما مات،أنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض و غربها إلاّ حشر اللّه روحه إلى وادي السّلام».

قال:«و هو ظهر الكوفة،كأنّي بهم حلق حلق قعودا يتحدّثون» (5)،و رواه في5.

ص: 90


1- مسند أحمد 1:266،سنن أبي داود 3:15 ح 2520،مسند أبي يعلى 4:219 ح 2331، المستدرك على الصحيحين 2:88،السنن الكبرى 9:163.
2- الفقيه 1:121 ح 582،أمالي الطوسي 2:23،و راجع:سنن ابن ماجة 1:524 ح 1636، سنن أبي داود 1:275 ح 1047،سنن النسائي 3:91. و الآية في سورة الأنفال:33.
3- سورة التوبة:105.
4- مجمع البيان 3:69.
5- التهذيب 1:466 ح 1525.

الكافي أيضا (1).

و في التّهذيب:عن يونس بن ظبيان،قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«ما يقول الناس في أرواح المؤمنين»؟قلت:يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش.فقال أبو عبد اللّه:«سبحان اللّه المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر.يا يونس:المؤمن إذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا،فيأكلون و يشربون،و إذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي في الدّنيا» (2).

و روى في التهذيب أيضا عن علي،عن ابن أبي عمير،عن حماد،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن أرواح المؤمنين؟فقال:«في الجنّة على صور أبدانهم،لو رأيته لقلت فلان» (3).و مثله رواه في الكافي بسنده الى أبي ولاّد الحنّاط،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (4).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام):«أنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة في الجنة،يأكلون من طعامها،و يشربون من شرابها،و يقولون ربّنا أقم لنا السّاعة، و أنجز لنا ما وعدتنا،و ألحق آخرنا بأوّلنا» (5).

و عن أبي بصير عنه(عليه السلام):انّ الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنّة تتعارف و تتساءل،فإذا قدمت الرّوح عليهم يقولون:دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم.ثم يسألونها:ما فعل فلان؟و ما فعل فلان؟فإن قالت لهم:

تركته حيّا ارتجوه،و إن قالت لهم:قد هلك،قالوا:قد هوى» (6).و يقرب منه3.

ص: 91


1- الكافي 3:243 ح 2.
2- التهذيب 1:466 ح 1526.و نحوه في الكافي 3:245 ح 6.
3- التهذيب 1:466 ح 1527 عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير.
4- الكافي 3:244 ح 1.
5- الكافي 3:244 ح 2.
6- الكافي 3:244 ح 3.

رواية يونس بن يعقوب عنه(عليه السلام) (1).

و في الكافي بإسناده إلى حبّة العرني،قال:خرجت مع أمير المؤمنين(عليه السلام)الى الظهر،فوقف بوادي السّلام كأنّه مخاطب لأقوام،فقمت لقيامة حتى أعييت،ثم جلست حتى مللت-فعل ذلك غير مرّة-ثمّ عرض عليّ أمير المؤمنين الجلوس،فقال«يا حبّة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته،و لو كشفت لك لرأيتهم حلقا حلقا يتحادثون».فقلت:أجسام أو أرواح؟فقال:«أرواح،و ما من مؤمن يموت في بقعة في بقاع الأرض إلاّ قيل لروحه الحقي بوادي السّلام،و إنّها لبقعة من جنة عدن» (2).

و في الكافي عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في أرواح المشركين:«في النّار يعذّبون،يقولون:ربّنا لا تقم لنا السّاعة،و لا تنجز لنا ما وعدتنا،و لا تلحق آخرنا بأوّلنا» (3).

و عن القدّاح عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«قال أمير المؤمنين(عليه السلام):شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت،و هو بحضرموت،ترده هام الكفار» (4).و أكثر من الأخبار في ذلك.

و ممّا يدلّ على بقاء النّفس مدركة بعد الموت أحاديث الزيارة،و هي كثيرة منها:

رواية حفص بن البختري،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إنّ المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب،و يستر عنه ما يكره.و إنّ الكافر يزور أهله فيرى ما يكره،و يستر عنه ما يجب»،قال:«و منهم من يزور كلّ جمعة و من يزور على قدر4.

ص: 92


1- الكافي 3:244 ح 1،2،3،5.
2- الكافي 3:243 ح 1.
3- الكافي 3:245 ح 1.
4- الكافي 3:246 ح 4.

عمله» (1).

و في رواية إسحاق بن عمار،عن الكاظم(عليه السلام):«يزورون على قدر فضائلهم،منهم من يزور في كل يوم،و منهم في كل يومين،و منهم في كلّ ثلاثة،و إنّ زيارتهم عند الزّوال» (2).

و في رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ما من مؤمن و لا كافر إلاّ و هو يأتي أهله كل يوم عند زوال الشمس،فإذا رأى أهله يعملون الصّالحات حمد اللّه على ذلك،و إذا رأى الكافر أهله يعملون الصّالحات كانت عليه حسرة» (3).

و في رواية إسحاق عن الكاظم(عليه السلام):«فيبعث اللّه ملكا فيريه ما يسرّه،و يستر عنه ما يكره،فيرى ما يسرّه و يرجع الى قرة عين» (4).5.

ص: 93


1- الكافي 3:230 ح 1.
2- الكافي 3:231 ح 5.
3- الكافي 3:230 ح 2.
4- الكافي 3:231 ح 5.
المقام السادس:غسل مسّ الميت.
اشارة

و هو واجب-على الأصحّ-لما رواه أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر،عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«من غسّل ميتا اغتسل،و من حمله فليتوضّأ» (1).

و روي:«و من مسّه فليتوضّأ» (2).

و في خبر آخر عنه(صلّى اللّه عليه و آله):«الغسل من غسل الميت،و الوضوء من مسّه» (3).

و روي:أنّ أبا طالب-رضي اللّه عنه-لما مات أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عليا(عليه السلام)بتغسيله،فلما فرغ منه قال له:«اذهب فاغتسل» (4).

و روينا عن حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من غسّل ميتا فليغتسل»قلت:فإنّ مسّه؟قال:«فليغتسل».قلت:إنّ أدخله القبر؟قال:«لا غسل عليه» (5).

و عن معاوية بن عمار عنه(عليه السلام)إذا مسّه و هو سخن:«فلا غسل عليه،فإذا برد فعليه الغسل».قلت:البهائم و الطير إذا مسّها أ عليه غسل؟قال:

«لا،ليس هذا كالإنسان» (6).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في رجل مسّ ميتة أ عليه

ص: 94


1- المصنف لابن أبي شيبة 3:269،مسند الطيالسي:305 ح 2314،سنن أبي داود 3:201 ح 3161،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:239 ح 1158.
2- فتح العزيز 2:131.
3- انظر الخلاف للشيخ الطوسي 1:223 المسألة 193.
4- السنن الكبرى 1:305.
5- المعتبر 1:352،و لاحظ:الكافي 3:160 ح 1،التهذيب 1:108 ح 283،الاستبصار 1: 99 ح 321.
6- التهذيب 1:429 ح 1367.

غسل؟قال:«لا،إنّما ذلك من الإنسان» (1)،و مثله روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (2).

و عن محمد بن الحسن الصفّار كتبت اليه:رجل أصاب ثوبه أو بدنه ثوب الميت،فوقّع:«إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل» (3).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا مسّه بحرارته فلا، و إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل».قلت:فالذي يغسّله أ يغتسل؟فقال:«نعم» (4).

و عن سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«غسل من غسّل ميتا واجب» (5).

و عن يونس عن بعض رجاله عنه(عليه السلام):«الفرض:غسل الجنابة،و غسل من غسّل ميتا» (6).

و عن عبد اللّه بن سنان عنه(عليه السلام):يغتسل الذي غسّل الميت.

و إن(غسّل) (7)الميت إنسان بعد موته و هو حار فليس عليه غسل،و لكن إذا مسّه و قبّله و قد برد فعليه الغسل،و لا بأس أن يمسّه بعد الغسل و يقبّله» (8).

و ظاهر هذه كلّها الوجوب،و في بعضها مصرّح به،و قد قيّد بكونه بعد برده.

و مفهوم خبرين أنّه لا غسل عليه لو مسّه بعد الغسل،و لطهارته به،و فتوى2.

ص: 95


1- التهذيب 1:430 ح 1374.
2- التهذيب 1:431 ح 1375.
3- التهذيب 1:429 ح 1368.
4- الكافي 3:160 ح 2،التهذيب 1:428 ح 1364.
5- الفقيه 1:45 ح 176،التهذيب 1:104 ح 270،الاستبصار 1:97 ح 315.
6- التهذيب 1:105 ح 271،الاستبصار 1:98 ح 316.
7- في المصادر:«قبّل».
8- الكافي 3:160 ح 3،التهذيب 1:108 ح 284،الاستبصار 1:99 ح 322.

الأصحاب.

و عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)«و لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر» (1).

و رواية (2)عمار عن الصادق(عليه السلام):«كلّ من(غسّل) (3)ميتا فعليه الغسل،و إن كان الميت قد غسّل» (4)مطرّحة،و حملها في التهذيب على الندب (5)كما سبق.و كذا مفهوم رواية حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)فيمن أدخل القبر:«لا غسل عليه،إنّما يمسّ الثياب» (6)تحمل على الندب،لو استفيد من مفهوم المخالفة غسل.

تنبيه:

و يجب الغسل أيضا بمسّ قطعة فيها عظم،

سواء أبينت من حيّ أو ميت، لرواية أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)قال:

«إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة،فإذا مسّه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل،و إن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (7).و نقل الشيخ-في الخلاف-الإجماع في ذلك (8).

قال في المعتبر:الذي أراه التوقّف في ذلك،فإنّ الرواية مقطوعة،و العمل بها قليل،و دعوى الشيخ الإجماع لم تثبت،و غايته الاستحباب تفصّيا من اطّراح

ص: 96


1- التهذيب 1:105 ح 273.
2- في م:و رواه.
3- في المصادر:«مسّ».
4- التهذيب 1:430 ح 1373،الاستبصار 1:100 ح 328.
5- راجع الهامش السابق.
6- الكافي 3:160 ح 1،التهذيب 1:108 ح 283،الاستبصار 1:99 ح 321.
7- الكافي 3:212 ح 4،التهذيب 1:429 ح 1369،الاستبصار 1:100 ح 325.
8- الخلاف 1:701 المسألة 490.

قول الشيخ و الرواية (1).

قلت:هذه القطعة نجسة قطعا لوجوب غسلها كما مرّ،و هي بعض من جملة يجب الغسل بمسّها و خصوصا في الميت،فكل دليل دلّ على وجوب الغسل بمسّ الميت فهو دالّ عليها.و لأنّ الغسل يجب بمسّها متصلة،فما الذي أخرجه عن الوجوب بانفصالها؟و لأنّه يلزم عدم الغسل لو مسّ جميع الميت ممزّعا.و الخبر المقبول (2)عنده-رحمه اللّه-حجّة،و كذا المقترن بالقرينة،و الأمران حاصلان في الخبر،و الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند كثير،و ابن الجنيد سابق على الشيخ و قد أفتى بوجوبه في مسّ القطعة،إلاّ أنّه قيّدها ما بينه و بين سنة و فرضها في القطعة من الحي (3).فالتوقف في هذه بخصوصيتها لا وجه له،لأنّ الأصحاب منحصرون في:موجب غسل الميت على الإطلاق و هم الأكثر،و في:نافيه على الإطلاق و هو المرتضى (4)و من أخذ أخذه،فالقول بوجوبه في موضع دون موضع لم يعهد.

ثم إنّا لم نقف للمرتضى-رحمه اللّه-على حجّة نقليّة،سوى ما يظهر من حديث سعد بن أبي خلف،قال سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام)يقول:

«الغسل في أربعة عشر موطنا،واحد فريضة،و الباقي سنّة» (5).

و ما يلوح من مكاتبة القاسم الصيقل:كتبت إليه:جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين(عليه السلام)حين غسّل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) عند موته؟فأجابه:«النبي طاهر مطهّر،و لكنّ أمير المؤمنين فعل و جرت به السنّة»، أورده في الاستبصار و التهذيب في باب الأغسال (6).3.

ص: 97


1- المعتبر 1:352.
2- في س،ط:المنقول.
3- مختلف الشيعة:28.
4- تذكرة الفقهاء 1:57،مختلف الشيعة:28،المعتبر 1:352.
5- التهذيب 1:110 ح 289،الاستبصار 1:98 ح 319.
6- التهذيب 1:107 ح 281،الاستبصار 1:99 ح 323.

و أورد في التهذيب بسند آخر الى الحسين بن عبيد،قال:كتبت الى الصادق هل اغتسل أمير المؤمنين(عليه السلام)حين غسّل رسول اللّه عند موته؟قال:

«كان رسول اللّه طاهرا مطهّرا،و لكن فعل أمير المؤمنين ذلك و جرت به السّنة» (1).

نعم،هناك رواية تضمّنت أنّ غسل الميت سنّة-و حملها على ظاهرها يقتضي الحكم بطهارته،و مسّ الطاهر لا يوجب غسلا و لا غسلا،إلاّ أنّ هذا يخالف إجماع المسلمين فضلا عن الإمامية-و هي ما مرّ في مرسل عبد الرحمن عن أبي الحسن(عليه السلام)في اجتماع الجنب و الميت و المحدث،حيث قال:«و غسل الميت سنة» (2).و كذا بطريق التفليسي عن أبي الحسن(عليه السلام)في ميت و جنب:«إذا اجتمعت سنّة و فريضة بدئ بالفرض» (3).و بطريق الأرمني-و قيل هو التفليسي أيضا-عن الرضا(عليه السلام):«يترك الميت،لأنّ هذا فريضة و هذا سنّة» (4).

و كلّ هذا تكلّف،لوضوح روايات الوجوب دلالة،و شهرتها عملا.و الشيخ حمل لفظ«السنّة»على الثابت بالسنّة،و هو حسن (5).و أمّا اغتسال أمير المؤمنين (عليه السلام)و جري السنّة به،فهو ظاهر الدلالة على الوجوب.و سلاّر عدّ الأغسال الواجبة،و قال:و غسل من مسّ الميت على إحدى الروايتين (6)و لم نر رواية مصرّحة بذلك.

و في التهذيب-الذي هو شرح المقنعة-لم يذكر سوى ما ذكرناه.نعم، كلامه في الخلاف يشعر بوجود مخالف غير المرتضى،حيث قال:و عند بعضهم أنّه مستحبّ و هو اختيار المرتضى.ثم استدّل على الوجوب بالاحتياط و الأخبار،و لم0.

ص: 98


1- التهذيب 1:469 ح 1541.
2- الفقيه 1:59 ح 222،التهذيب 1:109 ح 285،الاستبصار 1:101 ح 329.
3- التهذيب 1:109 ح 286،الاستبصار 1:101 ح 330.
4- التهذيب 1:110 ح 287،الاستبصار 1:102 ح 331.
5- التهذيب 1:109،الاستبصار 1:101.
6- المراسم:40.

يذكر الإجماع هنا (1)،ثمّ ذكره في كتاب الجنائز،قال:و من شذّ منهم لا يعتد بقوله،و نقل الوجوب عن:علي(عليه السلام)،و أبي هريرة،و عن الشافعي في البويطي (2).

و هذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا،لما سلف.و لو أحدث بعد الوضوء المقدّم أعاده.و بعد الغسل المقدّم الوضوء لا غير.و في أثناء الغسل،الأقرب:أنّ حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة.

و قطع في التذكرة بأنّه لو أحدث في أثناء غسله أتمّ و توضأ،تقدّم أو تأخّر (3).

و لعله يرى أنّ الحدث الأكبر يرفعه الغسل،و الأصغر يرفعه الوضوء بالتوزيع.و فيه بعد،لظهور أنّ الغسل و الوضوء علّة لرفع الحدث مطلقا،و هذا ينسحب في جميع الأغسال سوى الجنابة.

تفريع:

لو مسّه قبل برده فلا غسل،

لما مرّ.

و هل يجب غسل ما مسّه؟الأقرب:المنع،لعدم القطع بنجاسته حينئذ، و أصالة البراءة،و لأنّ نجاسته و وجوب الغسل متلازمان إذ الغسل لمسّ النجس.

و إن قلنا:أنّ وجوبه تعبّد محض،فبطريق الأولى سقوط غسل اليد،و يلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل رحمه اللّه،إلاّ أنّه مخالف للجماعة،و لدعوى الشيخ الإجماع عليه (4).

و الفاضل أوجب غسل يده بمسّه قبل البرد،محتجّا بأنّ الميت نجس (5)

ص: 99


1- الخلاف 1:222 المسألة 193.
2- الخلاف 1:700 المسألة 489.
3- تذكرة الفقهاء 1:57.
4- الخلاف 1:700 المسألة 488.
5- تذكرة الفقهاء 1:57.

و جوابه:إنّما يقطع بالموت بعد البرد.

و لو مسّ ما تمّ غسله منه،فالأقرب:سقوط الغسل،للحكم بطهارته.و لو غلّبنا النجاسة الحكمية،و قلنا:أنّ زوالها عن جزء مشروط بزوالها عن آخر،أمكن الوجوب،و لأنّه يصدق عليه أنّه ميت لم يغسّل.أمّا على القول بالنجاسة العينية- كما هو ظاهر الأصحاب (1)-فلا إشكال في عدم الوجوب.

و لا فرق بين مسّ المسلم و الكافر،لشمول اللفظ.و لا دخل لقيد الغسل هنا في إجراء الكافر مجرى البهيمة،لأنّه قيد لعدم وجوب الغسل لو مسّ بعده، و لا يلزم منه كون صحته شرطا لوجوب الغسل بمسّه قبله،لأصالة عدم الاشتراط.نعم،لا فرق في مسّ الكافر بين مسّه قبل الغسل أو بعده،لأنّ غسله لم يفده طهارة.

و هل يجب الغسل بمسّ العظم المجرّد متصلا أو منفصلا؟الأقرب:نعم، لدوران الغسل معه وجودا و عدما.و يمكن الالتفات الى طهارته فلا يفيد غيره نجاسة،و نحن نمنع طهارته قبل الغسل الشرعي لأنّه ينجس بالاتصال.نعم، لو أوضح العظم في حال الحياة و طهر،ثمّ مات فمسّه،فالإشكال أقوى لأنّه لا يحكم بنجاسة هذا العظم حينئذ.و لو غلبنا جانب الحكم توجّه وجوب الغسل، و هو أقرب:امّا على هذا فظاهر،و امّا على النجاسة العينية يمكن القول بنجاسته تبعا للميت عينا،و يطهر بالغسل.

أمّا السن و الضرس،فالأولى:القطع بعدم وجوب الغسل بمسّهما،لأنّهما في حكم الشعر و الظفر.هذا مع الانفصال،و مع الاتصال يمكن المساواة،لعدم نجاستها بالموت.و الوجوب،لأنّها من جملة يجب الغسل بمسّها.7.

ص: 100


1- راجع:المقنعة:12،المبسوط 1:179،النهاية:35،المعتبر 1:420،تذكرة الفقهاء 1: 57.

الطهور

ص: 101

ص: 102

الفصل الرابع:في الاستعمال.
اشارة

و هو البحث عن كيفية الطهارة،

و

مطالبه ثلاثة
المطلب الأول:في كيفية الوضوء،
اشارة

و فيه

ثلاثة أبحاث:
البحث الأول:في واجباته
اشارة

،و الذي استفيد من نص الكتاب ثمانية:

أولها:النية،

و قد تقدّم تحقيقها.و يجب القصد بها الى القربة،أعني:

موافقة إرادة اللّه تعالى.و ظاهر كلام المتكلّمين:أنّ القربة و التقرّب طلب الرفعة عند اللّه تعالى بواسطة نيل الثواب،تشبيها بالقرب المكاني.

و ينبّه على الأول قوله تعالى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (1)،و قوله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ (2)أي:إرادة لطاعته،و قول أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام:«و لكن وجدتك أهلا للعبادة» بعد نفي الطمع في الثواب،و الخوف من العقاب (3).

و ينبّه على الثاني قوله تعالى وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً (4)،و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (5)أي:راجين الفلاح،أو:لكي تفلحوا.و الفلاح هو الفوز بالثواب، قاله الشيخ أبو علي الطبرسي-رحمه اللّه- (6)،و قال بعض المفسرين:هو الفوز بالأمنية،و منه قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (7).و قوله تعالى:

ص: 103


1- سورة الليل:19-20.
2- سورة البقرة:165.
3- شرح نهج البلاغة للبحراني 5:361.
4- سورة الأنبياء:90.
5- سورة الحج:77.
6- مجمع البيان 7:98.
7- سورة المؤمنون:1.

أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (1) صريح في ذلك،لقوله تعالى من قبل وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ (2).

و اما قوله تعالى وَ اقْتَرَبَ (3)إن جعل مترتبا على السجود أفاد المعنى الثاني،و منه الحديث عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أقرب ما يكون العبد الى ربّه إذا سجد» (4).و إن جعل مستقلا أمكن أن يكون معناه وافق إرادة اللّه تعالى، أو افعل ما يقرّبك من ثوابه،قال الشيخ أبو علي-رحمه اللّه-:و اقترب من ثوابه، قال:و قيل معناه و تقرّب اليه بطاعته (5).

و الظاهر أنّ كلاّ منهما محصّل للإخلاص.و قد توهم قوم ان قصد الثواب يخرج عنه،لأنّه جعله واسطة بينه و بين اللّه.و ليس بذاك،لدلالة الآي و الأخبار عليه،و ترغيبات القرآن و السنّة مشعرة به،و لا نسلّم أن قصد الثواب مخرج عن ابتغاء اللّه بالعمل،لأنّ الثواب لما كان من عند اللّه فمبتغيه مبتغ وجه اللّه.نعم، قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى،لأنّه وصول بغير واسطة.

و لو قصد المكلف في تقربه الطاعة للّه أو ابتغاء وجه اللّه كان كافيا،و يكفي عن الجميع قصد اللّه سبحانه الذي هو غاية كل مقصد.

و هذه القربة معتبرة في كل عبادة،لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (6)، قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (7).

و دلالة الكتاب و الأخبار على النية-مع أنها مركوزة في قلب كل عاقل يقصد4.

ص: 104


1- سورة التوبة:99.
2- سورة التوبة:99.
3- سورة العلق:19.
4- مسند أحمد 2:421،صحيح مسلم 1:350 ح 482،سنن أبي داود 1:231 ح 875،سنن النسائي 2:226،السنن الكبرى 2:110.
5- مجمع البيان 10:516.
6- سورة البينة:5.
7- سورة الزمر:14.

الى فعل-أغنى الأولين عن ذكر نيّات العبادات و تعلمها،حتى أنّ الأخبار خالية عن تشخص (1)نيّة،إلاّ ما سنذكر في الحج و العتق إن شاء اللّه.

لكن قال في التهذيب في تأويل خبر إعادة الوضوء بترك التسمية:أنّ المراد بها النية (2).و في الخلاف و المختلف نقل الإجماع على وجوبها (3).و في المعتبر أسنده إلى الثلاثة و ابن الجنيد،و قال:لم أعرف لقدمائنا فيه نصّا على التعيين (4).و لم يحتجّ في الخلاف بغير الأخبار العامة في النية (5).و من ثم لم يذكرها قدماء الأصحاب في مصنفاتهم كالصدوقين.

و الجعفي قال:لا عمل إلاّ بنيّة،و لا بأس إن تقدمت النية العمل أو كانت معه.و ابن الجنيد عطف على المستحب قوله:و أن يعتقد عند إرادة طهارته أنّه يؤدّي فرض اللّه فيها لصلاته،قال:و لو عزبت النية عنه قبل ابتداء الطهارة،ثمّ اعتقد ذلك و هو في عملها،أجزأه ذلك.

و هذان القولان مع غرابتهما مشكلان،لأنّ المتقدمة عزم لا نية،و الواقعة في الأثناء أشكل،لخلو بعضه عن نية.و حمله على الصوم قياس محض،مع الفرق بأن ماهية الصوم واحدة بخلاف الوضوء المتعدّد الأفعال،و استحبابها لا أعلمه قولا لأحد من علمائنا.

فإن احتجّ ابن الجنيد على الاستحباب بأنّه تعالى قال إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (6)وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (7)و لم يذكر النية،و بأن الماء مطهّر مطلقا فإذا استعمل في مواضعه وقع موقعه.6.

ص: 105


1- في س:مشخص.
2- التهذيب 1:358،الاستبصار 1:68.
3- الخلاف 1:71 المسألة 18،مختلف الشيعة:20.
4- المعتبر 1:138.
5- راجع الهامش 3.
6- سورة المائدة:6.
7- سورة المائدة:6.

أجيب:بأنّ الآية حجة لنا،لأنّ المفهوم منه فاغسلوا لأجل الصلاة،و منه قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك،و إذا قابلت العدو فخذ سلاحك،فإن المفهوم منه للقاء الأمير و مقاتلة العدو.و طهورية الماء مسلّمة،و لكنّ الجمع بينه و بين قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّما الأعمال بالنّيات» (1)واجب.على أنّه يمكن العمل بطهورية الماء على الإطلاق في رفع الخبث لأنه كترك القبيح،و لأن المقصود زوال عينه بالماء و قد حصل،بخلاف الطهارة فإن الغرض بها العبادة.

و محل النية القلب،لأنّها إرادة.و لا يستحبّ الجمع عندنا بينه و بين القول، للأصل،و لعدم ذكر السلف إياه.و صار اليه بعض الأصحاب،لأنّ اللفظ أشدّ عونا على إخلاص القصد (2)،و فيه منع ظاهر.و الشيخ في الخلاف قال-في نية الصلاة-محلها القلب دون اللسان،و لا يستحب الجمع بينهما،محتجا بأنّ النية إرادة قلبية مؤثرة في تخصيص الفعل بوجهه،و لا دليل شرعي على التلفظ بها (3).

القول في كيفيتها: و للأصحاب فيها عبارات.

أولها:القربة و ابتغاء وجه اللّه .و هو في:النهاية (4)،و المقنعة (5)،و اختيار البصروي-رحمه اللّه-لما مرّ.

و ثانيها:أنّ ينوي رفع الحدث ،أو استباحة فعل مشروط صحته بالطهارة.

و هو قول المبسوط،و لم يذكر القربة (6)،و الظاهر أنّه تركها لظهورها لا لما قاله9.

ص: 106


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند أحمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3:1515 ح 155،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147، السنن الكبرى 7:341.
2- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:14.
3- الخلاف 1:308 المسألة 56.
4- النهاية:15.
5- المقنعة:15.
6- المبسوط 1:19.

العامة:أنّ العبادة لا تكون إلاّ قربة،لأنّه مدخول (1)إذ صيرورتها قربة بغير قصد ترجيح بلا مرجح.

و ثالثها: التصريح بالقربة و أحد الأمرين،و لا يشترط الوجوب و لا الندب.

و هو مختار المعتبر (2).

و رابعها:الاستباحة .و يلوح من كلام المرتضى رضي اللّه عنه (3).

و خامسها:الجمع بين:القربة،و الوجه،و الرفع،و الاستباحة. و هو قول:

أبي الصلاح (4)و ابن البراج (5)و ابن حمزة (6)و الراوندي،لوجوب الرفع و الاستباحة، و وجوب نية كل واجب،و لأنّ الرفع يوجد بدون الاستباحة في غسل الحائض إن قلنا برفعه الأكبر،و الاستباحة بدون الرفع في المتيمّم و الطهارة الضرورية،فإذا لم يتلازما لم يكف أحدهما.

و سادسها:الجمع بين الأربعة و بين الطاعة للّه. و هو قول ابن زهرة،قال:

و اعتبرنا تعلّق الإرادة برفع الحدث،لأنّه مانع من الدخول.و بالاستباحة،لأنه الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث،فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للوجه الذي أمر به لأجله.و تعلقها بالطاعة للّه تعالى،لأنّ بذلك يكون الفعل عبادة.و القربة و مرادنا بها:طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه،لأنّه الغرض المطلوب بطاعته.

و الوجوب،للامتياز عن الندب،و لوقوعه على الوجه الذي كلّف بإيقاعه (7).

و سابعها:اعتبار الوجوب أو وجهه إن كان واجبا،أو الندب،للامتياز، و لوقوعه على الوجه الذي كلّف به،و الرفع أو الاستباحة.و هو مستفاد من جمعة.

ص: 107


1- راجع:المغني 1:122،المجموع 1:313.
2- المعتبر 1:319.
3- مختلف الشيعة:20.
4- الكافي في الفقه:132.
5- المهذب 1:45.
6- الوسيلة:40.
7- الغنية:491 ضمن الجوامع الفقهية.

ما تفرّق من كلام ابن إدريس رحمه اللّه،و لم يذكر القربة،و ادّعى الإجماع على اعتبار الرفع أو الاستباحة (1).

و ثامنها:إطلاق النية. و هو قول:الجعفي،و سلاّر (2).

قلت:و الذي دلّ عليه الكتاب و السنّة هو القربة و الاستباحة،و الباقي (3)مستفاد من اعتبار المشخّص للفعل لإيقاعه على الوجه المأمور به شرعا،و لكنه بعيد من حال الأولين،و لو كان معتبرا لم يهمل ذكره.

و لو ضويقنا:فالوجه لا بأس به.و أحد الأمرين من الرفع و الاستباحة كاف في غير المعذور،لتلازمهما بل تساويهما فلا معنى لجمعهما.و اعتبار الطاعة مع القربة بعيد،فإنّهما سيان على ما يظهر ممّا مرّ أو متلازمان.

قال في البشرى:لم أعرف نقلا متواترا و لا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة،لكن علمنا يقينا أنّه لا بد من نية القربة،قال:و إلاّ كان هذا من باب:اسكتوا عمّا سكت اللّه عنه.

و يجب فيها المقارنة لابتداء الوضوء،ليقع التأثير،و لدلالة(الأعمال بالنيات) عليه.و المشهور:جواز فعلها عند غسل اليدين،لأنّه من الوضوء الكامل.و أولى منه المضمضة و الاستنشاق،لقربهما الى الواجب.

و صاحب البشرى-رحمه اللّه-توقّف فيهما،نظرا الى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما،و للقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه.

و ابن إدريس:في الغسل ينوي عند غسل اليدين،و في الوضوء عند المضمضة و الاستنشاق،محتجا بأنهما من جملة العبادة (4).و الفرق تحكم.

و انما تجوز عند غسل اليدين إذا كان مستحبا،و له شرطان:7.

ص: 108


1- السرائر 17،19.
2- المراسم:37.
3- في س:و الثاني.
4- السرائر:17.

أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح،أو يكون الغسل من الجنابة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا استيقظ أحدكم من نومه،فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا،فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» (1).

و لرواية حريز عن الباقر(عليه السلام):«يغسل الرجل يده من النوم مرة، و من الغائط و البول مرتين،و من الجنابة ثلاثا» (2).

و لمضمرة عبيد اللّه الحلبي:«واحدة من حدث البول،و اثنتان من الغائط، و ثلاث من الجنابة» (3).

و اختلاف الروايات في البول مشعر بالاستحباب،و عليه يحمل الأمر النبوي،مع ان التعليل فيه مشعر به أيضا،و يدل على انه غير واجب منطوق آية الوضوء و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يبول و لم تمسّ يده شيئا،أ يغمسها في الماء؟قال:«نعم،و ان كان جنبا» (4).

الشرط الثاني:ان يكون من إناء يمكن الاغتراف منه،فلو توضأ من نهر أو مصنع أو من إناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل،كذا قاله الفاضل (5)-رحمه اللّه-و يمكن القول بالاستحباب لأن النجاسة الموهومة تزول به بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء ان لم يكن لأجل الماء.

فرع:يتصور في غسل اليدين الأحكام الخمسة،و ظاهر انتفاء النية عند9.

ص: 109


1- مسند أحمد 2:403،صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:233 ح 278،سنن ابن ماجة 1:138 ح 393،سنن أبي داود 1:25 ح 103،الجامع الصحيح 1:36 ح 24.
2- التهذيب 1:36 ح 97،الاستبصار 1:50 ح 142.
3- التهذيب 1:36 ح 96،الاستبصار 1:50 ح 141.و في الكافي 3:12 ح 5 مسندة عن الصادق عليه السلام.
4- الكافي 3:12 ح 4،التهذيب 1:37 ح 98،الاستبصار 1:50-141.
5- منتهى المطلب 1:49.

غير الوجوب و الندب و جوازها عند الندب بالشرطين،و في جوازها عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة وجه،لأنه أولى من الندب بالمراعاة،و الأقرب المنع،لأنه لا يعد من أفعال الوضوء،و أولى بالمنع غسلهما مستحبا مع عدم الشرطين،كما إذا باشر مائعا من يتهم بالنجاسة.

و يجب استدامة النية بمعنى البقاء على حكمها و العزم على مقتضاها،لأن الاستدامة فعلا مما يمتنع أو يعسر،فاكتفي بالحكم دفعا للحرج،و فسّر كثير من الأصحاب الاستمرار على النية بما قاله في المبسوط،و هو أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها،و كأنه بناء منهم على أن الباقي مستغن عن المؤثر.

و هنا مسائل:

الأولى: ذو الحدث الدائم-كالمبطون،و السلس،و المستحاضة-ينوي الاستباحة.فلو ضمّ إليها رفع الحدث لغا،إلاّ أن يقصد رفع ما مضى فحسن.

و لو اقتصر عليه،فإن نوى رفع ما مضى صح لأنه في معنى الاستباحة،و إن نوى رفعه مع ما هو حاصل أو سيحصل فقد نوى ما بعضه ممتنع،فيمكن الصحة لتضمن النية رفع مانع الصلاة،و البطلان لعدم إمكان ما نواه فكيف يحصل له؟ و لو نوى رفع الحدث مطلقا،فالأقرب:صرفه إلى الصحة،حملا على ما مضى.

و هل يشترط مع نية الاستباحة نية رفع الماضي؟الوجه:انّه يبني على العبارات السالفة.

الثانية: لو نوى رفع حدث معيّن واقع ارتفع الجميع،لتوقف رفع الخصوصية على رفع الجميع،لأنّ النوم و البول لا ترتفع حقيقتهما و إنما يرتفع حكمهما،و هو شيء واحد تعددت أسبابه.و لا يشترط التعرّض لها،فإذا تعرّض لها مضافا الى سبب واحد،لغت الإضافة إلى السبب و ارتفع.

و لو جمع بين نية رفعه،و نية بقاء غيره من الأحداث الواقعة،ففيه وجهان:

البطلان،لتناقض القصد.و الصحة،لأنه نوى أمرا فيحصل له عملا

ص: 110

بالحديث (1)،و هو يستلزم ارتفاع غيره،و لا فرق بين كون المعيّن آخر الأحداث أو لا لأن الخصوصية ملغاة،و المرتفع إنّما هو القدر المشترك المانع من الصلاة.

و الأقرب:الأول،و عليه يتخرّج استباحة صلاة معيّنة نفي غيرها أولا.

هذا في وضوء الرفاهية،و اما وضوء المضطر فإنّه ينوي استباحة الصلاة مطلقا أو الصلاة الواحدة،فلو زاد على الواحدة لغت نيته و استباح الواحدة.و لو نوى استباحة النافلة هنا لم يستبح الفريضة به،لأن وضوءه لا يبيح أزيد من واحدة على ما مر.

و لو نوى استباحة صلاة و عدم استباحتها،فالوجه:البطلان،لتلاعبه مع التناقض-و به يعرف وجه الأقرب السالف-،و المنوي إنّما يحصل إذا كان ممكنا، و هنا قد نوى المتنافيين فلو حصلا اجتمعا،و حصول أحدهما ترجيح بغير مرجح.

و لو نوى رفع حدث غير واقع،أو استباحة صلاة قد فعلها متعمدا،بطل قطعا،لأنّه كلا نيّة.و ان كان غلطا في اللفظ،لم يضر مع وجود القصد الصحيح.

و إن كان غلطا في القصد،فالأقرب:البطلان،لعدم النية المعتبرة،و كذا لو ظنه واقعا فبان غير واقع.

الثالثة: لو نوى وضوء مطلقا لم يكف،لاشتراكه بين الواجب و الندب، و المبيح و غيره.و لو نوى الكون على الطهارة،فالأقرب:الصحة،لأن الطهارة تمتنع بدون رفع الحدث.

و لو نوى استباحة ما الطهارة مكملة له-كقراءة القرآن،و دخول المساجد- فالأقرب:الصحة إن نوى إيقاعها على الوجه الأفضل،لتوقّفه على رفع الحدث.

و في نية الوضوء للنوم نظر،لأنه نوى وضوء الحدث.و ألحقه في المعتبر بالصحيح،لأنّه قصد النوم على أفضل أحواله (2)و لما في الحديث من استحباب النوم على طهارة و هو مشعر بحصولها.و لك أن تقول:لا يلزم من استحباب النوم0.

ص: 111


1- تقدم في ص 106 الهامش 1.
2- المعتبر 1:140.

على الطهارة صحة الطهارة للنوم،إذ الموصل الى ذلك وضوء رافع للحدث فلينو رفعه،أو استباحة مشروط،به لا مناف له.

و التحقيق:انّ جعل النوم غاية مجاز،إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها،فيكون من باب الكون على طهارة و هي غاية صحيحة.

و قطع في المبسوط بأن ينوي استباحة ما يشترط فيه الطهارة،فلا يصحّ الوضوء بنية غيره،لأنّه مباح من دونه (1).

قلنا:الإباحة لا كلام فيها،و إنّما الكلام في وقوع ذلك المنوي على الوجه الأفضل و ذلك غير حاصل من دون الطهارة،و لأنّهم جعلوا العلّة في فضيلة تلك الأفعال الطهارة،فكيف لا تحصل؟و لك أن تجيب بما مرّ.و من هذا يعلم ما لو نوى الجنب قراءة القرآن أو الجواز في المسجد.

و لو نوت الحائض بعد طهرها إباحة الوطء،فالأقرب:الصحة،لما قلناه و خصوصا على القول بحرمته قبل الوطء.و يحتمل البطلان،لأنّ الطهارة لحقّ اللّه و لحقّ الزوج فلا تبعض،بل تكلّف طهارة صالحة لهما.و يجاب:بأن القربة حاصلة،و أباحة الوطء على الكمال أو الصحة موقوف على رفع الحدث،فهما منويّان.

الرابعة: لو جدّد طهارة،فتبيّن فساد الأولى أو سبق الحدث،ففي ارتفاعه وجهان،من حيث عدم نيته،و من أن شرعية المجدد لتدارك الخلل و كمالية الطهارة،و هو قضية كلام الشيخ رحمه اللّه في المبسوط،مع أنّه شرط في الوضوء الواجب الاستباحة أو الرفع (2).

و اولى بالصحة لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا،لنية الاستباحة هنا.و يمكن المساواة،لعدم الجزم بالمنوي.و علّله في التذكرة بعدم نية5.

ص: 112


1- المبسوط 1:19.
2- المبسوط 1:19،25.

الوجوب (1).و يشكل:بانا نتكلم على تقديرها.

أما عكسه،أو الشاك في المتأخر من الطهارة و الحدث،ثمّ يتطهران،فإنّ طهارتهما صحيحة قطعا و إن تيقنا الحدث بعد،لأنّهما مخاطبان بالجزم و قد فعلاه.

و لو ذهل عن الطهارة فأتى بها جازما،ثم تبيّن أنّه كان قد فعلها على نوع خلل،فالصحة قوية لمطابقة الجزم الواقع.و أولى بالصحة ما لو شك بعد هذه فيما وقع فيه الخلل من الطهارتين.

الخامسة: لو ضم إلى النية منافيا،فالأقرب:البطلان،كالرياء،و الندب في الواجب،لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات.

و ظاهر المرتضى:الصحة،بمعنى:عدم الإعادة لا بمعنى حصول الثواب،ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرياء (2)،و هو يستلزم الصحة فيها و في غيرها مع ضمّ الرياء الى التقرّب.

و لو ضمّ اللازم كالتبرّد،قطع الشيخ و صاحب المعتبر بالصحة،لأنّه فعل الواجب و زيادة غير منافية (3).و يمكن البطلان،لعدم الإخلاص الذي هو شرط الصحة.و كذا التسخّن و النظافة.

السادسة: العاجز عن مباشرة الأفعال ينوي و ان كان المباشر غيره،لأنّه المكلّف و المباشر آلة.و لو نوى المباشر معه كان حسنا،لأنّه الفاعل حقيقة كذبح الهدي.و لا تجزئ نية المباشر وحده قطعا،لعدم جواز الاستنابة في النية،إذ هي مقدورة تعلّق مراد الشارع بها من المكلّف بعينه.

و لو زال عذره فطهارته باقية،لعدم ثبوت كون مثله حدثا،خرج الوقت أو لا،صلّى بها أو لا.

السابعة: اشتراط القربة يمنع صحة الطهارة من الكافر،و تقرّبه بمعتقده0.

ص: 113


1- تذكرة الفقهاء 1:15.
2- الانتصار:17.
3- المبسوط 1:19،المعتبر 1:140.

لا عبرة به،لأن التقرب إنّما يعتبر على الوجه الشرعي.

أما غسل الكافرة الطاهرة من الحيض تحت المسلم ليغشاها فقد جوزه قوم للضرورة (1)،و أورده الشيخ في الإيلاء من المبسوط (2)،و لو قيل بتسويغ الوطء من غير غسل للضرورة كان قويا،و ارتكاب هذه الضرورة أولى من ارتكاب شرع غسل بغير نية صحيحة،و لأنهم منعوا من طهارة المرتد مع تحرّمه بالإسلام على الإطلاق (3)،فالكافر الأصلي أولى.

و العامة لما لم تكن القربة معتبرة عندهم حكموا بالصحة،و أبعد من الصحة غسل المجنونة من الحيض بتولي الزوج،إذ لا تكليف في حقها،و جوز الأمرين الفاضل (4)،و لم أره لغير العامة،و فرع عليه ما فرعوه من وجوب الإعادة بعد الإسلام و الإفاقة (5).

و لو ارتد المسلم في الأثناء بطل،لعدم البقاء على حكم النية،فإن عاد في موضع صحة العود بنى بنيّة مستأنفة أن بقي البلل و إلاّ أعاد،و لو ارتد بعده لم يبطل لسبق ارتفاع حدثه قيل ابتداء الوضوء في الردة باطل فكذا دوام حكمه.

قلنا:الفرق اشتراط النية الممتنعة من الكافر في الابتداء بخلاف الدوام، و لأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله فلا يتأثر بالردة السابقة و يعارض بالردة بعد الصلاة و الصوم،و كذا لا يبطل التيمم عندنا بالردة بعده لما قلناه،قالوا خرج بكفره عن الاستباحة،قلنا ما دام الكفر.

الثامنة: لو نوى قطع الطهارة في الأثناء،أو المنافي للنية،بطلت حينئذ.

فلو عاد استأنف النية و الوضوء إن جف،و إلاّ فالنية.و لو كان في أثناء الغسل كفاهة.

ص: 114


1- المغني لابن قدامة 8:129،الشرح الكبير 8:135.
2- المبسوط 5:140.
3- انظر:الخلاف 1:127،المسألة 69.
4- تذكرة الفقهاء 2:646.
5- المغني لابن قدامة 1:239.و انظر الخلاف 1:127،المسألة.

النية للباقي،لعدم شرط الموالاة فيه،و لو قدّر اشتراط الموالاة فيه-كغسل الاستحاضة-استأنفه.

و لو اشتغل عن الأفعال بغيرها مع استمرار حكم النية،لم يضر ما لم يجف البلل،و لا يحتاج إلى نية مستأنفة،و كذا الغسل،إلاّ مع طول الزمان،و يمكن عدم احتياجه فيه مطلقا مع بقاء الاستمرار الحكمي.

التاسعة: لو عزبت الاستدامة في الأثناء،و لمّا يحصل المنافي،لم يقدح و ان تقدمت عند السنن،لأنها من الوضوء.

قالوا:المقصود من العبادة واجباتها،و الندب تابع،فلا بدّ من بقاء النية إلى أول الواجبات.

قلنا:ذلك يسدّ باب تقدمها،لعدم فائدته،و لعسر البقاء.

و لو نوى المنافي حال الذهول،فهو كالمنافي حال النية بل أولى،لضعف الاستدامة الحكمية،و قوة الابتداء الحقيقي.

العاشرة: من عليه موجب ينوي الوجوب في طهارته ما دام كذلك.

فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بني على اعتبار الوجه،و الحدث يرتفع و إن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب،لأنّ وجوب الوضوء مستقرّ هنا عند سببه.

و لو كان خاليا عن الموجب،و نوى الندب أو الاستباحة أو الرفع،صحّ.

و لو نوى الوجوب بني على ما قلناه،و أولى بالصحة هنا،لدخول المندوب تحت الواجب،لاشتراكهما في ترجيح الفعل،و نية المنع من الترك مؤكدة.

و من قال بوجوب الوضوء لمجرد الحدث-كما قلنا فيما سلف-فالنية للوجوب أبدا،و قد احتمله الفاضل في النهاية (1)،و إنّما البحث على قول من جعل الموجب هو دخول الوقت،أو أحدهما بشرط الآخر،و هو معنى قولنا:انه يجب لغيره.

و وجه البطلان:عدم الإتيان به على وجهه.فعلى هذا لو صلّى به صلوات2.

ص: 115


1- نهاية الإحكام 1:32.

أعاد ما وقع بالطهارة الأولى،لأنّه صار مشغول الذمة بالواجب.هذا إن قلنا بصحة وضوء المحتاط به إذا صادف الوجوب،بشرط تخلّل الحدث،أو الذهول عن كونه متطهّرا،و الضابط أن يكون جازما بموجب نية الطهارة الثانية.

و لو شك في دخول وقت الموجب،بنى على الأصل و نوى الندب.فلو تبيّن الدخول ففيه الوجهان،و لو كان له طريق الى العلم فالبطلان أقوى.

و لو شك في اشتغال ذمته بالموجب،فالأصل:البراءة،فينوي الندب.و لو علم الاشتغال و شك في الخلو،فالأصل:البقاء،فينوي الوجوب.و لو ردد نيّته بين الواجب و الندب عند الشك،إمّا مطلقا أو على تقديرين،فالوجه:البطلان إن اعتبرنا نية الوجه،لعدم الجزم مع إمكان جزمه هنا.

و لو ظن الموجب في ذمته فتطهّر،ثم بان عدمه،فالصحة أقوى،عملا بامتثاله ما كلّف به.و يمكن البطلان،لعدم مطابقته الواقع.

و لو ظن براءة ذمته فنوى الندب،ثم ظهر الموجب،فهو كالمجدّد يظهر مصادفته الحدث.و مال في التذكرة إلى الصحة (1)و هو مشكل على أصله من اعتبار الوجه،و عدم الاجتزاء بالمجّدد.

و لو شرع في الطهارة قبل الموجب،ثم حصل في أثنائها،فالأقرب:

الاستيناف،لأنّها عبادة واحدة،و لو لم نعتبر الوجه لم نوجب الاستئناف.

الحادية عشرة:لتفريق النية صور:

الأولى: أن يفرد كلّ عضو أو بعضه بنية تامة،فيمكن الصحة،لأنّ إجزاء العامة يستلزم إجزاء الخاصة،لأنّها أقوى دلالة.و وجه المنع:انه عبادة واحدة متصلة فلا يفرد بعضها عن بعض،و للقطع بانّ صاحب الشرع لم يفعل ذلك.

الثانية: أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو،أو عنه و عن عضو آخر،فالبطلان هنا أولى،لأن حكم الحدث يرجع الى الجملة،فارتفاعه6.

ص: 116


1- تذكرة الفقهاء 1:16.

عنها مقصود و هو غير منوي.و يحتمل الصحة،لتوهم السريان إليها.

الثالثة: لو نوى في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة،ففيه الوجهان،و الأقرب:البطلان لما قلناه،و على السريان يصحّ.و ينسحب البحث لو نوى استباحة الصلاة لعضو عضو.

الثانية عشرة: لو أخلّ بلمعة،فغسلها في الثانية بنية الندب عمدا، بطلت.و لو كان جاهلا بها،ففيه الوجهان:الصحة،لاقتضاء النية الأولى وجوب الغسل فالطارئ لا يؤثر،و لأنّ شرعية المندوب إنّما هو بعد الفراغ من الواجب فقبله لا يشرع،فقصده ممتنع فيبقى على القصد الأول.و البطلان،لاختلاف الوجه و النية.و يؤيّد الأول:أنّ شرع الثانية للتدارك،فيحصل.

قال ابن الجنيد:و إنّما استحبت الثانية ليكمل بها ما لعلّه نقص في الأولى (1).و ينبّه عليه حسن زرارة و بكير عن الباقر(عليه السلام)في الغرفة الواحدة أ تجزي؟فقال:«نعم،إذا بالغت فيها،و الثنتان يأتيان على ذلك كلّه» (2).

و ربّما بني على أنّ نية المنافي بعد عزوب النية هل تؤثر أم لا؟و على ان الوضوء المنوي به ما يستحبّ له الطهارة يصحّ أم لا؟و قد سبقا.و قد ينازع في تصوّر البناء على الأصل الثاني،بناء على عدم صحة الوضوء المندوب قبل الواجب لمن عليه واجب.

الثالثة عشرة:طهارة الصبي تمرينا هل هي معتبرة؟ فيه وجهان-و كذا جميع عبادته-:نعم،لأمر الولي بأن يأمره و هو معنى الشرعي،و لأنه يستبيح الصلاة التي هي حرام على المحدث.و لا،لعدم التكليف في حقه،و صحة الصلاة الواقعة منه كطهارته.6.

ص: 117


1- مختلف الشيعة:22.
2- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:81 ح 211،الاستبصار 1:71 ح 216.

و هل ينوي الوجوب أو الندب؟الأجود الأول،ليقع التمرين موقعه، و يكون المراد بالوجوب في حقه ما لا بدّ منه،إذ المراد به الوضوء الواجب على المكلّف.و يمكن الثاني،لعدم وجه الوجوب في حقه،و هذا مطّرد في نياته كلّها.

و تظهر فائدة الحكم بالصحة فيما لو بلغ و طهارته باقية.و الشيخ قطع في المبسوط بأن الصبي و الصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة بما لا يبطل الطهارة أتمّا (1)، و هو يستلزم كون عبادتهما معتبرة شرعا.

و في الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت،محتجّا بأن الندب لا يجزي عن الواجب،و لم يذكر إعادة الطهارة (2).

و في المعتبر موافقة المبسوط في الصبية (3).

و الفاضل يوجب إعادة الطهارة و الصلاة،بناء على عدم كونهما شرعيين (4).

الرابعة عشرة:يجب مقارنتها لأعلى الوجه، لما سيأتي إن شاء اللّه من وجوب البدأة بالأعلى.و لو قلنا بعدمه،جازت المقارنة لأي جزء اتفق،حتى لو غسل مع المضمضة أو الاستنشاق جزءا من الوجه مع النية كان مجزئا.

الخامسة عشرة: لا ريب أن غسل اليدين المستحب من سنن الوضوء، و أبلغ منه المضمضة و الاستنشاق،فلو نوى عندها الوضوء أثيب عليها،و إلاّ فإن نواها خاصة أثيب و إلاّ فلا.

و هل السواك و التسمية من سننه حتى تقع عندهما النية؟ظاهر الأصحاب و الأحاديث أنّها من سننه،و لكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النية عندهما،و لعلّه لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.

السادسة عشرة:ذو الجبيرة ينوي رفع الحدث، لانتقال الفرض إليها،و كذا الماسح على الخف حيث يجوز.و يتخرّج على قول من قال بإعادة الوضوء لو زال5.

ص: 118


1- المبسوط 1:73.
2- الخلاف 1:306 المسألة 53.
3- المعتبر 2:103.
4- تذكرة الفقهاء 1:15.

العذر،أنّه ينوي الاستباحة كالمتيمّم و المستحاضة.

السابعة عشرة: لو نوى استباحة السجدة المنسية أو المرغمتين صح قطعا.

و لو نوى استباحة سجدة العزيمة أو مسّ المصحف،بني على اشتراط الطهارة فيهما،فإن قلنا به ارتفع حدثه،و إلاّ بني على الأكمل.

و لو نوى سجدة الشكر بني على الأكمل قطعا،لاتفاقنا على عدم اشتراط الطهارة فيها.

الثامنة عشرة: لو نوى فرض الوضوء للقربة،فعلى القول بالاكتفاء بها و بالوجه تجزئ قطعا،و على اعتبار الرفع أو الاستباحة يمكن الإجزاء لأنّا نعلّل الفرضية بهما،فقد نوى موجب الرفع أو الاستباحة فهو كنيتهما،و الأقرب:المنع، لأنّه لا تلازم بينهما في التصور.و لو قدّر حضور أحدهما عند حضور الفريضة زال الإشكال.

الواجب الثاني:غسل الوجه.

و هو أول الأركان الظاهرة،و وجوبه بالنص و الإجماع،قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1)و الإجماع على وجوبه.

و يجب استيعابه،للآية.و حدّه طولا:من قصاص مستوي الخلقة إلى طرف الذقن-بالذال المعجمة المفتوحة و فتح القاف-،و عرضا:ما اشتملت عليه الإبهام و الوسطى،لأنّه القدر الذي غسله النبي صلّى اللّه عليه و آله بنقل أهل البيت (عليهم السلام) (2)و القدر الذي رواه المسلمون،و قد رواه الأصحاب:

فقال ابن الجنيد:كذلك الرواية عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام).

و في الكافي و التهذيب عن حريز عن زرارة،قلت له:أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي له أن يوضّأ الذي قال اللّه تعالى؟فقال:«الوجه الذي أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله،الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه،إن زاد عليه لم

ص: 119


1- سورة المائدة:6.
2- انظر الوسائل،كتاب الطهارة،أبواب الوضوء،الباب 15.

يؤجر،و ان نقص منه أثم،ما دارت عليه (1)السبابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن،و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه،و ما سوى ذلك فليس من الوجه».قلت:الصدغ ليس من الوجه؟ قال:«لا» (2).

و في الفقيه:قال زرارة لأبي جعفر(عليه السلام):أخبرني عن حدّ الوجه؟..

الحديث بعينه (3)،و هو الدليل انّ المضمر هناك هو الباقر(عليه السلام)،مع ما رواه ابن الجنيد.و الشيخ في الخلاف أسنده عن حريز عن أحدهما(عليهما السلام) (4)،و تبعه في المعتبر (5).

و عن إسماعيل بن مهران:كتبت الى الرضا(عليه السلام)أسأله عن حدّ الوجه؟فكتب إليّ:«من أول الشعر الى آخر الوجه» (6).

و عن زرارة سألت أبا جعفر(عليه السلام):انّ أناسا يقولون إنّ الأذنين من الوجه و ظهرهما من الرأس!فقال:«ليس عليهما غسل،و لا مسح» (7).

قال في التهذيب:و ليس الوجه ما يواجه به،و إلاّ كان الأذنان و الصدر بل كلّ ما يواجه به منه،و هو فاسد (8).

قلت:و لو سلّم هذا لم يدلّ على الزائد،لأنّ آخر الصدغين و البياض الذي عند الأذنين لا تحصل بهما حقيقة المواجهة،و انما لم يحدّ اللّه الوجه كما حدّ اليدين و الرجلين،لاتحاد مسمّاه و وجوب إيعاب جميعه بخلافهما.4.

ص: 120


1- ليست في م،س.
2- الكافي 3:27 ح 1،التهذيب 1:54 ح 154.
3- الفقيه 1:28 ح 88.
4- الخلاف 1:76 المسألة 23.
5- المعتبر 1:141.
6- الكافي 3:28 ح 4،التهذيب 1:55 ح 155.
7- الكافي 3:29 ح 10،التهذيب 1:55 ح 156،الاستبصار 1:63 ح 187.
8- التهذيب 1:54.

و يجب البدأة بأعلى الوجه الى آخر الذقن-في الأصح-فلو نكس بطل، لصحيح زرارة بن أعين،قال:حكى لنا (1)أبو جعفر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فدعا بقدح و ماء،فادخل يده اليمنى و أخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه،ثم مسح بيده الحاجبين جميعا،ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى،ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء،ثمّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى،ثم مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الماء (2).

و لأن الوضوء الذي وقع من النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بيانا و قال:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به» (3)-اي:بمثله-يمتنع ان يكون البدأة فيه بغير الأعلى،و إلاّ لما جازت البدأة بالأعلى.

و المرتضى و ابن إدريس:يستحبّ،فيصح النكس (4)،للعموم،و لصحيح حماد بن عثمان عن الصادق(عليه السلام):«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» (5).

قلنا:العموم يخصّ بدليل،و المسح غير الغسل.

و هنا مباحث:

الأول: هذا التقدير للأغلب من الناس،فغيره-كالأنزع (6)و الأغم (7)و طويل الأصابع و قصيرها-يرجع الى الأغلب،حملا للّفظ على الحقيقة العرفية، مع التمسّك بأصل البراءة في الزائد،و بشغل الذمة في الناقص.م.

ص: 121


1- في م،س:لي.
2- التهذيب 1:55 ح 157،الاستبصار 1:58 ح 171،و في الكافي 3:24 ح 1 بتفاوت.
3- السنن الكبرى 1:80.
4- الانتصار:16،المسائل الموصلية 1:213،السرائر:17.
5- التهذيب 1:58 ح 161،الاستبصار 1:57 ح 169.
6- الأنزع:هو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته،الصحاح-مادة نزع.
7- الأغم:من الغمم،و هو أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة أو القفا،الصحاح-مادة غمم.

الثاني: قال الفاضلان:لا يجب غسل العذار،لعدم تناول اللّفظ له، و للأصل:و أولى منه البياض الذي بين الاذن و العذار (1).

و في المبسوط:و اهداب العينين و العذار و الشارب و العنفقة إذا غسلها أجزأه،و لا يجب عليه إيصال الماء الى ما تحتها (2).

و في الخلاف:لا يجب إيصال الماء إلى أصل شيء من شعر الوجه،مثل:

شعر الحاجبين،و الأهداب،و العذار،و الشارب،بالإجماع (3).

و ابن أبي عقيل-لما ذكر حدّ الوجه-قال:و ما سوى ذلك من الصدغين و الأذنين فليس من الوجه،و لم يذكر العذار فإطلاقه قد يشمله.

و قال ابن الجنيد:و كلّ ما أحاط به الشعر و ستره من بشرة الوجه،اعني:

شعر العارضين و الشارب و العنفقة و الذقن،فليس على الإنسان إيصال الماء اليه بالتخليل،و انّما عليه إجراء الماء على الوجه و الساتر له من الشعر.

و ظاهر هذه العبارات وجوب غسل العذار.

قلت:العذار:ما حاذى الاذن يتّصل أعلاه بالصدغ،و أسفله بالعارض.

و العارض:الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن نابتا على اللحية،و الذقن تحته:و هو مجمع اللحيين.و العنفقة:الشعر الذي على الشفة السفلى بين بياضين غالبا.و الصدغ:ما حاذى العذار فوقه.

و قد تضمّنت الرواية المشهورة سقوط غسله (4)و فيها إيماء إلى سقوط غسل العذار (5)مع أنّ الإبهام و الوسطى لا يصلان اليه غالبا،و مع ذلك فغسل العذار أولى أخذا بالاحتياط،و لأنّ العارض يجب غسله قطعا و هو متّصل بالعذار و قريب2.

ص: 122


1- المعتبر 1:141،منتهى المطلب 1:57،نهاية الإحكام 1:36.
2- المبسوط 1:20.
3- الخلاف 1:77 المسألة 25.و فيه زيادة:و العنفقة.
4- اي الصدغ.
5- تقدّمت في ص 121 الهامش 2.

من محاذاته.و كذا شعر الخدّين يجب غسله مع اتصال العذار به،و لعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار.

و ظاهر الراوندي-في الأحكام-غسل الصدغين (1)و الرواية تنفيه.

الثالث: لا يجب غسل النزعتين-و هما:البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين-كما لا يجب غسل الناصية،و لأنّ القصاص غالبا في حدّ التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس،لأن ميل الرأس إلى التدوير و النزعتان و الناصية في محل التدوير.

أما مواضع التحذيف-بالذال المعجمة،و هو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار و النزعة،أو ما بين الصدغ و النزعة،و تحذف النساء و المترفون الشعر منه-فالأحوط انّها من الوجه،لاشتمال الإصبعين على طرفها غالبا، و لوقوعها في التسطيح و المواجهة.و قطع في التذكرة بعدمه،لنبات الشعر عليه متّصلا بشعر الرأس (2)و لقضية الأصل،و ما أشبهها بالعذار فلتكن بحكمه.

و العجب أنّ العامة مجمعة على إدخال العذارين في الوجه،و مختلفون في مواضع التحذيف،قال كثير منهم بعدم دخولها (3)مع محاذاتها العذارين و دخولها في التسطيح،و هذا يضعف التحديد بالتسطيح.و على كل حال يجب عندنا غسل ما ناله الإصبعان منها غالبا.

و لا يرد على تحديد الوجه:داخل العين و الفم و الأنف،لعدم وجوب غسلها قطعا،لأنّ المراد ظاهر ما بين القصاص و منتهى الذقن،و لهذا ينتقل الفرض الى الشعر النابت على الوجه.

و بالتحديد يخرج المسترسل من اللحية طولا و عرضا،فلا يجب غسله،و لا إفاضة الماء على ظاهره،لعدم اتصاف فاقد اللّحية بنقص الوجه.و الخبر عن النبي6.

ص: 123


1- فقه القرآن 1:13.
2- تذكرة الفقهاء 1:16.
3- راجع:المجموع 1:371،المغني 1:128،المبسوط للسرخسي 1:6.

(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه رأى رجلا غطّى لحيته و هو في الصلاة،فقال:«اكشف لحيتك،فإنّها من الوجه» (1)ضعّفه العامة،و لو سلّم حمل على غير المسترسل منها.

الرابع: المشهور عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه،خفّ كلّه أو كثف كلّه أو تبعّض،لرجل كان أو لامرأة،حتى لا يجب تخليل لحية المرأة،نصّ على ذلك كلّه (2):الشيخ في المبسوط (3)و صاحب المعتبر،لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ظاهرا فلا يتتبع (4)غيره.

و لصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)-رواه الصدوق-:«كلّ ما أحاط به الشعر،فليس على العباد أن يطلبوه،و لا أن يبحثوا عنه،لكن يجرى عليه الماء»،و هو شامل للمدعى (5).

و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في الرجل يتوضأ أ يبطّن لحيته؟قال:«لا» (6).

و لما يأتي إن شاء اللّه من حديث المرّة في الوضوء.

و ما رووه:ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه (7)و لا يبلغ ماء الغسلة الواحدة أصول الشعر و خصوصا مع الكثافة،مع أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان كثّ اللحية كما وصفه به علي(عليه السلام) (8).8.

ص: 124


1- تلخيص الحبير 1:318.
2- ليست في س.
3- المبسوط 1:20،22.
4- في س،ط:يتبع.
5- المعتبر 1:142. و صحيح زرارة في الفقيه 1:28 ح 88.
6- الكافي 3:28 ح 2،التهذيب 1:360 ح 1084.
7- صحيح البخاري 1:47-48،سنن أبي داود 1:34 ح 137،سنن النسائي 1:74.
8- أمالي الطوسي 1:350،و نحوه في مسند أحمد 1:116،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8:74 ح 6278.

و لان كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة فلا يجب غسله كالساتر للجميع لقيام المواجهة فيه.

و ابن الجنيد ذكر ما مضى،ثم قال:و متى فرجت اللحية،فلم تكن تتوارى بنباتها البشرة من الوجه،فعلى المتوضّئ غسل الوجه كما كان قبل أن ينبت الشعر،حتى يستيقن وصول الماء الى بشرته التي يقع عليها حسّ البصر إمّا بالتخليل أو غيره،لأنّ الشعر إذا ستر البشرة قام مقامها فإذا لم يسترها كان على المتطهّر إيصال الماء إليها (1).

و قال المرتضى:و من كان ذا لحية كثيفة تغطّي بشرة وجهه،فالواجب عليه غسل ما ظهر من بشرة وجهه،و ما لا يظهر ممّا تغطيه اللحية لا يلزم إيصال الماء اليه،و يجزئه إجراء الماء على اللحية من غير إيصال إلى البشرة المستورة.ثم حكى عن الناصر وجوب غسل العذار بعد نبات اللّحية كوجوبه قبل نباتها،قال-رحمه اللّه-:هذا غير صحيح،و الكلام فيه قد بينّاه في تخليل اللحية،و الكلام في المسألتين واحد،لأنّا قد بينّا انّ الشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض اليه (2).

فحمل الفاضل-رحمه اللّه-كلامهما في التذكرة على وجوب تخليل الشعر الخفيف،سواء كان الغالب فيه الخفة و الكثافة نادرة كما عدا اللحية أو لا كاللّحية.و أوجب غسل الشعر الساتر و منبته،و حكم بأنّ غسل أحدهما لا يجزئ عن الآخر (3).

و كلامهما يحتمل قصر الوجوب على غسل البشرة التي لا شعر عليها،كقول ابن الجنيد:التي يقع عليها حسّ البصر،و كلام السيد أظهر في المراد،و ذلك غير التخليل بالتفسير الذي ذكره،و لا يخالف الشيخ (4)و الجماعة فيه.و في المختلف0.

ص: 125


1- مختلف الشيعة:21.
2- الناصريات:220.
3- تذكرة الفقهاء 1:16.
4- المبسوط 1:20.

ظاهره ما فسرنا كلامهما به،لأنّه احتجّ عليه بوجوب غسل الوجه،و إنّما ينتقل الفرض إلى اللحية مع الستر لأنّه يواجه بها حينئذ،أمّا مع رؤية الوجه فإنّ المواجهة به دون اللحية (1).و هذا غير صريح في وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر،إنّما هو صريح في وجوب غسل ما لا شعر فيه من الوجه.

و ما في التذكرة مع مخالفته ظاهر الأصحاب يخالف مشهور العامة أيضا (2)، لأنّ الضابط عندهم أنّ ما عدا شعر اللحية يجب تخليله و إن كثف،فيجب غسل بشرته و شعره لندور الكثافة فيه فيلحق بالغالب،و لأنّ بياض الوجه محيط به،إمّا من كلّ جانب-كالحاجبين و الأهداب-أو من جانبين-كالعذارين و الشاربين-، فيجعل موضعها تبعا لما تحيط به.

و شعر اللحية يجب تخليله مع الخفّة لا مع الكثافة.و نعني بالخفيف:ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب،أو ما يصل الماء الى منبته من غير مبالغة،و قد يؤثّر الشعر في أحد الأمرين دون الآخر بحسب السبوطة و الجعودة.

و الكثيف يقابله في الأمرين.

و لو كان بعض الشعر خفيفا و بعضه كثيفا وفّي مقتضى كلّ عليه،على القول بالتخليل.

الخامس: إذا لم نقل بوجوب التخليل،فالأولى:استحبابه استظهارا و لو مع الكثافة،لما رووه ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فعله (3).

و روينا في الجعفريات انّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«أمرني جبرئيل عن ربي أن اغسل فنيكيّ عند الوضوء» (4).و هما جانبا العنفقة،أو طرف اللحيين عندها.و في الغريبين:مجمع اللحيين و وسط الذقن.و قيل:هما العظمان8.

ص: 126


1- مختلف الشيعة:22.
2- راجع:الام 1:25،المغني 1:128،مغني المحتاج 1:51،بدائع الصنائع 1:3.
3- السنن الكبرى 1:54.
4- الجعفريات:18.

الناشزان أسفل من الأذنين.و قيل:هما ما يتحركان من الماضغ دون الصدغين (1).

و عنه(صلّى اللّه عليه و آله):انّه كان ينضح غابته (2).و هي:الشعر تحت الذقن.و انّ عليا(عليه السلام)كان يخلّل لحيته (3).

و ما مر ممّا يدل على نفي التخليل يحمل على نفي الوجوب جمعا بين الأخبار.

و حينئذ بطريق الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا و عرضا، و صرح به ابن الجنيد.

و في خبر زرارة الصحيح عن الباقر(عليه السلام)في حكاية وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«ثم غمس كفه في الماء،ثم وضعه على جبينه و سيّله على أطراف لحيته،ثم أمرّ يده على وجهه و ظاهر جبينه مرة واحدة» (4).و في الكافي:«و سدله على أطراف لحيته» (5).و الأول رواية ابن بابويه.

و في التذكرة اختار استحباب تخليل اللحية الكثيفة،و استحباب إكثار الماء للوجه،عملا بما رووه عن علي(عليه السلام)من فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله).

و استحباب مسح المأقين بالإصبعين لإزالة الرّمص،لفعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (6).قلت:رواه من فعله أبو امامة،و لم أره من طريقنا و لكنه حسن6.

ص: 127


1- لاحظ:لسان العرب و تاج العروس مادة-فنك-و الغريبين:مخطوط.
2- الجعفريات:18.
3- الجعفريات:18.
4- الفقيه 1:24 ح 74.
5- الكافي 3:25 ح 4.
6- تذكرة الفقهاء 1:16. و رواية علي(عليه السلام)في سنن أبي داود 1:29 ح 117. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله رواه أحمد في مسنده 5:258،أبو داود في سننه 1:33 ح 134، البيهقي في سننه 1:66.

للاستظهار،و لو حال الرمص بين الماء و البشرة الظاهرة وجب.

و المأق:طرف العين الذي يلي الأنف،يهمز و لا يهمز،و يقال.

و غيره،و ست لغات أخر.و الطرف الأخر للعين اللّحاظ.

و لا يستحب غسل باطن العين للأصل،بل ربّما كره للأذى.و فعل ابن عمر ليس بحجّة،مع انه روي أنّه عمي منه (1).

السادس: لا يستحب غسل الأذنين و لا مسحهما،بل هو بدعة،قاله المفيد (2).

و قد روى زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قلت:انّ أناسا يقولون أنّ بطن الأذنين من الوجه،و ظهرهما من الرأس!فقال:«ليس عليهما غسل،و لا مسح» (3).

و في رواية محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):«الأذنان ليستا من الوجه،و لا من الرأس» (4).

و ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«الأذنان من الرأس» (5)لم يثبت، و لو صحّ لم يدلّ على مسحهما،لاختصاص المسح بالمقدّم كما يأتي إن شاء اللّه و اما رواية عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)من كونهما من الرأس فتمسحان (6)فهي تقية في النقل و الفعل،إذ قد علم ضرورة من مذهب أهل البيت خلاف ذلك.

و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):«سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه8.

ص: 128


1- احكام القرآن للجصاص 2:366،بدائع الصنائع 1:4،المبسوط للسرخسي 1:6.
2- المقنعة:5.
3- الكافي 3:29 ح 10،التهذيب 1:55 ح 156،94 ح 249،الاستبصار 1:63 ح 187.
4- الكافي 3:29 ح 2.
5- المصنف لابن أبي شيبة 1:17،مسند أحمد 5:258،268،سنن ابن ماجة 1:152 ح 444، سنن أبي داود 1:33 ح 134،سنن الدار قطني 1:97.
6- التهذيب 1:62 ح 169،الاستبصار 1:63 ح 188.

و بصره» (1)لا يدلّ على أنّهما من الوجه الذي يجب غسله،لأنّ الإضافة تصدق بالمجاورة.

السابع: لو غسل الشعر ثم زال لم يفسد الوضوء،فإذا أحدث عاد الفرض إلى البشرة.و الأقرب:وجوب غسل جزء من كل حدّ الوجه،لتوقّف الواجب عليه.

الثامن: لا بدّ في الغسل من الجريان،لتبعيّة الاسم له.و عليه تحمل روايات الدهن:

كرواية يعقوب بن عمار عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه:«انّ عليا (عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدّهن الذي يبلّ الجسد» (2).

و رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)في غسل الجنابة:«إنّما يكفيك مثل الدّهن» (3).

و رواية زرارة و محمد بن مسلم عنه(عليه السلام):«انما الوضوء حدّ من حدود اللّه،ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه،فإنّ المؤمن لا ينجسه شيء إنّما يكفيه مثل الدّهن» (4).

و انما حملنا الدّهن على الجريان توفيقا بينه و بين مفهوم الغسل،و لأنّ أهل اللغة يقولون:دهن المطر الأرض إذا بلّها بلا يسيرا.

و قيّد الشيخان-رحمهما اللّه-إجزاء الدّهن بالضرورة من برد أو عوز الماء (5)5.

ص: 129


1- صحيح مسلم 1:534 ح 771،سنن ابن ماجة 1:335 ح 1054،سنن أبي داود 2:60 ح 1414،الجامع الصحيح 2:474 ح 580،سنن النسائي 2:222.
2- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414،عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام).
3- التهذيب 1:137 ح 384.
4- الكافي 3:21 ح 2،التهذيب 1:138 ح 387.
5- المقنعة:6،النهاية:15.

لرواية محمّد الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«أسبغ الوضوء إن وجدت ماء، و إلاّ فإنّه يكفيك اليسير» (1).و لعلّهما أرادا به ما لا جريان فيه أو الأفضلية كمنطوق الرواية.

التاسع: قال المرتضى-رحمه اللّه-:لا يجب الدّلك في غسل الأعضاء، لصدق الغسل بدونه (2).

و يلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه (3)لحكاية وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (4)و لأنّه المعهود في الغسل.

قلنا:لا ريب أنّه الغالب في الاستعمال،و لا يلزم منه الوجوب،مع أنّه قال في موضع آخر:يوصل الماء الى العضو بالصب أو الغمس،قاله في الجبائر.

تنبيه:

قال في البشرى:لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه،لما يتضمن من بقاء آن بعد الغسل يلزم منه استئناف،قال:و لو نوى الغسل بعد خروجه من الماء أجزأ،إذ على العضو ماء جار فيحصل به الغسل.

و يمكن أن يقال:المراد بماء الوضوء الممسوح به ما تخلّف بعد الحكم بالغسل،و العضو الخارج من الماء محكوم بغسله،و أجزاء الغسل بعد الإخراج بعيد،لعدم صدق اسم الغسل عليه،و مع ذلك منعه من المسح قوي.

الواجب الثالث:غسل اليدين.
اشارة

و هو بالنص و الإجماع.و يجب غسل المرفقين إجماعا-الاّ من شذّ من

ص: 130


1- التهذيب 1:138 ح 388،الاستبصار 1:123 ح 418.
2- الناصريات 221 المسألة 32.
3- مختلف الشيعة:23.
4- الكافي 3:24 ح 1-5،الفقيه 1:24 ح 74،التهذيب 1:75 ح 190.

العامة (1)-لقوله تعالى إِلَى الْمَرافِقِ (2)و مجيء«إلى»بمعنى:(مع)كثير، فيحمل عليه توفيقا بينه و بين فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمة عليهم السلام،و لأن الغاية حيث لا مفصل محسوس تدخل في المغيا،و لدخول الحدّ المجانس في الابتداء و الانتهاء،مثل:بعت الثوب من هذا الطرف الى هذا، و لرواية جابر:كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه (3).

و روي:أنّه أدار الماء على مرفقيه،ثم قال:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به» (4).

و روينا عن بكير و زرارة ابني أعين أنّهما سألا الباقر(عليه السلام)عن وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفّيه،ثم غمس كفه اليمنى في التور،فغسل وجهه و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه،ثم غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء،فغسل به اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين،ثم غمس يده اليمنى فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع باليمنى،ثم مسح رأسه و قدميه الى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدّد ماء (5).

و عن الهيثم بن عروة عن الصادق(عليه السلام):ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه،و قال:تنزيل الآية:«من المرافق» (6)عنى به(عليه السلام)معناها.

و تجب البدأة بالمرفق للتأسّي،و لو نكس فالخلاف فيه كالوجه.9.

ص: 131


1- كابن داود و زخر و الطبري و بعض أصحاب مالك،راجع:المجموع 1:385،احكام القرآن للجصاص 2:341،التفسير الكبير 11:159،بداية المجتهد 1:10.
2- سورة المائدة:6.
3- سنن الدار قطني 1:83،السنن الكبرى 1:56.
4- لاحظ السنن الكبرى 1:80 و هامش 6 ص 127.
5- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
6- الكافي 3:28 ح 5،التهذيب 1:57 ح 159.

لنا:انّ الوضوء المحكي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لم ينكس فيه (1)و الا لما أجزأ غيره.و لأنّه في وصف الباقر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بطريق زرارة و أخيه:فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء الى المرفق.و كذا في غسل يده اليسرى (2)،و كذا في خبر الهيثم عن الصادق (عليه السلام)،و«الى»في الآية كما مرّ (3)و لو كانت لانتهاء الغاية لم يضر لجواز إرادة غاية المغسول،لأنّ اليد تصدق على غير المغيا فهي مسمّى اليد،فتبقى كيفية الغسل مثبتة بالسنّة.

و يجب تحريك الخاتم و السوار و الدملج (4)أو نزعه إذا لم يعلم جري الماء تحته،لصحيح علي بن جعفر عن أخيه الكاظم(عليهما السلام)في الثلاثة (5).

و حكم غيرها حكمها،و لو كان واسعا استحبّ تحريكه استظهارا.

فروع:
الأول:الأقرب:وجوب تخليل الشعر لو كان على اليد و ان كثف،

لتوقّف غسل اليد عليه.و هل يجب غسله؟الأقرب ذلك،لأنّه من توابع اليد.

و يجب غسل الظفر و ان خرج عن حدّ اليد،لأنّه من أجزائها.و الفرق بينه و بين فاضل اللحية اتصاله بمتّصل دائما.و لو كان تحته وسخ لا يمنع من وصول الماء استحبّ إزالته،و لو منع وجب إلاّ مع المشقة،لنفي الحرج.

الثاني:لو ثقبت يده وجب إدخال الماء الثقب لأنّه صار ظاهرا،

فلو التحم سقط.و لو كان في يده سلعة (6)وجب غسلها و تخليل غضونها (7)و ما تحتها،لشمول

ص: 132


1- تقدم في الصفحة السابقة.
2- راجع الهامش 5،في الصفحة السابقة.
3- راجع الهامش 6،في الصفحة السابقة.
4- الدملج:شيء كالسوار تلبسه المرأة في عضدها.مجمع البحرين-مادة دملج.
5- قرب الاسناد:83،الكافي 3:144 ح 6،التهذيب 1:85،ح 221،222.
6- السلعة:زيادة في الجسد كالغدة و تتحرك إذا حركت،مجمع البحرين-مادة سلع.
7- الغضن:مكاسر الجلد و الدرع و غيرهما،الصحاح-مادة غضن.

الاسم لها.

الثالث:يجب غسل الكفّ و الإصبع و الذراع الزوائد تحت المرفق،

لتبعية اليد.

و لو كانت له يد زائدة غير متميزة عن الأصلية وجب غسلهما من باب مقدمة الواجب،و لو تميّزت غسلت الأصلية خاصة دون الزائدة.و عليه يحمل إطلاق المبسوط:بعدم وجوب غسل الزائدة فوق المرفق،إلاّ أن تكون تحت المرفق فتغسل أيضا للتبعية (1).

و يمكن وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا،كما هو ظاهر الشرائع و المختلف (2)،للعموم.و ان يغسل من الزائدة ما حاذى مرفق الأصلية إلى آخرها، تنزيلا له منزلة ما خلق تحت المرفق.و يضعف بتبعيته لأصله الذي هو في غير محل الفرض.

و تعلم الزائدة (3)بالقصر الفاحش،و نقص الأصابع،و فقد البطش و ضعفه.

و لو تدلّى جزء من غير المحل الى المحل،أو من المحل الى المحل،وجب غسله.و لو تدلّى من المحل الى غير المحل سقط غسله،لخروجه عن المسمى.

و يمكن الوجوب،كالظّفر الطويل.

و لو انفصل من أحد المحلّين،فالتحم رأسه في الآخر،و تجافى الوسط،فهو كالنابت في المحلين:يغسل ما حاذى محل الفرض ظاهره و باطنه.

الرابع:لو قطعت اليد من تحت المرفق وجب غسل الباقي،

لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).و لو قطعت من فوق المرفق سقط الفرض.نعم،يستحبّ

ص: 133


1- المبسوط 1:21.
2- شرائع الإسلام 1:21،مختلف الشيعة:23.
3- في م:الزيادة.
4- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.

غسل الباقي من العضد،لقول أبي الحسن الكاظم(عليه السلام)في مقطوع اليد من المرفق:«يغسل ما بقي»،رواه عنه علي أخوه في الصحيح (1).

و في قوله(عليه السلام)إشارة إلى استحباب غسل العضد مع اليد،كما روى العامة استحباب تطويل الغرّة و التحجيل (2)و به استدلوا على مسح المقطوع باقي العضد (3).

و ابن الجنيد أطلق غسل الباقي من عضده (4)و لعلّه أراد الندب إذ لا قائل بالوجوب.

و لو قطعت من مفصل المرفق،فالأقرب:وجوب غسل الباقي،لأنّ المرفق مجموع عظم العضد و عظم الذراع،فإذا فقد بعضه غسل الباقي.

و في المعتبر:لو قطعت من المرفق استحبّ مسح موضع القطع بالماء (5).فإن أراد دخول المرفق في القطع كما في المبسوط (6)فذاك،و إلاّ فالأقرب الوجوب،إلاّ أن يبنى على أنّ غسل الجزء الأعلى إنّما وجب لأنه من باب المقدّمة فلم يجب بالأصالة.و هذا يتم إذا جعلت«الى»لانتهاء الغاية،و لو جعلت بمعنى«مع» فغسله مقصود،إلاّ أن يقال:المرفق طرف عظم الساعد لا مجموع العظمين.

و روى رفاعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الأقطع اليد أو الرجل كيف يتوضأ؟قال:«يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» (7)و هو مطلق.

و لو قطعت يده (8)أو بعضها بعد الوضوء لم يجب غسل ما ظهر منها-كما لوه.

ص: 134


1- الكافي 3:29 ح 9،الفقيه 1:30 ح 99،التهذيب 1:360 ح 1086.
2- صحيح مسلم 1:216 ح 246،معرفة السنن 1:244،السنن الكبرى 1:77.
3- راجع:المجموع 1:428،فتح العزيز 1:422.
4- مختلف الشيعة:23.
5- المعتبر 1:144.
6- المبسوط 1:21.
7- التهذيب 1:359 ح 1078.
8- في س:يداه.

قلّم ظفره أو جزّ شعره-و يجب في طهارة أخرى.

الخامس:لو احتاج المريض أو الأقطع إلى معين وجب تحصيله،

و لو بأجرة و إن زادت عن المثل-على الأقرب-مع القدرة،لوجوب المقدمة.و يمكن منع وجوب الزائد عن اجرة المثل،للضرر.و لو تعذّر،تيمّم إن أمكن،و إلاّ فهو فاقد للطهور،و قد سبق.

الواجب الرابع:مسح الرأس.
اشارة

للنص،و الإجماع،و

فيه مسائل:
الأولى:يختص المقدّم بإجماعنا،

لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مسح بناصيته في الوضوء البياني-رواه المغيرة بن شعبة (1)-و حكى عثمان وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):فمسح رأسه مرة واحدة و لم يستأنف له ماء جديدا (2)و لما في وصف الباقر(عليه السلام) (3).

و عن محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام):«مسح الرأس على مقدّمه» (4).

و تحمل رواية الحسين بن أبي العلاء عنه(عليه السلام)بمسح مقدّم الرأس و مؤخّره (5)على التقية،إذ هي خلاف إجماع الإمامية.

الثانية:الواجب في المقدّم مسمّى المسح،

لإطلاق الأمر بالمسح الكلّي فلا يتقيد بجزء بعينه،لأن«الباء»هنا للتبعيض لغة و نقلا عن أهل البيت(عليهم السلام)،و غيرهم.

ص: 135


1- صحيح مسلم 1:230 ح 81،سنن أبي داود 1:38 ح 150.
2- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:204 ح 226،سنن أبي داود 1:26 ح 106، سنن النسائي 1:64،سنن الدار قطني 1:83.
3- تقدم في ص 130 الهامش 4.
4- التهذيب 1:62 ح 171،الاستبصار 1:60 ح 176.
5- التهذيب 1:63 ح 170.

أمّا اللغة،فكقوله تعالى يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ (1)،و قول الشاعر (2):

شربن بماء البحر ثم ترفعت *** متى لجج خضر لهنّ نئيج

و هو كثير الشواهد،و لأنّها دخلت على المتعدّي بنفسه فلا بدّ لها من فائدة، و إنكار سيبويه و ابن جنّي شهادة على النفي،و معارض:بإقرار الأصمعي و أبي علي -في التذكرة-و ابن كيسان و القتيبي،قيل:و الكوفيون.و الظاهر:أنّهما نفياه عن أصحابهما البصريّين لا غير،صرّح به ابن جني.

و أما النقل،فلصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء» (3)و هو قول الشافعي أيضا (4).

الثالثة:لا يجزئ أقلّ من إصبع،

قاله الراوندي في أحكام القرآن (5).و في المختلف:المشهور الاكتفاء به (6).

و في المقنعة:يجزئ إصبع يضعها عليه عرضا،و الثلاث أسبغ (7).

و في النهاية:يجزئ إصبع عند الخوف من كشف الرأس،و لا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة للمختار (8).

و الصدوق:حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة (9).و أوجبها المرتضى

ص: 136


1- سورة الإنسان:6.
2- أبو ذؤيب الهذلي،راجع:شرح ابن عقيل 2:6،أوضح المسالك 2:117.
3- الكافي 3:30 ح 4،الفقيه 1:56 ح 212،علل الشرائع:279،التهذيب 1:61 ح 168، الاستبصار 1:62 ح 186.
4- الام 1:24،المجموع 1:398.
5- فقه القرآن 1:29.
6- مختلف الشيعة:23.
7- المقنعة:5.
8- النهاية:14.
9- الفقيه 1:28.

في الخلاف (1)،و في المصباح:يستحبّ (2).

و في صحيح زرارة و بكير عن الباقر(عليه السلام):«فإذا مسحت بشيء من رأسك،أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع،فقد أجزأك» (3).و هذا مع خبر التبعيض يدلّ على الإطلاق.

و يشهد للإصبع رواية حمّاد عن الحسين،قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):رجل توضأ و هو معتمّ و ثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟فقال:

«ليدخل إصبعه» (4).

و في المبسوط:لا يتحدد بحدّ (5).

و في الخلاف:الأفضل مقدار ثلاث أصابع مضمومة (6).

و ابن الجنيد:يجزئ في المقدّم إصبع،و المرأة ثلاث أصابع.

و قد روى معمر بن عمر عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«يجزئ من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع،و كذلك الرجل» (7)و لعلّ المراد به أجزاء الأفضلية،أو التقدير لمحل المسح لا إمرار الأصابع.

الرابعة:لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط (8)،

الرابعة:لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط(8)،لإطلاق الآية و الأخبار، و لصحيح حماد بن عثمان عن الصادق(عليه السلام)،و قد سبق (9).

ص: 137


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:145.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:145.
3- التهذيب 1:90 ح 237،الاستبصار 1:61 ح 182.
4- الكافي 3:30 ح 3،التهذيب 1:90 ح 239،الاستبصار 1:61 ح 183.
5- المبسوط 1:21.
6- الخلاف 1:81 المسألة 29.
7- الكافي 3:29 ح 1،التهذيب 1:60 ح 167،الاستبصار 1:60 ح 177.
8- المبسوط 1:21.
9- تقدم في ص 121 الهامش 5.

و اختاره في المعتبر،و حكم بالكراهية تفصيا من الخلاف (1).

و الأكثر على عدمه (2)حتى المرتضى رحمه اللّه-مع تجويزه الاستقبال في الوجه و اليدين-محتجّا بتوقف القطع برفع الحدث عليه (3).

الخامسة:لا يجزئ المسح على حائل و لو كان عمامة بإجماعنا،

أو حنّاء على الأشهر،لعدم الامتثال،و لرواية حماد السابقة (4)و خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن المسح على الخفين و على العمامة؟فقال:«لا يمسح عليهما» (5).

و مرفوع محمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء،قال:«لا يجوز،حتى يصيب بشعر رأسه الماء» (6).

و قد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المتوضئ:

«يمسح فوق الحناء» (7).و محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)في الحالق يطلي رأسه بالحناء و يتوضّأ:«لا بأس بمسح رأسه و الحناء عليه» (8).و حملهما الشيخ على المشقة بإزالة الحناء (9)،و ربّما يؤوّلان بأثر الحناء و هو اللون المجرّد.

السادسة:يجب المسح بفضل نداوة الوضوء،

فيبطل بالماء الجديد و لو لضرورة-في الأشهر.و استقر عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد،إذ جوّز أخذ الماء

ص: 138


1- المعتبر 1:145.
2- راجع:الفقيه 1:28،الخلاف 1:83 المسألة 31،النهاية:14،الوسيلة:50.
3- الانتصار:19.
4- راجع الهامش 4،من الصفحة السابقة.
5- التهذيب 1:361 ح 1090.
6- الكافي 3:31 ح 12،التهذيب 1:359 ح 1080،الاستبصار 1:76 ح 234،و في الجميع:«بشرة رأسه».
7- التهذيب 1:359 ح 1079،الاستبصار 1:75 ح 32.
8- التهذيب 1:359 ح 1081،الاستبصار 1:75 ح 234.
9- التهذيب 1:359 ح 1080،الاستبصار 1:75 ح 234.

الجديد عند عدم بلّة الوضوء،قال:و كذلك استحب إذا كان وضّأ وجهه مرّتين مرتين (1).

لنا:وصف عثمان (2)و الأخوين (3)و صحيح أبي عبيدة الحذاء،قال:وضأت أبا جعفر(عليه السلام)بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى،ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه،و كفّا غسل به ذراعه الأيمن،و كفا غسل ذراعه الأيسر،ثم مسح بفضل الندى رأسه و رجليه (4).و لحسن زرارة،قال أبو جعفر(عليه السلام):«انّ اللّه وتر يحبّ الوتر،فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرف:واحدة للوجه،و اثنتان للذراعين،و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك،و ما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى،و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (5).

و ضرورة ابن الجنيد يدفعها مشهور خلف بن حماد المرسل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،قلت له:الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟قال:«إن كان في لحيته بلل فليمسح به».قلت:فان لم يكن له لحية؟قال:«يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه» (6)مع أنّ ابن الجنيد حكم بالمسح ببلل اللحية أيضا.

و للاستئناف:صحيح أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام) عن مسح الرأس،أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟قال:«لا،بل تضع يدك في الماء ثم تمسح» (7).

و صحيحة معمّر بن خلاد-بتشديد الميم و اللام-قال:سألت أبا الحسن (عليه السلام)أ يجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟فقال برأسه:لا.4.

ص: 139


1- المعتبر 1:147،مختلف الشيعة:24.
2- تقدّم في ص 135 الهامش 2.
3- تقدّم في ص 131 الهامش 5.
4- التهذيب 1:58 ح 162،79 ح 204،الاستبصار 1:58 ح 172،69 ح 209.
5- التهذيب 1:360 ح 1083.
6- التهذيب 1:59 ح 165،الاستبصار 1:59 ح 175.
7- التهذيب 1:59 ح 164،الاستبصار 1:59 ح 174.

فقلت:أ بماء جديد؟فقال-برأسه-:نعم (1).

و خبر علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام)في الرجل لا يكون على وضوء،فيصيبه المطر حتى يبتلّ رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه،هل يجزئه ذلك من الوضوء؟قال:«إن غسله فانّ ذلك يجزئه» (2).

و خبر عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلاّ رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضا؟قال:«أجزأه ذلك» (3).

و خبر أيوب بن نوح،قال:كتبت الى أبي الحسن(عليه السلام)أسأله عن المسح على القدمين؟فقال:«الوضوء بالمسح و لا يجب فيه الا ذلك،و من غسل فلا بأس» (4).

قلنا:هي معارضة بأشهر منها و بعمل الأصحاب،فتؤوّل بالتقيّة.و خبر علي مأوّل بأن المراد بالغسل استئناف الغسل بعد المطر.و المكاتبة ضعيفة،و لو صحّت حملت على التقية أو على ان يراد بالغسل التنظيف،كما في رواية أبي همام عن أبي الحسن(عليه السلام):الفريضة في كتاب اللّه المسح و الغسل في الوضوء للتنظيف (5).

السابعة:لا يجزئ الغسل عن المسح عندنا،

لمخالفة الأمر،و عدم صدق أحدهما على الآخر،و لتحريم الماء الجديد.و روى محمد بن مروان،قال أبو عبد اللّه(عليه السلام):«يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة».قلت:فكيف!قال:«لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه» (6).

ص: 140


1- التهذيب 1:58،ح 163،الاستبصار 1:58 ح 173.
2- قرب الاسناد:84،التهذيب 1:359 ح 1082،الاستبصار 1:75 ح 231.
3- التهذيب 1:66 ح 187،الاستبصار 1:65 ح 194.
4- التهذيب 1:64 ح 180،الاستبصار 1:65 ح 195.
5- التهذيب 1:64 ح 181،الاستبصار 1:64 ح 192.
6- الكافي 3:31 ح 9،علل الشرائع:289،التهذيب 1:65 ح 184،الاستبصار 1:64 ح 191.
الثامنة:يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة و المغرب،

لأنه مظنّة التبذل،و تمسح بثلاث أصابع.

و يجوز في غيرهما إدخال الإصبع تحت القناع،و تجزئ الأنملة،قاله الصدوق و المفيد-رحمهما اللّه (1).و الذي في رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام):«يجزئها ان تمسح قدر ثلاث أصابع،و لا تلقي خمارها» (2).

نعم،في رواية الحسين بن زيد عن الصادق(عليه السلام):«لا تمسح المرأة كما يمسح الرجال،إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت برأسها و تضع الخمار عنها، و في الأربع الباقية تمسح بناصيتها» (3).

فروع:
الأول:الفرض بالمسح عندنا وصول البلّة بواسطة اليد،

و لا يكفي وصول البلّة وحدها.فلو قطر على المحل(ماء الوضوء) (4)أو مسح بآلة غير اليد،لم يجز لمخالفته المعهود.

و لو مسح على حائل غير مانع من وصول الماء إلى البشرة لم يجز،لاقتضاء «الباء»الإلصاق مع التبعيض.نعم،لو أدخل يده تحت الجبهة و مسح بشرة الرأس،أو أصل شعر الناصية،أجزأ.و لو وضع يده بالبلّة على المحل و لم يمسح، فالأقرب:عدم الاجزاء،لعدم مسمّى المسح.

و الظاهر:أنّ باطن اليد أولى.نعم،لو اختص البلل بالظاهر و عسر نقله أجزأ.و لو تعذّر المسح بالكفّ،فالأقرب جوازه بالذّراع.

الثاني:يجوز المسح على كل من البشرة و الشعر المختص بالمقدّم،

لصدق الناصية عليهما.و لو مسح على شعر خارج عن المقدّم،لم يصح و لو جمعه على

ص: 141


1- المقنعة:5،و في الفقيه 1:30،و المقنع:6،و الهداية:17 بلفظ:تدخل إصبعها.
2- الكافي 3:30 ح 5،التهذيب 1:77 ح 195.
3- التهذيب 1:77 ح 194،باختصار في الألفاظ.
4- ليست في س.

المقدّم.و لو كان شعر المقدّم يخرج بمدّه عن حدّ الناصية،لم يجز.

و كذا لا يجزئ المسح على الجمّة،و هي:مجتمع شعر الناصية عند عقصه.

نعم،لو أدخل يده تحت الجمّة،و مسح بشرة الرأس،أو أصل شعر الناصية، أجزأ.و للأغم و الأصلع يمسح مكان ناصية مستوي الخلقة.

الثالث:لا يستحبّ مسح جميع الرأس عندنا،

لعدم توظيف الشرع، و الأقرب:كراهيته،لأنه تكلّف ما لا يحتاج اليه.

و حرّمه ابن حمزة (1)لمخالفة الشرع.

و في الخلاف:أجمعنا على أنّه بدعة فيجب نفيه (2).

و قال ابن الجنيد:لو مسح من مقدّم رأسه الى مؤخّره أجزأه إذا كان غير معتقد فرضه،و لو اعتقد فرضه لم يجزه إلاّ أن يعود الى مسحه (3).و يضعف باشتماله على الواجب،فلا يؤثّر الاعتقاد في الزائد.

و أبو الصلاح أبطل الوضوء لو تديّن بالزيادة في العسل أو المسح (4)و هو كالأول في الردّ.نعم،يأثم باعتقاده.

الرابع:لو مسح بثلاث أصابع،

فالأقرب:ان الزائد موصوف بالاستحباب،لجواز تركه.و يمكن الوجوب،لأنه أحد جزئيات الكلّي.هذا إذا أوقعه دفعة،و لو أوقعه تدريجا فالزائد مستحبّ قطعا.

الخامس:يجوز كون البلل من الغسلة الثانية،

لما يأتي من استحبابها،و من منعه ينبغي ان لا يجزئ عنده.أمّا الثالثة فإن قلنا بتحريمها لم يجز،و ان قلنا بأنها كلفة أمكن الاجزاء،و الأقرب:عدمه،لأنّها لا تعدّ من الوضوء و وجه الاجزاء في الجميع اختلاطه بماء الوضوء،و هو الذي نصره في المعتبر (5).

ص: 142


1- الوسيلة:50.
2- الخلاف 1:83 المسألة 30.
3- مختلف الشيعة:24.
4- الكافي في الفقه:132.
5- المعتبر 1:147،160.
السادس:لو جفّ ماء الوضوء عن يديه أخذ من مظانه-

كما مر-و لو من مسترسل اللحية طولا و عرضا،لما بيّنا من استحباب غسله.و لو تعذّر-لإفراط الحر و شبهه-أبقى جزء من اليسرى أو كلّها ثم تغمس في الماء،أو يكثر الصب و يمسح به.و لا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح،لأنّه من بلل الوضوء،و كذا لو مسح بماء جار على العضو و ان أفرط الجريان،لصدق الامتثال،و لأنّ الغسل غير مقصود.

السابع:لو مسح على الحائل لضرورة ثم زال السبب،

فالأقرب:عدم الإعادة،للامتثال،و قيامه مقام المحل.

و وجه الإعادة:تقدّر الطهارة بقدر الضرورة.

قلنا:ايّ دليل قام على ذلك،و حمله على المتيمم و المستحاضة قياس.

الواجب الخامس:مسح الرجلين،
اشارة

بإجماعنا،لدلالة الكتاب و السنة عليه.

أمّا الكتاب،فلقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)،عطف الأرجل على الرأس الممسوح إمّا لفظا أو محلا،و هو أولى من عطف المنصوب على الأيدي،للقرب و للفصل و للإخلال بالفصاحة من الانتقال عن جملة إلى أخرى أجنبية قبل تمام الغرض.و لأنّ العمل بالقراءتين واجب و هو بالعطف على الموضع.

و لو عطف على الأيدي لزم وجوب المسح بقراءة الجر،و الغسل بقراءة النصب،فان جمع بينهما فهو خلاف الإجماع الاّ من الناصر الزيدي (2).و ان خيّر بينهما فلم يقل به غير الحسن و الجبائي و ابن جرير (3).و قد استقر الإجماع بعدهم على خلافهم،و تعيين أحدهما ترجيح من غير مرجّح.

لا يقال:الغسل مسح و زيادة فنكون عاملين بهما.

ص: 143


1- سورة المائدة:6.
2- التفسير الكبير 11:161.
3- جامع البيان 6:83،احكام القرآن لابن عربي 2:577،التفسير الكبير 11:161،المبسوط للسرخسي 1:8.

فنقول:ظاهر أنهما حقيقتان مختلفتان لغة و شرعا،و التداخل خلاف الأصل،و لأنّه لو كان الاشتمال يجوّز التسمية باسم المشتمل-و هو اختيار البصريّين في إعمال الثاني-لتهافتت اللغة،إذ الغسل مثلا يشتمل على اعتماد و حركة فليسم بهما.

لا يقال:الجر بالمجاورة لا بالعطف،مثل:جحر ضب خرب.

و كبير أناس في بجاد مزمل (1) ***

وَ حُورٌ عِينٌ (2) فيمن قرأ بالجر لمجاورتها«لحم طير»لأنهن يطفن و لا يطاف بهن.

و قول الشاعر (3).

لم يبق إلا أسير غير منفلت *** و موثق في عقال الأسر مكبول

بجر موثق بالمجاورة لمنفلت و من حقه الرفع بالعطف على أسير.

فنقول:المثالان الأولان ظاهر مخالفتهما الآية لعدم حرف العطف،و محقّقو النحو نفوا الجر بالمجاورة أصلا و رأسا،و قالوا:المراد خرب جحرة و مزمّل كبيرهم، فحذف المضاف ثم استكن المضاف إليه في خرب و مزمّل.

«و حور عين»فمن جرّها بالعطف على جَنّاتِ النَّعِيمِ (4)كأنّه قال:هم في جنّات و فاكهة و لحم و مقارنة حور،أو على(أكواب)لأن معناه ينعمون بأكواب، و لا يلزم ان يطاف بهنّ و لو طيف بهنّ فلا امتناع فيه.

و اما البيت،فموثق معطوف على التوهم لأن معنى(إلاّ أسير غير أسير، و مثله في العطف على التوهم قول زهير (5):8.

ص: 144


1- البيت لإمرئ القيس من قصيدته المعلقة.و صدره: كأن ثبيرا في عرانين وبله
2- سورة الواقعة:22.
3- مع التتبع الكثير لمظانه لم نعثر على قائله و قد استشهد به الشيخ الطوسي في التبيان 3: 453.
4- سورة الواقعة:12.
5- شرح شعر زهير بن أبي سلمى:208.

بدا لي اني لست مدرك ما مضى *** و لا سابق شيئا إذا كان جائيا

على توهّم دخول الباء في الخبر،لكثرة دخولها فيه فجرّ(سابق).

و قال سيبويه:يجوز في قولهم:قام القوم غير زيد و عمرو،نصب عمرو على التوهم لأن غير زيد في موضع إلاّ زيدا:و هذا عكس البيت فلم يحتج إلى المجاورة.

و لضعف هذا التمسك،و ظهور العطف على الرءوس مع جرّ الأرجل، جنح متخذ لقولهم الى ان المسح انما عبر به عن الغسل تنبيها على وجوب الاقتصاد في صب الماء،لأنّ الأرجل تغسل بالصبّ من بين الأعضاء فهي مظنّة الإسراف، ثم جيء بقوله إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة،لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع.

قلت:هؤلاء فرّوا من مخالفة القواعد النحوية فوقعوا في مخالفة الوضع اللغوي و الشرعي،لأن المعلوم من الوضع اختلاف حقيقتي المسح و الغسل،فما الذي بعث على التعبير بأحدهما عن الآخر،و جعله مضلة للإفهام و عرضة للأوهام؟و من ذا الذي قال بالاقتصاد في صب الماء على الرجلين من العلماء؟و من أين أن الاقتصاد مدلول المسح؟و اي محذور يلزم من عطف المحدود على غير المحدود؟ بل هو في هذا المقام حسن،لأنّه تعالى قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (2)فعطف في الغسل المحدود على غير المحدود،فالتناسب ان يعطف في المسح كذلك لتأخذ الجملة الثانية بحجزة الاولى.

و آخرون حملوا الجر على طهارة ذي الخفين،فالتزموا التعبير عن الخف بالرجل،و هو أشنع من الأول.

و قد روى علماء أهل البيت عن علي(عليه السلام)ان هذه الآية ناسخة6.

ص: 145


1- سورة المائدة:6.
2- سورة المائدة:6.

للمسح على الخفين (1).

و أمّا السنّة،فمن طريق العامة ما رواه أوس بن أوس الثقفي،قال:رأيت النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أتى كظامة قوم بالطائف أو بالمدينة،فتوضأ و مسح على قدميه (2).و الكظامة-بكسر الكاف-:بئر إلى جنبها بئر،و بينهما مجرى في بطن الوادي.

و روى حذيفة:انه رأى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ و مسح على نعليه (3).

و وصف ابن عباس وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و انه مسح على رجليه،و قال:ان في كتاب اللّه المسح و يأبى الناس الا الغسل (4).

و قال أيضا:الوضوء غسلتان و مسحتان (5).

و روى حبة العرني:رأيت عليا(عليه السلام)يشرب في الرحبة قائما،ثم توضّأ و مسح على نعليه (6).

و روى ابن عليّة عن موسى بن أنس:إنه قيل لأنس:أن الحجّاج خطبنا بالأهواز فذكر التطهير،و قال:اغسلوا وجوهكم و أيديكم و امسحوا برءوسكم، و انه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه،فاغسلوا بطونهما و ظهورهما و عراقيبهما!فقال أنس:صدق اللّه و كذب الحجاج،قال اللّه سبحانه و تعالى:ر.

ص: 146


1- التهذيب 1:361 ح 1091.
2- مسند أحمد 4:8،سنن أبي داود 1:41 ح 160،السنن الكبرى 1:286.
3- جامع البيان 6:86.
4- التهذيب 1:63 ح 173،174،مجمع البيان 2:164،المصنف لابن أبي شيبة 1:20،سنن ابن ماجة 1:156 ح 458.
5- جامع البيان 6:82،سنن الدار قطني 1:96،السنن الكبرى 1:72،المجموع 1:418، الجامع الأحكام القرآن 6:92،شرح معاني الآثار 1:34،الدر المنثور 2:262.
6- جامع البيان 6:82،المغني 1:150،كنز العمال 9:435 ح 26856 عن سنن سعيد بن منصور.

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ (1) .

و قال الشعبي:نزل جبرئيل بالمسح (2).

و قال أيضا الوضوء مغسولان و ممسوحان،و في التيمم يمسح ما كان غسلا،و يلغى ما كان مسحا (3).

و قال يونس:حدثني من صحب عكرمة الى واسط،قال:ما رأيته غسل رجليه انما كان يمسح عليها (4).

و اما الخاصة،فاخبارهم بذلك متواترة كما أن إجماعهم عليه واقع،مثل:

ما تقدّم من وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (5).

و قول أمير المؤمنين(عليه السلام):«ما نزل القرآن إلاّ بالمسح،و يأبى الناس الا الغسل» (6).

و عن غالب بن هذيل،قال:سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن المسح على الرجلين؟فقال:«هو الذي نزل به جبرئيل» (7).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«انّ عليّا(عليه السلام)مسح النعلين و لم يستبطن الشراكين» (8).

و خبر محمد بن مروان السالف عن الصادق(عليه السلام) (9).6.

ص: 147


1- جامع البيان 6:82،السنن الكبرى 1:71،المغني 1:150،الشرح الكبير 1:147 المجموع 1:418،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
2- جامع البيان 6:82،المصنف لابن أبي شيبة:1:19،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
3- جامع البيان 6:82،المغني 1:151،الشرح الكبير 1:147،الجامع لأحكام القرآن 6:92.
4- جامع البيان 6:82.
5- تقدّم في ص 127 الهامش 6.
6- لاحظ:التهذيب 1:63 ح 174،175.
7- التهذيب 1:63 ح 177،الاستبصار 1:64 ح 189.
8- الفقيه 1:27 ح 86،التهذيب 1:64 ح 182.
9- تقدّم في ص 140 الهامش 6.

و عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و امسح على القدمين» (1).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في قوله تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ :«فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضها،ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للنّاس فضيعوه» (2).

و عن جعفر بن سليمان عن الكاظم(عليه السلام):جواز إدخال اليد في الخلف المخرّق و مسح ظهر القدم (3).

و اعتمدوا على وصف عبد اللّه بن زيد بن عاصم وضوء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و غسل رجليه (4).و خبر عبد اللّه بن عمر:انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)رأى قوما و أقدامهم تلوح لم يمسها الماء،فقال:«ويل للأعقاب من النار،أسبغوا الوضوء» (5).و يقرب منهما خبر أبي هريرة (6).و روي أنّ عثمان حكاه أيضا،و قال:

رأيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يوما توضّأ نحو وضوئي هذا (7).

و الجواب:هذه معارضة بطرق أهل البيت عليهم السلام الذين هم أعرف به و أكثر اطّلاعا عليه،مع اعتضادها بالكتاب.على أنّ قول عثمان يشعر بعدم دوامه على ذلك،فجاز أن يكون قد غسل رجليه ذلك اليوم للتنظيف،و كذا3.

ص: 148


1- الكافي 3:29 ح 2.
2- الكافي 3:30 ح 4،الفقيه 1:56 ح 212.
3- الكافي 3:31 ح 10،التهذيب 1:65 ح 185.
4- الموطأ 1:18،صحيح البخاري 1:58،صحيح مسلم 1:210 ح 235،سنن أبي داود 1: 29 ح 118،الجامع الصحيح 1:66 ح 47،سنن النسائي 1:71،سنن الدار قطني 1:81.
5- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:214 ح 241،سنن ابن ماجة 1:55 ح 450، السنن الكبرى 1:69.
6- صحيح مسلم 1:214 ح 241،سنن ابن ماجة 1:154 ح 453،الجامع الصحيح 1:58 ح 41،السنن الكبرى 1:69.
7- صحيح البخاري 1:52،صحيح مسلم 1:204 ح 226،سنن أبي داود 1:26 ح 106، سنن النسائي 1:64،سنن الدار قطني 1:83.

حكاية الراويين الآخرين يمكن حملها على ذلك،و اما المسح فلا محمل له و لا اشتباه فيه،و بتقدير تعارض الروايات تتساقط،فنرجع الى كتاب اللّه تعالى الصريح في المسح.

مسائل:
الأولى:الكعبان عندنا معقد الشراك وقبتا القدم.و عليه إجماعنا،

و هو مذهب الحنفية (1).و بعض الشافعية (2).و أكثر الأصحاب عبر عنهما بالناتئين في وسط القدم أو ظهر القدم.

و قال المفيد:هما قبتا القدمين امام الساقين ما بين المفصل و المشط (3).

و قال ابن أبي عقيل:الكعبان ظهر القدم (4).

و ابن الجنيد:الكعب في ظهر القدم دون عظم السّاق (5)لاشتقاقه من قولهم كعب إذا ارتفع،و منه كعب ثدي الجارية إذا علا،قال (6):

قد كعب الثدي على نحرها *** في مشرق ذي صبح نائر

قال العلاّمة اللغوي عميد الرؤساء في كتاب الكعب:هاتان العقدتان في أسفل الساقين اللتان تسميان كعبين عند العامّة،فهما عند العرب الفصحاء و غيرهم جاهلييهم و اسلاميّيهم تسميان المنجمين-بفتح الجيم و الميم-و الرهرهتين -بضم الرائين.و أكثر في الشواهد على أنّ الكعب هو الناشز في سواء ظهر القدم

ص: 149


1- احكام القرآن للجصاص 2:347،بدائع الصنائع 1:7،اللباب 1:6.
2- المجموع 1:422،السراج الوهاج:17.
3- المقنعة:5.
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:24.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:24.
6- ديوان الأعشى 93(ط المكتبة الثقافية بيروت)ص 93 و فيه: قد نهد الثدي على صدرها في مشرق ذي صبح نائر .

امام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

و لثبوت المسح المستلزم لذلك لامتناع خرق الإجماع،و لقوله تعالى:

إِلَى الْكَعْبَيْنِ و لو أراد الظّنبوبين لقال:إلى الكعاب.

و للنقل المتواتر عن أهل البيت(عليهم السلام)،كما رواه زرارة و بكير عن أبي جعفر(عليه السلام)و سألاه عن الكعبين؟فقال:هاهنا.يعني:المفصل دون عظم الساق (1).

و عن ميسر عن أبي جعفر(عليه السلام):انّه وصف الكعب في ظهر القدم (2).

و عنه(عليه السلام)في وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):

ثم مسح رأسه و قدميه ثم وضع يده على ظهر القدم،و قال:«هذا هو الكعب» و أومأ بيده الى أسفل العرقوب،و قال:«هذا هو الظنبوب» (3).

تنبيه: تفرّد الفاضل بأنّ الكعب هو المفصل بين الساق و القدم،و صبّ عبارات الأصحاب كلها عليه،و جعله مدلول كلام الباقر(عليه السلام)،محتجّا برواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)المتضمّنة لمسح ظهر القدمين،و هو يعطي الاستيعاب،و بأنه أقرب الى حدّ أهل اللغة (4).

و جوابه:انّ الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد،لأن استيعاب الظهر لم يقل به أحد منّا،و قد تقدّم قول الباقر(عليه السلام):«إذا مسحت بشيء من رأسك،4.

ص: 150


1- الكافي 3:25 ح 5،التهذيب 1:76 ح 191.
2- الكافي 3:26 ح 7،التهذيب 1:75 ح 189،الاستبصار 1:69 ح 210.
3- التهذيب 1:75 ح 190. و الظنبوب:حرف الساق اليابس من قدم،و قيل:هو ظاهر الساق،لسان العرب مادة-ظنب.
4- مختلف الشيعة:24. و رواية زرارة في الكافي 3:25 ح 4،و الفقيه 1:24 ح 74.

أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع،فقد أجزأك»في رواية زرارة و أخيه بكير (1).

و قال في المعتبر:لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح،بل يكفي المسح من (رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة،و هو إجماع فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)،و لأنّ الرجلين معطوفة على الرأس الذي يمسح بعضه فيعطيان حكمه (2).

و قال في موضع آخر:تجزئ الأنملة (3)و قد تبع المفيد في ذلك حيث قال:

يجزئه ان يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبّحته من أصابعها إلى الكعبين (4).

و أهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون و ان أراد به لغوية الخاصة فهم متفقون على ما ذكرناه حسب ما مر.و لأنّه إحداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الأمة،لأن الخاصّة على ما ذكر،و العامة على أنّ الكعبين ما نتأ عن يمين الرجل و شمالها،مع استيعاب الرجل ظهرا و بطنا،و مع إدخال الكعبين في الغسل كالمرفقين.

و من أحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة،قال:اختلف الناس في الكعب.فأخبرني أبو نصر،عن الأصمعي:

أنه الناتئ في أسفل الساق عن يمين و شمال.و أخبرني سلمة،عن الفرّاء،قال:

هو في مشط الرجل،و قال هكذا برجله.قال أبو العباس:فهذا الذي يسمّيه الأصمعي الكعب هو عند العرب المنجم.قال:و أخبرني سلمة،عن الفراء،عن الكسائي،قال:قعد محمد بن علي بن الحسين(عليهم السلام)في مجلس كان له و قال:«ها هنا الكعبان».قال:فقالوا هكذا.فقال:«ليس هو هكذا و لكنّه5.

ص: 151


1- تقدّم في ص 5 الهامش 131.
2- المعتبر 1:150.
3- المعتبر 1:152.
4- المقنعة:5.

هكذا»و أشار الى مشط رجله.فقالوا له:ان الناس يقولون هكذا!فقال:«لا،هذا قول الخاصة،و ذاك قول العامة».

نعم،لو قيل بوجوب إدخال الكعبين في المسح،إما لجعل«الى»بمعنى (مع)،و اما لإدخال الغاية في المغيّا لعدم المفصل المحسوس،قرب مما قاله و ان لم يكن إياه،إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب و الأخبار بخلافه.و يؤيّده النص على المسح على النعلين من غير استبطان الشّراك كما تقدّم (1).و رواه الأحول عن الباقر(عليه السلام)قال:«و لا يدخل أصابعه تحت الشراك» (2)و صرّح في المعتبر بعدم دخولهما محتجا برواية زرارة المذكورة (3).

و لك ان تقول:إن كان هذا تحديدا للمسح وجب إدخال الكعبين فيه كالمرافق،و ان كان تحديدا للممسوح فلا يجب البلوغ الى الكعبين فضلا عن دخولهما،لأنّه لا يراد به الاستيعاب قطعا،بل المراد به بيان (4)محل المسح، و بالجملة دخولهما أحوط.

الثانية:يجب المسح بالبلّة كما قلناه في الرأس،

و أحكامه أحكامه.و لو غسل موضع المسح اختيارا بطل،لما سلف و لو كان لتقية،صحّ.

و لو أراد التنظيف قدّم غسل الرجلين على الوضوء،و لو غسلهما بعد الوضوء لنجاسة مسح بعد ذلك،و كذا لو غسلهما لتنظيف.

و في خبر زرارة قال:قال:«إن بدا لك فغسلت فامسح بعده،ليكون آخر ذلك المفترض» (5).

و قال المفيد:يجعل بين الغسل و المسح مهلة،و لا يتابع بينهما،ليفصل

ص: 152


1- تقدّم في 147 الهامش 8.
2- الكافي 3:25 ح 5 عن زرارة و بكير.
3- المعتبر 1:151. و رواية زرارة تقدمت في ص 147 الهامش 8.
4- ليست في س.
5- الكافي 3:31 ح 8،التهذيب 1:65 ح 186،93 ح 247،الاستبصار 1:65 ح 193.

الوضوء من غيره (1).

و هل يشترط جفاف الرجل من الماء؟نصّ ابن الجنيد و ابن إدريس و المحقق على جواز المسح عليهما رطبتين (2).و بالغ ابن الجنيد فجوّز إدخال اليد في الماء و المسح فيه عند الضرورة (3).قال ابن إدريس:لأنه ماسح إجماعا،و الظواهر (4)من الآي و الأخبار تتناوله (5).و قال المحقق:لأن يديه لا تنفكّ عن ماء الوضوء (6).

و اما ابن الجنيد فيمكن بناؤه على أصله من جواز الاستئناف.

و قوّى الفاضل المنع،محتجا بأنّه مسح بماء جديد (7)،و هو بإزاء قول المحقق.و له أن يقول:الواجب في المسح مسماه،و الجري فيه غير معتبر،و هذا صادق مع هذا الماء الجديد،لأنّه و ان قلّ فلا يقصر عن المسمى.

نعم،لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال.و بالجملة ما ذكروه قويّ،و ما ذكره أحوط.

الثالثة:هل ظهر القدم محل للمسح كالمقدّم في الرأس،

بحيث لو وقع المسح على جزء منه يجزئ كالرأس،و يكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح؟ يحتمل ذلك،تسوية بين المعطوف و المعطوف عليه،و لحديث الأخوين عن الباقر (عليه السلام) (8).و منعه في المعتبر بعد التردّد،محتجّا بأنّه لا بدّ من الإتيان بالغاية (9)و لا ريب انه أحوط،و عليه عمل الأصحاب.

الرابعة:هل يجزئ النكس؟

المشهور:نعم،لخبر حماد بن عثمان

ص: 153


1- المقنعة:5.
2- السرائر:18،المعتبر 1:160،مختلف الشيعة:26.
3- مختلف الشيعة:26.
4- في س،ط:و الظاهر.
5- السرائر:18.
6- المعتبر 1:160.
7- مختلف الشيعة:26.
8- تقدم في 131 الهامش 5.
9- المعتبر 1:152.

السالف (1).

و في عبارة أخرى لحماد عن الصادق(عليه السلام):«لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» (2).

و روى يونس عمن رأى أبا الحسن(عليه السلام)بمنى:يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم الى الكعب،و من الكعب إلى أعلى القدم (3).

و زاد في الكافي:و يقول:(الأمر في مسح الرجلين موسّع،من شاء مسح مقبلا،و من شاء مسح مدبرا) (4)و هو إمّا من كلام الإمام أو من كلام الراوي، و على التقديرين فظاهره انه جمع بينهما(عليه السلام)،فيمكن أن يقال باستحبابه،و يكون إسباغا للمسح كما يستحبّ إسباغ الغسل.

و يؤيده مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى الى أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في مسح القدمين و مسح الرأس،قال:«مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس و مؤخّره،و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» (5).

و لصحيحة البزنطي عن الرضا(عليه السلام)،و سأله عن المسح على القدمين،فوضع كفّه على الأصابع فمسحهما الى الكعبين،فقلت:لو انّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا الى الكعبين كلها؟قال:«لا،إلاّ بكفّه» (6)و أقلّ أحواله الاستحباب،إلاّ أنّ هذا لا دلالة فيه على تعاكس المسح.

و يؤيد عدم استحباب العكس فتوى الأصحاب بأنه لا تكرار في المسح (7)0.

ص: 154


1- تقدم في ص 121 الهامش 5.
2- التهذيب 1:83 ح 217،الاستبصار 1:57 ح 169.
3- قرب الاسناد:126،التهذيب 1:57 ح 160،65 ح 183،83 ح 216،الاستبصار 1: 58 ح 170.
4- الكافي 3:31 ح 7.
5- التهذيب 1:82 ح 215،الاستبصار 1:61 ح 181.
6- الكافي 3:30 ح 6،التهذيب 1:91 ح 243،الاستبصار 1:62 ح 184.
7- راجع:المقنعة:5،المبسوط 1:23،السرائر:17،المعتبر 1:160.

و لخلوّ الآية و أكثر الأخبار منه.

و يظهر من كلام ابن بابويه (1)و المرتضى (2)،و به قطع ابن إدريس (3):انه يجب الابتداء من رءوس الأصابع إلى الكعبين،جعلا ل«الى»على ما بها من الانتهاء.و لأنّ في وصف الباقر(عليه السلام):«مسح قدميه إلى الكعبين بفضل كفه» (4).و يلوح منه دخول الكعبين في المسح،لأنّه لبيان غاية المسح هنا و هو من جنس المغيّا،و كذا في خبر البزنطي عن الرضا(عليه السلام) (5).

و لأن الوضوء البياني من الرسول لم ينكس فيه قطعا،و إلاّ لما أجزأ خلافه، مع أنّه مجزئ بالإجماع.و هذا القول أولى،لحصول اليقين بالخروج عن العهدة بفعله.

الخامسة:هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟

المشهور:العدم، لإطلاق الآية و الأخبار.و ظاهر ابني بابويه و ابن أبي عقيل وجوبه (6)و به أفتى ابن الجنيد و سلار (7)عملا بالوضوء البياني،و أخذا بالاحتياط.

و في كلام بعضهم:يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى.و العمل بالترتيب أحوط.

السادسة:إذا قطع بعض القدم مسح على ما بقي.

و لو أوعب موضع المسح سقط،لامتناع التكليف بالمحال.و لم نقف على نصّ في مسح موضع القطع كما جاء في اليدين،غير أنّ الصدوق لما روى عن الكاظم(عليه السلام)غسل

ص: 155


1- الفقيه 1:28،الهداية:17.
2- الانتصار:29.
3- السرائر:17.
4- التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
5- راجع الهامش 6،المتقدّم.
6- الفقيه 1:28،مختلف الشيعة:25.
7- المراسم:38،مختلف الشيعة:25.

الأقطع عضده،قال:و كذلك روي في أقطع الرجلين (1).

و القول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد،بحسب الأصالة و الزيادة.و لو كانت تحت الكعب،فالأقرب:المسح عليهما،للعموم.و يمكن الاجتزاء بالتامّة منهما،فان استويا تخيّر،لأنّ المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا و عرضا.

السابعة:لا يجوز المسح على حائل من خفّ و غيره،

إلاّ لضرورة أو تقية إجماعا منا-قال ابن الجنيد:روى يحيى بن الحسين:انّ آل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله أجمعين)أجمعوا على ذلك،و قال به خلق كثير من الصحابة و التابعين- لعدم مسمّى الرجل فيه،و لإفادة الباء الإلصاق،و لحمله على الوجه و اليدين في عدم إجزاء غسل الحائل،و لأن الوضوء البياني الذي حكم فيه النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بأنّه لا تقبل الصلاة إلاّ به لم يمسح فيه على الخفّين إجماعا.

قال الفاضل:و العجب تسويغهم المسح على الخفّين لرفع الحدث عن الرجلين،و منعه عن البشرة (2).

و اشتهر ذلك من قول علي(عليه السلام)و مناظراته،كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«جمع عمر أصحاب النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و فيهم علي(عليه السلام)،فقال:ما تقولون في المسح على الخفين؟فقام المغيرة ابن شعبة،فقال:رأيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يمسح على الخفين.فقال علي(عليه السلام):أقبل المائدة أو بعدها؟فقال:لا أدري.فقال علي(عليه السلام):سبق الكتاب الخفّين،إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة» (3).

و سمع أبا مسعود البدري يروي ذلك عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)

ص: 156


1- الفقيه 1:30.
2- تذكرة الفقهاء 1:18.
3- التهذيب 1:361 ح 1091.

فقال:«أقبل نزول المائدة أو بعده»؟فسكت أبو مسعود (1).

و عن علي(عليه السلام):«ما أبالي أمسح على الخفين،أو على ظهر عير بالفلاة» (2)-بالياء المثناة تحت بعد العين المهملة و قبل الراء-و مثله عن أبي هريرة (3)و عن عائشة أيضا (4).

و عنها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،أنّه قال:«أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره» (5).

و عنها:لأن تقطع رجلاي بالمواسي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين (6).

و إنكار هؤلاء يدلّ على عدم فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إيّاه.و رواية سعد و غيره انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مسح على الخفين (7)معارضة بما تلوناه، و الترجيح معنا لشهادة الكتاب به،و إمكان حملها على الضرورة-كالبرد الشديد، و العدو المرهق-أو على أنّه كان ثم نسخ،لما روي عن علي(عليه السلام)انه قال:«نسخ الكتاب المسح على الخفين» (8)و مناظراته تدلّ على أنّه كان مشروعا ثم نسخ،و هذا جواب حسن حاسم للشبهة.

و أما الروايات عن أهل البيت عليهم السلام فكثيرة،منها:

ما رواه رقبة بن مصقلة،قال:دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فسألته1.

ص: 157


1- أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:18.
2- أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:18،و روى نحوه ابن أبي شيبة في المصنف 1:186 عن ابن عباس،و احمد في مسنده 1:323.
3- مصنف ابن أبي شيبة ج 1 ح 186.
4- الفقيه 1:30 ح 97،أمالي الصدوق:515.
5- الفقيه 1:30 ح 96،أمالي الصدوق:515.
6- المصنف لعبد الرزاق 1:221 ح 860،التفسير الكبير للرازي 11:163.
7- الموطأ 1:18،صحيح البخاري 1:58،صحيح مسلم 1:228 ح 272،سنن أبي داود 1: 29 ح 118.
8- التهذيب 1:361 ح 1091.

عن أشياء،فقال:«إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق».فقلت:نعم.فقال:

«ممن أنت».فقلت ابن أعم لصعصعة.فقال:«مرحبا بك يا ابن عم صعصعة».فقلت له:ما تقول في المسح على الخفين؟فقال:«كان عثمان يراه ثلاثا للمسافر،و يوما و ليلة للمقيم،و كان أبي لا يراه في سفر و لا حضر».فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب،فقال لي:«أقبل يا ابن عمّ صعصعة».

فأقبلت عليه فقال لي:«القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون و يصيبون و كان أبي لا يقول برأيه» (1).و هذا تصريح منه(عليه السلام)بعدم النص في المسح على الخفين،و انّما هو رأي رأوه.

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما انه سأل عن المسح على الخفّين و على العمامة،فقال:«لا تمسح عليهما» (2).

و عن أبي الورد،قلت لأبي جعفر(عليه السلام):إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا(عليه السلام)أراق الماء ثم مسح على الخفّين!فقال:«كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي(عليه السلام)فيكم:سبق الكتاب الخفّين».فقلت:فهل فيهما رخصة؟فقال:«لا،إلاّ من(عذر أو تقية) (3)أو ثلج تخاف على رجليك» (4).

تنبيهات:
الأول:قال المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية:من مسح على الخفين

مقلّدا أو مجتهدا،

ثم وقف على خطئه أعاد الصلاة لأنه ما ادّى الفرض (5).

و يشكل:بحسن زرارة و بكير و الفضيل،و محمد بن مسلم و بريد العجلي،

ص: 158


1- التهذيب 1:361 ح 1089،و فيه«كان عمر يراه».
2- التهذيب 1:361 ح 1090.
3- في المصدرين:«عدو تتقيه».
4- التهذيب 1:362 ح 1092،الاستبصار 1:76 ح 236.
5- الناصريات:221 المسألة 34.

عن الباقر و الصادق(عليهما السلام)،قالا:في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة و المرجئة و العثمانية و القدرية،ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه،أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو صدقة أو حج،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤديها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها،انّما موضعها أهل الولاية» (1)قال في المعتبر:اتفقوا على انه لا يعيد شيئا من عبادته التي فعلها سوى الزكاة،و الرواية عامة للماسح على الخفين سواء كان مجتهدا أو مقلّدا (2).

الثاني:قد مرّ جواز المسح على العربي و ان لم يدخل يده تحت الشّراك.

قال ابن الجنيد-في النعال-:و ما كان منها غير مانع لوصول الراحة و الأصابع أو بعضها إلى مماسّة القدمين،فلا بأس بالمسح عليهما.

قال:و قد روي المسح عليهما عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،و الباقر و الصادق عليهما السلام،و انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)توضّأ و مسح على نعليه،فقال له المغيرة:أ نسيت يا رسول اللّه؟قال:«بل أنت نسيت هكذا أمرني ربي».

قال:و روى الطبريّ و السّاجيّ و غيرهما أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) مسح عليهما،عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،و عبد اللّه بن عباس،و عبد اللّه بن عمر،و أوس بن أوس.و روي عن أبي ظبيان و زيد الجهني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)توضأ و مسح عليهما.

فرع:

ظاهر كلام ابن الجنيد عدم اختصاص ذلك بالعربي،فيجوز على كل ما لا يمنع.فحينئذ يجوز في السير المركب على الخشب إذا كان في عرض الشّراك

ص: 159


1- الكافي 3:545 ح 1،علل الشرائع:373،التهذيب 4:54 ح 143.
2- المعتبر 2:766.

تقريبا.و توقّف فيه في التذكرة،قال و كذا لو ربط رجله بسير للحاجة بل عبثا (1).

قلت:أمّا السير للحاجة فهو ملحق بالجبائر،و أما العبث فان منع فالأقرب الفساد إن أوجبنا المسح الى الكعبين-و هو الأقرب كما مرّ-لأنّه قد تخلّف شيء خارج عن النص.

الثالث:قال الصدوقان:عن العالم(عليه السلام):«ثلاثة لا أتّقي فيهن

أحدا:شرب المسكر،و المسح على الخفين،و متعة الحج»

(2) .و هو في الكافي و التهذيب بسند صحيح عن زرارة،قال:قلت له:أ في مسح الخفين تقيّة؟فقال:

«ثلاث لا أتقي فيهن أحدا:شرب المسكر،و مسح الخفين،و متعة الحج» (3).

و تأوّله زرارة-رحمه اللّه-بنسبته الى نفسه،و لم يقل:الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحدا (4).و تأوّله الشيخ بالتقيّة،لأجل مشقة يسيرة لا تبلغ الى الخوف على النفس أو المال (5)،لما مرّ من جواز ذلك للتقية.

قلت:و يمكن أن يقال:انّ هذه الثلاث لا يقع الإنكار فيها من العامة غالبا،لأنهم لا ينكرون متعة الحج،و أكثرهم يحرّم المسكر،و من خلع خفّه و غسل رجليه فلا إنكار عليه،و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما.و على هذا يكون نسبته الى غيره كنسبته الى نفسه في أنّه لا ينبغي التقيّة فيه،و إذا قدّر خوف ضرر نادر جازت التقية.

الرابع:المقتضى للمسح على الخفين عينا هو الضرورة و التقية،

فيدوم بدوامهما و لا يتقدّر بما قدّروه.فإذا زالت الضرورة و لم يحدث،فهل يعيد لصلاة

ص: 160


1- تذكرة الفقهاء 1:18.
2- الفقيه 1:30 ح 95،المقنع:6،الهداية:17.
3- الكافي 3:32 ح 2،التهذيب 1:362 ح 1093،الاستبصار 1:76 ح 237.
4- راجع الهامش السابق.
5- التهذيب 1:362،الإستبصار 1:76.

أخرى؟قطع به في المعتبر (1).و قرّبه في التذكرة،لزوال المشروط بزوال شرطه (2).

و الأقرب:بقاء الطهارة،لأنها طهارة شرعيّة و لم يثبت كون هذا ناقضا،و المشروط انّما هو فعل الطهارة لا بقاء حكمها،و أحدهما غير الآخر.

الخامس:لا فرق عندنا مع الضرورة بين كون الخفّ بشرج أو غيره،

و لا بين الجورب و الخف،و لا بين الجورب المنعّل و غيره،و لا بين الجرموق فوق الخفّ و غيره،و لا بين اللبس على طهارة أو حدث،و لا بين كونه ساترا قويا حلالا أو لا..الى غير ذلك مما فرّعوه.

الواجب السادس:الترتيب،
اشارة

عند علمائنا،لأنّه تعالى غيّا الغسل بالمرافق و المسح بالكعبين و هو يعطي الترتيب.

و لأنّ«الفاء»في فَاغْسِلُوا تفيد الترتيب قطعا بين إرادة القيام و بين غسل الوجه،فيجب البدأة بغسل الوجه قضية للفاء،و كلّ من قال بوجوب البدأة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء.

و ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطّهور مواضعه:فيغسل وجهه،ثم يغسل يديه،ثم يمسح رأسه،ثم رجليه» (3).

و لعموم قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ابدءوا بما بدأ اللّه به» (4)و لأنّ الوضوء البياني وقع مرتّبا.و لأنّ«الواو»للترتيب،عند الفراء و ثعلب و قطرب و الربعيّ،و نقله في التهذيب عن أبي عبيد القاسم بن

ص: 161


1- المعتبر 1:154.
2- تذكرة الفقهاء 1:18.
3- تلخيص الحبير 1:358.
4- مسند أحمد 3:294،سنن النسائي 5:236،سنن الدار قطني 2:254.و نحوه في:الموطأ 1:372،صحيح مسلم 2:886 ح 1212،سنن أبي داود 2:182 ح 1905،الجامع الصحيح 3:216 ح 862.

سلام (1).

و لرواية زرارة عن الباقر(عليه السلام):«تابع كما قال اللّه تعالى:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح الرأس و الرجلين.و لا تقدّمن شيئا بين يدي شيء،ابدأ بما بدأ اللّه به،فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثم أعد على الذراع،و ان مسحت الرجلين قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجلين» (2).

و في هذه الرواية دلالة من عدّة أوجه على الترتيب،إلاّ أنّه لم يبيّن فيها وجوب تقديم غسل اليمنى على اليسرى،لاستفادته من الوضوء البياني و من أخبار أخر:

كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في البادي بالشمال قبل اليمين:يعيد اليمين و يعيد الشمال (3).

و كبيان الباقر(عليه السلام)وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ثم غمس كفه فغسل يده اليمنى،ثم غمس يده فغسل اليسرى (4).

و أمّا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام)فيمن نسي غسل يساره:«يغسل يساره وحدها،و لا يعيد وضوء شيء غيرها» (5)فالمراد بالوحدة من بين المغسولات،و بنفي الإعادة لما سبق عليها،توفيقا بينها و بين غيرها:

كرواية زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و ان نسي شيئا من الوضوء المفروض،فعليه أن يبدأ بما نسي،و يعيد ما بقي لتمام الوضوء» (6).9.

ص: 162


1- التهذيب 1:95.
2- الكافي 3:34 ح 5،الفقيه 1:28 ح 89،التهذيب 1:97 ح 251،الاستبصار 1:73 ح 223.
3- التهذيب 1:97 ح 253،الاستبصار 1:73 ح 225.
4- التهذيب 1:56 ح 158،الاستبصار 1:57 ح 168.
5- قرب الاسناد:83،التهذيب 1:98 ح 257،الاستبصار 1:73 ح 226.
6- التهذيب 1:89 ح 235،99 ح 260،الاستبصار 1:74 ح 229.

و لمطابقة تأويلها رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و ان كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال،و لا يعيد على ما كان وضّأه» (1).

و ما رواه العامّة عن علي(عليه السلام)و ابن مسعود:«ما أبالي بأي أعضائي بدأت» (2)معارض بما رووه عن عليّ(عليه السلام)أنّه سئل،فقيل:

أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء؟فقال:«لا،حتى يكون كما أمر اللّه تعالى» (3).

مسائل ثلاث:
الأولى:اختلف الأصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين.

فابن الجنيد و ابن أبي عقيل و سلار عليه (4)للاحتياط،و الوضوء البياني.

و الأكثر لا (5)للأصل،و لقوله تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ ،مع عدم قيام مناف له كما قام في اليدين.

قال ابن إدريس في الفتاوى:لا أظنّ أحدا منا يخالف في ذلك.نعم،هو مستحب لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«انّ اللّه يحب التيامن» (6)و عليه قول الصدوقين (7).

الثانية:لا يكفي في الترتيب عدم تقديم المؤخر بل يعتبر تقديم المقدّم،

إذ هو المفهوم منه،و للأخبار.فلو غسل الأعضاء معا بطل،لفقد المعنى الثاني و ان وجد الأول،فحينئذ يحصل الوجه،فإن أعاد الغسل الدفعيّ فاليمنى،فان أعاده

ص: 163


1- الكافي 3:34 ح 4،التهذيب 1:99 ح 259،الاستبصار 1:74 ح 228.
2- سنن الدار قطني 1:88،السنن الكبرى 1:87،معرفة السنن:248.
3- المغني 1:157،الشرح الكبير 1:149.
4- المراسم:38،مختلف الشيعة:25.
5- منهم المفيد في المقنعة:4،العلاّمة في المختلف:25،المحقّق في الشرائع 1:22.
6- نصب الراية 1:34.
7- الفقيه 1:28،مختلف الشيعة:25.

فاليسرى و يمسح بمائها.

و لو ارتمس ناويا صحّ الوجه،فإن أخرج اليدين مرتّبا صحتا،و لو أخرجهما معا فاليمنى إذا قصد بالإخراج الغسل.

و لو كان في جار،و تعاقبت الجريات ناويا،صحّت الأعضاء الثلاثة.

و الأقرب:انّ هذه النية كافية في الواقف أيضا،لحصول مسمّى الغسل مع الترتيب الحكمي،و يمسح بماء الاولى.

و لو غسل عضوا قبل الوجه لم يعتدّ به،فإذا غسل الوجه صح.و لو نكس مرارا،ترتب الوضوء مهما أمكن و صحّ إن نوى عنده،أو كان قد تقدمت النية في موضع استحباب التقدّم.و الأقرب:انه لا يضر عزوبها بعد،لتحقق الامتثال فيخرج عن العهدة.و يحتمل الإعادة مع العزوب،لوجود الفصل بأجنبي، بخلاف ما إذا أتى بأفعال الوضوء مرتّبة.

الثالثة:الترتيب ركن في الوضوء فيبطل بتركه و لو نسيانا،

لعدم الإتيان بالجزء الصوري،و تحقّق الماهية موقوف عليه فلا يعدّ ممتثلا.

و انما يتحقّق البطلان إذا لم يستدرك في محلّه،فلو راعاه بعد صحّ ما دام البلل،و لو كان عمدا فكذلك الاّ انّه يأثم هنا.و جاهل الحكم غير معذور و ان استند الى شبهة،لأنّه مخاطب بالعلم.نعم،لا يعيد ذو الشبهة ما صلاّه بهذا الوضوء،للخبر المتقدم في عدم إعادة ما عدا الزّكاة (1).

الواجب السابع:
اشارة

الموالاة،

إجماعا.و قد حكى المتأخرون فيها خلافا بين المتابعة و مراعاة الجفاف،و عند التأمل يمكن حمل كلام الأكثر على اعتبار الجفاف،فلنورد عباراتهم هنا تحصيلا للمراد،و نفيا للشبهة.

قال علي بن بابويه:و تابع بينه كما قال اللّه عزّ و جلّ:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح بالرأس و القدمين.فان فرغت من بعض وضوئك،فانقطع

ص: 164


1- تقدم في 159 الهامش 1.

بك الماء من قبل أن تتمّه و أوتيت بالماء،فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا،و ان كان قد جفّ فأعد الوضوء.و ان جفّ بعض وضوءك قبل أن تتمّ الوضوء،من غير أن ينقطع عنك الماء،فاغسل ما بقي،جفّ وضوؤك أو لم يجف (1).

و لعله عوّل على ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)-كما أسنده ولده في كتاب مدينة العلم،و في التهذيب وقفه على حريز-قال:قلت:إن جفّ الأول من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه؟قال:«إذا جفّ أو لم يجف،فاغسل ما بقي» (2).و حمله في التهذيب على جفافه بالرّيح الشديد،أو الحرّ العظيم،أو على التقية.

قلت:التقيّة هنا أنسب،لأنّ في تمام الحديث:قلت:و كذلك غسل الجنابة؟قال:«هو بتلك المنزلة،و ابدأ بالرأس،ثم أفض على سائر جسدك».

قلت:فان كان بعض يوم؟قال:«نعم».و ظاهر هذه المساواة بين الوضوء و الغسل فكما ان الغسل لا يعتبر فيه الريح الشديدة و الحر،كذلك الوضوء.

و في من لا يحضره الفقيه اقتصر على حكاية كلام والده (3)و ظاهره اعتقاده.

و هذا فيه تصريح بأن المتابعة الترتيب،و ان الموالاة ما أتي بعدها.و في المقنع ذكر ذلك و لم يذكر المتابعة (4).

و قال المفيد:و لا يجوز التفريق بين الوضوء،فيغسل وجهه ثم يصبر هنيهة ثم يغسل يده،بل يتابع ذلك و يصل غسل يده بغسل وجهه،و مسح رأسه بغسل يديه،و مسح رجليه بمسح رأسه،و لا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة.ثم اعتبر الجفاف عند الضرورة (5).

و احتج له في التهذيب بخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:5.

ص: 165


1- الفقيه 1:35.
2- التهذيب 1:88 ح 232،الاستبصار 1:72 ح 222.
3- الفقيه 1:35.
4- المقنع:6.
5- المقنعة:5.

«إذا توضأت بعض وضوئك،فعرضت بك حاجة حتى يبس وضوؤك،فأعد فإنّ الوضوء لا يبعّض» (1).

و بخبر معاوية بن عمار،قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):ربما توضأت فنفذ الماء،فدعوت بالجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟قال:

«أعد» (2).

و ليس في هذين الخبرين تصريح بوجوب المتابعة.

و قال الجعفي:و الوضوء على الولاء..الى قوله:و من فرّق وضوءه حتى يبس أعاده.و هو أيضا ظاهر في أنّ الولاء مراعاة الجفاف.

و قال المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية:الموالاة عندنا واجبة بين الوضوء و لا يجوز التفريق،و من فرّق بين الوضوء بمقدار ما يجفّ مع (3)غسل العضو الذي انتهى اليه،و قطع الموالاة منه في الهواء المعتدل،وجب عليه إعادة الوضوء (4).

و قال في المصباح-حسب ما نقله عنه في المعتبر-:هي أن يتابع بين غسل الأعضاء و لا يفرّق إلاّ لعذر و تمّمه بنحو من كلامه في الناصرية (5).و هو أيضا غير صريح في المطلوب،لانصباب قوله:و من فرّق..الى آخره على تفسير الموالاة،فكأنّها المرادة بعدم التفريق.

و قال تلميذه سلاّر:و الموالاة واجبة،و هي:أن يغسل اليدين و الوجه رطب، و يمسح الرأس و الرجلين و اليدان و رطبتان،في الزمان و الهواء المعتدل (6).و هو تصريح بمراعاة الجفاف.8.

ص: 166


1- الكافي 3:35 ح 7،علل الشرائع:289،التهذيب 1:87 ح 230،98 ح 255،الاستبصار 1:72 ح 220.
2- التهذيب 1:87 ح 231،98 ح 256،الاستبصار 1:72 ح 221.
3- كذا في النسخ الثلاث،و في المصدر:معه.
4- الناصريات:221 المسألة 33.
5- المعتبر 1:157.
6- المراسم:38.

و ابن الجنيد اعتبر الجفاف،و اشترط بقاء البلل على جميع الأعضاء،إلاّ لضرورة فلا يضرّ الجفاف.

و قال الشيخ في النهاية:و الموالاة أيضا واجبة في الطهارة،و لا يجوز تبعّضها إلاّ لعذر،فإن بعّض لعذر أو انقطاع الماء جاز،إلاّ أنّه يعتبر ذلك بجفاف ما وضّأه من الأعضاء،فإن كان قد جفّ وجب استئناف الوضوء،و إن لم يكن قد جف بنى عليه (1).ثم قال في غسل الرجلين:و لا يحلّ غسلهما بين أعضاء الطهارة (2).

و قال في المبسوط:و الموالاة واجبة في الوضوء،و هي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار،فإن خالف لم يجزه.و إن انقطع عنه الماء انتظره،فإذا وصل إليه و كان ما غسله عليه نداوة بنى عليه،و إن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء من أوله (3).

و قال في الخلاف:عندنا أن الموالاة واجبة،و هي أن يتابع بين أعضاء الطهارة،و لا يفرق بينهما إلاّ لعذر بانقطاع الماء،ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء،فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء،و إن بقي في يده نداوة بنى عليه (4).

و في التهذيب احتجّ للمتابعة:باقتضاء الأمر الفور،فيجب فعل الوضوء عقيب توجه الأمر إليه،و كذلك جميع الأعضاء الأربعة،لأنّه إذا غسل وجهه فهو مأمور بعد ذلك بغسل اليدين،فلا يجوز له تأخيره (5).

و كلام الشيخين ظاهر في وجوب المتابعة،و ظاهر المبسوط عدم الإجزاء بالمخالفة ففيه وفاء بحق الواجب،إلاّ أنّه في الجمل وافق الأصحاب في اعتبار الجفاف (6)،فانحصرت المتابعة في المفيد-رحمه اللّه-و لو حمل قوله:(لا يجوز)على9.

ص: 167


1- النهاية:15.
2- النهاية:15.
3- المبسوط 1:23.
4- الخلاف 1:93 المسألة 41.
5- التهذيب 1:87.
6- الجمل و العقود:159.

الكراهية انعقد الإجماع.

و قال ابن البرّاج-رحمه اللّه-في المهذّب:و الترتيب و الموالاة يجبان في الوضوء،فإن توضّأ على خلاف الترتيب المقدّم ذكره لم يكن مجزئا،و إن ترك الموالاة حتى يجفّ الوضوء المتقدّم لم يجزه أيضا،اللّهم إلاّ أن يكون الحرّ شديدا أو الريح يجف منهما العضو المتقدّم بينه و بين طهارة العضو الثاني من غير إمهال لذلك،فإنّه يكون مجزئا (1).

و في الكامل:و الموالاة،و هي:متابعة بعض الأعضاء ببعض،فلا يؤخّر المؤخر عما يتقدّمه بمقدار ما يجفّ المتقدم في الزمان المعتدل.و هاتان العبارتان ظاهرتان في مراعاة الجفاف.

و قال أبو الصلاح:و الموالاة،و هي:أن تصل توضئة الأعضاء بعضا ببعض،فإن جعل بينها مهلة حتى جفّ الأول بطل الوضوء (2).و ليس فيه تصريح بوجوب المتابعة،بل ظاهره اعتبار الجفاف.

و قال السيد ابن زهرة-رحمه اللّه-:الموالاة،و هي:ان لا يؤخّر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم في الهواء المعتدل (3).

و قال ابن حمزة:و الموالاة،و هي:ان يوالي بين غسل الأعضاء،و لا يؤخّر بعضه عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم (4).و هو ظاهر في مراعاة الجفاف.

و قال الكيدري-في سياق الواجب-:و أن لا يؤخّر غسل عضو عن عضو الى أن يجفّ ما تقدم مع اعتدال الهواء (5).

و قال ابن إدريس:و الموالاة واجبة في الصغرى فحسب،و حدّها المعتبر عندنا على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصّلين هو:ان لا يجفّ غسل العضو9.

ص: 168


1- المهذب 1:45.
2- الكافي في الفقه:133.
3- الغنية:492.
4- الوسيلة 38.
5- إصباح الشيعة:29.

المتقدّم في الهواء المعتدل.و لا يجوز التفريق بين الوضوء،بمقدار ما يجف غسل العضو الذي انتهى إليه و قطع الموالاة منه في الهواء المعتدل.و بعض أصحابنا يذهب الى أنّ اعتبار الجفاف عند الضرورة،و انقطاع الماء و غيره من الأعذار (1)و فيه تصريح باعتبار الجفاف،و مصير الى ما قاله السيد من اعتبار جفاف العضو السابق على ما يبتدئ منه،و لا يكفيه بقاء البلل على غيره في ظاهر كلامهما.

و قال الشيخ نجيب الدين ابن سعيد في الجامع:و المتابعة بين أعضاء الطهارة،فإن فرّق و جفّ ما سبق استأنف الوضوء،و إن لم يجف بنى عليه (2).

و ليس فيه تصريح بأحدهما.

و أمّا الفاضلان فتبعا الشيخ المفيد في كتبهما،و احتجّا بحجته،و بأنّ الوضوء البياني وقع متابعا تفسيرا للأمر الإجمالي،فتجب المتابعة كوجوب المفسّر (3).و في المختلف احتج بخبر الحلبي عن الصادق(عليه السلام):«أتبع وضوءك بعضه بعضا» (4).

و المختار:المراعاة،و الأخبار لا تدلّ على أكثر منها.

و الجواب عن تمسّك الشيخ:بأنّ الفورية لا ينافيها هذا القدر من التأخير، خصوصا مع كونه مبيّنا في الأخبار بالجفاف.

و متابعة الوضوء البياني مسلمة،و لكن لم قلتم بمنافاة هذا اليسير من التأخير لها؟و إلاّ لوجب مراعاة القدر الذي تابع فيه من الزمان و مطابقته له،مع اعتضاده بأحاديث الجفاف.

و أمّا خبر الحلبي فهو في سياق وجوب الترتيب في الوضوء،و المراد بالمتابعة اتباع كل عضو سابقه بحيث لا يقدّمه عليه،لأنّه قال فيه:«إذا نسي الرجل أن8.

ص: 169


1- السرائر:17.
2- الجامع للشرائع:36.
3- المعتبر 1:156،تذكرة الفقهاء:1:20،منتهى المطلب 1:70.
4- مختلف الشيعة:25. و خبر الحلي في الكافي 3:34 ح 4،التهذيب 1:99 ح 259،الاستبصار 1:74 ح 228.

يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه،فذكر بعد ذلك،غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه.و إن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال،و لا يعد على ما كان توضّأ»،و قال:«أتبع وضوءك بعضه بعضا» (1).

و مثله ما رواه الصدوق عن الباقر(عليه السلام)،قال:«تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جلّ:ابدأ بالوجه،ثم باليدين،ثم امسح الرأس و الرجلين،و لا تقدّمن شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به» (2)،و أسنده الكليني-رحمه اللّه-عن زرارة عن الباقر(عليه السلام) (3).

و لأن المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالإخلال بها قضية لعدم الإتيان به على الوجه،و هما لا يقولان به.

و لأن ضبط الموالاة بالجفاف أولى من الاتباع،لاختلافه باختلاف حركات المكلّفين.

و إنّما أوردنا عبارة الأصحاب هنا،لأنّ بعض الأفاضل نسب كثيرا منهم إلى القول بالمتابعة.

فروع:
الأول:ظاهر ابني بابويه أن الجفاف لا يضرّ مع الولاء،

و الأخبار الكثيرة بخلافه،مع إمكان حمله على الضرورة.

الثاني:ظاهر المرتضى و ابن إدريس اعتبار العضو السابق.

و ابن الجنيد مصرّح باشتراط البلل على الجميع الى مسح الرجلين إلاّ لضرورة.

و ظاهر الباقين:انّ المبطل هو جفاف الجميع لا جفاف البعض،قال في

ص: 170


1- راجع ص 169 الهامس 4.
2- الفقيه 1:28 ح 89.
3- الكافي 3:34 ح 5،التهذيب 1:97 ح 251،الاستبصار 1:73 ح 223.

المعتبر:لإطباقهم على الأخذ من اللحية و الأشفار للمسح،و لا بلل هنا على اليدين (1).و به يشهد خبر زرارة و الحلبي عن الصادق(عليه السلام)في الأخذ من اللحية (2)،و رواه الكليني عن زرارة عن الباقر(عليه السلام) (3)و رواه ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام)،ثم قال فيه:«و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك» (4).و في التهذيب من مراسيل حمّاد عن الصادق(عليه السلام)ذكر الحاجبين و الأشفار أيضا (5).

قلت:هذا يلزم منه أحد أمور ثلاثة:إمّا أنّ الجفاف للضرورة غير مبطل كما قاله ابن الجنيد،و إمّا تخصيص هذا الحكم بالناسي،و إمّا أنّ المبطل جفاف الجميع.

الثالث:لو كان الهواء رطبا جدا،

بحيث لو اعتدل جفّ البلل،لم يضر لوجود البلل حسّا.و تقييد الأصحاب بالهواء المعتدل،ليخرج طرف الإفراط في الحرارة.و كذا لو أسبغ الماء،بحيث لو اعتدل لجفّ،لم يضر.

الرابع:لو تعذّر بقاء بلل للمسح جاز الاستئناف،

للضرورة،و نفي الحرج.و لو أمكن غمس العضو،أو إسباغ العضو المتأخر،وجب و لم يستأنف.

الخامس:لو نذر المتابعة في الوضوء وجبت،

أمّا على المشهور فظاهر لأنّها مستحبة،و أمّا على الوجوب فللتأكيد.فلو أخلّ بها و لما يجف،ففي صحة الوضوء وجهان مبنيان على اعتبار حال الفعل أو أصله.فعلى الأول لا يصح،و على الثاني يصحّ.

أمّا الكفارة،فلازمة مع تشخّص الزمان قطعا،لتحقق المخالفة.و هذا مطّرد في كل مستحب أوجب بأمر عارض.

ص: 171


1- المعتبر 1:157.
2- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:99 ح 260،101 ح 263،الاستبصار 1:74 ح 229.
3- الكافي 3:33 ح 2.
4- الفقيه 1:36 ح 134.
5- التهذيب 1:59 ح 165،الاستبصار 1:59 ح 175.
الواجب الثامن:المباشرة بنفسه،

فيبطل لو ولاّه غيره اختيارا-تفرد به الإمامية على ما نقله المرتضى في الانتصار (1)و في المعتبر:هو مذهب الأصحاب (2)-لقوله تعالى فَاغْسِلُوا (3)، وَ امْسَحُوا (4).و اسناد الفعل الى فاعله هو الحقيقة،و لتوقف اليقين بزوال الحدث عليه.

و قال ابن الجنيد:يستحب ان لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره،بأن يوضئه أو يعينه عليه (5).و الدليل و الإجماع يدفعه.

و يجوز مع العذر تولية الغير،لأنّ المجاز يصار إليه مع تعذّر الحقيقة، فحينئذ يتولّى المكلّف النية،إذ لا يتصوّر العجز عنها مع بقاء التكليف.فلو أمكن غمس العضو في الماء لم تجز التولية،و لو أمكن في البعض تبعّض.

و لو احتاج الى أجرة وجبت،قضية لوجوب مقدمة الواجب،و لو زادت عن أجرة المثل مع القدرة،إلاّ مع الإجحاف بماله دفعا للحرج.فلو تعذّر و أمكن التيمّم وجب،و لو تعذرا فهو فاقد الطهارة.و لو قدر بعد التولية،فالأقرب:بقاء الطهارة،لأنّها مشروعة،و لم يثبت كون ذلك ناقضا،و يتخرّج وجها ذي الجبيرة و التقية هنا.

ص: 172


1- الانتصار:29.
2- المعتبر 1:162.
3- سورة المائدة:6.
4- سورة المائدة:6.
5- مختلف الشيعة:25.
البحث الثاني:في مستحباته:و
هي ستة عشر:
الأول:وضع الإناء على اليمين إن توضّأ منه،

و كان مما يغترف منه باليد.

قاله الأصحاب،لما روي:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يحبّ التيامن في طهوره،و تنعّله،و شأنه كلّه (1).

الثاني:الاغتراف باليمين،

لما قلناه،و لأنّ الباقر(عليه السلام)فعل ذلك لمّا وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (2).

و ليدره بها الى اليسار،قاله الأصحاب (3).و في خبر زرارة عن الباقر(عليه السلام):«أنّه أخذ باليسرى فغسل اليمنى» (4).و روي أيضا عنه(عليه السلام) الأخذ باليمنى (5).

الثالث:التسمية إجماعا.

و هي ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«إذا وضعت يدك في الماء فقل:بسم اللّه و باللّه،اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين» (6).

و قال الصدوق:كان أمير المؤمنين(عليه السلام)إذا توضأ قال:«بسم اللّه و باللّه،و خير الأسماء و أكبر الأسماء للّه (7)و قاهر لمن في السماوات قاهر لمن في الأرض

ص: 173


1- صحيح البخاري 1:53،صحيح مسلم 1:226 ح 268،سنن ابن ماجة 1:141 ح 401،سنن النسائي 1:205.
2- الكافي 3:25 ح 4 الفقيه 1:24 ح 74.
3- راجع:المراسم:39،الوسيلة:51،المهذب 1:43،المعتبر 1:164،نهاية الإحكام 1: 53.
4- الكافي 3:24 ح 1،التهذيب 1:55 ح 157،الاستبصار 1:58 ح 171.
5- الكافي 3:24 ح 3.
6- التهذيب 1:76 ح 192 عن أبي جعفر(عليه السلام).
7- ليست في م،س.

اللّه (1).الحمد للّه الذي جعل من الماء كل شيء حي،و أحيا قلبي بالإيمان.اللّهم تب عليّ،و طهرني،و اقض لي بالحسنى،و أرني كل الذي أحب،و افتح لي الخيرات من عندك،يا سميع الدعاء» (2)،و هذا أكمل.

و لو اقتصر على(بسم اللّه)أجزأ،لإطلاق قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

«إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله،و إذا لم تسم لم يطهر إلاّ ما أصابه الماء» (3)و عن الصادق(عليه السلام):«من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنّما اغتسل» (4)و المراد:ثواب الغسل.و فيه إشارة الى عدم وجوبها و الاّ لم يطهر من جسده شيء، مع عدم دلالة آية الوضوء عليها.

و ما رووه من قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه» (5)لم يثبت عندهم،و لو سلّم حمل على نفي الكمال.و في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من توضّأ بإعادة وضوئه ثلاثا حتى سمّى (6)دلالة على تأكّد الاستحباب،أو يحمل على النية كما مرّ (7).

و لو نسيها في الابتداء،فالأقرب:التدارك في الأثناء،إذ لا يسقط الميسور بالمعسور،و كما في الأكل.و لو تعمّد تركها،فالأقرب انه كذلك،لما فيه من القرب الى المشروع.2.

ص: 174


1- ليست في المصدر.
2- الفقيه 1:27 ح 87.
3- سنن الدار قطني 1:74،السنن الكبرى 1:44.
4- الفقيه 1:31 ح 101،التهذيب 1:358 ح 1073،الاستبصار 1:67 ح 203.
5- مسند أحمد 2:418،سنن ابن ماجة 1:140 ح 399،سنن أبي داود 1:25 ح 101،الجامع الصحيح 1:38 ح 25،مسند أبي يعلى 11:293 ح 6409،سنن الدار قطني 1:73، المستدرك على الصحيحين 1:46.
6- التهذيب 1:358 ح 1075،الاستبصار 1:68 ح 206.
7- تقدم في ص 105 الهامش 2.

و يستحبّ الدعاء بعد التسمية بقوله:«الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا، و لم يجعله نجسا» (1)لما يأتي.و يقرأ الحمد و القدر،قاله المفيد (2).

الرابع:غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء،

مرة من النوم و البول،و من الغائط مرتين،و قد تقدّم (3).

و لا يجب،لعدم تحقق النجاسة،و لقول أحدهما(عليهما السلام):«نعم»في جواب محمد بن مسلم في الرجل يبول و لم يمسّ يده شيئا،أ يغمسها في الماء؟ (4).

و ما روى أبو هريرة من قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا استيقظ أحدكم من نومه،فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا،فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده» (5)لم يثبت عندنا،مع إنكار بعض الصحابة على الراوي،و قالوا:

فما نصنع بالمهراس؟ (6).و لو سلم حمل على الندب،فانّ ظاهر التعليل يدلّ عليه.

و ما رويناه عن عبد الكريم بن عتبة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):من نهيه عن إدخال يده بعد البول حتى يغسلها،و كذا بعد النوم لأنّه لا يدري حيث كانت يده (7)محمول على الكراهية توفيقا.

و لا فرق بين نوم الليل و النهار،و لا بين كون اليد مطلقة أو مشدودة،و كون النائم مسرولا أو غيره.و المعتبر مطلق النوم،فلا يشترط فيه الزيادة على نصف الليل.و اليد هنا من الزند اقتصارا على المتيقن،و لا فرق بين غمس بعضها

ص: 175


1- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
2- انظر المقنعة:43 من دون:و يقرأ الحمد و القدر.
3- تقدم في ص 108-109.
4- الكافي 3:12 ح 4،التهذيب 1:37 ح 98،الاستبصار 1:50 ح 143.
5- تقدم في ص 109 الهامش 4.
6- السنن الكبرى 1:48. المهراس:حجر منقور يدق فيه،و يتوضأ منه.الصحاح-مادة هرس.
7- الكافي 3:11 ح 2،علل الشرائع:282،التهذيب 1:39 ح 106،الاستبصار 1:51 ح 145.

و جميعها في الكراهية.

ثمّ إن نوى للضوء عند الغسل،و إلاّ نوى له لأنه عبادة يعدّ من أفعال الوضوء.و للفاضل وجه بعدم النية،بناء على أنّ الغسل لتوهم النجاسة (1).

قلنا:لا ينافي كونه عبادة باعتبار اشتمال الوضوء عليه.

الخامس:المضمضة و الاستنشاق،

لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):

«عشر من الفطرة»و عدّهما (2).و لأنّ أبا عبد اللّه(عليه السلام)حكى وضوء أمير المؤمنين(عليه السلام)،قال:«ثم تمضمض،فقال:اللّهم لقّني حجتي يوم ألقاك،و أطلق لساني بذكرك،ثم استنشق»رواه عبد الرحمن بن كثير (3).

و عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام):«هما من الوضوء،فإن نسيتهما فلا تعد» (4).

و قول الصادق(عليه السلام):«المضمضة و الاستنشاق ممّا سنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»رواه عبد اللّه بن سنان (5).

و قوله(عليه السلام)في رواية أبي بكر الحضرمي:«ليس عليك استنشاق، و لا مضمضة،إنّهما من الجوف» (6)نفي للوجوب،لدلالة لفظ«عليك».

و قول الباقر(عليه السلام)في رواية زرارة:«ليسا من الوضوء» (7)يعني من واجباته.

و روى زرارة أيضا عنه(عليه السلام):«ليس المضمضة و الاستنشاق

ص: 176


1- تذكرة الفقهاء:1:20،نهاية الإحكام 1:54.
2- صحيح مسلم 1:223 ح 261،سنن أبي داود 1:14 ح 53،سنن النسائي 8:126،السنن الكبرى 1:52.
3- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
4- التهذيب 1:78 ح 200،الاستبصار 1:67 ح 200.
5- التهذيب 1:79 ح 203،الاستبصار 1:67 ح 202.
6- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،الاستبصار 1:117 ح 395.
7- التهذيب 1:78 ح 199،الاستبصار 1:66 ح 199.

فريضة،و لا سنة،إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (1)،يحمل على نفي سنة خاصة، أي:ممّا سنّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حتما،فانّ ذلك قد يسمى سنة لثبوته بالسنّة و إن كان واجبا.و يمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل:ليسا بفرض و لا سنة (2)بهذا أيضا فيرتفع الخلاف في استحبابهما.

و ما روي عن عائشة انّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«هما من الوضوء الذي لا بدّ منه» (3)طعن فيه الدار قطني بإرساله،و وهّم من وصله (4).و لو سلّم حمل على الندب.

و كيفيتهما:أن يبدأ بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكفّ من ماء،و مع الإعواز بكف واحدة،فيدير الماء في جميع فيه ثم يمجّه،ثم يستنشق.و ليبالغ فيهما بإيصال الماء إلى أقصى الحنك،و وجهي الأسنان،و اللّثات،ممرّا إصبعيه (5)عليهما،و إزالة ما هناك (6)من الأذى،و يجذب الماء الى خياشيمه إلاّ أن يكون صائما،لما رووه عن لقيط بن صبرة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)انّه قال:«أسبغ الوضوء،و خلّل بين الأصابع،و بالغ في الاستنشاق الاّ أن تكون صائما» (7)، و روينا عن يونس:«انّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» (8)و هو محمول على المبالغة.و الاستنشاق أيضا بثلاث أكفّ أو كف.

و يدعو عندهما بما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)4.

ص: 177


1- التهذيب 1:78 ح 202،الاستبصار 1:67 ح 201.
2- مختلف الشيعة:21.
3- سنن الدار قطني 1:84،السنن الكبرى 1:52.
4- سنن الدار قطني 1:84.
5- في س:إصبعه.
6- في س:هنا.
7- مسند أحمد 4:211،سنن ابن ماجة 1:142 ح 407،سنن أبي داود 1:36 ح 142،الجامع الصحيح 3:155 ح 788 سن النسائي 1:66،المستدرك على الصحيحين 1:148.
8- الكافي 4:107 ح 4،التهذيب 4:205 ح 593،الاستبصار 2:94 ح 304.

عن علي(عليه السلام)كما مرّ،و انه قال عند استنشاقه:«اللّهم لا تحرّم عليّ ريح الجنة،و اجعلني ممّن يشمّ ريحها و روحها و طيبها» (1)هكذا في التهذيب و من لا يحضره الفقيه.و الذي في المقنعة و المصباح«و ريحانها»بدل«و طيبها»،و أوّله«اللّهم لا تحرمني طيبات الجنان» (2).و في الكافي بسنده:«اللّهم لا تحرم علي ريح الجنة، و اجعلني ممّن يشمّ ريحها و طيبها و ريحانها» (3).و الكل حسن.

السادس:السواك.

و الظاهر أنّه مقدّم على غسل اليدين،لرواية المعلّى بن خنيس عن الصادق(عليه السلام):«الاستياك قبل أن تتوضأ» (4).و لو فعله عند المضمضة جاز،و كذا لو تداركه بعد الوضوء،لقول الصادق(عليه السلام)في ناسية قبل الوضوء:«يستاك،ثم يتمضمض ثلاثا» (5).

و استحبابه في الجملة مجمع عليه،و خصوصا عند القيام من النوم، و خصوصا لقيام صلاة الليل،لرواية أبي بكر بن سماك عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا قمت بالليل فاستك،فإنّ الملك يأتيك فيضع فاه على فيك،و ليس من حرف تتلوه إلا صعد به الى السماء فليكن فوك طيّب الريح» (6).

و لنذكر أحاديث أوردها الصدوق:

فعن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«ما زال جبرئيل(عليه السلام)يوصيني بالسواك،حتى خشيت أن أحفي أو أدرد» (7)و هما رقة الأسنان و تساقطها.

و قال(صلّى اللّه عليه و آله)في وصيته لعلي(عليه السلام):«عليك بالسواك

ص: 178


1- الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.و تقدم صدره في ص 176 الهامش 3.
2- المقنعة:4،مصباح المتهجد:7.
3- الكافي 3:70 ح 6.
4- الكافي 3:23 ح 6.
5- الكافي 3:23 ح 6.
6- الكافي 3:23 ح 7،علل الشرائع:293،و فيهما:أبي بكير بن أبي سماك.
7- الفقيه 1:32 ح 108،و في الكافي 3:23 ح 3.

عند كل وضوء صلاة» (1).

و قال(عليه السلام):«السواك شطر الصلاة» (2).

و قال(عليه السلام):«لكلّ شيء طهور،و طهور الفم السواك» (3).

و قال(صلّى اللّه عليه و آله):«لو لا أن أشقّ على أمتي،لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (4).

قال الصدوق:و روي«أنّ الكعبة شكت الى اللّه ما تلقى من أنفاس المشركين،فأوحى اللّه تعالى إليها:قرّي كعبة،فإنّي مبدلك منهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر.فلما بعث اللّه نبيّه(صلّى اللّه عليه و آله)نزل عليه الروح الأمين (عليه السلام)بالسّواك» (5).

و قال أمير المؤمنين(عليه السلام):«إنّ أفواهكم طرق القرآن،فطهّروها بالسّواك» (6).

و قال الباقر و الصادق عليهما السلام:«صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» (7).

و قال الصادق(عليه السلام):«في السواك اثنتا عشرة خصلة:هو من السنّة،و مطهرة للفم،و مجلاة للبصر،و يرضي الرحمن،و يبيّض الأسنان، و يذهب الحفر،و يشد اللّثة،و يشهي الطعام،و يذهب بالبلغم،و يزيد في الحفظ،و يضاعف الحسنات،و تفرح به الملائكة» (8)إلى أخبار كثيرة أوردها1.

ص: 179


1- الفقيه 1:32 ح 113.
2- الفقيه 1:32 ح 114،و فيه:«شطر الوضوء».
3- الفقيه 1:33 ح 116.
4- الفقيه 1:34 ح 123،و في الكافي 3:22 ح 1.
5- الفقيه 1:34 ح 125،و في المحاسن:558،و الكافي 4:546 ح 32.
6- الفقيه 1:32 ح 112،المقنع:8.
7- الفقيه 1:33 ح 118،و في الكافي 3:22 ح 1.
8- الفقيه 1:34 ح 126،و في المحاسن:526،الكافي 6:495 ح 6،ثواب الأعمال:34، و الخصال:481.

هو و غيره.

و روى العامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» (1)،و أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا استيقظ استاك (2).

و هنا مسائل:

الأولى:استحبابه يعمّ الصائم و المحرم، أمّا الصائم فلرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«يستاك الصائم أيّ النهار شاء،و لا يستاك بعود رطب» (3)،و فيها دلالة على أصل السواك،و على كراهيته بالرطب للصائم، كما أفتى به ابن أبي عقيل،و الشيخ في الاستبصار (4).

و في ورائه الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أ يستاك الصائم بالعود الرطب يجد طعمه؟قال:«لا بأس به» (5).و في رواية موسى الرازي عن الرضا(عليه السلام):«الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب»،و أشار إلى أن المضمضة إذا كانت للسنة فكذلك السواك (6).

قال في التهذيب:الكراهية لمن لم يضبط نفسه عن استرسال رطوبته،أمّا من تمكن من ذلك فلا بأس به (7).

أمّا المحرم،فلرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أنّه سأله عن3.

ص: 180


1- مسند أحمد 6:146،سنن الدارمي 1:174،صحيح البخاري 3:40،سنن النسائي 1: 10،السنن الكبرى 1:34.
2- مسند أحمد 1:373،صحيح مسلم 1:221 ح 255،سنن أبي داود 1:15 ح 55،السنن الكبرى 1:38.
3- التهذيب 4:262 ح 785،الاستبصار 2:91 ح 292.
4- الاستبصار 1:92،مختلف الشيعة:233.
5- التهذيب 4:323 ح 993،الاستبصار 2:91 ح 291.
6- التهذيب 4:263 ح 788،الاستبصار 2:92 ح 295.
7- التهذيب 4:263.

المحرم يستاك؟قال:«نعم،و لا يدمي» (1).

الثانية:يكره في الخلاء، لما مر.و كذا في الحمّام،لأنّه يورث و باء الأسنان، قاله الصدوق (2).

الثالثة:ينبغي أن يكون عرضا، لما رواه عن الباقر(عليه السلام)أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)قال:«اكتحلوا وترا،و استاكوا عرضا» (3).

الرابعة:يجوز الاعتياض عن السواك بالمسبّحة و الإبهام عند عدمه أو ضيق الوقت،لما رواه علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام)،في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة،و هو يقدر على السواك،قال:«إذا خاف الصبح فلا بأس به» (4).

و روى الكليني مرسلا:«أدنى السواك أن تدلك بإصبعك» (5).و قد أسنده في التهذيب إلى السكوني عن الصادق(عليه السلام):«أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:التسوّك بالإبهام و المسبحة عند الوضوء سواك» (6).

الخامسة: لو ضعفت الأسنان عنه بحيث يتضرّر به جاز تركه،لما روي:

ان الصادق(عليه السلام)تركه قبل أن يقبض بسنتين لضعف أسنانه (7).

السادسة: ليكن بقضبان الأشجار على الأفضل،و أفضلها الأراك،لفعل السلف.و ليكن ليّنا لئلا يقرح اللّثة،فإن كان يابسا ليّن بالماء.

و تتأدّى أصل السنة بالخرقة الخشنة و بالإصبع،كما قلناه.

السابعة: لا بأس بإمراره على سقف الفم و ظهور الأضراس،لما فيه من التنظيف.5.

ص: 181


1- التهذيب 5:313 ح 1078.
2- الفقيه 1:33،64.
3- الفقيه 1:33 ح 120.
4- قرب الاسناد 1:95،الفقيه 1:34 ح 122.
5- الكافي 3:23 ح 5.
6- التهذيب 1:357 ح 1070.
7- الفقيه 1:33 ح 121،علل الشرائع:295.

و الظاهر:عدم كراهية استياكه بسواك غيره بإذنه،للأصل.

الثامنة: أورد العامة في الصحيح عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)استحباب السّواك لدخول الإنسان بيته (1)،و لا بأس به لما فيه من الاستطابة.

التاسعة: يستحبّ تمرين الصبي عليه كالبالغ،ليألفه،و كسائر العبادات.

العاشرة: تغيّر النكهة له أسباب منها:النوم،و طول السكوت،و ترك الأكل،و أكل كريه الرائحة،و قلح (2)الأسنان،و أبخرة المعدة،و في جميعها يستحب.

و يستحب غسل السواك بعد الفراغ ليزول عنه الأذى،و أمام الاستياك ليلينّه إلاّ في الصوم،و تجفيفه بعد الغسل.

السابع:روى ابن بابويه عن الصادق(عليه السلام):«إذا توضأ الرجل

صفق وجهه بالماء،

فإنّه إن كان ناعسا استيقظ،و إن كان يجد البرد فزع فلم يجد البرد» (3)و افتى به والده في الرسالة.

و هو في التهذيب من مراسيل ابن المغيرة عنه(عليه السلام) (4)،و عارضه بخبر السكوني عنه(عليه السلام):«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم»و جمع بينهما بحمل هذا على الأولى،و الأول على الإباحة (5).

الثامن:تخليل شعر الوجه،

حسب ما مرّ.

التاسع:تثنية الغسلات في الأعضاء الثلاثة بعد تمام الغسل

بالأولى في أظهر الأقوال-و نقل فيه ابن إدريس الإجماع (6)بناء على عدم الاعتداد بخلاف

ص: 182


1- صحيح مسلم 1:220 ح 253،سنن النسائي 1:13،السنن الكبرى 1:34.
2- القلح:صفرة الأسنان.الصحاح-مادة قلح.
3- الفقيه 1:31 ح 106،علل الشرائع:281.
4- التهذيب 1:357 ح 1071،الاستبصار 1:69 ح 207،باختلاف يسير.
5- التهذيب 1:357 ح 1072،الاستبصار 1:69 ح 208.
6- السرائر:17.

المعيّن-لما رووه عن أبي هريرة:انّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)توضأ مرتين مرتين (1).و روينا عن معاوية بن وهب و صفوان و زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«الوضوء مثنى مثنى» (2).

و لا يراد به الوجوب،للامتثال بالمرة،و لما رووه عن ابن عباس:انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله)توضأ مرة مرة (3).و روينا عن عبد الكريم،عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):«ما كان وضوء علي(عليه السلام)إلاّ مرة مرة» (4).و روى يونس بن عمّار عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«مرة مرة» (5).

و قال الصدوق في المقنع،و من لا يحضره الفقيه:الوضوء مرة،و اثنتان لا يؤجر،و ثلاث بدعة.و طعن في أخبار المرتين بانقطاع السند،و بالحمل على التجديد (6).

قلت:الأخبار التي رويناها بالمرتين في التهذيب متصلة صحيحة الإسناد، فلا عبرة بانقطاع غيرها،و الحمل على التجديد خلاف الظاهر.

تنبيه:

المشهور تحريم الثالثة،لأنّها إحداث في الدين ما ليس منه و هو معنى البدعة-قال بعضهم:و لمنعها عن الموالاة الواجبة،و هو بناء على المتابعة-و لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق(عليه السلام):«الوضوء واحدة فرض،و اثنتان لا6.

ص: 183


1- سنن أبي داود 1:34 ح 136،الجامع الصحيح 1:62 ح 43،المستدرك على الصحيحين 1: 150،السنن الكبرى 1:79.
2- التهذيب 1:80 ح 208-210،الاستبصار 1:70 ح 213-215.
3- صحيح البخاري 1:51،سنن أبي داود 1:34 ح 138،الجامع الصحيح 1:60 ح 42، سنن النسائي 1:62،المستدرك على الصحيحين 1:150.
4- الكافي 3:27 ح 9،التهذيب 1:80 ح 207.
5- الكافي 3:26 ح 6،التهذيب 1:80 ح 206،الاستبصار 1:69 ح 211.
6- الفقيه 1:26،29،المقنع:4،الهداية:16.

يؤجر،و الثالثة بدعة» (1).

و قال ابن الجنيد و ابن أبي عقيل بعدم التحريم (2)لقول الصادق(عليه السلام)في رواية زرارة:«الوضوء مثنى مثنى،من زاد لم يؤجر عليه» (3).

قلنا:هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة.

ثم المفيد جعل الزائد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها (4).

و ابن أبي عقيل:إن تعدّى المرتين لا يؤجر على ذلك (5).

و ابن الجنيد:الثالثة زيادة غير محتاج إليها (6).

و بالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة (7)و هو حسن إن مسح بمائها.

و قال الكليني-رحمه اللّه-لمّا روى:«ما كان وضوء علي(عليه السلام)إلاّ مرة مرة»:هذا دليل على أن الوضوء مرة مرة،لأنه(عليه السلام)كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة للّه تعالى أخذ بأحوطهما و أشدّهما على بدنه.و إن الذي جاء عنهم أنه قال:«الوضوء مرتان»انّه هو لمن لم يقنعه مرة فاستزاده،فقال:«مرتان» ثم قال:«و من زاد على مرتين لم يؤجر».و هو أقصى غاية الحدّ في الوضوء الذي من تجاوزه أثم و لم يكن له وضوء،و كان كمن صلّى الظهر خمسا.و لو لم يطلق(عليه السلام)في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث (8).

قلت:هذا نحو كلام ابن بابويه،و التأويل مردود بإطلاق الأحاديث.

هذا كلّه إذا لم يتّق،فلو ثلّث للتقية فلا تحريم هنا و لا كراهية قطعا،7.

ص: 184


1- التهذيب 1:81 ح 212،الاستبصار 1:71 ح 217.
2- مختلف الشيعة:22.
3- التهذيب 1:80 ح 210،الاستبصار 1:70 ح 215.
4- المقنعة:5.
5- مختلف الشيعة:22.
6- مختلف الشيعة:22.
7- الكافي في الفقه:133.
8- الكافي 3:27.

لوجوب دفع الضرر،و ما رواه داود بن زربي-بكسر الزاء ثم الراء الساكنة ثم الباء الموحدة-قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن الوضوء،فقال:«توضّأ ثلاثا ثلاثا»،ثم قال:«أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم»؟قلت:بلى.قال:«فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي،فرآني بعضهم و لا أعلم به،فقال:كذب من زعم أنّك فلاني و أنت تتوضأ هذا الوضوء!فقلت:لهذا و اللّه أمرني» (1).

العاشر:بدأة الرجل بظاهر ذراعه في الاولى،

و بالباطن في الثانية،و المرأة تعكس،لرواية محمّد بن بزيع عن الرضا(عليه السلام):«فرض على النساء في الوضوء أن يبد أن بباطن أذرعهن،و في الرجال بظاهر الذراع» (2).و حمل على التقدير و التبيين،للاتفاق على عدم وجوبه (3).

و هذه الرواية مطلقة في الغسلتين،و أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الأولى و الثانية بين الرجل و المرأة (4)و الفرق شيء ذكره في المبسوط (5)و تبعه:ابن زهرة (6)و الكيدري،و ابن إدريس (7)و الفاضلان (8).و باقي كتب الشيخ على الإطلاق (9)كباقي الأصحاب.

الحادي عشر:الدعاء عند كل فعل،

و قد مرّ بعضه (10)و دلّ على الباقي الرواية المشهورة عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)، قال:«بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالسا و معه ابن الحنفية،و قال له:يا محمد ائتني

ص: 185


1- التهذيب 1:82 ح 214،الاستبصار 1:71 ح 219.
2- الكافي 3:28 ح 6،التهذيب 1:76 ح 193.
3- المعتبر 1:167.
4- راجع:المقنعة:5،المراسم:39،الوسيلة:51،المعتبر 1:167.
5- المبسوط 1:20.
6- الغنية:492.
7- السرائر:17.
8- شرائع الإسلام 1:24،تذكرة الفقهاء 1:21،نهاية الإحكام 1:57.
9- راجع:النهاية:13،الجمل و العقود:159.
10- تقدّم في 175 الهامش 1،17 الهامش 1،2،3 و غيرها في مواردها.

بإناء من ماء أتوضأ للصلاة،فأتاه فأكفاه بيده اليسرى على يده اليمنى،ثم قال:

بسم اللّه،و الحمد للّه..الى قوله:ثم غسل وجهه،فقال:اللّهم بيّض وجهي يوم تسودّ الوجوه،و لا تسوّد وجهي يوم تبيضّ الوجوه.

ثم غسل يده اليمنى،فقال:اللّهم أعطني كتابي بيميني،و الخلد في الجنان بيساري،و حاسبني حسابا يسيرا.ثم غسل يده اليسرى فقال:اللّهم لا تعطني كتابي بشمالي،و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي،و أعوذ بك من مقطّعات النيران.

ثم مسح رأسه،فقال:اللّهم غشّني رحمتك و بركاتك.ثم مسح رجليه، فقال:اللّهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام،و اجعل سعيي فيما يرضيك عني.

ثم رفع رأسه فنظر الى محمّد،فقال:يا محمد من توضّأ مثل وضوئي،و قال مثل قولي،خلق اللّه من كل قطرة ملكا يقدّسه و يسبّحه،و يكبّره،فيكتب اللّه له ثواب ذلك الى يوم القيامة» (1).و الرواية و إن كان قد ضعّف،إلا أنّ الشهرة و عمل الأصحاب يؤيدها.

و زاد المفيد في دعاء الرجلين:يا ذا الجلال و الإكرام (2).

و إذا فرغ المتوضي يستحبّ له أن يقول:«الحمد للّه ربّ العالمين»،لما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (3).و زاد المفيد:اللّهم اجعلني من التوّابين، و اجعلني من المتطهّرين (4).

و قال ابن بابويه:زكاة الوضوء أن يقول:اللّهم إنّي أسألك تمام الوضوء، و تمام الصلاة،و تمام رضوانك،و الجنة (5).2.

ص: 186


1- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153.
2- المقنعة:5.
3- التهذيب 1:76 ح 192 عن أبي جعفر(عليه السلام).
4- المقنعة:5.
5- الفقيه 1:32.
الثاني عشر:فتح العينين عند الوضوء،

قاله ابن بابويه راويا أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:«افتحوا عيونكم عند الوضوء،لعلّها لا ترى نار جهنم» (1).

و لا ينافيه حكم الشيخ في الخلاف بنفي استحباب إيصال الماء الى داخل العينين محتجّا بالإجماع (2)و كذا في المبسوط (3)لعدم التلازم بين الفتح و بينه.

الثالث عشر:الوضوء بمدّ

لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):

«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يتوضّأ بمدّ،و يغتسل بصاع.و المدّ:رطل و نصف،و الصاع ستة أرطال» (4)يعني بالمدني.

و قال ابن بابويه:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«للوضوء مدّ، و للغسل صاع.و سيأتي أقوام يستقلّون ذلك،فأولئك على خلاف سنتي،و الثابت على سنتي معي في حظيرة القدس» (5).

و روى حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«إنّ للّه ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه» (6).

و قدّر ابن بابويه المدّ-في سياق كلام الكاظم(عليه السلام)-بوزن مائتين و ثمانين درهما،و الدرهم ستة دوانيق،و الدانق وزن ست حبّات،و الحبّة وزن حبتين من أوسط حب الشعير،قال:و صاع النبي(صلّى اللّه عليه و آله)خمسة أمداد (7).و لم أر له موافقا على ذلك مع حكمه في باب الزكاة بأن الصاع أربعة

ص: 187


1- الفقيه 1:31 ح 104،علل الشرائع:280،ثواب الأعمال:33.
2- الخلاف 1:85 المسألة 35.
3- المبسوط 1:20.
4- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:121 ح 409.
5- الفقيه 1:23 ح 70.
6- الكافي 3:22 ح 9.
7- الفقيه 1:23.

أمداد،و المدّ وزن مائتين و اثنتين و تسعين درهما و نصف (1)كما قاله الأصحاب (2).

و الشيخ روى الأول بسند يأتي،و لم يتعرض له بحكم (3).

فرع:

هذا المدّ لا يكاد يبلغه الوضوء،فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء،لما تضمنه رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين(عليه السلام)حيث قال«أتوضأ للصلاة»ثم ذكر الاستنجاء (4)و لما يأتي في حديث الحذّاء أنّه وضّأ الباقر(عليه السلام) (5).

و المفيد رحمه اللّه قال-في الأركان-باستحباب المدّ و الصاع و أنّه إسباغ، ثم قال في موضع آخر:من توضأ بثلاث أكف مقدارها مدّ أسبغ،و من توضأ بكف أجزأه،و هو بعيد الفرض.

و يجزئ مسمّى الغسل،لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في الوضوء:«إذا مسّ الماء جلدك فحسبك» (6).

و عن محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)«يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده،و الماء أوسع من ذلك» (7).

و رويا (8)عنه(عليه السلام):«إنّما الوضوء حدّ من حدود اللّه،ليعلم اللّها.

ص: 188


1- المقنع:48،الهداية:41.
2- راجع:النهاية:191،الغنية:505،السرائر:109،المعتبر 2:533.
3- التهذيب 1:135 ح 374،الاستبصار 1:121 ح 410.و سيأتي في ص 633 الهامش 3.
4- الكافي 3:70 ح 6،الفقيه 1:26 ح 84،أمالي الصدوق:445،التهذيب 1:53 ح 153،عن عبد الرحمن بن عثير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)عن أمير المؤمنين(عليه السلام)،كما مر،راجع: ص 185 الهامش 10.
5- سيأتي في ص 190 الهامش 6.
6- الكافي 3:22 ح 7،التهذيب 1:137 ح 381،الاستبصار 1:123 ح 417.
7- الكافي 3:24 ح 3.
8- في س،ط:و روينا.

من يطيعه و من يعصيه،و إن المؤمن لا ينجّسه شيء،إنّما يكفيه مثل الدهن» (1).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يغتسل بخمسة أمداد بينه و بين صاحبته،و يغتسلان جميعا من إناء واحد» (2).

الرابع عشر:ترك التمندل،

لما رواه الكليني عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من توضّأ فتمندل كانت له حسنة،و إن توضّأ و لم يتمندل حتى يجفّ و ضوؤه كانت له ثلاثون حسنة» (3).

و لا ينافيه:ما رواه محمد بن مسلم عنه(عليه السلام)في المسح بالمنديل قبل أن يجفّ،قال:«لا بأس» (4).

و رواية أبي بكر الحضرمي عنه(عليه السلام):«لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب» (5).

و رواية إسماعيل بن الفضل،قال:رأيت أبا عبد اللّه(عليه السلام)توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه،ثم قال:«يا إسماعيل افعل هكذا فإني هكذا أفعل» (6).

لأنّ نفي البأس أعم من نفي التحريم أو الكراهية،فيحمل على نفي التحريم.و فعل الامام و أمره جاز أن يكون لعارض.و قول الترمذي:لم يصح في هذا الباب شيء (7)شهادة على النفي.

و ظاهر المرتضى-في شرح الرسالة-عدم كراهية التمندل،و هو أحد قولي

ص: 189


1- الكافي 3:21 ح 2،علل الشرائع:279،التهذيب 1:138 ح 387.
2- الكافي 3:22 ح 5،التهذيب 1:137 ح 382،الاستبصار 1:122 ح 412.
3- المحاسن:429،الكافي 3:70 ح 4،الفقيه 1:31 ح 105،ثواب الأعمال:32.
4- التهذيب 1:364 ح 1101.
5- التهذيب 1:364 ح 1102.
6- التهذيب 1:357 ح 1069.
7- الجامع الصحيح 1:74.

الشيخ-رحمهما اللّه تعالى- (1).

الخامس عشر:ترك الاستعانة،

لما روي أنّ عليا(عليه السلام)كان لا يدعهم يصبون الماء عليه،يقول:«لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» (2).

و روى الحسن بن علي الوشّاء انه أراد الصبّ على الرضا(عليه السلام)، فقال:«مه يا حسن»فقلت له:أ تكره أن اؤجر؟قال:«تؤجر أنت و أوزر أنا»و تلا قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ،و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة-و هي العبادة-فأكره أن يشركني فيها أحد» (3).

و الطريق و إن كان فيها إبراهيم الأحمر إلاّ أن العمل على القبول،و عدّه الكليني في النوادر (4).

فإن قلت:قد روى في التهذيب بطريق صحيح عن أبي عبيدة الحذّاء، قال:وضّأت أبا جعفر(عليه السلام)بجمع،و قد بال فناولته ماء فاستنجى،ثم صببت عليه كفّا فغسل وجهه،و كفّا غسل به ذراعه الأيمن،و كفّا غسل ذراعه الأيسر،ثم مسح بفضل الندى رأسه و رجليه (5).

قلت:يحمل على الضرورة،و قد يترك الإمام الأولى لبيان جوازه.

السادس عشر:يكره الوضوء في المسجد لمن بال أو تغوّط،

لرواية رفاعة قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام)عن الوضوء في المسجد؟فكرهه من البول و الغائط (6).

و لا ينافيه رواية بكير بن أعين عن أحدهما(عليهما السلام):«إن كان

ص: 190


1- المبسوط 1:23،الخلاف 1:9 المسألة 44.
2- الفقيه 1:27 ح 85،علل الشرائع:278،التهذيب 1:354 ح 1057.
3- التهذيب 1:365 ح 1107. و الآية في سورة الكهف:110.
4- الكافي 3:69 ح 1.
5- التهذيب 1:58 ح 162،79 ح 204،الاستبصار 1:58 ح 172،69 ح 209.
6- الكافي 3:369 ح 9،التهذيب 3:257 ح 719.

الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» (1)بحمله على غيرهما.

مسائل سبع:

الأولى: لو كان الإناء لا يغترف منه وضع على اليسار للصبّ في اليمين.

و لو استعان لضرورة أو مطلقا،فالظاهر:كون المعون على اليمين،كالإناء المغترف منه.

الثانية:تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحبّ. و في المبسوط:لا يجوز العكس (2).

و المأخذ أنّ تغيير هيئة المستحب هل توصف بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع، أو بترك المستحبّ تبعا لأصلها؟هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير،أمّا معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة،أمّا الفعل فالظاهر لا.و تظهر الفائدة في التأثيم،و نقص الثواب،و إيقاع النية.

و كذا لو فعل الغسلات المسنونة على غير هيئة الغسلات الواجبة،فإنّه خالف المستحب.

و لو اعتقد وجوب الغسلة الثانية مع الإسباغ بالأولى،فإنّه يخطئ،و في تحريم الفعل الوجهان،و يتفرّع المسح بماء هذه الغسلات.

الثالثة:يجوز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض، لاستحباب أصلها.

و لو قلّ الماء استأثر الوجه،ثم اليمنى.و لو لم يمكن الجمع بين استعمال الماء في المقدمات و استعماله في الغسلات،ففي تقديم أيّهما وجهان،مأخذهما:

اختصاص المقدمات بالأولية المقتضية للأهمية و ابلغية النظافة بها،و أن المقصود بالذات أولى من الوسيلة إليه.

الرابعة:لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل، لأنّه المتيقن.0.

ص: 191


1- التهذيب 1:353 ح 1049.
2- المبسوط 1:20.

و في الغسلات المقارنة وجهان:من التعرّض للثالثة،و قضية الأصل،و هو أقوى.

الخامسة:لا يستحب التكرار في المسح، لأنه مبني على التخفيف،و لأنه يخرج عن مسمّاه،و لأنّ عليا لما وصف وضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)، قال:«و مسح رأسه مرة واحدة» (1)،و كذا رواه الباقر و الصادق(عليهما السلام) (2).

و الظاهر:أنّه ليس بحرام،للأصل.نعم،يكره ذلك لأنّه تكلّف ما لا حاجة إليه.و لو اعتقد المكلّف شرعيته أثم،و الوضوء صحيح،لخروجه عنه.

و ظاهر الشيخين-في المقنعة،و المبسوط،و الخلاف-:التحريم (3).و في السرائر:من كرّر المسح أبدع،و لا يبطل وضوؤه بغير خلاف (4).و عدّه ابن حمزة من التروك المحرمة (5).و يمكن حمل كلامهم على المعتقد شرعيته.

السادسة: ذكر ابن الجنيد في كيفية غسل الوجه:أن يضع الماء من يمينه على وسط الجبهة،بحيث يعلم انّ الماء قد ماس القصاص،و تكون راحته مبسوطة الأصابع،حتى تأخذ الراحة جبهته و يجرى الماء من العضو الأعلى إلى الذي يليه، و الراحة تتبع جريان الماء على الوجه إلى أن يلتقي الإبهام و السبابة أسفل الذقن، و تمرّ اليد قابضة عليه أو على اللحية إلى أطرافها.

و في غسل اليدين:أن يملأ يده اليمنى ماء،ثم يضعه في اليسرى-و قد رفع مرفقة الأيمن،و حدر ذراعه و كفّه،و بسط أصابعها و فرّقها-فيضع الماء من كفّه اليسرى على أعلى مرفقه الأيمن ليستوعب الغسل المرفق،ثم يسكب الماء بها ينقله بيساره،و قد قبض بها على مرفقه الأيمن من المرفق إلى أطراف أصابعه تبعا للماء،حتى يعلم أنه لم يبق من ظاهرها و باطنها ممّا يلي الأرض شيء إلاّ و قد جرى1.

ص: 192


1- مسند أحمد 1:125،سنن ابن ماجة 1:150 ح 436،سنن أبي داود 1:28 ح 115،سنن الدار قطني 1:90.
2- راجع:الكافي 3:25 ح 1-5،485 ح 1،التهذيب 1:81 ح 210.
3- المقنعة:5،المبسوط 1:23،الخلاف 1:79 المسألة 27.
4- السرائر:16.
5- الوسيلة:51.

عليه الماء.و يكون ظاهر اليسرى مما يلي السماء من ذراعه اليمنى،ثم يرفع يده اليسرى من آخر يده اليمنى بعد مرورها على أصابع كفّه اليمنى إلى أعلى مرفقه الأيمن،فليقم بطن راحته اليسرى و ظهرها مما يلي بطن ذراعه اليمنى حتى يسكب الماء إلى أطراف أصابعه اليمنى.و لو أخذ لظهر ذراعه غرفة و لبطنها أخرى كان أحوط.ثم ذكر غسل اليسرى كذلك.

و قال في مسح رجليه:يبسط كفه اليمنى على قدمه الأيمن،و يجذبها من أصابع رجله الى الكعب،ثم يردّ يده من الكعب إلى أطراف أصابعه،فمهما أصابه المسح من ذلك أجزأه و إن لم يقع على جميعه.ثم يفعل ذلك بيده اليسرى على رجله اليسرى.

و هذه الهيئات لم يذكرها الأصحاب،و لكنها حسنة إلاّ المسح،فإن فيه تكرارا نفاه الأصحاب.

السابعة: قال أيضا:لو بقي موضع لم يبتل،فإن كان دون الدرهم بلّها و صلّى،و إن كانت أوسع أعاد على العضو و ما بعده،و إن جف ما قبله استأنف.

و ذكر أنّه حديث أبي أمامة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)،و ابن منصور عن زيد بن علي(عليه السلام) (1).

و لم يعتبر الأصحاب ذلك،بل قضية كلامهم غسله و غسل ما بعده مطلقا، و إن جف البلل فالاستئناف مطلقا،لوجوب الترتيب بين غسل الأعضاء، و الأخبار لم تثبت عندهم.

و في المختلف:ان أوجبنا الابتداء من موضع بعينه،وجب غسل العضو من الموضع المتروك الى آخره،و ان لم نوجب اكتفي بغسله (2)،و هو إشارة إلى الخلاف في كيفية غسل الوجه و اليدين.

و لك أن تقول:هب أنّ الابتداء واجب من موضع بعينه،و لا يلزم غسله7.

ص: 193


1- مختلف الشيعة:27.
2- مختلف الشيعة:27.

و غسل ما بعده إذا كان قد حصل الابتداء،للزوم ترتب أجزاء العضو في الغسل، فلا يغسل لا حقا قبل سابقه.و فيه عسر منفي بالآية.

و قال ابن بابويه:سئل أبو الحسن موسى(عليه السلام)عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء،فقال:«يجزئه أن يبلّه من بعض جسده» (1).فإن أريد به بلّه ثم الإتيان بالباقي فلا بحث،و إن أريد الاقتصار عليه أشبه قول ابن الجنيد.

الثامنة: لم أقف على نص للأصحاب في استحباب الاستقبال بالوضوء، و لا في كراهية الكلام بغير الدعاء في أثنائه.و لو أخذ الأول من قولهم(عليهم السلام):«أفضل المجالس ما استقبل به القبلة» (2)،و الثاني من منافاته الدعوات و الأذكار،أمكن.

و كذا لم يذكروا كراهة نفض المتوضئ يده،و قد كرهه العامة،لما رووه عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم،فإنها مراوح الشيطان» (3).

و كذا أهملوا استحباب الجلوس في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه، و الظاهر:أنّ هذا بناء منهم على تأثير الاستعمال،و هو ساقط عندنا.نعم،لو كانت الأرض نجسة وجب،و إن كانت مظنة النجاسة استحبّ.

و أمّا إمرار اليد على الأعضاء،فواجب في المسح،و الأصحّ استحبابه في الغسل،تأسّيا بما فعله صاحب الشرع و أهل بيته صلّى اللّه عليهم أجمعين.9.

ص: 194


1- الفقيه 1:36 ح 133،عيون أخبار الرضا 2:22.
2- الغايات:87،الكامل لابن عدي 2:785،مجمع الزوائد 8:59 عن الطبراني.
3- علل الحديث للرازي 1:36،الفردوس بمأثور الخطاب:1:265 ح 1029.
البحث الثالث:في أحكام الوضوء.و
فيه مسائل:
المسألة الأولى:يستباح بالوضوء ما شاء المكلف من غاياته ما لم يحدث.

نعم، يستحب تجديده بحسب الصلوات،فرضا كانت أو نفلا،لما روي من فعل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) (1).

و روي:«الوضوء على الوضوء نور على نور» (2).

و روي:«من جدّد وضوء من غير حدث،جدّد اللّه توبته من غير استغفار» (3).

و عن سعدان،عن بعض أصحابه،عن الصادق(عليه السلام):«الطهر على الطهر عشر حسنات» (4).

و عن سماعة قال:كنت عند أبي الحسن(عليه السلام)،فحضرت المغرب،فدعا بوضوء فتوضّأ،ثم قال لي:«توضّأ».فقلت:أنا على وضوء.

فقال:«و إن كنت على وضوء،إنّ من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلاّ الكبائر،و من توضّأ للصبح كان و ضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر» (5).

فروع:

الأول:هل يستحب تجديده لمن لم يصلّ بالأول؟ يمكن ذلك،للعموم.

ص: 195


1- الفقيه 1:25 ح 80.
2- الفقيه 1:26 ح 82.
3- الفقيه 1:26 ح 82،ثواب الأعمال:33.
4- الكافي 3:72 ح 10.
5- الكافي 3:72 ح 9.

و العدم،لعدم نقل مثله.و قطع في التذكرة بالأول (1).

الثاني:هل يستحب تجديده لصلاة واحدة أكثر من مرة؟ الظاهر:لا، للأصل من عدم الشرعية،و لأدائه إلى الكثرة المفرطة.و ربما فهم عدم تجديده لذلك من كلام ابن بابويه (2).و توقّف في المختلف،لعدم النص إثباتا و نفيا (3).

الثالث: الأقرب:انّه لا يستحب تجديده لسجود التلاوة و الشكر،و لما الوضوء شرط في كماله،للأصل.و في الطواف احتمال،للحكم بمساواته الصلاة.

المسألة الثانية:في الجبائر.
اشارة

و فيها نكت:

الأولى:الجبيرة إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى البشرة وجب،

تحصيلا لمسمّى الغسل و المسح.و إن تعذّرا مسح عليها و لو في موضع الغسل،سواء وضعها على طهر أو لا،قاله في المبسوط (4)قال في المعتبر:و هو مذهب الأصحاب (5).

قلت:فيه تنبيه على قول بعض الشافعية بوجوب إعادة الصلاة لو وضعها على غير طهر (6)بل قال بعضهم بوجوب الإعادة مطلقا (7).

أمّا عدم المسح عليها و الحالة هذه فلا قائل به،قال في التذكرة:و لا نعلم فيه مخالفا،لأنّ العامة رووا أن عليا(عليه السلام)قال:«انكسر إحدى زنديّ،

ص: 196


1- تذكرة الفقهاء 1:20.
2- الفقيه 1:26.
3- مختلف الشيعة:27.
4- المبسوط 1:23.
5- المعتبر 1:161.
6- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1:44،المجموع 2:329.
7- قاله البغوي،لاحظ:المجموع 2:329.

فسألت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فأمرني أن أمسح على الجبائر» (1).

و الزند:عظم الذراع،و تأنيثه بتأويل الذراع.

و روينا عن كليب الأسدي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الكسير:«إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره،و ليصلّ» (2)،و لأن التكليف بنزعها حرج و عسر،كما أشار الصادق(عليه السلام)إليه فيما يأتي.

الثانية:في حكم الكسر القرح و الجرح،

لرواية الحلبي عنه(عليه السلام):

في الرجل يكون به القرحة فيعصبها بخرقة،أ يمسح عليها إذا توضأ؟فقال:«إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة،و إن كان لا يؤذيه نزع الخرقة ثم ليغسلها» (3).

الثالثة:لو لم يكن على الجرح خرقة غسل ما حوله،

لما في هذه الرواية:

و سألته عن الجرح،كيف يصنع به في غسله؟قال:«اغسل ما حوله» (4)،و مثله في الجرح رواية عبد اللّه بن سنان،عنه(عليه السلام) (5).

و لا فرق بين الخرقة و غيرها مما يتعذّر نزعه،و لا بين مواضع الغسل و المسح، لرواية عبد الأعلى،قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):عثرت فانقطع ظفري،فجعلت على إصبعي مرارة،فكيف أصنع بالوضوء؟قال:«يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه عزّ و جلّ،قال اللّه تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ،امسح عليه» (6).

قلت:قد نبّه(عليه السلام)على جواز استنباط الأحكام الشرعية من

ص: 197


1- تذكرة الفقهاء 1:20. و رواية الامام علي(عليه السلام)في المصنف لعبد الرزاق 1:161 ح 623،سنن ابن ماجة 1: 215 ح 657،سنن الدار قطني 1:226،السنن الكبرى 1:228.
2- التهذيب 1:363 ح 1100.
3- الكافي 3:33 ح 3،التهذيب 1:362 ح 1095،الاستبصار 1:77 ح 239.
4- الكافي 3:33 ح 3،التهذيب 1:362 ح 1095،الاستبصار 1:77 ح 239.
5- الكافي 3:32 ح 2،التهذيب 1:363 ح 1096.
6- الكافي 3:33 ح 4،التهذيب 1:363 ح 1097،الاستبصار 1:77 ح 240. و الآية في سورة الحج:22.

أدلتها التفصيلية.

و أما رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم(عليه السلام)في الكسير عليه الجبائر،كيف يصنع بالوضوء و غسل الجنابة و غسل الجمعة؟قال:«يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ليس عليه الجبائر،و يدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطاع غسله،و لا ينزع الجبائر،و لا يعبث بجراحته (1)فلا تنافي أخبار المسح عليها، بحمل قوله:«و يدع ما سوى ذلك»على أنّه يدع غسله،و لا يلزم منه ترك مسحه، فيحمل المطلق على المقيّد.

الرابعة:حكم الطلاء الحائل حكم الجبيرة أيضا،

لرواية الوشّاء عن أبي الحسن(عليه السلام)في الدواء إذا كان على يدي الرجل،أ يمسح على طلي الدواء؟فقال:«نعم» (2)و هو محمول على عدم إمكان إزالته.

و لو طلى رأسه بالحنّاء،ففي رواية محمّد بن مسلم:يجوز المسح على الحنّاء (3)و هو في الحمل كالأوّل.

الخامسة:لو عمّت الجبائر أو الدواء الأعضاء مسح على الجميع،

و لو تضرّر بالمسح تيمّم.و لا ينسحب على خائف البرد فيؤمر بوضع حائل،بل يتيمّم،لأنّه عذر نادر و زواله سريع.

السادسة:لو كانت الخرقة نجسة،و لم يمكن تطهيرها،

فالأقرب:وضع طاهر عليها،تحصيلا للمسح.و يمكن إجراؤها مجرى الجرح في غسل ما حولها.

و قطع الفاضل بالأول (4).

السابعة:ما قارب الجبيرة ممّا لا يمكن إيصال الماء إليه بحكمها،

و كذا لو احتاج الى استيعاب عضو صحيح فحكمه حكم الكسير.

ص: 198


1- التهذيب 1:362 ح 1094،الاستبصار 1:77 ح 238،و في الكافي 3:32 ح 1 عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام).
2- التهذيب 1:363 ح 1098.
3- التهذيب 1:359 ح 1081،الاستبصار 1:75 ح 233.
4- تذكرة الفقهاء 1:21.

و لو وضع على غير محل الحاجة وجب نزعه،فإن تعذّر مسح عليه.و في الإعادة نظر،من تفريطه،و امتثاله.و قوّى في التذكرة الأوّل (1)،و لا إشكال عندنا في عدم إعادة ما صلاّه بالجبائر في غير هذا الموضع.

الثامنة:لو كانت الجبيرة على مواضع التيمم و احتيج إليه،

فكالوضوء و الغسل.و لا يجب مع التيمم مسحها بالماء،كما لا يجب على (2)ماسح الجبيرة في الطهارة المائية التيمم،لأنّ البدل لا يجامع المبدل.

و ما رووه عن جابر أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال في المشجوج لما اغتسل من احتلامه فمات لدخول الماء شجّته:«إنّما كان يكفيه أن يتيمّم،و يعصب على رأسه خرقة،ثمّ يمسح عليها،و يغسل سائر جسده» (3)يحمل على القصد إلى ذلك،أو على إنابة الواو مناب أو،و يكون في معنى لزوم أحد الأمرين على الترتيب.

التاسعة:قطع الفاضلان بوجوب استيعاب الجبيرة بالمسح،

عملا بظاهر «عليها» (4)و لأنّها بدل مما يجب ايعابه (5).

و يشكل:بصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها،كصدق المسح على الرجلين و الخفين عند الضرورة.و يفرّق بينهما بوجوب استيعاب الأصل في الجبيرة بخلاف المسحين المذكورين.

و في المبسوط:الأحوط استغراق الجميع (6)،و هو حسن.نعم،لا يجب جريان الماء عليها لأنّه لم يتعبّد بغسلها إذا كان الماء لا يصل إلى أصلها،(أو يصل) (7)بغير غسلها.

ص: 199


1- تذكرة الفقهاء 1:21.
2- في س:غسل.
3- سنن أبي داود 1:93 ح 336،سنن الدار قطني 1:189،السنن الكبرى 1:228.
4- إشارة الى الحديث المتقدم.
5- المعتبر 1:409،تذكرة الفقهاء 1:21.
6- المبسوط 1:23.
7- ليست في س.
العاشرة:لا فرق بين كون أصلها طاهرا،

أو نجسا مع تعذّر تطهيره، للعموم.و لا يتقدّر المسح عليها بغير مدة التعذّر،لأنه المقتضي للمسح،فيدور معه وجودا و عدما.و الحمل على الخف (1)وهم في وهم.

الحادية عشرة:لو لم يكن على محل الكسر جبيرة،

و تضرّر بإيصال الماء إليه، فكالجرح في غسل ما حوله.و ليتلطّف بوضع خرقة مبلولة حوله،لئلاّ يسري إليه الماء فيستضرّ أو ينجس.و لو احتاج إلى معين وجب و لو بأجرة ممكنة.

و لو لصق بالجرح خرقة و قطنة و نحوهما،و أمكن النزع و إيصال الماء حال الطهارة،وجب-كما في الجبيرة-و إلاّ مسح عليه.و لو استفاد بالنزع غسل بعض الصحيح،فالأقرب:الوجوب،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2)،هذا مع عدم الضرر بنزعه.

الثانية عشرة:لو أمكن المسح على محل (3)الجرح المجرّد بغير خوف تلف،

الثانية عشرة:لو أمكن المسح على محل(3) الجرح المجرّد بغير خوف تلف،و لا زيادة فيه،ففي وجوب المسح عليه احتمال،مال إليه في المعتبر (4)،و تبعه في التذكرة،تحصيلا لشبه الغسل عند تعذّر حقيقته (5)،و كأنّه يحمل الرواية:«يغسل ما حوله»على ما إذا خاف ضررا بمسحه،مع أنّه ليس فيها نفي لمسحه،فيجوز استفادته من دليل آخر.

فإن قلنا به و تعذّر،ففي وجوب وضع لصوق و المسح عليه احتمال أيضا، لأن المسح بدل عن الغسل،فينسب إليه بقدر الإمكان.

و إن قلنا:بعدم المسح على الجرح مع إمكانه،أمكن وجوب هذا الوضع، ليحاذي الجبيرة و ما عليه لصوق ابتداء،و الرواية مسلّطة على فهم عدم الوجوب.

ص: 200


1- راجع:المجموع 2:330.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- ليست في س.
4- المعتبر 1:408.
5- تذكرة الفقهاء 1:21.

أمّا الجواز،فإن لم يستلزم ستر شيء من الصحيح فلا إشكال فيه.و إن استلزم أمكن المنع لأنّه ترك للغسل الواجب،و الجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح.

الثالثة عشرة:لو زال العذر،

قطع الشيخ بوجوب إعادة الطهارة (1)لأنها طهارة ضرورية فتتقدّر بقدرها،و لأن الفرض متعلق بالبشرة و لمّا تغسل.و قضية الأصل عدمه،للامتثال المخرج عن العهدة،و الحمل على التيمّم قياس باطل، و لعدم ذكره في الروايات مع عموم البلوى به.

فعلى قوله،لو توهم البرء فكشف فظهر عدمه،أمكن إعادة الطهارة، لظهور ما يجب غسله.و وجه العدم:ظهور بطلان ظنه.

المسألة الثالثة:السلس يجدّد الوضوء بحسب الصلوات في الأقرب،

لأن الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها،فعفي عنه في قدر الضرورة و هو الصلاة الواحدة،و لاقتضاء القيام إلى الصلاة الطهارة لكلّ محدث،عملا بالآية و هذا محدث.

و جوّز في المبسوط ان يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة،لأنه لا دليل على تجديد الوضوء عليه،و حمله على الاستحاضة قياس لا نقول به.ثم ذكر وجوب التحفّظ بقدر الإمكان (2)،كما مر.فكأنه لا يجعل البول حدثا و يحصر الحدث في غيره.

و في الخلاف جعله كالمستحاضة في وجوب التجديد،ثم ذكر الإجماع (3)، و الظاهر أنّه على المستحاضة لا غير.

و كلامه في المبسوط يشعر بانتفاء النص فيه،مع انّ ابن بابويه و الشيخ رويا عن حريز،عن الصادق(عليه السلام)،في الرجل يقطر منه البول و الدم:«إذا

ص: 201


1- المبسوط 1:23.
2- المبسوط 1:68.
3- الخلاف 1:249 المسألة 221.

كان حين الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا،ثمّ علّقه عليه و أدخل ذكره فيه،ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين الظهر و العصر-يؤخّر الظهر و يعجل العصر-بأذان و إقامتين،و يؤخّر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين،و يفعل ذلك في الصبح» (1).

قلت:كأنّه لا يرى فيه دلالة على المطلوب،إذ لا ينفي جواز الزيادة على الصلاتين،و لا ينافي تخلل الوضوء للثانية.

و الفاضل استشعر ذلك،فذهب في المنتهى الى جواز الجمع المذكور لا غيره (2).مع ان في التهذيب بالإسناد إلى سماعة:سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم أو غيره،قال:«فليضع خريطة،و ليتوضّأ،و ليصل،فإنّما ذلك بلاء ابتلي به،فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه» (3)و هو يشعر بفتوى المبسوط (4).

المسألة الرابعة:الظاهر:ان المبطون يجدّد أيضا لكلّ صلاة،

لمثل ما قلناه.و لم أرهم صرّحوا به،إلاّ ان فتواهم بالوضوء للحدث الطارئ في أثناء الصلاة يشعر به.

و قد رواه محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام):«صاحب البطن الغالب يتوضّأ،و يبني على صلاته» (5)،و عبارة رواية التهذيب:«يتوضّأ،ثم يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي» (6).

و في رواية الفضيل بن يسار-بالياء المثناة تحت،و السين المهملة المخففة- قلت للباقر(عليه السلام):أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو ضربانا،

ص: 202


1- الفقيه 1:38 ح 146،التهذيب 1:348 ح 1021.
2- منتهى المطلب 1:73.
3- التهذيب 1:349 ح 1027.
4- في ط:الأصحاب.
5- الفقيه 1:237 ح 1043.
6- التهذيب 1:350 ح 1036.

فقال:«انصرف،ثم توضّأ،و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا»،و لم يبطلها باستدبار القبلة (1).

و روايات بناء المحدث في أثناء الصلاة بالتيمّم يشعر به أيضا (2).

و في المختلف ألغى الرواية مع صحتها،و أوجب استئناف الطهارة و الصلاة مع إمكان التحفظ بقدر زمانهما،و إلاّ بنى بغير طهارة كالسلس،محتجّا بأنّ الحدث لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة،لانتفاء شرط الصحة،أعني:استمرار الطهارة (3).و هو مصادرة،و تشبيهه بالسلس ينفي ما أثبته من وجوب (4)إعادة الصلاة للمتمكن،إلاّ أن يرتكب مثله في السلس،فالأولى:العمل بموجب الرواية،و فتوى الجماعة.

فرع: هل ينسحب مضمون الرواية في السلس؟يمكن ذلك،لاستوائهما في الموجب،و إشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا.و الوجه:العدم،لأن أحاديث التحفّظ بالكيس و القطن مشعرة باستمرار الحدث،و أنّه لا مبالاة به.

و الظاهر:أنه لو كان في السلس فترات،و في البطن تواتر،أمكن نقل حكم كل منهما إلى الآخر.

المسألة الخامسة:لو شك في الوضوء و هو على حاله،

تلافى المشكوك فيه مراعيا للترتيب و الولاء،لأصالة عدم فعله،و لرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):

«إذا كنت قاعدا على وضوئك،فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا،فأعد عليها و على جميع ما شككت فيه.فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه،و صرت الى حالة أخرى في الصلاة أو غيرها،و شككت في شيء ممّا سمى اللّه عليك وضوءه،فلا شيء

ص: 203


1- الفقيه 1:240 ح 1060،التهذيب 2:332 ح 1370.
2- الفقيه 1:58 ح 214،التهذيب 1:204 ح 594،الاستبصار 1:167 ح 580.
3- مختلف الشيعة:28.
4- في س:جواز.

عليك فيه» (1).

و هذه كما تدل على المطلوب تدل على عدم اعتبار الشك بعد الانصراف، و ذكر القعود و القيام يبيّن الحال.نعم،لو طال القعود فالظاهر التحاقه بالقيام، لمفهوم قوله:«و فرغت منه و صرت الى حالة اخرى»،و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عنه(عليه السلام):«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره،فليس شكك بشيء،إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (2)،و المراد:انما الشك الذي يلتفت إليه.و ما أحسن رواية بكير بن أعين،قال:قلت له:الرجل يشك بعد ما يتوضأ،قال:«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك» (3)إلى أخبار كثيرة.

و لأنه لو شرع التلافي للشك بعد الفراغ أدى الى الحرج المنفي،لعسر الانفكاك من ذلك الشك،و عسر ضبط الإنسان الأمور السالفة.

فرع:

لو كثر شكّه،فالأقرب:إلحاقه بحكم الشك الكثير في الصّلاة،دفعا للعسر و الحرج.و الأقرب:إلحاق الشك في النية بالشك في أفعال الوضوء في الموضعين،إذ هي من الأفعال،و الأصل عدم فعلها إذا كان الحال باقيا.

أمّا مع اليقين بترك شيء،فلا فرق بين الحالين في وجوب التلافي مرتبا مواليا.و لو كان في الصلاة قطعها،و به أخبار كثيرة،منها:خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض،فانصرف و أتمّ الّذي نسيته» (4).

المسألة السادسة:لو شك في الطهارة بعد يقين الحدث تطهّر،

و بالعكس لا

ص: 204


1- الكافي 3:33 ح 2،التهذيب 1:100 ح 261.
2- التهذيب 1:101 ح 262،السرائر:473.
3- التهذيب 1:101 ح 265.
4- الكافي 3:34 ح 3،التهذيب 1:101 ح 263.

يلتفت،لأنّ اليقين لا يرفعه الشك،إذ الضعيف لا يرفع القوي.

و قد روى عبد اللّه بن بكير عن أبيه،قال:قال لي أبو عبد اللّه(عليه السلام):«إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت» (1).و هو صريح في مسألة يقين الطهارة،و ظاهر في مسألة يقين الحدث،عملا بمفهوم:«إذا استيقنت أنّك توضّأت»،فإنّه يدلّ على اعتبار اليقين في الوضوء.

و لو تيقن الطهارة و الحدث،و شك في السابق،قال المفيد:وجب عليه الوضوء،ليزول الشك عنه و يدخل في صلاته على يقين من الطهارة (2).

قال الشيخ:لأنه مأخوذ على الإنسان ألاّ يدخل في الصلاة إلاّ بطهارة، فينبغي أن يكون متيقّنا بحصول الطهارة قبله،ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (3).

و لم يذكر في هذه المسائل الثلاث رواية غير ما تلوناه،و كذا ابن بابويه في(من لا يحضره الفقيه)أوردها مجرّدة عن خبر (4)،و حكمها ظاهر.

غير أنّ المحقّق في المعتبر قال:عندي في ذلك تردّد-يعني مسألة يقين الطهارة و الحدث-و يمكن أن يقال:ينظر الى حاله قبل تصادم الاحتمالين،فإن كان حدثا بنى على الطهارة،لأنّه بتيقّن (5)انتقاله عن تلك الحالة إلى الطهارة و لم يعلم تجدّد الانتقاض(صار متيقّنا) (6)للطهارة و شاكّا في الحدث،فيبني على الطهارة و إن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّرا بنى على الحدث،لعين ما ذكرناه من التنزيل (7).هذا لفظه.0.

ص: 205


1- الكافي 3:33 ح 1،التهذيب 1:102 ح 268.
2- المقنعة:6.
3- التهذيب 1:102.
4- الفقيه 1:37.
5- في س:متيقن،و في ط:تيقن.
6- في س،ط:فصار مستيقنا.
7- المعتبر 1:170.

و الفاضل عكس،و عبارته هذه في المختلف:مثاله:إذا تيقّن عند الزوال انّه نقض طهارة و توضّأ عن حدث و شك في السابق،فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال.فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته،لأنّه تيقّن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ،و لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك.و ان كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث،لأنّه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها، و الطهارة بعد نقضها مشكوك فيها (1).

قلت:هذان لو سلما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب،إذ مرجعهما الى تيقّن أحدهما و الشك في الآخر،و الأصحاب لا ينازعون في ذلك.

و يرد توجيه كل منهما نقضا على الآخر.و أيضا يمكن تعقّب الطهارة للطهارة في التجديد،و تعقب الحدث الحدث،و لما استشعر في غير المختلف ذلك قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين،و حكم باستصحاب السابق (2).

و هو إذا تم ليس من الشك في شيء الذي هو موضوع المسألة،لأنّها أمور مترتبة علم ترتيبها،غايته انه يلتبس السابق لعدم لحظ الذهن الترتيب فهو كالشاك في المبدإ في السعي و هو يعلم الزوجية و الفردية،فإنّه متى لحظه الذهن علم المبدأ،و لا يسمّى استصحابا عند العلماء،و قد نقل عنه أنه أراد به لازم الاستصحاب،و هو:البناء على السابق.

و إذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين،فلا شك فيما قاله الأصحاب و في التذكرة حكى الوجوه الثلاثة عن العامة،و علّل وجه البناء على الضد باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة،و باحتمال تعقب الحدث في صورة سبق الحدث على زمان تصادم الاحتمالين،قال:و لو لم يكن من عادته التجديد، فالظاهر:أنه متطهّر بعد الحدث،فتباح له الصلاة.و علّل الاستصحاب بسقوط0.

ص: 206


1- مختلف الشيعة:27.
2- منتهى المطلب 1:72،تحرير الأحكام 1:10.

حكم الحدث و الطهارة الموجودين بعد التيقن،لتساوي الاحتمالين فيهما فتساقطا، و يرجع الى المعلوم أولا (1).

و يضعّف بتيقّنه الخروج عن ذلك السابق الى ضدّه،فكيف يبني على ما علم الخروج منه؟!.

و بالجملة فإطلاق الإعادة لا ينافيه هذان الفرضان،لأن مورد كلامهم الشك،و هما إن تمّا أفادا ظنّا،و أمّا الاتحاد و التعاقب فمن باب اليقين.

تنبيه:

قولنا:اليقين لا يرفعه الشك،لا نعني به اجتماع اليقين و الشك في الزمان الواحد،لامتناع ذلك ضرورة أنّ الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الأخر،بل المعني به أنّ اليقين الذي كان في الزمن الأوّل لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمن الثاني،لأصالة بقاء ما كان،فيؤول الى اجتماع الظن و الشك في الزمان الواحد، فيرجح الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات.

المسألة السابعة:حكم في المبسوط بأنّه لو صلّى الظهر بطهارة،

ثمّ صلّى العصر بطهارة أخرى،ثم ذكر الحدث عقيب إحداهما قبل الصلاة،تطهّر و أعاد الصلاتين،و كذا يعيدهما لو توضّأ و صلّى الظهر،ثمّ أحدث و توضأ و صلّى العصر، ثمّ علم ترك عضو من إحدى الطهارتين و لم يعلمها،معلّلا بأنه لم يؤدّ إحداهما بيقين (2).

و هو بناء على وجوب تعيين المقضي مع الاشتباه،تحصيلا لليقين،و لهذا أوجب إعادة الخمس لو صلاها بخمس طهارات،ثم ذكر تخلّل الحدث بين طهارة و صلاة.و كذا أوجب الخمس لو توضّأ خمسا كلّ مرة عقيب الحدث،ثم ذكر ترك

ص: 207


1- تذكرة الفقهاء 1:21.
2- المبسوط 1:24.

عضو (1).

و لو قلنا:بسقوط التعيين هنا،أجزأه أربع مطلقة بينهما.و أجزأه في الخمس هذه مع زيادة الإطلاق في العشاء،و مع صبح و مغرب،و لو اختلفت الصلاتان فلا شك في إعادتهما.

و العجب أنّ الشيخ أفتى في المبسوط بأنّ من فاتته صلاة لا يعلمها بعينها يجزئه ثلاث صلوات (2)،مع إيجابه الخمس هنا،و لا فرق.و عوّل على ما رواه علي ابن أسباط،عن غير واحد من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

«من نسي صلاة من صلاة يومه،و لم يدر أي صلاة هي،صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا» (3).

قال:و لو صلّى الظهر بطهارة،ثمّ جدّد للعصر بغير حدث،ثمّ ذكر إخلال عضو،أعاد الظهر بعد الطهارة دون العصر،لوقوعها بعد طهارتين.قال:و كذا لو صلّى الخمس على هذا الوجه،و ذكر إخلال العضو أعاد الوضوء و الاولى لا غير.

قال:و لو ذكر ترك عضو من طهارتين أعاد الأوليين،و من ثلاث يعيد الثلاث الأول،و من أربع يعيدها لا غير،و من خمس يعيد المجموع (4).

و لم يذكر اعادة الوضوء هنا،و هو بناء على أجزاء المجدّد عن الواجب إذا ظهر فساده،إمّا للاجتزاء بالقربة،و إمّا لأنّ غاية المجدّد تدارك الخلل في الأوّل.

و التعليل الثاني يناسب فتوى المبسوط بوجوب نية الرفع أو الاستباحة (5)مع حكمه بصحة الصلاة هنا.

و في المعتبر:إن قصد بالطهارة الثانية الصلاة فكما قال الشيخ (6)،لأنّه قصد3.

ص: 208


1- المبسوط 1:25.
2- المبسوط 1:127.
3- التهذيب 2:197 ح 774.
4- المبسوط 1:24-25.
5- المبسوط 1:19.
6- المعتبر 1:173.

زيادة على رفع الحدث فقد تضمّن نيته رفع الحدث،مع أنّه صرّح في موضع آخر باجزاء المجدّد لو فسد الأوّل (1).

و أمّا الطهارة لإعادة الأولى،فعلى قوله-رحمه اللّه-لا حاجة إليها،لأنّه الآن متطهّر و إلاّ لم تصح الثانية و ما بعدها،إلاّ أن نقول:المجدّد إنّما يجتزأ به إذا فعل ما ترتب عليه قبل ذكر الخلل.و هو بعيد،لأنّه أحال صحة الثانية على أنّه كان من الأوّل،فطهارته الثانية صحيحة.و يؤيّده حكمه بأنّه لو جدّد من غير صلاة ثمّ صلى بهما صحّت الصلاة،لأنّ كمال إحدى الطهارتين مصحّح للصلاة،سواء كانت الأولى أو الثانية.و لو ذكر تخلّل حدث في هذه الصورة أعاد الصلاة، لإمكان كونه عقيب المجدّد فيفسد الوضوءان.

المسألة الثامنة:لو كان الوضوء المجدّد منذورا فكالندب،

إلاّ عند من اجتزأ بالوجه و القربة.

و لو كان الوضوءان مندوبين أو واجبين نوى فيهما رفع الحدث أو الاستباحة للذهول عن الأول،فالأقرب:الاجتزاء بأحدهما لو ظهر خلل في الآخر.

و لو نوى بالثاني تأكيد الاستباحة أو الرفع،فيجيء على قول المعتبر أولوية الإجزاء،إلاّ أنّ نية الوجوب مشكلة لعدم اعتقاده.و يمكن ان يقال:ان التقوية (2)لا تحصل إلاّ بإيقاعه على وجهه،فإذا نوى الوجوب و صادف اشتغال الذمة كان مجزئا،كما لو نوى الرفع و صادف الحدث.

تنبيه:

فرق المعتبر بين الوضوء المجدّد مطلقا و بين المنوي به الصلاة (3)يشعر بأنّ

ص: 209


1- المعتبر 1:140.
2- في ط:اليقين به،و ما أثبتناه من(س)و(م).
3- المعتبر 1:140.

التجديد قسمان.و ظاهر الأصحاب و الأخبار:أنّ شرعية التجديد للتدارك،فهو منوي به تلك الغاية.و على تقدير عدم نيّتها لا يكون مشروعا.

المسألة التاسعة:لو كان الترك من طهارتين في يوم بخمس حقيقية فسد صلاتان

مبهمتان.

فعلى قول الشيخ هنا،و أبي الصلاح،و ابن زهرة في كل فائتة مبهمة تجب الخمس،لوجوب التعيين (1).و الوجه:الاجتزاء بأربع:صبح،ثم رباعيّة مردّدة بين الظهرين،ثم مغرب،ثم رباعية مردّدة بين العصر و العشاء،لإتيانه على الواجب،و لعدم تعقّل الفرق بينه و بين النص على الثلاث.

و لو ردّد بين الرباعيّات الثلاث في الرباعية بعد الصبح لم يضر،لإمكان كون الفائت العشاء مع الصبح،و لكن يجوز إسقاطه اكتفاء بالترديد الثنائي في الرباعيّة الكائنة بعد المغرب.

و لو ذكر الظهر في الرباعية بعد المغرب فلغو،لأنّ الظهر إن كانت في الذمة فقد صلاّها فلا فائدة في ذكرها.و الظاهر:أنّه غير ضائر،لأنّه أتى بالواجب فتلغو الزيادة.و يحتمل البطلان،لأنّه ضمّ ما يعلم انتفاءه من البين،فهو كالترديد بين النافلة و الفريضة بل أبلغ،لأن الظهر في حكم صلاة غير مشروعة للنهي المشهور عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من أنّه:«لا تصلّى صلاة واحدة في اليوم مرتين» (2).

فروع:

الأوّل:لو عيّن الرباعيات، فعلى مذهب التعيين لا شك في الاجزاء.

و على غيره يمكن العدم،لأنّه تعيين ما لا يعلمه و لا يظنه،بخلاف الترديد فإنه آت في الجملة على ما يظن،و بخلاف الصبح و المغرب لعدم إمكان الإتيان

ص: 210


1- المبسوط 1:25،الكافي في الفقه:150،الغنية:562.
2- مسند أحمد 2:41،سنن أبي داود 1:158 ح 579،سنن النسائي 2:114،سنن الدار قطني 1:415،السنن الكبرى 2:303.

بالواجب من دونهما.

و الأصل فيه:أنّ العدول الى الترديد عن التعيين،هل هو رخصه و تخفيف على المكلف،أو هو المصادفة النية أقوى الظنين؟فعلى الأول يجزئ التعيين بطريق الأولى.و على الثاني لا يجزئ.و الخبر محتمل للأمرين (1).

الثاني:لو جمع بين التعيين و الترديد أمكن البطلان، لعدم استفادته رخصة به،و عدم انتقاله إلى أقوى الظنّين.

و الصحة،لبراءة الذمة بكلّ منهما منفردا،فكذا منضما.فحينئذ ان عيّن الظهر،ردّد ثنائيا بين العصر و العشاء مرتين،إحداهما قبل المغرب و الأخرى بعدها.و ان عين العصر،ردّد ثنائيا بين الظهر و العشاء مرتين،إحداهما قبل العصر و الأخرى بعد المغرب.و ان عيّن العشاء،ردّد ثنائيا مرتين متواليتين بين الصبح و المغرب.و الحق انه تكلّف محض لا فائدة فيه،بل لا ينبغي فعله.

الثالث:لو ذكر بعد التعيين ما إنسية أجزأ قطعا. و ان ذكر بعد الترديد، فان كان في أثناء الصلاة عدل الى الجزم بالتعيين.و ان كان بعد الفراغ،فالأقرب:

الإجزاء،لإتيانه بالمأمور فخرج عن العهدة.و يمكن الإعادة،لوجوب التعيين عند ذكره،و ما وقع أولا كان مراعى.و يضعف بالاحتياط لو ذكر الحاجة إليه بعده فإنه لا يعيد فهنا اولى،لعدم الفصل و الزوائد هنا.

المسألة العاشرة:لو كان الترك من طهارتين في يومين،

و علم تفريقهما،صلّى عن كل يوم ثلاثا يرتب بينهما لا فيهما.

و ان علم جمعهما في يوم و اشتبه،جمع بين حكمي اليومين حيث يختلفان في التمام و القصر،فيصلّي خمسا ثنائيّة مردّدة بين الثلاث السابقة على المغرب،ثم رباعية مردّدة بين الظهرين،ثم مغربا،ثم ثنائية مرددة بين ما عدا الصبح، و رباعيّة مردّدة بين العصر و العشاء.

و لا مبالاة بتقديم الثنائيّة هنا على الرباعيّة و تأخيرها بخلاف ما قبل

ص: 211


1- تقدم في ص 208 الهامش 3.

المغرب،فإنه يجب تقديم الثنائية على الرباعية لمكان الصبح.و البحث في التعيين هنا،و الجمع بينه و بين الإطلاق كما مرّ.

و لو ردد رباعيا هنا في الثنائية الأولى،فقد ضمّ ما لا يصحّ الى ما يمكن صحته،إذ العشاء غير صحيحة هنا قطعا،لأنّها ان كانت فائتة فلا بد من فوات اخرى قبلها،فيمتنع صحة العشاء حينئذ.

فإن قلت:لم لا يسقط الترتيب هنا،لعدم العلم به و امتناع التكليف لا مع العلم،فحينئذ يجزئ كيف اتفق؟ قلت:لما كان له طريق الى الترتيب،جرى مجرى المعلوم،فوجبت مراعاته.

فان قلت:كل ترتيب منسي يمكن تحصيله فليجب مطلقا.

قلت:قد قيل بوجوب تحصيله،كما يأتي ان شاء اللّه في قضاء الصلوات، و ان منعناه هنالك فلاستلزام زيادة التكليف المنفيّ بالأصل،بخلاف هذه الصور،لان التكليف بالعدد المخصوص لا يتغير،رتب أو لا،فافترقا.

فان قلت:إذا كان الترتيب معتبرا،فليعد الخمس مطلقا،لإمكان كون الفائت الصبح،فيكون قد صلّى ما بعدها مع اشتغال ذمّته بها،فيبطل الجميع:

اما الصبح فلفواتها،و اما غيرها فلترتبه عليها.

قلت:لا نسلم بطلان المرتب هنا لفساد المرتب عليه،لامتناع تكليف الغافل-و ان كان قد توهّمه قوم-لأنا كالمجمعين على صحة صلاة من فاته صلاة قبلها و لم يعلمه،و قد صرح به الأصحاب في مواضع العدول (1).و لو اشتبه عليه الجمع و التفريق،فكالعلم بالتفريق أخذا باليقين.

المسألة الحادية عشر:لو كان الفوات في صلاة السفر،

فالأقرب:الاجزاء في إبهام الواحدة بالثنائية و المغرب،و في إبهام الاثنتين بالثنائية المردّدة ثلاثيا قبل المغرب و بعدها،أخذا من مفهوم الخبر في صلاة الحضر،و به أفتى ابن البراج.

ص: 212


1- راجع:المبسوط 1:126،مختلف الشيعة:147.

و أوجب ابن إدريس هنا الخمس (1)لعدم النص عليه،و أصالة وجوب التعيين.

و لو كان في صلاة التخيير-كما في الأماكن الشريفة الأربعة،و كما في قاصد نصف مسافة غير مريد للرجوع ليومه على قول يأتي ان شاء اللّه-و قلنا:بقضائه تخييرا كأدائه،تبع اختيار المكلف.و ان حتمنا القصر في القضاء فظاهر.

المسألة الثانية عشر:لو تبين فساد ثلاث طهارات من يوم وجبت الخمس في التمام،

لان من الاحتمالات فساد الرباعيات،و في القصر اربع يردد فيما عدا المغرب.و لو كان الفاسد أربعا تساويا في إعادة الخمس.

تنبيه:

خرّج ابن طاوس رحمه اللّه وجها في ترك عضو متردد بين طهارة مجزئة و غير مجزئة انه لا التفات فيه،لاندراجه تحت الشك في الوضوء بعد الفراغ.و هو متجه،الا ان يقال:اليقين هنا حاصل بالترك و ان كان شاكا في موضوعه، بخلاف الشكّ بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه،و اللّه الموفق.

ص: 213


1- السرائر:59.

ص: 214

المطلب الثالث:في التيمم.و
فيه الأبحاث الثلاثة.
فالأول في واجبه:
الواجب الأول و هو إيقاعه في وقت الصلاة،

فلا يجوز تقديمه عليه إجماعا منا،للآية الدالة على وجوبه بإرادة الصلاة (1)و نفي الجواز علم من حيث أنّه بدل عن الطهارة المائية فموضعه الضرورة،و لا ضرورة قبل دخول الوقت.

و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت» (2)علّق التيمم على إدراك الوقت،و هو كالآية في الدلالة.

فلو تيمم قبل الوقت لم ينعقد فرضا و لا نفلا،لعدم شرعيته.نعم،لو تيمم لاستباحة نافلة صح نفلا و ذلك وقتها.و من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه.

و لا يشترط التذكر في دخول الوقت.نعم،هو شرط في نية الوجوب.و قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فليصلها إذا ذكرها،فان ذلك وقتها» (3)لا ينفي ما عداه.

فروع:

الأول: لو تيمم لفائتة ضحى صح التيمم،و يؤديها به و غيرها ما لم ينتقض تيممه عندنا،لما يأتي من استباحة ما يستباح بالمائية عند التيمم،فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة و الضيق في التيمم.

الثاني: يتمم للآية-كالكسوف-بحصولها.

و للجنازة بحضورها،لانه وقت الخطاب بالصلاة.و يمكن دخول وقتها

ص: 251


1- سورة النساء:43.
2- مسند أحمد 2:222،السنن الكبرى 1:222.
3- سنن الدار قطني 1:423،السنن الكبرى 2:219،و راجع تلخيص الحبير 2:349.

بتغسيله،لإباحتها حينئذ و ان لم يهيأ للصلاة.بل يمكن دخول وقتها بموته،لانه الموجب للصلاة و غيرها من أحكام الميت.

الثالث:يتيمم للاستسقاء باجتماع الناس في المصلى،و لا يتوقف على اصطفافهم.و الأقرب:جوازه بإرادة الخروج الى الصحراء،لأنه كالشروع في المقدمات.بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث،لان السبب الاستسقاء و هذا وقت الخروج فيه.اما النوافل الرواتب فلأوقاتها،و غير الرواتب فلارادة فعلها.

فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به،لعدم الحاجة إليه.

الرابع:لو شك في دخول الوقت لم يتيمم، لأصالة عدم الدخول.و لو ظن الدخول،و لا طريق إلى العلم،تيمم.فلو ظهر عدمه،فالأقرب:البطلان، لظهور خطأ الظن.

الخامس: لو تيمم في الأوقات المكروهة لابتداء النوافل إرادة التنفل، فالظاهر:الصحة،لأن الكراهة لا تنفي الانعقاد.

و قطع في المعتبر بعدم التيمم في أوقات النهي (1)و تبعه في التذكرة (2)و هو مذهب العامّة (3).

و اختلف الأصحاب في صحته مع سعة وقت الصلاة،فصار اليه الصدوق (4)و الجعفي-في ظاهر كلامه-لعموم فَلَمْ تَجِدُوا (5)«و أينما أدركتني» (6).و لدلالة الأخبار على عدم إعادة واجد الماء في الوقت،فهو مستلزم2.

ص: 252


1- المعتبر 1:383.
2- تذكرة الفقهاء 1:66.
3- المجموع 2:241.
4- الفقيه 1:58،المقنع:8،الهداية:19.
5- سورة النساء:43.
6- مسند أحمد 2:222،السنن الكبرى 1:222.

للتيمم مع السعة،كخبر زرارة الصحيح عن الباقر(عليه السلام)،قلت:إن أصاب الماء و قد صلّى بتيمم و هو في وقت،قال:«تمت صلاته و لا اعادة عليه» (1).و عن معاوية بن ميسرة عن الصادق(عليه السلام):ثم أتي بالماء و عليه شيء من الوقت:«يمضي على صلاته،فانّ ربّ الماء ربّ التراب» (2).و لأنّه بدل فصحّ مع السعة كالمبدل منه.

و الأكثر على مراعاة ضيق الوقت صرّحوا به.و قال البزنطي في الجامع:لا ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر وقت الصلاة (3)و هو غير صريح في ذلك.و قد نقل السيد الإجماع-في الناصرية و الانتصار-على اعتبار التضيق (4)و الشيخ في الخلاف لم يحتج به هنا (5)،و لعلّه نظر الى خلاف الصدوق،و عدم تصريح المفيد -في المقنعة-به،و في الأركان لم يذكره،و كذا ابن بابويه في الرسالة.

و اعتبر ابن الجنيد في التأخّر الطمع في التمكّن من الماء،فان تيقّن أو ظن فوته الى آخر الوقت فالأحبّ التيمم في أوّله (6).و ابن أبي عقيل في كلامه إلمام به، حيث قال:لا يجوز لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت،رجاء أن يصيب الماء قبل خروج الوقت (7).

و الفاضلان صوبا هذا التفصيل،لان فيه جمعا بين الأدلة (8)و الشيخ في الخلاف نفاه صريحا (9).4.

ص: 253


1- التهذيب 1:194 ح 562،الاستبصار 1:160 ح 552.
2- الفقيه 1:59 ح 220،التهذيب 1:195 ح 564،الاستبصار 1:160 ح 554.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:383.
4- الانتصار:31،الناصريات:225 المسألة 51.
5- لاحظ:الخلاف 1:146 المسألة 94.
6- حكاه عنهما:المحقق في المعتبر 1:383،و العلامة في مختلف الشيعة:47.
7- حكاه عنهما:المحقق في المعتبر 1:383،و العلامة في مختلف الشيعة:54.
8- المعتبر 1:392،مختلف الشيعة:47.
9- الخلاف 1:163 المسألة 114.

فإن قلنا به،تيمّم المريض و الكسير-الذي لا يمكنه استعمال الماء،و لا يظن زوال عذره وقت الصلاة-في أوّل الوقت،لعدم الطمع في استعمال الماء.

و اعتمد في التهذيب على:

رواية زرارة عن أحدهما(عليهما السلام):«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت،فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت» (1).

و رواية محمد بن مسلم،قال:سمعته يقول:«إذا لم تجد الماء و أردت التيمم فأخّر التيمم الى آخر الوقت،فان فاتك الماء لم تفتك الأرض» (2).

و رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت،فان فاته الماء فلن تفوته الأرض» (3).

و هذه مع سلامة سندها و دلالتها ظاهرها توقّع الماء،لأنّ الطلب يؤذن بإمكان الظفر و الاّ كان عبثا.

و أكثر الأخبار مطلقة فإن ثبت تقييد حملت عليه،و قد تقدم حجة الصدوق،و يضاف إليها أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل تيمم و صلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت،فقال:«ليس عليه إعادة الصلاة» (4).و تأوّلها الشيخ بان المراد من الصلاة دخوله فيها لا فراغه،أو أنّ المراد أنّ تيممه و صلاته كانا في الوقت لا أنّه أصاب الماء في الوقت (5).و هو من التأويلات البعيدة،و لو حملها على ظن ضيق الوقت فيظهر خلافه كان قريبا.

و على كل حال،فاعتبار الضيق قوي من حيث الشهرة،و نقل الإجماع، و تيقن الخروج عن العهدة.5.

ص: 254


1- الكافي 3:63 ح 2،التهذيب 1:192 ح 555،203 ح 589،الاستبصار 1:159 ح 548، 165 ح 574.
2- الكافي 3:63 ح 1،التهذيب 1:203 ح 588،الاستبصار 1:165 ح 573.
3- التهذيب 1:404 ح 1265.
4- التهذيب 1:195 ح 565،الاستبصار 1:160 ح 555.
5- التهذيب 1:195.

فرعان:

الأول:المعتبر في الضيق الظن. فلو انكشف خلافه،فالأقرب الإجزاء، عملا بمفهوم تلك الروايات،و لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها،و الامتثال يقتضي الاجزاء.

و نقل في المعتبر أنّ ظاهر الشيخ في كتابي الحديث وجوب الإعادة لظهور خطأ ظنه (1).

و قد روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل تيمم فصلّى ثم أصاب الماء،فقال:«أمّا أنا فكنت فاعلا،إنّي أتوضّأ و أعيد» (2).

قال الشيخ:معناه إذا كان قد صلّى في أوّل الوقت تجب عليه الإعادة، لرواية يعقوب بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن رجل تيمم و صلّى فأصاب بعد صلاته ماء،أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟قال:«إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد،فان مضى الوقت فلا إعادة عليه» (3).

قلت:فحوى هذين الخبرين صحة التيمم في أوّل الوقت.أمّا الأول، فلأنّه(عليه السلام)أسند الإعادة إلى نفسه،و لو كان ذلك واجبا لكان المكلّف به عاما.و أمّا الثاني،فلأنّه علّق الإعادة على وجدان الماء في الوقت،و قضيته انّه لو لم يجد الماء لم يعد،لمفهوم الشرط المستفاد من لفظة«إذا».و حينئذ يمكن حملهما على استحباب الإعادة،توفيقا بينهما و بين الأخبار الدالة على عدم الإعادة بالوجدان في الوقت.

الفرع الثاني: حكم في المبسوط بأنّه لو دخل عليه وقت صلاة و هو متيمم1.

ص: 255


1- المعتبر 1:384.
2- التهذيب 1:193 ح 558،الاستبصار 1:159 ح 550.
3- التهذيب 1:193،الاستبصار 1:159،و الرواية فيهما برقم 559،551.

لنافلة أو لفائتة جاز أن يصلي الحاضرة به (1)و لم يعتبر ضيق الوقت هنا مع أنّه قال بالضيق،فلعلّه نظر الى أنّ التأخير انما هو لغير المتيمم،و لهذا احتج عليه بعموم الأخبار الدالة على جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد (2).

و يمكن اعتبار الضيق كما أومأ إليه الفاضلان (3)لقيام علة التأخير.

و يضعّف:بأنّه متطهر،و الوقت سبب فلا معنى للتأخير،و هذا الواجب شرط للتيمم.

الواجب الثاني:النية،
اشارة

إجماعا منا و من الأكثر،لما مر،و لدلالة«تيمّموا»على القصد،و لأنّه المفهوم من ارادة القيام إلى الصلاة،كما قلناه في الوضوء.و يعتبر

فيها أربعة أمور:
الأوّل:القربة،

كما سلف.

الثاني:قصد الاستباحة،

لأنّها الغاية،فلو ضم الرفع لغا.و لو اقتصر على نية الرفع،فكما قلناه في وضوء دائم الحدث،إذ التيمم لا يرفع الحدث،لانتقاضه بالتمكّن من الماء،و لأن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال لعمرو بن العاص و قد تيمم عن الجنابة من شدة البرد:«صليت بأصحابك و أنت جنب» (4)فسماه جنبا بعد التيمم،فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله.نعم،لو نوى رفع المانع من الصلاة صح و كان في معنى نية الاستباحة.

فروع:

الأول: لو نوى استباحة فريضة،مطلقة أو معينة،فرضا أو نفلا، استباحها و غيرها،لأنّه كالطهارة المائية في الاستباحة،لما يأتي ان شاء اللّه.

ص: 256


1- المبسوط 1:34.
2- المبسوط 1:34.
3- المعتبر 1:384،تذكرة الفقهاء 1:66،نهاية الإحكام 1:185.
4- مسند أحمد 4:203،سنن أبي داود 1:92 ح 334،سنن الدار قطني 1:178،المستدرك على الصحيحين 1:177،السنن الكبرى 1:225.

الثاني:الأقرب:اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر، لاختلاف حقيقتيهما فيتميزان بالنية.و به صرح الشيخ في الخلاف،و عليه بنى ما لو نسي الجنابة فتيمم للحدث انه لا يجزئ،لعدم شرطه (1).و هذا بناء على اختلاف الهيئتين.

و لو اجتزأنا بالضربة فيهما،أو قلنا فيهما بالضربتين،أمكن الاجزاء.و به أفتى في المعتبر (2)،مع أنّ الشيخ في الخلاف قال في المسألة:فإن قلنا انه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة كان قويا،قال:

و الأحوط الأوّل،يعني:عدم الاجزاء.و ذكر ان لا نص للأصحاب فيها أي:في مسألة النسيان (3).

الثالث:لو تيمم الصبي ثم بلغ، قال في المعتبر:يستبيح الفريضة (4)و هو بناء على أنّ طهارته شرعية،و قد سلف.

الرابع:لو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا. و لو نوى فريضة التيمم أو إقامة التيمم المفروض أمكن الاجزاء،لأنّ ذلك يتضمن الاستباحة.و الأقرب المنع، لأنّ الاستلزام غير بيّن لجواز الغفلة عنه،و لأنّ التيمم ليس مطلوبا لنفسه و انما يطلب عند الضرورة فلا يصلح متعلقا أوّليا للقصد،و من ثم لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء.

الأمر الثالث:المقارنة للضرب على الأرض،

لأنّه أوّل أفعاله.فلو تقدمت عليه لم يجز.و لو أخّرها إلى مسح الجبهة،فالأقرب:عدم الاجزاء،لخلو بعض الأفعال عن النية.و جزم الفاضل بالاجزاء (5)تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائية.و فيه منع ظاهر،لأنّ الأخذ غير معتبر لنفسه،و لهذا لو غمس

ص: 257


1- الخلاف 1:140 المسألة 87.
2- المعتبر 1:391.
3- الخلاف 1:140 المسألة 87.
4- المعتبر 1:391.
5- تذكرة الفقهاء 1:65،نهاية الإحكام 1:204.

الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف الضرب،و لأنّه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب.

الأمر الرابع:استدامة حكمها الى آخره،

لما سلف.و لو عزبت بعد الضرب لم يضر عندنا،كعزوبها بعد غسل اليدين و بل أولى،لما قلناه من كون الضرب جزءا حقيقيا من التيمم.

الواجب الثالث:الضرب على الأرض بيديه معا،
اشارة

و هو مذهب الأصحاب و رواياتهم به كثيرة،مثل:

رواية داود بن النعمان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:ان عمارا أصابته جنابة فتمعّك،فقال له رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):تمعكت كما تتمعك الدابة!أ فلا صنعت كذا،ثم أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على الصعيد (1).

و رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«فضرب بيديه الأرض» (2).

و رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«تضرب بكفيك على الأرض» (3).

و رواية ابن مسلم عنه(عليه السلام):فضرب بكفيه الأرض (4).

فروع أربعة:
الأول:لا يكفي التعرّض لمهب الريح ليصير التراب ضاربا يديه،

لأنّه تعالى أوجب القصد الى الصعيد،و الصعيد هنا بصورة القاصد.و من أوقع النية عند المسح (5)يمكن على قوله الجواز،لأن الضرب غير مقصود لنفسه،فيصير كما

ص: 258


1- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591.
2- الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:207 ح 601،الاستبصار 1:170 ح 590.
3- التهذيب 1:209 ح 608،الاستبصار 1:171 ح 596.
4- التهذيب 1:210 ح 612،الاستبصار 1:172 ح 600.
5- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:65،و نهاية الإحكام 1:204.

لو استقبل بأعضاء وضوئه الميزاب أو المطر.

و أولى بعدم الجواز ما لو نقل الغير التراب الى المكلف القادر على الضرب بإذنه،لأنه لم يقصد الصعيد،و قصد نائبه كقصد ما اثارته الريح في عدم الاعتبار.

الثاني:نقل التراب عندنا غير شرط،

لاستحباب النفض-على ما يجيء ان شاء اللّه تعالى-بل الواجب المسح بيديه اللّتين أصابتاه،و لا فرق بين كونه على الأرض و غيرها،بل لو كان التراب على بدنه أو بدن غيره و ضرب عليه أجزأ.و لو كان على وجهه تراب صالح للضرب و ضرب عليه،أجزأ في الضرب لا في مسح الوجه،فيمسح الوجه بعد الضرب.

و كلام ابن الجنيد يقتضي المسح بالتراب،حيث قال:و إذا حصل الصعيد براحتيه مسح بيمينه وجهه (1)و في أنحاء كلامه ما يدلّ على ذلك.

الثالث:لا يجزئ معك الأعضاء في التراب،

كما دلّ عليه الخبر.نعم،لو تعذر الضرب و استنابة الغير أجزأ،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2).بل يمكن تقديم المعك على نيابة الغير،و هو يجيء عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال.

الرابع:معظم الروايات و كلام الأصحاب بعبارة«الضرب» (3)و في بعضها

الرابع:معظم الروايات و كلام الأصحاب بعبارة«الضرب»(3) و في بعضها «الوضع»

(4) و الشيخ في النهاية و المبسوط عبّر بالأمرين (5).و تظهر الفائدة في وجوب مسمى الضرب باعتماد،و الظاهر:انّه غير شرط،لأنّ الغرض قصد الصعيد و هو

ص: 259


1- مختلف الشيعة:50.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- لاحظ:الكافي 3:61-62 ح 1-3،التهذيب 1:270 ح 600-602،210 ح 608- 814. و لاحظ:المقنعة:8،المهذب 1:47،المراسم:54،السرائر:26،نهاية الإحكام 1:204.
4- لاحظ:الكافي 3:62 ح 4،التهذيب 1:207 ح 598. و لاحظ:المبسوط 1:32،النهاية:49،شرائع الإسلام 1:48،قواعد الاحكام 1:23.
5- المبسوط 1:32،النهاية:49.

حاصل بالوضع.نعم،لا بدّ من ملاقاة باطن اليدين،لأنّه المعهود من الوضع، و المعلوم من عمل صاحب الشرع.

و اختلف الأصحاب في عدد الضرب،فاجتزأ ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد-في العزية-و المرتضى بالضربة الواحدة في الوضوء و الغسل (1)محتجا بحديث عمار،فإنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بيّنه بضربة واحدة و كان عمار جنبا (2)،و به احتج ابن أبي عقيل،قال المرتضى:و لأنّ المجمع عليه ضربة واحدة و الزائد لا دليل عليه،أو يتمسك بأصل البراءة.

و في الاحتجاج بالإجماع هنا كلام في الأصول،و هو المعبر عنه:بالأخذ بأقل ما قيل،و التمسك بالأصل انما يتمّ مع عدم المخرج.

و نقل الفاضلان عن علي بن بابويه الضربتين فيهما (3)و الذي في الرسالة:

فإذا أردت ذلك،فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة،و انفضهما و امسح بهما وجهك،ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع،ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع،قال:و قد روي أن يمسح جبينه و حاجبيه،و يمسح على ظهر كفيه،و لم يفرق بين الوضوء و الغسل.

و هذا فيه اعتبار ثلاث ضربات،و رواه ابنه في المقنع (4)،و هو في التهذيب -صحيح السند-عن ابن مسلم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):فضرب بكفّيه الأرض ثم مسح بهما وجهه،ثم ضرب بشماله الأرض مسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع،واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها،ثم ضرب بيمينه الأرض ثم9.

ص: 260


1- المرتضى في الناصريات:224 المسألة 47،و جمل العلم و العمل 3:25،و حكاه عن الآخرين العلامة في مختلف الشيعة:50.
2- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591.
3- المعتبر 1:388،مختلف الشيعة:50.
4- المقنع:9.

صنع بشماله كما صنع بيمينه (1).

نعم،قال المفيد في كتاب الأركان في ظاهر كلامه بالضربتين مطلقا،و هو مروي-صحيحا-عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قلت:كيف التيمّم؟ قال:«هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة،تضرب بكفيك مرتين،ثم تنفضهما نفضة للوجه،و مرة لليدين» (2).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)سألته عن التيمم، فقال:«مرتين مرتين للوجه و اليدين» (3).

و روي-حسنا-عن إسماعيل بن همام عن الرضا(عليه السلام)،قال:

«التيمم ضربة للوجه،و ضربة للكفين» (4).

و أوّل الأوّل:بتمام الكلام عند قوله:«ضرب واحد للوضوء»،و يبتدأ بقوله:«و الغسل من الجنابة تضرب بكفيك مرتين»،و على هذا يقرأ الغسل بالرفع،و هو الذي لحظه الشيخ (5)و تبعه في المعتبر (6)فلا يخلو عن تكلف.

و الآخران:بان لا عموم للمصدر المحلى بلام الجنسية مع إمكان أن تكون عهدية أيضا.

و الأكثر على ان الضربة للوضوء و الضربتين للغسل (7)،جمعا بين هذين و بين أخبار مطلقة في الضربة-كخبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) (8)و خبر عمرو4.

ص: 261


1- التهذيب 1:210 ح 612،الاستبصار 1:172 ح 600.
2- التهذيب 1:210 ح 611،الاستبصار 1:172 ح 599.
3- التهذيب 1:210 ح 610،الاستبصار 1:172 ح 598.
4- التهذيب 1:210 ح 609،الاستبصار 1:172 ح 597.
5- التهذيب 1:211.
6- المعتبر 1:388.
7- راجع:المقنعة:8،الفقيه 1:57،المبسوط 1:33،المعتبر 1:338.
8- التهذيب 1:212 ح 614،الاستبصار 1:171 ح 594.

ابن أبي المقدام عن الصادق(عليه السلام) (1)-و الاعتضاد بعمل الأصحاب،و لا بأس به.

و ليس التخيير بذاك البعيد ان لم يكن فيه إحداث قول،أو يحمل المرتان على الندب،كما قاله المرتضى في شرح الرسالة (2)و استحسنه في المعتبر،قال:و لا نمنع جواز ثلاث ضربات كما دلت عليه الرواية السالفة (3).

مسألتان:

الأولى:لا يشترط علوق الغبار باليدين، لما روي:ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نفض يديه (4)و في رواية:نفخ فيهما (5)و هو موجود في رواياتنا كثيرا (6).

و لأنّ الصعيد وجه الأرض لا التراب،و لما بيناه من جواز التيمم بالحجر.

و لا يجب النفض و النفخ،للأصل،و ظاهر الآية.و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمة(عليهم السلام)لبيان الندب.

فان احتج ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى منه و من للتبعيض (7)منعناه بجواز كونها لابتداء الغاية،مع أنّه في رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):«ان المراد من ذلك التيمم»،قال:«لأنّه علم أنّ ذلك اجمع لم يجر على الوجه،لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها» (8)2.

ص: 262


1- التهذيب 1:212 ح 615،الاستبصار 1:171 ح 595.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:388.
3- المعتبر 1:388. و تقدمت الرواية في ص 261 الهامش 2.
4- صحيح البخاري 1:96،صحيح مسلم 1:280 ح 368،سنن أبي داود 1:87 ح 321، سنن النسائي 1:17.
5- مسند أحمد 4:319،صحيح البخاري 1:92،سنن ابن ماجة 1:188 ح 569،سنن أبي داود 1:88 ح 322،سنن النسائي 1:168،سنن أبي يعلى 3:181 ح 1606.
6- لاحظ:الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:212 ح 614،615.
7- مختلف الشيعة:50.
8- تفسير العياشي 1:299 ح 52.

و في هذا إشارة الى أنّ العلوق غير معتبر.

الثانية: ظاهر الأصحاب أنّ الأغسال سواء في كيفية التيمم،قال في المقنعة:و كذلك تصنع الحائض و النفساء و المستحاضة بدلا من الغسل (1).

و روى أبو بصير،قال:سألته عن تيمم الحائض و الجنب،أسواء إذا لم يجدا ماء؟قال:«نعم» (2)،و عن عمار بن موسى عن الصادق(عليه السلام)مثله (3).

و خرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب،بناء على وجوب الوضوء هنالك (4).و لا بأس به،و الخبران غير مانعين منه،لجواز التسوية في الكيفية لا في الكميّة.

الواجب الرابع:مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى،

و هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب.و أوجب الصدوق مسح الحاجبين أيضا (5)و لا بأس به.

و لا يجب استيعاب الوجه،لإفادة الباء التبعيض كما سلف،و لأصل البراءة،و لبناء التيمم على التخفيف،و نقل المرتضى في الناصرية إجماع الأصحاب عليه (6).

و قد روي من طرق شتى:كصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)في قضية عمار:«ثم مسح جبينه بأصابعه و كفيه إحداهما بالأخرى» (7).و موثق زرارة عنه(عليه السلام):«ثم مسح بهما جبهته و كفّيه مرة واحدة» (8).و مثله رواية عمرو

ص: 263


1- المقنعة:8.
2- الكافي 3:65 ح 10،التهذيب 1:212 ح 616.
3- الفقيه 1:58،ح 215،التهذيب 1:162 ح 465.
4- قاله العلامة في نهاية الإحكام 1:208.
5- الفقيه 1:57،المقنع:9،الهداية:18.
6- الناصريات:224 المسألة 46.
7- الفقيه 1:57 ح 212.
8- الكافي 3:61 ح 1،التهذيب 1:207 ح 601،211 ح 613،الاستبصار 1:170 ح 590.

ابن أبي المقدام (1).

و كلام علي بن بابويه يعطي استيعاب الوجه (2)،و في كلام الجعفي إشعار به، للخبر السالف (3).و لمضمر سماعة:«فمسح بهما وجهه و ذراعيه الى المرفقين» (4).

و برواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (5).و برواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«ثم تنفضهما و تمسح وجهك و يديك» (6).

و أجاب المرتضى و الشيخ:بان المراد به الحكم لا الفعل (7)،و كأنّه إذا مسح الجبهة و ظاهري الكف غسل الوجه و الذراعين.

قال في المعتبر:و هو تأويل بعيد،ثم أجاب بالطعن في السند،و ذكر الطعن في خبر ليث المرادي بأنّ راويه الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان،و هو ضعيف (8).

قلت:قد أوردنا غيره مما لا طعن فيه،و الذي في التهذيب عن ابن سنان، و لعله عبد اللّه و هو ثقة.بل لو حمل ذلك على الاستحباب،و الباقي على الوجوب كان حسنا.و قد حكم بالتخيير في المعتبر (9)و هو ظاهر ابن أبي عقيل (10).

و في رواية عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المجنب0.

ص: 264


1- التهذيب 1:212 ح 614،الاستبصار 1:171 ح 594.
2- مختلف الشيعة:50.
3- راجع:صفحة 653 الهامش 2.
4- التهذيب 1:208 ح 602،الاستبصار 1:170 ح 592.
5- التهذيب 1:209 ح 608،الاستبصار 1:171 ح 596.
6- التهذيب 1:212 ح 615،الاستبصار 1:171 ح 595.
7- التهذيب 1:208،و حكاه عن المرتضى:المحقق في المعتبر 1:386.
8- المعتبر 1:386.
9- المعتبر 1:386.
10- المعتبر 1:386،مختلف الشيعة:50.

معه ما يكفيه للوضوء،أ يتوضأ به أو يتيمم؟قال:«لا،بل يتيمم،الا ترى انما جعل عليه نصف الوضوء» (1).و في رواية الحسين بن أبي العلاء عنه(عليه السلام)مثله،الا انه قال:«جعل عليه نصف الطهور» (2)فيمكن ان يفهم منهما عدم استيعاب الوجه و الذراعين،و يمكن ان يراد بهما سقوط مسح الرأس و الرجلين.

فروع ثلاثة:

الأول: يجب ان يبدأ في مسح الجبهة بالأعلى إلى الأسفل.فلو نكس، فالأقرب المنع،اما لمساواة الوضوء،و اما تبعا للتيمم البياني.

الثاني:يجب المسح بالكفين معا. فلو مسح بأحدهما لم يجز،لما قلناه، و للاقتصار على المتيقن.و اجتزأ ابن الجنيد باليد اليمنى،لصدق المسح (3)و يعارض بالشهرة.

الثالث: الأقرب:وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة،لما قلناه من البيان.

الواجب الخامس:مسح ظهر الكفين من الزند إلى أطراف الأصابع عند

الأكثر،

لإفادة(الباء)التبعيض،و مساواة المعطوف فيه للمعطوف عليه،و لأنّ اليد حقيقة في ذلك و ان كانت تقال على غيره فليقتصر على المتيقن،و روى حماد بن عيسى عن بعض الأصحاب،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (4)،ثم قال:

«و امسح على كفيك من حيث موضع القطع» (5)و لما سبق.

ص: 265


1- الفقيه 1:57 ح 213.
2- التهذيب 1:404 ح 1266.
3- مختلف الشيعة:51.
4- سورة المائدة:38.
5- الكافي 3:62 ح 2،التهذيب 1:207 ح 599،الاستبصار 1:170 ح 588.

و ابن بابويه كما حكيناه عنه لما احتج به.و يردّ:بعمل الأكثر،و بالحمل على الجواز كما قاله في المعتبر (1).

و يجب تقديم اليمنى على اليسرى كما قاله الأصحاب،و لأنّه بدل مما يجب فيه التقديم.

و نقل ابن إدريس-رحمه اللّه-عن بعض الأصحاب ان المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رءوسها (2)،و لعل هذا القائل اعتبر رواية القطع فإنه مخصوص بذلك عند الأصحاب،و في كلام الجعفي ما يوهم هذا القول.

قلنا:معارض بما رواه في التهذيب صحيحا عن داود بن النعمان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في قضية عمار:«فمسح وجهه[و يديه]فوق الكف قليلا» (3)و عليه الأكثر،و ربما فهم وجوب تجاوز الرّسغ بعض الأصحاب (4).

و تؤوّل«قليلا»بأنّه لا يجب إيصال الغبار الى جميع العضو و ان وجب استيعابه بالمسح.أو يكون الراوي قد رأى الامام(عليه السلام)ماسحا من أصل الكف،فتوهّم المسح من بعض الذراع.و هو تكلّف،فإنّ الأصحاب لما أوجبوا المسح من الزند أوجبوا إدخاله،و ذلك يستلزم المسح فوق الكف بقليل صريحا.

و يجب البدأة بالزند الى آخر اليد،فلو نكس بطل كما قلناه في الوجه.

و يجب إمرار البطن أيضا على الظهر.نعم،لو تعذّر المسح بالبطن،لعارض من نجاسة أو غيرها،فالأقرب:الاجتزاء بالظهر في المسحين،لصدق المسح.

و لو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء.و لو مسح باليد الزائدة التي لا يجب مسحها،فالأقرب:عدم الإجزاء.اما لو مسح بغير اليد-كالآلة-لم يجز قطعا.و لو قطع من الزند،فالظاهر:عدم وجوب مسح الرّسغ،لأنّه غير محل9.

ص: 266


1- المعتبر 1:387.
2- السرائر:26.
3- التهذيب 1:207 ح 598،الاستبصار 1:170 ح 591،و منهما ما أثبتناه بين المعقوفين.
4- انظر:الفقيه 1:57 ذيل الحديث 212،المقنع:9.

الوجوب.

الواجب السادس:الترتيب-

كما ذكرناه-بين الضرب فالجبهة فاليدين، لتصريح الأخبار به و الأصحاب،و فعل النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمّة (عليهم السلام).

قال في التذكرة:ذهب إليه علماء أهل البيت(عليهم السلام) (1).و في الخلاف احتج عليه بما دلّ على ترتيب الوضوء و بالاحتياط (2).

فلو أخلّ به استدرك ما يحصل معه الترتيب.

الواجب السابع:الموالاة،

ذكره الأصحاب.و يتوجّه على القول بالتضيق و على غيره،لتعقب إرادة القيام إلى الصلاة به،و الإتيان بالفاء في:«فتيمموا»، «فامسحوا»و هي دالة على التعقيب بالوضع اللغوي،و لأنّ التيمم البياني عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و أهل بيته توبع فيه فيجب التأسّي.

و في المعتبر نقل عن الشيخ وجوب الموالاة،و احتج له بالبناء على آخر الوقت (3).

و لو أخل بها بما لا يعدّ تفريقا لم يضر،لعسر الانفكاك منه.و ان طال الفصل أمكن البطلان،وفاء لحق الواجب.و يحتمل الصحة و ان أثم،لصدق التيمم مع عدمها.

الواجب الثامن:يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة،

لأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا،و لمساواته أعضاء الطهارة المائية.نعم، لو تعذرت الإزالة و لم تكن النجاسة حائلة و لا متعدية،فالأقرب:جواز التيمم، دفعا للحرج،و عموم شرعيته،و لأنّ الأصحاب نصوا على جواز تيمم الجريح مع تعذّر الماء.

ص: 267


1- تذكرة الفقهاء 1:66.
2- الخلاف 1:138 المسألة 82.
3- المعتبر 1:394،و لاحظ:الخلاف 1:138 المسألة 83.

أمّا غير الأعضاء،فهل يشترط خلوها من النجاسة؟فيه وجهان حكاهما في المعتبر:

أحدهما:نعم،نقله عن النهاية في قوله بناء على تضيق الوقت.

الثاني:لا-و نسبه الى الخلاف-كالوضوء (1).

و الذي في النهاية و المبسوط:وجوب تقديم الاستنجاء على التيمم و لو بالتنشيف بالخرق و غيرها و ان كان مخرج البول أو المني (2)،يعني:مع تعذر الماء، و لم يذكر شرطيته في صحة التيمم.

و في الخلاف:يجوز تقديم التيمم (3).و لعله أراد به اجزاءه لو قدمه،و لهذا احتج بأن الأمرين واجبان فكيف وقعا تحقق الامتثال.

قال:و كل ظاهر يتضمن الأمر بالوضوء و الاستنجاء يدل على ذلك (4).

قلت:هذا أقوى،و ما ذكره في تضيق الوقت مسلم،لكن الاستنجاء و ازالة النجاسة من مقدمات الصلاة فلا بد لهما من وقت مضروب،و كما لا يجب تحصيل القبلة و الساتر قبل التيمم فكذا هنا.

هذا كله مع إمكان الإزالة،اما مع تعذره فلا إشكال في الجواز.و على ما نقلناه عن الشيخ ليس في كلامه اختلاف صريح،مع ان المفيد-رحمه اللّه-ذكر أيضا تقديم الاستنجاء على التيمم (5)و كذا ذكر ابن البراج (6)و ما هو الا كذكر تقديم الاستنجاء على الوضوء،مع انه لو قدم الوضوء كان صحيحا معتدا به في الأظهر من المذهب.8.

ص: 268


1- المعتبر 1:394.
2- النهاية:50،المبسوط 1:34.
3- الخلاف 1:98 المسألة 45.
4- الخلاف 1:99 المسألة 45.
5- المقنعة:8.
6- المهذب 1:48.
الواجب التاسع:المباشرة بنفسه،

لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا (1)و الأمر حقيقة في طلب الفعل من المأمور.

و يجوز عند الضرورة الاستنابة في الأفعال لا في النية.و هل يضرب المعين بيدي نفسه أو بيدي المؤمّم؟ قال ابن الجنيد:يضرب الصحيح بيديه،ثم يضرب بهما يدي العليل.و لم نقف على مأخذه،و الأقرب:أنه يضرب بيدي العليل إن أمكن و الا فبيدي نفسه،و لا يحتاج الى ان يضرب بهما يدي العليل.

ص: 269


1- سورة النساء:43.
البحث الثاني:في مستحباته.
اشارة

و هي تسعة:

الأول:السواك،

اما لأجل الصلاة،أو لأجل التيمم الذي هو بدل مما يستحب فيه السواك.

الثاني:الأقرب:استحباب التسمية كما في المبدل منه،

لعموم البدأة باسم اللّه أمام كل أمر ذي بال،و أوجبها الظاهرية.

الثالث:قصد الرّبى و العوالي،

و قد مر.

الرابع:تفريج الأصابع عند الضرب،

نص عليه الأصحاب (1)لتتمكن اليد من الصعيد.و لا يستحب تخليلها في المسح،للأصل.

الخامس:نفض اليدين،

لما مر،و لما فيه من إزالة تشويه الخلقة،و قال الشيخ:ينفضهما و يمسح إحداهما بالأخرى (2).

السادس:استيعاب الأعضاء بالمسح كما تقدم،

و لكنه غير مشهور في العمل فتركه أولى.

السابع:مسح الأقطع الباقي،

ذكره في المبسوط بهذه العبارة:و إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم،و يستحب ان يمسح ما بقي (3).مع إمكان حمل(ما بقي)على الجبهة،و فيه إشكال،إذ الأقرب:وجوب مسحها،لأنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).فلا يتم هذا التفسير،و لا قوله:

بسقوط فرض التيمم،الا ان يريد فرض التيمم بالنسبة إلى الذراعين،و نحوه قال

ص: 270


1- راجع:النهاية:49،نهاية الإحكام 1:204.
2- المبسوط 1:33.
3- المبسوط 1:33.
4- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.

في الخلاف (1).

الثامن:أن لا يكرر المسح،

لما فيه من التشويه،و من ثم لم يستحب تجديده لصلاة واحدة.

التاسع:الأقرب استحباب أن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل

مسحه،

لما فيه من المبالغة في الموالاة.و يمكن تقدير لموالاة بزمان جفاف الماء لو كان وضوءا،فيستحب نقص زمان التيمم عن ذلك،و لو بلغه فالأقرب:

البطلان.

ص: 271


1- الخلاف 1:17 المسألة 84.
البحث الثالث:في أحكامه و
هي تسع مسائل:
المسألة الأولى:يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية،

من صلاة و طواف واجبين أو ندبين،و دخول مسجد و لو كان الكعبة،و قراءة عزيمة،و غير ذلك من واجب و مستحب،قاله الشيخ-في المبسوط و الخلاف بعبارة تشمل ذلك (1)- و الفاضلان (2)لقوله تعالى وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ (3).

و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«و طهورا» (4).

و لقوله لأبي ذر:«يكفيك الصعيد عشر سنين» (5).

و لرواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (6).

المسألة الثانية:يستباح بالتيمم ما لم ينتقض بحدث أو وجود الماء،

عند علمائنا أجمع،سواء خرج الوقت أولا،و سواء كانت التالية فريضة أو نافلة،لما قلناه.

و روي عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،أ يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها؟قال:«نعم،ما لم يحدث أو يصب ماء» (7)،و مثله روى السكوني عن الصادق(عليه السلام) (8).

ص: 272


1- المبسوط 1:34،الخلاف 1:138،المسألة 84.
2- المعتبر 1:391،نهاية الإحكام 1:212.
3- سورة المائدة:6.
4- الفقيه 1:155 ح 724،أمالي الصدوق:179 مسند أحمد 5:148،سنن ابن ماجة 1:188 ح 567،سنن النسائي 1:210.
5- الفقيه 1:59 ح 221،التهذيب 1:199 ح 578.
6- الكافي 3:66 ح 3،الفقيه 1:60 ح 223،التهذيب 1:404 ح 1264.
7- الكافي 3:63 ح 4،التهذيب 1:200 ح 580،الاستبصار 1:164 ح 570.
8- التهذيب 1:201 ح 582،الاستبصار 1:163 ح 567.

و عن حماد بن عثمان عنه(عليه السلام)،أ يتيمم لكل صلاة؟قال:«لا، هو بمنزلة الماء» (1).

و أمّا رواية أبي همام عن الرضا(عليه السلام):«يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء» (2).و رواية السكوني عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه قال:«لا تستبح بالتيمم أكثر من صلاة واحدة» (3)فمحمولان على التقية أو على الندب، قال الشيخ:أو على رؤية الماء بين الصلاتين،و بانّ أبا همام تارة يرويها عن الرضا (عليه السلام)،و تارة بإسناده إلى السكوني،و هو اضطراب يضعف الخبر،و لأنّ السكوني روى خلاف هذا (4)كما ذكرناه.

المسألة الثالثة:لا إعادة فيما صلى بالتيمم المشروع،

لأنّ امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء،و لما مر في المسألة السالفة،و لقول أبي الحسن(عليه السلام)فيما رواه عنه عبد اللّه بن سنان:«قد أجزأته صلاته» (5).

و استثني من ذلك مواضع:

أحدها:من صبّ الماء في الوقت،و قد سلف.

و ثانيها:من تيمم في أوّل الوقت-إذا قلنا به-ثم وجد الماء في الوقت، فأوجب ابن الجنيد و ابن أبي عقيل الإعادة (6)،لرواية يعقوب بن يقطين السالفة (7).

لنا:ما روي عن أبي سعيد الخدري،أن رجلين تيمما فوجدا الماء و صليا في

ص: 273


1- التهذيب 1:200 ح 581،الاستبصار 1:163 ح 566.
2- التهذيب 1:201 ح 583،الاستبصار 1:163 ح 568.
3- التهذيب 1:201 ح 584،الاستبصار 1:164 ح 569.
4- التهذيب 1:201.
5- التهذيب 1:193 ح 556،الاستبصار 1:159 ح 549،161 ح 558،عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).
6- مختلف الشيعة:54.
7- تقدّمت في ص 255 الهامش 3.

الوقت،فأعاد أحدهما،و سألا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فقال لمن لم يعد:

«أصبت السنة،و أجزأتك صلاتك»،و للآخر:«لك الأجر مرتين» (1).

و رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)..الى قوله:ثمّ أتى الماء و عليه شيء من الوقت،أ يمضي على صلاته أم يتوضأ و يعيد الصلاة؟ قال:«يمضي على صلاته،فان رب الماء رب التراب» (2).

و الجواب عن خبر ابن يقطين:بحمل الإعادة على بطلان التيمم مع سعة الوقت،و حمل عدم الإعادة على كون التيمم وقع آخر الوقت.هكذا أجاب الفاضل (3)و فيه نوع من التحكّم،و الحمل على الاستحباب حسن كما دل عليه الخبر النبوي.

و ثالثها:إعادة متعمّد الجنابة.

و رابعها:ذو الثوب النجس.

و خامسها:الممنوع بزحام الجمعة و عرفة.

و سادسها:إعادة ما صلاه بالتيمم في الحضر،و قد سلفت في الفصل الثاني.

المسألة الرابعة:الردة لا تبطل التيمم،

فلو عاد إلى الإسلام صلّى به، للاستصحاب،و لعدم ثبوت كونه ناقضا.

و كذا لا يبطله نزع العمامة و الخف،و لا بظن الماء أو شكّه،عملا بأصالة البقاء،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لأبي ذر:«الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج،فإذا وجده فليمسه بشرته» (4)،علّق ذلك على الوجود

ص: 274


1- المصنف لعبد الرزاق 1:230 ح 890،سنن الدارمي 1:190،سنن أبي داود 1:93 ح 338، سنن النسائي 1:213،سنن الدار قطني 1:189،المستدرك على الصحيحين 1:178.
2- الفقيه 1:59 ح 220،التهذيب 1:195 ح 564،الاستبصار 1:160 ح 554.
3- مختلف الشيعة:54.
4- مسند أحمد 5:155،180،سنن أبي داود 1:91 ح 332،الجامع الصحيح 1:212 ح 124،سنن الدار قطني 1:187،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:302 ح 1308،المستدرك على الصحيحين 1:176.

و الظنّ لا يحصّله،و وجوب الطلب عند الظن أو الشك لا يلزم منه الانتقاض،و لا يكفي في الانتقاض وجود الماء إذا لم يتمكن من استعماله لأنّه كلا وجود.

المسألة الخامسة:إذا وجد المتيمم الماء و تمكّن من استعماله،
اشارة

ففيه صور:

أحديها:ان يجده قبل الصلاة، فينتقض تيممه إجماعا و يجب استعمال الماء، فلو فقده بعد أعاد التيمم.

الثانية: ان يجده بعد الصلاة،و قد سلف.

الثالثة:ان يجده في أثناء الصلاة، و الروايات فيه مختلفة.

إحداها:رواية محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في المتيمم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة،قال:«يمضي في الصلاة» (1).و عليها المفيد (2)و الشيخ في أحد قوليه (3)و المرتضى في مسائل الخلاف (4)و ابن البراج (5)و ابن إدريس (6)و الفاضلان (7).

و اجتزءوا بتكبيرة الإحرام،حتى قال في الخلاف:لأصحابنا فيه روايتان:

إحداها-و هي الأظهر-:أنّه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى في صلاته (8)فكأنه جعل حين يدخل مبدأ الدخول.

و يؤيّدها وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (9)و الاستصحاب.

ص: 275


1- التهذيب 1:203 ح 590،الاستبصار 1:166 ح 575.
2- المقنعة:8.
3- المبسوط 1:33.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:51.
5- المهذب 1:48.
6- السرائر:27.
7- المعتبر 1:400،نهاية الإحكام 1:210.
8- الخلاف 1:141 المسألة 89.
9- سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله:33.

و ثانيتها:رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،فيمن صلّى بتيمم ركعة (1)فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضأ و يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (2)،و في الرواية:إذا كان قد صلى ركعتين ثم وجد الماء لم يقطعها (3).

و ابن الجنيد يقرب كلامه من هذه في بعض الأحكام،حيث قال:و إذا وجد المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية،فإن ركعها مضى في صلاته.فان وجده بعد الركعة الاولى،و خاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع،رجوت أن يجزئه ان لا يقطع صلاته،فاما قبله فلا بدّ من قطعها مع وجود الماء (4).

و ثالثتها:رواية عبد اللّه بن عاصم-رواها في التهذيب بثلاث طرق عنه عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)-في الرجل يتيمم و يقوم في الصلاة فيجد الماء:«إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ،و ان كان قد ركع فليمض» (5).و عليها عمل:ابن أبي عقيل (6)و الجعفي،و الصدوق (7)و المرتضى في القول الآخر (8).

و الشيخ في النهاية و في التهذيب قيّد الرجوع قبل الركوع بسعة الوقت للوضوء و الصلاة إذا انصرف،لأنّه يكون قد تيمم قبل آخر الوقت (9).و هو بعيد،3.

ص: 276


1- في المصادر بزيادة:(و أحدث)و ستأتي الإشارة إليها في المسألة السادسة.
2- الفقيه 1:58 ذيل ح 214،التهذيب 1:205 ذيل ح 595،الاستبصار 1:167 ذيل ح 580.
3- و هي رواية عمر بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)و هي صدر الرواية المتقدمة.
4- مختلف الشيعة:51.
5- التهذيب 1:204 ح 591-593،و في الكافي 3:64 ح 5،الاستبصار 1:166 ح 576- 578.
6- مختلف الشيعة:51.
7- الفقيه 1:58.
8- جمل العلم و العمل 3:26.
9- النهاية:48،التهذيب 1:203.

لأنّه لو كان المقتضي للإعادة تيممه مع سعة الوقت لم يفرق الامام بين الراكع و غيره من غير استفصال.

قال في المعتبر:رواية ابن حمران أرجح من وجوه:

منها:انّه أشهر في العلم و العدالة من عبد اللّه بن عاصم،و الأعدل مقدّم.

و منها:انّها أخفّ و أيسر و اليسر مراد للّه تعالى.

و منها:أنّ مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد اللّه بالتنزيل على الاستحباب،و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل (1).

قلت:و يؤيدها ما سلف،و ظاهر قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«فلا ينصرف أحدكم من الصلاة،حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (2).

و في التذكرة-بعد ذكر نقض هذه-أجاب عن رواية ابن عاصم:بان المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان،و بقوله:«ما لم يركع»ما لم يتلبس بالصلاة،و بقوله:«و ان كان قد ركع»دخوله عليها،إطلاقا لاسم الجزء على الكل (3).

و هذا الحمل شديد المخالفة للظاهر،مع انّ لمانع ان يمنع تعارض الروايتين،إذ المطلق يحمل على المقيد،و رواية محمد بن حمران مطلقة،فتحمل على ما إذا ركع.و ليس في قوله:حتى يدخل،تصريح بأول وقت الدخول حتى يتعارضا،و حينئذ لا يحتاج إلى الترجيح بما ذكر.».

ص: 277


1- المعتبر 1:400.
2- صحيح مسلم 1:276 ح 362،سنن ابن ماجة 1:171 ح 514،الجامع الصحيح 1:109 ح 75،سنن النسائي 1:98.
3- تذكرة الفقهاء 1:65. و الظاهر ان العلامة أجاب عن رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)الشبيهة برواية ابن عاصم، و هي في الكافي 3:63 ح 4،و لفظها:..قلت:فإن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة،قال: «فلينصرف و ليتوضأ..»و تمامها كما في رواية ابن عاصم بزيادة:«فإن التيمم أحد الطهورين».

و قال سلار:يرجع ما لم يقرأ (1).كأنّه اعتبر مسمى الصلاة الذي يحصل بهذا القدر،أو اعتبر أكثر الأركان و هو:القيام و النيّة و التكبير،و أكبر الأفعال و هي:القراءة.

و لابن حمزة في الواسطة قول غريب،و هو:أنه إذا وجد الماء بعد الشروع، و غلب ظنه على أنّه ان قطعها و تطهر بالماء لم تفته الصلاة،وجب عليه قطعها و التطهر بالماء،و ان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر،و قيل:قطع ما لم يركع،و هو محمول على الاستحباب.فاشتمل على وجوب القطع على الإطلاق مع سعة الوقت،و لا أعلم به قائلا منا الا ما نقلناه عن ابن أبي عقيل،و اختاره ابن الجنيد (2)فإنه قريب من هذا،الا ان حكم ابن حمزة باستحباب القطع و الفرض ضيق الوقت مشكل.

فروع:
الفرع الأول:إذا حكمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء:

اما لكونه قد تجاوز محل القطع،أو قلنا بالاكتفاء بالشروع،فهل يعيد التيمم لو فقد الماء بعد الصلاة؟ ظاهر المبسوط نعم،حيث قال:ان فقده استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة،لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة،و هو الأحوط (3).

و الفاضل:مال إليه تارة،لأنه تمكن عقلا من استعمال الماء،و منع الشرع من إبطال الصلاة لا يخرجه عن التمكن،فان التمكن صفة حقيقية لا تتغير بالأمر الشرعي أو النهي،و الحكم معلق على التمكن.

و اعرض عنه اخرى بالمنع الشرعي من قطع الصلاة و الحكم بصحتها،و لو انتقض لبطلت (4).

و كذا قال الشيخ:لو كان في نافلة ثم وجد الماء (5).

ص: 278


1- المراسم:54.
2- مختلف الشيعة:54،المعتبر 1:400.
3- المبسوط 1:33.
4- مختلف الشيعة:54.
5- المبسوط 1:33.

و ربما كان هذا لعدم تحريم قطع النافلة فليس لها حرمة الفريضة،و الشيخ حكم بصحة النافلة و التيمم بعدها.

و فرّع بعضهم على قول الشيخ:انه لا يجوز العدول إلى فائتة سابقة، لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كلّ صلاة غير هذه (1).

و الأقرب:الجزم بعدم انتقاضة في صورتي الفريضة أو النافلة.اما بالنسبة إلى ما هو فيها فظاهر،لأنا بنينا على إتمام الصلاة.و اما بالنسبة إلى غيرها، فلاستصحاب الحكم بصحة التيمم إلى الفراغ،و عند الفراغ لا تمكّن من استعمال الماء-لأنه المقدر-فنقول:هذا تيمم صحيح،و كل تيمم صحيح لا ينقضه الا الحدث،أو التمكن من استعمال الماء،و المقدمتان ظاهرتان،و هو مختار المعتبر (2).

و اما قضية العدول فأبلغ في الصحة،لأن العدول ان كان واجبا فالمعدول اليه بدل مما هو فيها بجعل الشرع،فكيف يحكم ببطلانها؟و ان كان مستحبا -كمن عدل عن الحاضرة إلى الفائتة عند من لم يقل بالترتيب بين الفوائت و الحاضرة-فهو أيضا انتقال الى واجب من واجب،غايته ان الانتقال غير متعين و ان كان واجبا مخيرا.و بالجملة المحكوم عليه بالصحة هو نوع الصلاة التي شرع فيها لا هذا الشخص بعينه،و الشيخ انما قال في حق الصلوات المستقبلة.

الفرع الثاني:حيث قلنا لا يرجع فهو للتحريم،

للنهي عن إبطال العمل، و لحرمة الصلاة فلا يجوز انتهاكها.

و تفرد الفاضل بجواز العدول الى النفل،لأن فيه الجمع بين صيانة الفريضة عن الابطال،و أداء الفريضة بأكمل الطهارتين (3).

ص: 279


1- تعرض إلى ذكر ذلك المدارك 2:248 و الحدائق 4:385 و الذخيرة:109 و من غير نسبة.
2- المعتبر 1:401.
3- تذكرة الفقهاء 1:65.

و الأصح المنع،لأن العدول الى النفل إبطال للعمل قطعا،فيحافظ على حرمة الفريضة.و الحمل على ناسي الأذان و الجمعة (1)قياس باطل.و لأنه لو جاز العدول الى النفل لجاز الابطال بغير واسطة،و هو لا يقول به.و لو ضاق الوقت حرم ذلك قطعا.

الفرع الثالث:لو كان في صلاة غير مغنية عن القضاء-

كبعض الصور السالفة عند من أوجب القضاء،و كمن ترك شراء الماء لغلائه-فإنه يتيمم و يصلي ثم يقضي عند ابن الجنيد (2)-فالأجود البطلان،لوجوب الإعادة بوجود الماء بعد الفراغ،ففي أثناء الصلاة أولى.و يمكن المنع،لعموم النهي عن الابطال، و المحافظة على حرمة الصلاة.

المسألة السادسة:لو أحدث المتيمم في الصلاة و وجد الماء،

قال المفيد:ان كان الحدث عمدا أعاد،و ان كان نسيانا تطهر و بنى (3).و تبعه الشيخ في النهاية (4)و ابن حمزة في الواسطة.

و ابن أبي عقيل حكم بالبناء في المتيمم و لم يشرط النسيان في الحدث (5)- و شرطوا عدم تعمد الكلام،و عدم استدبار القبلة،و عولوا على صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)،قال:قلت له:رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضأ، ثم يبني على ما بقي من صلاته التي صلى بالتيمم» (6).

و روى زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)القطع و البناء إذا وجد الماء و لم

ص: 280


1- نفس المصدر السابق.
2- المعتبر 1:369.
3- المقنعة:8.
4- النهاية:48.
5- مختلف الشيعة:53.
6- التهذيب 1:204 ح 594،و فيه:«على ما مضى».

يذكر الحدث-و قد سبقت (1)-و هي دالة على إطلاق ابن أبي عقيل (2)،و قد سبق في المبطون حكم يقرب من هذا.

و الصدوق أورد الرواية الصحيحة (3)،فكأنه عامل بها لما ذكر في ديباجة كتابه (4).

و في التهذيب احتج بالرواية للمفيد،و أورد لزوم بناء المتوضئ لو أحدث في أثناء الصلاة،و أجاب بأن الإجماع أخرجه و الأخبار.

كرواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن(عليه السلام)فيمن صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة:«ان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد».

و رواية عمار عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع متلطخا بالعذرة:يعيد الوضوء و الصلاة (5).

و في المعتبر حسّن ما قاله الشيخان،قال:لأن الإجماع على أنّ الحدث عمدا يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية،و يتعيّن حملها على غير صورة العمد، لأن الإجماع لا يصادمه (6).

قال:و لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكراه فإنها مشهورة،و يؤيدها ان الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة- كصلاة المبطون إذا فجأه الحدث-بخلاف المصلي بالطهارة المائية،لأن حدثه7.

ص: 281


1- تقدّمت في صفحة 276 هامش 2.
2- مختلف الشيعة:53.
3- الفقيه 1:58 ح 214.
4- إشارة إلى قوله:(.بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به و أحكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره..)
5- التهذيب 1:205-206 و الحديثين فيه برقم 596،597.
6- المعتبر 1:407.

مرتفع،فالحدث المتجدد رافع لطهارته فتبطل (1).

و ابن إدريس ردّ الرواية للتسوية بين نواقض الطهارتين،و ان التروك متى كانت من النواقض لم يفترق العامد فيها و الساهي.قال:و انما ورد هذا الخبر فأوّله بعض أصحابنا بصلاة المتيمم (2).

قلت:الأول محل النزاع،و الرواية مصرحة بالمتيمم،فكيف يجعل تأويلا؟ و في المختلف ردّها أيضا لاشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة،و لما قاله ابن إدريس.و قال:الطهارة المتخللة فعل كثير،و كل ذلك مصادرة.ثم أوّل الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء،و بان المراد ب:«ما مضى من صلاته»ما سبق من الصلوات السابقة على وجدان الماء،أو يرجع إذا صلى ركعة استحبابا و يبني على ما مضى من الصلوات السابقة على التيمم (3).

قلت:لفظ الرواية:«يبني على ما بقي من صلاته»و ليس فيها«ما مضى» فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا.

المسألة السابعة:يجب استيعاب مواضع المسح،

فلو ترك منه شيء بطل و ان قل، عمدا كان أو سهوا،ما لم يتداركه في محل الموالاة لعدم امتثال أمر الشارع.و لا فرق بين طول الزمان و قصره إذا خرج عن الموالاة.و لا بين قدر الدرهم و لا ما دونه.

المسألة الثامنة:التيمم لا يرفع الحدث،

لما مر.

و حكاه في الخلاف عن كافة الفقهاء الا داود و بعض المالكية (4).

و قال في المعتبر:هو مذهب العلماء كافّة،و قيل:يرفع،و اختلف في قائله، قيل:هو أبو حنيفة و مالك،مع ان ابن عبد البر منهم نقل الإجماع عليه.و لأن

ص: 282


1- المعتبر 1:407.
2- السرائر:27.
3- مختلف الشيعة:53.
4- الخلاف 1:144 المسألة 92.

المتيمم يجب عليه استعمال الماء عند التمكن منه بحسب الحدث السابق،فلا يكون وجود الماء حدثا و الا لاستوى المحدث و الجنب فيه،لكن المحدث لا يغتسل و الجنب لا يتوضأ قطعا.و لما مرّ من قضية عمرو (1).

و قال المرتضى في شرح الرسالة:ان المجنب إذا تيمم ثم أحدث أصغر، و وجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به،لأن حدثه الأول قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرى و قد وجد من الماء ما يكفيه لها،فيجب عليه استعماله و لا يجزئه تيممه (2).

و يمكن ان يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة،و ان الجنابة لم تبق مانعة منها،فلا ينسب الى مخالفة الإجماع.

و الشيخ في الخلاف حكم في هذه الصورة بوجوب إعادة التيمم بدلا من الجنابة،و ان لا حكم لحدث الوضوء فلا يستعمل الماء فيه،و استدل بان حدث الجنابة باق (3).

و على مذهب المرتضى لو لم يجد ماء للوضوء ينبغي الإعادة بدلا من الوضوء.

و نقل في المختلف:ان الأكثر على خلافه،و احتج له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)في رجل أجنب في سفر و معه ماء بقدر ما يتوضأ به،قال:«يتيمم و لا يتوضأ» (4)و للمرتضى أن يحمله على ما قبل التيمم عن الجنابة،فلا يلزم مثله فيما بعده.2.

ص: 283


1- المعتبر 1:394-395.و قضية عمرو تقدمت في ص.
2- انظر المهذب لابن فهد 1:217.
3- الخلاف 1:144 المسألة 92.
4- مختلف الشيعة:55. و صحيحة محمد بن مسلم في التهذيب 1:405 ح 1272.
المسألة التاسعة:فاقد الماء لو كان على محاله جبائر،

و تعذر نزعها،مسح عليها كما يمسح بالماء بل أولى.فلو زالت بعد التيمم انسحب الوجهان في الطهارة المائية.

و اللّه الموفق.

ص: 284

كتاب الصلاة معرفة أعداد الصلاة

ص: 285

ص: 286

الباب الثاني:معرفة أعداد الصلاة
اشارة

و نذكر هنا اليومية و سننها و الباقي يأتي إن شاء اللّه تعالى.و قد تضمّنت الأخبار من طريقي الخاصة و العامة:«إنّ اللّه تعالى أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بخمسين صلاة ليلة المعراج،فمرّ على النبيين صلّى اللّه عليهم لا يسألونه عن شيء،حتى مرّ على موسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام فسأله فأجابه،فقال:

سل ربّك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك،فسأل ربّه فحطّ عشرا.ثم عاد ثانية فقال له:سل ربّك التخفيف،فحطّ عشرا.و هكذا خمس مرات حتى صارت خمسا» (1)فعن زين العابدين عليه السلام:خمس بخمسين لآية المضاعفة (2).

فالمفروض خمس:الظهر،و العصر،و العشاء الآخرة.و كلّ واحدة أربع ركعات بتشهدين و تسليم حضرا،و ركعتان بتشهد و تسليم سفرا.و المغرب ثلاث ركعات،بتشهدين و تسليم حضرا و سفرا.و الصبح ركعتان حضرا و سفرا.

و اما الوتر،فمن خصائص النبي صلّى اللّه عليه و آله،لما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«ثلاث كتبت عليّ و لم تكتب عليكم:الوتر،و النحر، و ركعتا الفجر» (3).

ص: 287


1- تفسير القمي 2:12،الفقيه 1:125 ح 602،صحيح البخاري 1:98،الجامع الصحيح 1:417 ح 213،سنن النسائي 1:200.
2- الفقيه 1:126 ح 603،أمالي الصدوق:371،التوحيد:176،علل الشرائع: 132.
3- سنن الدار قطني 2:21،المستدرك على الصحيحين 1:300.

و عن علي عليه السلام:«الوتر ليس بحتم،و انما هو سنّة» (1).

و روى الأصحاب عن الصادق عليه السلام بطريق محمد الحلبي:«إنما كتب اللّه الخمس،و ليست الوتر مكتوبة» (2).

و روى عنه أبو أسامة:«الوتر سنّة لا فريضة» (3).

و هذا كله إجماع و ان خالف بعض العامة في الوتر،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه زادكم صلاة،و هي:الوتر» (4)،و التمسك به ضعيف،لأنّ الزيادة أعمّ من الوجوب.و روى الأصحاب عن عبيد،عن أبيه،عن الباقر عليه السلام:«الوتر في كتاب علي عليه السلام واجب» (5)و أوّل بالتأكيد.و من الحجّة على عدم وجوب الوتر:الإجماع على تحقّق الصلاة الوسطى،و لو كان واجبا لانتفت.

و الصلاة الوسطى هي الظهر،و نقل الشيخ-في الخلاف-فيه إجماع الفرقة (6)و قال ابن الجنيد:عندنا هي الظهر (7)و رواية البزنطي عن الصادق عليه السلام و زرارة عن الباقر عليه السلام،قال حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى «هي صلاة الظهر،و هي أول صلاة صلاّها رسول اللّه صلى اللّه عليه3.

ص: 288


1- المصنف لعبد الرزاق 3:3 ح 4569،المصنف لابن أبي شيبة 2:296،مسند احمد 1: 86،سنن الدارمي 2:371،سنن ابن ماجة 1:370 ح 1169،الجامع الصحيح 2:316 ح 453.
2- التهذيب 2:11 ح 22،عن الحلبي عن الصادق عليه السلام.
3- التهذيب 2:243 ح 961.
4- المصنف لعبد الرزاق 3:7 ح 4582،المصنف لابن أبي شيبة 2:297،مسند أحمد 2: 206،سنن الدار قطني 2:31،السنن الكبرى 2:469.
5- التهذيب 2:243 ح 962.
6- الخلاف 1:294 المسألة 40.
7- مختلف الشيعة:123.

و آله،و هي وسط بين صلاتين بالنهار:صلاة الغداة،و العصر» (1)و لأنّها وسط بين نافلتين متساويتين،و به علّل ابن الجنيد (2).

و نقل المرتضى إجماع الشيعة على انّها العصر (3)و بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«شغلونا عن الصلاة الوسطى:صلاة العصر» (4)و لأنّها وسط بين صلاتي نهار و صلاتي ليل.

و أمّا المستحب في اليوم و الليلة من النوافل الراتبة،فالمشهور أربع و ثلاثون ركعة:ثمان قبل الظهر،و ثمان قبل العصر،و أربع بعد المغرب، و ركعتان تصليان جلوسا بعد العشاء الآخرة،و ثمان في الليل،و ركعتا الشفع، و ركعة الوتر،و ركعتا الصبح قبلها.و لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب،و نقل فيه الشيخ الإجماع منا (5).

و نقل الراوندي انّ بعض الأصحاب يجعل الست عشرة للظهر،و صحّح المشهور.

و ابن الجنيد جعل قبل العصر ثماني ركعات،للعصر منها ركعتان (6)، و فيه إشارة إلى انّ الزائد ليس لها،و لم يخالف في العدد،و يشهد لقوله رواية عمار الآتية في التنبيه السابع (7).و معظم الأخبار و المصنفات خالية من التعيين6.

ص: 289


1- رواية زرارة في الكافي 3:271 ح 1،الفقيه 1:124 ح 600،التهذيب 2:241 ح 954 و الآية في سورة البقرة:238.
2- مختلف الشيعة:123.
3- المسائل الميافارقيات 1:275.
4- مسند احمد 1:113،صحيح مسلم 1:437 ح 205،سنن أبي داود 1:112 ح 409، مسند أبي يعلى 1:314 ح 390،السنن الكبرى 1:460.
5- الخلاف 1:525 المسألة 266.
6- مختلف الشيعة:123.
7- ستأتي في ص 301 الهامش 6.

للعصر و غيرها.

و على ما فصلناه دل ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده إلى إسماعيل بن سعد عن الرضا عليه السلام:«الصلاة احدى و خمسون ركعة» (1)و مثله روى الفضيل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير عن الصادق عليه السلام (2).

و سأل عمرو بن حريث أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي ثماني ركعات الزوال،و أربعا الأولى،و ثماني بعدها،و أربعا العصر،و ثلاثا المغرب،و أربعا بعد المغرب،و العشاء الآخرة أربعا،و ثماني صلاة الليل،و ثلاثا الوتر،و ركعتي الفجر،و صلاة الغداة ركعتين» (3).

و هذا الخبر لم يتضمن نافلة العشاء الآخرة،و هو مذكور في خبر الفضيل ابن يسار (4)و الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (5).و في رواية الحارث:

«كان أبي يصليهما و هو قاعد،و أنا أصليهما و أنا قائم» (6).و في خبر سليمان بن خالد عنه عليه السلام:«ركعتان بعد العشاء الآخرة،تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا،و القيام أفضل» (7).و روى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام مثله (8)و قال:«و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّ بركعة» (9).و الجمع بينهما بجوازها من قعود و من قيام.4.

ص: 290


1- الكافي 3:446 ح 16،التهذيب 2:3 ح 1،الاستبصار 1:218 ح 771.
2- الكافي 3:443 ح 3،التهذيب 2:4 ح 3،الاستبصار 1:218 ح 773.
3- الكافي 3:443 ح 5،التهذيب 2:4 ح 4،الاستبصار 1:218 ح 774.
4- الكافي 3:443 ح 2.
5- التهذيب 2:4 ح 5.
6- التهذيب 2:4 ح 5.
7- التهذيب 2:5 ح 8.
8- اي:مثل الحديث المتقدّم في الهامش 3.
9- الكافي 3:444 ح 8،التهذيب 2:8 ح 14.

و قد روي في غير المشهور عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الذي يستحب أن لا ينقص منه:ثمان للزوال،و بعد الظهر ركعتان،و قبل العصر ركعتان،و بعد المغرب ركعتان،و قبل العتمة ركعتان»،ثم ذكر الليلية و نافلة الصبح (1)و مثله روى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2)و مثله روى عن يحيى بن حبيب عن الرضا عليه السلام (3)فذلك تسع و عشرون ركعة.

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انها سبع و عشرون،اقتصر بعد المغرب على ركعتين (4).

و كلّه محمول على المؤكّد من المستحب،و لا ينافي مطلق الاستحباب.2.

ص: 291


1- التهذيب 2:6 ح 11،الاستبصار 1:219 ح 777.
2- الفقيه 1:146 ح 678.
3- التهذيب 2:6 ح 10،الاستبصار 1:219 ح 776.
4- التهذيب 2:7 ح 12.
تنبيهات
الأول:قال ابن بابويه:أفضل هذه الرواتب:ركعتا الفجر،

ثم ركعة الوتر،ثم ركعتا الزوال،ثم نافلة المغرب،ثم تمام صلاة الليل،ثم تمام نوافل النهار (1).

و قال ابن أبي عقيل لما عدّ النوافل:و ثماني عشرة ركعة بالليل،منها نافلة المغرب و العشاء.ثم قال:بعضها أوكد من بعض،فأوكدها الصلوات التي تكون بالليل،لا رخصة في تركها في سفر و لا حضر (2).و لعله لكثرة ما ورد في صلاة الليل من الثواب:فروى في(من لا يحضره الفقيه):«إن جبرائيل عليه السلام قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله:شرف المؤمن صلاته بالليل» (3).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام:«عليك بصلاة الليل -ثلاثا-» (4)و لأبي ذر:«من ختم له بقيام الليل،ثم مات،فله الجنة» (5).

و عن بحر السقاء عن الصادق عليه السلام:«انّ من روح اللّه التهجد بالليل» (6).

و روى عنه الفضيل بن يسار:انّ البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن،تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض» (7).

و مدح اللّه عز و جل عليا عليه السلام بقيام الليل بقوله تعالى:

ص: 292


1- الفقيه 1:314.
2- مختلف الشيعة:123.
3- الفقيه 1:298 ح 1363،الخصال 1:7.
4- الفقيه 1:307 ح 1402،و في المحاسن:17،و الكافي 8:79 ح 33.
5- الفقيه 1:300 ح 1376،التهذيب 2:122 ح 465.
6- الفقيه 1:298 ح 1364،أمالي الطوسي 1:175.
7- الفقيه 1:299 ح 1370،ثواب الاعمال:66،التهذيب 2:122 ح 464.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً (1) في أخبار كثيرة رواها هو و غيره.

و في الخلاف:ركعتا الفجر أفضل من الوتر،بإجماعنا،و روت عائشة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها» (2).

و في المعتبر:ركعتا الفجر أفضل من الوتر،لما رووه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلوهما و لو طردتكم الخيل».و عن عائشة:لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و آله على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح.و روينا عن علي عليه السلام في قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قال:«ركعتا الفجر تشهدهما ملائكة الليل و النهار».و عن الصادق عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه فلا يبيتن الا بوتر» (3).

قلت:و فيه دلالة على رجحانها على غيرها خرج منه ركعتا الفجر.

قال فيه أيضا:ثم نافلة المغرب،لرواية الحارث ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر و لا حضر و ان طلبتك الخيل» (4).و خبر الخفاف الآتي يدل عليه.7.

ص: 293


1- الفقيه 1:299 ح 1371. و الآية في سورة الزمر:9.
2- الخلاف 1:523 المسألة 264. و الرواية في:مسند أحمد 6:265،صحيح مسلم 1:501 ح 725،الجامع الصحيح 2:275 ح 416،سنن النسائي 3:252،السنن الكبرى 2:470.
3- المعتبر 2:16-17. و رواية أبي هريرة في السنن الكبرى 2:471. و رواية عائشة في:مسند أحمد 6:54،صحيح مسلم 1:501 ح 724،سنن أبي داود 2:19 ح 1254. و نحو رواية علي عليه السلام في:الكافي 8:338 ح 536،و الفقيه 1:291 ح 1321، و علل الشرائع:324،عن علي بن الحسين عليه السلام. و مثل رواية الصادق في:علل الشرائع:330 عن الباقر عليه السلام.
4- المعتبر 2:17. و رواية الحارث في:التهذيب 2:113 ح 423. و رواية أبي بصير في:المحاسن:53،الخصال:610،التهذيب 2:121 ح 457.

قال أيضا:ثم صلاة الليل،لرواية أبي بصير عنه عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام،قال:«قيام الليل مصحة للبدن،و رضى الرب،و تمسك بأخلاق النبيين،و تعرض لرحمته».

قلت:هذه التمسكات غايتها الفضيلة،اما الأفضلية فلا دلالة فيها عليها.و تظهر الفائدة في الترغيب في الأفضل و نذره،و غير ذلك.

الثاني:يكره الكلام بين المغرب و نافلتها،

لرواية أبي الفوارس:نهاني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب (1).

و عن أبي العلاء الخفاف عنه عليه السلام:«من صلّى المغرب ثم عقّب و لم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين،فان صلّى أربعا كتبت له حجة مبرورة» (2).و نقله ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (3)مع ضمانه صحة ما يورده في كتابه.

الثالث:في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب

روايتان يجوز العمل بهما،إحداهما:

رواية حفص الجوهري عن الهادي عليه السلام انها بعد السبع (4).

و الثانية:رواية جهم،قال:رأيت أبا الحسن الكاظم عليه السلام و قد سجد بعد الثلاث،و قال:«لا تدعها،فان الدعاء فيها مستجاب» (5).مع إمكان حمل هذه على سجدة مطلقة و ان كان بعيدا.

و قد روى استجابة الدعاء عقيب المغرب و بعد الفجر،و بعد الظهر و في

ص: 294


1- الكافي 3:443 ح 7،التهذيب 2:114 ح 425.
2- التهذيب 2:113 ح 422.
3- الفقيه 1:143 ح 664.
4- التهذيب 2:114 ح 426،الاستبصار 1:347 ح 1308.
5- الفقيه 1:217 ح 967،التهذيب 2:114 ح 427،الاستبصار 1:347 ح 1309.

الوتر:الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام (1).

و يستحب أن يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة سبع مرات:

«اللّهم إني أسألك بوجهك الكريم،و اسمك العظيم،أن تصلي على محمد و آل محمد،و ان تغفر لي ذنبي العظيم» (2).

الرابع:كل النوافل يسلم فيها بعد الركعتين،الا الوتر

فإنه بعد الركعة، لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«مفتاح الصلاة الطهور،و بين كل ركعتين تسليمة» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الليل و النهار مثنى مثنى»،رواه ابن عمر (4).

و منع في المبسوط من الزيادة على ركعتين (5)اقتصارا على ما نقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته.و قال في الخلاف:إن فعل خالف السنّة، و احتج بإجماعنا،و بما رواه ابن عمر:انّ رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الليل،فقال:«صلاة الليل مثنى مثنى،فإذا خشي أحدكم الصبح،صلّى ركعة واحدة توتر له ما قد صلّى»،ثم ذكر الخبر السابق عن ابن عمر،و قال:فدلّ على انّ ما زاد على مثنى لا يجوز (6).و ظاهر كلامه في الكتابين عدم شرعيته و انعقاده.

ص: 295


1- الكافي 3:343 ح 17،التهذيب 2:114 ح 428.
2- الكافي 3:428 ح 1،الفقيه 1:273 ح 1249،التهذيب 2:115 ح 431.
3- السنن الكبرى 2:380.
4- سنن ابن ماجة 1:419 ح 1322،سنن أبي داود 2:29 ح 1295،الجامع الصحيح 2: 491 ح 597،سنن النسائي 3:227،سنن الدار قطني 1:417.
5- المبسوط 1:71.
6- الخلاف 1:527 المسألة 267. و رواية ابن عمر في:الموطأ 1:123،صحيح البخاري 2:30،صحيح مسلم 1:516 ح 749،سنن أبي داود 2:36 ح 1326،الجامع الصحيح 2:300 ح 437.

و هل تجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟منع منه في الخلاف و المعتبر (1)اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)،و لرواية ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه نهى عن البتيراء (3)،يعني:الركعة الواحدة.

و قد ذكر الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار الجمعة عشر ركعات:يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة و الفلق سبعا، و في الثانية بعد الحمد الناس سبعا،و يسلم و يقرأ آية الكرسي سبعا،ثم يصلي ثماني ركعات بتسليمتين،يقرأ في كل ركعة الحمد مرة،و النصر مرة، و الإخلاص خمسا و عشرين مرة.ثم يدعو بالمرسوم (4).و لم يذكر سندها،و لا وقفت لها على سند من طرق الأصحاب.

قال ابن إدريس:قد روي رواية في صلاة الأعرابي،فإن صحّت لا تعدّي،لأنّ الإجماع على انّ الركعتين بتسليمة (5).

الخامس:تسقط في السفر نوافل الظهرين عند علمائنا،

لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«الصلاة في السفر ركعتان،ليس قبلهما و لا بعدهما شيء،إلا المغرب فان بعدها أربع ركعات،لا تدعهن في حضر و لا سفر» (6).

و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (7).

ص: 296


1- الخلاف 1:119 المسألة 221،المعتبر 2:18.
2- راجع:صحيح مسلم 1:508 ح 736،سنن ابن ماجة 1:418 ح 1318،السنن الكبرى 2:486.
3- النهاية لابن الأثير 1:93،الفائق 1:72،و راجع:كشف الخفاء 1:330 ح 877.
4- مصباح المتهجد:281.
5- السرائر:39.
6- الكافي 3:349 ح 3،التهذيب 2:14 ح 36.
7- التهذيب 2:14 ح 32.

رواية أبي يحيى الحناط عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انّه قال له:«يا بنيّ:لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة»و قد سأله عن نافلة النهار سفرا (1).

و رواية صفوان بن يحيى عن الرضا عليه السلام (2).

و روى معاوية بن عمار و حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قضاءها للمسافر ليلا (3).و حمله الشيخ على الجواز،لقوله عليه السلام:«أكره أن أقول لهم لا تصلوا،و اللّه ما ذلك عليهم»رواه عمر بن حنظلة عنه،حيث سأله عن قضائها ليلا فنهاه،فقال:سألك أصحابنا فقلت:أقضوا (4).

و تثبت الليلية سفرا،لرواية الحارث بن المغيرة عنه عليه السلام:«كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا في حضر» (5)و هو شامل لنافلة الصبح،و تختص بقول الرضا عليه السلام:«صل ركعتي الفجر في المحمل» (6).

و اختلف في الوتيرة،فالمشهور سقوطها،و ادّعى فيه ابن إدريس الإجماع (7)لروايتي أبي بصير و أبي يحيى السابقتين (8).

و في النهاية:يجوز فعلها (9)لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام:«انما صارت العشاء مقصورة و ليست تترك ركعتاها لأنها زيادة في5.

ص: 297


1- الفقيه 1:285 ح 1293،التهذيب 2:16 ح 44،الاستبصار 1:221 ح 780.
2- التهذيب 2:16 ح 45،46،48،الاستبصار 1:221 ح 781-783.
3- التهذيب 2:16 ح 45،46،48،الاستبصار 1:221 ح 781-783.
4- التهذيب 2:17 ح 47،الاستبصار 1:222 ح 784.
5- التهذيب 2:15 ح 39.
6- الكافي 3:441 ح 12،التهذيب 2:15 ح 38.
7- السرائر:39.
8- تقدمتا في ص 296 الهامش 6 و الهامش 1 من هذه الصفحة.
9- النهاية:125.

الخمسين تطوعا،ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع» (1).

قلت:هذا قوي،لأنه خاص و معلّل و ما تقدّم خال منهما،الاّ ان ينعقد الإجماع على خلافه.

السادس:تستحب الضجعة بعد نافلة الفجر على الجانب الأيمن،

رواه أبو هريرة و عائشة عن أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)و فعله (3).

و روينا عن سليمان بن خالد،قال:سألته-يعني أبا عبد اللّه عليه السلام-عمّا أقول إذا اضطجعت على يميني بعد ركعتي الفجر،فقال عليه السلام:«اقرأ الخمس التي في آخر آل عمران الى«الميعاد»،و قل:

استمسكت بعروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها،و اعتصمت بحبل اللّه المتين، و أعوذ باللّه من شر فسقة العرب و العجم.آمنت باللّه،و توكلت على اللّه،ألجأت ظهري الى اللّه،فوضت أمري الى اللّه، مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ،إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ،قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ،حسبي اللّه و نعم الوكيل.اللهم من أصبحت حاجته الى مخلوق فإنّ حاجتي و رغبتي إليك.الحمد لرب الصباح، الحمد لفالق الإصباح-ثلاثا-» (4).

و هذه الضجعة ذكرها الأصحاب (5)و كثير من العامة (6)قال الأصحاب:

و يجوز بدلها السجدة و المشي و الكلام،الا انّ الضجعة أفضل (7).

روى إبراهيم بن أبي البلاد،قال:صليت خلف الرضا عليه السلام في

ص: 298


1- الفقيه 1:290 ح 1320،علل الشرائع:267،عيون أخبار الرضا 2:113.
2- مسند أحمد 2:415،سنن أبي داود 2:21 ح 1261،الجامع الصحيح 2:281 ح 420.
3- صحيح البخاري 2:31،صحيح مسلم 1:508 ح 736،الجامع الصحيح 2:282 ح 420.
4- التهذيب 2:136 ح 530.
5- راجع:المقنعة:22،المبسوط 1:132،السرائر:68،المعتبر 2:19.
6- المجموع 4:27،المغني 1:799.
7- راجع الهامش 5.

المسجد الحرام صلاة الليل،فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة (1).

قلت:في هذا إيماء إلى الاقتداء بالنافلة،و تصريح بصلاة النافلة في المسجد،مع إمكان حمل قوله(خلف)على المكان.

و في مرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«يجزئك من الاضطجاع بعد ركعتي الفجر القيام و القعود و الكلام» (2)و نحوه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3).

و روى سليمان بن حفص،قال:قال أبو الحسن الأخير:«إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر،و لكن ضجعة بلا نوم،فان صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته» (4).

و روى عمر بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«ان خفت الشهرة في التكأة،أجزأك أن تضع يديك على الأرض و لا تضطجع»و أومأ بأطراف أصابعه من كفه اليمنى فوضعها في الأرض قليلا (5).

و روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام،فيمن نسي أن يضطجع على يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الإقامة،كيف يصنع؟قال:

«يتمم و يصلي و يدع ذلك فلا بأس» (6).

و كل هذه متضافرة في استحباب الضجعة و رجحانها على غيرها.

و يستحب ان يصلّي على النبي و آله مائة مرة بين ركعتي الفجر و فريضتها، ليقي اللّه وجهه من النار،رواه الصدوق (7).6.

ص: 299


1- الكافي 3:448 ح 26،التهذيب 2:137 ح 531.
2- التهذيب 2:137 ح 532.
3- التهذيب 2:137 ح 533،339 ح 1400،الاستبصار 1:349 ح 1320.
4- التهذيب 2:137 ح 534.
5- التهذيب 2:338 ح 1398.
6- التهذيب 2:338 ح 1399،و فيه:«يقيم و يصلي».
7- الفقيه 1:314 ح 1426.
السابع:قال في المعتبر:لا يجوز التنفّل قبل المغرب،

لأنّه إضرار بالفريضة،و لما رواه أبو بكر عن جعفر عليه السلام:«إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع»،و نحوه رواية أديم بن الحر عنه عليه السلام (1).

قال:و ذهب إليه قوم من أصحاب الحديث من الجمهور (2).

قلت:احتجّوا بما روي في الصحيحين عن عبد اللّه بن مغفل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«صلّوا قبل المغرب ركعتين»قاله ثلاثا،و في الثالثة:«لمن شاء»كراهة أن يتخذها الناس سنة (3).و روي عن أنس،قال:

صليت ركعتين قبل المغرب على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4).

و عورضوا:بما روي عن ابن عمر،قال:ما رأيت أحدا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصليهما (5).و عن عمر:انّه كان يضرب عليهما (6).

الا انّ الإثبات أصح إسنادا،و شهادة ابن عمر على النفي.و فعل عمر جاز ان يستند الى اجتهاده.و احتجاج المحقق على المنع بالإضرار ممنوع كما في الرواتب قبل الفرائض.و نفي التطوع في الخبر جاز أن يكون لنفي الأفضلية لا لنفي الصحة،و لانه مخصوص بالرواتب الباقية،و يمكن حمله على التطوع بقضاء النافلة،مع انّه معارض بما روي في التهذيب:

عن سماعة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله،أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟فقال:«إن كان في وقت

ص: 300


1- المعتبر 2:20. و الروايتان في التهذيب 2:167 ح 660،663،الاستبصار 1:292 ح 1071.
2- المعتبر 2:20.
3- صحيح البخاري 2:74،سنن أبي داود 2:26 ح 1281،السنن الكبرى 2:474.
4- صحيح مسلم 1:573 ح 836،مسند أبي يعلى 7:43 ح 3956،السنن الكبرى 2:475.
5- السنن الكبرى 2:476.
6- صحيح مسلم 1:573 ح 836.

حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة،و ان خاف فوت الوقت فليبدأ بالفريضة» (1).

و عن إسحاق بن عمار،قال:قلت:أصلي في وقت فريضة نافلة،قال:

«نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به،فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» (2).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس،فقال:«يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة» (3).

و عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس،فركع ركعتين ثم صلّى الصبح» (4).

قال في التهذيب:انما يجوز التطوع بركعتين ليجتمع الناس ليصلوا جماعة كما فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،فامّا إذا كان الإنسان وحده فلا يجوز ان يبدأ بشيء من التطوع (5).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لكل صلاة مكتوبة ركعتان نافلة،إلا العصر فإنه يقدّم نافلتها،و هي الركعتان التي تمت بهما الثماني بعد الظهر.فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا، حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها،ثم اقض ما شئت» (6).6.

ص: 301


1- الكافي 3:288 ح 3،الفقيه 1:257 ح 1165،التهذيب 2:264 ح 1051.
2- الكافي 3:289 ح 4،التهذيب 2:264 ح 1052.
3- التهذيب 2:265 ح 1057،الاستبصار 1:286 ح 1048.
4- التهذيب 2:265 ح 1058،الاستبصار 1:286 ح 1049.
5- التهذيب 2:265.
6- التهذيب 2:273 ح 1086.

و هذه الاخبار يستفاد منها جواز النافلة في وقت الفريضة،و خصوصا إذا كانت الجماعة منتظرة.نعم،قد قال ابن أبي عقيل انّه قد تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام انّهم قالوا:«ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن لا يصلى بين أيديهن نافلة:الصبح،و المغرب،و الجمعة إذا زالت الشمس» (1)فان صحّ هذا صلح للحجّة،و مثله أورده الجعفي.

و قد اشتملت تلك الأحاديث على جواز التطوع أداء و قضاء لمن عليه فريضة،و قد عارضها نحو رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال:«لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة» (2)مع إمكان حمله على الكراهية.فعلى هذا تجوز نافلة الطواف و الزيارة و شبهها لمن عليه فريضة إذا كان لا يضرّ بها.

الثامن:قال ابن الجنيد:يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات،

لقوله تعالى وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ ،و قد رواه أهل البيت عليهم السلام (3).

قلت:أشار الى ما رواه معاوية بن وهب،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول و ذكر صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«كان يأتي بطهور فيخمر عند رأسه،و يوضع سواكه تحت فراشه،ثم ينام ما شاء اللّه.فإذا استيقظ جلس،ثم قلّب بصره في السماء،ثم تلا الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثم يستنّ و يتطهّر،ثم يقوم الى المسجد فيركع أربع ركعات،على قدر قراءته ركوعه،و سجوده على قدر ركوعه،يركع حتى يقال متى يرفع رأسه،و يسجد حتى يقال متى يرفع رأسه،ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء اللّه.

ص: 302


1- الحديث في أمالي الطوسي 2:306.
2- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:266 ح 1059،الاستبصار 1:286 ح 1046.
3- مختلف الشيعة:124. و الآية في سورة طه:130.

ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء، ثم يستن و يتطهر و يقوم الى المسجد،فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء اللّه.ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء،ثم يستن و يتطهر و يقوم الى المسجد،فيوتر و يصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة» (1).و معنى يستن:يستاك.

و دلّت رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام على جواز الجمع،قال:

«انما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة» (2).

و روايات على فعلها آخر الليل:

كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و من السحر ثماني ركعات» (3).

و رواية زرارة:«و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل» (4).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة» (5).

و رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل» (6).

و رواية سليمان بن حفص عن العسكري عليه السلام،قال:«إذا بقي3.

ص: 303


1- التهذيب 2:334 ح 1377. و الآية في سورة آل عمران:164.
2- التهذيب 2:137 ح 533،الاستبصار 1:349 ح 1320.
3- التهذيب 2:6 ح 11،الاستبصار 1:219 ح 777.
4- التهذيب 2:7 ح 12.
5- التهذيب 2:7 ح 13.
6- التهذيب 2:118 ح 443.

ثلث الليل الأخير،ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا،فيكون ساعة ثم يذهب و هو وقت صلاة الليل،ثم يظلم قبل الفجر،ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق» (1).

و كل هذه الروايات ليس بينها تناف،لإمكان كون التفريق بعد الانتصاف،و كون التفريق من خصوصياته عليه السلام.

التاسع:الشفع مفصول عن الوتر بالتسليم في أشهر الروايات،

كما رواه سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام،قال:سألته عن الوتر أ فصل أم وصل؟ قال:«فصل» (2)،و غيرها من الروايات.

و قد روى يعقوب بن شعيب و معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:التخيير بين التسليم و تركه (3).و روى كردويه الهمداني،قال:سألت العبد الصالح عن الوتر،فقال:«صله» (4).

و أشار في المعتبر الى ترك هذه الروايات عندنا (5).

و الشيخ أجاب عنها تارة بالحمل على التقية.و تارة بأن التسليم المخيّر فيه هو(السلام عليكم)الأخيرة،و لا ينفي(السلام علينا)الى آخره.و اخرى ان المراد بالتسليم ما يستباح به من الكلام و غيره،تسمية للمسبب باسم السبب، مثلما روى منصور عن مولى لأبي جعفر عليه السلام قال:«ركعتا الفجر (6)ان شاء تكلم بينهما و بين الثالثة،و ان شاء لم يفعل» (7)و كل هذا محافظة على

ص: 304


1- الكافي 3:283 ح 6،التهذيب 2:118 ح 445.
2- التهذيب 2:128 ح 492،الاستبصار 1:348 ح 1314.
3- التهذيب 2:129 ح 494،495،الاستبصار 1:348 ح 1315،1316.
4- التهذيب 2:129 ح 496،الاستبصار 1:349 ح 1317.
5- المعتبر 2:15.
6- كذا،و في المصدر:«الوتر».
7- التهذيب 2:129 و الحديث فيه برقم 497،و في الاستبصار 1:349 ح 1318.

المشهور من الفصل.

العاشر:يستحب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة،

رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام (1).

و عن أبي بصير،قلت له اَلْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ،فقال:«استغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في وتره سبعين مرة» (2).

و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«القنوت في الوتر الاستغفار،و في الفريضة الدعاء» (3).

و يجوز الدعاء فيه على العدو،رواه عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام،قال:«و ان شئت سميتهم و تستغفر» (4)و رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (5).

و يجوز في القنوت ما شاء.روى حماد،عن الحلبي،عنه عليه السلام في قنوت الوتر شيء مؤقت يتبع؟فقال:«لا،أثن على اللّه عز و جل،و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و استغفر لذنبك العظيم»،ثم قال:«كل ذنب عظيم» (6).

قلت:فيه إشارة إلى تقوية من قال:كل الذنوب كبائر (7).و انما كان كل ذنب عظيما،لاشتراك الذنوب في الاقدام على مخالفة أمر اللّه و نهيه،فهي بالنسبة إليه واحدة،و بالنسبة إلى جلاله عظيمة.

ص: 305


1- التهذيب 2:130 ح 498.
2- التهذيب 1:130 ح 501.
3- الكافي 3:340 ح 9،الفقيه 1:311 ح 1414،التهذيب 2:131 ح 503.
4- الفقيه 1:309 ح 1410،التهذيب 2:131 ح 504.
5- صحيح مسلم 1:466 ح 675،شرح معاني الآثار 1:241،السنن الكبرى 2:197.
6- الكافي 3:450 ح 31،التهذيب 2:130 ح 502.
7- راجع:التبيان 3:182،مجمع البيان 2:38،التفسير الكبير 10:73،تفسير القرطبي 5:159 في تفسير آية إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ..النساء:31.

و استحب العامة أن يقال فيه ما رواه الحسن بن علي عليه السلام،قال:

«علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلمات أقولهن في قنوت الوتر:اللهم اهدني فيمن هديت،و عافني فيمن عافيت،و تولني فيمن توليت،و بارك لي فيما أعطيت،و قني شر ما قضيت فإنك تقضي و لا يقضى عليك،و انه لا يذلّ من واليت،تباركت ربنا و تعاليت» (1).و استحبه فيه الصدوق (2)و ذكره المفيد-رحمه اللّه-أيضا في قنوت الوتر (3).

و يستحب الدعاء فيه بما ذكره في المقنعة (4)و بما ذكره الشيخ في المصباح (5).و الدعاء فيه لإخوانه بأسمائهم و أقلّهم أربعون،ليستجاب دعاؤه، و ذكر ابن حمزة و بعض المصريين من الشيعة أنه يذكرهم من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و يزيد عليهم ما شاء (6).

الحادي عشر:يجوز الجلوس في النافلة مع الاختيار،

قال في المعتبر:

و هو أطباق العلماء (7).و ينبّه عليه جواز الاحتياط المعرّض للنافلة من جلوس فالنافلة المحقّقة أولى،و لما رواه مسلم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» (8).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى قائما فهو أفضل،و من صلّى قاعدا

ص: 306


1- المصنف لعبد الرزاق 3:117 ح 4984،سنن الدارمي 1:373،سنن ابن ماجة 1:372 ح 1178،سنن أبي داود 2:63 ح 1420،الجامع الصحيح 2:328 ح 464.
2- الفقيه 1:308 ح 1405.
3- المقنعة:128.
4- المقنعة:128.
5- مصباح المتهجد:133.
6- الوسيلة:116.
7- المعتبر 2:23.
8- المصنف لعبد الرزاق 2:472 ح 4123،صحيح مسلم 1:507 ح 735،سنن أبي داود 1: 250 ح 950.

فله نصف أجر القائم» (1).

و عن عائشة:لم يمت النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى كان كثيرا من صلاته و هو جالس (2).

و روى الأصحاب عن محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا،قال:«يضعّف ركعتين بركعة» (3).

و روى سدير عن أبي جعفر عليه السلام:«ما أصلّي النوافل الا قاعدا منذ حملت هذا اللحم» (4).

و عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام،و سأله عمن صلّى جالسا من غير عذر،أ تكون صلاته ركعتين بركعة؟فقال:«هي تامة لكم» (5).و قد تضمّنت الأخبار الأول احتساب ركعتين بركعة،فيحمل على الاستحباب و هذا على الجواز.

و يستحب القيام بعد القراءة،ليركع قائما و تحسب له بصلاة القائم،رواه حماد بن عثمان عن أبي الحسن عليه السلام (6)و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (7).

و ابن إدريس منع من جواز النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة،و نسب الجواز الى الشيخ في النهاية،و الى رواية شاذة.و اعترض على نفسه بجواز5.

ص: 307


1- مسند أحمد 4:442،صحيح البخاري 2:59،سنن ابن ماجة 1:388 ح 1231،سنن أبي داود 1:250 ح 951،الجامع الصحيح 1:231 ح 369،سنن النسائي 3:224.
2- صحيح مسلم 1:506 ح 732،السنن الكبرى 2:490.
3- التهذيب 2:166 ح 655،الاستبصار 1:293 ح 1080.
4- الكافي 3:410 ح 1،التهذيب 2:169 ح 674،باختلاف يسير.
5- الكافي 3:410 ح 2،الفقيه 1:238 ح 1048،التهذيب 2:170 ح 677.
6- التهذيب 2:170 ح 676.
7- الكافي 3:411 ح 8،التهذيب 2:170 ح 675.

النافلة على الراحلة مختارا سفرا و حضرا،و أجاب:بأنّ ذلك خرج بالإجماع (1).

قلت:دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار عجيبة.و المجوّزون للنافلة على الراحلة هم المجوّزون لفعلها جالسا.و ذكر النهاية هنا و الشيخ يشعر بالخصوصية،مع انّه قال في المبسوط:يجوز أن يصلّي النوافل جالسا مع القدرة على القيام،و قد روي انه يصلّي بدل كل ركعة ركعتين،و روي انه ركعة بركعة،و هما جميعا جائزان (2).

و قد ذكره أيضا المفيد-رحمه اللّه-فإنّه قال:و كذلك من أتعبه القيام في النوافل كلها،و أحبّ أن يصليها جالسا للترفّه،فليفعل ذلك و ليجعل كل ركعتين بركعة (3).

الثاني عشر:روى في التهذيب عن الحجال،عن أبي عبد اللّه عليه

السلام:انه كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب

بهما،

و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد و الجحد.فان استيقظ في الليل صلّى و أوتر،و ان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلّى ركعة (4)و احتسب بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا (5).

و فيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل،و هو خلاف المشهور.

نعم،في خبر زرارة عنه عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر،فلا يبيتن حتى يوتر» (6)و هذا يمكن حمله على الضرورة.

ص: 308


1- السرائر:68،و لاحظ:النهاية:121.
2- المبسوط 1:132.
3- المقنعة:23.
4- في المصدر:«ركعتين فصارت شفعا». و أورد الحديث الفيض الكاشاني في الوافي 2:57،و البحراني في الحدائق الناضرة 6: 33،و فيهما«ركعة»و قالا:و في بعض نسخ الحديث«ركعتين».
5- التهذيب 2:341 ح 1410.
6- التهذيب 2:341 ح 1412.

و في المصباح استحب أن يصلّي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام (1).

و أنكرهما ابن إدريس استسلافا لأنّ الوتيرة خاتمة النوافل (2)كما صرح به الشيخان-في المقنعة و النهاية-حتى في نافلة شهر رمضان (3)و هو مشهور بين الأصحاب.

و الذي في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (4)و لكنه في سياق الوتر لا الوتيرة.

و نسب ابن إدريس الرواية بالركعتين الى الشذوذ (5).

و في المختلف:لا مشاحة في التقديم و التأخير،لصلاحية الوقت للنافلة (6).

الثالث عشر:قد مرّ قراءة مائة آية في الوتيرة.

و روى ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:انّه كان يقرأ فيهما الواقعة و التوحيد (7).

و تظاهرت الرواية بقراءة التوحيد ثلاثا في الشفع و الوتر،كرواية الحارث:

ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعله (8)و رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام:«انّ أباه كان يفعله» (9).

و روى أبو الجارود عن الصادق عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كان

ص: 309


1- مصباح المتهجد:105.
2- السرائر:67.
3- المقنعة:13،النهاية:119.
4- الكافي 3:453 ح 12،التهذيب 2:274 ح 1087.
5- السرائر:67.
6- مختلف الشيعة:124.
7- التهذيب 2:116 ح 433.
8- التهذيب 2:124 ح 469.
9- التهذيب 2:126 ح 481.

يوتر بتسع سور» (1).و روى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح،انه سأله عن القراءة في الوتر،و انّ بعضا يروي التوحيد في الثلاث،و بعضا يروي المعوذتين و في الثالثة التوحيد،فقال:«اعمل بالمعوذتين و قل هو اللّه أحد» (2).و البحث هنا في الأفضلية فالمشهور أولى.

و اما القراءة في الثماني فبطوال السور-قاله الأصحاب-مع سعة الوقت.

و في رواية محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في كل ركعة خمس عشرة آية،و يكون ركوعه مثل قيامه،و سجوده مثل ركوعه،و رفع رأسه من الركوع و السجود سواء» (3).

و عن أبي مسعود الطائي عنه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في أخيرة صلاة الليل هل أتى» (4).

قال في التهذيب:و روي:«انّ من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة الحمد مرة و قل هو اللّه أحد ثلاثين مرة،انفتل و ليس بينه و بين اللّه ذنب الا غفر له» (5)،و كذا ذكر ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه بصيغة:

(و روي) (6).

و اختلف كلام الأصحاب هنا:

ففي الرسالة و النهاية:يقرأ في أوليي صلاة الليل في الأولى التوحيد و في الثانية الجحد (7)و في موضع آخر منها قدّم الجحد،و روى العكس (8).و كذا في9.

ص: 310


1- التهذيب 2:337 ح 1390.
2- التهذيب 2:127 ح 483.
3- التهذيب 2:123 ح 468.
4- التهذيب 2:124 ح 469.
5- التهذيب 1:124 ح 470.
6- الفقيه 1:307 ح 1403.
7- النهاية:120.
8- النهاية:79.

المبسوط (1).

و قال المفيد و ابن البراج:في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد،و في الثانية ثلاثون مرة الجحد (2).

و ابن إدريس:في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد،قال:

و قد روي انّ في الثانية الجحد،و الأول أظهر (3).

قلت:الكل حسن،و البحث في الأفضلية،و ينبغي للمتهجد ان يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال.

و يستحب الجهر.روى يعقوب بن سالم،انّه سأل الصادق عليه السلام في الرجل يقوم آخر الليل و يرفع صوته بالقرآن،فقال:«ينبغي للرجل إذا صلّى في الليل ان يسمع أهله،لكي يقوم القائم و يتحرك المتحرك» (4).

و مع ضيق الوقت يخفّف و يقتصر على الحمد،لقول الصادق عليه السلام لخائف الصبح:«اقرأ الحمد و اعجل» (5).

و روى محسن الميثمي عنه عليه السلام:«يقرأ في صلاة الزوال في الأولى الحمد و التوحيد،و في الثانية الحمد و الجحد،و في الثالثة الحمد و التوحيد و آية الكرسي،و في الرابعة الحمد و التوحيد و آمَنَ الرَّسُولُ ..إلى آخر البقرة،و في الخامسة الحمد و التوحيد و إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ إلى اَلْمِيعادَ ،،و في السادسة الحمد و التوحيد و إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الى اَلْمُحْسِنِينَ ،و في السابعة الحمد و التوحيد وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى اَلْخَبِيرُ ،و في الثامنة الحمد و التوحيد و لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ الى آخر9.

ص: 311


1- المبسوط 1:108،131.
2- المقنعة:19،المهذب 1:135.
3- السرائر:67.
4- علل الشرائع:364،التهذيب 2:124 ح 472.
5- الكافي 3:449 ح 27،التهذيب 2:124 ح 473،الاستبصار 1:280 ح 1019.

الحشر (1).

و روى معاذ بن مسلم عنه عليه السلام:«لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون في سبع:في الركعتين قبل الفجر،و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين في أول صلاة الليل،و ركعتي الإحرام، و الفجر إذا أصبحت بهما،و ركعتي الطواف (2).

قال في التهذيب:و في رواية اخرى:«انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد،و في الثانية بقل يا أيّها الكافرون،إلا في الركعتين قبل الفجر فإنّه يبدأ بقل يا أيّها الكافرون،ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد» (3).

الرابع عشر:ذكر ابن بابويه-و نقله عنه في التهذيب-:انّ الصادق عليه

السلام قال:«انّ اللّه تعالى انزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله كل صلاة

ركعتين،

فأضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة ركعتين في الحضر، و قصر فيها في السفر الا المغرب و الغداة.فلما صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليها السلام فأضاف إليها ركعة شكرا للّه عز و جل،فلما ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا،فلما ولد الحسين عليه السلام أضاف ركعتين إليها،فقال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ،فتركها على حالها في الحضر و السفر» (4).

الخامس عشر:روى الفضيل:سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز

و جل وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ

؟قال:«هي الفريضة».قلت:

ص: 312


1- التهذيب 2:73 ح 272.
2- الكافي 3:316 ح 22،الخصال:347،التهذيب 2:74 ح 273.
3- التهذيب 2:74 ح 274.
4- الفقيه 1:289 ح 1319،علل الشرائع:324،التهذيب 2:113 ح 424. و الآية في سورة النساء:11.

اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ؟قال:«هي النافلة» (1).

السادس عشر:يستحب ركعتان ساعة الغفلة،

و قد رواها الشيخ بسنده عن الصادق عليه السلام،عن آبائه عليهم السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين،فإنهما يورثان دار الكرامة.قيل:يا رسول اللّه و ما ساعة الغفلة؟قال:ما بين المغرب و العشاء» (2).

و يستحب أيضا بين المغرب و العشاء:ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ ..إلى اَلْمُؤْمِنِينَ (3)و في الثانية بعدها وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الآية (4)،و يدعو و يسأل اللّه حاجته،فعن الصادق عليه السلام:«انّ اللّه يعطيه ما يشاء» (5).

السابع عشر:من فاتته صلاة الليل،

فقام قبل الفجر فصلّى الشفع و الوتر و سنة الفجر،كتبت له صلاة الليل،رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام (6).

و يستحب الدعاء بالمأثور في هذه السنن و بعدها.

الثامن عشر:قد تترك النافلة لعذر،

و منه:الهم و الغم،لرواية علي بن أسباط عن عدة منا:ان الكاظم عليه السلام كان إذا اهتمّ ترك النافلة (7)و عن

ص: 313


1- الكافي 3:269 ح 12،التهذيب 2:240 ح 951. و الآيتان في سورة المؤمنين:9،و سورة المعارج:23.
2- الفقيه 1:357 ح 1564،ثواب الأعمال:68،معاني الأخبار:265،علل الشرائع:343، التهذيب 2:243 ح 963.
3- سورة الأنبياء:87،88.
4- سورة الانعام:59.
5- مصباح المتهجد:94.
6- التهذيب 2:337 ح 1391،341 ح 1411.
7- الكافي 3:454 ح 15،التهذيب 2:11 ح 24.

معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام،مثله إذا اغتم (1)و الفرق بينهما ان الغم لما مضى،و الهم لما يأتي.و في الصحاح:الاهتمام الاغتمام (2).

التاسع عشر:ذكر ابن بابويه انّ نافلة الظهر تسمى:صلاة الأوّابين (3)و هو

التاسع عشر:ذكر ابن بابويه انّ نافلة الظهر تسمى:صلاة الأوّابين(3) و هو في خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و ربما أخرت الظهر

ذراعا من أجل صلاة الأوابين»(4) .

فائدة:

يشترط في وجوب الصلاة البلوغ و العقل إجماعا،

و لحديث:«رفع القلم» (5).و الخلو في النساء من الحيض و النفاس،لما مرّ.و اما الإسلام فشرط الصحة لا الوجوب،و تسقط بإسلامه لما سلف.

و يستحب تمرين الصبي لست،رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (6)و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (7)بلفظ(الوجوب)في الخبرين تأكيدا للاستحباب.

و عن الباقر عليه السلام:في صبيانهم خمس،و غيرهم سبع (8).

و يضرب عليها لعشر،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انّه قال:

ص: 314


1- التهذيب 2:11 ح 23.
2- الصحاح 5:2061 مادة-همم.
3- الفقيه 1:146.
4- الكافي 3:289 ح 5.
5- مسند أحمد 6:100،صحيح البخاري 7:59،سنن ابن ماجة 1:658 ح 2041،سنن أبي داود 4:139 ح 4398،الجامع الصحيح 4:32 ح 1423.
6- التهذيب 2:381 ح 1589،1591،الاستبصار 1:408 ح 1561،1562.
7- التهذيب 2:381 ح 1589،1591،الاستبصار 1:408 ح 1561،1562.
8- الكافي 3:409 ح 1،الفقيه 1:182 ح 861،التهذيب 2:380 ح 1584،الاستبصار 1:409 ح 1564.

«مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع،و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر» (1).

قال بعض الأصحاب:إنما يضرب لإمكان الاحتلام (2)،و يضعف:

بأصالة العدم و ندوره،بل استصلاحا،ليتمرن على فعلها فيسهل عليه إذا بلغ، كما يضرب للتأديب.

و قال ابن الجنيد:يستحب ان يعلم السجود لخمس،و يوجّه وجهه إلى القبلة.و إذا تمّ له ست علّم الركوع و السجود و أخذ بالصلاة،فإذا تمت له سبع علّم غسل وجهه و ان يصلي،فإذا تم له تسع علّم الوضوء و ضرب عليه،و أمر بالصلاة و ضرب عليها.

قال:و كذلك روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام.ثم روى الضرب عند العشر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و روى الصدوق عن عبد اللّه بن فضال عن الباقرين عليهما السلام:«إذا بلغ الغلام ثلاث سنين،قيل له:لا إله إلا اللّه،سبع مرات.ثم يترك حتى يتم له أربع (3)سنين و سبعة أشهر و عشرون يوما،فيقال له:قل:محمد رسول اللّه، سبعا.فإذا أتمّ أربع سنين قيل له:قل (4)صلّى اللّه عليه و آله و سلم.فإذا أتمّ خمسا و عرف يمينه من شماله أمر بالسجود إلى القبلة.فإذا أتم سبعا أمر بغسل الوجه و الكفين و الصلاة.فإذا أتم تسعا علم الوضوء و الصلاة و ضرب عليهما.

فإذا تعلم الوضوء و الصلاة غفر اللّه تعالى لوالديه» (5).

و لو صلّى ثم بلغ في الوقت أعاد،لأنّه تعلق به الخطاب حينئذ،و ما فعله3.

ص: 315


1- مسند أحمد 2:180،سنن أبي داود 1:133 ح 494،سنن الدار قطني 1:123، المستدرك على الصحيحين 1:197.
2- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:79.
3- كذا،و في المصدر:«ثلاث».
4- في المصدر زيادة:«سبع مرات».
5- الفقيه 1:182 ح 863.

لم يكن واجبا فلا يؤدّى به الواجب.

فروع:

لو صلى الظهر يوم الجمعة ثم بلغ وجبت الجمعة،

لعين ما ذكرناه.

و لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل،فالأصح الاستئناف إن بقي قدر الطهارة و ركعة،و الا استحب البناء،و يتخير بين نية الوجوب أو الندب كما مر في الوضوء.و قطع الشيخ-في الخلاف-بان صلاته شرعية،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«مروهم بالصلاة لسبع»،و بنى عليه جواز إمامته في الفريضة (1).

و رخص لهم في الجمع بين العشاءين،عن زين العابدين عليه السلام (2).

و يستحب تفريقهم في صلاة الجماعة عن الباقر عليه السلام (3)و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:بلوغ الغلام و الجارية بثلاث عشرة (4)و السند ضعيف.

ص: 316


1- الخلاف 1:123 المسألة 17. و قوله صلّى اللّه عليه و آله في:مسند أحمد 2:180،سنن أبي داود 1:133 ح 494، المستدرك على الصحيحين 1:197.
2- الكافي 3:409 ح 2،التهذيب 2:380 ح 1585.
3- الكافي 3:409 ح 3،التهذيب 2:380 ح 1586.
4- التهذيب 2:380 ح 1588.

مواقيت الصلاة

ص: 317

ص: 318

المطلب الثاني:في الغسل.
فيه الأبحاث الثلاثة،
فالأول في واجبه،
اشارة

و هو أربعة:

الأول:إزالة النجاسة عن بدنه،

ليقع الماء على محل طاهر،فيرفع الحدث عنه لبقائه على الطهارة،و لو كان البدن نجسا لنجس الماء.

و لو كان الماء كثيرا أو جاريا لا ينفعل،فالأقرب:عدم أجزاء غسلها عن رفع الحدث،لأنهما سببان فيتعدّد حكمهما.

و في المبسوط:إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل،فان خالف و اغتسل أوّلا فقد ارتفع حدث الجنابة،و عليه ان يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل،و ان زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (1).

و يشكل:بأنّ الماء ينجس فكيف يرفع الحدث؟و الاجتزاء بغسلها عن الأمرين مشكل أيضا.

و وجهه:صدق مسمّى الغسل،و زوال العين،فيكفي عنهما.و هذا في الحقيقة شرط في الغسل.

الثاني:النية،

و هي القصد إلى إيقاعه بالغاية المذكورة في الوضوء و مباحثها آتية هنا.

و المستحاضة الدائمة الدم تنوي الاستباحة،و لا تقتصر على رفع الحدث، كما مرّ.

أمّا المبطون و السلس فكالصحيح هنا،لأن ارتفاع حكم الجنابة لا ينافيه دوام هذا الحدث للضرورة.و ربما احتمل مساواته الاستحاضة،لأنّ رفع الحدث لا يتبعض.

و كذلك المستحاضة ذات الدم القليل بعد الكثير،إذا قلنا بوجوب الغسل

ص: 215


1- المبسوط 1:29.

عليها من الاستحاضة أو وجب عليها غسل آخر،فإنها تنوي رفع الحدث بالنسبة إلى الكثير أو السبب الجديد،و على الاحتمال تقتصر على الاستباحة.

و صاحب الجبيرة ينوي الرفع،و يتخرّج ما ذكر في الوضوء.

و يجوز تقديم النيّة في مواضع التقديم في الوضوء.و يكفي استدامة حكمها،لعسر الاستدامة الفعلية.

و تجوز نية رفع الحدث الواقع لا غيره.و تجوز نيّة الرفع مطلقا،لإتيانه على الواقع.و كذا لو نوى رفع الحدث الأكبر،و لو نوى رفع الأصغر لم يجزه،عامدا كان أو ساهيا.و لا يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء،لعدم قصد الوضوء،و عدم تبعّض الرفع.و لا يجزئ عن الوضوء لو كان مع الغسل وضوء،لعدم القصد اليه، و لعدم كماله.

و لو نوت الحائض و النفساء استباحة الوطء،و حرمناه،أجزأ.و ان قلنا بالكراهية،فالأقرب:الاجزاء،لما مرّ في الوضوء.

الثالث:إجراء الماء على جميع البشرة،

تحقيقا لمسمّى الغسل في قوله تعالى:

وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (1) و للإجماع على ذلك.و لا يكفي الإمساس من دون الجريان،لأنه يسمّى مسحا لا غسلا.

و رواية إسحاق بن عمار،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،عن أبيه:«إنّ عليا(عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما(اجرى مثل) (2)الدهن الذي يبلّ الجسد» (3)محمولة على الجريان،لخبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)،قال:«الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيرة

ص: 216


1- سورة النساء:43.
2- في المصدرين:«أجزأ من».
3- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414. و سيأتي في ص 242 الهامش 2.

أجزأه» (1)و عليها يحمل ما رواه عنه(عليه السلام):«إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (2)و غيرها من الروايات.

و يجب تخليل الشعر بحيث يصل الماء إلى أصوله،خفّ أو كثف،لما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«تحت كل شعرة جنابة،فبلّوا الشعر،و أنقوا البشرة» (3).و روى حجر-بضم الحاء و إسكان الجيم و الراء-ابن زائدة-بالزاي المعجمة-عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» (4).و سقوط التخليل في الوضوء أخذا من المواجهة،و رفعا للحرج بتكرّره.

و لو كان الشعر خفيفا لا يمنع،استحبّ تخليله استظهارا.

و لا يجب غسل الشعر إذا وصل الماء إلى أصوله،قاله الأصحاب (5)لقضيّة الأصل،و خروجه عن مسمّى البدن.و الحديث ببلّ الشعر و التوعّد على تركه، يحمل على توقّف التخليل عليه،أو على الندب.و في مرسل الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (6)و ظاهره عدم وجوب غسله.

و كذا يجب تخليل كل ما لا يصل اليه الماء الاّ به،لتوقف الواجب عليه، كالخاتم،و السير،و الدملج،و معاطف الأذنين.

و لا يجب غسل باطن الفم و الأنف و العين،لقول أبي عبد اللّه(عليه السلام) في رواية عبد اللّه بن سنان:«لا يجنب الأنف و الفم» (7)و في معناه رواية أبي بكر4.

ص: 217


1- الكافي 3:21 ح 4،التهذيب 1:137 ح 380،الاستبصار 1:123 ح 416.
2- الكافي 3:22 ح 7،التهذيب 1:137 ح 381،الاستبصار 1:123 ح 417.
3- سنن ابن ماجة 1:196 ح 597،الجامع الصحيح 1:178 ح 106،السنن الكبرى 1: 179.
4- عقاب الأعمال:272،أمالي الصدوق:391،التهذيب 1:135 ح 373.
5- راجع:السرائر:21،المعتبر 1:182،تذكرة الفقهاء:1:23.
6- الكافي 3:45 ح 16،التهذيب 1:147 ح 416.
7- التهذيب 1:131 ح 358،الاستبصار 1:117 ح 394.

الحضرمي عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (1).

الرابع:الترتيب:
اشارة

و هو أن يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة-نص عليه المفيد (2)و الجماعة (3)-ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر،و هو من تفرّداتنا.

و قد رووا عن عائشة:أنّ النّبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه..الى قولها:ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده (4)و عن ميمون نحوه (5)و هما من الصحاح.

و نقل الشيخ إجماعنا على وجوب الترتيب،و احتجّ باخبار منها:رواية زرارة قلت:له كيف يغتسل الجنب؟فقال:«إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماء،ثم بدأ بفرجه فأنقاه،ثم صبّ على رأسه ثلاث أكف،ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين،و على منكبه الأيسر مرتين،فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (6).

و الظاهر أنّ المراد به الإمام(عليه السلام)،و في المعتبر أسنده زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (7).

و في التهذيب في موضع آخر،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن غسل الجنابة؟فقال:«أفض على رأسك ثلاث أكفّ،و عن يمينك، و عن يسارك،انما يكفيك مثل الدّهن» (8).

ص: 218


1- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،131 ح 359،الاستبصار 1:117 ح 395.
2- المقنعة:6.
3- راجع:الانتصار 30،المعتبر 1:182،تذكرة الفقهاء 1:23.
4- ترتيب مسند الشافعي 1:39 ح 111،مسند أحمد 6:52،سنن الدارمي 1:191 صحيح البخاري 1:72،صحيح مسلم 1:253 ح 316،سنن ابن ماجة 1:190 ح 573.
5- سنن الدارمي 1:191،صحيح البخاري 1:72،صحيح مسلم 1:254 ح 317،سنن ابن ماجة 1:190 ح 573،الجامع الصحيح 1:173 ح 103،السنن الكبرى 1:177.
6- الخلاف 1:132 المسألة 75. و رواية زرارة في الكافي 3:43 ح 3،التهذيب 1:133 ح 368.
7- المعتبر 1:183.
8- التهذيب 1:137 ح 384.

و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«تبدأ بكفّيك فتغسلهما،ثم تغسل فرجك،ثم تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرتين،فما جرى عليه الماء فقد طهر» (1)و المطلق يحمل على المقيد.

و قد روي:أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا اغتسل بدأ بميامنه (2).

و لأن الغسل البياني لو بدأ فيه بمياسره لوجب البدأة بها،و لو أسبغ على الجميع من غير مراعاة جانب لوجب ذانك،و لم يقل أحد بوجوبهما.

و لأنّ الاتفاق على ان الميامن أفضل،و النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لا يخلّ به،فيكون الغسل البياني مشتملا على تقديم الميامن،فيجب التأسّي به.

و في المعتبر:الروايات دلّت على تقديم الرأس على الجسد،اما اليمين على الشمال فلا تصريح فيها به،و رواية زرارة وردت بالواو و لا دلالة فيه على الترتيب.

قال:لكن أفتى به الثلاثة و اتباعهم،و فقهاؤنا الآن بأجمعهم يفتون به و يجعلونه شرطا في صحة الغسل (3).

قلت:لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس خاصة،فالفرق إحداث قول ثالث.و أيضا فقد تقدم نقل الشيخ الإجماع عليه (4)،فيتوقف اليقين برفع الحدث على الترتيب،و لأن الصلاة واجبة في ذمّته فلا تسقط إلاّ بيقين الغسل،و لا يقين إلاّ مع ترتب الغسل.و بان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على الوجه المخصوص،و لا أحد قائل بالترتيب فيها إلاّ و هو قائل بوجوب الترتيب في غسل الجنابة،فالقول بخلافه خروج عن الإجماع،و نقله ابن زهرة و ابن إدريس أيضا (5).7.

ص: 219


1- الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:123 ح 420.
2- صحيح مسلم 1:256 ح 321،السنن الكبرى 1:172.
3- المعتبر 1:183.
4- تقدّم في ص 218 الهامش 6.
5- الغنية:554،السرائر:17.

نعم،لم يصرّح الصدوقان بالترتيب في البدن و لا بنفيه (1).

و ابن الجنيد اجتزأ مع قلّة الماء بالصب على الرأس،و إمرار اليد على البدن تبعا للماء المنحدر من الرأس على الجسد،قال:و يضرب كفين من الماء على صدره و سائر بطنه و عكنة،و هي جمع عكنة-بضم العين و سكون الكاف-و هي:الطيّ الذي في البطن من السمن،و تجمع أيضا على أعكان،ثم يفعل مثل ذلك على كتفه الأيمن،و يتبع يديه في كلّ مرة جريان الماء حتى يصل الى أطراف رجله اليمنى ماسحا على شقه الأيمن كله ظهرا و بطنا،و يمرّ يده اليسرى على عضده الأيمن إلى أطراف أصابع اليمنى و تحت إبطيه و أرفاغه،و لا ضرر في نكس غسل اليد هنا-و الأرفاغ:المغابن من الآباط و أصول الفخذين،واحدها رفغ بفتح الراء و ضمها و سكون الفاء.و يفعل مثل ذلك بشقّه الأيسر،حتى يكون غسله من الجنابة كغسله للميت المجمع على فعل ذلك به.فان كان بقي من الماء بقية أفاضها على جسده،و أتبع يديه جريانه على سائر جسده.و لو لم يضرب صدره و بين كتفيه بالماء،الاّ أنّه أفاض ببقية مائه-بعد الذي غسل به رأسه و لحيته-ثلاثا على جسده،أو صبّ على جسده من الماء ما يعلم أنّه قد مرّ على سائر جسده،أجزأه.

و نقل رجليه حتى يعلم أنّ الماء الطاهر من النجاسة قد وصل الى أسفلهما.و هذا الكلام ظاهره سقوط الترتيب في البدن.

و الجعفي أمر بالبدأة بالميامن.و ابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو.فحينئذ قول ابن الجنيد نادر،مسبوق و ملحوق بخلافه.

و أبو الصلاح أوجب الترتيب،ثم قال-بعد غسل الأيسر-:و يختم بغسل الرجلين،فان ظنّ بقاء شيء من صدره أو ظهره لم يصل اليه الماء،فليسبغ بإراقة الماء على صدره و ظهره. (2)و كذا قاله بعض الأصحاب (3).4.

ص: 220


1- لاحظ:المقنع:12،الهداية:20،الفقيه 1:46.
2- الكافي في الفقه:133.
3- كابن زهرة في الغنية:554.

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)إيماء إليه،حيث قال:«اغتسل (1)من الجنابة،فقيل له:قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء.

فقال له:ما كان عليك لو سكتّ،ثم مسح تلك اللمعة بيده»،رواه الكليني بسنده (2)و رواه العامّة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (3)و بموجبه قال الجعفي.

و العصمة تنفيه،إلاّ أن يحمل على الترك للتعليم،و يكون من الجانب الأيسر.

فإن قلت:قد روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«تصبّ الماء على رأسك ثلاثا،و تفيض على جسدك بالماء» (4).

و روى أحمد بن محمد عن أبي الحسن(عليه السلام):«ثمّ أفض على رأسك و جسدك» (5).

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ليصبّ على رأسه ثلاثا»، قال:«ليصبّه،ثم يضرب بكف من ماء على صدره،و كف بين كتفيه،و يفيض الماء على جسده كله» (6).

و روى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام:«تصب على رأسك ثلاثا،ثم تصب على سائر جسدك مرتين» (7).

و روى بكر بن حرب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في المغتسل من الجنابة أ يغسل رجليه بعد الغسل؟فقال:«إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما،و ان كان يغتسل في مكان تستنقع رجلاه في الماء2.

ص: 221


1- في المصدرين زيادة:«أبي».
2- الكافي 3:45 ح 15.و في التهذيب 1:365 ح 1108 عن أبي بصير.
3- المصنف لعبد الرزاق 1:265 ح 1015 و 1017،المصنف لابن أبي شيبة 1:41 و 42،سنن الدار قطني 1:112.
4- التهذيب 1:131 ح 362،الاستبصار 1:118 ح 398.
5- قرب الاسناد:162،التهذيب 1:131 ح 363،الاستبصار 1:123 ح 419.
6- التهذيب 1:132 ح 364.
7- الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:122 ح 412.

فليغسلهما» (1).

و روى هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):أنّه أصاب من جارية له بين مكة و المدينة،فأمرها فغسلت جسدها و تركت رأسها،و قال:«إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك».فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأس الجارية،فلما كان من قابل انتهى أبو عبد اللّه(عليه السلام)الى ذلك المكان،فقالت له أم إسماعيل:أي موضع هذا؟قال لها:«هذا الموضع الذي أحبط اللّه فيه حجّك عام أوّل» (2).

و روى حكم بن حكيم-بضم الحاء-عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):

«و أفض على رأسك و جسدك،و ان كنت في مكان نظيف فلا يضرك ان (3)تغسل رجليك،و ان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» (4).

و روى يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن(عليه السلام):«ثم يصبّ على رأسه،و على وجهه،و على جسده كله،ثم قد قضى الغسل» (5).و يقرب منه رواية زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) (6).

و هذه الأخبار كلها ظاهرة في عدم الترتيب في البدن،و بعضها في عدمه في الرأس أيضا.

قلت:المطلق يحمل على المقيّد و لو اتحد المقيد و تعدّد المطلق.و يدلّ على وجوب الترتيب في الرأس بعد الإجماع:رواية حريز عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«من اغتسل من جنابة و لم يغسل رأسه ثم بدا له ان يغسل رأسه،1.

ص: 222


1- الكافي 3:44 ح 10،التهذيب 1:132 ح 366،عن بكر بن كرب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام).
2- التهذيب 1:134 ح 370،الاستبصار 1:124 ح 422.
3- في المصدر:(ألا).
4- التهذيب 1:139 ح 392.
5- التهذيب 1:142 ح 402.
6- التهذيب 1:370 ح 1131.

لم يجد بدّا من اعادة الغسل» (1).

و أمّا حديث غسل الرجلين،فلعلّه أراد به التنظيف،و هو ظاهر في ذلك.

و أمّا خبر هشام،فحمله الشيخ على توهّم الراوي،لأنّ هشاما ثقة روى عن محمد بن مسلم،قال:دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السلام)فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه.قال:«ادنه،هذه أم إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل،حيث أردت الإحرام فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء،فذهبت الجارية بالماء فوضعته،فاستخففتها فأصبت منها.

فقلت:اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك،فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا،فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء،فحلقت رأسها و ضربتها.فقلت لها:هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجك» (2).

مسائل:
المسألة الأولى:يسقط الترتيب بالارتماس قطعا.

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«و لو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة،أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده» (3).و روى الحلبي عنه(عليه السلام):«إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة،أجزأه ذلك من غسله» (4).

و الخبران وردا في غسل الجنابة،و لكن لم يفرّق أحد بينه و بين غيره من الأغسال.

و نقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب:أنّه يترتب حكما (5).و قال سلار:و ارتماسة واحدة تجزئه عن الغسل و ترتيبه (6).و ما نقله الشيخ يحتمل أمرين:

ص: 223


1- الكافي 3:44 ح 9،التهذيب 1:133 ح 369،الاستبصار 1:124 ح 421.
2- التهذيب 1:134 ح 371،الاستبصار 1:124 ح 423.
3- التهذيب 1:370 ح 1131.
4- الكافي 3:43 ح 5،التهذيب 1:148 ح 423،الاستبصار 1:125 ح 424.
5- المبسوط 1:29.
6- المراسم:42.

أحدهما-و هو الذي عقله عنه الفاضل (1)-:انه يعتقد الترتيب حال الارتماس.و يظهر ذلك من المعتبر،حيث قال:و قال بعض الأصحاب:يرتب حكما،فذكره بصيغة الفعل المتعدي و فيه ضمير يعود إلى المغتسل،ثمّ احتجّ بأنّ إطلاق الأمر لا يستلزم الترتيب،و الأصل عدم وجوبه،فيثبت في موضع الدلالة (2).فالحجة تناسب ما ذكره الفاضل.

الأمر الثاني:ان الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس.

و تظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنه يأتي بها و بما بعدها-و لو قيل:بسقوط الترتيب بالمرة،أعاد الغسل من رأس،لعدم الوحدة المذكورة في الحديث-و فيما لو نذر الاغتسال مرتبا فإنّه يبرأ بالارتماس،لا على معنى الاعتقاد المذكور،لأنه ذكره بصورة اللازم المسند الى الغسل،أي:يترتب الغسل في نفسه حكما و ان لم يكن فعلا.

و قد صرّح في الاستبصار بذلك-لمّا أورد وجوب الترتيب في الغسل،و أورد إجزاء الارتماس-فقال:لا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب،لأن المرتمس يترتب حكما و ان لم يترتب فعلا،لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه،ثم جانبه الأيمن،ثم جانبه الأيسر،فيكون على هذا التقدير مرتبا.

قال:و يجوز ان يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب،كما يسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء (3).

قلت:هذا محافظة على وجوب الترتيب المنصوص عليه،بحيث إذا ورد ما يخالفه ظاهرا أوّل بما لا يخرج عن الترتيب.

و لو قال الشيخ:إذا ارتمس حكم له أولا بطهارة رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر و يكون مرتبا،كان أظهر في المراد لأنه إذا خرج من الماء لا يسمى مغتسلا،و كأنّه5.

ص: 224


1- مختلف الشيعة:33.
2- المعتبر 1:184.
3- الاستبصار 1:125.

نظر إلى أنّه ما دام في الماء ليس الحكم بتقدم بعض على الأخر بأولى من عكسه، و لكن هذا يرد في الجانبين عند خروجه إذ لا يخرج جانب قبل آخر.

و أمّا كلام سلار فليس صريحا في إيجاب اعتقاد و لا ظاهرا،انّما حكم بإجزاء الارتماس عن الغسل و عن ترتيب الغسل.و يجوز أن يكون من قبيل العطف التفسيري،مثل:أعجبني زيد و علمه،أي:يجزئ عن ترتيب الغسل،و يكون ذلك موافقا لكلام المعظم.

المسألة الثانية:أجري في المبسوط مجرى الارتماس القعود تحت المجرى و الوقوف

تحت المطر في سقوط الترتيب،

نظرا الى وحدة شمول الماء (1)و إلى رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام)،سألته عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر (2)حتى يغسل رأسه و جسده و هو يقدر على سوى ذلك؟قال:«إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك» (3).

قال في المعتبر:هذا الخبر مطلق،و ينبغي أن يقيّد بالترتيب في الغسل (4).

و في المختلف قرّر به الترتيب الحكمي عند من قال به،فقال:علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره،و انما يتساويان لو اعتقد الترتيب كما أنّه في الأصل مرتب (5).

و هذا الكلام يعطي الاكتفاء بالاعتقاد،و كلام المعتبر يعطي فعل الترتيب.

ثمّ أجاب في المختلف:بأن المساواة للاغتسال المطلق الشامل للارتماس و غيره، فلا تختص المساواة بالغسل المرتب.

و ابن إدريس بالغ في إنكار إجراء غير الارتماس مجراه،اقتصارا على محل

ص: 225


1- المبسوط 1:29.
2- في ط،و المصادر:المطر.
3- قرب الاسناد:85،الفقيه 1:14 ح 27،التهذيب 1:149 ح 424،الاستبصار 1:125 ح 425.
4- المعتبر 1:185.
5- مختلف الشيعة:33.

الوفاق،و تحصيلا لليقين (1)،و لا ريب أنّه أحوط.

و في التذكرة طرد الحكم في ماء الميزاب،و شبهه (2).

و بعض الأصحاب ألحق صبّ الإناء الشامل للبدن،و هو لازم للشيخ رحمه اللّه.

و في النهاية:يجزئ الغسل بالمطر (3).

و في الاقتصاد:و ان ارتمس ارتماسة،أو وقف تحت الميزاب،أو النزال،أو المطر،أجزأه (4).

و ابن الجنيد ألحق المطر أيضا بالارتماس،قال:و لو أمرّ يديه عقيب ذلك على سائر بدنه كان أحوط.و قد روى الكليني بإسناده عن محمد بن أبي حمزة،عن رجل،عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده،أ يجزئه ذلك من الغسل؟قال:«نعم» (5).

و في الاستبصار لما أورد خبر علي عن أخيه أوّله بالترتيب الفعلي عند نزول المطر (6)كما قاله صاحب المعتبر (7).و أوّله الشيخ أيضا بالترتيب الحكمي،كما ذكره في الارتماس (8).

المسألة الثالثة:قال المفيد:لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد،فإنّه إن كان قليلا

أفسده،

و ان كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه (9).

ص: 226


1- السرائر:25.
2- تذكرة الفقهاء 1:23.
3- النهاية:22.
4- الاقتصاد:245.
5- الكافي 3:44 ح 7.
6- الاستبصار 1:125.
7- المعتبر 1:185.
8- الاستبصار 1:125.
9- المقنعة:6.

و جعله ابن حمزة مكروها و لو في الكثير (1).

و خرّج في التهذيب كلام المفيد على أنّ الجنب حكمه حكم النجس الى أن يغتسل،فمتى لاقى الماء الذي يصحّ فيه قبول النجاسة فسد.ثم ذكر خبر محمد بن الميسّر-بالسّين المهملة،و ضمّ الميم،و فتح الياء المثناة تحت-عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)،الدالّ على أنّ الجنب إذا انتهى الى الماء القليل و ليس معه إناء يغترف به و يداه قذرتان يضع يده و يغتسل،دفعا للحرج.و نزّله على أخذ الماء بيده لا أنّه ينزله بنفسه،و يغتسل بصبّه على البدن (2)و حمل القذر على وسخ غير نجس (3).

و لو تمسك بقضية صيرورة الماء مستعملا،و حمل الفساد عليه،كان أليق بمذهبهما.و في الرواية:الارتماس في الجاري أو فيما زاد على الكر من الواقف لا فيما قلّ،و هو يشعر بما قلناه من العلّة.

و احتج على كراهية النزول بمكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه،أو يغتسل فيه الجنب،ما حدّه الذي لا يجوز؟فكتب:«لا تتوضّأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة» (4)و لا يخفى ضعف هذا التمسك إسنادا و دلالة.

نعم،روى العامّة عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه قال:«لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم،و لا يغتسل فيه من جنابة» (5)و تمسّك به على سلب الطهورية،و حمله في المعتبر على الكراهية تنزيها عما تعافه النفس (6)،أو على التعبّد5.

ص: 227


1- الوسيلة:55.
2- التهذيب 1:149. و خبر ابن الميسر في الكافي 3:4 ح 2،التهذيب 1:49 ح 425،الاستبصار 1:128 ح 436.
3- الاستبصار 1:128.
4- التهذيب 1:150 ح 427،الاستبصار 1:9 ح 11.
5- مسند أحمد 2:346،صحيح البخاري 1:68،صحيح مسلم 1:235 ح 282،سنن أبي داود 1:18 ح 69،سنن النسائي 1:197،السن الكبرى 1:238.
6- المعتبر 1:45.

المحض لما رووه عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)انّه قال:«الماء لا يجنب» (1)و بعبارة أخرى:«الماء ليس عليه جنابة» (2).

المسألة الرابعة:لو أخلّ بالترتيب أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

فان كان قد قدم النية على غسل الرأس،ففي جميع صوره يراعي الترتيب.و ان كان قد نوى عند غسل الرأس،فتصور المخالفة في الجانبين،فيعيد على الوجه المشروع.

و لو غسل بعض الرأس مقارنا للنية،ثم انتقل الى الجانبين،فسد غسلهما، و أتمّ من حيث قطع على الرأس.و لو كرّر النكس فكما مر في الوضوء.

المسألة الخامسة:لا مفصل محسوس في الجانبين،

فالأولى:غسل الحدّ المشترك معهما.و كذا العورة،و لو غسلها مع أحدهما،فالظاهر:الإجزاء،لعدم المفصل المحسوس،و امتناع إيجاب غسلها مرتين.

المسألة السادسة:لا يجب الدلك في الغسل عندنا،

بل الواجب إمرار الماء، للأصل،و لصدق مسمّى الغسل به،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لأم سلمة:«إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات،ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين» (3).

المسألة السابعة:لا تجب الموالاة هنا بمعنييها.

قاله علي بن بابويه،و حكاه عنه ولده (4)،و ذكره المفيد في الأركان.

و قال الشيخ في التهذيب:عندنا أنّ الموالاة لا تجب في الغسل (5).و كذا

ص: 228


1- سنن ابن ماجة 1:132 ح 370،سنن أبي داود 1:18 ح 68،الجامع الصحيح 1:94 ح 65،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان:2:273 ح 1245،السنن الكبرى 1:189.
2- سنن الدار قطني 1:52.
3- مسند أحمد 6:314،صحيح مسلم 1:259 ح 330،سنن ابن ماجة:1:198 ح 603، سنن أبي داود 1:65 ح 251.الجامع الصحيح 1:175 ح 105،سنن النسائي 1:131.
4- الفقيه 1:49.
5- التهذيب 1:135.

نفى وجوبها في النهاية (1)و المبسوط (2)و كذا سلار (3)و ابن البراج (4)و أبو الصلاح (5)و ابن زهرة (6)و الكيدري،و ابن إدريس (7)و صاحب الجامع (8)و الفاضل (9).و لم يتعرض لها المحقّق على ما اعتبرته،و هي من المهمات مع عدم الخلاف فيها حسب ما نقلناه عنهم.

و روى إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«انّ عليا(عليه السلام)لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة،و يغسل سائر جسده عند الصلاة»،روى ذلك في الكافي و التهذيب (10)،و قصة أم إسماعيل تدلّ على ذلك (11).

نعم،لو خيف فجأة الحدث،فالأجود:فعلها،كالسلس و المبطون و المستحاضة.و تكون مقدّرة بزمان لا يلحقه فيه حدث مع إمكانه،أو يراعي قلة الحدث.

المسألة الثامنة:قال المفيد-رحمه اللّه-:إذا عزم الجنب على التطهير بالغسل،

فليستبرئ بالبول.فان لم يتيسر له ذلك،فليجتهد في الاستبراء،بمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب،و غمزه الى رأس الحشفة (12).

ص: 229


1- النهاية:22.
2- المبسوط 1:19.
3- المراسم:42.
4- المهذب 1:46.
5- الكافي في الفقه:134.
6- الغنية:554.
7- السرائر:21.
8- الجامع للشرائع:35.
9- تذكرة الفقهاء 1:25.
10- الكافي 3:44 ح 8،التهذيب 1:134 ح 372.
11- تقدمت في ص 223 الهامش 2.
12- المقنعة:6.

و صرح الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة،و ابن زهرة،و الكيدري بوجوبه (1)و كذا ابن البراج في الكامل.

و أبو الصلاح:يلزم الاستبراء (2).

و قال الجعفي:و الغسل من الجنابة أن يبول،و يجتهد فينتر إحليله.و قال ابنا بابويه:فاجهد أن تبول (3).

و في من لا يحضره الفقيه:من ترك البول على أثر الجنابة،و شك يردد بقيّة الماء في بدنه،فيورثه الداء الذي لا دواء له (4).و هو مروي في الجعفريّات عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) (5).

و ابن البراج:يزيل النجاسة،ثم يجتهد في الاستبراء بالبول،فان لم يأت اجتهد (6).

و قال ابن الجنيد:يتعرض الجنب للبول،و إذا بال تخرّط و نتر.

و ظاهر صاحب الجامع الوجوب (7).

و الأخبار إنّما دلّت على وجوب الإعادة لو رأى بللا و لم يستبرئ،فلذلك نفى وجوبها المرتضى و ابن إدريس و الفاضلان،مع قضية الأصل و موافقتهم على وجوب الإعادة (8)فيما يذكر.

و لا بأس بالوجوب،محافظة على الغسل من طريان مزيله،و مصيرا الى قول معظم الأصحاب،و أخذا بالاحتياط.3.

ص: 230


1- المبسوط 1:29،الوسيلة:55،الغنية:492.
2- الكافي في الفقه:133.
3- الفقيه 1:46،الهداية:20.
4- الفقيه 1:46.
5- الجعفريات:21.
6- المهذب 1:45.
7- الجامع للشرائع:35.
8- السرائر:20،شرائع الإسلام 1:28،المعتبر 1:185،مختلف الشيعة:32،تذكرة الفقهاء 1:23.
المسألة التاسعة:لو اغتسل،ثم رأى بللا علمه منيّا،اغتسل ثانيا،

للعموم.

و لو شك فيه،فان كان لم يبل أعاد الغسل،لأنّ الغالب تخلّف أجزاء من المني في مخرجه،و ان كان قد بال لم يعد الغسل،لأنّ الغالب خروجه مع البول و ما بقي من الحبائل،و لان اليقين لا يرتفع بالشك،و لما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء، قال:«يعيد الغسل».قلت:المرأة يخرج منها بعد الغسل.قال:«لا تعيد».

قلت:فما الفرق؟قال:«لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل» (1).

و نحوه رواية الحلبي عنه(عليه السلام)،بلفظ:البلل (2)،و رواية حريز عن محمد عنه(عليه السلام):عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء، قال:«يغتسل و يعيد الصلاة،الاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل،فإنه لا يعد غسله»،قال محمد:قال أبو جعفر(عليه السلام):«من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا (3)فليس ينتقض غسله و لكن عليه الوضوء (4)،و رواه الصدوق بعد رواية إعادة الغسل مع ترك البول،ثم قال:إعادة الغسل أصل، و الخبر الثاني رخصة (5)،يعني:إعادة الوضوء.

و دلّ على إجزاء الاجتهاد رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)في الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل،ثم يرى بعد

ص: 231


1- الكافي 3:49 ح 1،علل الشرائع:287،التهذيب 1:143 ح 404،148 ح 420، الاستبصار 1:118 ح 399.
2- الفقيه 1:47 ح 186،التهذيب 1:143 ح 405،الاستبصار 1:118 ح 400.
3- الرواية وردت في التهذيب و الاستبصار بزيادة لفظها:«فقد انتقض غسله،و ان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا». و الصدوق رواها كما في المتن،أي:من دون زيادة. هذا و لعل نسخة مصدر المصنف كانت كما في المتن.
4- التهذيب 1:144 ح 407،الاستبصار 1:199 ح 402.
5- الفقيه 1:47 ح 186،187.

الغسل شيئا أ يغتسل أيضا؟قال:«لا،قد تعصّرت و نزل من الحبائل» (1).

و الشيخ حمله على أمرين:أحدهما-أن يكون ذلك الشيء مذيا.و الثاني- أن الناسي يعذر،لدلالة مضمر أحمد بن هلال عليه أيضا (2).

و يشكل:بان الخارج إذا حكم بأنه منيّ مع عدم البول،فكيف يعذر فيه الناسي؟إذ الأسباب لا يفترق فيها الناسي و العامد.نعم،روى عبد اللّه بن هلال و زيد الشحام عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):ان تارك البول لا يعيد الغسل برؤية شيء بعده،و في خبر ابن هلال:أنّ ذلك مما وضعه اللّه عنه (3)و هذان ليس فيهما للناسي ذكر فان صح عذره حملا عليه،و حملهما الأصحاب على من لم يتأتّ له البول فاجتهد.

فخرج من هذا انّ في الأخبار دلالة على أربعة أوجه:

أحدها:إعادة الغسل على كلّ من لم يبل و لم يجتهد،و عليه الأصحاب (4).

و نقل فيه ابن إدريس و الفاضل الإجماع (5).

و الثاني:ترك الإعادة على الإطلاق.

و الثالث:إعادة الوضوء لا غير،و هو مفهوم كلام الصدوق (6).

و الرابع:إعادة العامد الغسل بناء على أنّ الإعادة عقوبة على تعمّد الإخلال بالواجب مع اشتباه الخارج،فمع النسيان يزول أحد جزئي السبب فلا يؤثر في الإعادة،و هذا يؤيد وجوب الاستبراء،هذا في تارك البول.

المسألة العاشرة:لو بال و لم يستبرئ و رأى بللا توضّأ،

لأنّ الغالب أنّ البول يدفع

ص: 232


1- التهذيب1:145ح 409،الاستبصار 1:120 ح 406.
2- التهذيب 1:145،الاستبصار 1:120،و مضمر بن هلال فيهما برقم 410،407.
3- التهذيب 1:145 ح 411،412،الاستبصار 1:119 ح 404،405.
4- راجع:المقنعة:6،النهاية:22،المهذب 1:45،شرائع الإسلام 1:28.
5- السرائر 22،أما المحقق ففي الشرائع 1:28،و مختصر النافع:9،و المعتبر 1:193 و لكن لم ينقل الإجماع و كذا العلامة في التحرير 1:13 و سائر كتبه.
6- المقنع:13،الفقيه 1:47 ح 187.

أجزاء المني فيزول احتماله،و لم يحصل الاستبراء المزيل لبقية البول فيبقى احتماله، و لرواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،أنّه سمعه يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا:«إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ،و ان لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل» (1).

و الشيخ تارة حمله على أن يكون ما خرج منه بولا،و تارة على استحباب الوضوء.

قلت:هذان الحملان ظاهرهما أنّه لا يجب مع الاشتباه شيء.

و قد روى-في باب الاستنجاء-عن عبد الملك بن عمرو-بفتح العين- عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا،قال:«إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات،و غمز ما بينهما، ثم استنجى،فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (2).

و كذا حديث حفص بن البختري-بالباء الموحدة تحت،و الخاء المعجمة- عنه(عليه السلام) (3).

و حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام).بعد الاستبراء:«و ان خرج بعد ذلك شيء،فليس من البول،و لكنه من الحبائل» (4).

و مفهوم هذه الاخبار أنّه لو لم يستبرئ حكم بالنقض،بل قد روي إعادة الوضوء بالخارج بعد الاستبراء،رواه الصفار عن محمد بن عيسى،قال:كتب اليه رجل،هل يجب الوضوء مما يخرج من الذكر بعد الاستبراء؟فكتب:«نعم» (5)و حملها الشيخ على الندب،فكيف ينتفي الوجوب مع الاشتباه و عدم الاستبراء؟8.

ص: 233


1- التهذيب 1:144 ح 408،الاستبصار 1:119 ح 403.
2- الفقيه 1:39 ح 148،التهذيب 1:20 ح 50،الاستبصار 1:94 ح 303.
3- التهذيب 1:27 ح 70،الاستبصار 1:48 ح 136.
4- الكافي 3:19 ح 1،التهذيب 1:28 ح 71،356 ح 1063،الاستبصار 1:49 ح 137.
5- التهذيب 1:28 ح 72،الاستبصار 1:49 ح 138.

مع ان الشيخ و الجماعة مفتون بانتقاض الوضوء بالبلل إذا لم يستبرئ،صرّح بذلك في المبسوط في باب الاستنجاء (1)،و نقل ابن إدريس فيه الإجماع (2)،و كذا نقل الإجماع على عدم انتقاض الوضوء لو استبرأ ثم رأى البلل (3).

المسألة الحادية عشر:لو بال الجنب و استبرأ،

ثم رأى بللا بعد الغسل،فلا إعادة لغسل و لا وضوء،لحصول الاستظهار بطرفيه،و قد دلّت الاخبار عليه (4).

فروع:

الأول: لا يكفي الاجتهاد الاّ مع عدم إمكان البول،و قد دل عليه ما سلف.

الثاني: انّما يجب الاستبراء أو يستحبّ و تتعلّق به الأحكام للمنزل،أمّا المولج بغير إنزال فلا،لعدم سببه.هذا مع تيقن عدم الانزال،و لو جوّزه أمكن استحباب الاستبراء أخذا بالاحتياط،أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا،لأن اليقين لا يرفع بالشك.

الثالث:اختلف الأصحاب في استبراء المرأة.

فظاهر:المبسوط و الجمل و ابن البراج-في الكامل-انه لا استبراء عليها (5)و أطلق أبو الصلاح الاستبراء (6).

و ابنا بابويه و الجعفي لم يذكروا المرأة.

و الفاضل:لا استبراء عليها،لعدم غايته،لتغاير مخرجي البول و المني

ص: 234


1- المبسوط 1:18.
2- السرائر:16.
3- السرائر:17.
4- راجع:الفقيه 1:39 ح 148،التهذيب 1:20 ح 50،الاستبصار 1:48 ح 136.
5- المبسوط 1:29،الجمل و القعود:161.
6- الكافي في الفقه:133.

منها (1)،و كذا علّل به الراوندي في الرائع.

و في المقنعة:تستبرئ المرأة بالبول،فان لم يتيسّر لها ذلك فلا شيء عليها (2).

و في النهاية سوّى بين الرجل و المرأة في الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (3).

و ابن الجنيد:إذا بالت تنحنحت بعد بولها،ذكره في سياق غسل الجنابة.

و لعلّ المخرجين و ان تغايرا،يؤثر خروج البول في خروج ما تخلف في المخرج الآخر ان كان،و خصوصا مع الاجتهاد.

فظاهر الأخبار تشهد للقول الأول،مع قضيّة الأصل.فحينئذ لو رأت بللا بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها،و لو قلنا بالعدم أمكن أن تكون كرجل لم يستبرئ فتعيد حيث يعيد،و ان تكون كمن استبرأ لأن اليقين لا يرفع بالشك و لم يصدر منها تفريط.هذا إذا لم يعلم ان الخارج منيّ.

و لو علم انه مني فقد دخل الخبر السابق على ان الذي يخرج منها انما هو مني الرجل (4).و قطع ابن إدريس بوجوب الغسل إذا علمت ان الخارج مني،و لم يعتد بالرواية،لعموم:«الماء من الماء»،قال:و لو لم تعلمه منيا فلا غسل عليها و ان لم تستبرئ (5)و كأنه نظر إلى اختلاط المنيّين غالبا.

أما لو اشتبه المنيّان فالوجوب قويّ،أخذا بعموم:«إنّما الماء من الماء» (6)و شبهه،و قد مر.و على قول ابن إدريس لا إشكال في وجوب الغسل.6.

ص: 235


1- مختلف الشيعة:32.
2- المقنعة:6.
3- النهاية:21.
4- تقدم في ص 231 الهامش 1.
5- السرائر:22. و الرواية في:مسند أحمد 3:29،سنن ابن ماجة 1:199 ح 607،سنن أبي داود 1:56 ح 217،الجامع الصحيح 1:186 ح 112،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:249 ح 1183،شرح معاني الآثار 1:54.
6- مسند أحمد 3:47،صحيح مسلم 1:269 ح 343،مسند أبي يعلى 2:432 ح 1236.

الرابع: هذا المني الخارج أو المشتبه مع عدم الاستبراء حدث جديد، فالعبادة الواقعة قبله صحيحة لاستجماعها للشرائط.و نقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب إعادة الصلاة،و ردّه (1)و لعلّ المستند الحديث المتقدم عن محمد (2)-و هو ابن مسلم-و يمكن حمله على الاستحباب،أو على من صلّى بعد أن وجد بللا حصل بعد الغسل.

و ربما تخيل فساد الغسل الأول،لأنّ المني باق بحاله في مخرجه لا في مقره، كما قاله بعض العامة.و هو خيال ضعيف،لان المتعبد به هو الغسل مما خرج لا مما بقي،و لهذا لو حبسه لم يجب به الغسل الا بعد خروجه عندنا (3)و عند أكثرهم (4).

المسألة الثانية عشرة:لا يجب إيصال الماء الى باطن الفم و الأنف-

بالمضمضة و الاستنشاق-عندنا،للحديث السالف (5)،و لا يستحب إعادة الغسل لتاركهما.نعم،مقطوع الأنف و الشفتين يجب أن يغسل ما ظهر بالقطع،لالتحاقه بالظاهر،و لا عبرة بكونه باطنا بالأصالة.

و يجب غسل ما ظهر من صماخ الإذن،لأنّه من البشرة،و عليه نبّه الشيخان و الصدوق بقولهم:و يخلّل أذنيه بإصبعيه (6)و لا يجب تتبع الباطن من الصماخين.

و يجب غسل ما يبدو من الشقوق في البدن،و ما تحت القلفة (7)-بضم

ص: 236


1- السرائر:22.
2- تقدم في ص 231 الهامش 4.
3- المعتبر 1:178،نهاية الإحكام 1:100.
4- المجموع 2:140،المغني 1:231،الشرح الكبير 1:233.
5- تقدم في صفحة 217 الهامش 7.
6- المقنعة:6،النهاية:21،الفقيه 1:49.
7- القلفة:الجلدة التي تقطع في الختان،مجمع البحرين-مادة قلف.

القاف و سكون اللام-و نفس القلفة،الا ان يكون مرتتقا فيغسل الظاهر.

المسألة الثالثة عشرة:المرأة كالرجل في جميع ما ذكر.

نعم،ينبغي لها المبالغة في تخليل الشعر.و لو توقف الوصول إلى البشرة إلى حلّ الضفائر وجب و إلاّ فلا،و قد سلفت الرواية (1).

و قال المفيد:إن كان الشعر مشدودا حلّته (2).و حمله في التهذيب على توقّف وصول الماء عليه،لأن الواجب غسل البشرة و الشعر لا يسمى بشرة (3).

و لا يجب عليها إيصال الماء الى باطن الفرج،بكرا كانت أو ثيبا،للأصل، و لانه من البواطن.و يمكن وجوب غسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس لقضاء الحاجة،لأنه في حكم الظاهر كالشقوق.

و لا فرق بين الجنب و الحائض،في عدم وجوب نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى البشرة،لأن الواجب في الغسلين متعلق بالبشرة لا بالشعر.

ص: 237


1- تقدمت في ص 228 الهامش 3.
2- المقنعة:6.
3- التهذيب 1:147.
البحث الثاني:في مستحباته.
اشارة

و هي ثلاثة عشر.

الأول:التسمية،

ذكرها الجعفي.

و قال المفيد:يسمي اللّه عزّ و جل عند اغتساله و يمجّده و يسبّحه (1)و نحوه قال ابن البراج في المهذب (2).

و الأكثر لم يذكروها في الغسل،و الظاهر:انّهم اكتفوا بذكرها في الوضوء، تنبيها بالأدنى على الأعلى.و خبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«إذا وضعت يدك في الماء فقل:باسم اللّه و باللّه،اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهّرين» (3)يشمل ذلك.

و منع منها بعض العامّة بناء على أنّها قرآن،و ان القرآن على الإطلاق يمنع منه ذو الحدث الأكبر (4)و المقدّمتان ممنوعتان.

الثاني:غسل اليدين ثلاثا من الزّندين،

للخبر المذكور في الوضوء،فإنه تضمن ثلاثا من الجنابة (5).

و قال الجعفي:يغسلهما الى المرفقين أو الى نصفهما،لما فيه من المبالغة في التنظيف،و الأخذ بالاحتياط،و لخبر أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن غسل الجنابة،فقال:«تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك» (6).

ص: 238


1- المقنعة:6.
2- المهذب 1:46.
3- التهذيب 1:76 ح 192.
4- الأذكار للنووي:39،المجموع 2:181.
5- تقدم في ص 109 الهامش 2،3.
6- التهذيب 1:131 ح 363،الاستبصار 1:123 ح 419.

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«إذا أصاب الرجل جنابة، فأراد أن يغتسل،فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق» (1).

و صرّح الفاضل هنا باستحباب غسل اليدين و ان كان مرتمسا،أو تحت المطر،أو مغتسلا من إناء يصبّه عليه من غير إدخال،محتجّا بأنه من سنن الغسل، و لقول أحدهما(عليهما السلام)في غسل الجنابة:«تبدأ بكفيك» (2).

الثالث:المضمضة و الاستنشاق ثلاثا ثلاثا،

لخبر زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):«تبدأ فتغسل كفّيك،ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك،ثم تتمضمض و تستنشق» (3).و في رواية أبي بصير عنه(عليه السلام):

«تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك،ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك،ثم تتمضمض و تستنشق» (4).و فيهما دلالة على الاجتزاء بالغسل الى الزند،لأنّه حدّ الكف.

و امّا خبر أبي بكر الحضرمي عنه(عليه السلام):«ليس عليك مضمضة و لا استنشاق،لأنهما من الجوف» (5).

و خبر أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عنه(عليه السلام)في الجنب يتمضمض قال:«لا،ان الجنب الظاهر» (6).

و خبر الحسن بن راشد قال:قال الفقيه العسكري(عليه السلام):«ليس في الغسل،و لا في الوضوء،مضمضة و لا استنشاق» (7).

ص: 239


1- التهذيب 1:132 ح 364.
2- نهاية الإحكام 1:110. و الخبر في الكافي 3:43 ح 1،التهذيب 1:132 ح 365،الاستبصار 1:123 ح 420.
3- التهذيب 1:370 ح 1131.
4- التهذيب 1:131 ح 362،الاستبصار 1:118 ح 398.
5- الكافي 3:24 ح 3،التهذيب 1:78 ح 201،131 ح 359،الاستبصار 1:117 ح 395.
6- التهذيب 1:131 ح 360،الاستبصار 1:118 ح 396،بلفظ:«انما يجنب».
7- التهذيب 1:131 ح 361،الاستبصار 1:118 ح 397.

فالمراد نفي الوجوب-الذي يقوله كثير من العامة (1)-توفيقا بين الأخبار.

الرابع:الدّلك باليدين،

لما فيه من المبالغة في الإيصال.

الخامس:تخليل ما يصل اليه الماء بدون التخليل استظهارا،

كالشعر الخفيف،و معاطف الآذان،و الإبطين،و السرّة،و عكن البطن في السمين،و ما تحت ثديي المرأة.

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام):«فأمّا النساء اليوم فقد ينبغي أن يبالغن في الماء» (2).و منه يعلم استحباب نقض المرأة الضفائر،و كذا في خبر جميل عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«يبالغن في الغسل» (3).

و أمّا ما رواه إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر،عن أبيه(عليهما السلام)، قال:«كنّ نساء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إذا اغتسلن من الجنابة،يبقين صفرة الطيب على أجسادهن،و ذلك أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن» (4).

و ما رواه إبراهيم بن أبي محمود،قال:قلت للرضا(عليه السلام):الرجل يختضب فيصيب جسده و رأسه الخلوق و الطيب و الشيء اللّكد مثل علك الروم و ما أشبهه فيغتسل،فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيّب و غير ذلك،فقال:«لا بأس» (5).

قلت:الخلوق-بفتح الخاء و ضم اللام-ضرب من الطيب.و اللّكد اللاصق بعضه ببعض،يقال لكد عليه لكدا-بفتح الكاف في المصدر و كسرها في الفعل-إذا لصق به،و تلكّد الشيء لزم بعضه بعضا.

ص: 240


1- المجموع 1:356،فتح العزيز 1:396،الوجيز 1:13،المغني 1:132.
2- التهذيب 1:147 ح 418.
3- الكافي 3:45 ح 17،التهذيب 1:147 ح 418.
4- علل الشرائع:293،التهذيب 1:369 ح 1123.
5- الكافي 3:51 ح 7،التهذيب 1:130 ح 356.

و هذان الحديثان لا يدلاّن على نفي استحباب التخليل،فان غايتهما انّ ذلك غير قادح في صحة الغسل و نحن نقول به.

السادس:الغسل بصاع،

لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)،انه قال:«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يغتسل بصاع من ماء، و يتوضأ بمد» (1).و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)مثله (2).

و عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام):«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يتوضأ بمد،و يغتسل بصاع.و المد:رطل و نصف،و الصاع:ستّة أرطال» (3)،يعني:أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي،كذا ذكره الشيخ في التهذيب،و أسند ما تقدم في الوضوء من تقدير ابن بابويه الصاع بخمسة أمداد (4)عن سليمان بن حفص المروزي،قال:قال أبو الحسن(عليه السلام):«الغسل بصاع من ماء،و الوضوء بمد من ماء.و صاع النبي صلّى اللّه عليه و آله خمسة أمداد»..الى آخره (5)،ذكره بسندين عن سليمان.

و روى عن سماعة،قال:سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل،فقال:

«اغتسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بصاع،و توضّأ بمد.و كان الصاع على عهده خمسة أرطال،و كان المد قدر رطل و ثلاث أواق» (6).

و قال البزنطي:و يجزئ من الغسل صاع و هو خمسة أرطال،و بعض أصحابنا ينقل ستة أرطال برطل الكوفة،و للوضوء مدّ من ماء،و المدّ رطل و ربع.

قال:و الطامث تغتسل بتسعة أرطال.و هذا يخالف المشهور في تقدير الصاع.

و لا ريب أنّ الواجب مسمى الغسل-فقد روى هارون بن حمزة الغنوي

ص: 241


1- التهذيب 1:136 ح 377.
2- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:120 ح 408.
3- التهذيب 1:136 ح 378،الاستبصار 1:121 ح 409.
4- تقدم في ص 187 الهامش 1.
5- التهذيب 1:135 ح 374،375،الاستبصار 1:121 ح 410.
6- التهذيب 1:136 ح 376،الاستبصار 1:121 ح 411.

عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:«يجزئك من الغسل و الاستنجاء ما بللت يدك» (1).

و عن إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام)عن أبيه:«أنّ عليا (عليه السلام)كان يقول:الغسل من الجنابة و الوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذي يبلّ الجسد»،و قد تقدم (2)-فلا يتقدر بقدر،فالقليل كاف مع الرفق،و لا يكفي الكثير مع الخرق.

و قيّد المفيد الدّهن بالضرورة،كشدة البرد و عوز الماء (3).و الظاهر أنّه أراد:

أنّه مع عدم الضرورة يكون تاركا للأفضل بالاقتصار على الدهن،أو أراد به دهنا لا يجري على العضو،فيكون التقييد بالضرورة حقيقة في موضوعه.

و قد تظافرت الأخبار بالأكفّ،كخبر سماعة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):«ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه (4)يضرب بكف من ماء على صدره،و كف بين كتفيه» (5).

و في خبر زرارة:ثلاث أكف للرأس،و للأيمن مرّتين،و للأيسر مرتين (6).

و قال المفيد:يأخذ كفا من الماء بيمينه،فيضعه على أمّ رأسه و يغسله به، و يميّز الشعر حتى يصل الى أصوله،و ان أخذ بكفّيه كان أسبغ،فان أتى على غسل رأسه و لحيته و عنقه إلى أصل كتفه و الاّ غسل بكفّ آخر.ثمّ يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه الى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكفّ الى ما زاد،ثمّ3.

ص: 242


1- الكافي 3:22 ح 6،التهذيب 1:138 ح 386،الاستبصار 1:122 ح 415.
2- التهذيب 1:138 ح 385،الاستبصار 1:122 ح 414. و قد تقدم في ص 216 الهامش 3.
3- المقنعة:6.
4- في المصدر زيادة:«ثم».
5- التهذيب 1:132 ح 364.
6- الكافي 3:43 ح 3.

الأيسر كذلك (1).

و الشيخ و جماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد (2)،و الظاهر:أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

السابع:تكرار الغسل ثلاثا في كل عضو،

قاله جماعة من الأصحاب،لما فيه من الإسباغ،و لدلالة الصّاع عليه،و كذا ثلاث الأكف.و لا ينافيه ذكر المرتين،لإمكان إرادة المستحب غير المؤكّد في المرّتين.

و ابن الجنيد حكم بغسل رأسه ثلاثا،و اجتزأ بالدّهن في البدن،قال:و لا أختار إيثار ذلك مع إمكان الماء.و استحب ابن الجنيد أيضا للمرتمس ثلاث غوصات،يخلّل شعره و يمسح سائر جسده بيديه عقيب كل غوصة.و لا بأس به، لما فيه من صورة التكرار ثلاثا حقيقة و ان كان الارتماس يأتي على ذلك.

الثامن:الموالاة،

لما فيه من المبادرة إلى الواجب،و التحفّظ من طريان المفسد في الغسل،و قد عدّها جماعة من الأصحاب في المستحب،و لان المعلوم من صاحب الشرع و ذريّته المعصومين فعل ذلك.

التاسع:الدعاء،

لما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام):

«تقول في غسل الجمعة:اللهم طهّر قلبي من كل آفة تمحق ديني،و تبطل عملي.

و تقول في غسل الجنابة:اللهم طهر قلبي،و زك عملي (3)،و اجعل ما عندك خيرا لي.اللّهم اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين» (4).

و في المصباح،تقول عند الغسل:اللّهم طهرني و طهر قلبي،و اشرح لي صدري،و أجر على لساني مدحتك و الثناء عليك.اللّهم اجعله لي طهورا و شفاء

ص: 243


1- المقنعة:6.
2- الجمل و العقود:161،مصباح المتهجد:9،الوسيلة:56،المعتبر 1:186،منتهى المطلب 1:86.
3- في المصدرين زيادة:«و تقبّل سعيي».
4- التهذيب 1:146 ح 414،415،و قطعة منه في الكافي 3:43 ح 4،باختلاف يسير.

و نورا،إنّك على كلّ شيء قدير (1).

و قال المفيد:إذا فرغ من غسله فليقل:اللّهم طهر قلبي..إلى آخر ما مرّ (2).و لعلّ استحباب الدعاء (3)شامل حال الاغتسال و بعده.

و قال ابن بابويه:قال الصادق(عليه السلام):«من اغتسل للجمعة فقال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد انّ محمدا عبده و رسوله.اللّهم صلّ على محمد و آل محمّد،و اجعلني من التوابين،و اجعلني من المتطهرين،كان طهرا من الجمعة إلى الجمعة» (4).

العاشر:الأقرب:استحباب غسل المسترسل من الشعر،

لدلالة فحوى خبر:«من ترك شعرة من الجنابة» (5)عليه.

الحادي عشر:ترك الاستعانة،

لما ذكر في الوضوء.

و قول ابن الجنيد هنا يناسب قوله في الوضوء،حيث قال:و ان كان غيره يصبّ عليه الماء من إناء متصل الصب،أو كان تحت أنبوب،قطع ذلك ثلاث مرات،يفصل بينهن بتخليل الشعر بكلا يديه.فظاهره جواز مباشرة الغير.

و يردّه:قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا و إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (6)و الاخبار الظاهرة في تولّي المكلف ذلك.

الثاني عشر:حكم الفاضل-رحمه اللّه-باستحباب تخليل المعاطف

و الغضون،

و منابت الشعر و الخاتم و السير قبل إفاضة الماء للغسل،ليكون أبعد من الإسراف،و أقرب إلى ظنّ وصول الماء (7)،و قد نبّه عليه قدماء الأصحاب.

ص: 244


1- مصباح المتهجد:9.
2- المقنعة:6.
3- في م:الغسل.
4- الفقيه 1:61 ح 228.
5- تقدم في ص 217 الهامش 4.
6- المائدة:6.
7- نهاية الإحكام 1:109.

و عدّ البدأة بغسل ما على جسده من الأذى و النجاسة من المستحب (1).

و يشكل بما مر.

فان احتجّ برواية حكم بن حكيم،قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام) عن غسل الجنابة،فقال:«أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها،ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى،ثمّ اغسل فرجك،و أفض على رأسك و جسدك» (2)حيث عطفه على المستحب و جعله مقدمة للغسل.

فالجواب:أنّه بصيغة الأمر،و الأصل فيها الوجوب،فإذا خرج بعضها بدليل بقي الباقي على أصله.

و قطع بحصول الرفع و الإزالة لو كان في ماء كثير،بخلاف القليل لانفعاله بالنجاسة،و استثنى كون النجاسة في آخر العضو فإنّها تطهره و ترفع الحدث (3).

نعم،لو كان أذى غير النجاسة استحبّ تقديمه على الغسل.

الثالث عشر:لا يجب الترتيب في نفس العضو و ان وجب بين الأعضاء،

لقضيّة الأصل.و به قطع الفاضل (4)و هو ظاهر الأخبار حيث لم يذكر فيها تحديد و لا غاية.

و هل يستحب غسل الأعلى فالأعلى؟الظاهر:نعم،لأنّه أقرب الى التحفّظ من النسيان،و لأنّ الظاهر من صاحب الشرع فعل ذلك.

تتمة:

لا يستحب تجديد الغسل،للأصل،و الاقتصار على مورد النص في تجديد الوضوء،و لأنّ موجب الوضوء أسباب شتّى و بعضها قد يخفى فيحتاط فيه

ص: 245


1- تذكرة الفقهاء 1:23،نهاية الإحكام 1:109.
2- التهذيب 1:139 ح 392.
3- نهاية الإحكام 1:109.
4- تذكرة الفقهاء 1:25.

بالتجديد،بخلاف الغسل فإنه يبعد فيه ذلك،و لانتفاء المشقة فيه بخلاف الغسل،فحينئذ لو نذر تجديد الغسل بنى على انعقاد نذر المباحات،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 246

البحث الثالث:في أحكامه.و
هي تظهر بمسائل:
الأولى:لا وضوء واجبا مع غسل الجنابة بخلاف غيره من الأغسال،

كما سلف.

و هل يستحبّ؟أثبته في التهذيب،لخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام)،قال:سألته كيف أصنع إذا أجنبت،قال:«اغسل كفّيك و فرجك،و توضّأ وضوء الصلاة،ثمّ اغتسل» (1)فحمله على الندب،لمعارضة أخبار كثيرة له كمرسل ابن أبي عمير عن الصادق(عليه السلام):«كل غسل قبله وضوء،إلاّ غسل الجنابة» (2)و قوله(عليه السلام)في خبر حكم:«و أي وضوء أنقى من الغسل و أبلغ»لمّا قال له:ان الناس يقولون:يتوضّأ للصلاة (3).

قلت:الأولى حمله على التقيّة،لأنّ الأصحاب على خلافه.

و قد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)أنّ أهل الكوفة يروون عن علي(عليه السلام)الوضوء قبل الغسل من الجنابة،قال:«كذبوا على عليّ(عليه السلام)،ما وجد ذلك في كتاب علي(عليه السلام)،قال اللّه تعالى:

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (4) .

و قد أرسل محمد بن أحمد بن يحيى:أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة (5).و الشيخ ضعّفه بالإرسال و القطع،ثمّ حمله على اعتقاد فرضه قبل الغسل.

ص: 247


1- التهذيب 1:140 ح 393،الاستبصار 1:126 ح 429.
2- الكافي 3:45 ح 13،التهذيب 1:139 ح 391،الاستبصار 1:126 ح 430.
3- التهذيب 1:139 ح 392.
4- التهذيب 1:139 ح 389،142 ح 400،الاستبصار 1:125 ح 426.
5- التهذيب 1:140 ح 394،الاستبصار 1:126 ح 430.

و في رواية عبد اللّه بن سليمان،قال:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام) يقول:«الوضوء بعد الغسل بدعة» (1).و مثله خبر سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (2).

الثانية:لو أحدث المجنب في أثناء غسله حدثا أصغر فلا نصّ مشهورا

فيه،

و اختلف في كلام الأصحاب:

فأوجب ابنا بابويه و الشيخ-في النهاية-الإعادة (3).و قد قيل انّه مروي عن الصادق(عليه السلام)في كتاب عرض المجالس للصدوق،و لأن الحدث ناقض للطهارة بعد الكمال فقبله أولى،و انتقاضها يبقيه على حكم الجنابة الموجبة للغسل.

و يشكل:بأنه بعد الكمال أثره إيجاب الوضوء لا غير،فليكن كذلك قبله.

و بقاؤه على حكم الجنابة بعد الحدث محل النزاع،فلذلك أوجب المرتضى الوضوء بعد الغسل (4).

و خرّج ابن البراج الاقتصار على إتمام الغسل،لأنه لا أثر للأصغر مع الأكبر (5).

و في المبسوط أفتى بالإعادة،ثمّ نقل الوضوء (6)،و هو يشعر بتوقّفه.

و الأقرب الأوّل،لامتناع الوضوء في غسل الجنابة عملا بالأخبار المطلقة، و امتناع خلوّ الحدث عن أثر هنا مع تأثيره بعد الكمال.

ص: 248


1- الكافي 3:45 ح 12،التهذيب 1:140 ح 395.
2- التهذيب 1:140 ح 396.
3- الفقيه 1:49،الهداية 21،النهاية:22.
4- مختلف الشيعة:32.
5- جواهر الفقه:473.
6- المبسوط 1:30.

فروع ثلاثة:

الأوّل:لو كان الحدث من المرتمس، فان قلنا بسقوط الترتيب حكما،فان وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير،و الاّ فليس له اثر.و ان قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي،فهو كالمرتّب و ان قلنا بحصوله في نفسه و فسّرناه بتفسير الإستبصار (1)أمكن انسحاب البحث فيه.

الثاني:لو تخلل الحدث الغسل المكمل بالوضوء، أمكن المساواة في طرد الخلاف،و أولويّة الاجتزاء بالوضوء هنا،لأن له مدخلا في إكمال الرفع أو الاستباحة،و به قطع الفاضل في النهاية مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة (2).

الثالث: لو أحدث غير المجنب بعد غسله فلا شيء سوى الوضوء.و تخيّل:

بقاء الحدث الأكبر فتنسحب الأقوال،ضعيف،لمنعه أوّلا،و حكم الشارع بإكماله بالوضوء ثانيا بتقدير بقائه،و لزوم وضوئين على قول الوضوء هناك ثالثا.

و لو قدّم الوضوء فأحدث بعده قبل الغسل،انتقض الوضوء فيعيده قبل الغسل أو بعده،لعدم تأثيره بعد الحدث.

الثالثة:ماء الغسل على الزوج-

في الأقرب-لأنّه من جملة النفقة،فعليه نقله إليها و لو بالثمن،أو يمكّنها (3)من الانتقال اليه،فلو احتاج الى عوض كالحمام فالأقرب:وجوبه عليه أيضا مع تعذّر غيره،دفعا لضرر.

و وجه العدم:ان ذلك مئونة التمكين الواجب عليها.و ربّما فرق بين ماء غسل الجنابة و غيره إذا كان سبب الجنابة من الزوج.

و أمّا الأمة،فالأقرب:أنّها كالزوجة،لأنه مئونة محضة،و انتقالها الى التيمم

ص: 249


1- تقدم في ص:224،هامش 3.
2- نهاية الإحكام 1:114.
3- في س:تمكينها.

مع وجود الماء بعيد،و حمله على دم التمتع قياس من غير جامع،و يعارض بوجوب فطرتها فكذا ماء طهارتها.

و لو عجزتا عن المباشرة،فالأقرب:وجوب الإعانة عليه،لمثل ما قلناه.

الرابعة:لو توضأ المجنب غير معتقد للشرعية فلا إثم،

و لو اعتقدها بني على ما مر.

و لو اعتقد تكميل الغسل بالوضوء أبدع و لم يخرج عن الاجزاء،قاله جماعة من الأصحاب (1)لحصول الرافع بكماله.و يمكن البطلان،لقصور نيّته في الغسل بحسب معتقده،و الفرق بين تقدم الوضوء و تأخيره،لأن النية جازمة باستباحة الصلاة إذا تقدمه الوضوء بخلاف ما إذا تأخّر.

الخامسة:المرتد يجب عليه الغسل عند سببه كالكافر بل أولى،لالتزامه بحكم الإسلام،و لا يصح منه مرتدا،لعدم التقرب.

و لو ارتد في أثناء الغسل لم يبطل فيما مضى،فلو عاد بنى بنيّة مستأنفه، و الظاهر:أنه لا يجب عليه طهارة بدنه،كالكافر إذا أسلم.و لو ارتد بعد الغسل لم يؤثر في إبطاله على الأصح،و تحقيقه في الكلام.

ص: 250


1- لاحظ:النهاية:23،نهاية الإحكام 1:112،تذكرة الفقهاء 1:24.
الباب الثالث:في المواقيت و
فصوله أربعة:
الفصل الأول:
اشارة

في مواقيت الفرائض الخمس.

يجب معرفة الوقت لئلا يصلّي في غيره،و لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها إجماعا.

و ما روي عن ابن عباس و الشعبي من جواز استفتاح المسافر الظهر قبل الزوال بقليل (1)متروك،لسبق الإجماع و لحاقه.و قد روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صلّيت شيئا من الصلوات في السفر في غير وقتها لا يضر» (2)و حمله الشيخ على خروج الوقت لعذر (3)،مع معارضتها بخبر أبي بصير عنه عليه السلام:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (4).

و الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا عند الأكثر.و قد يظهر من كلام المفيد التضيّق،حيث حكم بأنه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيّعا،و إن بقي حتى يؤديها عفي عن ذنبه (5).

لنا:ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«أحب الوقت الى اللّه حين يدخل وقت الصلاة،فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب

ص: 319


1- انظر:المغني لابن قدامة 1:441،بداية المجتهد 1:92.
2- الفقيه 1:358 ح 1574،التهذيب 2:141 ح 551،الاستبصار 1:244 ح 869.
3- التهذيب 2:141.
4- الكافي 3:285 ح 6،التهذيب 2:140 ح 547،الاستبصار 1:244 ح 868.
5- المقنعة:14.

الشمس» (1).

و روى محمد بن مسلم:ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام و قد صلّيت الظهرين،فيقول:«أصليت الظهر؟»فأقول:نعم،و العصر.فيقول:

«ما صليت العصر» (2)،فيقوم مسترسلا غير مستعجل فيتوضأ أو يغتسل،ثم يصلّي الظهر،ثم يصلّي العصر (3).

و يقرب منه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في قوم بعضهم يصلّي الظهر و بعضهم يصلي العصر،فقال:«كل واسع» (4).في أخبار كثيرة.

و احتج في التهذيب للمفيد برواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،إنه قال:«لكل صلاة وقتان،فأول الوقت أفضله.و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا،إلاّ في عذر من غير علة»،و عن ربعي عنه عليه السلام:«إنّا لنقدّم و نؤخّر و ليس كما يقال:من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، و إنما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها»،و لأن الأمر على الفور.ثم قال:و لم نرد بالوجوب هنا ما يستحق به العقاب،بل ما يستحق به اللوم و العتب و الأولى فعله (5).

قلت:ظاهر انتفاء دلالة هذه على العصيان،و قد اعترف به الشيخ.

و يمكن أن يحتج بما رواه الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«أول9.

ص: 320


1- التهذيب 2:24 ح 69،الاستبصار 3:87 ح 5.
2- كذا،و في المصدرين:«الظهر».
3- التهذيب 2:252 ح 999،الاستبصار 1:256 ح 920.
4- التهذيب 2:251 ح 997،الاستبصار 1:256 ح 918،و فيهما:«كل ذلك واسع».
5- التهذيب 2:41. و رواية ابن سنان فيه برقم 124،و في الكافي 3:274 ح 3،و الاستبصار 1:244 ح 870. و رواية ربعي فيه برقم 132،و في:الاستبصار 1:262 ح 939.

الوقت رضوان اللّه،و آخره عفو اللّه»قال:و العفو لا يكون إلاّ عن ذنب (1)و جوابه:بجواز توجه العفو بترك الأولى،مثل:عفى اللّه عنك.

و يتهذب الباب برسم

مسائل:
المسألة الأولى:لكل صلاة وقتان،أحدهما:للفضيلة،و الآخر:للإجزاء.

و قال جماعة من الأصحاب:أحدهما للمختار،و الآخر للمعذور و المضطر (2).و أكثر الروايات على الأول،و تمسك الآخرون بالأخبار الآتية الدالة على القامة و شبهها،مع الأخبار الدالة على الغروب،و سنجيب عنه.

قال في المبسوط:و العذر أربعة:السفر،و المطر،و المرض و شغل يضر تركه بدينه أو دنياه.و الضرورة خمسة:الكافر يسلم،و الصبي يبلغ، و الحائض تطهر،و المجنون يفيق،و المغمى عليه يفيق (3).

و رواية ربعي تتضمن الحصر فيما ذكر فيها (4)و الظاهر انّه على سبيل الغالب.

إذا تقرر ذلك،فوقت الظهر زوال الشمس إجماعا.و يعلم بزيادة الظل بعد نقصه،أو حدوثه بعد عدمه،كما في مكة و صنعاء في أطول يوم من السنة.

و قيل:باستمرار ذلك فيهما ستة و عشرين يوما قبل انتهاء الطول،و مثلها بعد انتهائه.

و قد يعلم بميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق، ذكره في المبسوط بصيغة:(و روي) (5).

ص: 321


1- الفقيه 1:140 ح 651،و ليس فيه«قال»،و العبارة التي بعدها يمكن أن تكون من كلام الصدوق.
2- راجع:المقنعة:14،المبسوط 1:72،الخلاف 1:271 المسألة 13،الوسيلة:81.
3- المبسوط 1:72.
4- تقدمت في ص 320 ضمن الهامش 5.
5- المبسوط 1:73.

و ما روى سماعة عن الصادق عليه السلام:انه أخذ عودا فنصبه حيال الشمس ثم قال:«إنّ الشمس إذا طلعت كان الفيء طويلا،ثم لا يزال ينقص حتى تزول،فإذا زالت زاد،فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر» (1).و نحوه رواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام (2)،و قد ذكر الأصحاب الدائرة الهندية كالمفيد (3)و غيره.

و قد دل على الوقت الكتاب و السنّة،قال اللّه تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (4).و اللام للتأقيت،مثل:لثلاث خلون.و الدلوك:الزوال،عند الأكثر،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت،فصلّى بي الظهر» (5)،و هو من الدلك الذي هو الانتقال و عدم الاستقرار،و منه الدلك باليد،و قيل:لأن الناظر إليها عند الزوال يدلك عينه ليدفع شعاعها.

و روى ابن عباس:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«أمّني جبرئيل عليه السلام عند باب البيت مرتين،فصلّى بي الظهر حين زالت الشمس» (6).

و روى يزيد بن خليفة:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إن عمر بن حنظلة أنبأنا عنك بوقت،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إذا لا يكذب علينا».

قلت:ذكر انك قلت:«إن أول صلاة افترضها اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله3.

ص: 322


1- التهذيب 2:27 ح 75.
2- التهذيب 2:27 ح 76.
3- المقنعة:13.
4- سورة الإسراء:78.
5- جامع البيان 15:93.
6- المصنف لعبد الرزاق 1:531 ح 2028،مسند أحمد 1:333،سنن أبي داود 1:107 ح 393،الجامع الصحيح 1:279 ح 149،سنن الدار قطني 1:258،المستدرك على الصحيحين 1:193.

الظهر،و هو قول اللّه عز و جل أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فإذا زالت الشمس لم تمنعك إلاّ سبحتك».قال:«صدق» (1).

و عن عبيد بن زرارة عنه عليه السلام:«إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعا،إلاّ أنّ هذه قبل هذه،ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (2).

و عن الصباح بن سيابة عنه عليه السلام:«إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» (3)و مثله عن سفيان بن السمط (4)،[و]عن مالك الجهني (5)و كذا رواه منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السلام (6).

و رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،و زاد فيه:«فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (7).

و فهم بعض من هذه الأخبار اشتراك الوقتين،و بمضمونها عبّر ابنا بابويه (8)و نقله المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية عن الأصحاب،حيث قال:

يختص أصحابنا بأنهم يقولون:إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر معا، إلاّ أنّ الظهر قبل العصر.قال:و تحقيقه انّه إذا زالت دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات،فإذا خرج هذا المقدار اشتراك الوقتان.و معنى ذلك:أنه يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر و العصر بطوله،و الظهر مقدمة،9.

ص: 323


1- الكافي 3:275 ح 10،التهذيب 2:20 ح 56،الاستبصار 1:260 ح 932. و الآية في سورة الإسراء:78.
2- الفقيه 1:139 ح 647،التهذيب 2:26 ح 73،الاستبصار 1:246 ح 881.
3- التهذيب 2:243 ح 964،الاستبصار 1:245 ح 874.
4- التهذيب 2:244 ح 965،الاستبصار 1:246 ح 875.
5- التهذيب 2:244 ح 967،الاستبصار 1:246 ح 877.
6- التهذيب 2:244 ح 966،الاستبصار 1:246 ح 876.
7- الفقيه 1:140 ح 648،التهذيب 2:19 ح 54.
8- المقنع:27،الهداية:29.

ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر و خلص للعصر (1).

قال الفاضل:و على هذا يزول الخلاف (2).

و قال المحقق:يؤوّل بأن المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص،لتضمن الخبر:«إلاّ أن هذه قبل هذه»،و لأنه لما لم يتحصل للظهر وقت مقدّر-لأنها قد تصلّى بتسبيحتين،و قد يدخل عليه الوقت في آخرها ظانا فيصلي العصر بعدها-عبّر بما في الرواية،و هو من ألخص العبارات (3).

قلت:و لأنه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (4)،و ضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص،مع دلالة رواية داود بن فرقد المرسلة عن الصادق عليه السلام،حيث قال:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر» (5).

فرع:

لو أوقع العصر في المختص،لظن،أو نسيان،عدل.و لو ذكر بعد فراغه أعادهما.و ربما دل عليه خبر ابن مسكان عن الحلبي،قال:سألته عن رجل نسي الأولى حتى صلّى العصر،قال:«فليجعل صلاته التي صلّى الاولى،ثم ليستأنف العصر» (6).2.

ص: 324


1- الناصريات:229.
2- مختلف الشيعة:66.
3- المعتبر 2:35.
4- سورة الإسراء:78.
5- التهذيب 2:25 ح 70،الاستبصار 1:261 ح 936.
6- التهذيب 2:269 ح 1074،الاستبصار 1:287 ح 1052.

و نحمله على انه فيها،لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام:فذكر و هو يصلي أنه لم يكن صلّى الاولى:«فليجعلها الاولى» (1).

و في خبر الصيقل عنه عليه السلام:و قد صلّى ركعتين من العصر (2).

و كذا يحمل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«أو بعد فراغك من العصر فانوها الأولى،فإنما هي أربع مكان أربع» (3).

و يجيء على الاشتراك بغير تفسير المرتضى صحتها.

المسألة الثانية:يمتد وقت الفضيلة للظهر،أو الاختيار،

الى أن يصير الظل الحادث بعد الزوال مماثلا للشخص،في المشهور.و الخلاف في موضعين:

أحدهما: تقدير الامتداد بما قلناه،أما الزيادة عليه فمنفيّة،كما ذكره الشيخ-في الخلاف-من الإجماع على كونه وقتا،و لا دلالة على الزائد (4).

و أما اختصاصه بالمثل،فلقول الصادق عليه السلام لعمر بن سعيد:«قل له-يعني لزرارة-:إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر،و إذا كان ظلك مثليك فصل العصر» (5)و كان زرارة سأله عن وقت الظهر في القيظ.

و يقرب منه رواية أحمد بن عمر عن أبي الحسن عليه السلام:«وقت الظهر إذا زاغت الشمس الى أن يذهب الظل قامة،و وقت العصر قامة و نصف الى قامتين» (6)إذا اعتبرنا قامة الإنسان.

و لرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«أتى جبرئيل النبي صلّى اللّه عليه و آله بمواقيت الصلاة،فأتاه حين زالت الشمس

ص: 325


1- الكافي 3:294 ح 7،التهذيب 2:269 ح 1072.
2- التهذيب 2:270 ح 1075.
3- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
4- الخلاف 1:46 مسألة 4.
5- التهذيب 2:22 ح 62،الاستبصار 1:248 ح 891.
6- التهذيب 2:19 ح 52،الاستبصار 1:247 ح 883.

فأمره أن يصلّي الظهر،ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى العصر،ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب،ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء،ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح،ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى الظهر،ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر،ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب،ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء،ثم أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح،ثم قال:ما بينهما وقت» (1).

و قدّر بالأقدام الأربعة،و هي:الأسباع لرواية إبراهيم الكرخي عن الكاظم عليه السلام:يخرج وقت الظهر بعد ما يمضي من زوالها أربع أقدام،و إن وقت العصر يدخل بآخرها،و انه لو صلّى الظهر بعد الأربع تعمدا ليخالف السنة لم تقبل منه،و انه لو أخّر العصر الى أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل (2).و فيه دلالة للتوقيت بالعذر،و يحمل على الفضيلة تغليظا،لتحصيل المحافظة عليها.

و قدّر بسبعي الشخص،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام و سأله عن وقت الظهر،فقال:«ذراع من زوال الشمس،و وقت العصر ذراع من وقت الظهر،فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس» (3).

قلت:في هذا تقدير الذراع بالقدمين،اللّذين هما سبعا الشخص الماثل،و الظاهر انه بالنسبة إلى الإنسان إذ هو الأصل في الاقدام.و روي بعدة أسانيد صحيحة عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«وقت الظهر بعد الزوال قدمان،و وقت العصر بعد ذلك قدمان» (4).2.

ص: 326


1- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
2- التهذيب 2:26 ح 74،الاستبصار 1:258 ح 926.
3- الفقيه 1:140 ح 653،التهذيب 2:19 ح 55،الاستبصار 1:248 ح 888.
4- الكافي 3:227 ح 7،الفقيه 1:140 ح 649،التهذيب 2:24 ح 67،255 ح 1012، الاستبصار 1:248 ح 892.

و قدّر بالذراع،لما مر،و لرواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح:«آخر وقت الظهر قامة من الزوال» (1)مع رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان:«القامة هي الذراع» (2).

و لرواية معاوية بن ميسرة عنه عليه السلام قال:«أتى جبرئيل عليه السلام»و ذكر مثل الحديث السالف إلاّ أنه قال بدل القامة و القامتين:ذراع و ذراعان (3).

و لرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان فيء الجدار ذراعا صلّى الظهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر».قال الراوي:الجدران تختلف في الطول و القصر.قال:«إنّ جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ قامة» (4).

قلت:معظم هذه الأخبار و نحوها تدل دلالة أولية على توقيت النافلة، بمعنى:أن النافلة لا تصلّى عند خروج هذه المقادير،و إنما اختلفت المقادير بحسب حال المصلين في السرعة و البطء،و التخفيف و التطويل،لما رواه الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور بن حازم،قالوا:كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع،فقال لنا أبو عبد اللّه عليه السلام:«ألا أنبئكم بأبين من هذا».قلنا:بلى.قال:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر،إلاّ أن بين يديها سبحة و ذلك إليك،فإن أنت خفّفت فحين تفرغ من سبحتك،و إن أنت طوّلت فحين تفرغ من سبحتك» (5).8.

ص: 327


1- التهذيب 2:251 ح 994،الاستبصار 1:256 ح 917.
2- التهذيب 2:23 ح 65،الاستبصار 1:251 ح 901.
3- التهذيب 2:253 ح 1002،الاستبصار 1:257 ح 923.
4- التهذيب 2:250 ح 993،الاستبصار 1:255 ح 916.
5- الكافي 3:276 ح 4،التهذيب 2:22 ح 63،الاستبصار 1:250 ح 898.

و لما رواه محمد بن أحمد بن يحيى،قال:كتب بعض أصحابنا الى أبي الحسن عليه السلام:روي عن آبائك القدم و القدمان و الأربع،و القامة و القامتان،و ظل مثلك،و الذراع و الذراعان،فكتب عليه السلام:«لا القدم و لا القدمين،إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة،و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات،فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت،ثم صل الظهر.فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة،و هي ثمان ركعات،إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثم صل العصر» (1).

قال الشيخ:إنما نفى القدم و القدمين لئلا يظن أن ذلك لا يجوز غيره (2).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟»قلت:لم؟قال:«لمكان الفريضة،فإن لك أن تتنفل من زوال الشمس الى أن يمضي الفيء ذراعا،فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة» (3).

و على هذا من يصلي النافلة يستحب له تأخير الفريضة إلى فراغها، و بعض الأخبار كالصريح في ذلك.

و قد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك،إلاّ في السفر أو يوم الجمعة،فإن وقتها إذا زالت» (4).

و مثله روى عنه إسماعيل بن عبد الخالق (5)فيحمل أيضا على مصلّي النافلة.

و روى بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:إني صليت الظهر في يوم5.

ص: 328


1- التهذيب 2:249 ح 990،الاستبصار 1:454 ح 913.
2- الهامش السابق.
3- الكافي 3:288 ح 1،التهذيب 2:245 ح 974،الاستبصار 1:249 ح 893.
4- التهذيب 2:244 ح 970،الاستبصار 1:247 ح 884.
5- التهذيب 2:21 ح 59،الاستبصار 1:247 ح 885.

غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار،فقال:«لا تعد،و لا تعد» (1).

و حمله الشيخ على النهي عن ملزوم هذا و هو ترك النافلة،لأن معاوية بن ميسرة سأل الصادق عليه السلام:أ يصلي الظهر إذا زالت الشمس في طول النهار؟ قال:«نعم،و ما أحب أن يفعل ذلك كل يوم» (2).

و في خبر عمر بن سعيد السابق:الأمر بصلاة الظهر إذا صار الظل مثله (3)،إشارة إلى استحباب تأخيرها لمصلي النافلة أيضا،و قد يستفاد من دلالتها الالتزامية توقيت الفريضة،و من بعضها يستفاد ذلك بالمطابقة.

ثم لما عارضها أخبار أخر تدل على امتداد الوقت جمع بينهما،إما بالحمل على الاختيار و العذر،أو على الأفضلية و عدمها،مع اعتضاد كل واحد من الحملين بما يصرح به.

و قد روى زرارة:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أبين الظهر و العصر حد معروف؟فقال:«لا» (4)،و هذا يؤيد أن التوقيت للنافلة.

الموضع الثاني: ذهب الشيخ في التهذيب الى اعتبار المماثلة بين الفيء الحادث بعد الزوال و الظل السابق عليه،تعويلا على مرسلة يونس عن الصادق عليه السلام (5)و هي ضعيفة السند و الدلالة،و معارضة برواية عمر بن سعيد فإنها صريحة في اعتبار المماثلة بين الشخص و الظل،و كذا رواية يزيد بن خليفة (6)و قد ذكرتا،و لأنه لو اعتبر الظل لزم اختلاف الوقت بالطول و القصر بحسب الأزمنة و الأمكنة بخلاف الشخص.1.

ص: 329


1- التهذيب 2:246 ح 979،الاستبصار 1:252 ح 903.
2- التهذيب 2:247 ح 980،الاستبصار 1:252 ح 904.
3- تقدم في ص 325 الهامش 5.
4- التهذيب 2:255 ح 1013.
5- التهذيب 2:24،و مرسلة يونس فيه برقم 67،و في الكافي 3:277 ح 7.
6- تقدمتا في ص 325 الهامش 5،و ص 323 الهامش 1.
المسألة الثالثة:يمتد إجزاء الظهر الى أن يبقى للغروب قدر أدائها مع العصر

لضرورة الترتيب،

و الغسق يدل عليه لأنه الظلمة،و لخبري عبيد و داود السابقين (1)و لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام:«أحب الوقت الى اللّه أوله حين يدخل وقت الصلاة،فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (2).

و قد مر قول الشيخ في التهذيب بخروج وقت الظهر بمضي أربعة أقدام.

المسألة الرابعة:أول وقت العصر عند مضي قدر أداء الظهر،

و يمتد الفضيلة إلى المثلين،و الإجزاء الى أربع ركعات للغروب،و قد تقرر ذلك.

و روى معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام:«وقت العصر الى غروب الشمس» (3).

و في الخلاف:لا خلاف ان صاحب الضرورة إذا أدرك قبل غروب الشمس ركعة تجب عليه العصر (4).و عند المفيد ذلك للمضطر و الناسي،و أما غيرهما فإلى اصفرار الشمس (5)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«وقت العصر ما لم تصفر الشمس» (6)-و هو من صحاح العامة-و لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تضييع صلاة العصر:«أن يدعها حتى تصفر و تغيب» (7).

ص: 330


1- تقدما في ص 323 الهامش 2،و ص 324 الهامش 5.
2- التهذيب 2:24 ح 69،الاستبصار 1:260 ح 935.
3- التهذيب 2:25 ح 71،الاستبصار 1:261 ح 937.
4- الخلاف 1:49 مسألة 13.
5- المقنعة:14.
6- صحيح مسلم 1:427 ح 612،سنن أبي داود 1:109 ح 396،سنن النسائي 1:260.
7- التهذيب 2:256 ح 1018،الاستبصار 1:259 ح 930.

و روى سليمان بن خالد عنه عليه السلام:«من تركها حتى يصير على ستة أقدام فذلك المضيّع» (1).و روى سليمان بن جعفر:قال الفقيه:«آخر وقت العصر ستة أقدام و نصف» (2).

و كل ذلك ليس بصريح في خروج الوقت و لا في النهي،فلو سلم حمل على الكراهية.

المسألة الخامسة:لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر و العصر،

حضرا و سفرا،للمختار و غيره.و رواه العامة عن:علي عليه السلام (3)و ابن عباس (4)و ابن عمر (5)و أبو موسى (6)و جابر (7)و سعد بن أبي وقاص (8)و عائشة (9).

و روى ابن عباس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين و العشاءين من غير خوف و لا سفر (10)و في لفظ آخر:من غير خوف و لا مطر (11)

ص: 331


1- التهذيب 2:256 ح 1016،الاستبصار 1:259 ح 928.
2- التهذيب 2:256 ح 1014،الاستبصار 1:259 ح 927.
3- المصنف لابن أبي شيبة 1:458،سنن الدار قطني 1:391.
4- المصنف لعبد الرزاق 2:555 ح 4436،المصنف لابن أبي شيبة 2:456،صحيح مسلم 1:491 ح 706،سنن أبي داود 2:6 ح 1214،سنن النسائي 1:286،السنن الكبرى 3: 166. و راجع الهامش 10،11.
5- الموطأ 1:144،صحيح مسلم 1:488 ح 703،سنن النسائي 1:289،سنن الدار قطني 1:392،السنن الكبرى 3:159.
6- المغني 2:113.
7- سنن أبي داود 2:7 ح 1215،سنن النسائي 1:287،السنن الكبرى 3:164.
8- المغني 2:113.
9- المصنف لابن أبي شيبة 1:457.
10- الموطأ 1:144،المصنف لعبد الرزاق 2:555 ح 4435،مسند أحمد 1:283،صحيح مسلم 1:489 ح 705،سنن أبي داود 2:6 ح 1210،سنن النسائي 1:290.
11- صحيح مسلم 1:493 ح 706،سنن أبي داود 2:6 ح 1211،الجامع الصحيح 1:354 ح 187،سنن النسائي 1:290،مسند أبي عوانة 2:353،السنن الكبرى 3:168.

و كلاهما في الصحاح.

و فيها عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي،قال:قال رجل لابن عباس:

الصلاة.فسكت،ثلاثا.ثم قال في الثالثة:لا أم لك!أ تعلمنا بالصلاة،كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

و روينا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين حين زالت الشمس في جماعة من غير علة».قال:

«و انما فعل ذلك ليتوسع الوقت على أمته» (2).

نعم،الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر، اما المقدر بالنافلتين و الظهر،و اما المقدر بما سلف من المثل و الاقدام و غيرهما،لانه معلوم من حال النبي صلّى اللّه عليه و آله،حتى ان رواية الجمع بين الصلاتين تشهد بذلك.

و قد صرح به المفيد-رحمه اللّه-في باب عمل الجمعة،قال:و الفرق بين الصلاتين في سائر الأيام،مع الاختيار و عدم العوارض،أفضل قد ثبتت السنة به،الا في يوم الجمعة فإن الجمع فيهما أفضل،و كذا في ظهري عرفة و عشائي المزدلفة (3).

و ابن الجنيد حيث قال:لا يختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاها مع الزوال،الا مسافرا أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها،بل الاستحباب للحاضر أن يقدم بعد الزوال و قبل فريضة الظهر شيئا من التطوع الى ان تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها،ثم يأتي بالظهر و يعقبها بالتطوع من التسبيح أو الصلاة حتى يصير الفيء أربعة اقدام أو ذراعين ثم7.

ص: 332


1- المصنف لابن أبي شيبة 2:456،صحيح مسلم 1:492 ح 706،السنن الكبرى 3: 168.
2- الكافي 3:286 ح 1،التهذيب 2:263 ح 1046،الاستبصار 1:247 ح 882.
3- المقنعة:27.

يصلي العصر،و لمن أراد الجمع بينهما من غير صلاة ان يفصل بينهما بمائة تسبيحة (1).

و الأصحاب في المعنى قائلون باستحباب التأخير،و انما لم يصرح بعضهم به اعتمادا على صلاة النافلة بين الفريضتين.و قد رووا ذلك في أحاديثهم كثيرا،مثل:

حديث إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة،رواه معاوية بن وهب (2)و معاوية ابن ميسرة (3)و أبو خديجة (4)و المفضل بن عمر (5)و ذريح (6)عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الظهر على ذراع،و العصر على نحو ذلك» (7)يعني:على ذراع آخر،لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«كان حائط مسجد رسول اللّه قامة،فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر،فإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر» (8)و مثله رواية إسماعيل الجعفي عنه عليه السلام (9).

و عن عبد اللّه بن سنان:شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فحين كان قريبا من الشفق نادوا و أقاموا الصلاة فصلوا المغرب،ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين،ثم قام المنادي في مكانه في6.

ص: 333


1- لاحظ:مختلف الشيعة:71.
2- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
3- التهذيب 2:253 ح 1002،الاستبصار 1:257 ح 923.
4- راجع:التهذيب 2:253 ح 1002.
5- التهذيب 2:253 ح 1003،الاستبصار 1:257 ح 924.
6- التهذيب 2:253 ح 1004،الاستبصار 1:258 ح 925.
7- التهذيب 2:248 ح 987،الاستبصار 1:253 ح 910.
8- التهذيب 2:250 ح 992،الاستبصار 1:255 ح 915.
9- التهذيب 2:21 ح 58،الاستبصار 1:255 ح 916.

المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء،فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:«نعم،قد عمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).

و عن صفوان الجمال،قال:صلى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين،و قال:«اني على حاجة فتنفلوا» (2).و في هذا الخبر فوائد:

منها:جواز الجمع.

و منها:انه لحاجة.

و منها:سقوط الأذان و النافلة مع الجمع،كما روى محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام:«إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما» (3).

و منها:أفضلية القدوة على التأخير.

و روى عبد اللّه بن سنان في كتابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان في السفر يجمع بين المغرب و العشاء، و الظهر و العصر،انما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا».قال عليه السلام:

«و تفريقهما أفضل».و هذا نص في الباب.

و لم أقف على ما ينافي استحباب التفريق من رواية الأصحاب،سوى ما رواه عباس الناقد،قال:تفرّق ما كان في يدي و تفرّق عني حرفائي،فشكوت ذلك الى أبي عبد اللّه عليه السلام،فقال:«اجمع بين الصلاتين الظهر و العصر ترى ما تحب» (4).و في الكافي:فشكوت ذلك الى أبي محمد عليه السلام (5)، و الذي هنا بخط الشيخ و قد نسبه الى الكافي.و هو إن صح أمكن تأويله بجمع6.

ص: 334


1- الكافي 3:286 ح 2.
2- الكافي 3:287 ح 5،التهذيب 2:263 ح 1048.
3- الكافي 3:287 ح 3،التهذيب 2:263 ح 1050.
4- التهذيب 2:263 ح 1049.
5- الكافي 3:287 ح 6.

لا يقتضي طول التفريق،لامتناع ان يكون ترك النافلة بينهما مستحبا،أو يحمل على ظهري يوم الجمعة.

و اما باقي الأخبار فمقصورة على جواز الجمع،و هو لا ينافي استحباب التفريق.

قال الشيخ:كل خبر دل على أفضلية أول الوقت محمول على الوقت الذي يلي وقت النافلة (1).

و بالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا،علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص و المصنفات بذلك.

و أورد على المحقق نجم الدين تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري-و كان أيضا تلميذ السيد ابن طاوس-ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ان كان يجمع بين الصلاتين،فلا حاجة الى الأذان للثانية إذ هو الاعلام،و للخبر المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان،و ان كان يفرق فلم ندبتم الى الجمع و جعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقق:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يجمع تارة و يفرق اخرى.ثم ذكر الروايات كما ذكرنا،و قال:انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل و الفرضين فيه،لأنّه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين.ثم ذكر خبر عمرو بن حريث عن الصادق عليه السلام،و سأله عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي ثماني ركعات الزوال،ثم يصلي أربعا الاولى و ثماني بعدها،و أربعا العصر،و ثلاثا المغرب و أربعا بعدها،و العشاء أربعا،و ثماني الليل،و ثلاثا الوتر،و ركعتي الفجر،و الغداة ركعتين» (2).4.

ص: 335


1- التهذيب 2:248،الإستبصار 1:253.
2- الكافي 3:443 ح 5،التهذيب 2:4 ح 4،الاستبصار 1:218 ح 774.

تنبيهات:

الأول: معظم العامة على عدم جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر، محتجين بان المواقيت ثبتت تواترا من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و فعله (1).

و جوابهم:أنتم قائلون بجواز الجمع في السفر و العذر،فلو كان الوقت غير مضروب للفريضة الثانية لاستحال فعلها فيه،كما استحال جمع الصبح و الظهر و العصر و المغرب في وقت أحدهما.

و يعارضون بما رووه عن ابن عباس:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر،و المغرب و العشاء،من غير خوف و لا سفر (2)و في لفظ آخر:

من غير خوف و لا مطر (3).

و روى البخاري عن أبي امامة،قال:صلينا مع عمر بن عبد العزيز،ثم دخلنا على أنس و هو يصلي العصر!فقلنا:ما هذه الصلاة؟فقال:العصر، و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التي كنا نصلي معه (4)و التعجب يدل على انّه قدمها على الوقت.

و روى مالك:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في السفر (5).و هو دليل الجواز،و لا يحمل على انّه صلّى الاولى آخر وقتها و الثانية أوله،لأنّ ذلك لا يسمى جمعا-و ابن المنذر من أئمة العامة لما صحّ عنده5.

ص: 336


1- لاحظ:المغني 2:113،الشرح الكبير 2:110،بداية المجتهد 1:171.
2- تقدم في ص 331 الهامش 10.
3- تقدم في ص 331 الهامش 11.
4- صحيح البخاري 1:144،صحيح مسلم 1:434 ح 623،سنن النسائي 1:253.
5- الموطأ 1:143،صحيح مسلم 4:1784 ح 706،سنن أبي داود 2:4 ح 1206،سنن ابن ماجة 1:340 ح 1070،سنن النسائي 1:285.

أحاديث الجمع ذهب الى جوازه كما قاله الإمامية (1)-و هو قول ابن إدريس (2).

الثاني: روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،لما ذكر عليه السلام أفضلية الوقت،فقلت:و كيف أصنع بالثماني؟قال:«خفف ما استطعت» (3)و هذا يعطي استحباب تخفيف الثماني قبل الظهر،و لا يدل على سواها.

الثالث: روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:أفضل الأعمال الصلاة لأوّل وقتها (4).

و روى قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«انّ فضل أول الوقت على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا» (5).

و عن محمد بن مسلم عنه عليه السلام:«إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الاعمال،فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي،و لا يكتب في الصحيفة أحد أول مني» (6).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام،و قد سأله عن أفضلية الأول أو الوسط أو الأخير،فقال:«أوله،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه يحب من الخير ما يعجّل» (7).

ثم قال الباقر عليه السلام:«ان أول الوقت أبدا أفضل،فتعجّل الخير7.

ص: 337


1- المغني 2:113،الشرح الكبير 2:116.
2- السرائر:40.
3- التهذيب 2:257 ح 1019.
4- الجامع الصحيح 1:319 ح 170،سنن الدار قطني 1:246،المستدرك على الصحيحين 1:189،السنن الكبرى 1:434.
5- الكافي 3:274 ح 6،ثواب الاعمال:58،التهذيب 2:40 ح 129.
6- التهذيب 2:41 ح 131.
7- الكافي 3:274 ح 5،التهذيب 2:40 ح 127.

ما استطعت» (1).

و عن سعد بن أبي خلف عن الكاظم عليه السلام،قال الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها،أطيب ريحا من قضيب الآس يؤخذ من شجره في طيبه و ريحه و طراوته،فعليكم بالوقت الأول» (2).

إذا ظهر ذلك،فبم تحصل فضيلة الأوليّة؟الظاهر انه بالاشتغال بمقدمات الصلاة كما يدخل الوقت،فإنه لا يعد حينئذ متوانيا و لا متأخرا.و في الاخبار ما يدل على ان الفضيلة بتقديم ما يمكن تقديمه من الشروط،لينطبق الفعل على أول الوقت،مثل ما روي:«ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة لها حتى يدخل وقتها» (3).

و تظهر الفائدة أيضا في ناذر الصلاة لوقتها الأول.

و الظاهر ان وقت الفضيلة متفاوت فيها فكلما قرب من الأول فاز بالفضل، و ربما احتمل مساواته و صب الاخبار عليه،أو نقول النصف الأول منه متساو لان معظم الوقت باق.و لو شغل بشغل خفيف قبل المقدمات أو بعدها-كأكل لقمة أو كلام قصير،أو مشى على عادته-لم تفته الفضيلة،لعدم تأثير مثله في التواني.

و قد يكون التأخير أفضل في أماكن تأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة السادسة:للمغرب وقتان كباقي الصلوات،

لعموم الاخبار،كخبر معاوية و ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لكل صلاة وقتان» (4).

و خبر داود الصرمي-بكسر الصاد و إسكان الراء المهملتين-:كنت عند

ص: 338


1- الكافي 3:274 ح 8،التهذيب 2:41 ح 130.
2- التهذيب 2:40 ح 128،ثواب الأعمال:58.
3- تنتهي طرق الرواية إلى الشهيد في كتابه هذا،انظر الحدائق 2:140،جواهر الكلام 1:17، وسائل الشيعة 1:374 ح 5 باب 4 من أبواب الوضوء فلعل المصنف انفرد بها.
4- الكافي 3:274 ح 3،4،التهذيب 2:40 ح 124،125،الاستبصار 1:244 ح 870،871.

أبي الحسن الثالث عليه السلام فغربت الشمس،فجلس يتحدث حتى غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب،ثم توضأ و صلى (1).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تأخير المغرب ساعة:«لا بأس،إذا كان صائما أفطر،و ان كانت له حاجة قضاها» (2).في أخبار كثيرة تدل على جواز تأخيرها.

و في مكاتبة إسماعيل بن مهران الى الرضا عليه السلام:ان أصحابنا يجعلون آخر وقت المغرب ربع الليل،فكتب:«كذلك الوقت،غير ان وقت المغرب ضيق،و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها الى البياض في أفق المغرب» (3).و روى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت المغرب،قال:«ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق» (4).و سيأتي الدليل على امتداد وقتها الى نصف الليل،و لا نعني بالوقتين الا هذا.

قال الشيخ:هذه الأخبار دالة على المعذور،لأنّ الأمر عندنا للفور،فلا يجوز تأخير المغرب عن غيبوبة الشمس الا عن عذر (5).

قلت:سبيل هذه كسبيل ما ذكر في أوقات الباقي من الحمل على العذر، و حمله آخرون على الفضيلة.

نعم،قد روى الشيخ بطريقين عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان جبرئيل أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فجعل لكل صلاة وقتين،الا المغرب فجعل لها وقتا واحدا» (6).3.

ص: 339


1- التهذيب 2:30 ح 90،الاستبصار 1:264 ح 955.
2- التهذيب 2:30 ح 93،الاستبصار 1:266 ح 963.
3- الكافي 3:281 ح 16،التهذيب 2:260 ح 1037،الاستبصار 1:270 ح 976.
4- التهذيب 2:258 ح 1029،الاستبصار 1:263 ح 950.
5- التهذيب 2:32.
6- الكافي 3:280 ح 8،التهذيب 2:260 ح 1035،1036،الاستبصار 1:245 ح 872، 873.

و يعارض بخبر ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله في الوقت الثاني من المغرب قبل سقوط الشفق» (1).و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت المغرب من حيث تغيب الشمس الى ان تشتبك النجوم» (2).فتحمل أخبار التضيق على الأفضلية جمعا.

المسألة السابعة:أول وقت المغرب غروب الشمس بالإجماع،

و يمتد الفضيلة إلى غيبوبة الشفق المغربي،و الاجزاء الى ان يبقى لانتصاف الليل قدر أدائها مع العشاء،لخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:و اثنتان أول وقتهما غروب الشمس الى انتصاف الليل،الا انّ هذه قبل هذه (3).

و يختص المغرب من أول الوقت بقدر أدائها،ثم يشترك مع العشاء الى انتصاف الليل فيختص العشاء بأربع،كما قلناه في الظهرين،لخبر داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4).

و الشيخان و القاضي و أبو الصلاح:وقت المختار إلى غيبوبة المغربية، و المضطر الى ربع الليل (5)،لتقدير التأخير إلى المشعر به،و لخبر عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام:«فإنك في وقت الى ربع الليل» (6)و عنه بلفظ آخر:

«فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل» (7)،و يحمل على الفضيلة.

المسألة الثامنة:يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية في الأشهر،

قال في

ص: 340


1- التهذيب 2:257 ح 1022،الاستبصار 1:263 ح 949.
2- التهذيب 2:257 ح 1023،الاستبصار 1:263 ح 948.
3- التهذيب 2:27 ح 78،الاستبصار 1:262 ح 941.
4- التهذيب 2:28 ح 82،الاستبصار 1:263 ح 945.
5- المقنعة:93 و 95،المبسوط 1:75،النهاية:59،المهذب 1:69،الكافي في الفقه: 137.
6- التهذيب 2:30 ح 91.
7- التهذيب 2:31 ح 94،الاستبصار 1:267 ح 964.

المعتبر:عليه عمل الأصحاب (1)لما رواه بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام:«إذا غابت الحمرة من هذا الجانب-يعني:المشرق-فقد غابت الشمس من شرق الأرض و من غربها» (2).

و عن محمد بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت المغرب:

«إذا تغيرت الحمرة في الأفق و ذهبت الصفرة» (3).

و يقرب منه ما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال:«إذا أقبل الظلام من هاهنا-و أشار الى المشرق-و أدبر النهار من هاهنا-و أشار الى المغرب-فقد أفطر الصائم» (4).

و للشيخ قول بسقوط القرص،لخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها» (5).

و عن أبي أسامة أو غيره:صعدت جبل أبي قبيس و الناس يصلون المغرب،فرأيت الشمس لم تغب و انما توارت خلف الجبل،فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بذلك،فقال:«بئس ما صنعت،انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل،غابت أو عادت،فإنما عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا» (6).و جزم في الفقيه انّ الراوي أبو أسامة زيد الشحام (7).

و عن سماعة عنه عليه السلام:«ليس عليك صعود الجبل»،و قد قال له:1.

ص: 341


1- المعتبر 2:51.
2- الكافي 3:278 ح 2،التهذيب 2:29 ح 84،الاستبصار 1:265 ح 956.
3- التهذيب 2:257 ح 1024.
4- المصنف لعبد الرزاق 4:227 ح 7595،مسند أحمد 1:28،صحيح البخاري 3:46، صحيح مسلم 2:772 ح 1100،سنن أبي داود 2:304 ح 2351،الجامع الصحيح 3:81 ح 698.
5- الكافي 3:279 ح 7،التهذيب 2:28 ح 81،الاستبصار 1:263 ح 944.
6- التهذيب 2:264 ح 1053،الاستبصار 1:266 ح 961.
7- الفقيه 1:142 ح 661.

ربما صلينا و نحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل (1).

و الجواب:كل خبر فيه غيبوبة القرص محمول على ذهاب الحمرة، حملا للمطلق على المقيد،و النهي عن البحث في ذلك جاز ان يكون بعد ذهاب الحمرة و توهم الراوي بقاء الشمس.و قد روى الكليني عن ابن أبي عمير مرسلا عن الصادق عليه السلام،قال:«وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن يقوم بحذاء القبلة و يتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق،فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (2).و هذا صريح في انّ زوال الحمرة علامة سقوط القرص،و مراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد.

و اما اعتبار رؤية النجوم-كما روى بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام و سئل عن وقت المغرب،فتلا فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ، و قال:«هذا أول الوقت» (3).و روى إسماعيل بن همام:رأيت الرضا عليه السلام صلّى بنا على باب ابن أبي محمود حين ظهرت النجوم (4)-فهي نادرة، و محمولة على وقت الاشتباه،أو لضرورة،أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك،كما قاله الشيخ (5).

و معارضة بخبر أبي أسامة الشحام:قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام.أؤخّر المغرب حتى تستبين النجوم؟فقال:«خطابية!ان جبرئيل نزل8.

ص: 342


1- الفقيه 1:141 ح 656،أمالي الصدوق:74،التهذيب 2:29 ح 87،الاستبصار 1:266 ح 962.
2- الكافي 3:279 ح 4،التهذيب 4:185 ح 516.
3- الفقيه 1:141 ح 657،التهذيب 2:30 ح 88،الاستبصار 1:264 ح 953. و الآية في سورة الانعام:76.
4- التهذيب 2:30 ح 89،الاستبصار 1:264 ح 954.
5- التهذيب 2:261،الاستبصار 1:268.

بها على محمد صلّى اللّه عليه و آله حين سقط القرص» (1).

و في مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:

«ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» (2).

و عن الرضا عليه السلام:«انّ أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة،و كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق،و انما ذلك للمسافر و الخائف و صاحب الحاجة» (3).

و عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنما أمرت أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت الحمرة،فجعل هو الحمرة من قبل المغرب» (4).

و عن القاسم بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:ذكر عنده أبو الخطاب فلعنه،ثم قال:«انه لم يكن يحفظ شيئا!حدثته ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غابت له الشمس في مكان كذا و صلى المغرب بالشجرة بينهما ستة أميال،فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر» (5).

المسألة التاسعة:أول وقت العشاء الآخرة عند الفراغ من المغرب-
اشارة

في الأقوى- لما سلف،لأخبار كثيرة كخبر زرارة عن الصادق عليه السلام:«قال:صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة،و انما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته» (6).

و روى زرارة أيضا عن الباقرين عليهما السلام في الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق:«لا بأس بذلك» (7)و مثله روى الحلبيان عن الصادق

ص: 343


1- علل الشرائع:350،التهذيب 2:28 ح 80،الاستبصار 1:262 ح 943.
2- الفقيه 1:142 ح 660،علل الشرائع:350،التهذيب 2:33 ح 100.
3- التهذيب 2:33 ح 99،الاستبصار 1:268 ح 968.
4- التهذيب 2:259 ح 1033،الاستبصار 1:265 ح 960.
5- التهذيب 2:258 ح 1028.
6- الكافي 3:286 ح 1،التهذيب 2:263 ح 1046،الاستبصار 1:271 ح 981.
7- التهذيب 2:34 ح 104.

عليه السلام (1).

و ذهب الشيخان الى ان وقتها غيبوبة المغربية (2)لما رواه يزيد بن خليفة عن الصادق عليه السلام:«أول وقت العشاء حين يغيب الشفق الى ثلث الليل» (3).و عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء» (4).

و يحمل على الفضيلة جمعا مع انّ أخبارنا أصح طريقا،و لأنّهما جوّزا ذلك عند الضرورة،و لو لا كونه وقتا لاستحال فعلها فيه،كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.و الشيخ حمل أخبار الجواز على الضرورة،أو على مدّها حتى يذهب الشفق (5).

و يمتد وقت الفضيلة إلى ثلث الليل،و الاجزاء الى نصفه،لخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لو لا اني أخاف أن أشقّ على أمتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل،و أنت في رخصة الى نصف الليل،و هو غسق الليل» (6).

و لخبر نزول جبرئيل بالصلاة من طريقي الخاصة و العامة:انه صلّى العشاء في المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل (7).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«العتمة إلى ثلث7.

ص: 344


1- التهذيب 2:34 ح 105،الاستبصار 1:271 ح 979.
2- المقنعة:14،المبسوط 1:75،النهاية:59.
3- الكافي 3:279 ح 6،التهذيب 2:31 ح 95،الاستبصار 1:267 ح 965.
4- التهذيب 2:262 ح 1045،الاستبصار 1:269 ح 973.
5- التهذيب 2:34،الاستبصار 1:272.
6- التهذيب 2:261 ح 1041،الاستبصار 1:272 ح 986.
7- التهذيب 2:252 ح 1001،1004،الاستبصار 1:257 ح 922،925. و راجع ص 322 الهامش 7.

الليل،أو الى نصف الليل،و ذلك التضييع» (1).

و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و آخر وقت العشاء ثلث الليل» (2).

و عن المعلى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«آخر وقت العتمة نصف الليل» (3).

و في هذه الاخبار دلالتان مع المدعى.

أحدهما:جواز تسمية العشاء الآخرة بالعتمة،

و قد كرهه الشيخ (4)لما روى انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء،و انهم يعتمون بالإبل،و يسمون الحلبة العتمة» (5).

قلنا:ان صحّ فلا دلالة فيه،غايته ان تسميتها بالعشاء أولى.

قال الشيخ:و كذلك تسمية الصبح بالفجر،بل كما قال اللّه تعالى:

وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (6) .

و يعارض بخبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء» (7).

و زعم بعض العامة كراهة تسميتها الغداة،أما الفجر و الصبح فلا (8)لنطق

ص: 345


1- التهذيب 2:262 ح 1043،الاستبصار 1:273 ح 988.
2- راجع الهامش 4،من الصفحة السابقة.
3- التهذيب 2:262 ح 1042،الاستبصار 1:273 ح 987.
4- المبسوط 1:75.
5- المصنف لعبد الرزاق 1:566 ح 2153،مسند أحمد 2:10،صحيح مسلم 1:445 ح 644،سنن ابن ماجة 1:230 ح 704،سنن النسائي 1:270،مسند أبي يعلى 9:471 ح 5623.
6- المبسوط 1:75. و الآية في سورة الروم:17.
7- التهذيب 2:39 ح 123،الاستبصار 1:276 ح 1003.
8- كالشافعي،راجع:الام 1:76،المجموع 3:46.

القرآن بالفجر،و كذا النبي صلّى اللّه عليه و آله في حديث جبرئيل عليه السلام (1)،و بالصبح في قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» (2).و يكرهون تسمية المغرب بالعشاء، لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم انها المغرب،و المغرب يسمونها العشاء» (3).و كل ذلك لم يثبت.

الثانية:استحباب تأخير العشاء عن ذهاب الشفق.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة العشاء الآخرة ما شاء اللّه،فجاء عمر فدق الباب فقال:يا رسول اللّه نام النساء نام الصبيان!فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«ليس لكم ان تؤذوني و لا تأمروني،إنما عليكم ان تسمعوا و تطيعوا» (4).

و روى العامة عن أبي سعيد قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«لو لا ضعف الضعيف و سقم السقيم،لأمرت بهذه الصلاة ان تؤخّر إلى شطر الليل» (5).

و ظاهر الأصحاب عدم هذا الاستحباب،لمعارضة أخبار أفضلية أول الوقت،و صرح به في المبسوط (6).

و قال المرتضى،لما قال الناصر:أفضل الأوقات أولها في الصلوات كلها:هذا صحيح،و هو مذهب أصحابنا.

ص: 346


1- راجع ص 322 الهامش 7.
2- سيأتي الحديث بتمامه في ص 57 الهامش 1.
3- صحيح البخاري 1:147،السنن الكبرى 1:372.
4- التهذيب 2:28 ح 81.
5- سنن ابن ماجة 1:226 ح 693،سنن أبي داود 1:114 ح 422،سنن النسائي 1:268، السنن الكبرى 1:375.
6- المبسوط 1:77.

و الدليل على صحته بعد الإجماع ما رواه ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سأله عن أفضل الأعمال،فقال:«الصلاة في أول وقتها»،و مثله رواية أم فروة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)،و لأنّ في تقديمها احتياطا للفرض و في التأخير تغريرا به لجواز المانع.

و حينئذ نقول ما اختاره النبي صلّى اللّه عليه و آله لأمته هو الأفضل، لاعتضاده بقوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (2)و تأخير النبي صلّى اللّه عليه و آله جاز ان يكون لعذر،أو لبيان الجواز.

المسألة العاشرة:يخرج وقت العشاء بنصف الليل،

لما مر.

و في الخلاف بثلثه (3).

و في المعتبر:يمتد الى طلوع الفجر (4)و نقله في المبسوط عن بعض الأصحاب (5)و يظهر من الصدوق في الفقيه (6)لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«انما التفريط أن تؤخّر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى» (7)و لا تفوت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى،و لما رويناه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تفوت صلاة الليل حتى يطلع الفجر» (8).

ص: 347


1- الناصريات:230 المسألة 75. و رواية ابن مسعود في:الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:19 ح 1477،سنن الدار قطني 1:246،المستدرك على الصحيحين 1:189،السنن الكبرى 1:434. و رواية أم فروة تقدمت في ص 337 الهامش 4.
2- سورة البقرة:185.
3- الخلاف 1:264 المسألة 8.
4- المعتبر 2:43.
5- المبسوط 1:75.
6- انظر الفقيه 1:232 ح 1030.
7- صحيح مسلم 1:473 ح 681،سنن أبي داود 1:121 ح 441،سنن النسائي 1:94، السنن الكبرى 1:376.
8- الفقيه 1:232 ح 1030،التهذيب 2:256 ح 1015،الاستبصار 1:273 ح 989، الامام الصادق عليه السلام.

و روى أبو بصير و ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إن نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء،ثم استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما، فليصلهما.و ان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة» (1).

و روى ابن سنان عنه عليه السلام:«إذا طهرت المرأة من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء» (2).

و قال الشيخ في موضع من الخلاف:لا خلاف بين أهل العلم في انّ أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه تلزمه العشاء الآخرة (3).

و جوابه المعارضة بالأخبار السالفة،و الشهرة المرجحة،و يؤيدها مرفوع ابن مسكان الى أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«من نام قبل أن يصلي العتمة،فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل،فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» (4)و كذا رواية النوم عن العشاء الى نصف الليل المتضمنة للقضاء و صوم الغد (5).

و يحمل الخبر الأول على دخول وقت صلاة الليل.و الثاني على فواتها، و في الاستبصار حمله على ذي العذر رخصة إذا دام عذره الى الفجر (6).و خبر الحائض يحمل على الندب.و اما الخبر الآخر (7)فسنده مستقيم و دلالته واضحة،الا انّه مطرح بين الأصحاب،و حمل الشيخ آت فيه،و فيه التزام ببقاء وقتها للمعذور،و حمل القبلية على انتصاف الليل بعيد،لانّه قال فيه:«و ان2.

ص: 348


1- التهذيب 2:270 ح 1076،1077،الاستبصار 1:288 ح 1053،1054.
2- التهذيب 1:390 ح 1204،الاستبصار 1:143 ح 490.
3- الخلاف 1:271 المسألة 13.
4- التهذيب 2:276 ح 1097.
5- الفقيه 1:142 ح 658.
6- الاستبصار 1:273.
7- راجع الهامش 2.

استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح،ثم المغرب،ثم العشاء قبل طلوع الشمس».و اعلم انّ في هذا الخبر دلالة على مذهب التوسعة في القضاء.

المسألة الحادية عشر:وقت الصبح طلوع الفجر الثاني،

إجماعا.و يسمى:

الصادق،لانه صدقك عن الصبح.و يسمى الأول:الكاذب و ذنب السّرحان، لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان،و لأنّ الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما انّ الشعر في أعلى ذنبه أكثر من أسفله.

و سمي الصبح من قولهم:رجل أصبح،إذا جمع بياضا و حمرة.

و الصادق هو المستطير،أي:المنتشر الذي لا يزال في زيادة،بخلاف الأول لأنّه يمحى أثره،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يغرنكم الفجر المستطيل، كلوا و اشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» (1).

و في مكاتبة ابن الحصين لأبي جعفر الثاني عليه السلام بخطه عليه السلام:«الفجر هو الخيط الأبيض المعترض،و ليس هو الأبيض صعدا» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي ركعتي الصبح،و هي الصبح (3)،إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا (4).

و يمتد وقتها للإجزاء إلى طلوع الشمس،لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«وقت الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس» (5)و الفضيلة إلى الاسفار و التنوير،لما تقدم في خبر جبرئيل عليه السلام-رواه معاوية بن وهب

ص: 349


1- نحوه في:صحيح مسلم 2:77 ح 1094،الجامع الصحيح 3:85 ح 705.و راجع تلخيص الحبير 3:34.
2- الكافي 3:282 ح 1،التهذيب 2:36 ح 115،الاستبصار 1:274 ح 994.
3- كذا،و في المصدرين:«الفجر».
4- التهذيب 2:36 ح 111،الاستبصار 1:273 ح 990.
5- التهذيب 2:36 ح 114،الاستبصار 1:275 ح 998.

بلفظ:«التنوير» (1)و رواه ذريح بلفظ:«الاسفار» (2)و به عبر الشيخ في الخلاف (3)-و لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لكل صلاة وقتان،فأول الوقتين أفضلهما،وقت صلاة الفجر (4)الى ان يتجلل الصبح السماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا،و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها» (5)و نحوه خبر الحلبي عنه عليه السلام (6).

و عن أبي بصير عنه عليه السلام،قال:متى يحرم الطعام على الصائم؟ فقال:«إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء».قلت:فمتى تحلّ الصلاة؟قال:«إذا كان كذلك»فقلت:أ لست في وقت من تلك الساعة الى ان تطلع الشمس؟ فقال:«لا،انما نعدّها صلاة الصبيان» (7)و في ذلك إيماء إلى الجواز و كراهية التأخير.

و ابن أبي عقيل و الشيخ-في أحد قوليه-:طلوع الحمرة للمختار، و طلوع الشمس للمضطر (8)عملا بظاهر هذه الاخبار،و هي أدل على الفضيلة، و قد روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام:«من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» (9).

تنبيه:

يستحب التعجيل في الصبح استحبابا مؤكدا،لما روي ان النبي صلّى9.

ص: 350


1- التهذيب 2:252 ح 1001،الاستبصار 1:257 ح 922.
2- التهذيب 2:253 ح 1004،الاستبصار 1:258 ح 925.
3- الخلاف 1:48 المسألة 10.
4- في المصدرين زيادة:«حين ينشق الفجر».
5- التهذيب 2:39 ح 123،الاستبصار 1:276 ح 1003.
6- الكافي 3:283 ح 5،التهذيب 2:38 ح 121،الاستبصار 1:276 ح 1001.
7- التهذيب 2:39 ح 122،الاستبصار 1:276 ح 1002.
8- المبسوط 1:75،الخلاف 1:267 المسألة 10،و حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة:70.
9- التهذيب 2:38 ح 119،الاستبصار 1:275 ح 999.

اللّه عليه و آله كان يصلّي الصبح،فينصرف النساء منها و هنّ متلفعات بمروطهن،لا يعرفن من الغلس (1).

و عن إسحاق بن عمار،قلت للصادق عليه السلام:أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر؟فقال:«مع طلوع الفجر،انّ اللّه تبارك و تعالى يقول وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني:صلاة الصبح،فإذا صلاّها مع طلوع الفجر أثبتها له ملائكة الليل و ملائكة النهار» (2).

المسألة الثانية عشر:يستقر وجوب الصلاة بإدراك أول الوقت على صفة الكمال

و مضيّ مقدار أدائها تامة الشرائط و الافعال،

لامتناع أن يكلف اللّه تعالى بعبادة من غير وقت يسعها.

و في الخلاف:إذا أدرك من الظهر دون أربع،ثم جنّ أو أغمي عليه أو حاضت،لم يلزمه الظهر لإجماع الفرقة،فإنهم لا يختلفون في انّ من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدي الفرض فيه لم يلزمه إعادته (3).

و قد مضى ان ظاهر الصدوق-رحمه اللّه-اعتبار إدراك الأكثر (4).

و قال ابن الجنيد:إن حاضت الطاهر،بعد ان كان يصح لها لو صلت في أول الوقت الصلاة أو أكثرها،وجب قضاء تلك الصلاة (5).مع انه قال:إذا طهرت الحائض أو أسلم الكافر أو بلغ الصبي و الصبية،قبل غروب الشمس في وقت يصح لهم أن يأتوا بالصلاتين قبل مغيب الشمس،صلوهما أو قضوهما

ص: 351


1- الموطأ 1:5،ترتيب مسند الشافعي 1:51 ح 147،مسند أحمد 6:3،سنن الدارمي 1: 277،صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:446 ح 645.
2- الكافي 3:282 ح 2،ثواب الاعمال:57،التهذيب 2:37 ح 116،الاستبصار 1:275 ح 995. و الآية في سورة الإسراء:78.
3- الخلاف 1:274،المسألة 15.
4- انظر الحدائق الناظرة 3:249.و لم نجده في مظانه ممّا تقدم.
5- مختلف الشيعة:148.

إن أخروهما،و كذلك في المغرب و العشاء.

فظاهره هنا اعتبار إدراك جميع الصلاة،و هو ظاهر ابن إدريس،نظرا الى وجوب زمان يتسع للعبادة (1).

و اختار السيد مذهب ابن بابويه-رحمهما اللّه- (2)و المشهور:الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك الطهارة و ركعة،لما سلف من رواية الأصبغ (3)و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (4).و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (5).

و الفرق بين أول الوقت و آخره واضح،إذ يمكنه البناء في آخر الوقت بغير مانع و إتمام الصلاة،بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل الى ذلك.

فروع:

الأول: لا بدّ من اتساع أول الوقت للطهارة و باقي الشرائط،و لا عبرة بتمكّنه منها قبل الوقت لعدم مخاطبته حينئذ،و لا فرق بين تمكّنه من الطهارة أول الوقت و بين غيره كالمتيمم و المستحاضة.نعم،لو اتفق حصول الشرائط قبل الوقت كفى إدراك الصلاة،و كذا لو حصل البعض كفى إدراك الباقي مع الصلاة.

الثاني: المعتبر في ذلك أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب.فلو طوّل في صلاته،ثم جن في أثنائها،وجب القضاء إذا كان ذلك القدر كافيا في أقل3.

ص: 352


1- السرائر:59.
2- جمل العلم و العمل 3:38.
3- راجع ص 350 الهامش 8.
4- الموطأ 1:10،المصنف لعبد الرزاق 2:281 ح 2369،مسند أحمد 2:241،سنن الدارمي 1:277،صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:423 ح 607،سنن ابن ماجة 1:356 ح 1122.
5- انظر الخلاف 1:49،المسألة 3.

صلاة.و لو كان في أحد الأماكن الأربعة التي يتخيّر فيها بين التمام و القصر، اكتفي بإدراك القصر،لانّه لو قصر لأمكنه أداؤها.

الثالث: حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك.فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت،ثم جنّ أو غمي عليه في الوقت،اعتبر في قدر الإفاقة إدراك جميع الشرائط و الأركان،و كذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت.

الرابع: لا يكفي في آخر الوقت إدراك تكبيرة الإحرام،و لا ما دون ركعة، لمفهوم الشرط في الخبر.و حمله على انّ اقتداء المسافر بالحاضر في جزء يسير من الصلاة يوجب عليه التمام (1)ممنوع الأصل و الحمل.و قد نقل الشيخ في الخلاف عدم الخلاف عندنا فيما دون الركعة (2).

الخامس: لا فرق بين الكافر و غيره من المعذورين،لأنّ الكافر لا يؤاخذ بما تركه حال الكفر.و توهّم بعضهم كون الكافر غير معذور هنا،لمخاطبته بالإسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت (3).و هو ضعيف،لقوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (4)،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الإسلام يهدم ما قبله» (5).

السادس: لو أدرك من آخر الوقت في الظهرين و العشاءين قدر أربع فما دون،لزمته الأخيرة منهما و لا تلزمان معا.و لو أدرك خمسا وجبتا أداء،و قدّم الظهر و المغرب.

و قد ذكر بعض العامة وجها بوجوب المغرب و العشاء بإدراك أربع،مخرّجا1.

ص: 353


1- ذهب إليه الشافعي و أحمد في أحد قوليهما،راجع:المجموع 3:64،مختصر المزني:12، المغني 1:420.
2- الخلاف 1:271 المسألة 13.
3- حلية العلماء 2:26،فتح العزيز 3:71.
4- سورة الأنفال:38.
5- صحيح مسلم 1:112 ح 121.

من انّه إذا أدرك من الظهرين خمسا تكون الأربع التي وقعت فيها الظهر لها، لاستئثارها بالسبق،و وجوب تقديمها عند الجمع.و لأنّه لو لم يدرك سوى ركعة لم تجب الظهر،فلما أدرك الأربع مع الركعة وجبت،فدلّ على أنّ الأربع في مقابلة الظهر.

و عارضوه:بأنّ الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت و اللزوم،فإذا اقتضى الحال إدراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع،و الأقلّ في مقابلة التابع،فتكون الأربع في مقابلة العصر (1).

و تبعهم بعض الأصحاب في هذين الوجهين،و هما عند التحقيق غير مرضيين عندنا،لأنّ المستقر في المذهب استئثار العصر بأربع للمتمّم من آخر الوقت،و يلزمه أن لا يخرج ذلك الوقت عن الوقتية باعتبار ما.فإذا أدرك المكلّف خمسا فقد أدرك ركعة من آخر وقت الظهر،فأوجبت الظهر و استتبعت ثلاثا من وقت العصر،كما استتبعت العصر ثلاثا من وقت المغرب.فلا يتصوّر كون الأربع في مقابلة الظهر محافظة على الوقت المضروب من قبل الشرع.

بل التحقيق:ان قدر الأربع الأخيرة-و إن كان للعصر-إلاّ انّ الظهر زاحمتها بثلاث منه فصار في حكم وقتها،كما ان قدر الثلاث-و إن كان للمغرب-إلاّ انّه لما أوقعت العصر فيه أداء كان بحكم وقتها،فحينئذ لا وجه لوجوب المغرب بإدراك أربع،هذا مع النصّ عن أهل البيت عليهم السلام بأنّه لو بقي أربع من آخر وقت العشاءين اختصت العشاء به (2).و هذا يصلح دليلا على اختصاص العصر بالأربع مع النص عليه أيضا (3).

السابع: نقل الشيخ خلافا بين الأصحاب فيما إذا أدرك ركعة من آخر الوقت،هل يكون مؤدّيا للجميع،أو قاضيا للجميع،أو بالتوزيع؟و الأظهر6.

ص: 354


1- فتح العزيز 3:75.
2- التهذيب 2:28 ح 82،الاستبصار 1:263 ح 945.
3- التهذيب 2:25 ح 70،الاستبصار 1:261 ح 936.

الأول (1)،لظاهر الأخبار السالفة.

و ظاهره-في الخلاف-دعوى الإجماع عليه،حيث قال عن الأصحاب:انهم لا يختلفون في انّ من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت (2).

قال:و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح،و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»،قال:و كذلك روي عن أئمتنا عليهم السلام (3).

و ينصر الثاني أنّ الركعة الأولى وقعت في آخر الوقت الذي كان للركعة الأخيرة،فقد وقعت في غير (4)وقتها،و أمّا الباقي فظاهر و أمّا التوزيع فأظهر.

و تظهر الفائدة في النية،و في الترتيب على الفائتة السابقة،و في سقوط فرع تنزيل الأربع للظهر أو العصر على المذهبين الآخرين بالكلية.

الثامن: لو أدرك من سبقه التكليف بالصلاة أقلّ من ركعة نوى القضاء حينئذ،قال الشيخ:بلا خلاف بيننا (5).و حينئذ يراعى الترتيب بين الفوائت.

و الظاهر:انّ المراد بالركعة التامة إلى رفع الرأس من السجدتين،لأنّه3.

ص: 355


1- المبسوط 1:72.
2- الخلاف 1:268 المسألة 11.
3- الخلاف 1:271 المسألة 13. و حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله في:مسند أحمد 2:462،صحيح البخاري 1:151، صحيح مسلم 1:424 ح 608،سنن ابن ماجة 1:229 ح 669،سنن أبي داود 1:112 ح 412،الجامع الصحيح 1:353 ح 186. و ما روي عن الأئمة عليهم السلام في:التهذيب 2:38 ح 119،262 ح 1044، الاستبصار 1:275 ح 999،1000.
4- في م:آخر.
5- المبسوط 1:73.

المفهوم المتعارف،و به صرّح في التذكرة (1).و يمكن الاجتزاء بالركوع، للتسمية لغة و عرفا،و لأنّه المعظم.و على كلّ حال فالمعتبر قدر الواجب منها لا غير.

التاسع: لو أدرك ذو العذر المسقط للقضاء من آخر الوقت ركعة و الطهارة،ثم عرض عذر مسقط للقضاء،فالأقرب:عدم التكليف،لمساواته الأول في القصور عن الواجب،و زوال الفارق بالتمكّن من الباقي،فإنّه لا تمكن هنا.

العاشر: لو تمكّن من الأداء ثم مات،فإن خرج الوقت عامدا عصى،و ان كان ناسيا أو لم يخرج الوقت فلا عصيان،و يجيء على نقل المفيد تعصيته (2).

قال بعض الأصحاب:و يجب القضاء على الولي (3)و فيه كلام يأتي إن شاء اللّه تعالى.6.

ص: 356


1- تذكرة الفقهاء 1:78.
2- المقنعة:14.
3- تذكرة الفقهاء 1:86.
الفصل الثاني:
اشارة

في مواقيت الرواتب

و مسائله خمس:

المسائل
المسألة الاولى:وقت صلاة الأوّابين زوال الشمس
اشارة

إلى أن يصير الفيء على قدمين،و نافلة العصر الى أربع أقدام،و تسمّى:السبحة،قاله ابن أبي عقيل، لما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«للرجل أن يصلّي الزوال ما بين زوال الشمس الى أن يمضي قدمان،فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلّي تمام الركعات.و إن مضى زمان (1)قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلاّ بعد ذلك.

و للرجل أن يصلّي من نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن تمضي أربعة أقدام، فإن مضت أربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل.و إن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها،ثمّ يصلّي العصر» (2).

و هذا يدلّ على تسمية ما قبل الظهر بصلاة الزوال،كما سميت صلاة الأوّابين و ما بعد الظهر لها.

ثم قال في هذا الخبر:«و للرجل أن يصلّي إن بقي عليه شيء من صلاة الزوال الى أن يمضي بعد حضور الاولى نصف قدم.و إن كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن تحضر العصر،فله أن يتمّم نوافل الاولى الى أن يمضي بعد حضور العصر قدم» (3).

قلت:لعلّه أراد بحضور الاولى و العصر ما تقدّم من الذراع و الذراعين،

ص: 357


1- في المصدر:«قدمان».
2- التهذيب 2:273 ح 1086.
3- المصدر السابق.

و المثل و المثلين و شبهه،و يكون للمتنفّل أن يزاحم الظهر و العصر بما بقي من النوافل ما لم يمض القدر المذكور.فيمكن أن يحمل لفظ ال«شيء»على عمومه،فيشمل الركعة و ما دونها و ما فوقها،فيكون فيه بعض مخالفة للتقدير بالركعة.و يمكن حمله على الركعة فما فوقها،و يكون مقيّدا لها بالقدم و النصف.

و يجوز ان يريد بحضور الاولى مضي نفس القدمين المذكورين في الخبر،و بحضور العصر الأقدام الأربع.و تكون المزاحمة المذكورة مشروطة بأن لا تزيد على نصف قدم في الظهر بعد القدمين،و لا على قدم في العصر بعد الأربع.و هذا تنبيه حسن لم يذكره المصنّفون.

و ذهب بعض الأصحاب إلى امتداد وقت النافلتين بامتداد وقت الاختيار المقدّر بالمثل و المثلين (1).و فيما مضى من الأخبار شاهد لذلك و للتقديرات الأخر،و إذا عمل بجميعها أمكن،لتنزيله على مختلف أحوال المصلّين.

و في المعتبر اعتمد على المثل و المثلين،محتجّا بقول الصادق عليه السلام في رواية زرارة و عبد اللّه بن سنان:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة،فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر،و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر.ثم قال:لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع،فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة،و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة».

قال:و هذا يدلّ على بلوغ المثل أو المثلين،لأن التقدير انّ الحائط ذراع»،لأنه روى ابن حنظلة عن الصادق عليه السلام:«انّ في كتاب علي القامة ذراع،و عنه عليه السلام:«انّ قامة رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانت ذراعا» (2)2.

ص: 358


1- راجع:المبسوط 1:76،الغنية:494.
2- المعتبر 2:48. الرواية الأولى بلفظها في:الفقيه 1:140 ح 653،التهذيب 2:19 ح 55،الاستبصار 1: 250 ح 899،عن زرارة عن الامام الباقر عليه السلام. و الرواية الثانية و الثالثة في:التهذيب 2:23 ح 64،66،الاستبصار 1:251 ح 900، 902.

و قد أخذه من تأويلات الشيخ في التهذيب لما اختلف من الأخبار هنا (1)و تبعه في التذكرة (2).

و هو منظور فيه من وجهين:

أحدهما:منع الدلالة على المدّعى،لأنه بناه على أنّ القامة ذراع و استشهد بما ذكر،و من أين يعلم انّ هذه القامة مفسرة لتلك القامة!و الظاهر تغايرهما بدليل قوله:«فإذا مضى من فيئه ذراع..و ذراعان»،و لو كان الذراع نفس القامة لم يكن للفظ«من»هنا معنى،بل و لا للتقدير بالذراع و الذراعين.

و يؤيد أن المراد بالقامة قامة الإنسان قوله عليه السلام:«فإذا بلغ فيؤك ذراعا..و ذراعين»تطبيقا لبعض الكلام على بعض.و يدل عليه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان فيء الجدار ذراعا صلّى الظهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر».فقلت له:إنّ الجدر تختلف،بعضها قصير و بعضها طويل.فقال:

«كان جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يومئذ قامة» (3)و هذا ينبو عن حمل القامة على الذراع.

الثاني:انّ دلالة هذه على الأقدام السالفة أنسب،كما عقله جماعة من الأصحاب (4)فإنّ الذراع قدمان غالبا.

و قد قال ابن الجنيد:يستحبّ للحاضر أن يقدّم بعد الزوال شيئا من0.

ص: 359


1- التهذيب 2:22-23.
2- تذكرة الفقهاء 1:77.
3- التهذيب 2:21 ح 58،الاستبصار 1:255 ح 916.
4- راجع:الوسيلة:80.

التطوّع الى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها.قال:و في نافلة العصر الى أن يصير الفيء أربعة أقدام أو ذراعين (1).

و قد روى ابن بابويه:أنّ زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام عن وقت الظهر،فقال:«ذراع من زوال الشمس،و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس».ثم قال:«إن حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة» (2)و ذكر تمام الخبر السابق،و هو مصرّح بما قلناه.

تنبيه:

ظاهره في المبسوط و الجمل استثناء قدر إيقاع الفريضتين من المثل و المثلين (3)و الأخبار لا تساعده،بل ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل و المثلين،و قد سبقت في بيان وقت الظهر.

ثم هنا روايات غير مشهورات في العمل:

كرواية القاسم بن الوليد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الست عشرة ركعة:«أي ساعات النهار شئت صليتها،إلاّ انّ مواقيتها أفضل» (4).

و مثله مرسلة علي بن الحكم عنه عليه السلام (5)و قد أسندها في موضع آخر عن سيف بن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ست عشرة ركعة متى ما شئت (6).إن علي بن الحسين عليه السلام كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها،فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها.إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما أتي بها قبلت» (7).9.

ص: 360


1- مختلف الشيعة:71.
2- الفقيه 1:140 ح 653.
3- المبسوط 1:76،الجمل و العقود:174.
4- التهذيب 2:9 ح 17،267 ح 1063،الاستبصار 1:77 ح 1007.
5- التهذيب 2:8 ح 15،267 ح 1064،الاستبصار 1:278 ح 1008.
6- في المصدرين:«نشطت».
7- التهذيب 2:267 ح 1065،الاستبصار 1:278 ح 1009.

و عن محمد بن عذافر،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت،فقدّم منها ما شئت،و أخّر منها ما شئت» (1).

قال الشيخ:هذه رخصة لمن علم انّه إن لم يقدّمها اشتغل عنها أداء و قضاء،فأمّا مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها (2)لرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يشتغل عن الزوال أ يتعجّل من أول النهار؟فقال:

«نعم،إذا علم انّه يشتغل،فيتعجّلها في صدر النهار كلّها» (3).

و عن إسماعيل بن جابر،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني أشتغل.

قال:«فاصنع كما نصنع،صلّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر و اعتدّ بها من الزوال» (4).

و اعتمد الشيخ في المنع من التقديم على أخبار التوقيت،و على ما رواه ابن أذينة عن عدّة انّهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام قال:«كان علي عليه السلام لا يصلّي من النهار حتى تزول الشمس،و لا من الليل بعد ما يصلّي العشاء حتى ينتصف الليل» (5)،و مثله رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (6).

قلت:قد اعترف الشيخ بجواز تقديمها عند الضرورة،و لو قيل بجوازه مطلقا كما دلّت عليه الأخبار-غاية ما في الباب انّه مرجوح-كان وجها.

و حديث الاشتغال لا ينافيه،لإمكان إدراك ثواب فعلها في الوقت مع العذر لا مع عدمه.5.

ص: 361


1- التهذيب 2:267 ح 1066،الاستبصار 1:278 ح 1010.
2- راجع الهامش السابق.
3- الكافي 3:450 ح 1،التهذيب 2:268 ح 1067،الاستبصار 1:278 ح 1011.
4- التهذيب 2:267 ح 1062،الاستبصار 1:277 ح 1006.
5- الكافي 3:289 ح 7،التهذيب 2:266 ح 1060،الاستبصار 1:277 ح 1004.
6- التهذيب 2:266 ح 1061،الاستبصار 1:277 ح 1005.

و قد نقل المحقّق امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة (1)و لعلّ القائل به اعتمد على الأخبار المذكورة،فإنّ بعضها يدلّ عليه.

فائدة:

هذا التوقيت لغير يوم الجمعة،أمّا يوم الجمعة فتزيد النافلة أربعا في المشهور،و يجوز تقديمها بأسرها على الزوال،لرواية علي بن يقطين،قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة،قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟قال:قبل الجمعة (2).

و روى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:«ست ركعات بكرة،و ست بعد ذلك،و ست بعد ذلك،و ركعتان بعد الزوال،و ركعتان بعد العصر،فهذه اثنتان و عشرون ركعة» (3).و بهذا الترتيب عمل المفيد في الأركان و المقنعة (4).

و روى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام:«إذا أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ست ركعات ارتفاع النهار،و ستّا قبل نصف النهار،و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة،و ستّا بعد الجمعة» (5).

و روى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام:«ست في صدر النهار، و ست قبل الزوال،و ركعتان إذا زالت،و ست بعد الجمعة» (6).

و عبارة الأصحاب مختلفة بحسب اختلاف الرواية:

و قال المفيد:لا بأس بتأخيرها الى بعد العصر (7).7.

ص: 362


1- شرائع الإسلام 1:62.
2- التهذيب 3:12 ح 38،246 ح 672،الاستبصار 1:411 ح 1570.
3- التهذيب 3:246 ح 669،الاستبصار 1:411 ح 1571.
4- المقنعة:26.
5- التهذيب 3:11 ح 36،الاستبصار 1:410 ح 1567.
6- التهذيب 3:246 ح 668،الاستبصار 1:410 ح 1569.
7- المقنعة:27.

و قال الشيخ:يجوز تأخير جميع النوافل الى بعد العصر،و الأفضل التقديم.قال:و لو زالت الشمس و لم يكن صلّى منها شيئا أخّرها الى بعد العصر (1).

و قال ابن أبي عقيل:يصلّى إذا تعالت الشمس ما بينها و بين الزوال أربع عشرة ركعة،و بين الفريضتين ستا،كذلك فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فإن خاف الإمام بالتنفّل تأخير العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلّى العصر بعد الفراغ من الجمعة،و تنفّل بعدها بست ركعات،كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:انّه كان ربّما يجمع بين صلاة الجمعة و العصر (2).

و ابن الجنيد:ست ضحوة،و ست ما بينها و بين انتصاف النهار،و ركعتا الزوال،و ثمان بين الفرضين (3).و قد روى سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«النافلة يوم الجمعة:ست ركعات قبل زوال الشمس،و ركعتان عند زوالها،و بعد الفريضة ثماني ركعات» (4).

و قال الجعفي:ست عند طلوع الشمس،و ست قبل الزوال إذا تعالت الشمس،و ركعتان قبل الزوال،و ست بعد الظهر،و يجوز تأخيرها الى بعد العصر.

و ابنا بابويه:ست عند طلوع الشمس،و ست عند انبساطها،و قبل المكتوبة ركعتان،و بعدها ست.و إن قدمت كلّها قبل الزوال،أو أخّرت إلى بعد المكتوبة،فهي ست عشرة،و تأخيرها أفضل من تقديمها (5).

و قد روى عقبة بن مصعب عن الصادق عليه السلام،قلت:أيّما أفضل0.

ص: 363


1- المبسوط 1:150،النهاية:104.
2- مختلف الشيعة:110.
3- مختلف الشيعة:110.
4- التهذيب 3:11 ح 37،الاستبصار 1:410 ح 1568.
5- الفقيه 1:268،المقنع:45،مختلف الشيعة:110.

أقدّم الركعات يوم الجمعة،أو أصلّيها بعد الفريضة؟فقال:«لا بل تصلّيها بعد الفريضة» (1).

و روى سليمان بن خالد عنه عليه السلام،قلت له:أقدّم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟قال:«نعم،ست ركعات».قلت فأيهما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة،أو أصلّيها بعد الفريضة؟قال:«تصلّيها بعد الفريضة» (2).

و حملهما الشيخ على ما إذا زالت الشمس،فإنّ تأخير النافلة حينئذ أفضل (3).

تنبيهات:
الأول:المشهور صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما في تحقّق

الزوال،

قاله الأصحاب (4).و قد روى عبد الرحمن بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ الركعتين،و إذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» (5).

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (6).و قال ابن أبي عقيل:إذا زالت الشمس فلا صلاة إلاّ الفريضة (7).و قد روى أبو عمر قال:حدثني انّه سأله عن الركعتين اللتين عند الزوال،فقال:«أمّا أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة» (8).و هاتان الروايتان

ص: 364


1- التهذيب 3:246 ح 670،الاستبصار 1:411 ح 1572.
2- التهذيب 3:14 ح 48،الاستبصار 1:11،ح 1573.
3- التهذيب 3:14.
4- راجع:المقنعة:26،المبسوط 1:150،المهذب 1:101،الكافي في الفقه:159.
5- التهذيب 3:12 ح 39،الاستبصار 1:412 ح 1574.
6- التهذيب 3:13 ح 44،الاستبصار 1:412 ح 1576.
7- مختلف الشيعة:110.
8- التهذيب 3:12 ح 40،الاستبصار 1:412 ح 1575.

غير متعارضتين،لحمل الأولى على الشك،و الثانية على اليقين.

الثاني:يلوح من كلام ابني بابويه انّ النافلة ست عشرة لا غير (1)كسائر

الثاني:يلوح من كلام ابني بابويه انّ النافلة ست عشرة لا غير(1)كسائر الأيام،

و تفصيلهما السالف ينافيه إذ هو عشرون.و يمكن حمله على انّ العشرين وظيفة من فرّق ذلك التفريق،و الست عشرة لمن قدّم الجميع قبل الزوال أو أخّر الجميع إلى ما بعده.

و قد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في النافلة يوم الجمعة:«ست عشرة ركعة قبل العصر».قال عليه السلام:«و قال علي عليه السلام:ما زاد فهو خير».و قال:«إن شاء يجعل معها (2)ست ركعات في صدر النهار،و ست ركعات نصف النهار،و يصلّي الظهر،و يصلّي معها أربعا،ثم يصلي العصر» (3).و هذا يظهر منه زيادة ست عشرة أخرى،و يمكن كونه تفصيلا للست عشرة.

الثالث:تضمنت رواية عمار السابقة (4)مزاحمة نافلتي الظهرين بركعة،

الثالث:تضمنت رواية عمار السابقة (4)مزاحمة نافلتي الظهرين بركعة،و الكلام في موضعين:

أحدهما:إذا زاحم،هل يصلّيها أداء أو قضاء؟الأقرب الأول،تنزيلا لها منزلة الصلاة الواحدة و قد أدرك منها ركعة،و لظهور التوسعة في وقت النافلة من الأخبار.

الثاني:هل هذه المزاحمة حاصلة في يوم الجمعة؟الظاهر لا،لتضيّق الجمعة بمضمون أخبار كثيرة:

منها:خبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وقت الظهر:«بعد الزوال بقدم أو نحوه،إلاّ في يوم الجمعة أو في السفر،فإنّ

ص: 365


1- المقنع:45.
2- في المصدرين:منها.
3- التهذيب 3:245 ح 667،الاستبصار 1:413 ح 1580.
4- تقدمت في ص 357 الهامش 2.

وقتها حين تزول» (1).

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«صلاة الجمعة من الأمر المضيّق،إنّما لها وقت واحد حين تزول،و وقت العصر يوم الجمعة وقت (الظهر) (2)في سائر الأيام» (3).

المسألة الثانية:وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق المغربي،

فإذا ذهب و لم يكملها بدأ بالعشاء،قاله الشيخ في النهاية (4).و احتج في المعتبر على توقيتها بذلك بما روي في منع النافلة في وقت الفريضة،مثل:ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع» (5).

قلت:وقت الفريضة قد دخل عنده و عند الأكثر بالفراغ من المغرب،إلاّ أن يقال:ذلك وقت يستحب تأخير العشاء عنه،و عند ذهاب الشفق يتضيّق فعلها، فيحمل النصّ عليه.و في وصف الباقر عليه السلام صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«صلّى المغرب ثلاثا،و بعدها أربعا،ثم لا يصلّي شيئا حتى يسقط الشفق،فإذا سقط صلّى العشاء الآخرة» (6).و التأسّي يقتضي فعلها كما فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و قال المفيد:تفعل بعد التسبيح و قبل التعقيب،كما فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله لما بشّر بالحسن عليه السلام،فإنّه صلّى ركعتين شكرا،فلما بشّر

ص: 366


1- التهذيب 2:13 ح 45،الاستبصار 1:412 ح 1577.
2- في النسخ:العصر،و أثبتنا(الظهر)تبعا للمصدر،و كما يأتي في بحث صلاة الجمعة،الشرط السادس،المسألة الثانية.
3- التهذيب 3:13 ح 46.
4- النهاية:60.
5- المعتبر 2:54. و الرواية في التهذيب 2:167 ح 661،247 ح 982،الاستبصار 1:252 ح 906.
6- الفقيه 1:146 ح 678.

بالحسين عليه السلام صلّى ركعتين،و لم يعقّب حتى فرغ منها (1).

و ابن الجنيد:لا يستحبّ الكلام،و لا عمل شيء بينها و بين المغرب.

و بالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ لم نقف عليه،و ربّما يتأتّى على مذهبه بتأخير دخول العشاء الى ذهاب الشفق،مع ورود الأخبار كثيرا بجواز التطوّع في أوقات الفرائض أداء و قضاء.

و لو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن،لأنها تابعة لها،و إن كان الأفضل المبادرة بها قبل كلّ شيء سوى التسبيح،و في الأركان:يقدّمها على التسبيح.

و لو قلنا بقول الشيخ،و كان قد شرع في ركعتين منها،ثم زالت الحمرة، أتمّهما سواء كانتا الأولتين أو الآخرتين،للنهي عن إبطال العمل،و لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه.و يظهر من كلام ابن إدريس أنّه إن كان قد شرع في الأربع أتمّها و إن ذهب الشفق (2).

المسألة الثالثة:وقت الوتيرة بعد العشاء الآخرة.

و يمتد كوقتها،لتبعيّتها الفريضة،و حينئذ لو انتصف الليل و لما يأت بها صارت قضاء.

و البزنطي لم يذكر استحباب الوتيرة،و اقتصر على خمسين ركعة،و هو مروي في الخبر السابق عن أبي جعفر عليه السلام في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«فإذا سقط الشفق صلّى العشاء،ثم أوى إلى فراشه و لم يصلّ شيئا» (3).

المسألة الرابعة:وقت صلاة الليل بعد انتصافه،
اشارة

و كلّما قرب من الفجر كان أفضل،قال الشيخ-في الخلاف-و المحقق:عليه علماؤنا أجمع (4).و احتج

ص: 367


1- المقنعة:18.
2- السرائر:41.
3- الفقيه:146 ح 678.
4- الخلاف 1:533 المسألة 272،المعتبر 2:54.

في الخلاف بقوله تعالى وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ،مدحهم بذلك و هو دليل أفضلية الدعاء فيه،و الصلاة مشتملة على الدعاء و الاستغفار (1).

و قد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه،ثم لا يصلّي شيئا إلا بعد انتصاف الليل» (2).

و مثله عن أبي جعفر عليه السلام،و قال:حتى يزول الليل،فإذا زال الليل صلّى ثماني ركعات،و أوتر في الركعة الأخيرة.ثم يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر،و عنده،و يعيده (3).

قلت:عبّر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار.و في رواية عمر بن حنظلة انّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام:زوال الشمس نعرفه بالنهار،كيف لنا بالليل؟فقال:«للّيل زوال كزوال الشمس».قال:فبأي شيء نعرفه؟قال:

«بالنجوم إذا انحدرت» (4).و الظاهر انّه عنى به انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

و الجعفي:اعتمد على منازل القمر الثمانية و العشرين المشهورة،فإنّه قال إنّها مقسومة على ثلاثمائة و أربعة و ستين يوما،لكل منزلة ثلاثة عشر يوما،فيكون الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما،ثم ينتقل الى ما بعده،و هكذا.فإذا جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس و بين العينين من المنازل،فيعدّ منها إلى منزله الفجر،ثم يؤخذ لكل منزلة نصف سبع.قال:

و القمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل،ثم يتزايد كذلك الى7.

ص: 368


1- راجع الهامش السابق. و الآية في سورة آل عمران:17.
2- التهذيب 2:118 ح 443،3:69 ح 225،الاستبصار 1:279 ح 1013،467 ح 1806.
3- الفقيه 1:146-678.
4- الفقيه 1:146-677.

ليلة أربع عشرة،ثم يتأخر ليلة خمس عشرة نصف سبع،و على هذا الى آخره.

قال:و هذا تقريب.

و يدلّ أيضا على اختصاص آخره رواية عمر بن يزيد،انّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إنّ في الليل لساعة،لا يوافقها عبد مسلم يصلّي و يدعو فيها إلاّ استجاب اللّه له في كلّ ليلة،و هي إذا مضى نصف الليل (الثاني) (1)» (2).

و روى عبدة النيسابوري،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ الناس يروون عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلاّ استجيبت له،قال:«نعم».قلت:متى هي؟قال:«ما بين نصف الليل الى الثلث الباقي في كلّ ليلة» (3).

فإن قلت:فما نصنع بالروايات المتضمنة لجواز فعلها قبل نصف الليل:

كرواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في فعل صلاة الليل في الليالي القصار صيفا أول الليل،فقال:«نعم،نعم ما رأيت،و نعم ما صنعت» (4).

و قد تقدّم قول الصادق عليه السلام:«إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما أتي بها قبلت» (5).

و روى سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس بصلاة الليل من أول الليل الى آخره،إلاّ ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل الى آخره» (6).ر.

ص: 369


1- في الكافي:«في السدس الأول من النصف الباقي»،و في التهذيب:«الى الثلث الباقي».
2- الكافي 3:447 ح 19،التهذيب 2:117 ح 441.
3- التهذيب 2:118 ح 444 و فيه:عبدة السابوري،أمالي الطوسي 1:148.
4- الفقيه 1:302 ح 1382،التهذيب 2:118 ح 446،الاستبصار 1:279 ح 1014.
5- تقدم في ص 360 الهامش 5.
6- التهذيب 2:337 ح 1394،3:233 ح 607،باختلاف يسير.

و قد روى ابن محبوب بسندين مكاتبة جواز ذلك،و الظاهر أنّ المجيب الإمام (1).

قلت:هي محمولة على العذر كغلبة النوم و السفر،لرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صلاة الليل و الوتر أول الليل في السفر إذا تخوّفت البرد أو كانت علّة،فقال:«لا بأس أنا أفعل إذا تخوّفت» (2).

و عن علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صلاة الليل و الوتر في السفر أول الليل،إذا لم يستطع أن يصلّي في آخره،قال:«نعم» (3)،و ليس ببعيد كون ذلك رخصة مرجوحة.

و من الروايات رواية يعقوب بن سالم عنه عليه السلام يقدّمها خائف الجنابة في السفر أو البرد (4)،و عن محمد بن حمران عنه عليه السلام للمسافر (5).

تنبيهات:
الأول:هذا التقديم جائز للعذر،

و القضاء أفضل في المشهور،لرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يغلبه النوم يقضي،و لم يرخّص له في الصلاة أول الليل،و في الشابّة يغلبها النوم تقدّم إن ضيّعت القضاء (6).

ص: 370


1- التهذيب 2:337 ح 1392،1393.
2- الكافي 3:1441 ح 10،التهذيب 2:168 ح 664،3:228 ح 580،الاستبصار 1:280 ح 1017.
3- الفقيه 1:289 ح 1316،التهذيب 2:169 ح 670،الاستبصار 1:280 ح 1018.
4- التهذيب 2:168 ح 665.
5- التهذيب 2:168 ح 666.
6- الكافي 3:447 ح 20،الفقيه 1:302 ح 1381،التهذيب 2:119 ح 447،الاستبصار 1:279 ح 1015.

و ربّما قيل بالمنع من تقديمها أصلا،فكان أبو علي زرارة يقول:كيف تقضى صلاة لمن لم يدخل وقتها؟!إنّما وقتها بعد نصف الليل (1).

و ابن أبي عقيل:يجوّز التقديم للمسافر خاصة (2).

و ابن إدريس منع من التقديم مطلقا بناء على التوقيت بالانتصاف،و منع الصلاة قبل الوقت (3)و اختاره الفاضل في المختلف (4).و الاخبار تدفعه مع الشهرة،و قد روى محمد بن أبي قرّة بإسناده إلى إبراهيم بن سيّابة،قال:كتب بعض أهل بيتي الى أبي محمد عليه السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل،فكتب:«فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل».

الثاني:قال المرتضى-رضى اللّه عنه-آخر وقت صلاة الليل طلوع

الفجر الأول (5).

و لعلّه نظر الى جواز ركعتي الفجر حينئذ،و الغالب انّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج اخرى،و يندفع بوجوه:

منها:الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب.

و منها:انّ إسماعيل بن سعد الأشعري سأل أبا الحسن عليه السلام عن ساعات الليل،فقال:«الثلث الباقي» (6).

و منها:ما مرّ من الأخبار.

و أمّا ركعتا الفجر فيظهر جوابها ممّا يأتي من عدّهما من صلاة الليل.

الثالث:لو خاف ضيق الوقت خفّف بالحمد وحدها،

كما روي عن أبي

ص: 371


1- التهذيب 2:119،الاستبصار 1:280.
2- مختلف الشيعة:74.
3- السرائر:67.
4- مختلف الشيعة:74.
5- الناصريات:230 المسألة 76.
6- التهذيب 2:339 ح 1401.

عبد اللّه عليه السلام (1).

و لو ظن عدم اتساع الزمان لصلاة الليل،اقتصر على الوتر و قضى صلاة الليل،لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2).

و لو طلع الفجر و لمّا يتلبّس من صلاة الليل بشيء،فالمشهور في الفتوى تقديم الفريضة،لرواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المنع من الوتر بعد طلوع الفجر (3).

و روى عمر بن يزيد،و إسحاق بن عمّار عنه عليه السلام في تقديم صلاة الليل و الوتر على الفريضة و إن طلع الفجر (4).

قال الشيخ:هذه رخصة لمن أخّر لاشتغاله بشيء من العبادات (5).

قال في المعتبر:اختلاف الفتوى دليل التخيير (6)يعني بين فعلها قبل الفرض و بعده،و هو قريب من قول الشيخ.

و لو كان قد تلبّس بما دون الأربع،فالحكم كعدم التلبّس.و لو تلبّس بأربع قدّمها مخففة،لرواية محمّد بن النعمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر،فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع» (7)مع انه قد روى يعقوب البزاز،قال:قلت له:أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثم أتخوّف أن ينفجر الفجر،أ أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟قال:«لا،بل أوتر،و أخّر الركعات حتى تقضيها» (8)و يمكن حملها6.

ص: 372


1- الكافي 3:449 ح 27،التهذيب 2:124 ح 473،الاستبصار 1:280 ح 1019.
2- الكافي 3:449 ح 28،التهذيب 2:125 ح 474،الاستبصار 1:281 ح 1020.
3- التهذيب 2:126 ح 479،الاستبصار 1:281 ح 1021.
4- التهذيب 2:126 ح 477،478،الاستبصار 1:281 ح 1022،1023.
5- التهذيب 2:126.
6- المعتبر 2:60.
7- التهذيب 2:125 ح 475،الاستبصار 1:282 ح 1025.
8- التهذيب 2:125 ح 476،الاستبصار 1:282 ح 1026.

على الأفضل كما صرّح به الشيخ-رحمه اللّه- (1).

المسألة الخامسة:وقت الوتر آخر الليل بعد الثماني،

لفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).

و ليكن بين الصبحين،لما روى ابن أبي قرّة عن زرارة انّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن الوتر أول الليل،فلم يجبه،فلمّا كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى المسجد فنادى:«أين السائل عن الوتر -ثلاث مرات-نعم ساعة الوتر هذه».ثمّ قام فأوتر.

و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبيه سنان،عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ :«هو الوتر آخر الليل» (3).

و روى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أ أوتر بعد ما يطلع الفجر؟قال:«لا» (4).

و قد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:فعل صلاة الليل و الوتر بعد الفجر،و لا تجعله عادة (5)و هو محمول على الضرورة كما قاله الشيخ.

و يجوز تقديم الوتر أول الليل حيث يجوز تقديم صلاة الليل،لما سلف، و قد سلفت رواية الحجّال عن الصادق عليه السلام في تقديم ركعتين من أول الليل،فإن استيقظ صلّى صلاة الليل و أوتر،و إلاّ صلّى ركعة (6)و احتسب

ص: 373


1- راجع الهامش السابق.
2- الفقيه 1:146 ح 678.
3- رواه القاضي التميمي في دعائم الإسلام 1:204 مرسلا. و الآية في سورة الطور:49.
4- التهذيب 2:126 ح 479،الاستبصار 1:281 ح 1021.
5- التهذيب 2:126 ح 477،الاستبصار 1:281 ح 1022.
6- في المصدر:«ركعتين».

بالركعتين شفعا (1).

و عليه تحمل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يتبين إلاّ بوتر» (2).و يجوز حملها على التقيّة،لأنّ عندهم وقت للوتر ما بين العشاء الى الفجر،و يروون عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:

«الوتر جعلها اللّه لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر» (3).

و جوابه،يحمل على آخر وقت العشاء،و يعارض بما روي عن عائشة:

أوتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أول الليل و آخره،و لكن انتهى وتره حين مات الى السحر (4).

و أفضل أوقاته بعد الفجر الأول،لمّا مرّ،و لرواية إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام في ساعة الوتر:«أحبّها إليّ الفجر الأول».

و قال:«كان أبي ربّما أوتر بعد ما انفجر الصبح» (5).

و لو ظن الضيق فشفع و أوتر و صلّى ركعتي الفجر،ثم تبيّن بقاء الليل،بنى ستّا على الشفع،و أعاد الوتر مفردة و ركعتي الفجر،قاله المفيد-رحمه اللّه- (6).4.

ص: 374


1- كذا،و في المصدر:«وترا». و قد تقدمت في ص 308 الهامش 5.
2- التهذيب 2:341 ح 1412.
3- سنن ابن ماجة 1:369 ح 1168،سنن أبي داود 2:61 ح 1418،الجامع الصحيح 2: 314 ح 452،سنن الدار قطني 2:30،المستدرك على الصحيحين 1:306،السنن الكبرى 3:23.
4- ترتيب مسند الشافعي 1:195 ح 549،المصنف لعبد الرزاق 3:17 ح 4624،مسند أحمد 6:107،سنن الدارمي 1:372،صحيح البخاري 2:31،صحيح مسلم 1:512 ح 745،سنن ابن ماجة 1:374 ح 1185،سنن أبي داود 2:66 ح 1435،الجامع الصحيح 2:318 ح 459.
5- التهذيب 2:339 ح 1401.
6- المقنعة:24.

و قال علي بن بابويه:يعيد ركعتي الفجر لا غير (1).

و قال في المبسوط:لو نسي ركعتين من صلاة الليل،ثمّ ذكر بعد أن أوتر، قضاهما و أعاد الوتر (2).

و كأنّ الشيخين نظرا الى أنّ الوتر خاتمة النوافل ليوترها.و قد روى إبراهيم ابن عبد الحميد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن ظن الفجر فأوتر ثمّ تبين الليل:«انّه يضيف للوتر ركعة،ثم يستقبل صلاة الليل، ثم يعيد الوتر» (3).

و روى علي بن عبد اللّه عن الرّضا عليه السلام،قال:«إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت و رأيت الصبح،فزد ركعتين الى الركعتين اللتين صلّيتهما قبل،و اجعله وترا» (4).و فيه تصريح بجواز العدول من النفل الى النفل،لكن ظاهره انّه بعد الفراغ (5)،كما ذكر مثله في الفريضة (6).و يمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقاربة الفراغ (7).

المسألة السادسة:وقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل

و لو قبل طلوع الفجر في الأشهر من الأخبار.

و قال المرتضى و الشيخ-في المبسوط-:بعد طلوع الفجر الأول (8).

ص: 375


1- مختلف الشيعة:124.
2- المبسوط 1:131.
3- التهذيب 2:338 ح 1396.
4- التهذيب 2:338 ح 1397.
5- في س:الركوع.
6- التهذيب 2:158 ح 340.
7- الخلاف 1:382 المسألة 139.
8- المبسوط 1:76،و حكاه عن المرتضى:المحقق في المعتبر 2:56،و العلامة في مختلف الشيعة:71.

و قال ابن الجنيد:و لا استحبّ صلاتهما قبل سدس الليل الأخير (1).

لنا رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:«انّهما قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل،أ تريد أن تقايس:لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟!فابدأ بالفريضة» (2).

و عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّهما قبل الغداة» (3).

و عن البزنطي،قال أبو الحسن عليه السلام:«قال أبو جعفر عليه السلام احش بهما صلاة الليل،و صلّهما قبل الفجر» (4).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر:هما من صلاة الليل (5).في أخبار كثيرة.

و تسميان الدّسّاستين لدسّهما في صلاة الليل.و روى أبو الفرج بن أبي قرّة بإسناده إلى سعد الإسكاف،عن الصادق عليه السلام في ركعتي الفجر:

«دسّهما في صلاة الليل دسّا».

و يظهر من ذلك انّه لو طلع الفجر بدأ بالفريضة،لكن جاءت روايات أخر بجوازهما بعد الفجر:

كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام:

«صلّهما مع الفجر و قبله،و بعده» (6).

و عن يعقوب بن سالم،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلّهما بعد7.

ص: 376


1- مختلف الشيعة:71.
2- التهذيب 2:133 ح 513،الاستبصار 1:283 ح 1031.
3- التهذيب 2:133 ح 514،الاستبصار 1:283 ح 1032.
4- التهذيب 2:133 ح 516،الاستبصار 1:283 ح 1034.
5- التهذيب 2:133 ح 512،الاستبصار 1:283 ح 1030.
6- التهذيب 2:134 ح 520،الاستبصار 1:284 ح 1037.

الفجر،و اقرأ في الأولى الجحد،و في الثانية التوحيد» (1)،و مثله رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه السلام (2).

و في مرسلة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام،قال:«صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك» (3).و عن الحسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام في الرجل يقوم و قد نوّر بالغداة:«ليصلّ السجدتين اللتين قبلها ثم ليصل الغداة» (4).

و حمل الشيخ هذين الخبرين على الفجر الأول.و فيه بعد،لظهورهما في الثاني و انتشاره،و دلالتهما على امتداد وقتهما الى ذلك.و قد روى التصريح بجوازهما بعد الفجر الثاني أبو بكر الحضرمي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قلت متى أصلّي ركعتي الفجر؟قال:«حين يعترض الفجر،و هو الذي تسميه العرب الصديع» (5).

و أما كلام ابن الجنيد،فيشهد له رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:أول وقتهما سدس الليل الباقي (6).

و ظاهر كلام التهذيب و الاستبصار عدم جواز فعلهما بعد طلوع الفجر الثاني،و حمل الأخبار على الفجر الأول،أو على صلاتهما أول ما يبدو الفجر الثاني استظهارا لتيقّنه،أو على التقية (7)،لرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام و قد أمره بفعلهما بعد طلوع الفجر،فقال أبو بصير:إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر.فقال:«يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا4.

ص: 377


1- التهذيب 2:134 ح 521،الاستبصار 1:284 ح 1038.
2- التهذيب 2:134 ح 523،الاستبصار 1:284 ح 1040.
3- التهذيب 2:134 ح 524،الاستبصار 1:284 ح 1041.
4- التهذيب 2:135 ح 525،الاستبصار 1:285 ح 1042.
5- التهذيب 2:133 ح 517.
6- التهذيب 2:133 ح 515،الاستبصار 1:283 ح 1033.
7- التهذيب 2:125،الإستبصار 1:284.

أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق،و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة» (1).و هذا الخبر يدلّ على انّ تقديمهما أفضل،لا على انّ ذلك هو الوقت المخصوص.

على انّه قد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال:«إنّي لأصلي صلاة الليل،و أفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين،و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر،فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (2)،و نحوه رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3).و حملهما الشيخ على فعلهما قبل الفجر الأول فتعادان بعده (4).

قلت:الظاهر انّ فعلهما جائز قبل الفجرين و بينهما و بعدهما الى التنوير،و أما الأفضل فالظاهر انّه بين الفجرين حسب ما دلّت عليه الأخبار.

قال كثير من الأصحاب:و يمتد وقتهما الى طلوع الحمرة (5).و احتجّ له في المعتبر بأنّه وقت تتضيّق فيه الفريضة للمتأد (6)غالبا فتمتنع النافلة،و بما رواه إسحاق بن عمار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر، متى أدعهما حتى أقضيهما؟قال:«إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة».و عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة،و لم يركع ركعتي الفجر،أ يركعهما أو يؤخرهما؟قال:

«يؤخرهما» (7).9.

ص: 378


1- التهذيب 2:135 ح 526،الاستبصار 1:285 ح 1043.
2- التهذيب 2:135 ح 528،الاستبصار 1:285 ح 1045.
3- التهذيب 2:135 ح 527،الاستبصار 1:285 ح 1044.
4- التهذيب 2:135،الاستبصار 1:285.
5- راجع:الوسيلة:80،الغنية:494،المهذب 1:70،المعتبر 2:55.
6- في النسخ:للمتأيد،و لعل الصحيح ما أثبتناه و هو افتعال من التؤدة بمعنى التأني.
7- المعتبر 2:57. و الروايتان في التهذيب 2:340 ح 1408،1409.

قلت:قد روى سليمان بن خالد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر؟قال:«تتركهما-و في خط الشيخ:تركعهما-حين تترك الغداة،انّهما قبل الغداة» (1)و هذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها،و ليس ببعيد.و قد تقدم رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله إياهما قبل الغداة في قضاء الغداة (2)فالأداء أولى.و الأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار (3)جاز كونه لمجرّد الفضيلة لا توقيتا.م.

ص: 379


1- التهذيب 2:133 ح 514،الاستبصار 1:283 ح 1032.
2- تقدم في ص 301 الهامش 4.
3- راجع روايتي التهذيب في الهامش 7،المتقدم.

ص: 380

الفصل الثالث
اشارة

في الأحكام:

و فيه

مسائل:
المسألة الأولى:تكره النافلة المبتدأة في أوقات خمسة:
اشارة

عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة،قاله المفيد (1)و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«حتى ترتفع» (2).و غروبها حتى يذهب الشفق المشرقي،و يراد به ميلها للغروب و هو الاصفرار حتى يكمل الغروب.و قيامها في الاستواء حتى تزول،إلاّ في يوم الجمعة فإنّه يجوز عند القيام.و بعد صلاتي الصبح إلى طلوع الشمس، و العصر الى غروبها.

و احترزنا بالنافلة عن الفريضة،و بالمبتدأة عن ذات السبب-كقضاء النافلة،و التحية،و الاستسقاء،و صلاتي الطواف،و الإحرام-فإنّ ذلك لا يكره في المشهور.

و الأصل فيه ما رواه عقبة بن عامر،قال:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ثلاث أن نصلّي بهن،أو نقبر فيهن موتانا:إذا طلعت الشمس حتى ترتفع،و حين تقوم،و إذا تضيّفت للغروب (3)أي:مالت.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الشمس تطلع و معها قرن الشيطان،فإذا ارتفعت فارقها،ثم إذا استوت قارنها،فإذا زالت فارقها،و إذا

ص: 381


1- المقنعة:23.
2- مسند أحمد 4:152،سنن الدارمي 1:333،صحيح مسلم 1:568 ح 831،سنن ابن ماجة 1:486 ح 1519،سنن أبي داود 3:208 ح 3192،الجامع الصحيح 3:348 ح 1030،سنن النسائي 1:275،مسند أبي يعلى 3:291 ح 1755.
3- مسند أحمد 4:152،سنن الدارمي 1:333،صحيح مسلم 1:568 ح 831،سنن ابن ماجة 1:486 ح 1519،سنن أبي داود 3:208 ح 3192،الجامع الصحيح 3:348 ح 1030،سنن النسائي 1:277،مسند أبي يعلى 3:291 ح 1755.

دنت للغروب قارنها،فإذا غربت فارقها»و نهى عن الصلاة في هذه الأوقات (1)و نحوه روينا عن أبي الحسن الثاني عليه السلام (2).

فقيل:قرن الشيطان حزبه،و هم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات.

و قال بعض العامة:إنّ الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات،ليكون الساجد للشمس ساجدا له (3).

و في التهذيب في خبر مرفوع الى أبي عبد اللّه عليه السلام،انّ رجلا قال له عليه السلام:إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان،قال:«نعم،إنّ إبليس اتّخذ عريشا بين السّماء و الأرض،فإذا طلعت الشّمس و سجد في ذلك الوقت الناس،قال إبليس لشياطينه:إنّ بني آدم يصلّون لي» (4).

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان،و تغرب بين قرني شيطان»،و قال:«لا صلاة بعد العصر حتى تصلّى المغرب» (5).

و إنّما اختص يوم الجمعة لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه نهى عن الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة (6).و عن أبي قتادة عنه صلّى اللّه عليه و آله:انّه كره الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة و قال:«إنّ جهنم تسجر إلاّ يوم4.

ص: 382


1- الموطأ 1:29،ترتيب مسند الشافعي 1:55 ح 163،المصنف لعبد الرزاق 2:425 ح 3950،مسند أحمد 4:438،سنن ابن ماجة 1:397 ح 1253،سنن النسائي 1:275، مسند أبي يعلى 3:37 ح 1451،السنن الكبرى 2:454.
2- علل الشرائع:343.
3- فتح العزيز 3:105.
4- الكافي 3:290 ح 8،التهذيب 2:268 ح 1068.
5- التهذيب 2:174 ح 694،الاستبصار 1:290 ح 1065.
6- ترتيب مسند الشافعي 1:139 ح 408،السنن الكبرى 2:464.

الجمعة» (1).و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (2).

و إنّما قيّدنا المبتدأة:لتظافر الروايات بقضاء النافلة فيها،منها:

رواية عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:لا بأس بقضاء صلاة الليل و الوتر بعد صلاتي الفجر و العصر (3).

و عن جميل بن درّاج عن أبي الحسن عليه السلام نحوه،قال:«و هو من سرّ آل محمد المخزون» (4).

و عن سليمان بن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّما هي النوافل،فاقضها متى ما شئت» (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام بطريقين:«اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت» (6).

و قد روى ابن بابويه بإسناده عن أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري-رضي اللّه عنهما-:و أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها،فإن كان كما يقول الناس:

انّ الشمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصلّها،و أرغم الشيطان (7)و أورده الشيخ في التهذيب أيضا عن ابن بابويه (8).و هذا يعطي عدم الكراهية مطلقا.

و بإزاء هذا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إن نام7.

ص: 383


1- سنن أبي داود 1:284 ح 1083،السنن الكبرى 2:464،3:193.
2- التهذيب 3:13 ح 44،الاستبصار 1:412 ح 1576.
3- التهذيب 2:173 ح 687،الاستبصار 1:289 ح 1058.
4- التهذيب 2:173 ح 689،الاستبصار 1:290 ح 1060.
5- التهذيب 2:173 ح 690،و في الاستبصار 1:290 ح 1061 عن أبي الحسن عليه السلام.
6- التهذيب 2:173 ح 691،692،الاستبصار 1:290 ح 1062،1063.
7- الفقيه 1:315 ح 1431،إكمال الدين:520.
8- التهذيب 2:175 ح 697،الاستبصار 1:691 ح 1067.

رجل و لم يصلّ المغرب و العشاء أو نسي،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة.و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ (1)المغرب،و يدع العشاء حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها،ثمّ ليصلّها» (2)و في هذا الخبر دلالة على امتداد وقت العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر،كما مر.

و روى الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّ الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل،و لو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلّى المغرب بعدها و لا يعدل،لأنّ العصر ليس بعدها صلاة (3).

و في خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فليصلّ الصبح،ثم المغرب،ثم العشاء،قبل طلوع الشمس» (4).

و حملها الشيخ على التقية،لتظافر الأخبار بقضاء الفرائض في أي وقت شاء (5).

قلت:هذه الروايات لا دلالة فيها على نفي كراهية ماله سبب.و قد قال المرتضى في الناصرية:يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدم،و إنّما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل (6)،و عنى:

الطلوع،و الغروب،و الاستواء.

و الشيخ في الخلاف قال:فيما بعد الصبح و العصر لا يكره ما له سبب، كالأمثلة الماضية.و قال:فيما نهي عنه لأجل الوقت-و هي المتعلقة7.

ص: 384


1- في المصدرين زيادة:«الفجر،ثم المغرب،ثم العشاء الآخرة،قبل طلوع الشمس.فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين،فليصل».
2- التهذيب 2:270 ح 1077،الاستبصار 1:288 ح 1054.
3- التهذيب 2:270 ح 1075.
4- التهذيب 2:270 ح 1076،و في الاستبصار 1:288 ح 1053 عن ابن مسكان.
5- التهذيب 2:271.
6- الناصريات:230 المسألة 77.

بالشمس-:لا فرق فيه بين الصلوات و البلاد و الأيام،إلاّ يوم الجمعة فإنّه يصلّى عند قيامها النوافل.قال:و في أصحابنا من قال التي لها سبب مثل ذلك (1).

و في المبسوط:عمّم الأوقات الخمسة بالكراهية،إلاّ فيما له سبب (2).

و قال المفيد-رحمه اللّه-:تقضى النوافل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس،و بعد العصر الى اصفرارها،و لا يجوز قضاؤها و لا ابتداؤها عند طلوع الشمس و لا غروبها.و لو زار بعض المشاهد عند طلوعها أو غروبها أخّر الصلاة،حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها،أو صفرتها عند غروبها (3).

و حكم الشيخ في النهاية بكراهة صلاة النوافل أداء و قضاء عند الطلوع و الغروب،و لم يعيّن شيئا (4).

و قال ابن أبي عقيل:لا نافلة بعد طلوع الشمس الى الزوال،و بعد العصر الى أن تغيب الشمس،إلاّ قضاء السنة فإنّه جائز فيهما،و إلاّ يوم الجمعة (5).

و قال ابن الجنيد:ورد النهي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس،و غروبها،و قيامها نصف النهار،إلاّ يوم الجمعة في قيامها (6).

و قال الجعفي:و كان يكره-يعني الصادق عليه السلام-أن يصلّى من طلوع الشمس حتى ترتفع،و نصف النهار حتى تزول،و بعد العصر حتى تغرب،و حين يقوم الإمام يوم الجمعة إلاّ لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من6.

ص: 385


1- الخلاف 1:520 المسألة 263.
2- المبسوط 1:76.
3- المقنعة:23،35.
4- النهاية:62.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:76.
6- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:76.

يوم الجمعة.

و قال المرتضى في الانتصار:يحرم التنفّل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى الزوال (1).و كأنّه عنى به صلاة الضحى لذكرها من قبل.

و الأقرب على القول بالكراهية استثناء ماله سبب،لأن شرعيته عامة.و إذا تعارض العمومان وجب الجمع،و الحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع، فإنّ مثل قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا دخل أحدكم المسجد،فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين» (2)يشمل جميع الأوقات،و كذا كلّ ذي سبب،فإنّ النصّ عليه شامل.و قد ظهر استثناء القضاء من ذلك بالأخبار الصريحة،فإذا جاز إخراجه بدليل جاز إخراج غيره.

فروع:
الأول:النهي عن الصلاة بعد الصبح و العصر لمن صلاّهما،

سواء صلاهما غيره أولا.و لو لم يصلّ الصبح أو العصر فلا كراهية في سنّتهما،و أما غيرها فمبني على إيقاع النافلة في وقت الفريضة و قد سبق.

و بعض العامة يجعل النهي معلّقا على طلوع الفجر (3)،لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلّوا بعد الفجر إلاّ سجدتين» (4)،و لعموم قوله عليه السلام:«لا صلاة بعد الفجر» (5).

و الحديث الأول لم نستثبته،و أمّا الثاني فنقول بموجبه،و يراد به صلاة

ص: 386


1- الانتصار:50.
2- صحيح البخاري 1:120،صحيح مسلم 1:495 ح 714،سنن ابن ماجة 1:324 ح 1013،سنن أبي داود 1:127 ح 467،الجامع الصحيح 2:129 ح 316،سنن النسائي 2:53،السنن الكبرى 3:53.
3- المغني 1:790،الشرح الكبير 1:832.
4- مسند أحمد 2:104،سنن أبي داود 2:25 ح 1278،مسند أبي يعلى 9:460 ح 5608، سنن الدار قطني 1:419،السنن الكبرى 2:465.
5- سنن الدارمي 1:335،سنن الترمذي 1:343 ح 183،سنن النسائي 1:278.

الفجر توفيقا بينه و بين الأخبار.

الثاني:لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات،

فالظاهر:انعقادها إن لم نقل بالتحريم،إذ الكراهية لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة.

و توقّف فيه الفاضل من حيث النهي (1).

قلنا:ليس بنهي تحريم عندكم.و عليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات.فعلى قولنا ينعقد،و على المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده (2)لأنّه مرجوح.

و لقائل أن يقول بالصحة أيضا،لأنّه لا يقصر عن نافلة لها سبب،و هو عنده جائز،و لأنّه جوّز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات (3).

الثالث:يجوز اعادة الصبح و العصر في جماعة،

لأنّ لها سببا،و لأنّه روي انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الصبح،فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد،فقال:«لم لم تصليا معنا»؟فقالا:كنا قد صلّينا في رحالنا، فقال صلّى اللّه عليه و آله:«إذا جئتما فصليا معنا،و إن كنتما قد صلّيتما في رحالكما تكن لكما سبحة» (4).

الرابع:لو تعرّض للسبب في هذه الأوقات-

كأن أراد الإحرام،أو دخل المسجد،أو زار مشهدا-لم تكره الصلاة،لصيرورتها ذات سبب،و لأنّ شرعية هذه الأمور عامة.

و لو تطهّر في هذه الأوقات،جاز أن يصلّي ركعتين و لا يكون هذا ابتداء،

ص: 387


1- تذكرة الفقهاء 1:80.
2- تذكرة الفقهاء 1:80.
3- تذكرة الفقهاء 1:80.
4- سنن الدار قطني 1:414. و بلفظ:«فإنها لكم نافلة»في:مسند الطيالسي 175 ح 1247،مسند أحمد 4:161، سنن أبي داود 1:157 ح 575،الجامع الصحيح 1:424 ح 219،سنن النسائي 2:112، المستدرك على الصحيحين 1:244،السنن الكبرى 2:301.

للحث على الصلاة عقيب الطهارة،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله روي انّه قال لبلال:«حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام،فإني سمعت دقّ نعليك بين يديّ في الجنة».قال:ما عملت عملا أرجى عندي من أنّني لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار،إلاّ صلّيت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي.و أقرّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ذلك (1).

الخامس:ليس سجود التلاوة صلاة،

فلا يكره في هذه الأوقات،و لا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه.و لو سمّي جزءا أو شارك الصلاة في الشرائط فله سبب،و كذا سجود الشكر.اما سجود السهو،ففي رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تسجد سجدتي السهو،حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (2)،و فيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.

السادس:الظاهر انّه لا فرق بين مكة و غيرها،

للعموم.

و أمّا قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلّى في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار» (3)فلا يدلّ على الاستثناء،لأنّ الصلاة لها سبب.هذا إن حملت الصلاة على صلاة الطواف،و إن حملت على مطلق الصلاة فنحن نقول به،إذ لا تحريم هنا فلا منع،أو يراد به ماله سبب،أو نستثني الأوقات الخمسة بدليل آخر فيكون المراد ما عداها.

السابع:لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر،

تخيّر في جمع الظهر و العصر،أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة.و لو ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا.

ص: 388


1- مسند أحمد 2:433،صحيح البخاري 2:67،صحيح مسلم 4:1910 ح 2458.
2- التهذيب 2:353 ح 1466.
3- مسند أحمد 4:80،سنن ابن ماجة 1:398 ح 1254،الجامع الصحيح 3:220 ح 868، سنن النسائي 1:284،الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان 3:46-1550،سنن الدار قطني 1: 424،المستدرك على الصحيحين 1:448.

و يأتي على قول من عمّم كراهية النافلة ان تقدّم في الأوليين النافلة، و يجعل العصر في الأخيرتين،و قد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام (1)،قال الشيخ:إنّما فعل ذلك لأنه تكره الصلاة بعد العصر (2).

المسألة الثانية:قال الجعفي:خمس صلوات يصلّين على كل حال و في

كل وقت:

فريضة نسيتها تقضيها،و ركعتا الإحرام،و ركعتا الطواف،و كسوف الشمس،و صلاة الجنازة.و الصلوات الفائتة تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة،فإذا دخل عليه وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها.

و قال الشيخ في المبسوط:خمس صلوات تصلّى في كل وقت ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة:الفائتة الواجبة إذا ذكرها و فائت النافلة ما لم يدخل وقت فريضة،و صلاة الكسوف،و صلاة الجنازة،و ركعتا الإحرام،و ركعتا الطواف (3).

و قد روى الكليني عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«خمس صلوات تصلّيهن في كل وقت:-صلاة الكسوف،و الصلاة على الميت،و صلاة الإحرام،و الصلاة التي تفوت،و صلاة الطواف-من الفجر الى طلوع الشمس و بعد العصر الى الليل» (4)و نحوه روى معاوية بن عمار عنه عليه السلام (5).

و هذا ظاهره انعقاد صلاتي الإحرام و الطواف لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة.

و ظاهر الجعفي المواسعة في القضاء،و سيأتي إن شاء اللّه بسطه.و قد تقدّم ذكر التنفّل في أوقات الفرائض و اختلاف الروايات فيه.

ص: 389


1- التهذيب 3:165 ح 360،226 ح 573.
2- التهذيب 3:166.
3- المبسوط 1:76.
4- الكافي 3:287 ح 1،التهذيب 2:171 ح 682.
5- الكافي 3:277 ح 2،التهذيب 2:172 ح 683.

و ابن بابويه حكم بصلاة سنة الصبح قضاء،ثم قضاء الفريضة كما جاءت به الرواية (1).

و ابن الجنيد:إذا وسع الوقت القضاء و الحاضرة جاز قضاء التطوّع و الواجب مرتّبا كما كان حال الأداء،و جعل الأحبّ إليه البدأة بالفريضة (2).

و في خبر زرارة عن الباقر عليه السلام:«و لا تتطوّع بركعة حتى تقضي الفريضة» (3).

و في صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام فيمن فاته الوتر و الصبح:«يبدأ بالفريضة» (4).

و رواية محمّد بن النعمان السابقة تدلّ على جواز النافلة في وقت الفريضة،و قد ذكرها الشيخ في باب القضاء من التهذيب (5).

المسألة الثالثة:لا يجوز التعويل في الوقت على الظن إلاّ مع تعذّر العلم،

فيبني على الأمارات المفيدة للظن الغالب،أو يصبر حتى يتيقّن.و قد روى الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«لأن أصلّي الظهر في وقت العصر، أحبّ إليّ من ان أصلّي قبل أن تزول الشمس» (6).

و عن سماعة،قال:سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و لا القمر و لا النجوم،قال:«اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك» (7)،و هذا يشمل

ص: 390


1- الفقيه 1:233،المقنع:33. و الرواية في الفقيه 1:233 ح 1031.
2- مختلف الشيعة:148.
3- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172 ح 685،3:159 ح 341،الاستبصار 1:286 ح 1046.
4- التهذيب 2:265 ح 1056،الاستبصار 1:286 ح 1047.
5- التهذيب 3:165 ح 360،226 ح 573.
6- التهذيب 2:254 ح 1006.
7- الكافي 3:284 ح 1،الفقيه 1:143 ح 667،التهذيب 2:46 ح 147،الاستبصار 1: 295 ح 1088.

الاجتهاد في الوقت و القبلة.

و من الأمارات ما رواه الكليني و الشيخ عن عبد اللّه الفرّاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انّه سئل عن اشتباه الوقت بالغيم،فقال:«أ تعرف الدّيكة؟إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس»أو قال:«فصلّ» (1).و رويا مرسل الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس،و دخل وقت الصلاة» (2)،و أورده أيضا ابن بابويه رحمه اللّه في الفقيه (3)،و ظاهره الاعتماد عليه.و صار إليه بعض العامة إذا علم من عادة الديك مصادفة الوقت (4).و نفى ذلك في التذكرة بالكلية (5)،و هو محجوج بالخبرين المشهورين.

و لو كان له أوراد من صلاة،أو درس علم،أو قراءة قرآن،أو صنعة استفاد بها الظن،عمل عليه.و لو ظهر فساد ظنه أعاد الصلاة،لوقوعها في غير وقتها،و لرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (6)و قد روى زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل صلّى الغداة بليل،غرّه القمر فأخبر بذلك،قال:«يعيد» (7).

أمّا لو دخل عليه الوقت في أثنائها،فالأقرب:الإجزاء،لأنّه متعبّد بظنّه، خرج عنه ما إذا لم يدرك شيئا من الوقت.و قد روى إسماعيل بن رياح عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت-و لم يدخل8.

ص: 391


1- الكافي 3:284 ح 2،الفقيه 1:143 ح 668،التهذيب 2:255 ح 1010.
2- الكافي 3:285 ح 5،التهذيب 2:255 ح 1011.
3- الفقيه 1:144 ح 669.
4- المجموع 3:74.
5- تذكرة الفقهاء 1:85.
6- التهذيب 2:254 ح 1005.
7- الكافي 3:285 ح 4،التهذيب 2:140 ح 548،254 ح 1008.

الوقت-فدخل الوقت و أنت في الصلاة،فقد أجزأت عنك» (1).و هذه محمولة على الظان الذي لا طريق له الى العلم،قاله المفيد و الشيخ في المبسوط (2).

امّا المتعمّد،فالأجود الإعادة،لأنّه منهي عن الشروع مع العمد،و النهي مفسد.و الشيخ في النهاية طرد الحكم فيه،مع حكمه بعدم جواز الدخول في الصلاة قبل العلم بدخول وقتها،أو غلبة الظن (3).و يمكن حمل كلامه على الظان،فإنّه يسمّى متعمدا للصلاة،ليجمع بين كلامية.

و أمّا الناسي:إمّا لمراعاة الوقت،و إما لجريان الصلاة منه حال عدم خطور الوقت بالبال،فاختلف الأصحاب فيه:

ففي النهاية و الكافي لأبي الصلاح انّه كالظان (4)إذ المعتبر له إدراك وقت الصلاة و قد حصل،مع رفع الخطأ عن الناسي،و فحوى الخبر يدلّ عليه.

و قال المرتضى:لا بدّ من كون وقوع جميع الصلاة في الوقت،و متى صادف شيء من اجزائها خارج الوقت بطلت عند محقّقي الأصحاب و محصّليهم،و قد وردت روايات به (5).

و أطلق ابن أبي عقيل بطلان صلاة العامد و الساهي قبل الوقت (6).

و قال ابن الجنيد:ليس للشاكّ يوم الغيم و لا غيره ان يصلّي إلاّ عند تيقّنه بالوقت،و من صلّى أول صلاته أو جميعها قبل الوقت ثم أيقن ذلك استأنفها (7).

و ظاهر كلام هؤلاء إعادة الظانّ كالناسي.و الأقرب إعادة الناسي و إن دخل3.

ص: 392


1- الكافي 3:286 ح 11،الفقيه 1:143 ح 666،التهذيب 2:35 ح 110،141 ح 550.
2- المقنعة:14،المبسوط 1:74.
3- النهاية:62.
4- النهاية:62،الكافي في الفقه:138.
5- أجوبة المسائل الرسية الاولى 2:350.
6- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:73.
7- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:73.

الوقت عليه،لتفريطه بعدم التحفّظ مع قدرته عليه،و لأنّ المسبّب لا يثبت مع عدم سببه،و الوقت سبب الوجوب فلا يتقدّم الوجوب عليه،و الإجزاء تابع للوجوب،خرج عنه الظانّ للرواية و تعبّده باجتهاده،فيبقى الباقي على أصله.

و استدل في المختلف على بطلان صلاة الجميع بظاهر خبر أبي بصير السالف،فإنّه شامل للصلاة الكاملة و غيرها (1).و يدفعه بناء العام على الخاص إن سلم العموم.

و قال السيد:معنى ضرب الوقت:التنبيه على عدم الإجزاء في غيره، فالمصلّي قبله مخالف للمشروع فتفسد صلاته،و لأنّ القطع بالبراءة لا يتم إلاّ بفعل الجميع في الوقت (2).

و جوابه:لا مخالفة إذ هو مأمور بالعمل بظنّه،و القطع بالبراءة غير معتبر في العبادات غالبا،و إلاّ لكان تكليفا بالمحال أو الحرج.

و أمّا الجاهل،فقد صرّح المرتضى ببطلان صلاته (3)و ألحقه أبو الصلاح بالناسي (4).و يمكن تفسيره بجاهل دخول الوقت فيصلّي لأمارة على دخوله، أو لا لأمارة بل لتجويز الدخول،و بجاهل اعتبار الوقت في الصلاة،و بجاهل حكم الصلاة قبل الوقت.

فإن أريد الأول فهو معنى الظان،و قد مر.و إن أريد باقي التفسيرات، فالأجود البطلان،لعدم الدخول الشرعي في الصلاة،و توجّه الخطاب على المكلّف بالعلم بالتكليف فلا يكون جهله عذرا،و إلاّ لارتفع المؤاخذة على الجاهل.8.

ص: 393


1- مختلف الشيعة:74. و قد تقدم خبر أبي بصير في ص 391 الهامش 6.
2- أجوبة المسائل الرسية الأولى 2:350.
3- أجوبة المسائل الرسية الأولى 2:350.
4- الكافي في الفقه:138.

تنبيه:

لو صادف الوقت صلاة الناسي و الجاهل بدخول الوقت أو بالحكم،ففي الإجزاء نظر،من حيث عدم الدخول الشرعي،و من مطابقة العبادة ما في نفس الأمر،و الأول أقوى.و أولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه،أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد،لعصيانهما.و لو لم يتذكّر الاجتهاد و التقليد فكالأول.

المسألة الرابعة:الأعمى يقلّد العدل العارف بالوقت،

لظهور عذره،و قصوره عن العلم و الظن،و يكتفي بأذان العدل.و كذا العامي الذي لا يعرف الوقت،أو الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره.

اما غيرهما،فلا يجوز له التقليد مع إمكان العلم،لأنّه مخاطب بعلم الوقت،و التقليد لا يفيد العلم.

و لو تعذّر العلم،فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره،فالظاهر انّه كالممنوع من عرفانه،فيكتفي بقوله.و يمكن المنع،لأنّ الاجتهاد في حقه ممكن،و هو أقوى من التقليد.اما لو أخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله قطعا،لتساويهما في الاجتهاد،و زيادة اجتهاد الإنسان على غيره بالنسبة الى ما يجده من نفسه.

و لو قدّر رجحان اجتهاد غيره في نفسه على اجتهاد نفسه،أمكن العدول إلى الغير،لامتناع العمل بالمرجوح مع وجود الراجح.و يمكن التربص ليصير ظنه أقوى من قول الغير،و هو قوي،بخلاف القبلة،لأنّ التربّص فيها غير موثوق فيه باستفادة الظن،فيرجّح هناك ظن رجحان اجتهاد غيره.

بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقّن الدخول، و لا يكفيه الاجتهاد و لا التقليد،لأنّ اليقين أقوى و هو ممكن.أمّا لو كان الصبر لا يحصل منه اليقين،فلا إشكال في جواز الاجتهاد و التقليد،لأنّه معرض

ص: 394

بالتربّص لخروج الوقت.

و الوجه عدم وجوب التربّص مطلقا،لأنّ مبنى شروط العبادات و أفعالها على الظن في الأكثر،و البقاء غير موثوق به.و هذا الفرع جزئي من جزئيات صلاة أصحاب الأعذار مع التوسعة،أو مع الضيق،و سيأتي إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة:قطع في المعتبر بجواز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف

منه الاستظهار،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذّنون أمناء»،و لأنّ الأذان مشروع للإعلام بالوقت،فلو لم يعوّل عليه لم تحصل الغاية من شرعه (1)، و ظاهره عموم ذلك للمتمكّن من العلم و غيره.و يمكن حمل أمانة المؤذّن و شرعية الأذان للإعلام على ذوي الأعذار،و لتنبيه المتمكن على الاعتبار.

و أطلق في المبسوط (2)جواز التعويل على الغير مع عدم المانع.

نعم لو قدّر حصول العلم بالأذان لتظاهر الأمارات جاز التعويل،و لا يكون ذلك لمجرّد الأذان.و لا فرق في المنع من تقليد المؤذّن بين الصحو و الغيم،لأنّه يصير الى الظن مع إمكان العلم،و لا اعتبار بقطعه في الصحو.

و قد روى ذريح،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء،فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» (3).و روى محمّد بن خالد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أخاف أن أصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس،فقال:«إنّما ذاك على المؤذّنين» (4).و في هذين إشعار بما قال المحقق رحمه اللّه.

ص: 395


1- المعتبر 2:63. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:ترتيب مسند الشافعي 1:58 ح 174،المصنف لعبد الرزاق 1:477 ح 1839،السنن الكبرى 1:43.
2- المبسوط 1:74.
3- الفقيه 1:189 ح 899،التهذيب 2:284 ح 1136.
4- التهذيب 2:284 ح 1137،3:244 ح 661.

و لكن روى ابن أبي قرّة بإسناده الى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر،و لا يدري أ طلع أم لا،غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع؟قال:«لا يجزئه حتى يعلم أنّه قد طلع».

المسألة السادسة:لو صلّى المقلّد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد،

فالأقرب أنّه كالظّان،فتلحقه أحكامه،لتعبّده بذلك.و لو عارضه اخبار آخر بعدم الدخول،فإن تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات،و إن كان الثاني أرجح فحكمه حكم التعارض في القبلة،و سيأتي إن شاء اللّه.

المسألة السابعة:كلّ من انكشف فساد ظنّه في أثناء الصلاة و لمّا يدخل الوقت،

أو دخل و قلنا بعدم الإجزاء،ففي وقوع صلاته نافلة وجهان:

أحدهما -و اختاره الفاضل (1)-:لا،لعدم نيّته،«و لا عمل إلاّ بنيّة»، و لقول الصادق عليه السلام في خبر معاوية في رجل قام في المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة،أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة،قال:«هي على ما افتتح عليه الصلاة» (2)،و في عبارة أخرى:«هي ما افتتح الصلاة عليه» (3)،و هذا افتتحها على الفريضة.

و في خبر عمار عنه عليه السلام في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات فيصلّي عشرا،أ يحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟قال:«لا،إلاّ أن يصلّيها عمدا،فإن لم ينو ذلك فلا» (4).

و عن عبد اللّه بن أبي يعفور عنه عليه السلام:«إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» (5).

ص: 396


1- تذكرة الفقهاء 1:85.
2- التهذيب 2:197 ح 776.
3- التهذيب 2:343 ح 1419.
4- التهذيب 2:343 ح 1421.
5- التهذيب 2:343 ح 1420.

و الثاني: نعم،لأنّ النفل يكفي فيه التقرّب مع القصد إلى الصلاة و قد وقع،و لفتوى الأصحاب بأنّ الاحتياط مع الغناء عنه نافلة،و قد رواه ابن أبي يعفور و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة» (1).

و يمكن الجواب بأنّ هذا مع تمام الصلاة،و لا يلزم منه الحكم بالنافلة لا مع التمام.و على القول بأنها لا تقع نافلة لا تصير بالعدول نافلة،لبطلانها من أصلها.

و يؤيّد الثاني عموم وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2)فنعمل به مهما أمكن،و من الممكن جعلها نافلة.

و يقوى الإشكال لو ركع في الثالثة،و قلنا بأنّ النافلة لا تتجاوز الركعتين إلاّ أن يلتحق بإعادة اليومية في صورة الندب،و على التقديرين ففي جواز العدول بها الى القضاء احتمال.نعم،لو كان قد عدل بها قبل عرفان بطلانها صحّ قطعا.

المسألة الثامنة:لو اجتهد أو قلّد في موضعه،فصادفت الصلاة بأسرها خارج

الوقت،

أو صادف ما يخرجها عن الأداء،أجزأ لأنّ نيّة الأداء فرضه،و نية القضاء إنّما هي مع التذكّر.

و لو ظنّ الخروج نوى القضاء،فلو كذب ظنّه فالأداء باق،فإن كان في الأثناء فالوجه العدول إليه،لأنّه دخل دخولا مأمورا به فيقتضي الإجزاء،و الآن صار متعبّدا بالأداء.

و لو تبين بعد فراغه مصادفة الوقت.فالوجه الإجزاء،للامتثال.و يمكن الإعادة إن أمكن الأداء،لما قلناه.و يحتمل الإعادة مطلقا،بناء على انّ ما

ص: 397


1- الكافي 3:352 ح 4،التهذيب 2:186 ح 739،الاستبصار 1:372 ح 1415.
2- سورة محمد:33.

صلاّه لم يطابق نفس الأمر.

المسألة التاسعة:يستحبّ تأخير صلاة الظهر إذا اشتدّ الحرّ إلى وقوع الظلّ الذي

يمشي الساعي فيه إلى الجماعة،

لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة،فإنّ شدة الحرّ من فيح جهنم» (1).

و من طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان المؤذّن يأتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الظهر، فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أبرد أبرد» (2).

و في المبسوط قال:إذا كان الحرّ شديدا في بلاد حارّة،و أرادوا أن يصلّوا جماعة في مسجد،جاز أن يبردوا بصلاة الظهر قليلا،و لا تؤخّر إلى آخر الوقت (3).فقد اشتمل كلامه على قيود:

أحدها:شدة الحر،و هو مصرّح الخبر.

و ثانيها:في البلاد الحارّة،و يفهم من فحوى الخبر،لقلّة أذى الحرّ في البلاد المعتدلة.و لعلّ الأقرب عدم اعتباره،أخذا بالعموم،و قد يحصل التأذّي بإشراق الشمس مطلقا.

و ثالثها:التقييد بالجماعة،فلو صلّى منفردا في بيته فلا إبراد،لعدم المشقة المقتضية للإبراد.و لو أراد المنفرد الصلاة في المسجد حيث لا جماعة فالأقرب:الإبراد،لظاهر الخبر.

و رابعها:المسجد،فلو صلّوا في موضع هم فيه مجتمعون فلا إبراد.و لو اتفق اجتماعهم في المسجد و لا يأتيهم غيرهم،فعلى فحوى كلامه يجوز

ص: 398


1- الموطأ 1:16،ترتيب مسند الشافعي 1:52 ح 152،المصنف لعبد الرزاق 1:452 ح 2049،مسند أحمد 2:266،سنن الدارمي 1:274،صحيح البخاري 1:142، صحيح مسلم 1:432 ح 617،سنن ابن ماجة 1:222 ح 677،سنن أبي داود 1:110 ح 402،الجامع الصحيح 1:295 ح 157،سنن النسائي 1:348.
2- الفقيه 1:144 ح 671.
3- المبسوط 1:77.

الإبراد،و على اعتبار المشقة لا إبراد.و لو أمكنهم المشي الى المسجد في كنّ أو ظل فهو كاجتماعهم في المسجد.

و خامسها:التقييد بالظهر،و لا ريب في انتفاء الإبراد في الأربع الأخر.

أمّا الجمعة،فهل تنزّل منزلة الظهر؟فيه وجهان:نعم،لإطلاق الخبر.و لا، لشدة الخطر في فواتها،و عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله:«أول الوقت رضوان اللّه،و آخر الوقت عفو اللّه» (1)خرج عنه الظهر فبقي ما عداها،و يؤيّده قول الباقر عليه السلام:«وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول» (2).

و سادسها:قوله:جاز أن يبردوا،ظاهره أنّ الإبراد رخصة،فلو تحمّلوا المشقة و صلّوا في أول الوقت فهو أفضل،و لابن بابويه قول بأنّ المراد بالإبراد الإسراع في فعلها (3)،و هو غريب.و الأصح:الاستحباب،لأنّه أقلّ مراتب الأمر،و تكراره في الخبر مشعر بتأكّده.

و سابعها:تقييده بالقليل،و الظاهر انّه ما قدّرنا به،لدفع الأذى بهذا القدر.و في قوله:و لا تؤخّر إلى آخر الوقت،إيماء إلى جوازه الى آخر النصف الأول من الوقت-أعني:وقت الفضيلة،كما قاله بعض العامة (4)-و لا بأس به.

و قال في الخلاف:تقديم الظهر في أول وقتها أفضل،و إن كان الحرّ شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (5).و هذا يشعر بعدم استحباب الإبراد، خصوصا و كان قد حكى الإبراد عن العامة (6).

المسألة العاشرة:في باقي الأسباب التي يستحبّ لها التأخير،

و قد مضى

ص: 399


1- الجامع الصحيح 1:321 ح 172،سنن الدار قطني 1:249،السنن الكبرى 1:435.
2- الفقيه 1:43 ح 665،267 ح 1220.
3- الفقيه 1:144.
4- حلية العلماء 2:21،المجموع 3:59.
5- الخلاف 1:293 المسألة 39.
6- الخلاف 1:292 المسألة 39.

استحباب تأخير التيمّم أو وجوبه،و استحباب تأخير المستحاضة الظهرين حتى تأتي بالسبحتين،و استحباب تفريقهما و تفريق العشاءين،و تأخير نافلة الليل.

و هنا أمور أخر:

منها:استحباب تأخير الحاج العشاءين-ليصلّيهما في المزدلفة-و لو الى ربع الليل.

و منها:المشتغل بقضاء الفرائض يستحبّ له تأخير الأداء الى ضيق وقته، لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى،فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت، فابدأ بالتي فاتتك.و إن كنت تعلم انّك إذا صلّيت التي فاتتك،فاتتك التي بعدها،فابدأ بالتي أنت في وقتها» (1)و إنّما حملناه على الندب جمعا بين الأخبار.

و منها:الصائم إذا نازعته نفسه،أو كان من يتوقع إفطاره،و سيأتي مستند ذلك إن شاء اللّه.و قد روى عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغرب تؤخّر ساعة:«لا بأس،إن كان صائما أفطر ثم صلّى،و إن كانت حاجة قضاها ثم صلّى» (2).

و روى الكليني عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الصلاة تحضر و قد وضع الطعام،قال:«إن كان أول الوقت فابدأ بالطعام،و إن خاف تأخير الوقت فليبدأ بالصلاة» (3).

و منها:جميع أصحاب الأعذار مع رجاء زوال العذر بالتأخير،لأنه مصير الى جعل الصلاة على الوجه الأكمل.3.

ص: 400


1- الكافي 3:294 ح 4،التهذيب 2:172 ح 686،268 ح 1070،الاستبصار 1:287 ح 1051.
2- التهذيب 2:31 ح 93،265 ح 1055،الاستبصار 1:266 ح 963.
3- المحاسن:423،الكافي 6:298 ح 9،التهذيب 9:100 ح 433.

و أوجبه المرتضى (1)و ابن الجنيد (2)و سلاّر (3)رضي اللّه عنهم،لوجوب تحصيل المعتبر في الماهية من الشرط و الجزء مهما أمكن.

لنا:عموم الأمر بالمخاطبة في الوقت،و إمكان الاخترام.

و قد روى جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن يفوته الظهران و المغرب و ذكر عند العشاء الآخرة،قال:«يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل،ثم يقضي ما فاته الأول فالأول» (4).و في هذا الخبر دليل على ما قلنا من الاستحباب في القاضي،و على وجوب ترتيب الفوائت،و على ما ادّعيناه من عدم وجوب التأخير.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي اللّه:

أيّها الناس قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم» (5).

و روى أبان بن تغلب،قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام بالمزدلفة،فلما انصرف قال:«يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ،و حافظ على مواقيتهنّ،لقي اللّه يوم القيامة و له عند اللّه عهد يدخل به الجنة.و من لم يقم حدودهنّ،و يحافظ على مواقيتهن،لقي اللّه و لا عهد له، إن شاء عذّبه،و إن شاء غفر له» (6).و أخبار كثيرة شاملة للمعذور و غيره.5.

ص: 401


1- الناصريات:225 المسألة 51.
2- مختلف الشيعة:149.
3- المراسم:54،62.
4- التهذيب 2:352 ح 1462.
5- الفقيه 1:133 ح 624،أمالي الصدوق:401،ثواب الاعمال:57،التهذيب 2:238 ح 944.
6- الكافي 3:267 ح 1،ثواب الاعمال:48،التهذيب 2:239 ح 945.

و منها:إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كانتظار الجماعة،أو طول الصلاة و التمكّن من استيفائها.و قد حمل الشيخ خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام في صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله ركعتين قبل الصبح التي قضاها و خبر أبي بصير عنه في مثل ذلك،على انتظار الجماعة،و إلاّ لم تجز النافلة في وقت الفريضة (1).

و روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغرب:«إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك،و كنت في حوائجك،فلك الى ربع الليل» (2).

المسألة الحادية عشرة:اشتهر بين متأخّري الأصحاب منع صلاة النافلة لمن

عليه فريضة (3)،

و قد قدمنا أخبارا تشهد بجواز ذلك منقولة من التهذيب (4)،و قد ذكر في الكافي ما يشهد بذلك،فمنه:

ما رواه سماعة،قال:سألته عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله، أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟فقال:«إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة،و إن خاف الفوت فليبدأ بالفريضة».ثم بعد كلام إمّا متّصل به، أو من كلام الكليني:الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة ليكون فضل أول الوقت للفريضة،و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت (5).

و منه:ما رواه عن إسحاق بن عمّار،قال:قلت:أصلّي في وقت فريضة نافلة؟قال:«نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به،فإذا كنت وحدك

ص: 402


1- التهذيب 2:265،الاستبصار 1:286.و الخبرين فيهما برقم 1057،1058-1048، 1049.
2- التهذيب 2:31 ح 94،259 ح 1034،الاستبصار 1:267 ح 964.
3- مختلف الشيعة:148.
4- قد مرّت الاخبار في ص 301 و ما بعدها.
5- الكافي 3:288 ح 3،التهذيب 2:264 ح 1051،و صدره في الفقيه 1:257 ح 1165.

فابدأ بالمكتوبة» (1).

و عن محمّد بن مسلم،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إذا دخل وقت الفريضة،أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟فقال:«إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة» (2).

احتجّ المانعون بما تقدّم من رواية المنع،و برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها» (3)،و ما روي عنهم عليهم السلام:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (4).

و الجواب لمّا تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهية في هذا النهي،و بنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني،و قد ذكر فيما تقدّم التصريح بأنّ قاضي الفريضة يصلّي أمامها نافلة ركعتين (5)،و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك،قال الكليني و الصدوق:اللّه أنام النبي صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الصبح رحمة للأمة (6).

المسألة الثانية عشرة:لو شكّ في فعل الصلاة و وقتها باق وجبت،

لقيام السبب، و أصالة عدم الفعل،و إلاّ فلا،عملا بظاهر حال المسلم انّه لا يخلّ بالصلاة.

و به خبر حسن السند عن زرارة و الفضيل،عن أبي جعفر عليه السلام،انّه قال:

«متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انّك لم تصلّها،أو في وقت فوتها صلّيتها.و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت،فقد حال (7)حائل فلا إعادة

ص: 403


1- الكافي 3:289 ح 4،التهذيب 2:264 ح 1052.
2- الكافي 3:289 ح 6.
3- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172،685،3:159 ح 341،الاستبصار 1:286 ح 1046.
4- رسالة جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله:11،المبسوط 1:127،الخلاف 1:78 المسألة 86.
5- تقدّم في ص 301 الهامش 4.
6- الكافي 3:294،الفقيه 1:234.
7- في المصدرين:«دخل».

عليك من شك»أورده الكليني و الشيخ في التهذيب (1).

المسألة الثالثة عشرة:مضى استحباب اعادة المنفرد جماعة و إن كان وقت نهي،

و تكون المعادة نفلا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«تكن لكما سبحة» (2)و قد مرّ أن السبحة النافلة،و لبراءة الذمة بالأولى فيمتنع وجوب الثانية،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أ تصلّى صلاة في يوم مرتين» (3)،أي:بنيّة الوجوب.و لا فرق بين إمام الحي و غيره.

و قد روي خبران يتضمّنان الوجوب:

أحدهما:من طريق العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا جئت الى الصلاة،فوجدت الناس فصلّ معهم،فإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة و هذه مكتوبة» (4).

و ثانيهما:من طريق الخاصة و هو في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام،في الرجل يصلّي وحده،ثم يجد جماعة،قال:

«يصلي معهم و يجعلها الفريضة» (5).

و أوّل الأول بأنّ له ثواب المكتوبة،و يمكن تأويل الثاني به،و الشيخ حمله على جعلها من قضاء سالف،أو على من كان في أثناء الصلاة فوجد الجماعة (6)،لأنّه قد روى عمّار عن الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد جماعة،أ يعيدها معهم؟قال:«نعم،هو أفضل»،قال«فإن

ص: 404


1- الكافي 3:294 ح 10،التهذيب 2:276 ح 1098.
2- تقدم في ص 83 الهامش 7.
3- مسند أحمد 2:41،سنن أبي داود 1:158 ح 579،سنن النسائي 2:114،سنن الدار قطني 1:415،السنن الكبرى 2:303.
4- سنن أبي داود 1:157 ح 577.
5- الكافي 3:379 ح 1،التهذيب 3:50 ح 176.
6- التهذيب 3:50.

لم يفعل ليس به بأس» (1).

فعلى ما قلناه ينوي النفل،و لو نوى الظهر المعادة جاز.

و قال بعض العامة:ينوي الفرض (2)إما للخبرين السالفين،و إمّا لأنّه لا جماعة في نافلة.

قلنا:قد أوّل الخبران،و الجماعة هنا في النفل جائزة.

فرع:

لو لم يدرك سوى ركعتين،فالأقرب إتمامها بحسب ما نواه،لأنّه المأمور به.و جوّز في التذكرة التسليم على اثنتين،لأنّها نافلة (3).و لو أدرك ركعة، فالوجهان.و لو أدرك ثلاثا،فالإتمام ليس إلاّ.

و لو كانت المعادة المغرب،اقتصر على الثلاث إذ هي المنوية.و بعض العامة:يأتي بأربع (4)لأنّه لم يتعبّد بنافلة وترا غير الوتر،و المفارقة للإمام محذورة فيتمها ركعتين،و عن حذيفة:يصلي ركعتين لا غير (5).و كلّ هذا بناء على الندب.

المسألة الرابعة عشرة:يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها بعزم عدم التدارك،

و لو عزم على الفعل فلا إثم،و لو أهمل فالظاهر الإثم مع تذكّر الوجوب.و ليس العزم شرطا في جواز التأخير،خلافا للمرتضى (6)و تحقيقه في الأصول.

نعم،يحرم تأخيرها عن وقتها المضروب لها،و لا يخرج عن التحريم بإبقاء ركعة و إن حصل بها الأداء،لأنّ ذلك بحكم التغليب و لتحصيل البراءة، و إلاّ فالركعات الباقية خارجة عن الوقت مع وجوب فعلها فيه،و الإخلال

ص: 405


1- التهذيب 3:50 ح 175.
2- المجموع 4:224،فتح العزيز 4:303.
3- تذكرة الفقهاء 1:80.
4- حلية العلماء 2:160،المجموع 4:225.
5- انظر:المغني 1:788 و الشرح الكبير 2:7.
6- الذريعة 1:134.

بالواجب حرام.

و يكره تأخير الصبح عن الإسفار،و العصر الى الاصفرار،لما سلف، و يلزم منه كراهة تأخير الظهر الى حدّ يدخل العصر في الاصفرار.و كذا يكره تأخير كلّ صلاة عن وقت الفضيلة،لما تقدّم من الأخبار الدالة على المنع، فأقلّ أحواله الكراهية.فحينئذ تتعدّد أوقات الصلوات(بالأفضل و الفضيلة و الجواز و الكراهة و الإجزاء.

المسألة الخامسة عشرة:صلاة الصبح من صلاة النهار عند الكل،

إلاّ أبا محمد الأعمش إذ حكي عنه أنّها من صلاة الليل (1)بناء على انّ أول النهار طلوع الشمس،حتى للصوم فيجوز الأكل و الشرب الى طلوع الشمس عنده،قال في الخلاف:و روي ذلك عن حذيفة (2)لقوله تعالى وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (3)و آية النهار:الشمس،و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة النهار عجماء» (4).

و جوابه:منع انّ الآية الشمس،بل نفس الليل و النهار آيتان،و هو من اضافة التبيين كإضافة العدد الى المعدود.سلّمنا انّها الشمس،و لكنّ علامة الشيء قد تتأخر حتى تكون بعد دخوله.سلّمنا انّ الشمس علامة النهار،و أنّها متقدمة،لكنّ الضياء الحاصل من أول الفجر عن الشمس فكأنّ الشمس طالعة،و في الحقيقة هي طالعة،و إن تأخّر رؤية جرمها،و لهذا اختلفت أوقات المطالع بحسب الأقاليم.و أمّا الخبر فقد نسبه الدار قطني إلى الفقهاء،أو يحمل على معظم صلاة النهار.

و يعارض باستقرار الإجماع على خلافه،و بقوله تعالى:

ص: 406


1- المجموع 3:45.
2- الخلاف 1:226 المسألة 9.
3- سورة الإسراء:12.
4- عوالي اللئالي 1:421 ح 98.

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (1) ،قال الشيخ:و لم يختلفوا انّ المراد بذلك صلاة الصبح، و صلاة العصر (2).

المسألة السادسة عشرة:من ترك الصلاة الواجبة من المسلمين مستحلا فهو
اشارة

مرتدّ،

يقتل إجماعا إن ولد على الفطرة من غير استتابة،لعلم ثبوتها من الدين ضرورة،و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة» (3)،و به احتج في الخلاف،و قال:أجمعت الفرقة على روايته (4).و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من ترك الصلاة متعمدا،فقد برئت منه الذمة» (5).

و إذا قتل لم يصلّ عليه،و لم يدفن في مقبرة المسلمين،و ماله لوارثه المسلم.

و إن كان مسلما عن كفر استتيب،فإن تاب و إلاّ قتل،لقوله تعالى فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ الآية (6).

و لو ادعى المستحلّ الشبهة،و أمكنت في حقّه-بأن كان قريب العهد بالإسلام،أو ساكن بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها-قبل منه.

و لو تركها غير مستحلّ عزّر ثلاثا،و قتل في الرابعة.

قال في المبسوط:إذا خرج وقت الصلاة أمر بأن يقضيها،فان أبى عزّر.

و إن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات،و عزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة،لما روي عنهم عليهم السلام:«إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في

ص: 407


1- سورة هود:114.
2- الخلاف 1:267 المسألة 9.
3- صحيح مسلم 1:88 ح 134،سنن أبي داود 4:219 ح 4678،مسند أبي يعلى 3:318 ح 1783،مسند أبي عوانة 1:61،المعجم الصغير 1:134،سنن الدار قطني 2:53.
4- الخلاف 1:690 المسألة 6.
5- مسند أحمد 6:421.
6- سورة التوبة:5.

الرابعة»،و ذلك عام في جميع الكبائر (1).

مع انّه قال في الخلاف:روي عنهم:«انّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» (2).

و قال في المبسوط:«و لا يقتل حتى يستتاب،فإن تاب و الاّ قتل،و كفّن و صلّي عليه،و دفن في مقابر المسلمين،و ميراثه لورثته المسلمين (3).

فقضية كلام الشيخ اشتراط ترك أربع صلوات حتى يخرج وقتها،و انّه لا يقتل حتى يعزّر ثلاثا،و يستتاب فيمتنع من التوبة.

و الذي رواه الأصحاب عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، انّه قال:«أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة» (4).

و روى أبو خديجة عنه عليه السلام في المرأتين في لحاف بلا حاجز:

تحدّان،ثم تقتلان في الثالثة (5).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا حدّ شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة (6)،و به عدة أخبار.قال الكليني:قال جميل:و روى بعض أصحابنا انّه يقتل في الرابعة (7).

و لم أقف في الرابعة على حديث عام،بل روى أبو خديجة عن الصادق4.

ص: 408


1- المبسوط 1:129.
2- الخلاف 1:690 المسألة 6. و الرواية في:الكافي 7:191 ح 2،الفقيه 4:51 ح 182،التهذيب 10:95 ح 369، الاستبصار 4:212 ح 792.
3- المبسوط 1:129.
4- الكافي 7:191 ح 2،الفقيه 4:51 ح 182،التهذيب 10:95 ح 369،الاستبصار 4: 212 ح 791.
5- الكافي 7:202 ح 4،التهذيب 10:59 ح 214،الاستبصار 4:217 ح 811.
6- الكافي 7:218 ح 1،التهذيب 10:95 ح 366.
7- الكافي 7:218 ح 4.

عليه السلام في المرأتين في لحاف:القتل في الرابعة (1)كما روى في الثالثة.

و روى زرارة أو بريد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا زنى الحرّ أربع مرات أقيم عليه الحد،قتل» (2).و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة» (3).

مع انّ جميل بن درّاج قال:«روى أصحابنا:انّ الزاني يقتل في الثالثة (4).و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام«من أخذ في شهر رمضان و قد أفطر،فرفع الى الإمام،يقتل في الثالثة» (5).

و عن أبي بصير،قال قلت:آكل الربا بعد البيّنة؟قال:«يؤدّب،فإن عاد أدّب،فإن عاد قتل» (6).و في الخلاف:يقتل في الثالثة،لما رواه يونس عن الماضي عليه السلام (7).

و نقل المحقق الثالثة ثم احتاط بالرابعة (8)لما نقله الشيخ.و قد أوّل خبر أبي فروة عن الصادق عليه السلام:في آتي البهيمة الحد و روى جميل عنه عليه السلام القتل بالتكرر،قال:لأنّا قد روينا أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة،ثم ذكر خبر يونس بالثالثة (9).6.

ص: 409


1- الكافي 7:202 ح 4،الفقيه 4:31 ح 88،التهذيب 10:44 ح 159،الاستبصار 4:217 ح 811.
2- الكافي 7:235 ح 7،الفقيه 4:31 ح 90،التهذيب 10:27 ح 86.
3- الكافي 7:191 ح 1،التهذيب 10:37 ح 129،الاستبصار 4:212 ح 790.
4- الكافي 7:256 ح 5.
5- الكافي 7:258 ح 12،التهذيب 10:141 ح 557.
6- الكافي 7:241 ح 9،الفقيه 4:50 ح 176،التهذيب 10:98 ح 380.
7- الخلاف 1:690 المسألة 6. و قد مرت الرواية في صفحة 408 الهامش 2.
8- شرائع الإسلام 1:122.
9- التهذيب 10:62،الاستبصار 4:225. و خبر أبي فروة في التهذيب 10:62 ح 227،الاستبصار 4:224 ح 840،عن أبي جعفر عليه السلام. و خبر جميل في التهذيب 10:61 ح 223،الاستبصار 4:224 ح 836.
فروع:
الأول:إذا كان ترك الصلاة مع الاستحلال ارتدادا فالمرأة لا تقتل

بتركها،

بل تحبس و تضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت،لما رواه ابن محبوب عن غير واحد من الأصحاب،عن الباقر و الصادق عليهما السلام:

«المرأة إذا ارتدّت استتيبت،فإن تابت و إلاّ خلّدت السجن،و ضيّق عليها في حبسها» (1).

و عن عبّاد بن صهيب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المرتدّ يستتاب،فإن تاب و إلاّ قتل.و المرأة تستتاب،فإن تابت و إلاّ حبست في السجن و أضرّ بها» (2).

و لو تركتها لا مستحلّة و عزّرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة كالرّجل،و كذا في جميع مواضع تكرار الحدّ أو التعزير،و اللّه أعلم.

الثاني:لا فرق بين ترك الصلاة و ترك شرط أو جزء مجمع عليه-

كالطهارة و الركوع-أمّا المختلف فيه كإزالة النجاسة،و تعيين الفاتحة،و وجوب الطمأنينة،فلا يقتل مستحلّ تركه.

الثالث:لو ادّعى النسيان أو الغفلة في إخباره عن استحلال الترك،

أو أوّل الصلاة بالنافلة قبل منه،لقيام الشبهة الدارئة للحد.

و لو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان،أو عدم المطهّر،قبل عذره و يؤمر بالقضاء.فإن امتنع منه عزّر إن أوجبنا الفور،و إن قلنا بالتراخي فلا،فلو تكرّر التعزير أمكن انسحاب حكم الأداء.

ص: 410


1- الكافي 7:256 ح 3،التهذيب 10:137 ح 543،الاستبصار 4:253 ح 959.
2- التهذيب 10:144 ح 569،الاستبصار 4:255 ح 967.

و لو استحلّ ترك القضاء،فالظاهر انّه كترك الأداء.و لو اعتذر عن الترك بالكسل أو المرض لم يقبل منه،و طولب المريض بالصّلاة بحسب حاله،فإن امتنعا عزّرا ثلاثا ثم القتل.

الرابعة:قال الفاضل في التذكرة:الظاهر من قول علمائنا انّه بعد التعزير

ثلاثا يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة (1).

و قال في النهاية:يحتمل أن يضرب حتى يصلّي أو يموت (2)و هو منقول عن بعض العامة (3).

و وافق الفاضل الشيخ في انّه لا يقتل في الرابعة حتى يستتاب،و لا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة و لا بما زاد،ما لم يتخلل التعزير ثلاثا، لأصالة حقن الدم (4)و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث:كفر بعد إيمان،أو زنى بعد إحصان،أو قتل نفس بغير حقّ» (5).

الخامس:توبة تاركها مستحلا في موضع قبولها هو إخباره عن اعتقاد

وجوبها و فعلها،

فلو أخّر و لم يفعل عزّر،و لو فعل و لمّا يخبر لم تتحقّق التوبة.

و الظاهر انّه لا يكفي إقراره بالشهادتين هنا،لأنّ الكفر لم يقع بتركهما.

السادس:لو صلّى الكافر لم يحكم بإسلامه،سواء صلّى في دار

الإسلام أو دار الكفر،

لأن الإسلام هو الشهادتان.و لو سمع تشهّده فيها، فالظاهر انّه لا يكفي،لإمكان الاستهزاء،فلو أعرب عن نفسه الكفر بعده لم يكن مرتدّا.و كذا لو صلّى المرتدّ لم يحكم بعوده إلى الإسلام.و هذه المسألة

ص: 411


1- تذكرة الفقهاء 1:86.
2- نهاية الإحكام 1:339.
3- قاله أبو العباس،لاحظ:المجموع 3:13.
4- تذكرة الفقهاء 1:86.
5- مسند أحمد 1:61،سنن ابن ماجة 2:847 ح 2533،سنن أبي داود 4:170 ح 4502، الجامع الصحيح 4:460 ح 2158،المستدرك على الصحيحين 4:350.

و فروعها لم أقف فيها على نصّ معيّن من طريقنا،و لم يذكرها من الأصحاب إلاّ القليل.

ص: 412

الفصل الرابع:
اشارة

في مواقيت القضاء.

و الكلام فيه يشتمل على مسائل:

المسألة الأولى:وقت القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيّق الحاضرة،

لقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (1)،أي:لذكر صلاتي،قال كثير من المفسرين:إنّها في الفائتة،لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من نام عن صلاة أو نسيها،فليقضها إذا ذكرها،إنّ اللّه تعالى يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي » (2).

و روى زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:«إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى،فإن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة كنت من الأخرى في وقت،فابدأ بالتي فاتتك،فإنّ اللّه تعالى يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .و إن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة،فاتتك التي بعدها،فابدأ بالتي أنت في وقتها» (3).و فيه دلالات ثلاث:التوقيت بالذكر،و وجوب القضاء،و تقديمه على الحاضرة مع السعة.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلّها إذا ذكرها،فإنّ ذلك وقتها» (4).و فيه دلالتان:

إحداهما:توقيت قضاء الفائتة بالذكر.

و الثاني:وجوب القضاء مع الفوات،و وجوبه في حقّ المعذور يستلزم

ص: 413


1- سورة طه:14.
2- مجمع البيان 4:5،التفسير الكبير 22:20.
3- الكافي 3:293 ح 4،التهذيب 2:172 ح 686،الاستبصار 1:287 ح 1051.
4- سنن الدار قطني 1:423،السنن الكبرى 2:218،و راجع تلخيص الحبير 2:349.

أولويّته في حقّ غيره،و لما تقدّم في خبري:«خمس صلوات» (1).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن صلّى بغير طهور،أو نسي صلوات،أو نام،قال:«يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا» (2)و تقريره كالسالف.

المسألة الثانية:ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء،
اشارة

إما لأن الأمر المطلق للفور -كما قاله المرتضى و الشيخ (3)-و إمّا احتياطا للبراءة.

و هؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت،و يبطلون الحاضرة لو عكس متعمّدا.و بالغ المرتضى-رحمه اللّه-و أتباعه،فمنع-في المسائل الرسّيّة-من أكل يفضل عما يمسك الرمق،و من نوم يزيد على ما يحفظ الحياة،و من تعيّش يزيد على قدر الضرورة،و من الاشتغال بجميع المباحات و المندوبات و الواجبات الموسعة قبل القضاء (4).

و يحتجّون:تارة بالاحتياط المحصّل ليقين البراءة،و بتركه يتعرّض المكلّف للضرر المظنون الذي يجب التحرّز منه عقلا.

و تارة بقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .

و آونة بخبري الخمس،و خبري زرارة السابقين (5)و في عبارة أخرى لزرارة عن الباقر عليه السلام:«فإذا دخل وقت الصلاة،و لم يتم ما قد فاته،فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه التي حضرت» (6).

ص: 414


1- تقدما في ص 389 الهامش 4،5.
2- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:171 ح 681.
3- الذريعة 1:53،عدة الأصول-مخطوط-:85.
4- أجوبة المسائل الرسية 2:365،المهذب 1:125.
5- تقدما في ص 389 الهامش 4،ص 390 الهامش 3.
6- الكافي 3:292 ح 3،التهذيب 2:172 ح 685،266 ح 1059،الاستبصار 1:286 ح 1046.

و بما رواه أبو بصير،قال:سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر،قال:«يبدأ بالظهر،و كذلك الصلوات،و تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة،فتبدأ بالتي أنت في وقتها» (1).

و بخبر عمرو بن يحيى عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلّى الى غير القبلة،ثم تبيّن له و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:يصلّيها (2)قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها» (3).

و احتجّ السيد على بطلان الحاضرة مع السعة بالنهي عنها،إمّا لأنّ الأمر بالشي يستلزم النهي عن ضده،و إمّا بما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (4).

و احتج بعض المتأخرين على مذهب السيد-من المنع عن المنافي للقضاء-برواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام فيمن فاته نوافل لا يدري كم هو من كثرته،قال:«يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته».

قلت:لا يقدر على القضاء من شغله.قال:«ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها،أو حاجة لأخ مؤمن،فلا شيء عليه.و ان كان شغله للدنيا و تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و الاّ لقي اللّه مستخفّا متهاونا مضيّعا للسنة» (5).

قال:و هو من باب التنبيه (6).8.

ص: 415


1- الكافي 3:292 ح 2،التهذيب 2:172 ح 684،268 ح 1069،الاستبصار 1:287 ح 1050.
2- في المصدرين:«يعيدها».
3- التهذيب 2:46 ح 149،الاستبصار 1:297 ح 1098.
4- جوابات المسائل الرسية الأولى 2:364.
5- جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله:11،المبسوط 1:127،الخلاف 1: 386 المسألة:139.
6- المحاسن:315،الكافي 3:453 ح 13،الفقيه 1:359 ح 1577،التهذيب 2:11 ح 25،198 ح 778.

و ابنا بابويه-رحمهما اللّه-على المواسعة المحضة،حتى انّهما يستحبان تقديم الحاضرة على الفائتة مع السعة (1)و تبعهما أكثر المتأخرين (2)قال الفاضل:هو مذهب والدي و أكثر من عاصرناه من المشايخ (3).

و يجيبون عن الاحتياط:بأنّه لو تم اقتضى الأولوية لا الوجوب،و نحن نقول باستحباب تقديم الفائتة،و بمعارضته بأصالة البراءة،و بتجويز الاخترام قبل فعل الحاضرة،فالاحتياط البدأة بها.

و عن الآية:انّ المفسرين ذكروا فيها وجوها منها هذا.

و منها:انّ الصلاة تذكّر بالمعبود،و تشغل القلب و اللسان بذكره.

و منها:انّ اللام للتعليل،أي:لأني ذكرتها في الكتب و أمرت بها.

و منها:انّ المراد لذكري خاصة،أي:لا تراء بها و لا تشبها بذكر غيري.

و منها:انّ المراد لأذكرك بالثناء.

و منها:ان المراد باللام التوقيت،فيشمل جميع مواقيت الصلاة.

و حينئذ لا يتعيّن ما ذكرتم للإرادة،إذ خبر الواحد لا ينهض حجة في مخالفة المشهور،مع معارضته بمثله.سلّمنا،لكن نمنع الوجوب المضيّق، فإن الأمر لا يدلّ على الفور،و قد تحقّق في الأصول.

و عن الأخبار:بأنّها تدلّ على مطلق الوجوب،امّا على الوجوب المضيّق فلا،فانّ في خبري الخمس:صلاة الكسوف و الجنازة و الإحرام (4)،و لا يقول أحد بوجوب تقدّمها على الحاضرة تضييقا،مع المعارضة بوجوه:

أحدها:قضية الأصل،فإنّه دليل قطعي حتى يثبت الخروج منه.5.

ص: 416


1- الفقيه 1:232،المقنع:32،مختلف الشيعة:144.
2- راجع:الوسيلة:84،المعتبر 2:405،قواعد الاحكام:44.
3- مختلف الشيعة:144.
4- تقدما في ص 389 الهامش 4،5.

و ثانيها:لزوم الحرج و العسر و الضرر المنفي بالكتاب و السنة.

و ثالثها:عموم آي الصلاة،مثل أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (1)أَقِيمُوا الصَّلاةَ (2)فإنه يشمل من عليه فائتة و غيره.

و رابعها:معارضة الأخبار بمثلها.فروى ابن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«إن نام رجل و نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما،و ان خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء.و ان استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح،ثم المغرب، ثم العشاء» (3).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام نحو ذلك (4).

و روى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام:«إذا دخل الوقت عليك فصلّها،فإنّك لا تدري ما يكون» (5).

و خبر جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام-و قد مرّ في المسألة- صريح في تقديم الحاضرة (6).

و روى عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام:«ان حضرت العتمة، و ذكر انّ عليه صلاة المغرب،فأحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ،و ان أحبّ بدأ بالعتمة،ثم صلّى المغرب بعد» (7).و هذا صريح في التخيير،فان كان مغرب يومه بني على خروج المغرب بربع الليل أو بغيره،و ان كان مغرب أمسه فأوضح في الدلالة.5.

ص: 417


1- سورة الإسراء:78.
2- سورة النور:56.
3- التهذيب 2:270 ح 1076.و في الاستبصار 1:288 ح 1053 عن ابن مسكان.
4- التهذيب 2:270 ح 1077،الاستبصار 1:288 ح 1054.
5- التهذيب 2:272 ح 1082.
6- تقدم في ص 383 الهامش 3.
7- التهذيب 2:271 ح 1079،الاستبصار 1:288 ح 1055.

و الأخبار الدالة على عدم القضاء في أوقات الكراهة،و على جواز النافلة لمن عليه قضاء،تدل على ذلك أيضا،و قد سلفت.

و خامسها:تسويغ الأصحاب الأذان و الإقامة للقاضي (1)مع استحبابهما، و قد رووه بطرق كثيرة.

منها:خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلى اليومين و الثلاثة جنبا:«يتطهر،و يؤذن و يقيم في أولهن،ثم يصلي و يقيم بعد ذلك في كل صلاة» (2).

و منها:خبر قضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله الصبح،فإنه أمر بلالا بالأذان بل و صلّى نافلتها قبلها (3).

و منها:خبر زرارة عن الباقر عليه السلام (4)و سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

و سادسها:في رواية الحسن بن زياد عن الصادق عليه السلام في عدم العدول في العشاء الى المغرب (5)و تقريره كما مر،و حمله هنا على مغرب أمسه أولى،لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الدالة على العدول عن العشاء الى المغرب إلى الركعة الثالثة (6).

و الأمر بالشيء على التضيّق يستلزم النهي عن ضده،فلم قلتم انّ الأمر هنا مضيّق؟ و أما حديث:«لا صلاة لمن عليه صلاة»فلم نستثبته من طرقنا،و انما أورده الشيخ في المبسوط و الخلاف مرسلا (7).و في التهذيب بطريق معتبر عن9.

ص: 418


1- راجع:المقنعة:35،المبسوط 1:95،المعتبر 2:135.
2- التهذيب 3:159 ح 342.
3- سيأتي مفصلا في ص 422.
4- سيأتي في ص 420 الهامش 1.
5- تقدمت في ص 384 الهامش 6.
6- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
7- المبسوط 1:127،الخلاف 1:386 المسألة 139.

علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرّت الشمس أ تصلح أولا؟قال:«لا صلاة في وقت صلاة»،و قال:«إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب،ثم صل على الجنائز» (1).و يحملان على النافلة،أو على نفي الكمال.

و أما خبر النافلة،فهو من التغليظ في النافلة إذ لا يقول أحد بوجوبه،فإذا كان هذا المنبّه غير واجب،فكيف يستفاد الوجوب في المنبّه عليه؟

تنبيه:

صار بعض الأصحاب من المتأخرين إلى تعجل (2)قضاء الفائتة مع الوحدة

و السعة (3)

و بعضهم الى تعيّن ما ليومه و ان تعدّدت (4).و الحامل على ذلك روايتان صحيحتان:

رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام في ناسي الظهر حتى غربت الشمس،قال:«كان أبو جعفر أو كان أبي عليهما السلام يقول:إذا أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها،و الاّ صلى المغرب ثم صلاها» (5).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء،و كان عليك قضاء صلوات،فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم،ثم صل ما بعدها بإقامة،إقامة لكل صلاة».قال:و قال أبو جعفر عليه السلام:«و ان كنت قد صليت الظهر،و قد فاتتك الغداة فذكرتها،فصل أي ساعة ذكرتها و لو بعد العصر.و متى ذكرت صلاة فاتتك صليتها».

و قال:«ان نسيت الظهر حتى صليت العصر،فذكرتها و أنت في الصلاة

ص: 419


1- قرب الاسناد:99،التهذيب 3:320 ح 996.
2- في س:تعجيل.
3- كالمحقق في المعتبر 2:405.
4- كالعلامة في مختلف الشيعة:144.
5- الكافي 3:293 ح 6،التهذيب 2:269 ح 1073.

أو بعد فراغك،فأنوها الاولى ثم صل العصر،فإنما هي أربع مكان أربع.و ان ذكرت انك لم تصل الاولى،و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين، فصل الركعتين الباقيتين و قم فصل العصر.

و ان كنت ذكرت انك لم تصل العصر،حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها،فصل العصر ثم صل المغرب.و ان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر.و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين،ثم ذكرت العصر، فانوها العصر ثم سلم،ثم صل المغرب.

و ان كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب،فقم فصل المغرب.و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين،أو قمت في الثالثة،فانوها المغرب ثم سلم،ثم قم فصل العشاء الآخرة.

و ان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر،فصل العشاء الآخرة.و ان كنت ذكرتها و أنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثم قم فصل الغداة و أذن و أقم.

و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتك جميعا،فابدأ بهما قبل ان تصلي، الغداة،ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء.و ان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب،ثم بالغداة،ثم صل العشاء.و ان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة،ثم صل المغرب و العشاء،ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء،أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس».قلت:فلم ذاك؟قال:«لأنك لست تخاف فوته» (1).

قال الشيخ في الخلاف:جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله،و حمل قوله:فليجعلها ظهرا بعد الفراغ،على مقاربة الفراغ (2).9.

ص: 420


1- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
2- الخلاف 1:386 المسألة 139.

قلت:قد اشتمل هذا الخبر على ما يدفع الاحتمالين،لأنّ المغرب و العشاء المذكورتين أخيرا متعددتان مع انهما من يوم سالف،فان عمل به كله زالا،و ان عمل ببعضه كان تحكّما.و فيه دلالة على انّ الترتيب مستحب لا مستحق،لانّه حكم بالتوسعة بعد صلاة الصبح،فلو صح القول بالمضايقة انتفى.

و التحقيق هنا:انّ الأخبار في حيز التعارض،و الجامع بينها الحمل على الاستحباب،فان القول بالمضايقة المحضة يلزم منه اطراح الأخبار الصحيحة على التوسعة،و القول باستحباب تقديم الحاضرة يلزم منه إطراح أخبار الترتيب،و التفصيل معرض لاطراح الجميع،و العمل الخبرين مهما أمكن أولى من اطراحهما،أو إطراح أحدهما.و بتقدير الاطّراح،تبقى قضية الأصل و عمومات القرآن سالمة عن المعارض.

و الشيخ من أصحاب المضايقة (1)مع حكمه في مواضع من التهذيب بعدمها،كحكمه فيمن أعاد صلاة مع الامام بجعلها نافلة أو قضاء فريضة سالفة (2)و كايراده خبر عمار السالف عن الصادق عليه السلام:«فإذا أردت ان تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها،فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها،ثم اقض ما شئت» (3)و لم يعرض له الشيخ،مع انّ عادته انّ الخبر إذا كان لا يرتضيه يعرض له.

و لم يصرّح في النهاية و الخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق، و كذلك:المفيد،و ابن أبي عقيل،و ابن الجنيد.نعم،صرح به:المرتضى (4)4.

ص: 421


1- راجع:الخلاف 1:382 المسألة 139.
2- التهذيب 3:51،النهاية:125.
3- التهذيب 2:273 ح 1086.
4- أجوبة المسائل الرسية الاولى 2:364.

و ابن البراج (1)و أبو الصلاح (2)و الشيخ في المبسوط (3)و ابن إدريس (4)رحمهم اللّه.

تتمّة:

روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إذا دخل وقت صلاة مكتوبة،فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة».قال:فقدمت الكوفة،فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك مني،فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام،فحدثني:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عرّس في بعض أسفاره،فقال:«من يكلؤنا؟» فقال بلال:أنا.

فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس،فقال:«يا بلال ما أرقدك؟»فقال:

يا رسول اللّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة»،و قال:«يا بلال أذّن»فأذّن فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركعتي الفجر،و أمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر،ثم قام فصلى بهم الصبح،ثم قال:«من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها،فان اللّه عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .

قال زرارة:فحملت الحديث الى الحكم و أصحابه،فقال:نقضت حديثك الأول!فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال:«يا زرارة إلا أخبرتهم انّه قد فات الوقتان جميعا،و ان ذلك كان قضاء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و قد تقدم طرف من هذا الخبر،و فيه فوائد:

منها:استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا،صيانة لهم عن هجوم ما8.

ص: 422


1- المهذب 1:126.
2- الكافي في الفقه:150.
3- المبسوط 1:127.
4- السرائر:58.

يخاف منه.

و منها:ما تقدم من انّ اللّه تعالى أنام نبيه لتعليم أمته،و لئلا يعيّر بعض الأمة بذلك،و لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به.

و منها:ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان و الزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير و غيره،و لهذا تحوّل النبي صلّى اللّه عليه و آله الى مكان آخر (1).

و منها:استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة،و قد روى العامة عن أبي قتادة و جماعة من الصحابة في هذه الصورة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر،ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر (2).

و منها:استحباب قضاء السنن.

و منها:جواز فعلها لمن عليه قضاء،و ان كان قد منع منه أكثر المتأخرين (3)و قد تقدم حديث آخر فيه (4).

و منها:شرعية الجماعة في القضاء كالأداء.

و منها:وجوب قضاء الفائتة،لفعله عليه السلام و وجوب التأسي به، و قوله:«فليصلها».

و منها:انّ وقت قضائها ذكرها.

و منها:ان المراد بالآية ذلك.

و منها:الإشارة إلى المواسعة في القضاء،لقول الباقر عليه السلام:«الا أخبرتهم انه قد فات الوقتان»إلى آخره،و هو نظير خبره السالف عنه عليه4.

ص: 423


1- لاحظ:دعائم الإسلام 1:141.
2- المصنف لعبد الرزاق 1:588 ح 2240،المصنف لابن أبي شيبة 2:82،سنن أبي داود 1: 121 ح 444،السنن الكبرى 1:403.
3- كالعلامة في مختلف الشيعة:148.
4- لعله إشارة الى ما تقدم في ص 301 الهامش 4.

السلام (1).

و قد روى زرارة أيضا في الصحيح ما يدل على عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أصلي نافلة و عليّ فريضة أو في وقت فريضة؟قال:«لا،انّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة،أ رأيت لو كان عليك من شهر رمضان أ كان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟قال:قلت:لا.قال:

«فكذلك الصلاة».قال:فقايسني و ما كان يقايسني.عنى زرارة تشبيهه عليه السلام الصلاة بالصيام و انه في صورة القياس،و ان الامام لم يكن من شأنه القياس، و لعله عليه السلام أراد به مجرد المثال،أو لتعليم زرارة فلج خصومه.

و الشيخ جمع بينهما بالحمل على انتظار الجماعة (2).

و ابن بابويه عمل بمضمون الخبر و أمر بقضاء النافلة ثم الفريضة (3).

و في المختلف اختار المنع،و أورد هذا الخبر و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام فيمن نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس،فقال:«يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة»،و أورد حمل الشيخ إياهما على انتظار الجماعة،فيجوز الاشتغال بالنافلة (4).

و أشار بعض الأصحاب إلى إمكان ان يكون الخبر المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك من المنسوخ،إذ النسخ جائز في السنّة.

و قد روى إبراهيم بن عمر اليماني،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت:انّ قوما يحدثونا غير متهمين و تحدثونا أنتم بغيره،قال:

«ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (5).م.

ص: 424


1- تقدم في ص 415 الهامش 1.
2- التهذيب 2:265،الاستبصار 1:287.
3- المقنع:33.
4- مختلف الشيعة:148. و خبر أبي بصير في التهذيب 2:265 ح 1057،الاستبصار 1:286 ح 1048.
5- رواه الكليني في الكافي 1:52 ح 2 بإسناده عن أبي أيوب الخراز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
المسألة الثالثة:أجمع العلماء على وجوب قضاء ما فات من المكتوبة،

مع بلوغ من فاته،و كمال عقله،و إسلامه،و سلامة المرأة من الحيض و النفاس، و قدرته على المطهر،عمدا فاتت أو سهوا،أو بنوم أو سكر،و قد دلت عليه الأخبار السالفة.

و دل على إخراج الصبي و المجنون حديث:«رفع القلم» (1).و على إخراج الكافر قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الآية (2)،و خبر:«الإسلام يجب-أو يهدم- ما قبله» (3).و على إخراج الحائض و النفساء ما سلف.و اما السكران،فلأنّه سبب عادي في زوال عقله فهو كالنوم.و اما فاقد الطهور،فقد تقدم الخلاف فيه.

المسألة الرابعة:لا يجب القضاء مع الإغماء المستوعب للوقت-
اشارة

في المشهور- لأنّ زوال العقل سبب لزوال التكليف و ليس مستندا إليه.

و لتبعية القضاء لوجوب الأداء.

و لرواية أبي أيوب عن الصادق عليه السلام:سألته عن الرجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق،أ يصلي ما فاته؟قال:«لا شيء عليه» (4)-و عن حفص ابن البختري عنه عليه السلام،سمعته يقول في المغمى عليه:«ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر عنه» (5)-و نحوه رواية معمر بن عمرو عن الباقر عليه السلام (6)و مكاتبة محمد بن سليمان الهادي عليه السلام (7)و كذا مكاتبة أيوب

ص: 425


1- سيأتي بتمامه في ص 429 الهامش 5.
2- سورة الأنفال:38.
3- صحيح مسلم 1:112 ح 121.
4- الكافي 3:412 ح 3،التهذيب 3:302 ح 924،الاستبصار 1:457 ح 1771.
5- الكافي 3:413 ح 7،التهذيب 3:302 ح 923،الاستبصار 1:457 ح 1770.
6- الكافي 3:412 ح 2،التهذيب 3:303 ح 926،الاستبصار 1:457 ح 1773.و في المصادر الثلاثة:معمر بن عمر.
7- التهذيب 3:303 ح 927،الاستبصار 1:458 ح 1774،عن علي بن محمد بن سليمان عن الهادي عليه السلام.

ابن نوح إياه (1).

و لرواية أبي بصير و عبيد اللّه الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس،قال:«يصلي الظهر و العصر، و من الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل» (2).و على هذا عمل أكثر الأصحاب (3).

و بإزاء هذه روايات:كرواية حفص،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يقضي صلاة يوم» (4).

و عن العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام:«إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا،فإن أغمي عليه أياما قضى آخر أيامه» (5).

و رواية ابن سنان عنه عليه السلام:«كل ما تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه،فاقضه إذا أفقت عنه» (6).

و رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«يقضي ما فاته،يؤذّن في الاولى و يقيم في البقية» (7).

و رواية منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«يقضيها كلها،3.

ص: 426


1- الفقيه 1:237 ح 1041،التهذيب 3:303 ح 928،4:243 ح 711،الاستبصار 1:458 ح 1775.
2- هذه رواية أبي بصير،و هي في:التهذيب 3:305 ح 940،الاستبصار 1:460 ح 1787. و نحوها رواية الحلبي،و هي في:الفقيه 1:236 ح 1040،التهذيب 1:304 ح 933، الاستبصار 1:459 ح 1780.
3- راجع:المبسوط 1:125،المراسم:92،المعتبر 2:404.
4- التهذيب 3:303 ح 930،الاستبصار 1:458 ح 1777.
5- التهذيب 3:303 ح 931،الاستبصار 1:458 ح 1778.
6- التهذيب 3:304 ح 935،الاستبصار 1:459 ح 1782.
7- التهذيب 3:304 ح 936،الاستبصار 1:459 ح 1783.

انّ أمر الصلاة شديد» (1).

و في مقطوعة سماعة:«إذا جاز ثلاثة أيام فليس عليه قضاء،و إذا أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة» (2).

و رواية إسماعيل بن جابر،قال:سقطت من بعيري فانقلبت على أم رأسي،فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ،فسألته عن ذلك؟فقال:«اقض مع كل صلاة صلاة».و فيه تصريح بالتوسعة لو أوجبنا القضاء على المغمى عليه.

و هذه الروايات حملها ابن بابويه-في الفقيه-و الشيخ على الندب (3).

و قال ابن بابويه في المقنع:و اعلم انّ المغمى عليه يقضي جميع ما فاته من الصلوات.و روي:«انه ليس عليه ان يقضي الا صلاة اليوم الذي أفاق فيه، أو الليلة التي أفاق فيها».و روي:«انه يقضي صلاة ثلاثة أيام».و روي:

«يقضي ما أفاق في وقتها» (4).

و الجعفي-رحمه اللّه-في الفاخر أورد الروايات من الجانبين،و لم يجنح إلى شيء منها،فكأنّه متوقف.

و قال ابن الجنيد:و المغمى عليه أياما من علة سماوية،غير مدخل على نفسه ما لم يبح إدخاله عليها،إذا أفاق في آخر نهار إفاقة يستطيع معها الصلاة، قضى صلاته ذلك اليوم،و كذلك إن أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة.فان لم يكن مستطيعا لذلك كانت إفاقته كإغمائه،إذا لم يقدر على الصلاة بحال من الأحوال التي ذكرناها في صلاة العليل.فان كانت إفاقته في وقت لا يصح له7.

ص: 427


1- التهذيب 3:305 ح 938،الاستبصار 1:459 ح 1785،عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
2- التهذيب 4:244 ح 720،الاستبصار 1:458 ح 1776.
3- الفقيه 1:237،التهذيب 3:244.
4- المقنع:37.

إلا صلاة واحدة،صلى تلك الصلاة فقط.فان كانت (1)العلّة من محرم،أو فعل محظور،قضى جميع ما ترك من صلاته في إغمائه.

فظاهره وجوب قضاء صلاة يومه أو ليلته إن وسعها زمان الإفاقة،و الا فصلاة واحدة ان وسعها،و في روايتي حفص و العلاء دلالة ما عليه.و قد روى عبد اللّه بن محمد،قال كتبت إليه:جعلت فداك،روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المريض يغمى عليه أياما،فقال بعضهم:يقضي صلاة يومه الذي أفاق فيه،و قال بعضهم:يقضي صلاة ثلاثة أيام و يدع ما سوى ذلك،و قال بعضهم:انه لا قضاء عليه،فكتب:«يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه» (2).

و قال سلار-رحمه اللّه-:و قد روي:«انه إذا أفاق آخر النهار قضى صلاة ذلك اليوم،و ان أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة» (3)و ابن إدريس حكى هذا،و انه روي:«أنه يقضي صلاة شهر» (4).

و بعض العامة:يقضي خمس صلوات فما دون (5)لأنّ عليا عليه السلام أغمي عليه يوما و ليلة فقضى (6)و عمار أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن (7)و ابن عمر أغمي عليه أكثر من يوم و ليلة فلم يقض (8).

قلنا:الفعل أعم من الواجب،فيحمل على الندب.

و بعضهم:يقضي الجميع (9).و بعضهم كالاقوى عندنا،لأنه7.

ص: 428


1- في س زيادة:تلك.
2- التهذيب 3:305 ح 939،الاستبصار 1:459 ح 1786.
3- المراسم:92.
4- السرائر:59.
5- قاله أبو حنيفة،لاحظ:المجموع 3:6،بدائع الصنائع 1:246،المغني 1:446.
6- قال في مفتاح الكرامة 3:378:ما رووه عن علي[عليه السلام]غير صحيح كما ستسمع.
7- المصنف لعبد الرزاق 2:479 ح 4156،سنن الدار قطني 2:81،السنن الكبرى 1:387.
8- المصنف لعبد الرزاق 2:479 ح 4152،سنن الدار قطني 1:82،السنن الكبرى 1:388.
9- قاله أحمد بن حنبل،لاحظ:المغني 1:446،المجموع 3:7.

كالمجنون (1).

فروع:
الأول:لو زال عقل المكلف بشيء من قبله فصار مجنونا،

أو سكر فغطى عقله،أو أغمي عليه بفعل فعله،وجب القضاء لانه مسبب عن فعله، و افتى به الأصحاب (2)،و كذا النوم المستوعب و شرب المرقد.و لو كان النوم على خلاف العادة،فالظاهر إلحاقه بالإغماء،و قد نبه عليه في المبسوط (3).

فإن قلت:قد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (4)و قال صلّى اللّه عليه و آله:«رفع القلم عن ثلاث:عن الصبي حتى يبلغ،و عن النائم حتى يستيقظ،و عن المجنون حتى يفيق» (5)و وجوب القضاء يتبع وجوب الأداء،فلم أوجب القضاء على الناسي و النائم؟ قلت:خرجا من العموم بخصوص قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها،فليصلها إذا ذكرها» (6).

الثاني:لو تناول المزيل للعقل غير عالم بذلك،

أو أكل غذاء مؤذيا لا يعلم به،أو سقي المسكر كرها أو لم يعلم كونه مسكرا،أو اضطر الى استعمال دواء فزال عقله،فهو في حكم الإغماء لظهور عذره.اما لو علم انّ جنسه مسكر و ظن انّ ذلك القدر لا يسكر،أو علم انّ متناوله يغمى عليه في وقت فتناوله في غيره مما يظن انه لا يغمى عليه فيه،لم يعذر لتعرضه للزوال.

ص: 429


1- قاله مالك و الشافعي،لاحظ:المغني 1:446.
2- راجع:المبسوط 1:126،المراسم:92،السرائر:59.
3- المبسوط 1:126.
4- الفقيه 1:36 ح 132،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،السنن الكبرى 6:84.
5- مسند أحمد 6:100،صحيح البخاري 7:59،سنن ابن ماجة 1:658 ح 2041،سنن أبي داود 4:139 ح 4398،الجامع الصحيح 4:32 ح 1423،سنن النسائي 6:156.
6- مسند أحمد 3:100،سنن الدارمي 1:280،صحيح مسلم 1:471 ح 680،سنن ابن ماجة 1:228 ح 698،سنن أبي داود 1:119 ح 435،الجامع الصحيح 1:334 ح 177.

و لو وثب لحاجة فزال عقله أو أغمي عليه،فلا قضاء و لو كان عبثا، فالقضاء ان ظن كون مثله يؤثر ذلك و لو بقول عارف.

الثالث:لو شربت المرأة دواء لتحيض،

أو تسقط الولد فتصير نفساء، فالظاهر:عدم وجوب القضاء،لأنّ سقوط القضاء عن الحائض و النفساء ليس من باب الرخص و التخفيفات حتى يغلظ عليهما إذا حصلا بسبب منهما،انما هو عزيمة،لأمرهما بالترك،فإذا امتثلا الأمر فقضية الأصل عدم القضاء.

فإن قلت:هذا منقوض بقضاء الصوم مع أمرهما بتركه.

قلت:الصوم انما وجب بأمر جديد و نص من خارج على خلاف الأصل.

الرابع:المرتد الذي تقبل توبته يجب ان يقضي مدة ردته،

للعمومات خرج عنها الكافر الأصلي فيبقى ما عداه،و لانه التزم بالإسلام جميع الفرائض فلا يسقط عنه بالمعصية ما التزمه بالطاعة و كما في حقوق الآدميين،و لأنّا نجبره على الأداء حال ردته فيجبر على القضاء بعد توبته.

أما الذي لا يقبل رجوعه عندنا لكونه عن فطرة،فإن قتل فلا بحث إلا في حق وليّه.و ان فات السلطان و تاب،فهل تكون توبته مقبولة؟فيه نظر:

من حكم الشرع بعدم قبولها،و إجرائه مجرى الميت فيما يتعلق بنكاحه و إرثه.

و من عموم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا (1)فأثبت لهم إيمانا بعد الكفر،و هو شامل لذي الفطرة و غيرها،و لأنّ كل دليل دلّ على قبول التوبة من العصاة آت فيه،و لامتناع تكليف اللّه تعالى العبد بما لا يقدر عليه،و لانه مخاطب بالايمان كغيره من الناس فيمتنع عدم قبوله،و الا لكان تكليفا بما لا يطاق.و وجوب قتله لوجهين:

أحدهما:حسم مادة الارتداد،و صيانة الإسلام و احترامه،فلا يدل ذلك

ص: 430


1- سورة النساء:137.

على عدم قبول توبته عند اللّه.

و الثاني:انّا لا نعلم مواطأة قلبه للسانه،و اللّه تعالى علام الغيوب.

فحينئذ يتوجه عليه القضاء و يصح منه،كالمرتد عن ملة.

و الشيخ-في الخلاف-قيّد المسألة بمن تقبل منه التوبة (1)فظاهره عدم تصوّرها في غيره.

الخامس:لو طرأ الجنون أو الإغماء على الردة،

فالأقرب عدم دخول أيامهما في القضاء،للعموم الدال على عدم قضاء المجنون و المغمى عليه، و هو شامل للمرتد و غيره.

قالوا:من جنّ في ردته فهو مرتد في جنونه حكما،و كل مرتد يقضي و لأنّ القضاء تغليظ عليه (2).

قلنا:نمنع مساواة المرتد حكما للمرتد حقيقة فإنّه أول المسألة،و نمنع شرع هذا التغليظ.

قالوا:ترك بسبب الردة فيسقط اعتبار الجنون،عملا بأسبق السببين (3).

قلنا:السبب الثاني أزال تكليفه،فمنع السبب الأول من التأثير.

و أولى في السقوط إذا طرأ الحيض على الردة،لأنها مأمورة بالترك بخلاف المجنون،فإنّه كما لا يخاطب بالفعل لا يخاطب بالترك.

و لو طرأ الجنون على السكر فكطريانه على الردة بل أقوى في السقوط، إذ لا يسمى حال جنونه سكران حقيقة و لا حكما.و لو اتصل السكر بالردة فلا ريب في قضاء أيامهما،و يستند قضاء كل فريضة إلى سبب فواتها و لا مدخل للآخر فيه.

و لو سكر بغير قصده،أو أغمي عليه بغير فعله،فالأقرب سقوط قضاء

ص: 431


1- الخلاف 1:442 المسألة 190.
2- فتح العزيز 3:99.
3- فتح العزيز 3:99.

أيامهما كما في غير المرتد،لاستناد الإسقاط إلى سبب بغير فعله.

المسألة الخامسة:لو استبصر مخالف الحق فلا إعادة لما صلاه صحيحا

عنده و ان كان فاسدا عندنا،

و لا لما هو صحيح عندنا و ان كان فاسدا عنده، و يحتمل الإعادة هنا،لعدم اعتقاده صحته.

و دلّ على الحكم الأول الخبر المشهور الذي رواه محمد بن مسلم و بريد و زرارة و الفضيل بن يسار،عن الباقر و الصادق عليهما السلام،قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء-كالحروريه،و المرجئة،و العثمانية،و القدرية- ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه،أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة فإنه لا بد أن يؤديها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها،و انما موضعها أهل الولاية» (1).

و روى علي بن إسماعيل الميثمي،عن محمد بن حكيم،قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين،فقالا:جعلنا لك الفداء،كنا نقول بقول و ان اللّه منّ علينا بولايتك،فهل تقبل شيء من أعمالنا؟فقال:«اما الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة،فإن اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما.و اما الزكاة فلا،لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتماه غيره».

و لو ترك صلاة أو صلوات حال انحرافه،وجب قضاؤها بعد استقامته، للعمومات.و في كتاب الرحمة في الحديث مسند برجال الأصحاب إلى عمار الساباطي،قال:قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و انا جالس:

اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين،أقضي ما فاتني قبل معرفتي،قال:«لا تفعل،فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (2).

ص: 432


1- الكافي 3:545 ح 1،علل الشرائع:373،التهذيب 4:54 ح 143.
2- و رواه أيضا الكشي في اختيار معرفة الرجال:361 رقم 667.

و هذا الحديث مع ندوره و ضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم،مع قبوله التأويل:بأن يكون سليمان يقضي صلاته التي صلاها و سماها فائتة بحسب معتقده الآن،لانّه اعتقد انّه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض الأمور،و يكون قول الامام:«من ترك ما تركت»من شرائطها و أفعالها،و حينئذ لا دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في الحال الأول.

و قد تشكك بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم أو صام،لاختلال الشرائط و الأركان،فكيف يجزئ عن العبادة الصحيحة؟و هو ضعيف،لأنا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا إخلال فيه بركن، مع انه لا يكاد ينفك من مخالفة في الصورة،و لأن الشبهة متمكنة فيعذر،و انما لم يعذر في الزكاة لأنها حق آدمي بني على التضيق.

لا يقال:انما لم يوجبا عليهما السلام الإعادة لهدم الايمان ما قبله،كما أشار إليه في خبر عمار.

فنقول:هذا خيال يبطل بإيجاب إعادة الزكاة،فلو كان الايمان هادما لم يفترق الحكم،و لانه لا يجب إعادة الحج،و لو كان هادما لوجب عند الاستطاعة.

المسألة السادسة:يجب ترتيب الفوائت في القضاء بحسب الفوات،

لما سبق، و لانه يتوقّف عليه يقين البراءة.هذا مع علم السابقة.

و مال بعض الأصحاب-ممن صنف في المضايقة و المواسعة-إلى انه لا يجب،و حمل الاخبار و كلام الأصحاب على الاستحباب و هو حمل بعيد، مردود بما اشتهر بين الجماعة.

فإن قيل:هي عبادات مستقلة،و الترتيب فيها من توابع الوقت و ضروراته فلا يعتبر في القضاء كالصيام.

قلنا:قياس في معارضة النص،و يعارض:بأنّها صلوات وجبت مرتبة، فلتقض مرتبة كالأداء.

ص: 433

و لو ذكر في الأثناء سابقة عدل ما أمكن.و لو أوجبنا الترتيب بين الفوائت و الحاضرة،فصلى الحاضرة ناسيا أو ظانا برائته،ثم ذكر في أثنائها،عدل إلى الفائتة.و كذا يعدل من أداء إلى أداء.

و نقل الشيخ في نقل النية من الحاضرة إلى الفائتة إجماع الأصحاب (1).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا ذكرت انك لم تصل الاولى و أنت في صلاة العصر (2)،فصل الركعتين الباقيتين.و قم فصل العصر» (3).

و لو لم يمكن العدول،أتم ما هو فيه و استأنف السابقة،و لم تجب الإعادة،لرفع النسيان (4).اما الجهل بالحكم فليس عذرا،لانّه ضم جهلا الى تقصير.

المسألة السابعة:لو جهل ترتيب الفوائت،

فالأقرب سقوطه،لامتناع التكليف بالمحال.و التزام التكرار يحصّله،لكن بحرج منفي و زيادة تكليف لم تثبت.

و كذا لو فاتته صلوات تمام و قصر،و جهل السابق،تخيّر.و قيل:يقضي الرباعية تماما و قصرا (5)و هو كالأول في الضعف.

و لو ظن سبق بعض،فالأقرب العمل بظنه،لانه راجح فلا يعمل بالمرجوح.

و لو شرع في نافلة فذكر انّ عليه فريضة أبطلها،لاختلاف الوجه فلا يعدل.و لو كانت مما يجوز تقديمه على القضاء-كما مر-أتمها إذ قلنا بجواز فعلها.و يجوز العدول من النفل الى النفل.و مسائل العدول ست عشرة،لأنّ كلا من الصلاتين اما فرض أو نفل،أداء أو قضاء،و مضروب الأربعة في مثلها

ص: 434


1- الخلاف 1:383 المسألة 139.
2- في المصدرين زيادة:«و قد صليت منها ركعتين».
3- الكافي 3:291 ح 1،التهذيب 3:158 ح 340.
4- الفقيه 1:36 ح 132،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،السنن الكبرى 6:84.
5- المعتبر 2:410.

ستة عشر،تبطل منها أربعة النفل الى الفرض،و يصح الباقي.

المسألة الثامنة:الاعتبار في التمام و القصر بحال فوات الصلاة،

فإن فاتت في موضع وجوب قصرها قضاها قصرا و ان كان حاضرا،و ان كانت في موضع وجوب إتمامها قضاها تماما و ان كان مسافرا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«فليقضها كما فاتته» (1).

و روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قلت:رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر،قال:«يقضيها كما فاتته،ان كانت صلاة سفر أدّاها في الحضر مثلها» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا نسي الرجل صلاة صلاها بغير طهور و هو مقيم،فليقض أربعا مسافرا كان أو مقيما.و ان نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر،مسافرا كان أو مقيما» (3).

و لا خلاف بين المسلمين في وجوب إتمام ما فات في الحضر و ان فعل في السفر،الاّ ما نقل عن المزني من القصر اعتبارا بحالة الفعل،كالمريض إذا قضى فإنه يعتبر حاله،و المتيمم كذلك (4).

و ردّ:بسبق الإجماع،و المريض و المتيمم عاجزان عن القيام و استعمال الماء،و لا تكليف مع العجز.و لهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد.

و لو شرع حاضرا ثم سارت به السفينة لم يقصر عنده و كذا عندنا،إذا كان قد مضى زمان يسعها تماما.

و اختلفوا في عكسه،لتخيّل انّ القصر رخصة في السفر و قد زال محلها،

ص: 435


1- المهذب البارع 1:460،عوالي اللئالي 3:107 ح 105.
2- الكافي 3:435 ح 7،التهذيب 3:162 ح 350.
3- الفقيه 1:282 ح 1283،التهذيب 3:225 ح 568.
4- حلية العلماء 2:202،المجموع 4:367.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا ذكرها» (1)فوجوبها عند الذكر و هو حاضر.

و جوابه:منع الرخصة بل هو عزيمة كما يأتي ان شاء اللّه.و وجوبها عند التذكر على حدّ الفوات جمعا بين الخبرين،إذ ليست واجبة ابتداء بل بسبب الفوات.

المسألة التاسعة:تقضى الجهرية و الإخفاتية كما كانت تؤدّى،

ليلا كان أو نهارا لتحقق المماثلة،و لنقل الشيخ فيه إجماعنا (2).و كذا يؤذن لها و يقام-كما يأتي إن شاء اللّه-و نقل أيضا فيه الإجماع (3).نعم،لو كانت مما لا أذان له-كعصر الجمعة،و عرفة-،اقتصر على الإقامة.

اما المساواة في كيفية الخوف فلا،بل يقضي الآمن مستوفيا للأفعال و ان فاتته حال الخوف.

و اما الكمية،فإن استوعب الخوف الوقت فقصر،و ان خلا منه قدر الطهارة و فعلها تامة فتمام،و ان أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام.

فلو فاتت فالأقرب قضاؤها تماما،إذ الأصل في الصلاة التمام و قد أدرك مصحح الصلاة،أعني:الركعة.

المسألة العاشرة:قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية و الفوائت

الأخر،

و كذا بين تلك الفوائت (4)اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق.و بعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي-طاب ثراهما-أوجب الترتيب في الموضعين،لعموم:«فليقضها كما فاتته» (5)و جعله الفاضل في التذكرة احتمالا (6)و لا بأس به.

ص: 436


1- تقدم في ص 429 الهامش 6.
2- الخلاف 1:387 المسألة 140.
3- الخلاف 1:282 المسألة 26.
4- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:82.
5- المهذب البارع 1:460،عوالي اللئالي 3:107 ح 105.
6- تذكرة الفقهاء 1:82.

و لو فاتته صلوات الاحتياط،و قلنا بعدم تأثيرها في المحتاط لها، فالأقرب:وجوب ترتيب الاحتياط كالأصل،لأنه معرض للجزئية.و وجه عدم الوجوب:قضية الأصل،و انها صلوات مستقلة،و يضعف بشمول النص لها.

و عليه تنسحب الأجزاء المنسية في صلاة أو أكثر.

المسألة الحادية عشرة:لو علم في أثناء الفائتة ضيق الوقت عن الحاضرة عدل إلى

الحاضرة

لأنها صلاة صحيحة لو لا هذا المانع،فهي كالعدول من الحاضرة إليها.و لو لم يمكن العدول-بان يتجاوز محله-قطع الفائتة،إذ الوقت تعيّن لغيرها،فلو أتمها بطلت عمدا كان أو جهلا.

أما الناسي فمعذور،لارتفاع القلم عنه،و لان وقت الفائتة الذكر -و يمكن البطلان كما لو صلّى-فيتم الفريضة في مثل هذا الوقت.هذا إذا كان إتمام الفائتة هنا يستلزم خروج وقت الحاضرة بالكلية،أو بقاء (1)دون ركعة،اما لو كان الباقي قدر ركعة فما زاد مما لا يكمل به صلاة ففيه وجهان،من حيث انه ليس له ابتداء الفائتة هنا فكذا الاستدامة،و من عموم:«الصلاة على ما افتتحت عليه» (2)و النهي عن إبطال العمل.

و لو بقي قدر الصلاة بعد إتمامها لكن بالحمد وحدها،ففيه أيضا الوجهان.

المسألة الثانية عشرة:لو فاته ما لم يحصه،قضى حتى يغلب على الظن الوفاء،

تحصيلا للبراءة.فعلى هذا،لو شك بين عشر صلوات و عشرين قضى العشرين،إذ لا تحصل البراءة المقطوعة إلا به مع إمكانها.و للفاضل وجه بالبناء على الأقل،لأنه المتيقن،و لان الظاهر ان المسلم لا يترك الصلاة.

و كذا الحكم لو علم انّه فاتته صلاة معينة أو صلوات معينة و لم يعلم

ص: 437


1- في ط زيادة:ما.
2- التهذيب 2:197 ح 776.

كميتها،فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء،و لا يبنى على الأقل الا على ما قاله رحمه اللّه تعالى.

المسألة الثالثة عشرة:لو لم يعلم تعيين الفائتة،فقد مضى في الوضوء حكمها.

و لو لم يعلم العدد أيضا،كرر المردّد حتى يغلب الوفاء.

المسألة الرابعة عشرة:يستحب قضاء النوافل الموقتة،بإجماع علمائنا،

و قد روي في ذلك أخبار كثيرة،منها:

خبر عبد اللّه بن سنان و إبراهيم بن عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال:«يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته،فيكون قد قضى بقدر ما عليه».قلت:فإنّه ترك و لا يقدر على القضاء من شغله،قال:«إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها،أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه،و ان كان شغله للدنيا و تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و الا لقي اللّه مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قلت:فإنه لا يقدر على القضاء فهل يصلح أن يتصدق؟فسكت مليا ثم قال:«نعم،ليتصدق بصدقة».قلت:«و ما يتصدق؟قال:«بقدر قوته،و أدنى ذلك مدّ لكل مسكين مكان كل صلاة».قلت:و كم الصلاة التي لها مدّ؟فقال:

«لكل ركعتين من صلاة الليل،و كل ركعتين من صلاة النهار».فقلت:لا يقدر، فقال:«مدّ لكل أربع ركعات».فقلت:لا يقدر،فقال:«مدّ لصلاة الليل،و مدّ لصلاة النهار،و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل» (1).

و عن مرازم،قال:سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد اللّه عليه السلام:انّ عليّ نوافل كثيرة،فقال:«اقضها».فقلت:لا أحصيها.قال:«توخّ»فقال

ص: 438


1- تقدمت رواية ابن سنان في ص 415 الهامش 6. و اما رواية إبراهيم فقد أوردها المحقق في المعتبر 2:413.

مرازم:اني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة،فقال:«ليس عليك قضاء ان المريض ليس كالصحيح،كل ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر فيه» (1).

و بهذين الخبرين احتج الشيخ على ان من عليه فرائض لا يعلم كميتها، قال:يقضي حتى يغلب الوفاء (2)من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

و عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ الرب ليعجب ملائكته من العبد من عباده يراه يقضي النافلة،فيقول:عبدي يقضي ما لم أفترض عليه» (3).

و روى عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن اجتمع عليه صلاة من مرض،قال:«لا يقضي» (4).و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في مريض يترك النافلة،فقال:«إن قضاها فهو خير له،و ان لم يفعل فلا شيء عليه» (5).فالجمع بينها و بين ما سبق بالحمل على عدم تأكد القضاء في حق المريض،كما قاله الأصحاب (6).

و اما مرسلة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل تجتمع عليه الصلوات،قال:«ألقها و استأنف» (7)فلا تنافي الاستحباب،لأنّ المستحب جائز الترك.

فان قلت:أقل مراتب الأمر الاستحباب،فيستحب الإلقاء.

قلت:قد جاء للإباحة،و هو محمول على من يشقّ عليه القضاء.

المسألة الخامسة عشرة:يستحب تعجيل فائتة النهار بالليل و بالعكس،

قاله

ص: 439


1- الكافي 3:451 ح 4،علل الشرائع:362،التهذيب 2:12 ح 26،199 ح 779.
2- التهذيب 2:198.
3- الكافي 3:488 ح 8،التهذيب 2:164 ح 646.
4- الكافي 3:412 ح 6،التهذيب 3:306 ح 946.
5- الكافي 3:412 ح 5،التهذيب 3:306 ح 947.
6- راجع:المعتبر 2:413،شرائع الإسلام 1:121،تذكرة الفقهاء 1:83.
7- التهذيب 2:11 ح 21،276 ح 1095.

الأكثر (1)لعموم وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (2)و لقوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً (3).فعنهم عليهم السلام:«هو لمن جعل على نفسه شيئا من الخير من صلاة أو ذكر،فيفوته ذلك من الليل فيقضيه بالنهار،أو يشتغل بالنهار فيقضيه بالليل» (4).و عن عنبسة العابد في تفسيرها:«قضاء صلاة الليل بالنهار،و قضاء صلاة النهار بالليل» (5)و كان علي بن الحسين عليهما السلام يفعل ذلك (6).

و روى ابن أبي قرة-رحمه اللّه-بإسناده إلى إسحاق بن حماد،عن إسحاق بن عمار،قال:لقيت أبا عبد اللّه عليه السلام بالقادسية عند قدومه على أبي العباس،فاقبل حتى انتهينا الى طيزناباذ (7)فإذا نحن برجل على ساقية يصلي و ذلك ارتفاع النهار،فوقف عليه أبو عبد اللّه عليه السلام و قال:«يا عبد اللّه اي شيء تصلي؟»فقال:صلاة الليل فاتني أقضيها بالنهار.فقال:يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل.فقلت:جعلت فداك تروي فيه شيئا؟فقال:«حدثني أبي،عن آبائه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:انّ اللّه يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار،يقول:يا ملائكتي انظروا الى عبدي كيف يقضي ما لم أفترض عليه،أشهدكم اني قد غفرت له».

و عن ابن أبي عقيل عنهم عليهم السلام في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (8)،اي:يدومون على أداء السنّة،فان فاتتهم بالليل3.

ص: 440


1- راجع:المبسوط 1:128،الوسيلة:84،شرائع الإسلام 1:64،مختلف الشيعة:149.
2- سورة آل عمران:133.
3- سورة الفرقان:62.
4- تفسير القمي 2:116،الفقيه 1:315 ح 1428.
5- التهذيب 2:275 ح 1093.
6- التهذيب 2:164 ح 644.
7- موضع بين الكوفة و القادسية على ميل منها.معجم البلدان 4:55.
8- سورة المعارج:23.

قضوها بالنهار،و ان فاتتهم بالنهار قضوها بالليل».

و عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام:«أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل،و صلاة النهار بالنهار» (1).و أمر الصادق عليه السلام معاوية بن عمار بقضاء الليلية في الليل،و النهارية في النهار (2).و عليه ابن الجنيد (3)و المفيد في الأركان.

و روى أبو بصير عنه عليه السلام:«إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل» (4).

و الجمع بالأفضل و الفضيلة،إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعة إلى الخير.

و اما خبر عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر،كيف يصنع أ يجوز له ان يقضي بالنهار؟قال:

«لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار،و لا يجوز له و لا يثبت له،و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل» (5)فنسبه الشيخ الى الشذوذ،لمعارضة الأخبار الكثيرة له (6)، كخبر حسان بن مهران عنه عليه السلام في قضاء النوافل:«ما بين طلوع الشمس الى غروبها» (7).

المسألة السادسة عشرة:اختلفت الروايات في قضاء الوتر،

فالمشهور:انه يقضى وترا دائما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (8)و زرارة عن

ص: 441


1- الكافي 3:452 ح 5،التهذيب 2:163 ح 643.
2- الكافي 3:451 ح 3،التهذيب 2:162 ح 637.
3- مختلف الشيعة:149.
4- التهذيب 2:163 ح 641.
5- التهذيب 2:272 ح 1081،الاستبصار 1:289 ح 1057.
6- المصدر السابق.
7- التهذيب 2:272 ح 1084،الاستبصار 1:290 ح 1064.
8- التهذيب 2:164 ح 648،الاستبصار 1:292 ح 1073.

الباقر عليه السلام (1)و عبد اللّه بن المغيرة عن الكاظم عليه السلام (2).

و في رواية الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام:«يقضيه من النهار ما لم تزل الشمس وترا،فإذا زالت فمثنى مثنى» (3).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«الوتر ثلاث ركعات الى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس فأربع ركعات» (4).

و عن كردويه الهمداني عن أبي الحسن عليه السلام:«ما كان بعد الزوال فهو شفع ركعتين ركعتين» (5).

و حمل الشيخ الأخبار الأخيرة تارة على من يصليه جالسا،و تارة بأنه على طريق العقوبة (6)،لما تضمنته مقطوعة زرارة،قال:«متى قضيته نهارا بعد ذلك اليوم قضيته شفعا».قلت:و لم؟قال:«عقوبة لتضييعه» (7).

المسألة السابعة عشرة:روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل تكون

عليه صلاة ليال كثيرة

،هل يجوز له أن يقضيها بأوتارها يتبع بعضها بعضا؟قال:

«نعم،كذلك له في أول الليل،و اما إذا انتصف الى أن يطلع الفجر فليس للرجل و لا للمرأة ان يوتر الا وتر صلاة تلك الليلة،فإن أحب أن يقضي صلّى ثماني ركعات و أخّر الوتر،ثم يقضي ما بدا له بلا وتر،ثم يوتر الوتر الذي لتلك الليلة خاصة» (8).فقد تضمن هذا الخبر أمرين:

أحدهما:عدم اجتماع وترين فصاعدا بعد نصف الليل:

ص: 442


1- التهذيب 2:165 ح 649،الاستبصار 1:292 ح 1074.
2- التهذيب 2:165 ح 650،الاستبصار 1:293 ح 1075.
3- التهذيب 2:165 ح 652،الاستبصار 1:293 ح 1077.
4- التهذيب 2:165 ح 653،الاستبصار 1:293 ح 1078.
5- التهذيب 2:165 ح 654،الاستبصار 1:293 ح 1079.
6- التهذيب 2:165،166،الاستبصار 1:293،294.
7- التهذيب 2:166 ح 658،الاستبصار 1:294 ح 1083.
8- التهذيب 2:273 ح 1086.

و الثاني:ان الأوتار تؤخّر إذا قضى نهارا،الا وتر ليلته.

و قد عارضها أشهر منها و أصح سندا،كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إذا اجتمع عليك وتران و ثلاثة أو أكثر من ذلك،فاقض ذلك كما فاتك،تفصل بين كل وترين بصلاة،لا تقدمن شيئا قبل أوله،الأول فالأول.

تبدأ إذا أنت قضيت بصلاة ليلتك ثم الوتر».و قال عليه السلام:«لا وتران في ليلة الا و أحدهما قضاء».و قال:«إن أوترت من أول الليل و قمت في آخر الليل فوترك الأول قضاء،و ما صليت من صلاة في ليلتك كلها فلتكن قضاء الى آخر صلاتك فإنها لليلتك،و لتكن آخر صلاتك وتر ليلتك» (1).

و عن عيسى بن عبد اللّه القمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان أبو جعفر عليه السلام يقضي عشرين وترا في ليلة» (2).

و عن إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام،أ يكون وتران في ليلة؟ قال:«لا».فقلت:و لم تأمرني أوتر وترين في ليلة؟فقال عليه السلام:

«أحدهما قضاء» (3)،و نحوه عن (4)زرارة عنه عليه السلام (5).

قلت:لما كان الوتر يجعل الصلوات وترا،تخيل ان اجتماع وترين يخل بذلك،فالعمل على المشهور.

و قد روى الصدوق و الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا تقض وتر ليلتك-يعني في العيدين-حتى تصلي الزوال في ذلك اليوم» (6)و هذا يشبه ما تقدم غير انه مختص بالعيدين.م.

ص: 443


1- الكافي 3:453 ح 11،التهذيب 2:274 ح 1087.
2- الكافي 3:453 ح 12،التهذيب 2:274 ح 1089.
3- الكافي 3:452 ح 5،التهذيب 2:163 ح 638.
4- في ط:حسنة.
5- التهذيب 2:164 ح 645.
6- الفقيه 1:322 ح 1474،عن حريز عن الصادق عليه السلام،و في التهذيب 2:274 ح 1088،بإسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
خاتمة:
اشارة

فيها بحثان:

أحدهما:انه قد اشتهر بين متأخري الأصحاب-قولا و فعلا-الاحتياط

بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل،

بل جميع العبادات الموهوم فيها ذلك،و ربما تداركوا ما لا مدخل للوهم في صحته و بطلانه في الحياة و بالوصية بعد الوفاة،و لم نظفر بنص في ذلك بالخصوص،و للبحث فيه مجال إذ يمكن أن يقال بشرعيته لوجوه،منها:قوله تعالى فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1)و اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (2)و جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ (3)و اَلَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (4)وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (5)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«دع ما يريبك الى ما لا يريبك» (6)و«انما الأعمال بالنيات» (7)و«من اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه» (8)و قوله صلّى اللّه عليه و آله للمتيمم لما أعاد صلاته لوجوده الماء في الوقت:«لك الأجر مرتين»و للذي لم

ص: 444


1- سورة التغابن:16.
2- سورة آل عمران:102.
3- سورة الحج:78.
4- سورة العنكبوت:69.
5- سورة المؤمنون:60.
6- مسند أحمد 3:153،الجامع الصحيح 4:668 ح 2518،سنن النسائي 8:327، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:52 ح 720،المستدرك على الصحيحين 2:13، السنن الكبرى 5:335.
7- مسند أحمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3:1515 ح 1907،سنن ابن ماجة 2:1413 ح 4227،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:179 ح 1647.
8- عوالي اللئالي 1:394 ح 41.

يعد:«أصبت السنة» (1).

و قول الصادق عليه السلام في الخبر السالف:«انظروا الى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه» (2).

و قول العبد الصالح في مكاتبة عبد اللّه بن وضاح:«ارى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة و تأخذ الحائطة لدينك» (3).

و ربما تخيل المنع لوجوه،منها:قوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (4)يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ (5)و ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (6)و فتح باب الاحتياط يؤدي اليه.

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» (7).

و روى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ما أعاد الصلاة فقيه،يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (8).

و الأقرب الأول،لعموم قوله تعالى أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى (9)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الصلاة خير موضوع،فمن شاء استقل،و من شاء استكثر» (10).و لان الاحتياط المشروع في الصلاة من هذا7.

ص: 445


1- المصنف لعبد الرزاق 1:230 ح 890،سنن الدارمي 1:190،سنن أبي داود 1:93 ح 338،سنن النسائي 1:213،سنن الدار قطني 1:189،المستدرك على الصحيحين 1: 178.
2- تقدم في ص 440.
3- التهذيب 2:259 ح 1031،الاستبصار 1:264 ح 952.
4- سورة البقرة:185.
5- سورة النساء:28.
6- سورة الحج:78.
7- تاريخ بغداد 7:209.
8- التهذيب 2:351 ح 1455.
9- سورة الفلق:9.
10- مسند أحمد 5:178،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1:287 ح 362،المستدرك على الصحيحين 2:597.

القبيل فان غايته التجويز،و لهذا قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«و ان كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة» (1).

و لأن إجماع شيعة عصرنا و ما راهقه عليه فإنهم لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها،و يعيدون كثيرا منها أداء و قضاء،و النهي عن إعادة الصلاة هو في الشك الذي يمكن فيه البناء.

البحث الثاني:في قضاء الصلوات عن الأموات.
اشارة

قد قدمنا شرعية ذلك بغير معارض له،و لنذكر هنا مسائل.

الاولى:في المقضي. و ظاهر الشيخين،و ابن أبي عقيل،و ابن البراج و ابن حمزة،و الفاضل في أكثر كتبه،انه جميع ما فات الميت (2)لما سلف من الأخبار.

و قال ابن الجنيد-رحمه اللّه-:و العليل إذا وجبت عليه صلاة فأخّرها عن وقتها الى أن مات قضاها عنه وليه،كما يقضي عنه حجة الإسلام و الصيام ببدنه،و ان جعل بدل ذلك مدا لكل ركعتين أجزأه،فان لم يقدر فلكل أربع، فان لم يقدر فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل،و الصلاة أفضل (3)و كذا المرتضى أطاب اللّه ثراه و رضي عنه و أرضاه (4).

و قال ابن زهرة-قدس اللّه روحه-:و من مات و عليه صلاة وجب على وليه قضاؤها،و ان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه،فان لم يستطع فعن كل أربع بمدّ،فان لم يجد فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل،و ذلك بدليل الإجماع

ص: 446


1- الكافي 3:353 ح 4.
2- المقنعة:56،103،المبسوط 1:127،النهاية:157،المهذب 1:196،الوسيلة: 150،تذكرة الفقهاء 1:276،مختلف الشيعة:241.
3- مختلف الشيعة:148.
4- جمل العلم و العمل 3:39.

و طريقة الاحتياط.

و أورد على نفسه قوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ،و ما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا مات المؤمن انقطع عمله الا من ثلاث».

و أجاب:بأن الثواب للفاعل لا للميت،لأنّ اللّه تعالى تعبّد الولي بذلك و سمي قضاء عنه لحصوله عند تفريطه.

و معظم كلامه ككلام ابن الجنيد،و الإيراد و جوابه من كلام المرتضى في الانتصار (1).

و قد أجبنا عنه فيما مر.

و قال ابن إدريس-و تبعه سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد-و العليل إذا وجبت عليه فأخرها عن أوقاتها حتى مات قضاها عنه ولده الأكبر من الذكران،و يقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرّط فيه،و لا يقضي عنه الاّ الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب،دون ما فاته من الصلوات في غير حال مرض الموت (2).

و قال الشيخ نجم الدين بن سعيد-رحمه اللّه-في كتابيه كقول الشيخين (3).

و في البغدادية له المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري -رحمه اللّه-:الذي ظهر انّ الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام و صلاة لعذر-كالمرض و السفر و الحيض-لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه.3.

ص: 447


1- الغنية:501. و الآية الكريمة في سورة النجم:39. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:صحيح مسلم 3:1255 ح 1631،الجامع الصحيح 3:660 ح 1376،السنن الكبرى 6:278.
2- السرائر:60،الجامع للشرائع:89.
3- المعتبر 2:701،شرائع الإسلام 1:203.

و قد كان شيخنا عميد-الدين قدّس اللّه لطيفه-ينصر هذا القول،و لا بأس به،فان الروايات تحمل على الغالب من الترك،و هو انما يكون على هذا الوجه،اما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر.نعم،قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة، و الظاهر انه ملحق بالتعمّد للتفريط.

و رواية عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سمعته يقول:«الصلاة التي دخل وقتها قبل ان يموت الميت يقضي عنه أولى أهله به» وردت بطريقين،و ليس فيها نفي لما عداها،الا ان يقال:قضية الأصل تقتضي عدم القضاء الا ما وقع الاتفاق عليه،أو أنّ المعتمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به،لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1).

و اما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة،كما سبق.و تخصيص ابن إدريس خال عن المأخذ.

الثانية:في القاضي. و صرح الأكثر بأنّه الولد الأكبر (2)-و كأنّهم جعلوه بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها و بينه،و الأخبار خالية عن التخصيص،كما أطلقه ابن الجنيد و ابن زهرة (3)و لم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة.نعم،ذكرها المصنفون (4)-و لا بأس به اقتصارا على المتيقن،و ان كان القول بعموم كل وليّ ذكر أولى،حسب ما تضمنته الروايات.

الثالثة:في المقضي عنه. و ظاهرهم انّه الرجل،لذكرهم إياه في معرض الحبوة،و في بعض الروايات لفظ الرجل،و في بعضها الميت.و كلام المحقق يؤذن بالقضاء عن المرأة (5)و لا بأس به أخذا بظاهر الروايات،و لفظ الرجل3.

ص: 448


1- سورة الانعام:164.
2- راجع:المبسوط 1:286،الوسيلة:150،المعتبر 2:701،مختلف الشيعة:242.
3- راجع ص 446 الهامش 3،و 447 الهامش 1.
4- راجع:المقنعة:103،النهاية:633،الوسيلة:387.
5- لاحظ:المعتبر 2:703.

للتمثيل لا للتخصيص.

و الأقرب دخول العبد،لهذا الظاهر،مع إمكان عدمه إذ وليه وارثه و العبد لا يورث،و إلزام المولى بالقضاء أبعد.

فروع سبعة:
الأول:الأقرب اشتراط كمال الولي حالة الوفاة،

لرفع القلم عن الصبي و المجنون.و يمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ،بناء على انه يحبى و انها تلازم القضاء.

اما السفيه و فاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى (1)فيمكن انتفاء القضاء عنه.و وجوبه أقرب أخذا بالعموم.و الشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه و الفاسد من الحبوة (2)فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما.

الثاني:لا يشترط خلو ذمته من صلاة واجبة،

لتغاير السبب فيلزمان معا.

و الأقرب الترتيب بينهما،عملا بظاهر الأخبار و فحاويها.نعم،لو فاتته صلاة بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقدمها،لأنّ زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها.و أمكن تقديم المتحمل،لسبق سببه.

الثالث:الأقرب انه ليس له الاستئجار،

لمخاطبته بها و الصلاة لا تقبل التحمل عن الحي.و يمكن الجواز،لما يأتي إن شاء اللّه في الصوم،و لأنّ الغرض فعلها عن الميت.فان قلنا بجوازه،و تبرع بها متبرع،أجزأت أيضا.

الرابع:لو مات هذا الولي،

فالأقرب أنّ وليه لا يتحملها،لقضية الأصل،و الاقتصار على المتيقن،سواء تركها عمدا أو لعذر.

الخامس:لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله،

أو أسندها إلى أحد أوليائه أو الى أجنبي و قبل،فالأقرب سقوطها عن الولي،لعموم وجوب العمل بما رسمه الموصي.

ص: 449


1- النهاية:634.
2- شرائع الإسلام 1:203.
السادس:لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا،

أو كان لا ولي له،فإن أوصى الميت بفعلها من ماله أنفذ،و ان ترك فظاهر المتأخرين من الأصحاب عدم وجوب إخراجها من ماله،لعدم تعلق الفرض بغير البدن، خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الإجماع عليه،بقي ما عداه على أصله.

و بعض الأصحاب أوجب إخراجها كالحج،وصب الأخبار التي لا وليّ فيها عليه،و احتج أيضا بخبر زرارة،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:انّ أباك قال لي:«من فرّ بها فعليه أن يؤديها»،قال:«صدق أبي انّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه،و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه»،ثم قال:«أ رأيت لو انّ رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته،أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟فقلت:لا، قال:«الا ان يكون أفاق من يومه» (1).

فظاهره أنه يؤديها بعد موته،و هو انما يكون بوليه أو ماله،فحيث لا وليّ تحمل على المال،و هو شامل لحالة الإيصاء و عدمه.

السابع:لو أوصى بفعلها من ماله،

فان قلنا بوجوبه لو لا الإيصاء،كان من الأصل كسائر الواجبات.و ان قلنا بعدمه،فهو تبرع يخرج من الثلث الا ان يجيزه الوارث.

ص: 450


1- الكافي 3:525 ح 4،التهذيب 4:35 ح 92.

المجلد 3

اشارة

بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734

عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.

مواصفات المظهر:ج 4

الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)

ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377

ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6

ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4

ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2

ملاحظة:فهرس

الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5

المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

المعرف المضاف:عنوان

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

ادامة الاقطاب الأربعة

ادامة القطب الأول في العبادات

ادامة كتاب الصلاة
ادامة البحث في شروط الصلاة
الباب الرابع: في الستر
و فيه فصول ثلاثة:
الأول:فيما يجب ستره.
فيه مسائل:
المسألة الاولى في وجوب ستر العورة في الصلاة

أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة،و عندنا و عند الأكثر انّه شرط في الصحة؛لقوله تعالى يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1)قيل:اتفق المفسرون على انّ الزينة هنا ما توارى به العورة للصلاة و الطواف لأنهما المعبر عنهما بالمسجد،و الأمر للوجوب.

و يؤيده قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ (2).أمر تعالى باللباس المواري للسوأة،و هي:ما يسوء الإنسان انكشافه،و يقبح في الشاهد إظهاره،و ترك القبيح واجب.

قيل:و أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان انكشاف العورة،و لهذا ذكره تعالى في سياق قصة آدم عليه السلام.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يقبل اللّه صلاة حائض إلا بخمار» (3)و هي البالغ،فغيرها كذلك إذ لا قائل بالفرق.

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصلي في

ص: 5


1- سورة الأعراف:31.
2- سورة الأعراف:26.
3- مسند احمد 6:150،259،سنن ابن ماجة 1:215 ح 655،سنن أبي داود 1:173 ح 641،الجامع الصحيح 2:215 ح 377،الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3:106 ح 1708،المستدرك على الصحيحين 1:251.

قميص واحد:«إذا كان كثيفا فلا بأس به» (1)،و مفهوم الشرط حجة.

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن يخرج من سفينة عريانا و لم يجد شيئا يصلي فيه،فقال:«يصلي إيماء،و ان كانت امرأة جعلت يديها على فرجها،و ان كان رجلا وضع يده على سوأته،ثم يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان» (2).

و عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في العريان:«إن أصاب حشيشا يستر منه عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود،و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (3).

فترك أعظم أركان الصلاة صريح في شرطية الستر في الصحة.

المسألة الثانية في وجوب ستر العورة في غير الصلاة و الطواف

يجب الستر في غير الصلاة و الطواف عن الناظر إجماعا؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لعن اللّه الناظر و المنظور اليه» (4).

و عن زين العابدين عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عورة المؤمن على المؤمن حرام» (5).

اما في الخلوة فلا يجب؛لقضية الأصل،و لانه لا ناظر فلا يتناوله اللعن.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تكشف فخذك،و لا تنظر الى فخذ حي و لا ميت» (6)محمول على الناظر.

ص: 6


1- الكافي 3:394 ح 2،التهذيب 2:217 ح 855.
2- الكافي 3:396 ح 16،التهذيب 2:364 ح 1512،3:178 ح 403.
3- التهذيب 2:365 ح 1515،3:296 ح 900.
4- تحف العقول:11،السنن الكبرى 7:99.
5- الكافي 6:497 ح 8،الفقيه 1:66 ح 252.
6- مسند أحمد 1:146،سنن ابن ماجة 1:469 ح 1460،سنن أبي داود 3:196 ح 3140، مسند أبي يعلى 1:277 ح 331،سنن الدار قطني 1:225،المستدرك على الصحيحين 4: 180.

قالوا:الجن و الملائكة ناظرون،و اللّه أحقّ أن يستحيي منه (1).

قلنا:الستر هاهنا غير ممكن،على انّ الفخذ ليس من العورة-كما يأتي إن شاء اللّه-فيحمل على الاستحباب.

المسألة الثالثة في تحديد العورة

اختلف الأصحاب في العورة،فالمشهور انها السوأتان،فالقبل:

القضيب و الأنثيان،و الدبر:نفس المخرج،و ليست الأليتان و الفخذ منها.هذا في الرجل،و اما في المرأة الحرة فجميع بدنها و رأسها،إلاّ الوجه و ظاهر الكفين و القدمين؛اقتصارا على المتفق عليه فيهما بين جميع العلماء،و أصالة البراءة من وجوب غيره،و لأنّ أنسا روى:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حسر الإزار عن فخذه يوم خيبر،حتى اني لأنظر إلى بياض فخذه عليه السلام (2).

و عن عائشة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاشفا عن فخذيه و أذن للشيخين في الدخول (3).

و روى الصدوق:ان الباقر عليه السلام كان يطلي عانته و يلف الإزار على الإحليل،فيطلي غيره سائر بدنه (4).

و عن الصادق عليه السلام:«الفخذ ليس من العورة» (5).

و روى الميثمي،عن محمد بن حكيم:ان الصادق عليه السلام رئي و هو متجرّد و على عورته ثوب،فقال:«ان الركبة ليست من العورة» (6).

ص: 7


1- صحيح البخاري 1:78،الجامع الصحيح 5:97 ح 2796،سنن ابن ماجة 1:618 ح 1920.
2- مسند أحمد 3:102،صحيح البخاري 1:103،صحيح مسلم 2:1043 ح 1365،سنن النسائي 6:131،السنن الكبرى 2:330.
3- صحيح مسلم 4:1866 ح 2401،السنن الكبرى 2:231.
4- الفقيه 1:65 ح 250،و في الكافي 6:497 ح 7.
5- الفقيه 1:67 ح 253.
6- التهذيب 1:374 ح 1150،و فيه:«ان الفخذ».

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:أدنى ما تصلي فيه المرأة:«درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها» (1).

و اجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها-إلا أبا بكر بن هشام (2)- و على عدم وجوب ستر الكفين-إلا أحمد و داود (3)-لقوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (4)،قال ابن عباس:هي الوجه و الكفان (5).

و اما القدمان فالمشهور عندنا انهما ليستا من العورة؛لبدوهما غالبا، و لقضية الأصل.و يظهر من كلام الشيخ-في الاقتصار-و كلام أبي الصلاح منع كشف اليدين و القدمين (6)لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المرأة عورة» (7).

قلنا:خرج ذلك بدليل،و لأنّ الباقر عليه السلام جوّز الصلاة للمرأة في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا (8)و هما لا يستران القدمين غالبا.

و لا فرق بين ظاهر الكفين و باطنهما،و كذا القدمان،لبروز ذلك كلّه غالبا،و حدّ اليدين الزند،و القدم مفصل الساق.نعم،يجب ستر شيء من اليد و القدم؛لتوقف الواجب عليه.

و هنا أقوال نادرة للأصحاب:1.

ص: 8


1- التهذيب 1:217 ح 853،الاستبصار 1:338 ح 1478.
2- المغني 1:672.
3- المغني 1:672.
4- سورة النور:31.
5- الدر المنثور 5:41 عن ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن أبي حاتم.
6- الاقتصاد:258،الكافي في الفقه:139.
7- الجامع الصحيح 3:476 ح 1173،الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 7:445 ح 5569،مجمع الزوائد 2:35،عن الطبراني في الكبير.
8- الفقيه 1:243 ح 1081.

أحدها:قول ابن البراج:انّ العورة من السرة إلى الركبة (1).

و الثاني:قول أبي الصلاح:إنّها من السرة الى نصف الساق (2).

و الثالث:قول ابن الجنيد:انّ الرجل و المرأة سواء في ان العورة هي القبل و الدبر (3).

لرواية أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أسفل السرة،و فوق الركبة،من العورة» (4).

و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«الركبة من العورة» (5).

و روى ابن بكير منا:«لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة مكشوفة الرأس» (6).

و الجواب:يحمل الخبران الأول على الندب توفيقا،و الخبر الآخر ضعيف السند،مخالف للمشهور و لما هو أصحّ (7)سندا،و تأوّله الشيخ بالحمل على الضرورة أو الصغيرة (8).

المسألة الرابعة في جواز صلاة الأمة و الصبية مكشوفتا الرأس
اشارة

يجوز للأمة أن تصلّي مكشوفة الرأس،و كذا الصبية،بإجماع العلماء الا الحسن البصري (9).و هو محجوج بسبق الإجماع و تأخّره.

و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«ليس على الأمة قناع» (10).

ص: 9


1- المهذب 1:83.
2- الكافي في الفقه:139.
3- مختلف الشيعة:83.
4- سنن الدار قطني 1:231،السنن الكبرى 2:229.
5- سنن الدار قطني 1:231.
6- التهذيب 2:218 ح 857،الاستبصار 1:389 ح 1481.
7- في س:أوضح.
8- راجع الهامش 6.
9- المجموع 3:169،المغني 1:674.
10- الكافي 3:394 ح 2،التهذيب 2:217 ح 855.

و روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام:«ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة» (1).

و هل يستحب للأمة القناع؟أثبته في المعتبر و نقله عن عطاء،و عن عمر انّه نهى عن ذلك،و ضرب أمة لآل أنس رآها بمقنعة.

قال:لنا:انّه أنسب بالخفر و الحياء،و هما مرادان من الأمة كالحرة، و فعل عمر جاز أن يكون رأيا (2).

قلت:روى البزنطي بإسناده إلى حماد اللحام عن الصادق عليه السلام في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت،قال:«لا،قد كان أبي إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها،لتعرف الحرة من المملوكة» (3).

و روى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن أبي خالد القماط،قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأمة،أتقنّع رأسها؟فقال:«إن شاءت فعلت، و ان شاءت لم تفعل.سمعت أبي يقول:كن يضربن،فيقال لهن:لا تشبّهن بالحرائر».

و أوجب الحسن البصري الخمار على الأمة المتزوجة و السرية (4)و هو مدفوع بالإجماع.

فروع:

المعتق بعضها كالحرة في وجوب الستر؛

تغليبا للحرية،ذكره الشيخ

ص: 10


1- التهذيب 2:217 ح 854،الاستبصار 1:389 ح 1479.
2- المعتبر 2:103،و راجع:المغني 1:674.
3- رواه الصدوق في علل الشرائع:345 بإسناده عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن حماد الخادم عن أبي عبد اللّه عليه السلام. و رواه البرقي في المحاسن:318 بسند آخر عن حماد اللحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
4- راجع المغني 1:674.

و الفاضل (1).

و قد روى الصدوق عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«ليس على الأمة قناع في الصلاة،و لا على المدبرة،و المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها حتى يؤدي جميع مكاتبتها» (2)و هو يشعر بما قالوه؛للتخصيص بالمشروطة.

و الأقرب إلحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر،أخذا بالمبرئ للذمة.

و لو اعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر،فان افتقرت الى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت،و أتممت لا معه؛لتعذّر الشرط حينئذ فتصلي بحسب المكنة.

و في الخلاف:تستمر المعتقة و أطلق (3)؛لأن دخولها كان مشروعا و الصلاة على ما افتتحت عليه.

لنا:ان الستر شرط و قد أمكن فتجب مراعاته.

أما الصبية فتستأنف لو بلغت في الأثناء؛لان النفل لا يجزئ عن الفرض.و لو ضاق الوقت عن الركعة و الطهارة أتمّت مستترة إن أمكن.

و المشروطة إذا لم تؤد شيئا كالقن،و ان أدّت سترت.

و يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس؛عملا بالدليل،و اقتصارا على موضع الرخصة.و في المعتبر لما حكى هذا عن الشيخ،قال:و يقرب عندي جواز كشف وجهها و يديها و قدميها؛لما قلناه في الحرة (4).

قلت:ليس هذا موضع التوقّف؛لانه من باب كون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به،و لا نزاع في مثله.

و الأقرب وجوب ستر الأذنين و الشعر من المرأة؛لرواية الفضيل عن الباقر8.

ص: 11


1- المبسوط 1:87،تذكرة الفقهاء 1:93.
2- الفقيه 1:244 ح 1085،علل الشرائع:346.
3- الخلاف 1:396 المسألة:146.
4- المعتبر 2:103،و لاحظ:المبسوط 1:88.

عليه السلام،قال:«صلت فاطمة عليها السلام و خمارها على رأسها،ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها» (1).

و في الصدغين و ما لم يجب غسله من الوجه نظر،من تعارض العرف اللغوي و الشرعي.أما العنق فلا شك في وجوب ستره من الحرة،و اما الأمة فالأقرب تبعيته للرأس؛لعسر ستره من دون الرأس.

المسألة الخامسة في استحباب لبس المرأة ثلاثة أثواب في الصلاة
اشارة

الأفضل للحرة الصلاة في ثلاثة أثواب:درع و خمار و ملحفة؛ لخبر جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)،و خبر ابن أبي يعفور عنه عليه السلام بلفظة«الإزار»مكان«الملحفة» (3).

و الأفضل للرجل ستر ما بين السرة و الركبة و إدخالهما في الستر؛للخروج من الخلاف،و لأنّه ممّا يستحيى منه.و ستر جميع البدن أفضل،و الرداء أكمل، و التعمّم و التسرول أتمّ؛لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه،فان اللّه أحقّ أن يتزيّن له» (4).

و روي:«ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره»و كذا روي في العمامة.

و التحنّك بالعمامة مستحب على الأصح.و قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:

لا يجوز تركه (5)لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:«من تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له،فلا يلومنّ الا نفسه» (6)و مثله رواية عيسى بن حمزة عنه عليه السلام (7).

ص: 12


1- الفقيه 1:167 ح 785.
2- التهذيب 2:218 ح 860،الاستبصار 1:390 ح 1484.
3- الكافي 3:395 ح 11،التهذيب 2:217 ح 856،الاستبصار 1:389 ح 1480.
4- السنن الكبرى 2:236،كنز العمال 7:331 ح 1920 عن الطبراني في الأوسط.
5- الفقيه 1:172.
6- الكافي 6:460 ح 1،التهذيب 2:215 ح 846.
7- المحاسن:378،الكافي 6:461 ح 7،التهذيب 1:215 ح 847.

و جوابه:منع الدلالة.

و يجزئ مسمى الرداء،روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«أدنى ما يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي خطاف» (1).

و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل ليس معه الا سراويل قال:«يحل التكة منه و يطرحها على عاتقه و يصلي،و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف» (2).

و روى الكليني عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام:«إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا و لو حبلا» (3).

و روى عن جميل،قال:سأل مرازم أبا عبد اللّه عليه السلام-و انا معه حاضر-عن الرجل يصلي في إزار مرتديا به؟قال:«يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردّى به» (4).

تنبيه:

استحباب التحنّك عام.

قال الصدوق:روى عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انّه قال:«من خرج في سفره فلم يدر العمامة تحت حنكه،فأصابه ألم لا دواء له،فلا يلومنّ الا نفسه» (5).

و قال الصادق عليه السلام:«ضمنت لمن خرج من بيته معتما أن يرجع إليهم سالما» (6).

ص: 13


1- الفقيه 1:166 ح 783.
2- الفقيه 1:166 ح 782،التهذيب 2:366 ح 1519.
3- الكافي 3:393 ح 1،التهذيب 2:216 ح 852.
4- الكافي 3:395 ح 6،التهذيب 2:366 ح 1518.
5- الفقيه 1:173 ح 814.
6- الفقيه 1:173 ح 815.

و قال عليه السلام:«اني لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو على وضوء كيف لا تقضى حاجته،و اني لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته» (1).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الفرق بين المسلمين و المشركين التلحي» (2).

و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه أمر بالتلحي،و نهى عن الاقتعاط (3).

قال صاحب الغريبين:يقال:جاء الرجل مقتعطا،إذا جاء معتما طابقيا لا يجعلها تحت ذقنه.

و في الصحاح:الاقتعاط:شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك.و التلحي:تطويق العمامة تحت الحنك (4).

فرع:

الأقرب تأدّي هذه السنّة بكون جزء من العمامة تحت الحنك،

سواء كان بالذؤابة أو بالطرف أو بالوسط؛لصدق التحنك،و ان كان المعهود أفضل.

و في الاكتفاء بالتلحي بغيرها بحيث يضمها نظر،من مخالفة المعهود، و من إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط و هو حاصل.و لكن خبر الفرق بين المسلمين و المشركين مشعر باعتبار التحنّك المعهود.

المسألة السادسة في ان شرطية الستر في الصلاة مع الإمكان هل هي مطلقة أو مقيدة

هل الستر شرط في الصحة مع الإمكان على الإطلاق،أو انّ شرطيته مقيّدة بالعمد؟

ص: 14


1- الفقيه 1:173 ح 816.
2- الفقيه 1:173 ح 817.و فيه«التلحي بالعمائم».
3- رواه في الفائق و النهاية مادة لحي،و لم نجده في كتب الأحاديث.و قد أورده عن العامّة في الفقيه 1: 173 ح 817.
4- الصحاح،مادتي قعط،لحي.

قال ابن الجنيد:لو صلّى و عورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط (1).

و قال الشيخ في المبسوط:فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب عليه سترهما و لا تبطل صلاته،سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا،بعضه أو كله (2).

و قال المحقق في المعتبر:لو انكشفت العورة و لم يعلم،سترها و لم تبطل صلاته،تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل،كثيرا كان الكشف أو قليلا؛ لسقوط التكليف مع عدم العلم (3).

و الذي رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل يصلي و فرجه خارج لا يعلم به،هل عليه إعادة؟قال:«لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته» (4).

و الفاضل-رحمه اللّه-في المختلف مال الى كلام الشيخ و حمله على عدم العلم مع انه مطلق،و احتجّ بالرواية.و احتجّ لابن الجنيد:بانّ الستر شرط إجماعا و قد انتفى،فينتفي المشروط،و أجاب:بمنع كون الستر شرطا مطلقا، انّما هو شرط مع الذكر (5).

و كلام الشيخ و المحقّق ليس فيهما تصريح بأن الإخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الإطلاق؛لأنّه يتضمن انّ الستر حصل في بعض الصلاة،فلو انتفى في جميع الصلاة لم يعرضا له،بخلاف كلام ابن الجنيد،فإنّه صريح في الأمرين.3.

ص: 15


1- مختلف الشيعة:83.
2- المبسوط 1:87.
3- المعتبر 2:106.
4- التهذيب 2:216 ح 851.
5- مختلف الشيعة:83.

و الرواية تضمّنت الفرج و جاز كونه للجنس-فيشمل الفرجين-و للوحدة، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد،و ان كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة.

و ليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية،و بينها مع عدمه ببعض الاعتبارات،تلازم.بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة،فلا يحصل البطلان بدونه.و جاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها،فتبطل بدونه.

و اما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه:انّ القضاء انّما يجب بأمر جديد،و لم يوجد هنا.و لقائل أن يقول:إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت و خارجه.

و لو قيل:بأن المصلي عاريا مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقا، و المصلي مستورا و يعرض له التكشّف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا،كان قويا.نعم،يجب عليه عند الذكر الستر قطعا،فلو أخلّ به بطلت حينئذ لا قبله.

المسألة السابعة حكم ما لو وجد ساتر إحدى العورتين
اشارة

لو وجد ساتر إحداهما وجب؛لعموم:«فأتوا منه ما استطعتم» (1)و لأصالة عدم اشتراط إحداهما بالأخرى.و حينئذ فالأولى صرفه الى القبل لبروزه و استقبال القبلة به،و الآخر مستور بالأليتين،الاّ انّه يومئ؛لبقاء العورة.

و لو صرفه الى الآخر فالأولى البطلان؛لتحقّق المخالفة.

و الشيخ قال:ان وجد ما يستر بعض عورته وجب عليه ستر ما قدر عليه (2)و أطلق.

أما الخنثى المشكل،فإن أمكنه ستر القبلين وجب و قدّم على الدبر،و الاّ

ص: 16


1- مسند أحمد 2:247،صحيح مسلم 2:975 ح 1337،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6:7 ح 3696،السنن الكبرى 1:215.
2- المبسوط 1:88.

فالأقرب ستر الذكر لبروزه.و قال بعض العامة:يستر ما ليس للمطّلع،فان كان عنده رجل ستر آلة النساء،و ان كان عنده امرأة ستر آلة الرجل؛ لزيادة الفحش (1).

و لو كان في الثوب خرق،فان لم يحاذ العورة فلا بحث،و ان حاذاها بطل.و لو جمعه بيده بحيث يتحقّق الستر بالثوب صحّ.

و لو وضع يده عليه فالأقرب البطلان؛لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ.

و لو وضع غير المصلي يده عليه في موضع يجوز له الوضع أمكن الصحة، لحصول الستر و خروجه عن المصلّي.و الوجه البطلان أيضا؛لمخالفة الستر المعهود،و الاّ لجاز ستر جميع العورة ببدن الغير.

في ذكر مسائل مرتبطة بالمقام:
اشارة

و يلحق بذلك الاحكام،و هي مسائل:

الاولى عدم سقوط الصلاة مع فقد الساتر

لا تسقط الصلاة بعدم الساتر إجماعا.و يكفي في الستر مسمّاه و لو بورق الشجر أو الحشيش؛لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام:«إن أصاب حشيشا يستر منه عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود» (2).

و لو لم يجده،و أمكن وضع طين بحيث يستر الحجم و اللون،وجب.

و الأقرب انّه لا يجزئ مع إمكان الستر بغيره؛لعدم انصراف اللفظ اليه.و وجه الإجزاء حصول مقصود الستر.نعم،لو خاف تناثره لجفافه لم يجز مع وجود الثوب قطعا.

و لو ستر اللون فقط لا مع إمكان ستر الحجم وجب؛لما روى ابن بابويه عن عبيد اللّه الرافقي،عن قيّم حمام الباقر عليه السلام،انه قال:«النورة سترة» (3).و في سقوط الإيماء هنا نظر،من حيث إطلاق الستر عليه،و من إباء

ص: 17


1- المجموع 3:182.
2- التهذيب 2:365 ح 1515.
3- الفقيه 1:65 ح 250 عن عبيد اللّه المرافقي،و في نسخة،الواقفي،و في الكافي 6:497 ح 7 عبيد اللّه الدابقي.

العرف.

و لو كان الثوب رفيقا يبدو منه الحجم لا اللون فالاكتفاء به أقوى؛لأنه يعدّ ساترا،و في رواية تأتي انه إذا وصف لم يجز (1).

و لو وجد وحلا و لا ضرر فيه تلطّخ به.و لو لم يجد الاّ ماء كدرا استتر به مع إمكانه،و في المعتبر:لا يجبان؛للمشقة و الضرر (2).

و لو وجد حفيرة ولجها،و الأقرب:انّه يصلي قائما؛لإمكانه مع استتار العورة،و به أفتى الشيخ (3).

و هل يركع و يسجد؟قطع به المحقق؛لحصول الستر،و لم يثبت شرطية التصاقه بالبدن (4)فيجب إتمام الأركان.و في مرسل أيوب بن نوح عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها و ركع» (5).

و الشيخ لم يصرّح بالركوع و السجود.

و أولى بالجواز الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه،اما الحب و التابوت فمرتب على الفسطاط و الحفيرة؛لعدم التمكّن من الركوع و السجود فيه،الاّ أن تكون صلاة الجنازة و الخوف.

الثانية عدم وجوب زر الثوب إذا لم تبدو العورة منه حينا ما

لا يجب زرّ الثوب إذا كان لا تبدو العورة منه حينا ما،أفتى به الشيخ (6)و هو في رواية زياد بن سوقة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس بان يصلي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة،انّ دين محمد صلّى

ص: 18


1- الكافي 3:402 ح 24،التهذيب 2:214 ح 837.
2- المعتبر 2:106.
3- المبسوط 1:87.
4- المعتبر 2:105.
5- التهذيب 2:365 ح 1517،3:179 ح 405.
6- المبسوط 1:88.

اللّه عليه و آله حنيف» (1).و اشترطنا عدم بدو العورة و لو في حين ما لاختلال الشرط.و في رواية محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا كان القميص صفيقا،أو القباء ليس بطويل الفرج،فلا بأس» (2).

و لو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذ.و قال بعض العامة:تبطل من أصلها إذ لم يصلّ في ساتر العورة (3).و يترتّب:ما لو استدرك الستر،أو اقتدى به عالم قبل الركوع ثم نوى الانفراد،فعلى ما قلناه يصحّ، و على ما قاله لا يصحّ.

و لو برزت للمصلّي لا لغيره،فالأقرب البطلان إذا قدّر رؤية الغير لو حاذى الموضع،و أطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حالة الركوع (4)،و الأقرب الاجتزاء بكثافة اللحية المانعة من الرؤية،و وجه المنع انّه غير معهود في الستر كما مرّ.

فان قلت:روى غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه، انه قال:«لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» (5).

قلت:حملها الشيخ على الاستحباب،مع إمكان حملها على ما تبدو معه العورة.و يؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي و أزراره محلولة؟قال:«لا ينبغي ذلك» (6).

و اما ما رواه العامة عن سلمة بن الأكوع،قلت:يا رسول اللّه اني أصيد،6.

ص: 19


1- الكافي 3:395 ح 8،الفقيه 1:174 ح 74،التهذيب 2:216 ح 850،357 ح 1477، الاستبصار 1:392 ح 1492.
2- الكافي 3:393 ح 1،التهذيب 2:216 ح 852،باختصار في الألفاظ.
3- لاحظ:المجموع 3:174.
4- المعتبر 2:106.
5- التهذيب 2:326 ح 1334،357 ح 1476،الاستبصار 1:392 ح 1495.
6- التهذيب 2:369 ح 1535،الاستبصار 1:392 ح 1496.

فأصلي في القميص الواحد؟قال:«نعم،و ازرره بشوكة» (1)فان صحّ فيحمل على الحملين المذكورين.

الثالثة وجوب شراء الساتر بثمن مثله مع المكنة

يجب شراء الساتر بثمن مثله مع المكنة،أو استئجاره.و لو زاد عن المثل و تمكن منه،فالأقرب أنّه كماء الطهارة.

و لو أعير وجب القبول إذ لا كثير منّة فيه.

و لو وهب منه قطع الشيخ بوجوب القبول أيضا (2)و هو قوي لتمكّنه من الستر.و الفاضل يمنعه للمنّة (3)،و هو بناء على انّه ليس للموهوب ردّه بعد الصلاة إلا بعقد جديد،لاتصال الهبة بالتصرف.و لو قلنا بجواز الرد فهو كالعارية.

و لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فكما مر في المعتقة.و لو طال زمان حمله اليه و لم يخرج عن كونه مصليا انتظر،و ان خرج بطلت،و حينئذ ليس له الاشتغال بشيء من أفعال الصلاة.و يحتمل البطلان؛لانّه مصل أمكنه الستر و لم يفعل،و فيه منع ظاهر.

الرابعة وجوب مراعاة الستر من الجوانب و من فوق

الستر يراعى من الجوانب و من فوق،و لا يراعى من تحت.فلو كان على طرف سطح ترى عورته من تحته أمكن الاكتفاء؛لأنّ الستر انما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.و عدمه-و هو الذي اختاره الفاضل (4)- لأنّ الستر من تحت انما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض؛لعسر التطلع حينئذ،اما صورة الفرض فالأعين تبتدر لإدراك العورة.

و لو قام على مخرم لا يتوقع ناظر تحته،فالأقرب أنه كالأرض؛لعدم

ص: 20


1- ترتيب مسند الشافعي 1:63 ح 187،مسند احمد 4:49،صحيح البخاري 1:99،سنن أبي داود 1:170 ح 632،سنن النسائي 2:70،شرح معاني الآثار 1:380.
2- المبسوط 1:88.
3- تذكرة الفقهاء 1:94.
4- تذكرة الفقهاء 1:94.

ابتدار الأعين.

الخامسة:لو احتاج الى شراء الثوب و الماء،و معه ثمن أحدهما قدّم

الثوب؛

لأنّ للماء بدلا.و تخصّ المرأة بالثوب الموصى به لأولى الناس به في موضع معين،أو المنذور و شبهه؛لان عورتها أفحش،ثم الخنثى،ثم الرجل.

و مع التساوي يمكن تقديم الصالح للإمامة منهم،ثم الأفضل بخصال دينية؛ ثم القرعة.و لو أمكن التناوب فعل،و يقدّم بالقرعة.

السادسة حكم الصلاة مع فقد الساتر

لو فقد الساتر صلّى عاريا مع سعة الوقت عند الشيخ (1).و عند المرتضى و سلار يجب التأخير (2)بناء على أصلهما في أصحاب الأعذار.

و مال في المعتبر الى تفصيل التيمم بالرجاء المظنون و عدمه (3)و هو قريب،امّا مجرد الرجاء فلا؛لعموم الأمر بالصلاة عند الوقت.

قال الأكثر:و يصلي قائما إن لم يره أحد و الاّ فجالسا (4)لمرسل ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام (5)قالوا:و يومئ بالركوع و السجود في الحالين (6).

و المرتضى:يصلّي جالسا مومئا مطلقا (7)؛لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في العاري:«ان كان امرأة جعلت يدها على فرجها،و ان كان رجلا وضع يده على سوأته،يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما

ص: 21


1- النهاية:130.
2- جمل العلم و العمل 3:49،المراسم:62.
3- المعتبر 2:108.
4- راجع:النهاية:130،المبسوط 1:130،الخلاف 1:399 المسألة 151،المراسم:77، مختلف الشيعة:84.
5- التهذيب 2:365 ح 1516.
6- راجع:المقنعة:36،السرائر:80،المعتبر 2:104،مختلف الشيعة:83.
7- جمل العلم و العمل 3:49.

خلفهما،تكون صلاتهما إيماء برءوسهما» (1).و رواه العامة عن عبد اللّه بن عمر،قالوا:و لم يخالفه أحد (2).

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام إطلاق القيام و الإيماء (3)و اختارها ابن إدريس (4).

و في المعتبر احتمل التخيير بين القيام و القعود؛لتعارض الروايتين، و ضعّف المفصّلة بالإرسال،و نقل التخيير عن ابن جريج من العامّة (5).

قلت:و هو مذهب أبي حنيفة قال:و القعود أولى؛لأنّ الإيماء خلف عن الأركان،و لا خلف عن ستر العورة (6).

و اما المراسيل فإذا تأيّدت بالشهرة صارت في قوة المسانيد،و خصوصا مع ثقة المرسل،و عبد اللّه بن مسكان من أجلّ الثقات من أصحاب الكاظم عليه السلام،و روى قليلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال الشيخ الجليل أبو النضر محمد بن مسعود العياشي-قدس اللّه روحه-:كان ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد اللّه عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله،و كان يسمع من أصحابه و يأبى أن يدخل عليه (7).

قلت:لعلّه انما دخل على الكاظم عليه السلام مع امتناعه عن الدخول على أبيه عليه السلام؛لترقيه في قوتي العلم و العمل،حتى صار في زمن الكاظم عليه السلام أهلا للدخول عليه.6.

ص: 22


1- الكافي 3:396 ح 16،التهذيب 2:364 ح 1512،3:178 ح 403.
2- المغني 1:665.
3- التهذيب 2:365 ح 1515،3:296 ح 900.
4- السرائر:55.
5- المعتبر 2:105.
6- الهداية 1:44،المغني 1:664،شرح العناية 1:230-231،الاختيار 1:58، المجموع 3:183.
7- حكاه عنه الكشي في اختيار معرفة الرجال:382 رقم 716.

فروع:

هل يومئ القائم للسجود قائما أم قاعدا؟أطلق الأصحاب و الرواية.و كان شيخنا عميد الدين-نضّر اللّه وجهه-يقوّي جلوسه؛لأنه أقرب الى هيئة الساجد فيدخل تحت:«فاتوا منه ما استطعتم» (1).

و يشكل:بأنّه تقييد للنص،و مستلزم للتعريض لكشف العورة في القيام و القعود،فان الركوع و السجود انّما سقطا لذلك،فليسقط الجلوس الذي هو ذريعة إلى السجود،و لانّه يلزم القول:بقيام المصلي جالسا ليومئ للركوع لمثل ما ذكره،و لا أعلم به قائلا،فالتمسّك بالإطلاق أولى.

و يجب الإيماء هنا بالرأس لخبر زرارة (2)لما فيه من قرب الشبه بالراكع و الساجد.و قد قال الفاضلان-في المعتبر و التذكرة و النهاية-:يومئ المريض برأسه فإن تعذّر فبالعينين (3)فهذا أولى.

قال الأصحاب:و ليكن السجود أخفض هنا و في المريض (4)بمعنى زيادة الانخفاض في السجود الايمائي عن الانخفاض في الركوع الايمائي، كما كان الانخفاض في السجود الحقيقي أزيد.و الظاهر انّ ذلك واجب؛ ليفترقا،و ليقرب من الأصل.

و هل يجب أن يبلغ في الإيماء إلى حدّ لو زاد عليه لبدت العورة؟الأقرب ذلك؛استصحابا للأصل.و يمكن الاجتزاء بمسمى الإيماء بالرأس،لظاهر3.

ص: 23


1- مسند احمد 2:247،صحيح مسلم 2:975 ح 1337،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6:7 ح 3696،السنن الكبرى 1:215.
2- تقدم في ص 22 الهامش 1.
3- المعتبر 2:160،تذكرة الفقهاء 1:110،نهاية الإحكام 1:441.
4- راجع:المقنعة:36،المبسوط 1:130،جمل العلم و العمل 3:49،تذكرة الفقهاء 1: 123.

الرواية.

و هل يجب في الإيماء للسجود وضع اليدين و الركبتين و إبهامي الرجلين على المعهود؟يحتمل ذلك،لما قلناه.و عدمه؛لصدق مسمّى الإيماء.

و كذا،هل يجب وضع شيء يسجد عليه بجبهته مع الإيماء؟لم يعرض له الأصحاب هنا.فان قلنا به،و أمكن تقريب مرتفع اليه،وجب و سجد عليه.

و ان لم يمكن،و كان هناك من يقرب إليه شيئا،فعل.و ان تعذّر الا بيده،سقط السجود عليها و قرّب المسجد بها؛لأنّ الجبهة أشرف أعضاء السجود.

و لم أظفر في هذه كلها بكلام سابق في هذا الباب.نعم،ما ذكره الشيخ في المبسوط-في المريض-انّه لو عجز عن كمال الركوع حتى رأسه و ظهره، فان لم يقدر عليه أومأ برأسه و ظهره.و ان عجز عن كمال السجود وضع شيئا ثم سجد عليه (1)قال:و ان رفع إليه شيئا و سجد عليه كان أيضا جائزا (2).

و في التذكرة-في المريض-:يدني جبهته من الأرض إلى أقصى ما يقدر عليه،و لو افتقر الى نصب مخدّة و شبهها جاز (3).

و في المعتبر-في المريض أيضا-:لو عجز عن السجود جاز أن يرفع اليه ما يسجد عليه و لم يجز الإيماء؛لانه أتم.

قال:و به روايات،منها:رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟فقال:«لا،الاّ ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها،و ليس شيء ممّا حرّم اللّه الاّ و قد أحلّه لمن اضطر اليه» (4).7.

ص: 24


1- المبسوط 1:110.
2- المبسوط 1:110.
3- تذكرة الفقهاء 1:122.
4- المعتبر 2:161-162. و رواية أبي بصير في التهذيب 3:177 ح 397.

قلت:و روى سماعة،قال:سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال:«فليصل و هو مضطجع،و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه» (1).و هذا يدلّ على انّ وضع المسجد معتبر في غير هذه الصورة بطريق الأولى.

السابعة استحباب الصلاة جماعة للعراة و كيفيتها

يستحبّ للعراة الصلاة جماعة-رجالا كانوا أو نساء-إجماعا لعموم شرعية الجماعة و أفضليتها.و منع بعض العامة من الجماعة إلاّ في الظلمة حذرا من بدو العورة (2)ساقط،لأنّا نتكلم على تقدير عدمه.

ثم الذي دلّ عليه خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم،فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟فقال:«يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه،فيومئ الامام بالركوع و السجود و يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (3).و بها عمل الشيخ في النهاية (4).

و قال المرتضى و المفيد:يومئ الجميع كالصلاة فرادى (5)و هو اختيار ابن إدريس مدعيا للإجماع (6).

و في المعتبر رجّح مضمون الرواية؛لجودة سندها (7).

و يشكل بانّ فيه تفرقة بين المنفرد و الجامع،و قد نهي المنفرد عن الركوع و السجود-كما تقدم-لئلا تبدو العورة.و قد روى عبد اللّه بن سنان عن أبي

ص: 25


1- التهذيب 3:306 ح 944.
2- كمالك و أبي حنيفة و الأوزاعي،راجع:المغني 1:668.
3- التهذيب 2:365 ح 1514.
4- النهاية:130.
5- المقنعة:36،جمل العلم و العمل 3:49.
6- السرائر:80.
7- المعتبر 2:107.

عبد اللّه عليه السلام:«يتقدمهم الامام بركبتيه و يصلي بهم جلوسا و هو جالس» (1)و أطلق.

و بالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين:اما اختصاص المأمومين بهذا الحكم،و اما وجوب الركوع و السجود على كل عار إذا أمن المطلع،و الأمر الثاني لا سبيل اليه،و الأمر الأول بعيد.

فروع:

الأول: الظاهر انّ هذا الحكم مخصوص بأمنهم المطّلع؛لأنّ فحوى إيماء الإمام يشعر به،فلو كان المطلع فالإيماء لا غير،و اطلاع بعضهم على بعض غير ضائر؛لأنّهم في حيّز التستر باعتبار التضام و استواء الصف.

و لكن يشكل بانّ المطلع هنا ان صدق وجب الإيماء و الاّ وجب القيام.

و يجاب بانّ التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام، فكأنّ المطلع موجود حالة القيام،و غير معتدّ به حالة الجلوس.

الثاني: لو احتاجوا الى صفّين فالصف الأول كالإمام،و الصف الثاني يركعون و يسجدون،و كذا لو تعدّدت الصفوف.نعم،لو كانوا في مكان مظلم أمكن وجوب الركوع و السجود على الجميع.

الثالث: لو جامعهم ذو ثوب و هو أهل للإمامة أمّهم متما و الاّ صلّى فيه، و استحبّ إعارته غيره؛لانّه تعاون على البر و التقوى.و لو أمكن إعارته الجميع فعل،و وجب عليهم القبول.و ليعر من يصلح للإمامة مع ضيق الوقت،و مع سعته ليس لهم الائتمام مع إمكان استعارة الثوب،و لا يجوز تأخّر الصلاة عن الوقت انتظارا لهذا الساتر،و ليس لصاحب الثوب الائتمام بأحدهم؛لأنّ القائم لا يأتم بالقاعد.

الرابع: لو اجتمعت النساء و الرجال تعذّرت الإمامة للجميع ان قلنا4.

ص: 26


1- التهذيب 2:365 ح 1513،3:178 ح 404.

بتحريم المحاذاة،فليصلّ كلّ على حدته جماعة،و الاّ جاز.و لو كان هناك حائل صح،و كذا مع الظلمة أو الآفة المانعة من الرؤية.

الخامس: يجب عليهم غضّ البصر مع إمكان الرؤية،فلو تركوه أثموا.

و في بطلان صلاة المنظور وجه بعيد؛لأنّ الرؤية ليس من فعله.و لا تبطل صلاة الناظر؛لانّه نهي عن خارج من الصلاة.

ص: 27

الفصل الثاني:في الساتر
اشارة

تجوز الصلاة في كل ما يستر العورة عدا أمور:

أحدها:جلد الميتة
اشارة

و لو دبغ بإجماعنا-الا من شذ (1)-لما مرّ،و لما رووه عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«لا تنتفعوا من الميتة بشيء» (2).

و عنه عليه الصلاة و السلام:«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب» (3).

و هو شامل لحالتي الدباغ و عدمه.

و روينا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:«لا،و لو دبغ سبعين مرة» (4).

و في مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:«لا تصل في شيء منه و لا شسع» (5).

و لأنّ الميتة نجسة،و الدباغ غير مطهر.

و المبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة،أو الشك إذا وجد مطروحا لأصالة عدم التذكية،أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله،أو في سوق الكفر.

ص: 28


1- قال في جواهر الكلام 8:49 بعد حكاية هذا الاستثناء عن المصنف:لم نتحقق ذلك،و لعله الشلمغاني الذي حكي عن ظاهره الجواز،لكن لم يثبت انه منا..و اما احتمال انه الصدوق و الكاتب ففيه انهما و ان قالا بطهارته إلا أنهما وافقا على المنع من الصلاة،و من هنا حكي عن المجمع الإجماع من أصحابنا حتى القائلين بطهارته.
2- شرح معاني الآثار 1:468،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:286 ح 1276،نيل الأوطار 1:78 عن البخاري في تاريخه.
3- مسند احمد 4:310،سنن أبي داود 4:67 ح 4127،الجامع الصحيح 4:222 ح 1729، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2:286 ح 1274،السنن الكبرى 1:15.
4- الفقيه 1:160 ح 750،التهذيب 2:203 ح 794.
5- التهذيب 2:203 ح 793.

و لو وجد في يد مستحل بالدبغ ففيه صور ثلاث:

أ:ان يخبر بأنّه ميتة،فليجتنب؛لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة.

ب:أن يخبر بأنّه مذكّى،فالأقرب القبول؛لأنّه الأغلب،و لكونه ذا يد عليه فيقبل قوله فيه،كما يقبل في تطهير الثوب النجس.و يمكن المنع؛ لعموم:«فتثبّتوا» (1)و لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا تزول بدونه.

ج:أن يسكت،ففي الحمل على الأغلب من التذكية،أو على الأصل من عدمها،الوجهان.

و قد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج،قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني أدخل سوق المسلمين-أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام-فاشتري منها الفراء للتجارة،فأقول لصاحبها:أ ليس هي ذكية؟ فيقول:بلى،فهل يصلح لي أن أبيعها على انّها ذكية؟فقال:«لا،و لكن لا بأس أن تبيعها،و تقول:قد شرط الذي اشتريتها منه انّها ذكية».قلت:و ما أفسد ذلك؟قال:«استحلال أهل العراق للميتة،و زعموا انّ دباغ جلد الميت ذكاته،ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الاّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و في هذا الخبر إشارة إلى انّه لو أخبر المستحلّ بالذكاة لا يقبل منه؛لان المسئول في الخبر إن كان مستحلا فذاك،و الا فبطريق الأولى.

و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«كان علي بن الحسين عليه السلام رجلا صردا فلا يدفئه فراء الحجاز،لان دباغها بالقرظ.و كان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه،فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي8.

ص: 29


1- كذا في النسخ،و الظاهر انها إشارة إلى الآية 6 من سورة الحجرات،و انظر مجمع البيان 5:131.
2- الكافي 3:398 ح 5،التهذيب 2:204 ح 798.

يليه،و كان يسأل عن ذلك،فيقول:انّ أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة،و يزعمون انّ دباغه ذكاته» (1).

قلت:الصّرد-بفتح الصاد و كسر الراء-:من يجد البرد سريعا.يقال:

صرد الرجل يصرد صردا،فهو صرد و مصراد.

و في هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة،و كذا في مفهوم خبر محمد بن مسلم السالف؛لأنّ فيه:سألته عن الجلد الميت،أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ (2).و يمكن حمل هذا على ما لم يعلم كونه ميتة،و يكون فعل الامام احتياط للدين،و المفهوم في السالف ضعيف؛لان تحريم الميتة يستلزم تحريم وجوه الانتفاع.

تنبيه:

هذه الصور الثلاث آتية في غير المستحل،

و القبول إذا أخبر بالذكاة أقوى منه في الأول و ان كان فاسقا،و إذا سكت فأولى أيضا.

اما ما يشترى من سوق الإسلام،فيحكم عليه بالذكاة إذا لم يعلم كون البائع مستحلا؛عملا بالظاهر،و نفيا للحرج.

و يكفي في سوق الإسلام أغلبية المسلمين؛لرواية إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح عليه السلام،قال:«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام».قلت له:فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟قال:«إن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (3).

و عن البزنطي،قال:سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم لا،أ يصلي فيها؟فقال:«نعم،ليس عليكم المسألة انّ أبا

ص: 30


1- الكافي 3:397 ح 2،التهذيب 2:203 ح 796.
2- تقدم في ص 28 الهامش 4.
3- التهذيب 2:368 ح 1532،باختلاف يسير.

جعفر عليه السلام كان يقول:انّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم،انّ الدين أوسع عليهم من ذلك» (1).و رواه في الفقيه عن سليمان بن جعفر الجعفري،عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام:عن الرجل يأتي السوق،الحديث (2).

قال ابن بابويه:و سأل إسماعيل بن عيسى أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الجلود و الفراء تشترى،أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال:«عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك،و إذا رأيتموهم يصلون فلا تسألوهم» (3).

و عن علي بن أبي حمزة،انّ رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام-و انا عنده-عن الرجل يتقلد السيف يصلّي فيه،قال:«نعم».فقال الرجل:انّ فيه الكيمخت.فقال:«و ما الكيمخت؟»فقال:جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة.فقال:«ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (4).و فيه دلالة على تغليب الذكاة عند الشك،و هو يشمل المستحلّ و غيره.

و عن البزنطي،عن الرضا عليه السلام:سألته عن الخفاف تأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدرى أ ذكي هو أم لا،ما تقول في الصلاة فيه أ يصلّي فيه؟ قال:«نعم،أنا أشتري الخف من السوق و يصنع لي فأصلّي فيه،و ليس عليكم المسألة» (5).

قلت:و هذا يدلّ على الأخذ بظاهر الحال على الإطلاق،و هو شامل للأخذ من المستحلّ و غيره.5.

ص: 31


1- التهذيب 2:368 ح 1529.
2- الفقيه 1:167 ح 787.
3- الفقيه 1:167 ح 788،التهذيب 2:371 ح 1544.
4- التهذيب 2:368 ح 1530.
5- قرب الاسناد:170،التهذيب 2:371 ح 1545.

و يؤيده انّ أكثر العامة لا يراعي في الذبيحة الشروط التي اعتبرناها (1)، مع الحكم بحل ما يذكّونه،بناء على الغالب من القيام بتلك الشرائط.و أيضا فهم مجمعون على استحلال ذبائح أهل الكتاب و استعمال جلودها (2)،و لم يعتبر الأصحاب ذلك (3)؛أخذا بالأغلب في بلاد الإسلام من استعمال ما ذكّاه المسلمون.

و ثانيها:جلد غير المأكول و صوفه و شعره و وبره-
اشارة

عدا الخز و السنجاب- ذكّي أو لا،دبغ أو لا؛لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بطريق المقدام ابن معديكرب:انّه نهى عن جلود السباع و الركوب عليها (4)و هو شامل لغير الصلاة لكنه خرج بدليل آخر.

و روينا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه أخرج كتابا زعم انّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الصلاة في كل شيء حرم أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره» (5).

قال في المعتبر:و لأنّ خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد،و لا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يمكن المحل قابلا.و اعترض على نفسه بجواز استعماله في غير الصلاة،و أجاب:

بإمكان استعداده بالذبح لذلك دون الصلاة،لعدم تمامية الاستعداد له (6).

قلت:هذا تحكّم محض؛لأنّ الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة

ص: 32


1- المغني 11:43،المجموع 9:75.
2- المغني 11:36،المجموع 9:78.
3- راجع:النهاية:97،شرائع الإسلام 2:78،تذكرة الفقهاء 1:94.
4- سنن أبي داود 4:68 ح 4131،سنن النسائي 7:176،السنن الكبرى 1:21.
5- الكافي 3:397 ح 1،التهذيب 2:209 ح 818،الاستبصار 1:383 ح 1454.
6- المعتبر 2:79-80.

و الاّ لم يجز الانتفاع،و لأنّ تمامية الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم فيتخلف عند انتفاء أكل لحمه،فليسند المنع من الصلاة فيه الى عدم أكل لحمه من غير توسط نقص الذكاة فيه.

هذا كله فيما يقع عليه الذكاة-كالسباع-و ان اختلف فيها،اما الذي لا يقع عليه الذكاة-كالكلب و الخنزير-فبطريق الأولى،لأنّه ميتة و دباغه لا يطهره عند أكثر العامة؛لنجاسة عينه (1).و اما الحشرات فقد جزم كثير من الأصحاب بعدم وقوع الذكاة عليها (2)فهي من هذا القبيل،و على وقوع الذكاة هي من قبيل الأول.

و اختلفوا أيضا في المسوخ،و قد بينّا في شرح الإرشاد وقوع الذكاة عليها (3)فالمانع إذن عدم أكل اللحم.

و قد روى محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه السلام،قال:

«الفيل كان ملكا زنا،و الذئب كان أعرابيا ديوثا،و الأرنب كانت امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها،و الوطواط كان يسرق تمور الناس،و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت،و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى عليه السلام لم يؤمنوا فتاهوا، فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر،و الفأرة هي الفويسقة،و العقرب كان نمّاما،و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان» (4).

و روى الصدوق في الخصال بإسناده إلى مغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،عن أبيه،عن جده:«المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا:القردة، و الخنازير،و الخفاش،و الضب،و الدب،و الفيل،و الدعموص،و الجريث6.

ص: 33


1- المجموع 1:215،المغني 1:84.
2- راجع:المعتبر 2:80 شرائع الإسلام 3:210.
3- راجع:شرح الإرشاد:273،و قد اختار هناك عدم وقوع الذكاة عليها.
4- الكافي 6:246 ح 14،علل الشرائع:485،التهذيب 9:39 ح 166.

و العقرب،و سهيل،و الزهرة،و العنكبوت،و القنفذ»و ذكر في القرد و الخنزير ما مر«و الخفاش امرأة سحرت ظئرها،و الضب أعرابي يقتل كل من مرّ به،و الفيل ناكح البهائم،و الدعموص زان»و هو دويبة تغوص في الماء و جمعه دعاميص، «و الجريث نمّام،و العقرب همّاز،و الدب سارق الحاج،و سهيل عشار صاحب مكس،و الزهرة امرأة افتتن بها الملكان (1)،و العنكبوت امرأة سيئة الخلق عاصية لزوجها،و القنفذ رجل سيئ الخلق» (2).

و ذكر بسند آخر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ الفيل لوطي لا يدع رطبا و لا يابسا،و الدب مخنّث،و الجريث ديوث يدعو الى زوجته،و الضبّ أعرابي يسرق الحاج بمحجنه،و الوطواط سارق الثمار من رءوس النخل، و الدعموص نمام يفرق بين الأحبة،و العقرب لدّاغ (3)لا يسلم على لسانه أحد،و العنكبوت امرأة خانت زوجها،و الأرنب امرأة لا تتطهر من حيض و لا غيره،و سهيل عشار باليمن و الزهرة نصرانية افتتن بها الملكان و اسمها ناهيل» (4).

قال الصدوق:الزهرة و سهيل دابتان في البحر و ليسا نجمين،و لكن سمي بهما النجمان كالحمل و الثور.

قال:و المسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت و لم تتوالد، و هذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة (5).4.

ص: 34


1- في المصدر زيادة:«هاروت و ماروت».
2- الخصال:493.
3- في المصدر و س:لذاع.
4- الخصال:494 ح 2.
5- الخصال:494.
تنبيهات:
الأول في جواز الصلاة في وبر الخز الخالص

أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبر الخز الخالص.و قد روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام،انّه سأله عن الصلاة في الخز، فقال:«صل فيه» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس به» (2).

و روى سليمان بن جعفر الجعفري:انّه رأى الرضا عليه السلام يصلي في جبّة خز (3).

و الظاهر انّ ذكاته إخراجه حيا؛لما رواه ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه كان عنده و دخل عليه رجل من الخزازين،فقال له:جعلت فداك،ما تقول في الصلاة في الخز؟فقال:«لا بأس بالصلاة فيه».فقال له الرجل:جعلت فداك انّه ميت و هو علاجي و أنا أعرفه فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام:«أنا أعرف به منك».فقال له الرجل:انّه علاجي و ليس أحد أعرف به مني!فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السلام،ثم قال:«تقول انّه دابة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء،فإذا فقد الماء مات».فقال الرجل:صدقت جعلت فداك هكذا هو!فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«فإنك تقول:انّه دابة تمشي على أربع و ليس هو في حدّ الحيتان،فتكون ذكاته خروجه من الماء».فقال الرجل:

أي و اللّه هكذا أقول!فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«فان اللّه تعالى أحلّه، و جعل ذكاته موته،كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» (4).

ص: 35


1- التهذيب 2:212 ح 829.
2- التهذيب 2:212 ح 830،الاستبصار 1:387 ح 1464.
3- الفقيه 1:170 ح 802،التهذيب 2:212 ح 832.
4- الكافي 3:399 ح 11،التهذيب 2:211 ح 828.

قال في المعتبر:عندي في هذه الرواية توقّف؛لأنّ في طريقها محمد ابن سليمان الديلمي و هو ضعيف.و لتضمّنها حلّه،مع اتفاق الأصحاب على انّه لا يحلّ من حيوان البحر الا ماله فلس من السمك،مع إجماعنا على جواز الصلاة فيه،مذكّى كان أو ميتا،لانّه طاهر في حال الحياة و لم ينجس بالموت (1).

قلت:مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق.

و الحكم بحلّه جاز ان يستند الى حلّ استعماله في الصلاة و ان لم يذك،كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية،فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال.

و كأنّ المحقق-رحمه اللّه-يرى انّه لا نفس له سائلة،فلذلك حكم بطهارته لا باعتبار الرواية،قال:حدثني جماعة من التجار انه القندس و لم أتحققه (2).

قلت:لعلّه ما يسمى في زماننا بمصر:وبر السمك،و هو مشهور هناك.

و من الناس من زعم انّه كلب الماء،و على هذا يشكل ذكاته بدون الذبح؛لأنّ الظاهر انّه ذو نفس سائلة،و اللّه أعلم.

اما جلده فالأصح جواز الصلاة فيه؛لقول الرضا عليه السلام في خبر سعد بن سعد:«إذا حلّ وبره حلّ جلده» (3).و أنكره ابن إدريس (4)و لا وجه له؛ لعدم افتراق الأوبار و الجلود في الحكم غالبا.

و اما المغشوش منه بالحرير فجائز،إذ الحرام انما هو الحرير المحض، و هو مروي عن الباقر عليه السلام في الحرير المخلوط بالخز،و لحمته أو سداه6.

ص: 36


1- المعتبر 2:84.
2- المعتبر 2:84.
3- الكافي 6:452 ح 7،التهذيب 2:372 ح 1547
4- السرائر:56.

خز أو كتان،أو قطن،جائز (1).

و لا يجوز ما غش بوبر الأرانب و الثعالب على الأشهر،و ادعى فيه بعض الأصحاب الإجماع (2)و هو مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام بطريقين الا انّ فيهما انقطاعا (3).

و لا تعارضهما رواية داود الصرمي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام بجوازه (4)لاشتهارهما دونها،و إمكان حملها على التقية.

الثاني في جواز الصلاة في السنجاب و الحواصل

قال الشيخ في المبسوط:لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب و الحواصل (5).

و قيدها ابن حمزة و بعضهم بالخوارزمية (6)تبعا لما ذكره في التهذيب عن بشير بن بشار،قال سألته عن الصلاة في الفنك و السنجاب،الى قوله عليه السلام:«صل في السنجاب و الحواصل الخوارزمية» (7).

و منع منه في النهاية (8)و رواية زرارة السالفة تدلّ على المنع من حيث عدم أكل لحمه (9)-و هو ظاهر الأكثر (10)-و لأن في صدر الرواية انه سأله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب.

و يعارضها صحيحة أبي علي بن راشد،عن أبي جعفر عليه السلام:

ص: 37


1- التهذيب 2:367 ح 1524،الاستبصار 1:386 ح 1468.
2- كابن زهرة في الغنية:493.
3- التهذيب 2:212 ح 830،831،الاستبصار 1:387 ح 1469،1470.
4- الفقيه 1:170 ح 805،التهذيب 2:213 ح 834،الاستبصار 1:387 ح 1471.
5- المبسوط 1:83.
6- الوسيلة:87،الفقيه 1:172،المقنع:24.
7- التهذيب 2:210 ح 823،و في الاستبصار 1:384 ح 1458 عن بشير بن يسار.
8- النهاية:587.
9- تقدمت في ص 32 الهامش 5.
10- راجع:الفقيه 1:170،المهذب 1:75،مختلف الشيعة:79.

«صل في الفنك و السنجاب،فامّا السمور فلا تصل فيه» (1).و رواية مقاتل عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة في السمور و السنجاب و الثعالب:«لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب،فإنّه دابة لا تأكل اللحم» (2).

قال المحقق:الخاص مقدم على العام. (3).

قلت:يدفع عمومه و يجعله خاصا معارضا ما في صدره.نعم،هو أسلم سندا؛لأنّ في طريق الأول ابن بكير (4)و هو فاسد العقيدة و ان كان ثقة.

و الأقرب الجواز،و الخبر الأول لعلّه محمول على الكراهية في السنجاب و ان حرم الباقي،و يجوز استعمال المشترك في معنييه بقرينة.

فرع:

انما يجوز الصلاة فيه مع تذكيته؛لانّه ذو نفس قطعا،و الدباغ غير مطهر عندنا.و قد اشتهر بين التجار و المسافرين انّه غير مذكّى،و لا عبرة بذلك؛حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب.نعم،لو علم ذلك حرم استعماله.

الثالث في عدم جواز الصلاة في جلد الأرنب و الثعلب و الفنك و السمور و لا في وبره

لا تجوز الصلاة في جلد الثعلب و الأرنب و الفنك و السمور،و لا في وبره،على الأشهر في الروايات و الفتاوى،لعدم حل اللحم،و لتضمّن خبر زرارة ذلك (5)و رواية ابن أبي زيد عن الرضا عليه السلام في الثعالب:«لا تصل فيها» (6)و رواية علي بن مهزيار عن أبي الحسن الماضي كذلك (7).

و روى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:النهي عن

ص: 38


1- الكافي 3:400 ح 14،التهذيب 2:210 ح 822،الاستبصار 1:384 ح 1457.
2- الكافي 3:401 ح 16،التهذيب 2:210 ح 821،الاستبصار 1:384 ح 1456.
3- المعتبر 2:86.
4- تقدم في ص 32 الهامش 5.
5- تقدم في ص 32 الهامش 5.
6- التهذيب 2:206 ح 807،210 ح 824،الاستبصار 1:381 ح 1445.
7- الكافي 3:399 ح 8،التهذيب 2:206 ح 808،الاستبصار 1:381 ح 1446.

الصلاة في السمور،و ذكر السائل انّه يأخذ الدجاج و الحمام (1).

و يعارضها خبر عمار عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،سألته عن الفراء السمور و السنجاب و الثعلب و أشباهه؟قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (2).و خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟قال:«لا بأس بذلك» (3).

و أذعن بهذين الخبرين المحقق لوضوح سندهما،و قال:لو عمل بهما عامل جاز،و ان كان الاحتياط للعبادة المنع (4).

قلت:هذان الخبران مصرحان بالتقية؛لقوله في الأول:(و أشباهه)، و في الثاني:و(جميع الجلود)،و هذا العموم لا يقول به الأصحاب.

و هذه الاخبار لم تتضمن الأرنب،لكن رواية الخز المغشوش دالة عليها (5).و قد روى علي بن مهزيار قال:كتب إليه إبراهيم بن عقبة:

عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب،فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟فكتب:«لا تجوز الصلاة فيها» (6).

و في المقنع:لا بأس بالصلاة في السنجاب و السمور و الفنك (7)لما روي في ذلك من الرخص.

الرابع عدم جواز الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذين من جلد غير المأكول

لا تجوز الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذين من جلد غير المأكول

ص: 39


1- التهذيب 2:211 ح 827،الاستبصار 1:385 ح 1461.
2- التهذيب 2:210 ح 825،الاستبصار 1:384 ح 1459،عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
3- التهذيب 2:211 ح 826،الاستبصار 1:385 ح 1560.
4- المعتبر 2:87.
5- تقدمت في ص 37 الهامش 4.
6- الكافي 3:399 ح 9،التهذيب 2:206 ح 806،الاستبصار 1:383 ح 1451.
7- المقنع:24.

لتناول الأدلة لهما.

و في التهذيب حمل رواية جميل بجواز الصلاة في جلود الثعالب الذكية على القلنسوة و التكة و شبههما مما لا تتم به الصلاة (1).فقضية كلامه الجواز،و الأشبه المنع،و استثناء ذلك انما ثبت في النجاسة و هي مانع عرضي، و مثل ذلك ما لو اتخذتا من وبر غير المأكول؛لما قلناه من العموم.

و في رواية محمد بن عبد الجبار انّه كتب الى أبي محمد عليه السلام يسأله:هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،أو تكة حرير،أو تكة من وبر الأرانب؟فكتب:«لا تحل الصلاة في الحرير المحض،و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه» (2).

و أجيب بضعف المكاتبة،و لأنّها تضمّنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر.

و ثالثها:الحرير المحض للرجل في غير الحرب و الضرورة،
اشارة

و عليه إجماع علماء الإسلام.و تبطل الصلاة فيه عندنا؛للنهي الدالّ على فساد العبادة،سواء كان هو الساتر للعورة أو غيره.

و الأخبار بتحريم لبسه متظافرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام.و عن أبي الحرث عن الرضا عليه السلام النهي عن الصلاة فيه (3)و قد تقدّمت المكاتبة (4).

و اما رواية محمد بن بزيع،عن الرضا عليه السلام في الصلاة في ثوب ديباج:«لا بأس ما لم يكن فيه التماثيل» (5)فحملها الشيخ على الحرب،أو

ص: 40


1- التهذيب 2:206.
2- التهذيب 2:207 ح 810،الاستبصار 1:383 ح 1453.
3- التهذيب 2:208 ح 810،الاستبصار 1:386 ح 1464.
4- راجع الهامش 2.
5- التهذيب 2:208 ح 815،الاستبصار 1:386 ح 1465.

على غير المحض.

و اما رواية يوسف بن إبراهيم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس بالثوب ان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا،و انما كره الحرير المبهم للرجال» (1)فمن باب إطلاق المكروه على الحرام.

و كذا رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء» (2)و فيه ما مرّ من استعمال المشترك في معنييه.

و كذا رواية جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كان يكره القميص المكفوف بالديباج،و يكره لباس الحرير (3).

و اما القلنسوة و التكة فقد دلّت الرواية السابقة على المنع،و قد روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الثوب علمه ديباج:«لا تصل فيه» (4).

و يمكن الحمل على الكراهية؛لما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كل شيء لا تتم الصلاة فيه وحده،فلا بأس بالصلاة فيه،مثل:تكة الإبريسم،و القلنسوة،و الخف،و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه» (5)و لانّه لا يزيد عن الكف بالحرير كما يجعل في الذيل و رءوس الأكمام،و قد رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه نهى عن الحرير،الا موضع إصبعين،أو ثلاث، أو أربع (6)و روينا عن جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (7)،و الأصل في الكراهية استعمالها3.

ص: 41


1- الفقيه 1:171 ح 808،التهذيب 2:209 ح 817،الاستبصار 1:386 ح 1467.
2- التهذيب 2:367 ح 1524،الاستبصار 1:386 ح 1468.
3- الكافي 3:403 ح 27،6:454 ح 6،التهذيب 2:364 ح 1510.
4- التهذيب 2:372 ح 1548.
5- التهذيب 2:357 ح 1478.
6- صحيح مسلم 3:1643 ح 2069،سنن ابن ماجة 2:1188 ح 3593،سنن أبي داود 4: 47 ح 4042،مسند أبي يعلى 1:189 ح 213،شرح معاني الآثار 4:244.
7- راجع الهامش 3.

في بابها.و به أفتى الأصحاب (1).

و وردت أسماء-في الصحاح-:انه كان للنبي صلّى اللّه عليه و آله جبّة كسروانية لها لبنة ديباج،و فرجاها مكفوفان بالديباج،و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يلبسها،قالت أسماء:فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها (2).

قلت:اللبنة:الجيب.

ثم هنا مسائل:

الأولى:يجوز افتراش الحرير و الصلاة عليه و التكأة؛

لرواية علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام:«تفترشه و تقوم عليه،و لا تسجد عليه»في سؤال علي له أ يصلح للرجل النوم عليه و التكأة (3)؟و ظاهر الكلام شمول الجواب.

و تردد فيه المحقق،قال:لعموم تحريمه على الرجال (4).

قلت:الخاص مقدم على العام مع اشتهار الرواية،مع انّ أكثر الأحاديث تتضمن اللبس.

الثانية:يجوز لبس الحرير للنساء إجماعا؛

لما تقدم من تخصيص الرجال،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«حرام على ذكور أمتي» (5).

ص: 42


1- راجع:المبسوط 1:84،النهاية 98،المعتبر 2:89،تذكرة الفقهاء 1:95.
2- المصنف لابن أبي شيبة 8:170،مسند احمد 6:347،صحيح مسلم 3:1641 ح 2069،سنن ابن ماجة 2:1188 ح 3594،سنن أبي داود 4:49 ح 4054.
3- قرب الاسناد:86،التهذيب 2:373 ح 1553.
4- المعتبر 2:89.
5- المصنف لابن أبي شيبة 8:163،مسند احمد 1:96،115،سنن ابن ماجة 2:1189. ح 3595،سنن أبي داود 4:50 ح 4057،سنن النسائي 8:160،مسند أبي يعلى 1:235 ح 272.

و في صحيح مسلم عن علي عليه السلام،قال:«أهديت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حلة سيراء فبعث بها اليّ و أمرني فاطرتها بين نسائي» (1).

و في خبر آخر عن علي عليه السلام:«انّ أكيدر دومة أهدى الى النبي صلّى اللّه عليه و آله ثوب حرير،فقال:شققه خمرا بين الفواطم» (2).

قلت:السّيراء-بالسين المهملة المكسورة،و الياء المثناة تحت المفتوحة-هي الحلة فيها خطوط صفر.و معنى أطرتها:شققتها؛لما في العبارة الأخرى،امّا من قولهم:أطرت المال بين القوم فطار لفلان كذا،أي:قدر،و اما من أطرت الشيء أطره إذا عطفته.و دومة:موضع بالشام قرب تبوك،و المشهور فيها ضمّ الدال و أجاز جماعة فتحها،و أنكره ابن دريد و نسبه الى خطأ المحدثين (3).

و اما صلاتهن فيه فالمشهور الجواز؛لجواز اللبس لهن،و الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد الا بدليل.

و منعه محمد بن بابويه (4)لأنّ زرارة سمع الباقر عليه السلام:ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء،الا ما كان من خز مخلوط في لحمته أو سداه، أو كتان أو قطن،و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء (5).قال:و ورد الرخصة لهن يلبسه لا يلزم منها جواز الصلاة فيه،فيبقى النهي العام بحاله (6).

قلنا:طريق الخبر فيه موسى بن بكر و هو واقفي،مع معارضته بأشهر منه1.

ص: 43


1- المصنف لابن أبي شيبة 8:159،مسند احمد 1:139،صحيح البخاري 7:195. صحيح مسلم 3:1644 ح 2071،سنن أبي داود 4:47 ح 4043،سنن النسائي 8:197.
2- مسند احمد 1:130،صحيح مسلم 3:1645 ح 2071،سنن ابن ماجة 2:1189 ح 3596،مسند أبي يعلى 1:343 ح 437،شرح معاني الآثار 4:253.
3- جمهرة اللغة 3:301.
4- الفقيه 1:171.
5- التهذيب 2:367 ح 1524،الاستبصار 1:386 ح 1468.
6- الفقيه 1:171.

و أصح طريقا (1)و فتوى الأصحاب (2).و لو صحّ أوّل بحمل النهي على معنييه لقرينة،و تحمل الكراهية كذلك.

قال المحقق:هذه الرواية لا تبلغ حجة في تقييد إطلاق الأوامر القرآنية (3).و في المبسوط؛تنزههن عنه أفضل (4).

الثالثة:انما يحرم الحرير المحض اما الممتزج بغيره فلا:لما سبق.

و لا فرق بين كون الحرير أكثر أو أقل-و لو كان الخليط عشرا،قاله المحقق (5)لما رووه عن ابن عباس ان النبي صلّى اللّه عليه و آله انما نهى عن الثوب الحرير المصمت (6)و لأصالة الحل،الا مع صدق الثوب من الحرير،و هو غير صادق مع المزج.

نعم،لو استهلك الحرير الخليط حتى أطلق عليه الحرير حرم،و لذا لو خيط الحرير بغيره لم يخرج عن التحريم،و أظهر في المنع ما لو كانت البطانة حريرا وحدها أو الظهارة.

أما الحشو بالحرير فقد قطع المحقق بمنعه؛لعموم النهي،و للسرف (7)و هو ظاهر ابن بابويه (8).و بعض العامة جوّزه؛لانّه لا خيلاء فيه (9).

و قد قال الحسين بن سعيد:قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز،فكتب اليه

ص: 44


1- التهذيب 2:208 ح 817،الاستبصار 1:386 ح 1467.
2- راجع:الوسيلة:87،المراسم:64،الغنية:493.
3- المعتبر 2:89.
4- المبسوط 1:83.
5- المعتبر 2:90.
6- مسند احمد 1:313،سنن أبي داود 4:50 ح 4055،شرح معاني الآثار 4:255.
7- المعتبر 2:91.
8- الفقيه 1:171،المقنع:24.
9- المجموع 4:438.

-و قرأته-:«لا بأس بالصلاة فيه»،أورده الشيخ في التهذيب (1)و اوله ابن بابويه بقز الماعز دون قز الإبريسم (2).

قال المحقق:و لأنّ الراوي لم يسمعه من محدّث و انما وجده في كتاب (3).

قلت:يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة،و الثاني بان إخبار الراوي بصيغة الجزم،و المكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة،مع انّ الخاص مقدم على العام،فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا.

و يؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه:انه كتب إبراهيم بن مهزيار الى أبي محمد عليه السلام في الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا،هل يصلي فيه؟ فكتب:«نعم،لا بأس به» (4)أورده الصدوق بصيغة الجزم أيضا.

الرابعة:يجوز لبس الحرير المحض للرجال في الحرب باتفاق علمائنا.

و قد رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و ان كان فيه تماثيل» (5).

و روى العامة:انه كان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا،و كان يلبسه في الحرب (6)بمحضر التابعين،و لم ينكر عليه ذلك.

قلت:اليلمق:القباء،فارسي معرب.

قالوا:و لأنّ لبسه انما منع للخيلاء،و هو سائغ في الحرب؛لما روي انّ

ص: 45


1- التهذيب 2:364 ح 1509.
2- الفقيه 1:171 ح 807.
3- المعتبر 2:91.
4- الفقيه 1:171 ح 807.
5- الكافي 6:453 ح 3،الفقيه 1:171 ح 807،التهذيب 2:208 ح 816،الاستبصار 1: 386 ح 1466.
6- المصنف لعبد الرزاق 11:71 ح 19943،سنن سعيد بن منصور 2:207 ح 2531، المصنف لابن أبي شيبة 8:166.

النبي صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا من أصحابه يختال في مشيته بين الصفّين، فقال عليه السلام:«انها لمشية يبعضها اللّه الا في هذه المواطن» (1).

قال المحقق:و لانّه تحصل به قوة القلب،و منع لضرر الزرد عند حركته، فجرى مجرى الضرورة (2).

الخامسة:يجوز لبسه مع الضرورة إجماعا،

كالبرد الشديد المانع من نزعه،أو الحر مع عدم غيره،و كدفع القمل.

و في صحيح مسلم عن أنس:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخّص لعبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر من حكّة كانت بهما،أو وجع كان بهما (3)،و في رواية أخرى عنه عنه و لم يذكر السفر (4).

و في رواية أخرى عنه عنه صلّى اللّه عليه و آله:انهما شكوا القمل،فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما (5).و الظاهر تعدّي هذه الرخصة؛لأن مناطها الضرورة.

السادسة:يحرم على الخنثى لبسه؛

أخذا بالاحتياط.

أما الصبي،فهل يحرم على الولي تمكينه منه؟نحتمله (6)لعموم(الذكر) (7)و لقول جابر:كنا ننزعه عن الصبيان و نتركه على الجواري (8).و قوّى في المعتبر

ص: 46


1- سيرة ابن هشام 3:71،كنز العمال 4:317 ح 10685 عن الطبراني في الكبير.
2- المعتبر 2:88.
3- مسند احمد 3:215،صحيح مسلم 3:1646 ح 2076،سنن أبي داود 4:50 ح 4056، السنن الكبرى 3:268.
4- المصنف لابن أبي شيبة 8:167،صحيح البخاري 4:50،7:195،صحيح مسلم 3: 1646 ح 2076،سنن ابن ماجة 2:188 ح 3592،سنن النسائي 8:202.
5- مسند احمد 3:192،صحيح البخاري 4:50،صحيح مسلم 3:1647 ح 2076،الجامع الصحيح 4:218 ح 1722،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7:395 ح 5408.
6- في س:يحتمل.
7- تقدم في ص 42 الهامش 5.
8- سنن أبي داود 4:50 ح 4059.

الكراهية؛لعدم تناول التكليف الصبي،و فعل جابر و الصحابة تورّع (1)،و تبعه الفاضل في التذكرة (2)و لعله الأقرب؛تمسكا بالأصل،و عدم قاطع يخرج عنه.

السابعة حكم المصلي إذا لم يجد غير الحرير ساترا

لو لم يجد المصلّي إلاّ الحرير،و لا ضرورة (3)في التعري، صلّى عاريا عندنا؛لأنّ وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه.و جوّزه العامة بل أوجبوه؛لأنّ ذلك من الضرورات (4).

و لو وجد النجس و الحرير،و اضطر إلى أحدهما للبرد أو الحر،فالأقرب لبس النجس؛لأنّ مانعة عرضي.

و رابعها:الذهب،

و الصلاة فيه حرام على الرجال،فلو موّه به ثوبا و صلّى فيه بطل،بل لو لبس خاتما منه و صلّى فيه بطلت صلاته،قاله الفاضل؛لقول الصادق عليه السلام:«جعل اللّه الذهب حلية لأهل الجنة،فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه»،رواه موسى بن أكيل النميري (5)عنه.و فعل المنهي عنه مفسد للعبادة.

و قوّى في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب؛لإجرائه مجرى لبس خاتم مغصوب (6)و النهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة،و لا عن شرط من شروطها.

فرع:

لوموه الخاتم بذهب فالظاهر تحريمه؛لصدق اسم الذهب عليه.نعم، لو تقادم عهده حتى اندرس و زال مسماه جاز.و مثله الاعلام على الثياب من

ص: 47


1- المعتبر 2:91.
2- تذكرة الفقهاء:96.
3- كذا في النسخ و لعل الصحيح:و لا ضرر.
4- المجموع 3:142،180،فتح العزيز 4:104.
5- التهذيب 2:227 ح 894.
6- المعتبر 2:92.

الذهب،أو المموه به،في المنع من لبسه و الصلاة فيه.

قال أبو الصلاح:تكره الصلاة في الثوب المصبوغ،و آكده كراهية الأسود،ثم الأحمر المشبع،و المذهب،و الموشّح،و الملحم بالحرير و الذهب (1).

قال:و أفضل الثياب البياض من القطن و الكتان (2).

و خامسها:المغصوب،

فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصب عند جميع الأصحاب؛لتحقق النهي المفسد للعبادة،و لاشتمال العبادة على قبيح فلا تكون مأمورا بها.

و في المعتبر أسند التحريم الى جميع الأصحاب،و البطلان إلى الأكثر، و اختار البطلان إن ستر العورة به أو سجد عليه أو قام فوقه؛لأنّه منهي عن تلك الحركة المخصوصة مع انّها جزء من الصلاة،و لو لم يكن كذلك لم تبطل كما لو لبس خاتما مغصوبا (3).

قال:لأني لم أقف على نصّ عن أهل البيت عليهم السلام بإبطال الصلاة (4).

و التزم الفاضل البطلان بالخاتم المغصوب و غيره مما يستصحب في الصلاة،لتحقق النهي عن ذلك.و لو لم يستصحب صحت صلاته في آخر الوقت (5).

و هذا كله بناء على ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،و ان النهي في العبادة مفسد،سواء كان عن أجزائها أو عن وصف لا تنفك منه.و لا تخلو

ص: 48


1- الكافي في الفقه:140.
2- الكافي في الفقه:140.
3- المعتبر 2:92.
4- المعتبر 2:92.
5- تذكرة الفقهاء 1:96،نهاية الإحكام 1:378.

هذه المقدمات من نظر،فقول المحقق لا يخلو من قوة،و ان كان الاحتياط للدين الابطال كيف كان.

اما لو جهل الغصبية فلا تحريم و لا إبطال؛لعدم توجّه النهي هنا.

و لو جهل الحكم لم يعذر؛لانّه جمع بين الجهل و التقصير في التعليم.

و لو نسي الحكم فكذلك؛لاستناده الى تقصيره في التحفظ.

و لو نسي الغصب فوجهان،من رفع القلم عن الناسي،و اختاره ابن إدريس،و استناده الى عدم التكرار المتضمّن للتذكار (1).و يمكن القول بالإعادة في الوقت؛لقيام السبب و عدم تيقن الخروج عن العهدة،بخلاف ما بعد الوقت لزوال السبب،و القضاء انما يجب بأمر جديد و هو غير معلوم التوجه هنا.و هو خيرة المختلف (2).

و سادسها:أن لا يكون نجسا،

و قد مرّ حكمه.

و سابعها الصلاة في نعل ساتر لظهر القدم ليس له ساق :

أن لا يصلي في نعل ساتر ظهر القدم ليس له ساق، كالشمشك و النعل السندي.و أسنده في المعتبر الى الشيخين،استنادا الى فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و عمل الصحابة و التابعين و الأئمة الصالحين (3).

و المعتمد ضعيف،فإنه شهادة على النفي غير المحصور،و من الذي أحاط علما بأنّهم كانوا لا يصلون فيما هو كذلك.

و منع سلار من الصلاة في الشمشك و النعل السندي إلا صلاة الجنازة (4).

و كرهه الشيخ-في المبسوط-و ابن حمزة،و جوزوا ذا الساق كالخفين و الجرموقين (5)-و الجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف-استنادا إلى

ص: 49


1- السرائر:58.
2- مختلف الشيعة:82.
3- المعتبر 2:93،راجع:المقنعة:25،النهاية:98.
4- المراسم:65.
5- المبسوط 1:83،الوسيلة:88.

فعل من ذكرناه.

و قد روى البزنطي-فيما سلف-عن الرضا عليه السلام جواز الصلاة في الخف (1)و مثله روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)و رواية الحسن بن الجهم عنه عليه السلام أيضا (3)و رواية إبراهيم بن مهزيار قال:سألته عن الصلاة في جرموق و بعثت اليه به،فقال:«يصلّى فيه» (4).

و ثامنها:أن لا يكون رقيقا يحكي البشرة،

فلو حكاها لم يكف في الستر؛ لعدم صدق اسمه.و في مرفوع أحمد بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«لا تصل فيما شف أو وصف»يعني الثوب المصقل (5).

قلت:معنى شف:لاحت منه البشرة،و وصف:حكى الحجم،و في خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب«أو صف»بواو واحدة،و المعروف بواوين من الوصف.

و تاسعها كون الساتر ثقيلا يمنع بعض الأفعال في غير الضرورة

أن لا يكون ثقيلا يمنع بعض الأفعال مع القدرة على غيره الاّ لضرورة؛لمنافاته الواجب المقصود بالذات.فلو لم يجد سواه صلّى عاريا و لو قلنا بجواز الصلاة في النجس اختيارا؛إذ النجس يمكن معه استيفاء الافعال مع الفوز بالستر بخلاف الثقيل.و كذا لو كان صلبا كالحديد المانع من بعض الافعال.

ص: 50


1- التهذيب 2:371 ح 1545.
2- الكافي 3:4903 ح 28،التهذيب 2:234 ح 920.
3- الكافي 3:404 ح 31،التهذيب 2:234 ح 921.
4- الكافي 3:404 ح 32،التهذيب 2:234 ح 923.
5- التهذيب 2:214 ح 837.
الفصل الثالث:فيما تكره فيه الصلاة أو تستحب.
اشارة

و فيه

مسائل.
الأولى:تكره في الثوب الذي يلاصق وبر الأرانب أو الثعالب،

سواء كان فوقه أو تحته؛لاستبعاد تخلصه منهما،و قد قيل بنجاستهما (1)فلا أقل من الكراهية.

و عليه يحمل ما رواه أبو علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام:و سألته عن الصلاة في الثوب الذي يلي الثعالب،فقال:«لا» (2).

و كذا ما رواه في التهذيب عن علي بن مهزيار،عن رجل سأله الماضي عليه السلام عن الصلاة في الثعالب،فنهى عن الصلاة فيها و في الثوب الذي يليه،فلم أدر أي الثوبين:الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟فوقّع بخطه:«الذي يلصق بالجلد»،و ذكر أبو الحسن (3)انّه سأله عن هذه المسألة، فقال:«لا تصل في الذي فوقه،و لا في الذي تحته» (4)كما حمله الشيخ في المبسوط،قال:الا أن يكون أحدهما رطبا؛لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره (5).

قلت:هذا بناء على نجاسة الثعلب،أو على عدم وقوع الذكاة عليه، و كلام الشيخ صريح في انّ نجاسة الميتة لا تتعدى الا بالرطوبة،الا ان يريد به نفس الوبر،لكن الرواية مصرّحة بالجلد.

ص: 51


1- أبو الصلاة في الكافي في الفقه:110.
2- الكافي 3:400 ح 14،التهذيب 2:210 ح 822،الاستبصار 1:384 ح 1457.
3- في الكافي و التهذيب زيادة«عليه السلام».
4- الكافي 3:399 ح 8،و في التهذيب 2:206 ح 808،و الاستبصار 1:381 ح 1446 عن الرضا عليه السلام.
5- المبسوط 1:83.

و قول ابن بابويه:إياك أن تصلي في ثعلب،و لا في الثوب الذي يليه من تحته و فوقه (1)يحمل أيضا على الكراهية.و يمكن أيضا حمل كلام الشيخ في النهاية:لا يجوز (2)على ذلك.

و لو وجد على الثوب وبر،فالظاهر عدم وجوب الإزالة؛لطهارته على الأصح،و كذا شعر ما لا يؤكل لحمه.

و في التهذيب انّ علي بن الريان كتب الى أبي الحسن عليه السلام:هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل ان ينفضه و يلقيه عنه؟فوقّع:«يجوز» (3).

و في مكاتبة محمد بن عبد الجبار الى أبي محمد عليه السلام في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه:«ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه ان شاء اللّه» (4).

الثانية:تكره في الرقيق الذي لا يحكي،

تباعدا من حكاية الحجم، و تحصيلا لكمال الستر.نعم،لو كان تحته ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل ساترا للعورة.

أما الثوب الواحد الصفيق،فظاهر الأصحاب عدم الكراهية للرجل،لما رواه البخاري عن جابر،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي في ثوب واحد متوشحا به (5).

و قد روى الأصحاب عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه:انّه رآه

ص: 52


1- الفقيه 1:170.
2- النهاية:97.
3- الفقيه 1:172 ح 812،التهذيب 2:367 ح 1526.
4- التهذيب 2:207 ح 810،الاستبصار 1:383 ح 1453.
5- المصنف لعبد الرزاق 1:350 ح 1366،مسند احمد 3:294،صحيح البخاري 1:102، صحيح مسلم 1:369 ح 518،السنن الكبرى 2:237.

يصلي في إزار واحد قد عقده على عنقه (1).

و روى محمد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي في ثوب واحد:«إذا كان صفيقا فلا بأس» (2).

و الشيخ في المبسوط:يجوز إذا كان صفيقا،و يكره إذا كان رقيقا (3).

و في الخلاف:يجوز في القميص و ان لم يزرّه و لا يشدّ وسطه،سواء كان واسع الجيب أو ضيّقه (4).

و روى زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس ان يصلّي في الثوب الواحد و أزراره محلولة،ان دين محمد حنيف»،و قد مرّ (5).

و لا يعارضه رواية غياث بن إبراهيم،عن جعفر عن أبيه،قال:«لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» (6)للحمل على الكراهية.

و بعض العامة:الفضل في ثوبين (7)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما» (8)و لا بأس به،و الاخبار الأول لا تنافيه لدلالتها على الجواز.و يؤيده عموم قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (9)،و دلالة الاخبار:«انّ اللّه أحق أن يتزيّن له» (10)و أورد هذا في التذكرة6.

ص: 53


1- الكافي 3:394 ح 2،التهذيب 2:217 ح 855.
2- الكافي 3:393 ح 1،التهذيب 2:216 ح 852.
3- المبسوط 1:83.
4- الخلاف 1:401 المسألة:152.
5- تقدم في ص 19 الهامش 1.
6- التهذيب 2:326 ح 1334،357 ح 1476،الاستبصار 1:392 ح 1495.
7- قاله احمد،راجع:المغني 1:657،الشرح الكبير 1:494.
8- سنن أبي داود 1:172 ح 635،السنن الكبرى 2:236.
9- سورة الأعراف:31.
10- شرح معاني الآثار 1:378،السنن الكبرى 2:236.

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و افتى به (1).

فيكون مع القميص إزار أو سراويل مع الاتفاق على انّ الامام يكره له ترك الرداء،و قد رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا ينبغي الا ان يكون عليه رداء،أو عمامة يرتدي بها» (2).

و الظاهر انّ القائل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز المطلق،و يريد به أيضا على البدن،و الاّ فالعمامة مستحبة مطلقا،و كذا السراويل،و قد روي تعدّد الصلاة الواحدة بالتعمّم و التسرول.

أما المرأة فلا بد من ثوبين:درع و خمار،الا ان يكون الثوب يشمل الرأس و الجسد،و عليه حمل الشيخ رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (3).

و يستحب ثلاث للمرأة،لرواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام:درع،و خمار،و ملحفة (4).و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عنه عليه السلام:«إزار،و درع،و خمار».قال:«فان لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما و تقنّع بالآخر».قلت:فان كان درعا و ملحفة ليس عليها مقنعة؟قال:«لا بأس إذا تقنّعت بالملحفة» (5).

الثالثة:تكره الصلاة في الثياب السود،
اشارة

لما رواه الكليني عمن رفعه الى أبي عبد اللّه عليه السلام:«يكره السواد إلا في ثلاثة:الخف،و العمامة، و الكساء» (6).

ص: 54


1- تذكرة الفقهاء 1:93.
2- الكافي 3:394 ح 3،التهذيب 2:366 ح 1521.
3- التهذيب 2:218،الاستبصار 1:389،و الحديث فيهما برقم 858،1482.
4- التهذيب 2:218 ح 860،الاستبصار 1:390 ح 1484.
5- الكافي 3:395 ح 11،التهذيب 2:217 ح 856،الاستبصار 1:389 ح 1480.
6- الكافي 3:403 ح 29،الفقيه 1:163 ح 767،الخصال:148،علل الشرائع:347، التهذيب 2:213 ح 835.

و في مرفوع آخر اليه عليه السلام في القلنسوة السوداء:«لا تصل فيها، فإنها لباس أهل النار» (1).

و قال ابن بابويه:و لا تصل في السواد (2)،فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تلبسوا لباس أعدائي،و لا تسلكوا مسالك أعدائي،فتكونوا أعدائي» (3).

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«البسوا من ثيابكم البياض،فإنّها من خير ثيابكم» (4).و فيه دلالة على أفضلية البيض للمصلحة،فالمضاد لا يشاركها في المصلحة.

و يكره للرجال-خاصة-المزعفر و المعصفر،قال المحقق:لما روي عن عبد اللّه بن عمرو،قال:رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله عليّ ثوبين معصفرين، قال:«هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»،و رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه نهى الرجال عن المزعفر (5).

قلت:الأول أورده مسلم (6)و روى أيضا عن علي عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبس القسّي،و المعصفر،و عن تختم7.

ص: 55


1- الكافي 3:403 ح 30،الفقيه 1:162 ح 765،التهذيب 2:213 ح 836.
2- المقنع:24.
3- رواه الصدوق في الفقيه 1:163 ح 769،و علل الشرائع:348،بإسناده الى الامام الصادق عليه السلام قال:«اوحى اللّه عز و جل إلى نبي من أنبيائه:قل للمؤمنين ان لا يلبسوا ملابس..».
4- مسند احمد 1:247،السنن الكبرى 5:33.
5- المعتبر 2:94. و رواية عبد اللّه بن عمرو في:المصنف لعبد الرزاق 11:79 ح 19974،مسند احمد 2: 162،سنن النسائي 8:203. و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله في مصادر الهامش رقم 2 من الصفحة التالية.
6- صحيح مسلم 3:1647 ح 2077.

الذهب،و عن قراءة القرآن في الركوع» (1).

قلت:القسّي-بفتح القاف و تشديد السين المهملة-منسوب الى القس موضع،و هي من ثياب مصر فيها حرير.

و عن أنس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يتزعفر الرجل (2).

و روينا عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه كره الصلاة في المشبع بالعصفر(و المصفر) (3)بالزعفران (4).

قال المحقق:و تكره في الأحمر،لرواية حماد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه قال:«تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم».

قال:و المفدم-بسكون الفاء-:المصبوغ المشبع بالحمرة (5).

فرع:

اقتصر كثير من الأصحاب على السواد في الكراهية (6).

و قال الفاضل:لا يكره شيء من الألوان سوى السواد و المعصفر و المزعفر و المشبع بالحمرة،للأصل،و لما روى البراء:ما رأيت من ذي لمّة في حلّة حمراء أحسن من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (7).

ص: 56


1- الموطأ 1:80،مسند احمد 1:126،صحيح مسلم 3:1648 ح 2078،سنن أبي داود 4:47 ح 4044،الجامع الصحيح 2:49 ح 264.
2- صحيح البخاري 7:197،صحيح مسلم 3:1662 ح 2101،سنن أبي داود 4:80 ح 4179،سنن النسائي 8:189،مسند أبي يعلى 7:5 ح 3888.
3- في المصدر:«المضرّج».
4- التهذيب 2:373 ح 1550.
5- المعتبر 2:94. و رواية حماد في:الكافي 3:402 ح 22،التهذيب 2:373 ح 1549.
6- راجع:النهاية:97،المراسم:62،الوسيلة:85،نهاية الإحكام 2:387.
7- تذكرة الفقهاء 1:99. و رواية البراء في:سنن ابن ماجة 2:1190 ح 3599،الجامع الصحيح 4:219 ح 1724.

قلت:اللمّة-بكسر اللام و تشديد الميم-الشعر يجاوز شحمة الاذن.

و كان عليه السلام يخطب،فرأى الحسن و الحسين عليهم السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران،فنزل إليهما صلّى اللّه عليه و آله و لم ينكر لباسهما.و قال:و روى الجمهور انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته بالصفرة،و لبس صلّى اللّه عليه و آله بردين أخضرين،و دخل مكة و عليه عمامة سوداء (1).

و في المبسوط:و لبس الثياب المفدمة بلون من الألوان،و التختّم بالحديد،مكروه في الصلاة (2).فظاهره كراهية المشبع مطلقا،و اختاره أبو الصلاح (3)و ابن الجنيد (4)و ابن إدريس (5)و الاولى حمل رواية حماد عليه، و التخصيص بالحمرة أخذه المحقق من ظاهر كلام الجوهري (6).

الرابعة:تكره في ثوب فيه تماثيل أو خاتم أو سيف ممثلين،
اشارة

سواء الرجل

ص: 57


1- تذكرة الفقهاء 1:99. و عدم إنكاره صلّى اللّه عليه و آله لباس الحسنين في:مسند احمد 5:354،سنن ابن ماجة 2:1190 ح 3600،الجامع الصحيح 5:658 ح 3774،سنن النسائي 3:108. و صبغ ثيابه صلّى اللّه عليه و آله بالصفرة في:سنن أبي داود 4:52 ح 4064. و لبسه صلّى اللّه عليه و آله بردين أخضرين في:سنن أبي داود 4:52 ح 4065. و دخوله صلّى اللّه عليه و آله مكة و عليه عمامة سوداء في:مسند احمد 3:363،صحيح مسلم 2:990 ح 1358،سنن ابن ماجة 2:942 ح 2822،سنن أبي داود 4:54 ح 4076، الجامع الصحيح 4:225 ح 1735،سنن النسائي 5:201.
2- المبسوط 1:95.
3- الكافي في الفقه:140.
4- مختلف الشيعة:80.
5- السرائر:56.
6- راجع الصحاح 5:2001-مادة فدم.

و المرأة.

و يظهر من كلام الشيخ و ابن البراج التحريم في الثوب و الخاتم مع التماثيل (1).و رواية ابن بزيع عن الرضا عليه السلام:انه سأله عن الثوب،فكره ما فيه التماثيل (2).و روى عمار:انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في ثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك،قال:«لا»،و في الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك«لا تجوز الصلاة فيه» (3).و يمكن حملهما على الكراهية توفيقا،و لأصالة الصحة.

و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من طريقي العامة و الخاصة:«انّ الملك لا يدخل بيتا فيه كلب،و لا تمثال جسد» (4)لا يدل على التحريم،لان الملك ينفر من المكروه كما ينفر من الحرام.

فرع:

خصّ ابن إدريس الكراهية بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار (5)،

و لعلّه نظر الى تفسير قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ (6)فعن أهل البيت عليهم السلام انها كصور الأشجار (7).

و قد روى العامة في الصحاح انّ رجلا قال لابن عباس:إني أصوّر هذه الصور فأفتني فيها؟فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«كل مصوّر في النار،يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا،فتعذبه في جهنم»،و قال:

ص: 58


1- المبسوط 1:84،النهاية:99،المهذب 1:75.
2- الفقيه 1:172 ح 810،عيون اخبار الرضا 2:18.
3- الفقيه 1:165 ح 776،التهذيب 2:372 ح 1548.
4- الكافي 3:393 ح 27،الخصال:138،التهذيب 2:377 ح 1570،صحيح مسلم 3: 1664 ح 2104،سنن أبي داود 4:73 ح 4153.
5- السرائر:56.
6- سورة سبإ:13.
7- المحاسن:618،الكافي 6:476 ح 3،مجمع البيان 8:383.

إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر و ما لا نفس له (1).

و في مرسل ابن أبي عمير،عن الصادق عليه السلام في التماثيل في البساط لها عينان و أنت تصلي،فقال:«ان كان لها عين واحدة فلا بأس،و ان كان لها عينان فلا» (2).و عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه» (3).و أكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس،و ان أطلقه كثير من الأصحاب.

فائدة:

تكره الصلاة الى الوسائد الممثلة إذا كانت تجاه القبلة الا أن تغطي،

و يكره وضع الدراهم السود الممثلة بين يدي المصلي و لتكن خلفه،روى ذلك كله ليث المرادي عن الصادق عليه السلام (4).

و لو كانت التماثيل تحته فلا بأس بالصلاة عليها،روى ذلك محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5).

و روى أيضا عنه:لا بأس بالصلاة و في ثوبه دراهم ممثلة (6)و قيّده في خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام بان تكون مواراة (7).

و في رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه عن الرضا عليه السلام في المصلي

ص: 59


1- مسند احمد 1:360،صحيح مسلم 3:1670 ح 2110،مسند أبي يعلى 4:451 ح 2577،شرح معاني الآثار 4:286،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7:537 ح 5818، السنن الكبرى 7:270.
2- الكافي 3:392 ح 22،التهذيب 2:363 ح 1506.
3- التهذيب 2:363 ح 1503.
4- الفقيه 1:158 ح 741،التهذيب 2:363 ح 1504.
5- الفقيه 1:158 ح 740 التهذيب 2:363 ح 1505.
6- التهذيب 2:363 ح 1507.
7- الكافي 3:402 ح 20،التهذيب 2:364 ح 1508.

و البساط عليه تماثيل،أ يصلي عليه؟فقال:«و اللّه اني لأكرهه» (1)و الخبر السالف لا ينافيه بحمله على الجواز.

الخامسة:يكره اشتمال الصماء بالإجماع.
اشارة

و فسره في المبسوط و النهاية بأن يلتحف بالإزار و يدخل طرفيه تحت يديه،و يجمعهما على منكب واحد، كفعل اليهود (2).

و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«إياك و التحاف الصماء، بان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» (3).

و عن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في طرفي الرداء:«لا يصلح جمعهما على اليسار،و لكن اجمعهما على اليمين» (4).

و في صحاح العامة عن جابر:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يأكل الرجل بشماله،أو يمشي في نعل واحدة،و ان يشتمل الصماء،و ان يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه (5).

و رووا عن أبي سعيد الخدري:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن اشتمال الصماء،و هو:ان يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن،و يرد طرفيه تحت منكبه الأيسر (6).

و عن ابن مسعود:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى ان يلبس الرجل

ص: 60


1- التهذيب 2:370 ح 1540،الاستبصار 1:394 ح 1503.
2- المبسوط 1:83،النهاية:94.
3- الكافي 3:394 ح 4،الفقيه 1:168 ح 792،معاني الأخبار:390،التهذيب 2:214 ح 841،الاستبصار 1:388 ح 1474.
4- التهذيب 2:373 ح 1551.
5- صحيح مسلم 3:1661 ح 2099،مسند أبي يعلى 3:306 ح 1772،السنن الكبرى 2: 224،تاريخ بغداد 13:111.
6- مسند أحمد 3:94،الأدب المفرد:389 ح 1180،سنن أبي داود 3:255 ح 3378، باختلاف في اللفظ و المعنى واحد.

ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه،تدعى تلك الصماء (1).

و قال ابن فارس:ان يلتحف بالثوب،ثم يلقى الجانب الأيسر على الأيمن (2).

و قال الجوهري:أن تجلّل جسدك بثوبك،نحو شملة الأعراب بأكسيتهم،و هو ان يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى و عاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانية من خلفه على يده اليمين و عاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا (3).

قال:و ذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون:هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره،ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه (4).

و قال الهروي:هو ان يتجلّل الرجل بثوبه و لا يرفع منه جانبا (5).

قال القتيبي:و انما قيل صماء لأنّه إذا اشتمل به سد على يديه و رجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء.

و قال الأصمعي:ان يشتمل بالثوب حتى يجلّل به جسده،و لا يرفع منه جانبا،فيكون فيه فرجة يخرج منها يده.

قال في الغريبين:من فسره بما قاله أبو عبيد فلكراهية التكشف و إبداء العورة،و من فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره ان يتزمل به شاملا جسده،مخافة ان يدفع منها الى حالة سادة لمتنفسه فيهلك.7.

ص: 61


1- المغني 1:658.
2- مجمل اللغة 1:531.
3- الصحاح 5:1968 حكاه عن أبي عبيد.
4- الصحاح 5:1968،و فيه«فرجة»،و هو الأنسب للحكم بالكراهة.و لكن الموجود في غريب الحديث كما في المتن.
5- حكاه عنه الهروي في غريب الحديث 2:117.
فرع:

على ما فسرناه به لا فرق بين ان يكون تحته ثوب آخر أولا،

كما قال في المعتبر (1)و على تفسير الفقهاء انما يكره إذا لم يكن ثوب ساتر للفرج.

السادسة:تكره الصلاة في ثوب المتهم بالتساهل في النجاسة احتياطا

للصلاة،

و كذا من لا يتوقّى المحرمات في الملابس.

و لا يحرم،للأصل،و لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:

أنّ سنانا أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب،و هو يعلم انّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليه،أ يغسله؟قال عليه السلام:«صل فيه و لا تغسله، فإنك أعرته و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه،فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (2).

و عن المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصارى و اليهود» (3).

و عن معاوية بن عمار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم يشربون الخمر،ألبسها و لا أغسلها و أصلي فيها؟ قال:«نعم».قال معاوية:فقطعت له قميصا،و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابري،ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار،فكأنّه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة (4).

و انما قلنا بالكراهية،لما روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام

ص: 62


1- المعتبر 2:96.
2- التهذيب 2:361 ح 1495،الاستبصار 1:392 ح 1497.
3- التهذيب 2:361 ح 1496.
4- التهذيب 2:362 ح 1497.

في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجري و يشرب الخمر فيردّه،أ فيصلي فيه قبل ان يغسله؟قال:«لا يصل فيه حتى يغسله» (1).و التوفيق بالاستحباب، قال الشيخ:لأنّ الأصل في الأشياء كلها الطهارة،فلا يجب الغسل الا بعد العلم بالنجاسة (2).و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في ثوب المجوسي:«يرش بالماء» (3).

قلت:في هذه الاخبار إشارة الى انّ غلبة ظن النجاسة لا تقوم مقام العلم و ان استند الى سبب،و كذا فتوى الشيخ-رحمه اللّه-في النهاية و التهذيب (4)، و قال في المبسوط:لا تصل في ثوب عمله كافر،و لا في ثوب أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات (5).

السابعة:يكره اللثام إذا لم يمنع القرآن،

و ان منع شيئا من الأذكار الواجبة حرم.و المفيد أطلق المنع من اللثام (6).

و في مضمر سماعة في الرجل يصلي و يتلو القرآن و هو متلثم:«لا بأس به،و ان كشف عن فيه فهو أفضل» (7).

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاته و ثوبه على فيه،فقال:«لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة» (8).

و كذا يكره النقاب للمرأة ما لم يمنع من الأذكار،و هو في خبر سماعة

ص: 63


1- التهذيب 2:361 ح 1494،الاستبصار 1:393 ح 1498.
2- التهذيب 2:361.
3- التهذيب 2:362 ح 1498.
4- النهاية:99،التهذيب 2:361.
5- المبسوط 1:84.
6- المقنعة:25.
7- التهذيب 2:230 ح 904.
8- الكافي 3:315 ح 15،الفقيه 1:173 ح 818،التهذيب 2:97 ح 364،229 ح 903، الاستبصار 1:398 ح 1519.

المذكور:و المرأة المتنقبة«إذا كشفت عن موضع السجود لا بأس به،و ان سفرت فهو أفضل» (1).

و تكره لها الصلاة في خلخال ذي صوت،قالوا:لاشتغالها به.

الثامنة:يكره استصحاب الحديد بارزا،

و لا بأس بالمستور.

و قد روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالسكين و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة،و لا بأس بالسيف و كل آلة سلاح في الحرب،و في غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد،فإنه مسخ نجس» (2).

و روى عمار:«إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به» (3).فالجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.

و عن الصادق عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا يصلّي الرجل و في يده خاتم حديد» (4).

قال المحقق:قد بيّنا ان الحديد ليس بنجس باتفاق الطوائف،فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه،فإن النجاسة قد تطلق على ما يستحب تجنّبه،و تسقط الكراهية مع ستره،وقوفا بالكراهية على موضع الاتفاق ممن كرهه (5).

التاسعة كراهة الصلاة في قباء مشدود في غير الحرب

ذكر كثير من الأصحاب كراهة الصلاة في قباء مشدود،إلاّ في الحرب (6).

ص: 64


1- التهذيب 1:230 ح 904.
2- الكافي 3:400 ح 13،التهذيب 2:227 ح 894.
3- قال الشيخ في التهذيب 2:227 ذيل الحديث 894:(و قد قدمنا رواية عمار الساباطي أن الحديد متى كان في غلاف..)،و لم نلاحظ غيره.
4- الكافي 3:404 ح 35،الفقيه 1:163 ح 771،التهذيب 2:227 ح 895.
5- المعتبر 2:98.
6- راجع:النهاية:98،المراسم:64،المهذب 1:74،شرائع الإسلام 1:70.

قال الشيخ:ذكره علي بن الحسين بن بابويه،و سمعناه من الشيوخ مذاكرة،و لم أجد به خبرا مسندا (1).

قلت:قد روى العامة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يصلّي أحدكم الا و هو محزّم» (2)و هو كناية عن شدّ الوسط،و كرهه في المبسوط (3).

العاشرة كراهة التصليب في الثوب

قال في التذكرة يكره التصليب في الثوب،لأنّ عائشة قالت:

انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يترك شيئا فيه تصليب إلا قضية يعني:

قطعه،و لما فيه من التشبّه بالنصارى (4).

الحادية عشرة كراهة السدل

حكى في التذكرة كراهة السدل،و هو:أن يلقى طرف الرداء من الجانبين،و لا يردّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى،و لا يضمّ طرفيه بيده،لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه (5).

و به قطع ابن إدريس،و نسبه الى اليهود،ذكر انه هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة،و انه قول المرتضى رحمه اللّه (6).و جزم ابن الجنيد أيضا بكراهة السدل،و نسبه الى اليهود.

و للعامة فيه خلاف،قال ابن المنذر:و لا أعلم فيه حديثا[يثبت] (7).

ص: 65


1- التهذيب 2:232.
2- مسند احمد 2:458،سنن أبي داود 3:253 ح 3369.
3- المبسوط 1:83.
4- تذكرة الفقهاء 1:99. و رواية عائشة في:مسند احمد 6:237،سنن أبي داود 4:72 ح 4151.
5- تذكرة الفقهاء 1:99. و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله في:مسند احمد 2:295،سنن أبي داود 1:174 ح 643، الجامع الصحيح 2:217 ح 378،المستدرك على الصحيحين 1:253.
6- السرائر:56.
7- المجموع 3:178،المغني 1:658،الشرح الكبير 1:504،و ما بين المعقوفين من المصدر.
الثانية عشرة:يكره الإزار فوق القميص،

لقول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير:«لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص (1)إذا صلّيت،فإنّه من زي الجاهلية» (2)،و«لا ينبغي»ظاهره الكراهية،و لأنّ موسى بن بزيع سأل الرضا عليه السلام أشدّ الإزار و المنديل فوق قميصي في الصلاة،فقال:«لا بأس به» (3).

و قد قيل:ان في الائتزار فوق القميص تشبها بأهل الكتاب،و قد نهينا عن التشبّه بهم (4).

و روى موسى بن القاسم البجلي،قال:رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يصلّي في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل (5).

قال في المعتبر:الوجه ان التوشح فوق القميص مكروه،و اما شدّ المئزر فوقه فليس بمكروه (6)مع انّ علي بن يقطين روى عن العبد الصالح،هل يصلي الرجل و عليه إزار متوشح به فوق القميص؟فكتب:«نعم» (7).

و قال في التهذيب عقيب الأخبار المذكورة:لا تناقض،لأنّ المراد بالاخبار المتقدمة هو أن لا يلتحف الإنسان بالإزار و يشتمل به كما يلتحف اليهود،و اما التوشح بالإزار فهو ليغطي ما قد كشف منه،و يستر ما تعرّى من بدنه،لما رواه سماعة قال:سألته عن رجل يشتمل في صلاته بثوب واحد،

ص: 66


1- في الكافي زيادة:«و أنت تصلي،و لا تتزر بإزار فوق القميص»،و راجع في ذلك:الحدائق الناصرة 7:120،جواهر الكلام 8:237.
2- الكافي 3:395 ح 8،التهذيب 2:214 ح 840،الاستبصار 1:388 ح 1473.
3- الفقيه 1:166 ح 780،التهذيب 2:214 ح 842،الاستبصار 1:388 ح 1475.
4- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:99.
5- التهذيب 2:215 ح 843،الاستبصار 1:388 ح 1476.
6- المعتبر 2:96.
7- التهذيب 2:215 ح 844.

قال:«لا يشتمل بثوب واحد،فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس» (1).

قلت:روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن إسماعيل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهم عليهم السلام،قال:«الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه،و التوشح فوق القميص مكروه» (2).

فقد تحصّلنا من هذه على ما قاله في المعتبر،و لا بأس به،لإمساس الحاجة إليه في الثوب الشاف،و ان كان جعله تحت القميص أولى،حتى ادّعى الفاضل الإجماع على عدم كراهيته (3)مع انه قد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السلام في الذي يتوشح و يلبس قميصه فوق الإزار،قال:«هذا عمل قوم لوط».قلت:فإنه يتوشح فوق القميص.قال:«هذا من التجبر» (4).

و قال ابن الجنيد:لا بأس ان يتّزر فوق القميص إذا كان يصف ما تحته، ليستر عورته.

الثالثة عشرة:تستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا

،لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا صلّيت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة،فإنه يقال ذلك من السنة» (5).

و عن معاوية بن عمار:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي في نعليه غير مرّة،و لم أره ينزعهما (6).

و عن علي بن مهزيار:رأيت أبا جعفر عليه السلام صلّى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام و عليه نعلاه لم ينزعهما (7).

ص: 67


1- التهذيب 2:215،و رواية سماعة فيه برقم 845.
2- التهذيب 2:214 ح 839،الاستبصار 1:387 ح 1472.
3- تذكرة الفقهاء 1:99.
4- الفقيه 1:168 ح 795،التهذيب 2:371 ح 1542.
5- الفقيه 1:358 ح 1573،التهذيب 2:233 ح 919.
6- التهذيب 2:233 ح 916.
7- التهذيب 2:233 ح 918.

و يستحب زرّ الثوب الذي له أزرار،لأنه أصون للعورة،و لما رواه غياث ابن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام:«لا يصل الرجل محلول الأزرار» (1)جمعا بينه و بين رواية زياد بن سوقه السالفة (2).

و روى إبراهيم الأحمري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي و أزراره محلولة،قال:«لا ينبغي ذلك» (3)و هو ظاهر في الكراهية.

و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلى فيدخل يده في ثوبه،قال:«ان كان عليه ثوب آخر-إزار أو سراويل-فلا بأس،و ان لم يكن فلا يجوز له ذلك،و ان أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (4).

و منع الجواز هنا يراد به الكراهية،لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصلي و لا يخرج يديه من ثوبه،فقال:«إن اخرج يديه فحسن،و ان لم يخرج فلا بأس» (5).

و روى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المصلي رجلا أو امرأة و عليه خضابه:لا يصلّي و هو عليه،لكن ينزعه و ان كانت خرقته نظيفة (6).و حملها الشيخ على الندب لروايات،منها:رواية رفاعة انّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود و القراءة،أ يصلي في حنائه؟قال:«نعم إذا كانت خرقته طاهرة و كان متوضئا» (7).

و يستحب لمن صلّى في سراويل وحده ان يجعل على عاتقه شيئا و لو7.

ص: 68


1- التهذيب 2:326 ح 1334،357 ح 1476،الاستبصار 1:392 ح 1495.
2- تقدمت في ص 53 الهامش 5.
3- التهذيب 2:369 ح 1535،الاستبصار 1:392 ح 1496.
4- الكافي 3:395 ح 10،التهذيب 2:356 ح 1475،الاستبصار 1:392 ح 1494.
5- الفقيه 1:174 ح 822،التهذيب 2:356 ح 1474،الاستبصار 1:391 ح 1491.
6- الكافي 3:408 ح 2،التهذيب 2:255 ح 1469،الاستبصار 1:390 ح 1486.
7- الفقيه 1:173 ح 819،التهذيب 2:356 ح 1470،الاستبصار 1:391 ح 1487.

نكته،و لو كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف،روى ذينك عبد اللّه ابن سنان عن الصادق عليه السلام (1).

و روى محمد بن الحسين بن كثير،عن أبيه،قال:رأيت على أبي عبد اللّه عليه السلام جبة صوف بين ثوبين غليظين،فقلت له في ذلك،فقال:

«رأيت أبي يلبسها،انا إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا» (2).

قلت:أما للمبالغة في الستر و عدم الشف و الوصف،و اما للتواضع للّه تعالى،مع انّه قد روي استحباب التجمّل في الصلاة (3)و ذكره ابن الجنيد و ابن البراج و أبو الصلاح و ابن إدريس (4).

و روى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام:«لا تصلي المرأة عطلا» (5)-و هي:بضم العين و الطاء و التنوين-و هي:التي خلا جيدها من القلائد.

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام في الرجل يصلّي و معه دبّة من جلد حمار،و عليه نعل من جلد حمار:«لا يصلح ان يصلي و هي معه،الا ان يتخوف عليها ذهابا فلا بأس» (6).

قلت:الدبة-بفتح الدال و التشديد-وعاء الذهن.

و تستحب الصدقة بثمن الثوب الذي يصلي فيه لو باعه،تأسيا بزين العابدين عليه السلام فيما رواه الشيخ عن الحلبي:انّ علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء،فإذا جاء الصيف باعه،و تصدّق بثمنه،3.

ص: 69


1- الفقيه 1:166 ح 782،التهذيب 2:366 ح 1519.
2- التهذيب 2:367 ح 1525.
3- الكافي 6:444 ح 14،السنن الكبرى 2:236.
4- المهذب 1:84،الكافي في الفقه:139،السرائر:55.
5- التهذيب 2:371 ح 1543.
6- التهذيب 2:373 ح 1553.

و يقول:«اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب عبدت اللّه فيه» (1).

الرابعة عشرة:تجوز الصلاة و عليه برطلة،

لقول الصادق عليه السلام:

لا«يضره» (2).

و لو استعار ثوبا و صلّى فيه،فأخبره المعير انّه كان نجسا،لم يعد و ان كان في الوقت،لعدم افادة قوله العلم.و لو أفاد بني على الخلاف في إعادة مثله في الوقت،اما مع الخروج فلا إشكال في عدم الإعادة،و سأل العيص أبا عبد اللّه عليه السلام في ذلك،فقال:«لا يعيد شيئا من صلاته» (3).

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام فيمن يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي،قال:«لا يؤذنه حتى ينصرف» (4)و فيه دلالة على عدم الإعادة في الوقت.و الرواية صحيحة،و أوردها الفاضل في التذكرة و لم يعرض لها (5).

و تجوز الصلاة مستصحبا للمسك،لطهارته،و رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (6).و في مكاتبة إلى العسكري عليه السلام:«لا بأس به إذا كان ذكيا» (7).

قلت:المراد به ان يكون طاهرا،و يحتمل أمرين:

أحدهما:التحرز من نجاسة عارضة له.

و الثاني:التحرّز ممّا يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده،لأنّ السؤال

ص: 70


1- التهذيب 2:369 ح 1534.
2- الفقيه 1:172 ح 813،التهذيب 2:362 ح 1501.
3- الكافي 3:404 ح 1،التهذيب 2:360 ح 1490،الاستبصار 1:180 ح 631.
4- الكافي 3:406 ح 8.
5- تذكرة الفقهاء 1:100.
6- الفقيه 1:164 ح 775،التهذيب 2:362 ح 1499.
7- التهذيب 2:362 ح 1500.

عن فأرة المسك.

و يجوز لبس ما يتمندل به في الصلاة،كما روي في مرفوعة محمد بن يحيى عن الصادق عليه السلام:«صل في منديلك الذي تتمندل به،و لا تصل في منديل يتمندل به غيرك» (1).

و يلحق بذلك آداب في اللباس منقولة من أخبار الكافي و غيره.

يستحب إظهار النعمة،و نظافة الثوب،فبئس العبد القاذورة (2).

قلت:الظاهر انه هنا الذي لا يتنزّه عن الأقذار.و في اللغة:يقال على المبالغ في التنزه (3)و على الذي لا يخالّ الناس لسوء خلقه (4).

و يستحب التزين للصاحب كالغريب،و إكثار الثياب و اجادتها،فلا سرف في ثلاثين قميصا و لا في نفاسة الثوب،فقد لبس زين العابدين عليه السلام ثوبين للصيف بخمسمائة درهم (5)و أصيب الحسين عليه السلام و عليه الخز (6)، و لبس الصادق عليه السلام الخز (7).و ما نقل عن الصحابة من ضد ذلك، للاقتار،و تبعا للزمان.نعم،يستحب استشعار الغليظ،و تجنب الثوب الذي فيه شهرة.

و الأفضل القطن،فإنّه لباس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (8)و الأبيض.

و لا بأس بالمعصفر و الأحمر و المصبوغ-و ان كرهت الصلاة فيه-و الوشي:و هو -بفتح الواو و سكون الشين-ضرب من الثياب معروف،و يقال:هو الذي نسج2.

ص: 71


1- الكافي 3:402 ح 23.
2- الكافي 6:439 ح 6.
3- النهاية لابن الأثير 4:28.
4- الصحاح 2:788 مادة-قذر.
5- الكافي 6:441 ح 5.
6- الكافي 6:442 ح 7.
7- قرب الاسناد:8،الكافي 6:452 ح 10.
8- الكافي 6:450 ح 2.

على لونين.

و النهي عن لبس الصوف و الشعر للتنزيه،أو بحسب الزمان،لان الصادق عليه السلام فعله،و روى عن أبيه وجده فعله (1).

و يستحب قصر الثوب،فالقميص الى فوق الكعب،و الإزار الى نصف الساق،و الرداء الى الأليين.و ليرفع الثوب الطويل و لا يجر.و لا يتجاوز بالكم أطراف الأصابع،نصّ عليه في القميص (2).و لا يبتذل ثوب الصون (3).

و يستحب رقع الثوب،و الدوام على التحنك.و روي سدل طرف العمامة من قدم و أخر و التحنك للإمام،و الخارج الى سفر آكد (4).و يجوز لبس القلنسوة ذات الأذنين و المضرّبة (5).

و يستحب استجادة الحذاء.و في صحاح العامة عن جابر،قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول في غزوة غزوناها:«استكثروا من النعال،فان الرجل لا يزال راكبا ما انتعل» (6).

و يستحب ابتداء اللبس باليمين،و الخلع باليسار،لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (7)و رويناه (8).

و يكره المشي في نعل واحدة،و به أخبار كثيرة في الصحاح (9)و من طرق4.

ص: 72


1- الكافي 6:450 ح 4.
2- الكافي 6:457 ح 7.
3- الكافي 6:460 ح 1.
4- الكافي 6:461 ح 1،6.
5- الكافي 6:461 ح 1،6.
6- مسند احمد 3:337،صحيح مسلم 3:1660 ح 2096،سنن أبي داود 4:69 ح 4133، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7:402 ح 5434.
7- مسند احمد 2:245،صحيح مسلم 3:1660 ح 2097،سنن أبي داود 4:70 ح 4139، الجامع الصحيح 4:244 ح 1779،الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان 7:401 ح 5431.
8- الكافي 6:467 ح 1،2،3.
9- راجع:صحيح مسلم 3:1660 ح 2097،سنن أبي داود 4:69 ح 4136،الجامع الصحيح 4:242 ح 1774.

الأصحاب (1)و في بعضها:«الا لا صلاح الآخر»مع الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الآخر حتى يصلحها» (2).

و تكره النعال الملس و الممسوحة بل ينبغي المخصّرة،و لا يترك تعقيب النعل.

و يكره عقد الشراك فينبغي القبالان،تأسيا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (3).

و يستحب الخلع عند الجلوس،و اختيار الصفراء لا السوداء.

و يستحب لبس الخف،و يكره الأبيض المقشور.

و يستحب التختم بالورق،و ليكن في اليمين،و يكره في اليسار،و في رواية رخّص في اليسار (4)و قد روى العامة عن أنس انّه رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله تختم في خنصر يساره (5)و المشهور من روايات الأصحاب انّ معاوية سنّ ذلك (6).

و في صحاح العامة:كراهة التختم في الوسطى و البنصر،عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (7).

و يستحب جعل الفص مما يلي الكف،و رووه في الصحاح (8).3.

ص: 73


1- راجع:الكافي 6:534 ح 8،10.
2- مسند احمد 2:528،صحيح مسلم 3:1660 ح 2098،سنن أبي داود 4:70 ح 4137، سنن النسائي 8:217.
3- الجامع الصحيح 4:242 ح 1772،سنن النسائي 8:217.
4- تحف العقول:488.
5- صحيح مسلم 3:1659 ح 2095.
6- راجع:مناقب آل أبي طالب 3:302.و محاضرات الأدباء 2:374.
7- صحيح مسلم 3:1659 ح 2096.
8- صحيح البخاري 7:200،صحيح مسلم 3:1658 ح 2094،سنن النسائي 8:173.

و رويناه (1).

و يكره التختم بالحديد (2).و روي انّ التختم بالعقيق ينفي الفقر و النفاق،و يقضى له بالحسنى،و يأمن في سفره (3)و بالياقوت ينفي الفقر (4)و بالزمرد يسر لا عسر فيه (5).

و روي استحباب التختم بالفيروزج،و يسمى:الظفر،و بالجزع اليماني،و فص البلور (6).

و رووا انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان له خاتم ورق فصه حبشي (7).

قلت:الجزع-بسكون الزاي بعد الجيم المفتوحة-خرز،و اليماني:

خرز فيها بياض و سواد.

و يستحب نقش الخاتم،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده (8).

و يجوز تحلية الصبيان و النساء بالذهب.

و يستحب القناع بالليل،و يكره بالنهار (9).

و يكره لبس البرطلة (10).و الزيادة على فراش له،و آخر لأهله،و آخر لضيفه،فإن الزائد للشيطان (11).6.

ص: 74


1- مكارم الأخلاق 1:89.
2- الجعفريات:185.
3- راجع:الكافي 6:470 ح 1-3،5.
4- الكافي 6:471 ح 1.
5- الكافي 6:471 ح 3.
6- راجع:الكافي 6:472.
7- صحيح مسلم 3:1658 ح 2094.
8- راجع:الكافي 6:473،باب نقش الخواتيم.
9- المستفاد مما رواه في الكافي 6:478 كراهيته فيهما.
10- الكافي 6:479 ح 5.
11- الكافي 6:479 ح 6.

و يستحب التسرول جالسا-و قد روي انه ينفي وجع الخاصرة (1)- و التعمم قائما (2).7.

ص: 75


1- الكافي 6:479 ح 7.
2- راجع:النهاية:100،المهذب 1:76،المعتبر 2:108،تذكرة الفقهاء 1:87.

ص: 76

الباب الخامس: في المكان
و فيه فصول:
الفصل الأول حكم الصلاة في المكان المغصوب
اشارة

لا خلاف في جواز الصلاة في المكان المملوك،أو المأذون فيه صريحا أو فحوى،كالمساجد،و الربط،و الصحاري،و الأماكن المأذون في غشيانها و الاستقرار فيها.

اما المغصوب،فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه،و اما بطلانها فقول الأصحاب (1)،و عليه بعض العامة (2)لتحقق النهي المفسد في العبادة.

قالوا:النهي عن أمر خارج عن الصلاة،كرؤية غريق يحتاج إلى إنقاذه، و ليس هناك غير هذا المصلي (3).

قلنا:الحركات و السكنات أجزاء حقيقية من الصلاة و هي منهي عنها، و إنقاذ الغريق أمر خارج.على انّ لملتزم ان يلتزم بطلان صلاته،لتضيّق الإنقاذ،فينهى عن الصلاة و لو في ضيق الوقت،لأنّ لها بدلا.

و لا فرق بين الغاصب و غيره ممن علم الغصب و ان جهل الحكم.و في الصلاة في الصحاري المغصوبة وجه للمرتضى-رحمه اللّه-استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب.

و لو صلّى في المغصوب اضطرارا-كالمحبوس،و من يخاف على نفسه

ص: 77


1- النهاية:100،المراسم:65،الوسيلة:89 المعتبر 2:108.
2- راجع:المجموع 3:164،المغني 1:758.
3- المغني 1:758.

التلف بخروجه منه-صحت صلاته،لعموم:«و ما استكرهوا عليه» (1)و اشتراط ضيق الوقت يعلم مما سلف،و الأقرب عدمه.و لو صلى فيه ناسيا فكالثوب المغصوب.

و لا فرق في البطلان بين غصب العين و المنفعة،كادّعاء الوصية بها،أو استيجارها كذبا،و كإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه.و لو غصب دابة و صلّى عليها فرضا للضرورة،أو نفلا مطلقا،بطل أيضا بل أبلغ،و كذا السفينة،و لو لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي.

و لا فرق بين جميع الصلوات حتى الجمعة و العيد و الجنازة.و الفرق ركيك،و الاعتذار بلزوم فوات هذه إذا امتنع منها أرك (2).و التشبيه بالصلاة خلف الخوارج و المبتدعة (3)سهو في سهو.

و لو صلّى المالك في المغصوب صحت صلاته إجماعا،الا من الزيدية (4).و لو أذن للغاصب أو لغيره صحت الصلاة مع بقاء الغصبية.

و قال الشيخ في المبسوط:فان صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه،و لا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه،لأنّه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (5).

و اختلف في معناه،ففي المعتبر:انّ الآذن:المالك،لانه قال:الوجه الجواز لمن أذن له المالك (6).9.

ص: 78


1- الخصال:417،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،الجامع الصغير 2:16 ح 4461 عن الطبراني.
2- المغني 1:759.
3- المغني 1:759.
4- راجع:تذكرة الفقهاء 1:87.
5- المبسوط 1:84.
6- المعتبر 2:109.

و قال الفاضل:الآذن:الغاصب (1).

و كلاهما مشكل.

أما الأول:فلما قاله في المعتبر.و أما الثاني:فلأنّه لا يذهب الوهم الى احتمال جواز اذن الغاصب،فكيف ينفيه الشيخ معللا له بما لا يطابق هذا الحكم.و يمكن توجيه الأول:بأنّ المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة،كما لو باعه فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.

و يجوز ان تقرأ(إذن)بصيغة المجهول،و يراد به الاذن المطلق المستند الى شاهد الحال،فانّ طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرّح به ابن إدريس (2)و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى-رحمه اللّه-و تعليل الشيخ مشعر بهذا.

ثم هنا مسائل:

الأولى حكم الصلاة في الصحراء و شبهها لو علم كراهية صاحبها

لو علم الكراهية من صاحب الصحراء و شبهها امتنعت الصلاة، لأنّه كالغاصب حينئذ.و لو جهل بني على شاهد الحال.

و لو علم انّها لمولى عليه،فالظاهر الجواز،لإطلاق الأصحاب،و عدم تخيّل ضرر لاحق به فهو كالاستظلال بحائطه،و لو فرض ضرر امتنع منه و من غيره.و وجه المنع:ان الاستناد الى انّ المالك أذن بشاهد الحال،و المالك هنا ليس أهلا للإذن،الا ان يقال:انّ الولي أذن هنا،و الطفل لا بدّ له من ولي.

الثانية:لو نهى الآذن في القرار عن الصلاة

لم يصل،فان نهى في الأثناء فالإتمام قوي استصحابا،و لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه.و يمكن القطع مع سعة الوقت ترجيحا لحق الآدمي،و الخروج مصليا جمعا بين الحقين،و هو ضعيف،لأنّ فيه تغيير هيئة الصلاة فقد أسقط حق اللّه تعالى.

ص: 79


1- تذكرة الفقهاء 1:87،تحرير الأحكام:32.
2- السرائر:58.

و لو كان إيقاع الصلاة بإذنه ثم رجع ففيه الأوجه،و لكن يترجّح الإتمام هنا،لأنّ العارية قد تلزم في بعض الصور،و هذا اذن صريح و إعارة محضة.

و على كل تقدير لو ضاق الوقت لم يحتمل القطع،بل الخروج مصليا حتى في المكان المغصوب.

الثالثة:حكم النافلة حكم الفريضة هنا.

و كذا الطهارة،و في المعتبر:لا تبطل في المكان المغصوب،لان الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها (1).

و يشكل:بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان،فالأمر بها أمر بالكون مع انّه منهي عنه،و هو الذي قطع به الفاضل،قال:و كذا لو أدّى الزكاة أو قرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان.اما الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته،لانه لا مدخل للكون فيه (2).

الرابعة:يشترط طهارة المكان،

بمعنى:أنّ النجس إذا تعدّى الى ثوبه أو بدنه بطلت الصلاة.و لو كان يابسا لم تبطل عدا مسقط الجبهة.

و المرتضى اشترط طهارة جميع المصلّى مطلقا (3).

و اشترط أبو الصلاح طهارة مساقط السبعة (4).

لنا قضية الأصل،و عموم:«جعلت لي الأرض مسجدا» (5)و قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة في الشاذ كونة تكون عليها الجنابة،أ يصلي عليها في المحمل؟فقال:«لا بأس» (6).

ص: 80


1- المعتبر 2:109.
2- تذكرة الفقهاء 1:87.
3- عنه المحقق في المعتبر 1:431.
4- الكافي في الفقه:140.
5- سيأتي بتمامه في ص 113 الهامش 2.
6- الفقيه 1:158 ح 739،التهذيب 1:369 ح 1537،الاستبصار 1:393 ح 1499.و في الجميع:عن الباقر عليه السلام.

و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الأرض النجسة إذا أصابتها الشمس:«فلا تجوز الصلاة على القذر حتى ييبس» (1).

و بإزائها خبر عبد اللّه بن بكير عن الصادق عليه السلام في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلي عليها؟قال:«لا» (2).و طريق الجمع الحمل على الكراهية،أو على تعدّي النجاسة،مع انّ الصحة هي المشهورة بين الأصحاب.

و احتج العامة بنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة في المزبلة و المجزرة،و لا علة سوى النجاسة (3).

قلنا:هي متعدّية غالبا،مع إمكان كونه نهي تنزيه.

و على قول المرتضى،الأقرب انّ المكان ما لا يصدق أعضاء المصلي و ثيابه لا ما أحاط به في الجهات الأخر،لأنّه المفهوم من المكان.

و لو كان المكان نجسا بما عفي عنه-كدون الدرهم دما-و يتعدّى، فالظاهر انّه عفو،لانه لا يزيد على ما هو على المصلي.

و على قول المرتضى،لو كان على المكان و لا يتعدّى فالأقرب انّه كذلك،لما قلناه.و يمكن البطلان،لعدم ثبوت العفو هنا.

و على قول المرتضى،الظاهر انه لا يشترط طهارة كل ما تحته،فلو كان المكان نجسا ففرش عليه طاهر صحت الصلاة،و قد رواه عامر القمي عن الصادق عليه السلام (4).

و لو سقط طرف ثوبه أو عمامته على نجاسة،أمكن على قوله بطلان6.

ص: 81


1- التهذيب 1:272 ح 802،2:372 ح 1548،الاستبصار 1:193 ح 675.
2- التهذيب 2:369 ح 1536،الاستبصار 1:393 ح 1501.
3- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1:68.و انظر سنن ابن ماجة 1:246 ح 746،الجامع الصحيح 2:178 ح 346،السنن الكبرى 2:329.
4- الكافي 3:392 ح 25،الفقيه 1:157 ح 733،التهذيب 2:374 ح 1556.

الصلاة،اعتدادا بانّ ذلك مكان الصلاة.

الخامسة حكم صلاة المرأة و الرجل في مكان واحد
اشارة

اختلفت الروايات في صلاة المرأة أمام الرجل أو إلى جانبيه،فروى جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام جوازها بحذائه (1).

و روى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام:«لا ينبغي ذلك» (2).

و السؤال عن حذائه أيضا.

و روى عمار عن الصادق عليه السلام:«لا يصلي حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشر أذرع،و ان كانت عن يمينه أو يساره فكذلك،فان صلت خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه،و ان كانت قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (3)و روى مثل ذلك جماعة عن الباقر و الصادق عليهما السلام (4).

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«أخروهن من حيث أخرهن اللّه» (5).

و على الأول المرتضى-رحمه اللّه-و الحليون (6).و على الثاني الشيخان و أتباعهما (7)و أضافوا إليه دعوى الإجماع (8).و الأول اثبت،لأنّ الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد بغير ثبت،و الاخبار متعارضة،و الجمع بالكراهية متوجّه.

و قال الجعفي:و من صلى و حياله امرأة ليس بينهما قدر عظم الذراع فسدت صلاته.

و روى جميل عن الصادق عليه السلام:«إذا كان سجودها مع ركوعه فلا

ص: 82


1- التهذيب 2:232 ح 912،الاستبصار 1:400 ح 1527.
2- الكافي 3:298 ح 4،التهذيب 2:230 ح 905،الاستبصار 1:398 ح 1520.
3- التهذيب 2:231 ح 911،الاستبصار 1:399 ح 1526.
4- راجع:الكافي 3:298،التهذيب 2:230 ح 905-911،الاستبصار 1:393.
5- جامع الأصول 11:16 ح 8480،و أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3:149 ح 5115 موقوفا عن ابن مسعود.
6- راجع:السرائر:75،المعتبر 2:110،تذكرة الفقهاء 1:89،مختلف الشيعة:85.
7- المقنعة:25،النهاية:100،المبسوط 1:86،الوسيلة:87،الكافي في الفقه:120.
8- الخلاف 1:423 المسألة:171.

بأس» (1).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تصلي قدّامه،الا ان يكون قدامها و لو بصدره» (2).

فرع:

لا فرق بين المحرم و الأجنبية،و المقتدية به و المنفردة،

لشمول اللفظ.

نعم،يشترط كون الصلاتين صحيحتين،فلا يتعلق بالفاسد هنا حكم المنع و لا الكراهية.

و يزول التحريم أو الكراهية بالحائل،أو بعد عشر أذرع فصاعدا.و لو لم يمكن التباعد بذلك،قدّم الرجل في الصلاة وجوبا أو استحبابا،الا مع ضيق الوقت،لما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في المرأة تزامل الرجل في المحمل،أ يصليان جميعا؟قال:«لا،و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة» (3).

و لو اقترنت الصلاتان بطلتا.و لو سبقت إحداهما،أمكن بطلان الثانية لا غير،لسبق انعقاد الاولى فيمنع من انعقاد الثانية.و يحتمل بطلانهما معا، لتحقق الاجتماع في الموقف المنهي عنه.

و لو اقتدت بإمام بطلت صلاة أهل الجانبين و الوراء.و لو حاذت الامام، قال الشيخ:تبطل صلاتهما دون المأمومين (4)و هو بناء على انّ الطارئة تدافع السابقة فتبطلان.و مع هذا،فعلى مذهبه ينبغي بطلان صلاة من خلفها أيضا بدون الحائل أو البعد،ثم صحة صلاتهم مشكلة مع علمهم ببطلان صلاة الامام،اما مع الجهل فلا بحث.

ص: 83


1- التهذيب 2:379 ح 1581،الاستبصار 1:399 ح 1524.
2- التهذيب 2:379 ح 1582،الاستبصار 1:399 ح 1525.
3- الكافي 3:298 ح 4،التهذيب 2:231 ح 907،الاستبصار 1:399 ح 1522.
4- المبسوط 1:86.

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام:إذا صلت حيال الامام و كان في الصلاة قبلها أعادت وحدها (1)و فيه دلالة على فساد الطارئ.3.

ص: 84


1- التهذيب 2:232 ح 913.
الفصل الثاني:في مكروهات المكان.
اشارة

تكره الصلاة في مواضع:

أحدها:الفريضة جوف الكعبة عند الأكثر (1).

أحدها:الفريضة جوف الكعبة عند الأكثر(1). و حرّمها في الخلاف (2)و تبعه ابن البراج (3).

و احتج الشيخ بالإجماع.و لقول اللّه تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي:نحوه،و انما يصدق ذلك إذا كان خارجا منه.و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله في رواية أسامة دخل البيت و دعا،و خرج فوقف على بابه و صلّى ركعتين و قال:«هذه القبلة،هذه القبلة»و أشار إليها،فإذا صلّي في جوفها لم يصل الى ما أشار إليه بأنّه هو القبلة.و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:«لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة» (4).و لاستلزامه الاستدبار بصلاة الفريضة،و هو قبيح.

و أجيب بمنع الإجماع،كيف و هو في أكثر كتبه قائل بالكراهية (5)! و النحو:الجهة،و يكفي استقبال أي جزء كان منه خارجا فكذا داخلا و إذا استقبل جزءا منها فقد استقبل الكعبة،فيخرج الجواب عن رواية أسامة.و النهي في رواية ابن مسلم للكراهية كما عليه الأصحاب.و الاستدبار القبيح هو

ص: 85


1- راجع:الوسيلة،المعتبر 2:66،تذكرة الفقهاء 1:88.
2- الخلاف 1:439 المسألة:186.
3- المهذب 1:76.
4- الخلاف 1:440 المسألة:186. و رواية أسامة في:مسند احمد 5:201،صحيح مسلم 2:968 ح 1330،سنن النسائي 5:220،السنن الكبرى 2:8. و رواية محمد بن مسلم في:الكافي 3:391 ح 18،التهذيب 2:376 ح 1564.
5- المبسوط 1:85،النهاية:101،الاستبصار 1:299،الجمل و العقود:178.

المشتمل على ترك الاستقبال لا مطلق الاستدبار.

فإن قلت:فما وجه الكراهية إذن؟ قلت:التقصي من الخلاف أولا،و جواز الائتمام في الفريضة فيكثر المستدبرون،و لأنّ صورة الاستدبار واقعة في الجملة.

و كذا يكره على سطحها إذا أبرز شيئا منها،لأنّها قبلة الى أعنان السماء، فيتحقق الاستدبار أيضا،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة على ظهر بيت اللّه (1)فيحمل على الكراهية.

قالوا:إذا صلّى جوفها أو على سطحها،فقد صلّى فيها و عليها لا إليها، و الواجب الصلاة إليها (2).

قلنا:قد بيّنا انّ المراد بالصلاة إليها إلى جزء من جهتها.و لا يفتقر إلى سترة بين يديه مثبتة أو غير مثبتة.

قال الكليني-رحمه اللّه-عقيب إيراد رواية محمد بن مسلم المذكورة:

و روي في حديث آخر:«يصلي في أربع جوانبها إذا اضطر الى ذلك» (3).

قلت:هذا إشارة إلى أنّ القبلة إنّما هي جميع الكعبة،فعند الضرورة إذا صلى في الأربع فكأنّه استقبل جميع الكعبة،و انما جازت النوافل لانه لا يشترط فيها الاستقبال عند كثير من الأصحاب (4).

و في التهذيب:لا تجوز صلاة الفريضة في الكعبة مع الاختيار،و تجوز مع الضرورة و خوف الوقت،لرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تصل المكتوبة في الكعبة».5.

ص: 86


1- سنن ابن ماجة 1:246 ح 747،الجامع الصحيح 2:178 ح 346،السنن الكبرى 2: 329.
2- المغني 1:757.
3- الكافي 3:391.
4- راجع:الوسيلة:86،شرائع الإسلام 1:67،المعتبر 2:65.

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:«لا تصلح المكتوبة جوف الكعبة»،و اما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس ان يصليها جوف الكعبة.

و عن يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:حضرت الصلاة المكتوبة و انا في الكعبة،أ فأصلي فيها؟قال:«صل» (1).

قلت:الأصح الكراهية لا غير و تنتفي بضيق الوقت،و هو أحرى في الجمع بين الأخبار و عموم الكتاب و السنة.

و روى الأصحاب عن عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة فوق الكعبة،فقال:«ان قام لم يكن له قبلة،و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه الى السماء،و يقصد بقلبه القبلة في السماء الى البيت المعمور و يقرأ،فإذا أراد أن يركع غمض عينيه،و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه،و السجود على نحو ذلك» (2).و ادعى الشيخ عليه الإجماع (3)و فيه إشارة إلى اعتبار البنية (4)و الى امتناع الفريضة أيضا جوفها.

و ردّه المتأخرون باستلزامه سقوط القيام و معظم أركان الصلاة اختيارا، و الرواية لم يثبت صحة سندها،فكيف تعارض الاحكام المقطوع بوجوبها (5).

و ثانيها:الى القبور.

و قال المفيد:لا تجوز إلاّ بحائل و لو عنزة،أو قدر لبنة،أو ثوب موضوع،و لو كان قبر امام (6).و العموم يدفع هذا،و قد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في الصلاة بين القبور

ص: 87


1- التهذيب 5:279،و الروايات الثلاث فيه برقم 953-955،و الاستبصار 1:298 ح 1101- 1103.
2- الكافي 3:392 ح 21،التهذيب 2:376 ح 1566.
3- الخلاف 1:441 المسألة:188.
4- في س:النية.
5- راجع:المعتبر 2:68،تذكرة الفقهاء 1:100.
6- المقنعة:25.

قال:«لا بأس» (1).

و روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام:«لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» (2)و كأنّ هذا حجة المفيد،لأنّ المطلق يحمل على المقيد.

قلنا:يدل على ثبوت البأس مع اتخاذه قبلة،و البأس أعمّ من المحرّم.

و الشيخ كره الصلاة بين القبور الا مع الساتر و لو عنزة،أو بعد عشر أذرع قدّامه و عن جانبيه،و لا بأس ان يكون ذلك خلفه (3)لرواية عمار عن الصادق عليه السلام:«لا يجوز»،و شرط في الخلف عشرا أيضا (4).

فرع:

لو صلّى على ظهر القبر كره أيضا.و لو تكرّر الدفن فيه و النبش،و علم نجاسة التراب بالصديد و تعدّى الى المصلى،امتنع و الا فلا.

و ثالثها:البيع و الكنائس،

عند ابن البراج (5)و سلار (6)و ابن إدريس (7)لعدم انفكاكها من نجاسة غالبا.و في رواية العيص عن الصادق عليه السلام الجواز، و انه يجوز جعلها مساجد (8)و به قال الشيخ المفيد و الشيخ أبو جعفر رحمهم اللّه (9).

و لو كانت مصورة كره قطعا من حيث الصور.

ص: 88


1- الفقيه 1:158 ح 337،التهذيب 2:374 ح 1555،الاستبصار 1:397 ح 1515.
2- التهذيب 2:288 ح 897،الاستبصار 1:397 ح 1514.
3- المبسوط 1:85،النهاية:99.
4- الكافي 3:390 ح 13،التهذيب 2:227 ح 896،الاستبصار 1:397 ح 1513.
5- المهذب 1:76.
6- المراسم:65.
7- السرائر:58.
8- التهذيب 2:222 ح 874.
9- المقنعة:25،المبسوط 1:86،النهاية:100.
و رابعها:بيوت المجوس،

لأنها مظنة النجاسة.و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«رش وصل» (1)أي:في بيوت المجوس.

قال الأصحاب:و لا بأس ببيت فيه يهودي أو نصراني لا مجوسي (2)، لرواية أبي جميلة عنه عليه السلام (3).

و خامسها:إلى النجاسة الظاهرة كالعذرة،

لرواية الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام:«تنح عنها ما استطعت،و لا تصل على الجواد» (4).

و كذا إلى حائط ينز من بالوعة البول،لمرسلة أحمد بن أبي نصر عن الصادق عليه السلام (5).

و كذا في بيوت الغائط،للمظنة،و فحوى الخبر (6).

و سادسها:على الجادة،

لما مر،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله:نهى عن الصلاة بمحجة الطريق (7)و لرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا بأس ان تصلي في الظواهر التي بين الجواد،فاما على الجواد فلا» (8).

و سابعها:مرابض الخيل و البغال و الحمر،

لكراهية فضلاتها،و بعد انفكاك الموضع منها،و لمضمر سماعة:«فاما مرابض الخيل و البغال فلا» (9)

ص: 89


1- التهذيب 2:222 ح 877.
2- راجع:المبسوط 1:86،النهاية:101،الوسيلة:88،شرائع الإسلام 1:72،نهاية الإحكام 1:346.
3- الكافي 3:389 ح 6،التهذيب 2:377 ح 1571.
4- المحاسن:365،الكافي 3:391 ح 17،التهذيب 2:226 ح 893،376 ح 1563.
5- الكافي 3:388 ح 4،التهذيب 2:221 ح 871.
6- الكافي 3:388 ح 4،التهذيب 2:221 ح 871.
7- سنن ابن ماجة 1:246 ح 747،السنن الكبرى 2:329.
8- الكافي 3:388 ح 5،التهذيب 2:220 ح 865.
9- التهذيب 2:220 ح 867،الاستبصار 1:395 ح 1506.

و زاد الكليني في روايته عن سماعة:الحمير (1).

و لا بأس بمرابض الغنم إذا نضحه بالماء و قد كان يابسا،لما في هذه الرواية (2).

و ثامنها:معاطن الإبل-و هي مباركها-

لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا أدركتك الصلاة و أنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة و بركة، و إذا أدركت الصلاة و أنت في معاطن الإبل فاخرج منها وصل فإنها جن من جن خلقت» (3).

و قيل:ان عطفها مواطن الجن،و لانّه لا يؤمن نفورها فتشغل المصلي.

و لا تمنع فضلاتها من الصلاة فيها عندنا،لطهارتها.

و تاسعها:حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام من:«البيداء

و هي ذات الجيش،

و ذات الصلاصل،و ضجنان» (4).

و في رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام:«لا تصل في البيداء».فسأله عن حدها،فقال:«كان جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جدّ في المسير،و لا يصلّي حتى يأتي معرس النبي صلّى اللّه عليه و آله».قلت:و اين ذات الجيش؟فقال:«دون الحفيرة بثلاثة أميال» (5).

قلت:قال بعض العلماء:هي الشرف الذي أمام ذي الحليفة مما يلي مكة،و كل أرض ملساء تسمى البيداء.

و عاشرها:في بيت فيه خمر أو مسكر،

لرواية عمار عن الصادق عليه

ص: 90


1- الكافي 3:388 ح 3.
2- راجع الهامش 9،من الصفحة 89.
3- ترتيب مسند الشافعي 1:67 ح 199،السنن الكبرى 2:449.
4- الكافي 3:389 ح 10،التهذيب 2:375 ح 1560،و صدر الحديث:«الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق:البيداء..».
5- المحاسن:365،الكافي 3:389 ح 7،التهذيب 2:375 ح 1558.

السلام (1).

و حادي عشرها:ما أرسله عبد اللّه بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه

السلام،قال:«عشرة مواضع لا يصلي فيها:

الطين،و الماء،و الحمام، و القبور،و مسان الطرق،و قرى النمل،و معاطن الإبل،و مجرى الماء، و السبخ،و الثلج» (2).

و في رواية سماعة،قال:سألته عن الصلاة في السباخ،قال:«لا بأس به» (3).قال في التهذيب:المراد به مع استواء موضع السجود،لتصريح رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام بهذا التفصيل (4)،و في حكمها في الكراهية الرمل المنهال اما الملبّد فلا بأس.

و ثاني عشرها:ما رواه عمار عنه عليه السلام من النهي عن الصلاة و في

قبلته مصحف مفتوح،

أو نار،أو حديد،و لو كانت في مجمرة،أو قنديل معلق (5).

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في السراج في القبلة:

«لا يصلح ان يستقبل النار» (6).

و هذه المناهي للكراهية عند أكثر الأصحاب،و لما رفعه عمرو بن إبراهيم

ص: 91


1- الكافي 3:392 ح 24،التهذيب 2:220 ح 864،377 ح 1568،الاستبصار 1:189 ح 660.
2- الكافي 3:390 ح 12،الفقيه 1:156 ح 725،الخصال:434،التهذيب 2:219 ح 863،الاستبصار 1:394 ح 1504.
3- التهذيب 2:221 ح 872،الاستبصار 1:395 ح 1508.
4- التهذيب 2:221،الاستبصار 1:396،و الحديث فيهما برقم 873،1509.
5- الكافي 3:390 ح 15،الفقيه 1:165 ح 776،التهذيب 2:225 ح 888،الاستبصار 1: 396 ح 1510.
6- قرب الاسناد:87،الكافي 3:391 ح 16،الفقيه 1:162 ح 763،التهذيب 2:225 ح 889،الاستبصار 1:396 ح 1511.

الهمداني إلى الصادق عليه السلام:«لا بأس بالصلاة إلى النار و السراج و الصورة،انّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (1)،و نسبها الصدوق -في الفقيه-و الشيخ الى الشذوذ و الإرسال،فلا يعمل بها إلاّ رخصة،و هو مخالف لعادة الشيخ في التأويل فإنه هنا ممكن.

قال الأصحاب:و تكره في بيوت النيران،لئلا يشبه عابد النار (2).

و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«انه يطرح على التماثيل قدّامه ثوبا،و ان كانت خلفه أو عن جانبيه فلا بأس» (3).

و ثالث عشرها:وادي الشقرة-بضمّ الشين،و إسكان القاف-لمرسلة ابن فضال عن الصادق عليه السلام:«لا تصل فيه» (4).

و قيل:بفتح الشين و كسر القاف،و انّه موضع مخصوص.

و قيل:ما فيه شقائق النعمان.

و قيل:انّها و البيداء و ضجنان و ذات الصلاصل مواضع خسف.

قال في التذكرة:و كذا كل موضع خسف به (5).

و رابع عشرها:بطون الأودية،

لكونه مجرى الماء فجاز ان يهجم عليه.

و خامس عشرها:أرض عذّب أهلها،

لأنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله لما مرّ بالحجر قال:«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين،الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم» (6).و ليس في هذا دلالة على كراهية الصلاة فيها.

ص: 92


1- الفقيه 1:162 ح 764،علل الشرائع:342،التهذيب 2:226 ح 890،الاستبصار 1: 396 ح 1512.
2- المبسوط 1:86،المهذب 1:76،الوسيلة:88.
3- المحاسن:617،التهذيب 2:226 ح 891،الاستبصار 1:394 ح 1502،باختصار في الألفاظ.
4- الكافي 3:390 ح 11،التهذيب 2:375 ح 1561.
5- تذكرة الفقهاء 1:88.
6- المصنف لعبد الرزاق 1:415 ح 1625،مسند احمد 2:9،صحيح البخاري 1:118،صحيح مسلم 4:2285 ح 2980،الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان 8:28 ح 6168.

نعم،روي انّ عليّا عليه السلام ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتى عبر، و صلّى في الموضع المشهور بعد ما ردّت له الشمس الى وقت الفضيلة (1).

و سادس عشرها:ما تضمّنه الخبر المشهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله

انه نهي عن الصلاة في سبعة مواطن،

و قد تقدم أكثرها بأدلة أخرى،و هي:ظهر بيت اللّه،و المقبرة،و المزبلة،و المجزرة،و الحمام،و عطن الإبل،و محجة الطريق (2).

و سابع عشرها:الصلاة الى باب مفتوح أو إنسان مواجه،

قاله أبو الصلاح (3).

و قال في التذكرة:لاستحباب السترة بينه و بين ممر الطريق (4).

و قال في المعتبر:لا بأس باتباع فتواه،لأنّه أحد الأعيان (5).

فروع:

لا بأس بالنافلة جوف الكعبة بل يستحب،لما ذكره الأصحاب في المناسك (6)و رواه العامة عن بلال،قال:ترك صلّى اللّه عليه و آله عمودا عن يمينه،و عمودا عن يساره،و ثلاثة أعمدة من ورائه،و كان البيت على ستة أعمدة إذ ذاك و صلّى (7).و كذا على ظهرها.

ص: 93


1- الفقيه 1:130 ح 611،علل الشرائع:352.
2- سنن ابن ماجة 1:246 ح 747،الجامع الصحيح 2:178 ح 346،السنن الكبرى 2: 329.
3- في النسخة المطبوعة من«الكافي في الفقه»سقط،اثبت فيه محقق الكتاب عبارة المتن عن مختلف الشيعة و تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي.
4- تذكرة الفقهاء 1:88.
5- المعتبر 2:116.
6- كابن حمزة في الوسيلة:90.
7- الموطأ 1:398،ترتيب مسند الشافعي 1:68 ح 200،مسند احمد 2:113،صحيح البخاري 1:134،صحيح مسلم 2:966 ح 1329،سنن أبي داود 2:213 ح 2023.

و في اشتراط إذن أهل الذمة في البيعة و الكنيسة احتمال،تبعا لغرض الواقف،و عملا بالقرينة،و لإطلاق الأخبار بالصلاة فيها.

و الظاهر انّ الكراهية في بيت فيه مجوسي شاملة لبيت المصلّي،و يمكن تعدّيها الى اجتماعه معه في الصحراء.

و لا فرق بين كون الطريق مشغولا بالمارة أولا،للعموم.نعم،لو عطّل المارّة بصلاته فالأقرب فسادها،لتحقق النهي.

و الأقرب انّه لا فرق في المعطن و المربض بين كون الدابة حاضرة فيه أو لا.و لا فرق بين ان يعلم طهارة الحمام أو لا.اما المسلخ فالظاهر عدم الكراهية،و قال في التذكرة:ان علّلناه بالنجاسة لم يكره،و ان علّلناه بكشف العورة أو بكونه مأوى الشياطين كره (1).

و لو اضطر إلى الصلاة على الثلج لبده و سجد على غيره،فان تعذّر قال الشيخ:دقّ الثلج و سجد عليه (2)و المراد ان يجتمع فتتمكن منه الجبهة.و روى داود الصرمي قال:سألت أبا الحسن عليه السلام،الى قوله:«ان أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و ان لم يمكن فسوّه و اسجد عليه» (3).

و في التعدّي إلى بيت فيه فقاع احتمال،أقربه ذلك،لما روي:«انّه خمر مجهول» (4).

و لو كان في البيت إناء فيه بول و شبهه احتمل ذلك،لما روي:«انّ الملك لا يدخل بيتا فيه كلب،و لا تمثال جسد،و لا إناء يبال فيه» (5)و حينئذ0.

ص: 94


1- تذكرة الفقهاء 1:88.
2- المبسوط 1:86.
3- الكافي 3:390 ح 14،الفقيه 1:169 ح 798،التهذيب 2:310 ح 1256.
4- الكافي 6:422 ح 1،7،8،التهذيب 9:124 ح 539،541.
5- الكافي 3:393 ح 27،الخصال:138،التهذيب 2:377 ح 1570.

يمكن كراهة الصلاة في بيت فيه أحد هذه،إذ القرب من الملك محبوب و خصوصا في الصلاة.

تتمّة:

قال أبو الصلاح:لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل،

و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر،و مرابض الغنم،و بيوت النار،و المزابل،و مذابح الانعام،و الحمامات،و على البسط المصورة،و في البيت المصور،و لنا في فسادها في هذه المحال نظر (1).

ثم قال:لا يجوز التوجه الى النار،و السلاح المشهور،و النجاسة الظاهرة،و المصحف المنشور،و القبور،و لنا في فساد الصلاة مع التوجه إلى شيء من ذلك نظر (2).

و كأنّه نظر الى صيغ النهي في الاخبار،و تردّد في الفساد،من الامتثال و النهي عن وصف خارجي،و من إجرائه مجرى النهي عن المكان المغصوب.

و الأصح الكراهية،لما قاله الأكثر.

قال:و يكره التوجه الى الطريق،و الحديد،و السلاح المتواري،و المرأة النائمة بين يديه أشدّ كراهية.و كأنّه نظر الى انّ في ذلك نقصا في أعمال الصلاة (3).

و قال الصدوق و المفيد-رحمهما اللّه-:لا تجوز الصلاة على جواد الطرق (4)حملا للنهي على ذلك.و يعارض برواية محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام:«كل طريق يوطأ و يتطرق،و كانت فيه جادة أو لم تكن،فلا ينبغي

ص: 95


1- الكافي في الفقه:141.
2- في النسخة المطبوعة من«الكافي في الفقه»سقط،اثبت فيه محقق الكتاب عبارة المتن عن مختلف الشيعة و تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي.
3- الكافي في الفقه:141.
4- الفقيه 1:156،المقنعة:25.

الصلاة فيه» (1)و برواية الحلبي عن الصادق عليه السلام في الصلاة على ظهر الطريق:«لا بأس» (2).

و منع الصدوق من الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية (3).و قال المفيد:لا تجوز الصلاة في بيوت الخمور (4)لظاهر النهي.و شهرة الكراهة مع قضية الأصل تدفعه.

و قال ابن الجنيد:و لا أختار ان تصلّى الفريضة في الكعبة و قضاؤها لغير ضرورة،و لو صلاها و قضاها أو النوافل فيها جازت.فظاهره كراهة النافلة أيضا.

قال:و كل أرض اختلطت بها نجاسة فلا يلقى المصلّي بمساجده إياها، و ان جعل بينهما حائلا جاز.و كأنّه يرى وجوب طهارة المصلّي،الا ان يريد الاستحباب.

قال:و كذلك منازل أهل الذمة،و بيعهم و كنائسهم،و بيوت نيرانهم، و كذا بيوت من يرى طهارة بعض الأنجاس.

و ظاهره تعليل كراهة الصلاة على الطريق بأنّها مظنة النجاسة-و به علل الفاضل (5)-قال:و لا تستحب الصلاة على الأرض الرطبة،لأن الجبهة تغوص فيها،و لإمكان نجاسة الماء الذي بلها.قال:و قد روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى راكبا بالإيماء من أجل مطر.

و ذكر ابن الجنيد ان التماثيل و النيران مشعلة في قناديل،أو سرج أو شمع أو جمر،معلقة أو غير معلقة،سنة المجوس و أهل الكتاب.

قال:و يكره ان يكون في القبلة مصحف منشور و ان لم يقرأ فيه،أو سيف8.

ص: 96


1- الكافي 3:389 ح 8،الفقيه 1:156 ح 728،التهذيب 2:220 ح 866.
2- الكافي 3:388 ح 5،التهذيب 2:220 ح 865.
3- الفقيه 1:159،المقنع:25.
4- المقنعة:25.
5- تذكرة الفقهاء 1:88.

مسلول،أو مرآة يرى المصلّي نفسه أو ما وراءه.

و قال في المبسوط و النهاية في بيوت المجوس:انّه يرش الموضع بالماء، فإذا جفّ صلى فيه (1)و التقييد بالجفاف حسن.

قال في المبسوط:و لا يصلي و في قبلته أو يمينه أو شماله صورة و تماثيل الا ان يغطيها،فان كانت تحت رجله فلا بأس (2).

و قال في السيف المشهور:لا بأس بكونه في القبلة عند الخوف من العدو (3).

و قال:تكره الصلاة في موضع ينز حائط قبلته من بول أو قذر (4)،فزاد ذكر القذر.

و ألحق الشيء المكتوب بالمصحف،لانّه يشغله عن الصلاة (5)و به علل في النهاية (6).

و قال الصدوق:و سأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام عن المصلي و أمامه شيء من الطير،أو نخلة حاملة،أو يصلي في كرم حامل،فقال:«لا بأس».و عن المصلّي و أمامه حمار واقف،قال:«يضع بينه و بينه قصبة أو عودا، أو شيئا يقيمه بينهما،ثم يصلي» (7).

قال الصدوق:و سأل عمار الصادق عليه السلام في المصلّي و بين يديه تور فيه نضوح،قال:«نعم».و عن الرجل يلبس الخاتم و فيه مثال طائر أو غيرن.

ص: 97


1- المبسوط 1:86،النهاية:100.
2- المبسوط 1:86-87.
3- المبسوط 1:86.
4- المبسوط 1:86.
5- المبسوط 1:87.
6- النهاية:101.
7- الفقيه 1:164 ح 775 و فيه:شيء من الطين.

ذلك،قال:«لا تجوز الصلاة» (1).

قال:و سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام في الصلاة متلثما، فقال:«امّا على الدابة فنعم،و امّا على الأرض فلا» (2).

و عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام:كراهة حمل الدراهم الممثلة،و كراهة جعلها في قبلته (3).

و علل الصدوق كراهة السيف في القبلة لأنّها أمن،رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام (4).

قال:و سأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام في المصلّي و أمامه مشجب عليه ثياب،قال:«لا بأس» (5)،و كذا من أمامه ثوم أو بصل (6)،و كذا على الرطبة النابتة إذا ألصق جبهته بالأرض،أو الحشيش النابت المبتل و ان أصاب أرضا جددا (7).

و قال الشيخ أبو جعفر الكليني في روايته عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:انّه رآه في المنازل بطريق مكة يرش أحيانا موضع جبهته،ثم يسجد عليه رطبا كما هو،و ربما لم يرشّ الذي يرى أنّه رطب (8).

قلت:لعله لدفع الغبار عنه و الشين.

قال الحلبي:و سألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصلاة،فقال:0.

ص: 98


1- الفقيه 1:165 ح 776،و في التهذيب 2:372 ح 1548.
2- الفقيه 1:166 ح 778،و في الكافي 3:408 ح 1،و التهذيب 2:229 ح 900،و الاستبصار 1:397 ح 1516.
3- الفقيه 1:166 ح 779.
4- الفقيه 1:161 ح 759.
5- الفقيه 1:161 ح 760.
6- الفقيه 1:162 ح 761.
7- الفقيه 1:162 ح 762.
8- الكافي 3:388 ح 5،و في الفقيه 1:157 ح 730.

«ان كان في حرب فإنّه يجزئه الإيماء،و ان كان تاجرا فليقم و لا يدخله حتى يصلّي» (1).

قلت:هذا محمول على سعة الوقت و إمكان الأرض.

و روى الكليني عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير عليه السلام فيمن تحضره الصلاة و هو بالبيداء،فقال:«يتنحّى عن الجواد يمنة و يسرة و يصلي» (2).

قلت:هذا بيان للجواز،و ما تقدم للكراهة،و يمكن حمله على غير البيداء المعهودة.

و قال الجعفي:لا تصل خلف نيام،و لا متحدثين.و لا بأس بالصلاة في مكان كان حشا،ينظف و يطرح عليه ما يواريه و يكون مسجدا.و لا بأس بالصلاة على الأرض الرطبة،الا ان تكون رطوبتها من بالوعة.

و قال في التماثيل:إذا كانت في القبلة فألق عليها ثوبا،و لا بأس بما كان خلفه أو الى جوانبه.

و في التهذيب عن محمد بن إبراهيم:سألته عن الصلاة على السرير مع القدرة على الأرض،فكتب:«لا بأس» (3).

و عن محمد بن مصادف عن الصادق عليه السلام:النهي عن الصلاة فوق الكدس من الحنطة المطيّن و ان كان مسطّحا (4)و هو للكراهية تعظيما لها -و الكدس بضم الكاف و سكون الدال واحد الاكداس-لرواية عمر بن حنظلةم.

ص: 99


1- الكافي 3:388 ح 5،و في التهذيب 2:375 ح 1557.
2- الكافي 3:389 ح 9،الفقيه 1:158 ح 735،التهذيب 2:375 ح 1559.
3- التهذيب 2:310 ح 1258.
4- التهذيب 2:309 ح 1252،الاستبصار 1:400 ح 1529،عن محمد بن مضارب عن الصادق عليه السلام.

عنه عليه السلام:«صل عليه» (1).

و عن عمرو بن جميع عنه عليه السلام انّه كره الصلاة في المساجد المصورة،قال:«لا يضرّكم ذلك اليوم،و لو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك» (2).6.

ص: 100


1- التهذيب 2:309 ح 1253،الاستبصار 1:400 ح 1528.
2- الكافي 3:369 ح 6،التهذيب 3:259 ح 726.
الفصل الثالث:في مستحبات المكان.
اشارة

و تنتظمها

مطالب ثلاثة.
المطلب الأول تستحب السترة-بضم السين-في قبلة المصلي إجماعا،
اشارة

فإن كان في مسجد أو بيت فحائطه أو سارية،و ان كان في فضاء أو طريق جعل شاخصا بين يديه.

و هنا

مسائل:
الأولى:يجوز الاستتار بكل ما يعدّ ساترا و لو عنزة،

فقد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله تركز له الحربة فيصلي إليها (1)و يعرض البعير فيصلي اليه (2)و ركزت له العنزة فصلّى الظهر يمر بين يديه الحمار و الكلب لا يمنع (3).

و العنزة:العصا في أسفلها حديد.و الأولى بلوغها ذراع،قاله الجعفي، و الفاضل و زاد:فما زاد (4).

و قد روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراعا،و كان إذا صلّى وضعه بين يديه،يستتر به ممن يمرّ بين يديه» (5).

و روى أيضا عنه عليه السلام:«ان كان بين يديك قدر ذراع رافع من

ص: 101


1- سنن الدارمي 1:328،صحيح البخاري 1:133،صحيح مسلم 1:359 ح 501،سنن النسائي 2:62،السنن الكبرى 2:269.
2- سنن الدارمي 1:328،صحيح مسلم 1:359 ح 502،سنن أبي داود 1:184 ح 692، السنن الكبرى 2:269.
3- المصنف لعبد الرزاق 2:17 ح 2314،مسند احمد 4:307،صحيح البخاري 1:133، صحيح مسلم 1:360 ح 503،سنن أبي داود 1:183 ح 688،سنن النسائي 2:73.
4- تذكرة الفقهاء 1:89.
5- الكافي 3:296 ح 2،التهذيب 2:322 ح 1317،الاستبصار 1:406 ح 1549.

الأرض فقد استترت» (1).

و يجوز الاستتار بالسهم و الخشبة،و كل ما كان أعرض فهو أفضل.و روى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام،قال:«كان رسول صلّى اللّه عليه و آله يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» (2).

و روى السكوني عن الصادق عليه السلام بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة،فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل فان لم يجد فحجرا،فان لم يجد فسهما،فان لم يجد فيخطّ في الأرض بين يديه» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام برواية غياث:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وضع قلنسوة و صلّى إليها» (4).

و عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام:«تكون بين يديه كومة من تراب،أو يخط بين يديه بخط» (5).

و روى العامة الخط عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (6)و أنكره بعض العامة (7).ثم هو عرضا،و بعض العامة طولا،أو مدوّرا،أو كالهلال (8).

الثانية:إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا

ص: 102


1- الكافي3:297 ح 3،التهذيب 2:323 ح 1319،الاستبصار 1:406 ح 1551.
2- الكافي 3:296 ح 1،التهذيب 2:322 ح 1316،الاستبصار 1:406 ح 1548.
3- التهذيب 2:378 ح 1577،الاستبصار 1:407 ح 1556.
4- التهذيب 2:323 ح 1320،الاستبصار 1:406 ح 1550.
5- التهذيب 2:378 ح 1574،الاستبصار 1:407 ح 1555.
6- المصنف لعبد الرزاق 2:12 ح 2286،مسند احمد 2:249،سنن ابن ماجة 1:303 ح 943،سنن أبي داود 1:183 ح 689،السنن الكبرى 2:270.
7- كمالك و أبي حنيفة،راجع:المدونة 1:113،المغني 2:71.
8- راجع:المغني 2:71.

و لا يسارا،قاله في التذكرة (1).

و قال ابن الجنيد:يجعله على جانبه الأيمن و لا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة.

و قال بعض العامة:لتكن على الأيمن أو الأيسر (2).

الثالثة:يستحب الدنو من السترة،

لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا صلى أحدكم إلى سترة،فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته» (3).

و قدّره ابن الجنيد بمربض الشاة-لما صحّ من خبر سهل بن سعد الساعدي،قال:«كان بين مصلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و بين الجدار ممر الشاة» (4)-و بعض العامة بثلاث أذرع (5).

و يجوز الاستتار بالحيوان،لما مر.و يجزئ إلقاء العصا عرضا إذا لم يمكن (6)نصبها،لأنّه أولى من الخط.

الرابعة:سترة الإمام سترة لمن خلفه،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر المؤتمين بسترة و لان ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه.

و لو كانت السترة مغصوبة،لم يحصل الامتثال عند الفاضل،لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا (7).

و يشكل:بأنّ المأمور به الصلاة الى سترة و قد حصل،و نصبها أمر خارج

ص: 103


1- تذكرة الفقهاء 1:89.
2- كابن حنبل،راجع:المغني 2:71.
3- المصنف لابن أبي شيبة 1:279،مسند احمد 4:2،سنن أبي داود 1:185 ح 695،سنن النسائي 2:62،شرح معاني الآثار 1:458.
4- صحيح البخاري 1:133،صحيح مسلم 1:364 ح 508،سنن أبي داود 1:185 ح 696، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4:49 ح 2368،السنن الكبرى 2:272.
5- كالشافعي،راجع:المجموع 3:247،المغني 2:70،الشرح الكبير 1:660.
6- في م،ط:يكن.
7- تذكرة الفقهاء 1:90.

عن الصلاة،كالوضوء من الإناء المغصوب.

اما لو كانت نجسة لم تضرّ،الا مع نجاسة ظاهرة.

الخامسة:قال في التذكرة:لا بأس ان يصلّي في مكة الى غير سترة،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلى هناك و ليس بينه و بين الطّواف سترة،و لأنّ الناس يكثرون هناك لأجل المناسك و يزدحمون،و به سميت بكة لتباك الناس فيها،فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس (1).

قال:و حكم الحرم كله كذلك،لأنّ ابن عباس قال:أقبلت راكبا على حمار أتان و النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلي بالناس بمنى الى غير جدار،و لأنّ الحرم محل المشاعر و المناسك (2).

قلت:و قد روي في الصحاح:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بالأبطح فركزت له عنزة،رواه أنس و أبو جحيفة (3)و لو قيل:السترة مستحبة مطلقا،و لكن لا يمنع المار في مثل هذه الأماكن لما ذكر،كان وجها.

السادسة:يستحب دفع المار بين يديه،

لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا يقطع الصلاة شيء،فادرؤوا ما استطعتم» (4)و روى ابن أبي يعفور و الحلبي عن الصادق عليه السلام مثله (5).

ص: 104


1- تذكرة الفقهاء 1:90. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله في:سنن أبي داود 2:211 ح 2016،شرح معاني الآثار 1:461.
2- تذكرة الفقهاء 1:90. و رواية ابن عباس في:صحيح البخاري 1:132،السنن الكبرى 2:277.
3- المصنف لعبد الرزاق 2:17 ح 2314،مسند احمد 4:307،صحيح البخاري 1:133، صحيح مسلم 1:360 ح 503،سنن أبي داود 1:183 ح 688،سنن النسائي 2:73.
4- المصنف لابن أبي شيبة 1:280،سنن أبي داود 1:191 ح 719،السنن الكبرى 2:278.
5- الكافي 3:365 ح 10،297 ح 3،التهذيب 2:322 ح 1318،1322،الاستبصار 1: 406 ح 1552،1553.

و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«لا يقطع الصلاة شيء:كلب و لا حمار و لا امرأة،و لكن استتروا بشيء» (1).

و روى سفيان بن خالد عنه عليه السلام:«انّ الذي أصلي له أقرب اليّ من الذي قدّامي» (2).

و في الكليني عن محمد بن مسلم:دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام،فقال له:رأيت ابنك موسى يصلّي و الناس يمرون بين يديه،فلا ينهاهم و فيه ما فيه.فقال:«ادعوه لي»،فقال له في ذلك،فقال:«ان الذي كنت أصلي له كان أقرب إليّ منهم،يقول اللّه عز و جل وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ »فضمّه الى نفسه ثم قال:«بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار» (3).

و لا يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود و المرأة و الحمار،لما مرّ.و رواية أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك (4)منسوخة ان صحت.و روت عائشة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي صلاة الليل كلها و انا معترضة بينه و بين القبلة (5).

السابعة:يكره المرور بين يدي المصلّي،

سواء كان له سترة أم لا،لما فيه من شغل قلبه،و تعريضه للدفع.

و حرّمه بعض العامة (6)لما صحّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في رواية أبي جهيم الأنصاري:«لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه،لكان أن

ص: 105


1- الكافي 3:297 ح 3،التهذيب 2:323 ح 1319،الاستبصار 1:406 ح 1551.
2- التهذيب 2:323 ح 1321،الاستبصار 1:407 ح 1554.
3- الكافي 3:297 ح 4. و الآية في سورة ق:16.
4- صحيح مسلم 1:365 ح 511،سنن ابن ماجة 1:306 ح 950،السنن الكبرى 2:274.
5- المصنف لعبد الرزاق 2:32 ح 2374،المصنف لابن أبي شيبة 1:280،مسند احمد 6: 199،سنن الدارمي 1:328،صحيح البخاري 1:137،صحيح مسلم 1:366 ح 512.
6- كابن حنبل،راجع:المغني 2:76.

يقف أربعين،خيرا له من ان يمرّ بين يديه»،شك أحد الرواة بين اليوم أو الشهر أو السنة (1).و هو محمول على التغليظ،لانّه صحّ في خبر ابن عباس انّه مرّ بين يدي الصف راكبا و لم ينكر عليه ذلك (2).

فإن قلت:في الرواية و انا يومئذ قد ناهزت الاحتلام،فترك الإنكار لعدم البلوغ (3).

قلت:الصبي ينكر عليه المحرمات و المكروهات على سبيل التأديب.

الثامنة:لو احتاج في الدفع الى القتال لم يجز،

و رواية أبي سعيد الخدري و غيره عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«فان أبي فليقاتله،فإنما هو شيطان» (4)للتغليظ أيضا،أو تحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح و لا ضرر.

التاسعة:هل كراهة المرور و جواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا؟

نظر،من حيث تقصيره و تضييعه حق نفسه (5)،و في كثير من الأخبار التقييد بما إذا كان له سترة ثم لا يضره ما مر بين يديه (6)،و من إطلاق باقي الاخبار.و يمكن

ص: 106


1- الموطأ 1:154،سنن الدارمي 1:329،صحيح البخاري 1:136،صحيح مسلم 1: 363 ح 507،سنن أبي داود 1:186 ح 701،السنن الكبرى 2:268.
2- الموطأ 1:155،صحيح البخاري 1:132،صحيح مسلم 1:361 ح 504،سنن أبي داود 1:190 ح 715،السنن الكبرى 2:277.
3- في م:البلاغ.
4- المصنف لابن أبي شيبة 1:279،مسند احمد 3:63،سنن ابن ماجة 1:307 ح 954، سنن أبي داود 1:191 ح 718،شرح معاني الآثار 1:460. و راجع الهامش 7.و انظر الهامش 1:،مع الصحفة 107.
5- لاحظ:صحيح مسلم 1:362،سنن أبي داود 1:185،السنن الكبرى 2:267،أبواب: منع المار بين يدي المصلي.
6- صحيح مسلم 1:358 ح 499،سنن أبي داود 1:183 ح 685،السنن الكبرى 2:269.

ان يقال بحمل المطلق على المقيد.

و لو بعد عن السترة فهو كفاقدها.و لو كان في الصف الأول فرجة،جاز التخطي بين الصف الثاني،لتقصيرهم بإهمالها.و لو لم يجد المار سبيلا سوى ذلك لم يدفع،لامتناع التكليف بالمحال،أو الحكم بعطلة الناس عن حاجاتهم.

و غلا بعض العامة في ذلك و جوز الدفع مطلقا،لحديث أبي سعيد الخدري،و دفعه الشاب مرتين و لم يكن له مساغ (1).

قلنا:ان صح النقل فهو رأي رآه،و الحديث الذي رواه:«إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس،فأراد أحد أن يجتاز بين يديه،فليدفع في نحره.و ان أبى فليقاتله،فإنما هو شيطان» (2)ليس فيه تصريح بعدم المساغ، فيحمل على وجود المساغ.

و لا يجب نصب السترة إجماعا،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تركها في بعض الأحيان،كما روى الفضل بن عباس:أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن في بادية لنا،فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة،و حمارة لنا و كلبة تعبثان بين يديه فما بالي بذلك (3).

و ليست شرطا في صحة الصلاة أيضا بالإجماع،و انما هي من كمال الصلاة.

(المطلب الثاني) (4):تستحب المكتوبة في المساجد و المشاهد
اشارة

(المطلب الثاني)(4):تستحب المكتوبة في المساجد و المشاهد

ص: 107


1- المصنف لعبد الرزاق2:20ح2328،صحيح البخاري 1:135،صحيح مسلم 1:362 ح 505.
2- تقدم في ص 106 الهامش 4.
3- المصنف لعبد الرزاق 2:28 ح 2358،سنن أبي داود 1:191 ح 718،سنن النسائي 2: 65،شرح معاني الآثار 1:458،السنن الكبرى 2:278.
4- أثبتناها من ط،و في م،س:العاشرة.

الشريفة،و قد ورد فيها فضائل جمّة سبق بعض ما روي في المشاهد.

و روى الشيخ في التهذيب-في باب المزار-في الصحيح عن معاوية ابن عمار،عن الصادق عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

الصلاة في مسجدي كألف في غيره الا المسجد الحرام،فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (1).

و عن خالد القلانسي عن الصادق عليه السلام،قال:«مكة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب عليهما السلام،الصلاة فيها بمائة ألف صلاة،و الدرهم فيها بمائة ألف درهم.و المدينة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ ابن أبي طالب عليهما السلام،الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة،و الدرهم فيها بعشرة آلاف درهم.و الكوفة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب، الصلاة فيها بألف صلاة» (2).

و عن نجم بن حطيم عن الباقر عليه السلام:«لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد و الرواحل من مكان بعيد،ان صلاة فريضة فيه تعدل حجة،و صلاة نافلة تعدل عمرة» (3).

و عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام،قال:«النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،و الفريضة تعدل حجة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،و قد صلى فيه ألف نبي و ألف وصي» (4).

و عن هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام:«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى في مسجد الكوفة ليلة الإسراء ركعتين،و ان المكتوبة1.

ص: 108


1- التهذيب 6:14 ح 30،و في الفقيه 1:147 ح 681.
2- الكافي 4:586 ح 1،كامل الزيارات:29،الفقيه 1:147 ح 679،التهذيب 6:31 ح 58.
3- كامل الزيارات:28،التهذيب 6:32 ح 60.
4- كامل الزيارات:28،التهذيب 6:32 ح 61.

فيه بألف صلاة،و النافلة بخمسمائة،و ان الجلوس فيه بغير تلاوة و لا ذكر لعبادة» (1).

و عن إسماعيل بن زيد عن الصادق عليه السلام:ان أمير المؤمنين عليه السلام منع رجلا من السفر الى المسجد الأقصى،و امره بلزوم مسجد الكوفة و الصلاة فيه،فان المكتوبة فيه حجة مبرورة،و النافلة عمرة مبرورة (2).

و روى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال:«صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة،و صلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة،و صلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا و عشرين،و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة،و صلاة الرجل في منزله صلاة واحدة» (3).

و روى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني لأكره الصلاة في مساجدهم،قال:«لا تكره،فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي،قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه،فأحب اللّه ان يذكر فيها،فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك» (4).

و عن الحلبي عن الصادق عليه السلام:المسجد الذي أسّس على التقوى مسجد قباء (5).

و روى العامة في الصحاح بعدة أسانيد ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:

«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه،الا المسجد6.

ص: 109


1- الكافي 3:490 ح 1،كامل الزيارات:28،أمالي الصدوق:315،التهذيب 3:250 ح 688،6:32 ح 62.
2- الكافي 3:491 ح 2،كامل الزيارات:32،التهذيب 3:251 ح 689.
3- الفقيه 1:152 ح 703،و في ثواب الاعمال:51،و التهذيب 3:253 ح 698.
4- الكافي 3:370 ح 14،التهذيب 3:258 ح 723.
5- الكافي 3:296 ح 2،التهذيب 3:261 ح 736.

الحرام» (1).

و معناه عند الأكثر:انّ استثناء المسجد الحرام يدل على أفضليته على مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و عند الأقل:ان الاستثناء من التضعيف،اي ان المسجد الحرام لا يزيد عليه مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بألف بل بأقل من ذلك (2)،و هو خلاف الظاهر.و بناه على معتقده من أفضلية المدينة و مسجدها على مكة و مسجدها،و قد بيّنا في القواعد ضعفه (3).

و عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:مسجدي هذا،و مسجد الحرام،و مسجد الأقصى» (4).و في لفظ آخر عن أبي هريرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«انما يسافر إلى ثلاثة مساجد:مسجد الكعبة،و مسجدي،و مسجد إيلياء» (5).

و عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:مسجد الحرام،و مسجدي،و مسجد الأقصى» (6).

قلت:أجمع العلماء-الا من شذ-على انّ المراد بهذا النفي بالنسبة إلى المساجد،أي:لا يصلح ذلك الى مسجد غير هذه الثلاثة؛لتقارب0.

ص: 110


1- الموطأ 1:196،المصنف لعبد الرزاق 5:120 ح 9131،مسند احمد 2:239،سنن الدارمي 1:330،صحيح البخاري 2:76،صحيح مسلم 2:1012 ح 1394.
2- صحيح مسلم بشرح النووي 9:163.
3- القواعد و الفوائد 2:121 ضمن القاعدة 189.
4- المصنف لعبد الرزاق 5:132 ح 9158،مسند احمد 2:278،صحيح البخاري 2:76، صحيح مسلم 2:1014 ح 1397،سنن ابن ماجة 1:452 ح 1409،سنن النسائي 2:37.
5- صحيح مسلم 2:1015 ح 1397،السنن الكبرى 5:244.
6- صحيح البخاري 2:77،الجامع الصحيح 2:148 ح 326،سنن ابن ماجة 1:452 ح 1410،المصنف لعبد الرزاق 5:132 ح 9159،مسند احمد 3:77،صحيح البخاري 2:77،مسند أبي يعلى 2:388 ح 1160.

المساجد سواها في الفضل،فليس سفره الى مسجد بلد آخر ليصلي فيه بأولى من مقامه عند مسجد بلده و الصلاة فيه.و هذا النهي يراد به نهي التنزيه؛لانعقاد الإجماع على عدم تحريم السفر الى غير المساجد المذكورة لتجارة أو قربة من القرب.

و قال بعضهم:المراد:لا يستحب شدّ الرحال الا الى هذه،و لا يلزم من نفي الاستحباب نفي الجواز (1).

و ارتكب واحد من العامة تحريم زيارة الأنبياء و الأئمة و الصالحين عليهم السلام،متمسّكا بهذا الخبر على مطلوبه،ذاهبا إلى أنّه لا بدّ من إضمار شيء هنا و لتكن العبادة،لأنّ الاسفار المطلقة ليست حراما (2).

و هو تحكّم محض؛لأنّ إباحة الشدّ للأسفار المطلقة يستلزم أولوية إباحته لما هو عبادة،إذ العبادة أرجح في نظر الشرع من السفر المباح،و يلزمهظ.

ص: 111


1- القائل بهذا هو:أبو محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي،و هو ممن يجوّز السفر إلى زيارة قبور الأنبياء و الصالحين،و يراه-كسائر علماء المسلمين-ليس بمحرّم،لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«زوروا القبور». و قد احتج لذلك بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يزور مسجد قباء. و أما عن حديث:«لا تشد الرحال..»فقد أجاب عنه:بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب. كذا حكاه عنه ابن تيمية في كتابه الزيارة،المسألة الثانية ص 19-20.
2- من ارتكب هذا هو ابن تيمية قدوة الفرقة الوهابية،قال-بعد أن عدّ زيارة قبر الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جنس الشرك و أسبابه!!!-: و هل يجوز السفر لمجرد زيارة قبور الأنبياء و الصالحين؟ لا يجوز ذلك،لما ورد في الصحيحين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أنّه قال:«لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،و مسجدي هذا،و المسجد الأقصى»انتهى. و هذا كلام باطل خيّل لأتباعه انّه حقّ فحرّموا على أنفسهم-لجهلهم و تحجّر عقولهم- أعظم القربات إلى اللّه تعالى و أكثرها ثوابا،و على خلافهم جرت سيرة المسلمين و إجماع علمائهم كما سنشير إليه فلا حظ.

عدم الشدّ لزيارة احياء العلماء و طلب العلم و صلة الرحم،و قد جاء:«من زار عالما فكمن زار بيت المقدس» (1)و ورد:«اطلبوا العلم و لو بالصين» (2)،و«سر سنتين برّ و الديك» (3)،و لا يخالف أحد في إباحة هذا مع انه عبادة،فتعيّن ان المراد بالحديث:لا يستحق،أو لا يتأكد،أو لا أولى بالشد،من هذه الثلاثة، أو يضمر المساجد،كما سبق ذكره.

و هذا القائل كلامه صريح في نفي مطلق زيارة قبور الأنبياء و الصلحاء، لانّه احتج بأنه لم يثبت في الزيارة خبر صحيح،بل كل ما ورد فيها موضوع بزعمه (4).و كل هذا مراغمة للفرقة المحقّة و الطائفة الناجية،الذين يرون تعظيمع.

ص: 112


1- الكامل لابن عدي 4:1438،تاريخ بغداد 9:364،فردوس الاخبار 1:101 ح 205.
2- الكامل لابن عدي 4:1438،تاريخ بغداد 9:364،فردوس الاخبار 1:101 ح 205.
3- الفقيه 4:260.
4- كذا زعم ابن تيمية الحرّاني في كتابه الزيارة،إذ قال فيه:ليس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في زيارة قبره و لا قبر الخليل حديثا ثابتا أصلا.كتاب الزيارة:المسألة الأولى ص 12 -13. و قال أيضا:و الأحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة،بل موضوعة،لم يرو الأئمة و لا أصحاب السنن المتبعة-كسنن أبي داود و النسائي و نحوهما-فيها شيئا. كتاب الزيارة:المسألة الرابعة ص:38. و قال أيضا:ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم،فكلّها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث،بل هي موضوعة،لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها،و لم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها.كتاب الزيارة:المسألة الثانية ص 22. و هذه الطريقة في التشويش على السذج و البسطاء من المسلمين تمثل منهجا عامّا لابن تيمية في عرض عقائده و آرائه في سائر كتبه،إذ كل ما خالف اعتقاده فلا بدّ و أن يذيّله بنحو هذه العبارات. و العجب من ابن تيمية أنه أغفل كلامه قبل هذا و تناساه تماما،إذ ذكر بنفسه-و قبل صفحتين من كلامه المذكور-بعض من جوّز السفر لزيارة قبور الأنبياء و الصالحين،كأبي حامد الغزالي الشافعي،و أبي الحسن بن عبدوس الحرّاني الحنبلي،و أبي محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي.مع أنّه لم يذكر عالما و لا جاهلا أيّده على حرمة الزيارة هذا فضلا عن توافر أحاديث زيارة القبور في السنن و غيرها. انظر:سنن الدار قطني 1:217-2667 باب المواقيت في الحج،عن ابن عمر:«من حجّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي»،أخرجه من طريق عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز،و في حديث 2669،عن ابن عمر:«من زار قبري وجبت له شفاعتي»،أخرجه من طريق القاضي المحاملي،و في حديث 2668،عن حاطب«من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي»،أخرجه من طريق أبي عبيد،و القاضي أبي عبد اللّه،و ابن مخلّد. و سنن النسائي بشرح السيوطي 4:89،عن بريدة«اني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلاّ ثلاثة فكلوا..و نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر و لا تقولوا هجرا»،و في 4:90،عن أبي هريرة مرفوعا:«فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت».و قد علمت كذب ابن تيمية على النسائي بأنّه لم يذكر شيئا من زيارة القبور. هذا فضلا عن وجود أحاديث أخرى في الزيارة تجدها في السنن الكبرى للبيهقي 5: 245 و 246،و شعب الايمان 3:488 حديث 4151 و 4152 و 4153 و 4154 و المعجم الكبير للطبراني 12:407،و المطالب العالية لابن حجر ح 1253 و 1254،و مجمع الزوائد 4:2،و مشكاة المصابيح ح 2756،و الدر المنثور 1:237،و ارواء الغليلي 4:335،و كنز العمال ح 12368 و 12369 و 42582 و غيرها. و أمّا عن استحباب الزيارة من طرق الشيعة عن أهل البيت عليهم السلام فقد بلغت فوق حدّ التواتر و ألّفت فيها كتب كثيرة. هذا،و في كتاب(ابن تيمية-حياته و عقائده)للأستاذ صائب عبد الحميد ص 181- 186 كلام في غاية الأهمية عن زيارة القبور و إثبات استحبابها و صحة الأحاديث الواردة فيها مع تهافت ابن تيميّة بشأنها،فراجع.

الزيارات و المزارات،و يهاجرون إليها و يجاورون،و في رضى اللّه تعالى لأهلهم و ديارهم يفارقون،انعقد إجماع سلفهم و خلفهم على ذلك،و فيهم أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.و يروون في ذلك أخبارا تفوت العدّ،و تتجاوز الإحصاء،بالغة حد التواتر،و قد روى منها الحافظ ابن عساكر من العامة طرفا صالحا،منها حديث:«و ستكون حثالة من العامة يعيّرون شيعتكم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها» (1)و غيره.؟!

ص: 113


1- اعلم أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يكفّر المسلمين على زيارتهم قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سوى فرقة الوهابية التي أخذت بمن حكم علماء أهل السنة أنفسهم على ضلالته و هو ابن تيمية.و من هنا يعلم أنّ المراد بتلك الحثالة:هم الوهابية،تلك الفرقة التي ظهرت بعد أكثر من الف عام من عمر الإسلام على يد محمّد بن عبد الوهاب،الذي حكم أخوه عليه-و هو أقرب الناس إليه-بالانحراف و الضلال،و له كتاب معروف في تكفير أخيه و تحذير الناس من بعده و على رأسها حرمة زيارة قبر النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و يكفي أن تعلم أن في معجم مؤلفات الأمة الإسلامية في الرد على الفرقة الوهابية أكثر من 250 كتابا لأهل السنة أنفسهم،[و انظر:فصلية تراثنا العدد:17 و الصادرة عن مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث]و كتاب الزيارة لابن تيمية الذي يتبجح به الوهابيون اليوم قد نسفه أهل السنة نسفا و نقضوه حرفا بحرف،فقد ألّف العلاّمة السبكي الشافعي علي بن عبد الكافي(683-756 ه)كتابا نقض فيه جميع مزاعم ابن تيمية و يعرف كتابه ب:(شفاء السقام في زيارة خير الأنام)كما يعرف بعنوان:(شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة). قال الصفدي:فرأته عليه بالقاهرة و كتبت عليه نظما،منه: لقول ابن تيمية زخرف أتى في زيارة خير الأنام فجاءت نفوس الورى تشتكي إلى خير حبر و أزكى إمام فصنّف هذا و داواهم فكان يقينا شفاء السقام انظر:طبقات الشافعية الكبرى 10:167،308،و الوافي بالوفيات 21:255-256. و بما أنّ هذه الفرقة المنحرفة عن الحق بمخالفتها لإجماع الأمة على ضرورة تعظيم قبور الأنبياء و الأولياء و الصالحين و وضوح هذه المخالفة بتهديم تلك القبور و تكفير زائريها،فلا عجب أن ينبري العلماء من كل مذهب للرّد على هذه الفرقة التي سيطرت بجهود الاستعمار و دعمه على الحرمين الشريفين(مكة المشرفة و المدينة المنورة). و نتيجة لتلك السيطرة فقد حاول الحجاج من مشارق الأرض و مغاربها أن يتّقوا الوهابية و مجازرها في مراسم الحج و العمرة على الرغم ممّا في نفوسهم من الشوق العظيم لتقبيل المكان الذي ضمّ جسد خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلم،نعم يتقونهم أخذا بالحديث الذي رواه أهل السنة أنفسهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم و أماناتهم و صاروا حثالة؟و شبّك بين أصابعه.قالوا:كيف نصنع؟قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اصبروا و خالقوا الناس بأخلاقهم و خالفوهم في أعمالهم»،كشف الأستار للهيثمي 4:133 ح 2324. ترى هل تجد بعد هذا مصداقا للحثالة غير فرقة الوهابية؟!

ص: 114

مع ان جميع المسلمين مجمعون على زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله منذ نقله اللّه الى دار عفوه و محل كرامته الى هذا الزمان،ففي كل سنة يعملون المطي و يشدون الرحال و لا ينصرفون الا بعد السلام عليه،و انعقاد الإجماع في هذه الأعصار قبل ظهور صاحب هذه المقالة الشنيعة و بعده حجة قاطعة على هذا المقام،و أي حجة أقوى من إجماع جميع أهل الإسلام على زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله،باعمال المطي و شدّ الرحال في كل عام.

و اما الاخبار الواردة في زيارته فهي كثيرة جدا،قد ضمّنها العلماء في كتبهم المأثورة و سننهم المشهورة،مثل ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة:

انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«ما من رجل يسلم عليّ،الاّ رد اللّه عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام» (1).

و لم يزل الصحابة و التابعون كلما دخلوا المسجد يسلمون على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لا حاجة الى الاستدلال بالاخبار في هذا المقام المجمع عليه،فإنه عدول من يقين الى شك،و من علم الى ظن.

تتمة:

روى العامة في صحاحهم عن أبي ذر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«أول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام،ثم،المسجد الأقصى بعده

بأربعين سنة،

و أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد» (2).

و عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي:كان كل نبي يبعث الى قومه خاصة

ص: 115


1- سنن أبي داود 2:218 ح 2041،السنن الكبرى 5:245،مجمع الزوائد 10:162 عن الطبراني في الأوسط.
2- صحيح البخاري 4:177،صحيح مسلم 1:370 ح 520،سنن ابن ماجة 1:248 ح 753،سنن النسائي 2:32.

و بعثت الى كل أحمر و أسود،و أحلت لي الغنائم و لم تحلّ لأحد قبلي،و جعلت لي الأرض طيبة طهورا و مسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان، و نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر،و أعطيت الشفاعة» (1).

و عن حذيفة قال الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«فضلنا على الناس بثلاث:جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة،و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» (2).

و عن أنس:قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة،فنزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف،فأقام فيهم أربع عشرة ليلة،ثم أرسل الى ملأ بني النجار فجاؤا متقلدين بسيوفهم،فجاء معهم حتى القى بفناء أبي أيوب.

و كان يصلّي حيث أدركته الصلاة،و يصلي في مرابض الغنم،ثم قال:«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا».و قالوا:لا و اللّه ما نطلب ثمنه الاّ الى اللّه.و كان فيه نخل و قبول المشركين،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالنخل فقطع، و بقبور المشركين فنبشت،و بالخرب فسويت.قال:فصفوا النخل قبلة و جعلوا عضادتيه حجارة (3).

و الخرب:جمع خربة،و هي:النقب في الأرض،كأنّه أراد تسوية الحفر.

و روى الأصحاب بالإسناد إلى عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه قال:«الأرض كلها مسجد،إلا بئر غائط أو مقبرة» (4).9.

ص: 116


1- صحيح البخاري 1:119،صحيح مسلم 1:370 ح 521،سنن النسائي 1:210،مسند أبي عوانة 1:396،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8:104 ح 6364.
2- صحيح مسلم 1:371 ح 522،السنن الكبرى 1:223.
3- مسند احمد 3:211،صحيح البخاري 1:117،صحيح مسلم 1:373 ح 524،سنن ابن ماجة 1:245 ح 742،سنن أبي داود 1:123 ح 453،سنن النسائي 2:39.
4- التهذيب 3:259 ح 728،الاستبصار 1:441 ح 1699.

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنى مسجده بالسميط،ثم ان المسلمين كثروا،فقالوا:

يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه.فقال:«نعم»فأمر به فزيد فيه و بناه بالسعيدة.

ثم ان المسلمين كثروا،فقالوا:يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه.فقال:«نعم»فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأنثى و الذكر.ثم اشتد عليهم الحر فقالوا:يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلّل.قال:«نعم»فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر.

فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم،فقالوا:

يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطيّن.فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا،عريش كعريش موسى صلّى اللّه عليه و آله،فلم يزل كذلك حتى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و كان جداره قبل ان يظلل قامة،فكان إذا كان الفيء ذراعا-و هو قدر مربض عنز-صلى الظهر،و إذا كان ضعف ذلك صلّى العصر».و قال:

السميط:لبنة لبنة،و السعيدة:لبنة و نصف،و الأنثى و الذكر:لبنتان متخالفتان (1).

و عن عبد الأعلى مولى آل سام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

كم كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟قال:«كان ثلاثة آلاف و ستمائة ذراع تكسيرا» (2).

تنبيه:

من المساجد الشريفة مسجد الغدير،و هو يقرب الجحفة،

جدرانه باقية

ص: 117


1- الكافي3:295ح 1،التهذيب 3:261 ح 738.
2- الكافي 3:296 ح 2،4:555 ح 7،الفقيه 1:147 ح 682،التهذيب 3:261 ح 737.

الى اليوم،و هو مشهور بيّن،و قد كان طريق الحج عليه غالبا.

و روى حسان الجمال،قال:حملت أبا عبد اللّه عليه السلام من المدينة إلى مكة،فلما انتهينا الى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد،فقال:«ذلك موضع قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث قال:من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه.ثم نظر في الجانب الآخر فقال:

«ذلك موضع فسطاط أبي فلان و فلان و سالم مولى أبي حذيفة و أبي عبيدة بن الجراح،فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم:انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون،فنزل جبرئيل بقوله تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ إلى آخر السورة (1).

و منها:مسجد براثا في غربي بغداد،و هو باق الى الآن،رأيته و صليت فيه.

روى الجماعة عن جابر الأنصاري،قال:صلّى بنا علي عليه السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة و نحن زهاء مائة ألف رجل،فنزل نصراني من صومعته فقال:اين عميد هذا الجيش؟فقلنا:هذا.فاقبل عليه و سلم عليه ثم قال:يا سيدي أنت نبي؟قال:«لا،النبي سيدي قد مات».قال:أ فأنت وصي نبي؟قال:«نعم».فقال:انما بنيت الصومعة من أجل هذا الموضع و هو براثا، و قرأت في الكتب المنزلة انه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي،ثم أسلم.فقال له علي عليه السلام:«من صلى ها هنا؟».قال:

صلى بن عيسى بن مريم و امه.فقال له علي عليه السلام:«و الخليل عليه السلام» (2).

و منها:مسجد السهلة.روى عبد الرحمن بن سعيد الخزاز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«بالكوفة مسجد يقال له:مسجد السهلة،لو انّ عمّي7.

ص: 118


1- الكافي 4:566 ح 2،الفقيه 1:148 ح 688،التهذيب 3:263 ح 746.
2- الفقيه 1:151 ح 699،التهذيب 3:264 ح 747.

زيدا أتاه فصلّى فيه و استجار اللّه جار اللّه له عشرين سنة.فيه مناخ الراكب، و بيت إدريس النبي.و ما أتاه مكروب قط،فصلّى فيه ما بين العشاءين فدعا اللّه عز و جل،الا فرّج اللّه كربته» (1).

و عن صالح بن أبي الأسود،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«اما انّه منزل صاحبنا إذا أقام بأهله» (2).

و روى حبة العرني،قال:خرج أمير المؤمنين عليه السلام الى الحيرة، فقال:«لتتصلن هذه بهذه»،و أومأ بيده الى الكوفة و الحيرة:«حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير،و ليبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب،يصلي فيه خليفة القائم لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم،و ليصلينّ فيه اثنا عشر اماما عدلا».

قلت:يا أمير المؤمنين:و يسع مسجد الكوفة الناس يومئذ؟قال:«تبنى له أربع مساجد:مسجد الكوفة أصغرها،و هذا،و مسجدان في طرف الكوفة من هذا الجانب و هذا الجانب» (3).

و منها:مسجد غني،و مسجد الحمراء،و مسجد جعفي،الثلاثة بالكوفة.جعلها أبو جعفر الباقر عليه السلام مباركة،رواه محمد بن مسلم، و ذكر فيها مساجد ملعونة:مسجد ثقيف،و مسجد الأشعث،و مسجد جرير بن عبد اللّه البجلي،و مسجد سماك،و مسجد شبث بن ربعي (4).و ان هذه الأربعة الأخيرة جدّدت بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام،رواه هشام بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام (5).7.

ص: 119


1- الكافي 3:495 ح 3،التهذيب 3:252 ح 693.
2- الكافي 3:495 ح 2،التهذيب 3:252 ح 692.
3- التهذيب 3:253 ح 699.
4- الكافي 3:489 ح 1،التهذيب 3:249 ح 685،و فيهما بدل(مسجد شبث بن ربعي): (مسجد بالخمراء)في الكافي،و(مسجد الحمراء)في التهذيب.
5- الكافي 3:490 ح 2،التهذيب 3:250 ح 687.
المطلب الثالث:في مباحث المساجد.
الأول:يستحب بناؤها استحبابا مؤكدا بالإجماع.

قال اللّه تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (1).

و قال تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (2).

و روى أبو عبيدة الحذاء قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

«من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة»-و في بعض الأخبار:«كمفحص قطاة» (3)-قال أبو عبيدة:فمر بي أبو عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة و قد سويت أحجارا لمسجد،فقلت:جعلت فداك نرجوا ان يكون هذا من ذاك فقال:«نعم» (4).

و روى العامة في الصحاح عن عثمان،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من بني مسجدا بنى اللّه له في الجنة مثله» (5).

الثاني:يستحب كثرة الاختلاف إليها

روى الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام:«من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان:أخا مستفادا في اللّه،أو علما مستطرفا،أو آية محكمة،أو يسمع كلمة تدلّه على هدى،أو كلمة تردّه عن ردى،أو رحمة منتظرة،أو يترك ذنبا خشية أو حياء» (6).

ص: 120


1- سورة التوبة:18.
2- سورة الجن:18.
3- المحاسن:55،الفقيه 1:152 ح 704.
4- الكافي 3:368 ح 1،التهذيب 3:264 ح 748.
5- صحيح البخاري 1:122،صحيح مسلم 1:378 ح 533،سنن ابن ماجة 1:243 ح 736،الجامع الصحيح 3:134 ح 318،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:68 ح 1607.
6- الفقيه 1:153 ح 714،الخصال:409،ثواب الاعمال:46،التهذيب 3:248 ح 681.

قلت:كأنّ الثامنة:«ترك الذنب حياء»يعني من اللّه،أو من الملائكة، أو من الناس،كما انّ الخشية كذلك.و يجوز ان تكون الخشية من اللّه، و الحياء من الناس.

و عن إسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الاتكاء في المسجد رهبانية العرب،المؤمن مجلسه مسجده،و صومعته بيته» (1).

و في مرسل علي بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب و لا يابس الا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة» (2).

و عن السكوني،عن جعفر عليه السلام،عن أبيه،قال:«قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:من كان القرآن حديثه،و المسجد بيته،بنى اللّه له بيتا في الجنة» (3).

و بالإسناد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من سمع النداء في المسجد، فخرج منه من غير علة،فهو منافق الا ان يريد الرجوع اليه» (4).

و عن طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام،قال:«لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا» (5).

الثالث:يستحب تعاهد النعل عند باب المسجد،

لما رواه الأصحاب

ص: 121


1- التهذيب 3:249 ح 684.
2- الفقيه 1:152 ح 702،ثواب الاعمال:46،التهذيب 3:255 ح 706.
3- ثواب الأعمال:47،أمالي الصدوق:405،التهذيب 3:255 ح 707.
4- أمالي الصدوق:405،التهذيب 3:262 ح 740.
5- التهذيب 3:261 ح 735.

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)،و ترك دخول من أكل شيئا من المؤذي ريحه، لما رووه عن عليّ عليه السلام (2).

الرابع:دخوله على طهارة،و تقديم اليمين،و الدعاء بما رووه عند

الدخول،

و هو:«بسم اللّه،و السلام على رسول اللّه،صلى اللّه و ملائكته على محمد و آل محمد،و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته.اللهم اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب رحمتك،و اجعلني من عمّار مساجدك جل ثناء وجهك».و عند الخروج:«اللهم اغفر لي،و افتح لي أبواب فضلك». (3)

فإذا دخل فليصل ركعتين تحية المسجد،لما رواه أبو قتادة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع» (4)و ليدع اللّه عقيبهما،و ليصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله.و ان لم يصل جلس مستقبل القبلة،و حمد اللّه،و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و دعا اللّه و سأله حاجته.

الخامسة:يستحب ترك أحاديث الدنيا في المساجد،

للنهي عن ذلك (5).

و ترك الخذف بالحصى،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله فيمن فعل ذلك:

«ما زالت تلعنه حتى وقعت» (6)و في النهاية:لا يجوز (7).

ص: 122


1- التهذيب 3:255 ح 709،مكارم الأخلاق:123.
2- التهذيب 3:255 ح 708.
3- التهذيب 3:263 ح 744،745،مع تفاوت يسير.
4- الموطأ 1:162،المصنف لعبد الرزاق 1:428 ح 1673،مسند احمد 5:305،صحيح البخاري 1:120،صحيح مسلم 1:495 ح 714،سنن ابن ماجة 1:324 ح 1013.
5- تنبيه الخواطر 1:69.
6- التهذيب 3:262 ح 741.
7- النهاية:110.

و ترك كشف السرة و الفخذ و الركبة،و في النهاية:لا يجوز (1).

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلّ السيف فيه و بري النبل (2)و إنشاد الشعر و قال:«من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا:فض اللّه فاك،و انما نصبت المساجد للقرآن» (3).

و ترك تصوير المساجد،لقول أبي عبد اللّه عليه السلام و قد سأله عمرو ابن جميع عن الصلاة في المساجد المصورة،فقال:«أكره ذلك،و لكن لا يضركم اليوم،و لو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك» (4).

و ترك زخرفتها،و الظاهر انه حرام،و كذا نقشها،لأنّ ذلك لم يفعل في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و عهد الصحابة فيكون بدعة،كذا قاله في المعتبر (5).و حرّم بعض الأصحاب الصور أيضا (6).

و ترك الشرف،لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انّه رأى مسجدا بالكوفة قد شرّف،فقال:«كأنّه بيعة»،و قال:«ان المساجد تبنى جمّا لا تشرّف» (7).

و ترك المحاريب،لما في هذه الرواية:«انّ عليا عليه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد،و يقول:كأنّها مذابح اليهود» (8)قال الأصحاب:المراد بها المحاريب الداخلة (9).2.

ص: 123


1- النهاية:110.
2- الكافي 3:369 ح 8،التهذيب 3:258 ح 724.
3- الكافي 3:369 ح 5،التهذيب 3:259 ح 725.
4- الكافي 3:369 ح 6،التهذيب 3:259 ح 726.
5- المعتبر 2:451.
6- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:91.
7- الفقيه 1:153 ح 709،علل الشرائع:320،التهذيب 3:253 ح 696.
8- الفقيه 1:153 ح 708،علل الشرائع:320،التهذيب 3:253 ح 697.
9- راجع:المبسوط 1:160،السرائر:60،المعتبر 2:452.

و ترك البيع،و الشراء،و المجانين،و الصبيان،و الاحكام،و الضالة، و الحدود،و رفع الصوت،رواه علي بن أسباط مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام (1).

و روينا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«جنبوا مساجدكم صبيانكم،و مجانينكم،و شراءكم،و بيعكم،و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» (2).

و روى لا بأس بإنشاد الضالة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام،و كذا قال:«لا بأس بإنشاد الشعر (3)و هما مشعران بالبأس،أو لنفي التحريم.و ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقلّ منه و تكثير منفعته،كبيت حكمة،أو شاهد على لغة في كتاب اللّه،أو سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله،و شبهه،لانه من المعلوم انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينشد بين يديه البيت و الأبيات من الشعر في المسجد و لم ينكر ذلك (4).

و ترك تظليلها،لما رواه الحلبي قال:سألته عن المساجد المظللة،يكره القيام فيها؟قال:«نعم،و لكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم» (5).و قد سلف انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ظلل مسجده (6).و لعل المراد به تظليل جميع المسجد،أو تظليل خاص،أو في بعض البلدان،و الاّ فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع،الحر و القر.

و ترك تعليق السلاح في المسجد الأكبر (7).5.

ص: 124


1- الفقيه 1:154 ح 716،علل الشرائع:319،الخصال:410،التهذيب 3:249 ح 682.
2- التهذيب 3:254 ح 702.
3- قرب الاسناد:120،التهذيب 3:249 ح 683.
4- صحيح البخاري 1:122،صحيح مسلم 4:1932 ح 2485،سنن النسائي 2:48.
5- الفقيه 1:152 ح 706،التهذيب 3:253 ح 695.
6- تقدم في ص 117 الهامش 1.
7- راجع الهامش 5.

و ترك تطويل المنارة،لما روى السكوني عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انه مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها،ثم قال:لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد» (1).و كذا يكره جعل المنارة وسطها،و في النهاية:لا يجوز وسطها (2).

و ترك إخراج الحصى منها،لرواية وهب بن وهب،عن جعفر،عن أبيه، قال:«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها،أو في مسجد آخر،فإنها تسبّح» (3).و عدّه بعض الأصحاب من المحرّم (4)،لظاهر الأمر بالرد.

و ترك البصاق فيه،لرواية غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام، عن أبيه:«انّ عليا عليه السلام قال:البزاق في المسجد خطيئة،و كفارته دفنه» (5).

و عن إسماعيل بن مسلم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام،قال:«من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه يوم القيامة ضاحكا قد أعطي كتابه بيمينه» (6).

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من تنخع في المسجد،ثم ردّها في جوفه،لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته» (7).

و قد روى في التهذيب عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام،قلت له:4.

ص: 125


1- الفقيه 1:155 ح 723.التهذيب 3:256 ح 710.
2- النهاية:109.
3- الفقيه 1:154 ح 718،علل الشرائع:320،التهذيب 3:256 ح 711.
4- كالمحقق في شرائع الإسلام 1:128.
5- التهذيب 3:256 ح 712،الاستبصار 1:442 ح 1704.
6- التهذيب 3:256 ح 713،الاستبصار 1:442 ح 1705.
7- الفقيه 1:152 ح 700،ثواب الاعمال:35،التهذيب 3:256 ح 714.

الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق،فقال:«عن يساره،و ان كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة،و يبزق عن يمينه و عن شماله» (1).

و عن طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه:«لا يبصقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه،و لا عن يمينه،و ليبزق عن يساره و تحت قدمه اليسرى» (2).

و عن محمد بن مهزيار،قال:رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام تفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود و لم يدفنه (3).

ثم قال الشيخ:في هذه الاخبار دلالة على نفي الإثم فلا تنافي (4).ثم روى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان أبا جعفر عليه السلام كان يصلي في المسجد،فيبصق أمامه و عن يمينه و عن شماله و خلفه، على الحصى،و لا يغطيه» (5).

قلت:يجوز ان يفعل الامام المكروه في بعض الأحيان،لبيان جوازه، أو لضرورة،فلا يكون للضرورة مكروها.

و ترك الوضوء فيها من الغائط و البول،لما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام من الكراهية (6).

و ترك النوم فيها،و خصوصا في المسجدين،قاله الجماعة (7).و قد روى3.

ص: 126


1- التهذيب 3:257 ح 715،و في الكافي 3:370 ح 12،و الاستبصار 1:442 ح 1707.
2- التهذيب 3:257 ح 716،و في الفقيه 1:180 ح 852.
3- التهذيب 3:257 ح 717،و في الكافي 3:370 ح 13،و الاستبصار 1:443 ح 1708 عن علي بن مهزيار.
4- التهذيب 3:257.
5- التهذيب 3:257 ح 18،الاستبصار 1:443 ح 1709.
6- الكافي 3:369 ح 9،التهذيب 3:257 ح 719.
7- راجع:المبسوط 1:161،السرائر:60،المعتبر 2:453.

زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في النوم في المساجد:«لا بأس إلا في المسجدين:مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و المسجد الحرام».قال:و كان يأخذ بيدي في بعض الليل،فيتنحى ناحية ثم يجلس،فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام،فقلت له في ذلك،فقال:«انما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فاما في هذا الموضع فليس به بأس» (1).

و روي عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في النوم في المسجد و مسجد الرسول،قال:«نعم،أين ينام الناس!» (2).

و ربما استدل على كراهية النوم مطلقا بقوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى ،فعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام:«سكر النوم» (3).

و ترك قصع القمل،قاله الجماعة رحمهم اللّه (4).

و ترك التكلم بالعجمية،لرواية السكوني،عن الصادق عليه السلام، بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد» (5).

و ترك تعلية المساجد،اتباعا لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد» (6).

و ترك تعلية المساجد،اتباعا لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله فان مسجده كان قامة،كما مر (7).

و ترك إقامة الحدود،لخوف تلويث بحادث في المحدود.1.

ص: 127


1- الكافي 3:370 ح 11،التهذيب 3:258 ح 721.
2- الكافي 3:369 ح 10،التهذيب 3:258 ح 720.
3- الكافي 3:371 ح 15،التهذيب 3:258 ح 722،و الآية في سورة النساء:43.
4- راجع:المبسوط 1:161،شرائع الإسلام 1:128،تذكرة الفقهاء 1:91.
5- التهذيب 3:262 ح 739.
6- ،و بسند آخر في الكافي 3:369 ح 7.
7- تقدم في ص:117،هامش 1.

و ترك عمل الصنائع مطلقا،قاله الأصحاب (1)،و عليه نبّه حديث بري النبل:«انما بنى لغير ذلك» (2)و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما نصبت المساجد للقرآن» (3).

السادس:يستحب كنسها،

و خصوصا يوم الخميس و ليلة الجمعة،لرواية عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من كنس المسجد يوم الخميس و ليلة الجمعة،فاخرج من التراب ما يذر في العين،غفر له» (4).

السابع:يستحب الإسراج فيها،

لما رواه في التهذيب بإسناده إلى أنس، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا،لم تزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له،ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج» (5)و لان فيه إعانة المتهجدين فيه على مآربهم،و ترغيبا للمترددين اليه فيؤمن الخراب عليه.

الثامن:يحرم إدخال النجاسة إليها و إزالتها(فيها)
اشارة

(6) قاله الأصحاب (7)لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«جنبوا مساجدكم النجاسة» (8)و لأن كراهية الوضوء من البول و الغائط يشعر به.

ص: 128


1- راجع:المبسوط 1:161،السرائر:60،المعتبر 2:453،شرائع الإسلام 1:128،تذكرة الفقهاء 1:91.
2- الكافي 3:369 ح 8،التهذيب 3:258 ح 724.
3- الكافي 3:369 ح 5،التهذيب 3:259 ح 725.
4- الفقيه 1:152 ح 701،أمالي الصدوق:405،ثواب الاعمال:51،التهذيب 3:254 ح 703.
5- المحاسن:57،الفقيه 1:154 ح 717،التهذيب 3:261 ح 733.
6- أثبتناها من ط.
7- راجع:المبسوط 1:161،السرائر:60،المعتبر 2:451.
8- المعتبر 2:451،تذكرة الفقهاء 1:91.

و لم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي،و الظاهر انّ المسألة إجماعية،و لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير مكان البول (1)،و لظاهر:«فلا يقربوا المسجد» (2)،و للأمر بتعاهد النعل (3).

نعم،الأقرب عدم تحريم إدخال النجاسة غير ملوثة للمسجد و فرشه، للإجماع على جواز دخول الصبيان و الحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا،و قد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح و السلس و المستحاضة مع أمن التلويث،و جواز القصاص في المساجد للمصلحة مع فرش ما يمنع من التلويث.

فرع:

لو كان في المساجد نجاسة ملوثة وجب إخراجها كفاية.

و لو أدخلها مكلّف تعيّن عليه الإخراج،فلو أخرجها و صلى صحّت قطعا،و كذا لو اشتغل بالصلاة عن الإخراج مع ضيق الوقت.

و لو كان مع السعة،خرّج من انّ الأمر بالمضيق يقدّم امتثاله على الموسّع،و ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،و انّ النهي مفسد،فساد الصلاة.و ليس بشيء،بل الأقرب الصحة على كل حال للإتيان بالعبادة موافقة لأمر الشارع،و لم يثبت كون ذلك مانعا،و قضية الأصل تنفيه.

و المقدمات في بعضها منع،و هي القائلة:إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،فإنه ان أريد به الضد العام-أعني:الترك المطلق-فمسلّم،و لا يلزم منه النهي عن فعل آخر،و ان أريد به الخاص فممنوع،و الا لزم وجوب المباح،و تحقيقه في الأصول.

ص: 129


1- مسند احمد 3:110،صحيح البخاري 1:65،صحيح مسلم 1:336 ح 284،مسند أبي عوانة 1:214.
2- سورة التوبة:28.
3- المصنف لعبد الرزاق 1:388 ح 1515،سنن أبي داود 1:175 ح 650.
التاسع:لا يجوز جعل المسجد أو بعضه في ملك أو طريق،
اشارة

لأنّ الوقف للتأبيد،و قد اتخذ للعبادة فلا يتصرف الى غيرها،فلو أخذ وجب إعادته.و لا تزول المسجدية بزوال الآثار قطعا،لأنّ العرصة داخلة في الوقف.

و كذا لا يجوز استعمال آلته في غيره إلا لمسجد (1)آخر،لمكان الوقف.و انما يجوز في غيره من المساجد عند تعذّر وضعها فيه،أو لكون المسجد الآخر أحوج إليها منه،لكثرة المصلين أو لاستيلاء الخراب عليه.

نعم،لا يجوز نقضها على حال و لو كان لبناء مسجد آخر أعظم أو أفضل،لقوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها (2).

فروع:

لو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان:

من عموم المنع،و من انّ فيه إحداث مسجد،و لاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد إنكارهم،و لم يبلغنا إنكار علي عليه السلام ذلك،و قد أوسع السلف المسجد الحرام و لم يبلغنا إنكار علماء ذلك العصر.

نعم،الأقرب ان لا تنقض الاّ بعد الظن الغالب بوجود العمارة.و لو أخّر النقض إلى إتمامها كان أولى،إلاّ مع الاحتياج الى الآلات.

و لو أريد إحداث باب فيه لمصلحة عامة-كازدحام المصلين في الخروج أو الدخول فتوسع عليهم-فالأقرب جوازه،و تصرف آلاته في المسجد أو غيره.

و لو كان لمصلحة خاصة-كقرب المسافة على بعض المصلين-احتمل جوازه أيضا،لما فيه من الإعانة على القربة و فعل الخير.

ص: 130


1- في س:في مسجد.
2- سورة البقرة:114.

و كذا يجوز فتح روزنة أو شباك للمصلحة العامة،و في جوازه للمصلحة الخاصة الوجهان.

العاشر:لا يجوز اتخاذ المساجد في المواضع المغصوبة،
اشارة

و لا في الطرق المسلوكة المضرّة بالمارة.و لو كان الطريق أزيد من سبع أذرع فاتخذت فيه،و لا يضرّ بالمارة،فالظاهر الجواز.

و يجوز اتخاذها على الحش،لقول الباقر عليه السلام في المكان يكون حشّا ثم ينظف و يجعل مسجدا:«يطرح عليه من التراب حتى يواريه»،رواه عنه أبو الجارود (1)و مثله رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام،و زاد:

«و يقطع ريحه» (2).

و يجوز اتخاذها في البيع و الكنائس،لرواية العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال:«نعم» (3).

فرع:

المراد بنقضها نقض ما لا بدّ منه في تحقّق المسجدية كالمحراب

و شبهه،

و يحرم نقض الزائد،لابتنائها للعبادة.و يحرم أيضا اتخاذها في ملك أو طريق،لما فيه من تغيير الوقف المأمور بإقراره.و انما يجوز اتخاذها مساجد إذا باد أهلها،أو كانوا أهل حرب،فلو كانوا أهل ذمة حرم التعرّض لها.

الحادي عشر:الأقرب شرعية إتيان المساجد للنساء،

و قد رووه في صحاحهم (4).نعم،الأقرب انّ البيت أفضل لهن،لما فيه من الاستتار،و عدم

ص: 131


1- الكافي 3:368 ح 2،التهذيب 3:259 ح 727،الاستبصار 1:441 ح 1701.
2- قرب الاسناد:31،التهذيب 3:260 ح 729،الاستبصار 1:441 ح 1702.
3- الكافي 3:368 ح 3،التهذيب 3:260 ح 732.
4- صحيح مسلم 1:326 ح 442،سنن النسائي 2:42.

التعرّض للفتنة،و قول الصادق عليه السلام:«خير مساجد نسائكم البيوت» (1).

الثاني عشر:لا يجوز الدفن في المساجد،

لما فيه من شغله بما لم يوضع له.و دفن فاطمة عليها السلام في الروضة (2)ان صحّ فهو من خصوصياتها بما تقدم من نصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،و قد روى البزنطي قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة فقال:«دفنت في بيتها،فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد» (3).

الثالث عشر حرمة دخول المشركين المسجد

لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد على الإطلاق،و لا عبرة بإذن مسلم له،لأنّ المانع نجاسته،للآية (4).

فإن قلت:لا تلويث هنا.

قلت:معرّض له غالبا،و جاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر.و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من دخل المسجد فهو آمن» (5)منسوخ بالآية،و كذا ربط ثمامة في المسجد (6)ان صحّ.

الرابع عشر:يستحب الوقف على المساجد،

بل هو من أعظم المثوبات،لتوقّف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع.

و روى ابن بابويه ان الصادق عليه السلام سئل عن الوقف على المساجد،فقال:«لا يجوز،لأنّ المجوس وقفوا على بيت النار» (7).

ص: 132


1- الفقيه 1:154 ح 719،التهذيب 3:252 ح 694.
2- راجع:الفقيه 4:341،التهذيب 6:9،مصباح المتهجد:653.
3- الفقيه 1:148 ح 684،التهذيب 3:255 ح 705.
4- سورة التوبة:28.
5- سنن أبي داود 3:162 ح 3022.
6- مسند احمد 2:452،صحيح البخاري 1:125،صحيح مسلم 3:1386 ح 1764،سنن أبي داود 3:57 ح 2679،السنن الكبرى 1:171.
7- الفقيه 1:154 ح 720.

و أجاب بعض الأصحاب بأن الرواية مرسلة،و بإمكان الحمل على ما هو محرّم فيها كالزخرفة و التصوير (1).

الخامس عشر في كيفية صيرورة البقعة مسجدا بالوقف

انما تصير البقعة مسجدا بالوقف،اما بصيغة(وقفت) و شبهها،و اما بقوله:«جعلته مسجدا)و يأذن في الصلاة فيه،فإذا صلّى فيه واحد تمّ الوقف.

و لو قبضه الحاكم،أو أذن في قبضه،فالأقرب انه كذلك،لأنّ له الولاية العامة.و لو صلّى فيه الواقف،فالأقرب الاكتفاء بعد العقد.

و لو بناه بنيّة المسجد لم يصر مسجدا.نعم،لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا،لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة.

و قال الشيخ في المبسوط:إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه،فان نوى به ان يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه،و ان لم ينو ذلك فملكه باق عليه،سواء صلّى فيه أو لم يصل (2).فظاهره الاكتفاء بالنية،و أولى منه إذا صلّي فيه،و ليس في كلامه دلالة على التلفظ،و لعلّه الأقرب.

و قال ابن إدريس:ان وقفه و نوى القربة،و صلّى فيه الناس و دخلوه،زال ملكه عنه (3).

و لو اتخذ في داره مسجدا له و لعياله،و لم يتلفظ بالوقف و لا نواه،جاز له تغييره و توسيعه و تضييقه،لما رواه أبو الجارود عن الباقر عليه السلام في المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت ان يتوسعوا بطائفة منه،أو يحولوه الى غير مكانه،قال:«لا بأس بذلك» (4).

ص: 133


1- ذكره العلامة في تذكرة الفقهاء 1:91.
2- المبسوط 1:162.
3- السرائر:60.
4- الكافي 3:368 ح 2،التهذيب 3:259 ح 727.
خاتمة:

روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قلت له:ان رجلا يصلي بنا نقتدي به،فهو أحب إليك أو في المسجد؟قال:«المسجد أحبّ إليّ» (1).

قلت:هذا يحتمل أمرين:

أحدهما:ان صلاتهم في المسجد جماعة أفضل،و هذا لا اشكال فيه، لأنّ فيه جمعا بين الجماعة و المسجد.

و الثاني:ان تكون الصلاة في المسجد لا جماعة أفضل من الصلاة في غيره جماعة،كما هو ظاهر الحديث،لأنّ تضاعف الصلاة في المسجد أعظم غالبا من تضاعفها بالجماعة،إذ ورد في الجماعة خمس و عشرون و سبع و عشرون (2)و في المساجد ما مرّ (3).و يعارضه ما روي عن الرضا عليه السلام من أفضلية الصلاة جماعة على الصلاة في مسجد الكوفة فرادى (4).

و قال ابن الجنيد:روي عن الصادق عليه السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الا من علّة، و لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا،و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه،و ان رفع الى امام المسلمين أنذره و حذّره.و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته،و ثبتت عدالته.و من

ص: 134


1- التهذيب 3:261 ح 734.
2- لاحظ:الكافي 3:371 ح 1،التهذيب 3:24 ح 82،صحيح البخاري 1:165،صحيح مسلم 1:450 ح 560،سنن ابن ماجة 1:259 ح 789،السنن الكبرى 1:59.
3- تقدم في ص:107 و ما بعدها.
4- التهذيب 3:25 ح 88.

قربت داره من المسجد لزمه من حضور الجماعة ما لا يلزم من بعد منه» (1).

قال:و يستحب ان يقرأ في دخوله المسجد إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى قوله لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ تمام خمس آيات،و آية الكرسي،و المعوذتين،و آية السخرة.و يحمد اللّه،و يصلّي على محمد و آله و أنبياء اللّه و ملائكته و رسله،و يسأل اللّه الدخول في رحمته،و يسلّم على الحاضرين فيه و ان كانوا في صلاة،فإن كانوا ممن ينكر ذلك سلّم خفيا على الملائكة،و يصلي ركعتين قبل جلوسه.

و لا بأس بقتل الحية و العقرب فيه،و لا يتخذه متجرا،و لا مجلس حديث،و لا يتحدّث فيه بالهزل،و لا بمآثر الجاهلية،و لا يرفع فيه الصوت الا بذكر اللّه تعالى،و لا يشهر فيه السلاح.

قال:و يستحب ان يجعل الإنسان لنفسه حظا من صلاته النوافل في منزله،و لا يجعله كالقبر له.

و قال الشيخ في المبسوط:لا تجوز ان تكون مزخرفة،أو مذهّبة،أو فيها شيء من التصاوير.و إذا استهدم مسجد استحب نقضه و إعادته إذا أمكن و كان بحيث ينتابه الناس فيصلون فيه.و لا بأس باستعمال آلته في إعادته،أو في بناء غيره من المساجد،و لا يجوز بيع آلته بحال (2).

قلت:جوّزه في المختلف عند الحاجة الى عمارته،أو عمارة غيره مع عدم الانتفاع بها،و يتولاه الحاكم (3)و هو حسن.و كذا لو استغني عنها،و خيف عليها التلف مع البقاء،فالأقرب الجواز تحصيلا للمصلحة.

قال الشيخ:و يكره ان يتخذ المسجد طريقا،إلا لضرورة.و نصّ على1.

ص: 135


1- صدر الحديث في:التهذيب 6:241 ح 596،الاستبصار 2:12 ح 33.
2- المبسوط 1:160.
3- مختلف الشيعة:161.

كراهية إخراج الحصى،و لا يتنعّل قائما بل جالسا.و قال:لا يقصع القمل،فان فعل دفنها في التراب (1).

و قال الجعفي:و يكره زخرفة المساجد،و تكره المقصورة و المنارة،الاّ ان تكون مع سطح المسجد.

و قال ابن إدريس:لا يجوز ان تكون مزخرفة و لا مذهّبة،أو فيها شيء من التصاوير،أو مشرّفة بل المستحب ان تبنى جمّا (2).و في كلامه هذا إجمال بين حمل عدم الجواز على الكراهية أو التحريم،لانّه جعل بإزائه المستحب.و في النهاية:لا يجوز ان تبنى مشرّفة (3).

قال ابن إدريس:و لا بأس بالأحكام فيها (4)كما قاله الشيخ في الخلاف (5)قال ابن إدريس:لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام حكم في جامع الكوفة و قضى فيه بين الناس بلا خلاف،و دكّة القضاء الى يومنا هذا معروفة (6).

قال الراوندي-رحمه اللّه-الحكم المنهي عنه في المساجد ما كان فيه جدل و خصومة (7).

و في المختلف:يحتمل ان يراد إنفاذ الأحكام-كالحبس على الحقوق- و الملازمة فيها عليها (8).

و ربما قيل:دوام الحكم فيها مكروه،و اما إذا اتفق في بعض الأحيان0.

ص: 136


1- المبسوط 1:160-161.
2- السرائر:60.
3- النهاية:108.
4- السرائر:60.
5- الخلاف 6:210 المسألة 3.
6- السرائر:60.
7- مختلف الشيعة:160.
8- مختلف الشيعة:160.

فلا.

و قال الشيخ في النهاية-و تبعه ابن إدريس-:لا يجوز التوضؤ من الغائط و البول في المساجد،و لا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك (1).

و سوّى ابن إدريس بين المنع من الوضوء عن البول و الغائط و المنع من إزالة النجاسة فيها (2).

و في المبسوط:لا يجوز إزالة النجاسة في المساجد،و لا الاستنجاء من البول و الغائط فيها،و غسل الأعضاء في الوضوء لا بأس به فيها (3).فكأنّه فسّر الرواية بالاستنجاء،و لعلّه مراده في النهاية (4)و هو حسن.

و منع ابن إدريس من جعل الميضاة وسطه (5)و هو حق ان لم تسبق المسجد.0.

ص: 137


1- النهاية:109،السرائر:60.
2- السرائر:60.
3- المبسوط 1:161.
4- النهاية:109 حيث قال:لا يجوز التوضّؤ من الغائط و البول في المساجد.
5- السرائر:60.
الفصل الرابع:فيما يسجد عليه
اشارة

و فيه مسائل:

الاولى عدم جواز السجود على ما ليس بأرض

أطبق الأصحاب على انّه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض، و لا ما ينبت منها-كالجلد،و الصوف،و الشعر،و الحرير-و اجمع العامة على جوازه.

لنا ما رووه في الصحاح عن أنس،قال:كنا نصلي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في شدّة الحرّ،فإذا لم يستطع أحدنا ان يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (1).فدل على انهم كانوا يسجدون على الأرض، و انما يعدلون الى الثوب للضرورة.

و عن خباب،قال:شكونا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا (2).و في بعضها:شكونا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و آنفنا فلم يشكنا (3).فلو كان السجود جائزا على غير الأرض-من ثوب و نحوه-لم يجنحوا الى الشكاية،و لكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشكيهم.

و الآنف-بالمد-جمع أنف،و يجمع على أنوف و آناف.

و عن رافع بن أبي رافع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:«لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضّأ كما أمر اللّه،ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض» (4)،

ص: 138


1- صحيح مسلم 1:433 ح 620.مسند احمد 3:100،سنن الدارمي 1:308،سنن ابن ماجة 1:329 ح 1033،سنن أبي داود 1:177 ح 660.
2- صحيح مسلم 1:433 ح 619.سنن ابن ماجة 1:222 ح 675،مسند احمد 5: 108.
3- السنن الكبرى 2:105،107.
4- سنن أبي داود 1:227 ح 858،السنن الكبرى 2:102،و في الجميع:عن رفاعة بن رافع.

و الأرض حقيقة في المعهودة لا فيما أقل مطلقا.

و اما ما رواه الخاصة فكثير:

فعن هشام بن الحكم قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أخبرني عما يجوز السجود عليه و ما لا يجوز؟قال:«السجود لا يجوز الا على الأرض،أو على ما أنبتت الأرض» (1).

و عن الحلبي عنه عليه السلام:سألته عن الصلاة على البساط من الشعر و الطنافس،قال:«لا تسجد عليه،و ان بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس» (2).

و في التهذيب بإسناده إلى الرضا عليه السلام،قال:«لا تسجد على القفر،و لا على القير،و لا على الصاروج» (3).

الثانية عدم جواز السجود على ما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض

لا يجوز السجود على ما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض -كالمعادن-لزوال الاسم،و روى يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تسجد على الذهب و الفضة» (4)و في مكاتبة أبي الحسن الماضي عليه السلام:«لا تصل على الزجاج،لانّه من الملح و الرمل،و هما ممسوخان» (5)و لان المعهود من صاحب الشرع مواظبة السجود على الأرض لا على شيء من المعادن.

الثالثة عدم جواز السجود على المأكول أو الملبوس عادة

لا يجوز السجود على المأكول عادة كالثمار،و لا على الملبوس عادة،لما روى هشام،و الفضل بن عبد الملك،و حماد بن عثمان،عن أبي

ص: 139


1- الفقيه 1:177 ح 840،علل الشرائع:341،التهذيب 2:234 ح 925.
2- أوردها المحقق في المعتبر 2:117.
3- التهذيب 2:304 ح 1228،الاستبصار 1:334 ح 1254.
4- الكافي 3:332 ح 9،التهذيب 2:304 ح 1229.
5- الكافي 3:332 ح 14،علل الشرائع:342،التهذيب 2:304 ح 1231،باختصار في الألفاظ.

عبد اللّه عليه السلام:«لا يجوز السجود الا على الأرض،و ما أنبتته الأرض، الا ما أكل أو لبس» (1).

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:«لا بأس بالصلاة على البورياء و الخصفة،و كلّ نبات،إلاّ الثمرة» (2).

قلت:البورياء-بضم الباء الموحدة و المدّ مع كسر الراء-فارسية،و هي:

الباري بالعربية،قاله ابن قتيبة.

و عن زرارة عنه عليه السلام في السجود على الزفت-يعني:القير- فقال:«لا،و لا على الثوب الكرسف،و لا على الصوف،و لا على شيء من الحيوان،و لا على طعام،و لا على شيء من ثمار الأرض،و لا على شيء من الرياش» (3).

نعم،روى داود الصرمي قال:سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على الكتان و القطن من غير تقية؟فقال:«جائز» (4)،و به روايات أخر (5)حملها الشيخ على الضرورة من حر أو برد و نحوهما،و على التقية (6).

و المرتضى-رحمه اللّه-في الموصلية أو المصرية الثانية عمل بها،و حمل رواية المنع على الكراهية (7)و حسّنه الشيخ المحقق في المعتبر (8).

و قال الفاضل في المختلف-في المنع من السجود على القطن9.

ص: 140


1- الكافي 3:330 ح 1،الفقيه 1:174 ح 826،177 ح 840،علل الشرائع:341،التهذيب 2:234 ح 924،925،303 ح 1225،الاستبصار 1:331 ح 1241.
2- الفقيه 1:169 ح 800،التهذيب 2:331 ح 1262.
3- الكافي 3:330 ح 2،التهذيب 2:303 ح 1226،الاستبصار 1:331 ح 1242.
4- التهذيب 2:307 ح 1246،الاستبصار 1:332 ح 1246.
5- لاحظ:التهذيب 2:307 ح 1247،1248،الاستبصار 1:332 ح 1247،1248.
6- المصدر السابق.
7- المسائل الموصليات الثانية 1:174.
8- المعتبر 2:119.

و الكتان-:انه قول علمائنا أجمع،فلا يعتد بخلاف المرتضى،مع فتواه بالموافقة في الجمل،و الانتصار،و المصرية الثالثة.و الأخبار محمولة على التقية حتى الأخبار المتضمنة لعدم التقية،أو على الضرورة،كما قاله الشيخ (1).و على هذا العمل إن شاء اللّه.

الرابعة جواز السجود على ما منع منه عند التقيّة و الضرورة

يجوز السجود على ما منع منه عند التقية و الضرورة.روى عيينة عن الصادق عليه السلام جواز السجود على الثوب لشدّة الحرّ (2).و مثله مكاتبة أبي الحسن عليه السلام في السجود على الثوب للحر أو البرد أو لترك ما يكره السجود عليه (3).

و عليه تحمل رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام بجواز السجود على القير و الصهروج (4)لمعارضة الرواية السالفة (5).

و عن أبي جعفر عليه السلام في خائف الرمضاء:يسجد على ثوبه،و مع عدم ثوب على ظهر كفه،قال:«فإنها أحد المساجد» (6).

و روى علي بن يقطين،عن أبي الحسن الأول عليه السلام في السجود على المسح-بكسر الميم-و هو:البلاس-بفتح الباء و كسرها-و البساط، فقال:«لا بأس في حال التقية» (7).

و لا إشكال في جواز السجود على النبات غير المأكول،لما مرّ،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسجد على الخمرة (8)-بضم الخاء المعجمة

ص: 141


1- مختلف الشيعة:86،و راجع:جمل العلم و العمل 3:29،الانتصار:38.
2- التهذيب 2:306 ح 1239،الاستبصار 2:332 ح 1248.
3- التهذيب 2:307 ح 1243،الاستبصار 1:333 ح 1252.
4- الفقيه 1:175 ح 828،التهذيب 2:303 ح 1224،الاستبصار 1:334 ح 1255.
5- تقدمت في ص 139 الهامش 3.
6- التهذيب 2:306 ح 1240،الاستبصار 1:333 ح 1249.
7- الفقيه 1:176 ح 831،التهذيب 2:307 ح 1245،الاستبصار 1:332 ح 1244.
8- مسند احمد 1:269،صحيح البخاري 1:106،صحيح مسلم 1:458 ح 270،سنن ابن ماجة 1:328 ح 1028،الجامع الصحيح 2:151 ح 331.

و سكون الميم-:شيء منسوج من السعف أصغر من المصلّى،قاله الفارابي (1).

و قال الهروي:هي سجادة،بقدر ما يضع عليه الرجل حرّ وجهه في سجوده،من حصير،أو نسيجة من خوص.

و روى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام انّه قال:«كان أبي يصلي على الخمرة،فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (2).

تنبيهان:

الأول: لو عملت الخمرة بخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه،فلا إشكال في جواز السجود عليها.و لو عملت بسيور،فإن كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صحّ السجود أيضا،و لو وقعت على السيور لم يجز،و عليه دلّت رواية محمد بن علي بن الريان،قال:كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية،فكتب الجواز فيما كان معمولا بخيوط لا بسيور (3).

و أطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط (4).

الثاني: علم من ذلك عدم كراهة السجود على شيء ليس عليه سائر الجسد.و رواية غياث بن إبراهيم،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام بالكراهة (5)متروكة مع ضعف السند.1.

ص: 142


1- ديوان الأدب 1:166.
2- الكافي 3:332 ح 11،التهذيب 2:305 ح 1234،الاستبصار 1:335 ح 1529.
3- الكافي 3:331 ح 7،التهذيب 2:306 ح 1238،عن علي بن الريان.
4- المبسوط 1:90.
5- الكافي 3:332 ح 10،التهذيب 2:305 ح 1233،الاستبصار 1:335 ح 1261.
الخامسة:لا يمنع حمل المصلّي شيئا من جنس ما يسجد عليه من جواز

السجود عليه على الأصح،

لدخوله في العموم،و أصالة الجواز.فلو كانت قلنسوته نباتا غير القطن و الكتان،أو كان بين جبهته و بين العمامة ما يصحّ السجود عليه،صحّ.

و منع الشيخ من السجود على ما هو حامل له،ككور العمامة -بفتح الكاف-و طرف الرداء (1).فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق،و ان جعل المانع نفس الحمل-كمذهب بعض العامة (2)- طولب بدليل المنع،مع انّه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في خائف الرمضاء:«يسجد على بعض ثوبه»،فقال:ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله (3).و روى أحمد بن عمر قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحر و البرد أو على ردائه،فقال:

«لا بأس به» (4).

و ان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام في السجود على العمامة:«لا يجزئه حتى تصل جبهته إلى الأرض» (5).

قلنا:لا دلالة فيه على كون المانع الحمل،بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه،و كذا ما رواه طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«انّه كان لا يسجد على الكمّ،و لا على العمامة» (6).

ص: 143


1- الخلاف 1:357 المسألة:113.
2- كمالك و أبي حنيفة،راجع:المجموع 3:425.
3- التهذيب 2:306 ح 1240،الاستبصار 1:333 ح 1249.
4- التهذيب 2:306 ح 1241،الاستبصار 1:333 ح 1251.
5- الكافي 3:334 ح 9،التهذيب 2:86 ح 319.
6- التهذيب 2:310 ح 1255.

نعم،كونه منفصلا أفضل،عملا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده،بل السجود على الأرض أفضل منه على النبات-كالحصر و البواري-إلا مع المانع من الأرض،لرواية إسحاق بن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السجود على الحصر و البواري،فقال:«لا بأس،و ان تسجد على الأرض أحبّ إليّ،فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يحبّ ان يمكّن جبهته من الأرض،فأنا أحبّ لك ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبه» (1).

السادسة:لا كراهة في السجود على المروحة و السواك و العود،

لأنّها في معنى الخمرة.و قد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوازه،و قال:«انما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي تعبد من دون اللّه،و انّا لم نعبد غير اللّه قط،فاسجد على المروحة أو على عود أو سواك» (2).و الأصل في ذلك ما تقدم في جواز السجود على ما ليس عليه سائر الجسد.

السابعة:لا يجوز السجود على ما لا تتمكن الجبهة عليه،

من نحو القطن و الرمل المنهال و الوحل،لأن حقيقة الخضوع لا تتم الا بتمكين الجبهة، و لما مرّ من رواية رافع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)،و لوجوب الطمأنينة و ذلك مانع منها.هذا مع الاختيار.

و روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد فيه،ما هو؟قال:«إذا عرفت الجبهة و لم تثبت على الأرض» (4).

و يستحب زيادة التمكّن،لما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«قال علي عليه السلام:اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها

ص: 144


1- التهذيب 2:311 ح 1263.
2- الفقيه 1:236 ح 1039،التهذيب 2:311 ح 1264.
3- تقدم في ص 138 الهامش 4.
4- الكافي 3:390 ح 13،الفقيه 1:286 ح 1301،التهذيب 2:376 ح 1562.

أثر السجود» (1).

الثامنة جواز السجود على القراطيس و الكواغد المكتوب عليها

روى داود بن فرقد عن أبي الحسن عليه السلام جواز السجود على القراطيس و الكواغد المكتوب عليها (2).

و روى صفوان الجمال:انّه رأى أبا عبد اللّه عليه السلام في المحمل يسجد على قرطاس (3)و في رواية جميل بن دراج عنه عليه السلام:انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتاب (4)لاشتغاله بقراءته.

و لا يكره في حق الأميّ،و لا في القارئ إذا كان هناك مانع من البصر، كذا قاله الشيخ-في المبسوط-و ابن إدريس (5).

و في النفس من القرطاس شيء،من حيث اشتماله على النورة المستحيلة،الا ان نقول:الغالب جوهر القرطاس،أو نقول:جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض.

و يختص المكتوب بان أجرام الحبر مشتملة غالبا على شيء من المعادن،الا ان يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم.و ربما تخيّل ان لون الحبر عرض،و السجود في الحقيقة انما هو على القرطاس.و ليس بشيء،لأنّ العرض لا يقوم بغير حامله،و المداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون.

و ينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات،و فيه نظر.

ص: 145


1- التهذيب 2:313 ح 1375.
2- الاستبصار 1:334 ح 1257.و في التهذيب 2:235 ح 929،309 ح 1250 عن داود بن يزيد،و في الفقيه 1:176 ح 830 عن داود بن أبي يزيد.راجع في ذلك معجم رجال الحديث 7:93.
3- التهذيب 2:309 ح 1251،الاستبصار 1:334 ح 1258.
4- الكافي 3:332 ح 12،التهذيب 2:304 ح 1232،الاستبصار 1:334 ح 1256.
5- المبسوط 1:90،السرائر:57.

فرع:

الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب،فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع،الاّ ان يقال:ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوّز له،و فيه بعد، لاستحالتها عن اسم الأرض.

و لو اتخذ من القطن أو الكتان،أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما، و قد سلف.و أمكن انّ المانع اللبس،حملا للقطن و الكتان المطلقين على المقيّد،فحينئذ يجوز السجود على القرطاس و ان كان منهما،لعدم اعتياد لبسه،و عليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح للبس من القطن و الكتان.

التاسعة حكم وقوع السجدة على ما لا يصح السجود عليه

لو وقعت الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه،فان كان أعلى من لبنة رفعها ثم سجد،لعدم صدق مسمّى السجود.و ان كان لبنة فما دون، فالأولى ان تجرّ و لا ترفع،لئلا يلزم تعدّد السجود.

و على ذلك دلت رواية الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السجود على المكان المرتفع،قال:«ارفع رأسك ثم ضعه» (1).

و روى معاوية بن عمار عنه عليه السلام:«إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها،و لكن جرّها على الأرض» (2).النبكة-بالنون المفتوحة و الباء الموحدة المفتوحة و الكاف-:واحدة النبك،و هي اكمة حديدة الرأس.فيحمل على كونه لبنة فما دون،مع انّه قد روى الحسين بن حماد أيضا عنه عليه السلام في الرجل يسجد على الحصى:«يرفع رأسه حتى يستمكن» (3)،و يمكن حمله على المرتفع.

ص: 146


1- التهذيب 2:302 ح 1219،الاستبصار 1:330 ح 1237.
2- الكافي 3:333 ح 3،التهذيب 2:302 ح 1221،الاستبصار 1:330 ح 1238.
3- التهذيب 2:310 ح 1260.

و يجوز تسوية موضع السجود في أثناء الصلاة،لأنّ ذلك من إعمال الصلاة مع انه ليس بكثير.و روى يونس بن يعقوب انه رأى الصادق عليه السلام يسوّي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (1).و في رواية طلحة بن زيد، عنه عليه السلام،عن أبيه عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كره تنظيم الحصى في الصلاة» (2).فيمكن الجواب من وجهين:

أحدهما:حمل التسوية على كونها طريقا الى تمكّن الجبهة،و التنظيم على مجرّد التحسين.

و ثانيهما:حمل التنظيم على ترتيب خاص زائد على التسوية،مع انّ طلحة بتري أو عامي.

و يجوز مسح الجبهة في الصلاة من التراب،كما رواه حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام،و قال عليه السلام:انّ أباه كان يفعله (3).نعم، الأفضل تأخيره إلى الفراغ من الصلاة،و حينئذ المستحب إزالته،حذرا من النسبة إلى الرياء،و لما فيه من تشويه الخلق.

العاشرة جواز الصلاة على سرير من ساج و السجود عليه

روى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام جواز الصلاة على سرير من ساج و السجود عليه (4)،و في رواية أخرى:لا بأس بالصلاة على سرير و ان قدر على الأرض (5).و الظاهر انّ الأرض أفضل،لما سلف،و لفظة«لا بأس»مشعرة بذلك.

و روى الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب إليّ

ص: 147


1- الفقيه 1:176 ح 834،التهذيب 2:301 ح 1215.
2- التهذيب 2:298 ح 1203.
3- التهذيب 2:301 ح 1216،عن حماد بن عثمان عن عبيد اللّه الحلبي.
4- الفقيه 1:169 ح 799،التهذيب 2:310 ح 1259.
5- التهذيب 2:310 ح 1258.

بخطه:«انّ الماء و النار قد طهراه» (1).

و فيه إشارة إلى جواز السجود على الجص،و في الفرق بينه و بين الصاروج تردّد،و قد سبق النهي عنه،و كذا في طهارته بالماء و النار،لأنّ الاستحالة إن حصلت بالنار لم يجز السجود و الا لم يطهر،و الماء ينجس بوقوعه عليه فكيف يطهّر؟إلاّ أن يقال:الماء مطهر مطلقا،سواء كان واردا أو مورودا عليه،و في الحديث إشارة اليه.و لعل إزالة النار الأجزاء المائية مطهر و ان لم تقع الاستحالة،و قد سبق.

و روى داود الصرمي عن أبي الحسن عليه السلام:«ان أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و ان لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه» (2).و هذا يحتمل ان يضع فوقه ما يصح السجود عليه مع الإمكان،و مع التعذّر يسجد عليه.

و لو وجد ملبوسا من نبات الأرض فهو أولى من الثلج،لأنّ المانع هنا عرضي بخلاف الثلج.و قد روى ذلك منصور بن حازم،عن غير واحد من الأصحاب،عن أبي جعفر عليه السلام:انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج،أ فنسجد عليه؟فقال:«لا،و لكن اجعل بينك و بينه شيئا،قطنا أو كتانا» (3).

الحادية عشرة في تحديد الجبهة

جميع ما ذكرناه انما هو في موضع الجبهة خاصة دون باقي المساجد.

و الواجب فيه مسماه،روى ذلك جماعة منهم:زرارة و بريد،عن الباقر عليه السلام،قال:«الجبهة إلى الأنف،أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود

ص: 148


1- الكافي 3:330 ح 3،الفقيه 1:175 ح 829،التهذيب 2:235 ح 928،306 ح 1237.
2- الكافي 3:390 ح 14،الفقيه 1:169 ح 798،التهذيب 2:310 ح 1256،الاستبصار 1:336 ح 1263.
3- التهذيب 2:308 ح 1247،الاستبصار 1:332 ح 1247.

أجزأك،و السجود عليه كله أفضل» (1).

و عورض برواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في المرأة تطول قصّتها و إذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (2).

قلت:القصّة-بضم القاف و تشديد الصاد المهملة-:شعر الناصية.

و قد يجاب بحمله على الاستحباب،أو على كون الواصل إلى الأرض ينقص عن المسمى،و مثله ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام في الرجل يسجد و عليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض:«لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض» (3)لأن المطلق يحمل على المقيد،فيراد به شيء من الجبهة.

و قدّره في الفقيه-في موضعين-بدرهم (4)و كذا في المقنع (5).و اختاره ابن إدريس رحمه اللّه،و صدّر المسألة بما إذا كان في جبهته علّة (6)فكأنّه يرى ان الاجتزاء بالدرهم مع تعذّر الأكثر.و قد روى في الكافي عن زرارة عن الباقر عليه السلام:«الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود،فأيما سقط من ذلك على الأرض أجزأك،مقدار الدرهم،و مقدار طرف الأنملة» (7).

الثانية عشرة عدم جواز ارتفاع موضع السجود عن الموقف بما يزيد عن لبنة

لا يجوز ان يكون موضع سجوده أرفع من موقفه بما يزيد

ص: 149


1- الكافي 3:333 ح 1،التهذيب 2:298 ح 1199،الاستبصار 1:326 ح 1221.
2- قرب الاسناد:101،التهذيب 2:313 ح 1276.
3- الكافي 3:334 ح 9،التهذيب 2:86 ح 319.
4- الفقيه 1:175،205.
5- المقنع:26.
6- السرائر:47.
7- الكافي 3:333 ح 1.

عن لبنة،و يجوز قدر لبنة،قاله الأصحاب (1)و رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (2)،و مفهوم الشرط يدل على المنع من الزائد،و لانّه يخرج به عن مسمى الساجد.

و في رواية عمار عنه عليه السلام في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض،فقال:«إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له ان يقوم عليه و يسجد على الأرض،و ان كان أكثر من ذلك فلا» (3)و هو دليل على مساواة النزول العلو في موضع الجبهة.

و المستحب تساوي المساجد،لرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ليكن مستويا»و قد سأله عن موضع الجبهة يرتفع عن مقامه (4).

و عن أبي بصير عنه عليه السلام:«اني أحبّ ان أضع وجهي في موضع قدمي»و كره ان يرفع موضع الجبهة (5).

فرع:

اللبنة و الآجرة هي المعتادة في بلد صاحب الشرع و أهل بيته،و المراد به ان تكون موضوعة على أكبر سطوحها،فسمكها جائز علوه و انخفاضه،و قدّرت بأربع أصابع تقريبا.

الثالثة عشرة اشتراط طهارة موضع الجبهة

تشترط طهارة موضع الجبهة إجماعا،و في باقي المساجد خلاف سلف،و المشتبه بالنجس كالنجس إذا كان محصورا.و يشترط في الجميع كونه مملوكا أو مأذونا فيه،لحرمة التصرّف في مال الغير،فلو سجد على

ص: 150


1- راجع:النهاية:83،شرائع الإسلام 1:86.
2- التهذيب 2:313 ح 1271.
3- الكافي 3:411 ح 13،التهذيب 3:307 ح 949.
4- الكافي 3:333 ح 4،التهذيب 2:85 ح 315.
5- التهذيب 2:85 ح 316.

النجس أو المغصوب فكالصلاة في النجس أو في المكان المغصوب في جميع الاحكام.

و لو سجد على غير الأرض و نباتها،أو على المأكول أو الملبوس متعمّدا، بطل و لو جهل الحكم.و لو ظنه غيره أو نسي،فالأقرب الصحة،و لا يجب التدارك و لو كان في محل السجود بل لا يجوز،و لو كان ساجدا جرّ الجبهة.

الرابعة عشرة كراهة نفخ موضع السجود

المشهور كراهة نفخ موضع السجود،و قد روى النهي محمد ابن مسلم عن الصادق عليه السلام (1)و هو محمول على الكراهية،لما رواه أبو بكر الحضرمي عنه عليه السلام:«لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا» (2).

و في مرسل إسحاق بن عمار عنه عليه السلام:لا بأس بنفخ موضع السجود (3)،فيحمل على نفي التحريم،أو على ما لم يؤذ.

و لو ادّى الى النطق بحرفين كان حراما قاطعا للصلاة.

الخامسة عشرة حكم ما لو خيف من السجود على الأرض

لو كان في ظلمة،و خاف من السجود على الأرض حية أو عقربا أو مؤذيا،و لم يكن عنده شيء يسجد عليه غير الثوب،جاز السجود عليه،للرواية (4)و لوجوب التحرّز من الضرر المظنون كالمعلوم.

و لو تعذّر الثوب و خاف على بقية الأعضاء جاز الإيماء،و كذا في كل موضع يتعذّر ما يسجد عليه.و الأقرب وجوب الإيماء الى ما يقارب السجود الحقيقي،لأنّه أقرب اليه.

و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يومئ في المكتوبة إذا لم يجد ما يسجد عليه،و لم يكن له موضع يسجد فيه،قال:«إذا كان هكذا فليومئ

ص: 151


1- التهذيب 2:302 ح 1222،الاستبصار 1:329 ح 1235.
2- التهذيب 2:329 ح 1351،الاستبصار 1:330 ح 1236.
3- الفقيه 1:177 ح 838،التهذيب 2:302 ح 1220،الاستبصار 1:329 ح 1234.
4- فقه الرضا:114.

في الصلاة كلها» (1).

و روى أيضا عنه في الرجل يصيبه مطر و هو في موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين،و لا يجد موضعا جافا،قال:«يفتتح الصلاة،فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى،فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماء و هو قائم،يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة» (2)و يحمل على عدم تمكنه من الجلوس.

و روى في التهذيب:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى في يوم و حل و مطر في المحمل» (3)رواه جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام.و في رواية أخرى عنه عليه السلام:«صلّى اللّه صلّى اللّه عليه و آله على راحلته الفريضة في يوم مطير» (4).و قيّده في مكاتبة أبي الحسن عليه السلام ب«الضرورة الشديدة» (5).

و روى أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليومئ إيماء» (6).و في مضمر سماعة في الأسير يمنع من الصلاة،قال:«يومئ إيماء» (7).

السادسة عشرة جواز السجود على غير الأرض

قال ابن بابويه في الفقيه:قال الصادق عليه السلام:

«السجود على الأرض فريضة،و على غير ذلك سنة» (8)و الظاهر انّ المراد بالسنة هنا الجائز لا انّه أفضل.

ص: 152


1- التهذيب 2:311 ح 1265،3:175 ح 389.
2- التهذيب 2:312 ح 1266،3:175 ح 390.
3- التهذيب 3:232 ح 602.
4- الفقيه 1:285 ح 1294،التهذيب 3:231 ح 599.
5- التهذيب 3:231 ح 600.
6- الفقيه 1:159 ح 745،التهذيب 3:175 ح 388.
7- الفقيه 1:159 ح 746،و في التهذيب 2:382 ح 1592 عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
8- الفقيه 1:174 ح 824،و في التهذيب 2:235 ح 926.

قال:و قال عليه السلام:«السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة،و من كانت معه سبحة من طين قبره عليه السلام كتب مسبحا و ان لم يكن يسبّح بها» (1).

قال:و روى عن علي بن يحيى انّه قال:رأيت جعفر بن محمد عليه السلام كلما سجد و رفع رأسه أخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض (2).

قال:و قال هشام بن الحكم لأبي عبد اللّه عليه السلام:ما العلة في ذلك؟يعني المنع من السجود على ما أكل أو لبس،قال عليه السلام:«لأنّ السجود هو الخضوع للّه،و أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون،و الساجد في سجوده في عبادة اللّه تعالى لا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها،و السجود على الأرض أفضل،لأنّه أبلغ في التواضع و الخضوع للّه عز و جل» (3).

السابعة عشرة حكم السجود على الحنطة و الشعير قبل الطحن

جوّز الفاضل السجود على الحنطة و الشعير قبل الطحن، لأنّ القشر حاجز بين المأكول و الجبهة (4).

و يشكل بجريان العادة بأكلها غير منخولة و خصوصا الحنطة،و خصوصا الصدر الأول،فالأقرب المنع.

و قوّى جواز السجود على الكتان قبل غزله و نسجه،و توقّف فيه بعد غزله (5).و جوّز السجود على القنب،لعدم اعتياد لبسه،و توقف فيما لو اتخذ منه ثوب.و الظاهر القطع بالمنع،لانّه معتاد اللبس في بعض البلدان.

و منع الشيخ في المبسوط من السجود على الرماد،و المنع من السجود

ص: 153


1- الفقيه 1:174 ح 825.
2- الفقيه 1:176 ح 835 عن علي بن بجيل.
3- الفقيه 1:177 ح 840،و في علل الشرائع:341.
4- تذكرة الفقهاء 1:92.
5- تذكرة الفقهاء 1:92.

على الصاروج (1)يستلزم المنع من السجود على النورة بطريق الأولى.0.

ص: 154


1- المبسوط 1:89-90.
الباب السادس:
اشارة

في القبلة

و فصوله ثلاثة:

الفصل الأول:في الماهية.
اشارة

قال اللّه تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1).

روى علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة،و بعد هجرته صلّى بالمدينة إليه سبعة أشهر،ثم وجّهه اللّه الى الكعبة،و ذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يقولون له:أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا.فاغتمّ لذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و خرج في جوف الليل ينظر الى آفاق السماء ينتظر من اللّه تعالى في ذلك أمرا،فلما أصبح و حضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين،فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه و حوله إلى الكعبة و انزل عليه قَدْ نَرى الآية، فكان صلى ركعتين الى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة» (2).

و في الفقيه مثله،الا انّه قال:«صلّى بالمدينة تسعة عشر شهرا»،و زاد:

«انه بلغ قوما بمسجد المدينة و قد صلوا من العصر ركعتين فتحولوا»،قال:

و يسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين (3).

و روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى معاوية بن عمار،عن أبي عبد اللّه

ص: 155


1- البقرة:144.
2- تفسير القمي 1:63.
3- الفقيه 1:178 ح 843.

عليه السلام:ان صرفه إلى الكعبة كان بعد رجوعه من بدر (1).

و عن الحلبي عنه عليه السلام:«ان بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس،فقيل لهم:انّ نبيكم قد صرف إلى الكعبة،فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء،و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة،فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين» (2).

و روى العامة ما يقرب من هذا،و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله تحول في أثناء صلاته بمسجد بني سلمة،و قد صلى ركعتين بأصحابه من صلاة الظهر (3)و لكن في رواية أنس:تسعة أشهر أو عشرة أشهر (4)تقدير ما صلّى بالمدينة إلى بيت المقدس.و في رواية البراء بن عازب:ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا (5).و عن معاذ بن جبل:ثلاثة عشر شهرا (6).

و في مسند مسلم ان ابن عمر قال:بينما الناس في صلاة الصبح بقبا إذ جاءهم آت فقال:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد انزل عليه الليلة و قد أمر ان تستقبل الكعبة فاستقبلوها،و كانت وجوههم الى الشام فاستداروا إلى الكعبة (7).

و عن أنس:فمر رجل من بني سلمة و هم ركوع في صلاة الفجر و قد صلّوا3.

ص: 156


1- التهذيب 2:43 ح 135.
2- التهذيب 2:43 ح 138،عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام.
3- الطبقات الكبرى 1:241.
4- جامع البيان 2:4.
5- صحيح البخاري 1:110،صحيح مسلم 1:374 ح 525،الجامع الصحيح 2:169 ح 340،سنن الدار قطني 1:273،السنن الكبرى 2:1.
6- جامع البيان 2:4.
7- صحيح البخاري 1:111،صحيح مسلم 1:375 ح 526،سنن النسائي 2:61،سنن الدار قطني 1:273.

ركعتين (1)،فنادى:الا انّ القبلة قد حولت،فمالوا هم كما هم نحو القبلة (2).

و زعم بعض العامة ان ذلك كان في رجب بعد زوال الشمس قبل بدر بشهرين (3).

و روى المفسرون:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة امامه ليستقبلها أيضا،و أسندوه الى ابن عباس (4).

و نقلوا أيضا:انّ قبلته بمكة كانت الكعبة،فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس،فكان صلّى اللّه عليه و آله يتوقع من ربّه أن يحوله إلى الكعبة،لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام و هي أسبق القبلتين،و لان ذلك أدعى للعرب الى الايمان،لأنّ الكعبة مفخرهم و مطافهم و مزارهم،و لمخالفة اليهود (5).

و المراد بالشطر:النحو،قال (6):

و أطعن بالقوم شطر الملوك *** حتى إذا حقق المجدح

ثم

هنا مسائل:
الأولى:يجب التوجه إلى الكعبة إجماعا،

و للنص.و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً :«أمر أن يقيم وجهه للقبلة،ليس فيه شيء من عبادة الأوثان» (7).

و روي عنه أيضا في قوله تعالى أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أنّه إلى القبلة (8).

ص: 157


1- كذا،و في المصادر:ركعة.
2- صحيح مسلم 1:375 ح 527،سنن أبي داود 1:274 ح 1045.
3- جامع البيان 2:3.
4- التفسير الكبير 4:124،مجمع البيان 1:227.
5- التفسير الكبير 4:124،مجمع البيان 1:227.
6- القائل هو درهم بن زيد الأنصاري،راجع لسان العرب 2:421.
7- التهذيب 2:42 ح 133،و الآية في سورة الروم:30.
8- التهذيب 2:43 ح 134،و الآية في سورة الأعراف:28.

و روى أسامة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما صلى خرج من الكعبة، قال:«هذه القبلة» (1).

الثانية في كيفية التوجه إلى القبلة مع اختلاف مقامات المصلي

تختلف مقامات المصلّي،فالقائم في وسطها يستقبل أي جزء شاء منها،و كذا القائم على سطحها،و يبرز بين يديه شيئا منها.

و المصلّي ورائها مشاهدا يستقبل أي جدرانها شاء.

و المصلّي في سرداب يجب عليه استقبال جهتها،و كذا المصلّي على أعلى منها-كجبل أبي قبيس،و روى في التهذيب بإسناده إلى خالد عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة،فقال:

«لا بأس» (2).و روى عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام انه سئل عن الصلاة فوق أبي قبيس هل تجزئ؟فقال:«نعم،انها قبلة من موضعها الى السماء» (3)- و المصلي من غير مشاهدة و لا حكمها.

الثالثة:يجب معرفة القبلة على الأعيان،

لتوقف الواجب عينا عليها، و كفاية في مواضع فروض الكفاية،و يستحب في مواضع الاستحباب،و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

الرابعة في اختصاص اعتبار الجهة لغير المشاهد و من بحكمه

الأصح ان الجهة معتبرة لغير المشاهد و من بحكمه،لأنّ الشطر النحو كما مرّ،و لانّه لو اعتبرت العين مع البعد لزم بطلان صلاة الصف المستطيل الذي يخرج عن سمت الكعبة،و اعتبار المسجد لأهل الحرم يلزم منه بطلان صلاة صف في الحرم يزيد طوله على مساحة المسجد،و اعتبار الحرم للخارج يلزم منه ذلك،لأنّ قبلة كل إقليم واحدة،و معلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم.

ص: 158


1- مسند احمد 5:201،صحيح مسلم 2:968 ح 1330،سنن النسائي 5:220،السنن الكبرى 2:8.
2- الكافي 3:391 ح 19،التهذيب 2:376 ح 1565.
3- التهذيب 2:383 ح 1598.

و أكثر الأصحاب على انّ الكعبة قبلة أهل المسجد الذي هو قبلة أهل الحرم الذي هو قبلة أهل الدنيا (1)،حتى ادّعى الشيخ فيه الإجماع (2).

و قد روي من طريق العامة عن مكحول بسنده انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«الكعبة قبلة لأهل المسجد،و المسجد قبلة لأهل الحرم،و الحرم قبلة لأهل الدنيا» (3).

و من طريق الخاصة رواه أبو الوليد الجعفي عن الصادق عليه السلام (4)و أرسله عبد اللّه بن محمد الحجال عنه عليه السلام (5)،و المفضل بن عمر (6)و سيأتي حديثه.

و أجاب في المعتبر:بأن الإجماع كيف يتحقق مع مخالفة جماعة من أعيان فضلائنا-يعني به كالمرتضى و ابن الجنيد،و تبعهما أبو الصلاح و ابن إدريس-و اما الاخبار فضعيفة الإسناد (7).

قلت:لعل ذكر المسجد و الحرم إشارة إلى الجهة فيرتفع الخلاف، و الاخبار إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل الى ردّها.

فإن قلت:عين الحرم غير كافية لما مر.

قلت:ذكره على سبيل التقريب الى إفهام المكلفين،و إظهار لسعة الجهة،و ان لم يكن ملتزما.و لأنّ كل مصل انما عليه سمته المخصوص،2.

ص: 159


1- راجع:المبسوط 1:77،النهاية:62،المهذب 1:84،الوسيلة:82،المراسم:60، الغنية:494.
2- الخلاف 1:295 المسألة 41.
3- السنن الكبرى 2:10 عن ابن عباس.
4- التهذيب 2:44 ح 140.
5- الفقيه 1:177 ح 841،التهذيب 2:44 ح 139.
6- الفقيه 1:178 ح 842،التهذيب 2:44 ح 142.
7- المعتبر 2:66.و راجع:جمل العلم و العمل 3:29،الكافي في الفقه:138،السرائر: 42.

و ليس عليه اعتبار طول الصف أو قصره،مع ان الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.

و قد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا،قال:

«قد مضت صلاته،و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).

و في الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام انّه قال:«لا صلاة الاّ الى القبلة».قلت:و اين حدّ القبلة؟فقال:«ما بين المشرق و المغرب كله قبلة» (2).

و هذا نص على الجهة.

فرع:

المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة:انّ الجنوب قبلة لأهل الشمال و بالعكس،و المشرق قبلة لأهل المغرب و بالعكس (3)لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة،و هو ممتنع.على انّ الخلاف هنا قليل الجدوى،لأنّه ان أريد به قصد المصلّي فالواجب عليه التوجه و ان لم يخطر قصد الجهة أو العين بباله،و ان أريد به تحقيق موقف المصلّي فلا يحصل بهذا الخلاف مغايرة فيه،و ان أريد به تحقيق التياسر الذي يأتي فسيأتي ما فيه.

الخامسة حكم ما لو زالت عين الكعبة و العياذ باللّه

العين انما تعتبر مع المشاهدة إذا كانت موجودة،فلو زالت -و العياذ باللّه-كفت جهتها أيضا،و تعتبر حينئذ الجهة التي تشتمل على العين لا أزيد منها.فلو لم يبق لها رسم،و لا من يعلم مقدارها،فطريق الاحتياط لا يخفى.

ص: 160


1- الفقيه 1:179 ح 846،التهذيب 2:48 ح 157،الاستبصار 1:297 ح 1095.
2- الفقيه 1:180 ح 855.
3- قاله أبو حنيفة،لاحظ:فتح العزيز 3:242.

و لا يحتاج المصلي هنا إلى سترة،لبقاء القبلة حقيقة.و كذا لو صلّى داخلها الى الباب المفتوح لم يحتج الى ذلك،سواء كانت العتبة باقية أو لا، و كذا على سطحها،بل يبرز بين يديه في الموضعين قليلا منها،بحيث إذا سجد بقي أمامه جزء يسير.

و الشيخ في الخلاف يوجب على المصلّي في السطح الاستلقاء-كما سلف محتجا بالإجماع.و يشكل بمخالفته في المبسوط (1)،و بالرواية عن الرضا عليه السلام (2).و قد مرّ الجواب في المكان (3).

و الخلاف في السطح في الفريضة كالخلاف في جوفها،و مع الضرورة تجوز الفريضة (4)فيهما إجماعا.و إذا صلّى وسطها استقبل أي جدرانها شاء، قال في الفقيه:الأفضل ان يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء،و يستقبل الحجر الأسود (5).

فرع:

لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة حتى خرج عن الكعبة،بطلت صلاة الخارج،لعدم أجزاء الجهة هنا.و لو استداروا صحّ،للإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة.نعم،يشترط ان لا يكون المأموم أقرب الى الكعبة من الامام.

السادسة:يتوجه أهل كل إقليم إلى جهة ركنهم،

و لكل علامات مشهورة،و المأمور عن أهل البيت عليهم السلام ذكر علامة أهل المشرق،

ص: 161


1- المبسوط 1:85.
2- الخلاف 1:441 المسألة:188. و تقدمت رواية الرضا عليه السلام في ص 87 الهامش 2.
3- تقدم في ص 87.
4- في س:الصلاة.
5- الفقيه 1:178.

بحسب سؤال أهله إذ أكثر الرواة منهم.

روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام حيث سأله عن القبلة، فقال:«ضع الجدي في قفاك وصل» (1).

و قال في الفقيه:قال رجل للصادق عليه السلام:اني أكون في السفر و لا أهتدي للقبلة،فقال له:«أ تعرف الكوكب الذي يقال له الجدي».قال:نعم.

قال:«اجعله على يمينك،فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكتفين» (2).

و من أمارات المشرق موازاة المنكب الأيسر للفجر،و الأيمن للشفق.

و منها كون عين الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن.

و اما غيرهم فقد ذكر الأصحاب و غيرهم (3)لهم أمارات أكثرها مأخوذ من علم الهيئة،و هي مفيدة للظن الغالب بالعين و للقطع بالجهة،و هي تارة بالكواكب و تارة بالرياح،و أضعفها الرياح لاضطراب هبوبها،و المعوّل عليه منها أربع:

الجنوب:و محلها ما بين مطلع سهيل الى مطلع الشمس في الاعتدالين،و الظاهر انّها في البلاد الشامية تستقبل بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه الى يمينه،و يجعلها اليمني على مرجع الكتف اليمنى.

و ثانيها:الصبا،و محلها ما بين مطلع الشمس الى الجدي،و هي قد تقع على ظهر المصلّي،و قد يقال ان مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يجعله الشامي على الخد الأيسر.

و ثالثها:الشمال،و محلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال،و تمرّ الى مهب الجنوب كما ان الجنوب تمرّ الى مهب الشمال، و يجعلها الشامي على الكتف اليمني.1.

ص: 162


1- التهذيب 2:45 ح 143.
2- الفقيه 1:181 ح 860.
3- راجع المبسوط 1:77،المعتبر 2:69،التذكرة 1:101،المغني 1:493،الشرح الكبير 1:521.

و رابعها:الدبور،و هي من مغرب الشمس الى سهيل،و هي مقابلة للصبا،و تكون على صفحة وجه المصلي اليمني.

و هذه العلامات يتقارب فيها أهل العراق و الشام،لاتساع زوايا الرياح.

و أما الكواكب فأوثق من الرياح،قال تعالى وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (1).فأقواها القطب الشمالي،و هو نقطة مخصوصة يدور عليها الفلك،و أقرب الكواكب إليها نجم خفي في بنات نعش الصغرى حوله أنجم دائرة،في أحد طرفيها الفرقدان و في الآخر الجدي،و بين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق و ثلاثة من أسفل،تدور حول القطب في كل يوم و ليلة دورة واحدة،فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.

و ذلك النجم الخفي لا يكاد يراه الا حديد النظر،و هو لا يتغير عن مكانه الا يسيرا لا يتبين للحس،إذا استدبر في الأرض الشامية حصل الاستقبال، و ينحرف في مشارق الشام-كدمشق و ما قاربها-الى اليسار قليلا،و كلما قرب الى المغرب كان انحرافه أكثر،و في حران و ما يواليها يكون القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف،و يجعله العراقي بحذاء ظهر اذنه اليمنى على علوها فيكون مستقبلا باب الكعبة.

و يخلف القطب الجدي-مكبرا،و أهل الهيئة يصغرونه ليتميز عن البرج- فيجعله العراقي إذا كان في موازاة القطب خلف منكبه الأيمن و الشامي خلف الكتف اليسرى و اليمني يجعله بين العينين،و المغربي على الخدّ الأيسر.

و تعلم استقامة الجدي إذا كان الى الأرض،و الفرقدان الى السماء، و بالعكس.اما إذا كان أحدهما في المشرق،أو فيما بين المشرق و المغرب، فالاعتبار بالقطب.

و القطب-كما مر-في أنجم دائرة حوله على هيئة السمكة،الجدي6.

ص: 163


1- سورة النحل:16.

رأسها و الفرقدان ذنبها،فمتى كانت السمكة منتصبة رأسها مما يلي السماء، و ذنبها مما يلي الأرض،أو بالعكس،فالجدي حينئذ علامة.و إذا استقبل الجدي في هذه الحالة،أو القطب في العراق و كان على مؤخر العين اليسرى، فذلك دبر القبلة.

و من العلامات:سهيل،و هو يكون وقت طلوعه بين عيني الشامي، و وقت غيبوبته على عينه اليمينى،و يجعله اليمني غائبا بين كتفيه.

و منها:بنات نعش،فيجعلها الشامي غائبة خلف الاذن اليمنى.

و منها:الثريّا و العيوق،فيجعلهما المغربي على اليمين و اليسار عند طلوعهما.

و منها:الشمس،و هي تكون متوسطة شتاء في قبلة المصلي تقريبا، وصيفا مسامتة لرأسه.

و منها:القمر،و هو يكون عند الغروب ليلة السابع من الشهر مقارنا للقبلة أو مائلا عنها يسيرا،و يكون عند طلوع الفجر قبلة أيضا تقريبا ليلة احدى و عشرين.

فائدة:

ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي-و هو من أجلاء فقهائنا- في كتاب(إزاحة العلة في معرفة القبلة):ان العراق و خراسان و ما كان في حدود -مثل:الكوفة،و بغداد،و حلوان،إلى الري،و مرو،و خوارزم-يستقبلون الباب و المقام.و يستدل عليها بجعل الجدي إذا طلع خلف المنكب الأيمن، و الهقعة (1)إذا طلعت بين الكتفين،و الدبور مقابلة الصبا على يمينه،و الجنوب على يساره.

ص: 164


1- في البحار 84:77 عن إزاحة العلة«الهنعة». و انظر لسان العرب 8:373،377.

و أهل سميساط (1)و الجزيرة الى باب الأبواب يتوجهون الى حيث يقابل ما بين الركن الشامي إلى نحو المقام.و علامتهم جعل بنات نعش خلف الاذن اليمنى،و العيوق إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و سهيل إذا بدا للمغيب بين العينين،و الجدي إذا طلع بين الكتفين،و المشرق على يده اليسرى،و الصبا على مرجع الكتف اليسرى،و الشمال على صفحة الخد الأيمن،و الدبور على العين اليمنى،و الجنوب على العين اليسرى.

و أهل الشام الى منتهى حدوده،يستقبلون الميزاب الى الركن الشامي.

و علامتهم جعل بنات نعش غائبة خلف الاذن اليمنى،و الجدي طالعا خلف الكتف اليسرى،و مغيب سهيل على العين اليمنى،و طلوعه بين العينين، و المشرق على عينه اليسرى،و الصبا على الخد الأيسر،و الشمال على الكتف اليمنى،و الدبور على صفحة الخد الأيمن،و الجنوب مستقبل الوجه.

و أهل مصر و الإسكندرية و القيروان الى السوس الأقصى،من المغرب الى البحر الأسود،يستقبلون ما بين الركن الغربي إلى الميزاب.و علامتهم جعل الصليب إذا طلع بين العينين،و بنات نعش إذا غابت بين الكتفين، و الجدي إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و الصبا على المنكب الأيسر،و الشمال بين العينين،و الدبور على اليمنى من اليدين،و الجنوب على اليسرى من العينين.

و أهل الحبشة و النوبة،يستقبلون ما بين الركن الغربي و اليماني، و علامتهم جعل الثريا و العيوق طالعين على اليمين و الشمال،و الشولة إذا غابت بين الكتفين،و الجدي على صفحة الخد الأيسر،و المشرق بين العينين، و الصبا على العين اليسرى،و الدبور على المنكب الأيمن،و الجنوب علىه.

ص: 165


1- في معاجم البلدان:بلدان متقاربان هما شمشاط و سميساط. انظر مراصد الاطلاع 2:741،811 و غيره.

العين اليمنى.

و أهل الصين و اليمن و التهائم الى صنعاء و عدن و حضرموت الى البحر الأسود،يستقبلون المستجار و الركن اليماني.و علامتهم جعل الجدي إذا طلع بين العينين،و سهيل إذا غاب بين الكتفين،و المشرق على الاذن اليمنى، و الصبا على صفحة الخد الأيمن،و الشمال على العين اليسرى،و الدبور على المنكب الأيسر،و الجنوب على مرجع الكتف اليمنى.

و أهل السند و الهند و الملتان،يستقبلون ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود.و علامتهم جعل بنات نعش طالعة على الخد الأيمن،و الجدي إذا طلع على الاذن اليمنى،و الثريا إذا غابت على العين اليسرى،و سهيل إذا طلع خلف الاذن اليسرى،و المشرق على اليد اليمنى،و الصبا على صفحة الخد الأيمن،و الشمال قبالة الوجه،و الدبور على المنكب الأيسر،و الجنوب بين الكتفين.

و أهل البصرة و الأهواز و فارس و سجستان الى التبت الى الصين، يستقبلون ما بين الباب و الحجر الأسود.و علامتهم جعل النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين،و الجدي إذا طلع على الخد الأيمن،و الشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه،و المشرق على أصل المنكب الأيمن،و الصبا على الاذن اليمنى، و الشمال على العين اليمنى،و الدبور على الخد الأيسر،و الجنوب بين العينين.

تنبيهات:
الأول:أكثر الأصحاب ذكر خراسان في قبلة أهل العراق،و حكم باتحاد

العلامات (1).

و بلغني أن بها محرابا للإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام،فان صحّ النقل فلا عدول عنه،و الا فالأولى جواز الاجتهاد في التيامن و التياسر و ان كان الاستقبال الى الركن العراقي،و كلام الأصحاب لا ينافيه.

ص: 166


1- راجع:المقنعة:14،النهاية:63،المراسم:61.
الثاني:لا اجتهاد في محراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في جهة

القبلة،

و لا في التيامن و التياسر،فإنّه منزّل منزلة الكعبة،و روي انّه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (1)،و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله معصوم لا يتصوّر منه الخطأ،و عند من جوز من العامة لا يقرّ عليه،فهو صواب قطعا،فيستقبله معاينة و تنصب المحاريب هناك عليه.و في معنى المدينة كل موضع تواتر انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى فيها إلى جهة معينة مضبوطة الآن.

و كذا لا اجتهاد في المسجد الأعظم بالكوفة في التيامن و لا في التياسر، لمثل ما قلناه في النبي صلّى اللّه عليه و آله،لوجوب عصمة الإمام كالنبي صلّى اللّه عليهما،و قد نصبه أمير المؤمنين و صلّى اليه هو و الحسن و الحسين عليهم السلام.

و اما محراب مسجد البصرة فنصبه عتبة بن غزوان،فهو كسائر محاريب الإسلام.و ربما قيل بمساواته مسجد الكوفة،لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى فيه و جمع من الصحابة،فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في مسجد البصرة،و هو قوي.

و اما مسجد المدائن فصلّى فيه الحسن عليه السلام،فان كان المحراب مضبوطا فكذلك.

و بمشهد سرّ من رأى صلوات اللّه على مشرفيه مسجد منسوب الى الامام الهادي عليه السلام فلا اجتهاد في قبلته أيضا ان كانت مضبوطة.

و لو تخيّل الماهر في أدلّة القبلة تيامنا و تياسرا في محراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و محراب أمير المؤمنين عليه السلام فخياله باطل،لا يجوز له و لا لغيره العمل به.

ص: 167


1- وفاء الوفا 1:365 عن ابن النجار.
الثالث:المحاريب المنصوبة في مساجد المسلمين،

و في الطرق التي هي جادتهم،يتعيّن التوجّه إليها،و لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا.

و هل يجوز في التيامن و التياسر؟الأقرب جوازه،لأنّ الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق و اتفاقهم ممتنع،أما الخطأ في التيامن و التياسر فغير بعيد،و عن عبد اللّه بن المبارك انّه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج (1).و وجه المنع:انّ احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال اصابة الواحد،و قد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق و ان فيها تياسرا عن القبلة،مع انطواء الأعصار الماضية على عدم ذلك.

و جاز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك لانّه غير واجب عليهم،فلا تدل مجرد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم،و انما يعارض اجتهاد العارف ان لو ثبت وجوب الاجتهاد على الكثير أو ثبت وقوعه،و كلاهما في حيز المنع، بل لا يجب الاجتهاد قطعا،بل لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.

نعم،يجب الاجتهاد في العلامات المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين بها،أو يستوي فيها مرور المسلمين و الكفار،و كذا في قرية خربة لا يدرى انّها من بناء المسلمين أو الكفار.

الرابع:الأقرب انّ قبور المسلمين بمثابة العلامات المنصوبة

في الطرق المسلوكة للمسلمين،و لو شك في القبر فلا تعويل،و هذا كله مع عدم علم الغلط في ذلك،فلو علمه وجب الاجتهاد في مواضعه.

و لا فرق بين محراب صلاة العيد و غيرها من الصلوات،إذ اجتماع المسلمين حاصل في الجميع.

الخامس:القائم بمكة للصلاة تجب عليه مشاهدة الكعبة،

لقدرته على

ص: 168


1- راجع فتح العزيز 3:224.

اليقين.و في حكم المعاينة إذا نصب محرابا بعد المعاينة،فإنه يصلي إليه دائما،لأنّه يتيقن الصواب.و كذا الذي نشأ بمكة و يتيقن الإصابة،و لو شك وجبت المعاينة بالترقي إلى سطح الدار.

و لا يكفي الاجتهاد هنا بالعلامات،لانّه عدول من يقين الى ظن مع قدرته على اليقين،و انه غير جائز.

نعم،لو تعذر عليه ذلك-كالمحبوس،أو خائف ضيق الوقت-جاز الاجتهاد،و كذا من هو في نواحي الحرم،فلا يكلف للصعود الى الجبال ليرى الكعبة،و لا الصلاة في المسجد ليراها،للحرج،بخلاف الصعود على السطح،و لان الغرض هنا المعاينة قبل حدوث الحائل فلا يتغير بما طرأ منه.

قالوا:فيه مشقة (1).

قلنا:مطلق المشقة ليست مانعة،و الا لارتفع التكليف.

و أوجب الشيخ و الفاضل صعود الجبل مع القدرة (2)و هو بعيد،و الاّ لم تجز الصلاة في الأبطح و شبهه من المنازل الا بعد مشاهدة الكعبة،لأنه متمكن و لعله أسهل من صعود الجبل.

السادس:ظاهر كلام الأصحاب انّ الحجر من الكعبة بأسره (3)

السادس:ظاهر كلام الأصحاب انّ الحجر من الكعبة بأسره(3) و قد دل عليه النقل انه كان منها في زمن إبراهيم و إسماعيل الى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه،و كان كذلك في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة (4)و بذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده و رده الى ما

ص: 169


1- المجموع 3:213.
2- المبسوط 1:78،تذكرة الفقهاء 1:101.
3- راجع:المبسوط 1:357،المهذب 1:233،شرائع الإسلام 1:267.
4- صحيح البخاري 2:179،صحيح مسلم 2:968 ح 1333،الجامع الصحيح 3:225 ح 875،سنن النسائي 5:216.

كان (1)و لأنّ الطواف يجب خارجه.

و للعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها (2)و في الطواف خارجه (3).و بعض الأصحاب له فيه كلام أيضا (4)مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف.و انّما الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده، فعلى القطع بأنّه من الكعبة يصح و الا امتنع،لانه عدول عن اليقين الى الظن.

السابع:لو وقف المصلّي على طرف من أطراف الكعبة،

فحاذاها ببعض بدنه و البعض الآخر خارج عن المحاذاة،فليس بمستقبل،لصدق انه انما استقبل ببعضه.و لبعض العامة وجه بالصحة اكتفاء باستقباله بوجهه (5)و هو ضعيف،لأنّ الوجه بعضه.

ص: 170


1- صحيح مسلم 2:968 ح 1333.
2- راجع:المجموع 8:25،المغني 3:402.
3- راجع:المجموع 8:25،المغني 3:402.
4- لعله العلامة في التذكرة 1:36 حجري. و انظر الحدائق الناظرة 16:104 و ما بعدها و جواهر الكلام 19:292.
5- المجموع 3:200.
الفصل الثاني:في المستقبل
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى:لا يجوز الاجتهاد للقادر على العلم،

لانّه عدول عن اليقين.و لا يجوز للقادر على الاجتهاد التقليد،إذ الحجة أقوى من قول الغير،و لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (1)و الإجماع منعقد على انه يبني على غلبة ظنه،قاله في التذكرة (2).

و في مضمر سماعة-بطريقين في التهذيب-:«اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك» (3)و ظاهر الشيخ فيه ان الاجتهاد لا يكون الا عند الضرورة (4)،و كأنّه يريد بها عند تعذّر الصلاة الى أربع جهات،كما هو ظاهره في الخلاف (5).

و لو اجتهد و أخبر بخلافه،أمكن العمل على أقوى الظنّين،لانه راجح، و هو قريب.و وجه المنع انّه ليس من أهل التقليد.

و نعني بالمجتهد هنا العارف بأدلة القبلة المذكورة و غيرها.

و لو خاف فوت الوقت بالاجتهاد أمكن جواز التقليد،لانّه موضع ضرورة.

و ظاهر الأصحاب وجوب الصلاة الى أربع جهات مع الإمكان،و الاّ فإلى المحتمل (6)لمرسلة خداش عن الصادق عليه السلام،قلت:انّ هؤلاء المخالفين يقولون:إذا أطبقت علينا و أظلمت و لم نعرف السماء كنا و أنتم سواء

ص: 171


1- الكافي 3:285 ح 7،التهذيب 2:45 ح 146،الاستبصار 1:295 ح 1087.
2- تذكرة الفقهاء 1:102.
3- (التهذيب 2:46 ح 147،148،و في الكافي 3:284 ح 1،و الفقيه 1:143 ح 667.
4- التهذيب 2:45.
5- الخلاف 1:302،المسألة 49.
6- المبسوط 1:78،المعتبر 2:70،تذكرة الفقهاء 1:103.

في الاجتهاد!فقال:«ليس كما يقولون،إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه» (1).

و الأول يلوح من المختلف (2).

و لو خفيت الأمارات على المجتهد للغيم و شبهه،أو تعارضت عنده فتحيّر،احتمل جواز التقليد أيضا،لعجزه عن تحصيل الجهة فهو كالعاجز عن الاجتهاد،و اختاره في المختلف (3).

و الظاهر:وجوب الأربع،لأنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، و العارض سريع الزوال.

و لو قلنا:بجواز تقليده غيره فلا قضاء عندنا،إذ هو في معنى العاجز عن الاجتهاد،و له الصلاة في أول الوقت و ان توقّع زوال العذر،كما مرّ في اولي الاعذار.

و يجيء على قول المرتضى وجوب التأخير (4)مع إمكان القطع هنا بوجوب التأخير،لأنّ العارض عرضة للزوال،فهو أبلغ من تأخير فاقد الماء لتوقعه، و حينئذ تؤخّر إلى قدر الجهات الأربع فيصلي إليها.و لو منع عن الصلاة الى بعض الجهات سقطت.

الثانية حكم العاجز عن الاجتهاد:

اما ان لا يمكنه التعلم-كالمكفوف- فالأقرب جواز التقليد له،إذ هو كالعامي في الأحكام الشرعية،إذ أدلة القبلة مرئية و لا طريق إلى الرؤية.

و في الخلاف:يصلي الى أربع،و قال فيه و في العامي:إذا كان الحال ضرورة جاز أن يرجعا الى غيرهما،و ان خالفاه كان لهما ذلك (5).

ص: 172


1- التهذيب 2:45 ح 144،الاستبصار 1:295 ح 1085.
2- مختلف الشيعة:77.
3- مختلف الشيعة:78.
4- الناصريات:225 المسألة 51،جمل العلم و العمل 3:25.
5- الخلاف 1:302 المسألة 49.

و ان قلنا بالتقليد-و هو الأصح-فليقلد المسلم العدل العارف بالأمارات،رجلا كان أو امرأة،حرا أو عبدا،لأنّ المعتبر بالمعرفة و العدالة و ليس من الشهادة في شيء.

فان تعذّر العدل فالمستور،فان تعذّر ففي جواز الركون الى الفاسق مع ظن صدقه تردد،من قوله تعالى فَتَبَيَّنُوا (1)و من أصالة صحة اخبار المسلم.اما لو لم يجد سوى الكافر،ففيه وجهان مرتبان،و اولى بالمنع،لأنّ قبول قوله ركون إليه و هو منهي عنه.و يقوى فيهما الجواز،إذ رجحان الظن يقوم مقام العلم في العبادات.و أطلق في المبسوط المنع من قبول الفاسق و الكافر (2).

ثم التقليد هو قبول قول الغير المستند الى الاجتهاد،فلو أخبر العدل عن يقين القبلة-كما في المواقف المفيدة لليقين في التيامن و التياسر-فهو من باب الاخبار،و يجوز التعويل عليه بطريق الاولى.و لو أخبر المكفوف بصير بمحل القطب منه و هو عالم بدلالته،فهو إخبار أيضا.

و لو وجد مجتهدين،فالأقرب الرجوع الى الأعلم و الأوثق عنده،فان تساويا تخيّر.و يحتمل وجوب الصلاة الى الجهتين،جمعا بين التقليدين.

و يحتمل التخيير مطلقا،لوجود الأهلية في كل منهما،و يضعف بأنه رجوع الى المرجوح مع وجود الراجح فامتنع كالفتاوى.و على القول:بسقوط التقليد من أصله،يصلي الى أربع.

و في معنى المكفوف:العامي الذي لا أهلية عنده لمعرفة الأدلة،لأنّ فقد البصيرة أشدّ من فقد البصر،و هو اختيار الشيخ في المبسوط (3).و في9.

ص: 173


1- سورة الحجرات:6.
2- المبسوط 1:80.
3- المبسوط 1:79.

الخلاف يصلي الى الأربع (1).و أطلق أبو الصلاح وجوب الأربع لمن لا يعلم الجهة و لا يظنها (2).

و ان أمكنه تعلّم الأدلة وجب عليه التعلم،و الأقرب انّه من فروض الأعيان لتوقّف صحة فرض العين عليه فهو كباقي شرائط الصلاة،سواء كان يريد السفر أو لا،لأنّ الحاجة إليه قد تعرض بمجرد مفارقة الوطن.و يحتمل كون ذلك من فروض الكفاية كالعلم بالأحكام الشرعية،و لندور الاحتياج إلى مراعاة العلامات فلا يكلف آحاد الناس بها،و لانّه لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده إلزام آحاد الناس بذلك.

إذا تقرر ذلك،فان قلنا بأنّه من فروض الكفاية،فللعامي أن يقلد -كالمكفوف-و لا قضاء عليه.و ان قلنا بالأول،وجب تعلّم الأدلة ما دام الوقت،فإذا ضاق الوقت و لم يستوف المحتاج اليه صلّى إلى أربع،أو قلّد على الخلاف و لا قضاء.

و يحتمل قويا وجوب تعلم الأمارات عند عروض حاجته إليها عينا، بخلاف ما قبله،لأنّ توقع ذلك و ان كان حاصلا لكنه نادر.

و على كل حال فصلاة غير المتعلم عند عدم الحاجة صحيحة و لو قلنا بالوجوب العيني،لأنّه موسّع على الاحتمال القوي إلى عروض الحاجة، و يكفي في الحاجة إرادة السفر عن بلده و لو كان بقربه مما يخفى عليه فيه جهة القبلة أو التيامن و التياسر.و لو قلنا بأنه واجب مضيّق عينا،لم يقدح تركه في صحة الصلاة،لأنّه إخلال بواجب لم تثبت مشروطية الصلاة به.

الثالثة حكم العاجز لو وجد من يخبره عن علم و آخر عن اجتهاد

لو وجد العاجز من يخبره عن علم و آخر عن اجتهاد،رجع الى الأول،لأنّه أوثق.

ص: 174


1- الخلاف 1:57 المسألة 49.
2- الكافي في الفقه:139.

و لو وجد القادر على الاجتهاد مخبرا عن علم،ففي جواز الاجتهاد وجهان.و قطع بعض العامة بمنعه (1)،لأنّ مثار الاجتهاد زائل،لأنّ غايته الظن، و الاخبار هنا عن القطع.و وجه الجواز انّ قول الغير انما يفيد الظن إذ هو خبر محتمل للأمرين في نفسه،و الظن باعتبار القرينة،و ان الظاهر صدق مخبره، و ذلك الظن مثله يحصل باجتهاده.و الفرق بيّن،إذ الاجتهاد ظني في طريقه و غايته،و اخبار المتيقن ظني في طريقه لا في غايته.

و لو لم يجد المقلّد سوى صبي مميز أمكن الرجوع إليه،لإفادة قوله الظن،و خصوصا إذا أخبر عن قطع،و هو قول المبسوط (2).

و لو منعنا المتمكن من العوام من التقليد وجبت الصلاة عليه إلى أربع جهات،لأنّ القطع يحصل به،و هو الذي اختاره الشيخ في أحد القولين (3).

و حيث قلنا بجواز التقليد،لو عدم المخبر وجبت الصلاة الى أربع قطعا ان احتمل،و الاّ فإلى المحتمل.

الرابعة:لو اجتهد لصلاة فدخل وقت أخرى،

فإن عرض شك وجب تجديد الاجتهاد،و الا فالأقرب البناء على الأول،إذ الأصل استمرار الظن السابق حتى يتبيّن خلافه.

و أوجب الشيخ التجديد دائما ما لم تحضره الأمارات (4)للسعي في إصابة الحق،و لأنّ الاجتهاد الثاني ان خالف الأول وجب المصير إليه،لأنّ تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الاولى،و أقوى الظنين أقرب الى اليقين، و ان وافقه تأكد الظن.

و هذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمم عند دخول وقت صلاة

ص: 175


1- كالشافعي،راجع:الوجيز 1:38.
2- المبسوط 1:80.
3- المبسوط 1:79،80،النهاية:63.
4- المبسوط 1:81.

اخرى،و في المجتهد إذا سئل عن واقعة اجتهد فيها.

فرع:

لا فرق بين تجديد الاجتهاد هنا بين صلاة الفريضة و النافلة،إلاّ عند من جوّزها من الأصحاب حضرا الى غير القبلة (1)فلا حاجة الى الاجتهاد.و لا فرق أيضا بين تغيّر المكان و عدمه،لأن أدلة القبلة لا تختلف بحسب الأمكنة، بخلاف مكان المتيمم.و لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد فلا إعادة للأول،قال الفاضل:و لا نعلم فيه خلافا (2).

الخامسة:لو خالف المجتهد اجتهاده و صلّى فصادف القبلة،

فالأقرب عدم الاجزاء،لعدم إتيانه بالمأمور به.و في المبسوط يجزئه (3)لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة و قد أتى به.

و في التعويل على قبلة النصارى و اليهود نظر،من انّه ركون إليهم،و من الظن الغالب باستقبالهم الجهة المعينة.

السادسة:لو اختلف المجتهدون صلّوا فرادى لا جماعة،

لأن المأموم ان كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه و الا فصلاته،فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين.

و احتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف،و لأنهم كالقائمين حول الكعبة،يستقبل كل واحد منهم جهة غير الآخر مع صحة الصلاة جماعة (4).

و يمكن الجواب بمنع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة،و لو سلم فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف المجتهدين،و الفرق بين المصلّين إلى نواحي

ص: 176


1- حكاه العلامة في مختلف الشيعة عن بعض المتأخرين:79.
2- تذكرة الفقهاء 1:103.
3- المبسوط 1:80.
4- تذكرة الفقهاء 1:102.

الكعبة و بين المجتهدين ظاهر،للقطع بان كل جهة قبلة هناك،و القطع بخطإ واحد هنا،و كذا نقول في صلاة الشدة ان كل جهة قبلة.

السابعة:لو صلّى جماعة في بيت مظلم بالاجتهاد،

ثم تبين لهم تخالفهم في الجهة و لم يعلموا الى أي جهة صلّى الامام،رجّح الفاضل صحة صلاتهم،لانّه لا يعلم الخطأ في فعل امامه (1).

و الأقرب ان نقول:ان كانت تلك الصلاة مغنية عن القضاء كما لو كانت الجهات ليس فيها استدبارا،أو قلنا:ان الاستدبار لا يوجب القضاء،فصلاتهم صحيحة،و التخالف هنا في جهة الإمام غير ضائر،لأن غايته انّه صلّى خلف من صلاته غير صحيحة في نفس الأمر و هو لا يعلم بالفساد،و لا يقدح ذلك في صحة صلاة المأموم و ان وجب إعادة الصلاة،اما أداء مع بقاء الوقت أو قضاء مع خروجه.و كل من تعين له موجب الاستدراك وجب عليه،و كل من لم يتعين له لم يجب التدارك،سواء كان ذلك لمصادفته القبلة،أو التيامن و التياسر يسيرا،أو لأنه لم يدر هل جهته صحيحة أو فاسدة.

و لو اتفق جهلهم أجمع بفساد الجهة فلا إعادة.و لو علموا انّ فيهم من تجب عليه الإعادة أو القضاء و اشتبه،فالأقرب:انه لا اعادة و لا قضاء،لأصالة صحة صلاة كل واحد منهم و هو شاك في مفسدها،كالواجدين منيا على ثوب مشترك.و يحتمل إعادتهم أجمع،لتيقن الخروج عن العهدة.

الثامنة:لو اختلف الامام و المأموم في التيامن و التياسر،

فالأقرب:جواز الاقتداء،لأنّ صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء و الاختلاف هنا يسير، و لأنّ الواجب مع البعد الجهة و هي حاصلة هنا،و التكليف بالعين مع البعد ضعيف.

ص: 177


1- تذكرة الفقهاء 1:102-103.

و قوّى في التذكرة عدم الجواز،و بناه على انّ الواجب اصابة العين (1)، مع انّه صدر باب القبلة بعدم وجوبه (2).

التاسعة حكم ما لو تغير اجتهاد أحد المأمومين

لو تغيّر اجتهاد أحد المأمومين انحرف و نوى الانفراد إذا كان ذلك غير يسير.و لو تغيّر اجتهاد الامام انحرف و أتمّ المأمومون منفردين،أو مؤتمين ببعضهم.

العاشرة في جواز الاقتداء بالمجتهد بجهة القبلة ان لم يسع الوقت إلاّ مقدار صلاة

لو ضاق الوقت الا عن صلاة،و ادّى اجتهاد أحدهم إلى جهة، جاز للآخر الاقتداء به إذا قلّده و ان كان مجتهدا،لتعذّره حينئذ.

و هل يجب تقليده؟الأقرب:نعم،لعجزه،و ظن صدق الآخر.و وجه المنع ان الشرع جعل فرضه عند ضيق الوقت التخيير فليس عليه سواه،و فيه منع ظاهر،إذ التخيير انما يكون عند عدم المرجّح.

الحادية عشرة حكم ما لو نصب مبصر علامة للمكف وف

لو نصب مبصر للمكفوف علامة،جاز التعويل عليها وقت كل صلاة ما لم يغلب ظنه على تغيّرها.و لو مسّ الكعبة بيده أو محراب مسجد لا يشك فيه فكذلك.

و لو عوّل على رأيه المجرّد مع إمكان المقلّد أعاد إن أخطأ،و لو أصاب قال في المبسوط:أجزأه (3)و الأقرب المنع،لانّه دخل دخولا غير مشروع.

و أطلق في المبسوط الاجزاء مع ضيق الوقت (4)و هو بعيد مع كونه مخطئا،الا ان يكون المقلّد مفقودا،و لم يصلّ الى دبر القبلة عند الشيخ (5)و لو أصاب هنا فكالأول فيما قاله الشيخ و قلناه.نعم،لو فقد المقلّد صحّ هنا قطعا.

و لو صلى مقلّدا ثم أبصر في الأثناء،فإن كان عاميا استمر،و ان كان

ص: 178


1- تذكرة الفقهاء 1:103.
2- تذكرة الفقهاء 1:100.
3- المبسوط 1:80.
4- المبسوط 1:80.
5- المبسوط 1:81.

مجتهدا اجتهد،فان وافق أو انحرف يسيرا صح فيستقيم حينئذ،و ان كان الى نفس اليمين أو اليسار أعاد،و أولى منه إذا كان مستدبرا.

و لو افتقر في اجتهاده الى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله، فالأقرب:البناء و سقوط الاجتهاد،لأنّه في معنى العامي،لتحريم قطع الصلاة و الظاهر اصابة المخبر،و يقوى مع كونه مخبرا عن علم،بل يمكن هنا عدم الاجتهاد لما سلف.

و احتاط في المعتبر بالاستئناف مع افتقاره إلى تأمل كثير (1)و هو احتياط المبسوط،و قال:و ان قلنا له يمضي فيها لانّه لا دليل على انتقاله كان قويا (2).

و لو صلّى بصيرا فكف في الأثناء بنى،فان انحراف قصدا بطلت إن خرج عن السمت،و ان كان اتفاق و أمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج الى حد الابطال بالخروج عن الجهة،و ان لم يمكنه فان اتفق مسدّد عوّل عليه و ينتظره إن لم يخرج عن كونه مصليا،و الا فالأقرب البطلان إذا توقع مسدّدا بعد،و لو ضاق الزمان عن التوقع كان بقي مقدار أربع جهات صلّى إليها،و كذا يصلى الى الأربع مع السعة و عدم توقع المسدّد.

و هل يحتسب بتلك الصلاة منها؟نظر من حيث وقوعها في جهتين فلا تكون صحيحة،و من صحة ما سبق منها قطعا،و جواز ابتدائها الآن الى هذه الجهة بأجمعها فالبعض أولى.

و حينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو قائم إليها؟يحتمل ذلك،تنزيلا للإتمام منزلة الابتداء.و الأقرب المنع،تقليلا للاختلاف و الاضطراب في الصلاة،و لتخيّل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف، بخلاف العدول إلى جهة أخرى.1.

ص: 179


1- المعتبر 2:71.
2- المبسوط 1:81.
الثانية عشرة حكم ما لو صلى بالاجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت ثم تبين الانحراف

لو صلى بالاجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت،ثم تبين الانحراف يسيرا استقام،بناء على انّ القبلة هي الجهة،و لقول الصادق عليه السلام:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).

و لو تبين الانحراف الكثير استأنف،و ظاهر كلام الأصحاب انّ الكثير ما كان الى سمت اليمين أو اليسار أو الاستدبار (2)لرواية عمار عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى الى غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة:«ان كان متوجها ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم،و ان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة» (3).

و عقل منه الشيخ إعادة المستدبر و ان خرج الوقت (4)و لعل المراد به مع بقاء الوقت،لأنّ ظاهر من(هو في الصلاة)ان الوقت باق.

و يمكن ان يحتج برواية معمر بن يحيى،عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيمن صلّى الى غير القبلة ثم تبين له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:

«يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها،الاّ ان يخاف فوت التي دخل وقتها» (5).فالجمع بينها و بين ما يأتي بالحمل على الاستدبار،و طريقها ضعيف،و حملت على من صلّى بغير اجتهاد و لا تقليد إلى جهة واحدة مع سعة الوقت (6).

و كذا الحكم لو تبيّن الحال بعد الفراغ من الصلاة،فيعيد في الوقت لا

ص: 180


1- الفقيه 1:179 ح 846،التهذيب 2:48 ح 157،الاستبصار 1:297 ح 1095.
2- راجع:المعتبر 2:72،مختلف الشيعة:78.
3- الكافي 3:285 ح 8،التهذيب 2:48 ح 159،142 ح 555،الاستبصار 1:298 ح 1100.
4- الخلاف 1:303.المسألة 51،المبسوط 1:80.
5- التهذيب 2:46 ح 150،الاستبصار 1:297 ح 1099.
6- حملها المحقق في المعتبر 2:74.

خارجه،إذا تحقق الخروج عن الجهة و لو استدبر،لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام:«إذا استبان انك صليت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد،و ان فاتك فلا تعد» (1)و كذا رواية سليمان بن خالد عنه عليه السلام (2)و ظاهر رواية زرارة عن الباقر عليه السلام (3).

فروع:

لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو الجانبين و قد خرج الوقت،أمكن القول بالاستقامة و لا إعادة،لدلالة فحوى الأخبار عليه.و يمكن الإعادة،لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت.

و هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟قطع به الشيخان (4)، لعموم:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (5).و ضعّفه الفاضلان،لانّه مستند الى تقصيره (6)بخلاف الظان.و الأقرب المساواة،لشمول خبر عبد الرحمن للناسي (7).

اما جاهل الحكم،فالأقرب انّه يعيد مطلقا،الا ما كان بين المغرب و المشرق،لانه ضم جهلا الى تقصير.و وجه المساواة:«الناس في سعة مما1.

ص: 181


1- الكافي 3:284 ح 3،التهذيب 2:47 ح 154،142 ح 554،الاستبصار 1:296 ح 1090.
2- الكافي 3:285 ح 9،التهذيب 2:47 ح 152،142 ح 553،الاستبصار 1:296 ح 1091.
3- التهذيب 2:48 ح 156،الاستبصار 1:297 ح 1094.
4- المقنعة:14،المبسوط 1:80.
5- الخصال:417،سنن ابن ماجة 1:659 ح 2045،كنز العمال 4:233 ح 10307 عن الطبراني.
6- المعتبر 2:74،مختلف الشيعة:79.
7- تقدم في الهامش 1.

لم يعلموا».

الثالثة عشرة حكم الصلاة مع خفاء القبلة

ذهب ابن أبي عقيل و ابن بابويه-في ظاهر كلامه-إلى انّه عند خفاء القبلة يصلى حيث شاء،و لا اعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبين الخطأ (1).

و الأكثر أوجبوا الصلاة إلى أربع (2)لرواية خداش السالفة،و هي بطريقين في التهذيب (3).

و يمكن ان يحتج بما تقدم من أحاديث التحري (4)و ان المراد به التخيير، و بان التكليف ساقط مع عدم العلم،و بعموم فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (5)و هو أولى من اعتقاد نسخ الآية،و مال في المختلف الى هذا القول (6).

و يمكن أن يطعن في رواية خداش بالإرسال و جهالته أيضا،فإنا لم نقف على توثيقه بعد،الا انها معتضدة بالعمل من عظماء الأصحاب و بالبعد من قول العامة،الا انه يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد بالكلية في القبلة لأنّها مصرحة به،و الأصحاب مفتون بالاجتهاد.

و يمكن ان يكون الاجتهاد الذي صار إليه الأصحاب هو ما أفاد القطع بالجهة-من نحو مطلع الشمس و مغربها،و دلالة الكواكب-دون الاجتهاد المفيد للظن كالرياح،أو ظن بعض الكواكب،الكوكب الذي هو العلامة مع عدم القطع به.

ص: 182


1- الفقيه 1:179،و حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة:77.
2- راجع:المقنعة:14،المبسوط 1:80،النهاية:63،المراسم:61،الكافي في الفقه: 139.
3- التهذيب 2:45 ح 144 و 145،الاستبصار 1:295 ح 1085 و 1086 و انظر ص:172 الهامش 1.
4- تقدمت في ص 171.
5- سورة البقرة:115.
6- مختلف الشيعة:78.
الرابعة عشرة حكم ما لو تغير اجتهاده أثناء الصلاة

لو تغير اجتهاده مصليا،انحرف و بنى ان كان لا يبلغ موضع الإعادة،و الاّ أعاد.و لو شك مصليا في اجتهاده لم يلتفت،لأنّ الدخول شرعي بظن قوي فلا يزول بالشك.

و لو صلّى باجتهاده فكفّ في أثناء الصلاة استمر،لأنّ اجتهاده أقوى من اجتهاد غيره بالنسبة إليه،فإن انحرف استقام إن علم و الا قلّد في الأثناء،فإن تعذر أبطلها مع سعة الوقت و الا أتمّ بحاله.

و لو وجد المكفوف محرابا فهو أولى من التقليد.و كذا الركون الى المخبر عن علم أولى من الركون الى المجتهد.

و لو قلّد مجتهدا،فأخبره مجتهد آخر في الأثناء بخطئه و انّ الصواب كذا، فان كان أعلم أو أعدل عوّل على الثاني،و الاّ استمر.أما لو كان أخبار الثاني عن علم،فإنه يرجع إليه كيف كان إذا كان عدلا،لاستناده الى اليقين الذي هو أقوى من الاجتهاد.

و لو قيل للمكفوف أنت مستقبل الشمس أو مستدبرها،و هو يعلم انّ جهته ليست في صوبها وجب عليه العدول أيضا،لأنه كانتقال المجتهد الى اليقين.

و لو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا،فالظاهر ترجيحه على الأول، تنزيلا لقطعه منزلة الاخبار عن الحس،و لا اعتبار بتجويز كونه مجتهدا،لأنّ الاجتهاد لا يحصل عنه القطع.

و لو اقتصر على إخباره بخطئه،و لما يتبيّن الصواب منه و لا من غيره،فإن أمكن تحصيل الصواب قبل الخروج عن اسم المصلي استمر الى وجود المخبر،و يكون حكمه ما سلف من تبيّن الخطأ.و ان عجز عن درك الصواب الاّ بالخروج عن اسم الصلاة بطلت،إذ لا سبيل الى الاستمرار على الخطأ و الصواب غير معلوم.

و لو كان أخبار الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت اليه،الاّ ان يخبر عن قطع فيراعى ما سلف.

ص: 183

الخامسة عشرة استحباب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا

اشتهر بين الأصحاب استحباب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا (1)،و يظهر من كلام الشيخ وجوبه (2)لما رواه المفضل بن عمر،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه،فقال:«انّ الحجر الأسود لما أنزله اللّه سبحانه من الجنة و وضع في موضعه،جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال،و عن يسارها ثمانية أميال.فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم،و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة» (3).

و روى الكليني عن علي بن محمد رفعه،قال:قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام:لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟فقال:«لأنّ للكعبة ستة حدود:أربعة منها على يسارك،و اثنان منها على يمينك،فمن أجل ذلك وقع التحريف الى اليسار» (4).

و الروايتان ضعيفتان،لعدم اسناد الاولى إلى المفضل،مع انّ النجاشي ضعّفه (5)و قطع سند الثانية.و العمدة الشهرة بين الأصحاب،حتى انّ الشيخ ادعى عليه الإجماع (6).

و فيه إشارة الى انّ النائي يتوجّه الى الحرم.

و وجوبه بعيد،لان ظاهره ارادة الاستظهار و الاحتياط-كما صرح به المصنفون-فلا يكون واجبا.

ص: 184


1- راجع:المقنعة:14،السرائر:42،المراسم:61،المعتبر 2:69.
2- المبسوط 1:78،النهاية:63،الخلاف 1:297 المسألة 42.
3- الفقيه 1:178 ح 842،علل الشرائع:318،التهذيب 2:44 ح 142.
4- الكافي 3:487 ح 6،التهذيب 2:44 ح 141.
5- رجال النجاشي:146 رقم 1112.
6- الخلاف 1:297 المسألة 42.

و يرد عليه:انّ الانحراف اما الى القبلة فيجب،و اما عنها فيحرم،فلا معنى للاستحباب.

و يجاب:بانّ الانحراف في القبلة،و جاز ان تكون الجهة على ما مر، و اتساعها ظاهر فالميل الى اليسار تمكّن فيها،أو اصابة ما يقرب إلى الكعبة من الجهات.

فرع:

إذا قلنا بهذا التياسر فليس بمقدّر،بل مرجعه الى اجتهاد المصلّي،و من ثم جعلنا المسألة من مسائل الاجتهاد،و لا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف بلدان المشرق،و لعل البالغ في المشرق الى تخومه يسقط عنه هذا التياسر بل لا يجوز له،للقطع بأنه يخرج عن العلامات المنصوبة لهم، و الخبران لا يدلان على غير أهل العراق،لان المفضل كوفي و غالب الرواة عنهم عليهم السلام عراقيون.

و للمحقق-رحمه اللّه-في هذا مسألة حسنة،صدر إنشاؤها عن إيراد الإمام العلامة نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي -رحمه اللّه-لما اجتمعا في بعض المجالس.

السادسة عشرة حكم ما لو اجتهد إلى جهة فصلى ثم تبين الخطأ في الأثناء

لو اجتهد إلى جهة فصلّى،ثم تبين الخطأ في الأثناء، فإن حصل الصواب بعده بما لا يخرجه عن اسم المصلي بنى على ما سلف من اعتبار التيامن و التياسر و غيرهما،و ان كان لا يمكن تحصيله في ذلك الزمان فالأجود البطلان،لامتناع الاستمرار على الخطأ،و عدم علم الجهة و ظنها.

و لو تحيّر الشامي أو اليمني فاجتهد و صلّى إلى جهة،فانكشف الغيم فإذا كوكب في الأفق،يقطع بأنه اما في المشرق أو في المغرب و هو بإزائه،فإنه يتبيّن الخطأ قطعا و يحكم هنا ببطلان الصلاة في الحال،فان رأى الكوكب ينحط علم به المغرب،و ان رآه يرتفع علم به المشرق،و ان أطبق الغيم في الحال فالتحيّر باق الا انّه في جهتين،فان انكشف فيما بعد و الا صلّى إليهما

ص: 185

لا غير.

و لو كان المصلّي مشرقيا أو مغربيا،لم يحكم ببطلان صلاته في الحال بظهور الكوكب الافقي،بل يتربص لينظر علوه و عدمه فيبني على ما علمه.و لو عاد الغيم في الحال لم يحكم هنا ببطلان الصلاة،لأصالة صحتها،و استناده الى اجتهاده الذي لم يعلم خطأه.و هل تجب عليه الصلاة الى الجهة الأخرى؟ يمكن ذلك ان لم يكن الاجتهاد الأول باقيا و لا تجدّد غيره،و ان كان باقيا فلا، و ان تجدّد غيره استأنف.

و لو كان المصلي من إحدى الزوايا التي بين الجهات الأربع،فظهور الكوكب الافقي لا يبطل استمراره أيضا في الحال،بل بعد اعتبار العلو و الانخفاض يراعي ما سلف،فيستمر مع إصابة القبلة أو ما في حكمها، و يستأنف مع عدمهما ان بقي الوقت،أو مطلقا لو كان مستدبرا على القول به.

و لو دعا الغيم،فان قطع على مخالفة قبلته أو ما في حكمها أعاد إلى الجهات التي يعلم معها إصابة القبلة،و ان لم يقطع على المخالفة فالبناء متعيّن.و في الصلاة الى جهة أخرى الاحتمال،فيراعى جهتين ليس فيهما محض المشرق و المغرب.

السابعة عشرة حكم ما لو صلى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهات

لو صلّى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهات، فعلى ما قلناه:ان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد،لا إعادة عليه.

و يحتمل إعادة الكل،لتيقن الخطأ في ثلاث منها على احتمال اعتبار العين ان كانت مختلفة العدد،أو اعادة ثلاث مردّدة إن اتفق العدد.

و يحتمل اعادة ما صلاّه أولا و صحة الأخيرة،و يجعل هذا الاجتهاد ناسخا لما سبق.

و يضعف الأول:بأنه لو وجبت الإعادة لم يؤمر بالصلاة مع تغيّر الاجتهاد،و الثاني:بأنه تحكم إذ الاجتهادات متعاقبة متنافية.

و يحتمل قويا انه مع تغيّر الاجتهاد يؤمر بالصلاة إلى أربع،لأن الاجتهاد

ص: 186

عارضه الاجتهاد فتساقطا فتحيّر.و لا يجب إعادة ما صلاّه أولا،لإمكان صحته و دخوله مشروعا.

ص: 187

الفصل الثالث:فيما يستقبل له.
و فيه مسائل.
الأولى:يجب الاستقبال في فرائض الصلوات،

و بالميت في أحواله السابقة،و عند الذبح على ما يأتي ان شاء اللّه،كل ذلك مع الاختيار.

و يحرم الاستقبال فيما مر.

و يستحب للجلوس للقضاء،و الدعاء مؤكدا،و الجلوس مطلقا إلى القبلة أفضل،لقولهم عليهم السلام:«أفضل المجالس ما استقبل به القبلة» (1).

و يكره الاستقبال في الجماع.

و لا تكاد الإباحة بالمعنى الأخص تتحقق هنا.

الثانية:يسقط الاستقبال في الصلاة عند الضرورة و عدم التمكن منه،

كالمصلوب،و المريض الذي لا يجد من يوجّهه إلى القبلة مع عجزه عنها، و كالمضطر إلى الصلاة ماشيا مع عدم إمكان الاستقبال،و كما في حال شدة الخوف و ان قدر على الاستقبال لو لا القتال.

و يسقط في الميت أيضا عند التعذّر،و في الذبح في الصائلة و المتردية إذا لم يمكن فيها الاستقبال.

الثالثة بطلان الفريضة على الراحلة اختيارا

لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا لاختلال الاستقبال و ان كانت منذورة،سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض،لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب.و كذا صلاة الجنازة،لأنّ أظهر أركانها القيام، و أقوى شروطها الاستقبال.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:أ يصلي الرجل شيئا

ص: 188


1- وسائل الشيعة 12:109 ح 3،مستدرك الوسائل 8:406 ح 1 الغايات:87.

من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟فقال:«لا» (1).

و روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السلام:«لا يصلّي الفريضة على الدابة إلا مريض» (2).

و(شيء)نكرة في سياق نفي فيعم،«و الفريضة»محلى بلام الجنس إذ لا معهود فيعم.

و يدلان على جواز ذلك عند الضرورة،و عليه دلّ قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (3)و هو يدل بفحواه على مطلق الضرورة،و قد تقدم ذكر صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله على الراحلة في المطر (4).

و العامة منعوا من الفريضة على الراحلة عند الضرورة،الاّ ان يخاف الانقطاع عن الرفقة بالنزول،أو يخاف على نفسه أو ماله بالنزول،فيصلي ثم يعيد إذا نزل عنها (5).و يبطله:ان الامتثال يقتضي الإجزاء.

الرابعة بطلان صلاة الراكب و ان تمكن من الاستقبال و استيفاء الأفعال

لو تمكن الراكب من الاستقبال و استيفاء الافعال،كالراكب في الكنيسة (6)،أو على بعير معقول،ففي صحة صلاته وجهان،أصحهما المنع.

اما الأول فلعدم الاستقرار،و لهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال،لأنّ المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فتبطلها،و انما خرجت النافلة بدليل آخر مع المسامحة فيها.

ص: 189


1- التهذيب 3:308 ح 954.
2- التهذيب 3:308 ح 952.
3- سورة البقرة:239.
4- تقدم في ص 152،الهامش 4.
5- المجموع 3:242.
6- الكنيسة:هي شيء يغرز في المحمل أو الرحل،و يلقى عليه ثوب يستظل به الراكب و يستتر به. مجمع البحرين،مادة كنس.

و اما البعير المعقول فلأنّ إطلاق الأمر بالصلاة ينصرف الى القرار المعهود،و هو ما كان على الأرض و ما في معناها،كالزورق المشدود على الساحل،لأنّه بمثابة السرير و الماء بمثابة الأرض،و تحركه سفلا و صعدا كتحرك السرير على وجه الأرض،و ليست الدابة للقرار عليها.

و من هذا يظهر عدم صحة الصلاة في الأرجوحة المعلقة بالحبال،فإنها لا تعدّ عرفا مكان القرار.و يمكن الفرق بينهما بانّ البعير المعقول معرّض لعدم الاستقرار بخلاف الأرجوحة،و قد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام جواز الصلاة على الرفّ المعلق بين نخلتين (1)و هو يعطي جواز الصلاة في الأرجوحة.

و لو احتمل قوم سريرا عليه مصل فكالبعير المعقول،بل أولى بالصحة، لأنه قد يؤمن منهم أسباب الاختلال.

و لو كانت الدابة واقفة و أمكن استيفاء الأفعال،فهي مرتبة على المعقولة، و أولى بالبطلان هنا،لأنّ الحركة إليها أقرب.

الخامسة حكم الصلاة في السفينة

جوّز الفاضل الصلاة في السفينة فرضا و نفلا،مختارا-في ظاهر كلامه-و ان كانت سائرة (2)و هو قول ابن بابويه و ابن حمزة (3).و كثير من الأصحاب جوزه،و لم يذكروا الاختيار (4).

و روى حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام:«ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا،فان لم تقدروا فصلوا قياما،فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا و تحرّوا القبلة» (5).و عن علي بن إبراهيم قال:سألته عن الصلاة

ص: 190


1- قرب الاسناد:86،التهذيب 2:373 ح 1553.
2- نهاية الإحكام 1:406،تذكرة الفقهاء 1:104،منتهى المطلب 1:223.
3- الهداية:35،الوسيلة:84.
4- المقنعة:35،المراسم:76،المهذب 1:118.
5- قرب الاسناد:11،الكافي 3:441 ح 1،التهذيب 3:170 ح 374،الاستبصار 1:454. ح 1761.

في السفينة،قال:«لا يصلى فيها و هو قادر على الشط» (1).

و بإزاء هذه روايات ظاهرها الجواز مع الاختيار،مثل رواية عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام (2).و قال له جميل بن دراج:تكون السفينة قريبة من الجدد،فأخرج فأصلي؟فقال:«صلّ فيها اما ترضى بصلاة نوح عليه السلام» (3).

و الأقرب المنع إلا لضرورة،لأن القرار ركن في القيام و حركة السفينة تمنع من ذلك،و لأنّ الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة.

و أجاب الفاضل:بأنّها بالنسبة إلى المصلّي حركة عرضية و هو ساكن (4).

و بما قلناه قال أبو الصلاح (5)و ابن إدريس-في باب صلاة المسافر- حيث قال:و من اضطر إلى الصلاة في سفينة فأمكنه ان يصلى قائما لم يجزه غير ذلك،و ان خاف الغرق و انقلاب السفينة جاز ان يصلي جالسا (6).

و العامة يجوّزون لراكب البحر الصلاة في السفينة و ان كانت جارية تتحرك بما فيها من دواب و غيرها،لمساس الحاجة الى ركوب البحر،فجعل الماء على الأرض كالأرض،و جعلت السفينة كالصفا على وجه الأرض (7).و تردّدوا في جوازها في نحو دجلة للمقيم ببغداد اختيارا (8)لقدرته على الشط،و اقامة الأركان2.

ص: 191


1- التهذيب 3:170 ح 375،الاستبصار 1:455 ح 1762.
2- الفقيه 1:291 ح 1322.
3- الفقيه 1:291 ح 1323،التهذيب 3:295 ح 894.
4- منتهى المطلب 1:223.
5- الكافي في الفقه:147.
6- السرائر:75.
7- لاحظ:المجموع 3:242.
8- راجع:المجموع 3:242.

و الشرائط.

السادسة حكم من اضطر إلى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو إلى السفينة
اشارة

إذا اضطر الى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو الى السفينة، وجب مراعاة الشرائط و الأركان مهما أمكن،امتثالا لأمر الشارع،فان تعذّر أتى بما يمكن.فلو أمكن الاستقبال في حال دون حال وجب بحسب مكنته، لعموم:«و حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره» (1)و لو لم يتمكن إلا بالتحريمة وجب،فان تعذّر سقط.

فرع:

في وجوب تحري الأقرب الى القبلة من الجهات فالأقرب نظر،

من الخروج عن الجهة فتتساوى الجهات،و من انّ للقرب أثرا،و لهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد.و لو قيل:يجب تحري ما بين المشرق و المغرب دون باقي الجهات الثلاث،لتساويها في الاستدراك لو ظهر الخطأ في الاجتهاد،كان قويا.و حينئذ يترجّح المشرق و المغرب على الاستدبار،على القول بالقضاء فيه مع خروج الوقت.

اما النوافل فتجوز على الراحلة اختيارا باتفاقنا إذا كان مسافرا،طال سفره أو قصر،لما رووه من انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلي سبحته حيث توجهت به ناقته (2)و أوتر على راحلته (3)و فعله علي عليه السلام (4)و ابن عباس و لقول الصادق عليه السلام في صلاة المريض في المحمل:«أما النافلة فنعم» (5).

ص: 192


1- سورة البقرة:144.
2- صحيح البخاري 1:32،صحيح مسلم 1:486 ح 700،السنن الكبرى 2:4.
3- صحيح مسلم 1:487 ح 700،السنن الكبرى 2:6.
4- قرب الاسناد:54،السنن الكبرى 2:6.
5- التهذيب 3:308 ح 953.

و يستقبل بالتكبير،لقوله عليه السلام:«استقبل القبلة و كبّر،و صلّ حيث ذهب بك بعيرك» (1)و لا يحتاج الى غيره،لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2)و لقوله عليه السلام للكرخي لما قال:اني أتحرى على ان أتوجه في المحمل إلى القبلة:«ما هذا الضيق،اما لك برسول اللّه أسوة» (3).

و لو صلى على الراحلة حاضرا جاز أيضا،قاله الشيخ (4)لقول الكاظم عليه السلام في صلاة النافلة على الدابة في الأمصار:«لا بأس» (5)و منعه ابن أبي عقيل (6).و كذا الماشي،لقول الصادق عليه السلام في المصلي تطوعا و هو يمشي:«نعم» (7).

و في الفريضة عند الضرورة،لقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (8)و غير الخوف مساو له في الضرورة.

و يومئ الراكب و الماشي للركوع و السجود،و يجعل السجود أخفض.و لو حرف الدابة عن القبلة في الفريضة عمدا بطلت،و لو كان بفعلها أو جماحها لم تبطل،لعدم الاستطاعة،طال الانحراف أو لا.

و راكب التعاسيف-و هو:الهائم الذي لا مقصد له بل يستقبل تارة و يستدبر اخرى-له التنفل كغيره،و لا يتعيّن طريق الراكب لقبلته،بل لو أمكنه التوجّه إلى القبلة وجب-و ان كان بالركوب منحرفا أو مقلوبا-في الفريضة.

نعم،في النافلة إذا لم يمكن القبلة فقبلته طريقه استحبابا.9.

ص: 193


1- التهذيب 3:233 ح 606.
2- سورة البقرة:115.
3- الفقيه 1:285 ح 1295،التهذيب 3:229 ح 586.
4- الخلاف 1:299 المسألة 45.
5- التهذيب 3:229 ح 589.
6- مختلف الشيعة:79.
7- أخرجه المحقق في المعتبر 2:77.
8- سورة البقرة:239.
فرع:

لو أمكن الركوب و المشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار فظاهر

الآية التخيير.

و يمكن ترجيح المشي،لحصول ركن القيام.

و يعارضه:انّ حركته ذاتية و حركة الراكب عرضية فهو مستقر بالذات، و مع ذلك فلا يجوز ان يكون لبيان شرعية الأمرين و ان كان بينهما ترتيب،كآية كفارة الصيد.

نعم،لو أمكن الركوع و السجود للماشي دون الراكب،أو بالعكس، وجب الأكمل منهما.

و لو أمكن الراكب النزول للركوع و السجود وجب،و لا يكون ذلك منافيا للصلاة،لأنّه من أفعالها كما سيأتي إن شاء اللّه في صلاة الخوف.

و كذا لو أمكن أحدهما الاستقبال دون الآخر وجب تحصيل ما به الاستقبال،و كذا باقي الشرائط.

ص: 194

الباب السابع:
اشارة

في الأذان و الإقامة:

و هما وحي من اللّه تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل عليه الصلاة و السلام.فروى الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام:«انه لما اسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبلغ البيت المعمور،حضرت الصلاة فأذن جبرئيل و اقام،فتقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى خلفه الملائكة و النبيون عليهم السلام (1).

و روى منصور عن الصادق عليه السلام،قال:«لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان رأسه في حجر علي، فأذّن جبرئيل و اقام،فلما انتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:يا علي أسمعت؟قال:نعم.قال:احفظت؟قال:نعم.قال:ادع بلالا فعلّمه» (2).

و نسبه العامة إلى رؤيا عبد اللّه بن زيد في منامه (3)و هو بعيد عن أحوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تلقيه العبادة بالوحي،و لقوله تعالى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4).

قال ابن أبي عقيل:أجمعت الشيعة عن الصادق عليه السلام انّه لعن قوما زعموا انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد،فقال:

«ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انّه أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد.

ص: 195


1- الكافي 3:302 ح 1 عن الفضل و زرارة عن الباقر عليه السلام.
2- الكافي 3:302 ح 2،الفقيه 1:183 ح 865،التهذيب 2:277 ح 1099.
3- مسند احمد 4:43،سنن ابن ماجة 1:232 ح 706،سنن أبي داود 1:135 ح 499، الجامع الصحيح 1:358 ح 189،السنن الكبرى 1:390.
4- سورة النجم:53.

و ثوابه عظيم،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» (1).

«من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة» (2).

«للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر المتشحط بدمه في سبيل اللّه».فقال علي عليه السلام:«يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انهم يجتلدون على الأذان».قال:«كلا انّه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم و تلك لحوم حرمها اللّه على النار» (3).

و عن الباقر عليه السلام:«من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له» (4).

«من أذّن عشر سنين محتسبا يغفر اللّه له مدّ بصره و صوته في السماء، و يصدقه كل رطب و يابس سمعه،و له من كل من يصلي معه في المسجد سهم،و له من كل من يصلّي بصوته حسنة» (5).

و عن الصادق عليه السلام:«ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر:مؤذن أذّن احتسابا،و امام أمّ قوما و هم به راضون،و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه» (6).

«إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة،و ان أقمت قبل ان تؤذّن صلّى خلفك صف واحد» (7)و في رواية أخرى:«حدّ الصف ما بين المشرق و المغرب»و لم يذكر الفلاة فيها (8).7.

ص: 196


1- عيون اخبار الرضا 2:61،صحيح مسلم 1:290 ح 387،السنن الكبرى 1:432.
2- الفقيه 1:185 ح 881،ثواب الاعمال:52،التهذيب 2:283 ح 1126.
3- الفقيه 1:184 ح 869،ثواب الاعمال:53،التهذيب 2:283 ح 1130.
4- الفقيه 1:186 ح 883،ثواب الاعمال:52،التهذيب 2:283 ح 1128.
5- الفقيه 1:185 ح 882،الخصال:448،التهذيب 2:284 ح 1131.
6- التهذيب 2:283 ح 1127.
7- التهذيب 2:52 ح 173.
8- الفقيه 1:186 ح 887.

و عن أبي الحسن عليه السلام:«من صلّى بأذان و اقامة صلّى وراءه صفان من الملائكة،و ان أقام بغير أذان صلّى واحد عن يمينه و آخر عن يساره» (1).

و عن محمد بن مسلم،قال لي الصادق عليه السلام:«إذا أذّنت و أقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة،و ان أقمت بغير أذان صلى خلفك صف واحد» (2).في اخبار كثيرة من طرق الأصحاب و غيرها.

ثم الأذان لغة:الإعلام،و يقال:إيذان و أذين و فعله أذن يأذن،ثم آذن بالمد للتعدية،و يقال للمؤذن:أذين.و قول عدي بن زيد (3).

و سماع يأذن الشيخ له *** و حديث مثل ماذي مشار

يريد به استمع،لان الاستماع سبب في العلم،فيرجع الى إذن بمعنى علم،و منه قوله تعالى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (4)أي:اعلموا،و من قرأ بالمد فمعناه:أعلموا من ورائكم بالحرب.

و شرعا الأذكار المعهودة للإعلام بأوقات الصلوات.

و الإقامة لغة:مصدر أقام بالمكان،و التاء عوض من عين الفعل لأن أصله إقوام،أو مصدر أقام الشيء بمعنى ادامه،و منه يُقِيمُونَ الصَّلاةَ (5).

و شرعا الأذكار المعهودة عند إقامة الصلاة،أي:فعلها.

و في الباب فصول:4.

ص: 197


1- الفقيه 1:186 ح 888.
2- التهذيب 2:52 ح 174.
3- لسان العرب 13:10.
4- سورة البقرة:279.
5- سورة لقمان:4.
الفصل الأول:في كيفية الأذان و الإقامة.
اشارة

و فيه مسائل.

الاولى:لا يجوزان قبل الوقت

إجماعا،لأنّه إعلام بدخول الوقت.

و تجويز تقديم الأذان في الصبح رخصة،ليتأهب الناس للصلاة،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل،فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (1).

قال الصدوق:فغيّرته العامة،و قالوا:انّ بلالا يؤذن بليل (2).

قلت:و يؤيده ما رووه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لبلال:«لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا»و مدّ يده عرضا (3)و كأنه قد جعل له وظيفة الأذان المؤخّر،و لان المبصر يراعي الصبح فيفوّض اليه،بخلاف الأعمى.

و لا يشترط في التقديم مؤذنان،فلو كان واحدا جاز له تقديمه.نعم، يستحب إعادته بعده،ليعلم بالأول قرب الوقت و بالثاني دخوله،لئلا يتوهّم طلوع الفجر بالأول.و روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام قلت له:انّ لنا مؤذّنا يؤذن بليل،فقال:«انّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة،و اما السنّة فإنّه ينادي من طلوع الفجر» (4).

فروع:

لا حدّ لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر،و تقديره بسدس الليل أو

ص: 198


1- الفقيه 1:194.
2- الفقيه 1:194،و راجع:مسند احمد 2:9،صحيح البخاري 1:160،الجامع الصحيح 1:394 ح 203.
3- سنن أبي داود 1:147 ح 534.
4- التهذيب 2:53 ح 177.

نصفه تحكّم (1)و روي انّه كان بين اذاني بلال و ابن أم مكتوم نزول هذا و صعود هذا (2).

و ينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم،ليعتمد عليه الناس.

و لا فرق بين رمضان و غيره في التقديم،و سيجيء مزيد بحث في هذه المسألة ان شاء اللّه تعالى.

الثانية:فصولهما خمسة و ثلاثون

في أشهر الروايات (3)،و عليه عمل الأصحاب.فالأذان ثمانية عشر:

اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر.

اشهد ان لا إله إلا اللّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه.

اشهد انّ محمدا رسول اللّه،اشهد انّ محمدا رسول اللّه.

حي على الصلاة،حي على الصلاة.

حي على الفلاح،حي على الفلاح.

حي على خير العمل،حي على خير العمل.

اللّه أكبر،اللّه أكبر.

لا إله إلا اللّه،لا إله إلا اللّه.

و الإقامة سبعة عشر،الا انّ التكبير في أولها مثنى،و التهليل في آخرها مرة،و تزيد:(قد قامت الصلاة)مثنى بعد(حي على خير العمل).

و في رواية الفضيل بن يسار و زرارة عن الباقر،و عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليهما السلام:التكبير في أول الأذان(اللّه أكبر اللّه أكبر) (4)و في هذه

ص: 199


1- المجموع 3:88،المغني 1:457.
2- مسند الطيالسي:231 ح 1661،المصنف لعبد الرزاق 1:492 ح 1892،صحيح البخاري 3:37،شرح معاني الآثار 1:138،السنن الكبرى 1:429.
3- الكافي 3:302 ح 3،التهذيب 2:59 ح 208،الاستبصار 1:305 ح 1132.
4- التهذيب 2:59 ح 209،210،الاستبصار 1:305 ح 1133،1134.

الرواية عن الباقر عليه السلام:الإقامة مثله بزيادة(قد قامت الصلاة)،فعلى هذا الأذان ستة عشر و الإقامة ثمانية عشر.

و روى أبو بكر الحضرمي و كليب الأسدي عن الصادق عليه السلام:

تربيع التكبير في أول الأذان-كما هو المشهور-و عدّ باقي الفصول المشهورة، و جعل الإقامة مثله (1)فعلى هذه الرواية للإقامة عشرون فصلا.

و حمل الشيخ رواية تثنية التكبير في الأذان على انّه ترك التربيع في الأذان اعتمادا على فهم السامع ذلك،لأنّ زرارة روى عن الباقر عليه السلام:«تفتتح الأذان بأربع تكبيرات» (2).

و روى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام:«الأذان مثنى مثنى، و الإقامة واحدة» (3)فعلى هذه الأذان ستة عشر فصلا و الإقامة تسع كلمات.

و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«الإقامة مرة مرة،إلا قوله:

اللّه أكبر،اللّه أكبر،فإنه مرتان» (4).

و حملهما الشيخ على التقية أو العجلة،لما روى أبو عبيدة عن الباقر عليه السلام:انه كبّر واحدة في الأذان و قال:«لا بأس به إذا كنت مستعجلا».و روى صفوان عن الصادق عليه السلام:«الأذان مثنى مثنى،و الإقامة مثنى» (5).

و قد حكى الشيخ رواية أربع تكبيرات في آخر الأذان و تربيع التكبير في أول الإقامة،و روى تربيعه أيضا في آخرها و تثنية التهليل آخرها،قال:و ان عمل».

ص: 200


1- الفقيه 1:188 ح 897،التهذيب 2:60 ح 211،الاستبصار 1:306 ح 1135.
2- التهذيب 2:61،الاستبصار 1:307،و رواية زرارة فيهما برقم 213،1137.
3- التهذيب 2:61 ح 214،الاستبصار 1:307 ح 1138،و فيهما لفظة«واحدة»مكررة.
4- التهذيب 2:61 ح 215،الاستبصار 1:307 ح 1139.
5- التهذيب 2:62،الاستبصار 1:307.و الروايتين فيهما برقم 216،217،1140، 1141،و في رواية صفوان:«الإقامة مثنى مثنى».

عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (1).و المعتمد المشهور.

نعم،يجوز النقص في السفر.روى بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام،قال:«الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،الأذان واحدا واحدا،و الإقامة واحدة» (2)و لكن الإقامة التامة وحدها أفضل منهما مفردين، لمرسلة عن الصادق عليه السلام مشهورة (3).

و قال ابن الجنيد:إذا أفرد الإقامة عن الأذان ثنّى(لا إله إلاّ اللّه)في آخرها،و ان أتى بها معه فواحدة (4).

قال:و لا بأس للمسافر أن يفرد كلمات الإقامة مرة مرة،إلا التكبير في أولها فإنّه مرتان.

تنبيه:

معنى(حي):هلمّ و أقبل،تعدّى بعلى و إلى.و الفلاح:الفوز و البقاء، أي:انّ الصلاة سبب في الفوز بالثواب،أو سبب البقاء و الدوام في الجنة.

الثالثة حكم الترجيع و التثويب في الأذان

أجمعنا على ترك التثويب في الأذان،سواء فسّر ب:الصلاة خير من النوم،أو بما يقال بين الأذان و الإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح أو غيرها،الا ما قاله ابن الجنيد من انه لا بأس بالتثويب في أذان الفجر خاصة و تكرير ذلك،و ما يأتي من قول الجعفي.و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام بالنداء و التثويب في الإقامة (5)محمولة على التقية،و كذا غيرها (6).

و اما الترجيع-و هو:تكرير الفصل زيادة على الموظف-فقد روى زرارة

ص: 201


1- النهاية:68.
2- التهذيب 2:62 ح 219،الاستبصار 1:308 ح 1143.
3- التهذيب 2:62 ح 218،الاستبصار 1:308 ح 1142.
4- مختلف الشيعة:90.
5- التهذيب 2:62 ح 221،الاستبصار 1:308 ح 1145.
6- التهذيب 2:63 ح 222،الاستبصار 1:308 ح 1146.

عن الباقر عليه السلام:«و ان شئت زدت على التثويب:حي على الفلاح، مكان:الصلاة خير من النوم» (1).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«لو ان مؤذّنا أعاد في الشهادة، و في حي على الصلاة،و في حي على الفلاح،المرتين و الثلاث و أكثر،إذا كان إماما يريد جماعة القوم لم يكن به بأس» (2).

و في المبسوط:الترجيع غير مسنون،و هو:تكرار التكبير و الشهادتين في أول الأذان،فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرار الشهادتين (3).

قال في المعتبر:و يشهد لقوله رواية أبي بصير (4)و عنى به ما تلوناه عنه.

و من العامة من سنّ الترجيع،و هو ان يذكر كلمتي الشهادتين مرتين على خفض في الصوت،ثم يعود الى الترتيب و يرفع الصوت (5).و منهم من قال:لا يزيد في كلمات الأذان بل يخفض بها مرة،و يجهر بها مرة (6).و مستندهم ضعيف.

الرابعة ما روي في شواذ الاخبار من قول«ان عليا ولي اللّه و آل محمد خير البرية»في الأذان

قال الشيخ:و اما ما روي في شواذ الاخبار من قول:انّ عليا ولي اللّه و آل محمد خير البرية،مما لا يعمل عليه في الأذان،و من عمل به كان مخطئا (7).

و قال في المبسوط:لو فعل لم يأثم به (8).

ص: 202


1- التهذيب 2:63 ح 224،الاستبصار 1:309 ح 1148.
2- الكافي 3:308 ح 34،التهذيب 2:63 ح 225،الاستبصار 1:309 ح 1149.
3- المبسوط 1:95.
4- المعتبر 2:144. و تقدمت رواية أبي بصير في الهامش 2.
5- قاله الشافعي و مالك،راجع:المجموع 3:91،فتح العزيز 3:165.
6- قاله الصيدلاني،راجع:فتح العزيز 3:167.
7- النهاية:69.
8- المبسوط 1:99،و ليس فيه:(لم)،و الظاهر انه سقط من النسخة المطبوعة إذ بدونها لا تنسق عبارة الشيخ.

و قال ابن بابويه:و المفوضة رووا اخبارا وضعوها في الأذان:محمد و آل محمد خير البرية،و اشهد ان عليا ولي اللّه و انّه أمير المؤمنين حقا حقا،و لا شك انّ عليا ولي اللّه و ان آل محمد خير البرية،و ليس ذلك من أصل الأذان (1).

قال:و انما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيارة المتهمون المدلسون أنفسهم في جملتنا (2).

الخامسة استحباب حكاية الأذان لسامعه

يستحب الحكاية للسامع إجماعا لما روى أبو سعيد الخدري انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن» (3).

و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول في كل شيء» (4).

و قال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم:«لا تدعن ذكر اللّه على كل حال،و لو سمعت المنادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه تعالى،و قل كما يقول» (5).

و روى ابن بابويه ان حكايته تزيد في الرزق (6).

و ليقل الحاكي:اشهد ان لا إله إلا اللّه و ان محمدا رسول اللّه،أكفي بها عن كلّ من أبي و جحد،و أعين بها من أقرّ و شهد،ليكون له من الأجر عدد

ص: 203


1- الفقيه 1:188 ح 897.
2- الفقيه 1:188 ح 897.
3- الموطأ 1:67،المصنف لعبد الرزاق 1:478 ح 1842،سنن الدارمي 1:272،صحيح البخاري 1:159،صحيح مسلم 1:288 ح 383،سنن ابن ماجة 1:238 ح 720،سنن أبي داود 1:144 ح 522.
4- الكافي 3:307 ح 29.
5- الفقيه 1:187 ح 892.
6- الفقيه 1:189 ح 904.

الفريقين،روي ذلك عن الصادق عليه السلام (1).

فروع:

الحكاية بجميع ألفاظ الأذان حتى الحيعلات،للخبر (2).

و قال في المبسوط:روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«يقول إذا قال:حي على الصلاة:لا حول و لا قوة إلا باللّه» (3).

و لو كان في الصلاة لم يحيعل فتبطل به،و لو قال بدلها في الصلاة:(لا حول و لا قوة إلا باللّه)فلا بأس.و لو كان يقرأ القرآن،قطعه و حكى الأذان،و غيره من الكلام بطريق الاولى.

و ظاهر الشيخ انه لا يستحب حكايته في الصلاة و ان كانت الحكاية فيها جائزة،و صرّح بذلك في الخلاف (4).

و لو فرغ من الصلاة و لم يحكه،فالظاهر سقوط الحكاية،قال الشيخ:

يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا (5).

و قال الفاضل في مقصد الجمعة من تذكرته:الأقرب انه لا يستحب حكاية الأذان الثاني يوم الجمعة،و أذان عصر عرفة،و عشاء المزدلفة،و كل أذان مكروه،و أذان المرأة.اما الأذان المقدم قبل الفجر،فالوجه استحباب حكايته، و كذا أذان من أخذ عليه أجرا و ان حرم دون أذان المجنون و الكافر (6).

و يستحب ان يأتي بما نقصه المؤذن،و في الرواية عن الصادق عليه6.

ص: 204


1- المحاسن:49،الكافي 3:307 ح 30،الفقيه 1:187 ح 891،ثواب الأعمال:52.
2- إشارة إلى الخبر المتقدم في الهامش رقم 4.
3- المبسوط 1:97.
4- الخلاف 1:285،المسألة 29.
5- المبسوط 1:97.
6- تذكرة الفقهاء 1:156.

السلام:«إذا نقص المؤذن،و أنت تريد ان تصلي بأذانه،فأتمّ ما نقص» (1).

و ليقل عند سماع الشهادتين:و انا اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و ان محمدا عبده و رسوله،رضيت باللّه ربا،و بالإسلام دينا،و بمحمد رسولا،و بالأئمة الطاهرين أئمة.اللهم صلى على محمد و آل محمد.اللهم رب هذه الدعوة التامة،و الصلاة القائمة،آت محمدا الوسيلة و الفضيلة،و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته،و ارزقني شفاعته يوم القيامة.

و عن الصادق عليه السلام:«من قال حين يسمع أذان الصبح:اللهم إني أسألك بإقبال نهارك،و ادبار ليلك،و حضور صلواتك و أصوات دعاتك،ان تتوب عليّ انك أنت التواب الرحيم،و قال مثله حين يسمع أذان المغرب(الا انه يقول موضع نهارك ليلك و بالعكس) (2)ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا» (3).

السادسة استحباب الطهارة فيهما

يستحب الطهارة فيه إجماعا،لما روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«حق و سنة أن لا يؤذن أحد إلاّ و هو طاهر» (4).

و يجوز على غير طهر،لقول علي عليه السلام:«لا بأس ان يؤذن و هو جنب،و لا يقيم حتى يغتسل» (5)و هو يدل على انّ شرعية الطهارة في الإقامة

ص: 205


1- التهذيب 2:280 ح 1112.
2- العبارة موجودة في هامش و مذيّلة بكلمة(صح)،و هي ليست في س و المصادر،و كذلك ليست في المصادر التي شرحت(الفقيه)أو نقلت منه،مثل:روضة المتقين 2:237،بحار الأنوار 84:173،وسائل الشيعة 4:669.
3- الفقيه 1:187 ح 890،أمالي الصدوق:219 فلاح السائل:227.و في:ثواب الاعمال: 183،عيون اخبار الرضا 1:253،كشف الغمة 2:291 عن الامام الرضا عليه السلام.
4- السنن الكبرى 1:397،تلخيص الحبير 3:190 عن البيهقي و الدار قطني في الافراد و أبو الشيخ في الأذان.
5- الفقيه 1:188 ح 896،التهذيب 2:53 ح 181.

آكد،و لقول الصادق عليه السلام:«و لا تقم الاّ و أنت على وضوء» (1)و من ثم جعل المرتضى الطهارة شرطا في الإقامة (2).

و لو أحدث خلال الإقامة استحب له الاستئناف بعد الطهارة،و في أثناء الأذان يتطهر و يبني.

و يستحب الاستقبال فيهما إجماعا،تأسيا بمؤذني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)،و في الإقامة آكد،و أوجبه فيها المرتضى و المفيد (4).

و يكره الالتفات يمينا و شمالا،سواء كان على المنارة أو لا،و لا يلوي عنقه عند الحيعلتين،و لا يستدير بجميع بدنه إن كان في المنارة.

و يستحب ان يضع إصبعيه في أذنيه،لأنّ الصادق عليه السلام جعله من السنّة (5).

و استحب سلار ذكر اللّه تعالى بين الفصول بصفات مدحه و تسبيحه (6).

و يستحب ان يكون قائما مع القدرة،لأنه أبلغ لصوته،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يا بلال قم فناد بالصلاة» (7)و قال الباقر عليه السلام:«لا يؤذن جالسا الا راكب أو مريض» (8)و قيامه على مرتفع،لقول الصادق عليه السلام:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة،فيقول لبلال:0.

ص: 206


1- التهذيب 2:53 ح 179.
2- جمل العلم و العمل 3:30.
3- المغني 1:472،تلخيص الحبير 3:179.
4- المقنعة:15،جمل العلم و العمل 3:30.
5- الفقيه 1:184 ح 873،التهذيب 2:284 ح 1135.
6- المراسم:69.
7- صحيح مسلم 1:285 ح 377،الجامع الصحيح 1:363 ح 190،سنن النسائي 2:3. السنن الكبرى 1:392.
8- التهذيب 2:57 ح 199،الاستبصار 1:302 ح 1120.

اعل فوق الجدار،و ارفع صوتك بالأذان» (1).

و يجوز الأذان قاعدا،لرواية محمد بن مسلم (2)و القيام في الإقامة آكد، للنص عن العبد الصالح (3).

و يجوز الأذان راكبا و ماشيا،و تركه أفضل،و في الإقامة آكد،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء،و لا تقيم و أنت راكب أو جالس،الا من علة أو تكون في أرض ملصّة» (4).

و ينبغي للمؤذن راكبا أو ماشيا استقبال القبلة بالتشهد،للنص عن أحدهما عليهما السلام (5).

و لو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس،للنص عن الصادق عليه السلام لما قال له يونس الشيباني:أ أقيم و انا ماش؟قال:«نعم».و قال:«إذا أقمت فأقم مترسلا،فإنك في الصلاة».فقال له:أ فيجوز المشي في الصلاة؟فقال:«نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع إمام عادل،ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك» (6).

و قال ابن بابويه:لا بأس بالأذان قائما و قاعدا،و مستقبلا و مستدبرا، و ذاهبا و جائيا،و على غير وضوء.و الإقامة على وضوء مستقبلا.و ان كان اماما فلا يؤذن إلاّ قائما (7).8.

ص: 207


1- المحاسن:48،الكافي 3:307 ح 31،التهذيب 2:58 ح 206.
2- التهذيب 2:56 ح 194،الاستبصار 1:302 ح 1118.
3- الكافي 3:305 ح 16،التهذيب 2:56 ح 195،الاستبصار 1:302 ح 1119.
4- الفقيه 1:183 ح 868،التهذيب 2:56 ح 192.
5- الفقيه 1:185 ح 878،التهذيب 2:56 ح 196.
6- التهذيب 2:57 ح 198،282 ح 1125.
7- المقنع:28.
السابعة:يستحب الوقوف على فصولهما،

لقول الصادق عليه السلام:

في رواية خالد بن نجيح:«الأذان و الإقامة مجزومان» (1)و في خبر آخر:

«موقوفان» (2).

و يستحب التأني في الأذان،و الحدر في الإقامة،لقول الباقر عليه السلام:«الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء،و الإقامة حدر» (3).

قلت:الظاهر انّه ألف(اللّه)الأخيرة غير المكتوبة و هاؤه في آخر الشهادتين،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يؤذن لكم من يدغم الهاء» (4).

و كذا الألف و الهاء في الصلاة من(حي على الصلاة).

و قال ابن إدريس:المراد بالهاء هاء(إله)لا هاء(اشهد)و لا هاء(اللّه)، لأنهما مبنيتان (5).

و لا ينافي حدر الإقامة قوله:«فأقم مترسّلا»لإمكان حمله على ترسل لا يبلغ ترسل الأذان،أو على ترسل لا حركة فيه و لا ميلا عن القبلة،كما في حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه السلام:«و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» (6).

تنبيه:

الحدر في الإقامة مستحب مع مراعاة الوقوف على الفصول،فيكره الاعراب فيها-كما يكره في الأذان-للحديث (7).

ص: 208


1- الفقيه 1:184 ح 874.
2- الفقيه 1:184 ح 874.
3- التهذيب 2:58 ح 203.
4- المغني 1:479 عن الدار قطني في الافراد.
5- السرائر:44.
6- الكافي 3:306 ح 21،التهذيب 2:56 ح 197.
7- الكافي 3:306 ح 26،الجامع الصحيح 1:373 ح 195،المستدرك على الصحيحين 1: 204.

و يستحب رفع الصوت بالأذان،لرواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام:«ارفع به صوتك،و إذا أقمت فدون ذلك» (1).و لأنّ الغرض الإبلاغ و لا يتمّ الاّ برفع الصوت،و ليس عليه ان يجهد نفسه،و المؤذن لنفسه و الحاضرين يكفيه الجهر،و ان رفع كان أفضل.و لقول الصادق عليه السلام:«إذا أذّنت فلا تخفين صوتك،فانّ اللّه يأجرك على مدّ صوتك فيه» (2).و عن الباقر عليه السلام:«لا يجزئك من الأذان و الإقامة إلا ما أسمعت نفسك و افهمته» (3)» (4).

و يجوز للمريض الاسرار،لقوله عليه السلام:«لا بد للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة،و لو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به» (5).و كلّ من أسرّ بهما فلا بد من إسماع نفسه.

و ينبغي رفع الصوت بالأذان في المنزل،ليولد له،و يزول سقمه،رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه السلام،قال:ففعلت ذلك فاذهب اللّه عني سقمي و كثر ولدي.قال محمد بن راشد:و كنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي و جماعة خدمي،فلما سمعت ذلك من هشام عملت به،فاذهب اللّه عني و عن عيالي العلل (6).

الثامنة:يكره الكلام في خلالهما،

و في الإقامة آكد،لقول الصادق عليه

ص: 209


1- الفقيه 1:185 ح 876.
2- التهذيب 2:58 ح 205،و ليس فيه«على».
3- في المصدر:«أو فهمته».و ضبطها الشيخ البهائي كما في المتن،قال في فصل الأذان و الإقامة من كتابه الحبل المتين:201:الثاني-عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة غير المفهمة ان كان المؤذن غيره،كما يظهر من قوله عليه السلام:«و افهمته»و هو مضبوط في الكتب المعتبرة بالبناء للمفعول،و جعله عطفا تفسيريا لإسماع النفس محتمل أيضا.و اما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.
4- الفقيه 1:184 ح 875.
5- علل الشرائع:329،التهذيب 2:282 ح 1123،الاستبصار 1:300 ح 1109.
6- الكافي 3:308 ح 33،6:9 ح 9،الفقيه 1:189 ح 903،التهذيب 2:59 ح 207.

السلام لأبي هارون المكفوف:«إذا أقمت فلا تتكلم،و لا يومئ بيدك» (1).

و الروايات الدالة على جواز الكلام فيهما (2)لا تنافي الكراهية.

و تزيد الكراهية بعد قوله:(قد قامت الصلاة)،و بعد فراغ الإقامة،لقوله عليه السلام:«إذا قال المؤذن:قد قامت الصلاة،فقد حرم الكلام على أهل المسجد،الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى،و ليس لهم امام،فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض:تقدم يا فلان» (3).

و يستحب إعادة الإقامة لو تكلّم،لقوله عليه السلام:«لا تكلم إذا أقمت الصلاة،فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة» (4).

و عمل الشيخان و المرتضى بظاهر خبر تحريم الكلام و أفتوا بالتحريم،الا بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف (5).

و المفيد و المرتضى حرما الكلام في الإقامة أيضا (6).

فرع:

لو طال الكلام في خلال الأذان أو السكوت أو النوم أو الجنون أو الإغماء،بحيث لا يذكر انّ الثاني مبني على الأول،استأنفه ليحصل ما يسمى أذانا.

و كذا لو ارتدّ ثم عاد،و قال الشيخ في المبسوط:يستأنف (7)و أطلق،مع6.

ص: 210


1- الكافي 3:305 ح 20،التهذيب 2:54 ح 185،الاستبصار 1:301 ح 1111.
2- راجع:التهذيب 2:54 ح 186،55 ح 188،189،الاستبصار 1:301 ح 1110، 1111،1115.
3- التهذيب 2:55 ح 189،الاستبصار 1:301 ح 1116.
4- التهذيب 2:55 ح 191،الاستبصار 1:301 ح 1112.
5- المقنعة:15،النهاية:66،مختلف الشيعة:90.
6- المقنعة:15،مختلف الشيعة:88.
7- المبسوط 1:96.

قوله:انه لو أتمّ الأذان ثم ارتدّ اعتدّ به،و انه وقع صحيحا أولا فلا يبطل الا بدليل (1)قال في المعتبر:ما ذكره من الحجة يلزم في الموضعين (2).

و أطلق أيضا البناء مع الإغماء إذا أفاق،و جعل استئنافه أفضل (3).

التاسعة:يكره ان يكون المؤذن لحانا،

حذرا من احالة المعني-كما لو نصب رسول اللّه-و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤمّكم أقرؤكم، و يؤذن لكم أفصحكم» (4).

و في حديث آخر:«و يؤذن لكم خياركم» (5).

و لو كان فيه لثغة فلا بأس،لما روي ان بلالا كان يبدل الشين سينا (6).

العاشرة استحباب الفصل بينهما

يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهر و العصر محسوبتين من سنّتيهما،لما روي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام:«يؤذن للظهر عند ست ركعات،و يؤذن للعصر على ست ركعات» (7).

و يجوز بجلسة،و في المغرب بنفس،لقول الصادق عليه السلام:«بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا» (8).

و روي استحباب الجلسة في المغرب عن الصادق عليه السلام:«و انه

ص: 211


1- المبسوط 1:96.
2- المعتبر 2:134.
3- المبسوط 1:96.
4- الفقيه 1:185 ح 880.
5- الفقيه 1:185 ح 880،سنن ابن ماجة 1:240 ح 726،سنن أبي داود 1:161 ح 590، مسند أبي يعلى 4:231 ح 2343،السنن الكبرى 1:426.
6- المغني 1:479،الشرح الكبير 1:450.
7- التهذيب 2:286 ح 1144 و فيه:أو أبي الحسن عليه السلام،و في الموضعين«على»بدل «عند».
8- التهذيب 2:64 ح 229،الاستبصار 1:309 ح 1150.

كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه» (1).

و عنه عليه السلام:«أفضل بين الأذان و الإقامة بقعود،أو كلام،أو تسبيح»،و قال:«يجزئه الحمد للّه» (2).

و عنه عليه السلام:«لا بد من قعود بين الأذان و الإقامة» (3).

و في مضمر الجعفري:«أفرق بينهما بجلوس أو ركعتين» (4).

و ذكر الأصحاب الفصل بسجدة،أو خطوة،أو سكتة (5).

و عن الصادق عليه السلام:انه أذّن و أقام و لم يفصل بينهما بجلوس (6)و لعلّه فصل بينهما بسكوت،أو خطوة،أو تسبيحة.

و قد روى العامة عن جابر،عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال لبلال:

«اجعل بين أذانك و إقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله،و الشارب من شربه، و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجة» (7)يراد به المتخلّي.

و عن أبي هريرة عنه صلّى اللّه عليه و آله:«جلوس المؤذن بين الأذان و الإقامة سنّة» (8).

و يستحب ان يقول في جلوسه ما روي عنهم عليهم السلام:«اللهم اجعل قلبي بارا،و عيشي قارا،و رزقي دارا،و اجعل لي عند قبر رسول اللّهه.

ص: 212


1- المحاسن:50،التهذيب 2:64 ح 231،الاستبصار 1:309 ح 1151.
2- الفقيه 1:185 ح 877،و صدره في التهذيب 2:49 ح 162.
3- التهذيب 2:64 ح 226.
4- التهذيب 2:64 ح 227.
5- راجع:المقنعة:15،المبسوط 1:96،المعتبر 2:142.
6- التهذيب 2:285 ح 1138.
7- الجامع الصحيح 1:373 ح 195،المستدرك على الصحيحين 1:204،السنن الكبرى 1: 428.
8- المغني 1:458،الشرح الكبير 1:444 عن أبي تمام في فوائده.

صلّى اللّه عليه و آله قرارا و مستقرا» (1)و يستحب قوله ساجدا (2).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الدعاء بين الأذان و الإقامة لا يردّ» (3).

الحادية عشرة:يستحب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله عند ذكره

للمؤذن و السامع،

في الأذان و غيره،لعموم قوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ (4)صلّى اللّه عليه و آله،و لقول الباقر عليه السلام:«و أفصح بالألف و الهاء،و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله كلما ذكرته،أو ذكره ذاكر عندك،في أذان أو غيره» (5).

و قال ابن بابويه:قال الصادق عليه السلام:«كان اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله يكرر في الأذان،و أول من حذفه ابن أروى» (6).

الثانية عشرة ما روي عن الرضا عليه السلام في علة الأذان

ذكر الفضل بن شاذان في العلل عن الرضا عليه السلام انه قال:«إنما أمر الناس بالأذان تذكيرا للناسي،و تنبيها للغافل،و تعريفا لجاهل الوقت،و ليكون المؤذن داعيا الى عبادة الخالق (7)بالتوحيد،مجاهرا بالايمان، معلنا بالإسلام.و انما بدئ فيه بالتكبير و ختم بالتهليل لأنّ اللّه تعالى أراد ان يكون الابتداء بذكره و الانتهاء بذكره،و انما ثني ليتكرر في آذان المستمعين، فان سها عن الأول لم يسه عن الثاني،و لأنّ الصلاة ركعتان.

و جعل التكبير في أول الأذان أربعا لأنّ أول الأذان يبدو في غفلة،و جعل

ص: 213


1- الكافي 3:308 ح 32،التهذيب 2:64 ح 230.
2- مصباح المتهجد:28.
3- المصنف لعبد الرزاق 1:495 ح 1909،مسند احمد 3:155،سنن أبي داود 1:144. ح 521،الجامع الصحيح 1:415 ح 212.
4- سورة الأحزاب:56.
5- الكافي 3:303 ح 7،الفقيه 1:184 ح 875.
6- الفقيه 1:195 ح 913.
7- في المصادر الثلاث زيادة:«و مرغبا فيها،و مقرا له».

بعد التكبير التشهد لأنّ أول الإيمان هو الإقرار بالوحدانية،و الثاني الإقرار بالرسالة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و ان طاعتهما و معرفتهما مقرونتان، و جعل شهادتين كما جعل في سائر(الكتب) (1)شهادتين.

و جعل بعدهما الدعاء إلى الصلاة لأن الأذان انما هو نداء للصلاة، فجعل وسط الأذان الدعاء إليها و الى الفلاح و الى خير العمل،و ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه» (2).

الثالثة عشرة ثبوت فقرة«حي على خير العمل»في الأذان

ثبت من طريق الأصحاب(حيّ على خير العمل)في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ان بلالا لما قال:لا أؤذن لأحد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لما تركت:(حي على خير العمل) (3)و ان الثاني أمر بتركها لئلا يتخاذل الناس عن الجهاد (4)و كان ابن النباح مؤذن علي عليه السلام يقولها، فإذا رآه علي عليه السلام:«مرحبا بالقائلين عدلا،و بالصلاة مرحبا و أهلا» (5).

و قال ابن الجنيد:روي عن سهل بن حنيف،و عبد اللّه بن عمر،و الباقر و الصادق عليهما السلام:انهم كانوا يؤذنون ب(حي على خير العمل)و في حديث ابن عمرا انه سمع أبا محذورة ينادي:ب(حي على خير العمل)،في أذانه عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عليه شاهدنا آل الرسول.و عليه العمل بطبرستان،و اليمن،و الكوفة و نواحيها،و بعض بغداد (6).

ص: 214


1- في المصادر الثلاث:«الحقوق».
2- الفقيه 1:195 ح 915،علل الشرائع:258،عيون اخبار الرضا 2:105.
3- الفقيه 1:184 ح 872.
4- دعائم الإسلام 1:142،علل الشرائع:368.
5- الفقيه 1:187 ح 890.
6- ما روي عن سهل في: و عن ابن عمر في:المصنف لعبد الرزاق 1:464 ح 1797،المصنف لابن أبي شيبة 1: 215،السنن الكبرى 1:424. و عن الباقر و الصادق عليهما السلام في:التهذيب 2:60 ح 210،211،الاستبصار 1: 305 ح 1134،1136.

و قال ابن أبي عبيد:إنّما أسقط(حي على خير العمل)من نهى عن المتعتين و عن بيع أمهات الأولاد،خشية ان يتكل الناس بزعمه على الصلاة و يدعوا الجهاد.قال:و قد روي انه نهى عن ذلك كله في مقام واحد (1).

و ثبت أيضا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذّن و كان يقول:«اشهد اني رسول اللّه»،و تارة يقول:«اشهد ان محمدا رسول اللّه»،و أنكر العامة أذانه عليه السلام.

نعم،كان اشتغاله بالإمامة الدائمة تمنعه من ذلك،فإنها أفضل من الأذان،لقوله عليه السلام:«الأئمة ضمناء،و المؤذنون أمناء» (2)فبدأ بالأئمة، و الضامن أكثر عملا من الأمين فيكون أكثر ثوابا،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يكن ليترك الأفضل إلى غيره.و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«فأرشد اللّه الأئمة، و غفر للمؤذنين»لا يدل على أفضلية الأذان،لأن دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله لهم مستجاب،و من أرشد فهو مستحق للمغفرة،فقد جمع له بين الأمرين.

و اما الإقامة،فقال الشيخ:هي أفضل من الأذان (3)لقربها من الصلاة و لقول الصادق عليه السلام:«إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (4)و لشدة تأكيدها باعتبار الطهارة و القيام و شدة كراهة الكلام.7.

ص: 215


1- انظر:البحر الزّخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار 2:192 و شرح الأزهار 1:223، و انظر شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني 2: 41-42.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:58 ح 174،المصنف لعبد الرزاق 1:477 ح 1839،السنن الكبرى 1:430.
3- حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:104.
4- الكافي 3:306 ح 21،التهذيب 2:56 ح 197.
الرابعة عشرة:الترتيب شرط في صحة الأذان و الإقامة،

بينهما و بين كلماتهما،تأسيا بمؤذني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و بما علمه جبرئيل عليه السلام (1)و لقول الصادق عليه السلام:«من سها في الأذان فقدّم أو أخّر،أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي الى آخره» (2).

فعلى هذا لو أخلّ بالترتيب لم تحصيل له فضيلة الأذان،و لم يعتدّ به في الجماعة،و لم يكتف به أهل البلد.و ان تعمّد ذلك معتقدا أنّه أذان أثم باعتقاده،و ان أسمع غيره أمكن إثمه بفعله أيضا،لجواز اعتقاد بعض الجهال تصويبه.

و قد أطلق عليه بعض الأصحاب الوجوب بهذا المعنى (3)و هذا هو الوجوب غير المستقر.

ص: 216


1- التهذيب 2:60 ح 210،الاستبصار 1:305 ح 1134.
2- التهذيب 2:280 ح 1115.
3- راجع:الوسيلة:90،الغنية:494.
الفصل الثاني:في المؤذن.
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى:أجمع العلماء على اشتراط عقله،

لرفع القلم عن المجنون فلا حكم لعبارته،و لأنّ المؤذن أمين و لا يتصور فيه الامانة.

و في حكمه الصبي غير المميز،اما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا.

و روى العامة:انّ بعض ولد أنس كان يؤذن لعمومته و يصلون جماعة،و انس شاهد لا ينكره (1).و روينا عن علي عليه السلام:«لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان يحتلم» (2).

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤذّن لكم خياركم» (3)حث على صفة الكمال،إذ الإجماع واقع على جواز أذان غير الخيار.نعم،بلوغ المؤذن أفضل،لهذا الخبر،و لانّه يقلده أولو العذر،و لأنّ مؤذني النبي صلّى اللّه عليه و آله كانوا بالغين.

و في حكم المجنون السكران الذي لا تحصيل له،لعدم انتظام كلامه غالبا،و عدم قصده.

الثانية:يشترط فيه الإسلام

إجماعا،لهذا الحديث،و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذنون أمناء» (4)و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«اللهم اغفر للمؤذنين» (5)و قول الصادق عليه السلام:«لا يجوز ان يؤذن إلا رجل مسلم

ص: 217


1- المغني 1:459،الشرح الكبير 1:448،عن ابن المنذر.
2- الفقيه 1:188 ح 896،التهذيب 2:53 ح 181.
3- تقدم في ص 211 الهامش 5.
4- تقدم في ص 215 الهامش 4.
5- تقدم في ص 215 الهامش 5.

عارف» (1)و لانّه داع إلى الصلاة و ليس من أهلها،و لانّه لا يعتقد مضمون الكلمات و لا الصلاة التي دعا إليها فهو كالمستهزئ.

فان قلت:التلفظ بالشهادتين إسلام فلا يتصور أذان الكافر.

قلت:قد يتلفظ بهما غير عارف بمعناهما-كالأعجمي،أو مستهزئا،أو حاكيا،أو غافلا،أو متأولا عدم عموم النبوة كالعيسوية من اليهود-فلا يوجب تلفظه بهما الحكم بالإسلام.و لئن خلا عن العارض و حكم بإسلامه،لم يعتد بأذانه،لوقوع أوله في الكفر.

الثالثة في جواز الاعتداد بأذان العبد

لا تشترط الحرية،فيجوز أذان العبد إجماعا،لعموم الألفاظ الدالة على شرعية الأذان بالنسبة إلى المكلفين،و لانّه تصح إمامته-على ما يأتي ان شاء اللّه-فالأذان أولى.

الرابعة مشروعية الأذان للنساء

الأذان مشروع للنساء،فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا.

و روى العامة عن عائشة انها كانت تؤذن و تقيم (2)و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذن لأم ورقة أن تؤذّن و تقيم و تؤم نساءها (3)و لقول الصادق عليه السلام في المرأة تؤذّن:«حسن ان فعلت» (4).نعم،لا يتأكد في حقهن،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ليس على النساء أذان،و لا اقامة» (5)و مثله عن الصادق عليه السلام،رواه جميل بن دراج (6).

ص: 218


1- الكافي 3:304 ح 13،التهذيب 2:277 ح 1101.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:126 ح 5015،5016،المصنف لابن أبي شيبة 1:223، المستدرك على الصحيحين 1:203،السنن الكبرى 1:408،3:131.
3- راجع:السنن الكبرى 1:406،كنز العمال 8:306.
4- التهذيب 2:58 ح 202.
5- الخصال:511،السنن الكبرى 1:408،كنز العمال 7:697 ح 20981 عن أبي الشيخ في الأذان.
6- الكافي 3:305 ح 18،التهذيب 2:57 ح 200.

و تجزئها الشهادتان،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا شهدت الشهادتين فحسبها» (1).و روى عبد اللّه عن الصادق عليه السلام:«يجزئها ان تكبّر و تشهد الشهادتين» (2).

و لو أذّنت للمحارم،فكالأذان للنساء في الاعتداد.اما للأجانب،فظاهر المبسوط الاعتداد به،لانّه لا مانع منه،مع انّه نهى ان يرفعن أصواتهن بحيث يسمعن الرجال (3).فإن أراد به مع الاسرار،فبعيد الاجتزاء بما لم يسمع،لأنّ المقصود بالأذان الإبلاغ،و عليه دلّ قوله صلّى اللّه عليه و آله:«ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتا» (4).و ان أراد مع الجهر فأبعد،للنهي عن سماع صوت الأجنبية،الا ان يقال:ما كان من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن مستثنى،كما استثني الاستفتاء من الرجال،و تعلمهنّ منهم،و المحاورات الضرورية.

و في حكم المرأة الخنثى،فتؤذّن للمحارم من الرجال و النساء،و لأجانب النساء لا لأجانب الرجال.

و لعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه،فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة.

الخامسة في جواز الاعتداد بأذان الفاسق

يعتد بأذان الفاسق-خلافا لابن الجنيد (5)-لإطلاق الألفاظ في شرعية الأذان و الحث عليه،و لانّه يصحّ منه الأذان لنفسه فيصح لغيره.

نعم،العدل أفضل،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«يؤذن لكم خياركم» (6)و لان

ص: 219


1- التهذيب 2:58 ح 201.
2- التهذيب 2:58 ح 202.
3- المبسوط 1:96.
4- مسند أحمد 4:43،سنن الدارمي 1:269،سنن ابن ماجة 1:232 ح 706،سنن أبي داود 1:135 ح 499،شرح معاني الآثار 1:142،سنن الدار قطني 1:241.
5- مختلف الشيعة:90.
6- تقدم في ص 211 الهامش 5.

ذوي الأعذار يقلدونه،و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«المؤذنون أمناء» (1).

فروع:

لو أراد الإمام أو الحاكم نصب مؤذن يرزق من بيت المال،فالأقرب اعتبار عدالته،لأنّ كمال المصلحة يتوقف عليه.و كذا لو تشاح العدل و الفاسق قدّم العدل.

و لو تشاح العدول أو الفاسقون قدّم الأعلم بالأوقات،لأمن الغلط معه و لتقليد أرباب الأعذار له،و منه يعلم تقديم المبصر على المكفوف،ثم الأشدّ محافظة على الأذان في الوقت،ثم الأندى صوتا،ثم من ترتضيه الجماعة و الجيران.و مع التساوي فالقرعة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لو يعلم الناس ما في الأذان و الصف الأول،ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه، لفعلوا» (2)و لقولهم عليهم السلام:«كل أمر مجهول فيه القرعة» (3).

و لا يترجح في الأذان نسل أبي محذورة-بحاء مهملة و ذال معجمة- و سعد القرظ-بفتح القاف و الراء و الظاء المعجمة-و لا نسل الصحابة بعد نسلهما (4)لإطلاق الأوامر بالأذان،و البعث عليه و التقييد خلاف الأصل.قال في المعتبر:و هو مذهب علمائنا (5).

السادسة استحباب كون المؤذن بصيرا

يستحب ان يكون مبصرا،لمكان المعرفة بالأوقات.و لو أذّن الأعمى جاز و اعتدّ به،كما كان ابن أم مكتوم رضي اللّه عنه (6)و كرهه بغير مسدّد

ص: 220


1- تقدم في ص 215 الهامش 4،5.
2- الموطأ 1:68،المصنف لعبد الرزاق 1:524 ح 2007،مسند احمد 2:533،صحيح البخاري 1:59،صحيح مسلم 1:325 ح 437،سنن النسائي 2:23.
3- الفقيه 3:52 ح 174،التهذيب 6:240 ح 593،و نصه:«كل مجهول ففيه القرعة».
4- قاله الشافعي،راجع:المجموع 3:102.
5- المعتبر 2:133.
6- صحيح مسلم 1:287 ح 381،سنن أبي داود 1:147 ح 535،السنن الكبرى 1:427.

الشيخ و ابن إدريس (1)و ينبغي أن يتقدمه بصير.

و ان يكون المؤذن عالما بالأوقات ليأمن الغلط،و لو أذّن الجاهل في وقته صح و اعتدّ به.

و ان يكون صيّتا،ليعم النفع به،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لعبد اللّه ابن زيد:«ألقه على بلال،فإنه أندى منك صوتا» (2)أي:أرفع.

و ان يكون حسن الصوت،لتقبل القلوب على سماعة.

السابعة جواز تعدد المؤذن

يجوز تعدّد المؤذن و ان زاد على اثنين.

و قال الشيخ أبو علي-في شرح نهاية والده-:الزائد على الاثنين بدعة بإجماع أصحابنا.

و قال والده في الخلاف:لا ينبغي الزيادة على اثنين،و استدلّ بإجماع الفرقة على ما رووه من انّ الأذان الثالث بدعة (3).

و في المبسوط:يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذّنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد،فاما إذا أذّن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون و لا مستحب.و لا بأس ان يؤذّن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد،لانّه لا مانع منه (4).

و فسّر كلامه:إذا أذّن واحد بعد الآخر،بان يبني أحدهما على فصول الآخر (5)و هو التراسل.

و قيل:بل يكره أذان الثاني بعد الأول إذا كان الوقت ضيقا،اما حقيقة

ص: 221


1- المبسوط 1:97،السرائر:43.
2- تقدم في ص 219 الهامش 4.
3- الخلاف 1:290 المسألة 35.
4- المبسوط 1:98.
5- فسّره بذلك المحقق في المعتبر 2:133،و العلامة في المنتهى المطلب 1:259.

و اما حكما باجتماع الامام و المأمومين،اما مع الاتساع فلا كراهة فيه (1).

و هل يستحب ترتيب مؤذنين للمسجد؟الأقرب نعم،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله في بلال و ابن أم مكتوم (2)و من أظهر فوائده أذان أحدهما قبل الصبح و الآخر بعده.

الثامنة جواز اتحاد المؤذن و المقيم و اختلافهما

يجوز ان يتولّى الأذان و الإقامة واحد،و ان يؤذن واحد و يقيم غيره.

و هل يستحب اتحاد المؤذّن و المقيم؟لم يثبت عندنا ذلك،و كذا لم يثبت استحباب اختصاص المؤذّن الأول بالإقامة.و قد روى العامة:ان رجلا من بني صداء أذّن في غيبة بلال،فلما جاء بلال همّ بالإقامة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان أخا صداء قد أذّن،و من أذّن فليقم» (3).

فرع:

لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب في المسجد بالأذان،فلو سبقه سابق اعتدّ به.

و هل تبقى وظيفة الإقامة للراتب؟أوجه:عدمها،لقضية بلال.و ثبوتها مطلقا،لأنّ الظاهر انّ الصدائي أذن بإذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصار كالراتب.و التفصيل بالتفريط من الراتب فتزول وظيفة الإقامة منه،و عدمه

ص: 222


1- قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:278 بعد إيراد العبارة عن المصنف:فان كان هذا الكلام كله من كلام القائل،يكون الشهيد هنا متأملا في الحكمين معا،أو في الأخير فقط.و ان كان الأخير ليس من كلام القيل كان متأملا في الحكم الأول فقط.
2- الكافي 4:98 ح 1،3،الفقيه 1:193 ح 95،و راجع السنن الكبرى 1:429،سنن الترمذي 1:392،203.
3- المصنف لعبد الرزاق 1:475 ح 1833،مسند احمد 4:169،سنن ابن ماجة 1:237 ح 717،سنن أبي داود 1:142 ح 514،شرح معاني الآثار 1:142،السنن الكبرى 1: 381.

فتبقى.

التاسعة اناطة الإقامة بإذن الإمام أو بشاهد الحال

الظاهر ان الإقامة منوطة بإذن الإمام صريحا،أو بشاهد الحال كحضوره عند كمال الصفوف.و روى العامة عن علي عليه السلام:«المؤذن أملك بالأذان،و الامام أملك بالإقامة» (1).

العاشرة:إذا وجد من يتطوع بالأذان،لم يجز تقديم غيره و إعطاؤه من

بيت المال،

لحصول الغرض بالمتطوع.

و لو لم يوجد متطوع جاز رزقه من بيت المال،قال الشيخ:من سهم المصالح،و لا يكون من الصدقات،و لا الأخماس،لأن لذلك أقواما مخصوصين،و يجوز ان يعطيه الامام من ماله (2).

و لا يكون ذلك اجرة،لتحريم الأجرة عليه عند أكثر الأصحاب (3)لما روينا عن علي عليه السلام انه قال:«آخر ما فارقت حبيبي انه قال:يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك،و لا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا» (4).

و قال المرتضى في المصباح:تكره الأجرة (5)تسوية بينها و بين الرزق، و هو متجه،و يحمل الحديث عليه.

فرع:

لو احتيج إلى الزيادة على واحد و لم يوجد متطوع،جاز ان يرزق الزائد، تحصيلا للمصلحة.و كذا لو كان غير المتطوع أكمل بأحد المرجحات جاز رزقه.

ص: 223


1- المصنف لعبد الرزاق 1:476 ح 1836،المصنف لابن أبي شيبة 1:414،السنن الكبرى 2:19.
2- المبسوط 1:98.
3- راجع:الخلاف 1:290.المسألة 36،السرائر:44،مختلف الشيعة:90.
4- الفقيه 1:184 ح 870،التهذيب 2:283 ح 1129.
5- مختلف الشيعة:90.
الفصل الثالث:فيما يؤذن له،و احكام الأذان.
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى:لا يجب الأذان عينا و لا كفاية على أهل المصر،و لا في مساجد

الجماعة،

للأصل،و لعدم علم ذلك من الشرع مع عموم البلوى به،و لقول الباقر عليه السلام:«إنما الأذان سنّة» (1).

و اختلف الأصحاب في وجوبه في مواضع.

أحدها:للصبح و المغرب، فأوجبه ابن أبي عقيل فيهما،و أوجب الإقامة في جميع الخمس (2)لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام:«لا تصل الغداة و المغرب إلا بأذان و اقامة،و رخص في سائر الصلوات بإقامة،و الأذان أفضل» (3).

الثاني: أوجبهما المرتضى-في الجمل-على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر،و أوجبهما عليهم في سفر و حضر في الصبح و المغرب و صلاة الجمعة،و أوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة (4).

و قال ابن الجنيد:يجبان على الرجال جماعة و فرادى،سفرا و حضرا،في الصبح و المغرب و الجمعة،و تجب الإقامة في باقي المكتوبات (5).

ص: 224


1- التهذيب 2:285 ح 1139،الاستبصار 1:304 ح 1130.
2- مختلف الشيعة:87.
3- التهذيب 2:51 ح 167،الاستبصار 1:299 ح 1106.
4- جمل العلم و العمل 3:29،و ليست فيه الفقرة الأخيرة:(و أوجب الإقامة)إلخ،و انما هي في النسخة التي اعتمدها القاضي ابن البراج في شرح جمل العلم و العمل:78،و قد حكاها العلامة في مختلف الشيعة:87.
5- مختلف الشيعة:87.

قال:و على النساء التكبير و الشهادتان فقط (1).

و قد روى أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام:«ان صليت الجماعة لم يجز إلاّ أذان و اقامة،و ان كنت وحدك تبادر أمرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة، إلاّ في الفجر و المغرب فإنّه ينبغي ان تؤذّن فيهما و تقيم،من أجل انّه لا يقصر فيهما» (2).

الثالث: أوجبهما الشيخان،و ابن البراج،و ابن حمزة،في صلاة الجماعة (3).

قال في المبسوط:و متى صلّى جماعة بغير أذان و اقامة لم يحصّل فضيلة الجماعة،و الصلاة ماضية (4).

و قال أبو الصلاح:هما شرط في الجماعة (5)،لرواية أبي بصير هذه.

لنا:الأصل،و قول الباقر عليه السلام:«إنما الأذان سنّة» (6)و هو صحيح السند.و خبر أبي بصير في طريقه علي بن أبي حمزة و هو واقفي،مع إمكان حمله على الندب.

و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام في الإقامة وحدها في المغرب،فقال:«لا بأس» (7).

و روى عبيد اللّه الحلبي عنه عليه السلام في الاجتزاء بالإقامة سفرا بغير8.

ص: 225


1- مختلف الشيعة:87.
2- الكافي 3:303 ح 9،التهذيب 2:50 ح 163،الاستبصار 1:299 ح 1105.
3- المقنعة:15،النهاية:64،المهذب 1:88،الوسيلة:91.
4- المبسوط 1:95.
5- الكافي في الفقه:143،و قال أيضا في الصفحة 120«و المسنون..الأذان و الإقامة للمنفرد».
6- التهذيب 2:285 ح 1139،الاستبصار 1:304 ح 1130.
7- التهذيب 2:51 ح 169،الاستبصار 1:300 ح 1108.

أذان،فقال:«نعم» (1).

و روى زرارة عنه عليه السلام في ناسي الأذان و الإقامة حتى يكبّر،قال:

«يمضى و لا يعيد» (2).

إذا ظهر ذلك علم ان الجماعة يتأكد الأذان فيها على الانفراد،و الصبح و المغرب آكد من باقي الفرائض،و الجهرية آكد من الإخفاتية،و الإقامة آكد من الأذان.

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«أدنى ما يجزئ من الأذان:ان تفتتح الليل بأذان و اقامة،و تفتتح النهار بأذان و اقامة،و يجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (3).

الثانية سقوط الأذان و الإقامة في غير الخمس و الجمعة

يسقط الأذان و الإقامة في غير الخمس و الجمعة بإجماع العلماء، بل يقول المؤذن:الصلاة،ثلاثا،بنصب الصلاة و رفعها.

و قال ابن بابويه:أذان العيدين طلوع الشمس (4).

و يسقطان عند ضيق الوقت،بحيث يلزم من فعلهما خروج وقت الصلاة أو بعضها،لأنّ الندب لا يعارض الفرض.

و عن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الاولى،لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل المسجد و قد صلى القوم،أ يؤذن و يقيم؟قال:

«ان كان دخل و لم يتفرّق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم،و ان كان قد تفرّق الصفّ أذّن و اقام» (5).

و عن علي عليه السلام انّه قال لرجلين دخلا المسجد و قد صلى الناس:

ص: 226


1- التهذيب 2:51 ح 171.
2- التهذيب 2:279 ح 1106،الاستبصار 1:302 ح 1121.
3- الفقيه 1:186 ح 885.
4- الفقيه 1:324.
5- التهذيب 2:281 ح 1120.

«ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه،و لا يؤذن و لا يقيم» (1).و هذا و ان لم يذكر فيه التفرّق الا انه يحمل على المقيّد به.

و عن الصادق عليه السلام إذ قال له أبو علي:صلينا الفجر،فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح،فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه، فقال الصادق عليه السلام:«أحسنت،ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع».

فقلت:فان دخلوا و أرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر بهم إمام» (2).و هذه تدل على كراهة الأذان للمنفرد أيضا -خلافا لابن حمزة (3)-و على ان تفرّق البعض غير كاف في زوال المنع.

و في المبسوط:إذا أذّن في مسجد دفعة لصلاة بعينها،كان ذلك كافيا لمن يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد،و يجوز له ان يؤذن فيما بينه و بين نفسه،و ان لم يفعل فلا شيء عليه (4).و كلامه مؤذن باستحباب الأذان سرا،و ان الكراهية عامة،لقوله:لكل من يصلّي تلك الصلاة،و هو يشمل التفرّق و غيره.

فرع:

الأقرب انّه لا فرق بين المسجد و غيره،و ذكره في الرواية بناء على الأغلب.

الثالثة إيجاب الأذان و الإقامة على من صلّى خلف من لا يقتدي به

من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه و اقام،لرواية محمد

ص: 227


1- التهذيب 2:281 ح 1119.
2- التهذيب 3:55 ح 190. و في الفقيه 1:266 ح 1215:«و لا يبدو لهم امام»راجع في ذلك الحدائق الناضرة 7: 387.
3- قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:266 بعد ان حكى ما في الذكرى عن ابن حمزة:و لم أجد في الوسيلة سوى قوله:يكره الاجتماع مرتين في صلاة و مسجد واحد.راجع الوسيلة:106.
4- المبسوط 1:98.

ابن عذافر عن الصادق عليه السلام:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (1)في اخبار كثيرة (2)يعلم منها انه لا يعتدّ بأذان المخالف،اما لنقصه من فصوله غالبا،و اما لغير ذلك.

و قد روى عمار عنه عليه السلام انه قال:«لا يستقيم الأذان،و لا يجوز أن يؤذن به،الا رجل مسلم عارف.فان علم الأذان فأذّن به و لم يكن عارفا،لم يجز أذانه،و لا إقامته،و لا يقتدى به» (3).

و لو خشي الداخل معهم فوت الصلاة بالاشتغال بهما،اجتزأ بقوله:(قد قامت الصلاة)الى آخر الإقامة،لرواية معاذ بن كثير عنه عليه السلام (4).

قال الشيخ في المبسوط:و روي انه يقول:(حي على خير العمل)مرتين، لانه لم يقل ذلك (5).

و قد روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام:«إذا أذّن مؤذن فنقص الأذان،و أنت تريد ان تصلي بأذانه،فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (6).و هذا كما يدل على التعميل يدل على التهليل أيضا،و كذا ما نقصه سهوا.

الرابعة جواز اجتزاء الامام و المأمومين بأذان مؤذن المسجد

يجوز للإمام و المصلين خلفه الاجتزاء بأذان مؤذن المسجد،أو المؤذن في المصر إذا سمعوه،إذ كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و من بعده يفعلون ذلك،و لرواية عمرو بن خالد عن الباقر عليه السلام،قال:كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة،فقال:«قوموا»،فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا

ص: 228


1- الفقيه 1:251 ح 1130،التهذيب 3:56 ح 192.
2- راجع:الكافي 3:306 ح 22،التهذيب 2:281 ح 1116.
3- الكافي 3:304 ح 13،التهذيب 2:277 ح 1101.
4- الكافي 3:306 ح 22،التهذيب 2:281 ح 1116.
5- المبسوط 1:99.
6- التهذيب 2:280 ح 1112.

إقامة،قال:«يجزئكم أذان جاركم» (1).

و الطريق و ان كان رجاله زيدية الا انّه معتضد بعمل السلف،و برواية أبي مريم الأنصاري،قال:صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و لا رداء،و لا أذان و لا إقامة،فلما انصرف قلت له في ذلك:فقال:«ان قميصي كثيف،فهو يجزئ ان لا يكون عليّ إزار و لا رداء.و اني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم،فلم أتكلم،فأجزأني ذلك» (2).

فرع:

يعلم من هذا انّه لا يشترط كون المؤذن قاصدا الجماعة،و ان سماعة معتبر،و ان الكلام يقدح في الاجتزاء بالإقامة،كما علم مما سلف.

و في اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر،أقربه ذلك،لانّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

و هل يستحب تكرار الأذان و الإقامة للإمام السامع،أو لمؤذنه،أو للمنفرد؟يحتمل ذلك،و خصوصا مع اتساع الوقت.اما المؤذّن للجماعة و المقيم لهم فلا يستحب معه الأذان و الإقامة لهم قطعا.

الخامسة في عدم جواز الاجتزاء بأذان و إقامة الغير منفردا لمن أراد بعد

ذلك الاقتداء به جماعة]

روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده،فيجيء رجل آخر فيقول له:نصلي جماعة،هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا،و لكن يؤذّن و يقيم» (3).

و بها أفتى الأصحاب (4)و لم أر لها رادا سوى الشيخ نجم الدين،فإنه ضعّف سندها بأنّهم فطحية،و قرّب الاجتزاء بالأذان و الإقامة أولا،لأنّه قد ثبت

ص: 229


1- التهذيب 2:285 ح 1141.
2- التهذيب 2:280 ح 1113.
3- الكافي 3:304 ح 13،الفقيه 1:258 ح 1168،التهذيب 2:277 ح 1101،3:282 ح 834.
4- راجع:المبسوط 1:98،تذكرة الفقهاء 1:107.

جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى (1).

قلت:ضعف السند لا يضرّ مع الشهرة في العمل و التلقي بالقبول، و الاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نيّة السامع للجماعة فكأنّه أذّن للجماعة، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.

السادسة في استحباب الأذان لصلاة القضاء

كما يستحب الأذان للأداء يستحب للقضاء،لعموم:

«فليقضها كما فاته» (2).

و لو أذّن و أقام لأول ورده،ثم أقام للبواقي،جاز و ان كان أقل فضلا.

و ربما قيل:بأنّه الأفضل (3)لما روي:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء اللّه،فأمر بلالا فأذّن و أقام فصلّى الظهر،ثم أمره فأقام فصلّى العصر،ثم أمره فأقام فصلى المغرب،ثم أمره فأقام فصلّى العشاء» (4)و لا ينافي العصمة لوجهين:

أحدهما:ما روي من انّ الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى،حتى نسخ ذلك بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية (5).

الثاني:جاز ان يكون ذلك لعدم تمكّنه من استيفاء أفعال الصلاة،و لم يكن قصر الكيفية مشروعا،و هو عائد إلى الأول،و عليه المعوّل.

و لو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين،فالمشهور ان الأذان يسقط

ص: 230


1- المعتبر 2:137.
2- عوالي اللئالي 3:107 ح 105،المهذب البارع 1:460.
3- المجموع 3:83.
4- مسند الطيالسي:44 ح 333،مسند احمد 1:375،الجامع الصحيح 1:337 ح 179، سنن النسائي 2:17،السنن الكبرى 1:403.
5- الاعتبار في الناسخ و المنسوخ:119،السنن الكبرى 3:251. و الآية في سورة النساء:102.

في الثانية،قاله ابن أبي عقيل و الشيخ (1)و جماعة (2)سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية،لأنّ الأذان إعلام بدخول الوقت و قد حصل بالأذان الأول.

و ليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى،و ان جمع بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية،ثم أقام و صلّى الاولى-لمكان الترتيب-ثم أقام للثانية.

و قد روى الأصحاب عن الباقر عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين،و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين» (3).

و على هذا يكون الجمع بين ظهري عرفة و عشاءي المزدلفة مندرجا في هذا،لا لخصوصية البقعة بل لمكان الجمع.و قد روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلي، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان،و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة» (4).

و هل يكره الأذان هنا؟لم أقف فيه على نصّ و لا فتوى،و لا ريب في استحباب ذكر اللّه على كل حال،فلو أذّن من حيث انه ذكر فلا كراهية.

و الأصل فيه:انّ سقوط الأذان هنا هل هو رخصة و تخفيف،أو هو لتحصيل حقيقة الجمع؟فعلى الأول لا يكره،و على الثاني يكره.

أما الأذان للعصر يوم الجمعة،فقال الشيخ في النهاية:لا يجوز (5)و في المبسوط:[يكره] (6).

و قال ابن إدريس:إنما يسقط أذان العصر عمن صلّى الجمعة،اما1.

ص: 231


1- المبسوط 1:96،الخلاف 1:284 المسألة 27.
2- المعتبر 2:136،تذكرة الفقهاء 1:106.
3- الفقيه 1:186 ح 885،التهذيب 3:18 ح 66.
4- التهذيب 2:282 ح 1122.
5- النهاية:107.
6- المبسوط 1:151.

المصلّي ظهرا فلا،و نقله عن المفيد و ابن البراج (1).

و قد روى حفص بن غياث عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (2)و الطريق ضعيف،مع إمكان أن يراد به المسمّى بالأذان الثاني و يكون ثالثا بالنسبة إلى الإقامة.

و احتج الشيخ على الكراهية بما ذكرناه من جمع النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)،و ظاهر انه لا تصريح فيه بالكراهة،و الأقرب الجزم بانتفاء التحريم، و أنه يكره في مواضع استحباب الجمع.

اما لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه،فإنّه يسقط أذان الإعلام،و يبقى أذان الذكر و الإعظام.

السابعة في جواز تدارك الأذان و الإقامة لمن نسيهما و دخل في الصلاة قبل أن يركع

الناسي للأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة يتداركهما ما لم يركع،رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام (4)و علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام،لكن أطلق العود إذا لم يفرغ من الصلاة (5)و المطلق يحمل على المقيّد.

و لا تنافيهما رواية زرارة و أبي الصباح عن الصادق عليه السلام بعدم إعادة الناسي (6)لأن الثابت الاستحباب،و هو لا ينافي جواز الترك.

و أطلق في المبسوط استحباب الرجوع (7).

ص: 232


1- السرائر:67.
2- الكافي 3:421 ح 5،التهذيب 3:19 ح 67.
3- راجع الخلاف 1:2841 المسألة 27.
4- التهذيب 2:278 ح 1103،الاستبصار 1:304 ح 1127.
5- التهذيب 2:279 ح 1110،الاستبصار 1:304 ح 1125.
6- التهذيب 2:279 ح 1106،1108،الاستبصار 1:302 ح 1121،1123.
7- المبسوط 1:95.

و في النهاية خصّ العامد بالرجوع (1)و اختاره ابن إدريس،و منع من جواز الرجوع للناسي (2).

و ابن أبي عقيل جوّز الرجوع للإقامة أيضا (3).

و ابن الجنيد:يرجع للإقامة ما لم يقرأ عامة السورة،و ان خاف ضيق الوقت كبّر و تشهد الشهادتين مرة مرة (4).

و روى زكريا بن آدم عن الرضا عليه السلام ان ذكر ترك الإقامة في الركعة الثانية و هو في القراءة:سكت و قال:(قد قامت الصلاة)مرتين،ثم مضى في قراءته (5)و هو يشكل بأنّه كلام ليس من الصلاة،و لا من الأذكار.

و روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في ناسي الأذان و الإقامة و ذكر قبل ان يقرأ:«فليصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليقم،و ان كان قد قرأ فليتمّ صلاته» (6).

و روى حسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام:«إن ذكر انّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله،ثم يقيم و يصلّي» (7).

قلت:أشار بالصلاة على النبي أولا و بالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة،فيمكن ان يكون السلام على النبي قاطعا لها،و يكون المراد بالصلاة هناك:السلام،و ان يراد الجمع بين الصلاة و السلام،فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع،لانّه قد روي ان التسليم على النبي آخر الصلاة9.

ص: 233


1- النهاية:65.
2- السرائر:43.
3- مختلف الشيعة:88.
4- مختلف الشيعة:88.
5- التهذيب 2:278 ح 1104،الاستبصار 1:304 ح 1128.
6- الكافي 3:305 ح 14،التهذيب 2:278 ح 1102،الاستبصار 1:303 ح 1126.
7- التهذيب 2:278 ح 1105،الاستبصار 1:304 ح 1129.

ليس بانصراف (1).و يمكن ان يراد القطع بما ينافي الصلاة،اما استدبار أو كلام،و يكون التسليم على النبي مبيحا لذلك.و على القول بوجوب التسليم، يمكن ان يقال يفعل هنا ليقطع به الصلاة.

و روى نعمان الرازي عنه عليه السلام في ناسيهما حتى كبّر:«ان كان دخل المسجد،و من نيّته أن يؤذن و يقيم،فليمض في صلاته» (2)قيّد المضي بأن يكون من نية الناسي ذلك،فيعلم انه لو لم يكن من نيّته فعلهما قطع الصلاة،و هو يحتمل أمرين:

أحدهما:انه يكون قد تعمّد تركهما.

الثاني:ان لا يخطرا بباله.فإن أريد الأول أمكن جعله حجة للشيخ في النهاية (3)فإنا لم نقف له على حجّة هنا.

الثامنة حكم الأذان من جلوس

قال ابن الجنيد:لا يستحب الأذان جالسا إلا في حال تباح فيها الصلاة كذلك،و كذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصّة،و إذا أراد ان يؤذّن أخرج رجليه جميعا من الركاب،و كذا إذا أراد الصلاة راكبا،و يجوز للماشي و يستقبل القبلة في التشهد مع الإمكان،فأما الإقامة فلا تجوز الا و هو قائم على الأرض مع عدم المانع.

قال:و لا بأس ان يستدبر المؤذّن في أذانه إذا اتى بالتكبير و التهليل و الشهادة تجاه القبلة،و لا يستدبر في إقامته.و لا بأس ان يؤذّن الرجل و يقيم غيره.و لا بالأذان على غير طهارة،و الإقامة لا تكون الاّ على طهارة،و بما يجوز ان يكون داخلا به في الصلاة،فإن ذكر انّ إقامته كانت على غير ذلك رجع فتطهر و ابتدأ بها من أولها.

ص: 234


1- الفقيه 1:229 ح 1014،التهذيب 2:316 ح 1292.
2- التهذيب 2:279 ح 1107،الاستبصار 1:303 ح 1122.
3- تقدم قوله في ص 231 الهامش 5.

و لا يجوز الكلام بعد(قد قامت الصلاة)للمؤذّن،و لا للتابعين،الا بواجب لا يجوز لهم الإمساك عنه.

التاسعة في عدم وجوب إعادة الأذان و الإقامة لمن قطعت صلاته بحدث أو نحوه إلاّ أن يتكلم

لو عرض قطع الصلاة بحدث أو غيره أعادها،و لا يعيد الأذان مطلقا و لا الإقامة الا ان يتكلم،لما سلف من إعادة الإقامة مع الكلام.

و روى عمار عن الصادق عليه السلام فيمن نسي حرفا من الأذان و الإقامة،قال:يرجع الى الحرف الذي نسيه فيستقبله و ما بعده (1)ذكر ذلك ابن بابويه.

و في التهذيب روى عن عمار عنه عليه السلام:في الإقامة البناء،و فيمن نسي حرفا من الأذان حتى تأخر (2)في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شيء (3).

و روى عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام:«يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة بغير أذان» (4).و روى الحلبي عنه عليه السلام عن أبيه:«انّه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة و لم يؤذن» (5).قال في التهذيب:هذا انما يكون للمنفرد غير المصلي جماعة (6).

قلت:في هذين الخبرين دلالة على انّه لا يتأكد الأذان للخالي وحده، إذ الغرض الأهم من الأذان الاعلام و هو منفي هنا،اما أصل الاستحباب فإنّه قائم،لعموم شرعية الأذان،و يكون الأذان هنا لذكر اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 235


1- الفقيه 1:187 ح 894.
2- كذا في النسخ،و في المصدر:«يأخذ».
3- التهذيب 2:280 ح 1114.
4- التهذيب 2:50 ح 166.
5- التهذيب 2:50 ح 165.
6- التهذيب 2:51.

فان قلت:«كان»يدلّ على الدوام،و الامام لا يداوم على ترك المستحب،فدلّ على سقوط أصل الاستحباب.

قلت:يكفي في الدوام التكرار،و لا محذور في إخلال الإمام بالمستحب أحيانا،إذ المحذور انما هو الهجران للمستحب.

العاشرة:يستحب الأذان و الإقامة في غير الصلاة في مواضع:

منها:في الفلوات الموحشة.روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام:

«إذا تغولت بكم الغول فأذّنوا» (1).

و في الجعفريات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا تغولت بكم الغيلان،فأذنوا بأذان الصلاة» (2)و رواه العامة (3).

و فسره الهروي:بانّ العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغوّل تغوّلا،أي:تتلون تلونا،فتضلهم عن الطريق و تهلكهم (4).و روي في الحديث:«لا غول» (5)و فيه إبطال لكلام العرب،فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات و ان لم يكن له حقيقة.

و منها:الأذان في اذن المولود اليمنى،و الإقامة في اليسرى،نص عليه الصادق عليه السلام (6).

و منها:من ساء خلقه يؤذن في اذنه،فعن الصادق عليه السلام:«من لم يكن يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه،و من ساء خلقه فأذنوا في اذنه» (7).

ص: 236


1- الفقيه 1:195 ح 910.
2- الجعفريات:42.
3- مسند أحمد 3:305،382،الاستذكار 27:261 ح 41065،ميزان الاعتدال 3: 276 ح 6404.
4- راجع:تهذيب اللغة 8:193.
5- مسند احمد 3:312،صحيح مسلم 4:1744 ح 2222.
6- الفقيه 1:195 ح 911.
7- الفقيه 1:195 ح 912.

و في مضمر سليمان الجعفري:سمعته يقول:«أذن في بيتك فإنّه يطرد الشيطان،و يستحب من أجل الصبيان» (1)،و هذا يمكن حمله على أذان الصلاة.

و منها:الأذان المقدّم على الصبح،لما مرّ.

و منعه المرتضى-في ظاهر كلامه-و ابن إدريس (2).

و قال ابن الجنيد:لا يؤذن لصلاة إلا بعد دخول وقتها،و كذا أبو الصلاح -رحمه اللّه-في الكافي (3).و صرح الجعفي بأنّه لا يؤذّن للفجر قبل وقتها كغيرها.

و احتج المرتضى:بأن الأذان دعاء إلى الصلاة،و علم على حضورها، ففعله قبل وقتها وضع للشيء في غير موضعه،و بأنّه روي ان بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يعيد الأذان (4).

و أجيب:بجواز تقدّم الامارة على الحضور،للتأهب للصلاة بالطهارة من الخبث و الحدث،و بانّ فيه فائدة امتناع الصائم من الجماع و احتياطه بعدم الأكل الى غير ذلك من الفوائد،و اما إعادة الأذان فنقول به.و روى عمران بن علي عن الصادق عليه السلام في الأذان قبل الفجر:«إذا كان في جماعة فلا، و ان كان وحده فلا بأس» (5).

الحادية عشرة جواز التثويب للتقية

يجوز التثويب للتقية-و هو قول:الصلاة خير من النوم- في أذان الصبح أو العشاء الآخرة،و مع عدم التقية الأشهر الكراهية.

ص: 237


1- الكافي 3:308 ح 35.
2- الناصريات:192 المسألة 68،جمل العلم و العمل 3:30،السرائر:43.
3- الكافي في الفقه:121.
4- الناصريات:228 المسألة 68. و الرواية في سنن أبي داود 1:146 ح 532،السنن الكبرى 1:383.
5- الكافي 3:306 ح 23،التهذيب 2:53 ح 176.

و قال في الخلاف:التثويب في أذان العشاء بدعة (1).

و قال في المبسوط:يكره التثويب،و لا يستحب الترجيع (2).

و قال المرتضى في الانتصار و الناصرية بكراهة التثويب (3).

و روى معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التثويب الذي بين الأذان و الإقامة،قال:«ما نعرفه» (4).

و قد سبق تجويز ابن الجنيد التثويب في أذان الفجر (5).

و قال الجعفي:تقول في صلاة الصبح بعد قولك(حي على خير العمل):(الصلاة خير من النوم)مرتين،و ليستا من أصل الأذان.و قد رواه البزنطي عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6)و حمله الشيخ على التقية (7).

قال في المعتبر:لست أرى هذا التأويل شيئا،فإن في جملة الأذان(حي على خير العمل)و هو انفراد الأصحاب،لكن الأوجه ان يقال:فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (8).

قلت:و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،انه قال:«كان أبي5.

ص: 238


1- الخلاف 1:288 المسألة 31.
2- المبسوط 1:95.
3- الانتصار:39،الناصريات:228 المسألة 69.و انظر مفتاح الكرامة 2:289،جواهر الكلام 9:113.
4- الكافي 3:303 ح 6،الفقيه 1:188 ح 895،التهذيب 2:63 ح 223،الاستبصار 1: 308 ح 1147.
5- تقدم في ص 201.
6- أورده المحقق في المعتبر 2:145 عن كتاب البزنطي.
7- لم يرو الشيخ هذا الحديث في كتابيه،و حمل على التقية أحاديث أخرى تتضمن مؤداه. راجع:التهذيب 2:63،الاستبصار 1:308،مفتاح الكرامة 1:290.
8- المعتبر 2:145.

ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم» (1)قال الشيخ:أجمعت الطائفة على ترك العمل بهذه (2).

و في النهاية:التثويب:تكرير الشهادتين دفعتين،و تبعه ابن إدريس،و لم يجوّزاه (3)و كذلك لم يجوّزا قول:(الصلاة خير من النوم) (4).

و جوّز الشيخ تكرير الشهادتين للإشعار (5).

و نقل الشيخ:انّه لا خلاف في نفي التثويب في غير الصبح و العشاء (6)، يعني به بين العامة.

و في قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة و عليه أصحابه (7)و في الجديد:لا تثويب،و فسّره:بالصلاة خير من النوم (8).

و أبو حنيفة روي عنه انّ التثويب هو:ان تقول بعد الأذان و مكث قدر عشرين آية:(حي على الصلاة،حي على الفلاح) (9).

و اما العشاء الآخرة فلم يقل أحد باستحباب التثويب فيها الا الحسن بن صالح بن حي (10).و نقل عن الجعفي:انّه مستحب في جميع الصلوات.

و اشتقاق التثويب من ثاب إذا رجع الى الدعاء،أي:الصلاة،بعد ما دعا إليها بالحيعلتين.8.

ص: 239


1- التهذيب 2:63 ح 222،الاستبصار 1:308 ح 1146،السرائر:483.
2- المصدر السابق.
3- النهاية:67،السرائر:43.
4- النهاية:67،السرائر:43.
5- النهاية:67.
6- المبسوط 1:95.
7- المجموع 3:92،فتح العزيز 3:169،الوجيز 1:36.
8- المجموع 3:90،فتح العزيز 3:169،بدائع الصنائع 1:148.
9- المغني 4:453،شرح فتح الغدير 1:214.
10- المجموع 3:98.
الثانية عشرة في استحباب أن يلي الإمام الأذان و الإقامة

قال ابن إدريس:يستحب للإمام ان يلي الأذان و الإقامة ليحصل له ثواب الجميع،الا ان يكون أمير جيش أو سرية،فالمستحب أن يلي الأذان و الإقامة غيره.و نقله عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده (1).

قلت:في استحباب هذا الجمع نظر،لانّه لم يفعله النبي صلّى اللّه عليه و آله الا نادرا،و لا واظب عليه أمير المؤمنين عليه السلام،و لا الصحابة و الأئمة بعدهم غالبا،الا ان نقول:هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم.

الثالثة عشرة حكم الأذان في المنارة

قال في المبسوط:لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض،و المنارة لا يجوز ان تعلّى على حائط المسجد،و يكره الأذان في الصومعة (2)،مع انه استحب ان يكون المؤذّن على موضع مرتفع (3).و يمكن الجمع بين كلامية:بانّ المرتفع مخصوص بما ليس منارة عالية عن سطح المسجد،و لا صومعة.

و روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام و سأله عن الأذان في المنارة، أسنة هو؟فقال:«انما كان يؤذن للنبي صلّى اللّه عليه و آله في الأرض،و لم يكن يومئذ منارة» (4).

و روى السكوني:«ان عليا عليه السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال:لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد» (5).

و الفاضلان استحبا فعله في المنارة،لأنه قد ثبت وضعها في الجملة، و لو لا الأذان فيها لكانت عبثا» (6).

ص: 240


1- السرائر:44.
2- المبسوط 1:96.
3- المبسوط 1:98.
4- التهذيب 2:284 ح 1134.
5- في الفقيه 1:155 ح 723 مرسلا،و في التهذيب 3:256 ح 710 عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام.
6- المعتبر 2:122،مختلف الشيعة:88.

و قال ابن حمزة:يستحب في المأذنة،و يكره في الصومعة (1).

الرابعة عشرة في بعض الأمور التي يستحب للمؤذن و المقيم ان يقولها في نفسه

قال ابن البراج-رحمه اللّه-:يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند(حي على خير العمل):آل محمد خير البرية،مرتين.

و يقول أيضا في نفسه إذا فرغ من قوله(حي على الصلاة):لا حول و لا قوة إلا باللّه،و كذلك يقول عند قوله:(حي على الفلاح).و إذا قال:(قد قامت الصلاة)،قال:اللهم أقمها و أدمها،و اجعلني من خير صالحي أهلها عملا.

و إذا فرغ من قوله:(قد قامت الصلاة)قال في نفسه:اللهم رب (2)الدعوة التامة،و الصلاة القائمة،أعط محمدا صلواتك عليه و آله سؤله يوم القيامة، و بلغه الدرجة و الوسيلة من الجنة،و تقبل شفاعته في أمته (3).

و روى السكوني عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن آبائه،عن علي عليه السلام:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا دخل المسجد و بلال يقيم الصلاة جلس» (4).

و روى عمران الحلبي انّه سأل الصادق عليه السلام عن الأذان في الفجر،قبل الركعتين أو بعدهما؟فقال:«إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما،و ان كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذّنت أو بعدهما» (5).

الخامسة عشرة ما ذكر من استحباب الفصل بخطوة بين الأذان و الإقامة

ذكر معظم الأصحاب الفصل بخطوة بين الأذان و الإقامة (6)و لم أجد به حديثا.

ص: 241


1- الوسيلة:92.
2- في ط و المصدر زيادة:(هذه).
3- المهذب 1:90.
4- التهذيب 2:281 ح 1118.
5- التهذيب 2:285 ح 1142.
6- راجع:المبسوط 1:96،المهذب 1:90،المراسم:69،المعتبر 2:142،نهاية الإحكام 1:416.

و ذكروا تأكيد استحباب الأذان في الجهرية (1)و لم أجد سوى أخبار الغداة و المغرب.و علّله بعضهم:بان الجهر فيها يؤذن بعناية الشرع بالتنبيه عليها، و في الأذان زيادة تنبيه (2).و علل الصادق عليه السلام الغداة و المغرب بعدم التقصير فيهما (3).

و المفيد-رحمه اللّه-جعل العشاء الآخرة مع الظهرين في الاجتزاء بالإقامة للمنفرد (4).

السادسة عشرة عدم مسنونية التفات الإمام بعد الفراغ من الإقامة يمينا و شمالا

قال الشيخ:ليس من السنّة ان يلتفت الامام بعد الفراغ من الإقامة يمينا و شمالا،و لا ان يقول:استووا رحمكم اللّه،لعدم الدليل عليه (5).

قلت:قد ثبت استواء الصفوف-لما يأتي إن شاء اللّه-و قد استثنى الأصحاب من الكلام بعد الإقامة تسوية الصفوف و الامام أحق الجماعة بذلك،فإذا استشعر عدم استواء استحب له الأمر بالاستواء.

و لما تقضّت أبواب المقدمات فحري ان نشرع في الصلاة،و ينحصر النظر فيها في أربعة أركان:

ص: 242


1- راجع:المبسوط 1:95،المعتبر 2:135،تذكرة الفقهاء 1:106،نهاية الإحكام 1: 418.
2- المعتبر 2:135،تذكرة الفقهاء 1:106.
3- التهذيب 2:49 ح 161،الاستبصار 1:299 ح 1104.
4- المقنعة:15.
5- الخلاف 1:317 المسألة:68،المبسوط 1:103.
أركان الصلاة
الركن الأول:
اشارة

في أفعال الصلاة و توابعها

و فصوله أربعة:

الفصل الأول:في الأفعال.
اشارة

و هي إمّا واجبة أو مندوبة.

و الواجبات ثمانية:
اشارة

النية،و التكبير،و القيام،و القراءة،و الركوع، و السجود،و التشهد،و التسليم.و المندوبة تذكر في تضاعيف هذه ان شاء اللّه تعالى.

الواجب الأول:النية. و فيها عشرة مسائل
اشارة

و قد سبق بيان حقيقتها و وجوبها،و لنذكر هنا مسائل:

الأولى:قيل:ان النيّة شرط لا جزء،

لأنّ الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر أو ما يقف عليه صحة الفعل و المعنيان موجودان في النيّة،و لأنّ«أول الصلاة التكبير»و النيّة مقارنة أو سابقة فلا تكون جزء،و لأنها لو كانت جزء لافتقرت إلى نيّة أخرى و يتسلسل،و لأن النيّة تتعلق بالصلاة فلو كانت جزء منها لتعلق الشيء بنفسه،و لان قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الاعمال بالنيات» (1)يدل على مغايرة العمل للنية.

و تحقيق الحال فيه:انّ الجزء و الشرط يشتركان في انّه لا بدّ منهما إذا كان الجزء ركنا،و يفترقان بان الشرط ما يتقدم على الماهية-كالطهارة و ستر العورة- و الجزء ما تلتئم منه الماهية-كالركوع و السجود.

ص: 243


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:4،صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147، السنن الكبرى 7:341.

و قيل:الجزء ما تشتمل عليه الماهية.

و نقض بترك الكلام و الفعل الكثير و سائر المفسدات،فإنها مما تشتمل ماهية الصلاة على وجوب تركها،مع انها لا تعدّ جزء و انما يعدّها بعضهم شروطا.

و أجيب:بأن المراد ب(ما تشتمل عليه الماهية)من الأمور الوجودية المتلاحقة التي افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم،و ظاهر انّ التروك أمور عدمية ليس فيها تلاحق،و هذا فيه تفسير آخر للأجزاء،و حينئذ الشروط ما عداها.

و قيل:انّ الشرط ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة،و الركن ما يكون معتبرا فيها لا بمساوقة،فإن الطهارة و الاستقبال تساوق الركوع و السجود و سائر أفعال الصلاة،بخلاف الركوع فإنه لا يصاحب جميع الأفعال،و لا ريب انّ حقيقة الصلاة انما تلتئم من هذه الأفعال المخصوصة،فما لم يشرع فيها ليس بمصل و ان وجد منه سائر المقدمات.

و ظاهر ان النية مقارنة للتكبيرة الذي هو جزء و ركن،فلا يبعد انتظامها في الاجزاء،و خصوصا عند من أوجب بسط النية على التكبير،أو حضورها من أوله الى آخره (1)و لأنّ قوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2)مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص،و هو المراد بالنية،و لا نعني بالجزء الاّ ما كان منتظما مع الشيء بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة.

و حينئذ نجيب عن تمسك القائلين بالشرطية.

اما عن الأول:فلأنّ النية و ان توقّف عليها تأثير المصلي في جعل الافعال متعبّدا بها،أو توقّف عليها صحة الفعل بمعنى:استتباع غايته من الثواب فلا ينافي ذلك جزئيّتها،لأن سائر الأجزاء التي هي كذلك تتوقّف5.

ص: 244


1- راجع:المعتبر 2:150،شرائع الإسلام 1:78.
2- سورة البينة:5.

عليها الصلاة في صحتها،و في جعل أفعالها متعبدا بها شرعا-توقّف معيّة، فلم لا تكون النيّة كذلك؟.

و عن الثاني:انه مصادرة على المطلوب.

و عن الثالث:منع الملازمة،و سند المنع ان قولنا:الجزء من العبادة يفتقر إلى نيّة ليست القضية فيه كلية،فإنه يخرج عنها النية و النظر الأول المعرف،لوجوب النظر و المعرفة.

و عن الرابع:انه لما كانت النيّة لا تحتاج إلى نيّة كان متعلقها بقية أجزاء الصلاة فلا تتعلق بنفسها،فقول المصلي أو قصده(أصلي)عبارة عن الإتيان بمعظم أفعال الصلاة،تسمية للشيء باسم أكثره.

و عن الخامس:ان المغايرة حاصلة بين جزء الماهية و كلّها ضرورة،و لا يلزم منه الشرطية.

و هذه المسألة لا جدوى لها فيما يتعلق بالعمل الا فيما ندر-كالنذر لمن كان مصليا في وقت كذا،أو ابتدأ الصلاة في وقت كذا-فان جعلناها جزء استحق و برّ،و الاّ فلا.و الاتفاق واقع على اعتبارها في الصلاة بحيث تبطل الصلاة بفواتها و لو نسيانا،سواء جعلناها شرطا أو جزء،و قد اختار في المعتبر انها شرط و احتج بالوجهين الأولين (1).

و اما ما يتخيّل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز إيقاعها قاعدا و غير مستقبل بل و غير متطهر و لا مستور العورة فليس بسديد،إذ المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات و لو جعلناها شرطا.

الثانية:النيّة قصد،و متعلّقه المقصود،

فلا بد من كونه معلوما،فيجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء أو القضاء و الوجوب للتقريب الى اللّه تعالى،ثم يقصد الى هذا المعلوم.

ص: 245


1- المعتبر 2:149.

و تحقيقه:انه إذا أريد نيّة الظهر مثلا،فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن،فإذا حضر قصد المكلّف إلى إيقاعه تقربا الى اللّه و ليس فيه ترتيب بحسب التصور،و ان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ،إذ من ضروراتها ذلك.فلو انّ مكلّفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة،ثم استحضر قصد فعلها تقربا و كبّر،كان ناويا.و لو جعل القربة مميزا،كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرّب بها و يكبّر مع إرادة التقرّب منه،صحّت النية.و لكنه يكفي إرادة التقرّب منه عن استحضاره أولا و عن جعله مشخصا رابعا،و لا يكفي تشخيصه عن جعله غاية،فمن ثم جعل إحضار الذات و الصفات مشخصات،و لم يجعل القربة مشخصا بل جعلت غاية،فاتي بلام التعليل في قوله:(للتقرب الى اللّه تعالى).

فان قلت:بيّن لي انطباق هذه العبارة على النيّة المعهودة،و هي:

(أصلي فرض الظهر)الى آخره،فان مفهوم هذه العبارة المذكورة في الكتاب يقتضي ان قوله:(أصلي)الى آخره بعد ذلك الإحضار،فيلزم تكرر النيّة،أو نيّة النيّة،و هما محالان.

قلت:إذا عبّر المكلف بهذه الألفاظ،فقوله:(فرض الظهر)إشارة إلى الفرض و التعيين،و(أداء)إلى الأداء،و(لوجوبه)الى ما يقوله المتكلمون من انه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه،و قوله(قربة الى اللّه)هي غاية الفعل المتعبّد به.و في هذا إحضار الذات و الصفات كما ذكر،فقوله:(أصلي) هو عبارة عن القصد المتعلق بها و هو و ان كان متقدما لفظا فإنّه متأخر معنى.

و في قولنا(للتقرب الى اللّه)إشارة إلى فائدة،هي:ان الغاية ليست متعدّدة بل هي متحدة،أعني التقريب الى اللّه تعالى الذي هو غاية كل عبادة.

و على ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة و انتصابها على المفعول له،أو الإتيان فيها بلام التعليل،يشكل إعرابه من حيث عدم تعدّد المفعول لأجله إذا كان المغيّا واحدا الاّ بالواو.

ص: 246

و اعتذر بعض النحاة من الأصحاب بأن الوجوب مثلا في هذه النيّة غاية لما قبله،و التقرب غاية للوجوب،فتعدد الغاية بحسب تعدد المغيّا،فاستغني عن الواو.فإذا صورت النيّة على الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلاّ غاية واحدة و يزول ذلك الإيراد من أصله،مع انّه ليس له تعلق بالنيّة الشرعية،بل متعلقه الألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود.فإن أريد التعبير بنيّة تطابق ما ذكرنا ملفوظة فليقل أصلي فرض الظهر الواجب المؤدي أو المقضي قربة الى اللّه و هذه العبارة كافية في هذا المقام و نحوها من العبارات و الغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلفين لا التلفظ بها.

و من الأصحاب من جعل إحضار ذات الصلاة و صفاتها هي المقصودة، و الأمور الأربعة مشخصات للمقصود،أي:يقصد الذات و الصفات مع التعيين و الوجوب و الأداء و القربة،و كانت نيته هكذا:(أصلّي فرض الظهر)بأن أوجد النية و تكبيرة الإحرام مقارنة لها،ثم اقرأ،و يعدّد أفعال الصلاة الى آخرها،ثم يعيد(أصلي فرض الظهر)على هذه الصفات أداء الى آخره (1).و هذا و ان كان مجزيا،الاّ ان الاعراض عنه من أوجه ثلاثة.

أحدها:انه لم يعهد عن السلف فعله.

و ثانيها:انه زيادة تكليف و الأصل عدمه.

و ثالثها:انه عند فراغه من التعدّد و شروعه في النيّة،لا تبقي تلك الاعداد في التخيّل مفصّلة،فإن كان الغرض التفصيل فقد فات،و ان اكتفى بالتصور الإجمالي فهو حاصل ب(صلاة الظهر)إذ مسماها تلك الافعال.

على ان جميع ما عدّده انما يفيد التصوّر الإجمالي،إذ واجب كل واحد من تلك الافعال لم يعرض له،مع أنها أجزاء،منها مادية أو صورية.

إذا عرفت ذلك،فاعلم انه يجب عند إحضار الذات و الصفات و القصد8.

ص: 247


1- راجع:شرائع الإسلام 1:78.

إليها ان يجعل قصده مقارنا لأول التكبير،و يبقى على استحضاره الى انتهاء التكبير،فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان:

أحدهما:نعم،لعسر هذه الاستدامة الفعلية،و لان ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة،و الاستمرار الحكمي كاف فيها.

و الثاني:عدم الاعتداد بها،لان الغرض بها انعقاد الصلاة و هو لا يحصل الا بتمام التكبير.و من ثم لو رأى المتيمم الماء في أثناء التكبير بطل تيممه.

و الوجه وجوبه الاّ أن يؤدي الى الحرج.

و من الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الالف و الراء (1)و هو مع العسر مقتض لحصول أول التكبير بغير نيّة.

و من العامة من جوّز تقديم النيّة على التكبير بشيء يسير كنيّة الصوم (2)و هو غير مستقيم،لأنه إن وقعت المقارنة بعده فهي المعتبرة و الا لم تجز،و انما جاز التقدّم في الصوم لعسر المقارنة.

الثالثة:يجب ان يقصد في النيّة جميع مشخصات الصلاة،

لأنّ جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنيّة،و هي ما ذكرناه آنفا.

و هل يجب تعيين الفرضية؟أوجبه في المعتبر،ليتميز عن الظهر المعادة مثلا (3).و الظاهر ان الوجوب كاف عنه،و به تخرج المعادة إن أتى به في النيّة، و لو جعله معللا كقوله(لوجوبه)فان فيه دلالة على انّ الفعل واجب في نفسه، و المتكلمون لما أوجبوا إيقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا بين الأمرين، فينوي الظهر المفروض أو الواجب لكونه واجبا.و هذا يطرد في جميع نيّات العبادات،و ان كانت ندبا نوى الندب لندبه،لكن معظم الأصحاب لم يتعرضوا

ص: 248


1- يظهر من أبي الصلاح في الكافي في الفقه:139،و لاحظ:الجامع للشرائع:75.
2- كأبي حنيفة،راجع:المبسوط للسرخسي 1:10،المجموع 3:257.
3- المعتبر 2:149.

له في غير الصلاة.

و لو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نيّة الظهر أو العصر مثلا،لحصول التعيين به إذ لا مشارك لها.هذا إذا كان في الوقت المختص،اما في المشترك فيحتمل المنع لاشتراك الوقت بين الفريضتين،و وجه الاجزاء انّ قضية الترتيب يجعل هذا الوقت للأولى.

و لو صلّى الظهر،ثم نوى بعدها فريضة الوقت،أجزأ و ان كان في المشترك.و يجزئ أن ينوي فرض الظهر،لانّه قد صار علما على الصلاة،و ان كان في الأصل أسماء لوقت الظهيرة،و لا يفتقر إلى نيّة فرض صلاة الظهر على الأقرب.

الرابعة:لا يشترط تعيين عدد الركعات،

و لا تفاصيل الافعال،بل يكفي الإجمال في إحضار ذات الصلاة.و لو تعرّض للعدد،لم يضر.و لو أخطأ في العدد،فالأقرب البطلان،الاّ ان يكون الخطأ في التلفظ فلا عبرة به.

و لو تخيّر المسافر بين المقام و القصر-كما في أحد الأماكن الأربعة، و كما لو قصد أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع ليومه على قول (1)أو خرج من منزلة بعد وجوب الصلاة و صلاها مسافرا على قول (2)-جزم كثير من الأصحاب بأنّه لا يشترط التعيين،بل يكفي القصد الى مطلق الصلاة (3)و لهذا يجوز عدول المسافر الى التمام لو نوى في أثناء الصلاة الإقامة.و يحتمل وجوبه،لأنّ الفرضين مختلفان،فلا يتخصّص أحدهما إلاّ بالنية.

و على الأول لو نوى أحدهما فله العدول الى الآخر.و على الثاني يحتمل ذلك،لأصالة بقاء التخيير.و يحتمل جواز العدول من التمام الى القصر دون

ص: 249


1- قاله سلار في المراسم:75،و المفيد كما في مختلف الشيعة:162.
2- الخلاف 1:577 المسألة:332،المعتبر 2:150.
3- كالمحقق في المعتبر 2:150،و العلامة في تذكرة الفقهاء 1:111.

العكس،كي لا يقع الزائد بغير نيّة.

و لا يشترط تعيين الاستقبال،لحصوله و ان لم ينوه،كما لا يشترط أن ينوي:و انا طاهر.

و لا تعيين اليوم.فلو نوى ظهر الجمعة و كان الخميس،فان كان متعمدا فالأقرب البطلان،و ان كان ظانا لم يضر،لأنّ الوقت تعيّن شرعا.اما لو نوى القاضي ظهر يوم الخميس و كان عليه ظهر الجمعة لظنه الجمعة لم يجز،لأنّ الوقت غير متعيّن له شرعا-اعني وقت الفعل-و انما يقضي ما وجب في ذمته و لم ينو ما وجب.و يحتمل الاجزاء،لانّه قصد الى ما في ذمته،و انما أخطأ في نسبته الى زمان لا يضر ترك نسبته اليه.

و لا تشترط نيّة القيام أو القعود.و لو نوى الفرض قاعدا و هو مخاطب بالقيام،أو بالعكس،فالأولى البطلان لتلاعبه.

تنبيه:

قال أبو الصلاح:من حق المصلي ان يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع،متكاملة الاحكام و الشروط و الكيفيات،عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمة سبحانه خاضعا له (1).

قال:و يستحب ان يرجو بفعلها مزيد الثواب،و النجاة من العقاب، و ليقتدى به و يرغم الضالون (2).

الخامسة:لا بدّ في النافلة من نيّة سببها،

كالاستسقاء،و العيد المندوب.

و الرواتب الأقرب اعتبار إضافتها إلى الفرائض للتميز،و في الليلة يضيفها الى الليل.و الفاضل اكتفى بنية الفعل في الرواتب،و هو بعيد؟لاشتراكه.

و لا بدّ من نيّة النفل أيضا.و لو نوى في النفل عددا،و قلنا بجواز الزيادة على ركعتين،فله الزيادة و النقص.

ص: 250


1- الكافي في الفقه:139.
2- الكافي في الفقه:139.

و لا يشترط في النافلة المطلقة سوى النفل و القربة.

السادسة:لو فرّق بين التكبير و بين التقرب بقوله(تعالى)أو(ان شاء اللّه)

بطلت النية،

الا ان يكون مستحضرا لها بالفعل حال التلفظ.

و لا يستحب الجمع بين اللفظ و القلب في النية،لأنّ النية من أفعال القلوب،و لم يثبت استعمال اللسان فيها.و لو جمع لم يضر.

السابعة:يجب استدامة حكم النية إلى آخر الصلاة

إجماعا،و لا يجب الاستحضار الفعلي،لعسره،و لا يستحب،لتحقق انعقاد الصلاة.

و معنى الحكم:أن لا ينوي المنافي في باقي الصلاة.فلو نوى الخروج في الحال،أو تردّد فيه،أو شك هل يخرج أم لا،بطل.اما خواطر النفس بالوسوسة فعفو.

و لو نوى الخروج في الثانية،أو علّقه على أمر ممكن،أو نوى ببعض الأفعال غير الصلاة،أو نوى بواجبها الندب،أو بأدائها القضاء،أو بأفعال الظهر العصر،أو الرياء و لو كان بالذكر المندوب،بطلت،لعدم الاستمرار الواجب.

اما لو نوى بالزيادة على الواجب من الافعال الوجوب،أو الرياء،أو غير الصلاة،فإنّه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فتبطل إن كثير،و الاّ فلا.

و لو نوى فعل المنافي-كالحدث،و الكلام،و الاستدبار-ففي الإبطال وجهان،أقربهما:نعم،للتنافي بين إرادتي الضدين.

و يجوز النقل من الفريضة إلى غيرها في الفوائت المترتبة،و من الحاضرة إلى الفائتة و بالعكس،و من الفرض الى النفل لطالب الجماعة،و ناسي قراءة الجمعة فيها.

و لا يجوز النقل من النفل الى الفرض،لأنّ القوي لا يبني على الضعيف.و للشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة (1).

ص: 251


1- المبسوط 1:73،و راجع مفتاح الكرامة 2:69.
الثامنة:لو نوى الفريضة ثم عزبت النيّة،لم يضر.

و لو نوى النفل حينئذ ببعض الافعال أو بجميع الصلاة خطأ،فالأقرب الإجزاء،لاستتباع نية الفريضة باقي الأفعال فلا يضر خطوة في النيّة،و لما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو يرى أنها نافلة،فقال:«هي التي قمت فيها و لها»،و قال:«إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة،و انما يحسب للعبد من صلاته التي ابتداء في أول صلاته» (1).

و روى يونس عن معاوية،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو كان في النافلة فظن أنها مكتوبة،قال:«هي على ما افتتح الصلاة عليه» (2).

التاسعة:لو شك في النيّة بعد التكبير لم يلتفت،

لانتقاله عن محله.

و لو شك و هو لم يكبّر أعاد.

و لو شك في أثناء التكبير فالأقرب الإعادة،و خصوصا إذا أوجبنا استحضارها الى آخر التكبير.

و لو شك هل نوى ظهرا أو عصرا،أو نفلا أو فرضا،بنى على ما قام إليه، فان لم يعلمه بطلت صلاته،لعدم الترجيح.

و لو شك بعد صلاة أربع هل صلى الظهر أو العصر،فالأقرب البناء على الظهر،لأنّ الظاهر انّه بدأ بالواجب أولا.و يحتمل أن يصلّي رباعية مرددة بين الظهر و العصر،لحصول البراءة به إذا كانت الاولى صادفت الوقت المشترك.

العاشرة:قال في الخلاف:من دخل في صلاة بنيّة النفل،ثم نذر في

خلالها إتمامها،

فإنه يجب عليه إتمامها،قال:لأنّ عندنا النذر ينعقد بالقلب.

ص: 252


1- التهذيب 2:343 ح 1420،382 ح 1594،و في سؤال الراوي:و هو ينوي أنها نافلة.
2- التهذيب 2:197 ح 776،343 ح 1419.

كما ينعقد بالقول.نعم،لو تلفظ بالنذر بطلت صلاته (1)،و سيأتي ان شاء اللّه تحقيق ذلك.4.

ص: 253


1- الخلاف 1:307 المسألة:54.
الواجب الثاني:تكبيرة الإحرام.
اشارة

و فيها مسائل:

الأولى:هي ركن في الصلاة،

بمعنى:بطلان الصلاة بتركها عمدا و سهوا إجماعا-و كذا باقي أركان الصلاة التي هي:النية،و القيام،و الركوع، و السجدتان معا-لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه،ثم يستقبل القبلة فيقول:اللّه أكبر» (1)و لانه كان يفتتح الصلاة بالتكبير دائما.

و سأل زرارة الباقر و الصادق عليهما السلام في ناسي تكبيرة الإحرام، فقال:«يعيد» (2)و رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (3).

و بإزاء هذه الروايات:ان الناسي لا يعيد،كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام (4).

و روى ذريح عنه عليه السلام (5)و زرارة عن الباقر عليه السلام:ان الناسي يكبّر قبل القراءة أو بعدها (6).

و روى البزنطي عن الرضا عليه السلام في ناسي تكبيرة الافتتاح حتى كبّر للركوع:«يجزئه» (7).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام فيمن نسي أن يكبّر فبدأ

ص: 254


1- فتح العزيز 3:267،الشرح الكبير 1:540،و راجع تلخيص الحبير 3:267.
2- الكافي 3:347 ح 1،التهذيب 1:142 ح 556،557،الاستبصار 1:351 ح 1326.
3- التهذيب 2:143 ح 560،الاستبصار 1:351 ح 1329.
4- الفقيه 1:226 ح 999،التهذيب 2:144 ح 565،الاستبصار 1:352 ح 1330.
5- التهذيب 2:143 ح 559،الاستبصار 1:351 ح 1328.
6- الفقيه 1:226 ح 1001،التهذيب 2:145 ح 567،الاستبصار 1:352 ح 1331.
7- الفقيه 1:226 ح 1000،التهذيب 2:144 ح 566،الاستبصار 1:353 ح 1334.

بالقراءة،فقال:«ان ذكر و هو قائم كبر،و ان ركع فليمض في صلاته» (1).

و هذه الروايات تخالف إجماع الأصحاب-بل إجماع الأمة،إلا الزهري و الأوزاعي فإنهما لم يبطلا الصلاة بتركها سهوا (2)-و حملها الشيخ على الشك. (3).

الثانية:التكبير جزء من الصلاة

عندنا و عند الأكثر،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما هي:التكبير،و التسبيح،و قراءة القرآن» (4).

و قال شاذ من العامة:ليس التكبير من الصلاة،بل الصلاة ما بعده،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«تحريمها الكبير»و المضاف مغاير للمضاف اليه (5).

قلنا:كل جزء يغاير كله و يصح إضافته إليه،كما يقال:ركوع الصلاة، و سجود الصلاة،و وجه زيد.

و اما رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام:«انّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:أول صلاة أحدكم الركوع» (6)فالمراد انّ أول ما يعلم به كون الإنسان مصليا الركوع لان ما قبله محتمل للصلاة و غيرها،أو انّ الركوع أفضل مما سبق فكأنّه أول بالنسبة إلى الفضل.

و يؤيده رواية زرارة عن الباقر عليه السلام في فرائض الصلاة:«أنها:

الوقت،و الطهور،و الركوع،و السجود،و القبلة،و الدعاء» (7).

ص: 255


1- التهذيب 2:145 ح 568،الاستبصار 1:352 ح 1332.
2- المجموع 3:291.
3- التهذيب 2:144،الإستبصار 1:352.
4- سيأتي صدره في 433 الهامش 3.
5- المجموع 3:290. و الحديث النبوي في:مسند ترتيب الشافعي:70 ح 206،الجامع الصحيح 1:9 ح 3، سنن أبي داود 1:16 ح 61.
6- التهذيب 2:97 ح 362.
7- الكافي 3:272 ح 5،التهذيب 2:139 ح 543،و فيهما زيادة:«و التوجه».
الثالثة:يتعيّن فيها(اللّه أكبر)مرتبا.

فلو عكس الترتيب،أو عرّف أكبر أو نكّره،أو قال:اللّه الأكبر،بطلت،لأن الذي وقع بيانا من النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)هو الصيغة المخصوصة فلا يجوز العدول عنها.و أبعد من الاجزاء قوله:

اللّه العظيم أو الجليل.

و قال ابن الجنيد:ينعقد بقوله:اللّه الأكبر،و ان كان فعله مكروها (2).

و لا تجزئ الترجمة للقادر،تأسيا بما فعله صاحب الشرع.فلو لم يعلمه وجب عليه التعلم،و لا يصلّي الاّ مع ضيق الوقت فيحرم بلغته،لأنّ المعنى معتبر مع اللفظ،فإذا تعذّر اللفظ وجب اعتبار المعنى.

اما الأخرس،فيجب عليه النطق بما يمكن،فان تعذّر حرك لسانه و أشار بإصبعه،و يكون ذلك بدلا من اللفظ،تحصيلا للمعنى مهما أمكن.

و لو أخلّ المصلي بحرف منها،بطلت.و حينئذ لو وصل همزة(اللّه) فالأقرب البطلان،لأنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع انما كان بقطع الهمزة، و لا يلزم من كونها همزة وصل،سقوطها،إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل و لا كلام قبل تكبيرة الإحرام،فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه،فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا.

الرابعة:يشترط فيها جميع شروط الصلاة

من الاستقبال و القيام و غيرهما،تحقيقا للجزئية.فلو كبّر و هو آخذ في القيام،أو و هو هاو الى الركوع كما يتفق للمأموم،فالأقرب البطلان،لان الانحناء ليس قياما حقيقيا.

و هل تنعقد نافلة؟الأقرب المنع،لعدم نيّتها.و وجه الصحة حصول التقرب،و القصد إلى الصلاة،و التحريم بتكبيرة لا قيام فيها،و هي في خصائص النافلة.

ص: 256


1- سنن ابن ماجة 1:264 ح 803،المغني 1:540،الشرح الكبير 1:540.
2- المعتبر 2:152،تذكرة الفقهاء 1:112.

و جوّز الشيخ أن يأتي ببعض التكبير منحنيا (1)و لم نقف على مأخذه.

و يشترط فيها الموالاة.فلو فصل بين الجلالة و أكبر بكلمة-كقوله اللّه الجليل،أو تعالى أكبر-أو سكت بينهما بما يعدّ فصلا،أو جعلهما على هيئة التلفظ بأسماء العدد،بطلت،لأنّ كل ذلك تغيير للهيئة المتلقاة من صاحب الشرع.

الخامسة:يشترط القصد الى الافتتاح.

فلو قصد به تكبير الركوع،أو لم يقصد أحدهما،بطل.

و لو قصدهما معا-كما في المأموم-فالإجزاء مذهب ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف،محتجا بإجماعنا (2)و رواه معاوية بن شريح عن الصادق عليه السلام:«إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع،أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع» (3).و يمكن حمل كلام الشيخ و الرواية على انّ المراد سقوط تكبير الركوع هنا و يكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع،لا على انّ المصلّي قصدهما معا،لان الفعل الواحد لا يكون له جهتا وجوب و ندب.

و لو قلنا بوجوب تكبيرة الركوع-كما يجيء،و قد صرح به الشيخ هنا في الخلاف (4)-لم تجز الواحدة،لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف الأصل،و كذا لو نذر تكبيرة الركوع لم تجز الواحدة.و حينئذ لو قصدهما معا،فالأقرب عدم تحرّمه بالصلاة،لعدم تمحض القصد إليها.و لا تنعقد صلاته نفلا أيضا،لعدم نيته،أو لأن المسبب الواحد لا يجزئ عن السببين، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة الواحدة تكبيرتي الإحرام و الركوع لم يحصلا و لا أحدهما.

ص: 257


1- الخلاف 1:340 المسألة:92.
2- الخلاف 1:314 المسألة:63.
3- الفقيه 1:265 ح 1214،التهذيب 3:45 ح 157.
4- الخلاف 1:314 المسألة:63.

و عندي في هذه المسألة نظر،لأنّ الأسباب قد تتداخل وجوبا-كما في إجزاء الغسل الواحد للجنب و ماس الميت-و ندبا-كما في إجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة-و الفعل الواحد قد يحصل به الواجب و الندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا و الناقص عنها.

فرع:

لو كبّر للافتتاح،ثم كبّر ثانيا له مصاحبا للنية و لم ينو بطلان الاولى بطلت الثانية،لأنه زيادة ركن،فلو كبر ثالثا صحت.

و لو نوى بطلان الاولى،و قلنا:بأن النية كافية،صحت الثانية.

و لو نوى بالثانية الافتتاح غير مصاحب نية الصلاة فالأقرب،البطلان،اما إذا لم ينو بالأول الافتتاح فظاهر،لعدم المقارنة،و اما إذا نوى به فلزيادة الركن، ان قلنا:بنيّة الافتتاح المجردة عن نيّة الصلاة تحصل ركنيّته،و الاّ فلا إبطال.

السادسة:يستحب فيه الإتيان بلفظة الجلالة من غير مدّ،

فلو بالغ في مدّ الألف المتخلل بين الهاء و اللام كره،و لو أسقطه بالكلية بطل،و لا عبرة بالكتابة و لا باللغة الضعيفة فيه بالسقوط.

و لو مدّ همزة(اللّه)صار بصورة الاستفهام،فان قصده بطلت الصلاة، و الاّ ففيه وجهان:البطلان،لخروجه عن صيغة الاخبار.و الصحة،لأن ذلك كاشباع الحركة.و الأول أولى.

و يأتي بلفظ أكبر على زنة افعل،فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كبر -بفتح الكاف و الباء-و هو:الطبل له وجه واحد،فان قصده بطلت و الاّ فالوجهان.اما لو كان الإشباع يسيرا لا يتولد منه ألف لم يضر.

السابعة:يستحب رفع اليدين به و بسائر تكبير الصلاة.

و أوجبه المرتضى (1)لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام

ص: 258


1- الانتصار:44. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام في:المصنف لابن أبي شيبة 1: 234،صحيح البخاري 1:187،صحيح مسلم 1:292 ح 390.

فعلوه (1)و للأمر به قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2)و روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام في النحر:«رفع اليدين حذاء الوجه» (3).

قلنا:الفعل أعمّ من الواجب و الندب،و كذا الأمر.

و حدّ الرفع محاذاة الأذنين و الوجه،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (4)و الصادق عليه السلام (5).

و قال الشيخ:يحاذي بهما شحمتي الاذن (6).

و قال ابن أبي عقيل:يرفعهما حذو منكبيه،أو حيال خدّيه،لا يجاوز بهما أذنيه.

و قال ابن بابويه:يرفعهما الى النحر،و لا يجاوز بهما الأذنين حيال الخدّين (7).

و ليكونا مبسوطتين،و يستقبل بباطن كفيه القبلة.و لتكن الأصابع مضمومة،و في الإبهام قولان،و فرقه أولى،و اختاره ابن إدريس (8)تبعا للمفيد (9)6.

ص: 259


1- التهذيب 2:65 ح 234،235 و 66 ح 236.
2- سورة الكوثر:2.
3- التهذيب 2:66 ح 237.
4- المصنف لابن أبي شيبة 1:233،سنن أبي داود 1:193 ح 728،سنن النسائي 2:122، سنن الدار قطني 1:292.
5- التهذيب 2:65 ح 233،235.
6- المبسوط 1:103،الخلاف 1:320 المسألة:72.
7- الفقيه 1:198.
8- السرائر:44.
9- المقنعة:16.

و ابن البراج (1)و كل ذلك منصوص (2).

و لو كانت يداه تحت ثيابه و لم يخرجهما،رفعهما تحت الثياب.و لو كان بهما عذر يمنع من كمال الرفع،رفع المقدور.و لو كان بإحداهما عذر،رفع الأخرى.و مقطوع اليدين يرفع الذراعين،و لو قطع الذراعان رفع العضدان.و لو قدر على الرفع فوق المنكبين،أو دون الأذنين،و لم يقدر على محاذاة الأذنين، اختار الأول،لاشتماله على المستحب.

و يكره ان يتجاوز بهما رأسه و أذنيه اختيارا،لما رواه العامة من نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و رواه ابن أبي عقيل فقال:قد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله مر برجل يصلّي و قد رفع يديه فوق رأسه،فقال:ما لي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها آذان خيل شمس؟!» (4).

و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا افتتحت الصلاة فكبرت، فلا تتجاوز أذنيك،و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك» (5).3.

ص: 260


1- المهذب 1:92.
2- قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:349 بعد حكايته لكلام الشهيد ما ملخصه:لم أقف على نص بالعموم و لا الخصوص،لا في موضع الوفاق و لا في موضع الخلاف،الا قول الباقر عليه السلام:«و لا تنشر أصابعك،و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك».و استدل بعضهم على ضم الأصابع بخبر حماد في وصف صلاة أبي عبد اللّه عليه السلام،و هو لا يؤدي المطلوب الا ان يقال انه ذكر في صدر الرواية:(فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه و قضية الاستصحاب بقاء ذلك الى حال الرفع،و كذا خبر البحار عن زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام لا يصلح دليلا في المقام،فالمدار على الإجماع و الاستصحاب في الأصابع و يبقى الكلام في الإبهام. و راجع:الحدائق الناضرة 8:51،جواهر الكلام 9:237.
3- مسند احمد 5:101،107،سنن أبي داود 1:262 ح 1000،سنن النسائي 3:4.
4- المعتبر 2:157،منتهى المطلب 1:269.
5- التهذيب 2:65 ح 233.

و الأصح انّ التكبير يبتدأ به في ابتداء الرفع،و ينتهي عند انتهاء الرفع-لا في حال القرار مرفوعتين و لا حال إرسالهما،كما قاله بعض الأصحاب (1)-لقول عمار:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (2).و لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك،و لا بين صلاة الفرض و النفل.

و يتأكد استحباب الرفع في تكبيرة الإحرام،و كذا يتأكد استحباب الرفع في التكبير كلّه للإمام.

الثامنة:يستحب ترك الاعراب في آخره،

لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«التكبير جزم» (3).

و يستحب الجهر بها للإمام ليعلم من خلفه افتتاحه،و الاسرار للمأموم، أما المنفرد فله الخيرة في ذلك.و أطلق الجعفي رفع الصوت بها.

و التوجّه بست غيرها أو أربع أو اثنتين،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا افتتحت الصلاة فكبّر،إن شئت واحدة،و ان شئت ثلاثا،و ان شئت خمسا،و ان شئت سبعا،كل ذلك مجزئ غير انك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة» (4).

و ليدع عقيب الثالثة بما روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:«اللهم أنت الملك الحق،لا إله إلاّ أنت سبحانك،اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.ثم يكبر تكبيرتين و يقول:لبيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشر ليس إليك،و المهدي من هديت،لا ملجأ منك إلاّ إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت سبحانك رب البيت.ثم يكبر اثنتين

ص: 261


1- نسبه الى بعض العلماء العلامة في تذكرة الفقهاء 1:113،و نهاية الإحكام 1:457.
2- مثله في التهذيب 2:66 ح 236 عن ابن سنان.
3- سنن الترمذي 2:95 ح 296.
4- التهذيب 2:66 ح 239. و آخره اقتباس من الآية 79 من سورة الانعام.

و يقول:وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض،عالم الغيب و الشهادة، حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين» (1).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام في التوجّه:« وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ على ملة إبراهيم، حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ،وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» (2).

و قد ورد الدعاء عقيب السادسة بقوله:«يا محسن قد أتاك المسيء،و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء،و أنت المحسن و أنا المسيء،فصل على محمد و آله،و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني» (3).

و ورد أيضا انه يقول:«رب اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي» (4)الآية.

و كل حسن.

قال الأصحاب:و يتخيّر المصلّي في تعيين تكبيرة الإحرام من هذه، و الأفضل جعلها الأخيرة (5).

و الأقرب عموم استحباب السبع في جميع الصلوات.و قال علي بن بابويه:تختص بالمواضع الستة:أول كل فريضة،و أول صلاة الليل،و الوتر، و أول نافلة الزوال،و أول نافلة المغرب،و أول ركعتي الإحرام (6)و زاد الشيخان:7.

ص: 262


1- الكافي 3:310 ح 7،التهذيب 2:67 ح 244.
2- التهذيب 2:67 ح 245. و آخره اقتباس من الآيتين 162،163 من سورة الانعام.
3- فلاح السائل:155،و راجع البحار 84:375.
4- أورد عن شرح النفلية في:مستدرك الوسائل 4:143 ح 7. و الآية في سورة إبراهيم:40.
5- كالطوسي في المبسوط 1:104،و العلامة في نهاية الإحكام 1:458.
6- الفقيه 1:307.

الوتيرة (1).

لنا:انه ذكر اللّه تعالى،و الأخبار مطلقة فالتخصيص يحتاج الى دليل.

و يجوز الولاء،بينهما،لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام«استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» (2).

و زاد ابن الجنيد بعد التوجّه:استحباب تكبيرات سبع،و(سبحان اللّه) سبعا،و(الحمد للّه)سبعا،و(لا إله إلاّ اللّه)سبعا،من غير رفع يديه،و نسبه الى الأئمة عليهم السلام (3).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى و عشرين تكبيرة،ثم نسيت التكبير،أجزأك» (4).

فرع:

لو لحق المأموم الإمام حال القراءة استحب له التوجّه بالسبع،ثم يقرأ مستحبا في الإخفاتية-كما يأتي إن شاء اللّه-و لو خاف فوت القراءة ترك التوجّه، قاله في المبسوط (5).

فائدة:

روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«ان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام،فخرج به النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى الصلاة فأقامه عن يمينه،و افتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكبّر الحسين عليه السلام،فأعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التكبير فأعاد الحسين عليه السلام،و هكذا سبعا،فجرت4.

ص: 263


1- المقنعة:17،المبسوط 1:104،النهاية:73.
2- الخصال:347،التهذيب 2:287 ح 1152.
3- مختلف الشيعة:99.
4- الفقيه 1:227 ح 1002،التهذيب 2:144 ح 564.
5- المبسوط 1:104.

السنّة بذلك» (1).

و روى هشام بن الحكم عن الكاظم عليه السلام علّة أخرى،و هي:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به الى السماء قطع سبعة حجب،فكبّر عند كل حجاب تكبيرة،حتى وصل الى منتهى الكرامة» (2).

و روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام:«انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا،لأن أصل الصلاة ركعتان و استفتاحهما بسبع تكبيرات:

للافتتاح و الركوع و تكبيرتين للسجود،فإذا كبّر سبعا أولا لم يضره السهو عن بعض التكبيرات» (3).

قال ابن بابويه:لا تناقض في هذه العلل،بل كثرتها مؤكدة (4).

قال:و سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى رفع اليدين في التكبيرة الأولى،فقال:«معناه اللّه أكبر الواحد الأحد ليس كمثله شيء،لا يلمس بالأخماس،و لا يدرك بالحواس» (5).

تنبيهات:

الأول: روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:انّ الامام يسرّ في الستّ الزائدة،و يجهر بالواجبة (6).

الثاني: لا يستحب رفع اليدين بالدعاء بين التكبيرات،و لا بعدها،قاله ابن الجنيد:و ظاهر الأصحاب انه لا يرفع يديه بدعاء في الصلاة،إلاّ دعاء القنوت.1.

ص: 264


1- الفقيه 1:199 ح 918،علل الشرائع:332.
2- الفقيه 1:199 ح 919.
3- الفقيه 1:200 ح 920،علل الشرائع:261،عيون اخبار الرضا 1:108.
4- الفقيه 1:200.
5- الفقيه 1:200 ح 922.
6- الخصال:347،التهذيب 2:287 ح 1151.

الثالث: لا فرق في استحباب التكبيرات بين المنفرد و الامام و المأموم.

و ظاهر ابن الجنيد اختصاص المنفرد بالاستحباب،و هو شاذ.

التاسعة:يكبّر المأموم بعد تكبير الامام،

تحقيقا للقدوة.فلو كبّر معه قطع الشيخ بالصحة في المبسوط (1)كما يجوز أن يساوقه في بقية الافعال،و ان كان تأخره في التكبير أفضل.

و منع منه في الخلاف،لأنّ معنى الاقتداء أن يفعل الفعل كما فعله الامام،و ذلك لا يكون الا بعد فراغ الامام،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إنما الامام مؤتم به،فإذا كبّر فكبّروا»و هو نص (2).فان كبّر قبله لم يصح،و وجب قطعها بتسليمة و يستأنف بعده.

قال:و كذا لو كان قد صلّى شيئا من الصلاة و أراد ان يدخل مع الامام قطعها و استأنف معه (3)(4).

و الظاهر انّ هذا القطع في الموضعين مستحب،تحصيلا لفضيلة الجماعة.و اما وجوب كونه بتسليمة كما ذكره الشيخ فمشكل على مذهبه من ندبية التسليم (5)و يمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه و بين فعل باقي المنافيات و ان كان التسليم أفضل،أما وجوبه عينا فلا،و خصوصا عند القائلين بندبيّة التسليم.

الواجب الثالث:القيام،
اشارة

و انما أخّر عن النية و التكبير ليتمحض جزءا من

ص: 265


1- المبسوط 1:103.
2- الخلاف 1:318 المسألة:69.
3- الخلاف 1:318 المسألة:70.
4- و راجع في الحديث النبوي:المصنف لعبد الرزاق 2:461 ح 4082،مسند احمد 2:314، صحيح البخاري 1:175،صحيح مسلم 1:308 ح 411،سنن ابن ماجة 1:276 ح 846، سنن أبي داود 1:164 ح 603،سنن النسائي 2:83،مسند أبي يعلى 10:315 ح 5909، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:271 ح 2104.
5- الخلاف 1:376 المسألة:134.

الصلاة،إذ هو قبلهما شرط محض،و في أثنائهما متردد بين الشرط و الجزء.و لو قدم البحث فيه عليهما جاز،كما فعله جماعة منهم:الشيخ في المبسوط.

و الكلام إما في واجباته،أو في مستحبّاته،

و في الواجبات مسائل.
المسألة الأولى:على وجوب القيام إجماع العلماء،

و قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1)أي:مطيعين.

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لعمران بن الحصين:«صل قائما،فان لم تستطع فقاعدا،فان لم تستطع فعلى جنب» (2).

و روى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ :«الصحيح يصلّي قائما،و المريض يصلّي جالسا،و الأضعف من المريض يصلّي على جنبه» (3).

المسألة الثانية:حدّ القيام الانتصاب مع الإقلال،

و لا يخلّ بالانتصاب اطراق الرأس،إذ المعتبر نصب الفقار.و يخلّ به الميل الى اليمين أو اليسار اختيارا بحيث يزول عن سنن القيام،و كذا إذا انحنى و لو لم يبلغ حدّ الراكع لم يجزئه.

اما من تقوس ظهره لكبر أو زمانة فإنه يجزئه تلك الحالة،بل يجب عليه القيام كذلك،و لا يجوز له القعود عندنا.

و المراد بالإقلال ان يكون غير مستند إلى شيء،بحيث لو رفع السناد سقط.

و روى علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام في الاستناد إلى حائط المسجد،و وضع اليد عليه من غير مرض و لا علّة،فقال:«لا بأس»و كذا لو

ص: 266


1- سورة البقرة:238.
2- مسند احمد 4:426،صحيح البخاري 2:60،سنن ابن ماجة 1:386 ح 1223،سنن أبي داود 1:250 ح 952 الجامع الصحيح 2:208 ح 372،سنن الدار قطني 1:380.
3- الكافي 3:411 ح 11،التهذيب 2:169 ح 672،3:176 ح 396. و الآية في سورة آل عمران:191.

استعان على القيام بتناول جانب المسجد من غير علّة (1).

و أخذ أبو الصلاح بظاهر الخبر،و عدّ الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية مكروها (2)و الخبر لا يدل على الاعتماد صريحا،إذ الاستناد يغايره و ليس بمستلزم له،اما مع الضرورة فلا شك في جواز الاعتماد.

و لو عجز عن الركوع و السجود و قدر على القيام،لم يسقط بعجزه عنهما، و وجب القيام ثم الإتيان بما قدر منهما،فان تعذّرا أومأ بالرأس،فإن تعذّر فبطرفه.و لو قدر على القيام في بعض القراءة وجب.

المسألة الثالثة:لو عجز عن القيام أصلا قعد،

و لا عبرة بقدرته على المشي مقدار صلاته إذا كان يتعذّر عليه القيام للصلاة،لقول الباقر عليه السلام:«ذاك اليه، هو أعلم بنفسه» (3).و روى جميل عن الصادق عليه السلام:«هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» (4).

و في رواية سليمان المروزي عن الفقيه:«المريض انما يصلي قاعدا إذا صار الى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته» (5).و تحمل على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي،للتلازم بينهما غالبا،فلا يرد جواز انفكاكهما.

فرع:

لو قدر على القيام،و لما يقدر على المشي،وجب.

و لو عجز عن القيام مستقرا،و قدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير

ص: 267


1- قرب الاسناد:94،الفقيه 1:237 ح 1045،التهذيب 2:326 ح 1339.
2- الكافي في الفقه:125.
3- التهذيب 3:177 ح 399.و في الكافي 4:118 ح 2،و التهذيب 4:256 ح 758 عن الامام الصادق عليه السلام.
4- الكافي 3:410 ح 3،التهذيب 2:169 ح 773،3:177 ح 400.
5- التهذيب 3:178 ح 402.

معاون،ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون،أو على القعود لو تعذر المعاون،نظر،أقربه ترجيحهما عليه،لأنّ الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع.

و قال الفاضل:يجب المشي،و لا يصلّي قاعدا (1).

المسألة الرابعة:إذا انتقل فرضه الى القعود،قعد كيف شاء.

و الأفضل أن يتربع قارئا،و يثني رجليه راكعا،و يتورك بين السجدتين و متشهدا.فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه لما صلّى جالسا تربع (2).

و روى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام،قال:«كان أبي عليه السلام إذا صلّى جالسا تربع،فإذا ركع ثنى رجليه» (3)و هو شامل للفريضة و النافلة.

و انما حملناه على الندب،لما رواه معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السلام في المصلّي جالسا يتربع أو يبسط رجله:«لا بأس بذلك» (4).

نعم،يكره الإقعاء،لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقع إقعاء الكلاب» (5).

و فسره الأصحاب:بأن يفرش رجليه،و يضع أليتيه على عقبيه (6).

و فسره أبو عبيد:بان يجلس على وركيه،و ينصب فخذيه و ركبتيه،و يضع يديه على الأرض،لأن الكلب كذا يصنع (7).

و قال بعض الأصحاب:ان يقعد على عقبيه،و يجعل يديه على

ص: 268


1- تذكرة الفقهاء 1:110.
2- سنن الدار قطني 1:397،سنن النسائي 3:224،المستدرك على الصحيحين 1:258.
3- الفقيه 1:238 ح 1049،التهذيب 2:171 ح 679.
4- الفقيه 1:238 ح 1050،التهذيب 2:170 ح 678.
5- سنن ابن ماجة 1:289 ح 894،895.
6- العلامة في نهاية الإحكام 1:438.
7- غريب الحديث 1:210.

الأرض (1).

و المراد بثني الرجلين:أن يفترشهما تحته،و يقعد على صدورهما بغير إقعاء.

المسألة الخامسة:احتمل بعض الأصحاب في كيفية ركوع القاعد وجهين

ذكرهما العامة،

و هما متقاربان.

الأول:أن ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب،كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب،فتعرف النسبة بين حالة الانتصاب و بين الركوع قائما،و يقدر كأن الماثل من شخصه عند القعود هو قدر قامته،فينحني بمثل تلك النسبة.

الثاني:أن ينحني إلى حد تكون النسبة بينه و بين السجود،كالنسبة بينهما في حال القيام.و معناه:انّ أكمل الركوع عند القيام ان ينحني بحيث يستوي ظهره و عنقه و يمدهما،و حينئذ تحاذي جبهته موضع سجوده.و أقله:أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه،و حينئذ يقابل وجهه أو بعض الوجه ما وراء ركبتيه من الأرض،و تبقى بين الموضع المقابل و موضع السجود مسافة، فيراعي هذه النسبة في حال القعود.

فأكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده، و أقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض.

فروع:

الأول: قدر القاعد على الانحناء إلى أقل ركوع مثله،و لم يقدر على الزيادة عليه،فيجب عليه الإتيان به للركوع مرة و للسجود اخرى،و ليس له أن ينقص منه للركوع ليصير السجود أخفض،لانّه يستلزم ترك الركوع للقادر عليه، و هو غير جائز.

ص: 269


1- لم نعثر على القائل،و انظر مفتاح الكرامة 2:449.

الثاني:قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة، فالأقرب المساواة للأول و ان أتى به مرتين.لكن يجوز هنا الاقتصار في الركوع على الأقل و إيثار السجود بالزائد،و الظاهر انه لا يجب ذلك،لبعد المنع من الركوع الكامل للقادر عليه.

الثالث:قدر على أكمل الركوع و زيادة، فيجب هنا إيثار السجود بالزائد قطعا،لأنّ الفرق بينهما واجب مع الإمكان و قد أمكن،و هو معنى قولهم:يجب ان يكون السجود أخفض.

الرابع: قدر على زيادة الخفض في السجود،و لا ريب في وجوبه،حتى لو امكنه السجود على أحد الجبينين أو الصدغين أو الذقن أو عظم الرأس وجب،و الاّ وجب إدناء رأسه من الأرض بحسب الطاقة-و لو افتقر الى رفع ما يسجد عليه وجب-لما سبق في باب ما يسجد عليه من رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام (1).

الخامس: ركع أكمل الركوع،فلما رفع تعذّر ذلك للسجود،اقتصر على المقدور،لأنّ الأخفضية انما تجب مع الإمكان.و لو علم من نفسه انّه إذا ركع أكمل الركوع عجز عن أخفضية السجود،اقتصر على أقل الركوع.

المسألة السادسة:يجوز القعود مع القدرة على القيام لخائف التلف من

القيام،

أو زيادة المرض،أو العدو،أو المشقة الشديدة،أو قصر السقف.و لو أمكن الانحناء قدّم على القعود.و لو أمكن في البعض حالة أكمل،وجبت بحسب المكنة.

المسألة السابعة:الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام،

و لا تجزئ الواحدة مع القدرة،لعدم الاستقرار،و للتأسي بصاحب الشرع.و لا يجوز تباعدهما بما يخرجه عن حدّ القيام.

ص: 270


1- تقدمت في ص 150،الهامش 5.

و لو تردّد الأمر بين الانحناء و بين تفريق الرجلين تعارض القول بقيام النصف الأعلى و الأسفل،ففي ترجيح أحدهما نظر،أقربه ترجيح قيام الأعلى، لأن به يتحقق الفرق بين الركوع و القيام،و لبقاء مسمّى القيام معه،و لانه كقصر القامة.

المسألة الثامنة:لو عجز عن القعود و قدر على القيام و الاضطجاع،

فالأقرب الإيماء للسجود قائما،و كذا يجعل مكان جلوسه بين السجدتين قيامه،و لا يجعل سجوده و جلوسه مضطجعا،لأنّ القيام أكمل،و يجب[زيادة]انخفاضه في السجود عن الانخفاض في الركوع ان أمكن.

المسألة التاسعة:لو عجز عن القعود مستقلا وجب معتمدا على شيء،

فان عجز صلّى مضطجعا على جانبه الأيمن-كالملحود-مستقبلا بوجهه القبلة،لما مر، و لقول الصادق عليه السلام في رواية حماد:«المريض إذا لم يقدر ان يصلّي قاعدا يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده،و ينام على جنبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة،فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه جائز،و يستقبل بوجهه القبلة (1).و فيها دلالة على ان الجانب الأيمن مقدّم على الأيسر،و على

ص: 271


1- أخرجها المحقق في المعتبر 2:161. و روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلّى،اما ان يوجّه فيومئ إيماء»و قال:«يوجّهه كما يوجّه..»إلخ و كما في المتن عن حماد. قال المجلسي في بحار الأنوار 84:337 بعد إيراده الروايتين عن التهذيب و المعتبر:و تشابه الخبرين في أكثر الألفاظ يوهم اشتباه عمار بحماد منه رحمه اللّه أو من النساخ،و تغيير عبارة الخبر لتصحيح مضمونه نقلا بالمعنى،و جلالته تقتضي كونه خبرا آخر،و اشتباه النساخ بعيد لاتفاق ما رأينا من النسخ على حماد،و سائر أجزاء الخبر كما نقلنا،الا ان يكون من الناسخ الأول،و اللّه اعلم. و قال البحراني في الحدائق الناضرة 8:76 بعد ردّه على من قال بوحدة الروايتين: فالظاهر عندي ان رواية حماد مستقلة متنا و سندا.و مثله قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 312.

انّه لو عجز عن الأيمن أجزأه الأيسر،و من الأصحاب من خيّر بين الجنبين.

و يومئ برأسه للركوع و السجود.و لو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته و يكون بصورة الساجد،وجب.

و قد روى الشيخ-في باب صلاة المضطر-عن سماعة،قال:سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس،قال:«فليصل و هو مضطجع،و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ عنه،و لن يكلفه اللّه ما لا طاقة له به» (1).

قلت:يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشيء،و هذا لا ريب في وجوبه.و يمكن أن يراد به على الإطلاق،اما مع الاعتماد فظاهر،و اما مع عدمه فلأنّ السجود عبارة عن الانحناء و ملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد، فإذا تعذّر ذانك و ملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله،لان«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2)فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي.

اما المومئ قائما،فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا،و ان عجز صلّى مستلقيا،لمرسلة محمد بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام:«المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلّى مستلقيا يكبّر ثم يقرأ،فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبّح،فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من الركوع،فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم سبّح،فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من السجود،ثم يتشهد و ينصرف» (3).

و الجمع بين الروايتين بالحمل على التقية،أو بأنّه ترك ذكر الجنب لعلمه بفهم المخاطب.هذا مع انّ الأولى أجود سندا،و معتضدة بقوله تعالى:3.

ص: 272


1- التهذيب 3:306 ح 944.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- الكافي 3:411 ح 12،الفقيه 1:235 ح 1033،التهذيب 2:169 ح 671،3:176 ح 393.

اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (1) و بعمل الأصحاب،و بما رواه في الفقيه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«المريض يصلّي قائما، فان لم يستطع صلّى جالسا،فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن،فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر،فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماء،و جعل وجهه نحو القبلة،و جعل سجوده أخفض من ركوعه» (2).

و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأله مريض من الأنصار و قد دخل عليه كيف يصلي،فقال:ان استطعتم ان تجلسوه،و الاّ فوجهوه إلى القبلة،و مروه فليومئ برأسه إيماء،و يجعل السجود أخفض من الركوع،و ان كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤا عنده و أسمعوه» (3).

فروع:

المستلقي كالمحتضر في استقباله بوجهه و أخمصيه القبلة.و الأقرب انّ الإيماء بالطرف انما يكون مع العجز عن الرأس،لأنّه أقرب الى السجود.

و يجوز الاستلقاء للعلاج و إيقاع الصلاة فيه و ان قدر على القيام،سواء كان العلاج للعين أو غيرها،إذا حكم الطبيب باحتياجه اليه،لقول الصادق عليه السلام و سأله سماعة بن مهران:عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها،فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر،فيمتنع من الصلاة إلا إيماء و هو على حاله،فقال:«لا بأس بذلك» (4).

و سأله بزيع المؤذن فقال له:اني أريد أن أقدح عيني،فقال:«افعل».

فقلت:انهم يزعمون انه يلقى على قفاه كذا و كذا يوما لا يصلّي قاعدا!قال:5.

ص: 273


1- سورة آل عمران:191.
2- الفقيه 1:236 ح 1037.
3- الفقيه 1:236 ح 1038.
4- الفقيه 1:235 ح 1035،التهذيب 3:306 ح 945.

«افعل» (1)و مثله رواه محمد بن مسلم عنه عليه السلام (2).و لقول الصادق عليه السلام:«ليس من شيء حرم اللّه الاّ و قد أباحه لمن اضطر اليه» (3).

قالوا:لم يرخّص الصحابة لابن عباس في الاستلقاء لعلاج العين،و كان قد قال له الأطباء:ان مكثت سبعا عالجناك،و كان فيمن أفتاه بالمنع أم سلمة و عائشة و أبو هريرة،فترك العلاج فكفّ بصره (4).

قلنا لعلّه لم يكن البرء مظنونا.

و لو تمكّن من حالة عليا منفردا،و إذا اقتدى لم يتمكن،صلى منفردا، كمن يتمكن من القيام وحده و لا يتمكن مع الامام لتطويله.و يحتمل جواز القدوة،فيجلس إذا عجز إذا كان الجلوس بعد استيفاء واجب القراءة و لم يستلزم الإخلال بركن من الأركان،لأنّه ليس فيه أكثر من التخلف عن الامام لعذر، و هو جائز إذا فاجأه العذر،كالمزاحم عن السجود.

المسألة العاشرة:ينتقل كل من القادر إذا تجدّد عجزه،

و العاجز إذا تجدّدت قدرته،الى ما يقدر عليه مستمرا و لا يستأنف،لأصالة الصحة، و للامتثال المقتضي للإجزاء.

فالقائم إذا عجز اعتمد،ثم قعد،ثم اضطجع،ثم استلقى،و لا يعدّ هذا فعلا كثيرا.و كذا لو قدر المستلقي اضطجع،ثم قعد،ثم اعتمد،ثم قام مستقبلا.و لو قدر المستلقي على القيام التام وجب من غير توسط غيره،و كذا لو عجز القائم عن الوسائط استلقى.

قال الأصحاب:و يقرأ في انتقاله الى ما هو أدنى،لأنّ تلك الحالة أقرب

ص: 274


1- الفقيه 1:236 ح 1036.
2- الكافي 3:410 ح 4.
3- التهذيب 3:177 ح 397.
4- السنن الكبرى 2:309،و راجع:تلخيص الحبير 3:301.

الى ما كان عليه (1).

و يشكل بانّ الاستقرار شرط مع القدرة و لم يحصل،و تنبّه عليه رواية السكوني عن الصادق عليه السلام في المصلي يريد التقدّم،قال:«يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثم يقرأ» (2)،و قد عمل الأصحاب بمضمون الرواية (3).

و لا يقرأ المنتقل إلى الأعلى قطعا،لأنّ فرضه انتقل إلى الحالة العليا، فلو كان قد قرأ بعضا بنى،و يجوز الاستئناف بل هو أفضل،لتقع جميع القراءة متتالية في الحال الأعلى.

و لو خفّ بعد القراءة وجب القيام للركوع.و له تجب الطمأنينة في هذا القيام قبل الهوي؟قال الفاضل:لا تجب (4)بناء على انّ القيام انما تجب الطمأنينة فيه لأجل القراءة و قد سقطت.و يحتمل الوجوب:

اما أولا:فلضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود و الهبوط بينهما سكون،فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما.

و اما ثانيا:فلأنّ ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة،و هذا ركوع قائم.

و اما ثالثا:فلأنّ معه يتيقن الخروج عن العهدة.و لا تستحب إعادة القراءة هنا،لعدم الأمر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا و لا ندبا.2.

ص: 275


1- شرائع الإسلام 1:80.
2- الكافي 3:316 ح 24،التهذيب 2:290 ح 1165.
3- قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:315 بعد حكاية قول المصنف هذا:ان نسبة ذلك الى الأصحاب لا يخلو من ريبة،لأنا لم نجد أحدا من القدماء صرح بذلك،و قد تتبعت..فلم أجد في موضع منها التصريح بذلك..اللهم الا ان يكونوا ذكروا ذلك في مطاوي كلامهم مما زاغ عنه النظر،أو يكون الشهيد أراد مشايخه كالفخر و العميد و العلامة و الآبي و غيرهم ممن شاهدهم أو نقل له ذلك عنهم،فليتأمل.
4- تذكرة الفقهاء 1:110،نهاية الإحكام 1:442.

و لو خفّ في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب إكماله،بأن يرتفع منحنيا الى حدّ الراكع،و ليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا،ثم يأتي بالذكر قائما لأنّه لم يكن أكمله،فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء،لعدم سبق كلام تام الا ان نقول:هذا الفصل لا يقدح في الموالاة،و ان أوجبنا التعدد أتى بما بقي قطعا.

و لو خفّ بعد الطمأنينة،قام للاعتدال من الركوع،و وجبت الطمأنينة في الاعتدال.

و لو خفّ بعد الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه،قام ليطمئن.

و لو خفّ بعد الطمأنينة في الاعتدال،فالأقرب وجوب القيام،ليسجد عن قيام كسجود القائم.و في وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد،إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين،فتجب الطمأنينة.

و لو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة،فالأقرب الاجتزاء به،و يأتي بالذكر فيه و بعده،و ليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا.و حينئذ ان تمكّن من الاعتدال و الطمأنينة وجب،و ان تمكن من مجرد الاعتدال فالظاهر وجوبه و تسقط الطمأنينة،مع احتمال جلوسه للاعتدال و الطمأنينة فيه.

المسألة الحادية عشرة:قد سبق جواز النافلة قاعدا للقادر على القيام،

و الأقرب عدم جواز الاضطجاع و الاستلقاء مع القدرة على القعود و القيام، لعدم ثبوت النقل فيه،مع أصالة عدم التشريع.و الاعتذار بأنّ الكيفية تابعة للأصل فلا تجب كالأصل مردود،لأنّ الوجوب هنا بمعنى الشرط،كالطهارة في النافلة و ترتيب الافعال فيها.

الكلام في مستحبات القيام،

و هي أمور:

منها:ان يقول ما قاله الصادق عليه السلام في خبر ابان،قال:«إذا قمت إلى الصلاة فقل:اللهم إني أقدّم إليك محمدا بين يدي حاجتي،و أتوجّه به إليك فاجعلني به وجيها في الدنيا و الآخرة،و من المقربين،و اجعل صلاتي به متقبلة،

ص: 276

و ذنبي به مغفورا،و دعائي به مستجابا،انك أنت الغفور الرحيم» (1).

و منها:ما قاله ابن بابويه،قال:إذا قمت إلى الصلاة فلا تأتها متكاسلا و لا متناعسا و لا مستعجلا،و لكن على سكون و وقار،فإذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشع و الإقبال على صلاتك،و اخشع ببصرك(الى اللّه عز و جل) (2)و لا ترفعه الى السماء،و ليكن نظرك الى موضع سجودك،و أشغل قلبك بصلاتك،فإنّه لا يقبل من صلاتك الا ما أقبلت عليه منها بقلبك،حتى انّه ربما قبل من صلاة العبد ربعها و ثلثها و نصفها (3).

قلت:روى زرارة عن الباقر عليه السلام،و روى محمد بن مسلم في الصحيح عنه عليه السلام:«ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها و ثلثها و ربعها و خمسها،فما يرفع له الاّ ما اقبل عليه منها بقلبه،و انما أمروا بالنوافل ليتمّم لهم ما نقصوا من الفريضة» (4).

و في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الباقر و الصادق عليهما السلام:

«انما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها،فإن أوهمها كلها أو غفل عن أدائها لفّت فضرب بها وجه صاحبها» (5).

و قال:ليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل،و لا تقدّم رجلا على رجل،و راوح بين قدميك و اجعل بينهما قدر ثلاث أصابع إلى شبر (6).و في المبسوط:أربع أصابع إلى شبر (7).1.

ص: 277


1- الكافي 3:309 ح 3،الفقيه 1:197 ح 917،التهذيب 2:287 ح 1149.
2- ليست في المصدر.
3- الفقيه 1:197.
4- الكافي 3:299 ح 1،363 ح 2،علل الشرائع:328،358،التهذيب 2:341 ح 1413.
5- الكافي 3:363 ح 4،التهذيب 2:342 ح 1417.
6- الفقيه 1:198.
7- المبسوط 1:101.

و أكثر هذه مسند عنهم عليهم السلام في التهذيب،مع ان ابن بابويه ضمن في كتابه الحكم بصحة ما يورده (1).

و منها:الاعتدال في القيام و اقامة النحر،لمرسلة حريز عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال:«النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه و نحره» (2).

و قال أبو الصلاح:يرخي ذقنه على صدره (3).

و منها:أن يثبت على قدميه،و لا يطأ مرّة على هذه و مرّة على هذه،و لا يتقدم مرة و يتأخّر اخرى،قالهما الجعفي.

و لنورد هنا حديثين مشهورين معتبري الاسناد يشتملان على معظم أفعال الصلاة.

أحدهما:رواه زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى،دع بينهما إصبعا أقل ذلك الى شبر أكثره.و اسدل منكبيك،و أرسل يديك،و لا تشبك أصابعك،و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك،و ليكن نظرك موضع سجودك.

فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك،تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و بلّغ بأطراف أصابعك في ركوعك عين الركبة،و فرّج أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك،فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحب إليّ ان تمكّن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينهما،و أقم صلبك،و مدّ عنقك،و ليكن نظرك الى ما بين2.

ص: 278


1- الفقيه 1:3.
2- الكافي 3:336 ح 9،التهذيب 2:84 ح 309. و الآية في سورة الكوثر:2.
3- الكافي في الفقه:142.

قدميك.

فإذا أردت أن تسجد،فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا،و ابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك و تضعهما معا،و لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعه،و لا تضعن ذراعيك على ركبتيك و فخذيك و لكن تجنح بمرفقيك، و لا تلزق كفيك بركبتيك و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك،و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك و لكن تحرفهما عن ذلك شيئا،و ابسطهما على الأرض بسطا و اقبضهما إليك قبضا،و ان كان تحتهما ثوب فلا يضرك،و ان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل،و لا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك و لكن ضمهن جميعا.

قال:و إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئا، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى،و ألياك على الأرض،و طرف إبهامك اليمنى على الأرض.

و إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك،و لا تكون قاعدا على الأرض انما قعد بعضك على بعض،فلا تصبر للتشهد و الدعاء» (1).

الثاني:رواه حماد بن عيسى،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام يوما:

«يا حماد أ تحسن أن تصلي».قال:فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة.قال:«لا عليك يا حماد قم فصل».قال:فقمت بين يديه متوجها الى القبلة فاستفتحت الصلاة،فركعت و سجدت.فقال:«يا حماد لا تحسن أن تصلي،ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة،فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة! قال حماد:فأصابني في نفسي الذل،فقلت:جعلت فداك فعلّمني الصلاة.فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا،فأرسل يديه جميعا8.

ص: 279


1- الكافي 3:334 ح 1،التهذيب 2:83 ح 308.

على فخذيه،قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه،حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات،و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة، و قال بخشوع:«اللّه أكبر»ثم قرأ الحمد-بترتيل-و قل هو اللّه أحد.

ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس و هو قائم،ثم رفع يديه حيال وجهه و قال:

«اللّه أكبر»و هو قائم،ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه متفرجات،و ردّ ركبتيه الى خلفه حتى استوى ظهره،حتى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره،و مدّ عنقه و غمّض عينيه ثم سبّح ثلاثا بترتيل،فقال:«سبحان ربي العظيم و بحمده».

ثم استوى قائما،فلما استمكن من القيام قال:«سمع اللّه لمن حمده» ثم كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه،ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه،فقال:«سبحان ربي الأعلى و بحمده» ثلاث مرات،و لم يضع شيئا من جسده على شيء منه،و سجد على ثمانية أعظم:الكفين،و الركبتين،و أنامل إبهامي الرجلين،و الجبهة،و الأنف، و قال:«سبعة منها فرض يسجد عليها،و هي التي ذكرها اللّه في كتابه فقال:

وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (1) و هي:الجبهة،و الكفان، و الركبتان (2)،و الإبهامان،و وضع الأنف على الأرض سنّة».

ثم رفع رأسه من السجود،فلما استوى جالسا قال:«اللّه أكبر»ثم قعد على فخذه الأيسر،قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر،فقال:

«استغفر (3)ربي و أتوب إليه»ثم كبّر و هو جالس و سجد السجدة الثانية،و قال كما قال في الاولى،و لم يضع شيئا من بدنه على شيء منه في ركوع و لا سجود، و كان مجنّحا و لم يضع ذراعيه على الأرض.فصلى ركعتين على هذا،و يداه».

ص: 280


1- سورة الجن:17.
2- أثبتناها من ط و المصادر.
3- في ط و المصادر زيادة:«اللّه».

مضمومتا الأصابع و هو جالس في التشهد،فلما فرغ من التشهد سلّم فقال:«يا حماد هكذا صل» (1).

قلت:الظاهر ان صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء و الاّ لأمره بقضائها، و لكنه عدل به الى الصلاة التامة كما قال:«فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة».

و قوله:(و غمّض عينيه)لا ينافيه ما اشتهر بين الأصحاب من استحباب نظره الى ما بين قدميه (2)كما دلّ حديث زرارة (3)لأنّ الناظر الى ما بين قدميه تقرب صورته من صورة المغمّض،و الشيخ قال في النهاية:و غمّض عينيك فان لم تفعل فليكن نظرك الى ما بين رجليك (4)،فأراد بالتغميض معناه الحقيقي، مع انّ مسمعا روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» (5).

قال في المعتبر:خبر حماد خاص فيقدّم (6).

و منها:القنوت،و هو مستحب في قيام كل ثانية قبل الركوع،فريضة أو نافلة،و فيه مباحث.

أ:في استحبابه في الجملة،و عليه الأكثر.

و ظاهر ابن أبي عقيل وجوبه في الجهرية (7)و ابن بابويه وجوبه مطلقا،و ان6.

ص: 281


1- الكافي 3:311 ح 8،الفقيه 1:196 ح 916،أمالي الصدوق:337،التهذيب 2:81 ح 301.
2- راجع:المقنعة:16،و المبسوط 1:101،و السرائر:46.
3- تقدم في ص 278-279 الهامش 1.
4- النهاية:71.
5- التهذيب 2:314 ح 1280.
6- المعتبر 2:246.
7- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:243،و العلامة في مختلف الشيعة:96.

الإخلال به عمدا يبطل الصلاة (1).

لنا:الأصل،و صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام:«ان شئت فاقنت،و ان شئت لا تقنت» (2).

و خبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام:«لا تقنت إلاّ في الفجر» (3)و خبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:«ليس القنوت إلا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب» (4)،نفي القنوت في غيرها،و هذان الشيخان لا ينفيانه.

و خبر عبد الملك عن الصادق عليه السلام،و سأله هل القنوت قبل الركوع أو بعده،فقال:«لا قبله،و لا بعده» (5)نفى الوجوب،لثبوت الاستحباب بأخبار تكاد تبلغ التواتر،و بإجماع الإمامية.

روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«القنوت في كل ركعتين في التطوع أو الفريضة» (6).

و عن زرارة عنه عليه السلام:«القنوت في كل الصلوات» (7).

لهما:خبر وهب عن الصادق عليه السلام:«من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (8).و خبر عمار عنه عليه السلام:«ليس له ان يدعه متعمّدا» (9).

و في صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام و سأله عن الفرض في الصلاة،5.

ص: 282


1- الفقيه 1:207.
2- التهذيب 2:91 ح 340،الاستبصار 1:340 ح 1281.
3- التهذيب 2:91 ح 339،الاستبصار 1:340 ح 1280.
4- التهذيب 2:91 ح 338،الاستبصار 1:340 ح 1279.
5- التهذيب 2:17 ح 60،الاستبصار 1:417 ح 1604.
6- الفقيه 1:207 ح 934،التهذيب 2:90 ح 236،الاستبصار 1:339 ح 1277.
7- الفقيه 1:208 ح 935،312 ح 1417.
8- الكافي 3:339 ح 6.
9- التهذيب 2:315 ح 1285.

فقال:«الوقت،و الطهور،و القبلة،و التوجّه،و الركوع،و السجود،و الدعاء»و ما سوى ذلك؟«سنّة في فريضة» (1)و لا ريب انّ القنوت دعاء،و لا قائل بوجوب دعاء في الصلاة غيره.

و الجواب:انّ المنفي كمال الصلاة،و الرغبة عنه أخصّ من الدعوى، إذ تركه متعمدا قد يكون رغبة و قد لا يكون.و قوله:«ليس له ان يدعه»مبالغة في تأكده.و الدعاء جاز حمله على القراءة و باقي الأذكار الواجبة،فإن معنى الدعاء فيها.

و احتجا بقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (2).

و جوابه:ان معنى قانِتِينَ مطيعين،سلمنا انه بمعنى القنوت،و لكن لا دلالة فيه على الوجوب،لأنّه أمر مطلق،و لو دلّ لم يدلّ على التكرار،و لأنّ الصلاة مشتملة على القراءة و الأذكار و فيها معنى الدعاء،فيتحقق الامتثال بدون القنوت.

ب:يتأكد في الجهرية،لما مر،و لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:«أمّا ما جهرت فيه فلا تشك» (3).و كذا يتأكد في الوتر،لرواية ابن سنان عنه عليه السلام:«القنوت في:المغرب،و العشاء،و الغداة،و الوتر» (4).

ج:محلّه قبل الركوع إجماعا منا،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:

«القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (5).و رواية معمر بن يحيى عنه عليه السلام:«ان شئت بعد الركوع» (6)حملت على القضاء أو التقية (7).ق.

ص: 283


1- الكافي 3:272 ح 5،التهذيب 2:139 ح 543،241 ح 955.
2- سورة البقرة:238.
3- الكافي 3:339 ح 1،التهذيب 2:89 ح 331،الاستبصار 1:338 ح 1272.
4- التهذيب 2:89 ح 332،الاستبصار 1:338 ح 1273.
5- الكافي 3:430 ح 7،التهذيب 2:89 ح 330،الاستبصار 1:338 ح 1271.
6- التهذيب 2:92 ح 343،الاستبصار 1:341 ح 1283.
7- حملها الشيخ في التهذيب و الاستبصار،راجع الهامش السابق.

و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة،فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع،و في الأخيرة بعد الركوع» (1).

و عليه في الجمعة معظم الأصحاب (2).

و ابن أبي عقيل ظاهره ان القنوت متعدّد،و انه قبل الركوع في الركعتين (3).

و ظاهر ابن بابويه ان القنوت فيها واحد،و انه بعد الركوع (4).

و ظاهر المفيد أيضا الوحدة،الا انّه قبل الركوع في الركعة الاولى (5)و عليه دل صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام مع الامام يقنت في الركعة الاولى، و في الظهر في الركعة الثانية قبل الركوع (6).

و ابن إدريس أنكر تعدّد القنوت في الجمعة (7)و ظاهره انه في الثانية قبل الركوع.

قال في المعتبر:و يظهر لي انّ الامام يقنت قنوتين إذا صلّى جمعة،و من عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا،و احتج بروايتي معاوية بن عمار و أبي بصير (8).

و مال في المعتبر الى جواز القنوت مطلقا بعد الركوع،للخبر السالف1.

ص: 284


1- التهذيب 2:90 ح 334،3:17 ح 62،الاستبصار 1:339 ح 1275،418 ح 1606.
2- راجع:المبسوط 1:113،المهذب 1:103،المعتبر 2:244.
3- مختلف الشيعة:106.
4- راجع:الفقيه 1:267،و فيه:(قبل الركوع)،و كذا حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 106.
5- الاشراف:7.
6- الكافي 3:427 ح 2،التهذيب 3:16 ح 59،الاستبصار 1:417 ح 1603.
7- السرائر:48.
8- المعتبر 2:244،و رواية معاوية تقدمت في الهامش 6،و رواية أبي بصير تقدمت في ص 377 الهامش 1.

المحمول على التقية أو القضاء،و قال:ليس في الاخبار ما يدل على ان الإتيان به بعد الركوع قضاء (1).

د:يقنت في مفردة الوتر،لما مر.

و لا فرق بينه و بين غيره في كونه قبل الركوع،لرواية عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي القنوت في الوتر أو غير الوتر،قال:«ليس عليه شيء».

قال:«ان ذكره و قد أهوى إلى الركوع،قبل ان يضع يده على الركبتين،فليرجع قائما فليقنت ثم ليركع.و ان وضع يده على ركبتيه،فليمض في صلاته» (2).

نعم،الظاهر استحباب الدعاء في الوتر بعد الركوع أيضا،لما روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام:انه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر، قال:«هذا مقام من حسناته نعمة منك»الى آخر الدعاء (3)و سماه في المعتبر:

قنوتا (4).

و لا فرق في قنوت الوتر بين أيام السنة كلها،و قول بعض العامة باختصاص النصف الأخير من شهر رمضان (5)تحكّم.

ه:لو نسي القنوت،قال الشيخ و من تبعه:يقضيه بعد الركوع.فلو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ (6)رواه أبو بصير قال:سمعته يذكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام في الساهي عن القنوت:يقنت بعد ما ينصرف و هو جالس. (7).8.

ص: 285


1- المعتبر 2:245.
2- التهذيب 2:131 ح 507.
3- الكافي 3:325 ح 16،التهذيب 2:132 ح 508.
4- المعتبر 2:241.
5- المغني 1:820،الشرح الكبير 1:755.
6- المبسوط 1:113،النهاية:89،المهذب 1:98،الكافي في الفقه:149،المعتبر 2: 245،مختلف الشيعة:139،نهاية الإحكام 1:509.
7- التهذيب 2:160 ح 631،الاستبصار 1:344 ح 1298.

و روى ان قنوت الناسي بعد الركوع محمد بن مسلم و زرارة،عن الباقر و الصادق عليهما السلام (1).

و لا ينافيه رواية معاوية بن عمار،قال:سألته عن ناسي القنوت حتى يركع،أيقنت؟قال:«لا» (2)،لاحتمال ان ينفي الوجوب،أي:لا يجب.و كذا ما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،انّه قال له:في قنوت الوتر إذا نسي أيقنت بعد الركوع؟قال:«لا» (3).

قال الصدوق:و انما منع الصادق عليه السلام ذلك في الوتر و الغداة خلافا للعامة،لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع،و انما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأنّ جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (4).

و روى قضاءه في الطريق زرارة عن الباقر عليه السلام في ناسي القنوت و هو في الطريق،قال:«يستقبل القبلة ثم ليقله،أبي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو يدعها» (5).

و:يستحب الجهر فيه في الجهرية و الإخفاتية،لرواية الصحيحة عن زرارة،عن الباقر عليه السلام:«القنوت كله جهار» (6).

و لا ينافيه رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام:

«ان شاء جهر،و ان شاء لم يجهر»و كان السؤال عن التشهد و ذكر الركوع0.

ص: 286


1- رواية محمد بن مسلم و زرارة عن الباقر عليه السلام في:التهذيب 2:160 ح 628، الاستبصار 1:344 ح 1295. و رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في:التهذيب 2:160 ح 629، الاستبصار 1:344 ح 1296.
2- التهذيب 2:161 ح 633،الاستبصار 1:345 ح 1300.
3- الفقيه 1:312 ح 1421.
4- الفقيه 1:313.
5- الكافي 3:340 ح 10،التهذيب 2:315 ح 1283.
6- الفقيه 1:209 ح 944،السرائر:480.

و السجود و القنوت (1)،لجواز ان يكون ذلك التخيير لرفع توهّم تعيين أحدهما.

و قال المرتضى و الجعفي-رحمه اللّه-:انه تابع للصلاة في الجهر و الاخفاف (2)،لعموم:«صلاة النهار عجماء،و صلاة الليل جهرا» (3).

قلنا:الخاص مقدّم.

و قال ابن الجنيد:يستحب ان يجهر به الإمام ليؤمّن من خلفه على دعائه.فإن أراد لفظ(آمين)فسيأتي ان شاء اللّه تعالى انه مبطل،و ان أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس.

و هل يسرّ به المأموم؟الأقرب:نعم،لعموم قول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول» (4)و مثله رواية حفص بن البختري عن علي عليه السلام (5).

ز:يستحب التكبير له قائما رافعا يديه-كما سلف-لحسن معاوية بن عمار عنه عليه السلام:«التكبير في صلاة الفرض في الخمس خمس و تسعون تكبيرة،منها:تكبيرة القنوت خمس» (6)و مثله رواية الصباح المزني عن أمير المؤمنين عليه السلام (7).6.

ص: 287


1- التهذيب 2:102 ح 385.
2- حكاه عن المرتضى:المحقق في المعتبر 2:243،و العلامة في تذكرة الفقهاء 1:129، و نهاية الإحكام 1:508.
3- ورد ما بمعناه في:التهذيب 2:289 ح 1161،الاستبصار 1:313 ح 1165،و وردت الفقرة الأولى عن الحسن في:غريب الحديث لأبي عبيد 1:170،تهذيب اللغة 1: 391،الفائق 2:395.
4- التهذيب 3:49 ح 170.
5- الكافي 3:337 ح 5،الفقيه 1:260 ح 1189،التهذيب 2:102 ح 384،و في الجميع: عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
6- الكافي 3:310 ح 5،التهذيب 2:87 ح 323،الاستبصار 1:336 ح 1264.
7- الخصال 1:593،التهذيب 2:87 ح 325،الاستبصار 1:336 ح 1266.

و المفيد-رحمه اللّه-:لا تكبير للقنوت،و يكبّر عنده للقيام من التشهد، فالتكبير عنده أربع و تسعون (1).

و الروايات تخالفه،مع انه قد روي مشهورا بعدة طرق منها:رواية محمد ابن مسلم عن الصادق عليه السلام في القائم من التشهد يقول:«بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد» (2)و في بعضها:«بحولك و قوتك أقوم و اقعد» (3)و في بعضها:

«و اركع و اسجد» (4)و لم يذكر في شيء منها التكبير،فالأقرب سقوطه للقيام و ثبوته للقنوت،و به كان يفتي المفيد و في آخر عمره رجع عنه الى المذكور أولا.

قال الشيخ:و لست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا (5).

ح:يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين،يستقبل ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض،قاله الأصحاب (6).

و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«و ترفع يديك حيال وجهك،و ان شئت تحت ثوبك (7)،و تتلقى بباطنهما السماء».

و قال المفيد:يرفع يديه حيال صدره (8).6.

ص: 288


1- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر:48،و راجع رسالة الاشراف:6.
2- الكافي 3:338 ح 11،التهذيب 2:88 ح 326.
3- التهذيب 2:88 ح 327،الاستبصار 1:338 ح 1268.
4- التهذيب 2:86 ح 320.
5- الإستبصار 1:337.
6- السرائر:47،المعتبر 2:247.
7- قال البحراني في الحدائق الناضرة 8:386 بعد إيراده الرواية عن كتابنا هذا:و لم أقف على رواية عن عبد اللّه بن سنان بهذه الصورة،و الذي وقفت عليه انما هي الرواية الواردة في الوتر. و نحو هذا قال الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام 10:369. و الرواية الواردة في الوتر هي ما رواه الصدوق في الفقيه 1:309 ح 1410 و الطوسي في التهذيب 2:131 ح 504،بإسنادهما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تدعو في الوتر على العدو..و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك،و ان شئت فتحت ثوبك».
8- المقنعة:26.

و حكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض (1).

و يفرق الإبهام عن الأصابع،قاله ابن إدريس (2).

و يستحب نظره الى بطونهما،ذكره الجماعة (3).

و يجوز ترك الرفع للتقية،لرواية علي بن محمد انّه كتب الى الفقيه يسأله عن القنوت،فكتب:«إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين،و قل ثلاث مرات:بسم اللّه الرحمن الرحيم» (4).

و يمسح وجهه بيديه،و يمرهما على لحيته و صدره،قاله الجعفي،و هو مذهب بعض العامة (5).

ط:أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج،قال ابن إدريس:و روي انها أفضله (6)،و قد ذكرها الأصحاب (7)،و في المبسوط و المصباح:هي أفضل (8).

و روى سعد بن أبي خلف عن الصادق عليه السلام،قال:«يجزئك في القنوت:اللهم اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنا في الدنيا و الآخرة،انك على كل شيء قدير» (9).

و في النهاية:أدناه:رب اغفر و ارحم،و تجاوز عما تعلم،انك أنت الأعز الأكرم (10).2.

ص: 289


1- المعتبر 2:247.
2- السرائر:47.
3- راجع:السرائر:47،المعتبر 2:246،تذكرة الفقهاء 1:128.
4- التهذيب 2:315 ح 1286.
5- المجموع 3:501،مغني المحتاج 1:167.
6- السرائر:48.
7- راجع:المقنعة:16،الكافي في الفقه:123،تذكرة الفقهاء 1:128.
8- المبسوط 1:113،مصباح المتهجد:35.
9- الكافي 3:340 ح 12،التهذيب 2:87 ح 322.
10- النهاية:72.

و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أدنى القنوت، فقال:«خمس تسبيحات» (1).

و قال ابن أبي عقيل،و الجعفي،و الشيخ:أقله ثلاث تسبيحات (2).

و اختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في القنوت:«اللهم إليك شخصت الابصار،و نقلت الاقدام،و رفعت الأيدي، و مدت الأعناق،و أنت دعيت بالألسن،و إليك سرهم و نجواهم في الأعمال، ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق،و أنت خير الفاتحين.اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا،و قلة عددنا،و كثرة عدونا،و تظاهر الاعداء علينا،و وقوع الفتن بنا، ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره،و امام حق نعرفه،إله الحق آمين رب العالمين».

قال:و بلغني ان الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج.

قال ابن الجنيد:و أدناه:رب اغفر و ارحم،و تجاوز عما تعلم.

و قال:و الذي استحب فيه ما يكون فيه حمد اللّه و ثناء عليه،و الصلاة على رسول اللّه و الأئمة صلى اللّه عليهم،و ان يتخيّر لنفسه من الدعاء و للمسلمين ما هو مباح له.

ي:يجوز الدعاء فيه بما سنح للدين و الدنيا.روى إسماعيل بن الفضل، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت و ما يقال فيه،فقال:«ما قضى اللّه على لسانك،و لا أعلم فيه شيئا موقتا» (3).

يا:يجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم،و الدعاء على الكفرة و المنافقين،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دعا في قنوته لقوم بأعيانهم و على1.

ص: 290


1- الكافي 3:340 ح 11،التهذيب 2:315 ح 1282.
2- النهاية:72.
3- الكافي 3:340 ح 8،التهذيب 2:314 ح 1281.

آخرين بأعيانهم،كما روي انه قال:«اللهم انج الوليد بن الوليد،و سلمة بن هشام،و عياش بن ربيعة،و المستضعفين من المؤمنين،و اشدد وطأتك على مضر و رعل و ذكوان» (1).

و قنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى، و عمرو بن العاص،و معاوية،و أبي الأعور و أشياعهم (2).قاله ابن أبي عقيل.

و روى عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«تدعو في الوتر على العدو،و ان شئت سميتهم» (3).

و روى العامة عن أبي الدرداء انه قال:إنّي لأدعو لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم و أنسابهم،و لم ينكر ذلك أحد من الصحابة (4).

يب:يستحب اطالة القنوت،فقد ورد عنهم عليهم السلام:«أفضل الصلاة ما طال قنوتها».

و روى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة و الإخلاص،و اقنت في الثانية بقدر ما قمت (5)في الركعة الأولى».

تنبيهات:

الأول: يجوز الدعاء في سائر أحوال الصلاة،للأصل،و عموم اُدْعُوا رَبَّكُمْ (6)و ما سلف من خبر:انّ الدعاء فرض (7).و روى عبد الرحمن بن سيابة1.

ص: 291


1- صحيح مسلم 1:466 ح 675،شرح معاني الآثار 1:241،السنن الكبرى 2:197.
2- رواه محمد بن المثنى في كتابه-ضمن الأصول الستة عشر:88،و ابن أبي شيبة في مصنفه 2:317،و الطوسي في أماليه 2:335.
3- الفقيه 1:309 ح 1410،التهذيب 2:131 ح 504.
4- لاحظ:السنن الكبرى 2:245.
5- في م،ط:قنتّ.و كما في المتن في بحار الأنوار 85:206،و وسائل الشيعة 4:919.
6- سورة الأعراف:55.
7- راجع ص 283 الهامش 1.

قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أدعو و انا ساجد؟قال:«نعم،ادع للدنيا و الآخرة،فإنّه رب الدنيا و رب الآخرة» (1).

الثاني: منع سعد بن عبد اللّه من جواز الدعاء في القنوت بالفارسية، حسب ما رواه الشيخ محمد بن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن،عنه و نقل عن محمد بن الحسن الصفار جوازه،و اختاره ابن بابويه،لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام:«لا بأس ان يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه عز و جل» (2).

قال:و لو لم يرد هذا الخبر،لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام انه قال:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»،و النهي عن الدعاء بالفارسية غير موجود.و قال الصادق عليه السلام:«كل شيء ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام» (3).

و اختاره الشيخ في النهاية:بأي لغة كانت (4)و الفاضلان:لصدق اسم الدعاء عليه (5).

اما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.

الثالث: قد تقدّمت كلمات الفرج في أحكام الأموات،و يجوز ان يقول فيها هنا:(و سلام على المرسلين)،ذكر ذلك هنا جماعة من الأصحاب، منهم:المفيد (6)و ابن البراج (7)و ابن زهرة (8).7.

ص: 292


1- الكافي 3:323 ح 6،التهذيب 2:299 ح 1207.
2- الفقيه 1:208،و الحديث فيه برقم 936.
3- الفقيه 1:208،و الخبرين فيه برقم 937،938.
4- النهاية:74.
5- المعتبر 2:241،مختلف الشيعة:98.
6- المقنعة:16.
7- المهذب 1:94.
8- الغنية:497.

و سئل عنه الشيخ نجم الدين في الفتاوي فجوّزه،لانّه بلفظ القرآن،مع ورود النقل.

الرابع: روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن الصادق عليه السلام في الرجل يدرك الركعة الأخيرة مع الامام فيقنت الامام،أيقنت معه؟قال:«نعم، و يجزئه من القنوت لنفسه» (1).

تتمّة:

قد بيّنا استحباب وضع اليدين على الفخذين بإزاء الركبتين حال القيام،

فلو وضعهما على غير ذلك جاز،غير انّه لا يجوز للمصلّي وضع اليمين على الشمال و لا بالعكس،فوق السرة و لا تحتها،فتبطل لو تعمّد فعله.

و نقل الشيخ و المرتضى فيه الإجماع (2).و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:قلت له:الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى،فقال:«ذلك التكفير لا تفعله» (3).و في مرسلة حريز عن الصادق عليه السلام:«لا تكفّر،انما يصنع ذلك المجوس» (4).و لأنّ أفعال الصلاة متلقاة من الشرع،و لا شرع هنا.و للاحتياط.و لانّه فعل كثير خارج عن الصلاة.

و خالف في ذلك ابن الجنيد حيث جعل تركه مستحبا (5)و أبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها (6)و من الأصحاب من لم يتعرض له كابن أبي عقيل و سلار.

و قال الشيخ نجم الدين في المعتبر:الوجه عندي الكراهية،لمخالفته ما

ص: 293


1- التهذيب 2:315 ح 1287،و في سؤال الراوي:الركعة الأخيرة من الغداة.
2- الخلاف 1:321 المسألة:74،الانتصار:41.
3- التهذيب 2:84 ح 310.
4- الكافي 3:336 ح 9،التهذيب 2:84 ح 309،عن أبي جعفر عليه السلام.
5- مختلف الشيعة:100.
6- الكافي في الفقه:125.

دلت عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين.و الإجماع غير معلوم لنا،و خصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء.و التمسك بأنّه فعل كثير في غاية الضعف،لأنّ وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب،و لم يتناول النهي وضعهما في موضع معين،فكان للمكلف وضعهما كيف شاء.

و تلقي أفعال الصلاة من الشرع حق،لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين على الشمال لم يثبت تحريمه،فصار للمكلف وضعهما كيف شاء، و عدم تشريعه لا يدل على تحريمه.و الاحتياط معارض بأنّ الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع،أو نقول:متى يحتاط إذا علم ضعف مستند المانع،أم إذا لم يعلم؟و مستند المانع هنا معلوم الضعف.

و اما الرواية فظاهرها الكراهية،لما تضمنته من التشبيه بالمجوس.و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بمخالفتهم ليس على الوجوب،لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية و انه فاعل الخير،فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره (1).

قال:فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى،و يؤيد ما ذكرناه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر به الأعرابي،و كذا رواية أبي حميد حكاية صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).

قال:و احتجاج العامة على شرعيته برواية وائل بن حجر،قال:رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى،و برواية4.

ص: 294


1- المعتبر 2:257. و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله في:صحيح مسلم 1:222 ح 260،السنن الكبرى 1: 150.
2- المعتبر 2:257. و حديث الأعرابي سيأتي في ص 363 الهامش 3. و رواية أبي حميد في:سنن ابن ماجة 1:280 ح 862،سنن أبي داود 1:194 ح 730، السنن الكبرى 2:24.

سهل بن سعد قال:كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة،قال أبو حازم:لا أعلمه إلا ينهى ذلك الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عن ابن مسعود:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله مرّ به و هو واضع شماله على يمينه فوضعها على شماله،مردود،بمخالفتهم لمضمون رواية وائل،لأنّ منهم من يضعها فوق السرة،و منهم من يضعها تحتها،و رواية سهل لم يبيّن فيها الأمر،و قول أبي حازم مشعر بشكه في ذلك،و خبر ابن مسعود حكاية في واقعة مخصوصة (1).

قلت:في بعض كلامه-رحمه اللّه-مناقشة،و ذلك لأنّه قائل في كتبه بتحريمه و إبطاله الصلاة (2).و الإجماع و ان لم يعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين (3).و اما الروايتان،فالنهي فيهما صريح و هو التحريم على ما اختاره معظم الأصوليين،و خلاف المعيّن لا يقدح في الإجماع.و التشبّه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعه حرام،و اين الدليل الدالّ على شرعية هذا الفعل؟و الأمر بالصلاة مقيّد بعدم التكفير الثابت في الخبرين المعتبري،الاسناد اللذين عمل بهما معظم الأصحاب.فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر و ان لم يكن إجماعا.7.

ص: 295


1- المعتبر 2:256،258. و رواية وائل في:السنن الكبرى 2:30. و رواية سهل في:مسند احمد 5:336،صحيح البخاري 1:188،السنن الكبرى 2: 28. و رواية ابن مسعود في:سنن ابن ماجة 1:266 ح 811،سنن أبي داود 1:200 ح 755، سنن النسائي 2:126.
2- شرائع الإسلام 1:91،المختصر النافع:34.
3- العلامة في نهاية الوصول في البحث السادس من مباحث الإجماع و من العامة. انظر المحصول 4:152،و المعتمد 2:67.
تنبيه:

لا ريب في جوازه عند التقية،

و لا فرق بين كون اليد على الأخرى بحائل أو غيره.و لو وضع اليسرى على اليمنى عند التقية احتمل البطلان،لانه لم يأت بالتقية على وجهها فيكون المحذور سليما من المعارض،و الصحة إذا تأدّت بها التقية.

و لو ترك الوضع عند التقية،فكترك الغسل في مسح الوضوء و قد سلف، و أولى هنا بالصحة،لأنه خارج عن الصلاة،بخلاف الغسل و المسح،فإن الجزئية محققة فيهما فيتحقق النهي عن العبادة في الجملة،و الأقرب هنا الجزم بعدم البطلان.

ص: 296

الواجب الرابع:
اشارة

القراءة و النظر في واجباتها و سننها و لواحقها.

النظر الأول:في الواجبات.
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى:تجب قراءة الحمد عينا في الصلاة الواجبة في الصبح و أوليي

الصلوات الباقية إجماعا منا،

لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام و الصحابة و التابعين،و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»رواه عبادة بن الصامت (1).

و روينا عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،انه قال:«من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمت صلاته» (2).

و عن محمد بن مسلم،عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب:«لا صلاة له الا ان يقرأ بها في جهر أو إخفات» (3).

و الخبر الأول صريح في عدم ركنيتها،لعدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا،و به صرح خبر منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام (4)و خبر معاوية ابن عمار عنه أيضا (5)في أخبار كثيرة (6).

و احتجاج بعض العامة بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ،و بانّ النبي

ص: 297


1- مسند احمد 5:316،صحيح البخاري 1:192،صحيح مسلم 1:295 ح 394،سنن ابن ماجة 1:273 ح 837،الجامع الصحيح 2:25 ح 247،سنن النسائي 2:137،سنن الدار قطني 1:321،السنن الكبرى 2:164.
2- الكافي 3:347 ح 1،التهذيب 2:146 ح 569،الاستبصار 1:353 ح 1335.
3- الكافي 3:317 ح 28،التهذيب 2:146 ح 573،الاستبصار 1:310 ح 1152.
4- الكافي 3:348 ح 3،التهذيب 2:146 ح 570.
5- التهذيب 2:146 ح 571،الاستبصار 1:354 ح 1337،السرائر:484.
6- لاحظ:التهذيب 2:146 ح 572،574،الاستبصار 1:354 ح 1338-1340.

صلّى اللّه عليه و آله لما علّم الأعرابي قال له:«ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن»،و بتساوي الفاتحة و سائر القرآن في الأحكام فكذا في الصلاة (1)ضعيف،لأنّ قوله عليه السلام:«لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب»أخص من قوله تعالى ما تَيَسَّرَ مِنْهُ فيبني العام عليه،و عدم تعليم الأعرابي الفاتحة ممنوع،فإنّه نقل:«ثم اقرأ بأم القرآن و ما شاء اللّه تعالى» (2)و القياس عندنا باطل،مع منع التساوي في جميع الأحكام فإنّه محل النزاع.

الثانية:«بسم اللّه الرحمن الرحيم»آية من الفاتحة،
اشارة

و من كل سورة-خلا براءة-إجماعا منا.و رواه العامة من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أم سلمة (3)،و انه قال:«إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤا:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنها أم القرآن و السبع المثاني،و ان بسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها» (4).

و روي:انه قرأ الفاتحة فقرأ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و عدّها آية (5).

و روينا عن الأئمة عليهم السلام ذلك بطريق كثيرة،منها:رواية معاوية ابن عمار عن الصادق عليه السلام:«انها آية في الفاتحة و السورة» (6).و رواية صفوان:انه صلّى خلفه عليه السلام أياما،و كان يقرؤها و يجهر بها في الإخفاتية (7).

ص: 298


1- قاله أبو حنيفة،راجع:المجموع 3:327. و الآية في سورة المزمل:20. و حديث تعليم الأعرابي سيأتي بتمامه في ص 363 الهامش 3.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:70 ح 207،مسند احمد 4:34.
3- مسند احمد 6:302،سنن أبي داود 4:37 ح 4001،مسند أبي يعلى 12:350 ح 6920، شرح معاني الآثار 1:199،سنن الدار قطني 1:307،المستدرك على الصحيحين 1: 232،السنن الكبرى 2:44.
4- سنن الدار قطني 1:312،السنن الكبرى 2:45،مجمع الزوائد 2:109،عن الطبراني في الأوسط.
5- راجع الهامش 4.
6- الكافي 3:312 ح 1،التهذيب 2:69 ح 251،الاستبصار 1:311 ح 1155.
7- التهذيب 2:68 ح 246،الاستبصار 1:310 ح 1154.

و قد روي ما يعارض ذلك:كرواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام في الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد و لا يقرأ«بسم اللّه الرحمن الرحيم»فقال:

«لا يضر» (1).و رواية محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام:انه لا يقرؤها في السورة (2)في أخبار أخرى (3).و حملها الأصحاب على التقية،أو النسيان،أو النافلة (4).

و ابن الجنيد يرى أنّ البسملة في الفاتحة بعضها،و في غيرها افتتاح لها، و لعله يحتجّ بهذه الرواية،و هو متروك.

تنبيه:

أجمع المسلمون على وجوب القراءة في الصلاة،

إلا الحسن بن صالح ابن حي و ابن عليّة و الأصم،و يروى عن أنس و عكرمة،و عن عمر فيمن نسي القراءة:لا بأس (5).

لنا:الإجماع،و انقراض المذكورين،و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«لا صلاة إلاّ بقراءة» (6)و قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (7)،و النسيان عذر

ص: 299


1- التهذيب 2:68 ح 247،288 ح 1156،الاستبصار 1:312 ح 1159.
2- التهذيب 2:68 ح 249،الاستبصار 1:312 ح 1161.
3- راجع:التهذيب 2:288 ح 1154،الاستبصار 1:311 ح 1158.
4- التهذيب 2:68 ح 69،المعتبر 2:169.
5- بداية المجتهد 1:125 و المجموع 34:330 و عمدة القارئ 6:9 و الحاوي الكبير 2: 102،التفسير الكبير 1:188 و المصنف لعبد الرزاق 2:122 ح 2748.و المصنف لابن أبي شيبة 1:396.السنن الكبرى 2:381،و الاستذكار 4:124.
6- المصنف لعبد الرزاق 2:120 ح 2743،مسند احمد 2:308،صحيح مسلم 1:297 ح 396،السنن الكبرى 2:193.
7- سورة المزمل:20.

لعموم:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (1).

و هل الفاتحة متعينة في النافلة؟الأقرب ذلك،لعموم الأدلة.

و قال الفاضل:لا تجب فيها،للأصل (2).فان أراد الوجوب بالمعنى المصطلح عليه فهو حق،لأنّ الأصل إذا لم يكن واجبا لا تجب أجزاؤه.و ان أراد به الوجوب المطلق ليدخل فيه الوجوب بمعنى الشرط،بحيث تنعقد النافلة من دون الحمد،فممنوع.

و اما حمل الشيخ في التهذيب أخبار سقوط البسملة على النافلة،فالمراد به سقوطها من السورة،صرح بذلك (3).

الثالثة:تجب سورة كاملة في الثنائية و الأوليين من غيرها،

على المشهور بين الأصحاب.

و خالف فيه:ابن الجنيد،و سلار،و الشيخ في النهاية،و المحقق في المعتبر،فإنّهم ذهبوا الى استحبابها (4)فعندهم يجوز التبعيض كما يجوز تركها بالكلية.

لنا:فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و قول الصادق عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة أقل من سورة و لا أكثر»رواه منصور بن حازم (5).و في مكاتبة يحيى بن عمران الى أبي جعفر عليه السلام في تارك

ص: 300


1- الكافي 2:335 ح 1،2،الخصال:417،التوحيد:353،الجامع الصغير 2:16. ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
2- تذكرة الفقهاء 1:114.
3- التهذيب 2:69.
4- المراسم:69،النهاية:75،المعتبر 2:173،و حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة:91.
5- الكافي 3:314 ح 12،التهذيب 2:69 ح 253،الاستبصار 1:314 ح 1167،و في الجميع:«بأقل..بأكثر».

البسملة في السورة بعد الحمد:يعيد الصلاة (1)و هو يستلزم وجوب السورة.

و عورضا بخبري الحلبي و علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام:

«فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة» (2)و هما من الصحيح.و روى عمر ابن يزيد-في الصحيح أيضا-عنه عليه السلام:أجزاء السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة إذا كانت أكثر من ثلاث آيات (3).

و حمل الشيخ الخبرين الأولين في التهذيب على الضرورة،لما رواه الحلبي في الصحيح عنه عليه السلام:«لا بأس ان يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين،إذا ما عجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (4).

و حمل الخبر الثالث على انّ المراد تكررها في الركعة الثانية دون ان يفرقها في الركعتين،هذا إذا لم يحسن غيرها،فاما مع التمكّن من غيرها فإنّه يكره ذلك،لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها،قال:«إذا أحسن غيرها فلا يفعل،و ان لم يحسن غيرها فلا بأس» (5).

قلت:الحمل الأول حسن،و اما الثاني فمشكل،لانه لو أراد تكرارها لم يكن في التقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة،إذ يكره تكرار ما زاد و ما لم يزد،و لو حملت على الضرورة كما حمل الخبران الأولان عليها كان أحسن، أي:انّه إذا لم يتمكن من قراءة سورة كاملة في الركعة،و يتمكن من قراءة سورة في الركعتين،وجب إذا أصاب كل ركعة آيتين فصاعدا.4.

ص: 301


1- الكافي 3:313 ح 2،التهذيب 2:69 ح 252،الاستبصار 1:311 ح 1156.
2- التهذيب 2:71 ح 259،260.
3- التهذيب 2:71 ح 262،الاستبصار 1:315 ح 1173.
4- التهذيب 2:71،الاستبصار 1:314 و الحديث فيهما برقم 261،1172.
5- التهذيب 2:71،الاستبصار 1:315،و الحديث فيهما برقم 263،1174.

و فيه إشارة الى انّ البسملة ليست معدودة في الآي،أو انّها مع الآية التي بعدها آية كاملة،لأنّ أقل السور عددا لا تنقص بالبسملة عن أربع.

قال في المعتبر:حمل الرواية بالسورة على الاستحباب،و حمل الرواية بعدمها على الجواز أقرب.

و أورد رواية حريز عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في السورة تصلّى في الركعتين من الفريضة،فقال:«نعم،إذا كانت ست آيات،نصفها في الركعة الاولى،و النصف الآخر في الركعة الثانية».

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل قرأ سورة فغلط،أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته،أو يدع تلك السورة و يتحول عنها الى غيرها؟فقال:«كل ذلك لا بأس به،و ان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع».

و رواية إسماعيل بن الفضل،قال.صلّى بنا أبو عبد اللّه أو أبو جعفر فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر المائدة،فلما التفت إلينا فقال:«إنما أردت أن أعلمكم» (1).

قلت:يمكن حمل هذه الروايات على التقية،إذ عمل أكثر الأصحاب على خلافها يشعر باعراضهم عنها لعلّة من العلل،أو تحمل على العذر.

الرابعة:لا تجزئ القراءة بغير العربية و لا بمرادفها منها بإجماعنا،

لقوله تعالى إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (2)و لفوات الاعجاز إذ هو باعتبار لفظه و نظمه،

ص: 302


1- المعتبر 2:173. و رواية أبي بصير في التهذيب 2:294 ح 1182،و الاستبصار 1:315 ح 1175. و رواية زرارة في التهذيب 2:293 ح 1181. و رواية إسماعيل في التهذيب 2:294 ح 1183 و فيه:(و أبو جعفر)،و الاستبصار 1:316 ح 1176.
2- سورة يوسف:2.

و لأنّ الترجمة مغايرة للمترجم و الاّ لكانت ترجمة الشعر شعرا،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله و لا نقل عن أحد من الأئمة و الصحابة.

قالوا:قال اللّه تعالى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (1).

قلنا:الإشارة إلى معنى قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى الآيات (2)أو الى معنى قوله وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى (3).سلمنا،لكن معناه انّ معاني القرآن في الصحف و لا يلزم منه كونها قرآنا،و كذا قوله تعالى:

وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (4) ،و لانّه لو كان القرآن سابقا في الكتب المنزلة لم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمته اختصاص،لكنّه مختص به كما نطق القرآن العزيز بذلك في آي كثيرة،كقوله تعالى بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ (5)وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ (6)و قوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ (7).

قالوا:قال:سبحانه لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ و إنذار العجم بالعجمية (8)قلنا:ذلك تفسير لألفاظ القرآن.

فرع:

لو ضاق الوقت و لا يعلم غير الترجمة،ففي تقديمها على الذكر الذي هو9.

ص: 303


1- الآية في سورة الأعلى:18.
2- سورة الأعلى:14،15.
3- سورة الأعلى:17.
4- سورة الشعراء:196.
5- سورة يوسف:3.
6- سورة المائدة:48.
7- سورة الأنبياء:2.
8- قاله أبو حنيفة،راجع:المغني 1:486،بدائع الصنائع 1:112. و الآية في سورة الانعام:19.

بدل عن القراءة تردّد.

و الذي اختاره الشيخ في الخلاف انه يذكر اللّه و يكبّره،و لا يقرأ المعنى بغير العربية بأي لغة كانت،فان فعل ذلك بطلت صلاته.قال:و روى عبد اللّه ابن أبي أوفى:ان رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:اني لا استطيع أن أحفظ شيئا من القرآن،فما ذا أصنع؟فقال له:«قل:سبحان اللّه و الحمد للّه»،فلو كان معناه قرآنا لقال له:احفظ بأي لغة سهلت عليك،فلما عدل به الى التسبيح و التحميد دلّ على انه لا يكون قرآنا بغير هذه العبارة (1).

و يحتمل تقديم الترجمة على الذكر،لقربه إلى القرآن،و لجواز التكبير بالعجمية عند الضرورة.و لعلّ النبي صلّى اللّه عليه و آله انما لم يأمر الأعرابي بحفظه بغير العربية (2)لعلمه بتعذّرها عليه.

و يمكن الفرق بين التكبير و بين القراءة،بانّ المقصود في التكبير لا يتغير بالترجمة،إذ الغرض الأهم معناه فالترجمة أقرب إليه،بخلاف القرآن فإن الإعجاز يفوت،إذ نظم القرآن معجز،و هو الغرض الأقصى،و هذا هو الأصح.

الخامسة:لا يجوز الإخلال بحرف من الفاتحة عمدا،

و لا من السورة بعدها،لعدم صدق الامتثال.و كذا يجب الترتيب بين كلماتها و آيها على الوجه المنقول بالتواتر،لأنّ ذلك هو القرآن الذي أمر بقراءته في الصلاة.و كذا التشديد،لأنّ الإخلال به إخلال بحرف.و كذا حركات الاعراب و البناء،سواء

ص: 304


1- الخلاف 1:343 المسألة:94. و الرواية في:مسند الطيالسي:109 ح 813،مسند احمد 4:352،سنن أبي داود 1: 220 ح 832،سنن النسائي 2:143،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:148 ح 1806،سنن الدار قطني 1:313،المستدرك على الصحيحين 1:241،السنن الكبرى 2:381. و سيأتي بتمامه في ص 306 الهامش 1.
2- راجع الهامش 1.

تغير المعنى بالإخلال بها أو لا،تأسيا بصاحب الشرع و أهل بيته.

و يجب مراعاة مخارج الحروف حتى الضاد و الظاء و ان عسر ما لم يتعذر -و ليس في الحمد ظاء-لأنّ إخراج الحرف من غير مخرجه إخلال بحقيقة ذلك الحرف الذي هو إخلال بماهية القراءة.

فرع:

تجوز القراءة بالمتواتر،و لا تجوز بالشواذ.و منع بعض الأصحاب من قراءة أبي جعفر و يعقوب و خلف (1)و هي كمال العشر،و الأصح جوازها،لثبوت تواترها كثبوت قراءة القرّاء السبعة.

السادسة:يجب تعلم الفاتحة على من لم يحسنها،

إجماعا من كل من أوجب القراءة،لتوقف الواجب عليه.

فان ضاق الوقت،قرأ ما يحسن منها إجماعا.

فان لم يحسن منها شيئا،قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها،لعموم:

فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (2) ،و يقرأ سورة غيرها إذ السورة ممكنة فلا تسقط بفوات الحمد.

فان لم يحسن شيئا من غيرها،سبّح اللّه و حمده و هلّله و كبّره بقدر القراءة، لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله الأعرابي ان يحمد اللّه و يكبّره و يهلّله (3).

و روى العامة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما قال له رجل:يا رسول اللّه لا استطيع شيئا من القرآن،فعلمني ما يجزئ؟فقال:«قل:سبحان اللّه، و الحمد للّه،و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوة إلا باللّه»قال:هذا للّه

ص: 305


1- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:115.
2- سورة المزمل:20.
3- سنن أبي داود 1:228 ح 861،الجامع الصحيح 2:100 ح 302،السنن الكبرى 2: 380.

فما لي؟قال قل (1):«اللّهم اغفر لي،و ارحمني و اهدني،و ارزقني و عافني» (2).

فروع:

هل يشترط مساواة الذكر للفاتحة قدرا حتى في الحروف؟ قال في المعتبر:لا،لأنّ الخبر الأول دلّ على مطلق الحمد و التكبير و التهليل.نعم،الأفضل ان لا يقصر عن حروفها (3).

و لو قيل:يتعيّن ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح-على ما يأتي إن شاء اللّه-كان وجها،لانّه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين،فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما.و روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:

«انّ اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود،الا ترى لو انّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن يقرأ القرآن أجزأه ان يكبّر و يسبح و يصلي» (4).و ما قلناه مختار ابن الجنيد و الجعفي (5).

و لو لم يحسن شيئا،و ضاق الوقت عن التعلّم،و أمكن الائتمام وجب، لانّه يسقط القراءة.و ان تعذّر احتمل وجوب قيام بقدر الحمد،لعموم:«فاتوا منه ما استطعتم» (6)و هو مختار الفاضل-رحمه اللّه- (7).

و لو أمكنه القراءة من المصحف وجبت و قدّمه على الذكر،لحصول حقيقة القراءة،و لكنه لا يكفي مع إمكان التعلم،لأنّ المأمور به القراءة عن ظهر5.

ص: 306


1- أثبتناها من ط و المصادر.
2- تقدم في ص 304 الهامش 1.
3- المعتبر 2:171. و الخبر المعني هو ما تقدم في ص 396 الهامش 3.
4- التهذيب 2:147 ح 575،الاستبصار 1:310 ح 1153.
5- مختلف الشيعة:92.
6- مسند احمد 2:247،صحيح مسلم 2:975 ح 1337،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6:7 ح 3696،السنن الكبرى 1:215.
7- تذكرة الفقهاء 1:115.

القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف (1).

و روى الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام في المصلي يقرأ في المصحف يضع السراج قريبا منه،قال:«لا بأس» (2).

و في المبسوط و الخلاف:يجوز أن يقرأ في الصلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا (3).و قضية كلامه انه إذا أحسن لم يجز،و التمكن من الحفظ في قوة من يحسنه ظاهرا.

و اجتزأ الفاضلان به و ان أمكنه الحفظ،معللين بان الواجب مطلق القراءة (4)،و هو محل النزاع.و على قولهما يتخيّر المكلف بين الحفظ و القراءة في المصحف،و حينئذ يجب تحصيل المصحف اما بشراء أو استئجار أو استعارة.

و لو احتاج الى مصباح في الظلمة،وجب تحصيله مع القدرة،فإن ترك ذلك بطلت صلاته و لو تلا فيها غير الفاتحة من القرآن.

و لو تتبع قارئا أجزأ عند الضرورة،و على قولهما يجزئ اختيارا.و في ترجيحه على المصحف احتمال لاستظهاره في الحال،و لو كان يستظهر في المصحف استويا.و في وجوبه عند إمكانه احتمال،لأنه أقرب الى الاستظهار الدائم.

و إذا عدل الى القرآن عن الفاتحة لعجزه عنها،فالأقرب وجوب كونه بقدرها فزائدا،و حينئذ يمكن اعتبار الحروف،و لو أمكن سبع آيات فهو أولى، و يجب التتالي فيها إن حفظ المتتالي و الا أجزأ التفريق،و يجزئ و لو آية إذا3.

ص: 307


1- تقدم في ص 304 الهامش 1.
2- التهذيب 2:294 ح 1184.
3- المبسوط 1:109،الخلاف 1:427 المسألة:175.
4- المعتبر 2:174،تذكرة الفقهاء 1:115،نهاية الإحكام 1:473.

ساوت حروفها.

و في المبسوط:إذا لم يحسنها و أحسن غيرها قرأ ما يحسنه عند ضيق الوقت،سواء كان بعدد آيها أو دونها أو أكثر (1).و ظاهره قراءة ما شاء،الاّ ان يحمل(قراءة دونها)على من لا يحسن سواه.و في المعتبر صرّح بعدم وجوب كون المقروء بقدرها (2).

و لو علم شيئا من الفاتحة اقتصر عليه،و هل يجب تكراره بقدرها؟نفاه في المعتبر (3).

و لو كان يحسن غيره من القرآن،ففي تكراره أو ضمّ ما يحسن من القرآن اليه نظر،من ان بعضها أقرب إليها من غيرها فيكرره،كما لو أحسن غيرها من القرآن فإنه لا يعدل الى الذكر.و من ان الشيء الواحد لا يكون أصلا و بدلا عن غيره،فيأتي بما يحسن منها و يضمّ اليه بقدر الباقي.و يدلّ عليه أيضا ان النبي صلّى اللّه عليه و آله علّم السائل«الحمد للّه» (4)و هي من جملة الفاتحة و لم يأمره بتكررها،و يضعف بان هذا القدر لا يسمى قرآنا،و لانه لو سمى قرآنا لكان مراعاته أولى من الذكر.

و لو أحسن النصف الأول منها قرأه،فإن أحسن غيره قرأ بقدر النصف الثاني و يقدّم ما يحفظ منها.و لو أحسن النصف الأخير قرأ من غيرها أولا ثم أتى بالنصف الأخير.و على القول بالتكرار يكرر.

و لو لم يحفظ غيره،و قلنا بعدم التكرار،عوّض عن النصف الفائت بالذكر،فان كان المحفوظ هو الأول قدمه على الذكر و الاّ قدم الذكر عليه.

و على قول الشيخ و من تبعه يراعى قدر النصف،امّا وجوبا أو استحبابا.و على1.

ص: 308


1- المبسوط 1:106.
2- المعتبر 2:170.
3- المعتبر 2:170.
4- تقدم في ص 304 الهامش 1.

ما قلناه يراعي نصف المجزئ عن الجميع تقريبا.

و لو أحسن وسطها عوّض عن الطرفين من غيرها،فان لم يحسنه عوّض عنهما بالذكر قبل و بعد.

و لو أحسن بعض آية،فإن كان يسمى قرآنا قرأة و الاّ فالذكر.و لو كان لا يحسن الذكر إلا بالعجمية و ضاق الوقت أتى به.

و لو كان يحسن قرآنا مترجما،ففي ترجيح الذكر المترجم عليه أو العكس نظر،من حيث انّ ترجمة القرآن أقرب إليه من الذكر،و من ان الغرض الأقصى من القرآن نظمه المعجز و هو يفوت بالترجمة،بخلاف الأذكار كما سلف.و قوّى الفاضل تقديم القرآن هنا (1).

و لو تعلّم في الأثناء،فإن كان قبل شروعه في البدل قرأ المبدل،و ان كان في أثناء البدل قال في التذكرة:قرأ ما لم يأت ببدله،لانه امتثل (2).و لو قيل بوجوب المبدل كلّه كان وجها،لأنه في محل القراءة بعد و هو متمكن منها، سواء كان قد شرع في الذكر فتعلم بعض القرآن أو تعلم الفاتحة،أو كان قد شرع في غيرها من القراءة فتعلم الفاتحة.

نعم،لو كان قد ركع مضت الركعة و استأنف القراءة فيما بقي.و احتمل الفاضل استحباب العدول الى النفل،لثبوته في استدراك قراءة الجمعة مع استحبابه،ففي استدراك الواجب أولى (3).

و لقائل أن يمنع انه استدراك واجب،لأنّ إتمام هذه الصلاة الآن مجزئ، و إذا نقل نيته الى النفل ثم أعادها فقد أتى بصلاة أكمل منها،فهو في معنى قراءة الجمعة في انه صفة كمال بالنسبة الى هذه الصلاة،و لما كان القياس عندنا5.

ص: 309


1- تذكرة الفقهاء 1:115.
2- تذكرة الفقهاء 1:115.
3- تذكرة الفقهاء 1:115.

باطلا بقي الدليل الدال على إبطال العمل خليا عن المعارض،و من هذا يظهر ضعف القول بان المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة يعدل إلى النافلة (1)، و قد سبق.

السابعة:لو لم يحسن السورة وجب عليه التعلم.

فلو تعلم بعضها و ضاق الوقت أتى به.و لو لم يحسن شيئا منها لم يعوّض عنها بالذكر،اقتصارا على موضع النقل.و لو كان يحفظ قرآنا غير الفاتحة،وجب عليه أن يقرأ منه بدل الفاتحة،ثم يقرأ سورة كاملة.و لو لم يحفظ سوى سورة،قرأ منها بدل الفاتحة،و كررها عن السورة بعد الحمد.

الثامنة:يجب تقديم الحمد على السورة،

فإن خالف عمدا أعاد،و ان كان ناسيا أعاد السورة بعد الحمد،و الجاهل لا يعذر هنا.و لو لم نوجب السورة،لم يضر التقديم على الأقرب،لانه أتى بالواجب،و ما سبق قرآن لا يبطل الصلاة.نعم،لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد،و لا يكون مؤديا للمستحب.

و كذا يجب تقديم كل آية سابقة على لاحقتها في الحمد و السورة،لأن الأمر بالقراءة ينصرف الى المنزل على ترتيبه،فلو خالف عمدا بطلت الصلاة، و لو كان نسيانا استأنف القراءة،و لا يجزئه البناء على ما يحصل به الترتيب، للإخلال بالموالاة،نعم،لو قرأ النصف الثاني من الحمد ناسيا،ثم قرأ الأول مع استمرار النسيان ثم تذكر،بني.

التاسعة:تجب الموالاة في القراءة.

فلو قرأ خلالها من غيرها عمدا بطلت الصلاة،لتحقق المخالفة المنهي عنها.و في المبسوط:يستأنف القراءة و لا تبطل الصلاة (2).

ص: 310


1- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:65.
2- المبسوط 1:106.

و لو كان ناسيا استأنف القراءة.و في المبسوط:يبني على الأول (1).

و لو سكت في أثنائها بما يزيد على العادة،فإن كان لانه ارتج عليه فطلب التذكر لم يضرّ الاّ ان يخرج عن كونه مصليا،و إن سكت متعمدا لا لحاجة حتى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة.

و لو خرج بالسكوت عن كونه مصليا بطلت.

و لو نوى قطع القراءة و سكت،قال في المبسوط:يعيد الصلاة،بخلاف ما لو سكت لا بنية القطع،أو نوى القطع و لم يسكت (2)مع انه يقول:إنّ الصلاة لا تبطل بنيّة فعل المنافي (3).

و ربما يجاب:بان المبطل هنا نيّة القطع مع القطع،فهو نيّة المنافي مع فعل المنافي.

و يشكل:بان قواطع الصلاة محصورة،و نيّة قطع القراءة لا تؤثر،و قطع القراءة بمجرده لا يؤثر كما ذكره الشيخ.اما لو نوى قطع القراءة لا بعزم العود إليها،فهو كنيّة قطع الصلاة بفعل المنافي،ان ثبت ان هذا القطع مناف للصلاة من حيث انه لا شغل له الآن سوى القراءة،فإذا نوى قطع القراءة و ترك القراءة فهو قطع للصلاة بالفعل،لانه ترك واجبا في الصلاة متعمدا.

و لقائل أن يقول:امّا ان نقول نيّة المنافي تؤثر أو لا،فان قلنا بتأثيرها بطلت،سواء قطع القراءة أو لا.و ان قلنا لا تؤثر حتى يفعل المنافي،فلا نسلم انّ مطلق ترك القراءة مناف،و انما تتحقق المنافاة إذا أتى بعده بالركوع فيكون قد أخل بواجب،أو لبث بعد القطع زمانا يخرج به عن كونه مصليا،فتتحقق المنافاة لا بمجرد ترك القراءة بل بهذا المنافي.2.

ص: 311


1- المبسوط 1:105.
2- المبسوط 1:105.
3- المبسوط 1:102.

فروع:

لما كان الركن الأعظم في القرآن نظمه لم تجز القراءة بما يخل بالنظم، كما لو قرئ مقطّعا كأسماء العدد و أسماء الحروف.اما لو وقف في موضع لا يقف القرّاء عليه و يعدونه من القبيح فإنه لا يبطل،لحصول مسمى القرآن.

و لو كرّر آية من الحمد أو السورة لإصلاح،لم يقدح في الموالاة و ان لم يأت بالآية التي قبلها،و بعض العامة قال:يأتي بما قبلها ثم يكررها (1).و لو كررها عمدا فكذلك،و كذا الآيتان فصاعدا.

و لو شك في كلمة،أتى بها،و الأجود إعادة ما يسمى قرآنا،و أولى منه عدم جواز الإتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقّن فساده،لانه لا يعدّ بعض الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا.

و لو كرر الفاتحة عمدا،فالأقرب عدم البطلان،لان الكل قرآن،و لان تكرار الآية جائز.و احتمل الفاضل بطلان الصلاة،لمخالفة المأمور به (2).و كذا لو كرر السورة،و الخطب فيه أسهل لان القران بين السورتين قيل بجوازه،و هو في قوة القرآن.

اما لو اعتقد المكرّر استحباب التكرار توجّه الإبطال،لأنه ليس بمشروع على هذا الوجه،فيكون الآتي به آتيا بغير المشروع،و أولى بالبطلان ما لو اعتقد وجوبه.و لو كرّر شيئا من ذلك نسيانا فلا شيء عليه.

و لا يقدح في الموالاة سؤال الرحمة و الاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، لاستحباب ذلك لما روى حذيفة من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك و قد قرأ سورة البقرة،و كان مقتديا به (3).و روى سماعة قال:قال عليه السلام:«ينبغي7.

ص: 312


1- المجموع 3:358.
2- تذكرة الفقهاء 1:116.
3- صحيح مسلم 1:536 ح 772،سنن ابن ماجة 1:429 ح 1351،سنن أبي داود 1:230 ح 871،سنن النسائي 2:177.

لمن قرأ القرآن،إذا مرّ بآية فيها مسألة أو تخويف،أن يسأل اللّه عند ذلك خير ما يرجو،و يسأل العافية من النار و من العذاب» (1).و كذا لا بأس بالحمد عند العطسة في أثناء القراءة،و تسميت العاطس.

و لو أخلّ المصلي بالموالاة ساهيا لم تبطل،الاّ ان يخرج عن كونه مصلّيا.

العاشرة:قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن،

و يعقد قلبه بمعناها،لان«الميسور لا يسقط بالمعسور» (2).

و روى الكليني عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«تلبية الأخرس،و تشهّده،و قراءته للقرآن،في الصلاة،تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (3).و هذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مرّ في التكبير.

و لو تعذّر إفهامه جميع معانيها،افهم البعض و حرك لسانه به،و أمر بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا و ان لم يفهم معناه مفصّلا.و هذه لم أر فيها نصا.

و التمتام و الفأفاء و الألثغ و الأليغ يجب عليهم السعي في إصلاح اللسان، و لا يجوز لهم الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم،فان تعذّر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه.و الأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم،لان صلاتهم مشروعة.

الحادية عشرة:يجزئ بدل الحمد اختيارا،
اشارة

في الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء،التسبيح عند علمائنا أجمع.

ص: 313


1- الكافي 3:301 ح 1،التهذيب 2:286 ح 1147.
2- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
3- الكافي 3:315 ح 17.

و روى العامة عن علي عليه السلام انه قال:«اقرأ في الأوليين،و سبّح في الأخيرتين (1)».

و روينا في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام تجزئ في الركعتين الأخيرتين ان تقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و تكبّر (2)و تركع.

و المفيد-رحمه اللّه-اقتصر على منطوق هذه الرواية (3).

و الشيخ في النهاية و الاقتصاد كرّر ذلك ثلاثا،فتكون اثني عشرة (4).و في المبسوط-و تبعه جماعة-عشر،و هي:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه، ثلاث مرات،ثم يقول في الثالثة:و اللّه أكبر (5).

و في كتاب حريز تسع:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه،ثلاثا (6)، و اختاره ابن بابويه (7)و أبو الصلاح (8).

و هذه الأقوال لم نجد بها شاهدا صريحا،الا ما رواه حريز عن زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«ان كنت إماما (9)فقل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه ثلاث مرات،ثم تكبّر و تركع» (10).

قال ابن إدريس:يجزئ المستعجل أربع،و غيره عشر (11).6.

ص: 314


1- المصنف لابن أبي شيبة 1:372.
2- الكافي 3:319 ح 2،التهذيب 2:98 ح 367،الاستبصار 1:321 ح 1198.
3- المقنعة:18.
4- النهاية:76،الاقتصاد:261.
5- المبسوط 1:106،السرائر:46،المراسم:72.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:189.
7- مختلف الشيعة:92.
8- الكافي في الفقه:117.
9- في الفقيه زيادة:«أو وحدك».
10- الفقيه 1:256 ح 1158،السرائر:479.
11- السرائر:46.

و قال ابن الجنيد:و الذي يقال مكان القراءة تحميد و تسبيح و تكبير،يقدّم ما شاء (1).و يشهد له صحيح عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا كنت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما،و قل:الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» (2).

و في صحيح عبيد بن زرارة عنه عليه السلام في الركعتين الأخيرتين من الظهر:«تسبّح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك،و ان شئت فاتحة الكتاب» (3).

و روى علي بن حنظلة عنه عليه السلام:«إن شئت الفاتحة،و ان شئت فاذكر اللّه» (4).

و مال صاحب البشرى جمال الدين ابن طاوس العلوي-رحمه اللّه-الى أجزاء الجميع،لعدم الترجيح.و أورد على نفسه التخيير بين الوجود و العدم و هو غير معهود،و أجاب بالتزامه كالمسافر في مواضع التخيير.

و في المعتبر:الوجه جواز الكل،و ان كانت رواية الأربع أولى،و الأكثر أحوط و لكنه لا يلزم (5).و هو قول قوي،لكن العمل بالأكثر أولى،مع اعتقاد الوجوب.

تنبيهات:
أحدها:هل يجب الترتيب فيه كما صوّره في رواية زرارة؟

الظاهر نعم، أخذا بالمتيقن.و نفاه في المعتبر،للأصل،مع اختلاف الرواية (6).

ص: 315


1- مختلف الشيعة:92.
2- التهذيب 2:99 ح 372،الاستبصار 1:322 ح 1203.
3- التهذيب 2:98 ح 368،الاستبصار 1:321 ح 1199.
4- التهذيب 2:98 ح 369،الاستبصار 1:321 ح 1200.
5- المعتبر 2:190.
6- المعتبر 2:190.
و ثانيها:هل يجب الاخفاف فيه؟

الأقرب نعم،تسوية بينه و بين البدل و نفاه ابن إدريس (1)للأصل،و عدم النص.

قلنا:عموم الإخفات في الفريضة كالنص،مع اعتضاده بالاحتياط.

و ثالثها:هل يسقط التخيير بنسيان القراءة في الأوليين؟

المشهور لا، لعموم شرعيته.

و قال في المبسوط:ان نسي القراءة في الأوليين لم يبطل تخييره،و انما الأولى له القراءة لئلا تخلو الصلاة منها،و قد روي«،انه إذا نسي في الأوليين القراءة تعيّن في الأخيرتين» (2).

و لن نظفر بحديث صريح في ذلك،لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في ناسي الفاتحة:«لا صلاة له» (3).

و روى الحسين بن حماد عن الصادق عليه السلام،قال:قلت له:أسهو عن القراءة في الركعة الأولى،قال:«اقرأ في الثانية»قلت:أسهو في الثانية، قال:«اقرأ في الثالثة»قلت:أسهو في صلاتي كلها،قال:«إذا حفظت الركوع و السجود تمت صلاتك» (4).

و هذه يظهر منها تعيّن القراءة للناسي لكنه غير مصرّح به،إذ الأمر بالقراءة و ان كان للوجوب الا انه لا ينافي التخيير بينها و بين التسبيح،فان كل واحدة من خصال التخيير توصف بالوجوب.

و قال في الخلاف:ان نسي القراءة في الأوليين قرأ في الأخيرتين، و احتجّ بهذه الرواية،و أورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير،

ص: 316


1- السرائر:46.
2- المبسوط 1:106.
3- الكافي 3:317 ح 28،التهذيب 2:146 ح 573،الاستبصار 1:354 ح 1339.
4- الفقيه 1:227 ح 1004،التهذيب 2:148 ح 579،الاستبصار 1:355 ح 1342.

ثم جعل القراءة أحوط (1).

و رابعها:في المفاضلة بين القراءة و التسبيح.

فقال ابن أبي عقيل:

التسبيح أفضل و لو نسي القراءة في الأوليين،لرواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي القراءة في الأوليين فتذكر في الأخيرتين،قال:«اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها» (2).

و ظاهر ابني بابويه أفضلية التسبيح للإمام و المأموم (3)و هو مختار ابن إدريس (4).

و في الاستبصار:الامام الأفضل له القراءة (5).

و ابن الجنيد:يستحب للإمام التسبيح إذا تيقّن انه ليس معه مسبوق،و ان علم دخول المسبوق أو جوّزه قرأ،ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة و المأموم يقرأ فيهما،و المنفرد يجزئه مهما فعل (6).

و ظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة (7).

و الذي رواه محمد بن حكيم،عن أبي الحسن عليه السلام أفضلية القراءة (8)و أطلق.

و روى منصور بن حازم،عن الصادق عليه السلام:يقرأ الامام،و يتخيّر المأموم (9).

ص: 317


1- الخلاف 1:341 المسألة:93.
2- التهذيب 2:146 ح 571،الاستبصار 1:354 ح 1337.
3- الفقيه 1:203،مختلف الشيعة:92.
4- السرائر:48.
5- الاستبصار 1:322.
6- مختلف الشيعة:92.
7- المبسوط 1:106،النهاية:76،الجمل و العقود:181.
8- التهذيب 2:98 ح 370،الاستبصار 1:322 ح 1201.
9- التهذيب 2:98 ح 371،الاستبصار 1:322 ح 1202.

و روى معاوية بن عمار،عنه عليه السلام:قراءة الامام،و تخيّر المنفرد (1).

و روى علي بن حنظلة،عنه عليه السلام:«هما و اللّه سواء،ان شئت سبّحت،و ان شئت قرأت»و سأله عن الأفضل (2).

و روى الحلبي عنه عليه السلام:«إذا قمت في الركعتين لا تقرأ فيهما» (3).

و خامسها:أجمع الأصحاب على الاجتزاء بالحمد في الأخيرتين،

و هو في رواية جميل بن دراج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟فقال:«بفاتحة الكتاب،و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب» (4)و غيرها من الروايات (5).

و سادسها:يجوز ان يقرأ في ركعة من الأخيرتين،

و يسبّح في الأخرى، لأن التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما،و في رواية الحسين بن حماد اشعار به،لان قوله:«اقرأ في الثالثة» (6)مشعر ببقاء التخيير في الرابعة.

و سابعها:ليس فيه بسملة،

لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح.

و الأقرب:انها غير مسنونة هنا،و لو أتى بها لم يكن به بأس.

و ثامنها:انه إذا شرع في القراءة أو التسبيح،

فالأقرب انه ليس له العدول الى الآخر،لأنه إبطال للعمل و لو كان العدول إلى الأفضل،مع احتمال جوازه -كخصال الكفارة-و خصوصا إلى الأفضل.

ص: 318


1- الكافي 3:319 ح 1،التهذيب 2:294 ح 1185.
2- التهذيب 2:98 ح 369،الاستبصار 1:321 ح 1200.
3- التهذيب 2:99 ح 372،الاستبصار 1:322 ح 1203.
4- التهذيب 2:295 ح 1186.
5- راجع:الكافي 3:319 ح 1،التهذيب 2:294 ح 1185.
6- تقدمت في ص 316 الهامش:4.

و لو شرع في أحدهما بغير قصد اليه،فالظاهر الاستمرار عليه،لاقتضاء نيّة الصلاة فعل أيهما.و لو كان قاصدا إلى أحدهما،فسبق لسانه الى الآخر، فالأقرب ان التخيير باق،فان تخيّر غيره أتى به،و ان تخيّر ما سبق اليه لسانه فالأجود استئنافه،لأنه عمل بغير نية.

و تاسعها:لو شك في عدده بنى على الأقل،

لأنه المتيقن.و لو ظهر له الزيادة فلا بأس.

و عاشرها:انه يجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة،

و مراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي،فلا تجزئ ترجمته.نعم،لو اضطر اليه و لم يمكنه العربية فالأقرب جوازه،لما سبق في التكبير و الأذكار في الأوليين.

و حادي عشرها:المشهور انه لا يستحب الزيادة على اثنتي عشرة.

و قال ابن أبي عقيل:يقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر،سبعا،أو خمسا،و أدناه ثلاث في كل ركعة (1).و لا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر اللّه تعالى.

و ثاني عشرها:حكمه حكم القراءة في الوجوب و عدم الركنية،

فتبطل الصلاة بتعمّد تركه لا بنسيانه.

المسألة الثانية عشرة:المشهور وجوب الجهر في الصبح و الأوليين من

المغرب و العشاء الآخرة،

و وجوب الإخفات في البواقي،فتبطل الصلاة بمخالفة ذلك عمدا.

و نقل الشيخ فيه الإجماع،و احتج بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه،أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال:«ان فعل ذلك متعمدا،فقد نقض صلاته و عليه الإعادة.و ان فعل ذلك ناسيا،أو ساهيا،أو لا يدري،فلا شيء عليه و قد تمت صلاته» (2).

ص: 319


1- مختلف الشيعة:92.
2- الخلاف 1:372 المسألة:130. و خبر زرارة في الفقيه 1:227 ح 1003،التهذيب 2:162 ح 635،الاستبصار 1:313. ح 1163.

و قال ابن الجنيد:لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها،أو خافت فيما يجهر بها،جاز ذلك،و الاستحباب ان لا يفعل ذلك في انفراده (1)،و هو منقول عن المرتضى رحمه اللّه (2).

و قد روى علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام في الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة،هل عليه أن لا يجهر؟قال:«ان شاء جهر،و ان شاء لم يفعل» (3)،و حمل على الجهر العالي (4).

و الشيخ يقول:هذا يوافق العامة،و العمل على السابق (5)،يعني خبر زرارة.قال في المعتبر:هذا تحكّم من الشيخ،فان بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبّه (6).

قلت:لم يعتد الشيخ بخلافه،و من القواعد المقررة ان من يعرف اسمه و نسبه لم يعتدّ بخلافه.

و يمكن الاستدلال على وجوب الجهر و الإخفات بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،و التأسي به واجب،و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«صلّوا كما رأيتموني أصلي» (7).

فإن قلت:ما تصنع بقوله تعالى:0.

ص: 320


1- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:93.
2- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:93.
3- قرب الاسناد:94،التهذيب 2:162 ح 636،الاستبصار 1:313 ح 1164.
4- حملها العلامة في مختلف الشيعة:93.
5- التهذيب 2:162،الاستبصار 1:313.
6- المعتبر 2:177.
7- مسند احمد 5:53،سنن الدارمي 1:286،صحيح البخاري 1:162،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:85 ح 1656،سنن الدار قطني 1:273،السنن الكبرى 3:120.

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها (1) فان ظاهره التخيير،و به استدل العامة.

قلت:الحقيقة هنا غير مرادة،لامتناع الانفكاك عن الجهر و الإخفات، بل المراد نفي الجهر الزائد عن المعتاد،و نفي المخافتة التي تقصر عن الاسماع،لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام في تفسيرها:«الجهر ان ترفع صوتك شديدا،و المخافتة ما دون سمعك» (2).

فان قلت:ففي رواية علي بن فضال،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«السنّة في صلاة النهار بالإخفاء،و السنّة في صلاة الليل بالإجهار» (3)و السنّة ترادف الندب.

قلت:حملها الشيخ على النافلة (4).و لو سلّم إرادة الفريضة فالسنة تطلق على الفرض كثيرا،بمعنى:انه ثابت بالسنة.

تنبيه:

أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع،و حدّ الإخفات إسماع نفسه ان كان يسمع و الاّ تقديرا،قال في المعتبر:و هو إجماع العلماء،و لان ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة (5)،و لرواية سماعة السابقة (6).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«لا يكتب من القراءة و الدعاء الاّ ما اسمع نفسه» (7).4.

ص: 321


1- سورة الإسراء:110.
2- الكافي 3:315 ح 21،التهذيب 2:290 ح 1164.
3- التهذيب 2:289 ح 1161،الاستبصار 1:313 ح 1165.
4- الاستبصار 1:314.
5- المعتبر 2:177.
6- تقدمت في الهامش 3.
7- الكافي 3:313 ح 6،التهذيب 2:97 ح 363،الاستبصار 1:320 ح 1194.

و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل يقرأ في الصلاة و ثوبه على فيه،فقال:«لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» (1).

فإن قلت:فقد روى علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليهما السلام:«لا بأس ان لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما» (2).

قلت:حمله الشيخ على من كان في موضع تقية،لمرسلة محمد بن أبي حمزة عنه عليه السلام:«يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس» (3).

و لا جهر على المرأة إجماعا من الكل،فيكفيها إسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا.و لو جهرت و سمعها الأجنبي،فالأقرب الفساد مع علمها،لتحقق النهي في العبادة.و لو سمعها المحرم،أو النساء،أو لم يسمعها أحد،فالظاهر الجواز،للأصل،و ان عدم وجوب الجهر عليها معلّل بكون صوتها عورة.

فرع:

الخنثى تتخيّر في الجهر و الإخفات،و ان جهرت في مواضع الجهر فهو أولى،إذا لم يستلزم سماع من يحرم سماعة.

امّا باقي أذكار الصلاة فقد سبق ما يدل على استحباب الجهر للإمام، و الاسرار للمأموم،و اما المنفرد فالظاهر تخييره،لرواية علي عن أخيه عليه السلام،قال:سألته عن التشهد،و القول في الركوع و السجود و القنوت،للرجل ان يجهر به؟قال:«ان شاء جهر،و ان شاء لم يجهر» (4)و قد سبق.

الثالثة عشرة:لا يجوز ان يقرأ في الفريضة عزيمة على الأشهر،

للزوم أحد الأمرين:اما الإخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود،و اما زيادة سجدة

ص: 322


1- الكافي 3:315 ح 15،التهذيب 2:97 ح 364،الاستبصار 1:320 ح 1195.
2- التهذيب 2:97 ح 365،الاستبصار 1:321 ح 1196.
3- التهذيب 2:97،الاستبصار 1:321،و الحديث فيهما برقم 366،1197.
4- التهذيب 2:313 ح 1272.

في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به،و كلاهما ممنوع منه.و لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام:«لا يقرأ في المكتوبة شيء من العزائم،فإن السجود زيادة في المكتوبة» (1).

و في رواية سماعة:«لا تقرأ في الفريضة،اقرأ في التطوع» (2)يعني:سورة العلق.

و قد روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم،فقال:«إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها،و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها»الحديث (3).

و الأشهر بين الأصحاب العمل على الخبرين الأولين-و ان كان في سندهما كلام-إلاّ ابن الجنيد،حيث يقول:إن كان في فريضة أومأ،فإذا فرغ قرأها و سجد (4)و لكنه لا يرى وجوب سورة بعد الحمد،و رواية عمار دالة عليه أيضا.

و من ثم قال في المعتبر:إن قلنا بوجوب السورة و حرمنا الزيادة لزم المنع من قراءة العزيمة،و ان أجزنا أحدهما لم نمنع إذا ترك موضع السجود (5).

قلت:و كذا لو لم نوجب السجود في الحال لمانع يمنع منه-و هو التلبس بالصلاة التي ينافيها زيادة السجود-لم نحكم بالبطلان كما قاله ابن الجنيد، و في بعض الروايات إيماء إليه،مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:

«ان صليت مع قوم فقرأ الامام اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أو شيئا من العزائم،و فرغ من قراءته و لم يسجد،فأومى إيماء» (6).2.

ص: 323


1- الكافي 3:318 ح 6،التهذيب 2:96 ح 361.
2- التهذيب 2:292 ح 1174،الاستبصار 1:320 ح 1191.
3- التهذيب 2:293 ح 1177.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:175.
5- المعتبر 2:176.
6- الكافي 3:318 ح 4،التهذيب 2:291 ح 1168،الاستبصار 1:320 ح 1192.

و هناك أخبار مطلقة في إباحة قراءة العزائم في الصلاة،و هي محمولة على النافلة-كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام (1)و رواية عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام (2)و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (3)- للجمع بين الروايات،و زيادة السجود في النافلة مغتفر.

و قد دلت رواية الحلبي على ان السجود إذا كان في آخرها،سجد و قام فقرأ الحمد ثم ركع (4).

و روى وهب بن وهب،عن الصادق عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام:«إذا كان السجود آخرها أجزأ الركوع بها» (5).و حمله الشيخ على من يصلي مع قوم لا يمكنه ان يسجد و يقوم و يقرأ الحمد،مستشهدا بمقطوعة سماعة:«إذا قام منفردا فليقرأ الفاتحة ثم يركع،و ان كان مع إمام لا يسجد أومأ بها و ركع» (6).

و في المبسوط:يقرأ إذا قام من السجود الحمد و سورة أخرى أو آية (7).

فرع:

لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة،ففي وجوب الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف وجهان،يلتفتان على انّ الدوام كالابتداء أو لا؟و الأقرب:الأول.

و ان تجاوز،ففي جواز الرجوع وجهان أيضا،و من تعارض عمومين أحدهما:المنع من الرجوع هنا مطلقا.و الثاني:المنع من زيادة سجدة،و هو4.

ص: 324


1- الكافي 3:318 ح 5،التهذيب 2:291 ح 1167،الاستبصار 1:319 ح 1189.
2- الكافي 3:317 ح 1،التهذيب 2:291 ح 1170.
3- التهذيب 2:292 ح 1176 عن محمد عن أحدهما عليهما السلام.
4- راجع الهامش 6 من الصفحة السابقة.
5- التهذيب 2:292 ح 1173،الاستبصار 1:319 ح 1190.
6- التهذيب 2:292،الاستبصار 1:319،و المقطوعة فيهما برقم 1174،1191.
7- المبسوط 1:114.

أقرب.و ان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها.

و يحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة،و هو قريب أيضا،مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما.

و ابن إدريس قال:ان قرأها ناسيا مضى في صلاته،ثم قضى السجود بعدها (1)و أطلق.

الرابعة عشرة:لا يجوز ان يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته،

لاستلزامه تأخير الصلاة عن وقتها عمدا و هو حرام.و قد روى في التهذيب عن عامر بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام،قال:«من قرأ شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (2).

و لو ظن التضيّق بعد شروعه فيها،وجب العدول إلى أقصر منها-و ان تجاوز نصف الأولى-إذا ضاق الوقت عن تمامها.

الخامسة عشرة:اختلفت الروايات في القران بين سورتين في الفريضة

مع الفاتحة.

فروى منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا أكثر» (3).

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة،فقال:«لا لكل سورة ركعة» (4).

و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام،قلت له:أقرأ سورتين في ركعة؟قال:«نعم».قلت:أ ليس يقال:أعط كل سورة حقها من الركوع

ص: 325


1- السرائر:45.
2- التهذيب 2:295 ح 1189.
3- الكافي 3:314 ح 12،التهذيب 2:69 ح 253،الاستبصار 1:314 ح 1167،و في الجميع:«بأكثر». و قد تقدم في ص 300 الهامش 5.
4- التهذيب 2:70 ح 254،الاستبصار 1:314 ح 1168.

و السجود؟فقال:«ذاك في الفريضة،فأما في النافلة فلا بأس» (1).

و ظاهر هذه كلها التحريم،و عليه الشيخ في النهاية،و جعله مفسدا للصلاة (2)و كذا لم يجوّزه في التهذيب (3)و في الخلاف جعله الأظهر من المذهب و لم يذكر الفساد (4).و قال في المبسوط:قراءة سورة بعد الحمد واجبة،غير انه ان قرأ بعض السورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة (5).

و المرتضى-رحمه اللّه-جعله أيضا مفسدا للصلاة (6).

و روى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة،قال:«لا بأس» (7).و روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة،فاما النافلة فلا بأس» (8).و عليه الشيخ في الاستبصار (9)و ابن إدريس (10)و الشيخ نجم الدين (11)و هو أقرب،حملا للروايات الأول على الكراهة توفيقا،و لقضية الأصل.

و ربما احتجّ بان فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يكن القران،و الا4.

ص: 326


1- التهذيب 2:70 ح 257،الاستبصار 1:316 ح 1179.
2- النهاية:75.
3- التهذيب 2:296.
4- الخلاف 1:366 المسألة:87.
5- المبسوط 1:107.
6- الانتصار:44.
7- التهذيب 2:296 ح 1192،الاستبصار 1:317 ح 1181.
8- الكافي 3:314 ح 10،التهذيب 2:70 ح 258،الاستبصار 1:317 ح 1180،السرائر: 486.
9- الاستبصار 1:317.
10- السرائر:45.
11- المعتبر 2:174.

لوجب أو استحبّ و لم يقل به أحد،فتعيّن الافراد،فيجب التأسي به.

فنقول:وجوب التأسي به معناه ان يفعل مثل فعله لانّه فعله،فإذا فعله على وجه الندب فالتأسّي به فعله على وجه الندب،و نحن نقول المستحب الافراد و يكره القران،و منصب النبوة مرفوع عن المكروه.أما النافلة فلا كراهة في القران فيها،لما سلف،و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت» (1).

و روى محمد بن القاسم انه سأل عبدا صالحا:هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين و الثلاث؟فقال:«ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين و الثلاث،و ما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ سورة سورة» (2)و في هذه الرواية دلالة على ترك القران في نافلة النهار.

و المراد ب(الفريضة)ما عدا الكسوف،لما يأتي ان شاء اللّه من تعدّد السورة في الركعة الواحدة و من جعل كل ركوع ركعة،فالفريضة على إطلاقها.

السادسة عشرة:قال الأكثر:ان الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذا

الفيل و لإيلاف (3)و مستندهم النقل،

و ارتباط كل منهما بصاحبتها معنى.و حينئذ لو قرأ إحداهما في ركعة،وجب قراءة الأخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة.

و قد روى زيد الشحام،قال:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الفجر، فقرأ الضحى و ألم نشرح في ركعة الواحدة (4).

و روى أيضا:صلى أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الاولى و الضحى،

ص: 327


1- التهذيب 2:73 ح 270.
2- التهذيب 2:73 ح 269.
3- راجع:الهداية:31،الانتصار:440،المبسوط 1:107،النهاية:77،شرائع الإسلام 1:83،تذكرة الفقهاء 1:116.
4- التهذيب 2:72 ح 266،الاستبصار 1:317 ح 1182.

و في الثانية ألم نشرح (1)و حمل الشيخ هذه على النافلة (2).

و روى المفضل عنه عليه السلام،سمعته يقول:«لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة،إلا الضحى و أ لم نشرح،و سورة الفيل و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ » (3).

و هنا مباحث ثلاثة:
أحدها:أنهما سورة واحدة أم سورتان؟

فتوى الأكثر على الوحدة،و رواية المفضل تدلّ على انهما سورتان،و يؤيده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين،و هو متواتر.

و ثانيها:هل تجب قراءة الثانية إذا قرأ الاولى؟

أفتى به الأصحاب،بناء على وجوب السورة الكاملة و على انهما سورة،و الروايتان تدلان على الوقوع من الامام،و هو أعمّ من الوجوب.

فإن قلت:لو كانا سورتين لم يقرن بينهما الإمام،لأنه لا يفعل المحرّم و لا المكروه،فدلّ على انهما سورة،و كل سورة لا يجوز تبعيضها في الفريضة.

قلت:لم لا يستثنيان من الحرام أو المكروه،لتناسبهما في الاتصال، و قد أومأ في المعتبر الى هذا (4).

و ثالثها:هل تعاد البسملة بينهما؟

نفاه الشيخ في التبيان (5)قضاء لحق الوحدة،و لان الشاهد على الوحدة اتصال المعنى و البسملة تنفيه.و استعظمه ابن إدريس،لتواتر البسملة بينهما،و كتبها في المصحف مع تجريدهم إياه عن النقط و الاعراب،و لا ينافي ذلك الوحدة كما في سورة النمل (6).

ص: 328


1- التهذيب 2:72 ح 265،الاستبصار 1:318 ح 1184.
2- المصدر السابق،ذيل الأحاديث.
3- مجمع البيان 10:544،المعتبر 2:188.
4- المعتبر 2:188.
5- التبيان 10:371.
6- السرائر:46.

و قال في المعتبر:ان كانتا سورتين وجبت البسملة،و ان كانت واحدة فلا بسملة،للاتفاق على انها ليست آيتين من سورة واحدة (1)سوى النمل.8.

ص: 329


1- المعتبر 2:188.
النظر الثاني:في سنن القراءة

فمنها:الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى خاصة من كل صلاة،

لعموم فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (1)أي:أردت القراءة،و لما روى أبو سعيد الخدري:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول قبل القراءة:«أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» (2).و عن الصادق عليه السلام:

«ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب» (3)رواه الحلبي.

و يستحب الاسرار بها و لو في الجهرية،قاله الأكثر،و نقل الشيخ فيه الإجماع منا (4).و روى حنان بن سدير،قال:صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام،فتعوّذ بإجهار،ثم جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم (5)و يحمل على الجواز.

و صورته ما روى الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (6).و روي:«أعوذ بالسميع (7)العليم من الشيطان الرجيم»رواه البزنطي عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،و اختاره المفيد في المقنعة (8).

و روى سماعة،قال:سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة

ص: 330


1- سورة النحل:98.
2- المصنف لعبد الرزاق 2:86 ح 2589.
3- الكافي 3:310 ح 7،التهذيب 2:67 ح 244.
4- الخلاف 1:327 المسألة:79.
5- التهذيب 2:289 ح 1158.
6- راجع الهامش 2.
7- في س:«باللّه السميع»،و هو موافق لما نقلوه عن الذكرى في:وسائل الشيعة 4:801، و الحدائق الناضرة 8:163،و مفتاح الكرامة 2:400.و اما في بحار الأنوار 85:6 فهو موافق لما في المتن.
8- المقنعة:16،و فيه كما في نسخة س.

الكتاب،قال:«فليقل:أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم،إنّ اللّه هو السميع العليم،ثم ليقرأ ما دام لم يركع» (1).

و قال ابن البراج:يقول أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ان اللّه هو السميع العليم.

و للشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوذ للأمر به،و هو غريب،لأن الأمر هنا للندب بالاتفاق،و قد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع منا (2).

و قد روى الكليني بإسناده إلى فرات بن أحنف،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«مفتاح (3)كل كتاب نزل من السماء بسم اللّه الرحمن الرحيم، فإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ،فإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم سترتك فيما بين السماء و الأرض» (4).

فرع:

لا تتكرر الاستعاذة عندنا و عند الأكثر،و لو نسيها في الأولى لم يأت بها في الثانية.

و منها:الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات جمع، لرواية حنان (5)و رواية صفوان،قال:صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام أياما،فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم،و أخفى ما سوى ذلك (6)و زاد الكليني في روايته:و كان يجهر في السورتين جميعا (7).0.

ص: 331


1- التهذيب 2:147 ح 574،الاستبصار 1:254 ح 1340.
2- الخلاف 1:325 المسألة:76.
3- في المصدر:«أول».
4- الكافي 3:313 ح 3.
5- التهذيب 2:289 ح 1158.
6- التهذيب 2:268 ح 246،الاستبصار 1:310 ح 1154.
7- الكافي 3:315 ح 20.

و قد صرّح باستحبابه في جميع الصلوات ابن بابويه (1)و المرتضى في الجمل (2)و الشيخ في النهاية (3)و الخلاف (4)و المبسوط (5).

و تفرّد ابن إدريس باختصاص الاستحباب بأوليي الظهرين لا الأواخر، لعدم تعيّن القراءة فيها،و للاحتياط،و لقول الشيخ في الجمل:و الجهر بها في الموضعين،أي:الأوليين (6).

و هو قول مرغوب عنه:

أمّا أولا:فلأنه لم يسبق اليه،و هو بإزاء إطلاق الروايات و الأصحاب بل بإزاء تصريحهم بالعموم.

و أمّا ثانيا:فلأنّ المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة،و ذلك لكونها بسملة في مواضع الإخفات،فلا يتفاوت الحال في ذلك اقامة للشعار.

و الجواب عن تمسكه بتعيّن القراءة انّ ذلك عين المتنازع فيه،و نحن لا نقول بالبسملة حال عدم القراءة فضلا عن الجهر بها،اما حال وجود القراءة فهي مساوية لسائر القرآن.و اما الاحتياط فمعارض بأصل البراءة من وجوب الإخفات بها.و اما الموضعان فلم لا يكونان أول الحمد حيث كانت و أول السورة.

قال المحقق-رحمه اللّه-:هذا تخصيص لما نص عليه الأصحاب و دلت عليه الروايات،فان تمسّك بوجوب الإخفات نقضنا عليه بما تتعيّن فيه القراءة من الإخفاتية،و ان تمسّك بنص الأصحاب و المنقول لزمه العمل بالإخفات في كل موضع يقرأ فيه تعيّن أو لم يتعيّن (7).1.

ص: 332


1- لاحظ:الفقيه 1:202.
2- جمل العلم و العمل 3:32.
3- النهاية:76.
4- الخلاف 1:331 المسألة:83.
5- المبسوط 1:105.
6- السرائر:45،و راجع:الجمل و العقود:183.
7- المعتبر 2:181.

و قال ابن أبي عقيل:تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام ان لا تقية في الجهر بالبسملة.

و هاهنا أقوال أخر:

أحدها:قول ابن الجنيد-رحمه اللّه-و هو:ان الجهر بها انما هو للإمام،أما المنفرد فلا،و صرّح بان الامام يجهر بالبسملة في الأخيرتين (1).

و ثانيها:قول ابن البراج:انه يجب الجهر بها في الإخفاتية على الإطلاق (2).

و ثالثها:قول أبي الصلاح:انه يجب الجهر بها في أوليي الظهر و العصر في الحمد و السورة (3).

و ربّما احتج ابن الجنيد بالروايتين الأوليين،فإن المذكور فيهما الامام.

و جوابه ان التأسي اقتضى الاستحباب لغير الإمام،إماما كان أو منفردا.نعم، في حق الإمام يتأكد استحباب الجهر بالبسملة.و لعلّ ابن البراج يحتج بمداومة الامام على ذلك،فيجب التأسي به.و كل ذلك تدفعه الشهرة بين الأصحاب.

و قد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم،قال:«لا يضره» (4)و المراد به الإخفات بها عند الشيخ في أحد تأويليه (5)و التأويل الآخر انه ترك البسملة ناسيا (6).

و روى محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام فيمن يقرأ بسم اللّه8.

ص: 333


1- راجع:السرائر:45،مختلف الشيعة:93.
2- المهذب 1:92.
3- الكافي في الفقه:117.
4- التهذيب 2:68 ح 247،الاستبصار 1:312 ح 1159.
5- التهذيب 2:68،288.
6- التهذيب 2:68،288.

الرحمن الرحيم،قال:«ان شاء سرا،و ان شاء جهرا» (1)و هذا صريح في عدم الوجوب،مع إمكان حمل كلام الموجب على الوجوب التخييري،إذ القراءة الواجبة لا تنفك عن صفتي الجهر و الإخفات فيجب كل منهما على البدل، و هذا يتم ان قلنا بتباين الصفتين،و ان قلنا بأن الإخفات جزء من الجهر فلا.

و منها:تعمّد الإعراب، أي:إظهار حركاته،بحيث يتميز بعضها عن بعض بالقدر الذي لا يخرج الى الحروف التي منها حركات الاعراب.و يجوز ان يراد بتعمّد الاعراب ان لا يكثر الوقف،و خصوصا على ما لا ينبغي الوقف عليه.

و منها:الوقوف على مواضعه، و أجودها التام،ثم الحسن،ثم الجائز، و ذلك معروف عند القراء و قد الف فيه كتب جمة.

و يجوز الوقف على ما شاء و الوصل.روي علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب و سورة أخرى في النفس الواحد، قال:«ان شاء قرأ في نفس،أو شاء غيره» (2).نعم،يكره قراءة التوحيد بنفس واحد،لما رواه محمد بن يحيى بسنده الى الصادق عليه السلام (3).

و منها:الترتيل،و هو حفظ الوقوف و أداء الحروف، لقوله تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4).

و قال في المعتبر:الترتيل تبيين الحروف من غير مبالغة،و ربما وجب إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض،و يمكن حمل الآية عليه،لأن الأمر عند الإطلاق للوجوب.و روى عبد اللّه البرقي مرسلا عن الصادق عليه السلام:«ينبغي للعبد إذا صلّى ان يرتل قراءته،و إذا مرّ بآية3.

ص: 334


1- التهذيب 2:68 ح 249.الاستبصار 1:312 ح 1161.
2- قرب الاسناد:93،التهذيب 2:296 ح 1193.
3- الكافي 3:314 ح 11.
4- سورة المزمل:73.

فيها ذكر الجنة و النار سأل اللّه الجنة و تعوذ باللّه من النار،و إذا مرّ بيا أيها الناس، أو يا ايها الذين آمنوا،قال:لبيك ربنا» (1).

قلت:هذه الرواية تدل على جواز التلبية في الصلاة،و مثلها رواية أبي جرير عن الكاظم عليه السلام،قال:«ان الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح،فإذا دعته الوالدة فليقل لبيك» (2).

و منها: انه«إذا ختم وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها فليقل:صدق اللّه و صدق رسوله.و إذا قرأ آللّهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ قال:اللّه خير اللّه أكبر.و إذا قرأ:

ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ قال:كذب العادلون باللّه.و إذا قرأ:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ الآية قال:اللّه أكبر ثلاثا»روى ذلك عمار،عن الصادق عليه السلام (3).

و منها:السكوت إذا فرغ من الحمد و السورة،فهما سكتتان،لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام عن أبيه:«ان رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اختلفا في صلاة رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فكتب الى أبي بن كعب:كم كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سكتة؟ قال:كانت له سكتتان:إذا فرغ من أم القرآن،و إذا فرغ من السورة» (4).

و في رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس (5).

و قال ابن الجنيد:روى سمرة و أبي بن كعب عن النبي صلّى اللّه عليه1.

ص: 335


1- المعتبر 2:181. و الرواية في التهذيب 2:124 ح 471.
2- التهذيب 2:350 ح 1452.
3- التهذيب 2:297 ح 1195. و الآيات على الترتيب:سورة الشمس:1،سورة النحل:59،سورة الانعام:6،سورة الإسراء:111.
4- التهذيب 2:297 ح 1196.
5- الفقيه 1:196 ح 916،أمالي الصدوق:337،التهذيب 2:81 ح 301.

و آله:ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح،و الثانية بعد الحمد (1).

فرع:

الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع، و كذا عقيب التسبيح.

و منها:استحباب قراءة ما رواه محمد بن مسلم: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:القراءة في الصلاة منها شيء موقت،فقال:«لا،إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة و المنافقين».قلت له:فأي السور أقرأ في الصلوات؟قال:«اما الظهر و العشاء فتقرأ فيهما سواء،و العصر و المغرب سواء،و اما الغداة فأطول.ففي الظهور و العشاء بسبح باسم ربك الأعلى و الشمس و ضحاها و نحوها، و العصر و المغرب:إذا جاء نصر اللّه و ألهاكم التكاثر و نحوها،و الغداة بعم يتساءلون و الغاشية و القيامة و هل أتى» (2).

و رواية عيسى بن عبد اللّه القمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الغداة بعم يتساءلون و هل أتاك حديث الغاشية و لا اقسم بيوم القيامة و شبهها.و يصلي الظهر بسبح و الشمس و ضحاها (3).و يصلي المغرب بقل هو اللّه أحد و إذا جاء نصر اللّه و إذا زلزلت.و يصلي العشاء الآخرة بنحو مما يصلي الظهر،و يصلي العصر بنحو من المغرب» (4).

و قال الصدوق-رحمه اللّه-:أفضل ما يقرأ في الصلاة في اليوم و الليلة في الركعة الأولى الحمد و انا أنزلناه و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد5.

ص: 336


1- رواية سمرة و أبي بن كعب في:سنن أبي داود 1:207 ح 779،السنن الكبرى 2:196.
2- التهذيب 2:95 ح 354،و صدر الحديث في الكافي 3:313 ح 4.
3- في المصدر زيادة:«و هل أتاك حديث الغاشية و شبهها».
4- التهذيب 2:95 ح 355.

إلاّ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة فالجمعة و الأعلى،و في صبحها و ظهريها بالجمعة و المنافقين (1).

و قال ان نسيهما أو إحداهما في الظهر يوم الجمعة رجع ما لم يقرأ النصف،فإن قرأ النصف أتمها ركعتين ندبا،ثم أعاد الظهر بالسورتين (2).

قال:و من قرأ في الغداة يوم الاثنين و الخميس بهل أتى و الغاشية وقاه اللّه شر اليومين (3).

قال:و حكى من صحب الرضا عليه السلام الى خراسان انه كان يقرأ في صلاته السور التي ذكرناها،فلذلك اخترناها (4).

قلت:روى الكليني عن أبي علي بن راشد،قلت لأبي الحسن عليه السلام:جعلت فداك انك كتبت الى محمد بن الفرج تعلمه ان أفضل ما يقرأ في الفرائض بأنا أنزلناه و قل هو اللّه أحد و ان صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر،فقال عليه السلام:«لا يضيقن صدرك بقراءتهما،فان الفضل و اللّه فيهما» (5).

قال ابن بابويه:و انما يستحب قراءة القدر في الاولى و التوحيد في الثانية، لأن القدر سورة النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته،فيجعلهم المصلي وسيلة الى اللّه تعالى،لانه بهم وصل الى معرفته.و اما التوحيد فالدعاء على أثرها مستحبات،و هو القنوت (6).

و منها:استحباب ما تضمّنته رواية معاذ بن مسلم عن الصادق عليه7.

ص: 337


1- الفقيه 1:201.
2- الفقيه 1:201-202.
3- الفقيه 1:201.
4- الفقيه 1:202.
5- الكافي 3:315 ح 19،التهذيب 2:290 ح 1163.
6- الفقيه 1:207.

السلام:«لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون في سبعة مواطن:في الركعتين قبل الفجر،و ركعتي الزوال،و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين في أول صلاة الليل،و ركعتي الإحرام،و الفجر إذا أصبحت فيهما،و ركعتي الطواف» (1).

قال الشيخ:و في رواية اخرى:انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد و في الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر،فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد (2)،و هذا حكاية لكلام الشيخ أبي جعفر الكليني-رحمه اللّه-و لم يذكرا سند الرواية.

قال الشيخ:و يستحب ان يقرأ التوحيد في كل ركعة من الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرة (3)مع قوله بالمواضع السبعة (4).

و روى الكليني عن محمد بن مسلم:ليس في القراءة شيء موقت،إلاّ الجمعة يقرأ فيها الجمعة و المنافقين (5).

تنبيهات:

الأول: قال ابن بابويه:قد رويت رخص في القراءة في ظهر الجمعة بغير سورة الجمعة و المنافقين لا استعملها،و لا افتي بها،إلاّ في حال السفر و المرض و خيفة فوت حاجة (6)لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«لا بأس ان تقرأ في صلاة الجمعة بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت1.

ص: 338


1- الكافي 3:316 ح 22،الفقيه 1:314 ح 1427،التهذيب 2:74 ح 273.
2- الكافي 3:316 ح 22،التهذيب 2:74 ح 274.
3- المبسوط 1:108.
4- المبسوط 1:108.
5- الكافي 3:313 ح 4.
6- الفقيه 1:201.

مستعجلا» (1).فظاهره وجوب السورتين فيها و في الجمعة،و هو اختيار أبي الصلاح (2).

و أوجب السورتين المرتضى في الجمعة و قال:قد روي ان المنفرد أيضا يلزمه قراءتهما (3).

و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام:«من صلّى بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة» (4).

و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،قال:«ان اللّه تعالى أكرم بالجمعة المؤمنين،فسنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشارة لهم،و المنافقين توبيخا للمنافقين،و لا ينبغي تركهما،فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له» (5).

و الجواب:المعارضة برواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا،قال:«لا بأس بذلك» (6).و جوازه في الجمعة يستلزم أولوية جوازه في الظهر،فتحمل الرواية على تأكد الندبية،و ان يكون قوله:«لا صلاة له»أي كاملة،بقرينة قوله«لا ينبغي تركهما»و للتوفيق بين الروايات.

و اعلم انّ الشيخ نجم الدين نقل في المعتبر ان ابن بابويه أوجبهما في الظهر و العصر في كتابه الكبير،و حكى كلامه متضمنا العصر (7)و لم نر في النسخ9.

ص: 339


1- الفقيه 1:268 ح 1225،التهذيب 3:242 ح 653،الاستبصار 1:415 ح 1591.
2- الكافي في الفقه:151.
3- المعتبر 2:184.
4- الكافي 3:426 ح 7،التهذيب 3:7 ح 21،الاستبصار 1:414 ح 1588.
5- الكافي 3:425 ح 4،التهذيب 3:6 ح 16،الاستبصار 1:414 ح 1583.
6- التهذيب 3:7 ح 19،الاستبصار 1:414 ح 1586.
7- قال في المعتبر 2:183:(قال ابن بابويه في كتابه،الكبير:و في الظهر و العصر بالجمعة و المنافقين،فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر،و قرأت غيرهما ثم ذكرت،فارجع الى سورة الجمعة و المنافقين ما لم تقرأ نصف السورة)إلى آخر ما تقدم نقله عن ابن بابويه في ص 335 الهامش 1.و ظاهر ان ما في المعتبر بخلاف ما حكي عنه في المتن،راجع في ذلك الحدائق الناضرة 8:187،مفتاح الكرامة 2:404،جواهر الكلام 9:409.

التي وصلت إلينا سوى الظهر،و هو الذي نقله الفاضل في المختلف (1).

الثاني: وافق المرتضى الصدوق في قراءة المنافقين في صبح الجمعة (2)و رواه الشيخ في المبسوط (3)و هو في خبر ربعي و حريز رفعاه الى أبي جعفر عليه السلام،قال:«إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون،و في صلاة الصبح مثل ذلك» (4).

و خيّر ابن أبي عقيل بين المنافقين و بين الإخلاص (5).

و قال الشيخان:بل يقرأ في الثانية قل هو اللّه أحد (6)و هو موجود في رواية أبي الصباح الكناني (7)و أبي بصير (8)عن الصادق عليه السلام،و الطريق رجال الواقفة و لكنه مشهور.

الثالث: يستحب قراءة الجمعة في اولى المغرب ليلة الجمعة،و الأعلى في الثانية،لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام (9).

و قال في المصباح و الاقتصاد:يقرأ في الثانية التوحيد (10)لرواية أبي الصباح عنه عليه السلام (11).7.

ص: 340


1- مختلف الشيعة:94.
2- الانتصار:54.
3- المبسوط 1:108.
4- التهذيب 3:7 ح 18،الاستبصار 1:414 ح 1585.
5- مختلف الشيعة:94.
6- المقنع:26،المبسوط 1:108.
7- التهذيب 3:5 ح 13.
8- الكافي 3:425 ح 2،التهذيب 3:6 ح 14،الاستبصار 1:413 ح 1582.
9- الكافي 3:425 ح 2،التهذيب 3:6 ح 14،الاستبصار 1:413 ح 1582.
10- مصباح المتهجد:230،الاقتصاد:262.
11- تقدمت في الهامش 7.

الرابع:يستحب قراءة الجمعة و الأعلى في عشاء ليلة الجمعة، لرواية أبي الصباح أيضا عنه عليه السلام (1)و رواه أبو بصير عنه أيضا (2).

و قال ابن أبي عقيل:يقرأ في الثانية المنافقين،و أوفق في الأولى على الجمعة (3)لرواية حريز السالفة (4).و الأول أشهر و أظهر في الفتوى.

الخامس: اختلف الأصحاب-رضي اللّه عنهم-في الجهر بالظهر يوم الجمعة،مع اتفاقهم على استحباب الجهر في صلاة الجمعة.فاستحب الجهر في الظهر الشيخ-رحمه اللّه- (5)و رواه الحلبي عن الصادق (6)و محمد ابن مروان عنه (7)و عمران الحلبي عنه (8)و محمد بن مسلم عنه (9).

و قال ابن بابويه:الجهر فيها رخصة يجوز الأخذ بها،و الأصل انه انما يجهر فيها إذا كانت خطبة،فإذا صلاها وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام يخفى فيها القراءة.و كذلك في السفر من صلّى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة و ان أنكر ذلك عليه.و كذلك إذا صلّى ركعتين بخطبة في السفر جهر فيها (10).

و المرتضى-رحمه اللّه-قال:و المنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة روي انه يجهر بالقراءة استحبابا.و روي ان الجهر انما يستحب ان صليت مقصورة بخطبة،أو صليت ظهرا أربعا في جماعة،و لا جهر على المنفرد (11).و قوّى ابن5.

ص: 341


1- تقدمت في الهامش 7.
2- تقدمت في الهامش 8.
3- مختلف الشيعة:94.
4- تقدمت في ص 428 الهامش 8.
5- المبسوط 1:151،النهاية:107،الخلاف 1:632 المسألة:407.
6- الكافي 3:425 ح 5،التهذيب 3:14 ح 49،الاستبصار 1:416 ح 1593.
7- التهذيب 3:15 ح 50-52،الاستبصار 1:416 ح 1594-1596.
8- التهذيب 3:15 ح 50-52،الاستبصار 1:416 ح 1594-1596.
9- التهذيب 3:15 ح 50-52،الاستبصار 1:416 ح 1594-1596.
10- الفقيه 1:269.
11- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر:65،و العلامة في مختلف الشيعة:95.

إدريس هذا الأخير،محتجا بعدم الدليل و الاحتياط (1).

و قد روى جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجماعة يوم الجمعة في السفر،قال:«يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر،و لا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة» (2).و روى محمد بن مسلم،قال:

سألته عن صلاة الجمعة في السفر،قال:«يصنعون كما يصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة» (3).و حملهما الشيخ على التقية (4).

و في كلام ابن بابويه-رحمه اللّه-إشارة الى ان الجمعة تصلّى سفرا بغير خطبة،و انها يجهر بها.فإن أراد به الجمعة الحقيقية أشكلت بعدم انعقادها سفرا و بغير خطبة،و كلامه يدل على انعقادها سفرا بخطبة و غيرها.و ان أراد الظهر المقصورة أشعر بأن الجهر تابع لصلاتها جماعة،و هو ينافي قوله:(انما يجهر فيها إذا كانت خطبة)،و في بعض النسخ:(انما يجهر إذا كانت جماعة)، و حينئذ لا تنافي.

و قد دل على تسمية ما في السفر جمعة رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام،انه قال:«صلوا في السفر جمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة» (5).و الظاهر انه أراد ان الجهر تابع للجماعة،سواء صليت ظهرا أو جمعة،كما حكاه المرتضى و اختاره ابن إدريس (6).1.

ص: 342


1- السرائر:65.
2- التهذيب 3:15 ح 53،الاستبصار 1:416 ح 1597.
3- التهذيب 3:15 ح 54،الاستبصار 1:416 ح 1598.
4- الهامش السابق.
5- التهذيب 3:15 ح 51،الاستبصار 1:416 ح 1595.
6- راجع ص 341-342 الهامش 11،1.

و قال في المعتبر:من الأصحاب من منع الجهر إلاّ في الجمعة خاصة.

ثم ذكر روايتي جميل و محمد بن مسلم،و قال:هما أولى و أشبه بالمذهب، و استضعف تأويل الشيخ إياهما بالتقية (1).

فحصل من هذا ثلاثة أقوال:

الأول:عدم استحباب الجهر في الظهر مطلقا،و هو اختياره في المعتبر، و لعله الأقرب.

الثاني:استحبابه فيها مطلقا،و هو قول الشيخ و من تبعه،و منهم الفاضل في المختلف (2).

الثالث:استحبابه فيها إذا صليت جماعة لا انفرادا،و هو ظاهر الصدوق،و مختار ابن إدريس.

و منها:استحباب تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية،قاله في المعتبر،لما روى أبو قتادة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الأوليين من الظهر فاتحة الكتاب و سورتين،يطول في الاولى و يقصر في الأخرى،و كذا في العصر و الصبح.قال:و هو منقول عن الأئمة عليهم السلام (3).

قلت:لم أر هذا القول لغيره-رحمه اللّه-و هذا الحديث من طرق العامة،و قد رووا أيضا عن أبي سعيد الخدري:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، و في العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية (4).4.

ص: 343


1- المعتبر 2:304-305.
2- مختلف الشيعة:95.
3- المعتبر 2:174. و الرواية في صحيح البخاري 1:193،صحيح مسلم 1:333 ح 451،سنن النسائي 2: 165،السنن الكبرى 2:66.
4- صحيح مسلم 1:334 ح 452،السنن الكبرى 2:64.

و قال الشيخ في الخلاف:لا ترجيح بين الركعتين،محتجا بعدم الدليل، و عموم الاخبار في قراءة سورة مع الحمد.و العامة مختلفون في ذلك (1).

و منها:استحباب مغايرة السورة في الركعتين،و كراهة تكرار الواحدة في الركعتين إذا أحسن غيرها،فان لم يحسن غيرها فلا بأس،روى ذلك علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (2).

و اما كون السورة الثانية بعد الاولى على ترتيب المصحف فلا تعرفه الأصحاب،فلا يكره عندهم التقديم و التأخير.نعم،الروايات المتضمنة للتعيين غالبها على ترتيب القرآن،و قد روي تقديم التوحيد على الجحد في المواضع السبعة كما مر (3).

و منها:ما رواه محسن الميثمي عن الصادق عليه السلام،قال:«يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى التوحيد،و في الثانية الجحد،و في الثالثة التوحيد و آية الكرسي،و في الرابعة التوحيد و آمَنَ الرَّسُولُ الى آخر البقرة، و في الخامسة التوحيد و الخمس من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ الى اَلْمِيعادَ ،و في السادسة التوحيد و ثلاث آيات السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ إلى اَلْمُحْسِنِينَ ،و في السابعة التوحيد و الآيات من سورة الانعام وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى اَللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ،و في الثامنة التوحيد و آخر سورة الحشر لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ الى آخرها» (4).

و منها:استحباب قول المأموم عند فراغ الامام من الحمد اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،روى ذلك جميل عن الصادق عليه السلام (5).5.

ص: 344


1- الخلاف 1:338 المسألة:89. و راجع:المجموع 3:386،عمدة القارئ 6:9.
2- قرب الاسناد:95،التهذيب 2:71 ح 263،الاستبصار 1:315 ح 1174.
3- تقدم في ص 338 الهامش 1.
4- التهذيب 2:73 ح 272.
5- الكافي 3:313 ح 5،التهذيب 2:74 ح 275،الاستبصار 1:318 ح 1185.
النظر الثالث:في اللواحق:
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى حرمة قول آمين عقيب الحمد

المشهور بين الأصحاب تحريم قول آمين عقيب الحمد،حتى انه تبطل بعمده الصلاة لغير تقية.

و ادعى بعضهم الإجماع عليه،فقال الشيخ-رحمه اللّه-في الخلاف:

قول آمين يقطع الصلاة،سواء كان ذلك سرا أو جهرا،آخر الحمد أو قبلها، للإمام و المأموم،و على كل حال.و احتج بإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في انّ ذلك يبطل الصلاة،و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين»و قول آمين من كلام الآدميين،و برواية الحلبي عن الصادق عليه السلام انه سأله أقول آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟قال:«لا» (1).

و قال ابن بابويه:و لا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب آمين،لان ذلك كان يقوله النصارى (2).

و قال المفيد و المرتضى-رحمهما اللّه-:يحرم قول آمين آخر الحمد، و يقولان:تبطل الصلاة به (3)و تبعهما جمهور الأصحاب (4).

ص: 345


1- الخلاف 1:334 المسألة:84. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:مسند الطيالسي:150 ح 1105،المصنف لابن أبي شيبة 2:432،مسند احمد 5:447،سنن الدارمي 1:353،صحيح مسلم 1:381 ح 537،سنن أبي داود 1:244 ح 930،سنن النسائي 3:14،السنن الكبرى 2:249. و رواية الحلبي في التهذيب 2:74 ح 276،الاستبصار 1:318 ح 1186.
2- الفقيه 1:255.
3- المقنعة:16،الانتصار:42.
4- راجع:الوسيلة:97،المعتبر 2:185.

قال ابن زهرة-رحمه اللّه-:يحرم بالإجماع و الاحتياط،و بأنها عمل كثير خارج عن الصلاة،و بأنها انما تكون على دعاء تقدمها و القارئ لا يجب عليه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنى لها حينئذ،و إذا انتفى جوازها عند عدم القصد انتفى عند قصد القراءة و الدعاء،لأن أحدا لم يفرق بينهما (1).

و الشيخ في التبيان يمنع من قصد القراءة و الدعاء،للزوم استعمال المشترك في معنييه،و هو غير جائز (2).

و في المعتبر صدّر كلامه بالمنع منها،محتجا بحديث الآدميين،و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما هي التسبيح،و التكبير،و قراءة القرآن»و«انما» للحصر و ليس التأمين أحدها،لأن معناها:اللّهمّ استجب،و لو نطق بذلك أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه.

و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله علم الصلاة جماعة و لم يذكر التأمين، و بان أبا حميد الساعدي لما وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يذكره،و كذا أبو قتادة.

و لانه لو كان النطق بها تأمينا لم تجز الا لمن قصد الدعاء،لكن ذلك ليس شرطا بالإجماع،اما عندنا فللمنع مطلقا،و اما عند الجمهور فللاستحباب مطلقا.

و لأنّ التأمين يستدعي سبق دعاء،و لا يتحقق الدعاء الاّ مع قصده،فعلى تقدير عدم القصد يخرج التأمين عن حقيقته فيكون لغوا (3).5.

ص: 346


1- الغنية:496.
2- التبيان:1:46.
3- المعتبر 2:185. و حديث الآدميين و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله تقدم في ص 345 الهامش 1. و رواية أبي حميد في:سنن ابن ماجة 1:280 ح 862،سنن أبي داود 1:194 ح 730، السنن الكبرى 2:24. و رواية أبي قتادة في:سنن ابن ماجة 1:279 ح 859،السنن الكبرى 2:25.

ثم ذكر تمسك العامة برواية أبي هريرة:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«إذا قال الامام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ فقولوا:

آمين،فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر اللّه له»،و برواية وائل بن حجر قال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قال وَ لاَ الضّالِّينَ قال:آمين،و رفع صوته بها،و بقوله صلّى اللّه عليه و آله لبلال:«لا تسبقني» (1).

و أجاب:بأنّ أبا هريرة شهد عليه عمر بأنّه عدو اللّه و عدو المسلمين، و حكم عليه بالخيانة في مال البحرين،و أوجب عليه عشرة آلاف دينار،فكيف يسكن الى نقله!و لان ذلك لو قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يختص به أبو هريرة و وائل،و خصوصا إذا كان يرفع صوته بها،و لان مالكا أنكر التأمين في رواية عنه فلو كان مشهورا لم يخف عليه (2).

ثم قال في المعتبر:و يمكن ان يقال بالكراهية،و يحتج بما رواه ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين،قال:«ما أحسنها،و اخفض الصوت بها».و طعن في الرواية بالمنع بأن في طريقها في التهذيب محمد بن6.

ص: 347


1- المعتبر 2:187. و رواية أبي هريرة في الموطأ 1:87،ترتيب مسند الشافعي 1:81 ح 228،صحيح البخاري 1:198،صحيح مسلم 1:307 ح 410،سنن أبي داود 1:246 ح 935. و رواية وائل في سنن ابن ماجة 1:278 ح 855،سنن أبي داود 1:246 ح 932،الجامع الصحيح 2:27 ح 348،السنن الكبرى 2:57. و قوله صلّى اللّه عليه و آله لبلال في المصنف لعبد الرزاق 2:96 ح 6236،السنن الكبرى 2:56.
2- المعتبر 2:187. لاحظ في اتهام أبي هريرة:الطبقات الكبرى لابن سعد 4:335. و راجع في إنكار مالك:المغني 1:564،حلية العلماء 1:90،بداية المجتهد 1: 146.

سنان و هو مطعون فيه،و في طريقها في جامع البزنطي عبد الكريم و ليس كابن أبي عمير (1).

قلت:استدلاله على الكراهة بهذه الرواية غير متّجه،لان استحسانها على سبيل التعجب ينفي كراهيتها،و الحق ان هذه الرواية تنادي على نفسها بالتقية،لأن الأخبار مصرحة بالنهي عنها،و لو حملت هذه على استحبابها كان تناقضا ظاهرا فلم تبق التقية.

و كذا ما روى معاوية بن وهب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أقول آمين إذا قال الامام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ ؟قال:«هم اليهود و النصارى» (2)مؤذن بالتقية،لأنه عدل عن الجواب عن المسئول عنه الى غيره، و هذا صريح في التقية،كذا قاله الشيخ (3).و قد يتوهّم ان قوله:«هم اليهود و النصارى»جواب،أي:هم القائلون آمين،كما قاله ابن بابويه-رحمه اللّه- (4).

و العجب كيف لم يستشهد المحقق بكلام ابن الجنيد هنا،إذ يقول في كتاب الإمامة:و لا يصل الإمام و لا غيره قراءة وَ لاَ الضّالِّينَ بآمين،لأنّ ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه،و ربما سمعها الجاهل قرأها من التنزيل،و قد روى سمرة و أبي بن كعب السكتتين،و لم يذكرا فيها آمين (5).1.

ص: 348


1- المعتبر 2:186. و رواية جميل في التهذيب 2:75 ح 277،و الاستبصار 1:318 ح 1187. و رواية التهذيب رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي،و قد تقدمت في ص 345 الهامش 1.
2- التهذيب 2:75 ح 278،الاستبصار 1:319 ح 1188.
3- المصدر السابق.
4- الفقيه 1:255.
5- تقدمت رواية سمرة و أبيّ في ص 336 الهامش 1.

ثم قال:و لو قال المأموم في نفسه:اللّهم اهدنا إلى صراطك المستقيم،كان أحب إليّ،لأن ذلك ابتداء دعاء منه.و إذا قال:آمين تأمينا على ما تلاه الامام، صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه.

و قال-في حدود الصلاة-:و يستحب ان يجهر به الإمام-يعني القنوت- في جميع الصلاة،ليؤمن من خلفه على دعائه.فظاهره جواز التأمين عقيب الحمد و غيرها.

قلت:المعتمد تحريمها و إبطال الصلاة بفعلها،عملا بقول الأكثر، و دعوى الإجماع من أكابر الأصحاب (1).و رواية جميل المذكورة محمولة على التقية،لأنه نفسه روى عن الصادق عليه السلام بطريق آخر:«إذا كنت خلف الإمام،فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها،فقل أنت:الحمد للّه رب العالمين،و لا تقل:آمين» (2)و هو نهي و الأصل فيه التحريم،و هذه الرواية صحيحة السند،لا يرد عليها ما ذكره في المعتبر في حديث الحلبي من الطعن.

و أمّا ما جرى في تضاعيف الحجة من قول الشيخ:ان قصد الدعاء و القراءة غير جائز لأنه استعمال للمشترك في المعنيين،فضعيف،فان المعنى هنا متحد و هو الدعاء المنزّل قرآنا،و من المعلوم ان اللّه تعالى انما كلف المكلفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء،فيكف تبطل الصلاة بقصده! و من قول المحقق«انما هي التسبيح»الى آخره،فان الحصر غير مراد منه،لخروج معظم أفعال الصلاة منه،كالركوع و السجود و التشهد و الدعاء.

و كذا قوله ببطلان الصلاة بقوله:اللهم استجب،ضعيف،فان الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا،و هذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به.و قد تابعه على هذا الفاضل في التذكرة (3)و ليس بذاك.8.

ص: 349


1- كالمرتضى في الانتصار:42،و الطوسي في الخلاف 1:334 المسألة:84.
2- الكافي 3:313 ح 5،التهذيب 2:74 ح 275،الاستبصار 1:318 ح 1185.
3- تذكرة الفقهاء 1:118.

و كثير من الأصحاب لم أقف له على التأمين بنفي و لا إثبات،كابن أبي عقيل،و الجعفي في الفاخر،و أبي الصلاح-رحمهم اللّه.

الثانية استحباب السورة في النافلة عقيب الحمد

تستحب السورة في النافلة عقيب الحمد بالإجماع،و لتكن من طوال السور في نوافل الليل-كالأنعام و الكهف و الحم-و من قصارها في نوافل النهار.

قال في المبسوط:و الاقتصار على سورة الإخلاص أفضل،يعني:في نوافل النهار (1).و يستحب الإخفات فيها،و الجهر في نوافل الليل عند علمائنا أجمع،لما تقدم من قول الصادق عليه السلام:«السنة في صلاة النهار بالإخفات،و السنّة في صلاة الليل بالإجهار» (2).

و روى العامة عن أبي هريرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في الصلاة النهار،فارجموه بالبعر» (3).

و ذكر بعض العامة ضابطا للجهر و الإخفات-و تبعهم عليه بعض الأصحاب (4)-و هو:انّ كل صلاة تختص بالنهار،و لا نظير لها بالليل،فجهر كالصبح.و كل صلاة تختص بالليل،و لا نظير لها بالنهار،فجهر أيضا كالمغرب.و كل صلاة تفعل نهارا،و لها نظير بالليل،فما تفعل بالنهار فسّر كالظهرين،و ما تفعل ليلا فجهر كالعشاء.

فعلى هذا صلاة الجمعة و العيد يسنّ الإجهار بهما،لأنهما تفعلان نهارا،و لا نظير لهما ليلا.و الكسوف يستحب فيها الإسرار،لأنها تفعل نهارا، و لها نظير بالليل و هي الخسوف،فيجهر فيه.و الأصل فيه قوله صلّى اللّه عليه

ص: 350


1- المبسوط 1:108.
2- التهذيب 2:289 ح 1161،الاستبصار 1:313 ح 1165.
3- المصنّف(لابن أبي شيبة)1:365 عن يحيى بن أبي كثير،المهذّب(لأبي إسحاق الشيرازي)1:81،المعتبر 2:184.
4- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:117.

و آله:«صلاة النهار عجماء» (1).

و هذا قياس محض لا أصل له عندنا،و قد نصّ الأصحاب على الجهر بصلاة الكسوف كالخسوف (2).و يلزم ان صلاة الاستسقاء سر،و قد نص الجماعة على انها كالعيد،و العيد جهر (3).و يلزم أيضا أن يكون القضاء تابعا لليل و النهار،و الإجماع واقع من الأصحاب على انّه يقضى كما فات،لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله:«فليقضها كما فاتته» (4)و كذا قضاء النوافل يجهر فيه و يسرّ على ما كان،نصّ عليه الشيخ في الخلاف،و لم يحتج بالإجماع بل بالحديث (5).

فرع:

إذا قلنا بأن المأموم يقرأ ندبا،فلا جهر عليه في الجهرية،لما مر في رواية إسماع الإمام الأذكار للمأموم دون العكس (6)،و لان بعض الصحابة جهر خلف النبي صلّى اللّه عليه و آله فلما فرغ من الصلاة قال:«ما بالي أنازع القرآن» (7)و فيه إشارة الى انّ الجهر فيه تشويش قراءة الإمام.7.

ص: 351


1- المصنّف(لابن أبي شيبة)1:364 عن الحسن و أبي عبيدة،غريب الحديث(لأبي عبيد)1:170 عن الحسن،و راجع:المهذب 1:81،المجموع 3:389.
2- راجع:المراسم:80،السرائر:72،الغنية:500،المعتبر 2:239.
3- راجع:المقنعة:24،المبسوط 1:134،المراسم:83،السرائر:72.
4- عوالي اللئالي 3:107 ح 150.
5- الخلاف 1:387 المسألة:140.
6- الكافي 3:337 ح 5،و الفقيه 1:260 ح 1189،التهذيب 2:102 ح 383 و 384.
7- الموطأ 1:86،مسند احمد 2:487،سنن ابن ماجة 1:276 ح 848،سنن أبي داود 1: 218 ح 826،الجامع الصحيح 2:118 ح 312،سنن النسائي 2:141،شرح معاني الآثار 1:217،السنن الكبرى 2:157.

تنبيه:

قال ابن أبي عقيل:يجهر في صلوات السنن التي تكون في الجماعة، و أطلق.

الثالثة نفي ركنية القراءة

القراءة ليست ركنا على الصحيح من المذهب،و نقل فيه الشيخ الإجماع في الخلاف (1)لان المعني به:ما تبطل الصلاة بالإخلال به نسيانا و القراءة ليست كذلك،لما روي ان منصور بن حازم سأل الصادق عليه السلام:

اني صليت المكتوبة و نسيت ان أقرأ في صلاتي كلها،فقال:«أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟»قلت:بلى.فقال:«تمت صلاتك» (2)و يقرب منه رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام (3).

و نقل في المبسوط عن بعض الأصحاب ركنيتها (4)و هو أيضا قول جماعة من العامة (5)لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (6)و لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ الفاتحة:«لا صلاة له،الاّ ان يقرأ بها في جهر أو إخفات» (7).

ص: 352


1- الخلاف 1:409 المسألة:156.
2- الكافي 3:348 ح 3،التهذيب 2:146 ح 570،الاستبصار 1:353 ح 1336.
3- التهذيب 2:146 ح 571،الاستبصار 1:354 ح 1337،السرائر:484.
4- المبسوط 1:105.
5- كالشافعي و مالك و غيرهم،راجع:المجموع 3:327،المغني 1:555،فتح العزيز 3: 308.
6- مسند احمد 5:316،صحيح البخاري 1:192،صحيح مسلم 1:295 ح 394،سنن ابن ماجة 1:273 ح 837،الجامع الصحيح 2:25 ح 247،سنن النسائي 2:137،سنن الدار قطني 1:321،السنن الكبرى 2:164.
7- الكافي 3:317 ح 28،التهذيب 2:146 ح 573،الاستبصار 1:354 ح 1339.

و الجواب:المراد نفي الكمال،توفيقا بين الروايات.

و يحتج على العامة بما روي:ان عمر صلّى المغرب فلم يقرأ،فلما فرغ قيل له في ذلك فقال:كيف كان الركوع و السجود.قالوا:حسنا.فقال:فلا بأس،و لم ينكر عليه أحد من الصحابة (1)فدل على اشتهاره بينهم.

الرابعة حكم العدول من سورة إلى أخرى

يجوز العدول من سورة إلى أخرى في الفريضة و النافلة ما لم يتجاوز نصفها،فلا يجوز في الفريضة-قاله الشيخان (2)-إلا في سورتي التوحيد و الجحد،فلا عدول عنهما بالشروع،لرواية عمرو بن أبي نصر عن أبي عبد اللّه عليه السلام:يرجع من كل سورة الا من قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون (3)و مثله روى الحلبي عنه عليه السلام (4).

و لم أقف الآن على اعتبار النصف،لكن روى عبيد بن زرارة عنه عليه السلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها،فقال:«له ان يرجع ما بينه و بين ان يقرأ ثلثيها» (5).

و الشيخ في التهذيب لما حكى كلام المفيد بتجاوز النصف،لم يذكر له شاهدا سوى ما رواه أبو بصير عنه في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة، ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها،ثم يذكر قبل أن يركع،قال:«يركع و لا يضره» (6).و هذا لا دلالة فيه على اعتبار النصف،إذ مفهوم الاسم ليس فيه حجة.نعم،يظهر منه على بعد استحباب قراءة السورة.

ص: 353


1- الام 7:237،المصنف لعبد الرزاق 2:122 ح 2748،المصنف لابن أبي شيبة 1:396، السنن الكبرى 2:381.
2- المقنعة:24،المبسوط 1:107،النهاية:77.
3- الكافي 3:317 ح 25،التهذيب 2:190 ح 752،290 ح 1166.
4- التهذيب 2:190 ح 753.
5- التهذيب 2:293 ح 1180.
6- التهذيب 2:190 و الحديث فيه برقم 754.

و في المعتبر نقل عن المرتضى تحريم الرجوع عن التوحيد و الجحد،ثم قال:و الوجه الكراهية،لقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ .قال:و لا تبلغ الرواية قوة في تخصيص الآية (1).

و قال ابن بابويه في الفقيه:فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر -يعني به الجمعة و المنافقين-ثم ذكرت،فارجع إليهما ما لم تقرأ نصف السورة،فإن قرأت نصف السورة فتممها و اجعلها ركعتي نافلة (2).و لم يشترط هنا تجاوز النصف،بل اكتفى بقراءة النصف.

و قال ابن بابويه أيضا:من أراد أن يقرأ في صلاته بسورة فقرأ غيرها فليرجع منها الى غيرها،الا ان تكون السورة قل هو اللّه أحد فلا يرجع منها الى غيرها،الا يوم الجمعة في صلاة الظهر،فإنه يرجع منها إلى سورة الجمعة و المنافقين (3).و كأنّه بناه على مذهبه من وجوب السورتين،فلذلك عدل عن التوحيد و لم يذكر الجحد.

و قد روى الكليني عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة فيقرأ قل هو اللّه أحد،قال:«يرجع الى سورة الجمعة» (4)قال:و روي أيضا:«يتمها ركعتين ثم يستأنف» (5).

و قال الشيخ-رحمه اللّه-:يجوز الانتقال من سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز نصفها إلاّ سورة الكافرين و الإخلاص،فإنّه لا ينتقل عنهما إلا في الظهر يوم الجمعة،فإنّه يجوز له الانتقال عنهما إلى الجمعة و المنافقين (6).7.

ص: 354


1- المعتبر 2:191. و الآية في سورة المزمل:20.
2- الفقيه 1:200،المقنع:45.
3- الفقيه 1:268.
4- الكافي 3:426 ح 6،التهذيب 3:8 ح 22،241 ح 649.
5- الكافي 3:426 ح 6،التهذيب 3:8 ح 22،241 ح 649.
6- المبسوط 1:107،النهاية:77.

و قال الجعفي-رحمه اللّه-:و ان أخذت في سورة و بدا لك في غيرها، فاقطعها ما لم تقرأ نصفها الاّ قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون،فان كنت في صلاة الجمعة و الصبح يومئذ أو العشاء ليلة الجمعة فاقطعهما و خذ في سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون.فعمّم الحكم في الصلوات الثلاث.

و قال ابن إدريس-في باب القراءة:للمصلي إذا بدأ بسورة ان يرجع عنها ما لم يبلغ نصفها،الاّ التوحيد و الجحد فإنه لا يرجع عنهما (1)و أطلق،و كذا قال المحقق في الشرائع-رحمهما اللّه (2).

و قال ابن إدريس-في باب الجمعة-بجواز الرجوع من الجحد و الإخلاص إلى الجمعة و المنافقين في ظهر الجمعة ما لم يبلغ النصف (3).

و قال ابن الجنيد:لا يستحب للمصلي أن يرجع عن قل هو اللّه أحد و قل يا ايها الكافرون إذا بدأ بهما،و له ان يرجع عن غيرهما إليهما ما لم يبلغ النصف.

فتبيّن ان الأكثر اعتبروا النصف،و الشيخ اعتبر مجاوزة النصف،و لعل مراده بلوغ النصف.

فرع:

متى انتقل وجب إعادة البسملة،تحقيقا للجزئية.و لو بسمل بقصد الإطلاق،أو لا بقصد سورة،لم يجز بل تجب البسملة عند القصد.اما لو جرى لسانه على بسملة و سورة،فالأقرب الإجزاء،لرواية أبي بصير السالفة (4)و لصدق الامتثال.6.

ص: 355


1- السرائر:46.
2- شرائع الإسلام 1:99.
3- السرائر:65.
4- تقدمت في ص 353 الهامش 6.

و روى البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في أخرى،قال:«يرجع الى التي يريد و ان بلغ النصف» (1).

قلت:هذا حسن،و يحمل كلام الأصحاب و الروايات على من لم يكن مريدا غير هذه السورة،لأنه إذا قرأ غير ما اراده لم يعتد به،و لهذا قال:«يرجع» فظاهره تعيين الرجوع.

الخامسة حكم قراءة بعض السور أو السور التي فيها سجدة

قال ابن أبي عقيل-رحمه اللّه-:لا يقرأ في الفريضة ببعض السورة،و لا بسورة فيها سجدة،مع قوله بأنّ السورة غير واجبة (2).

و قال أيضا:من قرأ في صلوات السنن في الركعة الأولى ببعض السورة، و قام في الركعة الأخرى،ابتدأ من حيث بلغ و لم يقرأ بالفاتحة (3)و هو غريب، و المشهور قراءة الحمد.

و قد روى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام فيمن قرأ الحمد و نصف سورة،هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟فقال:

«يقرأ الحمد،و يقرأ ما بقي من السورة» (4)و الظاهر انّه في النافلة.

السادسة حكم قراءة المعوّذتين في الصلاة

أجمع علماؤنا و أكثر العامة على انّ المعوذتين-بكسر الواو- من القرآن العزيز،و انه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة و نفلها.

و روى منصور بن حازم قال:أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام ان اقرأ المعوذتين في المكتوبة (5).

و عن مولى سام قال:أمّنا أبو عبد اللّه عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ

ص: 356


1- و عن الذكرى أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 85:61 عن أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
2- حكى عنه العلامة في مختلف الشيعة:91 وجوب السورة.
3- مختلف الشيعة:94.
4- التهذيب 2:295 ح 1191،الاستبصار 1:316 ح 1177.
5- التهذيب 2:96 ح 356.

المعوذتين (1).

و عن ابن مسعود:انهما ليستا من القرآن،و انما أنزلتا لتعويذ الحسن و الحسين عليهما السلام (2)و خلافه انقرض،و استقر الإجماع الآن من العامة و الخاصة على ذلك.

السابعة حكم القراءة في الركعتين الأخيرتين

لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد فرضا،و لا نفلا، و عليه الإجماع منا.

و في الجعفريات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه كان يقرأ في ثالثة المغرب رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا،وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (3)و هو محمول على إيرادها دعاء،لا انها جزء من الصلاة.

الثامنة:قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:قال الرضا عليه السلام:«انما

جعل القراءة في الركعتين الأوليين و التسبيح في الأخيرتين

للفرق بين ما فرضه اللّه تعالى من عنده،و بين ما فرضه من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و سأل محمد بن حمران أبا عبد اللّه عليه السلام عن علة الجهر فيما يجهر فيه و الإخفات في غيره،و عن علة أفضلية التسبيح في الأخيرتين.فقال:«لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به الى السماء كان أول صلاة افترض اللّه جل اسمه عليه الظهر يوم الجمعة،فأضاف اللّه تعالى إليه الملائكة تصلي خلفه،و أمر نبيه ليجهر لهم بالقراءة ليبين لهم فضله.ثم افترض عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة،و أمره أن يخفى القراءة،لأنه لم يكن وراءه أحد.ثم افترض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة و أمره بالإجهار،و كذلك

ص: 357


1- الكافي 3:317 ح 26،التهذيب 2:96 ح 357،عن صابر مولى بسام.
2- مسند احمد 5:129،و في الدار المنثور 6:416 عن احمد و البزار و الطبراني و ابن مردويه.
3- الجعفريات:41. و الآية في سورة آل عمران:8.
4- الفقيه 1:202 ح 924،علل الشرائع:262،عيون اخبار الرضا 2:109.

العشاء الآخرة و الفجر.و صار التسبيح أفضل،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما كان في الأخيرتين ذكر ما كان فيه من عظمة اللّه تعالى،فدهش و قال:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه» (1).

قال:و سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عليه السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار،فقال:«لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يغلّس بها» (2).

و في علل ابن شاذان عن الرضا عليه السلام انّه قال:«أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا،و ليكون محفوظا مدروسا.و انما بدأ بالحمد لانّه ليس شيء من القرآن و الكلام جمع فيه جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد،و ذلك انّ قوله تبارك و تعالى:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ انما هو أداء لما أوجب اللّه على خلقه من الشكر،و شكر لما وفق عبده من الخير.

رَبِّ الْعالَمِينَ توحيد له و تحميد و إقرار بأنّه الخالق المالك لا غيره.

اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ استعطاف و ذكر آلائه و نعمائه على جميع خلقه.

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إقرار بالبعث و الحساب و المجازاة،و إيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدنيا.

إِيّاكَ نَعْبُدُ رغبة و تقرب الى اللّه تعالى،و إخلاص له بالعمل دون غيره.

وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما أنعم عليه.

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ استرشاد (3)و اعتصام بحبله،و استزادة في».

ص: 358


1- الفقيه 1:202 ح 925،علل الشرائع:322.
2- الفقيه 1:203 ح 926،علل الشرائع:322.
3- في الفقيه زيادة:«لدينه»،و في العلل و العيون:«لأدبه».

المعرفة لربه عز و جل و لعظمته و كبريائه.

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ توكيد في السؤال و الرغبة،و ذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه،و رغبة في مثل تلك النعم.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به و بأمره و نهيه.

وَ لاَ الضّالِّينَ اعتصام من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا» (1).

و ذكر العلة في الجهر:«انّ الصلوات التي يجهر فيها في أوقات مظلمة، فجهر فيها ليعلم المارّ ان هناك جماعة فيصلي معهم،و التي يخافت فيها يكفي فيها مشاهدة المصلي لأنها بالنهار» (2).

تتمّة:

روى في التهذيب عن زرارة قلت لأبي جعفر عليه السلام:أصلي بقل هو اللّه أحد؟فقال:«نعم،قد صلّى رسول اللّه عليه و آله في كلتا الركعتين بقل هو اللّه أحد لم يصل قبلها و لا بعدها بقل هو اللّه أحد أتم منها» (3).

قلت:تقدم كراهة ان يقرأ بالسورة الواحدة في الركعتين،فيمكن ان تستثنى من ذلك قل هو اللّه أحد لهذا الحديث،و لاختصاصها بمزيد الشرف،أو فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله لبيان جوازه.

و روى الكليني عن محمد بن يحيى بإسناده إلى الصادق عليه السلام،9.

ص: 359


1- الفقيه 1:203 ح 927،علل الشرائع:260،عيون اخبار الرضا 2:107.
2- الفقيه 1:203 ح 927،علل الشرائع:263،عيون اخبار الرضا 2:109.
3- التهذيب 2:96 ح 359.

قال:«يكره أن يقرأ قل هو اللّه أحد بنفس واحد» (1).

و روى أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام،انه قال له:«انّ الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول:هل ذكر ربه؟فان قال نعم تركه،و ان قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا».قال:

فقلت:جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن،قال:«بلى،ليس حيث تذهب يا ثمالي انما هو الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» (2).

قلت:لعل الموجب للجهر بها يحتج بهذا الحديث.

و روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يصلي في موضع يريد أن يتقدّم،قال:«يكفّ عن القراءة في مشيه،حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ» (3).

قلت:هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (4).و هل الكف واجب؟توقّف فيه بعض المتأخرين (5)،و الأقرب وجوبه،لظاهر الرواية،و ان القرار شرط في القيام.

و روى حريز بن عبد اللّه قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:رجل قرأ سورة في ركعة فغلط،يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قرائته،أو يدع تلك السورة و يتحول منها الى غيرها؟فقال:«كل ذلك لا بأس به،و ان قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» (6).

قلت:و هو محمول على النافلة،لما مر،قاله الشيخ-رحمه اللّه- (7)4.

ص: 360


1- الكافي 3:314 ح 11.
2- التهذيب 2:290 ح 1162.
3- الكافي 3:316 ح 24،التهذيب 2:290 ح 1165.
4- راجع:المبسوط 1:109،تذكرة الفقهاء 1:118.
5- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:118.
6- التهذيب 2:293 ح 1181.
7- التهذيب 2:294.

و كذا ما ورد في هذا الباب،مع ان الأشهر في الأخبار أن السورة مستحبة في الفريضة،و ان كان العمل من الأصحاب غالبا على الوجوب (1).

و روى محمد بن حمزة مرسلا عن الصادق عليه السلام،قال:«يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس» (2).

و عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في المصلي خلف من لا يقتدى بصلاته و الامام يجهر بالقراءة،قال:«اقرأ لنفسك،و ان لم تسمع نفسك فلا بأس» (3).

قلت:هذا يدل على الاجتزاء بالإخفات عن الجهر للضرورة،و على الاجتزاء بما لا يسمعه عما يجب إسماعه نفسه للضرورة أيضا،و لم يلزم فيها سقوط القراءة،لأن«الميسور لا يسقط بالمعسور» (4).

و جوّز الشيخ في المبسوط الصلاة باللحن عند تعذّر الإصلاح و المشقة (5).

و قال:إذا جهر فلا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا،و لا يخافت دون إسماع نفسه (6).

قال:و على الامام أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حدّ العلو، فان احتاج الى ذلك لم يلزمه بل يقرأ قراءة وسطا (7).

قال:و يكره اللثام إذا منع من سماع القراءة،و ان لم يمنع من سماعها9.

ص: 361


1- راجع:المبسوط 1:107،المهذب 1:97،الكافي في الفقه:118.
2- الكافي 3:315 ح 16،التهذيب 2:97 ح 366،الاستبصار 1:321 ح 1197.
3- التهذيب 3:36 ح 129.
4- عوالي اللئالي 4:58 ح 205.
5- المبسوط 1:106.
6- المبسوط 1:108.
7- المبسوط 1:109.

فلا بأس،و إذا غلط الامام ردّ عليه من خلفه (1).

و قال ابن الجنيد:و لا يقرأ و في فيه ما يمنعه عن إقامة الحروف على حقها،فان لم يمنعه ذلك فلا بأس إذا لم يكن يلوكه و يمضغه و لا كان محرّما.

و لا يرجّع بالقرآن في صلاة،و لا غيرها،ترجيع الغناء و الألحان.و المصلي وحده يقرأ ما يسمع نفسه من غير إجهار،و لا إخفات،و لا إعجال،و لا حذف، بل بترتيل و تبيين لحروف ما يقرؤه.9.

ص: 362


1- المبسوط 1:109.
الواجب الخامس:الركوع.
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى أدلة وجوب الركوع

يجب الركوع بالإجماع،و لقوله تعالى اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (1)و لقوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ (2)و لما روى:انّ رجلا دخل المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في ناحية المسجد،فصلّى ثم جاء فسلم عليه،فقال صلّى اللّه عليه و آله:«و عليك السلام،ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ».فرجع فصلّى ثم جاء فقال له مثل ذلك،فقال له الرجل في الثالثة:

علمني يا رسول اللّه؟فقال:«إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء،ثم استقبل القبلة فكبّر،ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن،ثم اركع حتى تطمئن راكعا،ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما،ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا،ثم ارفع حتى تستوي قائما،ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (3).

و عن علي عليه السلام:«أول الصلاة الركوع» (4).

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«انّ اللّه تعالى فرض من الصلاة:الركوع،و السجود» (5).في أخبار كثيرة (6).

ص: 363


1- سورة الحج:77.
2- سورة البقرة:43.
3- مسند احمد 2:437،صحيح البخاري 1:192،صحيح مسلم 1:298 ح 397،سنن ابن ماجة 1:336 ح 1060،سنن أبي داود 1:226 ح 856،الجامع الصحيح 2:103 ح 303،سنن النسائي 2:124،مسند أبي يعلى 11:449 ح 6577،السنن الكبرى 2: 371.
4- التهذيب 2:97 ح 362.
5- التهذيب 2:147 ح 575.
6- لاحظ:التهذيب 2:146 ح 569-571،الاستبصار 1:353 ح 1335-1337.

و يدل على ركنيته عدم تحقّق اسم الصلاة بدونه،إذ هي مجموع ركعات و لا يتقوّم المجموع إلا باجزائه،و لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تعاد الصلاة الا من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع،و السجود» (1).

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا أيقن انه ترك ركعة من الصلاة،و قد سجد سجدتين و ترك الركوع،استأنف الصلاة» (2).و رواية رفاعة عنه عليه السلام في الرجل ينسى الركوع حتى يسجد و يقوم،قال:

«يستقبل» (3).الى غير ذلك من الأخبار.

و هو ركن في جميع الركعات،و يجب في كل ركعة مرة،و في صلاة الآيات في كل ركعة خمس كل واحد منها ركن.

و قال في المبسوط:هو ركن في الأوليين من كل صلاة،و في الثالثة من المغرب،و اما في الأخيرتين من الرباعيات فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا،بل يحذف السجدتين أو إحداهما و يعود اليه (4).

و في التهذيب أورد رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:فيمن تيقن ترك الركوع حتى سجد«يلقي السجدتين و يبني،و ان تيقن بعد الفراغ صلّى ركعة و سجدتين و لا شيء عليه».و رواية العيص عن الصادق عليه السلام فيمن نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع،قال:«يقوم فيركع و يسجد سجدتي السهو»ثم حملهما على الأخيرتين (5).و فيهما دلالة على قضاء الركوع بعد الصلاة،و هو غريب،و سيأتي ان شاء اللّه تعالى تمام المسألة.6.

ص: 364


1- الفقيه 1:225 ح 991،التهذيب 2:152 ح 597.
2- التهذيب 2:148 ح 580،149 ح 587،الاستبصار 1:355 ح 1343،356 ح 1349.
3- الكافي 3:348 ح 2،التهذيب 2:148 ح 581،582،الاستبصار 1:355 ح 3144، 3145.
4- المبسوط 1:109.
5- التهذيب 2:149،و الحديثين فيه برقم 585،586.
الثانية تحديد موضوع الركوع

لا يتحقق مسمى الركوع شرعا الا بانحناء الظهر الى ان تبلغ اليدان عيني الركبتين إجماعا،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله لما روي انه كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما و يفرج بين أصابعه (1).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«و تمكّن راحتيك من ركبتيك» (2).

و هو دليل على الانحناء هذا القدر،لأن الإجماع على عدم وجوب وضع الراحتين.

و اعتبرنا الانحناء للتحرز من ان ينخنس،و يخرج ركبتيه و هو مائل منتصب،فإنه لا يجزئه.و كذا لو جمع بين الانحناء و الانخناس،بحيث لو لا الانخناس لم تبلغ الراحتان،لم يجز.

و الراكع خلقة أو لعارض،يستحب أن يزيد انحناء يسيرا،ليفرق بين قيامه و ركوعه،قاله الشيخ (3)و اختاره في المعتبر،لان ذلك حدّ الركوع فلا يلزم الزيادة عليه (4).و في الشرائع و أكثر كتب الفاضل:يجب ان يزيد انحناء،ليكون فارقا بين حالة القيام و حالة الركوع،فان المعهود افتراقهما (5).

و لو أمكنه أن ينقص من انحنائه حال قيامه-باعتماد أو غيره-وجب ذلك قطعا،و لا يجب الزيادة حال الركوع قطعا،لحصول الفرق.

الثالثة وجوب القصد إلى الركوع حين الهوي إليه

يجب أن يقصد بهويه الركوع.فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة،أو هوي لقتل حية أو لقضاء حاجة،فلما انتهى الى حدّ الراكع أراد ان يجعله ركوعا،لم يجزه،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنما الأعمال بالنيات،

ص: 365


1- سنن الترمذي 2:45 ح 26.
2- الكافي 3:334 ح 1،319 ح 1،التهذيب 2:77 ح 289،83 ح 308.
3- المبسوط 1:110.
4- المعتبر 2:194.
5- شرائع الإسلام 1:85،قواعد الأحكام:34،نهاية الإحكام 1:480.

و انما لكل امرئ ما نوى» (1)فيجب عليه الانتصاب ثم الهوي للركوع،و لا يكون ذلك زيادة ركوع.

و لو تعذر الانحناء للركوع،أتى بالمقدور.و لو أمكنه إيصال إحدى اليدين دون الأخرى،لعارض في أحد الشقين،وجب.و لو أمكنه الانحناء الى أحد الجانبين،فظاهر المبسوط الوجوب (2).و لو افتقر الى ما يعتمد عليه في انحنائه وجب.و لو تعذّر ذلك كله،أجزأه الإيماء برأسه و وجب عليه فعله،لانه بعض الواجب المقدور،و قد رواه إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السلام (3).

فرع:

لو لم يضع يديه على ركبتيه،و شك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء، احتمل العود،لعموم رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام في رجل شك و هو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع،قال:«يركع» (4)،و كذا رواية عمران الحلبي (5).و يحتمل عدمه،لان الظاهر منه إكمال الركوع،و لأنه في المعنى شك بعد الانتقال.و الوجهان ذكرهما الفاضل (6).

الرابعة وجوب الطمأنينة في الركوع

تجب الطمأنينة في الركوع،بمعنى:استقرار الأعضاء و سكونها حتى يرجع كل عضو إلى مستقره،لما سبق في حديث الأعرابي (7).

ص: 366


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147، السنن الكبرى 7:341.
2- المبسوط 1:109.
3- الفقيه 1:238 ح 1052،التهذيب 3:307 ح 951.
4- الكافي 3:348 ح 1،التهذيب 2:150 ح 590،الاستبصار 1:357 ح 1352.
5- التهذيب 2:150 ح 589،الاستبصار 1:357 ح 1351.
6- تذكرة الفقهاء 1:119.
7- تقدم في ص 363 الهامش 3.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود» (1).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«و أقم صلبك،و مدّ عنقك» (2).

و يجب كونها بقدر الذكر الواجب،لتوقف الواجب عليها.

و لا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء القدر الواجب،ثم العود الى الرفع مع اتصال الحركات،لعدم صدقها حينئذ.نعم،لو تعذّرت أجزأ زيادة الهويّ.و يبتدئ بالذكر عند الانتهاء الى حدّ الراكع،و ينتهي بانتهاء الهويّ.

و هل يجب هذا الهويّ لتحصيل الذكر في حدّ الراكع؟الأقرب لا،للأصل، فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه.

و عدّ الشيخ في الخلاف الطمأنينة ركنا (3).و يضعف بقضية الأصل، و بصدق مسمى الركوع بالانحناء الذي هو ركن،و بأن الطمأنينة وجبت للذكر الذي هو غير ركن.و كأنّ الشيخ يقصر الركن فيها على استقرار الأعضاء و سكونها،و الحديث دالّ عليه،و لان مسمّى الركوع لا يتحقق يقينا الاّ به.اما الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها.

الخامسة وجوب الذكر في الركوع

يجب الذكر فيه إجماعا منا،و المعظم على تعيّن التسبيح (4).

الا الحليين الأربعة:ابن إدريس (5)و سبطه يحيى (6)و الفاضلين (7)-رحمهم اللّه

ص: 367


1- مسند احمد 4:122،سنن ابن ماجة 1:282 ح 870،سنن أبي داود 1:226 ح 855، الجامع الصحيح 2:51 ح 265،سنن النسائي 2:183،السنن الكبرى 2:88.
2- الكافي 3:334 ح 1،التهذيب 2:83.
3- الخلاف 1:348 المسألة:98.
4- راجع:الخلاف 1:348 المسألة:99،الكافي في الفقه:118.
5- السرائر:46،50.
6- الجامع للشرائع:83.
7- المعتبر 2:196،مختلف الشيعة:95،تذكرة الفقهاء 1:119.

تعالى-و في المبسوط إشارة اليه (1).

لنا:ما رواه عقبة بن عامر،قال:لما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في ركوعكم».و لما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«اجعلوها في سجودكم»و رواه الشيخ في التهذيب مسندا (2)و رواه العامة (3).

و رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام:«يقول في الركوع:

سبحان ربي العظيم،و في السجود:سبحان ربي الأعلى.الفريضة من ذلك تسبيحة،و السنّة ثلاث،و الفضل سبع» (4).

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام،قلت له:ما يجزئ من القول في الركوع و السجود،فقال:«ثلاث تسبيحات في ترسل،و واحدة تامة تجزئ» (5).

و رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام،قال:سألته أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟قال:«ثلاث تسبيحات ترسلا،تقول:سبحان اللّه،سبحان اللّه،سبحان اللّه» (6).

و ليقين البراءة به.

احتجوا:برواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام،قلت له:

يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود:لا إله إلا اللّه و الحمد للّه2.

ص: 368


1- المبسوط 1:111.
2- التهذيب 2:313 ح 1273.
3- مسند الطيالسي:135 ح 1000،مسند احمد 4:155،سنن الدارمي 1:299،سنن ابن ماجة 1:287 ح 887،سنن أبي داود 1:230 ح 869،مسند أبي يعلى 3:279 ح 1738، شرح معاني الآثار 1:235،السنن الكبرى 2:86.
4- التهذيب 2:76 ح 282،الاستبصار 1:322 ح 1204.
5- التهذيب 2:76 ح 283،الاستبصار 1:323 ح 1205.
6- التهذيب 2:77 ح 288،الاستبصار 1:324 ح 1212.

و اللّه أكبر؟فقال:«نعم،كل هذا ذكر اللّه» (1)و كذا رواه هشام بن سالم عنه (2).

و برواية مسمع عنه:«لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات،أو قدرهن مترسلا،و ليس له أن يقول-و لا كرامة-:سبّح سبّح سبّح» (3).

و أكثر هذه الأخبار صحيح من الجانبين،فالحمل على الأفضل في الاخبار الأول متوجه،الا انّ العمل بما عليه أكثر الأصحاب أولى.

فروع:

ظاهر ابني بابويه تخيّره بين واحدة كبرى أو ثلاث صغرى (4)أعني:

(سبحان ربي العظيم و بحمده)أو(سبحان اللّه)ثلاثا.

و قال أبو الصلاح:يجب الثلاث على المختار،و الواحدة على المضطر.

ثم قال:أفضله(سبحان ربي العظيم و بحمده)،و يجوز(سبحان اللّه) (5).

فظاهره ان المختار لو قال:(سبحان ربي العظيم و بحمده)ثلاثا كانت واجبة.

و أكثر الروايات خالية من لفظ(و بحمده)،و الأولى وجوبها،لثبوتها في خبر حماد في الركوع و السجود،و كرّر الكبرى فيه ثلاثا (6)و كذا رواه زرارة و أبو بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام:ثلاثا (7)و لعله حجة أبي الصلاح،و هو3.

ص: 369


1- الكافي 3:329 ح 5،التهذيب 2:302 ح 1217.
2- التهذيب 2:302 ح 1218،و في الكافي 3:321 ح 8 ليس فيه:«الحمد للّه»،و«كل هذا ذكر اللّه».
3- التهذيب 2:77 ح 286.
4- حكاه عن ابن بابويه العلامة في مختلف الشيعة:96،و في الفقيه 1:206،و المقنع:28، و الهداية:32 تخيره بين ثلاث كبرى أو ثلاث صغرى.
5- الكافي في الفقه:118.
6- تقدم في ص 279-281 الهامش 1.
7- الكافي 3:329 ح 1،التهذيب 2:76 ح 283،80 ح 300،الاستبصار 1:323 ح 1205، 324 ح 1213.

محمول على الندب (1).

و قد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال:

سألته عن الركوع و السجود،كم يجزئ فيه من التسبيح؟فقال:«ثلاثة،و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (2).

و قد تقدم في رواية هشام ان الفريضة واحدة (3).

و قد روى العامة عن حذيفة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في ركوعه:«سبحان ربي العظيم و بحمده»،و في سجوده:«سبحان ربي الأعلى و بحمده» (4).

السادسة وجوب رفع الرأس من الركوع

يجب رفع الرأس من الركوع إجماعا،و تجب الطمأنينة فيه، لما تقدم في حديث الأعرابي (5)و حديث حماد (6).و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك،فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (7).

و لا حد لهذه الطمأنينة سوى الاستقرار و السكون،بحيث يرجع العضو إلى مستقره.و جعلها الشيخ ركنا في الخلاف (8)لظاهر الاخبار،و الأكثرون على عدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا (9).

ص: 370


1- التهذيب 2:80.
2- التهذيب 2:76 ح 284،الاستبصار 1:323 ح 1206.
3- تقدم في ص 454 الهامش 3.
4- المصنف لابن أبي شيبة 1:248،سنن الدار قطني 1:341،و راجع:نيل الأوطار 2:272.
5- تقدم في ص 363 الهامش 3.
6- تقدم في ص 279-281 الهامش 1.
7- الكافي 3:320 ح 6،التهذيب 2:78 ح 290.
8- الخلاف 1:69 المسألة 49.
9- كالمحقق في المعتبر 2:197،و شرائع الإسلام 1:85،و العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 136.
السابعة استحباب زيادة الانحناء في الركوع

يستحب في الركوع زيادة الانحناء،بحيث يستوي الظهر و الرأس و العنق،و هو يحصل بالمبالغة في ذلك،و بردّ الركبتين الى خلفه و مدّ العنق،و قد سبق في خبر حماد ذلك (1).

و روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يستوي في الركوع،بحيث لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك (2)و مثله رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام:«انّ عليا عليه السلام كان يعتدل في الركوع مستويا،حتى يقال لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك» (3).

و يكره فيه خمسة أشياء:

أ:التبازخ، و هو:تسريج الظهر و إخراج الصدر،و هو بالزاء و الخاء المعجمتين.

ب:التدبيخ -بالخاء و الحاء-و هو:أن يقبب الظهر و يطأطئ الرأس، روي ذلك في نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله (4).و روي أيضا بالذال المعجمة (5)،و الدال المهملة أعرف.و النهي للكراهة هنا.

و عن علي عليه السلام بطريق إسحاق المذكور:«ان عليا كان يكره ان يحدر رأسه و منكبيه في الركوع و لكن يعتدل».

ج:الانخناس الذي يكون معه تمام الانحناء للواجب،و هو:تقويس الركبتين و التراجع الى الوراء،و لو لم يحصل معه تمام الانحناء أبطل كما سبق.

ص: 371


1- تقدم في ص 279-281 الهامش 1.
2- معاني الأخبار:280،سنن ابن ماجة 1:283 ح 872،مجمع الزوائد 2:123 عن الطبراني في الكبير و أبي يعلى.
3- أورده المجلسي في بحار الأنوار 85:118 عن ذكري الشيعة.
4- رواه أبو عبيد في غريب الحديث 1:358 و ابن قتيبة في غريب الحديث 1:183 و الأزهري في تهذيب اللغة 4:431.
5- السنن الكبرى 2:85.

د:التطبيق -و هو:جعل احدى الكفين على الأخرى ثم إدخالهما بين ركبتيه-لما روي ان سعد بن أبي وقاص قال:كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الركب (1)،و هو يدل على شرعيته ثم نسخه،و لعلّ ذلك خفي على ابن مسعود صاحبه،و الأسود بن يزيد،و عبد الرحمن بن الأسود،فقالوا باستحبابه (2).

و لا يحرم على الأقرب،إذ ليس فيه أكثر من ترك وضعهما على الركبتين الذي هو مستحب و هو قول أبي الصلاح (3)و الفاضلين (4).

و ظاهر الخلاف و ابن الجنيد التحريم (5)،و حينئذ يمكن البطلان،للنهي عن العبادة كالكتف،و يمكن الصحة،لأن النهي عن وصف خارج.

ه:الركوع و يداه تحت ثيابه،بل تكونان بارزتين أو في كمّية،قاله الأصحاب (6).و روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه،قال:«ان كان عليه ثوب آخر فلا بأس،و ان لم يكن فلا يجوز ذلك،و ان أدخل يدا و اخرج أخرى فلا بأس» (7).

و قال ابن الجنيد:و لو ركع و يداه تحت ثيابه،جاز ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل.4.

ص: 372


1- سنن الدارمي 1:298،صحيح البخاري 1:200،صحيح مسلم 1:380 ح 535،سنن ابن ماجة 1:283 ح 873،سنن أبي داود 1:229 ح 867،الجامع الصحيح 2:44 ح 259،سنن النسائي 2:85،مسند أبي يعلى 2:134 ح 812.
2- المجموع 3:411،المغني 1:577،المبسوط للسرخسي 1:19.
3- الكافي في الفقه:125.
4- المعتبر 2:201،شرائع الإسلام 1:85،مختلف الشيعة:100.
5- الخلاف 1:347 المسألة:97،مختلف الشيعة:100.
6- راجع:المبسوط 1:112،الوسيلة:97،المعتبر 2:206،شرائع الإسلام 1:85.
7- الكافي 3:395 ح 10،التهذيب 2:356 ح 1475،الاستبصار 1:392 ح 1494.

و قال أبو الصلاح:يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب (1)و أطلق.

و ألحق الشيخ بالكراهية القراءة في الركوع،و كذا يكره عنده في السجود و التشهد (2).و قد روى العامة عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،انه قال:«الا اني نهيت ان اقرأ راكعا،أو ساجدا» (3)و لعله ثبت طريقه عند الشيخ رحمه اللّه.

و قد روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (4)،و روى عن عمار عن الصادق عليه السلام في الناسي حرفا من القراءة:لا يقرؤه راكعا بل ساجدا (5).

الثامنة ذكر بعض ما يستحب في الركوع

يستحب أن يجعل بين القدمين و الركبتين قدر شبر كما كان في القيام.و رواية زرارة متضمنة التفريج بين الركبتين،و الشبر بين القدمين (6)و الظاهر انهما كالمتلازمين،و صرح ابن الجنيد بمراعاة ذلك بين الركبتين.

و يستحب ان يجنح بمرفقيه،مخرجا ذراعيه عن ملاصقة جنبيه،فاتحا إبطيه،لما سبق في خبر حماد (7).و ان ينظر الى ما بين قدميه،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام (8)و في رواية غياث عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي

ص: 373


1- الكافي في الفقه:125.
2- المبسوط 1:111.
3- المصنف لعبد الرزاق 2:144 ح 2832،مسند احمد 1:114،صحيح مسلم 1:349 ح 480،سنن أبي داود 4:47 ح 4045،سنن النسائي 2:217،مسند أبي يعلى 1:330 ح 415، السنن الكبرى 2:87.
4- .
5- التهذيب 2:297 ح 1195،و في الكافي 3:315 ح 18.
6- تقدمت في ص 278-279 الهامش 1.
7- تقدم في 277-279 الهامش 1.
8- تقدمت في ص 278-279 الهامش 1.

عليهما السلام:«لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك» (1)و من ثم قال ابن بابويه:ينظر الراكع ما بين قدميه الى موضع سجوده (2).

و يستحب وضع اليدين على عيني الركبتين مفرّجات الأصابع،لما سبق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و عن الصادق عليه السلام في خبر حماد:«و ملأ كفّيه من ركبتيه» (4).

و يستحب البدأة بوضع اليد اليمنى،لخبر زرارة عن الباقر عليه السلام (5)و يسقط مع التعذر،و لو قدر بإحداهما وضعها.

التاسعة استحباب التكبير للركوع قائما رافعا يديه

يستحب التكبير للركوع قائما رافعا يديه كما سبق،لما سبق في خبر حماد (6).

و روى الحسن بن سعيد في كتابه عن علي عليه السلام بإسناده:«رفع اليدين في التكبير هو العبودية».و روى زرارة عن الصادق عليه السلام:

«رفعك يدك في الصلاة زينتها» (7).

و نقل المرتضى في الانتصار انفراد الإمامية بإيجاب رفع اليدين بالتكبير (8)،قال في المعتبر:و لا أعرف ما حكاه-رحمه اللّه- (9).

و قال ابن الجنيد:إذا أراد ان يكبر للركوع و السجود رفع يديه مع نفس لفظه بالتكبير،و لو لم يفعل أجزأه ذلك إلاّ في تكبيرة الإحرام.و ظاهره وجوب

ص: 374


1- التهذيب 2:326 ح 1334.
2- الفقيه 1:204.
3- تقدم في ص 365 الهامش 1.
4- تقدم في ص 279-281 الهامش 1.
5- الكافي 3:319 ح 1،التهذيب 2:77 ح 289،83 ح 308.
6- تقدم في ص 279-281 الهامش 1.
7- التهذيب 2:76 ح 181.
8- الانتصار:44.
9- المعتبر 2:199.

الرفع فيها خاصة.

و قال الشيخ في الخلال:يجوز ان يهوي بالتكبير (1)و هو حق الاّ ان التكبير في القيام أفضل.

و أوجب ابن أبي عقيل تكبير الركوع و السجود (2)و أوجب سلار ذلك و تكبير القيام (3)عملا بظاهر الاخبار،كما في رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر» (4)و رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا سجدت فكبّر» (5).

و يعارض بخبر أبي بصير عنه عليه السلام:أدنى ما يجزئ في التكبير في الصلاة واحدة (6)مع استقرار الإجماع على خلاف قوليهما.

العاشرة استحباب الذكر أمام التسبيح

يستحب الذكر أمام التسبيح إجماعا.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اما الركوع فعظموا الرب،و اما السجود فاجتهدوا في الدعاء،فقمن ان يستجاب لكم» (7).

و ليكن رواه زرارة عن الباقر عليه السلام:«رب لك ركعت،و لك أسلمت، و بك آمنت،و عليك توكلت،و أنت ربي خشع لك سمعي و بصري،و شعري و بشري،و لحمي و دمي،و مخي و عصبي،و عظامي و ما أقلته قدماي،غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر» (8).

ص: 375


1- الخلاف 1:347 المسألة:96.
2- مختلف الشيعة:96.
3- المراسم:69.
4- الكافي 3:319 ح 1،التهذيب 2:77 ح 289.
5- الكافي 3:321 ح 1،التهذيب 2:79 ح 295.
6- التهذيب 2:66 ح 238.
7- المصنف لعبد الرزاق 2:145 ح 2839،مسند احمد 1:155،سنن الدارمي 1:304، صحيح مسلم 1:348 ح 479،سنن أبي داود 1:232 ح 876،سنن النسائي 2:190. مسند أبي يعلى 1:332 ح 417،شرح معاني الآثار 1:233،السنن الكبرى 2:110.
8- الكافي 3:139 ح 1،التهذيب 2:77 ح 289.

ثم يسبّح ثلاثا كبريات أو خمسا أو سبعا،و ظاهر الشيخ و ابن الجنيد و كثير أنه نهاية الكمال (1)،و في رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام إشارة اليه حيث قال:«الفريضة تسبيحة،و السنّة ثلاث،و الفضل في سبع» (2).

و لكن روى حمزة بن حمران و الحسن بن زياد:انهما صليا مع الصادق عليه السلام فعدّدا عليه في الركوع(سبحان ربي العظيم)أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرة،و قال أحدهما في حديثه(و بحمده)في الركوع و السجود (3).و روى ابان ابن تغلب:انه عدّ على الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستين تسبيحة (4).

قال في المعتبر:الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم الاّ ان يكون إماما (5)،و هو حسن.و لو علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا التكرار.

و لا ينبغي ان ينقص المصلي من الثلاث شيئا،لرواية أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام:«يقول:سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا في الركوع، و سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاثا في السجود،فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته،و من نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته،و من لم يسبّح فلا صلاة له» (6)و المراد به نقص الكمال و الفضيلة.

فروع:

الظاهر استحباب الوتر،لظاهر الأحاديث،و عدّ الستين لا ينافي الزيادة3.

ص: 376


1- المبسوط 1:111،المقنعة:16،المقنع:28،المراسم:71.
2- التهذيب 2:76 ح 282،الاستبصار 1:322 ح 1204.
3- الكافي 3:329 ح 3،التهذيب 2:300 ح 1210،الاستبصار 1:325 ح 1214.
4- الكافي 3:329 ح 2،التهذيب 2:299 ح 1205.
5- المعتبر 2:202.
6- الكافي 3:329 ح 1،التهذيب 2:157 ح 615،الاستبصار 1:324 ح 1213.

عليه.و لو شك في العدد بني على الأقل.و الأقرب ان الواجبة هي الأولى،لأنه مخاطب بذلك حال الركوع،و لا يفتقر الى قصد ذلك.نعم،لو نوى وجوب غيرها فالأقرب الجواز،لعدم يقين التضيّق.

و الطمأنينة للمستحبات لا ريب في استحبابها،لان جواز تركها ينفي وجوبها إلا إذا قدّم المستحب،فان الظاهر وجوب الطمأنينة تخييرا،لانه لم يأت بالواجب بعد.و كذا الكلام في طمأنينة السجود،و زيادة القيام للقنوت، و الدعاء بعد فراغ واجب القراءة.

أما القيام في القراءة الواجبة فموصوف بالوجوب و ان كان بسورة طويلة، غاية ما في الباب انه من قبيل الواجب المخيّر.

اما لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصلاة،أو سأل الجنة و استعاذ من النار في أثناء القراءة،ففي وجوب هذا القيام نظر،أقربه الوجوب، لما سبق،و كذا القيام للوقف المستحب في أثناء القراءة.

اما القيام الذي يقع فيه السكوت للتنفس فلا إشكال في وجوبه،لانه من ضرورات القراءة.

الحادية عشرة استحباب قول«سمع اللّه لمن حمده»بعد رفع الرأس من الركوع

يستحب ان يقول بعد رفع رأسه من الركوع:(سمع اللّه لمن حمده)إماما كان أو مأموما،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا تتم صلاة أحدكم»إلى قوله«ثم يقول:سمع اللّه لمن حمده» (1).و استدل بعض العامة بهذا على وجوبها (2)،و هو غير دال،لأنّ الأفضلية تمام أيضا.

و محلّها بعد تمكّنه من الانتصاب،لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:

«قل:سمع اللّه لمن حمده-و أنت منتصب قائم-الحمد للّه رب العالمين،أهل

ص: 377


1- سنن أبي داود 1:226 ح 857.
2- المجموع 3:414،المغني 1:584،الشرح الكبير 1:582.

الجبروت و الكبرياء و العظمة (1)رب العالمين.تجهر بها صوتك» (2).و فيه دليل على الجهر بهذه،و لعله لغير المأموم،إذ يستحب الإخفات له في جميع أذكاره.

و روى الحسين بن سعيد بإسناده الى أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«سمع اللّه لمن حمده،الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم، بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد،أهل الكبرياء و العظمة و الجبروت».

و بإسناده الى محمد بن مسلم،عنه عليه السلام:«إذا قال الامام:سمع اللّه لمن حمده،قال من خلفه:ربنا لك الحمد.و ان كان وحده إماما أو غيره قال:سمع اللّه لمن حمده،الحمد للّه رب العالمين».

و نقل في المعتبر عن الخلاف:ان الامام و المأموم يقولان:الحمد للّه رب العالمين أهل الكبرياء و العظمة،ثم قال:و هو مذهب علمائنا (3).

و أنكر في المعتبر:(ربنا لك الحمد)و ذكر ان المروي ما ذكره الشيخ، قال في المبسوط:و ان قال:(ربنا و لك الحمد)لم تفسد صلاته (4).

و روايتنا لا واو فيها،و العامة مختلفون في ثبوتها و سقوطها،لأنها زيادة لا معنى لها (5)و زعم بعضهم ان الواو قد تكون مقحمة في كلام العرب و هذه منها (6)لورود اللفظين في الصحاح و الاخبار عندهم (7).

قال ابن أبي عقيل:و روي«اللهم لك الحمد،ملء السماوات و ملء9.

ص: 378


1- في ط و الكافي زيادة:«للّه»،و في التهذيب:«الحمد للّه».
2- الكافي 3:319 ح 1،التهذيب 2:77 ح 289.
3- المعتبر 2:204،راجع:الخلاف 1:350 المسألة:101.
4- المعتبر 2:204،راجع:المبسوط 1:112.
5- المجموع 3:418،الوجيز 1:43،المغني 1:583.
6- المجموع 3:418.
7- مسند احمد 3:162،صحيح البخاري 1:201،سنن ابن ماجة 1:284 ح 876،سنن أبي داود 1:224 ح 847،سنن النسائي 2:196،سنن الدار قطني 1:329.

الأرض،و ملء ما شئت من شيء بعد» (1).

و الذي أنكره في المعتبر تدفعه قضية الأصل،و الخبر حجة عليه و طريقه صحيح،و اليه ذهب صاحب الفاخر،و اختاره ابن الجنيد و لم يقيّده بالمأموم.

و استحب أيضا في الذكر هنا:باللّه أقوم و اقعد.

و ذهب ابن أبي عقيل-في ظاهر كلامه-و ابن إدريس،و صرّح به أبو الصلاح و ابن زهرة،إلى انه يقول:(سمع اللّه لمن حمده)في حال ارتفاعه، و باقي الأذكار بعد انتصابه (2).و هو مردود بالأخبار المصرحة بأن الجميع بعد انتصابه،و هو قول الأكثر (3).

و يستحب الترتيل في أذكار الركوع و الرفع،و الخبر عن حماد يتضمّن الترتيل في التسبيح في الركوع و السجود (4).

الثانية عشرة ما روي من رفع اليدين قبل و بعد الركوع و السجود

روى معاوية بن عمار،قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رأسه من الركوع،و إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود،و إذا أراد ان يسجد الثانية (5).

و رواية ابن مسكان عنه عليه السلام قال في الرجل يرفع يده كلما أهوى إلى الركوع و السجود،و كلما رفع رأسه من ركوع أو سجود (6).

و ظاهرهما مقارنة الرفع للرفع،و عدم تقييد الرفع بالتكبير،فلو ترك التكبير فظاهرهما استحباب الرفع.

ص: 379


1- رواه الثقفي في الغارات 1:246،و عبد الرزاق في مصنفه 2:163 ح 2907،و مسلم في صحيحه 1:346 ح 476،و البيهقي في سننه 2:94.
2- السرائر:47،الكافي في الفقه:123،الغنية:497.
3- راجع:النهاية:71،المقنع:28،المعتبر 2:304،تذكرة الفقهاء 1:120،نهاية الإحكام 1:486.
4- الكافي 3:311 ح 8،الفقيه 1:196 ح 916،التهذيب 2:81 ح 301.
5- التهذيب 2:75 ح 279.
6- التهذيب 2:75 ح 280،و تمامه:قال:«هي العبودية».

و الحديثان أوردهما في التهذيب و لم ينكر منهما شيئا،و هما يتضمّنان رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع،و لم أقف على قائل باستحبابه إلاّ ابني بابويه (1)و صاحب الفاخر،و نفاه ابن أبي عقيل و الفاضل (2)،و هو ظاهر ابن الجنيد.

و الأقرب استحبابه،لصحة سند الحديثين و أصالة الجواز و عموم أن الرفع زينة الصلاة،و استكانة من المصلي» (3)،و حينئذ يبتدئ بالرفع عند ابتداء رفع الرأس،و ينتهي بانتهائه،و عليه جماعة من العامة (4).

الثالثة عشرة استحباب رفع الامام صوته بالذكر في الركوع و الرفع

يستحب للإمام رفع صوته بالذكر في الركوع و الرفع ليعلم المأموم،لما سبق من استحباب إسماع الإمام المأمومين،اما المأموم فسر،و اما المنفرد فمخيّر إلاّ التسميع،فإنه جهر على إطلاق الرواية السالفة (5).

و تجوز الصلاة على النبي و آله في الركوع و السجود بل تستحب،ففي الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصلاة المكتوبة إما راكعا أو ساجدا، فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟فقال:«نعم،انّ الصلاة على نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله كهيئة التكبير و التسبيح،و هي عشر حسنات،يبتدرها ثمانية عشر ملكا،أيهم يبلّغه إياها» (6).

و عن الحلبي عنه عليه السلام:«كل ما ذكرت اللّه عز و جل به،و النبي

ص: 380


1- الفقيه 1:305،الهداية:39.
2- تذكرة الفقهاء 1:120.
3- مجمع البيان 5:550،و في الدر المنثور 6:403 عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الحاكم و البيهقي.
4- المجموع 3:399،المغني 1:582.
5- تقدمت ص 378 الهامش 2.
6- الكافي 3:322 ح 5،التهذيب 2:299 ح 1206.

صلّى اللّه عليه و آله،فهو من الصلاة» (1).

و يلحق بذلك أحكام.

يرجع طويل اليدين و قصيرهما في قدر الانحناء الى مستوي الخلقة، و كذا فاقدهما.

و يجب أن يأتي بالذكر الواجب حال طمأنينته.فلو شرع فيه قبل الطمأنينة،أو أتمّه بعدها عامدا،بطلت صلاته الاّ ان يعيده حيث يمكن العود.

و لا ينبغي مدّ التكبير قصدا لبقائه ذاكرا الى تمام الهوي،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«التكبير جزم» (2).

و رفع اليدين ثابت في حق القاعد و المضطجع و المستلقي.

و قال الكراجكي في الروضة:محل التكبير عند إرسال اليدين بعد الرفع.

و لو قال في الرفع:من حمد اللّه سمع،لم يأت بالمستحب،و في بطلان الصلاة نظر،من الشك في كونه ثناء على اللّه تعالى.

و لو نوى بالتحميد الوظيفة و شكر نعمة يتذكرها،أو نوى العاطس به الوظيفتين،فلا بأس،لعدم تغير الغرض بهذه النية،و أصالة الحصة.

و لو سقط رفع الرأس لعارض،سقط الذكر فيه.

و لو زال العذر بعد السجود،أو الشروع بوضع الجبهة،لم يلتفت.

و لو كان قبل وضع الجبهة،استدركه عند الفاضل (3)و هو قوي،لوجوب الانتصاب و الطمأنينة مع الإمكان و قد أمكن،و به علل في المعتبر و لم يرجّح شيئا (4).و في المبسوط:يمضي في صلاته (5)للحكم بسقوطه و قد خرج عن2.

ص: 381


1- الكافي 3:337 ح 6،التهذيب 2:316 ح 1293.
2- تلخيص الحبير 3:283.
3- تذكرة الفقهاء 1:120.
4- المعتبر 2:205.
5- المبسوط 1:112.

محله،و الأصل عدم وجوب العود إلا بأمر جديد و لم يثبت.

و كذا لو ركع و اطمأن فسقط إلى الأرض،لم يحتج الى القيام عند الشيخ (1)لان محله قد فات.

و لو سقط قبل ركوعا،وجب العود له قطعا.

و لو سقط بعد الركوع قبل الطمأنينة،فالأقرب عند المحقق انه لا يعيد، لان الركوع المشروع قد حصل،فلو أعاد لزاد ركوعا (2)و هو جيد على مذهبه إذ الطمأنينة ليست عنده ركنا (3)و يجيء على قول الشيخ في الخلاف وجوب العود (4).

و لو ترك الطمأنينة في الركوع عمدا في صلاة النافلة،فإن قلنا بركنيّته بطلت قطعا كما لو ترك الركوع،و ان قلنا بعدمها فالأقرب البطلان.

و قطع الفاضل بأنّه لو ترك الاعتدال من الركوع و السجود في النافلة صحت و كان تاركا للأفضل (5)و فيه بعد،لأن حقيقة الصلاة انما تتمّ باجزائها، فهو كترك سجدة أو ترك الفاتحة فيها.

و في المبسوط:لو شك في الرفع من الركوع بعد هويّه الى السجود لم يلتفت (6).و كذا لو شك في أصل الركوع،قاله في الخلاف،محتجا بإجماعنا على انّ الشك بعد الانتقال لا حكم له (7).و المحقق اقتصر على حكاية الأخيرر.

ص: 382


1- المبسوط 1:112.
2- المعتبر 2:194.
3- المعتبر 2:205.
4- الخلاف 1:348 المسألة:98.
5- تذكرة الفقهاء 1:120.
6- المبسوط 1:112.
7- انظر الخلاف 1:352 المسألة:104،و فيه:إذا خرّ ساجدا ثم شك هل رفع رأسه من الركوع أم لا مضى في صلاته و بعد أورد دليله بالإجماع. و لم يذكر فيه أصل الركوع.و لكن نقل الشك في أصل الركوع عن الخلاف في المعتبر 2: 205 و الشهيد أخذه من المعتبر.و ليس في النسخ التي بأيدينا الشك في أصل الركوع فلاحظ المعتبر و دليله فيه ما خرجناه عن الخلاف عين المسألة التي ذكره المعتبر.

فكأنّه متوقف فيه (1)و الوجه القطع بما افتى به الشيخ في الموضعين.

و قال في المبسوط:لو رفع رأسه من الركوع و بقي يدعو و يقرأ ساهيا، مضى في صلاته و لا شيء عليه (2).و مفهومه انه لا يتعمّده،و انه لو تعمّده تغير الحكم.

و بعض المتأخرين اختار قول بعض العامة،من انّه لو طوّل عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته،لانه واجب قصير فلا يشرع فيه التطويل (3).

و يرده ما تقدم من حديث الحلبي (4).و قد روى معاوية بن عمار،قال:

قلت للصادق عليه السلام:رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة،فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه،و دعا الآخر أكثر من تلاوته،ثم انصرفا في ساعة واحدة،أيهما أفضل؟قال:«كل فيه فضل،كل حسن».قلت:اني قد علمت انّ كلا حسن و ان كلا فيه فضل.فقال:«الدعاء أفضل،أما سمعت قول اللّه عز و جل:

وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي الآية،هي و اللّه العبادة،هي و اللّه أفضل،هي و اللّه أفضل،أ ليست هي العبادة!؟هي و اللّه العبادة هي و اللّه العبادة،أ ليست هي أشدّهن!؟هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن» (5).و هذا يشمل الدعاء في جميع أحوال الصلاة و تطويله.نعم،لو خرج بذلك عن كونه مصليا بطلت صلاته.

و من فروع ابن الجنيد:لو كان أقطع الزند،أوصل مكان القطع إلى الركبة و وضعه عليها.فإن أراد به الاستحباب فلا بأس،و ان أراد الوجوب في0.

ص: 383


1- المعتبر 2:205.
2- المبسوط 1:112.
3- المجموع 4:126.
4- تقدم في ص 381 الهامش 1.
5- التهذيب 2:104 ح 394،السرائر:472. و الآية في سورة غافر:60.

الإيصال،فممنوع إذا الواجب انحناء يصل معه الكفان لا رءوس الزندين.

قال:و لو كانت مشدودة فعل بها كذلك،و كذا لو كانت له يد بغير ذراع.

قال:و لا بأس بالدعاء فيهما-يعني الركوع و السجود-لأمر الدين و الدنيا،من غير أن يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه،و لا عن الأرض في سجوده.

و لو عدّ التسبيح في ركوعه و سجوده،و حفظ على نفسه صلاته،لم أر بذلك بأسا.

و لو نسي التسبيح،الاّ انّه قد لبث راكعا و ساجدا بمقدار تسبيحة واحدة، أجزأه.و مفهومه انه لو لم يلبث لم يجزه،فيكون إشارة الى انّ الطمأنينة ركن كقول الشيخ،و اللّه تعالى أعلم.

ص: 384

الواجب السادس:السجود.
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى أدلة وجوب السجود

أجمع العلماء على وجوب السجود في الصلاة،لنصّ القرآن، و نصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قولا-كما في تعليم المسيء في صلاته (1)-و فعلا -في سائر صلواته-و لخبري حماد و زرارة (2).

و تجب في كل ركعة سجدتان،فهما معا ركن تبطل الصلاة بالإخلال بهما معا،عمدا و سهوا و جهلا.و لو أخلّ بواحدة منهما سهوا لم تبطل،سواء كان في الأوليين أو في الأخيرتين،و هنا خلاف في موضعين:

أحدهما:ان الإخلال بالسجدتين معا مبطل في الأخيرتين كالأوليين، و الخلاف فيه مع الشيخ كما تقدم في الركوع (3).

لنا:رواية زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا تعاد الصلاة الا من خمسة:

الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع،و السجود» (4).و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام:«الصلاة ثلاثة أثلاث:ثلث طهور،و ثلث ركوع،و ثلث سجود» (5).

و احتج الشيخ في التهذيب برواية البزنطي عن الرضا عليه السلام فيمن ذكر في الثانية و هو راكع انه ترك سجدة في الأولى،قال:«كان أبو الحسن عليه السلام يقول:إذا تركت السجدة في الركعة الأولى،فلم تدر أو واحدة أو اثنتين، استقبلت حتى يصح لك ثنتان.فإذا كان في الثالثة و الرابعة،فتركت سجدة بعد

ص: 385


1- تقدم في ص 363 الهامش 3.
2- تقدما في ص 378-381.
3- راجع ص 364.
4- الفقيه 1:225 ح 991،التهذيب 2:152 ح 597.
5- الكافي 3:273 ح 8،التهذيب 2:140 ح 544.

ان تكون قد حفظت الركوع،أعدت السجود» (1).

و يعارض بما يأتي،مع قصوره عن الدلالة على محل النزاع،إذ ظاهره انه شك في السجود،و يكون(الترك)بمعنى توهّم الترك،و قرينته«فلم تدر أ واحدة أو اثنتين»،و يكون فيه دلالة على انّ الشك في أفعال الأوليين يبطل دون الأخيرتين.و معنى قوله:«بعد ان تكون قد حفظت الركوع»ان يتعلق الشك بالسجود لا غير،لانه لو تعلّق بالركوع و السجود كان شكّا في ركعة،فيصير شكّا في العدد و له حكم آخر.

و هذا التأويل لا غبار عليه،الا انّ في إعادة الصلاة بالشك في أفعال الأوليين بعدا و مخالفة للمشهور،و ليس ببعيد حمل(الاستقبال)على الاستحباب.

و يظهر من كلام الشيخ في المبسوط انّ الأوليين أيضا يلفق فيهما السجود و الركوع (2)لما مرّ،و هو متروك.

الثاني:ان الإخلال بالسجدة الواحدة غير مبطل إذا كان سهوا،و عليه معظم الأصحاب بل هو إجماع.

و في كلام ابن أبي عقيل إيماء الى أنّ الإخلال بالواحدة مبطل و ان كان سهوا (3)لصدق الإخلال بالركن إذ الماهية المركّبة تفوت بفوات جزء منها، و تمسّكا برواية المعلى بن خنيس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في رجل نسي السجدة من صلاته،قال:«إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثم يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه،و ان ذكرها بعد ركوعه أعاد1.

ص: 386


1- التهذيب 2:154 ح 605،الاستبصار 1:360 ح 1364. و صدره في الكافي 3:349 ح 3 و نصه:«كان أبو الحسن عليه السلام..استقبلت الصلاة حتى يصح لك انهما اثنتان».
2- المبسوط 1:119.
3- مختلف الشيعة:131.

الصلاة،و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» (1).

و الجواب:انّ انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا،و الاّ لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا و لم يقل به أحد،بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية.

و لعل الركن مسمّى السجود،و لا يتحقق الإخلال به الاّ بترك السجدتين معا.

و اما الحديث ففي سنده إرسال،و في المعلى كلام.

و يعارض بما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام:«إذا ذكر بعد ركوعه انّه لم يسجد،فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها،فإنها قضاء» (2)،و يقرب منه رواية حكم بن حكيم عنه عليه السلام (3).

و روى أبو بصير،قال:سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم،قال:«يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع،فان كان قد ركع فليمض على صلاته،فإذا انصرف قضاها» (4).

و في رواية عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي سجدة فذكرها بعد ركوعه:«يمضي،فإذا سلم سجد»قلت:فإنّه لم يذكر الاّ بعد ذلك.قال:

«يقضي ما فاته إذا ذكره» (5).

الثانية وجوب السجود على الأعضاء السبعة

يجب السجود على الأعضاء السبعة،و هي:الجبهة،و الكفان، و الركبتان،و إبهاما الرجلين،إجماعا منا-و ان كان المرتضى يجتزئ عن الكفين بمفصلهما عند الزندين (6)-لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بطريق ابن عباس:«أمرت بالسجود على سبعة أعظم:اليدين،و الركبتين،و أطراف

ص: 387


1- التهذيب 2:154 ح 606،الاستبصار 1:359 ح 1363.
2- التهذيب 2:153 ح 602،الاستبصار 1:359 ح 1361.
3- التهذيب 2:150 ح 588،الاستبصار 1:357 ح 1350.
4- الفقيه 1:228 ح 1008،التهذيب 2:152 ح 598،الاستبصار 1:358 ح 1360.
5- التهذيب 2:153 ح 604،الاستبصار 1:359 ح 1362.
6- جمل العلم و العمل 3:32.

القدمين،و الجبهة» (1)،و ما مر في خبر حماد،و فيه:«أنامل إبهامي الرجلين» (2).

فهو مشعر بتعيّنها،و الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله مشعرة بإطلاق الأصابع.

و في المبسوط:إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ (3).

و ابن زهرة:يسجد على أطراف القدمين (4).

و أبو الصلاح:أطراف أصابع الرجلين (5).

و في النهاية ذكر الإبهامين هنا،و في باب التحنيط الأصابع (6)و جمع بينهما،قال في النكت:لما كانت المساجد لا تنفك أن يجامعها في السجود غيرها مسح عليه و ان لم يجب السجود عليه،و تسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه (7).

و الوجه تعيّن الإبهامين.نعم،لو تعذر السجود عليهما،لعدمهما أو قصرهما،أجزأ على بقية الأصابع.

و يجب الانحناء إلى ما يساوي موقفه،أو يزيد عليه بقدر لبنة موضوعة على أكبر سطوحها،كما سلف.

و هل يجب كون الأسافل (8)أعلى من الأعالي؟الظاهر لا،لقضية5.

ص: 388


1- ترتيب مسند الشافعي 1:91 ح 255،المصنف لعبد الرزاق 2:180 ح 2972،صحيح البخاري 1:206،صحيح مسلم 1:354 ح 490،سنن ابن ماجة 1:286 ح 883،سنن النسائي 2:209،السنن الكبرى 2:103.
2- تقدم في ص 281 الهامش 1.
3- المبسوط 1:112.
4- الغنية:496.
5- الكافي في الفقيه:119.
6- النهاية:36،و 71.
7- نكت النهاية:604.
8- في هامش م:أي دبره.و راجع في ذلك مفتاح الكرامة 2:435.

الأصل،و لان الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس.نعم،هو مستحب لما فيه من زيادة الخضوع،و التجافي المستحب.

و لو تعذّر الانحناء،رفع ما يسجد عليه كما مر.

فروع:

مسمّى السجود يتحقق بالاعتماد على هذه السبعة،و يرتفع بعدم وضع الجبهة في الظاهر لا بعدم باقي الأعضاء،فلو نسي بعضها فهو ساجد،و لو نسي الجبهة فليس بساجد،و لا ريب في البطلان بتعمّد ترك ايها كان.

و الواجب في كل منها مسمّاه كما سلف في باب المكان،و الأقرب ان لا ينقص في الجبهة عن درهم،لتصريح الخبر (1)و كثير من الأصحاب به (2)فيحمل المطلق من الاخبار (3)و كلام الأصحاب على المقيد.

و يستحب الاستيعاب لها،لما فيه من المبالغة في الخضوع،و لا يقوم غير الأعضاء مقامها،إلاّ الجبهة يقوم مقامها أحد الجبينين،لأنه أقرب إليها من الذقن،فان تعذرا فعلى الذقن.و لو أمكن إيصال الجبهة بحفرة وجب.

و قال في المبسوط:ان كان هناك دمل أو جراح،و لم يتمكن من السجود عليه،سجد على أحد جانبيه،فان لم يتمكن سجد على ذقنه.و ان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيها كان جائزا (4)،و هو تصريح بعدم الوجوب،و قال في النهاية نحو ذلك (5).2.

ص: 389


1- الكافي 3:333 ح 1.
2- راجع:الفقيه 1:205،المقنع:26،الهداية:39،السرائر:47.
3- راجع:التهذيب 2:85 ح 313،298 ح 1199-1201،الاستبصار 1:326 ح 1221، 1222.
4- المبسوط 1:114.
5- النهاية:82.

و قال ابن حمزة:يسجد على أحد جانبيها،فان لم يتمكن فالحفيرة،فان لم يتمكن فعلى ذقنه (1).و قال علي بن بابويه:يحفر حفيرة ذو الدمل،و ان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته،فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته،فان عجز فعلى ظهر كفّه،فان عجز فعلى ذقنه (2)، و تبعه ولده-رحمه اللّه- (3).

و الذي في رواية مصادف:انّه خرج به دمل،فرآه الصادق عليه السلام يسجد على جانب،فأمره بحفيرة ليقع سالم الجبهة على الأرض (4).

و عن الصادق عليه السلام-في رواية مرسلة-فيمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها،فقال:«يضع ذقنه على الأرض،لقوله تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (5).

و لو تعذر ذلك كله أومأ،كما سلف.

الثالثة وجوب التسبيح في السجود

يجب التسبيح فيه عينا على الأقوى،و صورته:سبحان ربي الأعلى و بحمده،لما مرّ،و الخلاف فيه كما في الركوع.

و تجب الطمأنينة بقدره الاّ مع الضرورة المانعة،و ليست ركنا خلافا للشيخ في الخلاف (6).

و يجب رفع الرأس من السجود الأول،و الاعتدال جالسا،و الطمأنينة في الاعتدال،و العود الى السجود كالأول.و دليل ذلك ما سبق في الركوع.

ص: 390


1- لم نلاحظه في(الوسيلة)و لعله في كتابه الآخر(الواسطة).
2- الفقيه 1:174،المقنع:26.
3- الفقيه 1:174،المقنع:26.
4- الكافي 3:333 ح 5،التهذيب 2:86 ح 317.
5- الكافي 3:334 ح 6،التهذيب 2:86 ح 318. و الآية في سورة الإسراء:107.
6- الخلاف 1:359 المسألة:116.

و ذهب الشيخ إلى ركنية الطمأنينة بين السجدتين (1)،و لعلّه في هذه المواضع يريد بالركن مطلق الواجب،لانه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة (2).

الرابعة وجوب الهوي إلى السجود

يجب الهوي للسجود.فلو هوى لأخذ شيء،أو قتل حية أو عقرب،لم يجز الاّ ان يعود الى القيام و الهوى.و لو صار بصورة الساجد و الحالة هذه،احتمل البطلان،لزيادة صورة السجود.

و لو قصد السجود،فسقط بغير اختياره،فالأقرب الإجزاء عملا بالقصد السابق،و لا يجب تجديد النية لكل فعل.

و لو سقط على جنبه،استدرك السجود،و الأقرب أنه يقعد ثم يسجد.

و لو أمكن صيرورته ساجدا بانقلابه من غير قعود،فالأقرب اجزاؤه، لصدق مسمى السجود مع إرادته السابقة.

و لو سجد،فعرض له ألم ألقاه على جنبه،فالأقرب الاجزاء إن حصلت الطمأنينة،و الا وجب التدارك إن قصر الزمان،و ان طال بحيث يخرج عن اسم المصلي بطلت صلاته.

الخامسة وجوب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء الثقل عليها

يجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء ثقلها عليها،فلو تحامل عنها لم يجز،لعدم حصول تمام المراد من الخشوع،و لأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر،و لرواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام:«تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (3)يعني تسبيحة.

و روى علي بن جعفر عن أخيه في الرجل يسجد على الحصى و لا يمكّن جبهته من الأرض،قال:«يحرّك جبهته حتى يتمكّن،فينحّي الحصى عن

ص: 391


1- الخلاف 1:360 المسألة:117.
2- المبسوط 1:100.
3- التهذيب 2:76 ح 284،الاستبصار 1:323 ح 1206.

جبهته و لا يرفع رأسه (1).

و لو سجد على مثل القطن و الصوف،وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء و يحصل مسمّى الطمأنينة إن أمكن،و الا لم يصلّ عليه مع إمكان غيره.

و لا تجب المبالغة في الاعتماد،بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.و لو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا،لم يجز-لعدم مسمّى السجود- إلاّ لضرورة.

و يجب ان يلقى ببطن كفّيه ما يسجد عليه،فلو لقي بظهريهما لم يجز، الاّ مع الضرورة.و لو لقي بمفصل الكفين من عند الزندين،أجزأ عند المرتضى (2)و ابن الجنيد،لصدق السجود على الدين.و أكثر الأصحاب على وجوب ملاقاة الكفين بباطنهما (3)تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته.

و لا يجب الجمع بين الأصابع و الكف و ان كان مستحبا،بل يكفي أحدهما إذا صدق مسمّى اليد.

و قال ابن الجنيد:يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة، و يجزئ منها قدر الدرهم إذا كان بها علّة.فظاهره الزيادة على ذلك مع الاختيار،و الروايات تدفعه.

و أمّا سنن السجود:
فمنها:التكبير له قائما رافعا يديه-

كما مر-و الهوي بعد إكماله،لما

ص: 392


1- قرب الاسناد:93،التهذيب 2:312 ح 1270.
2- جمل العلم و العمل 3:32.
3- راجع:المقنع:26،الغنية:496،المعتبر:26.

روي من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)و أمر به الباقر عليه السلام (2)و وصفه حماد عن الصادق عليه السلام (3).

و لو كبّر في هويه جاز و ترك الأفضل.قيل:و لا يستحب مدّه ليطابق الهوي،لما ورد:«ان التكبير جزم» (4).

و قال ابن أبي عقيل:يبدأ بالتكبير قائما،و يكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا.و خيّر الشيخ في الخلاف بين هذا و بين التكبير قائما (5).

و في الكافي للكليني بإسناده إلى معلى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان علي بن الحسين عليه السلام إذا أهوى ساجدا انكبّ و هو يكبّر» (6).

و منها:الهوي إليه بخشوع و خضوع،

ثم يبتدئ بوضع يديه أولا قبل ركبتيه،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من الأمر به (7)و أمر الباقر عليه السلام به (8).

و يجوز تقديم الركبتين،لقول الصادق عليه السلام:«لا بأس للرجل أن

ص: 393


1- راجع في التكبير:صحيح البخاري 1:199،صحيح مسلم 1:293 ح 392،الموطأ 1: 76 ح 17،19. و في رفع اليدين:صحيح البخاري 1:187،صحيح مسلم 1:292 ح 390،الموطأ 1: 75 ح 16.
2- الكافي 3:320 ح 3،التهذيب 2:297 ح 1197.
3- تقدم في ص 281 الهامش 1.
4- تلخيص الحبير 3:283.
5- الخلاف 1:353 المسألة:107.
6- الكافي 3:336 ح 5.
7- مسند احمد 2:381،سنن الدارمي 1:303،سنن أبي داود 1:222 ح 840،سنن النسائي 2:207،سنن الدار قطني 1:344،السنن الكبرى 2:99.
8- الكافي 3:334 ح 1،التهذيب 2:83 ح 308.

يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» (1)و لا يدل على نفي استحباب البدأة باليدين.و يستحب ان يكونا معا،و روي:«السبق باليمنى» (2)و هو اختيار الجعفي.

و منها:مساواة مساجده في العلو و الهبوط،

لقول الصادق عليه السلام:

«اني أحب ان أضع وجهي موضع قدمي»و كره رفع الجبهة عن الموقف (3).و لو كان موضع الجبهة أخفض من القدم جاز،و الأفضل التساوي.

قال ابن الجنيد:و لا يختار ان يكون موضع السجود الا مساويا لمقام المصلي من غير رفع و لا هبوط،فان كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار.و لو كان علو مكان السجود كانحدار التل و مسيل الماء،جاز ما لم يكن في ذلك تحرّف و تدريج،و ان تجاوز أربع أصابع لضرورة.و ظاهره ان الأرض المنحدرة كغيرها في اعتبار الضرورة.

و روى الكليني عن عبد اللّه بن سنان،عن الصادق عليه السلام في موضع جبهة الساجد يكون أرفع من قيامه،قال:«لا،و لكن يكون مستويا» (4).

و منها:ان يقول ما أمر به الصادق عليه السلام أمام التسبيح:

«اللهم لك سجدت،و بك آمنت (5)،و عليك توكلت و أنت ربي،سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه و بصره،و الحمد للّه رب العالمين،تبارك اللّه أحسن الخالقين» (6)و ان قال:(خلقه و صوّره)كان حسنا.

و منها:الدعاء فيه للدين و الدنيا،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«و اما

ص: 394


1- التهذيب 2:78 ح 294،الاستبصار 1:326 ح 1218.
2- قال في بحار الأنوار إجمالا 81:193:هي رواية عمار،و كذا قال البحراني في الحدائق الناضرة 8:292،و العاملي في مفتاح الكرامة 2:444.
3- التهذيب 2:85 ح 316.
4- الكافي 3:333 ح 4،التهذيب 2:85 ح 315.
5- في المصدرين زيادة:«و لك أسلمت».
6- الكافي 3:321 ح 1،التهذيب 2:79 ح 295.

السجود فاجتهدوا في الدعاء،فقمن ان يستجاب لكم» (1).و قال الصادق عليه السلام فيه:«ادع اللّه للدنيا و الآخرة» (2).

و منها:تكرار التسبيح-

كما مرّ في الركوع-و الإيتار.

و منها:التخوية في الهوي إليه،

بأن يسبق بيديه ثم يهوي بركبتيه،لرواية حفص عن الصادق عليه السلام،قال:«كان علي عليه السلام إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر»يعني:بروكه (3).

و قال ابن أبي عقيل:يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه،ثم ركبتاه، ثم جبهته،ثم انفه و الإرغام به سنّة.

و التجافي في السجود،و يسمى تخوية أيضا،لأنّه إلقاء الخواء بين الأعضاء،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله فرج يديه على جنبيه (4)و فرج بين رجليه (5)و جنح بعضديه (6)و نهى عن افتراش الذراعين كما يفترش الكلب (7)و لما سبق في حديث حماد (8)،و قول الباقر عليه السلام:«لا تفترش ذراعيك افتراش السبع» (9).

و نقل الفاضل عن العامة كراهة ان يجمع ثيابه و شعره في سجوده،لنهي

ص: 395


1- تقدم في ص 375 الهامش 7.
2- الكافي 3:323 ح 6،التهذيب 2:299 ح 1207.
3- الكافي 3:321 ح 2،التهذيب 2:79 ح 296.
4- صحيح البخاري 1:205،صحيح مسلم 1:356 ح 495،السنن الكبرى 2:114.
5- السنن الكبرى 2:115.
6- سنن أبي داود 1:237 ح 900،السنن الكبرى 2:114.
7- صحيح البخاري 1:208،صحيح مسلم 1:355 ح 493،سنن ابن ماجة 1:288 ح 892،سنن أبي داود 1:236 ح 897،الجامع الصحيح 2:65 ح 275،سنن النسائي 2: 211.
8- تقدم في ص 281 الهامش 1.
9- الكافي 3:334 ح 1،التهذيب 2:83 ح 308.

النبي صلّى اللّه عليه و آله،معللا بأنها تركع بركوعه و تسجد بسجوده،ثم قال:

و لعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة (1).

قلت:قد روى مصادف عن الصادق عليه السلام:النهي عن عقص الشعر في الصلاة (2).و روى الشيخ في التهذيب بطريق طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام:«ان عليا عليه السلام كان يكره ان يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا» (3).

و منها:استحباب التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا،

ثم التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا،ثم التكبير لها بعد رفعه و اعتداله،لما سبق في خبر حماد (4).

و ابن الجنيد:إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة،ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه،و هو منتصب القامة لافظ به رافع يديه الى نحو صدره.

و إذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل،كان تكبيره بعد الخروج منه،و حصوله فيما يليه من انتصاب ظهره في القيام و تمكّنه من الجلوس.و يقرب منه كلام المرتضى (5).و ليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال،بل هو نصّ عليه.

و في المعتبر أشار الى مخالفة كلام المرتضى،لانه لم يذكر في المصباح الاعتدال،و ضعّفه برواية حماد (6).

و منها:الإرغام بالأنف بان يسجد على الأنف مع الأعضاء السبعة،

لما

ص: 396


1- تذكرة الفقهاء 3:195 المسألة 267،و راجع:المجموع 4:98،مغني المحتاج 1:201، و المبسوط للسرخسي 1:34،و المغني 1:697 و غيرها من مصادر التذكرة.
2- الكافي 3:409 ح 5،التهذيب 2:232 ح 914.
3- التهذيب 2:298 ح 1203.
4- تقدم في ص 281 الهامش 1.
5- حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء 1:122.
6- المعتبر 2:214. و رواية حماد تقدمت في ص 281 الهامش 1.

مر في خبر حماد (1)،و لقول الباقر عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:السجود على سبعة أعظم..و يرغم بالأنف إرغاما،و الفرض السبعة، و الإرغام سنّة من النبي صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و اما ما روي في التهذيب عن علي عليه السلام:«لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» (3)محمول على نفي الاجزاء الكامل،و كذا ما رواه العامة من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة» (4)لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أمرت أن اسجد على سبعة أعظم» (5).

و تجزئ إصابة الأرض بما حصل من الأنف.

و اعتبر المرتضى-رحمه اللّه-اصابة الطرف الذي يلي الحاجبين (6).

و قال ابن الجنيد:يماس الأرض بطرف الأنف و حدبته إذا أمكن ذلك للرجل و المرأة.

و قال الصدوق-في المقنع و الفقيه-:الإرغام بالأنف سنة،و من لم يرغم بأنفه فلا صلاة له (7).

و منها:الدعاء بين السجدتين بما مرّ في خبر حماد (8).

و منها:الدعاء بين السجدتين بما مرّ في خبر حماد(8).و روي عن النبي

ص: 397


1- تقدم في ص 281 الهامش 1.
2- الخصال:349،التهذيب 2:299 ح 1204،الاستبصار 1:327 ح 1224.
3- التهذيب 2:298 ح 1202،الاستبصار 1:327 ح 1223.
4- المغني 1:592. و في المصنف لعبد الرزاق 2:182 ح 2982،المصنف لابن أبي شيبة 1:262،سنن الدار قطني 1:348،السنن الكبرى 2:104،«الجبين»بدل«الجبهة».
5- تقدم في ص 388 الهامش 1.
6- جمل العلم و العمل 3:32.
7- الفقيه 1:205،الهداية:32،و لم نلاحظه في المقنع.
8- تقدم في ص 281 الهامش 1.

صلّى اللّه عليه و آله انه كان يقول بينهما:«اللهم اغفر لي،و ارحمني،و عافني، و ارزقني» (1).

و عن الصادق عليه السلام:«اللهم اغفر لي،و ارحمني،و اجبرني، و عافني،إني لما أنزلت اليّ من خير فقير،تبارك اللّه رب العالمين» (2).و أسقط ابن الجنيد«تبارك».الى آخرها،و زاد:«سمعت و أطعت،و غفرانك ربنا و إليك المصير».

و منها:التورك بين السجدتين،

بان يجلس على وركه الأيسر،و يخرج رجليه جميعا من تحته،و يجعل رجله اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى،و يفضي بمقعدته إلى الأرض،كما في خبر حماد (3).

و روى ابن مسعود التورك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (4).

و لا يستحب عندنا الافتراش،و هو:ان يثني رجله اليسرى فيبسطها و يجلس عليها،و ينصب رجله اليمنى و يخرجها من تحته،و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة.و يظهر من خبر زرارة عن الباقر عليه السلام كراهيته،حيث قال:«و إياك و القعود على قدميك.

فتتأذى بذلك.و لا تكون قاعدا على الأرض،انما قعد بعضك على بعض» (5).

و قال ابن الجنيد-في الجلوس بين السجدتين-:يضع ألييه على بطن قدميه،و لا يقعد على مقدم رجليه و أصابعهما،و لا يقعي إقعاء الكلب.

و قال-في تورك التشهد-:يلزق ألييه جميعا و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض،فلا يجزئه غير ذلك و لو كان في طين.و يجعل بطن ساقه

ص: 398


1- سنن أبي داود 1:224 ح 850،السنن الكبرى 2:122،بزيادة:«و اهدني».
2- الكافي 3:321 ح 1،التهذيب 2:79 ح 295.
3- تقدم في ص 281 الهامش 1.
4- المغني 1:607،نيل الأوطار 2:305.
5- الكافي 3:334 ح 1،التهذيب 2:83 ح 308.

الأيمن على رجله اليسرى،و باطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر،و يلزق حرف إبهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الأيسر بالأرض و باقي أصابعها عاليا عليها،(و لا يستقبل) (1)بركبتيه جميعا القبلة.و يقرب منه قول المرتضى (2).

و منها:جلسة الاستراحة،

لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:

«إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم،فاستو جالسا ثم قم» (3).

و روى الأصبغ:ان عليا عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم.فقيل له:كان أبو بكر و عمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل.فقال:«انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس،انّ هذا من توقير الصلاة» (4).

و صفة الجلوس فيها كالجلوس بين السجدتين.

و أوجبها المرتضى رحمه اللّه،لما روي من انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعلها (5)و لصورة الأمر في رواية أبي بصير.

و يدفعه انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يواظب على المستحب و يعارض بما رواه أبو هريرة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينهض على صدور قدميه (6)و بما رواه زرارة:انّه رأى الباقر و الصادق عليهما السلام إذا رفعا

ص: 399


1- اختلف النقل عن ابن الجنيد في ذلك،ففي الحدائق الناضرة 8:305 أثبتها كما في المتن، و في مفتاح الكرامة 2:450،و جواهر الكلام 10:180 نقلا العبارة عن الذكرى بلفظ (يستقبل)،و كذا في المعتبر 2:215 عند ما حكى قول المرتضى.
2- المعتبر 1:215.
3- التهذيب 2:82 ح 303،الاستبصار 1:328 ح 1229.
4- التهذيب 2:314 ح 1277.
5- الانتصار:46. و روى فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله أبو داود في سننه 1:223 ح 843،سنن النسائي 2: 234،السنن الكبرى 2:123.
6- الجامع الصحيح 2:80 ح 288،السنن الكبرى 2:124.

رءوسهما من الثانية نهضا و لم يجلسا (1).و روى رحيم عن الرضا عليه السلام:

انّه كان يجلس في الرفع من الركعة الاولى و الثالثة،فقال له:أ فنصنع كما تصنع؟فقال:«لا تنظروا الى ما أصنع أنا،انظروا الى ما تؤمرون» (2).و هو صريح في عدم الوجوب.

و قال ابن أبي عقيل:إذا أراد النهوض ألزم ألييه الأرض،ثم نهض معتمدا على يديه.

و قال ابن الجنيد:إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى و الثالثة،حتى تماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم،جاز ذلك.

و قال علي بن بابويه:لا بأس ان لا يقعد في النافلة.

و يكره الإقعاء فيها،و في الجلوس بين السجدتين على الأشهر،قال في المعتبر:و به قال معاوية بن عمار و محمد بن مسلم (3).

و روى العامة عن علي عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لا تقع بين السجدتين» (4).

و عن أنس،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب» (5).

و روينا عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تقع بين6.

ص: 400


1- التهذيب 2:83 ح 305،الاستبصار 1:328 ح 1231.
2- التهذيب 2:82 ح 304،الاستبصار 1:328 ح 1230.
3- المعتبر 2:218. قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:451 بعد حكاية هذا عن المعتبر و منتهى المطلب:لعل محمدا و معاوية يذهبان الى ما رويا.راجع:التهذيب 2:83 ح 306،الاستبصار 1:328 ح 1227.
4- سنن ابن ماجة 1:289 ح 894،الجامع الصحيح 2:72 ح 282،السنن الكبرى 2:120.
5- سنن ابن ماجة 1:289 ح 896.

السجدتين» (1).

و قال الصدوق-رحمه اللّه-:لا بأس بالإقعاء بين السجدتين،و لا بأس به بين الاولى و الثانية،و بين الثالثة و الرابعة،و لا يجوز الإقعاء في التشهدين (2).

و تبعه ابن إدريس إلا في التشهد،قال:و تركه أفضل،و في التشهد آكد (3).

و في المبسوط:الأفضل التورك بين السجدتين و بعد الثانية،و ان أقعى جاز (4)،لرواية عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السلام:«لا بأس بالإقعاء بين السجدتين» (5).

قلنا:لا ينافي الكراهة،و نقل في الخلاف الإجماع على كراهته (6)،و في مرسلة حريز عن الباقر عليه السلام:«لا تكفّر،و لا تلثّم،و لا تحتفر،و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك» (7).

و صورة الإقعاء:أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه،قاله في المعتبر،و نقل عن بعض أهل اللغة انه الجلوس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب،قال:و المعتمد الأول (8).

و منها:الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله:(بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد

و اركع و اسجد)،

قاله في المعتبر (9).

و الذي ذكره علي بن بابويه و ولده،و الجعفي و ابن الجنيد،و المفيد،

ص: 401


1- الكافي 3:336 ح 3،التهذيب 2:301 ح 1213،الاستبصار 1:327 ح 1225.
2- الفقيه 1:206.
3- السرائر:74.
4- المبسوط 1:113.
5- التهذيب 2:301 ح 1212،الاستبصار 1:327 ح 1226.
6- الخلاف 1:71 المسألة 65.
7- الكافي 3:336 ح 9،التهذيب 2:84 ح 309.
8- المعتبر 2:218.
9- المعتبر 2:216،و ليس فيه:(اركع و اسجد).

و سلار،و أبو الصلاح،و ابن حمزة،و هو ظاهر الشيخ رحمه اللّه،انّ هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام (1)و هو الأصح،لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«إذا قمت من السجود قلت:اللهم بحولك و قوتك أقوم و اقعد، و ان شئت قلت:و اركع و اسجد» (2).

و في رواية محمد بن مسلم عنه:«إذا قام الرجل من السجود قال:بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد» (3).

و عنه عنه:«إذا تشهدت ثم قمت فقل:بحول اللّه أقوم و أقعد» (4).

و عن رفاعة عنه عليه السلام:«كان علي إذا نهض من الأوليين قال:

بحولك و قوتك أقوم و اقعد» (5).

و منها:ضم أصابع يديه مبسوطتين،

لما في خبر زرارة الطويل (6).

و قال ابن الجنيد:يفرق الإبهام عنها،و يستقبل بأصابعها القبلة،و قال:

لو لم يجنح الرجل كان أحب اليّ.

و الشيخان وافقا على استقباله بالأصابع القبلة،و لم يصرّحا بالتجنيح بل قالا:يجافي مرفقيه عن جنبيه،و يقل بطنه و لا يلصقه بفخذيه،و لا يحط صدره،و لا يرفع ظهره محدودبا،و يفرج بين فخذيه (7)و هذا الآخر قاله في

ص: 402


1- الفقيه 1:207،المقنعة:16،المراسم:71،الكافي في الفقه:42،المبسوط 1 111،النهاية:72،و ما عن ابن حمزة ليس في كتابه«الوسيلة»و لعله في«الواسطة».
2- التهذيب 2:86 ح 320.
3- التهذيب 2:87 ح 321.
4- الكافي 3:338 ح 11،التهذيب 2:88 ح 326،الاستبصار 1:337 ح 1267.
5- التهذيب 2:88 ح 327 الاستبصار 1:338 ح 1268.
6- تقدم في ص 278-279 الهامش 1.
7- المقنعة:16،المبسوط 1:112،النهاية:71.

المبسوط (1)و التجنيح مذكور في رواية حماد (2).

و منها:البدأة برفع الركبتين إذ قام من السجود قبل يديه،

لما رووه عن مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال:لما رفع رأسه استوى قاعدا ثم اعتمد بيديه على الأرض (3).و روينا عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:انه رآه يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد،و إذا أراد القيام رفع ركبتيه قبل يديه (4).و لأنه أيسر من السبق برفع اليدين،فيكون مرادا للّه تعالى،لقوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (5).و لأنه أشبه بالتواضع.

و منها:جعل يديه بحذاء أذنيه،

لما في خبر حماد (6).

و يكره نفخ موضع السجود،جمعا بين رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام و سأله عنه فقال:«لا» (7)و بين رواية إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجل عنه عليه السلام:«لا بأس» (8).و يمكن حمل النهي على نفخ يؤذي غيره،لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام،قال:«لا بأس بالنفخ في الصلاة من موضع السجود ما لم يؤذ أحدا» (9).

و يجوز أن يمسح جبهته إذا لصق بها التراب،لرواية عبيد اللّه الحلبي:

ان الصادق عليه السلام قال:«كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في

ص: 403


1- المبسوط 1:113.
2- تقدمت في ص 281 الهامش 1.
3- صحيح البخاري 1:209،سنن أبي داود 1:222 ح 842،الجامع الصحيح 2:80 ح 288،سنن النسائي 2:234،السنن الكبرى 2:124.
4- التهذيب 2:78 ح 291.
5- سورة البقرة:185.
6- تقدم في الهامش 2.
7- الكافي 3:334 ح 8،التهذيب 2:302 ح 1222،الاستبصار 1:329 ح 1235.
8- الفقيه 1:177 ح 838،التهذيب 2:302 ح 1220،الاستبصار 1:329 ح 1234.
9- التهذيب 2:329 ح 1351،الاستبصار 1:330 ح 1236.

الصلاة إذا لصق بها التراب» (1).و في الفقيه:يكره ذلك في الصلاة،و يكره ان تركه بعد ما صلّى (2).

و منها:استحباب زيادة التمكين في السجود،

لتحصيل أثره الذي مدح اللّه تعالى عليه بقوله سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (3).

و روى السكوني عن الصادق عليه السلام،قال:«قال علي عليه السلام:اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود» (4).

و روى إسحاق بن الفضل عن الصادق عليه السلام:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يجب ان يمكّن جبهته من الأرض» (5).

و منها:انه يستحب للمرأة ان ترفع شعرها عن جبهتها-

و ان كان تصيب الأرض بعضها-لزيادة التمكين،لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال:سألته عن المرأة تطول قصّتها،فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (6).

و الظاهر انه على الكراهة،لما روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«ما بين قصاص الشعر الى موضع الحاجب،ما وضعت منه أجزأك» (7).

و ابن الجنيد قال:لا يستحب للمرأة ان تطول قصّتها،حتى يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض،أو ما تسجد عليه.

ص: 404


1- التهذيب 2:301 ح 1216.
2- الفقيه 1:177.
3- سورة الفتح:29.
4- التهذيب 2:313 ح 1275.
5- التهذيب 2:311 ح 1213.
6- قرب الاسناد:100،التهذيب 2:313 ح 1276.
7- التهذيب 2:85 ح 313.
و منها:كشف باقي الأعضاء،

قاله في المبسوط،و اما الجبهة فكشفها واجب.و قال-بعد الحكم بإجزاء بعض من كل عضو-:و الكمال ان يضع العضو بكماله (1).

و منها:استحباب زيادة الجلوس بين السجدتين على القدر الواجب،

و سمّاه في المبسوط:جلسة الاستراحة،و كذا سمّى الجلوس بعد الثانية (2).

و منها:نظره في حال سجوده الى طرف أنفه،

قاله جماعة من الأصحاب (3).

و منها:ما تضمنته رواية زرارة-

و ذكره علي بن بابويه-:انه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه اليه قبضا،فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير (4).

و منها:انه إذا قام و اعتمد على يديه،

بسطهما و لا يعجن بهما،ذكره الجعفي،و رواه الشيخ في التهذيب،و الكليني في الكافي،عن الحلبي عن الصادق عليه السلام:«إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض،فلا يعجن بيديه في الأرض،لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» (5).

و منها:ان يكون نظره في جلوسه بين السجدتين الى حجره،

قاله المفيد (6)و سلار (7).و أطلق ابن البراج ان الجالس ينظر الى حجرة (8).

ص: 405


1- المبسوط 1:112.
2- المبسوط 1:113.
3- راجع:المقنعة:16،الفقيه 1:205،الهداية:39،المبسوط 1:101،السرائر:47.
4- تقدمت في ص 278-279 الهامش 1.
5- الكافي 3:336 ح 6،التهذيب 2:303 ح 1223.
6- المقنعة:16.
7- المراسم:71.
8- المهذب 1:93.
الواجب السابع:التشهد.
اشارة

و فيه مسائل.

الأولى أدلة وجوبه

هو واجب في الثنائية مرة،و فيما عداها مرتين،بإجماع علمائنا، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.و عن ابن مسعود:علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التشهد وسط الصلاة (1).و كان صلّى اللّه عليه و آله يعلمهم التشهد آخر الصلاة (2).و روى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«التشهد في كتاب علي شفع» (3).

و يجب الجلوس بقدره،تأسيا بفعله صلّى اللّه عليه و آله.

و عبارته مروية في أحاديث كثيرة،منها:رواية محمد بن مسلم،عن الصادق عليه السلام:«التشهد في الصلاة مرتان:إذا استويت جالسا فقل:

اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله،ثم تنصرف».قلت:قول العبد:التحيات للّه و الصلوات الطيبات.قال:«ذلك اللطف يلطف العبد به ربّه» (4).

و تجب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله فيه بإجماعنا،و جعلها الشيخ في الخلاف ركنا (5).

و رووا عن عائشة:أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لا

ص: 406


1- مسند احمد 1:459.
2- مجمع الزوائد 2:142.
3- التهذيب 2:102 ح 380.
4- التهذيب 2:101 ح 379،الاستبصار 1:342 ح 1289.
5- الخلاف 1:369 المسألة:128.

تقبل صلاة إلا بطهور و بالصلاة عليّ» (1).

و روى كعب بن عجزة،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول في الصلاة:«اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (2).

و عن أبي مسعود الأنصاري،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«من صلّى صلاة،و لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي،لم تقبل» (3).

و روى الشيخ عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«التشهد في الركعتين الأوليين:الحمد للّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد انّ محمدا عبده و رسوله،اللهم صل على محمد و آل محمد،و تقبل شفاعته (4)و ارفع درجته» (5).

و روى البزنطي عن الرضا عليه السلام:انه يجزئ التشهد الذي في الثانية في الرابعة (6).

و من مضمرات سماعة في المصلي خلف غير العدل:«يجلس قدر ما يقول:اشهد ان لا إله اللّه،وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده7.

ص: 407


1- سنن الدار قطني 1:355.
2- السنن الكبرى 2:147. راجع:سنن الدارمي 1:309،صحيح مسلم 1:305 ح 406،سنن ابن ماجة 1:293 ح 904،سنن أبي داود 1:257 ح 976،الجامع الصحيح 2:352 ح 483،سنن الدار قطني 1:272.
3- سنن الدار قطني 1:355.
4- في المصدر زيادة:«في أمته».
5- التهذيب 2:92 ح 344.
6- التهذيب 2:101 ح 377،الاستبصار 1:342 ح 1287.

و رسوله صلّى اللّه عليه و آله» (1).و هذه الرواية عبارة المقنعة (2).

الثانية استحباب التورك في التشهد

يستحب التورك فيه،و رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و قد تقدم في خبري حماد و زرارة (4).

و صفته كما تقدم.و قال ابن أبي عقيل:ينصب طرف إبهامه اليمنى على الأرض.

و يكره الإقعاء.و قال ابن بابويه و الشيخ-في النهاية-:لا يجوز (5).و علّله ابن بابويه بأن المقعي ليس بجالس،انما يكون بعضه قد جلس على بعض، فلا يصبر للدعاء و التشهد (6).

و يكون نظره حال التشهد الى حجره،قاله الأصحاب (7).

و يضع يديه على فخذيه،مبسوطة الأصابع مضمومة عند علمائنا (8)،لما رووه و رويناه من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (9).و تفرّد ابن الجنيد بأنه يشير

ص: 408


1- سقطت التحية من الحجرية و من التهذيب المطبوع 3:51 ح 177 و الحجري 1:292 و ملاذ الاخبار 4:750 و الوسائل ط الإسلامية 5:458 ب 56 صلاة الجماعة ح 2. هذا و أما في النسخ الخطية و الكافي 3:380 ح 7،و الوافي-أورده عن الكافي فقط- 8:1249 ح 8173،و في الحجري منه 2:186،و الوسائل ط مؤسّستنا 8:405 ح 11027،و ترتيب التهذيب 1:399 فهي مثبتة. و انظر:الذكرى:411 من هذا الجزء،و الحدائق الناضرة 8:455.
2- المقنعة:16،17،و ليس في الموضعين:صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
3- المغني 1:607،و راجع نيل الأوطار 2:305.
4- تقدما في ص 278-281 الهامش 1.
5- الفقيه 1:206،النهاية:72.
6- الفقيه 1:206.
7- راجع:المقنعة:17،المبسوط 1:101،الوسيلة:94.
8- راجع:الكافي 3:311 ح 8،التهذيب 2:81 ح 301،من فعل أبي عبد اللّه(ع)،و راجع: صحيح مسلم 1:408 ح 579،508،سنن أبي داود 1:257 ح 987،سنن الدارمي 1: 308.
9- راجع:المبسوط 1:115،المعتبر 2:229.

بالسبابة في تعظيمه للّه عز و جل،كما تقوله العامة (1).

و يسمع الامام من خلفه،و يسرّ المأموم-لما سلف-و يتخيّر المنفرد، و قد مر.

الثالثة ما روي من الأذكار المستحبة فيه

أفضله ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا جلست في الركعة الثانية فقل:بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و خير الأسماء للّه، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له(و ان) (2)محمدا عبده و رسوله،أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد انك نعم الرب،و ان محمدا نعم الرسول،اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و تقبّل شفاعته في أمته و ارفع درجته.ثم تحمد اللّه مرتين أو ثلاثا ثم تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت:بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و خير الأسماء للّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد انك نعم الرب و ان محمدا نعم الرسول،التحيات للّه،الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات للّه،ما طاب و زكى و ظهر و خلص-بفتح اللام- و صفا فللّه،اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمدا عبده و رسوله،أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة،أشهد ان ربي نعم الرب، و ان محمدا نعم الرسول و اشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها و ان اللّه يبعث من في القبور،الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه الحمد للّه رب العالمين.

اللهم صلّ على محمد و آل محمد (3)و ترحّم على محمد و آل محمد،كما

ص: 409


1- المجموع 3:452،460،فتح العزيز 3:497،المغني 1:607،الشرح الكبير 1: 608.
2- في المصدر:«و اشهد ان».
3- في المصدر زيادة:«و بارك على محمد و آل محمد،و سلم على محمد و آل محمد».

صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم صلّ على محمد و آل محمد،و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان،و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،ربنا انك رءوف رحيم.اللهم صل على محمد و آل محمد و امنن عليّ بالجنة،و عافني من النار.

اللهم صلّ على محمد و آل محمد،و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات،و لا تزد الظالمين الا تبارا.

ثم قل السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على أنبياء اللّه و رسله،السلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقربين،السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبي بعده،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (1).

و أكثر الأصحاب افتتحوه بقولهم:بسم اللّه و باللّه،و الأسماء الحسنى كلها للّه (2).

الرابعة أدنى ما يجتزأ فيه من الذكر

روى حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام،انه قال:

«إذا جلس الرجل للتشهد فحمد اللّه أجزأه» (3).

و روى بكر بن حبيب عنه عليه السلام:«إذا حمدت اللّه أجزأك،لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا،انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون» (4).

و روى زرارة عنه عليه السلام:يجزئ في الركعتين الأوليين ان تقول:

اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و يجزئ في الأخيرتين الشهادتان (5).

و الخبران الأولان ينفيان وجوب التشهد أصلا و رأسا،و الخبر الأخير ينفي

ص: 410


1- التهذيب 2:99 ح 373.
2- راجع:المقنعة:17،المقنع:29،النهاية:83.
3- التهذيب 2:101 ح 376،الاستبصار 1:341 ح 1286.
4- الكافي 3:337 ح 1،التهذيب 2:101 ح 378،الاستبصار 1.342 ح 1288.
5- التهذيب 2:100 ح 374،الاستبصار 1:341 ح 1284.

وجوب الشهادة بالرسالة في التشهد الأول،و وجوب الصلاة عن النبي و آله في التشهد الأخير.

و روى سورة بن كليب عنه عليه السلام:أدنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان (1)،و هذا أيضا ليس فيه ذكر الصلاة على النبي و آله.

و روى زرارة عنه عليه السلام في المحدث قبل التشهد.يتوضأ،و يأتي به حيث كان (2).و روى زرارة عن الصادق عليه السلام كذلك،و قال«انما التشهد سنّة» (3).

و أجاب الشيخ بأن الاخبار انما تنفي وجوب ما زاد على الشهادتين، و نقول به،و كذا قوله:«انما التشهد سنة»أي ما زاد على الواجب،و الحديث محمول على انه لم يكمل التشهد لا أنّه لم يأت به (4).

قلت:و لو حملت على التقية كان أنسب،لأنه مذهب كثير من العامة- كالشافعي،و أهل العراق،و الأوزاعي و مالك-إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول (5)،و قال بعدم وجوب الثاني أيضا مالك و أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي (6)و رووه عن علي عليه السلام (7)و سعيد بن المسيب و النخعي و الزهري و قد أشار الشيخ أيضا إلى ذلك (8).

و الصدوق في المقنع اقتصر في التشهدين على الشهادتين و لم يذكر0.

ص: 411


1- الكافي 3:337 ح 3،التهذيب 2:101 ح 375،الاستبصار 1:341 ح 1285.
2- الكافي 3:347 ح 2،التهذيب 2:318 ح 1301،الاستبصار 1:343 ح 1291.
3- الكافي 3:346 ح 1،التهذيب 2:318 ح 1300،الاستبصار 1:342 ح 1290.
4- التهذيب 2:101،318،الاستبصار 1:242.
5- راجع:المجموع 3:450،فتح العزيز 3:492،مغني المحتاج 1:172.
6- راجع:المجموع 3:462،فتح العزيز 3:503،المغني 1:613.
7- المجموع 3:462.
8- التهذيب 2:320.

الصلاة على النبي و آله،ثم قال:و ادنى ما يجزئ في التشهد ان يقول الشهادتين،أو يقول:بسم اللّه و باللّه،ثم يسلم (1).

و والده في الرسالة لم يذكر الصلاة على النبي و آله في التشهد الأول.

و القولان شاذان لا يعدان،و يعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب.

و اما الصلاة على النبي و آله فعلمت من دليل آخر،فلا ذكرها هنا،فعن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما الصلاة على النبي و آله من تمام الصلاة،و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا،و من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له» (2).

على انّ ابن الجنيد قال:تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد و آله في أحد التشهدين،مع انه روي عن كعب بن عجرة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول ذلك (3)،و عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا تشهد أحدكم في صلاته،فليقل:اللّهم صلّ على محمد و آل محمد» (4).

فروع:

ظاهر الأصحاب و خلاصة الاخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا.فعلى هذا لا يضر ترك(وحده لا شريك له)،و لا لفظ(عبده)و في رواية أبي بصير«و ان محمدا» (5)بغير لفظ اشهد.نعم،لو بدّل الألفاظ المخصوصة،بمرادفها من».

ص: 412


1- المقنع:29.
2- الفقيه 2:119 ح 515،التهذيب 2:159 ح 625،4:108 ح 314،الاستبصار 1:343 ح 1292.
3- تقدمت رواية كعب في ص 407 الهامش 2.
4- المستدرك على الصحيحين 1:269،السنن الكبرى 2:379.
5- تقدمت في ص 410 الهامش 1،و قد تقدم أيضا ان في المصدر:«و اشهد ان».

العربية أو غيرها من اللغات،لم يجز.نعم،تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم.و الأقرب وجوب التحميد عند تعذّر الترجمة،للروايتين السابقتين (1).

اما لو أضاف(الآل)أو(الرسول)من غير لفظ(عبده)الى المضمر،أو أسقط(واو)العطف في الثاني،فظاهر الأخبار المنع،و يمكن استناد الجواز إلى رواية حبيب (2)فإنها تدل بفحواها على ذلك،و الأولى المنع.

و عبارة الصلاة في الأشهر:(اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد).و سبق في رواية سماعة«صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (3)فيمكن اختصاصه بحال الضرورة كما تضمنت الرواية،و يمكن اجزاؤه،لحصول مسمّى الصلاة.

و لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب،غير انّ أبا الصلاح قال فيه:(بسم اللّه و باللّه،و الحمد للّه،و الأسماء الحسنى كلها للّه،للّه ما طاب و زكا و نما و خلص،و ما خبث فلغير اللّه) (4)و تبعه ابن زهرة (5).

و لو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم،و احتمل البطلان.و لو لم يعتقد استحبابها خلا عن إثم الاعتقاد،و في البطلان وجهان عندي.و لم أقف للأصحاب على هذا الفرع.

الخامسة جواز الدعاء فيه الدين و الدنيا

يجوز الدعاء في التشهد للدين و الدنيا،لعموم الأمر بالدعاء لقوله تعالى وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (6)و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لابن مسعود:«ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه» (7)،

ص: 413


1- تقدمتا في ص 410 الهامش 3 و 4.
2- تقدمت في ص 410 الهامش 3.
3- تقدمت في ص 408 الهامش 1.
4- الكافي في الفقه:123.
5- الغنية:497.
6- سورة غافر:60.
7- صحيح البخاري 1:212،سنن أبي داود 1:254 ح 968،سنن النسائي 3:51،السنن الكبرى 2:153.

و روى عنه صلّى اللّه عليه و آله«فليتخيّر من الدعاء ما شاء» (1)و قد تقدم في رواية أبي بصير (2)طرف منه.

و يستحب ان يقوم بالتكبير من التشهد الأول عند المفيد-رحمه اللّه- (3)، و لا نعلم له مأخذا،و المشهور انه يقوم بقوله:(بحول اللّه و قوته أقوم و اقعد) لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (4)و لا يحتاج الى تكبير،و قد تقدم في تكبير القنوت بيان ذلك.7.

ص: 414


1- مسند احمد 1:427،صحيح مسلم 1:302 ح 402،السنن الكبرى 2:153.
2- تقدمت في ص 410 الهامش 1.
3- المقنعة:16.
4- الكافي 3:338 ح 11،التهذيب 2:88 ح 326،الاستبصار 1:337 ح 1267.
الواجب الثامن:التسليم.
اشارة

تجب صيغة(السلام عليكم)عند أكثر من أوجبه،

و هم:ابن أبي عقيل (1)و المرتضى (2)و أبو الصلاح (3)و ابن زهرة (4).

قال ابن أبي عقيل:فإذا فرغ من التشهد،و أراد أن يسلم على مذهب آل الرسول عليهم السلام،فان كان إماما أو منفردا سلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة يقول:(السلام عليكم)،و ان كان خلف إمام يقتدى بصلاته فتسليمتين:

تسليمة يردّ على من على يمينه،و الأخرى على من على يساره ان كان يساره أحد.و من ترك التسليم ساهيا فلا شيء عليه،و من تركه متعمدا فصلاته باطلة و عليه الإعادة.

و قال-في سياق التشهد-:اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و اغفر لي و لوالدي،و ارحمهما كما ربياني صغيرا،و امنن عليّ بالجنّة طولا منك،و فكّ رقبتي من النار،السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيّين لا نبي بعده،السلام على محمّد بن عبد اللّه و رسول رب العالمين،و صلّ على جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل،اللّهم صلّ على ملائكتك المقرّبين،السلام على أنبياء اللّه المرسلين و على أئمة المؤمنين أولهم و آخرهم،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.و من لم يقل شيئا من هذا فان الشهادتين تجزئه،و من أتى به كان أفضل من تركه،و من تركه لم تفسد عليه صلاته،إلا في الشهادتين ان تركهما ساهيا فلا شيء عليه،و ان تركهما متعمدا

ص: 415


1- المعتبر 2:233.
2- الناصريات:231 المسألة 82.
3- الكافي في الفقه:119.
4- الغنية:496.

بطلت صلاته و عليه الإعادة.

فهذا تصريح منه بوجوب(السلام عليكم)،و بندب(السلام علينا)، و بتقدّمها على(السلام عليكم).

و المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية،لما قال الناصر:تكبيرة الافتتاح من الصلاة و التسليم ليس منها،قال:لم أجد الى هذه الغاية لأصحابنا نصا في هاتين المسألتين،و يقوى في نفسي انّ تكبير الافتتاح من الصلاة،و ان التسليم أيضا من جملة الصلاة و هو ركن من أركانها،و هو مذهب الشافعي.و وجدت بعض أصحابنا يقول في كتاب له:ان السلام سنة غير مفروض و من تركه متعمدا لا شيء عليه.و قال أبو حنيفة:تكبير الافتتاح ليس من الصلاة،و التسليم ليس بواجب و لا هو من الصلاة،و إذا قعد عنده قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام و الكلام و غيرهما (1).

ثم استدل على الأول بما خلاصته:انّ النية تقارن التكبير أو تتقدم عليه فلا فصل،و ذلك دليل انها من جملة الصلاة،و لان استقبال القبلة و الطهارة شرط فيه فتكون من الصلاة.

لا يقال:انما شرط فيه الوضوء لأن الصلاة عقيبه بلا فصل،فلو أوقع بغير وضوء لدخل في أول جزء من الصلاة بغير وضوء.

لأنا نقول:نفرض رجلا مستقبلا و على يمينه حوض عال فتوضأ مادا للتكبير،ففرغ من الوضوء و قد بقي منه حرف مع أن ذلك لا يجوز،فعلم ان الوضوء شرط في التكبير نفسه (2).

قلت (3)و أسهل في تصويره أن يتطهر حتى يبقى له مسح شيء من رجلهف.

ص: 416


1- الناصريات:231 المسألة 82. و راجع قولي الشافعي و أبي حنيفة في:المجموع 3:481،المغني 1:623.
2- الناصريات:231 المسألة 82.
3- «قلت»هذه و اللتان بعدها من كلام المصنّف.

اليسرى،ثم يكبر فيقع التكبير قبل كمال الوضوء و يصادف الكمال أول الصلاة.

لا يقال:قوله تعالى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى عقّب(الذكر)بالصلاة، فلو كان التكبير منها لكان مصليا معه لا عقيبه.

لأنّا نقول:لا نسلم ان المراد ب(الذكر)التكبير،لم لا يكون ما يؤتى به قبل الصلاة من الأذان أو التكبيرات الست التي يستحبها الأصحاب (1).

قلت:و لئن سلّمنا ان المراد ب(ذكر ربه)التكبير لا يلزم منه انتفاء جزئيته،لجواز ان يكون المراد بقوله صلّى أكمل الصلاة،فإنه كثيرا ما يعبّر عن الإكمال بأصل الفعل،أو يكون التعقيب بالفاء في الاخبار لا في الوقوع.و قال المفسرون:المراد ذكر اسم ربه بقلبه،أو به و بلسانه،فقام إلى الصلاة،كقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ،أو أراد تكبير يوم العيد فصلّى صلاة العيد (2).

لا يقال:الإجماع على انه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة،فيكون ابتداؤه وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها؟ لأنّا نقول:إذا فرغ من التكبير تبين ان جميع التكبير من الصلاة،و له نظائر:

منها:ان السلام ليس من الصلاة،و لو ابتدأ بالسلام فإنه لا يخرج بذلك من الصلاة،فإذا فرغ منه تبيّن عندهم انّ جميعه وقع خارج الصلاة.

و منها:إذا قال بعتك هذا الثوب لم يكن ذلك بيعا،فإذا قال المشتري قبلت صار الإيجاب و القبول بمجموعهما بيعا (3).

قلت:و لمانع ان يمنع توقّف الدخول في الصلاة على تمام التكبير،و لم2.

ص: 417


1- الناصريات:231 المسألة 82. و الآية في سورة الأعلى:15.
2- راجع:مجمع البيان 10:476،أنوار التنزيل 2:554. و الآية في سورة طه:14.
3- الناصريات:231 المسألة 82.

لا يكون داخلا في الصلاة عقيب النية!للإجماع على وجوب مقارنة النية لأول العبادة،و هذا الإجماع يصادم الإجماع المدعى.نعم،لو قيل ببسط النية على التكبير توجّه ما قاله المرتضى رضي اللّه عنه.

و اما (1)الدلالة على وجوب السلام فهو ما روى عنه عليه السلام من قوله:

«مفتاح الصلاة الطهور،و تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم»،دلّ على ان غير التسليم ليس بمحلل.و روى سهل بن سعد الساعدي:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم في الصلاة عن يمينه و شماله،و قد قال صلّى اللّه عليه و آله:

«صلوا كما رأيتموني أصلي».

و أيضا فكل من قال التكبير من الصلاة ذهب الى ان السلام واجب و انه منها.

و أيضا روى عبد اللّه بن مسعود،قال:ما نسيت من الأشياء فلم انس تسليم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الصلاة عن يمينه و شماله:«السلام عليكم و رحمة اللّه،السلام عليكم و رحمة اللّه»و روت عائشة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه (2).0.

ص: 418


1- الكلام هنا للسيد المرتضى-رحمه اللّه.
2- الناصريات:231 المسألة 82. و الحديث الأول في:ترتيب مسند الشافعي 1:70 ح 206،المصنف لعبد الرزاق 2:72 ح 2539،مسند احمد 1:123،سنن الدارمي 1:175،سنن ابن ماجة 1:101 ح 275، سنن أبي داود 1:16 ح 61،الجامع الصحيح 1:8 ح 3. و رواية سهل في:مسند احمد 5:338. و قوله صلّى اللّه عليه و آله في:مسند احمد 5:53،سنن الدارمي 1:286،صحيح البخاري 1:162،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:85 ح 1656،سنن الدار قطني 1:273،السنن الكبرى 3:120. و رواية ابن مسعود في:لمصنف لعبد الرزاق 2:218 ح 3127،مسند أحمد 1:390، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:223 ح 1991،سنن الدار قطني 1:357،السنن الكبرى 2:177. و رواية عائشة في:سنن ابن ماجة 1:297 ح 919،الجامع الصحيح 2:91 ح 296، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:224 ح 1992،سنن الدار قطني 1:358،المستدرك على الصحيحين 1:230.

لا يقال:روى ابن مسعود انه عليه السلام علمه التشهد،ثم قال:«إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك».و روى أبو هريرة:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله علم الأعرابي الصلاة و لم يذكر السلام (1).

فنقول:خبر ابن مسعود متروك الظاهر بالإجماع لأنه يقتضي تمام الصلاة بالشهادة،و بالإجماع انه قد بقي عليه شيء و هو الخروج،لأنّ الخروج عندهم يقع بكل مناف للصلاة و قد قيل إنّ القائل:«إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك» هو ابن مسعود لا النبي صلّى اللّه عليه و آله،و الأعرابي كان يحسن السلام،أو كان ذلك قبل فرض السلام (2).

و يستدل على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت الدخول فيها،فان لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة،و أصحابنا لا يجيزون ذلك فثبت وجوب السلام (3).

فكلام السيد مصرح بركنيته،و ان المعتبر(السلام عليكم).و لعلّه يريد بالركن مرادف الواجب.2.

ص: 419


1- الناصريات:231 المسألة 82. و رواية ابن مسعود في:سنن أبي داود 1:255 ح 970،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:208 ح 1958،سنن الدار قطني 1:353. و حديث الأعرابي تقدم في ص 363 الهامش 3.
2- الناصريات 1:231 المسألة 82. و القائل هو الدار قطني في سننه 1:357.
3- الناصريات 1:231 المسألة 82.

و أبو الصلاح-رحمه اللّه-عدّ(السلام علينا)في المستحب و(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)،و جعل بعد(السلام علينا):(السلام على محمد و آله المصطفين)،قال:ثم يسلم التسليم الواجب (1).

و عبارته هذه:و الفرض الحادي عشر:(السلام عليكم و رحمة اللّه) يعني:محمدا و آله صلوات اللّه عليهم و الحفظة عليهم السلام،و ان كان منفردا فتسليمة واحدة تجاه القبلة و يشير بها ذات اليمين،و ان كان إماما فواحدة تجاه القبلة و عن اليمين،و ان كان مأموما فواحدة ذات اليمين و أخرى ذات الشمال (2).

و نحوه قال ابن زهرة في الغنية (3).

و أما سلاّر فعدّ من واجبات الصلاة التسليم،و ذكر في موضع عبارته:

(السلام عليكم و رحمة اللّه) (4).و في موضع:(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و ينحرف بعينه الى يمينه و قد قضى صلاته.و ذكر انّه إذا قال:

(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)أومأ بوجهه إلى القبلة (5).و تبع في هذا الإيماء المفيد-رحمه اللّه- (6).

و صاحب الفاخر قال:أقل المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة:

تكبيرة الافتتاح،و قراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات،و الركوع، و السجود،و تكبيرة واحدة بين السجدتين،و الشهادة في الجلسة الاولى،و في الأخيرة:الشهادتان،و الصلاة على النبي و آله،و التسليم،و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته.8.

ص: 420


1- الكافي في الفقه:124.
2- الكافي في الفقه:119.
3- الغنية:496.
4- في المصدر زيادة:(و بركاته).
5- المراسم:69،73.
6- المقنعة:18.

و كلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعدّ من المذهب.منها:التكبيرة الواحدة بين السجدتين.و منها:القصر على الشهادة في الجلسة الأولى.و منها:وجوب التسليم على النبي.و اما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار،صرّح بذلك في غير هذا الموضع.

و قال في موضع آخر:من شهد الشهادتين و أحدث أو أعجلته حاجة، فانصرف قبل أن يسلم إمامه،أو قبل ان يسلّم هو ان كان وحده،فقد تمت صلاته.

ثم قال:يسلّم إن كان إماما بواحدة تلقاء وجهه في القبلة(السلام عليكم)يرفع بها صوته،و إذا كانوا صفوفا خلف امام سلّم القوم على ايمانهم و على شمائلهم،و من كان في آخر الصفّ فعليه ان يسلّم على يمينه فقط،و من كان وحده أجزأ عنه السلام الذي في آخر التشهد،و يزيد في آخره(السلام عليكم)يميل انفه عن يمينه قليلا.

و عنى بالذي في آخر التشهد قوله:السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على أهل بيته،السلام على نبي اللّه السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين و رسول رب العالمين،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على الأئمة المهديين الراشدين،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.

فظاهره الخروج بقوله(السلام عليكم)و انه واجب،الا انّ حكمه بصحة صلاة المحدث قبله ينافيه،الاّ ان يكون مصيرا الى مثل قول أبي حنيفة.

و قال الراوندي-رحمه اللّه-في الرائع-و رام الجمع بين قولي من قال بوجوب التسليم و ندبه-:إذا قال(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه)و نحو ذلك،فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون،و قام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته:(السلام عليكم و رحمة اللّه)،

ص: 421

و ان لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا.و سيأتي ان السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يخرج من الصلاة،فلا يتمّ كلامه.

و أمّا مشايخنا الحلّيون-رحمهم اللّه-:

فقال ابن إدريس بندبه مصرّحا بذلك (1).

و قال سبطه الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع:و التسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) (2).و قال في موضع آخر:ينوي الخروج به من الصلاة (3).و ظاهره حصر الواجب في هذه الصيغة-و لا أعلم له موافقا-و وجوب نيّة الخروج،و سيأتي البحث فيها ان شاء اللّه تعالى.

و قال الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر ما خلاصته مع حسنه بأجمعه:لنا:على وجوبه مواظبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و اقتصاره في الخروج من الصلاة عليه،و ذلك امتثال للأمر المطلق فيكون بيانا.و كذا فعل الصحابة و التابعين،و لم ينقل عن أحدهم الخروج من الصلاة بغيره.و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم»حصر التحلل فيه لوجهين:

أحدهما:انه مصدر مضاف إلى الصلاة،فيعمّ كل تحلل يضاف عليها.

و ثانيهما:ان التسليم وقع خبرا عن التحليل،لان هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر،و إذا كان خبرا وجب ان يكون مساويا للمبتدإ أو أعم منه،فلو تحلل بغيره كان المبتدأ أعم من الخبر،و لان الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ،بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم (4).2.

ص: 422


1- السرائر:48.
2- الجامع للشرائع:84.
3- الجامع للشرائع:77.
4- المعتبر 2:233. و قوله صلّى اللّه عليه و آله تقدم في ص 418 الهامش 2.

قال:و يلزم من الخروج بما ينافيها وقوع الحدث في الصلاة،لانه قبله اما ان يخرج من الصلاة أو لا،و يلزم من الأول الخروج بغير المنافي،و من الثاني وقوع الحدث في الصلاة بتقدير ان يحدث (1).

قال:و اما الأصحاب،فظاهر كلام المفيد ان آخر الصلاة الصلاة على النبي و آله عليهم السلام،فلو أحدث بعد ذلك لم تبطل.و الشيخ في المبسوط يوجب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و يجعله آخر الصلاة، و يشير بالاستحباب الى قوله(السلام عليكم و رحمة اللّه)و منهم من عيّن (السلام عليكم و رحمة اللّه)للخروج و هو المرتضى و أبو الصلاح (2).

قال:و الذي نراه نحن انه لا يخرج من الصلاة إلا بأحد التسليمين،اما (السلام عليكم)أو(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)و بأيهما بدأ كان خارجا من الصلاة،لقوله صلّى اللّه عليه و آله«و تحليلها التسليم»و هو صادق عليهما.و يؤيد ذلك رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه السلام،و تقول:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة،ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة فتقول:السلام عليكم» (3).

لا يقال:إن اعتبر مسمّى التسليم خرج بالسلام على النبي.7.

ص: 423


1- المعتبر 2:233.
2- المعتبر 2:234. و ظاهر المفيد في المقنعة:23. و قول الشيخ في المبسوط 1:116. و قولي المرتضى و أبي الصلاح تقدما في ص 418-425.
3- المعتبر 2:224. و قوله صلّى اللّه عليه و آله تقدم في ص 418 الهامش 2. و رواية أبي بصير في:التهذيب 2:93 ح 349،الاستبصار 1:347 ح 1307.

فنقول:هذا من جملة أذكار الصلاة جار مجرى الدعاء و الثناء على اللّه سبحانه،لرواية أبي كهمس عن الصادق عليه السلام و سأله عن(السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته)انصراف هو؟قال:«لا،و لكن إذا قلت:(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فهو انصراف».و عن الحلبي عنه عليه السلام:«فان قلت:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فقد انصرفت من الصلاة» (1).

قال:و اما انّه لو قال(السلام عليكم و رحمة اللّه)خرج به فعليه علماء الإسلام كافة لا يختلفون فيه،و انما الخلاف في تعيّنه للخروج.

لا يقال:ما ذكرتم من(السلام علينا)خروج عن الإجماع،لانحصاره بين(السلام عليكم)و فعل المنافي.

قلنا:لا نسلم ذلك،و المنقول عن أهل البيت ما ذكرناه،و قد صرح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب،فإنه قال:عندنا من قال(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فقد انقطعت صلاته،فان قال بعد ذلك(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)جاز،و لو لم يقل جاز أيضا.

لا يقال:احتججتم بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لم يخرج الا بقوله «السلام عليكم و رحمة اللّه»فيجب الاقتصار عليه.

فنقول:دل على الجواز قوله صلّى اللّه عليه و آله:«و تحليلها التسليم»، و هو صادق على كل ما يسمى تسليما،عدا ما يقصد به الدعاء للنبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام.ثم يبطل قول من قال باستحباب التسليم بالنقل و الفتوى ببطلان صلاة المسافر إذا أتمّ،لأنه لو خرج بآخر التشهد لم تضر الزيادة،و كذا من زاد في الصلاة سهوا أو عمدا (2).1.

ص: 424


1- المعتبر 2:224. و رواية أبي كهمس في:الفقيه 1:229 ح 1014،التهذيب 2:316 ح 1292 و رواية الحلبي في:الكافي 3:337 ح 6،التهذيب 316 ح 1293.
2- المعتبر 2:235. و قول الشيخ في التهذيب 2:129. و فعله و قوله صلّى اللّه عليه و آله تقدما في ص 498 الهامش 1.

قال:فان اقتصر على(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فلا يجزئ ترجمتها و لا نكسها،فتبطل صلاته لو تعمّده،لانه كلام في الصلاة غير مشروع،و ان بدأ ب(السلام عليكم)أجزأت.و قال أبو الصلاح:الفرض ان يقول:(السلام عليكم و رحمة اللّه) (1).

و بما قلناه قال ابن بابويه و ابن أبي عقيل.و ابن الجنيد قال:يقول:

(السلام عليكم)،فان قال:(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)كان حسنا (2).

لنا:ما روي ان عليا عليه السلام كان يسلم عن يمينه و شماله(السلام عليكم،السلام عليكم).و من طريق الخاصة ما رواه البزنطي عن عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في تسليم الامام و هو مستقبل القبلة،قال:

«يقول:السلام عليكم».و ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«فتقول السلام عليكم» (3).

قال:و التحقيق انه ان بدأ ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) كان التسليم الآخر مستحبا فيأتي بأحسن ما قيل،و ان بدأ ب(السلام عليكم) أجزأه هذا اللفظ و كان قوله(و رحمة اللّه و بركاته)مستحبا يأتي منه بما شاء.و لو قال(سلام عليكم)و نوى به الخروج،فالأشبه الاجزاء،لصدق التسليم عليه، و لأنها كلمة ورد القرآن بصورتها فتكون مجزئة.و لو نكس لم يجز،لانه خلاف المنقول،و خلاف تحية القرآن،و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:«لا7.

ص: 425


1- المعتبر 2:236. و قول أبي الصلاح في الكافي في الفقه:119.
2- و قول ابن بابويه في الفقيه 1:210،المقنع:29.
3- المعتبر 2:236. و فعل علي عليه السلام في:المصنف لعبد الرزاق 2:219 ح 3131،المصنف لابن أبي شيبة 1:302،السنن الكبرى 2:178. و رواية أبي بصير في:التهذيب 2:93 ح 349،الاستبصار 1:347 ح 1307.

تقل:عليك السلام» (1).

قلت:هذا الكلام مع متانته فيه مناقشات:

منها:المطالبة بصحة حديث«و تحليلها التسليم»،فانا لم نره مسندا في أخبار الأصحاب و انما هو من طريق العامة.

فإن قال:ذكره المرتضى و الشيخ (2).

قلنا:المطالبة أيضا متوجهة إليهما.

و اما مواظبة النبي صلّى اللّه عليه و آله فهي أعمّ من الوجوب،و العام لا يستلزم الخاص.

و منها:انّ المفيد-رحمه اللّه-مع ما نقل عنه المحقق و تصريحه بان التسليم سنة-قال في المقنعة بعد التسليم المعهود(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين):و ينحرف بعينه الى يمينه،فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته و خرج منها بهذا السلام (3)و لما عدّ واجبات الصلاة جعل آخرها الصلاة على النبي و آله (4)،و كان قد ذكر في سياق النوافل(السلام عليكم و رحمة اللّه)و قال:

فإذا سلّم فقد خرج من الركعتين (5).و هذا الكلام ظاهره توقف الخروج على التسليم و ان كان سنّة.

و منها:نقله عن الشيخ في المبسوط الوجوب،فإنه منظور فيه،لأن عبارة7.

ص: 426


1- المعتبر 2:236. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:المصنف لعبد الرزاق 10:384 ح 19434،المصنف لابن أبي شيبة 8:429،سنن أبي داود 4:353 ح 5209،الجامع الصحيح 5:72 ح 2721.
2- الناصريات:232 المسألة 82،الخلاف 1:75 المسألة 81.
3- المقنعة:18.
4- المقنعة:22.
5- المقنعة:17.

الشيخ هذه:و السادس:التسليم-فمن أصحابنا من جعله فرضا،و منهم من جعله نفلا.ثم قال:و من قال من أصحابنا ان التسليم سنّة يقول:إذا قال:

(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)فقد خرج من الصلاة،و لا يجوز التلفظ بذلك في التشهد الأول.و من قال انه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة، و ينبغي ان ينوي بها ذلك،و الثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره (1).و هذا تصريح منه بما نقلناه عن المفيد ان(السلام علينا)سنّة و مخرج، و هو ظاهر الروايات و ظاهر كل من قال بندب التسليم.

و منها:إلزامه بوجوب صيغة(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) تخييرا،و هذا قول حدث في زمانه فيما أظنه أو قبله بيسير،لان بعض شراح رسالة سلار أومأ اليه.و احتجاجه عليه بصدق اسم التسليم عليه محل النزاع.

و لأن راوي هذا الخبر-مسندا من العامة أو مرسلا من الخاصة-يزعم ان اللام في التسليم للعهد و هو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره.

و لأن عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة و العامة في(السلام عليكم)، يعلم ذلك بتتبع الأخبار و التصانيف،حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال بعدها و بعد(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين):ثم يسلم،و هذا تصريح منهم بان اسم التسليم الشرعي مختص بصيغة(السلام عليكم).

و من القواطع في ذلك كلام الشيخ في الخلاف،و هذا لفظه:الأظهر من مذهب أصحابنا أنّ التسليم في الصلاة مسنون و ليس بركن و لا واجب،و منهم من قال هو واجب.دليلنا على المذهب الأول:ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه السلام و تقول:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة،ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة:السلام عليكم».و من6.

ص: 427


1- المبسوط 1:115،116.

نصر الأخير استدل بما رواه أمير المؤمنين عليه السلام:«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:مفتاح الصلاة الطهور،و تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم» (1).

و هذا تصريح بان التسليم الذي هو خبر التحليل هو(السلام عليكم)، و تصريح بان(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)يقطع الصلاة،و ظاهر انه ليس بواجب و لا يسمّى تسليما.و قد صرّح بذلك في كتبه كلها،فإنه يذكر صيغة (السلام علينا)في سياق التسليم المندوب و الخروج بها من الصلاة،ثم يحكم بعد ذلك بأن الواجب الشهادتان لا غير (2)،و كذا غيره ممن تبعه (3).

و منه يظهر الجواب عن نقله ما في التهذيب،فان الشيخ قائل بأنه قاطع مع انّه مستحب.

و بالجملة انّ هنا مقدمتين:

إحداهما:ان(السلام علينا)يقطع الصلاة،و هذه دل عليها الاخبار و كلام الأصحاب.

و الثانية:انه واجب على هذا التقدير،و هذا لم يذهب إليه أحد من القدماء،فكيف نجعل قولهم دليلا على وجوبه! لا يقال:لا ريب في وجوب الخروج من الصلاة،و إذا كان هذا مخرجا منها كان واجبا في الجملة،فيكون الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه و لا يبالي بقول القدماء بندبه،لأنهم ليسوا جميع الإمامية حتى يتعيّن المصير إليهم.

لأنّا نقول:قد دلت الأخبار الصحيحة على ان الحديث قبله لا يبطل الصلاة،منها:خبر زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:قال سألته عن رجل يصلي4.

ص: 428


1- الخلاف 1:376 المسألة:134. و رواية أبي بصير في التهذيب 2:93 ح 349،الاستبصار 1:347 ح 1307. و رواية الامام علي عليه السلام تقدمت في ص 418 الهامش 2.
2- المبسوط 1:116،النهاية:84،الجمل و العقود:181.
3- راجع:المهذب 1:97،السرائر:44.

ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلّم،قال:«تمت صلاته» (1).و بهذا الحديث احتجّ في الاستبصار و التهذيب على ان التسليم ليس بفرض (2).

و منها:خبر زرارة أيضا عنه،قال:سألته عن رجل صلّى خمسا،فقال:

«ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته» (3).

و إذا كان كذلك امتنع كون(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)جزءا واجبا من الصلاة.

لا يقال:ما المانع من ان يكون الحدث مخرجا كما ان التسليم مخرج، و لا ينافي ذلك وجوبه تخييرا؟ لأنا نقول:لم يصر الى هذا أحد من الأصحاب،بل و لا من المسلمين غير أبي حنيفة،فيمتنع القول به،لاستلزامه الخروج عن إجماع الإمامية.

و هنا سؤال و هو:ان القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون الى انّ آخر الصلاة الصلاة على النبي و آله،كما صرح به الشيخ في الاستبصار (4)و هو ظاهر الباقين،و به خبر صحيح رواه زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،و ان كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأ» (5)فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة(السلام علينا) الى آخرها؟و قد انقطعت بانتهائها فلا تحتاج الى قاطع،و قد دلت الاخبار على انّ(السلام علينا)قاطع كما مر.

و يزيد عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال:«إذا نسي الرجل ان يسلّم،فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال:السلام علينام.

ص: 429


1- التهذيب 2:320 ح 1306،الاستبصار 1:345 ح 1301.
2- المصدر السابق.
3- التهذيب 2:194 ح 766،الاستبصار 1:377 ح 1431.
4- الاستبصار 1:346.
5- التهذيب 2:317 ح 1298،عن الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم.

و على عباد اللّه الصالحين،فقد فرغ من صلاته» (1).

و بهذا الخبر استدل في التهذيب على قول الشيخ المفيد-رحمه اللّه-:

و السلام في الصلاة سنّة،و ليس بفرض يفسد تركه الصلاة (2).و فيه تصريح بانّ السلام المتنازع فيه هو(السلام عليكم)،و بانّ الفراغ من الصلاة موقوف عليه، فقبلها يكون في الصلاة.

و استدل أيضا في التهذيب برواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«إذا نسي أن يسلّم خلف الإمام أجزأه تسليم الامام» (3).

و روى الشيخ بإسناده إلى ميسر عن أبي جعفر عليه السلام،قال:

«شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم:قول الرجل:تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك،و انما هو شيء قاله الجن بجهالة فحكى اللّه عنهم.و قول الرجل:

السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (4).و هذا يدلّ أيضا على انّ الصلاة موصوفة بالصحة قبل هذه الصيغة.

و لا جواب (5)عنه الا بالتزام انّ المصلي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبات الصلاة و ان كانت الواجبات قد مضت،و بعد هذه الصيغة لا يبقى للصلاة أثر و يبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة.و قد أشعر به رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كل ما ذكرت اللّه و النبي فهو من الصلاة،فإذا قلت:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،فقد انصرفت» (6).

و بهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته و انه مخرج من الصلاة،الاّ انه3.

ص: 430


1- التهذيب 2:159 ح 626.
2- التهذيب 2:159،و لا حظ:المقنعة:23.
3- التهذيب 2:160 ح 627.
4- الخصال:50،التهذيب 2:316 ح 1290.
5- الجواب عن السؤال المار الذكر.
6- الكافي 3:337 ح 6،التهذيب 2:316 ح 1293.

يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين و ان طال،و لا استبعاد فيه حتى يخرج عن كونه مصليا أو يأتي بمناف.

فان قلت:البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه،و وجوب ما يجب فعله،و الأمران منفيان هنا،فينتفي ملزومهما و هو البقاء في الصلاة.

قلت:لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الإطلاق، انما ذلك قبل فراغ الواجبات،اما مع فراغها فينتفي هذان اللازمان و تبقى باقي اللوازم من المحافظة على الشروط و ثواب المصلي و استجابة الدعاء.

و قال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه اللّه-و هو مضطلع بعلم الحديث و طرقه و رجاله-:لا مانع ان يكون الخروج ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)،و ان يجب(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركات)بعده،للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق عليه السلام في وصف صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله في السماء:انّه لما صلّى أمر أن يقول للملائكة:«السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» (1)الاّ ان يقال:هذا في الإمام دون غيره.

قال:و ممّا يؤكد وجوبه رواية زرارة و محمد بن مسلم،و أورد التي ذكرناها آنفا (2).قال:و حديث حماد الطويل (3).و روى ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السلام:انما جعل التسليم تحليلا و لم يجعل تكبيرا و تسبيحا،لأنّ الدخول في الصلاة يحرم الكلام فيكون التحليل في الكلام (4).و لان الخروج من الصلاة واجب اما لصلاة واجبة أو لغيرها،و لما كان التسليم وسيلة إلى الواجب كان واجبا.2.

ص: 431


1- الكافي 3:482 ح 1،علل الشرائع:312.
2- تقدمت في ص 429 الهامش 5.
3- تقدم في ص 418-281 الهامش 1.
4- عيون اخبار الرضا 2:108،علل الشرائع:262.

ثم قال-رحمه اللّه-:و بعد هذا فالذي يظهر لي انّ القول بالندبية وجه.

أقول-و باللّه التوفيق-:هذه المسألة من مهمات الصلاة،و قد طال عبارة الكلام فيها،و لزم منه أمور ستة.

أحدها:القول بندبية التسليم بمعنييه،كما هو مذهب أكثر القدماء.

و ينافيه تواتر النقل عن النبي و أهل بيته بقولهم(السلام عليكم)من غير بيان ندبيته،مع انه امتثال للأمر بالواجب،و قد روى الشيخ بإسناده الى أبي بصير-بطريق موثق-قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يستشهد رعف،قال:«فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته،فان آخر الصلاة التسليم» (1).و مثله كثير،و حمله الشيخ على الأفضل (2)،حتى انّ قول سلف الأمة(السلام عليكم)عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين،و انما الشأن في الندبية أو الوجوب.

الثاني:وجوبه بمعنييه،اما(السلام عليكم)فلإجماع الأمة،و اما الصيغة الأخرى فلما مرّ من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته.

الثالث:وجوب(السلام علينا)عينا،و قد تقدم القائل به (3)و فيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله.

الرابع:وجوب(السلام عليكم)عينا،لإجماع الأمة على فعله.و ينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل الى ردّه،فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة! الخامس:وجوب الصيغتين تخييرا،جمعا بين ما دلّ عليه إجماع الأمة و اخبار الإمامية،و هو قوي متين الاّ انه لا قائل به من القدماء،و كيف يخفى2.

ص: 432


1- التهذيب 2:320 ح 1307،الاستبصار 1:345 ح 1302.
2- راجع الهامش السابق.
3- تقدم في ص 422 الهامش 2.

عليهم مثله لو كان حقا! السادس:وجوب(السلام عليكم)أو المنافي تخييرا،و هو قول شنيع، و أشنع منه وجوب احدى الصيغتين أو المنافي.

و بعد هذا كله،فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين،و ليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه،بادئا ب(السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)لا بالعكس،فإنه لم يأت به خبر منقول و لا مصنّف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق-رحمه اللّه- (1).و يعتقد ندب(السلام علينا)و وجوب الصيغة الأخرى،و ان أبى المصلي إلاّ إحدى الصيغتين ف(السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)مخرجة بالإجماع.

و هنا مسائل:
الأولى ذكر أحوال المصلي حال التسليم مع بيان حكم كل منها

المصلّي حال التسليم اما منفرد،أو إمام،أو مؤتم.

فالمنفرد يسلّم واحدة بصيغة(السلام عليكم)و هو مستقبل القبلة،و يومئ بمؤخر عينه عن يمينه،لرواية عبد الحميد بن عوارض عن الصادق عليه السلام:

«و ان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (2).و روى البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه السلام:«إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (3).

و الامام كذلك الاّ انه يومئ بصفحة وجهه،لرواية عبد الحميد:«ان كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك» (4).و يدل على انه يكون مستقبل القبلة رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«ثم تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة:

السلام عليكم» (5)ذكره في سياق الامام.و روى العامة عن عائشة:ان النبي

ص: 433


1- شرائع الإسلام 1:89.
2- التهذيب 2:92 ح 345،الاستبصار 1:346 ح 1303.
3- المعتبر 2:237 عن جامع البزنطي.
4- راجع الهامش 2.
5- التهذيب 2:93 ح 349،الاستبصار 1:347 ح 1307.

صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (1).

و قال ابن الجنيد:ان كان الإمام في صف سلم عن جانبيه.و روى علي ابن جعفر:انه رأى إخوته موسى و إسحاق و محمد يسلمون عن الجانبين (السلام عليكم و رحمة اللّه،السلام عليكم و رحمة اللّه) (2).و يبعد ان تختص الرؤية بهم مأمومين لا غير بل الظاهر الإطلاق،و خصوصا و فيهم الامام عليه السلام،ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام و المنفرد أيضا،غير ان الأشهر الواحدة فيهما.

اما المأموم،فإن كان على يساره غيره سلّم مرتين بصيغة(السلام عليكم) أيضا عن جانبيه يمينا و شمالا،لما في رواية عبد الحميد:«و ان كنت مع امام فبتسليمتين» (3)و ان لم يكن على يساره أحد فواحدة،لما في هذه الرواية:«و ان لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة» (4).

و جعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في التسليمتين للمأموم (5)،فلا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان الاّ عن ثبت.

و في رواية معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام:«تسليمة واحدة إماما كان أو غيره» (6)،و هي محمولة على الواجب،أو على انّ المأموم ليس على يساره أحد،كما قاله الشيخ في التهذيب (7).3.

ص: 434


1- تقدم في ص 418 الهامش 2.
2- التهذيب 2:317 ح 1297.
3- التهذيب 2:92 ح 345،الاستبصار 1:346 ح 1303.
4- هذا المقطع من الرواية ليس في رواية عبد الحميد و لا في الروايات التي سبقتها،و انما هو في رواية منصور،و التي تأتي في تسلسل روايات التهذيب و الاستبصار بعد رواية عبد الحميد مباشرة،فلا حظ.
5- الفقيه 1:210،المقنع 29.
6- التهذيب 2:93 ح 348،الاستبصار 1:346 ح 1306.
7- التهذيب 2:93.
الثانية استحباب قصد الإمام التسليم على الأنبياء و الأئمّة و الحفظة و المأمومين

يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين،لذكر أولئك و حضور هؤلاء،و الصيغة صيغة خطاب.

و المأموم يقصد بأولى التسليمتين الردّ على الامام،فيحتمل ان يكون على سبيل الوجوب،لعموم قوله تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (1).و يحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب،لانه لا يقصد به التحية و انما الغرض بها الإيذان بالانصراف،من الصلاة،كما مرّ في خبر أبي بصير (2)و جاء في خبر عمار بن موسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التسليم ما هو؟فقال:«هو اذن» (3).و الوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر،و روى العامة عن سمرة قال:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان نسلّم على أنفسنا،و ان يسلّم بعضها على بعض (4).

و على القول بوجوب الردّ يكفي في القيام به واحد،فيستحب للباقين.

و إذا اقترن تسليم المأموم و الامام أجزأ و لا ردّ هنا،و كذلك إذا اقترن تسليم و المأمومين،لتكافؤهم في التحية.

و يقصد المأموم بالثانية الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين.

و اما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك.و لو أضاف الجميع إلى ذلك،قصد الملائكة أجمعين و من على الجانبين من مسلمي الجن و الانس،كان حسنا.

و قال ابن بابويه:يردّ المأموم على الإمام بواحدة،ثم يسلّم عن جانبيه تسليمتين (5).و كأنه يرى ان التسليمتين ليستا للردّ بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة،و لما كان الردّ واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة و انما

ص: 435


1- سورة النساء:86.
2- تقدم في ص 433 الهامش 5.
3- التهذيب 2:317 ح 1296.
4- سنن أبي داود:263 ح 1001،سنن الدار قطني 1:360 ح 2.
5- الفقيه 1:210،المقنع:29.

قدّم الردّ،لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي.

و الأصحاب يقولون:ان التسليمة تؤدي وظيفتي الردّ و التعبّد به في الصلاة،كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة و عن وظيفة الصلاة.و هذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم،و اما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للردّ على الامام،و الثانية للإخراج من الصلاة،و لهذا احتاج الى تسليمتين.

و يمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردّا و الثانية مخرجة،لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه و كانت محصّلة للردّ و الخروج من الصلاة،و انما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب،فإذا وجّهه الى أحد الجانبين اختص به و بقي الجانب الآخر بغير تسليم،و لما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة،و كذلك المنفرد،و لهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه.

فرع:

لا إيماء إلى القبلة بشيء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس و لا بغيره إجماعا.و انما المنفرد و الامام يسلّمان تجاه القبلة بغير إيماء.و اما المأموم فالظاهر أنه يبتدأ به مستقبل القبلة،ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر.و فيه دلالة ما على استحباب التسليم،أو على انّ التسليم و ان وجب لا يعد جزءا من الصلاة إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين،و يحرم ان استلزم استدبارا.و يمكن ان يقال:التسليم و ان كان جزءا من الصلاة الاّ انّه خرج من حكم استقبال القبلة بدليل من خارج.

و يستحب عند ذكر النبي بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس،قاله

ص: 436

المفيد و سلار (1)-كما مر-و هو حسن في البلاد التي يكون قبره صلّى اللّه عليه و آله في قبلة المصلي.

الثالثة وجوب كون هيئة الجالس للتسليم كهيئة المتشهد

الجالس للتسليم كهيئة المتشهد في جميع ما تقدم من هيئات الجلوس للتشهد الواجبة و المستحبة و المكروهة-كالاقعاء-لدلالة فحوى الكلام عليه،و لأنه مأمور بتلك الهيئة حتى يفرغ من الصلاة فيدخل فيها التسليم.

و تجب الطمأنينة بقدره،و الإتيان بصيغته مراعيا فيها الألفاظ المخصوصة باللفظ العربي و الترتيب الشرعي،لأنه المتلقّى عن صاحب الشرع صلّى اللّه عليه و آله.و لو جهل العربية،وجب عليه التعلم،و مع ضيق الوقت تجزئ الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة،ثم يجب التعلم لما يستقبل من الصلاة.

الرابعة ما يستحب قبل التسليم

يستحب قبل التسليم ما ذكره جميع الأصحاب و عدوّه من المستحب،و رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام،انه إذا فرغ من التشهد الأخير-كما مرّ في روايته-من الواجب و المستحب يقول بعد قوله:

وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً :«السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على أنبياء اللّه و رسله،السلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقربين،السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبي بعده،السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (2).

قال أكثر القدماء:ثم يسلم (3)و هو تصريح بان التسليم اسم لقولنا (السلام عليكم).

و روى العامة عن علي عليه السلام،قال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله

ص: 437


1- المقنعة:18،المراسم:73.
2- تقدم في ص 410 الهامش 1. و الآية في سورة نوح:28.
3- راجع:جمل العلم و العمل 3:34،الكافي في الفقه:124.

يصلي قبل الظهر».الى قوله:«يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين و النبيين و من تبعهم من المؤمنين» (1).

الخامسة:هل يجب في التسليم نيّة الخروج على تقدير القول بوجوبه؟

قال في المبسوط:ينبغي ان ينوي بها ذلك (2)و ليس بصريح في الوجوب.

و وجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين،و من ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا،و إذا لم تقترن به نية تصرفه الى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها.

و وجه عدم الوجوب قضية الأصل،و ان نيّة الصلاة اشتملت عليه و ان كان مخرجا منها،و لان جميع العبادات لا تتوقف على نيّة الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج،و لان مناط النيّة الإقدام على الافعال لا الترك لها.

و مبنى الوجوب على انه جزء من الصلاة-كما اختاره المرتضى (3)-أو خارج عنها.فعلى الأول يتوجّه عدم وجوب نيّة الخروج به.و على الثاني يتوجّه وجوب النيّة،و لأن الأصحاب-و خصوصا المتأخرين-يوجبون على المعتمر و الحاج نيّة التحلل بجميع المحللات فليكن التسليم كذلك،لانه محلل من الصلاة بالنص.

فروع:

الأول: إن قلنا بوجوب نيّة الخروج فهي بسيطة،لا يشترط فيها تعيين ما

ص: 438


1- المصنف لابن أبي شيبة 2:202،مسند احمد 1:160،سنن ابن ماجة 1:367 ح 1161، الجامع الصحيح 2:493 ح 598،سنن النسائي 2:119،مسند أبي يعلى 1:269 ح 318.
2- المبسوط 1:116.
3- الناصريات:231 المسألة 82.

وجب تعيينه في نيّة الصلاة،إذ الخروج انما هو عما نواه و تشخّص.و يحتمل ان ينوي الوجوب و القربة لا تعيين الصلاة و الأداء،لأن الأفعال تقع على وجوه و غايات،و اما تعيّن الصلاة و الأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيّتها و ارادة الخروج عنها الآن.

الثاني: ان اعتبرنا نيّة الخروج،و عيّن الخروج عن صلاة ليس متلبسا بها،فان كان عمدا بطلت الصلاة،لفعل مناقضها.

و ان كان غلطا ففيه إشكال،منشؤه النظر الى قصده في الحال فتبطل الصلاة،و الى انه في حكم الساهي.و الأقرب صحة الصلاة ان قلنا بعدم وجوب نيّة الخروج،لأنها على ما افتتحت عليه.و ان قلنا بوجوب نيّة الخروج احتمل ذلك أيضا،صرفا للنية إلى الممكن،و ان الغالط كالقاصد الى ما هو بصدده.

و ان كان سهوا،فالأقرب أنه كالتسليم ناسيا في أثناء الصلاة،فتجب له سجدتا السهو،ثم يجب التسليم ثانيا بنيّة الخروج.

و لو قلنا:لا تجب نيّة الخروج،لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا كالغلط،اما العمد فمبطل على تقديري القول بوجوب نية الخروج و القول بعدمه.

و كذا لو سلّم بنيّة عدم الخروج به،فإنّه يبطل على القولين.

الثالث:وقت النيّة، على القول بوجوبها،عند التسليم مقارنة له.فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة،لوجوب استمرار حكم النيّة.و لو نوى قبله الخروج عنده لم تبطل،لأنه قضية الصلاة،الا انه لا تكفيه هذه النيّة بل تجب عليه النيّة مقارنة لأوله.

الرابع: هذه النيّة لا يجوز التلفظ بها قطعا،لاشتمالها على ألفاظ ليست من أذكار الصلاة،و كذا نية العدول في أثناء الفريضة إلى فريضة أخرى لا يجوز التلفظ بها،و ان جاز التلفظ بالنيّة في ابتداء الصلاة.

ص: 439

الخامس: لو تذكر في أثنائه صلاة سابقة،وجب العدول إليها،و الأقرب انه لا يجب فيه تجديد نيّة الخروج،و لا إحداث نيّة التعيين في الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها-كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين-لأن نيّة العدول صيّرت التسليم لها.و هذا العدول انما يتم لو قلنا بان التسليم جزء من الصلاة،و لو حكمنا بخروجه لم يجز قطعا.

المسألة السادسة في عدم صدق التسليم بقول«سلام عليكم»

قال في المعتبر:لو قال:(سلام عليكم)ناويا به الخروج،فالأشبه أنه يجزئ،لانه يقع عليه اسم التسليم،و لأنها كلمة ورد القرآن بصورتها (1).و فيه بعد،لانه مخالف للمنقول عن صاحب الشرع،و لا نسلم وقوع اسم التسليم الشرعي عليه،و لا يلزم من وروده في القرآن التعبّد به في الصلاة.

اما لو قال:(عليكم السلام)فإنه لا يجزئ قطعا،لمخالفته ما جاء في القرآن،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقل:عليك السلام».

تتمّة:

قال أكثر الأصحاب المرأة كالرجل في الصلاة،إلاّ في مواضع تضمن خبر زرارة أكثرها،و هو ما رواه الكليني بإسناده إلى زرارة،قال:«إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها و لا تفرج بينهما،و تضمّ يديها الى صدرها لمكان ثدييها،فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها،فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل،و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها في الأرض،و إذا نهضت

ص: 440


1- المعتبر 2:236. و قوله صلّى اللّه عليه و آله تقدم في ص 426 الهامش 1.

انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا» (1)و هذه الرواية موقوفة على زرارة لكن عمل الأصحاب عليها (2).

و في التهذيب:«فعلى أليتيها كما يقعد الرجل» (3)بحذف لفظة«ليس» و هو سهو من الناسخين،لأن الرواية منقولة من الكافي للكليني و لفظة«ليس» موجودة فيه،و سرى هذا السهو في التصانيف كالنهاية للشيخ (4)و غيرها (5).و هو مع كونه لا يطابق المنقول في الكليني لا يطابق المعنى،إذ جلوس المرأة ليس كجلوس الرجل،لأنها في جلوسها تضمّ فخذيها و ترفع ركبتيها من الأرض، بخلاف الرجل فإنّه يتورك.

و قوله:«فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها»يشعر بان ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجل.و يمكن ان يكون الانحناء مساويا و لكن تضع اليدين على الركبتين (6)،حذرا من ان تتطأطأ كثيرا بوضعها على الركبتين، و تكون بحالة يمكنها وضع اليدين على الركبتين.

و عن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام،قال:«إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» (7).

و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألته عن جلوس المرأة في الصلاة،قال:«تضمّ فخذيها» (8).2.

ص: 441


1- الكافي 3:335 ح 2.
2- راجع:النهاية:73،الغنية:497،المعتبر 2:27.
3- التهذيب 2:94 ح 350.
4- النهاية:73.
5- كالمعتبر للمحقق الحلي 2:270.
6- (و لكن..الركبتين)هكذا الجملة في النسخ،و لعل الصحيح(و لكن لا..)أو(و لكن.. على الفخذين)أو(و لكن..فوق الركبتين).
7- الكافي 3:336 ح 4،التهذيب 2:94 ح 351.
8- الكافي 3:336 ح 7،التهذيب 2:94 ح 352.

و روى العامة عن علي عليه السلام:«ان المرأة تحتفز في الصلاة» (1).

-بالفاء و الزاي-اي تتضمّم،و قد سبق ان الرجل لا يحتفز اي لا يتضمّم بعضه الى بعض.و روى ابن بكير عن بعض أصحابنا،قال:«المرأة إذا سجدت تضممت،و الرجل إذا سجد تفتح» (2).

و لم يزد في التهذيب على هذه الاخبار،و هي غير واضحة الاتصال لكن الشهرة تؤيّدها.3.

ص: 442


1- المصنف لعبد الرزاق 3:138 ح 5071،المصنف لابن أبي شيبة 1:269.
2- الكافي 3:336 ح 8،التهذيب 2:95 ح 353.
الفصل الثاني:فيما يتعقبها من الأذكار،و هو المسمى
اشارة

بالتعقيب.

قال الجوهري:التعقيب في الصلاة:الجلوس بعد ان يقضيها لدعاء أو مسألة (1)و هو غير داخل تحت الضبط.

و لنذكر فيه

مطالب خمس:
المطلب الأول:في فضله.

ورد في تفسير قوله تعالى فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (2):إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب الى ربك في الدعاء،و ارغب إليه في المسألة يعطك،روي عن الباقر و الصادق عليهما السلام (3)و عن مجاهد و قتادة و غيرهما (4).

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من عقّب في صلاة فهو في صلاة» (5).

و روى الشيخ في التهذيب بإسناده الى عبد اللّه بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب» (6).

و في مرسل منصور بن يونس عنه عليه السلام:«من صلّى صلاة فريضة و عقّب إلى أخرى،فهو ضيف اللّه،و حقّ على اللّه ان يكرم ضيفه» (7).

ص: 443


1- الصحاح 1:186،مادة:عقب.
2- سورة أ لم نشرح:7.
3- قرب الاسناد:5،دعائم الإسلام 1:166،مجمع البيان 10:509.
4- مجمع البيان 10:509،الوسيط 4:520.
5- المعجم الكبير 10:273 ح 532 ح 10532،الفائق 3:12.
6- التهذيب 2:104 ح 393.
7- المحاسن:51،الكافي 3:341 ح 3،التهذيب 2:103 ح 388.

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا» (1).

و عن الوليد بن صبيح،عن الصادق عليه السلام:«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات (2).

و عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:«الدعاء في دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع،لفضل المكتوبة على التطوع» (3).

و عن معاوية بن عمار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة،فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته،ثم انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟ قال:«كل فيه فضل،كل حسن».قلت:اني قد علمت ان كلاّ حسن و ان كلاّ فيه فضل.فقال«الدعاء أفضل،أما سمعت قول اللّه عز و جل وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ هي و اللّه العبادة،هي و اللّه أفضل هي و اللّه أفضل،أ ليست هي العبادة!؟هي و اللّه العبادة،أ ليست هي أشدّهن!؟هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن،هي و اللّه أشدّهن» (4).

و عن السكوني عنه عليه السلام،عن أبيه،عن الحسن بن علي عليهما السلام،قال:«من صلّى فجلس في مصلاّه الى طلوع الشمس كان له سترا من النار» (5).0.

ص: 444


1- الكافي 3:342 ح 5،التهذيب 2:103 ح 389،الفقيه 1:216 ح 962.
2- التهذيب 2:104 ح 391.
3- التهذيب 2:104 ح 392.
4- التهذيب 2:104 ح 394،السرائر:472. و الآية في سورة الغافر:60.
5- التهذيب 2:321 ح 1310.

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان أمير المؤمنين عليه السلام قال:إذا فرغ أحدكم من الصلاة،فليرفع يديه الى السماء،و لينصب في الدعاء».فقال ابن سبإ:يا أمير المؤمنين أ ليس اللّه في كل مكان؟قال:

«بلى».قال:فلم يرفع يديه الى السماء؟قال:«اما تقرأ وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ فمن أين يطلب الرزق الاّ من موضعه،و موضع الرزق و ما وعد اللّه السماء» (1).

و عن عاصم القارئ،عن ابن عمر،عن الحسن بن علي،قال:«سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أيما امرئ مسلم جلس في مصلاّه الذي صلّى فيه الفجر يذكر اللّه حتى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاج رسول اللّه،فان جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة فصلى ركعتين أو أربعا،غفر له ما سلف و كان له من الأجر كحاج بيت اللّه» (2).

و عن جابر عن الباقر عليه السلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:[قال اللّه تعالى]:يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة،و اذكرني بعد العصر ساعة،أكفك ما أهمك» (3).

و في كتاب من لا يحضره الفقيه:قال زرارة:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا،و بذلك جرتن.

ص: 445


1- الفقيه 1:213 ح 955،علل الشرائع:344،الخصال:628،التهذيب 2:322 ح 1315. و الآية في سورة الذاريات:22.
2- أمالي الصدوق:469،ثواب الاعمال:68،التهذيب 2:138 ح 535،الاستبصار 1: 350 ح 1321.
3- الفقيه 1:216 ح 964،ثواب الاعمال:69،التهذيب 2:138 ح 536،و منها ما أثبتناه بين المعقوفين.

السنة» (1).

و قال هشام بن سالم لأبي عبد اللّه عليه السلام:اني اخرج و أحب ان أكون معقّبا،فقال:«ان كنت على وضوء فأنت معقّب» (2).3.

ص: 446


1- الفقيه 1:216 ح 962.
2- الفقيه 1:216 ح 963.
المطلب الثاني:يكره النوم بعد صلاة الغداة.

روى محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام:«ان الرزق يبسط تلك الساعة،فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة» (1).

و قال في التهذيب:قال الصادق عليه السلام:«نومة الغداة مشئومة تطرد الرزق،و تصفر اللون و تقبحه و تغيّره،و هو نوم كل مشئوم،ان اللّه تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس،و إياكم تلك النومة.و كان المن و السلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس،فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه،و كان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج الى السؤال و الطلب» (2).

و قال الصادق عليه السلام في قول اللّه عز و جل فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ، قال:«الملائكة تقسم أرزاق بنى آدم ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه» (3).

و روى الرخصة في النوم بعد الصبح عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4)و عن فعل الرضا عليه السلام (5)مع انه روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام، قال:كان و هو بخراسان إذ صلّى الفجر جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك فيستاك بها واحدا بعد واحد،ثم يؤتى بكندر فيمضغه،ثم يؤتى بالمصحف فيقرأ فيه (6).

ص: 447


1- الفقيه 1:317 ح 1443،التهذيب 2:138 ح 538،الاستبصار 1:350 ح 1322.
2- التهذيب 2:139 ح 540،و في الفقيه 1:319 ح 1453.
3- التهذيب 2:139 ح 541. و الآية في سورة الذاريات:4.
4- التهذيب 2:321 ح 1311،الاستبصار 1:350 ح 1324.
5- التهذيب 2:320 ح 1309،الاستبصار 1:350 ح 1323.
6- الفقيه 1:319 ح 1455.

و روى الصدوق عن الباقر عليه السلام:«النوم أول النهار خرق-اي:ليس برفق-و القائلة نعمة،و النوم بعد العصر حمق،و النوم بين العشاءين يحرم الرزق.و النوم على أربعة أوجه:نوم الأنبياء عليهم السلام على أقفيتهم لمناجاة الوحي،و نوم المؤمنين على ايمانهم،و نوم الكفار على أيسارهم،و نوم الشياطين على وجوههم» (1).

و قال عليه السلام:«من رأيتموه نائما على وجهه فأنبهوه (2).

قال الصدوق:و أتى أعرابي النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:اني كنت ذكورا و اني صرت نسيا،فقال:«أ كنت تقيل؟»قال:نعم،و تركت ذلك.فقال:

«عد».فعاد فعاد اليه ذهنه (3).9.

ص: 448


1- الفقيه 1:318 ح 1446.
2- الفقيه 1:318 ح 1447،الخصال:613.
3- الفقيه 1:318 ح 1449.
المطلب الثالث:فيما يعقب به على الإطلاق.

قال الأصحاب:يكبّر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه (1)-كما تقدم- و يضعها في كل مرة الى أن تبلغ فخذيه أو قريبا منهما.

و قال المفيد-رحمه اللّه-:يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه و بباطنهما القبلة،ثم يخفض يديه الى نحو فخذيه،و هكذا ثلاثا (2).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:قل بعد التسليم:«اللّه أكبر، لا إله اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت و هو حي لا يموت،بيده الخير و هو على كل شيء قدير،لا إله إلا اللّه وحده،صدق وعده، و نصر عبده،و هزم الأحزاب وحده،اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك،انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم» (3).

و منه تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام.روى ابن سنان عنه عليه السلام:«من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه له،و يبدأ بالتكبير» (4).

و عن أبي هارون المكفوف عنه عليه السلام:«إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة،فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي» (5).

و عن صالح بن عقبة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«ما عبد اللّه

ص: 449


1- راجع:المبسوط 1:117،الغنية:497،تذكرة الفقهاء 1:127.
2- المقنعة:18.
3- التهذيب 2:106 ح 402.
4- الكافي 3:342 ح 6،الفقيه 1:210 ح 946،ثواب الاعمال:196،التهذيب 2:105 ح 395.
5- الكافي 3:343 ح 13،أمالي الصدوق:464،ثواب الاعمال:195،التهذيب 2:105 ح 397.

بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليهما السلام،و لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام» (1).

و عن أبي خالد القماط سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة،أحب اليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم» (2).

و صورته عند أكثر الأصحاب ما رواه محمد بن عذافر،قال:دخلت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها السلام، فقال:«اللّه أكبر حتى أحصى أربعا و ثلاثين،ثم قال:الحمد للّه،حتى بلغ سبعا و ستين،ثم قال:سبحان اللّه،حتى بلغ مائة جملة واحدة» (3)و مثله رواه أبو بصير عنه عليه السلام (4).

و قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:يقدّم التسبيح على التحميد (5).و الأول أشهر.

و في مرسلة ابن أبي نجران عن الصادق عليه السلام:«من سبح اللّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة،و اتبعها بلا إله إلاّ اللّه،غفر له» (6).

و منه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه ذات يوم:أ رأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب و الآنية،ثم وضعتم بعضه على بعض،أ ترونه يبلغ السماء؟قالوا:لا يا رسول اللّه.فقال:يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته:سبحان اللّه،و الحمد للّه،6.

ص: 450


1- الكافي 3:343 ح 14،التهذيب 2:105 ح 398.
2- الكافي 3:343 ح 15،ثواب الاعمال:196،التهذيب 2:105 ح 399.
3- المحاسن:36،الكافي 3:342 ح 8،التهذيب 2:105 ح 400.
4- الكافي 3:342 ح 9،التهذيب 2:106 ح 401.
5- الفقيه 1:210،المقنع:29.
6- المحاسن:36،الكافي 3:342 ح 7،التهذيب 2:105 ح 396.

و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،ثلاثين مرة،و هنّ يدفعن الهدم و الغرق و الحرق، و التردي في البئر،و أكل السبع،و ميتة السوء،و البلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم» (1).

و منه ما رواه سلام المكي عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«أتى رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله يقال له شيبة الهذلي،فقال:يا رسول اللّه اني شيخ قد كبر سني،و ضعفت قوتي عن عمل كنت عوّدته نفسي من صلاة و صيام و حج و جهاد،فعلمني يا رسول اللّه كلاما ينفعني اللّه به،و خفف عليّ يا رسول اللّه.

فقال:أعد،فأعاد ثلاث مرات.فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ما حولك شجرة و لا مدرة الا و قد بكت من رحمتك،فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات:سبحان اللّه العظيم و بحمده لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، فان اللّه يعافيك بذلك من العمى و الجنون،و الجذام و الفقر و الهرم.

فقال يا رسول اللّه:هذا للدنيا فما للآخرة؟فقال:تقول في دبر كل صلاة:اللهم اهدني من عندك،و أفض عليّ من رحمتك،و انشر عليّ من رحمتك،و انزل عليّ من بركاتك.

قال:فقبض عليهن بيده ثم مضى،فقال رجل لابن عباس:شد ما قبض عليها خالك (2)!فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:اما انه ان وافى بها يوم القيامة، لم يدعها متعمدا،فتح اللّه ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من ايها شاء» (3).ل.

ص: 451


1- ثواب الاعمال:26،التهذيب 2:107 ح 406.
2- قال المجلسي في بحار الأنوار 86:20،و ملاذ الأخيار 3:615:(خالك)اي:صاحبك، يقال:انا خال هذا الفرس،اي:صاحبه.و يمكن ان يراد بالخال معناه الحقيقي،و يكون عبد اللّه بن عباس منتسبا من جانب الأم إلى هذيل.و اللّه أعلم.
3- أمالي الصدوق:54،ثواب الاعمال:191،التهذيب 2:106 ح 404 و فيه:شيبة الهذيل.

و منه ما رواه ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل:

اُذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً ،قال:«ان يسبّح في دبر المكتوبة ثلاثين مرة» (1).

و منه ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«أقل ما يجزئك من الدعاء بعد الفريضة ان تقول:اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك، و أعوذ بك من كل سوء (2)أحاط به علمك،اللهم إني أسألك عافيتك في أموري كلها،و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة» (3).

و روى زرارة عنه عليه السلام،انه قال:«لا تنسوا الموجبتين»أو قال:

«عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة».قلت:و ما الموجبتان؟قال:«تسأل اللّه الجنة،و تعوذ باللّه من النار» (4).

و منه انه إذ فرغ من التسليم،قال ابن بابويه:إذا فرغ من تسبيح فاطمة عليها السلام قال:اللهم أنت السلام،و منك السلام،و لك السلام،و إليك يعود السلام،سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،السلام على جميع أنبياء اللّه (5)و ملائكته (6)السلام على الأئمة الهادين المهديين ثم تذكر (7)الأئمة واحدا واحدا (8).

و منه ما رواه محمد الواسطي،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام2.

ص: 452


1- قرب الاسناد:79،التهذيب 2:107 ح 405. و الآية في سورة الأحزاب:41.
2- في ط و المصادر:«شر».
3- الكافي 3:343 ح 16،الفقيه 1:212 ح 948،التهذيب 2:107 ح 407.
4- الكافي 3:343 ح 19،معاني الأخبار:183،التهذيب 2:108 ح 408.
5- في المصدر زيادة:و رسله.
6- في المصدر زيادة:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.
7- في المصدر:تسلم على.
8- الفقيه 1:212.

يقول:«لا تدع في دبر كل صلاة:أعيذ نفسي و ما رزقني ربي باللّه الواحد الصمد حتى تختمها،و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي برب الفلق حتى تختمها، و أعيذ نفسي و ما رزقني ربي برب الناس حتى تختمها» (1).

و منه ما روي في الفقيه و التهذيب مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام، انه قال:«من أحب أن يخرج من الدنيا،و قد تخلّص من الذنوب كما يتخلّص الذهب الذي لا كدر فيه،و لا يطلبه أحد بمظلمة،فليقل في دبر كل صلاة نسبة الرب تبارك و تعالى اثنتي عشرة مرة،ثم يبسط يديه و يقول:اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك،و أسألك باسمك العظيم و سلطانك القديم ان تصلي على محمد و آل محمد.يا واهب العطايا،يا مطلق الأسارى،يا فاكّ،الرقاب من النار،أسألك ان تصلي على محمد و آل محمد، و ان تعتق رقبتي من النار،و تخرجني من الدنيا آمنا،و تدخلني الجنة سالما،و ان تجعل دعائي أوله فلاحا،و أوسطه نجاحا،و آخره صلاحا،انك أنت علام الغيوب».ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:«هذا من المخبيّات مما علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أمرني أن اعلّم الحسن و الحسين عليهما السلام» (2).

قلت:المخبيّات من خبئ لما لم يسم فاعله،و لولاه لكان المخبوءات، و كلاهما صحيح.

و منه ما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول إذا فرغ من صلاته -ذكره الخاصة و العامة-:«اللهم اغفر لي ما قدّمت و ما أخّرت،و ما أسررت و ما أعلنت،و إسرافي على نفسي،و ما أنت أعلم به مني.اللهم أنت المقدّم و أنت المؤخّر،لا إله إلا أنت،بعلمك الغيب و بقدرتك على الخلق أجمعين ما0.

ص: 453


1- الكافي 3:343 ح 18،التهذيب 2:108 ح 409.
2- الفقيه 1:212 ح 949،التهذيب 2:108 ح 410.

علمت الحياة خيرا لي فأحيني،و توفّني إذا علمت انّ الوفاة خيرا لي.

اللهم إني أسألك خشيتك في السرّ و العلانية،و كلمة الحق في الغضب و الرضا،و القصد في الفقر و الغنى.و أسألك نعيما لا ينفد،و قرة عين لا تنقطع.

و أسألك الرضا بالقضاء،و برد العيش بعد الموت،و لذة النظر الى وجهك، و شوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة و لا فتنة مضلّة.

اللهم زيّنا زينة الايمان و اجعلنا هداة مهتدين (1).اللهم اهدنا فيمن هديت.

اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد،و الثبات في الأمر و الرشد.و أسألك شكر نعمتك،و حسن عاقبتك،و أداء حقك.و أسألك يا رب قلبا سليما،و لسانا صادقا،و أستغفرك لما تعلم.و أسألك خير ما تعلم،و أعوذ بك من شر ما تعلم و ما لا نعلم،و أنت علاّم الغيوب» (2).

و منها:ما رواه في التهذيب بإسناد قريب الأمر (3)عن الحسين بن ثوير و أبي سلمة السراج،انهما سمعا أبا عبد اللّه عليه السلام في دبر كل مكتوبة يلعن أعداء الإسلام (4).

و قال الصدوق:قال صفوان الجمال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام إذا صلّى ففرغ من صلاته رفع يديه فوق رأسه (5).

و قال أبو جعفر عليه السلام:«ما بسط عبد يده الى اللّه عز و جل الا أستحيي اللّه تعالى أن يردّها صفرا،حتى يجعل فيها من فضله و رحمته ما يشاء، فإذا دعي أحدكم فلا يردّ يده حتى يمسح بها على رأسه و وجهه».قال الصدوق:و في خبر آخر:«على وجهه و صدره» (6).3.

ص: 454


1- في الفقيه و الكافي:«مهديين».
2- الكافي 2:398 ح 6،الفقيه 1:215.
3- في هامش م:إلى الصحة.
4- الكافي 3:342 ح 10،التهذيب 2:321 ح 1313.
5- الفقيه 1:213 ح 952،التهذيب 2:106 ح 403.
6- الفقيه 1:213 ح 953.

قلت:الحياء:انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم،فإذا نسب الى اللّه تعالى فالمراد به الترك اللازم للانقباض،كما انّ المراد من رحمته اصابة المعروف و من غضبه اصابة المكروه اللازمين لمعنييهما.

و منه قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه يستحيي من ذي الشيبة أن يعذبه» (1).

و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا ما يقرب من حديث الباقر عليه السلام:«انّ اللّه حيي كريم،يستحيي إذا رفع العبد يديه ان يردّهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا» (2).

و يستحبّ رفع اليدين في الدعاء كله؛لقول أمير المؤمنين عليه السلام:

«إذا فرغ أحدكم من الصلاة،فليرفع يديه الى السماء،و لينصب في الدعاء» (3).

و يستحب الختم بقوله تعالى سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (4)،فعن أمير المؤمنين عليه السلام:«من أراد ان يكتال بالمكيال الأوفى فليكن ذلك آخر قوله» (5).

و يستحب تعميم الدعاء؛لأنّه أقرب للإجابة،بذلك ورد الخبر عن النبي (6)و الأئمة عليهم السلام (7).9.

ص: 455


1- نحوه في كنز العمال 15:672 ح 2674 عن ابن النجار،و راجع كشف الخفاء 1:284 ح 742.
2- المصنف لعبد الرزاق 2:251 ح 2351،مسند أبي يعلى 3:391 ح 1867،المستدرك على الصحيحين 1:497.
3- الفقيه 1:213 ح 955،علل الشرائع:344،الخصال:628،التهذيب 2:322 ح 1315.
4- سورة الصافات:180-182.
5- الفقيه 1:213 ح 954.
6- راجع:الكافي 2:368 ح 5،أمالي الصدوق:369.
7- راجع:الكافي 2:368 ح 7،أمالي الصدوق:369.
المطلب الرابع:في الإشارة الى ما يختص بالصلوات.

روى ابن بابويه:أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول بعد صلاة الزوال:«اللهم إني أتقرب إليك بجودك و كرمك،و أتقرب إليك بمحمد عبدك و رسولك،و أتقرب إليك بملائكتك المقربين و أنبيائك المرسلين و بك.اللهم (1).

الغني عني و بي الفاقة إليك،أنت الغني و أنا الفقير إليك،أقلني عثرتي،و استر عليّ ذنوبي،اقض اليوم حاجتي،و لا تعذبني اليوم بقبيح تعلم مني،بل عفوك يسعني وجودك».ثم يخرّ ساجدا و يقول:«يا أهل التقوى و أهل المغفرة،يا برّ يا رحيم،أنت أبرّ بي من أبي و أمي و من جميع الخلائق،اقلبني بقضاء حاجتي،مجابا دعائي،مرحوما صوتي،قد كشفت أنواع البلاء عني» (2).

و يستغفر اللّه عقيب العصر سبعين مرة (3)و في رواية:«سبعا و سبعين» (4)و في أخرى:«مائة» (5).و صورته(استغفر ربي و أتوب اليه).و يقول سبعا:

«اللهم صلّ على محمد و آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك،و بارك عليهم بأفضل بركاتك،و السلام عليهم و على أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته» (6)و ان كانت عصر الجمعة يقولها عشرا و ثوابها عظيم (7).

و ليكن من دعائه بعد العصر:اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، و منتهى الرحمة من كتابك،و باسمك الأعظم،و كلماتك التامة التي تمت صدقا

ص: 456


1- في الكافي زيادة:«أنت»،و في الفقيه زيادة:«لك».
2- الكافي 2:396 ح 1،الفقيه 1:213 ح 956.
3- أمالي الصدوق:211 ح 8،المقنعة:18،التهذيب 3:19 ح 68،أمالي الطوسي 2:121،مصباح المتهجد:65،ثواب الأعمال:59،فلاح السائل:198، مكارم الأخلاق:313.
4- أمالي الصدوق:211 ح 8،المقنعة:18،التهذيب 3:19 ح 68،أمالي الطوسي 2:121،مصباح المتهجد:65،ثواب الأعمال:59،فلاح السائل:198، مكارم الأخلاق:313.
5- أمالي الصدوق:211 ح 8،المقنعة:18،التهذيب 3:19 ح 68،أمالي الطوسي 2:121،مصباح المتهجد:65،ثواب الأعمال:59،فلاح السائل:198، مكارم الأخلاق:313.
6- أمالي الصدوق:211 ح 8،المقنعة:18،التهذيب 3:19 ح 68،أمالي الطوسي 2:121،مصباح المتهجد:65،ثواب الأعمال:59،فلاح السائل:198، مكارم الأخلاق:313.
7- جمال الأسبوع:445.

و عدلا،ان تصلّي على محمد و آل محمد،و ان تفعل بي كذا و كذا (1).

و عن الصادق عليه السلام:«من قال إذا صلّى المغرب ثلاث مرات:

الحمد للّه الذي يفعل ما يشاء و لا يفعل ما يشاء غيره،اعطي خيرا كثيرا» (2).

و قال عليه السلام:«تقول بعد العشاءين:اللهم بيدك مقادير الليل و النهار،و مقادير الدنيا و الآخرة،و مقادير الموت و الحياة،و مقادير الشمس و القمر،و مقادير النصر و الخذلان،و مقادير الغنى و الفقر.اللهم ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس،و اجعل منقلبي إلى خير دائم و نعيم لا يزول» (3).

و عن محمد بن الفرج،قال:كتب اليّ أبو جعفر محمد بن الرضا عليهما السلام بهذا الدعاء و علمنيه،و قال:«من دعا به في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة الا يسّرت له،و كفاه اللّه ما أهمّه:بسم اللّه،و صلّى اللّه على محمد و آله، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ، فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا . لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ . حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ .ما شاء اللّه،لا حول و لا قوة إلا باللّه،ما شاء اللّه لا ما شاء الناس، ما شاء اللّه و ان كره الناس.حسبي الرب من المربوبين،حسبي الخالق من المخلوقين،حسبي الرازق من المرزوقين،حسبي الذي لم يزل حسبي، حسبي من كان منذ كنت حسبي، حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ،عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (4).

و عن هلقام،قال:أتيت أبا إبراهيم عليه السلام فقلت له:جعلتر.

ص: 457


1- أورده المفيد في المقنعة:18.
2- الكافي 2:396 ح 2،الفقيه 1:214 ح 957،التهذيب 2:115 ح 430.
3- التهذيب 2:115 ح 432.و في الفقيه 1:214 ح 958«بين العشاءين»،و في الكافي 2: 397 ح 3 بزيادة بعض العبارات.
4- الكافي 2:398 ح 6،الفقيه 1:214 ح 959،باختلاف يسير.

فداك،علمني دعاء جامعا للدنيا و الآخرة و أوجز،فقال:«قل في دبر صلاة الفجر الى ان تطلع الشمس:سبحان اللّه (1)و بحمده،و استغفر اللّه و اسأله من فضله».قال هلقام:و لقد كنت أسوأ أهل بيتي حالا و اني اليوم من أيسر أهل بيتي،و ما ذاك الا مما علمني مولاي عليه السلام (2).

و عن مسمع كردين،قال:صليت مع أبي عبد اللّه عليه السلام أربعين صباحا،و كان إذا انفتل رفع يديه الى السماء و قال:«أصبحنا و أصبح الملك للّه،اللهم(انا عبدك و ابن عبديك) (3)اللهم احفظنا من حيث نتحفظ و من حيث لا تنحفظ،اللهم احرسنا من حيث نحرس و من حيث لا نحرس،اللهم استرنا من حيث نستر و من حيث لا نستر،اللهم استرنا بالغنى و العافية،اللهم ارزقنا العافية (4)و ارزقنا الشكر عليها (5).

قلت:في هذا إشارة إلى أنه دعاء مستقبل القوم،و لعلّ هذا بعد الفراغ من التعقيب،فإنه قد ورد ان المعقّب يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة و في التورك،و انّ ما يضرّ بالصلاة يضر بالتعقيب.أو يقال:هذا يختص بالصبح لا غير.أو يقال:المراد بانفتاله فراغه من الصلاة و ايماؤه بالتسليم.3.

ص: 458


1- في المصدرين زيادة:«العظيم».
2- الكافي 2:400 ح 12،الفقيه 1:216 ح 961.
3- في المصدر:«انا عبيدك و أبناء عبيدك».
4- في المصدر زيادة:«و داوم العافية».
5- الفقيه 1:223 ح 983.
المطلب الخامس:في سجدتي الشكر.

و ثوابهما عظيم.روى مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«سجدة الشكر واجبة على كل مسلم،تتمّ بها صلاتك،و ترضي بها ربك،و تعجب الملائكة منك.و ان العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر،فتح الرب تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و الملائكة،فيقول:يا ملائكتي انظروا الى عبدي أدّى فرضي،و أتمّ عهدي،ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه،ملائكتي ما ذا له؟فتقول الملائكة:يا ربنا رحمتك.فيقول الرب تعالى:ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة:يا ربنا كفاية مهمّة.فيقول الرب تعالى:ثم ما ذا؟فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة.ثم يقول اللّه تعالى:ثم ما ذا؟فتقول الملائكة:يا ربنا لا علم لنا.فيقول اللّه تعالى:اشكر له كما شكر لي،و اقبل إليه بفضلي،و أريه وجهي» (1)،أورده في الفقيه و التهذيب (2).

و روى أبو الحسين الأسدي-رحمه اللّه-:انّ الصادق عليه السلام قال:

«انما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة،ليشكر اللّه تعالى ذكره على ما منّ به عليه من أداء فرضه» (3).

و قال الباقر عليه السلام:«أوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السلام:

أ تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟قال موسى:لا يا رب.قال:يا موسى

ص: 459


1- في التهذيب:«رحمتي». و الصدوق أورده كما في المتن و قال:من وصف اللّه تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر و أشرك،و وجهه أنبياؤه و حججه صلوات اللّه عليهم،و هم الذين يتوجه بهم العباد الى اللّه عز و جل و الى معرفته و معرفة دينه،و النظر إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفرق على كل ثواب..و قال عز و جل فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ يعني فثم الوجه الى اللّه،و لا يجب ان ينكر من الاخبار ألفاظ القرآن.
2- الفقيه 1:220 ح 978،التهذيب 2:110 ح 415.
3- الفقيه 1:219 ح 977.

اني قلبت عبادي ظهرا لبطن،فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك،يا موسى انك إذا صلّيت وضعت خديك على التراب» (1).

و أذكارها كثيرة،منها:ما رواه عبد اللّه بن جندب،عن موسى بن جعفر عليهما السلام انه كان يقول فيها:«اللهم إني أشهدك،و أشهد ملائكتك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك،انك اللّه ربي،و الإسلام ديني،و محمد نبيي،و علي و الحسن و الحسين-و يعدّ الأئمة-أئمتي،لهم أتولّى و من عدوهم أتبرأ.اللهم إني أنشدك دم المظلوم-ثلاثا-اللهم إني أسألك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا و أيدي المؤمنين،اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك و عدوهم،اللهم إني أسألك ان تصلّي على محمد و على المستحفظين من آل محمد-ثلاثا-اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر.

ثم تضع خدك الأيمن على الأرض و تقول:يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت،و يا بارئ خلقي رحمة لي و كنت عن خلقي غنيا،صلّ على محمد و آل محمد و على المستحفظين من آل محمد -ثلاثا.ثم تضع خدك الأيسر على الأرض و تقول:يا مذلّ كل جبار،و يا معز كل ذليل،قد و عزتك بلغ مجهودي (2).ثم تعود الى السجود و تقول مائة مرة شكرا شكرا ثم تسأل حاجتك» (3).

و قال ابن أبي عقيل:يقول في رأس كل عشر منها:شكرا للمنعم،ثم يعفّر خده الأيمن و يقول:أنشدك اليسر بعد العسر،سبعا،أنشدك نصرة المظلوم،سبعا.ثم يعفّر خده الأيسر و يقول ذلك.6.

ص: 460


1- الكافي 2:100 ح 7،الفقيه 1:219 ح 974،علل الشرائع:56.
2- في جميع المصادر زيادة:ثلاثا،و بعدها في الكافي و التهذيب زيادة:«ثم تقول:يا حنان يا منان،يا كاشف الكرب العظام،ثلاثا».
3- الكافي 3:325 ح 17،الفقيه 1:217 ح 966،التهذيب 2:110 ح 416.

و عن سليمان بن حفص المروزي،قال كتب اليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام:«قل في سجدة الشكر مائة مرة:شكرا شكرا،و ان شئت:عفوا عفوا» (1).

و عن محمد بن سليمان،عن أبيه،عن الكاظم عليه السلام:انّه أحصي له فيها ألف مرة:العفو العفو (2).

و روى الأصحاب:أدنى ما يجزئ فيها ان تقول:شكرا،ثلاثا (3).

و قال الصادق عليه السلام:«انّ العبد إذا سجد فقال:يا رب،حتى ينقطع نفسه،قال الرب عز و جل:لبيك ما حاجتك» (4).

و هنا فوائد سبع:

الأولى: يستحب ان تكون هذه السجدة عقيب تعقيبه،حيث تجعل خاتمته.و روى الصدوق انّ الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلّي فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (5).

الثانية: يستحب فيها ان يفترش ذراعيه بالأرض،و يلصق جؤجؤه بالأرض،و هو صدره-بضم الجيمين و الهمز بعدهما-مأخوذ من جؤجؤ الطائر و السفينة.

روى في التهذيب بإسناده الى جعفر بن علي،قال:رأيت أبا الحسن عليه السلام و قد سجد بعد الصلاة،فبسط ذراعيه و ألصق جؤجؤه بالأرض في ثيابه (6).1.

ص: 461


1- الفقيه 1:218 ح 969،و عن موسى بن جعفر عليه السلام في الكافي 3:326 ح 18، التهذيب 2:111 ح 417.
2- الكافي 3:326 ح 19،التهذيب 2:111 ح 418.
3- علل الشرائع:360.
4- الفقيه 1:219 ح 975.
5- الفقيه 1:218 ح 970.
6- الكافي 3:324 ح 14،التهذيب 2:85 ح 311.

و روى يحيى بن عبد الرحمن،قال:رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر،فافترش ذراعيه و ألصق صدره و بطنه،فسألته عن ذلك،فقال:

«كذا يجب» (1)و المراد به شدّة الاستحباب.

الثالثة: يستحب فيها تعفير الجبين بين السجدتين؛لما مرّ،و كذا تعفير الخدين.و هو مأخوذ من العفر-بفتح العين و الفاء-و هو التراب،و فيه إشارة إلى استحباب وضع ذلك على التراب،و الظاهر تأدي السنّة بوضعها على ما اتفق، و ان كان الوضع على التراب أفضل.

الرابعة: يستحب المبالغة في الدعاء و طلب الحوائج فيها،و بذلك أخبار كثيرة.و مما يقال فيها ما رواه الشيخ أبو جعفر في أماليه:«اللهم إني أسألك بحق من رواه و روى عنه صلّ على جماعتهم،و افعل بي كذا» (2).

الخامسة: يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده على موضع سجوده، ثم يمرّها على وجهه من جانب خدّه الأيسر،و على جبهته الى جانب خدّه الأيمن،و يقول:«بسم اللّه الذي لا إله الا هو،عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم،اللهم أذهب عني الغم و الحزن،ثلاثا»-رواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السلام-فإنّه يدفع الهمّ (3).م.

ص: 462


1- الكافي 3:324 ح 15،التهذيب 2:85 ح 312.
2- روى أبو علي الطوسي في أماليه عن أبيه عن أبي محمد الفحام بإسناده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،قال قال:«من ادى للّه مكتوبة فله في أثرها دعوة مستجابة».قال ابن الفحام:رأيت و اللّه أمير المؤمنين عليه السلام في النوم فسألته عن الخبر،فقال:«صحيح إذا فرغت من المكتوبة فقل و أنت ساجد»و أورد الخبر.أمالي الطوسي 1:295. قال المجلسي في البحار 85:321 بعد إيراده الخبر:الضمير في رواه لعله راجع الى هذا الخبر،فيحتمل اختصاص الدعاء بهذا الراوي،و لا يبعد ان يكون المراد الاستشفاع بالأئمة عليهم السلام لا بهذا اللفظ،بل بما ورد في سائر الأدعية بأن يقول:بحق محمد و علي إلخ لأنهم داخلون فيمن روى هذا الخبر و روي عنه،و في بعض الكتب بدون الضمير فيهم.
3- الفقيه 1:218 ح 168.و في التهذيب 2:112 ح 420 أرسله إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السلام.

و في مرفوع اليه عليه السلام:«إذا كان بك داء من سقم أو وجع،فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض و ادع بهذا الدعاء،و أمرّ يدك على موضع وجعك سبع مرات تقول:يا من كبس الأرض على الماء،و سدّ الهواء بالسماء،و اختار لنفسه أحسن الأسماء،صلّ على محمد و آل محمد،و افعل بي كذا،و ارزقني كذا،و عافني من كذا» (1).

و يستحب إذا أراد الانصراف من الصلاة أن ينصرف عن يمينه،رواه سماعة عن الصادق عليه السلام (2).

السادسة: كما تستحب سجدة الشكر عقيب الصلاة تستحب عند هجوم نعمة أو دفع نقمة؛لما روي:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جاءه شيء يسره خرّ ساجدا (3).و سجد صلّى اللّه عليه و آله فأطال،فسئل عنه فقال:

«أتاني جبرئيل فقال:من صلّى عليك مرة صلّى اللّه عليه عشرا،فخررت شكرا للّه» (4).

و روي:ان عليا عليه السلام سجد شكرا يوم النهروان لما وجدوا ذا الثدية (5).

و هذه حجة على من لا يرى شرعيتها من العامة،كمالك و أبي حنيفة (6).0.

ص: 463


1- الكافي 3:344 ح 23،التهذيب 2:112 ح 419.
2- الكافي 3:338 ح 8،التهذيب 2:317 ح 1294.
3- مسند احمد 5:45،سنن ابن ماجة 1:446 ح 1394،سنن أبي داود 3:89 ح 2774، الجامع الصحيح 4:141 ح 1578،سنن الدار قطني 1:410،المستدرك على الصحيحين 1:276،السنن الكبرى 2:370.
4- مجمع الزوائد 2:287 عن الطبراني في الصغير و الأوسط. و نحوه في:مسند احمد 1:191،مسند أبي يعلى 2:164 ح 858،المستدرك على الصحيحين 1:222،السنن الكبرى 2:371.
5- المصنف لعبد الرزاق 3:358 ح 5962،مسند احمد 1:108،السنن الكبرى 2:371.
6- المجموع 4:70،حلية العلماء 2:126،المغني 1:690.

و رووا أيضا ان أبا بكر لما بلغه فتح اليمامة و قتل مسيلمة سجد شكرا (1).

و روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله رأى نغاشيا-و هو القصير الزري- فسجد شكرا (2).

و قد روى في التهذيب بإسناده إلى سعد بن سعد،عن الرضا عليه السلام،قلت له:انّ أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة و يقولون:

هي سجدة الشكر،فقال:انما الشكر إذا أنعم اللّه على عبد النعمة أن يقول:

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ - وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (3)و حمله الشيخ على التقية (4).

قلت:للإجماع على شرعية هذه السجدة من الإمامية.

و قد روى الصدوق عن عبد العزيز بن الحجاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«من سجد سجدة الشكر لنعمة و هو متوضئ،كتب اللّه له بها عشر صلوات،و محا عنه عشر خطايا عظاما» (5).

فرع:

هل يستحب عند تذكّر النعمة و ان لم تكن متجدّدة؟ الظاهر نعم إذا لم يكن قد سجد لها؛لأنّ الشكر على هذا الوجه مستحب فيؤتى به متى أمكن،و في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليهم.

ص: 464


1- المصنف لعبد الرزاق 3:358 ح 5963،مختصر المزني:17،السنن الكبرى 2:371.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:357 ح 5960،5964،مختصر المزني:17،سنن الدار قطني 1: 410،المستدرك على الصحيحين 1:276،السنن الكبرى 2:371.
3- التهذيب 2:109 ح 413. و الآية في سورة الزخرف:13،14.
4- الهامش السابق.
5- الفقيه 1:218 ح 971 عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

السلام إيماء إليه،حيث قال:«إذا ذكرت نعمة اللّه عليك،و كنت في موضع لا يراك أحد،فألصق خدك بالأرض.و إذا كنت في ملأ من الناس،فضع يدك.

على أسفل بطنك و احن ظهرك،و ليكن تواضعا للّه فان ذلك أحبّ،و ترى انّ ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك» (1).

و يستحب إذا سجد لرؤية مبتلى ستره عنه،لئلا يتأذّى به.و لو كان لرؤية فاسق،و رجا بإظهاره توبته،فليظهره.

السابعة:ليس في سجود الشكر تكبيرة الافتتاح، و لا تكبيرة السجود،و لا رفع اليدين،و لا تشهد،و لا تسليم.

و هل يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود؟أثبته في المبسوط (2).

و هل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟في الأخبار السالفة إيماء اليه،و الظاهر انه غير شرط؛لقضية الأصل.اما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا؛ليتحقق مسمّى السجود.

و يجوز فعله على الراحلة اختيارا؛لأصالة الجواز.

و يلحق بذلك سجدة التلاوة؛و فيها مسائل.

الأولى: أجمع الأصحاب على انّ سجدات القرآن خمس عشرة:ثلاث في المفصّل،و هي في:النجم،و انشقت،و اقرأ.و اثنتا عشرة في باقي القرآن، و هي في:الأعراف،و الرعد،و النحل،و بني إسرائيل،و مريم،و الحج في موضعين،و الفرقان،و النمل،و الم تنزيل،و ص،و حم فصلت.

و قد رواه العامة عن عبد اللّه بن عمر:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرأنا خمس عشرة سجدة:ثلاث في المفصل،و سجدتان في الحج (3).

ص: 465


1- التهذيب 2:112 ح 421.
2- المبسوط 1:114.
3- سنن ابن ماجة 1:335 ح 1057،سنن أبي داود 2:58 ح 1401،سنن الدار قطني 1: 408،المستدرك على الصحيحين 1:223،السنن الكبرى 2:314،و في الجميع:عن عمرو بن العاص.

و عن عقبة بن عامر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سئل أ في الحج سجدتان؟ فقال:«نعم،من لم يسجدهما فلا يقرأها» (1).

و روى ابن عباس:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سجد في ص،و قرأ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (2)يعني:هدى اللّه داود و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يقتدي به.

الثانية:يجب منها أربع -و هي في:الم تنزيل،و فصلت،و النجم، و اقرأ-لوجوه خمسة:

أحدها: إجماع العترة المرضية و إجماعهم حجّة.

الثاني:كونها بصيغة الأمر فيما عدا(الم)، و الأمر للوجوب.و اما فيها فلانّه تعالى حصر المؤمن بآياته في الذي إذا ذكّر بها سجد،و هو يقتضي سلب الايمان عند عدم السجود،و سلب الإيمان منهي عنه،فيجب السجود لئلا يخرج عن الايمان.

فإن قلت:المراد بالمؤمنين الكمّل،بدليل الإجماع على انّه لا يكفر تارك هذه السجدة متعمّدا،فهو كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الآية (3).

قلت:يكفينا انتفاء كمال الايمان عند انتفاء السجود و يلزم منه المطلوب؛لأنّ تكميل الايمان واجب.

فان قلت:لا نسلّم وجوب تكميل الايمان مطلقا،بل انما يجب تكميله2.

ص: 466


1- مسند احمد 4:151،سنن أبي داود 2:58 ح 1402،الجامع الصحيح 2:464 ح 575، سنن الدار قطني 1:408،المستدرك على الصحيحين 1:221،السنن الكبرى 2:317.
2- احكام القرآن للجصاص 3:380. و الآية في سورة الانعام:90.
3- سورة الأنفال:2.

إذا كان بواجب،فلم قلتم انّ ذلك واجب فإنّه محل النزاع؟و اما تكميله بالمستحب فمستحب كما في و جل القلب.

قلت:الظاهر انّ فقد الكمال نقصان في حقيقة الايمان،و خروج غير الوجل منه بدليل من خارج لا يقتضي اطراد التكميل في المندوبات.

الثالث: ما روي عن علي عليه السلام انّه قال:«عزائم السجود أربع» و عدّها (1)و العزيمة ترادف الواجب،و لانّه لو لا كونها مرادفة للواجب لم يكن في التخصيص بهذه الأربع فائدة؛لأنّ البواقي مستحبة.

و قد نبّه على ذلك ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد (2)و ان كنت جنبا،و ان كانت المرأة لا تصلي.و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت،و ان شئت لم تسجد» (3).

و روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها،فلا تكبّر قبل سجودك و لكن تكبّر حين ترفع رأسك،و العزائم أربع:حم السجدة،و تنزيل،و النجم،و اقرأ باسم ربك» (4).

الرابع:قوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (5) و هو ذم على ترك السجود فلا بد له من محمل،و لا أصرح من هذه الأربع فتحمل عليها.

فان قلت:السجدة الثانية في الحج بصيغة الأمر،فتكون واجبة لعين ما ذكرتم من الصراحة.

قلت:يأبى وجوبها الإجماع على نفيه،فإنّ أبا حنيفة الذي يوجب1.

ص: 467


1- المصنف لعبد الرزاق 3:336 ح 5863،المصنف لابن أبي شيبة 2:17،السنن الكبرى 2: 315.
2- في المصدرين زيادة:«و ان كنت على غير وضوء».
3- الكافي 3:318 ح 2،التهذيب 2:291 ح 1171،مضمرا عن أبي بصير.
4- الكافي 3:317 ح 1،التهذيب 2:291 ح 1170.
5- سورة الانشقاق:21.

السجدات على الإطلاق لا يوجب هذه (1)فلم يقل بوجوبها أحد،و لأنها مقرونة بالركوع فتجب حيث يجب الركوع.

الخامس: ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«السجدة على من سمعها» (2)و ظاهر«على»الوجوب.ترك العمل به في غير العزائم الأربع،فتبقى العزائم بحالها.

فان قلت:الحنفية يعملون به في جميع السجدات.

قلت:محجوجون بأصالة البراءة،و بما روي من ترك النبي صلّى اللّه عليه و آله بعض السجدات (3)و بما روي انّ عمر قرأ على المنبر سورة سجدة فنزل و سجد الناس معه،فلما كان في الجمعة الأخرى قرأها فتهيأ الناس للسجود،فقال:على رسلكم انّ اللّه لم يكتبها علينا الاّ ان نشاء (4).

المسألة الثالثة:موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات و الفراغ من الآية، فعلى هذا يسجد في فصلت عند تَعْبُدُونَ ،و هو الذي ذكره في الخلاف و المبسوط و احتجّ عليه بالإجماع،و قال:قضية الأمر الفور (5).

و نقل في المعتبر عن الخلاف انّه عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلّهِ و اختاره مذهبا (6).

و ليس كلام الشيخ صريحا فيه و لا ظاهرا بل ظاهره ما قلناه؛لانه ذكر في أول المسألة:انّ موضع السجود في«حم»عند قوله:3.

ص: 468


1- المجموع 4:61،المغني 1:684،اللباب 1:102.
2- السنن الكبرى 2:324.
3- صحيح البخاري 2:51،صحيح مسلم 1:406 ح 577،سنن أبي داود 2:58 ح 1404، السنن الكبرى 2:320.
4- الموطأ 1:206،المصنف لعبد الرزاق 3:346 ح 5912،صحيح البخاري 2:52،السنن الكبرى 2:321.
5- المبسوط 1:114،الخلاف 1:430 المسألة:177.
6- المعتبر 2:273.

وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ،ثم قال:و أيضا قوله وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ أمر،و الأمر يقتضي الفور عندنا،و ذلك يقتضي السجود عقيب الآية (1)و من المعلوم ان آخر الآية تَعْبُدُونَ .

و لان تخلّل السجود في أثناء الآية يؤدي الى الوقوف على المشروط دون الشرط،و الى ابتداء القارئ بقوله إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ و هو مستهجن عند القرّاء.

و لانه لا خلاف فيه بين المسلمين انما الخلاف في تأخير السجود إلى يَسْأَمُونَ (2)فإن ابن عباس و الثوري و أهل الكوفة و الشافعي يذهبون اليه (3)و الأول هو المشهور عند الباقين (4).

فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به،فان احتجّ بالفور،قلنا:هذا القدر لا يخلّ بالفور،و الاّ لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر، و حذف ما بعده من اللفظ،و لم يقل به أحد.

الرابعة:يجب السجود على القارئ و المستمع في العزائم إجماعا، و نعني بالمستمع المنصف للاستماع،و اما السامع بغير إنصات فنفى الوجوب عليه الشيخ في الخلاف (5).9.

ص: 469


1- الخلاف 1:430 المسألة:177. و الآية في سورة فصلت:37.
2- سورة فصلت:38.
3- راجع:مجمع البيان 9:15،المجموع 4:60،الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15:634، احكام القرآن للجصاص 3:385،احكام القرآن لابن العربي 4:1664،المدونة الكبرى 1:110.
4- راجع:مجمع البيان 9:15،المجموع 4:60،الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15:364، احكام القرآن للجصاص 3:385،احكام القرآن لابن العربي 4:1664،المدونة الكبرى 1:110.
5- الخلاف 1:431 المسألة:179. و رواية ابن سنان في:الكافي 3:318 ح 3،التهذيب 2:291 ح 1169.

و احتج على الوجوب على الأولين و عدم الوجوب على السامع بإجماع الفرقة،و بما رواه عبد اللّه بن سنان قال:سألت:أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسمع السجدة تقرأ،قال:«لا يسجد الاّ ان يكون منصتا مستمعا لها أو يصلي بصلاته،و اما ان يكون يصلّي في ناحية و أنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت» (1).

و قال ابن إدريس:يجب السجود على السامع.و ذكر انّه إجماع الأصحاب؛لإطلاقهم الوجوب على القارئ و من سمعه،و لرواية أبي بصير السالفة،و لعموم الأمر (2).و هو قول من أوجب سجود التلاوة من العامة (3).

و طريق الرواية التي ذكرها الشيخ فيه محمد بن عيسى عن يونس،مع انها تتضمن وجوب السجود إذا صلّى بصلاة التالي لها و هو غير مستقيم عندنا؛إذ لا يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح،و لا تجوز القدوة في النافلة غالبا،و قد نقل ابن بابويه-رحمه اللّه-عن ابن الوليد-رحمه اللّه-انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس (4).

و روى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس (5)و عثمان (6).

و لا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب،و اما غير العزائم فيستحب مطلقا،و يتأكّد في حق التالي و المستمع.4.

ص: 470


1- الخلاف 1:431 المسألة:179. و رواية ابن سنان في:الكافي 3:318 ح 3،التهذيب 2:291 ح 1169.
2- السرائر:47. و الرواية تقدمت في ص 467 الهامش 3.
3- حلية العلماء 2:122.
4- حكاه عنه النجاشي في رجاله:333 برقم 896.
5- المصنف لعبد الرزاق 3:345 ح 5908،السنن الكبرى 2:324.
6- المصنف لعبد الرزاق 3:344 ح 5906،السنن الكبرى 2:324.

الخامسة:الأظهر انّ الطهارة غير شرط في هذا السجود؛ للأصل، و لرواية أبي بصير السالفة (1)،و روى أيضا عن الصادق عليه السلام:«الحائض تسجد» (2).

و في النهاية منع من سجود الحائض (3)لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السلام في الحائض:«تقرأ و لا تسجد» (4).و ابن الجنيد ظاهره اعتبار الطهارة.

اما ستر العورة و استقبال القبلة فغير شرط،و كذا لا يشترط خلو البدن و الثوب عن النجاسة؛لإطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل.

و في اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة نظر،من انّه السجود المعهود،و من صدقه بوضع الجبهة،و كذا في السجود على ما يصح السجود عليه في الصلاة،من التعليل هناك«بان الناس عبيد ما يأكلون و يلبسون» (5)و هو يشعر بالتعميم.

السادسة:لا يجب فيها ذكر،و لا تكبير فيها إلاّ في الرفع؛ لرواية محمد ابن مسلم عن الباقر عليه السلام:«لا يكبّر حين (6)يسجد و لكن يكبّر حين يرفع» (7).

و يستحب ان يأتي فيها بالذكر ففي رواية عمار:كذكر سجود الصلاة (8).

و روي:انه يقول في سجدة اقرأ:«الهي آمنا بما كفروا،و عرفنا منك ما

ص: 471


1- تقدمت في ص 467 الهامش 3.
2- التهذيب 2:291 ح 1168،الاستبصار 1:320 ح 1192.
3- النهاية:25.
4- التهذيب 2:292 ح 1172.و في الاستبصار 1:320 ح 1193:«لا تقرأ».
5- الفقيه 1:177 ح 840.
6- في م و نسخة من المصدر:«حتى».
7- المعتبر 2:274 عن جامع البزنطي.
8- السرائر:484.

أنكروا،و أجبناك الى ما دعوا،الهى العفو العفو» (1).

و روي انه يقال في العزائم:«لا إله إلا اللّه حقا حقا،لا إله إلا اللّه ايمانا و تصديقا،لا إله إلا اللّه عبودية و رقا،سجدت لك يا رب تعبّدا و رقا» (2).

السابعة:يجب قضاء العزيمة مع الفوات، و يستحب قضاء غيرها،ذكره الشيخ في المبسوط و الخلاف؛لتعلّق الذمة بالواجب أو المستحب فتبقى على الشغل (3).

و هل ينوي القضاء؟ظاهره ذلك؛لصدق حدّ القضاء عليها.و في المعتبر:ينوى الأداء؛لعدم التوقيت (4).و فيه منع؛لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب،فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها،و لا نعني بالقضاء الا ذلك.

و قد دل على وجوب القضاء رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الناسي للسجدة حتى يركع و يسجد،قال:«يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» (5).

الثامنة:تتعدّد السجدة بتعدّد السبب، سواء تخلل السجود أولا؛لقيام السبب،و أصالة عدم التداخل.و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام و سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مرات في المقعد الواحد، قال:«عليه ان يسجد كلما سمعها،و على الذي يعلمه أيضا ان يسجد» (6).

ص: 472


1- الفقيه 1:201.
2- الفقيه 1:201.
3- المبسوط 2:114،الخلاف 1:432 المسألة 181.
4- المعتبر 2:274.
5- التهذيب 2:292 ح 1176،السرائر:474.
6- التهذيب 2:293 ح 1179.

المجلد 4

اشارة

بطاقة تعريف: شهید اول، محمدبن مکی، ق 786 - 734

عنوان واسم المؤلف: ذکري الشیعة فی احکام الشریعة/ تالیف الشهید الاول محمدبن جمال الدین مکی العاملی الجزینی؛ بحث مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لاحیاآ التراث، . 14ق. = 1419 - 13ق. = 1377.

مواصفات المظهر:ج 4

الصقيع:(موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث 202)

ISBN:964-319-102-8(الفترة) ؛ 964-319-106-07500ریال:(ج.4)

ملاحظة: عربي

ملاحظة: القائمة على أساس المجلد الرابع: 1419ق. = 1377

ملاحظة:ج. 1 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 1) :ISBN 964-319-103-6

ملاحظة:ج. 2 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 2) :ISBN 964-319-104-4

ملاحظة:ج. 3 (چاپ اول: 1419ق. = 1377)7500 ریال (ج. 3) :ISBN 964-319-105-2

ملاحظة:فهرس

الموضوع: الفقه الجعفري - القرن ق 5

المعرف المضاف:موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

المعرف المضاف:عنوان

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ذ8 1377

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 78-3065

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

ادامة الاقطاب الأربعة

ادامة القطب الأول في العبادات

ادامة كتاب الصلاة
ادامة أركان الصلاة
ادامة الركن الأول في أفعال الصلاة و توابعها
الفصل الثالث:في تروك الصلاة
اشارة

و هي إما واجبة أو مندوبة،فهاهنا مطلبان.

المطلب الأول:في التروك الواجبة.
مقدّمة:

يحرم قطع الصلاة الواجبة اختيارا؛لوجوب الإتمام المنافي لإباحة القطع،و لقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (1).

و يجوز للضرورة،كردّ الآبق،و قبض الغريم،و قتل الحية التي يخافها على نفسه؛لمرسلة حريز عن الصادق عليه السلام (2).و لإحراز المال المخوف ضياعه،و لإمساك الدابة خوف الذهاب أو العنت في تحصيلها،روى الأمرين سماعة (3).ورد الصبي يحبو الى النار،و الشاة تدخل البيت،رواه السكوني عن علي عليه السلام (4)،و فيها انه«يبني على صلاته ما لم يتكلم» (5)و هو حق إذا لم يفعل ما ينافي الصلاة.

و لا حرج في انقطاعها بما لا اختيار فيه،كالنوم،و الدماء الثلاثة،و سبق الحديث الأكبر أو الأصغر.

و لو تعمّد الحدث أثم.و لو خاف من إمساكه الضرر على نفسه،أو سريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه و ظن ذلك،جاز القطع.و روى عبد الرحمن بن

ص: 5


1- سورة محمد:33.
2- الكافي 3:367 ح 3،الفقيه 1:242 ح 1073،التهذيب 2:330 ح 1361.
3- الكافي 3:367 ح 5،الفقيه 1:242 ح 1071،التهذيب 2:330 ح 1360.
4- التهذيب 2:333 ح 1375.
5- التهذيب 2:333 ح 1375.

الحجاج،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع ان يصبر عليه،أ يصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟فقال:«إن احتمال الصبر،و لم يخف إعجالا عن الصلاة،فليصل و ليصبر» (1)و هو يدل بمفهوم المخالفة انّه إذا خاف إعجالا لم يصبر.

فروع:

قد يجب القطع،كما في حفظ الصبي و المال المحترم عن التلف،و إنقاذ الغريق و المحترق،حيث يتعيّن عليه فلو استمر بطلت صلاته؛للنهي المفسد للعبادة.

و قد لا يجب بل يباح،كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها، و إحراز المال الذي لا يضرّ به فوته.

و قد يستحب،كالقطع لاستدراك الأذان و الإقامة،و قراءة الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة،و الائتمام بإمام الأصل أو غيره.

و قد يكره،كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته،مع احتمال التحريم.

و إذا أراد القطع،فالأجود التحلل بالتسليم؛لعموم:«و تحليلها التسليم» (2).و لو ضاق الحال عنه سقط.و لو لم يأت به و فعل منافيا آخر، فالأقرب عدم الإثم؛لأن القطع سائغ،و التسليم انما يجب التحلل به في الصلاة التامة.

ثم هنا مباحث:
البحث الأول حرمة الفعل الكثير الخارج عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن
اشارة

كونه مصليا]

يحرم الفعل الكثير الخارج عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن كونه

ص: 6


1- الكافي 3:364 ح 3،1:الفقيه 1:240 ح 1061،التهذيب 2:324 ح 1326.
2- تقدم في ص 3:418 الهامش 2.

مصليا؛لسلب اسم الصلاة فلا تبقى حقيقتها.اما القليل-كلبس العمامة،أو الرداء،أو مسح الجبهة،أو قتل القملة و البرغوث-فلا؛لما روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قتل عقربا في الصلاة (1)و أمر بقتل الأسودين في الصلاة:

الحية و العقرب (2)و دفع عليه الصلاة و السلام المار بين يديه (3)و حمل امامة بنت أبي العاص و كان يضعها إذا سجد و يرفعها إذا قام (4)و أدار ابن عباس عن يساره الى يمينه (5).

و روى محمد بن مسلم،عن الصادق عليه السلام جواز قتل الحية و العقرب (6).

و روى الحلبي عنه عليه السلام قتل البقة و البرغوث و القملة و الذباب في الصلاة (7).

و في رواية عمار عنه عليه السلام في قتل الحية:«ان كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها،و الاّ فلا» (8).4.

ص: 7


1- سنن ابن ماجة 1:395 ح 1247.
2- المصنف لعبد الرزاق 1:449 ح 1754،مسند الحمد 2:233،255،سنن الدارمي 1: 354،سنن ابن ماجة 1:394 ح 1245،الجامع الصحيح 1:233 ح 390،سنن النسائي 3:10
3- المصنف لعبد الرزاق 2:259 ح 3279،المصنف لابن أبي شيبة،1:283،سنن ابن ماجة 1:305 ح 948،السنن الكبرى 2:268.
4- الموطأ 1:170،ترتيب مسند الشافعي 1:116 ح 345،صحيح البخاري 1:137،صحيح مسلم 1:385 ح 543،سنن أبي داود 1:241 ح 917،سنن النسائي 3:10.
5- المصنف لعبد الرزاق 3:36 ح 4706،مسند احمد 1:252،سنن الدارمي 1:286، صحيح البخاري 1:179،صحيح مسلم 1:528 ح 763،سنن أبي داود 2:45 ح 1357، سنن النسائي 2:87،مسند أبي يعلى 4:35 ح 2465.
6- الكافي 3:367 ح 1،التهذيب 2:330 ح 1358.
7- الكافي 3:367 ح 2،الفقيه 1:241 ح 1070،التهذيب 2:330 ح 1359.
8- الفقيه 1:241 ح 1072،التهذيب 2:331 ح 1364.

و روى زكريا الأعور أو أبو زكريا ان الحسن عليه السلام ناول شيخا كبيرا عصاه بعد ان انحنى لتناولها (1).

و يجوز عدّ الركعات و التسبيح بالأصابع و السبحة و ان توالى؛لانه لا يخرج به عن اسم المصلي و لا يخل بهيئة الخشوع؛لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله علّم جعفرا صلاة التسبيح و هي محتاجة إلى العدد (2).

و روى البزنطي عن داود بن سرحان،عن الصادق عليه السلام في عد الآي بعقد اليد،قال:«لا بأس،هو أحصى للقرآن».

أما الأكل و الشرب،فالظاهر انهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة.فلو ازدرد ما بين أسنانه لم تبطل،اما لو مضغ لقمة و ابتلعها،أو تناول قلّة فشرب منها،فان كثر ذلك عادة أبطل.

و ان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة:تبطل؛لأنّ تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال معدودة،و كذا المشروب (3).

و استثنى الشيخ في الخلاف الشرب في صلاة النافلة (4).و الذي رواه سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام:الشرب في دعاء الوتر إذا خاف فجاءة الصبح و هو عطشان و يريد الصيام،فيسعى خطوتين أو ثلاثا و يشرب (5).

و احتمل بعض الأصحاب قصر الرواية على موردها (6).3.

ص: 8


1- الفقيه 1:243 ح 1079 عن ابن زكريا الأعور،التهذيب 2:332 ح 1369 عن زكريا الأعور.
2- الفقيه 1:347 ح 1536،التهذيب 3:186 ح 420.
3- تذكرة الفقهاء 1:132.
4- قال الشيخ في الخلاف 1:413 المسألة 159:روي ان شرب الماء في النافلة لا بأس به، و نحوه في المبسوط 1:188،و راجع في ذلك مفتاح الكرامة 3:35.
5- الفقيه 1:313 ح 1424،التهذيب 2:329 ح 1354.
6- راجع:المعتبر 2:260،تذكرة الفقهاء 1:133.
مسائل:
الأولى حكم ما لو قرأ كتابا في نفسه من غير نطق

لو قرأ كتابا في نفسه من غير نطق،فان طال الزمان التحق بالسكوت الطويل و الاّ فلا تبطل به؛لأصالة بقاء الصحة،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«تجاوز اللّه لأمتي عما حدثت نفوسها ما لم يتكلموا» (1)و لأنّ التصورات لا يكاد يخلو منها إنسان.

الثانية حكم ما لو كان الفعل الكثير متواليا

لو كان الفعل الكثير متواليا،أبطل قطعا.و لو تفرّق بحيث حصلت الكثرة باجتماع اجزاءه،و كل واحد منها لا يعدّ كثيرا،ففي إبطال الصلاة به وجهان،من وجود ما ينافي الصلاة مجتمعا فكذا متفرّقا،و من خروجه بالتفرّق عن الكثرة،عرفا.و حديث حمل امامة (2)يقوي اشتراط التوالي.

الثالثة قول الأصحاب:إنّ الفعل الكثير إذا وقع عمدا يبطل

قال الأصحاب:ان الفعل الكثير انما يبطل إذا وقع عمدا،اما مع النسيان (3)فلا،لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (4).

و ربما يحتج بما رواه العامة-و رواه الأصحاب أيضا-:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله سلّم على اثنتين،فقال ذو اليدين:أ قصرت الصلاة أم نسيت؟فقال:«أصدق ذو اليدين؟»فقالوا:نعم.فقام رسول اللّه صلّى اللّه

ص: 9


1- مسند احمد 2:491،صحيح البخاري 3:190،7:59،8:168،صحيح مسلم 1: 116 ح 127،سنن ابن ماجة 1:658 ح 2040،سنن أبي داود 2:264 ح 2209،الجامع الصحيح 3:489 ح 1183،سنن النسائي 6:156،مسند أبي يعلى 11:276 ح 6389.
2- تقدم في ص 7 الهامش 4.
3- راجع:المبسوط 1:117،الوسيلة:97،الغنية:496،تذكرة الفقهاء 1:132.
4- الكافي 2:335 ح 2،الفقيه 1:36 ح 132،الخصال:417،الجامع الصغير 2:16 ح 4461 عن الطبراني في الكبير.

عليه و آله فصلّى آخرتين ثم سلم،ثم سجد للسهو (1).

و هو متروك بين الإمامية،لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي صلّى اللّه عليه و آله عن السهو،و لم يصر الى ذلك غير ابن بابويه-رحمة اللّه-و نقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد انه قال:أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (2).

و هذا حقيق بالاعراض عنه؛لأن الأخبار معارضة بمثلها فيرجع الى قضية العقل،و لو صح النقل وجب تأويله،على ان إجماع الإمامية في الأعصار السابقة على هذين الشيخين و اللاحقة لهما على نفي سهو الأنبياء و الأئمة عليهم الصلاة و السلام.

الرابعة حكم البكاء في الصلاة

قد يكون الفعل الكثير مبطلا للصلاة و غير مبطل،باعتبار القصد و عدمه كالبكاء،فإنه ان كان لذكر الجنة أو النار فإنه لا يبطل،و ان كان لأمور الدنيا -كذكر ميت له-أبطل.

و قد رواه أبو حنيفة عن أبي عبد اللّه عليه السلام،و قال:«هو من أفضل الأعمال في الصلاة»يعني البكاء لجنة أو نار (3).

و روي:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان في بعض صلاته فسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل (4)،بالزائين المعجمتين،و هو غليان صدره و حركته بالبكاء.

و بكى في آخر سجدة من صلاة الكسوف (5).

ص: 10


1- التهذيب 2:346 ح 1438،ترتيب مسند الشافعي 1:121 ح 356،المصنف لعبد الرزاق 2:299 ح 3447،صحيح البخاري 2:86،صحيح مسلم 1:404 ح 573،سنن ابن ماجة 1:383 ح 1214،سنن النسائي 3:20،شرح معاني الآثار 1:445.
2- الفقيه 1:235.
3- الفقيه 1:208 ح 941،التهذيب 2:317 ح 1295،الاستبصار 1:408 ح 1558.
4- مسند احمد 4:24،سنن أبي داود 1:238 ح 904،سنن النسائي 3:13،السنن الكبرى 2:251.
5- سنن النسائي 3:138.

و لو كان مغلوبا على البكاء لأمور الدنيا،فالظاهر الفساد أيضا-لإطلاق النص-و ان زال عنه الإثم.و لو بكى ناسيا لم تبطل؛لعموم:رفع الخطأ عن الناسي (1).

و يستحب التباكي في الصلاة؛لما رواه سعيد بياع السابري،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أ يتباكى الرجل و هو في الصلاة؟قال:«بخ بخ،و لو مثل رأس الذباب» (2).

الخامسة جواز الإيماء بالرأس و الإشارة باليد و التسبيح للرجل و التصفيق للمرأة،عند إرادة الحاجة

يجوز الإيماء بالرأس و الإشارة باليد و التسبيح للرجل، و التصفيق للمرأة،عند إرادة الحاجة،رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام (3).

و روى عنه حنان بن سدير:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أومأ برأسه في الصلاة (4).و روى عنه عمار:التنحنح ليسمع من عنده فيشير اليه،و التسبيح للرجل و المرأة،و ضرب المرأة على فخذها (5).

و كذا يجوز غسل الرعاف في أثنائها،رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (6).

و يجوز ضرب الحائط لإيقاظ الغير؛لرواية أبي الوليد عن الصادق عليه السلام (7)و رمي الغير بحصاة طلبا لإقباله،كما فعله عليه السلام (8).و ضم.

ص: 11


1- الكافي 2:335 ح 1،2،الخصال:417،التوحيد:353،الجامع الصغير 2:16 ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
2- الكافي 3:301 ح 2،التهذيب 2:287 ح 1148،الاستبصار 1:407 ح 1557.
3- الكافي 3:365 ح 7،الفقيه 1:242 ح 1075،و في التهذيب 2:324 ح 1328 لم يذكر التسبيح.
4- الفقيه 1:242 ح 1076.
5- الفقيه 1:242 ح 1077.
6- الكافي 3:365 ح 9،التهذيب 2:323 ح 1323.
7- الفقيه 1:243 ح 1080،التهذيب 2:325 ح 1329.
8- الفقيه 1:243 ح 1078،التهذيب 2:327 ح 1342.

الجارية إليه؛لرواية مسمع عن أبي الحسن عليه السلام (1).و إرضاع الصبي حال التشهد؛لرواية عمار عن الصادق عليه السلام (2).

و يجوز رفع القلنسوة من الأرض و وضعها على الرأس،رواه زرارة عنه عليه السلام (3).

البحث الثاني حرمة تعمد القهقهة في الصلاة

يحرم تعمّد القهقهة في الصلاة و تبطلها إجماعا؛لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«من قهقه فليعد صلاته» (4).و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«القهقهة لا تنقض الوضوء و تبطل الصلاة» (5).

و الظاهر انه لا يعتبر فيها الكثرة،بل يكفي منها مسماها.و لو قهقه ناسيا لم تبطل إجماعا.و كذا لا تبطل بالتبسم-و هو ما لا صوت فيه-إجماعا، و الأقرب كراهيته.و لو صدرت القهقهة على وجه لا يمكنه دفعه،فالأقرب البطلان و ان لم يأثم؛لعموم الخبر.

البحث الثالث حرمة تعمّد الحدث في الصلاة

يحرم تعمّد الحدث في الصلاة و يقطعها،و في السهو قولان سبقا.

البحث الرابع حرمة تعمّد الكلام بما ليس من الصلاة

يحرم تعمّد الكلام بما ليس من الصلاة،و لا من القرآن و الأذكار و الدعاء بالمباح،و حدّه حرفان فصاعدا بإجماع الأصحاب؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما صلاتنا هذه تكبير و تسبيح و قرآن،و ليس فيها شيء من كلام الناس» (6).و(الكلام)جنس لما يتكلم به فيقع على الكلمة،

ص: 12


1- التهذيب 2:329 ح 1350.
2- التهذيب 2:330 ح 1355.
3- التهذيب 2:357 ح 1480.
4- سنن الدار قطني 1:167،السنن الكبرى 2:252.
5- مثله عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الكافي 3:364 ح 6،التهذيب 2:324 ح 1324،بلفظ:«و لكن تنقض الصلاة».
6- مسند الطيالسي:150 ح 1105،المصنف لابن أبي شيبة 2:432،مسنده احمد 5:447، سنن الدارمي 1:353،صحيح مسلم 1:381 ح 537،سنن أبي داود 1:244 ح 930، سنن النسائي 3:14،السنن الكبرى 2:249.

و الكلمة صادقة على الحرفين فصاعدا.و قوله:«ليس فيها شيء من كلام الناس»خبر يراد به النهي؛لاستحالة عدم المطابقة في خبر اللّه و رسوله.

و لو تكلم ناسيا لم تبطل؛لعموم:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (1)و قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن الحجاج في المتكلم في الصلاة ناسيا:«يتمّها،ثم يسجد سجدتين» (2).فان طال الكلام ناسيا التحق بالفعل الكثير.

و في هذا البحث أحكام.

الأول: لا فرق بين كون الكلام عامدا لمصلحة الصلاة أو غيرها،أو لا لمصلحة.و تجويز مالك الكلام للمصلحة (3)-كتنبيه الأعمى،أو من يدركه الحريق أو السيل-مدفوع بسبق الإجماع.

الثاني: لو تكلم مكرها،ففي الابطال وجهان:نعم؛لصدق تعمّد الكلام.و لا؛لعموم:«و ما استكرهوا عليه» (4).نعم،لا يأثم قطعا.

و قال في التذكرة:يبطل؛لانه مناف للصلاة،فاستوى فيه الاختيار و عدمه.

كالحدث (5).و هو قياس مع الفرق؛بان نسيان الحديث يبطل لا الكلام ناسيا قطعا.

الثالث: لو كان الحرف الواحد مفهما،كما في الأفعال المعتلة الطرفين إذا أمر بها مثل:ق،ع،د،ش،ر فالأولى البطلان؛لتسميته كلاما لغة1.

ص: 13


1- الكافي 2:335 ح 1،2،الخصال:417،التوحيد:353،الجامع الصغير 2:16 ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
2- الكافي 3:356 ح 4،التهذيب 2:191 ح 755،الاستبصار 1:378 ح 1433.
3- راجع:المجموع 4:85،حلية العلماء 2:129،المغني 1:740.
4- راجع الهامش 1.
5- تذكرة الفقهاء 1:131.

و عرفا،و التحديد بالحرفين للأغلب.و كذا لو كان الحرف بعده مدّة،لأنها اما:

ألف،أو واو،أو ياء.

الرابع: لو نفخ بحرفين،أو تأوّه بهما،بطل.و ان كان التأوّه من خوف النار،فوجهان:نعم؛لصدق التكلّم.و لا،و اختاره في المعتبر؛لوصف إبراهيم عليه السلام به على الإطلاق،و فعل كثير من الصلحاء (1).

و لو أنّ بحرفين بطلت؛لرواية طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السلام ان عليا عليه السلام قال:«من أنّ في صلاته فقد تكلّم» (2).

الخامس: لا تبطل الصلاة بالحرف الواحد غير المفهم إجماعا؛لعدم انفكاك الصوت منه فيؤدي اجتنابه الى الحرج.

و كذا لا تبطل بالنفخ الذي لا تتميز فيه الحروف.

و كذا التنحنح؛لانه لا يعدّ كلاما،و قد مرّ في الرواية جوازه (3)،و أولى بالجواز إذا تعذّرت القراءة أو الأذكار إلاّ به،و لا يجوز العدول إلى الإخفات إذا أمكن من دون التنحنح؛لان الجهر واجب مع إمكانه.

و كذا لو كان التنحنح بان غلب عليه ذلك،اما لو كثر فإنه يلتحق بالفعل الكثير.

و لو تنحنح الامام لم ينفرد المأموم؛لبقاء الصحة.و قال بعض الشافعية:

ينفرد،بناء على انّ التنحنح عن قصد مبطل،و ان الظاهر انّ الامام قاصد.

و يضعف بمنع المقدمتين،و سند منع الثانية:انّ الظاهر انّ الامام يحترز من مبطلات الصلاة،فيحمل على غير الاختيار،و خصوصا عندنا لأنا نشترط عدالته.9.

ص: 14


1- المعتبر 2:254.
2- التهذيب 2:330 ح 1356.
3- المجموع 4:80،حلية العلماء 2:129.

السادس: الدعاء كلام فمباحه مباح و حرامه حرام.و لو جهل كون المطلوب حراما،فالأشبه الصحة؛لعدم وصفه بالنهي،و من تفريطه بترك التعلم.

و لو جهل كون الحرام مبطلا،فالظاهر البطلان،لانه مكلّف بترك الحرام و جهله تقصير منه،و كذا الكلام في جميع منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة.

و في التهذيب لما أورد خبر علي بن النعمان-الذي يأتي-أوّله بالحمل على من تكلّم لظنه انّ التسليم يبيح الكلام و ان كان بعد في الصلاة،كما يبيحه إذا انصرف به من الصلاة،فلم يجب عليه إعادة الصلاة لجهله به و ارتفاع علمه بأنه لا يسوغ ذلك (1).و هذا مصير منه الى انّ الجهل بالحكم عذر.

السابع: لو تكلم بالقرآن قاصدا إفهام الغير و التلاوة جاز،كقوله للمستأذنين عليه اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (2).

و لمن يريد التخطي على الفراش بنعله فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ (3).

و لنهي من اسمه يوسف يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا (4).

و لأمر يحيى بقوله يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (5).

و لأمر حاكم أخطأ يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (6).6.

ص: 15


1- التهذيب 2:181.
2- سورة الحجر:46.
3- سورة طه:12.
4- سورة يوسف:29.
5- سورة مريم:12.
6- سورة ص:26.

و لو قصد مجرد الافهام،ففيه وجهان:البطلان و الصحة،بناء على انّ القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا؟ الثامن: لو تكلم عمدا لظنه إكمال الصلاة ثم تبين النقصان لم تبطل في المشهور،و هو المروي في الصحيح بطريق الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام من عدم البطلان بالتسليم (1)و هو كلام.

و بطريق علي بن النعمان:صليت بأصحابي المغرب فسلمت على ركعتين،فقالوا:انما صليت بنا ركعتين!فكلمتهم و كلموني.فقالوا:اما نحن فنعيد.فقلت:لكني لا أعيد و أتمّ ركعة فأتممت،ثم سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقال:«كنت أصوب منهم فعلا،انما يعيد من لا يدري ما صلّى» (2).

و في هذه الرواية انه تكلم بعد ما علم النقيصة،فيحمل على انه أضمر ذلك في نفسه،أي:أضمر انه لا يعيد و انه يتم و يكون القول عبارة عن ذلك.

و بطريق محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام فيمن سلّم على ركعتين من المكتوبة للظن و تكلم ثم ذكر،قال:«يتمّ و لا شيء عليه» (3)في أخبار كثيرة (4).

و في النهاية:تبطل الصلاة بالتكلم عمدا (5)و جعله في المبسوط رواية (6)لم نقف عليها.

البحث الخامس حرمة الانحراف عن القبلة و لو يسيرا

يحرم الانحراف عن القبلة و لو يسيرا،فلو فعل عمدا أبطلها.و ان كان ناسيا،و كان بين المشرق و المغرب،فلا إبطال.و ان كان الى

ص: 16


1- التهذيب 2:180 ح 725،الاستبصار 1:370 ح 1410.
2- الفقيه 1:228 ح 1011،التهذيب 2:181 ح 726،الاستبصار 1:371 ح 1411.
3- التهذيب 2:191 ح 757،الاستبصار 1:379 ح 1436.
4- راجع:التهذيب 2:191 ح 755،758،الاستبصار 1:378 ح 1434،1437.
5- النهاية:94.
6- المبسوط 1:118.

المشرق و المغرب،أو كان مستدبرا،فقد أجرياه في المقنعة و النهاية مجرى الظان في الإعادة في الوقت إذا كان إليهما،و مطلقا ان استدبر (1).و توقف فيه الفاضلان (2).

و في التهذيب لما روى عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام فيمن سبقه الإمام بركعة في الفجر فسلم معه،ثم أقام في مصلاّه ذاكرا حتى طلعت الشمس:يضيف إليها ركعة إن كان في مكانه،و ان كان قد انصرف أعاد،قال الشيخ:يعني به إذا كان قد استدبر القبلة (3)و هذا ذهاب منه الى انّ استدبار القبلة يبطل إذا وقع سهوا،و اختاره المحقق في المعتبر (4).

و قال الشيخ في المبسوط-بعد عدّ تروك الصلاة و عدّ الاستدبار منها، و الفعل الكثير،و الحديث-:و هذه التروك على ضربين:أحدهما متى حصل عمدا أو سهوا أبطل،و هو جميع ما ينقض الوضوء،و قد روي انّه إذا سبقه الحدث جاز الوضوء و البناء،و الأحوط الأول.و القسم الآخر متى حصل ساهيا أو ناسيا أو للتقية فإنّه لا يقطع الصلاة،و هو كل ما عدا نواقض الوضوء (5).و هو تصريح منه بان الاستدبار سهوا لا يبطل.

و لك ان تقول:الصلاة الى دبر القبلة غير الاستدبار سهوا في الصلاة، فإن الاستدبار سهوا يصدق على اللحظة التي لا يقع فيها شيء من أفعال الصلاة،و جاز ان يغتفر هذا القدر كما اغتفر انكشاف العورة في الأثناء،فلا يكون للشيخ في المسألة قولان على هذا.

و يجوز أن يستدل على إبطال الصلاة بالاستدبار مطلقا بما رواه زرارة عن7.

ص: 17


1- المقنعة:14،النهاية:94.
2- المعتبر 2:74،تذكرة الفقهاء 1:103.
3- التهذيب 2:183،و الحديث فيه برقم 371،و في الكافي 3:383 ح 11.
4- المعتبر 2:381.
5- المبسوط 1:117.

الباقر عليه السلام،قال:«الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» (1)فإنه يشمل بإطلاقه العامد و الناسي،الا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي (2)فيجمع بينهما بحمله على العمد.

و اعلم ان الالتفات الى محض اليمين و اليسار بكله كالاستدبار،كما انّه بحكمه في الصلاة مستدبرا على أقوى القولين،فيجيء القول بالإبطال و لو فعله ناسيا إذا تذكر في الوقت،و ان فرقنا بين الالتفات و بين الصلاة الى اليمين و اليسار فلا إبطال.

البحث السادس حكم عقص الشعر

اختلف في عقص الشعر،و هو جمعه في وسط الرأس و شدّه.فروى في التهذيب عن مصادف،عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى الفريضة و هو معقوص الشعر،قال:«يعيد صلاته» (3).

و رووا عن أبي رافع،قال:مرّ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا أصلّي و قد عقصت شعري فأطلقه (4).

و أخذ الشيخ بالتحريم و الابطال (5).

و قال المفيد،و سلار،و أبو الصلاح،و ابن إدريس،و الفاضلان:

يكره (6)؛للأصل،و ضعف مصادف،و استبعاد ان يكون هذا محرّما و ينفرد به الواحد.

فان قلت:و كذا تبعد الكراهية لانفراد الواحد بها.

ص: 18


1- التهذيب 2:199 ح 780،الاستبصار 1:405 ح 1543.
2- تقدم في ص 13 الهامش 1.
3- الكافي 3:409 ح 5،التهذيب 2:232 ح 914.
4- سنن الدارمي 1:320.
5- المبسوط 1:119،النهاية:95.
6- المقنعة:25،المراسم:64،الكافي في الفقه:125،السرائر:58،المعتبر 2:260، تذكرة الفقهاء 1:99.

قلت:المكروه لا تتوفر الدواعي إلى نقله،فجاز انفراد الواحد،بخلاف المحرّم.

و نقل الشيخ في الخلاف الإجماع على تحريمه (1)،فان ثبت فهو حجة معتمدة،و لما تقرر في الأصول حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد،فلا بأس باتباع الشيخ،و للاحتياط.

فرع:

القائلون بالتحريم و الكراهة خصوه بالرجل كما في الرواية،فلا تحريم و لا كراهة في حقّ النساء.

البحث السابع:في باقي المبطلات.

فمنها:السكوت الطويل الذي يخرج به عن كونه مصليا،و ظاهر الأصحاب انه كالفعل الكثير،فحينئذ يشترط فيه التعمّد،فلو وقع نسيانا لم تبطل.و يبعد بقاء الصلاة على الصحة فيه و في الفعل الكثير المخرجين عن اسم المصلّي،بحيث يؤدي الى انمحاء صورة الصلاة،كمن يمضي عليه الساعة و الساعتان أو معظم اليوم.

و منها:نقص الركن عمدا أو سهوا و زيادته-كما مرّ-و زيادة الواجب عمدا أو نقصه عمدا.

و منها:ما خرّجه بعض متأخري الأصحاب من تحريم الصلاة مع سعة الوقت لمن تعلق به حق آدمي مضيّق مناف لها (2)و لا نصّ فيه الا ما سيجيء إن شاء اللّه من عدم قبول صلاة ممن لا يخرج الزكاة (3)و ليس بقاطع في البطلان.

ص: 19


1- الخلاف 1:111 المسألة 202.
2- كالعلامة في مختلف الشيعة:414.
3- الخصال:156،عيون اخبار الرضا 1:258.

و اما احتجاجهم بان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده،و ان حقّ الآدمي مضيّق فيقدم على حق اللّه تعالى،و ان النهي في العبادة يفسدها،ففيه كلام حقّقناه في الأصول.

و منها:الكتف و التأمين،و قد سبقا.

و اما ما يبطل من الشك و السهو فيأتي في بابه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 20

المطلب الثاني:في التروك المستحبة.
اشارة

و قد مرّ في تضاعيف الأفعال شطر منها و لنذكر أمورا:

الأول:يكره الالتفات الى اليمين و الشمال،

بحيث لا يخرج الوجه الى حدّ الاستدبار.و كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى انّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة (1)كما يقوله بعض الحنفية (2)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«لا تلتفتوا في صلاتكم،فإنه لا صلاة لملتفت»رواه عبد اللّه بن سلام (3)و يحمل على الالتفات بكله،و روى زرارة عن الباقر عليه السلام:«الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» (4).

الثاني:يكره ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا قمت إلى

الصلاة فاعلم أنك بين يدي اللّه تعالى،

فان كنت لا تراه فاعلم انه يراك،فاقبل قبل صلاتك،و لا تمتخط،و لا تبصق،و لا تنقض أصابعك،و لا تورّك،فان قوما عذبوا بتنقيض الأصابع و التورك في الصلاة» (5).

قلت:تنقيض الأصابع الظاهر انّه الفرقعة بها ليسمع لها صوت،من إنقاض المحامل أي تصويتها.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لعلي عليه السلام:«لا تفرقع أصابعك و أنت تصلي» (6).

ص: 21


1- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة 3:18 عن فخر المحققين.
2- شرح فتح القدير 1:357.
3- المعجم الأوسط 3:27 ح 2042. و ذيل الحديث في حلية الأولياء 7:344،و العلل المتناهية 1:446 ح 764.
4- التهذيب 2:199 ح 780،الاستبصار 1:405 ح 1543.
5- التهذيب 2:325 ح 1332.
6- سنن ابن ماجة 1:310 ح 965.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله انه سمع فرقعة رجل خلفه في الصلاة،فلما انصرف قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«اما انه حظه من صلاته» (1).

الثالث:روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في التمطي و التثاؤب في

الصلاة:«من الشيطان»

(2) .

الرابع:التنخم و البصاق.

روي:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يأخذ النخامة في ثوبه (3).

الخامس:العبث؛

لفحوى رواية أبي بصير (4)و لما فيه من منافاة الإقبال على الصلاة و ترك الخشوع.

السادس:مدافعة الأخبثين أو الريح أو النوم؛

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لحاقن» (5)و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تصلّ و أنت تجد شيئا من الأخبثين» (6).و روى هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام:«لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة،و هو بمنزلة من هو في ثوبه» (7)و فيه دلالة على الريح.و اما النوم فلقوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى في بعض التفسير (8)و لما فيه من سلب الخشوع و الإقبال على الصلاة،و التعرّض لإبطالها.

و لو عرضت المدافعة في أثناء الصلاة فلا كراهة في الإتمام؛لعدم اختيار

ص: 22


1- الكافي 3:365 ح 8.
2- التهذيب 2:324 ح 1328.
3- صحيح مسلم 1:389 ح 550،سنن ابن ماجة 1:327 ح 1024،السنن الكبرى 2:294.
4- التهذيب 2:325 ح 1332.
5- مسند أحمد 5:250،260،261،280،سنن الترمذي 2:189،سنن ابن ماجة 1:202 ح 617،619،سنن أبي داود 1:22 ح 89.
6- مسند أحمد 5:250،260،261،280،سنن الترمذي 2:189،سنن ابن ماجة 1:202 ح 617،619،سنن أبي داود 1:22 ح 89.
7- المحاسن:83،التهذيب 2:333 ح 1372.
8- سورة النساء:43،و انظر مجمع البيان 3:52.

المكلف هنا،و لو عجز عن المدافعة فله القطع.روى عبد الرحمن بن الحجاج،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع الصبر عليه،أ يصلي على تلك الحالة أو لا؟فقال:«إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة،فليصلّ و ليصبر» (1).

السابع:التخصّر؛

لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)،و هو الاعتماد باليدين على الوركين و يسمي:التورّك.

الثامن:لبس الخف الضيق؛

لما فيه من المنع عن التمكن في السجود و ملازمة القيام على سمت واحد.

التاسع:السدل،

و قد ذكر فيما مر.و قيل:انه وضع الثوب على الرأس و الكتف و إرسال طرفيه.اما لو أرسل طرفي الرداء فلا بأس؛لما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام و قال:«لا يصلح جمعهما على اليسار،و لكن اجمعهما على يمينك أو دعهما» (3).

العاشر:التأوّه بحرف واحد و الأنين به اختيارا؛

لقربه إلى الكلام.

و كره أبو الصلاح التنخع و التجشؤ،و إدخال اليدين في الكمين و تحت الثياب (4).

خاتمة
اشارة

و لنختم الفصل بثلاثة مباحث:

أحدها:في السلام على المصلّي،

و فيه مسائل تسع:

الاولى:لا يكره السلام على المصلّي؛ للأصل،و لعموم:

ص: 23


1- الكافي 3:364،الفقيه 1:240 ح 1061،التهذيب 2:324 ح 1326.
2- مسند احمد 2:232،سنن الدارمي 1:332،صحيح البخاري 2:84،صحيح مسلم 1: 387 ح 545،سنن أبي داود 1:249 ح 947،الجامع الصحيح 2:222 ح 383،سنن النسائي 2:127.
3- التهذيب 2:373 ح 1551.
4- الكافي في الفقه:125.

فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (1) .و روى البزنطي في سياق أحاديث الباقر عليه السلام:«إذا دخلت المسجد و الناس يصلّون فسلّم عليهم،و إذا سلّم عليك فاردد فإني افعله».و ان عمار بن ياسر مرّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يصلّي،فقال:السلام عليك يا نبي اللّه و رحمة اللّه و بركاته،فردّ عليه السلام (2).

الثانية يجب الردّ عليه إذا سلم عليه؛لعموم قوله تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (3)و الصلاة غير منافية لذلك.

و ظاهر كلام الأصحاب مجرد الجواز؛للخبرين الآتيين بعد،و الظاهر انهم أرادوا به بيان شرعيته،و يبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية.و بالغ بعض الأصحاب في ذلك،فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار و لما يردّ السلام (4)و هو من مشرب اجتماع الأمر و النهي في الصلاة كما سبق،و الأصحّ عدم الابطال بترك ردّه.

الثالثة يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا كما في سائر الردّ.و قد روى منصور بن حازم،عن الصادق عليه السلام:«يردّ عليه ردّا خفيا» (5).و روى عمار عنه عليه السلام:«ردّ عليه فيما بينك و بين نفسك،و لا ترفع صوتك» (6).

و هما مشعران بعدم اشتراط إسماع المسلّم،و الأقرب اشتراط إسماعه؛ليحصل قضاء حقّه من السلام.5.

ص: 24


1- سورة النور:61.
2- جامع البزنطي:مخطوط،رواها الشيخ المجلسي في البحار 84:306 ح 31؛و الشيخ الحر في الوسائل 7:271 ح 3 ب 17 من قواطع الصلاة عن الذكرى. و أورد المقطع الثاني منه الشيخ الصدوق في الفقيه 1:241 ح 1066 و المحقق في المعتبر 2:263،و العلامة في المنتهى 1:297 و الشهيد الأول في أربعينه:50 ح 22.
3- سورة النساء:86.
4- قاله العلامة في مختلف الشيعة:102.
5- الفقيه 1:240 ح 1065،التهذيب 2:331 ح 1366.
6- الفقيه 1:240 ح 1064،التهذيب 2:331 ح 1365.

الرابعة قال المرتضى:يجب ان يقول المصلّي في ردّ السلام مثل ما قاله المسلّم:(سلام عليكم)،و لا يقول:(و عليكم السلام) (1)و رواه عثمان بن عيسى عن الصادق عليه السلام (2).

و جوّز ابن إدريس الردّ بقوله:(عليكم السلام)،و خصوصا إذا قال المسلّم:(عليكم السلام) (3)لعموم الآية،و استضعافا لخبر الواحد مع انّ عثمان ابن عيسى واقفي شيخ الواقفة،فتبقى عموم الآية و الأصل سالمين عن المعارض.

الخامسة لا تكفي الإشارة بالرّد عن السلام لفظا.

و احتج الشافعي على تحريم التلفّظ بأنّ أبا مسعود لما قدم من الحبشة سلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصلاة فلم يردّ عليه،قال:

فأخذني ما قرب و ما بعد،فلما فرغ قلت:يا رسول اللّه أنزل فيّ شيء؟قال:

«لا،و لكن اللّه يحدث من أمره ما يشاء،و انّ مما أحدث أن لا يتكلموا في الصلاة».و على جواز الإشارة بما روى صهيب و بلال:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سلّم عليه أشار بيده (4).

و جوابه بعد تسليم النقل انه يجوز تقدّمه على الأمر بردّ السلام،و يجوز ان يكون قد جمع بين الإشارة و التلفظ خفيّا كما رويناه.5.

ص: 25


1- الانتصار:47.
2- الكافي 3:366 ح 1،التهذيب 2:328 ح 1348.
3- السرائر:50.
4- المجموع 4:93،فتح العزيز 4:117. و الرواية الاولى في:ترتيب مسند الشافعي 1:119 ح 351،مسند احمد 1:435، صحيح البخاري 9:187،سنن أبي داود 1:243 ح 924،سنن النسائي 3:9،السنن الكبرى 2:248. و الرواية الثانية في:ترتيب مسند الشافعي 1:119 ح 352،مسند احمد 2:10،سنن ابن ماجة 1:325 ح 1017،الجامع الصحيح 2:204 ح 367،سنن النسائي 3:5.

السادسة لا يجب ان يقصد القرآن بردّه،و يظهر من كلام الشيخ اعتباره (1).

لنا عموم الآية،و لخبر هشام بن سالم عن محمد بن مسلم،قال:دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة،فقلت:السلام عليك.فقال:

«السلام عليك».فقلت:كيف أصبحت؟فسكت فلما انصرف قلت له:أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟فقال:«نعم،مثل ما قيل له» (2).و فيه دلالتان:

إحداهما:ان لفظ(السلام عليك)ليس في القرآن و قد أتى بها.

و ثانيها:عدم ذكر الامام قصد القرآن،فلو كان شرطا لذكره؛لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة.

السابعة لو سلّم بالصباح أو المساء أو التحية لم يجب الردّ عليه،قاله ابن إدريس (3).

و المحقق قال في المعتبر:نعم،لو دعا له و قصد الدعاء لا ردّ السلام، لم أمنع منه إذا كان مستحقا للدعاء؛لما بيناه من جواز الدعاء لنفسه و لغيره (4).

و قال الفاضل:يجب ردّ كل ما يسمى تحية؛لظاهر الآية،و خبر محمد ابن مسلم.و جوّز الردّ بلفظ المسلّم و بلفظ(سلام عليكم) (5).

الثامنة لو كان في موضع تقية ردّ خفيا و أشار،و قد تحمل عليه الروايتان السابقتان (6).

التاسعة لو ردّ غيره اكتفى به إذا كان مكلفا.و في الصبي المميز وجهان6.

ص: 26


1- النهاية:95،المبسوط 1:119،الخلاف 1:388 المسألة:141.
2- التهذيب 2:329 ح 1349.
3- السرائر:49.
4- المعتبر 2:264.
5- مختلف الشيعة:102.
6- تقدمتا في ص 24 الهامش 5،6.

مبنيان على صحة قيامه بفرض الكفاية،و هو مبني على انّ أفعاله شرعية أو لا، و قد سبقت الإشارة إليه.نعم،لو كان غير مميز لم يعتدّ به.

و لو ردّ بعد قيام غيره به لم يضرّ؛لانه مشروع في الجملة.

و هل هو مستحب كما في غير الصلاة أو تركه أولى؟فيه نظر،من شرعيته خارج الصلاة مستحبا،و من انه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة إليه.

البحث الثاني حكم ما لو رعف في أثناء الصلاة أو تقيأ

لو رعف في أثناء الصلاة أو قاء لم تبطل الصلاة؛لأنهما غير ناقضين للطهارة،و القيء ليس بنجس و يجب غسل الرعاف إن بلغ قدر الدرهم،ثم يتمّ صلاته ما لم يفعل المنافي؛لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يأخذه القيء و الرعاف في الصلاة:«ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته،و ان تكلم فليعد الصلاة و ليس عليه وضوء» (1).

و روى الكليني عن الحلبي،عن الصادق عليه السلام فيمن رعف في الصلاة:«إن قدر على ماء عنده يمينا و شمالا بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه،ثم يصلّي ما بقي من صلاته.و ان لم يقدر على ماء،حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم،فقد قطع صلاته» (2).

و اما رواية أبي حمزة عن الصادق عليه السلام:«لا يقطع الصلاة إلاّ رعاف و أزّ في البطن،فادرؤوهنّ ما استطعتم» (3)فهي نادرة،و تحمل على ما إذا احتاج الى فعل المنافي (4).

و حملت على استحباب الإعادة (5)فإن أريد الإعادة بعد البناء فلا بأس، و ان أريد بدونه ففيه تعرّض لقطع الصلاة،الا ان يقال:هذا كقطع الصلاة

ص: 27


1- الكافي 3:365 ح 9،التهذيب 2:318 ح 1302،323 ح 1323.
2- الكافي 3:364 ح 2،التهذيب 2:200 ح 783،الاستبصار 1:404 ح 1541.
3- التهذيب 2:328 ح 1347،الاستبصار 1:403 ح 1539.
4- راجع الهامش السابق.
5- حملها المحقق في المعتبر 2:269.

لاستدراك الأذان و الجماعة.و لا يبعد ان يحمل القطع على استدراك غسل الدم أو الوضوء للأزّ-و هو الصوت في البطن،بمعنى:الأزيز-لما رواه الفضيل بن يسار،قلت:لأبي جعفر عليه السلام:أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا،فقال:«انصرف،ثم توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك» (1).

تنبيه:

لو تعذّر قطع الرعاف حشا أنفه و صلّى مخففا لئلا يسبقه الدم،رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2).و لو سبق الدم و أمكن غسله وجب،و الا أتمّها مع ضيق الوقت بحالة.

البحث الثالث استحباب قول(الحمد للّه)عند العطاس في الصلاة

يستحب(الحمد للّه)عند العطاس في الصلاة؛ للأصل،و العموم في استحباب ذلك الشامل للصلاة،و لقول الصادق عليه السلام في رواية الحلبي:«إذا عطس الرجل في الصلاة فليقل:الحمد للّه» (3).

و يجوز التحميد و الصلاة على النبي و آله عند سماعه العطسة من الغير في الصلاة؛لرواية أبي بصير عنه عليه السلام،قال:«و ان كان بينك و بينه اليمّ» (4).

و لو سمت العاطس أو شمته فدعا له جاز؛لما مرّ من جواز الدعاء للغير في الصلاة.و تردّد فيه في المعتبر،ثم قال:الجواز أشبه بالمذهب (5)،يعني:

لقضية الأصل من الجواز و عموم الدعاء للمؤمنين،و هو يشعر بعدم ظفره بنص

ص: 28


1- الفقيه 1:240 ح 1060،التهذيب 2:332 ح 1370،الاستبصار 1:401 ح 1533.
2- التهذيب 2:333 ح 1371.
3- التهذيب 2:332 ح 1367.
4- الكافي 3:366 ح 3.
5- المعتبر 2:263.

في ذلك.

و روى العامة عن معاوية بن الحكم،قال:صليت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم،فقلت:يرحمك اللّه،فرماني القوم بأبصارهم!فقلت:ما شأنكم تنظرون إليّ؟فجعلوا يضربون أيديهم على افخاذهم فعرفت انهم يصمتوني،فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس،انما هي التكبير و قراءة القرآن» (1).

و ربما قيل:انّ الإنكار على كلامه الثاني لا على التسميت (2).1.

ص: 29


1- تقدم في ص 12 الهامش 6.
2- قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1:131.

ص: 30

الركن الثاني:في الخلل الواقع في الصلاة.
اشارة

و هو إما عن عمد أو سهو أو شك،

فهنا مطالب ثلاثة.
المطلب الأول:العمد.
و فيه مسائل ثلاث:
الاولى بطلان الصلاة بتعمد الإخلال بكل ما يتوقف عليه صحة الصلاة

من الشروط]

تبطل الصلاة بتعمّد الإخلال بكل ما يتوقّف عليه صحة الصلاة من الشروط-كالطهارة،و الاستقبال،و ستر العورة،و إيقاعها في الوقت- و الاجزاء،ركنا كان-و هو:النية،و التكبير،و القيام،و الركوع،و السجود-أو لا -كالقراءة-أو صفة-كالجهر،و الإخفات،و الطمأنينة-لأنّ الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط،و بالجزء إخلال بالكل.و قد سبق التنبيه على ذلك كله.

الثانية لا فرق بين الإخلال بالشروط و الأبعاض و بين الإخلال بما

يجب تركه]

لا فرق بين الإخلال بالشروط و الأبعاض و بين الإخلال بما يجب تركه؛لتحقق النهي المفسد للعبادة بفعل ما يجب تركه،و لا بين العالم و الجاهل بالحكم؛لانه ضمّ جهلا الى تقصير،و قد استثنى الأصحاب الجهر و الإخفات لما سبق.

اما لو جهل غصبية الماء أو الثوب أو المكان،أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود،فلا إعادة في الغصب على الإطلاق،و لا في النجاسة مع خروج الوقت،و مع بقائه قولان تقدما.

و لو وجد جلدا مطروحا فصلّى فيه،أعاد و ان تبيّن بعد انه مذكّى؛لانه دخل دخولا غير مشروع.

الثالثة بطلان الصلاة بزيادة واجب عمدا

تبطل الصلاة بزيادة واجب عمدا،سواء كان ركنا أو غيره؛لعدم الإتيان بالماهية على وجهها.و كذا لو اعتقد وجوب بعض الأذكار المندوبة أو بعض الأفعال المندوبة و كان كثيرا،و قد سبقت الإشارة إليه.

ص: 31

المطلب الثاني:في السهو
و فيه مسائل:
الأول بطلان الصلاة بالسهو إذا تضمّن الإخلال بشرط أو ركن

انما تبطل الصلاة بالسهو إذا تضمّن الإخلال بشرط أو ركن، كمن صلّى بغير طهارة،أو لا مستقبلا على ما سبق تفصيله في الاستقبال،أو صلّى مكشوف العورة ناسيا.و كمن أخلّ بالقيام حتى نوى،أو بالنية حتى كبّر، أو بالتكبير حتى قرأ،أو بالركوع حتى سجد،أو بالسجدتين حتى ركع بعدهما.

و قد تقدم ذلك بدليله.

الثانية بطلان الصلاة بزيادة و نقيصة الركن سهوا

كما تبطل نقيصة الركن سهوا كذا تبطل زيادته سهوا؛لاشتراكهما في تغيير هيئة الصلاة،و لقول الصادق عليه السلام:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (1).

و أولى منه زيادة ركعة فصاعدا إلاّ زيادة الخامسة سهوا،فإنه يشترط في البطلان ان لا يكون جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد عند ابن الجنيد (2)و الفاضل (3)لصحيح جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام (4)و زرارة عن الباقر عليه السلام (5).

و في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:«ان كان لا يدري جلس في الرابعة أم لم يجلس،فليجعل أربع ركعات منها الظهر و يجلس فيتشهد،ثم يصلي ركعتين جالسا و يضيفها إلى الخامسة فتكون النافلة» (6).

ص: 32


1- الكافي 3:355 ح 5،التهذيب 2:194 ح 764،الاستبصار 1:376 ح 1429.
2- مختلف الشيعة:135.
3- مختلف الشيعة:135.
4- الفقيه 1:229 ح 1016.
5- التهذيب 2:194 ح 766،الاستبصار 1:377 ح 1431.
6- الفقيه 1:229 ح 1017.

و في رواية أخرى له:يضيف إلى الخامسة ركعة لتكونا نافلة (1).

و قال ابن إدريس:إن تشهد ثم قام سهوا قبل التسليم و أتى بالخامسة، صحت على قول من جعل التسليم ندبا،و نقله عن الشيخ في الاستبصار (2).

و الأكثرون أطلقوا البطلان بالزيادة (3)لما أطلق في رواية زرارة و أخيه بكير -الحسنة-عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته» (4)،و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (5).

و الشيخ جمع بينهما بحمل الاولى على من جلس و تشهد،و بحمل الثانية على من لم يفعل ذينك (6)و هو حسن،و يكون فيه دلالة على ندب التسليم.

و أوجب في الخلاف الإعادة مطلقا؛لتوقف اليقين بالبراءة عليه،و قال:

انما يعتبر الجلوس بقدر التشهد أبو حنيفة،بناء على انّ الذكر في التشهد ليس بواجب،و عندنا انّه لا بد من التشهد وجوبا (7).

اما لو لم يجلس بقدر التشهيد،فإنّها تبطل قولا واحدا عندنا.

و قال أكثر العامة:تصح الصلاة مطلقا؛لما رووه عن ابن مسعود انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بنا خمسا،فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلّم، و قال:«إنما أنا بشر أنسى كما تنسون» (8).و هذا الحديث لم يثبت عندنا،مع1.

ص: 33


1- التهذيب 2:194 ح 765،الاستبصار 1:377 ح 1430.
2- السرائر:52،و راجع:،الاستبصار 1:377.
3- كابن البراج في:المهذّب 1:155،و الشيخ في:المبسوط 1:121.
4- الكافي 3:354 ح 2،التهذيب 2:194 ح 763،الاستبصار 1:376 ح 1428.
5- الكافي 3:355 ح 5،التهذيب 2:194 ح 764،الاستبصار 1:376 ح 1428.
6- الاستبصار 1:376.
7- الخلاف 1:451 المسألة:196.
8- صحيح مسلم 1:400 ح 572،سنن ابن ماجة 1:380 ح 1205،السنن الكبرى 2:341. و سيأتي ذيله في ص 54 الهامش 1.

منافاته للقواعد العقلية.

و يتفرع على ذلك انسحاب الحكم إلى زيادة أكثر من واحدة،و الظاهر انه لا فرق؛لتحقّق الفصل بالتشهد على ما اخترناه،و بالجلوس على القول الآخر.و كذا لو زاد في الثنائية أو الثلاثية.

و لو ذكر الزيادة قبل الركوع،فلا إشكال في الصحة؛لعدم كون زيادة القيام سهوا مبطلة،و عليه سجدتا السهو.

و لو ذكر الزيادة بين الركوع و السجود،فكالذكر بعد السجود.و احتمل الفاضل الإبطال؛لأنا ان أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر في الصلاة،و ان لم نأمره به زاد ركنا غير متعبّد به،بخلاف الركعة الواحدة لإمكان البناء عليها نفلا (1)كما سبق.

و على ما قلناه من اعتبار التشهد،لا فرق في ذلك كلّه في الصحة إن حصل،و في البطلان إن لم يحصل.

الثالثة حكم ما لو نقص من صلاته ساهيا ركعة فما زاد

لو نقص من صلاته ساهيا ركعة فما زاد،ثم ذكر قبل فعل ما ينافي الصلاة من حدث أو استدبار أو كلام و غيره أتمّها قطعا،و ان كان بعد الحدث أعادهما،و ان كان بعد الاستدبار أو الكلام فقد سلف.

و قال الصدوق-رحمة اللّه-في المقنع:ان صليت ركعتين من الفريضة، ثم قمت فذهبت في حاجة لك،فأضف إلى صلاتك ما نقص منها و لو بلغت الى الصين،و لا تعد الصلاة فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس ابن عبد الرحمن (2).

ص: 34


1- تذكرة الفقهاء 1:135.
2- في المقنع المطبوع:31:(و ان صليت ركعتين،ثم قمت فذهبت في حاجة لك،فأعد الصلاة و لا تبن على ركعتين).و قد حكى العاملي في مفتاح الكرامة 3:391 عبارة المقنع كما في المتن عن المختلف و الذكرى و غيرهما،و قال بعد إيراده العبارة السابقة:و هذا هو الموجود في النسخة التي عندنا من نسخه،لكن الناقلين غير ذلك كأنهم عولوا على المختلف.

و روى في الفقيه عن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انّ من سلّم في ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء الآخرة،ثم ذكر فليبن على صلاته و لو بلغ الصين و لا اعادة عليه» (1).

و روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين،ثم ذكر و هو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان انّه صلّى ركعتين،قال:«يصلي ركعتين» (2).

و يعارضه ما رواه الكليني عن سماعة،عن أبي عبد اللّه:أ رأيت من صلّى ركعتين و ظن انها أربع فسلم و انصرف،ثم ذكر بعد ما ذهب انّه انما صلّى ركعتين،قال:«يستقبل الصلاة من أولها»و ذكر انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما صلّى ركعتين لم يبرح من مكانه فلذلك أتمّها (3).

و ما رواه محمد بن مسلم،عن أحدهما،قال:سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة،فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه فاتته ركعة،قال:«يعيد ركعة إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة،فإذا حوّل وجهه استقبل الصلاة» (4).

و عدّ الكليني في مبطلات الصلاة عمدا و سهوا الانصراف عن الصلاة بكليته قبل ان يتمّها (5)و هو الأصح،و تحمل تلك الأخبار على النافلة كما ذكره الشيخ (6).

الرابعة:لا حكم للسهو عن غير الركن إذا تجاوز محله،

كنسيان القراءة،

ص: 35


1- الفقيه 1:229 ح 1012،التهذيب 2:192 ح 758،الاستبصار 1:379 ح 1437.
2- التهذيب 2:347 ح 1440،و الاستبصار 1:368 ح 1403.
3- الكافي 3:355 ح 1،التهذيب 2:346 ح 1438،الاستبصار 1:369 ح 1405.
4- التهذيب 2:184 ح 732،الاستبصار 1:368 ح 1401.
5- الكافي 3:360.
6- التهذيب 2:347،الإستبصار 1:368.

أو أبعاضها،أو صفاتها من اعراب،أو ترتيب،أو جهر،أو إخفات.أو كنسيان تسبيح الركوع،أو الطمأنينة فيه،أو رفع الرأس منه،أو الطمأنينة فيه.أو الطمأنينة في السجود،أو الذكر فيه،أو السجود على بعض الأعضاء،أو لم يتمّ رفعه من السجود الأول،أو لم يطمئن في رفعه منه.

لعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» (1).

و قول الباقر عليه السلام:«لا تعاد الصلاة الاّ من خمسة:الطهور، و الوقت،و القبلة،و الركوع،و السجود»رواه زرارة (2).

و قول أبي الحسن الكاظم عليه السلام في ناسي التسبيح في الركوع و السجود:«لا بأس بذلك»رواه علي بن يقطين (3).

و روى عبد اللّه القداح،عن الصادق عليه السلام:«ان عليا عليه السلام سئل عن رجل ركع و لم يسبّح ناسيا،قال:تمّت صلاته» (4).

و في رواية حكم بن حكيم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل (نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها،ثم تذكر بعد ذلك،فقال:

«يقضى ذلك بعينه».فقلت له:أ يعيد الصلاة؟قال:«لا» (5).و هي تدل بظاهرها على قضاء أبعاض الصلاة على الإطلاق،و هو نادر مع إمكان الحمل على ما يقضى منها-كالسجدة و التشهد و أبعاضه-أو على انه يستدركه في محله.

و كذا ما روى عبد اللّه بن سنان،عن الصادق عليه السلام،قال:«إذا0.

ص: 36


1- تقدم في ص 13 الهامش 1.
2- الفقيه 1:225 ح 991،التهذيب 2:152 ح 597.
3- التهذيب 2:157 ح 612،614.
4- التهذيب 2:157 ح 612.
5- التهذيب 2:150 ح 588،الاستبصار 1:357 ح 1350.

نسيت شيئا من الصلاة،ركوعا أو سجودا أو تكبيرا،ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (1).

و كذا رواية الحلبي عنه عليه السلام:«إذا نسيت من صلاتك،فذكرت قبل ان تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلمت،فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمّه» (2).و ابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها.

الخامسة حكم ما لو سها عن شيء و هو في محله

لو سها عن شيء و هو في محله أتى به،ركنا كان أو غيره؛لانه مخاطب به فلا يسقط بالنسيان مع إمكان تداركه.ثم ان كان هناك ترتيب وجب مراعاته،كما لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد إعادة السورة.

و كذا لو تشهد قبل سجود ثم تذكر أعاد السجود و التشهد،فان كان ذلك التشهد المعقّب بالتسليم فالحكم كذلك ان قلنا بوجوب التسليم،و ان لم نقل به ففي الاستدراك هنا تردّد،من الحكم بخروجه بالتشهد كما لو كان المنسي غير السجود،و من انّه لما وقع في غير موضعه كان بمثابة تسليم الناسي الذي هو غير مخرج فلا يكون التشهد هنا مخرجا،و عسى أن يأتي ما يدل عليه.فان قلنا بعدم التدارك و كان المتروك السجدتين بطلت الصلاة،و ان كانت واحدة أتى بها بعد التشهد.

و لو ذكر ترك الركوع،و قد انتهى الى حدة الساجد و لما يسجد،رجع الى الركوع.و الظاهر انه لا يجب الطمأنينة في هذا القيام؛لسبقها من قبل.

و كذا يعود لتدارك السجود ما لم يركع فيما بعده،و يتدارك القراءة أو التسبيح؛لفعله على غير الوجه المتعبّد به.و لا فرق بين السجدة الواحدة أو السجدتين،و رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ناسي

ص: 37


1- الفقيه 1:228 ح 1007،التهذيب 2:350 ح 1450.
2- أوردها المجلسي في بحار الأنوار 88:154 عن ذكري الشيعة.

السجدة الثانية:يرجع و يسجد ما لم يركع (1)لا تدلّ على التخصيص.

و قال المفيد-رحمة اللّه-:ان ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال،و ان نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه و سجدها ثم قام (2).و مثله قول أبي الصلاح (3).

و صرّح ابن إدريس بإعادة الصلاة بترك السجدتين و ان ذكر قبل ركوعه، و بإعادة السجدة الواحدة إذا ذكر قبل ركوعه (4).

و لم نقف على نص يقتضي التفرقة،فإن القيام إن كان انتقالا عن المحل لم يعد إلى الواحدة،و الاّ عاد الى السجدتين.و جزم الفاضلان بالعود في الموضعين (5).

و كذا يعود لتدارك التشهد ما لم يركع عندنا،و رواه الحلبي و علي بن حمزة عن الصادق عليه السلام (6).

السادسة:لا تبطل الصلاة بالسهو عن سجدة من ركعة حتى يركع فيما

بعدها.

و قد يظهر من كلام ابن أبي عقيل وجوب الإعادة بترك سجدة،حيث قال:فالفرض:الصلوات بعد دخول وقتها،و استقبال القبلة،و تكبيرة الإحرام،و السجود.و من ترك شيئا من ذلك،أو قدّم منه مؤخّرا،أو أخّر منه مقدما،ساهيا كان أو متعمدا،إماما كان أو مأموما أو منفردا،بطلت صلاته (7).

ص: 38


1- التهذيب 2:153 ح 602،الاستبصار 1:359 ح 1361.
2- المقنعة:22.
3- الكافي في الفقه:119.
4- السرائر:50.
5- المعتبر 2:383،تذكرة الفقهاء 1:138.
6- الكافي 3:357 ح 7،8،التهذيب 2:344 ح 1429،1430.
7- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:131.

و قال:من استيقن انه سجد سجدة و شك في الثانية سجدها،فان استيقن انه سجد سجدتين أعاد الصلاة (1).

فظاهر كلامه ان السجدة الواحدة كالسجدتين في الزيادة و النقصان.

و قد روى الشيخ في التهذيب بإسناده الى علي بن إسماعيل،عن رجل، عن معلى بن خنيس،قال:سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته،قال:«إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته،ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه،و ان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة.و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» (2).

و هذا الخبر فيه إرسال،و في المعلى كلام،و المشهور انه قتل في حياة الصادق عليه السلام،فكيف يروى عن أبي الحسن الماضي!،و الشيخ حمل السجدة على السجدتين معا (3).

و روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن رجل صلّى فذكر انه زاد سجدة،فقال:«لا يعيد صلاته من سجدة،و يعيدها من ركعة» (4).

و روى عبيد بن زرارة عنه عليه السلام فيمن شك في سجدة فسجد ثم تيقن انه زاد سجدة،فقال،:«لا و اللّه،لا تفسد الصلاة زيادة سجدة»،و قال:

«لا يعيد صلاته من سجدة،و يعيدها من ركعة» (5).و هما خبران في معنى النهي.

و في هاتين الروايتين دلالة على صحة الصلاة لو زاد سجدة صريحا،1.

ص: 39


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:131.
2- التهذيب 2:154 ح 606،الاستبصار 1:359 ح 1363.
3- الهامش السابق.
4- الفقيه 1:228 ح 1009،التهذيب 2:156 ح 610.
5- التهذيب 2:156 ح 611.

و كذا لو نقصها؛لقوله:«لا يعيد صلاته من سجدة».

السابعة:حكم الأوليين حكم الأخيرتين في السهو عن غير ركن،

فلا تبطل الصلاة بذلك في المشهور بين الأصحاب.

و قال المفيد و الشيخ-في التهذيب-:تبطل بالسهو فيهما و الشك في أفعالهما (1)لرواية البزنطي عن الرضا عليه السلام في رجل يصلي ركعتين ثم ذكر في الثانية و هو راكع انه ترك سجدة في الأولى،قال:«كان أبو الحسن يقول:

إذا تركت السجدة في الركعة الأولى،فلم تدر أ واحدة أو اثنتين،استقبلت حتى يصح لك ثنتان.فإذا كان في الثالثة و الرابعة،فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع،أعدت السجود» (2).

و قد روي ما يعارض ذلك عن محمد بن منصور،قال:سألته عن الذي ينسي السجدة الثانية من الركعة الثانية أو يشك فيها،فقال:«إذا خفت ان لا تكون وضعت وجهك إلاّ مرة واحدة،فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة» (3).

و تأوّله الشيخ بانّ المراد به من الركعة الثانية من الأخيرتين (4)و هو بعيد.

و أجاب الفاضل عن رواية البزنطي:بأنّ المراد بالاستقبال الإتيان بالسجود المشكوك فيه،و يكون قوله عليه السلام:«و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة»راجعا الى من تيقّن ترك السجدة في الأوليين،فإن عليه إعادة السجدة لفوات محلها.و لا شيء عليه لو شك،بخلاف ما لو كان الشك في الأولى؛لأنه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه (5).

ص: 40


1- المقنعة:24،التهذيب 2:154.
2- قرب الاسناد:160،التهذيب 2:154 ح 605. و صدره في الكافي 3:349 ح 3 بلفظ:فقال:«كان أبو الحسن عليه السلام..استقبلت الصلاة حتى يصح لك انهما اثنتان.
3- التهذيب 2:155 ح 607،الاستبصار 1:360 ح 1365.
4- الهامش السابق.
5- مختلف الشيعة:130.
الثامنة:حكم الأخيرتين في البطلان

بترك الركن إذا تجاوز محله حكم الأوليين في المشهور أيضا.

و قال الشيخ:انما تبطل في الأوليين أو في الصبح أو في ثالثة المغرب، و ان كان في الأخيرتين من الرباعية حذف الزائد و أتى بالفائت،فلو ترك الركوع حتى سجد و لم يذكر حتى صلّى ركعة أخرى أسقط الاولى (1).

و له قول آخر بالتلفيق و ان كان في الأوليين (2)كما هو قول ابن الجنيد و أبي الحسن بن بابويه فيما عدا الأولى،فإنّهما اعتبرا سلامة الاولى لا غير (3).

و الروايات مختلفة،فروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام:«إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة،و قد سجد سجدتين و ترك الركوع،استأنف الصلاة» (4)و مثله رواه عن الباقر عليه السلام (5)و رواه رفاعة عن الصادق عليه السلام (6).

و روى محمد بن مسلم،عن الباقر عليه السلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع:«فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام،و ان كان لم يستيقن الاّ بعد ما فرغ فليقم و ليصل ركعة و سجدتين» (7).و حمل الشيخ هذا على الأخيرتين (8)و لم نقف على موجب هذا الحمل الا ما يظهر من الرواية عن الرضا عليه السلام:الإعادة في الأوليين

ص: 41


1- المبسوط 1:119،التهذيب 2:149.
2- الجمل و العقود:186(ضمن الرسائل العشر)،الاقتصاد:265،و النهاية:88.
3- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:129.
4- التهذيب 2:148 ح 580،الاستبصار 1:355 ح 1343.
5- التهذيب 2:149 ح 584،الاستبصار 1:356 ح 1346.
6- الكافي 3:348 ح 2،التهذيب 2:148 ح 581،الاستبصار 1:355 ح 1345.
7- الفقيه 1:228 ح 1006:التهذيب 2:149 ح 585،الاستبصار 1:356 ح 1348.
8- التهذيب 2:149،الاستبصار 1:356.

و الشك في الأخيرتين (1)و لكنه ليس بصريح في المطلوب.

و اعلم انّ رواية محمد بن مسلم قضيتها التلفيق و لو بعد التسليم؛لدلالة الفراغ عليه،إذ هو بترك الركوع كأنّه قد ترك الركعة إذ السجدتان لا عبرة بهما، فيكون قد بقي عليه ركعة فيأتي بها.

التاسعة حكم الأخيرتين حكم الأوليين في البطلان بترك الركن إذا

تجاوز محله]

لو نسي سجدة أو التشهد حتى ركع من بعد،قضاهما بعد التسليم و سجد للسهو؛لرواية علي بن أبي حمزة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إذا قمت في الركعتين و لم تتشهد و ذكرت قبل ان تركع فاقعد فتشهد،و ان لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك،فإذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما،ثم تشهد التشهد الذي فاتك» (2).

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته و قد انسي التشهد حتى ينصرف،فقال:«إن كان قريبا رجع الى مكانه فتشهد،و الاّ طلب مكانا نطيفا فتشهد» (3).

و قال ابنا بابويه و المفيد-في العزية-:يجزي التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهد المنسي (4)؛لظاهر رواية ابن أبي حمزة (5)،و لرواية الحسين ابن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام (6)،و سليمان بن خالد عنه:

ان عليه سجدتي السهو و لم يذكر قضاء التشهد (7).و عن أبي بصير قال:سألته

ص: 42


1- الكافي 3:350 ح 4،التهذيب 2:177 ح 709،الاستبصار 1:364 ح 1386.
2- الكافي 3:357 ح 7،التهذيب 2:344 ح 1430.
3- التهذيب 2:157 ح 617.
4- الفقيه 1:233،المقنع:33،و حكاه عن المفيد و على ابن بابويه العلامة في مختلف الشيعة: 137.
5- تقدمت في الهامش 2.
6- التهذيب 2:158 ح 619،الاستبصار 1:362 ح 1373.
7- التهذيب 2:158 ح 618،الاستبصار 1:362 ح 1374.

عن الرجل ينسى ان يتشهد،قال:«يسجد سجدتين يتشهد فيهما» (1).

لنا:ان سجدتي السهو يجب فيهما التشهد على ما يأتي في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)،و التشهد يجب قضاؤه على ما مرّ في رواية محمد بن مسلم (3)،و الأصل عدم التداخل.

العاشرة:لا فرق بين التشهد الأول و الأخير في التدارك بعد الصلاة،

عند الجماعة في ظاهر كلامهم،سواء تخلّل الحدث بينه و بين الصلاة أو لا.و قال ابن إدريس:لو تخلّل الحدث بين الصلاة و التشهد الأول لم تبطل الصلاة؛ لخروجه عنها بالتسليم.و لو تخلّل بينها و بين التشهد الثاني بطلت؛لأن قضية السلام الصحيح ان يكون بعد التشهد،فوقوعه قبله كلا سلام،فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل (4).

و في هذا الكلام إشكالان:أحدهما على قضية مذهبه،و الثاني على غيره.

أمّا الأول:فلان قضية مذهبه انّ الخروج من الصلاة بالفراغ من التشهد؛ لان التسليم مستحب عنده،فكيف يحكم بالخروج منها بالتسليم؟!و حينئذ يمكن تعليل الفرق بذلك بان يقال:انما يخرج من الصلاة بكمال التشهد،و في صورة نسيانه أخيرا لم يتحقق التشهد فلا يتحقق الخروج،فيكون قد أحدث قبل الخروج.

و أمّا الثاني:فلان التسليم على القول بوجوبه قد وقع مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا،و التشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة

ص: 43


1- التهذيب 2:158 ح 621.
2- تأتي في ص 95 الهامش 2.
3- تقدمت في ص 42 الهامش 3.
4- السرائر:55.

الصلاة.

و في المختلف نازع في تخلّل الحدث إذا نسي التشهد الأول و حكم بإبطاله الصلاة،و حكم بان التسليم وقع في محله و ان نسي التشهد الأخير فتكون الصلاة صحيحة (1).

و قال الصدوق في الفقيه:إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة و أحدثت،فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك،و ان لم تكن قد قلت ذلك فقد مضت صلاتك،فتوضأ ثم عد الى مجلسك و تشهد (2).

و عوّل على رواية عبيد بن زرارة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير،فقال:«تمت صلاته،و انما التشهد سنّة في الصلاة،فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد» (3).

و عن زرارة عن الباقر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة قبل ان يتشهد،قال:«ينصرف فيتوضأ،فإن شاء رجع الى المسجد،و ان شاء ففي بيته،و ان شاء حيث شاء،قعد فيتشهد و يسلم.و ان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (4).

و هذان الحديثان معتبرا الاسناد،و لكن يعارضهما انّ الحدث وقع في الصلاة فيفسدها،و رواية الحسن بن جهم قال:سألته عن رجل صلّى الظهر و العصر فأحدث حين جلس في الرابعة،فقال:«إن كان قال:اشهد ان لا إله اللّه و ان محمدا رسول اللّه،فلا يعد.و ان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد» و الظاهر انه روي عن الامام (5).و فيه دلالة على قول ابن إدريس و على ما عللناه).

ص: 44


1- مختلف الشيعة:138.
2- الفقيه 1:233،المقنع:33.
3- الكافي 3:346 ح 1،التهذيب 2:318 ح 1300،الاستبصار 1:342 ح 1290.
4- الكافي 3:347 ح 2،التهذيب 2:318 ح 1301،الاستبصار 1:343 ح 1291.
5- الاستبصار 1:401 ح 1531.و في التهذيب 2:354 ح 1467 عن أبي الحسن عليه السلام، و في 1:205 ح 596 فيه:(سألته-يعني أبا الحسن عليه السلام-).

به،الاّ ان ظاهر كلام الأصحاب العمل بالبطلان.

الحادية عشرة حكم الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم إذا سها

عنها المصلي]

تتدارك الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم إذا سها عنها المصلي كما يتدارك التشهد،فان كان في محل تدارك التشهد-أعني قبل الركوع-عاد لها و لا يضرّ الفصل بينها و بين التشهد،و ان كان بعده قضاها بعد التسليم كما يقضي التشهد.

و أنكر ابن إدريس شرعية قضائها (1)لعدم النص.

قلنا:التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه؛تسوية بين الجزء و الكل.

و لو كانت الصلاة في التشهد الأخير،أمكن انسحاب كلام ابن إدريس بالبطلان إذا أتى بالحدث أو المنافي؛لعدم الخروج من الصلاة بدونها.

و وجوب قضاء الصلاة وحدها،مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان.

الثانية عشرة حكم ما لو ترك السجدة الواحدة ناسيا ثم ذكرها
اشارة

لو ترك السجدة الواحدة ناسيا ثم ذكرها قبل الركوع وجب العود كما يذكر،و له أحوال خمسة:

الحالة الاولى:ان يكون قد جلس عقيب السجدة الاولى، و اطمأن بنيّة انّه الجلوس الواجب.فهذا يعود الى السجود،و لا يحتاج الى الجلوس لانه قد أتى به،فلو جلس لا بنيّة لم يضر،و لو نوى استحبابه أو وجوبه فهو فعل خارج عن الصلاة لا يبطل الاّ مع الكثرة.

و قال بعض العامة:لا يكفي الجلوس الأول بل يجب الجلوس هنا، لينتقل عنه الى السجود،كما لو خفّ المريض بعد القراءة قاعدا فإنّه يجب عليه القيام ليركع عن قيام (2).

ص: 45


1- السرائر:55.و في ص 51 أوجب القضاء.
2- راجع:المجموع 4:119.

قلنا:الفرق واضح؛لأنّ الركوع من قيام لا بد منه مع القدرة عليه و لا يتمّ الا بالقيام فيجب،و لأنّ ناسي السجدة قد أتى بجلسة الفصل،بخلاف المريض فإنه لم يأت بالقيام المعتبر للركوع.

الحالة الثانية:ان يكون قد جلس بنيّة الاستراحة، بناء على انه توهّم انه سجد السجدتين معا.ففيه احتمالان:

أحدهما:انّه يكتفي به؛لأنّ قضية نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال،فنيّة الاستراحة لاغية؛إذ قضية نيّة الصلاة كونها للفصل بين السجدتين.

و الثاني:انه يجلس ثم يسجد؛لانّه قصد بها الاستحباب فلا يجزئ عن الواجب؛لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«و انما لكل امرئ ما نوى» (1).

و قد سبق مثل هذين الوجهين فيمن أغفل لمعة في الغسلة الأولى فغسلها في الثانية بقصد الندب (2).

و الوجه الاجتزاء بالجلسة هنا،لقولهم عليهم السلام«الصلاة على ما افتتحت عليه» (3).و قد سبق ذكره فيمن نوى الفريضة ثم أتمّها بنيّة النافلة سهوا (4)و هو من باب مفهوم الموافقة.

الحالة الثالثة:ان لا يكون قد جلس أصلا. و فيه وجهان:

أحدهما:-و هو الذي جزم به الشيخ في المبسوط (5)-انه يخرّ ساجدا و لا يجلس؛لان القيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين؛إذ الغرض الفصل0.

ص: 46


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147، السنن الكبرى 7:341.
2- سبق في الطبع الحجري ص 82 المسألة 12.
3- التهذيب 2:197 ح 776 و 343 ح 1419.
4- سبق في 3:252.
5- المبسوط 1:120.

بينهما و قد حصل بالقيام.

و الثاني:-و هو مختار الفاضل (1)-وجوب الجلوس؛لانه من أفعال الصلاة و لم يأت به مع إمكان تداركه،و الفصل بين السجدتين يجب ان يكون بهيئة الجلوس لا بهيئة القيام و غيره.و هذا هو الأقوى.

و يتفرع عليه قضاء السجدة بعد التسليم.و وجوب الجلوس هنا بعيد لفوات الغرض به؛لانه هناك لتقع السجدتان على الوجه المشروع من الجلوس بينهما.و وجه وجوبه انه واجب في نفسه لا للفصل.و على قول الشيخ لا إشكال.

الحالة الرابعة:ان يكون قد جلس و لكن لم يطمئن. و لم أر لهم في هذه كلاما،و قضية الأصل وجوب الجلوس و الطمأنينة كما لو لم يجلس،فان الطمأنينة واجبة في الجلوس و لم تحصل،و لا يتصور وجوب طمأنينة مستقلة فوجب الجلوس لتحصيلها،و لا فرق بين ان تكون تلك الجلسة الخالية عن الطمأنينة جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة.

الحالة الخامسة:ان يشك هل جلس أم لا؟ و فيه عندي احتمالان:

أحدهما:-و هو الأقوى-انه يجلس؛لأصالة عدم فعله مع إمكانه كالباقي في محله.

و الثاني:انه لا يجلس؛لانه شك بعد الانتقال،كما لو شك في أصل السجود بعد القيام فإنّه لا يلتفت على الأقوى،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و الفرق بينهما:انّ هذا يجب عليه العود الى حالة القعود و هو إذ ذاك شاك فهو في محله حقيقة.7.

ص: 47


1- مختلف الشيعة:137.
فرعان:
أحدهما:جلس فتجدّد عنده شك،

هل فعل السجدة الأولى أو لا؟ فالظاهر الإتيان بها لعين ما قلناه.

الثاني:إذا رجع لتدارك السجدة أو السجدتين و كان قد تشهد،

وجب عليه إعادة التشهد و لا يكون ما فعله أولا صحيحا؛لوجوب رعاية الترتيب بين أفعال الصلاة؛لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يرتّب دائما و قد قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (1)و النسيان عذر في انتفاء الإثم لا في الاعتداد في المأتي به.و هنا يخرّ ساجدا على الأقوى،للاكتفاء بالجلوس للتشهد عن جلسة الفصل.

و كذا إذا قام يجب عليه تدارك ما يلزمه من قراءة أو تسبيح؛لمثل ما قلناه.

و يتفرع عليه ما لو نسي السجدة الأخيرة و ذكر بعد التشهد،فإنه يأتي بها ثم به على الأقوى.

و لو ذكر بعد التسليم،فعلى القول بوجوبه الأقرب الاجتزاء بقضاء السجدة؛للحكم بخروجه من الصلاة و صدق الامتثال في التشهد المقتضي للإجزاء؛مع احتمال وجوب قضائه ضعيفا تحصيلا للترتيب،و يلزم منه وجوب قضاء التشهد الأول لو نسي سجدته و لم يقولوا به.

و على القول بندب التسليم،فان ذكر قبل الإتيان بالمنافي فوجوب استدارك التشهد قوي؛لأنه في حكم المصلي بعد.و يحتمل عدمه؛للحكم بخروجه من الصلاة و إتيانه بالمنافي،اعني:التسليم.و ان أتى بالمنافي غير التسليم،و قلنا بعدم تأثيره في الصلاة،قضى السجدة لا غير،و الاّ أعاد الصلاة

ص: 48


1- مسند احمد 5:53،سنن الدارمي 1:286،صحيح البخاري 1:162،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:85 ح 1656،سنن الدار قطني 1:273،السنن الكبرى 3:120.

من رأس.

تنبيه:

لا يكون القيام مانعا من الرجوع،و لا الشروع في القراءة مانعا من الرجوع أيضا الى السجدة أو السجدتين عندنا.اما الركوع فمانع إجماعا منا في السجدة الواحدة،و لا يجب غير قضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة.و لو كانتا اثنتين فقد تقدم الخلاف في التلفيق،و على القول به يلغو الركوع و يجعل السجدتين الآن للركعة السابقة.

الثالثة عشرة:لا تقضى السجدة إلا بعد التسليم،

قاله المرتضى (1)و الشيخان (2)و المعظم (3).

و قال الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه في رسالته:و ان نسيت سجدة من الركعة الأولى فذكرتها في الثانية من قبل أن تركع فأرسل نفسك و اسجدها،ثم قم إلى الثانية و ابتدئ القراءة،فإن ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة.و ان نسيت سجدة من الركعة الثانية و ذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك و اسجدها،فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة.فإن كانت سجدة من الركعة الثالثة و ذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك و اسجدها ما لم تركع، فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك و اسجدها بعد التسليم (4).

و قال المفيد-رحمة اللّه-في العزية:إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء (5).

ص: 49


1- جمل العلم و العمل 3:36.
2- المقنعة:24،المبسوط 1:120،الخلاف 1:454 المسألة:198.
3- راجع:الوسيلة:100،المعتبر 2:383،مختلف الشيعة:131.
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:131.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:131.

و كأنهما عوّلا على خبر لم يصل إلينا.

و في صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام:«إذا نسي الرجل سجدة فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (1).و حمله في المختلف على الذكر قبل الركوع (2)و لك ان تحمله على الإطلاق و لا يكون فيه دلالة على قول هذين الشيخين؛لأنّ المشهور بين القدماء استحباب التسليم،فيكون هذا قضاء بعد الفراغ من الصلاة.

و المعتمد المشهور؛لأنّ في ذلك تغييرا لهيئة الصلاة،و حكما بما لم يعلم موجبه.

الرابعة عشرة حكم أبو الحسن بن بابويه و بعض الأصحاب في ناسي

التشهد أو التسليم]

حكم أبو الحسن بن بابويه بأنّ ناسي التشهد أو التسليم، ثم يذكر بعد مفارقة مصلاّه،يستقبل القبلة و يأتي بهما قائما كان أو قاعدا.

و قال بعض الأصحاب:تبطل الصلاة بنسيان التسليم إذا أتى بالمنافي قبله (3).

و الحكمان ضعيفان:

أمّا الأول:فقد تقدم ما في نسيان التشهد،و قضاؤه قائما مشكل لوجوب الجلوس فيه.

و أمّا الثاني:فلان التسليم ليس بركن،فكيف تبطل الصلاة بفعل المنافي؟! فإن قال:هذا مناف في الصلاة؛لأنا نتكلم على تقدير انّ التسليم واجب.

قلنا:هذا انما يتم بمقدمة أخرى،و هي:انّ الخروج لا يتحقق الاّ به،

ص: 50


1- التهذيب 2:156 ح 609،الاستبصار 1:360 ح 1366.
2- مختلف الشيعة:131.
3- الناصريات:231 المسألة 82.

و لا يلزم من وجوبه انحصار الخروج الشرعي من الصلاة فيه،و قد سبق ذلك في بابه.

الخامسة عشرة في مواضع يغتفر زيادة الركن سهوا

قد بيّنا ان زيادة الركن مبطلة و ان كان سهوا،و يغتفر ذلك سهوا في مواضع.

منها:في صورة الائتمام إذا سبق المأموم ثم عاد إلى المتابعة،كما يأتي إن شاء اللّه.

و منها:لو زاد قياما سهوا إذا جعلنا صورة القيام كيف اتفق ركنا.

و منها:لو تبيّن المحتاط ان صلاته كانت ناقصة و ان الاحتياط مكمل لها، فإنها مجزئة على الصحيح،سواء كان ذكره بعد فراغ الاحتياط أو في أثنائه على الأقوى،و قد وقعت هنا تكبيرة منوي بها الإحرام زائدة.و كذلك لو نقص من صلاته ثم ذكر و قد شرع في أخرى،و لما يأت بينهما بالمنافي،فإن المروي العدول إلى الاولى و ان وقعت تكبيرة الإحرام (1).

و منها:لو استدرك الركوع لشكه فيه في محله ثم ذكر قبل رفع رأسه، على ما ذكره الشيخ (2)و المرتضى (3)و جماعة منهم:أبو الصلاح (4)و ابن إدريس (5).و هو قوي؛لأنّ ذلك و ان كان بصورة الركوع و منويا به الركوع الاّ انّه في الحقيقة ليس بركوع؛لتبيّن خلافه،و الهوي إلى السجود مشتمل عليه و هو واجب فيتأدّى الهوي إلى السجود به،فلا تتحقق الزيادة حينئذ،بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع،فإن الزيادة حينئذ محققة؛لافتقاره إلى هوي الى السجود.

ص: 51


1- الاحتجاج:488.
2- المبسوط 1:122.
3- جمل العلم و العمل 3:36.
4- الكافي في الفقه:118.
5- السرائر:53.

فإن قلت:قال عليه الصلاة السلام:«و انما لكل امرئ ما نوى» (1)و هذا قد نوى الركوع فكيف يصرف الى غيره؟و لأن الطمأنينة فيه أمر وراء الهوي فتشخص بها الركوع،فتتحقق الزيادة حينئذ فيدخل تحت رواية منصور بن حازم و عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام:«لا يعيد الصلاة من سجدة،و يعيدها من ركعة» (2).

قلت:نيّة المصلي ابتداء اقتضت كون هذا الهوي للسجود،و هي مستدامة و المستدام بحكم المبتدأ فيعارض النيّة الطارئة،فيرجّح الاولى عليها لسبقها،و لكون النيّة الثانية في حكم السهو.و لهذا أجمعنا على انّه لو أوقع أفعالا بنيّة ركعة معينة من الصلاة فتبيّن انه في غيرها صحت صلاته،مع ان الترتيب بين الافعال واجب.و قد سلف انّه لو دخل في صلاة بنيّة الفرض،ثم عزبت عنه الى النفل سهوا و أتمّها بنيّة النفل،كانت صحيحة (3).

و اما الطمأنينة فليست بركن فلا تضر زيادتها.

و اما الحديث فظاهره الركعة بتمامها.سلمنا انّه أراد به الركوع،و لكن في صورة تحقّق زيادته و هي هنا غير محققة.

و قال الفاضلان:يعيد الصلاة (4).

و أطلق ابن أبي عقيل انّه إذا استيقن بعد ركوعه الزيادة يعيد الصلاة (5).

و لقائل أن يقول:جميع ما عددتم من الصور نمنع تسميتها أركانا.9.

ص: 52


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:2،صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147. السنن الكبرى 7:341.
2- التهذيب 2:156 ح 610،611.
3- تقدم في 3:252.
4- المعتبر 2:390،تذكرة الفقهاء 1:136،مختلف الشيعة:129.
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:390،و العلامة في مختلف الشيعة:129.

فنقول:هي بصور الأركان،و قد وقع النزاع في بعضها للتعليل بركنيتها، أي انّ القائل ببطلان الصلاة علّل بالركنية.

ص: 53

المطلب الثالث:في الشك.
و فيه مسائل:
الأولى هل يبني على أحد طرفي ما شك فيه لو غلب على ظنه

لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه؛لأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفي بالظن؛تحصيلا لليسر،و دفعا للحرج و العسر.

و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا شك أحدكم في الصلاة،فلينظر أحرى ذلك الى الصواب،فليبن عليه» (1).

و عن الصادق عليه السلام-بعدّة طرق-:«إذا وقع و همك على الثلاث فابن عليه،و ان وقع و همك على الأربع فسلم و انصرف» (2).

و لا فرق بين الشك في الافعال و الاعداد،و لا بين الأوليين و الأخيرتين في ذلك.

و يظهر من كلام ابن إدريس انّ غلبة الظن تعتبر فيما عدا الأوليين،و ان الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما و ان غلب الظن (3).فان أراده فهو بعيد، و خلاف فتوى الأصحاب،و تخصيص لعموم الأدلة.

الثانية:لا حكم للشك مع الكثرة؛

دفعا للحرج و لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،قال:«إذا كثر عليك السهو،فامض على صلاتك،فإنه يوشك ان يدعك (4)الشيطان» (5)و في معناه رواية زرارة و أبي

ص: 54


1- تقدم صدره في ص 33 الهامش 8.
2- الكافي 3:353 ح 7،التهذيب 2:184 ح 733 عن عبد الرحمن بن سيابة و أبي العباس، و فيهما«رأيك»بدل«و همك»في كلا الموضعين. و سيأتي في ص 76 الهامش 1.
3- السرائر:53.
4- في المصادر زيادة:«انما هو من».
5- الكافي 3:359 ح 8،الفقيه 1:224 ح 989،التهذيب 2:343 ح 1424.

بصير (1)و عبيد اللّه الحلبي (2).

و اختلف العبارة في حدّ الكثرة،ففي رواية محمد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام:«ان كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو» (3).و ظاهره تكراره ثلاثا،و العرف قاض بذلك مع توالي الشك.

و في حسنة ابن البختري-و ستأتي-:«ليس على الإعادة اعادة» (4).و هذا يظهره منه ان السهو يكثر بالثانية،الاّ ان يقال:يخص بموضع وجوب الإعادة.

و قال الشيخ في المبسوط:قيل:حدّه ان يسهو ثلاث مرات متوالية (5).

و به قال ابن حمزة (6).

و قال ابن إدريس:حدّه ان يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات،فيسقط بعد ذلك حكمه.أو يسهو في أكثر الخمس،أعني:ثلاث صلوات من الخمس (7).

و الأول حسن،و يفهم منه معنيان:

أحدهما:ما مرّ.

و الثاني:انه كلما صلّى ثلاث صلوات يقع فيها شك،بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية عن شك،و هو ظاهر اللفظ؛لانه أتى ب«كل»الدالة على العموم.و حينئذ لا تكون فيه دلالة على نهاية الكثرة بل مرجعها أيضا الى2.

ص: 55


1- الكافي 3:358 ح 2،التهذيب 2:188 ح 747،الاستبصار 1:374 ح 1422.
2- الكافي 3:359 ح 9،التهذيب 2:344 ح 1425.
3- الفقيه 1:224 ح 990.
4- الكافي 3:359 ح 7،التهذيب 2:344 ح 1428.
5- المبسوط 1:122.
6- الوسيلة:102.
7- السرائر:52.

العرف؛لامتناع العمل بظاهره و الاّ لم يتحقق الحكم بالكثرة؛لأنّ الصلوات المتعاقبة داخلة في حيز«كل»الى انقضاء تكليف المصلّي.

ثم قوله:«فهو ممن يكثر عليه»يحتمل ان يكون الحكم معلقا بالثالثة على التفسير الأول؛لأنّ«هو»ضمير الساهي في الثلاث فيدخل في الحكم.

و يحتمل ان يعلق بالرابعة؛لدلالة(الفاء)على التعقيب،و حينئذ يبني في الرابعة على فعل المشكوك فيه و ان كان في محله.

و لو شك في عدد بنى على الأكثر و لا احتياط عليه،و هذا معنى:

(المضي على الصلاة).و لو شك في لحوق مبطل لم يلتفت.

و الظاهر انه تسقط عنه سجدتا السهو فيما لو كان الشك موجبا لهما، كالشك بين الأربع و الخمس.

فروع:

الأول:لو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتد بها. نعم،لو تكرر ذلك أياما فالظاهر الاعتداد؛لصدق الكثرة عرفا كما قلناه.

الثاني: لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه،فالظاهر بطلان صلاته؛ لأنّه في حكم الزيادة في الصلاة متعمدا الاّ ان نقول هذا رخصة؛لقول الباقر عليه السلام:«فامض على صلاتك،فإنه يوشك ان يدعك الشيطان» (1)و ان الرخصة هنا غير واجبة.

و لو تذكر بعد الشك أتى بما يلزمه.فلو كان قد فعل ذلك،ففي الاجتزاء به وجهان.أقربهما ذلك إن سوغنا فعله و الاّ فالأقرب الإبطال؛للزيادة المنهي عنها.و يحتمل قويا الصحة؛لظهور انها من الصلاة.

الثالث: لو حكم بالكثرة ثم زال شكّه غالبا،ثم عرض من بعد،أتى بما5.

ص: 56


1- تقدم في ص 54 الهامش 5.

يجب فيه من الاحكام حتى يعود إلى الكثرة فيعود العفو،و هكذا.و هل يكتفى في زواله بتوالي ثلاث بغير شك؟يحتمل ذلك؛تسوية بين الذكر و الشك.

الرابع:لو كثر شكّه في فعل بعينه بنى على فعله. فلو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضا؛لصدق الكثرة.

الخامس:لو كثر السهو عن ركن فلا بدّ من الإعادة، و كذا عن واجب يستدرك-اما في محله أو غير محله-لوجوب الإتيان بالمأمور به،و ما دام لم يأت به فهو غير خارج عن عهدة الأمر.

و هل تؤثر الكثرة في سقوط سجدتي السهو؟لم أقف للأصحاب فيه على نص و ان كان ظاهر كلامهم يشمله؛لأنّ عبارتهم:لا حكم للسهو مع كثرته، و كذا الاخبار تتضمن ذلك الا انّ المراد به ظاهرا الشك؛لامتناع حمله على عموم أقسام السهو.و الأقرب سقوط السجدتين؛دفعا للحرج.

و لو كثرت زيادته سهوا لبعض الأفعال،فإن كانت غير ركن ففي سقوط سجدتي السهو الوجهان.و ان كان المزيد ركنا احتمل اغتفاره؛دفعا للحرج، و لأنّ الركن قد بيّنا اغتفار زيادته في بعض المواضع.

الثالثة:لا حكم لشك الامام مع حفظ المأموم و لا بالعكس؛

لوجوب رجوع الشاك الى المتيقن.

و لا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي السهو في حال الانفراد، بمعنى:انه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو-كالتكلم ناسيا،أو نسيان السجدة،أو التشهد-لم تجبا عليه و ان وجب قضاء السجدة و التشهد.و كذا لو نسي ذكر الركوع أو السجود،أو الطمأنينة فيهما،لم يسجد لهما و ان أجبنا السجود للنقيصة.و ذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف و المبسوط (1)و اختاره.

ص: 57


1- الخلاف 1:463 المسألة:206،207،208،المبسوط 1:123.

المرتضى و نقله عن جميع الفقهاء الا مكحولا (1).

و رواه العامة عن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّه ليس عليك خلف الامام سهو،الإمام كافية،و ان سها الامام فعليه و على من خلفه» (2)و هذا الحديث رواه الدارقطني و في طريقه ضعف عند المحدّثين،و لأنّ معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلّى اللّه عليه و آله فلم يأمره بالسجود (3).

و روينا في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«ليس على الامام سهو،و لا على من خلف الامام سهو،و لا على السهو سهو،و لا على الإعادة اعادة» (4).

و قال الفاضل-رحمة اللّه-لو انفرد المأموم بموجب السهو،وجب عليه السجدتان كالمنفرد (5)لقول أحدهما عليهما السلام:«ليس على الامام ضمان» (6).

قلنا:الخاص مقدم،و يعارض بما رواه عيسى الهاشمي،عن أبيه،عن جده،عن علي عليه السلام،انه قال:«الامام ضامن» (7).

و قد يحتج بما رواه في التهذيب عن منهال القصاب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أسهو في الصلاة و انا خلف الامام،قال:فقال:«اسجد سجدتين و لا تهب» (8)و يمكن حملها على الاستحباب.4.

ص: 58


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:394،و راجع:جمل العلم و العمل 3:41.
2- سنن الدار قطني 1:377،السنن الكبرى 2:352.
3- هو الحديث المتقدم في ص 12 الهامش 6.
4- الكافي 3:359 ح 7،التهذيب 2:344 ح 1428.
5- مختلف الشيعة:144،منتهى المطلب 1:412.
6- الكافي 3:378 ح 3،الفقيه 1:264 ح 1207،التهذيب 2:269 ح 772،الاستبصار 1: 440 ح 1695.
7- التهذيب 2:282 ح 1121.
8- التهذيب 2:353 ح 1464.
الرابعة حكم ما لو وجب على الامام سجدتا السهو

لو وجب على الامام سجدتا السهو،فالذي اختاره الشيخ انه يجب على المأموم متابعته و ان لم يعرض له السبب (1)لما مر،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما جعل الإمام إماما ليؤتم به» (2).

و قوّى الفاضلان انه لا يجب على المأموم متابعته؛لأن صلاة المأموم لا تبني على صلاة الامام (3)و لهذا لو تبيّن حدثه أو فسقه أو كفره لم يقدح في صحة صلاة المأموم.

فروع على قول الشيخ-رحمة اللّه-في القاعدتين:

الأول: لو رأى المأموم الإمام يسجد للسهو،وجب عليه السجود و ان لم يعلم عروض السبب،حملا على انّ الظاهر منه انّه يؤدي ما وجب عليه، و لعدم شرعية التطوّع بسجدتي السهو.

الثاني: لو عرض للإمام السبب فلم يسجد اما تعمّدا أو نسيانا،وجب على المأموم فعله،قاله الشيخ؛لارتباط صلاته به فيجبرها و ان لم يجبر الامام (4).

و ربما قيل:يبني هذا على انّ سجود المأموم هل هو لسهو الامام و نقص صلاته،أو لوجوب المتابعة؟فعلى الأول يسجد و ان لم يسجد الامام،و على الثاني لا يسجد الا لسجوده (5)الثالث: لو سها المأموم بعد تسليم الامام لم يتحمله الامام،و كذا لو سها

ص: 59


1- المبسوط 1:124.
2- المصنف لعبد الرزاق 2:461 ح 4082،مسند احمد 2:314،صحيح البخاري 1:175، صحيح مسلم 1:308 ح 411،سنن ابن ماجة 1:276 ح 846،سنن أبي داود 1:164 ح 603،سنن النسائي 2:83،مسند أبي يعلى 10:315 ح 5909،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:271 ح 2104،و لم ترد في الجميع كلمة«إماما».
3- المعتبر 2:395،تذكرة الفقهاء 1:137.
4- الخلاف 1:464 المسألة:207،المبسوط 1:124.
5- راجع المجموع 4:143 المغني 1:732،الشرح الكبير 1:731.

منفردا ثم عدل الى الائتمام إن جوّزناه على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى،و كذا لو نوى الانفراد ثم سها.

الرابع: لو ظن المأموم سلام الامام فسلّم ثم ظهر عدم تسليمه،فالظاهر انّ المأموم يعيد التسليم،و لا سجود عليه لتحمّل الامام.

الخامس: انما يتحمّل الامام و يحمل إذا كانت صلاته صحيحة،فلو تبيّن عدم طهارته لم يتحمل و لم يحمل،و لو تبيّن فسقه فكذلك عندنا.

السادس: لو سجد الامام لما لا يراه المأموم موجبا للسجدتين،و كان مجتهدا أو مقلدا لمن هو أعلم من الإمام،فالظاهر ان عليه السجدتين؛لظاهر الخبر (1).اما لو ظن الامام موجب السجدتين-كزيادة سجدة،أو قيام في موضع قعود-و المأموم يعلم انه لم يعرض له ذلك،فإنّه لا يجب على المأموم هنا السجود.

السابع: لو عرض للإمام السبب ثم زال عن الإمامة،اما عمدا أو بعارض من حدث أو جنون أو غيرهما،ففي وجوب السجود على المأموم وجهان:ان عللناه بسهو الامام وجب،و ان عللناه بمتابعته فلا.و يجيء على قول الشيخ وجوب سجوده على الإطلاق.

و لو سها المأموم ثم عرض للإمام قاطع للصلاة،ففي سجود المأموم عندي نظر،من حيث صدق الإمامة حينئذ فيتحقق الحمل،و من عدم حقيقة الائتمام في جميع الصلاة،و الأول أقرب.

الثامن: لو اختلف اعتقاد الامام و المأموم في موضع السجدتين،فوجب على الامام سجود فسجد قبل السلام،لم يسجد المأموم إلا بعد التسليم إذا خالفه في اعتقاده.

و لو رأى المأموم السجود قبل السلام و الامام بعده،وجب على المأموم2.

ص: 60


1- تقدم في ص 59 الهامش 2.

السجود قبل السلام،و لا يقدح ذلك في بقاء القدوة.

نعم،لو كان المأموم مسبوقا،فسجد الامام قبل التسليم أو بعده قبل انتهاء صلاة المأموم،لم يتبعه المأموم عندنا قطعا،بل يسجد المأموم عند فراغ صلاته إذا كان السهو قد عرض للإمام بعد المتابعة،و قد رواه عمار عن الصادق عليه السلام-أورده الشيخ في التهذيب (1)-و لأن زيادة السجدتين في الصلاة مبطل.

التاسع: لو سها الإمام قبل اقتداء المسبوق،ففي وجوب متابعته الامام عندي وجهان:من ظاهر الخبر (2)و انّه دخل في صلاة ناقصة،و من عدم رابطة الاقتداء حينئذ،و هذا أقرب.

العاشر: لو قام الامام سهوا إلى الخامسة،فنوى المأموم مفارقته لمّا شرع في القيام لم يحمل سجود الامام،و ان نوى بعد مسمّى الزيادة وجب السجود متابعة.و لا يشترط بلوغ الإمام إلى حدّ الراكع عندنا،بل المعتبر مسمّى القيام.

الخامسة:لا حكم للشك مع الانتقال عن المحل؛

بناء على اعتياد فعل ما شك فيه،و على انتفاء الحرج إذ الغالب عدم تذكّر الإنسان كثيرا من أحواله الماضية.

و لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:«كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد» (3).

و صحيح زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة،قال:«يمضي».قلت:رجل شك في الأذان

ص: 61


1- التهذيب 2:353 ح 1466.
2- أي الخبر المتقدم في ص 59 الهامش 2.
3- التهذيب 2:352 ح 1460.

و الإقامة و قد كبّر،قال:«يمضي».قلت:رجل شك في التكبير و قد قرأ،قال:

«يمضي».قلت:شك في القراءة و قد ركع،قال:«يمضي».قلت:شك في الركوع و قد سجد.قال:«يمضي على صلاته»،ثم قال:«يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» (1).

فروع:

لو شك في قراءة الفاتحة و هو في السورة،وجب قراءة الفاتحة ثم سورة -أما التي كان فيها أو غيرها-لأنّ محل القراءة باق.

و قال ابن إدريس:لا يلتفت،و نقله عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده (2).و اليه مال صاحب المعتبر؛لصدق الانتقال فيدخل تحت عموم آخر الحديث (3).

قلنا:نمنع صدق الانتقال؛لمفهوم قوله في الحديث:(قلت:شك في القراءة و قد ركع) (4)فان مفهومه انه لو لم يركع لم يمض.

و كذا لو شك في الفاتحة أو في السورة و هو قانت؛لمثل ما قلناه،مع احتمال انّ القنوت حائل لأنّه انتقال عن القراءة بالكلية.

و أولى بالرجوع إذا شك في أبعاض الحمد و هو فيها،أو في السورة و هو فيها،جزءا كان أو صفة،كتشديد،أو اعراب،أو جهر،أو إخفات،أو مخرج.

السادسة حكم ما لو شك في السجود

لو شك في السجود و هو متشهد،أو قد فرغ منه و لما يقم،أو قام و لما يستكمل القيام أتى به،و كذا لو شك في التشهد يأتي به ما لم يستكمل

ص: 62


1- التهذيب 2:352 ح 1459.
2- السرائر:52.
3- المعتبر 2:390. و الحديث تقدم في ص 61 الهامش 3.
4- تقدم في ص 61 الهامش 3.

القيام؛لأصالة عدم فعل ذلك كله و بقاء محل استدراكه،و لرواية عبد الرحمن ابن الحجاج عن الصادق عليه السلام في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما،فلم يدر أسجد أو لم يسجد؟فقال:«يسجد» (1).

و لو شك في السجود أو التشهد بعد استكمال القيام،فالأظهر عدم الالتفات؛للانتقال الحقيقي،و لصحيح إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام قال:«ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض،و ان شك في السجود بعد ما قام فليمض،كل شيء مما جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» (2)و لما مر من قوله عليه السلام في خبر زرارة:«إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» (3).و به قال الشيخ في المبسوط (4).

و في النهاية:يرجع الى السجود و التشهد ما لم يركع إذا شك في فعله (5)لحسن الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أو اثنتين،قال:«يسجد اخرى،و ليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو» (6)و هو يشمل الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس.

و جوابه الحمل على الشك و لما يقم؛توفيقا بين الاخبار.و ان احتج الشيخ برواية ابن الحجاج فهي غير دالة على المطلوب.

و فرّق القاضي في بعض كلامه بين السجود و التشهد،فأوجب الرجوع8.

ص: 63


1- التهذيب 2:153 ح 603،الاستبصار 1:361 ح 1371،عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه.
2- التهذيب 2:153 ح 602.
3- تقدم في ص 61 الهامش 3.
4- المبسوط 1:122،و نصه:و من شك في السجود في حال القيام،أو في التشهد الأول و قد قام إلى الثالثة،فإنه لا يلتفت اليه.و هذا لا يطابق بالدقة ما نسب إليه في المتن،إلا إذ أريد من (حال القيام)استكمال القيام،و راجع:مفاتح الكرامة 3:305.
5- النهاية:92 و الظاهر ان الحكم فيها يشمل السجود خاصة دون التشهد،و راجع:الحدائق الناضرة 9:185.
6- الكافي 3:349 ح 1،التهذيب 2:152 ح 599،الاستبصار 1:361 ح 1368.

بالشك في التشهد حال قيامه دون السجود،و في موضع آخر سوّى بينهما في عدم الرجوع (1).و حمل على انه أراد بالشك في التشهد تركه ناسيا،لئلا يتناقض كلامه (2).

السابعة حكم ما لو تلافى ما شك فيه ثم ذكر فعله

لو تلافى ما شك فيه ثم ذكر فعله بطل إن كان ركنا؛لأن زيادة الركن تقتضيه،و الا فحكمه حكم من زاد سهوا.و لا فرق بين ان يكون سجدة أو لا.

و قال المرتضى و صاحبه أبو الصلاح-رحمهما اللّه-:ان شك في سجدة فأتى بها،ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة (3).و يظهر ذلك من كلام ابن أبي عقيل (4).

و يدفعه خبر عبيد بن زرارة فيه بعينه عن الصادق عليه السلام:«لا -و اللّه-لا تفسد الصلاة زيادة سجدة»،قال:«و لا يعيدها من سجدة،و يعيدها من ركعة» (5).

فرع:

لو انتقل عن محله فشك فرجع الى فعل المشكوك،فالأقرب البطلان ان تعمّد،سواء كان ركنا أو غيره؛للإخلال بنظم الصلاة،و لانه ليس فعلا من أفعال الصلاة فيبطلها.و يحتمل عدم الابطال؛بناء على ان ترك الرجوع رخصة و انه غير قاطع بالزيادة،و خصوصا في موضع الخلاف كما مرّ في السجود و التشهد.و لم أقف للأصحاب هنا على كلام.

ص: 64


1- في المهذب 1:156 لم يذكر السجود في موضع التسوية.و حكاه عنه بتمامه العلامة في مختلف الشيعة:137.
2- حمله العلامة في مختلف الشيعة:137.
3- الكافي في الفقه:119،و حكاه عن المرتضى العلامة في مختلف الشيعة:131.
4- مختلف الشيعة:131.
5- التهذيب 2:156 ح 611.
الثامنة هل تبطل الصلاة بالشك في الأفعال،ركنا كانت أو لا؟

لا تبطل الصلاة بالشك في الأفعال،ركنا كانت أو لا،في الأوليين أو في الأخيرتين،بل حكمه ما سلف من التلافي أو عدم الالتفات على كل حال.

و حكم الشيخان بالبطلان إذا شك في أفعال الأوليين كما إذا شك في عددهما (1)و نقله الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا (2).

لنا:الاستناد الى الأصل،و الاخبار العامة،كموثق محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال:«كل ما شككت فيه فيما قد مضى فامضه كما هو» (3)و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام:«إذا نسيت شيئا من الصلاة،ركوعا أو سجودا أو تكبيرا،ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (4).

فان احتجا بصحيحة الفضل بن عبد الملك،عن الصادق عليه السلام:

«إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» (5).

فالجواب انّه ظاهر في العدد و نحن نقول به،و كذا ما روى الحسن بن علي الوشّاء عن الرضا عليه السلام:«الإعادة في الأوليين،و السهو في الأخيرتين» (6).

و توسط صاحب التذكرة بالبطلان ان شك في ركن؛لأنّ الشك فيه في الحقيقة شك في الركعة،بخلاف ما إذا كان المشكوك فيه غير ركن،فان نسيانه لا يبطل.و فرّع على ذلك الشك في أفعال ثالثة المغرب من حيث إجراء الثلاثية مجرى الثنائية في الشك عددا فكذا كيفية،و من عدم النص (7).

ص: 65


1- المقنعة:24،176،التهذيب 2:154،النهاية:92،و انظر مفتاح الكرامة 3:300.
2- المبسوط 1:120.
3- التهذيب 2:344 ح 1426.
4- الفقيه 1:228 ح 1007،التهذيب 2:350 ح 1450.
5- التهذيب 2:177 ح 707،الاستبصار 1:364 ح 1384.
6- التهذيب 2:177 ح 709،الاستبصار 1:364 ح 1386.
7- تذكرة الفقهاء 1:136.

قلت:لمانع ان يمنع كون الشك في الركن شكا في الركعة أو مستلزما له؛فإنّه محل النزاع.و اما ثالثة المغرب فيمكن الحكم بالبطلان،لما روي:

«إذا شككت في المغرب فأعد» (1)فإنه يتناول الشك في الكمية و الكيفية،كما تناول الخبران المذكوران ذينك.

التاسعة:تبطل الصلاة بالشك في عدد الأوليين إجماعا الاّ من أبي جعفر

ابن بابويه،

فإنه قال:لو شك بين الركعة و الركعتين فله البناء على الركعة (2)لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام في الرجل لا يدري أ صلى ركعة أم اثنتين:«يبني على الركعة» (3)و نحوه رواية عبد اللّه بن أبي يعفور (4).

و هي معارضة بأخبار أصح سندا،كرواية الفضل السالفة (5)و رواية محمد ابن مسلم عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي فلا يدري أو واحدة صلّى أو اثنتين،قال:«يستقبل حتى يستيقن انه قد أتمّ،و في الجمعة و في المغرب و في صلاة السفر» (6).و الرواية الأولى حملها الشيخ على النافلة (7)و تبعه في المعتبر (8).

و ابن بابويه يقول:هو مخيّر بأن يأخذ بأي الأخبار شاء (9).

ص: 66


1- التهذيب 2:178 ح 714،الاستبصار 1:365 ح 1396.
2- لم نلاحظه في كتب بان بابويه،و لعلّ المصنف حكى عبارة المقنع،و نصها فيه ص 30:إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة،و روي ابن على ركعة.و ظاهر ان ذلك مورد تأمل فيما استفاد منه المنصف،راجع في ذلك:الحدائق الناضرة 9:192،مفتاح الكرامة 3:294.
3- التهذيب 2:177 ح 711،الاستبصار 1:365 ح 1388.
4- التهذيب 2:178 ح 712،الاستبصار 1:365 ح 1389.
5- تقدمت في ص 65 الهامش 5.
6- الكافي 3:351 ح 2،التهذيب 2:179 ح 715،الاستبصار 1:365 ح 1391.
7- التهذيب 2:178،الاستبصار 1:365.
8- المعتبر 2:387.
9- الفقيه 1:231.

و قال والده:إذا شك في الركعة الاولى و الثانية أعاد.و ان شك ثانيا و توهّم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا.و ان توهّم الأولى بنى عليها و تشهد في كل ركعة،فإن تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لأنّ التسليم حائل بين الرابعة و الخامسة،و ان تساوى الاحتمالان تخيّر بين ركعة قائما و ركعتين جالسا (1).و أطلق الأصحاب الإعادة،و لم نقف له على رواية تدل على ما ذكره من التفصيل.

و قال أيضا:فإن شككت فلم تدر أ واحدة صليت أم اثنتين،أم ثلاثا أم أربعا،صليت ركعة من قيام و ركعتين من جلوس (2).و ربما استند إلى صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى، واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟قال:«يبني على الجزم،و يسجد سجدتي السهو و يتشهد(فيهما تشهدا) (3)خفيفا» (4).و ظاهر«الجزم»الاحتياط بما ذكر؛لانه بناء على الأكثر ثم التدارك.

قال بعض الأصحاب:بل«الجزم»الإعادة (5).

و يشكل:بأنّه لا يجمع بين سجدتي السهو و بين اعادة الصلوات وجوبا و لا استحبابا.نعم،هو معارض بصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام«إذا شككت،فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم أربعا،فأعد و لا تمض على الشك» (6).

العاشرة حكم ما لو شك فلم يدر كم صلّى

لو شك فلم يدر كم صلّى أعاد؛لأنه لا طريق له إلى البراءة

ص: 67


1- مختلف الشيعة:132.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:132.
3- ليست في التهذيب،و في الاستبصار«تشهدا».
4- التهذيب 2:187 ح 745،الاستبصار 1:374 ح 1420.
5- راجع:التهذيب 2:188،الاستبصار 1:374،مختلف الشيعة:132.
6- الكافي 3:358 ح 3،التهذيب 2:187 ح 743،الاستبصار 1:373 ح 1418.

بدونه،و لرواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام:«إذا لم تدر كم صليت، و لم يقع و همك على شيء،فأعد الصلاة» (1).و رواية ابن أبي يعفور تدل عليه أيضا.

الحادية عشرة حكم ما لو شك في الثنائية فريضة-كالصبح

و الكسوف و العيدين و الجمعة و صلاة السفر-و كذا المغرب]

لو شك في الثنائية فريضة-كالصبح،و الكسوف، و العيدين،و الجمعة،و صلاة السفر-أعاد،و كذا لو شك في المغرب؛لتوقف اليقين ببراءة الذمة على الإعادة،و لرواية محمد بن مسلم السالفة (2).

و روى العلاء عن الصادق عليه السلام،و سأله عن الشك في الغداة، فقال:«إذا لم تدر أ واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها،و الجمعة أيضا و المغرب إذا لم يدر كم ركعة صلّى» (3).

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام و سأله عن السهو في المغرب،قال:«يعيد حتى يحفظ،انها ليست مثل الشفع» (4).

و روى عنبسة بن مصعب قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إذا شككت في المغرب فأعد،و إذا شككت في الفجر فأعد» (5).

فرع:

لا فرق في الشك هنا بين النقيصة و الزيادة؛لعموم الاخبار.و قد روى الفضل،سألته عن السهو؟فقال:«في المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى

ص: 68


1- الكافي 3:358 ح 1،التهذيب 2:187 ح 744،الاستبصار 1:373 ح 1419.
2- تقدمت في ص 66 الهامش 6.
3- التهذيب 2:179 ح 720،الاستبصار 1:366 ح 1394 كلاهما عن سماعة،و أما رواية العلاء فهي في:180 ح 722،الاستبصار 1:366 ح 1395.لكنها تختلف عمّا في المتن.
4- التهذيب 2:179 ح 717،الاستبصار 1:370 ح 1406.
5- التهذيب 2:179 ح 718،الاستبصار 1:366 ح 1393.

الأربع فأعد» (1).

فرع:

لو نذر ركعتين أو ثلاثا،فالظاهر انها تلحق بالمكتوبة؛لفحوى الأحاديث.

فإن قلت:روى في التهذيب عن عمار،عن الصادق عليه السلام في رجل لم يدر أ صلى الفجر ركعتين أم ركعة،قال:«يتشهد و ينصرف،ثم يقوم فيصلي ركعة».قلت:فيصلي المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا،قال:

«يتشهد و ينصرف،ثم يقوم فيصلي ركعة» (2).

قلت:سنده ضعيف فلا يعارض الأصح و الأشهر،و ربما حمل على نافلة الفجر و المغرب أو على غلبة الظن،كما قاله في التهذيب (3).

على ان أبا جعفر بن بابويه-رحمة اللّه-قال:إذا شككت في المغرب، فلم تدر أ في ثلاث أنت أم أربع،و قد أحرزت اثنتين في نفسك و أنت في شك من الثلاث و الأربع،(فأضف إليها ركعة أخرى و لا تعتد بالشك،فان ذهب و همك إلى الثالثة)فسلم وصل ركعتين بأربع سجدات و أنت جالس (4)،فهو قول نادر.ه.

ص: 69


1- التهذيب 2:179 ح 719،الاستبصار 1:370 ح 1407.
2- التهذيب 2:182 ح 728.
3- الهامش السابق.
4- نصّه في المقنع:31 بدون العبارة المحصورة،و قد وردت في سياق آخر غير هذا،قال:فإذا شككت في المغرب فأعد،و روي و إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلم ثم قم فصل ركعة.و ان شككت في المغرب..إلخ. قال العاملي في مفتاح الكرامة 3:296 بعد إيراده عبارة المقنع كما في المتن عن مختلف الشيعة و غيره:ان الجماعة جعلوا الصدوق مخالفا في الشك المتعلق بالزيادة،و الظاهر من المقنع ان ذلك ليس مذهبا له و انما رواية،قال في نسختين منه..ثم حكى ما ذكرناه.

فائدة:

لو شك في الكسوف،فان كان الشك بين الركعة الاولى و الثانية،أو بينهما و بين الثالثة،بطلت لأنها ثنائية.

و ان كان الشك في عدد الركوع،فان تضمن الشك في الركعتين-كما لو شك هل هو في الركوع الخامس أو السادس،و انه ان كان في السادس فهو في الركعة الثانية،و ان كان في الخامس فهو في الركعة الأولى-بطلت أيضا.

و ان أحرز ما هو فيه و لكن شك في عدد الركوع،فالأقرب البناء على الأقل؛لأصالة عدم فعله،فهو في الحقيقة شك في فعل شيء و هو في محله فيأتي به كركوع الصلاة اليومية.

و هنا قولان آخران:

أحدهما:قول قطب الدين الراوندي-رحمه اللّه-:و هو انه إذا لم يتعلّق شكه بما يزيد على الاحتياط المعهود فإنه يحتاط؛لدوران الشك في اليومية مع الركوع،و لا تضر زيادة السجود في الاحتياط؛لانّه تابع.

الثاني:قول السيد جمال الدين احمد بن طاوس-قدس اللّه روحه-في البشرى:الذي ينبغي تحريره في صلاة الكسوف هو انه متى وقع الشك بين الاولى و الثانية من الخمس الأول بطلت الصلاة.

و ان وقع الشك فيما بعد ذلك من الركعات-كبين الاثنتين و الثلاث أو الأربع،أو بين الثلاث و الأربع،أو بين الثلاثة (1)-فإنه يبني على الأكثر،ثم يتلافى بعد الفراغ من الصلاة.

و ان كان شكّه بين الأربع و الخمس،فنهاية ما يلزمه سجدتا السهو.و هل يسجد عند ذلك بناء منه على انه صلّى خمسا،أم لا،يبنى على رواية عمار:م.

ص: 70


1- في هامش م:أقسام.

بأن الشاك يبني على الأكثر في الصلاة ثم يتلافى ما ظن أنه نقص.فإن قلنا بها بنى على الخمس و سجد و تلافى.

فنقول:انه مخيّر بين ان يركع و لا يركع،فان ركع فلا يتلافى بركعة بعد الفراغ من الصلاة،و ان لم يركع تلافى.

و انما قلنا بالخيار؛لورود الأثر بان من شك في الركوع و هو قائم ركع، و ورود الأثر بأن البناء في الصلاة على الأكثر ثم يتلافى،و هذان الأثران يتدافعان فكان الوجه التخيير.

و ان لم نقل بذلك بنى على الأقل،فليتم بركعة ثم يهوي الى السجود.

و حكم ما بعد الخامسة في الشك حكم الخامسة.

و لو قلنا إن الحكم في الخمس الثانية مثل الحكم في الخمس الأوائل كان له وجه،فيطرد القول فيه.

فإن قيل:ان عمارا روى انّه يحتاط أخيرا بما ظن انه نقص،لا فيما وقع فيه من الشك.

قلت:ظاهر المذهب انّ حكم الشاك حكم الظان في هذا المقام -اعني:مقام البناء على الأكثر في الصلاة-و ان لم يعتمد على هذا فلا تلافي، لكن هذا بناء على أصلين:

أحدهما:ان الركوع مع تمامه برفع رأس يسمى ركعة؛إذ في عدة أحاديث أنها عشر ركعات و أربع سجدات.

و لا يعارضه ما روى القداح عن جعفر عليه السلام عن آبائه،قال:

«كسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلى بالناس ركعتين»و ما رواه أبو البختري عن الصادق عليه السلام:«صلاة الكسوف ركعتان في أربع سجدات»لضعف سنديهما.

الثاني:ان من شك في الأوليين بطلت صلاته،و هو موضع وفاق.

قال:و لو سميناها ركعتين لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه

ص: 71

السلام:«كسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقام فصلّى ركعتين»لزم بطلانها إذا شك في الخمس الأوائل-أي في عددها-لصحيحة محمد بن مسلم قال:سألت الباقر عليه السلام عن رجل شك في الركعة الأولى،قال:«يستأنف».

قال:و ان قلنا انّ الركوع لا يسمى ركعة،و شك في الأربع الأول بنى على الأقل إذا كان قائما فإن تعلق شكه بالخامس من الركوعات بطلت؛لانه شك في الركعة الاولى و هي الخامسة ذات السجود.

ثم فرّع على ذلك:انّه لو شك بين الست و السبع و هو غير ذاكر السجدتين في الركوع الخامس،فالوجه البناء على انّه سجد و ركع ركوعا سابعا.و لو قال:أعلم اني سجدت سجدتين،و لكن لا أدري عقيب الرابعة أو ما دونها،بطلت لزيادة الركن.

قال:لا يقال تلك الآثار المتعلقة بالشك في الركعتين تحمل على الراتبة.

فالجواب:الآثار عامة أو مطلقة،و من ثم حكمنا بالبطلان لو شك بين الخمس الأوائل و الأواخر،و لم نتمسك بان النص ورد في الراتبة.

ثم أورد على نفسه انّ من شك في الركوع و هو في محله ركع.

و أجاب:بأن قولنا من شك في الأوليين بطلت صلاته أخص منه.

قال:و يمكن وجه آخر على القول بأنها ركعتان،و هو:ان تبطل بالشك فيها.

قال:و لو قيل بان المكلّف مخيّر في ان يعمل على أي القاعدتين كان لم يكن بعيدا.

قال:فان قيل الاحتياط فيه سجود و لا يتأتى ذلك في الكسوف.

فالجواب:ان الخبر الصحيح بأنّ الإنسان يعمل بالجزم و يحتاط للصلوات و ليس فيه تصريح بسجود،مع تأييده بما روي من قضاء الفائت بعينه

ص: 72

في الخبر الصحيح.

قال:و لا أعرف سبقا من غيري الى هذا التفصيل (1).

قلت:هذان القولان ضعيفان.

أمّا الأول:فلعدم المطابقة بين الفائت و بين الاحتياط المأتي به إذ فيه سجود زائد،و قوله:(انه تابع)محل النزاع،و أيضا فما يصنع إذا تجاوز الشك العدد الشرعي في الاحتياط؟ و أمّا الثاني:فمبناه كما قال السيد-رحمه اللّه-على انّها ركعات عشر، و على صدق مسمّى الأوليين في الركوعين الأولين؛و على التفرقة بين الركعة الاولى و الأخيرة،و على انّ رواية عمار تتضمن ذلك أو الخبران اللذان ذكرهما أخيرا و قد اسلفناهما.و كل ذلك منظور فيه.

امّا انّها ركعات فلما سلف في التسمية بركعتين أيضا و هو أولى بالمراعاة؛ لأن الركعة و ان كانت لغة واحد الركوع إلاّ أنّها في مصطلح الفقهاء المنضمّة إلى السجود،و الحقيقة الشرعية أولى بالمراعاة من اللغوية،و غايته انها سميت0.

ص: 73


1- بشرى المحققين..من الكتب التي يحتمل أنها مفقودة،و آثرنا استخراج النصوص التي وردت في المتن،فرواية عمار في:الفقيه 1:225 ح 992،التهذيب 2:349 ح 1448. و الأثر بأنّ من شك في الركوع..في:التهذيب 2:150 ح 589،الاستبصار 1:357 ح 1351. و الأثر بأنّ البناء في الصلاة..تقدم في رواية عمار. و ما ورد في عدة أحاديث أنها عشر ركعات..راجع:التهذيب 3:294 ح 890،الاستبصار 1:452 ح 1751،1752. و رواية القداح في:التهذيب 3:293 ح 885. و رواية أبي البختري في:التهذيب 3:291 ح 879،الاستبصار 1:452 ح 1753. و رواية ابن سنان ستأتي بتمامها في ص 740. و رواية ابن مسلم في:التهذيب 2:176 ح 700،الاستبصار 1:363 ح 1377. و ما روي من قضاء الفائت..في:الكافي 3:435 ح 7،التهذيب 3:162 ح 350.

عشرا باعتبار اللغة و هي في الحقيقة ركعتان باعتبار الشرع.و على هذا يبطل التمسك بأنه شك في الأوليين؛إذ لا يلزم من ذلك كونهما ركعتين أوليين شرعا الذي هو مقتض للبطلان مع الشك.

و اما الفرق بين الركعة الاولى و الأخيرة فمرغوب عنه،و الخبر بالبطلان إذا شك في الاولى لا ينفي كون الثانية كالأولى،مع تضمن خبر آخر سلف«إذا لم تحفظ الأوليين فأعد» (1).

و اما رواية عمار فهي ظاهرة في اليومية،و منطبقة على الاحتياط المعهود.

و اما خبر قضاء المنسي بعينه فمتروك الظاهر عند الأصحاب،و مأوّل بالإتيان به في الصلاة أي في محله.نعم،على مذهب الشيخين (2)و من أخذ أخذهما يجزم بالبطلان؛لان الشك في الجزء كالشك في الكل،و كذا على مذهب الفاضل في التذكرة من البطلان إذا شك في الركن (3).

المسألة الثانية عشرة:إذا حصّل في الرباعية الأوليين و شك في الزائد،

فالمشهور البناء على الأكثر

و الإتيان بعد التسليم بما شك فيه.و هو المسمّى بالاحتياط عند معظم الأصحاب،و قد روي إجمالا و تفصيلا:

فمن الإجمال ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«إذا سهوت فابن على الأكثر،فإذا فرغت و سلّمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت، فان كنت أتممت لم يكن عليك شيء،و ان ذكرت انك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (4).

و اما التفصيل فمنه ما روى محمد بن مسلم-في الصحيح-عنه عليه السلام،فيمن لا يدري أ ركعتان صلاته أم أربع،قال:«يسلّم و يصلي ركعتين

ص: 74


1- تقدم في ص 65 الهامش 4.
2- راجع ص 65 الهامش 5.
3- راجع ص 65 الهامش 7.
4- التهذيب 2:349 ح 1448.

بفاتحة الكتاب و يتشهد و ينصرف» (1).

و مثله رواه أبو بصير عنه عليه السلام،الا انه قال:«و اركع ركعتين ثم سلّم،و اسجد سجدتين و أنت جالس ثم تسلم بعدهما» (2).و فيه دلالة على وجوب سجدتي السهو مع الاحتياط،و سيأتي ان شاء اللّه كلام فيه.

و مثله رواية ابن أبي يعفور،و فيها:«فان كان صلّى أربعا فهي نافلة،و ان كان صلّى ركعتين كانت تمام الأربع،و ان تكلم فليسجد سجدتي السهو» (3)و ليس ببعيد حمل السجدتين أولا على هذا.

فإن قلت:يعارض بما رواه محمد بن مسلم-صحيحا أيضا-قال:سألته عن الرجل لا يدري أصلّي ركعتين أو أربعا،قال:«يعيد الصلاة» (4)كما اختاره أبو جعفر بن بابويه (5).

قلت:هي مقطوعة فلا تعارض المتصل،و حملها الشيخ على الصبح أو المغرب (6)و الفاضل على من شك في حال قيامه،كان يقول:لا أدري قيامي لثانية أو رابعة،أو شك بينهما قبل إكمال الثانية (7)لرواية الفضل-في الصحيح- قال:قال لي:«إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» (8).

و منه ما رواه عبد الرحمن بن سيابة و أبو العباس عن الصادق عليه السلام:

«إذا لم تدر أثلاثا صليت أو أربعا،و وقع رأيك على الثلاث،فابن على4.

ص: 75


1- التهذيب 2:185 ح 737،الاستبصار 1:372 ح 1414.
2- التهذيب 2:185 ح 738.
3- الكافي 3:352 ح 4،التهذيب 2:186 ح 739،الاستبصار 1:372 ح 1415.
4- التهذيب 2:186 ح 741،الاستبصار 1:373 ح 1417.
5- المقنع:31.
6- الهامش 4.
7- مختلف الشيعة:134.
8- التهذيب 2:177 ح 707،الاستبصار 1:364 ح 1384.

الثلاث.و ان وقع رأيك على الأربع فسلم و انصرف.و ان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين و أنت جالس» (1).و في مرسلة جميل عنه عليه السلام:

«هو بالخيار ان شاء صلّى ركعة قائما،أو ركعتين جالسا» (2).

و خالف ابن الجنيد هنا و أبو جعفر بن بابويه،حيث قالا:يتخيّر بين البناء على الأقل و لا شيء،و بين البناء على الأكثر و يسلم و يصلّي ركعة من قيام أو ركعتين جالسا (3).و لعله لتساويهما في تحصيل الغرض،و لرواية سهل بن اليسع عن الرضا عليه السلام،انه قال:«يبني على يقينه و يسجد للسهو» (4).و هذه الرواية تقتضي بظاهرها مذهب كثير من العامة في جميع الشك (5)و حمل على غلبة الظن.

تنبيه:

لو ظن الأكثر بنى عليه؛لما سلف.و لا تجب معه سجدتا السهو؛ للأصل،و لعدم ذكرها في أحاديث الاحتياط هنا و لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.و أوجبهما الصدوقان (6)،و لعلّه لرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا ذهب و همك الى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع» (7)و حملت على الاستحباب.

و منه ما رواه ابن أبي عمير مرسلا عنه عليه السلام في رجل لم يدر اثنتين0.

ص: 76


1- الكافي 3:353 ح 7،التهذيب 2:184 ح 733.
2- الكافي 3:353 ح 9،التهذيب 2:184 ح 734.
3- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:133.
4- الفقيه 1:230 ح 1023.
5- راجع:المجموع 4:111،فتح العزيز 4:168،المغني 1:703.
6- المقنع:31،مختلف الشيعة:138.
7- التهذيب 2:183 ح 730.

صلّى أم ثلاثا أم أربعا،قال:«يقوم فيصلّي ركعتين و يسلم،ثم يصلي ركعتين من جلوس و يسلم،فان كانت(الركعات) (1)نافلة و الاّ تمت الأربع» (2).

و هنا تنبيهات:
الأول:الحكم هنا مشهور بين الأصحاب فلا يضر الإرسال،

على انّ مراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد.

الثاني:قال ابنا بابويه و ابن الجنيد:يصلّي ركعة من قيام و ركعتين من

جلوس (3).

و هو قوي من حيث الاعتبار-لأنهما ينضمان حيث تكون الصلاة اثنتين،و يجتزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا،الاّ ان النقل و الاشتهار يدفعه.

و جوّز ابن الجنيد هنا البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.

الثالث:هل يجوز ان يصلي بدل الركعتين جالسا ركعة قائما؟

ظاهر المفيد-في العزية-و سلار تحتمه (4)و الأصحاب عدمه (5)و الفاضل يتخيّر لتساويهما في البدلية (6)و هو قوي.

الرابع:هل يجب الترتيب على ما تضمنته الرواية

-و قال به المفيد في المقنعة (7)و المرتضى في أحد قوليه (8)-أو يقدم الركعة من قيام-كما قاله المفيد

ص: 77


1- في المصدرين:«اربع ركعات كانت الركعتان».
2- الكافي 3:353 ح 6،التهذيب 2:187 ح 742،باختصار في الألفاظ.
3- الفقيه 1:231،مختلف الشيعة:133.
4- المراسم:89،مختلف الشيعة:134.
5- راجع:المقنعة:24،المبسوط 1:123،الوسيلة:102.
6- تذكرة الفقهاء 1:140.
7- المقنعة:24.
8- جمل العلم و العمل 3:37.

في العزية (1)-أو يتخيّر-كما هو ظاهر المرتضى في الانتصار (2)و أكثر الأصحاب (3)-؟كل محتمل،و العمل بالأول أحوط.

و اما الشك بين الاثنتين و الثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشك بين الثلاث و الأربع (4)،و لم نقف فيه على رواية صريحة،و نقل فيه ابن أبي عقيل تواتر الاخبار.

و خالف علي بن بابويه-رحمة اللّه-حيث قال:ان ذهب و همك إلى الثالثة فأضف إليها رابعة،فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها.و ان ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه و تشهد في كل ركعة ثم اسجد للسهو.و ان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل و تشهدت في كل ركعة،و ان شئت بنيت على الأكثر و عملت ما وصفناه (5).و لم نقف على مأخذه.

و قال ابنه في المقنع:سئل الصادق عليه السلام عمن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا؟قال:«يعيد».قيل:فأين ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الفقيه لا يعيد الصلاة»؟قال:«انما ذلك في الثلاث و الأربع» (6).

و أطلق المرتضى-رحمة اللّه-في الناصرية انّ من شك في الأوليين استأنف،و من شك في الأخيرتين بنى على اليقين (7).و العمل على الأول؛لأنه الأظهر في الفتاوى،و اختاره في الانتصار مدعيا فيه الإجماع بعد ذكر ما عدا2.

ص: 78


1- مختلف الشيعة:134.
2- الانتصار:48.
3- راجع:المبسوط 1:123،الكافي في الفقه:148،مختلف الشيعة:133.
4- راجع:جمل العلم و العمل 3:37،المبسوط 1:123،الكافي في الفقه:148،مختلف الشيعة:133.
5- مختلف الشيعة:133.
6- المقنع:31.
7- الناصريات:237 المسألة 102.

الشك بين الاثنتين و الأربع (1).

تنبيه:

لم يذكر الجعفي و ابن أبي عقيل التخيير بل ذكرا الركعتين من جلوس هنا،و في الشك بين الثلاث و الأربع؛للتصريح بهما فيما سلف،و في رواية الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام (2).و التخيير أشهر؛لما سبق من رواية جميل (3)مع عدم المنافاة بينها و بين الاخبار الباقية.

و اما الشك بين الأربع و الخمس فالنص ان عليه سجدتي السهو كما يأتي (4)و فصّل متأخرو الأصحاب بما حاصله انّ هنا صورا (5).

إحداها:ان يقع بعد إكمال السجدتين،و الأمر فيه ظاهر.

و ثانيها:ان يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية،و الظاهر الحاقه به؛ لأنّ الرفع لا مدخل له في الزيادة.

و ثالثها:ان يقع بين السجدتين،فيحتمل الحاقه بها؛تنزيلا لمعظم الركعة منزلة جميعها.و يحتمل عدمه؛لعدم الإكمال و تجوز الزيادة.

و رابعها:ان يقع بين الركوع و السجود،و هي أشكل مسائله.فقطع الفاضل فيها بالبطلان؛لتردّده بين محذورين:اما القطع و هو معرض للأربع، و اما الإتمام و هو معرض للخمس (6).و قطع شيخه المحقق-في الفتاوى- بالصحة؛تنزيلا للركعة على الركوع و الباقي تابع.و تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصالة إذ الأصل عدم الزيادة،و لان تجويز الزيادة لو منع لأثر في4.

ص: 79


1- الانتصار:48.
2- الكافي 3:351 ح 2،التهذيب 2:185 ح 736.
3- تقدمت في ص 76 الهامش 3.
4- سيأتي في ص 90 الهامش 4.
5- راجع:تذكرة الفقهاء 1:140،مختلف الشيعة:134.
6- مختلف الشيعة:134.

جميع صوره.

و خامسها:ان يقع في أثناء الركوع،فيحتمل الوجهين،و ان يرسل نفسه فكأنّه شاك بين الثلاث و الأربع.

و سادسها:ان يقع بعد القراءة و قبل الركوع،سواء كان قد انحنى و لم يبلغ حدّ الراكع أو لم ينحن أصلا.

و سابعها:ان يقع في أثناء القراءة.

و ثامنها:ان يقع قبل القراءة و قد استكمل القيام.

و تاسعها:ان يقع في أثناء القيام.

و في هذه الصور الأربع يلزمه الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا؛لانه شك بين الثلاث و الأربع،و يرسل نفسه في جميعها.و لا يترتب على التعدّد فيها شيء،سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام،و احتمال تعدّده إذا قرأ.

و هذه الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل الأربع المتقدمة.فلو أريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا و ثلاثيا و رباعيا حصل منه إحدى عشرة مسألة:ست من الثنائي،و أربع من الثلاثي،و واحد من الرباعي،فإذا ضربت في الصور التسع كانت تسعا و تسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل،و قد أشرنا إليها في الرسالة المشهورة في الصلاة (1).

فروع:
الأول:ظاهر الأصحاب انّ كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط

فيه إكمال السجدتين فتبطل بدونه؛

محافظة على ما سلف من اعتبار الأوليين.

و ربما اكتفى بعضهم بالركوع؛لصدق مسمّى الركعة.و الأول أقوى.

ص: 80


1- راجع الألفية،بحث الخلل.

نعم،لو كان ساجدا في الثانية،و لما يرفع رأسه و تعلّق الشك،لم استبعد صحته؛لحصول مسمّى الركعة.

الثاني:لا بد في الاحتياط من النية،

و تكبيرة الإحرام،و جميع شرائط الصلاة و أركانها؛لانّه:اما جزء من الصلاة،أو صلاة منفردة،فيجب فيه مراعاة ما يعتبر في الصلاة.

الثالث:هل يجزئ فيه التسبيح؟

الأكثر على اعتبار الحمد و لم يذكروا التسبيح،و اثبت التخيير المفيد (1)و ابن إدريس (2).

و الذي في صحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام:«فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب» (3).و كذا في صحيح ابن أبي يعفور عنه عليه السلام (4)و زرارة عن أحدهما عليهما السلام (5)و كثير من الاخبار.نعم،في بعضها إطلاق الصلاة (6)مع العلم بأنها شرعت للبدلية فيمكن ثبوت التخيير فيها كالمبدل،و هو اعتبار مرغوب عنه مع عدم تيقّن البراءة به.

الرابع:ظاهر الفتاوى و الاخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصلاة من غير

تخلل حدث أو كلام أو غيره،

حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا كما مر (7).

و قال ابن إدريس:لا تفسد الصلاة بالحدث قبله؛لخروجه من الصلاة

ص: 81


1- المقنعة:24.
2- السرائر:54.
3- التهذيب 2:185 ح 737،الاستبصار 1:372 ح 1414.
4- الكافي 3:352 ح 4،التهذيب 2:186 ح 739،الاستبصار 1:373 ح 1415.
5- الكافي 3:351 ح 3،التهذيب 2:186 ح 740،الاستبصار 1:373 ح 1416.
6- راجع:الكافي 3:353 ح 9،350 ح 3،التهذيب 2:349 ح 1448،184 ح 734،192 ح 759.
7- تقدم في ص 75 الهامش 3.

بالتسليم و هذا فرض جديد (1).و هو ضعيف؛لان شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة،فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة،فيكون الحدث واقعا في الصلاة فيبطلها.

و أورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم البطلان بالحدث المتخلل و بجواز التسبيح؛لأنّ الأول يقتضي كونها صلاة منفردة،و الثاني يقتضي كونها جزءا (2).و يمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكما مغايرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة،و لا ينافي تبعية الجزء في باقي الاحكام.

الخامس:لو ذكر بعد الاحتياط تمام الصلاة كان له ثواب النافلة،

كما ورد به النقل (3).و لو ذكر النقصان صحّ و كان مكملا للصلاة.

و يشكل في صورة الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع إذا لم يطابق الأول منهما-كأن بدأ بالركعتين قائما ثم يذكر انها كانت ثلاثا،أو بدأ بالركعة قائما ثم تذكر انها كانت اثنتين-من حيث الحكم بصحة الصلاة و الانفصال منها بالكلية فلا عبرة بما يطرأ من بعد،و من اختلال نظم الصلاة.

و الأول أقوى؛لأن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء،و الإعادة خلاف الأصل، و لانه لو اعتبر المطابقة لم يسلم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه؛لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح.

و لو تذكر في أثنائه الحاجة إليه،ففيه أوجه:

أحدها:الإجزاء مطلقا؛لانه من باب امتثال المأمور به.

و الثاني:الإعادة؛لزيادة التكبير.

و الثالث:الصحة إذا طابق.

ص: 82


1- السرائر:54.
2- أورده العلامة في مختلف الشيعة:139.
3- الكافي 3:353 ح 8،الفقيه 1:229 ح 1015.

و هذا انما يتصور في الفرض المذكور.و حينئذ لو بدأ بالركعتين من قيام، ثم تذكر في أثنائها انها كانت ثلاثا،فإنه تنقدح الصحة ما لم يركع في الثانية، أو ركع و كان قد قعد عقيب الأولى؛لما سبق في مثله.اما لو ركع و لما يسبق له الجلوس فالبطلان قوي؛لأنه ان اعتبر كونه مكملا للصلاة فقد زاد،و ان اعتبر كونه صلاة منفردة فقد صلّى زيادة عما في ذمته بغير فاصل.

و لو تذكر في أثناء الركعتين جالسا انها ثلاث فالأقرب الصحة؛لأن الشرع اعتبرها مجزئة عن ركعة.و يحتمل البطلان لان ذلك حيث لا علم للمكلف،اما مع علمه فيكون قد صلّى جالسا ما هو فرض معلوم له،و هذا يقدح في صحة الصلاة و ان كان قد فرغ منهما و تذكر انها ثلاث.

و أبعد في الصحة لو تذكر انها اثنتان؛لانه يلزم منه اختلال النظم.

و وجه الصحة امتثال الأمر،و الحكم بالاجزاء على تقدير كلّ محتمل؛إذ المكلف لا يؤاخذ بما في نفس الأمر،فإذا كان الحكم بالاجزاء حاصلا مع البقاء على الشك،و من الممكن ان لا يكون مطابقا للأمر نفسه،فلا فرق بينه و بين التذكر.

اما لو تذكر و لما يركع جالسا في الركعة الأولى،فالأقرب عدم الاعتداد بما فعله من النية و التكبير و القراءة،و يجب عليه القيام لإتمام الصلاة،و لا تضرّه تلك التكبيرة و ذلك القعود الزائد.

و لو تذكر قبل الشروع في الاحتياط النقصان،أتمّ ما لم يكن قد أتى بالمنافي عمدا و سهوا.

إذا عرفت ذلك،فإنّه في كل موضع حكم بالصحة يحتمل وجوب سجدتي السهو حيث يكون موجبها حاصلا،كالتسليم و العقود في موضع قيام.

السادس:لو صلّى قبل الاحتياط غيره بطل،

فرضا كان أو نفلا،ترتّب على الصلاة السابقة أو لا؛لأن الفورية تقتضي النهي عن ضده و هو عبادة.هذا إذا كان متعمدا.

ص: 83

و لو فعل ذلك سهوا و كانت نافلة بطلت،و كذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها:اما لاختلاف نوعها كالكسوف،و اما لتجاوز محل العدول.

و يحتمل الصحة،بناء على انّ الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة.

و ان أمكن العدول احتمل قويا صحته،كما يعدل الى جميع الصلاة.

السابع:لو لزمه احتياط في الظهر،

فضاق الوقت الاّ عن العصر،زاحم به إذا كان يبقى بعده ركعة للعصر،و ان كان لا يبقى صلّى العصر.و في بطلان الظهر الوجهان في فعل المنافي قبله،و أولى بالبطلان هنا؛للفصل بين أجزاء الصلاة بصلاة أجنبية.

و لو كان في أثنائه فعلم الضيق،فالأقرب العدول الى العصر؛لانّه واجب ظاهرا.و يحتمل عدمه؛لانه يجوز كونه نفلا فلا يعدل عنه الى الفرض.

الثامن:يترتّب الاحتياط ترتّب المجبورات،

و هو بناء على انه لا يبطله فعل المنافي،و كذا الأجزاء المنسية تترتب.و لو فاتته سجدة من الاولى و ركعة احتياط قدّم السجدة.و لو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط لتقدمه عليها،و تقديم السجدة؛لكثرة الفصل بالاحتياط بينها و بين الصلاة.

التاسع:لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجز؛

لعدم إتيانه بالمأمور به.و ربما احتمل الإجزاء؛لإتيانه على الواجب و زيادة.

العاشر:تجب نيّة الركعة أو الركعتين؛

ليتحقق الامتياز و الأداء أو القضاء بحسب الفريضة،و كذا لو خرج الوقت و قلنا لا يقدح في صحة الصلاة.

تتمة:
اشارة

لو فاتته السجدة أو التشهد أو الصلاة على النبي و آله عليهم السلام، ففعل المنافي قبل فعلها،ففيها الوجهان المذكوران في الاحتياط،و أولى بالبطلان عند بعضهم؛للحكم بالجزئية هنا يقينا.

و لا خلاف انه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء في الوقت،

ص: 84

فان فات الوقت و لما يفعلها تعمدا بطلت الصلاة عند بعض الأصحاب؛لأنه لم يأت بالماهية على وجهها.و ان كان سهوا لم تبطل عنده و نوى بها القضاء، و كانت مترتبة على الفوائت قبلها،أبعاضا كانت أو صلوات مستقلة (1).

و لو فاته الاحتياط عمدا احتمل كونه كالسجدة بل أولى؛لاشتماله على أركان.و يحتمل الصحة،بناء على ان فعل المنافي قبله لا يبطله،فان قلنا به نوى القضاء بعد خروج الوقت و ترتيب على ما سلف.

و يحتمل قويا صحة الصلاة بتعمّد ترك الأبعاض و ان خرج الوقت؛لعدم توقّف صحة الصلاة في الجملة عليها،بخلاف الاحتياط لتوقّف صحة الصلاة عليه.

و على القول بان فعل المنافي قبله لا يبطله،لا يضر خروج الوقت.

و على تقدير القول بالصحة،فالإثم حاصل ان تعمد المنافي؛للإجماع على وجوب الفورية فيه.

و يلحق بذلك النظر في سجدتي السهو،و فيه خمسة مباحث
البحث الأول:في موجبهما،

و اختلف فيه الأصحاب:

فقال ابن الجنيد:تجبان:لنسيان التشهد الأول أو الثاني إذا كان قد تشهد أولا و الاّ أعاد،و للشك بين الثلاث و الأربع أو بين الأربع و الخمس إذا اختار الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا،و لتكرير بعض أفعال الركعتين الأخيرتين سهوا،و السلام سهوا إذا كان في مصلاّه فأتمّ صلاته،و للشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد الاحتياط.

قال:و سجدتا السهو تنوبان عن كل سهو في الصلاة.

و قال الجعفي:تجب للشك بين الأربع و الخمس،و هما النقرتان.

و سمّى ركعتي احتياط الشك بين الثلاث و الأربع:المرغمتين.

ص: 85


1- هو العلامة في تذكرة الفقهاء 1:140.

و قال المفيد-رحمه اللّه-في المقنعة:فوات السجدة و التشهد حتى يركع،و الكلام ناسيا (1).و في العزية أوجبهما على من لم يدر أ زاد ركوعا أو نقصه،أو زاد سجدة أو نقصها و كان قد تجاوز محلها (2).

و قال ابن أبي عقيل:تجب للشك بين الأربع و الخمس فما عداها، و الكلام سهوا خاطب المصلي نفسه أو غيره (3).

و قال أبو جعفر بن بابويه:لا تجبان الاّ على من قعد في حال قيامه،أو قام في حال قعوده،أو ترك التشهد،أو لم يدر زاد أو نقص.و أوجبهما أيضا بالكلام ناسيا (4).

و قال والده تجب في نسيان التشهد،و الشك بين الثلاث و الأربع مع ظن الرابعة (5).و وافقه ابنه فيه كما مرّ.

و قال المرتضى-قدس اللّه روحه-:تجبان في خمسة:نسيان السجدة و التشهد،و الكلام ساهيا،و في القعود حالة قيام و بالعكس،و في الشك بين الأربع و الخمس (6).و تبعه ابن البراج و زاد:التسليم في غير موضعه (7).و ابن حمزة تبعه و زاد:السهو عن السجدتين من الأخيرتين (8).

و قال الشيخ في النهاية:تجبان:لنسيان السجدة،و التشهد،و الشك بين الأربع و الخمس،و للسلام ناسيا في غير موضعه،و التكلم ناسيا.و سماهما0.

ص: 86


1- المقنعة:24.
2- حكاه عنهما العلاّمة في مختلف الشيعة:140.
3- حكاه عنهما العلاّمة في مختلف الشيعة:140.
4- الفقيه 1:232،المقنع:31.
5- مختلف الشيعة:140.
6- جمل العلم و العمل 3:37.
7- المهذب 1:156.
8- الوسيلة:100.

المرغمتين (1).

و في المبسوط عدّ هذه ثم قال:و في أصحابنا من قال:انّ من قام في حال قعود،أو قعد في حال قيام،فتلافاه كان عليه سجدتا السهو.و كذا نقل انهما تجبان في كل زيادة و نقصان،و فرّع عليه وجوبهما بزيادة فرض أو نفل و نقصانهما،فعلا كانا أو هيئة.ثم قال:الأظهر في الروايات و المذهب الأول (2).

و في نهاية الفاضل و التذكرة:لو زاد فعلا مندوبا أو واجبا في غير محله نسيانا سجد للسهو.قال:و لو عزم على فعل مخالف للصلاة،أو على ان يتكلم عمدا و لم يفعل،لم يلزمه سجود لان حديث النفس مرفوع عن أمتنا،و انما السجود في عمل البدن (3).

و في الجمل كالذي قال في المبسوط،الا انه لم يذكر التشهد (4).

و في الخلاف:لا تجبان إلا في أربعة:الشك،و الكلام،و السلام، و نسيان السجدة أو التشهد.و نقل عن بعض الأصحاب الوجوب في كل زيادة و نقصان (5).

و قال أبو الصلاح:تجبان للسلام،و الكلام،و القعود في موضع القيام و بالعكس،و نسيان السجدة،و للشك في كمال الفرض،و زيادة ركعة عليه، و اللحن في الصلاة نسيانا (6).

و قال سلار:تجبان للكلام،و نسيان السجدة،و للتشهد،و القعود في حال8.

ص: 87


1- النهاية:91،93.
2- المبسوط 1:123،125.
3- نهاية الإحكام 1:547،تذكرة الفقهاء 1:141.
4- الجمل و العقود:189.
5- الخلاف 1:459 المسألة:202،149.
6- الكافي في الفقه:118،148.

القيام و بالعكس (1).و لا ريب ان السلام ناسيا يدخل في قوله و قول المرتضى -رحمة اللّه.

و قال ابن زهرة:للسجدة المنسية و التشهد،و للقعود و القيام في غير موضعهما،و للشك بين الأربع و الخمس،و الكلام سهوا (2).

و قال ابن إدريس:تجبان بستة:نسيان السجدة و التشهد،و الكلام، و القعود و القيام في غير موضعهما،و الشك بين الأربع و الخمس (3).

و الشيخ نجم الدين أوجبهما في نسيان السجدة و التشهد،و السلام و الكلام و الشك بين الأربع و الخمس.و حكى القيام و القعود،و ردّه برواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو».و حكى الزيادة و النقصان و المتمسّك من الجانبين و لم يرجّح شيئا (4).

و قال ابن عمه الشيخ نجيب الدين-في الجامع-بمقالته،و حكى القيام و القعود (5).

و الفاضل-رحمه اللّه-اختار ذلك و أضاف إليه القعود و القيام في غير موضعهما،و الزيادة و النقيصة معلومة كانت أو مشكوكة (6).

و لنشر الى بعض الروايات:

فالتشهد المنسي قد ذكر مأخذه في التاسعة من مسائل السهو.و روى محمد بن علي الحلبي عن الصادق عليه السلام في ناسي التشهد:يرجع0.

ص: 88


1- المراسم:89.
2- الغنية:504.
3- السرائر:55 و زاد فيه:من سلّم في غير موضع التسليم،و به تتم الشروط الستة.
4- المعتبر 2:398. و رواية سماعة في الكافي 3:355 ح 1.
5- الجامع للشرائع:86.
6- مختلف الشيعة:140.

فيتشهد و ليس عليه سجدتا السهو (1)و هو ظاهر فيما يتلافى في الصلاة،فلا ينافي وجوبهما فيما يؤتى به بعدها.

و اما السجدة فلم نقف فيها على خصوص نص بالوجوب.نعم،تدخل فيما رواه سفيان بن السمط عنه عليه السلام:«تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (2)الاّ انّ هذا العموم يعارضه رواية أبي بصير سألته عمن نسي أن يسجد سجدة،«إذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو» (3)و ربما تحمل على سهو يوجب احتياطا أو اعادة.

و اما الكلام نسيانا فيشهد له صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام (4).و لا يعارضها صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام:«لا شيء عليه» (5)لا مكان حمله على نفي الإعادة أو الإثم.

و اما التسليم فلانّه كلام ليس من الصلاة و زيادة.و في صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:لا شيء فيه (6)و جوابه كالأول.

و اما القيام و القعود في غير محلهما فللزيادة،و رواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام فيما يجب به سجدتا السهو:«إذا أردت أن تقعد فقمت،أو تقوم فقعدت،أو أردت أن تقرأ فسبّحت،أو أردت أن تسبّح فقرأت،فعليك سجدتا السهو» (7).

قلت:يمكن ان تحمل على من تلافى القراءة أو التسبيح المراد،فيكون6.

ص: 89


1- التهذيب 2:158 ح 622،الاستبصار 1:363 ح 1376.
2- التهذيب 2:155 ح 608،الاستبصار 1:361 ح 1367.
3- الفقيه 1:228 ح 1008،التهذيب 2:152 ح 598،الاستبصار 1:358 ح 1360.
4- الكافي 3:356 ح 4،التهذيب 2:191 ح 755،الاستبصار 1:378 ح 1433.
5- التهذيب 2:191 ح 756،الاستبصار 1:378 ح 1434.
6- التهذيب 2:191 ح 757،الاستبصار 1:379 ح 1436.
7- التهذيب 2:353 ح 1466.

من باب الزيادة.و يمكن ان تحمل على من فعل ذلك و فات محل التلافي، فيكون من باب النقيصة،فمن ثم لم يعد شيئا خارجا.

و اما الزيادة و النقصية فلما مر،و لما روى ابن الجنيد في النقيصة (1).

و روى عبيد اللّه الحلبي-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:

«إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا،أم نقصت أو زدت،فتشهد و سلم و اسجد سجدتي السهو بغير ركوع و لا قراءة،تتشهد فيهما تشهدا خفيفا» (2).و روى الفضيل بن يسار عنه عليه السلام:«من حفظ سهوه فأتمّ فليس عليه سجدتا السهو،و انما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص» (3).

و اما الشك بين الأربع و الخمس فلما ذكر،و لما روى عبد اللّه بن سنان عن علي عليه السلام:«إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا،فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم تسلم بعدهما» (4).

و بالجملة:ما اختاره الفاضل أعدل الأقوال.

البحث الثاني:في اتحاد السبب و تكثّره.

لا ريب في الوجوب عند اتحاد السبب،و كذا إذا كثر في صلوات متباعدة.و لا ريب في انتفائه إذا خرج الى حد الكثرة في صلاة أو صلوات.

اما لو تعدّد سبب السجدتين في صلاة واحدة،و لم يخرج الى حد الكثرة المقتضية للعفو،فالأقرب عدم التداخل؛لقيام السبب،و اشتغال الذمة،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«لكل سهو سجدتان» (5).و لا فرق

ص: 90


1- سيأتي في ص 93.
2- الفقيه 1:230 ح 1019،التهذيب 2:196 ح 772،الاستبصار 1:380 ح 1441.
3- الفقيه 1:230 ح 1018.
4- الكافي 3:355 ح 3،التهذيب 2:195 ح 767،عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
5- مسند احمد 5:280،سنن ابن ماجة 1:385 ح 1219،سنن أبي داود 1:273 ح 1038، السنن الكبرى 2:337.

بين ان يختلف السبب-كالسلام و القيام-أو يتحد-كالتسليم مرارا-مع اختلاف أوقات النسيان.

و الشيخ جعل عدم التداخل أحوط (1).

و ابن إدريس فصّل،فأوجب التداخل إذا تجانس السبب؛لانه صادق على القليل و الكثير،بخلاف ما إذا اختلف السبب؛لان كل واحد لا يدخل تحت لفظ الأمر بالآخر (2).

و جوابه:ان كل واحد لو انفرد لأوجب حكما،فعند الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حال الانفراد.

نعم،لو نسي القراءة مثلا لم تجب عليه لكل حرف منسي سجدتان،و ان كان لو انفرد لا وجب ذلك؛لان اسم القراءة يشملها.

و لو نسيان في الركعات نسيانا مستمرا لا يذكر فيه،فالظاهر انها سبب واحد.

و لو تذكر ثم عاد الى النسيان،فالأقرب تعدّد السبب.و كذا لو تكلم بكلمات متوالية أو متفرقة و لم يتذكر النسيان فكلام واحد،فلو تذكر تعدّد.

فروع:

ينبغي ترتيبه بترتّب الأسباب.و لو كان هناك ما يقضى من الاجزاء،قدّمه على سجدتي السهو وجوبا على الأقوى.

و لو تكلم و نسي سجدة،سجدها أولا ثم سجد لسهوها و ان كان متأخرا عن الكلام؛لارتباطه بها.و يحتمل تقديم سجود الكلام؛لتقدّم سببه.5.

ص: 91


1- المبسوط 1:123،الخلاف 1:458 المسألة:201.
2- السرائر:55.

و لو ظن سهوه كلاما فسجد له،فتبيّن انه كان نسيان سجدة،فالأقرب الإعادة؛بناء على ان تعيين السبب شرط.و هو اختيار الفاضل (1).

و لو نسي سجدات أتى بها متتاليا،و سجد للسهو بعدها،و ليس له ان يخلله بينها-على الأقرب-صونا للصلاة عن الأجنبي.

البحث الثالث:محلهما بعد التسليم،

سواء كانتا للزيادة أو النقيصة -على المشهور-حذرا من الزيادة في الصلاة،و لما تقدم في رواية ابن الحجاج (2)و موثقة عبد اللّه بن ميمون عن الصادق عليه السلام عن علي عليه السلام (3).

و يحتج على الشافعي (4)بما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لكل سهو سجدتان بعد ان يسلم» (5)و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله سجدهما بعد التسليم (6).

و يعارضها صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:

«إذا نقصت قبل التسليم،و إذا زدت فبعده» (7).و في رواية أبي الجارود عن الباقر عليه السلام:«انهما قبل التسليم» (8)و أطلق.و حملهما الأصحاب على التقية، قال الصدوق:إني افتي به حال التقية (9).

ص: 92


1- نهاية الإحكام 1:552.
2- الكافي 3:356 ح 4،التهذيب 2:191 ح 755،الاستبصار 1:378 ح 1433. و تقدمت إجمالا في ص 89 الهامش 3.
3- التهذيب 2:195 ح 768،الاستبصار 1:380 ح 1438.
4- الام 1:130،المجموع 4:153.
5- تقدم في ص 90 الهامش 5.
6- صحيح مسلم 1:404 ح 573،السنن الكبرى 2:335.
7- التهذيب 2:195 ح 769،الاستبصار 1:380 ح 1439.
8- التهذيب 2:195 ح 770،الاستبصار 1:380 ح 1440.
9- الفقيه 1:225.

و اما رواية العامة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سجد قبل السلام (1)و ان الزهري قال:آخر الأمرين السجود قبل التسليم (2)،فلم يثبت عندنا،كيف و أهل البيت أعرف بحال صاحب البيت! و قال ابن الجنيد:ان كرّر بعض أفعال الصلاة في الأخيرتين ساهيا سجد للسهو بعد سلامه،و ان عدل من النفل الى الفرض استحب ان يسجد للسهو قبل سلامه؛لسهوه عن نية الفرض الذي قضاه؛لانه نقص الصلاة.

قال:و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من ترك شيئا من صلاته فليسجد سجدتي السهو بعد سلامه،و ان كان بنقصان فيها سجد قبل سلامه».

و ليس في هذا كله تصريح بما يرويه بعض الأصحاب ان ابن الجنيد قائل بالتفصيل (3).نعم،هو مذهب أبي حنيفة من العامة (4).

فروع:

لو قلنا بفعله قبل التسليم،فظن موجبه ففعله ثم تبين ان لا موجب،لم يسجد له،قاله الفاضل،معللا بأنه لا سهو في سهو (5).

قلت:يشكل على القول بوجوب التسليم؛لانه تبين انه زاد في الصلاة سجدتين.

و لو سجد ثم سها سجد ثانيا؛لان سجود السهو انما يجبر ما قبله.1.

ص: 93


1- الموطأ 1:96،سنن الدارمي 1:353،صحيح البخاري 2:85،صحيح مسلم 1:399 ح 570،سنن النسائي 3:19،السنن الكبرى 2:334.
2- السنن الكبرى 2:341.
3- قاله العلامة في مختلف الشيعة:142.
4- حلية العلماء 1:150،اللباب 1:94.
5- تذكرة الفقهاء 1:141.

و لو سلّم قبل السجود متعمدا،بطلت صلاته على القول بوجوبهما قبله.

و لو كان ناسيا فالأقرب الصحة،و يأتي بهما بعده.و هل يجب سجود السهو هنا؟ وجهان:من تحقق الإخلال به في غير موضعه،و من انه لا سهو في سهو.

البحث الرابع هل تجب النيّة فيهما و تعيين السبب؟

تجب فيهما النية لأنهما عبادة،و تعيين السبب،و جميع ما يعتبر في سجود الصلاة إلا الذكر،فإنه يقول فيهما:«بسم اللّه و باللّه،و صلّى اللّه على محمد و على آل محمد»،أو يقول:«بسم اللّه و باللّه،و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته»؛لرواية عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه سمعه مرة يقول فيهما الأول و مرة أخرى الثاني (1)و لا يستلزم سهو الامام؛لجواز كونه اخبارا عن حكمه فيهما.

و في الكليني عبارة الحلبي«بسم اللّه و باللّه،اللهم صلّى على محمد و آل محمد»و في المرة الأخرى«بسم اللّه و باللّه،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه (2)» (3).و الكل مجز.ثم يتشهد تشهدا خفيفا و يسلم،للحديثين السالفين (4)و فتوى الأصحاب (5).

الاّ ان أبا الصلاح،قال:ينصرف منهما بالتسليم على محمد صلوات اللّه عليه و آله (6).

و جوّز الشيخ-في المبسوط-فيهما ما شاء من الأذكار (7).

ص: 94


1- التهذيب 2:196 ح 773.
2- في المصدر الزيادة:«و بركاته».
3- الكافي 3:356 ح 5،و مثله في الفقيه 1:226 ح 997 إلا في عبارة«اللهم صلّ»،ففيه كما في التهذيب«و صلّى اللّه».
4- تقدما في ص 67 الهامش 4،ص 90 الهامش 2.
5- راجع:المقنعة:24،المبسوط 1:125،المعتبر 2:400.
6- الكافي في الفقه:148.
7- المبسوط 1:125.

و الفاضل في المختلف لم يوجب سوى السجدتين و جعل الباقي مستحبا؛تعويلا على رواية عمار عن الصادق عليه السلام:«هما سجدتان فقط،فان كان الذي سها هو الامام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه،ليعلم من خلفه انه قد سها،و ليس عليه ان يسبّح فيهما،و لا فيهما تشهد بعد السجدتين» (1).

و هو معارض بما تقدم،و برواية الحلبي أيضا الصحيحة عن الصادق عليه السلام:«يتشهد فيهما تشهدا خفيفا» (2)و بفتوى الأصحاب،مع ضعف عمار.

و في المعتبر أوجب التشهد و التسليم و لم يوجب الذكر فيهما (3).

و العمل بالمشهور بين الأصحاب أولى.

البحث الخامس:يجب البدار بهما على الفور؛

لما روي من انهما قبل الكلام (4)و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سجد عقيب الصلاة (5)على ما روي، و التأسي به واجب.

فلو تركهما لم يقدح في صحة الصلاة،بل يجب الإتيان بهما بعد و ان طالت المدة؛لما رواه عمار عن الصادق عليه السلام في ناسيهما:«يسجدهما متى ذكر» (6).

و في الخلاف:هما شرط في صحة الصلاة (7).فعلى قوله تركهما يقدح

ص: 95


1- مختلف الشيعة:143. و رواية عمار في الفقيه 1:226 ح 996،التهذيب 2:196 ح 771،الاستبصار 1:381 ح 1442.
2- الفقيه 1:230 ح 1019،التهذيب 2:196 ح 772،الاستبصار 1:380 ح 1441.
3- المعتبر 2:400.
4- التهذيب 2:195 ح 768،الاستبصار 1:380 ح 1438.
5- تقدم في ص 92 الهامش 6.
6- التهذيب 2:353 ح 1466.
7- الخلاف 1:462 المسألة:203.

في الصحة،و هو مع ذلك قائل بوجوب الإتيان بهما و ان طالت المدة (1).و منع الشرطية الفاضلان (2).

و قال بعض العامة:لو نسيهما قضاهما ما لم يخرج عن المسجد أو يتكلم (3)و آخرون ما لم يقم عن مجلسه أو يطل الزمان عرفا (4).و ليسا شيئا؛إذ الثابت الوجوب و التقدير تحكّم.

فروع:

الأول: لو نسي أربع سجدات من أربع ركعات،قضاها و سجد لكل واحدة سجدتين.و يحتمل الاجتزاء بسجدتين:اما على القول بالتداخل فظاهر،و اما على عدمه فلدخوله في حيز الكثرة ان تعدّد السهو.اما لو كان في سهو متصل فالظاهر انه لا يدخل في الكثرة.

و قال بعض العامة:تخلص له ركعتان إن جلس جلسة فصل أو جلسة الاستراحة،أو قلنا بان القيام يقوم مقام الجلسة،و الاّ خلص له ركعة إلاّ سجدة،فيتم بسجدة ثم ثلاث ركعات (5).

و قال بعضهم:لا تسلم له سوى التحريمة (6).

و قال آخرون:ليس عليه سوى أربع سجدات متتالية (7).

و في الخلاف:لا نص لأصحابنا فيها،و قضية المذهب بطلان الصلاة ان7.

ص: 96


1- الخلاف 1:462 المسألة:204.
2- المعتبر 2:402،مختلف الشيعة:143.
3- المجموع 4:161،المغني 1:722.
4- المجموع 4:158،156،المغني 1:723.
5- المجموع 4:120،المغني 1:727.
6- المجموع 4:121.
7- المجموع 4:121،المغني 1:727.

قلنا باشتراط سلامة الركعتين الأوليين،و الا أتى بأربع و سجد للسهو أربع مرات (1).

الثاني: لو جلس في موضع قيام ناسيا و لما يتشهد-كالجلوس على الاولى أو الثالثة-صرف إلى جلسة الاستراحة و لا سجود عليه على الأقوى،و ان تشهد وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الأصح.

و في الخلاف:ان كان الجلوس بقدر الاستراحة و لم يتشهد فلا سجود عليه،و ان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة و النقيصة (2).

و في المختلف:ان جلس ليتشهد و لم يتشهد،فالزائد على جلسة الاستراحة يوجب السجود (3)،و الظاهر انه مراد الشيخ.و لكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد إشكال؛لأن جلسة الاستراحة لا قدر لها بل يجوز تطويلها و تركه،فان صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها،و ان لم يصرف لم ينفع قصرها في سقوط سجود السهو.

الثالث:لا سجود لترك السنن، سواء كانت قنوتا أو غيره.

و قال ابن الجنيد:لو نسي القنوت قضاه في التشهد قبل التسليم و سجد سجدتي السهو (4).و رواية سفيان السالفة تدل عليه (5)،و لكن يدخل فيها ترك جميع السنن،كما قاله الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط (6).

الرابع:تسمّى هاتان السجدتان:المرغمتين، لأنهما ترغمان الشيطان،5.

ص: 97


1- الخلاف 1:456 المسألة:199.
2- الخلاف 1:458 المسألة 200.
3- مختلف الشيعة:143.
4- مختلف الشيعة:140.
5- تقدمت في ص 89 الهامش 2.
6- المبسوط 1:125.

كما دل عليه الحديث من طرقنا (1)و طرق العامة (2).و سماهما الجعفي:

النقرتين،و هو في بعض الاخبار (3)و في بعضها النهي عن تسميتهما بالنقرتين (4).و من النوادر انهما ركعتان كما ورد في بعض الاخبار.

خاتمة:

روى الصدوق بإسناده إلى إسماعيل بن مسلم،عن الصادق عليه السلام:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لمن شكا إليه كثرة الوسوسة حتى لا يعقل ما صلّى من زيادة أو نقصان:إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك اليسرى بإصبعك اليمنى المسبحة،ثم قل:بسم اللّه و باللّه،توكلت على اللّه، أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم،فإنك تزجره و تطرده عنك» (5).

ص: 98


1- الكافي 3:357 ح 9،التهذيب 2:349 ح 1449.
2- المصنف لعبد الرزاق 2:305 ح 3466،صحيح مسلم 1:400 ح 571،سنن الدار قطني 1:375،السنن الكبرى 2:339.
3- التهذيب 2:345 ح 1431.
4- التهذيب 2:156 ح 609،الاستبصار 1:360 ح 1366.
5- الفقيه 1:223 ح 984،و في الكافي 3:358 ح 4.
الركن الثالث:في بقية الصلوات الواجبة
اشارة

و فصوله أربعة:

الفصل الأول:في صلاة الجمعة
اشارة

و فيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول:في الشرائط
مقدّمة:

تجب صلاة الجمعة-بالنص و الإجماع-ركعتان بدلا عن الظهر.

قال اللّه تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (1).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الجمعة حق على كل مسلم الاّ أربعة:

عبد مملوك،أو امرأة،أو صبي،أو مريض» (2).

و قال صلّى اللّه عليه و آله:«اعلموا انّ اللّه قد افترض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي و له امام عادل،استخفافا بها أو جحودا لها،فلا جمع اللّه له شمله،و لا بارك له في أمره،ألا و لا صلاة له،ألا و لا زكاة له،ألا

ص: 99


1- سورة الجمعة:9.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:173 ح 5200،سنن أبي داود 1:280 ح 1067،سنن الدار قطني 2:3،المستدرك على الصحيحين 1:288،السنن الكبرى 3:172.

و لا حج له،ألا و لا صوم له،ألا و لا برّ له حتى يتوب» (1).

و قال الصادق عليه السلام-برواية أبي بصير و محمد بن مسلم-:«ان اللّه تعالى فرض في كل أسبوع خمسا و ثلاثين صلاة،منها صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها الا خمسة:المريض،و المملوك،و المسافر،و المرأة و الصبي» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السلام،قال:«فرض اللّه تعالى على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة،منها صلاة واحدة فرضها اللّه تعالى في جماعة و هي:الجمعة،و وضعها عن تسعة:عن الصغير،و الكبير، و المجنون،و المسافر،و العبد،و المرأة،و المريض،و الأعمى،و من كان على رأس فرسخين» (3).

و شروطها سبعة:

الشرط الأول:السلطان العادل،
اشارة

و هو الإمام أو نائبه إجماعا منا؛لما مر، و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعيّن لإمامة الجمعة (4).

و يشترط في النائب أمور تسعة:
الأول:البلوغ،

فلا تنعقد إمامة الصبي؛لاتصافه بما يرفع القلم،فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم منه إذا كان مميزا،و ان لم يكن مميزا فلا اعتبار لأفعاله.

الثاني:العقل،

فلا تنعقد امامة المجنون؛لعدم الاعتداد بفعله.

ص: 100


1- سنن ابن ماجة 1:343 ح 1081،مسند أبي يعلى 3:381 ح 1856،السنن الكبرى 3: 171.
2- الكافي 3:418 ح 1،التهذيب 3:19 ح 69.
3- الكافي 2:419 ح 6،الفقيه 1:266 ح 1217،الخصال:422،التهذيب 3:21 ح 77.
4- انظر ما يأتي في صحيفة:104 هامش 3.

و لو كان يعتوره أدوارا،فالأقرب الكراهة وقت إفاقته.و حرّمه الفاضل؛ لانه لا يؤمن عروضه له في أثناء الصلاة،و لجواز احتلامه في جنّته بغير شعوره (1).

قلت:تجويز العروض لا يرفع تحقيق الأهلية،و التكليف يتبع العلم.

الثالث:ان لا يكون امرأة و لا خنثى؛

لعدم تكليفهما بهذه الصلاة، و عدم جواز إمامتهما بالرجال.

الرابع:الحرية،

و أحوط القولين اعتبارها؛لعدم تكليفه بها،و لنقصه عن مرتبة الإمامة،و لرواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام انه قال:«لا يؤمّ العبد إلاّ اهله» (2).و هو اختيار الشيخ في النهاية (3)تبعا لشيخه المفيد (4).

و قال في المبسوط:يجوز (5)و اختاره المتأخرون (6)لما رواه محمد بن مسلم-في الصحيح-عن الصادق عليه السلام في العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قراءة،قال:«لا بأس به» (7)و يجوز ان تكون محمولة على الجماعة المستحبة.

الخامس:العدالة

-و هي:هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى و المروءة،بحيث لا يواقع الكبائر و لا يصرّ على الصغائر-و عليه إجماع الأصحاب هنا و في الجماعة المطلقة؛لظاهر قوله تعالى:

ص: 101


1- تذكرة الفقهاء 1:144.
2- التهذيب 3:29 ح 102،الاستبصار 1:423 ح 1631.
3- النهاية:105.
4- المقنعة:27.
5- المبسوط 1:149.
6- راجع:المعتبر 2:293،تذكرة الفقهاء 1:145،مختلف الشيعة:153.
7- التهذيب 3:29 ح 100،الاستبصار 1:423 ح 1629.

وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (1) .

و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله-بطريق جابر-:«لا تؤمّن امرأة رجلا،و لا فاجر مؤمنا،الاّ ان يقهره سلطان أو يخاف سيفه أو سوطه» (2).

و روى سعد بن إسماعيل،عن أبيه،عن الرضا عليه السلام:منع امامة من يقارب الذنوب (3).

و في خبر آخر:«امامك شفيعك الى اللّه،فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا»رواه الصدوق عن أبي ذر رضي اللّه عنه (4)و الظاهر انه قاله توقيفا.

و أولى بالاشتراط الايمان و الإسلام.فلو ظن إيمانه أو السلامة فظهر خلافه،صحت الصلاة؛لأنه متعبّد بظنه.و لا فرق بين ظهور الكفر الذي لا يخفى-كاليهودية و النصرانية-أو غيره-كالزندقة.و لو شك في السلام الإمام، أو في عدالته،لم تصحّ الصلاة خلفه.

فرع:

الاختلاف في الفروع الشرعية لا يقدح في العدالة؛للإجماع على ذلك.نعم،لو اعتقد شيئا ففعل خلافه قدح،و كذا المقلد لو ترك تقليد العالم أو الأعلم.

السادس:طهارة المولد،

فلا تصح امامة ولد الزنا المعلوم حاله إجماعا منا.و لا عبرة بمن تناله الألسن،و لا تقدح ولادة الشبهة،و لا كونه مجهول

ص: 102


1- سورة هود:113.
2- سنن ابن ماجة 1:343 ح 1081،مسند أبي يعلى 3:381 ح 1856،السنن الكبرى 3: 171.
3- الفقيه 1:249 ح 1116،التهذيب 3:31 ح 110.
4- الفقيه 1:247 ح 1103،و في التهذيب 3:30 ح 107.

الأب.و في كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به (1)لنقصهم،و عدم كمال الانقياد الى متابعتهم.

السابع:السلامة من الجذام و البرص

-في قول مشهور-في الجماعة مطلقا؛لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام:«خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا،و الأعرابي» (2).

و كرهه المرتضى في أحد قوليه (3)؛للأصل،و لرواية عبد اللّه بن يزيد قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المجذوم و الأبرص،هل يؤمّان المسلم؟ قال:«نعم».قلت:هل يبتلي اللّه بهما المؤمن؟قال:«نعم،و هل كتب البلاء الاّ على المؤمن» (4).

و الجمع بينهما بالحمل على الكراهية،و لكن يلزم منه استعمال المشترك في معنييه؛لأن النهي في ولد الزنا و المجنون محمول على المنع من النقيض قطعا،فلو حمل على المنع لا من النقيض في غيرهما لزم المحذور.و يمكن ان يقال لا مانع من استعمال المشترك،و ان سلم فهو مجاز لا مانع من ارتكابه.

الثامن:السلامة من العمى

في احتمال،و لم نجد به شاهدا،لكن في رواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام:«لا يؤمّ الأعمى في الصحراء الاّ ان يوجّه إلى القبلة» (5)و ظاهر انه غير مانع من الإمامة.فإن علل بكونه ممّن لا تجب عليه الجمعة،قلنا:مع الحضور تجب عليه و تنعقد به.

و في التذكرة نقل انّ أكثر علمائنا قائلون باشتراط سلامة الإمام من

ص: 103


1- تذكرة الفقهاء 1:177.
2- الكافي 3:375 ح 1،التهذيب 3:26 ح 92،الاستبصار 1:422 ح 1626.
3- الانتصار:49.
4- التهذيب 3:27 ح 93،الاستبصار 1:422 ح 1627.
5- الكافي 3:375 ح 2،التهذيب 3:27 ح 94.

العمى؛لانه لا يتمكّن من الاحتراز عن النجاسات غالبا (1).و اختاره في النهاية؛ لأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل (2).و النقل مجهول،و التعليلان ضعيفان،مع قضية الأصل المقتضية للجواز و ان الاعتماد على الايمان و العدالة.

التاسع:إذن الامام له

-كما كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يأذن لأئمة الجمعات و أمير المؤمنين (3)بعده-و عليه إطباق الإمامية.هذا مع حضور الامام عليه السلام.

و اما مع غيبته-كهذا الزمان-ففي انعقادها قولان،أصحهما-و به قال معظم الأصحاب (4)-الجواز إذا أمكن الاجتماع و الخطبتان.و يعلّل بأمرين.

أحدهما: انّ الاذن حاصل من الأئمة الماضين فهو كالاذن من إمام الوقت،و اليه أشار الشيخ في الخلاف (5).

و يؤيده صحيح زرارة قال:حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه،فقلت:نغدو عليك،فقال:«لا،انما عنيت عندكم» (6).

و لان الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن-كالحكم و الإفتاء-فهذا أولى.

و التعليل الثاني:ان الاذن انما يعتبر مع إمكانه، اما مع عدمه فيسقط

ص: 104


1- تذكرة الفقهاء 1:145 و ذكر فيه التعليلين.
2- نهاية الإحكام 2:15،150 و لم يذكر فيه سوى التعليل الأول.
3- انظر:الحدائق الناضرة 9:422 و مفتاح الكرامة 3:55 و الحاوي الكبير 2:446.
4- راجع:المبسوط 1:151،النهاية:107،المعتبر 2:279،تذكرة الفقهاء 1:145، مختلف الشيعة:109.
5- الخلاف 1:626،المسألة 397.
6- التهذيب 3:239 ح 635،الاستبصار 1:420 ح 1615.

اعتباره،و يبقى عموم القرآن و الاخبار خاليا عن المعارض.

و قد روى عمر بن يزيد-في الصحيح-عن الصادق عليه السلام:«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة» (1).

و في الصحيح عن منصور عن الصادق عليه السلام:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد،و الجمعة واجبة على كل أحد،لا يعذر الناس فيها الا خمسة:المرأة،و المملوك،و المسافر،و المريض،و الصبي» (2).

و في الموثق عن زرارة عن عبد الملك عن الباقر عليه السلام،قال:قال:

«مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه».قال:قلت كيف أصنع؟قال:

«صلوا جماعة»يعني:صلاة الجمعة (3)،في أخبار كثيرة مطلقة.

و التعليلان حسنان،و الاعتماد على الثاني.

إذا عرفت ذلك،فقد قال الفاضلان:يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة، و لم يسقط الاستحباب (4).و ظاهرهما انّه لو أتى بها كانت واجبة مجزية عن الظهر،فالاستحباب انما هو في الاجتماع،أو بمعنى:انه أفضل الأمرين الواجبين على التخيير.

و ربما يقال بالوجوب الضيّق حال الغيبة؛لأن قضية التعليلين ذلك،فما الذي اقتضى سقوط الوجوب؟الا انّ عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار و الأمصار،و نقل الفاضل فيه الإجماع (5).

و بالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلا و رأسا-و هو ظاهر كلام المرتضى (6)2.

ص: 105


1- التهذيب 3:245 ح 664،الاستبصار 1:418 ح 1607.
2- التهذيب 3:239 ح 636،الاستبصار 1:419 ح 1610،1616.
3- التهذيب 3:239 ح 638،الاستبصار 1:420 ح 1616.
4- المعتبر 2:279،تذكرة الفقهاء 1:145.
5- تذكرة الفقهاء 1:145.
6- جوابات المسائل الميافارقيات 1:272.

و صريح سلار (1)و ابن إدريس (2)و هو القول الثاني من القولين-بناء على انّ اذن الامام شرط الصحة و هو مفقود.

و هؤلاء يسندون التعليل إلى اذن الامام و يمنعون وجود الاذن،و يحملون الاذن الموجود في عصر الأئمة عليهم السلام على من سمع ذلك الاذن و ليس حجة على من يأتي من المكلّفين،و الاذن في الحكم و الإفتاء أمر خارج عن الصلاة،و لان المعلوم وجوب الظهر فلا تزول الاّ بمعلوم.و هذا القول متوجّه و الاّ لزم الوجوب العيني،و أصحاب القول الأول لا يقولون به.

ثم اعلم انّه لا خلاف انّه لو حضر الإمام الأعظم مصرا و تمكّن من الإمامة لم يؤم غيره؛تأسيا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة بعده و لرواية حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام:«إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس،ليس ذلك لأحد غيره» (3).نعم،لو كان له مانع استناب،و لا يجوز التقدم بغير اذنه.

الشرط الثاني:العدد،
اشارة

و لا خلاف في اعتباره في الجمعة.و عندنا في أقلّه روايتان،أشهرهما و الأظهر في الفتوى أنه خمسة أحدهم الإمام،رواه زرارة عن الباقر عليه السلام (4)و رواه منصور في الصحيح عن الصادق عليه السلام (5).

و روى محمد بن مسلم عنه:«سبعة و لا تجب على أقل منهم:الامام و قاضية،و المدعي حقا،و المدعى عليه،و الشاهدان،و الذي يضرب الحدود

ص: 106


1- المراسم:261.
2- السرائر:66.
3- التهذيب 3:23 ح 81.
4- الكافي 3:419 ح 4،التهذيب 3:240 ح 640،الاستبصار 1:419 ح 1612.
5- التهذيب 3:239 ح 636،الاستبصار 1:419 ح 1610.

بين يدي الامام» (1).و فيه إشارة الى انّ الاجتماع المدني لا يتمّ إلا بهؤلاء، و الجمعة تتبع التمدن لأنها انما تجب على المستوطنين.

و هذان الخبران كالمتعارضين،فجمع الشيخ أبو جعفر بن بابويه و الشيخ أبو جعفر الطوسي-رضي اللّه عنهما-بالحمل على الوجوب العيني في السبعة،و الوجوب التخييري في الخمسة (2).و هو حمل حسن،و يكون معنى قوله عليه السلام:«و لا تجب على أقل منهم»نفي الوجوب الخاص-أي:

العيني لا مطلق الوجوب-لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة أسانيد.

و المحقق في المعتبر لحظ هذا،ثم قال:هذا و ان كان مرجحا لكن روايتنا دالة على الجواز،و مع الجواز تجب لقوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ .فلو عمل برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد،و لا كذا مع العمل بالأخبار التي اخترناها مع انها أكثر ورودا و نقلة.

على انّه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم؛لأنّه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطا،فسقط اعتبارها (3).

قلت:الجواز لا يستلزم الوجوب و الاّ لوجبت عينا حال الغيبة، و الاحتجاج بعموم القرآن وارد فيه.و الأمر المطلق مسلم،و لكن الإجماع على تقييده بعدد مخصوص،حتى قال الشافعي و احمد:أربعون (4)و أبو حنيفة:

أربعة أحدهم الامام (5)،و مصير الأصحاب الى ذلك العدد مستند الى الخبر، و هو من الطرفين في حيز الآحاد،فلا بد من التقييد به.

فان قال:صاحب السبعة موافق على الخمسة،فاتفقا على التقييد بها،0.

ص: 107


1- الفقيه 1:267 ح 1222،التهذيب 3:20 ح 75،الاستبصار 1:418 ح 1608.
2- المبسوط 1:143،النهاية:103.
3- المعتبر 2:282.
4- المغني 2:172،فتح العزيز 4:510.
5- المغني 2:172،فتح العزيز 4:510.

فيؤخذ المتفق عليه.

قلنا:هذا من باب الأخذ بأقل ما قيل،و قد توهّم بعض الأصوليين انه حجة بل إجماع (1)و قد بيّنا ضعفه في الأصول.

و اما إحصاء العدد بالسبعة فلبيان الحكمة في اعتبار الاستيطان في الجمعة لا لانّه شرط في انعقادها.

و قال الفاضل-رحمه اللّه-في المختلف:في طريق رواية محمد بن مسلم الحكم بن مسكين و لا يحضرني الآن حاله،فنحن نمنع صحة السند و نعارضه بما تقدّم من الاخبار،و يبقى عموم القرآن سالما عن المعارض (2).

قلت:الحكم ذكره الشكي و لم يعرض له بذم (3)و الرواية مشهورة جدا بين الأصحاب،لا يطعن فيها كون الراوي مجهولا عند بعض الناس.و المعارضة منتفية بما ذكرناه من الحمل.

و قال في التذكرة:الرواية ليست ناصّة على المطلوب؛لأن الأقل من السبعة قد يكون أقل من الخمسة،فتحمل عليه جميعا بين الأدلة (4).

قلت:فيه بعد؛لانه خلاف الظاهر؛لأنه إذا قيل:هذا العدد أقل من كذا،كان صادقا على كل ما نقص عنه حقيقة بواحد أو أكثر،فتخصيصه خلاف الظاهر.و لأن«أقل»نكرة في سياق النفي فتعمّ،فهو في قوة:لا تجب على كل عدد ينقص عن السبعة.

فروع أربعة:
أحدها:العدد انما هو شرط في الابتداء لا في الاستدامة.

فلو تحرّموا

ص: 108


1- راجع:الذريعة للمرتضى 2:833.
2- مختلف الشيعة:103.
3- راجع:رجال الكشي:457 برقم 866.
4- تذكرة الفقهاء 1:146.

بها ثم انفضوا إلاّ الإمام أتمّها جمعة:للنهي عن إبطال العمل،و اشتراط الاستدامة منفي بالأصل،و لا يلزم من اشتراطه في الابتداء اشتراطه في الدوام، كعدم الماء في حق المتيمم.و هو فتوى الشيخ في كتبه (1)مع قوله في الخلاف:

انه لا نصّ لأصحابنا فيه لكنه قضية المذهب؛لانه دخل في جمعة و انعقدت بطريقة معلومة،فلا يجوز إبطالها الا بيقين (2).

و اما اعتبار بقاء واحد مع الإمام أو اثنين،أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة تامة في وجوب الإتمام،أو اعتبار بقاء جميع العدد-كما تنسب هذه الأمور إلى الشافعي (3)-فتحكّم،و ان كان الفاضل قد رجّح اعتبار الركعة في وجوب الإتمام؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى» (4).

و جوابه منع الدلالة على المطلوب.نعم،لا عبرة بانفضاض الزائد على العدد مع بقاء العدد،سواء شرعوا في الصلاة أو لا إجماعا.

الثاني:لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرّموا ثم انقضّ الأولون لم

يضر؛

لان الانعقاد قد تم بالواردين،قاله في التذكرة (5).

و يشكل بان من جملة الأولين الإمام فكيف تنعقد بدونه؟الا ان يقال:

ينصبون الآن إماما،أو يكون قد انفض من عدا الامام،و يكون ذلك على القول باعتبار الركعة؛لأنه لو لم تعتبر الركعة في بقاء الصحة كان بقاء الامام وحده

ص: 109


1- المبسوط 1:144.
2- الخلاف 1:600،601 المسألة:360.
3- المجموع 4:506،فتح العزيز 4:531.
4- تذكرة الفقهاء 1:147. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:سنن ابن ماجة 1:356 ح 1121،سنن الدار قطني 2: 10،المستدرك على الصحيحين 1:291.
5- تذكرة الفقهاء 1:147.

كافيا في الصحة،و لا يكون في حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة.

الثالث:لو انفضوا قبل الصلاة سقطت،

و كذا لو انفض ما ينقص به العدد.و لو انفضوا في أثناء الخطبة فكذلك،فلو عادوا أعادها من رأس ان كانوا لم يسمعوا أركانها.و لو سمعوا بنى،سواء طال الفصل أم لا؛لحصول مسمّى الخطبة،و لم يثبت اشتراط الموالاة،الا ان نقول:هي كالصلاة،فيعيدها.

و يشكل بأنه لا يأمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة،فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة.

الرابع:لو كان الامام هو الذي فارق في أثناء الصلاة فكغيره عند

الفاضل (1)لان الباقين مخاطبون بالإكمال،

و حينئذ ينصبون إماما منهم؛لعدم انعقادها فرادى،كما يأتي.

الشرط الثالث:كمال المخاطب بها،و انما يكمل بأمور عشرة.
الأول:البلوغ،

فلا تجب على الصبي لعدم التكليف،و لا تنعقد به و ان كان مميزا.

نعم،تجوز صلاته تمرينا و تجزئه عن الظهر.و لو صلّى الظهر ثم بلغ سعى إلى الجمعة،فإن أدرك و الاّ أعاد ظهره؛لعدم أجزاء ما وقع في الصبا عن الواجب.

الثاني:العقل،

فلا تجب على المجنون،و لا تنعقد به بمثل ما قلناه في الصبي.و لو كان جنونه أدوارا،فاتفق مفيقا حالة الإقامة،وجبت ان استمرت الإفاقة إلى آخرها و الاّ سقطت.و لو زال جنونه و وقتها باق وجبت.

الثالث:الذكورة،

فلا تجب على المرأة،و لا تنعقد بها على الأشهر؛ لما مرّ من قول الباقر و الصادق عليهما السلام (2).و في حكمها الخنثى

ص: 110


1- تذكرة الفقهاء 1:147.
2- تقدما في ص 100 الهامش 2،3.

المشكل؛للشك في السبب،اما لو التحق بالرجال فإنها تجب عليه.

و خالف ابن إدريس هنا،فزعم انه لو حضرت المرأة وجبت عليها و أجزأتها عن الظهر،غير انها لا تحسب من العدد (1).

و يظهر من كلام الشيخ في النهاية،حيث عدّ من تسقط عنه و عدّ المرأة، ثم قال:فان حضروا الجمعة وجبت عليهم الدخول فيها و أجزأتهم الصلاة ركعتين،و لم يستثن سوى غير المكلّف (2)،و كذا في التهذيب (3)و ظاهره صحتها من المرأة.

و قد روى حفص بن غياث،عن بعض مواليهم عليهم السلام،عن الصادق عليه السلام:«ان اللّه تعالى فرض الجمعة على المؤمنين و المؤمنات، و رخّص للمرأة و المسافر و العبد ان لا يأتوها،فإذا حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأول» (4).

فإن تمسّك ابن إدريس به لم يتم،اما على معتقده في خبر الواحد فظاهر،و اما على قول غيره فلضعف حفص،و جهالة الواسطة و خرق إجماع العلماء من عدم وجوبها على المرأة،قاله في المعتبر (5).

و قد صرح الشيخ بذلك في المبسوط،حيث جعل الناس في باب الجمعة على خمسة أضرب:

من تجب عليه و تنعقد به،و هو جامع الشرائط العشرة:الذكورة، و الحرية،و البلوغ،و العقل،و الصحة من المرض،و عدم العمى،و العرج، و الشيخوخة،و السفر،و الزيادة على فرسخين.3.

ص: 111


1- السرائر:63.
2- النهاية:103.
3- التهذيب 3:21.
4- التهذيب 3:21 ح 78.
5- المعتبر 2:293.

و من لا تجب عليه و لا تنعقد به،و هو:الصبي،و المجنون،و العبد، و المسافر،و المرأة.فهؤلاء لا تجب عليهم،و لا تنعقد بهم،و يجوز لهم فعلها تبعا لغيرهم.

و من تنعقد به و لا تجب عليه،و هو:المريض،و الأعمى،و الأعرج، و البعيد بأزيد من فرسخين.فإنهم لا يجب عليهم الحضور،و لو حضروا تمّ بهم العدد و وجبت عليهم و انعقدت بهم.

و من تجب عليه و لا تنعقد به،و هو:الكافر.

و مختلف فيه،و هو:من كان مقيما في بلد من طلاب العلم و التجار و لمّا يستوطنه،بل متى قضى وطره خرج،فإنها تجب عليه و تنعقد به عندنا،و عندهم خلاف (1).

و هذا تصريح بعدم الوجوب عليها مطلقا،و هو الأصح؛للأصل،و تيقّن تكليفها بالظهر فلا تخرج عنه الاّ بيقين.

و في قول الشيخ:بجواز فعلها تبعا لغيرها،اشعارا باجزائها عن الظهر -و هو ظاهر الاخبار-و ان لم تجب،كما يأتي في المسافر و العبد.و قد روى أبو همام عن أبي الحسن عليه السلام:«إذا صلت المرأة مع الامام ركعتين الجمعة فقد نقصت صلاتها،و ان صلت في المسجد أربعا فقد نقصت صلاتها،لتصلّي في بيتها أربعا أفضل» (2).

و العامة حكموا بالإجزاء؛لأنها تجزي الذين لا عذر لهم لكمالها فلان تجزي أصحاب العذر أولى،و لم يستثنوا سوى المجنون.و جوّزوا للنساء و العبيد و المسافرين الانصراف بعد الحضور فيصلون الظهر،بخلاف المريض؛لان المانع في حقه المشقة و قد زالت بحضوره،و مشقة العود لازمة له على تقديري4.

ص: 112


1- المبسوط 1:143.
2- التهذيب 3:241 ح 644.

صلاة الجمعة و الظهر،اللهم الا ان يكون في إقامة الجمعة انتظار زائد تزيد به مشقته،و الحقوا به أصحاب المعاذير الملحقة بالمرض كالمطر و الوحل الشديد و التمريض (1).

أقول:الخلاف الذي أشار إليه في المبسوط في الطلاب و التجار لأبي إسحاق من الشافعية،كان يقول:لا تنعقد بي الجمعة لأني ما استوطنت بغداد فاني على عزم الخروج متى اتفق لي إلى مصر و الشام (2)،و خالفه ابن أبي هريرة و زعم انعقادها به (3)كمذهبنا،مع انهم متفقون على وجوبها عليهما و انما الخلاف في تمام عدد الجمعة بهم،و الذي صححوه مذهب أبي إسحاق؛لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يجمّع في حجة الوداع و قد وافق يوم عرفة يوم الجمعة (4)و انما لم يجمّع لانّه و من معه لم يكونوا متوطنين و ان كانوا قد عزموا على الإقامة أياما.

قلت:هذا كله إذا كان المقيم قد خرج عن التقصير في السفر بنيّة المقام عشرة عندنا،أو مضي ثلاثين يوما في مصر و بنيّة إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول و الخروج عندهم.

الرابع:الحضر،

فلا تجب على المسافر؛لما سبق عندنا و عند أكثر العلماء.و أوجبها عليه النخعي و الزهري (5).

و يستمر عدم الوجوب حتى يلزمه الإتمام بما ذكرناه،أو بغيره من أسباب الإتمام،ككون السفر معصية و كون المسافر كثير السفر.

و يحرم إنشاء السفر بعد الزوال؛لأنها قد وجبت عليه،فلا يجوز الاشتغال

ص: 113


1- المجموع 4:495،المغني 2:195،الشرح الكبير 2:154.
2- المجموع 4:502،حلية العلماء 2:230.
3- الهامش السابق.
4- المجموع 4:502،المغني 2:193.
5- المجموع 4:485،حلية العلماء 2:223،المغني 2:193،الشرح الكبير 2:151.

بما يؤدي إلى تركها كالتجارة و اللهو.و هذا إلزام لأبي حنيفة حيث قال:

يجوز إلاّ أن يضيق الوقت (1)بناء على قوله:إنّ الصلاة تجب بآخر الوقت (2).

فإن قلت:الصلاة و إن وجبت بأوله إلاّ أنها موسعة،فلم يمنع السفر و لمّا يتضيّق الوقت؟ قلت:لأنه مانع من إقامتها في دوامه،ففيه إسقاط للواجب بعد حصول سببه،و لأن التضيّق غير معلوم،فانّ الناس تابعون للإمام و وقت فعله غير معلوم.

و يكره السفر بعد الفجر قبل الزوال،لعدم حصول السبب الموجب، و اضافة الصلاة إلى الجمعة لا يقتضي كون اليوم بأسره سببا،و انّما كره لما فيه من منع نفسه من أفضل الفرضين.

تنبيهات:

الأول: لو كان السفر واجبا-كالحج و الغزو-أو مضطرا إليه فلا كراهة فيه.و الأقرب انتفاء التحريم أيضا لو كان بعد الزوال،إذا كان التخلف يؤدي إلى فوت الغرض أو صعوبة الالتحاق بالرفقة،أما لو:خاف الانقطاع عن الرفقة في غير السفر الواجب أو الضروري فإنّه ليس عذرا.

الثاني: لو خرج بعد الزوال فيما منع منه فهو عاص بسفره،فلا يترخّص حتى تفوت الجمعة،فيبتدئ سفره من موضع تحقق الفوات.1.

ص: 114


1- المغني 2:217،الشرح الكبير 2:161،المجموع 4:499،شرح السنّة 3: 129،عارضة الأحوذي 2:317.
2- المغني 1:415،المجموع 3:47،فتح العزيز 3:41.

الثالث: لو كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم إدراكها،ففي جواز السفر بعد الزوال و انتفاء كراهته قبله نظر،من إطلاق النهي و انه مخاطب بهذه الجمعة،و من حصول الغرض.

و يحتمل ان يقال:ان كانت الجمعة في محل الترخص لم يجز،لان فيه إسقاطا لوجوب الجمعة و حضوره فيما بعد تجديد للوجوب،إلاّ ان يقال:يتعيّن عليه الحضور و ان كان مسافرا،لأن إباحة سفره مشروط بفعل الجمعة.

و مثله لو كان بعيدا بفرسخين فما دون عن الجمعة،فخرج مسافرا في صوب الجمعة،فإنه يمكن أن يقال:يجب عليه الحضور عينا و ان صار في محل الترخص،لانّه لولاه لحرم عليه السفر.

و يلزم من هذين تخصيص قاعدة عدم الوجوب العيني على المسافر.

و يحتمل عدم كون هذا القدر محسوبا من المسافة لوجوب قطعه على كل تقدير،اما عينا كما في هذه الصورة،أو تخييرا كما في الصورة الاولى،و يجري مجرى الملك في أثناء المسافة.و يلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور و ان كانت قبل محل الترخص،كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان،ان أمكن هذا الغرض حاز.

الرابع: قال ابن الجنيد:لو نوى المسافر المقام خمسة أيام في البلد لزمه حضورها (1)،لانه يصير بحكم المقيم عنده.و هو في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام لما سأله عن المسافر يحدث نفسه بإقامة عشرة7.

ص: 115


1- مختلف الشيعة:107.

أيام،قال:«فليتم الصلاة».فقال له:بلغني انك قلت خمسا.قال:«قد قلت ذلك».فقال له أبو أيوب:أ يكون أقلّ من خمس؟قال:«لا» (1).

و هو معارض بصحيح زرارة عن الباقر عليه السّلام:«إذا دخلت أرضا، فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام،فأتمّ الصلاة» (2)،و في«إذا»معنى الشرط،و المشروط عدم عند عدم الشرط.

و حمل الشيخ الرواية الأولى على انّه من خصوصيات مكة و المدينة (3)و الفاضل على الاستحباب (4).و فيهما نظر:

اما الأول:فلأنه يجوز المقام فيهما،نوى المقام مطلقا أو لم ينو على الأصح-و هو مذهب الشيخ (5)فلا معنى للتقييد بالخمسة،فإن التزم الشيخ بتوقف التمام على مقام الخمسة-كما وقفه ابن بابويه على العشرة (6)-فهو مردود،و ان قال الشيخ:إذا أقام خمسة تأكد له التمام في الحرمين،فهو محتمل و لكن ظاهر الرواية انه يصير حتما،و لهذا منع من التمام لأقل من خمس.

و أما حمل الفاضل ذلك على الاستحباب،فإن أراد به استحباب إتمام الصلاة بمقام خمسة فلم يصر إليه أحد من الأصحاب،و ان أراد به استحباب حضور الجمعة بذلك فلا بأس به،إلاّ انّ الرواية ليس فيها تعرّض للجمعة،و انما صلاة الجمعة فرد من أفراد توابع الإقامة،فإن صحّ ان ذلك4.

ص: 116


1- الكافي 3:436 ح 3،التهذيب 3:210 ح 548،الاستبصار 1:238 ح 849.
2- الكافي 3:435 ح 1،التهذيب 3:210 ح 546،الاستبصار 1:237 ح 847.
3- التهذيب 3:220-ذيل الحديث 548.
4- مختلف الشيعة:107.
5- الخلاف 1:576-3302،النهاية:124.
6- الفقيه 1:283-ذيل الحديث 1284.

القدر محصل للإقامة وجبت الجمعة و إلاّ فلا.

و الأصح اعتبار العشرة،لأنّ الرواية به أصحّ سندا،و القائل به أكثر عددا،بل لا نعلم فيه خلافا لغير ابن الجنيد،و لو عدت المسألة من الإجماع لم يكن بعيدا.

الخامس: لو حضر المسافر موضع إقامة الجمعة،وجبت عليه و انعقدت به على أحد القولين،لصحتها منه فتنعقد به و تجب عليه، و الرواية الضعيفة عن غياث تضمنت ذلك (1)،و هو فتوى الشيخ في الخلاف (2)و تبعه ابن إدريس (3)و المحقق (4).

و منع في المبسوط من الوجوب و الانعقاد و ان جاز فعلها (5)،و الفائدة انّه لا يتم به العدد،و تبعه ابن حمزة (6)و الفاضل (7)،لأنه ليس من أهل فرض الجمعة فهو كالصبي،و لأنّ الجمعة إنما تنعقد بالمسافر تبعا لغيره، فكيف يكون متبوعا؟و لانّه لو جاز ذلك جاز انعقادها بجماعة المسافرين و ان لم يكن معهم حاضرون.

و أجيب بأن الفرق بينه و بين الصبي عدم التكليف،فإنّه لا يتصور في حق الصبي الوجوب بخلاف المسافر،و نمنع التبعية للحاضر،و الالتزام بانعقادها بجماعتهم،و الظاهر ان الاتفاق واقع على صحتها بها و اجزائها عن7.

ص: 117


1- التهذيب 3:21 ح 78،عن حفص بن غياث.
2- الخلاف 1:139 المسألة 21.
3- السرائر:64.
4- المعتبر 2:292.
5- المبسوط 1:143.
6- الوسيلة:103.
7- مختلف الشيعة:107.

الظهر.

السادس:الأفضل للمسافر حضور الجمعة، ليفوز بصفة الكمال.

أمّا المرأة فالأفضل لها ترك السعي إلى الجمعة،لما مرّ في رواية أبي همام (1).و لا فرق بين المسنّة و الشابة،لظاهر الخبر،و لعموم الأمر لهنّ بالستر.

الأمر الخامس:الحرية،

فلا تجب على العبد بإجماعنا،و هو قول أكثر العامة (2).

و أوجبها داود عليه مطلقا (3).و عن أحمد روايتان (4).و قال الحسن البصري و قتادة تجب على المخارج-و هو الذي يؤدي الضريبة-و على المكاتب (5).

لنا:ما سبق،و انعقاد الإجماع قبل هؤلاء و بعدهم.

و لا فرق بين أم الولد و غيرها،و لا بين المدبر و غيره،و كذا من تحرر بعضه.

و لو هاياه المولى فاتفقت في نوبته لم تجب،لبقاء الرق المانع، و استصحاب الواقع.

و أوجبه في المبسوط (6)-و هو وجه للشافعية (7)-لانقطاع سلطنة

ص: 118


1- تقدمت في ص 112 الهامش 2.
2- لاحظ:المجموع 4:485،حلية العلماء 2:223،المغني 2:194.روضة الطالبين 1:539.
3- لاحظ:المجموع 4:485،حلية العلماء 2:223،المغني 2:194.
4- لاحظ:المجموع 4:485،حلية العلماء 2:223،المغني 2:194.
5- لاحظ:المجموع 4:485،حلية العلماء 2:223،المغني 2:194.
6- المبسوط 1:145.
7- المجموع 4:485.

السيد عن استخدامه.و يلزم مثله في المكاتب و خصوصا المطلق،و هو بعيد،لأن مثله في شغل شاغل،إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلى الجدّ في الكسب لنصفه الحر،فإلزامه بالجمعة حرج عليه.

فرع:

لو قلنا بوجوبها على قول الشيخ،ففي انعقادها به الوجهان السالفان، و لا يكون للتشبث بالحرية أثر في الانعقاد.

و لو ألزمه المولى بالحضور،احتمل وجوبه لوجوب طاعته فيما ليس عبادة ففيها أولى،و عدمه لأنه لا يملك إيجاب عبادة عليه.

و لو حضر صحت منه،و في انعقادها به القولان المذكوران في المسافر و القائلان (1).

و احتج في المختلف على منع انعقادها به،بأنّ وجوبها عليه يستلزم أن لا ينفك التكليف عن وجه قبح؛لأن العبد لا يجب عليه الحضور و لا يجوز إلاّ بإذن مولاه،فلو اعتدّ بحضوره في تكميل العدد لم ينفك هذا التكليف من القبيح،و هو الحضور المستلزم للتصرف في مال الغير بغير اذنه ظاهرا (2).

و جوابه اعتباره في العدد من قبيل الواجب المشروط،فإنّه إن حضر ثمّ به العدد،و إلاّ سقط الوجوب إذا توقف الحضور عليه،كما في حق الأعمى و المريض و البعيد إجماعا،و كما يقوله الفاضل و غيره في7.

ص: 119


1- تقدم في ص 117،التنبيه الخامس.
2- مختلف الشيعة:107.

الجمعة حال الغيبة (1).

و احتج الشيخ في الخلاف بعموم الدليل الدال على اعتبار العدد في العبد و غيره (2)،و لا يخلو قوله فيه و في المسافر من قوة.

السادس:ارتفاع العمى،

فلا تجب على الأعمى عند الأصحاب (3)سواء كان قريبا عن المسجد أو لا،و سواء وجد قائدا أو لا،لما سلف،و لعموم:

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ (4) و هو حاصل في الجملة.

و أوجبه عليه الشافعي و احمد مع المكنة (5)لان عتاب بن مالك قال:

يا رسول اللّه اني رجل محجوب البصر،و ان السيول تحول بيني و بين المسجد،فهل لي من عذر؟فقال عليه السّلام:«أ تسمع النداء»فقال:نعم.فقال:

«ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء» (6).

و الجواب:الحمل على الاستحباب المؤكد.

و لا خلاف في سقوطها عنه لو لم يجد قائدا،أو وجده بأجرة غير مقدورة له،و لو قدر عليها وجبت عندهما (7)و هو ممنوع.و لو حضر

ص: 120


1- مختلف الشيعة:103،المقنعة:27،الانتصار:53،المراسم:77.
2- الخلاف 1:140 المسألة 21.
3- راجع:المقنعة:27،المبسوط 1:143،الوسيلة:103،المعتبر 2:290،شرائع الإسلام 1:96.
4- سورة النّور:61.
5- المجموع 4:486،المغني 2:195،فتح العزيز 4:607،الشّرح الكبير 2: 150.
6- مسند احمد بن حنبل 4:43،السنن الكبرى 3:58.علما أن كتب الرجال و الحديث قد اختلفت في ضبط الرجل فهو يرد تارة:عتاب،و اخرى:عتبان.انظر المصادر و الإصابة 2:452-5396،و الاستيعاب 3:159.
7- المجموع 4:486،فتح العزيز 4:607.

وجبت عليه و انعقدت به،لزوال الضرورة حينئذ.

السابع:ارتفاع العرج البالغ حد الإقعاد،

للآية (1)،و انتفاء الحرج.

و لو لم يبلغ حد الإقعاد و انتفت المشقة،وجب الحضور.و لو حصلت، فالظاهر السقوط إذا لم يتحمل مثلها عادة،و على هذا و على المقعد يحمل إطلاق الشيخ (2).

و لم يذكر المفيد-رحمه اللّه- (3)العرج و لا المرتضى في الجمل (4)و قال في المصباح:و قد روي ان العرج عذر (5)،و هو يشعر بتوقّفه.

الثامن:ارتفاع الشيخوخة البالغة حد العجز

أو المشقة الكثيرة، لا مطلق الشيخوخة.و عليه تحمل رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام:«فرض اللّه الجمعة»الخبر (6).

التاسع:ارتفاع المطر،

لقول الصادق عليه السّلام:«لا بأس ان تدع الجمعة في المطر» (7).و في معناه الوحل،و الحر الشديد،و البرد الشديد،إذا خاف الضرر معهما.و في معناه من عنده:مريض يخاف فوته بخروجه إلى الجمعة،أو تضرره به،و من له خبز يخاف احتراقه،و شبه ذلك.

قال المرتضى:و روي انّ من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور،و كذا من كان متشاغلا بجهاز ميت،أو تعليل والد،أو من يجري

ص: 121


1- الفتح:17.
2- المبسوط 1:143،النهاية:103.
3- ذكره المفيد في المقنعة:27،و راجع مفتاح الكرامة 3:106،140.
4- لاحظ:جمل العلم و العمل 3:41.
5- حكاه عنه المحقّق في المعتبر 2:290.
6- تقدم في ص 100 الهامش 3.
7- الفقيه 1:267 ح 1221،التهذيب 3:241 ح 645.

مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة (1).

و لا ريب في سقوطها عن المحبوس و الممنوع عنها.نعم،لو حبس بحق و هو قادر عليه،وجب عليه الخروج منه و السعي إليها،فيأثم بتركه.

العاشر:ارتفاع البعد عن محل الجمعة،

و اختلف في تقديره على أربعة أقوال:

الأول:ان يكون أزيد من فرسخين، و هو المشهور،لقول الصادق عليه السّلام:«تجب على من كان منها على فرسخين،فان زاد فليس عليه شيء»رواه محمد بن مسلم و حريز (2).

الثاني:ان قدر البعد فرسخان، فلا تجب على من بعد بهما،و هو قول الصدوق (3)و ابن حمزة (4)لما مرّ من خبر زرارة السابق (5).

و يعارضه خبره هذا (6).

و يجمع بينهما بان المراد بمن كان على رأس فرسخين ان يكون أزيد منهما،فإنه قد يفهم منه ذلك،و إلاّ لتناقض مع ان الراوي واحد.

الثالث: قول ابن أبي عقيل:انها تجب على كل من إذا غدا من اهله بعد ما صلّى الغداة أدرك الجمعة،لا على من لم يكن كذلك (7).

ص: 122


1- المعتبر 2:291.
2- المعتبر 2:291. و في:الكافي 3:419 ح 3،التهذيب 3:240 ح 641،الاستبصار 1:421 ح 1619،عن حريز عن ابن مسلم،و فيهما:«على رأس فرسخين».
3- الهداية:34.
4- الوسيلة:103.
5- تقدم في ص 100 الهامش 3.
6- التهذيب 3:240 ح 643.
7- مختلف الشيعة:116.

الرابع: انها تجب على من إذا راح منها وصل إلى منزله قبل خروج يومه (1).

و يشهد لهما صحيح زرارة عن الباقر عليه السّلام:«الجمعة واجبة على من إذا صلّى الغداة في أهله إدراك الجمعة،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام،كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل،و ذلك سنّة الى يوم القيامة» (2).

و الجواب حمل ذلك على الفرسخين.

تنبيه:

لو زاد البعد على فرسخين،و حصلت عنده الشرائط،تخيّر بين فعلها في بلده و بين السعي إلى الجمعة الأخرى،و لا يجوز الإخلال بهما.و لو لم تحصل عنده الشرائط سقط الوجوب.و لو بعد بفرسخين الى فرسخ،فان اجتمعت الشرائط عنده تخيّر و إلاّ وجب الحضور.و لو نقص عن فرسخ فالحضور ليس إلاّ.و كل هؤلاء في الحضور كالأعمى.

الشرط الرابع:الجماعة،

فلا يكفي العدد من دون ارتباط القدوة بينهم إجماعا،و لقول الباقر عليه السّلام:«في جماعة» (3)فتجب نيّة القدوة.

و في وجوب نيّة الإمامة للإمامة هنا نظر،من وجوب نية كل واجب، و من حصول الإمامة إذا اقتدى به،و الأقرب الأول.

ص: 123


1- قاله ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة:116.
2- التهذيب 3:238 ح 631،الاستبصار 1:421 ح 1621.
3- الكافي 3:419 ح 6،الفقيه 1:266 ح 1217،أمالي الصدوق:319، التهذيب 3:21 ح 77.

فروع:

الأول: لو كان الإمام عبدا و لم نقل بالانعقاد به،اشترط كمال العدد بغيره،و كذا المسافر،لان جمعتهما صحيحة فيصح الاقتداء فيها.

اما الصبي فيجيء على قول الشيخ بجواز الاقتداء به الصحة (1).

و الأجود المنع،لارتفاع القلم عنه،و نقصه و نقص صلاته إذ لا يسقط بها فرض عن نفسه،بخلاف العبد و المسافر.

اما لو كان الامام متنفلا-كمسافر صلّى الظهر-ففي جوازه نظر،من نقص صلاته فهو كالصبي،و من صحة اقتداء المفترض بالمتنفل.و لو كان مفترضا إلاّ ان الفرض غير الجمعة-كالصبح،و الظهر لمسافر شرع فيها قبل كمال الشرائط-فوجهان مرتبان،و اولى بالجواز،لان صلاته فرض لا نقص فيها.

الثاني: لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر،من مخالفته لما عليه السلف،و من انفصال كل عن الأخرى،و لأن غاية الخطبتين ان تكونا كركعتين و يجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة.

و ذهب الراوندي-رحمه اللّه-في أحكام القرآن إلى الأول (2)،و لعلّه الأقرب إلاّ لضرورة.

الثالث: لو عرض للإمام حدث أو غيره ممّا يخرج من الصلاة،صحّ استخلافه عندنا.و لا يشترط ان يكون الخليفة ممن سمع الخطبة،و ان كان ذلك أفضل.و في اشتراط استئناف نيّة القدوة وجه،لتغاير الإمامين.5.

ص: 124


1- الخلاف 1:123 المسألة 17،المبسوط 1:154.
2- فقه القرآن 1:135.

و يحتمل المنع،لان خليفته قائم مقامه.

و لو لم يستخلف الامام قدّموا من يتمّ بهم،سواء كان في الركعة الأولى أو الثانية،و ليس لهم الانفراد لو كان في الثانية مهما أمكن الائتمام.

الرابع: لو بان انّ الامام محدث،فان كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب انّه لا جمعة لهم،لانتقاء الشرط،و ان كان العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا،لما يأتي ان شاء اللّه في باب الجماعة.

و ربما افترق الحكم هنا و هناك،لأنّ الجماعة شرط في الجمعة و لم يحصل في نفس الأمر،بخلاف باقي الصلوات،فإن القدوة إذا فاتت فيها يكون قد صلّى منفردا،و صلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة.

اما لو ظهر فسق الامام فهو أسهل،لأن صلاته صحيحة في نفسها بخلاف المحدث.

و وجه المساواة ارتباط صلاة كل منهم بالإمام،فإذا لم يكن أهلا فلا ارتباط فلا جمعة؛و لا نسلم انّ صلاته هنا صحيحة،لفقد شرط الصحة.

مسائل:

الأولى: يدرك المأموم الجمعة بإدراك الركوع إجماعا،و بإدراكه في الركوع على الأصح،سواء أدى واجب الذكر أم لا،لرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1)و غيرها (2).7.

ص: 125


1- الكافي 3:427 ح 1،الفقيه 1:270 ح 1233،التهذيب 3:243 ح 656، ،الاستبصار 1:421 ح 1621.
2- راجع:الفقيه 1:270 ح 1232،التهذيب 3:243 ح 657.

و شرط الشيخ في النهاية إدراك تكبيرة الركوع (1)لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام:«لا يعتد بالركعة التي لم يشهد تكبيرتها مع الامام» (2).

و جوابه:الرواية هناك أشهر،و القول به أظهر،و تحمل هذه الرواية على الأفضلية.

فرع:

لو شك هل كان الامام راكعا أو رافعا لم يعتدّ بها،عملا بالاحتياط، و اشتغال الذمة باليقين فلا تزول بدونه.فان كان قد بقي ركعة أخرى و إلاّ صلّى ظهرا.

الثانية: لو ركع مع الإمام في الاولى و زوحم عن السجود،فليس له السجود على ظهر غيره،فإن أمكن السجود بعد قيام الصفوف و اللحاق في الركوع الثاني وجب و أجزأ.

و ان لم يمكن حتى ركع ثانيا فليس له الركوع معه،فإذا سجد سجد معه و نوى بهما للركعة الاولى،ثم أتمّ صلاته بعد التسليم و أجزأته إجماعا.

و ان نوى بهما الثانية أو لم ينو شيئا ففي رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ان لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية،و عليه ان يسجد سجدتين و ينوي أنهما للركعة الاولى،و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها» (3).8.

ص: 126


1- النهاية:105.
2- التهذيب 3:43 ح 150،الاستبصار 1:435 ح 1677.
3- الكافي 3:429 ح 9،الفقيه 1:270 ح 1235،التهذيب 3:21 ح 78.

و عليها الشيخ في المبسوط و الخلاف،قال:و قد روي بطلان الصلاة (1).

و المرتضى في المصباح قائل بالصحة (2).

و في النهاية:تبطل الصلاة،لعدم نية أنهما للأولى (3)نظرا إلى زيادة السجود المبطلة على ما مر.

و ابن إدريس:إنما تبطل إذا نوى أنهما للثانية،لا بترك نيّة أنهما للأولى (4).و ردّه الفاضل بأن أفعال المأموم تابعه لإمامه،فالإطلاق ينصرف إلى ما نواه الامام و قد نوى للأولى،فينصرف فعل المأموم إليه (5).

و في المعتبر لم يعرض لاشتراط نية أنهما للأولى،بل أطلق البطلان متى زاد السجدتين،أخذا بالأخبار الدالة على ذلك،و استضعافا للرواية المشار إليها (6)فإن حفصا عامي تولّى القضاء من قبل الرشيد بشرقي بغداد ثم بالكوفة (7).

قلت:ليس ببعيد العمل بهذه الرواية،لاشتهارها بين الأصحاب و عدم وجود ما ينافيها،و زيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل امامه،و هذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة.و اما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار،على انّ الشيخ قال في الفهرست:ان8.

ص: 127


1- المبسوط 1:145،الخلاف 1:137 المسألة 9.
2- المعتبر 2:299،مختلف الشيعة:109.
3- النهاية:107.
4- السرائر:65.
5- مختلف الشيعة:109.
6- المعتبر 2:299.
7- رجال النجاشي:134،الرقم 346،تهذيب التهذيب(لابن حجر)2:358.

كتاب حفص يعتمد عليه (1).

فروع:

الأول: لو لم يمكنه السجود في الثانية فاتت الجمعة على قول (2)و هل يتمّها ظهرا أو يستأنف؟ وجهان مبنيان على انّ الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة مستقلة.فعلى الأول يتمّها ظهرا بغير نيّة العدول.و على الثاني هل هي مخالفة للظهر في الحقيقة أولا؟فعلى الأول يستأنف،و على الثاني يعدل بها إليها،و هو أقوى.

الثاني: لو زوحم عن سجود الاولى فقضاه قبل الركوع الثاني،ثم ركع مع الامام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الامام للتشهد،تبع الامام فيه و تمت الجمعة.

الثالث: لو زوحم عن الركوع في الأولى حتى سجد الإمام،فإن تمكن من الركوع و السجود بعد ذلك قبل ركوع الإمام للثانية أجزأ،ثم ركع مع الإمام في الثانية.و عليه دلت رواية عبد الرحمن بن الحجاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).

و لو لحقه بعد رفعه من الثانية فالأقرب الاجتزاء،لأنه أدرك ركعة مع الامام حكما و ان لم يكن فعلا،و الرواية تشمله.و وجه المنع انّه لم يلحق ركوعا مع الامام.

الرابع: لو أدرك ركوع الثانية،فزوحم عن سجودها حتى تشهد0.

ص: 128


1- الفهرست:61 الرقم 242،باب حفص.
2- قواعد الأحكام 1:38.
3- الفقيه 1:270 ح 1234 عن أبي الحسن(عليه السّلام)،التهذيب 3:248 ح 680.

الامام،سجد و تبعه في التشهد،و قوّى الفاضل إدراك الجمعة (1).اما لو استمر الزحام حتى سلم الإمام فهي كالفرع الأول.

المسألة الثالثة:لا يشترط في الصحة إدراك المأموم الخطبة،

لأن حقيقة الصلاة هي الركعتان،و عليه أكثر العامة (2).و قد روي عن الصادق عليه السّلام:«من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة يصلّي ركعتين» (3).

الشرط الخامس:وحدة الجمعة،
اشارة

فلا يجوز اقامة جمعتين بينهما أقل من فرسخ بإجماع الأصحاب،و قول الباقر عليه السّلام:«لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال» (4).و لا فرق بين ان تكونا في مصر أو مصرين، و لا بين ان يكون بينهما نهر عظيم كدجلة أو لا.

فان صلّي جمعتان فهنا صور:

الاولى:ان تسبق إحداهما و تعلم،

فتصح و تعيد اللاحقة الظهر إذا كان الإمامان مأذونا لهما في الصلاة.

و لو اختص أحدهما بالإذن،فالظاهر اختصاصه بالانعقاد و ان تأخّر، لأنّ تعينه يقتضي إيجاب الحضور معه على الجميع،فاشتغالهم بالصلاة قبله منهي عنه فيكون فاسدا.نعم،لو لم تشعر بنصبه أو بوجوده الفرقة الاولى، و جوزناها مع تعذّر الامام للآحاد،فالحكم بصحة الاولى.

و لا فرق بين قصبة البلد و أقصاه عندنا.

الصورة الثانية:ان يعلم اقترانهما،

فتبطلان إذا كانا مأذونين،لامتناع

ص: 129


1- تذكرة الفقهاء 1:149.
2- المجموع 4:558،المغني(لابن قدامة)2:158،الشّرح الكبير 2:177.
3- الكافي 3:427 ح 1،التهذيب 3:160 ح 343،243 ح 656،الاستبصار 1: 421 ح 1622.
4- التهذيب 3:23 ح 80.

صحتهما معا،و لا أولوية في أحدهما.ثم ان كان الوقت باقيا صلّوا الجمعة و إلاّ فالظهر.

الثالثة:

علم السابق عينا ثم نسي.

الرابعة:علم السبق في الجملة و لم تتعيّن السابقة.

و فيه قولان:

أحدهما:قول الشيخ:انهم يصلون جمعة مع السعة (1)لأنّه مع الحكم بوجوب الإعادة كأن المصر لم تصل فيه جمعة،و لأن الصحة مشروطة بعلم السبق و هو مفقود فانتفت الصحة.

و الثاني:قول الفاضل:انهم يصلون الظهر،لأنا قاطعون بجمعة صحيحة،فكيف تعاد (2)؟ و لبعض العامّة وجه بالصحة فيهما،لان كل واحدة منهما عقدت على الصحة،فلا يفسدها الشك الطارئ (3).و يضعف بفقد شرط الصحة إذ هو علم السبق،و هو معدوم بالنظر إلى عين كل واحد منهما.

الصورة الخامسة:ان يشتبه السبق و الاقتران.

و فيه أيضا قولان:

أحدهما:قول الشيخ رحمه اللّه و هو وجوب إعادة الجمعة عليهما مع السعة (4)لأن الجمعة متيقنة في الذمة و لم يعلم الخروج عن عهدتها،إذ من الصور الممكنة اقترانهما.

و القول الثاني للفاضل:انهم يجمعون بين إعادة الجمعة و الظهر، أخذا بمجامع الاحتياط،لأنه ان كان الواقع الاقتران فالجمعة واجبة،و ان

ص: 130


1- المبسوط 1:149.
2- مختلف الشيعة:108.
3- المجموع 4:589،المغني 2:191،الشرح الكبير 2:192.
4- المبسوط 1:149.

كان السبق فالظهر واجبة،و حينئذ يجتمعون على جمعة أو يتباعدون بفرسخ (1).

و الأقرب قول الشيخ،لان اجتماع الفرضين خلاف الأصل،و الأمر بالجمعة قائم حتى يعلم الفعل.

و المعتبر بتقدم التكبير لا التسليم،لأنها إذا سبقت انعقدت،فتبطل الطارئة عليها.

و لو أخبر بعد عقده من عدلين بسبق اخرى سعى إليها،و ان علم عدم الإدراك صلّى الظهر.

الشرط السادس:الوقت،
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:أوله زوال الشمس يوم الجمعة.

و قال المرتضى:يجوز أن يصلّي عند قيام الشمس (2).

و جوز ابن حنبل فعلها قبل زوال الشمس،فقدّره بعض الحنابلة بوقت صلاة العيد،و بعضهم بالساعة السادسة،لأن أبا بكر كان يخطب و يصلي قبل نصف النهار (3).

لنا:ما رواه انس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة إذا زالت الشمس (4).و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة

ص: 131


1- تذكرة الفقهاء 1:150.
2- حكاه عنه الطوسي في الخلاف 1:142 المسألة 36،و ابن إدريس في السرائر: 64.
3- المغني 2:209-211. و فعل أبي بكر في:المصنّف لعبد الرزاق 3:175 ح 5210،المصنف لابن أبي شيبة 2:107،سنن الدار قطني 2:17.
4- مسند الطيالسي:285 ح 2139،مسند احمد 3:150،صحيح البخاري 2: ،سنن أبي داود 1:284 ح 1084،الجامع الصحيح 2:377 ح 503،السنن الكبرى 3:190.

حين تزول الشمس قدر شراك،و يخطب في الظل الأول» (1).و فعل الصحابي لا يعارض فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

الثانية:آخره إذا صار الظل مثله،عند الشيخ (2)و الفاضلين (3).و لم نقف لهم على حجة إلاّ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي دائما في هذا الوقت، و لا دلالة فيه،لأنّ الوقت الذي كان يصلى فيه ينقص عن هذا القدر غالبا، و لم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص.نعم،لو قيل باختصاص الظهر بذلك القدر-كما هو مذهب العامّة (4)-توجه توقيت الجمعة به،لأنها بدل منها.

و قال أبو الصلاح:يخرج وقتها بأن يمضي من الزوال ما يسمع الأذان و الخطبتين و الصلاة،فيصلي الظهر حينئذ (5).

و قال الجعفي:وقتها ساعة من النهار،لما روي عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال:«وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة» (6)و لإجماع المسلمين على المبادرة بها كما تزول الشمس،و هو دليل التضيق.و روى زرارة عن الباقر عليه السّلام:«إن صلاة الجمعة من الأمر المضيق،إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس،و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر4.

ص: 132


1- التهذيب 3:12 ح 42.
2- المبسوط 1:147.
3- المعتبر 2:287،تذكرة الفقهاء 1:143.
4- المجموع 3:21،المغني 1:412،الشرح الكبير 1:461.
5- الكافي في الفقه:153.
6- مصباح المتهجد:324.

الأيام» (1).

و قال ابن إدريس:يمتد وقتها بامتداد الظهر (2)،لتحقق البدلية، و لأصالة البقاء و تحمل الروايات على الأفضليّة.

الثالثة:لو خرج الوقت و هو متلبس بها،

أتمّها جمعة إذا أدرك ركعة في الوقت،سواء كان إماما أو مأموما.

و اعتبر بعض الأصحاب إدراك تكبيرة الإحرام (3).

و الأول أنسب بأصولنا،لأنّا لا نكتفي بالتكبير في غير هذه الصلاة بخلاف العامة،مع إنّ بعضهم يقول:ببطلان الجمعة بخروج الوقت و يصلي ظهرا (4)و بعضهم:ببطلانها من رأس،بناء على إنّ بقاء الوقت شرط في صحة الجمعة (5)و يدفعه عموم وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (6)و«من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» (7).

الرابعة:إذا تحقق فوات الجمعة صلّيت الظهر،

و لا تكون قضاء للجمعة،لعدم السماوات في العدد.

ص: 133


1- التهذيب 3:13 ح 46.
2- انظر:السرائر:66،و الحدائق 10:134،و مفتاح الكرامة 3:50،و كشف اللثام 4:198.
3- كالعلاّمة في تذكرة الفقهاء 1:143،و نهاية الإحكام 2:11.
4- المغني 2:163،حليّة العلماء 2:232،فتح العزيز 4:488.
5- قاله أبو حنيفة،انظر:حلية العلماء 2:232،المغني 2:164،اللباب 1: 110.
6- سورة محمّد:33.
7- التهذيب 2:38 ح 119،120 و 262 ح 1044،الاستبصار 1:275 ح 999، و لكن كلها في صلاة الغداة.صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:424 ح 608،609،سنن الترمذي 1:353 ح 186،سنن النسائي 1:257،سنن الدارمي 1:278،و هي في صلاة الصبح و العصر.

و من عبّر من الأصحاب بأنها تقضى ظهرا (1)أراد به معناه اللغوي، و هو:الإتيان،كما في قوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ (2)و أراد بالمأتي به وظيفة الوقت،فإن الوظيفة بالأصالة الجمعة،و عند تعذّرها تصير الوظيفة الظهر.

الخامسة:لا يشترط في صحة صلاة المؤتم إدراك الخطبتين إذا كان

قد خطب الامام للعدد،

و ان لم يحضر سواهم،لرواية الحلبي عن الصادق عليه السّلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة:«يصلي ركعتين» (3).

نعم،يكون المأموم مخطئا لو فرط في إدراك الخطبة،لوجوب الحضور عندها،و خصوصا على جعلها بدلا من الركعتين.

الشرط السابع:الخطبتان،و فيه مسائل:
الأولى:أجمع الأصحاب على انّ الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة،

و عليه العامة إلاّ الحسن البصري فإنّه نفي اشتراطهما (4)و إلاّ فريقا من العامة فإنهم اكتفوا بالواحدة (5)لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى مصعب بن عمير:

«ان اجمع من قبلك،و ذكرهم باللّه،و ازدلف اليه بركعتين» (6)،و ان عثمان

ص: 134


1- راجع:المبسوط 1:145.
2- سورة البقرة:200.
3- الكافي 3:427 ح 1،التهذيب 3:160 ح 343،243 ح 656،الاستبصار 1: 421 ح 1622.
4- المجموع 4:514،حلية العلماء 2:234،المغني 2:150.الشرح الكبير 2: 181.
5- المجموع 4:514،المغني 2:151،الشرح الكبير 2:181،المبسوط للسرخسي 2:30،بدائع الصنائع 1:262.
6- الدار المنثور 6:218 عن الدار قطني و أورده المحقق في المعتبر 2:283 و العلاّمة في التذكرة 1:150.

في أول ولايته لما ارتج عليه اكتفى بالواحدة القصيرة (1).

و جوابه:معارضة بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (2)و هو أدلّ من القول.و التذكير باللّه لا تصريح فيه بأنّه مرة أو أكثر.و فعل عثمان ليس حجة،و بعض العامة يقول:هذا رخصة لتعذّر الخطبة.

الثانية:يجب فيهما القيام إلاّ مع العذر،

تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله (3)و الخلفاء بعده (4).و روى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام:إنّ ابتداع الجلوس في الخطبتين من معاوية،لوجع كان بركبتيه (5).

و يجب الجلوس بينهما جلسة لا كلام فيها،ليفصل بينهما،للتأسي، و رواية معاوية أيضا عن الصادق عليه السّلام (6).

الثالثة:تجب فيهما الطهارة من الحدث على الأصح،

للتأسي،و يقين البراءة،و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام:«و إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين،فهي صلاة حتى ينزل الامام» (7)و الاتحاد محال،فالمراد المماثلة في الشرائط و الاحكام إلاّ ما وقع الإجماع عليه.

ص: 135


1- المبسوط للسرخسي 2:30-31،بدائع الصنائع 1:262 و أورده أيضا المحقق في المعتبر 2:283.
2- راجع البخاري 2:14،سنن الكبرى 3:198.
3- صحيح البخاري 2:12،صحيح مسلم 2:589 ح 861،ابن ماجة 1:351 ح 1106،الدارمي 1:366،السنن الكبرى 3:197،198 أبو داود 1:286 ح 1093.
4- صحيح البخاري 2:12،صحيح مسلم 2:589 ح 861،و راجع:المغني 2: 150،الشرح الكبير 2:185.
5- التهذيب 3:20 ح 74.
6- التهذيب 3:20 ح 74.
7- التهذيب 3:12 ح 42.

و قال الحليون (1)الثلاثة:لا تشترط الطهارة (2)للأصل،و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله للطهارة لا يدل على الوجوب،فإنّه كان يحافظ على المندوبات كمحافظته على الواجبات،و لانّه قد تقرر في الأصول انّه لا يجب التأسي فيما لم يعلم وجهه.

و الجواب الأصل يصار إلى خلافه للدليل،و الرواية الصحيحة ناهضة به،و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله مبيّن بقول الصادق عليه السّلام (3).

الرابعة:الأولى إيقاعهما بعد الزوال،

لقوله عليه السّلام:«فهي صلاة» (4).

و لان معه يقين البراءة.و روى محمد بن مسلم في حديث مضمر المسئول ظاهره انه الإمام:«يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب» (5)و هو قول معظم الأصحاب (6).

و قال الشيخ:يجوز قبل الزوال (7)و نقل فيه الإجماع (8)و اختاره في

ص: 136


1- في س:الحلبيون،و كذا فيما نقله العاملي في مفتاح الكرامة 3:119 عن الشهيد،و عقبه بقوله و لعله فهمهه من عدم تعرضهم لذلك.انظر الكافي لأبي الصلاح الحلبي:151،إشارة السبق لابن أبي المجد الحلبي:123،غنية النزوع لابن زهرة الحلبي:498. و الذي يؤيد ما أثبتناه في المتن(الحليون)باقي النسخ،اضافة إلى مصادرهم المذكورة في الهامش الآتي و هي كما ترى للحلّيون الثلاثة المصرح فيها باشتراط الخطبة بالطهارة.
2- ابن إدريس في السرائر:63،و المحقق في المعتبر 2:285،و العلامة في مختلف الشيعة:103.
3- راجع الهامش 8،المتقدم.
4- راجع الهامش 8،المتقدم.
5- الكافي 3:424 ح 7،التهذيب 3:241 ح 648.
6- راجع:السرائر:64،الكافي في الفقيه:151،مختلف الشيعة:104.
7- المبسوط 1:151،النهاية:105.
8- الخلاف 1:142 المسألة 36.

المعتبر (1).

و روى العامة عن أنس:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلي إذا مالت الشمس (2)،و ظاهره ان الخطبة وقعت قبل ميلها.

و روى الأصحاب بسند صحيح إلى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك،و يخطب في الظل الأول،و يقول جبرئيل:يا محمد قد زالت فانزل فصل» (3).

و هذه الرواية قوية إسنادا و متنا.و تأويلها بأن المراد ب«الظل الأول» هو:الفيء الزائد على ظل المقياس،فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل الأول-و هو:أن يصير ظل كل شيء مثله-صلّى الظهر-كما أوّله الفاضل (4)-بعيد،لانه خلاف الظاهر من وجهين:أحدهما:انّ الظل لغة ما قبل الزوال،و الأصل عدم النقل،و تقييده ب«بالأول»رفع للتجوز به عن الفيء.

و الثاني:ان زوال الشمس حقيقة شرعية في مثلها عند منتصف النهار،و التقييد ب«قدر الشراك»قرينة له أيضا.

على ان التأويل يلزم منه ظاهرا إيقاع الجمعة بعد خروج وقتها عند صاحب التأويل.

الخامسة:يجب في الخطبة حمد اللّه تعالى بصيغة(الحمد للّه)

،

ص: 137


1- المعتبر 2:287.
2- تقدم في ص 131 الهامش 4.
3- التهذيب 3:12 ح 42.
4- مختلف الشيعة:104.

و الصلاة على النبي و آله صلى اللّه عليهم،و الوعظ،و قراءة ما تيسر من القرآن.

و أوجب الشيخ في أحد قوليه سورة (1)لما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2)و هو بصيغة«ينبغي»و ليس فيه تصريح بالوجوب.

و قال ابن الجنيد و المرتضى:ليكن في الأخيرة قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ الآية (3)و أورده البزنطي في جامعة (4)و رواه ابن يعقوب عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (5).

و أبو الصلاح-رحمه اللّه-لم يذكر القراءة في الخطبتين،و لا يدل على فتواه بعدم الوجوب.

و يجب الترتيب بين أجزاء الخطبة-أعني:الحمد و ما بعده-و إيقاعها بالعربية،كل ذلك للتأسي.

و ظاهر كلام المرتضى وجوب الاستغفار للمؤمنين فيها،و انه يجب التلفظ بالشهادة بالرسالة في الاولى،و الصلاة على النبي في الثانية (6).

فرع:

لو لم يفهم العدد العربية،احتمل قويا جوازه بالعجمية التي يفهمونها،تحصيلا للغرض.4.

ص: 138


1- المبسوط 1:147.
2- الكافي 3:421 ح 1،التهذيب 3:243 ح 655.
3- المعتبر 2:288،مختلف الشيعة:105 و الآية في سورة النحل:90.
4- المعتبر 2:288.
5- الكافي 3:422 ح 6.
6- المعتبر 2:284.
السادسة:يستحب في الخطيب أمور:
أحدها:استقبال الناس في خطبته،

عملا بالمأثور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)و السلف و روى السكوني عن الصادق عليه السلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كل واعظ قبلة» (2).

و ثانيها:أن يسلّم على الناس أول ما يصعد على المنبر،

و به أفتى المرتضى (3)لما روي عن عمرو بن جميع يرفعه عن علي عليه السلام،أنّه قال:

«من السّند إذا صعد الامام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس» (4)و عليه عمل الناس.

و قال في الخلاف:لا يستحب التسليم (5)و كأنّه لم يثبت عنده سند الحديث.

و ثالثها:الاعتماد على قوس أو سيف أو قضيب،

تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنه روي أنه كان يخطب و في يده قضيب (6).و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام:«و يتوكأ على قوس أو عصى» (7).

و رابعها:التعمم،

شتاء كان أو قيظا،و الارتداء ببرد يمنيّ أو عدني،

ص: 139


1- سنن ابن ماجة 1:360،السنن الكبرى 3:198،سنن الترمذي 2:383 ح 509،و فيها:الناس يستقبلون الامام بوجوههم،و راجع المغني 2:152، المهذب 1:119.
2- الكافي 3:424 ح 9.
3- المعتبر 2:288.
4- التهذيب 3:244 ح 662.
5- الخلاف 1:143 المسألة 40.
6- سنن ابن ماجة 1:352 ح 1107،سنن أبي داود 1:287 ح 1096،السنن الكبرى 3:206.
7- التهذيب 3:245 ح 664.

رواه سماعة عن الصادق عليه السّلام (1)،لأنه أنسب بالوقار،و للتأسي.و في رواية عمر بن يزيد:«ليلبس البرد و العمامة» (2).

و خامسها:القيام على مرتفع لذلك أيضا،

و رفع صوته بحيث يكثر الاسماع.و الأقرب وجوب إسماع العدد،للتأسي،و حصول الفائدة.

و سادسها:كونه بليغا،

بمعنى:جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد،و بين البلاغة و هي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه،مع الاحتراز عن الإيجاز المخل و التطويل الممل.

و سابعها:مواظبته على الصلوات في أول أوقاتها،

و اتصافه بما يأمر به،و انزجاره عما ينهى عنه،ليكون وعظه أبلغ في القلوب.

السابعة:الأقرب انّ حضور العدد شرط في صحة الخطبة،

كما هو شرط في صحة الصلاة.و لم أقف فيه على مخالف منّا،و عليه عمل الناس في سائر الأعصار و الأمصار،و خلاف أبي حنيفة هنا (3)مسبوق بالإجماع و ملحوق به،أعني:الإجماع الفعلي من المسلمين.

الثامنة:المشهور ان السامع يجب عليه الإنصات للخطبة،

و يحرم عليه الكلام،أفتى به الأكثر (4)،و حديث عبد اللّه بن سنان الصحيح يدل

ص: 140


1- الكافي 3:421 ح 1،التهذيب 3:243 ح 655.
2- راجع الهامش 5.
3- المغني 2:178،الشرح الكبير 2:183،المجموع 4:514.
4- منهم الشيخ في النهاية:105،و السيد المرتضى في المصباح على ما نقله المحقق في المعتبر 2:295 و ابن إدريس في السرائر 1:295 و به قال أكثر العامّة، فانظر المغني 2:165،و الشرح الكبير 2:215 و فتح العزيز 4:587 و بداية المجتهد 1:161.

عليه (1)تسوية بين المثلين في الاحكام.و في صحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام:«إذا خطب الامام يوم الجمعة،فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ الامام من خطبته،فإذا فرغ الامام من خطبته تكلم ما بينه و بين أن تقام الصلاة» (2).

و لان الشيخ نقل فيه الإجماع (3).

و قيل بالكراهية و استحباب الإنصات،و هو قول الشيخ في المبسوط (4)و موضع من الخلاف (5)لقضية الأصل.و يدفعه الدليل.

فروع:

الأول: لا تبطل الصلاة و لا الخطبة بالكلام و لو قلنا بتحريمه،لأنه أمر خارج عن الخطبة.

الثاني: الظاهر انّ تحريم الكلام مشترك بين الخطيب و السامعين-أو الكراهية-إلاّ لضرورة.

و قد روى العامة انّ رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الساعة و هو يخطب، فقال:«ما أعددت لها؟»فقال:حب اللّه و رسوله.فقال:«انك مع من أحببت» (6).و هذا إن صح دليل على الجواز للخطيب،و الظاهر انه يدلّ على السامع بطريق الأولى.1.

ص: 141


1- تقدم في ص 135 الهامش 8.
2- الكافي 3:421 ح 2،التهذيب 3:20 ح 71،73.
3- الخلاف 1:141 المسألة 29.
4- المبسوط 1:147.
5- الخلاف 1:144 المسألة 42.
6- السنن الكبرى 3:221.

و قد روى العامة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا قلت لصاحبك:أنصت،فقد لغوت» (1).

و سأل أبو الدرداء أبي بن كعب عن سورة تبارك متى أنزلت و النبي يخطب،فلم يجبه،ثم قال له:ليس لك من صلاتك إلاّ ما لغوت.فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك،فقال:«صدق أبيّ» (2).

الثالث: قال المرتضى رحمه اللّه:يحرم أيضا من الافعال ما لا يجوز مثله في الصلاة (3)،نظرا إلى الحديث السالف و انهما بدل من الركعتين (4).

الرابع: قيل الخلاف في التحريم و الكراهة إنّما هو في من يمكن في حقه السماع،أما من لا يمكن-كالبعيد و الأصم-فلا.و يجوز الكلام عند الضرورة،كتحذير أعمى من التردّي،و شبهه.

الخامس: الظاهر أنّ حالة الجلوس بين الخطبتين في تحريم الكلام كحال الخطبتين،لأنه في حكم الخطبة.و جوّزه الفاضل،لعدم سماع شيء يشغله عنه الكلام (5).

تنبيه:

روى الأصحاب عن الصادق عليه السّلام النهي عن الصلاة حال الخطبة (6)و هو8.

ص: 142


1- الموطأ 1:103،مسند ترتيب الشافعي 1:137 ح 403،المصنف لعبد الرزاق 3: 223 ح 5416،مسند أحمد 2:272،سنن الدارمي 1:364،صحيح البخاري 2:16، صحيح مسلم 2:583 ح 851،سنن أبي داود 1:290 ح 1112،سنن النسائي 3:104.
2- مسند أحمد 5:143،سنن ابن ماجة 1:352 ح 1111،السنن الكبرى 3:219.
3- المعتبر 2:295.
4- تقدّم في ص 135 الهامش 1.
5- تذكرة الفقهاء 1:152.
6- الكافي 3:424 ح 7،التهذيب 3:241 ح 648.

يتناول صلاة التحية و غيرها.و للعامة فيها قولان (1)و بهما روايتان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (2).

التاسعة:ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الامام على المنبر

و الامام جالس،

لقول الباقر عليه السّلام فيما رواه عبد اللّه بن ميمون:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون» (3).

و به أفتى ابن الجنيد و ابن أبي عقيل (4)و الأكثر (5).

و قال أبو الصلاح رحمه اللّه إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان،فإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب (6).

و رواه محمد بن مسلم قال:سألته عن الجمعة،فقال:«أذان و إقامة، يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر» (7).

و يتفرع على الخلاف ان الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما هو؟ و ابن إدريس يقول:الأذان المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافا إلى

ص: 143


1- المجموع 4:551،المغني 2:165،حلية العلماء 2:229.
2- رواية الجواز في:صحيح البخاري 2:15،صحيح مسلم 2:569 ح 875،سنن أبي داود 1:291 ح 1115،1116،السنن الكبرى 3:194.و رواية النهي في:مسند أحمد 5:75،سنن أبي داود 1:290 ح 1110.
3- التهذيب 3:244 ح 663.
4- حكاه عنهما العلاّمة في مختلف الشيعة:105.
5- راجع السرائر 64،الوسيلة:104،مختلف الشيعة:105.
6- الكافي في الفقه:151.
7- التهذيب 3:244 ح 663.

الأذان الأول الذي عند الزوال (1).

و الشيخ في المبسوط أطلق كراهة الثاني،و روي انّه من فعل عثمان، و قال عطاء:هو من فعل معاوية (2).

و سماه بعض الأصحاب ثالثا بالنظر الى الإقامة (3).و روى حفص بن غياث،عن جعفر عليه السّلام،عن أبيه،قال:«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (4).

قال في المعتبر:حفص ضعيف،و الأذان ذكر يتضمّن التعظيم،لكن من حيث لم يفعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و لم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة (5).

قلت:لا حاجة الى الطعن في السند،مع قبول الرواية التأويل و تلقّي الأصحاب لها بالقبول،بل الحق ان لفظ البدعة ليس تصريحا في التحريم، فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم تجدّد بعده،و هو ينقسم إلى:محرم و مكروه،و قد بيّنا ذلك في القواعد (6).4.

ص: 144


1- السرائر:64.
2- المبسوط 1:149. و راجع:السنن الكبرى 3:192،سنن ابن ماجة 1:359 ح 1135،سنن الترمذي 2:392 ح 516،سنن أبي داود 1:285 ح 1087.
3- نقله ابن إدريس في:السرائر:64 و المحقق في المعتبر 2:296.
4- التهذيب 3:19 ح 67.
5- المعتبر 2:296.
6- القواعد و الفوائد 2:144.
المطلب الثاني:في الآداب.
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى استحباب قراءة الجمعة و المنافقين فيها،و الجهر و القنوت

و التنفل بعشرين ركعة و الغسل و حلق الرأس..]

قد سبق استحباب الجمعة و المنافقين فيها،و الجهر، و القنوت،و التنفل بعشرين ركعة.

و يستحب التأهب لها بالغسل-لما سبق-و حلق الرأس،و قلم الأظفار،و جزّ الشارب،و التطيّب،و لبس أفضل الثياب و لتكن بيضاء، و السعي بالسكينة و الوقار،تأسيا،و لقول الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ هو:«في العيدين و الجمعة» (1).

و قال عليه السّلام:«ليتزين أحدكم يوم الجمعة (2)و يتطيّب،و يسرّح لحيته، و يلبس أنظف ثيابه،و ليتهيأ للجمعة،و تكون عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار (3).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أحب الثياب إلى اللّه تعالى البيض،يلبسها أحياؤكم،و يكفّن فيها موتاكم» (4).

و يتأكد التجمّل في حق الامام،و الزيادة فيه عن غيره.

الثانية استحباب الدعاء امام توجهه بقوله«اللهم من تهيأ و تعبأ»

إلى آخره و المباكرة إلى المسجد]

يستحب الدعاء امام توجهه بقوله:«اللهم من تهيأ و تعبأ»إلى

ص: 145


1- الكافي 3:424 ح 8،التهذيب 3:241 ح 647. و الآية في سورة الأعراف:31.
2- في المصادر زيادة:«يغتسل».
3- الكافي 3:417 ح 1،الفقيه 1:64 ح 244،التهذيب 3:10 ح 32.
4- مسند احمد 1:328،سنن أبي داود 4:8 ح 3878،الجامع الصحيح 3:320 ح 994،السنن الكبرى 3:403.

آخره،رواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر عليه السّلام (1).

و المباكرة إلى المسجد،فعن الباقر عليه السّلام:إنه كان يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قيد رمح،فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك (2).

و روى عبد اللّه بن سنان،قال:قال الصادق عليه السّلام:«إنّ الجنان لتزخرف و تزين يوم الجمعة لمن أتاها،و إنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة» (3).

و روى العامة-في الصحيح-عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،أنّه قال:«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة،و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة،و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة،فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» (4).و هذا حجّة على مالك حيث أنكر استحباب السعي قبل النداء (5).

و روى الكليني بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام:تجلس الملائكة يوم الجمعة على باب المسجد،فيكتبون الناس على منازلهم الأول3.

ص: 146


1- التهذيب 3:142 ح 316.
2- الكافي 3:429 ح 8،التهذيب 3:244 ح 660.
3- الكافي 3:415 ح 9،التهذيب 3:3 ح 6.
4- الموطأ 1:101،ترتيب مسند الشافعي 1:131 ح 389،صحيح البخاري 2: 3،صحيح مسلم 2:582 ح 850،سنن أبي داود 1:96 ح 351،الجامع الصحيح 2:372 ح 499.
5- المنتقى(للباجي)1:183،التفريع(لابن الجلاب)1:231،المغني 2: 147،الشرح الكبير 2:203.

و الثاني حتى يخرج الامام (1).و قريب منه رواه العامة (2).

الثالثة إذا صعد الخطيب على المنبر يستحب له الجلوس قبل الخطبة

بقدر قراءة سورة الإخلاص.و تحري ساعة الإجابة في يوم الجمعة للدعاء]

يستحب للخطيب الجلوس إذا صعد على المنبر قبل الخطبة بقدر قراءة قل هو اللّه أحد رواه محمد بن مسلم (3).و ليكن ذلك بعد سلامه على الناس لما مرّ،و يجب عليهم الردّ كفاية.

و يستحب تحرّي ساعة الإجابة في يوم الجمعة للدعاء.روى معاوية ابن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:ان الساعة التي يستجاب فيها الدعاء إذا خرج الامام.فقال له:انّ الامام يعجّل و يؤخّر.فقال عليه السّلام:«إذا زاغت الشمس» (4).

و في الصحاح عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ذكر يوم الجمعة فقال:«فيه ساعة،لا يوافقها عبد مسلم،و هو يصلي يسأل اللّه شيئا،إلاّ أعطاه إيّاه» (5).و في رواية أخرى:«لا يسئل اللّه فيها خيرا إلاّ أعطاه»و لم يذكر الصلاة (6).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«هي ما بين ان يجلس الإمام الى أن يقضي الصلاة» (7).

ص: 147


1- الكافي 3:413 ح 2،الفقيه 1:274 ح 1258.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:257 ح 5562،مسند احمد 2:280،سنن ابن ماجة 1:347 ح 1092،سنن النسائي 3:98،مسند أبي يعلى 11:19 ح 6158.
3- التهذيب 3:241 ح 648.
4- الكافي 3:416 ح 12،التهذيب 3:4 ح 8.
5- الموطأ 1:108،المصنف لعبد الرزاق 3:260 ح 5571،مسند أحمد 2: 230،صحيح البخاري 2:16،صحيح مسلم 2:583 ح 852،سنن ابن ماجة 1:360 ح 1137،سنن النسائي 3:116.
6- المصنف لعبد الرزاق 3:260 ح 5572،صحيح مسلم 2:584 ح 853،سنن النسائي 3:115.
7- صحيح مسلم 2:584 ح 853،سنن أبي داود 1:276 ح 1049.

و قال الشيخ في الخلاف:هي ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى ان يستوي الناس في الصفوف (1)و هو مروي أيضا عن الصادق عليه السّلام في الصحيح (2)قال عليه السّلام:«و ساعة أخرى من آخر النهار الى غروب الشمس» (3).

و روي انّه إذا غاب من الشمس نصفها،و ان فاطمة عليها السّلام كانت تتحرّى ذلك (4).

الرابعة استحباب تحري المأثور في الخطبة من الألفاظ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله

و في نهج البلاغة و تقصيرها]

يستحب تحري المأثور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في الخطبة من الألفاظ،و في نهج البلاغة أي بلاغ.

و يستحب تقصير الخطبة،لما روي في الصحاح انّ عمارا خطب فأوجز و أبلغ،فلما نزل قلنا:يا أبا اليقظان قد أبلغت و أوجزت!فلو كنت تنفست.فقال:إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ان طول صلاة الرجل و قصر خطبته مئنة من فقهه،فأطيلوا الصلاة و أقصروا الخطبة» (5).

قلت:المئنة-بفتح الميم و كسر الهمزة و تشديد النون-معناها:

المخلقة،و المجدرة،و العلامة.

الخامسة كراهة تخطي رقاب الناس قبل خروج الامام و بعده لغيره

يكره لغير الامام ان يتخطّى رقاب الناس قبل خروج الامام و بعده،و سواء كان له موضع معتاد أم لا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن تخطّى

ص: 148


1- الخلاف 1:141،المسألة 31.
2- الكافي 3:414 ح 4،التهذيب 3:235 ح 619.
3- الكافي 3:414 ح 4،التهذيب 3:235 ح 619.
4- معاني الأخبار:399.
5- مسند أحمد 4:263،سنن الدارمي 1:365،صحيح مسلم 2:594 ح 869، مسند أبي يعلى 3:206 ح 1642،المستدرك على الصحيحين 3:393،السنن الكبرى 3:208.

رقاب الناس:«آذيت و أنيت» (1)أي:أبطأت.

السادسة استحباب زيادة العمل الصالح في يوم الجمعة و الصدقة

يستحب زيادة العمل الصالح في يوم الجمعة و الصدقة، خصوصا الإكثار من الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم يوم الجمعة.

روى عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر،في أيديهم أقلام الذهب و قراطيس الفضة، لا يكتبون إلى ليلة السبت إلاّ الصلاة على محمد و آل محمّد صلّى اللّه عليهم، فأكثر منها.يا عمر:انّ من السّند ان تصلي على محمد و أهل بيته في كل ليلة جمعة ألف مرة،و في سائر الأيام مائة مرة» (2).

و روى القداح عن الصادق عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أكثروا من الصلاة عليّ في الليلة الغراء و اليوم الأزهر ليلة الجمعة و يوم الجمعة».

فسئل إلى كم الكثير.فقال:«إلى مائة،و ما زاد فهو أفضل» (3).و روى المفضل عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«ما من شيء يعبد اللّه به يوم الجمعة أحبّ إليّ من الصلاة على محمد و آل محمد» (4).

و يستحب ان يتحرّى الخارج من المنزل لخروج الشتاء،و الداخل إليه بدخوله،ليلة الجمعة.رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستحبّه (5).

ص: 149


1- المصنف لعبد الرزاق 3:240 ح 5498،مسند احمد 4:188،سنن ابن ماجة 1:354 ح 1115،سنن أبي داود 1:292 ح 1118،سنن النسائي 3:103، المستدرك على الصحيحين 1:288.
2- الكافي 3:416 ح 13،التهذيب 3:4 ح 9.
3- الكافي 3:428 ح 2.
4- الكافي 3:429 ح 3.
5- الكافي 3:413 ح 3.
السابعة استحباب قراءة سورة الرحمن في دبر الغداة من يوم

الجمعة و التوحيد بعد الفجر مائة مرة،و الاستغفار..]

يستحب ان يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة سورة الرحمن جل جلاله.ثم يقول كلّما قال فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ :«لا بشيء من آلائك رب أكذّب»،رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).

و قراءة الكهف ليلة الجمعة،فإنها كفّارة لما بين الجمعتين،رواه محمد بن أبي حمزة عنه عليه السّلام (2).و روي من قرأها يوم الجمعة بعد الظهر أو العصر مثل ذلك (3).

و يستحب قراءة التوحيد بعد الفجر مائة مرة،و الاستغفار مائة مرة، و قراءة سورة النساء و هود و الكهف و الصافات،و زيارة النبي و الأئمة عليهم السّلام، و تتأكد زيارة الحسين عليه السّلام.

و يكره فيه إنشاد الشعر،و الحجامة.

و يستحب أن يقول عقيب العصر يوم الجمعة ما رواه ناجية،قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«إذا صليت العصر يوم الجمعة فقل:اللهم صلّ على محمد و آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلوات،و بارك عليهم بأفضل بركاتك،و عليهم السلام و على أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته.

فانّ من قاله في دبر العصر كتب اللّه له مائة ألف حسنة،و محي عنه مائة ألف سيئة،و قضى له مائة ألف حاجة،و رفع له بها مائة ألف درجة» (4).

و روى ابان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ان للجمعة حقا و حرمة،فإياك أن تضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة اللّه،و التقرب إليه بالعمل الصالح،

ص: 150


1- الكافي 3:429 ح 6،التهذيب 3:8 ح 25.
2- الكافي 3:429 ح 7،المقنعة 1:157،التهذيب 3:8 ح 26.
3- الكافي 3:429 ح 7.
4- أمالي الصدوق:326،ثواب الاعمال:59،التهذيب 3:19 ح 68.

و ترك المحارم كلها،فان اللّه يضاعف فيه الحسنات،و يمحو فيه السيئات، و يرفع فيه الدرجات».قال:و ذكر ان يومه مثل ليلته،«فان استطعت ان تحييها بالصلاة و الدعاء فافعل» (1).

و روى جابر عن الباقر عليه السّلام:«من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل هذا البيت كتب (2)له براءة من النار،و براءة من العذاب.و من مات ليلة الجمعة أعتق من النار» (3).5.

ص: 151


1- الكافي 3:414 ح 6،التهذيب 3:3 ح 3،مصباح المتهجد:248.
2- في جميع المصادر زيادة:«اللّه».
3- الكافي 3:415 ح 8،المقنعة:25،الفقيه 1:83 ح 376،التهذيب 3:3 ح 5.

ص: 152

المطلب الثالث:في الأحكام.
اشارة

و فيه مسائل

:

الأولى:يحرم البيع بعد الأذان للجمعة.

و قال الشيخ في الخلاف:

يحرم إذا جلس على المنبر بعد الأذان،و يكره بعد الزوال قبل الأذان (1).

لقوله تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (2)أوجب تركه فيكون فعله حراما.

فروع:

الأول:لو فعل البيع هل ينعقد؟ فيه قولان:

أحدهما:-و هو الأقوى-انعقاده،و نقله الشيخ عن بعض الأصحاب (3)و به قال المتأخرون (4).

و الثاني:البطلان،و به قال الشيخ (5).

و مبنى المسألة على انّ النهي في غير العبادة هل هو مفسد أم لا؟و قد تقرر في الأصول انّه غير مفسد.

الثاني: لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي،كان سائغا بالنظر اليه،حراما بالنظر الى من يجب عليه السعي.

و قال الشيخ:و يكره للأول،لأنه اعانة على فعل محرم (6).

ص: 153


1- الخلاف 1:145 المسألة 48.
2- سورة الجمعة:9.
3- المبسوط 1:150.
4- راجع:المعتبر 2:297،شرائع الإسلام 1:98،مختلف الشيعة:108.
5- المبسوط 1:150،الخلاف 1:145 المسألة 50.
6- المبسوط 1:150.

قال الفاضل:التعليل يقتضي التحريم،لقوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ ثم قوى التحريم عليه أيضا (1)و هو قوي.

الثالث: قال في المعتبر:لا يحرم غير البيع من العقود،اقتصارا على موضع النص (2)و القياس عندنا باطل.و توقّف فيه الفاضل (3).

و لو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة-الذي هو معناه الأصلي- كان مستفادا من الآية تحريم غيره.و يمكن تعليل التحريم بأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه،و لا ريب انّ السعي مأمور به،فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه من بيع و غيره،و هذا أولى.و على هذا تحريم غير العقود من الشواغل عن السعي.

الثانية:ليس من شرط الجمعة المصر

على الأظهر في الفتاوى، و الأشهر في الروايات حيث أطلقت.

و في رواية طلحة بن زيد،عن الصادق عليه السّلام،عن أبيه،عن علي عليه السّلام،قال:«لا جمعة إلاّ في مصر تقام فيه الحدود» (4).

و روى حفص بن غياث،عن الصادق عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام:«ليس على أهل القرى جمعة،و لا خروج في العيدين» (5).

و طلحة زيدي بتري،و حفص عامي.

و قال ابن أبي عقيل:صلاة الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع

ص: 154


1- تذكرة الفقهاء 1:156. و الآية في سورة المائدة:2.
2- المعتبر 2:297.
3- تذكرة الفقهاء 1:156.
4- التهذيب 3:239 ح 639،الاستبصار 1:420 ح 1617.
5- التهذيب 3:248 ح 679،الاستبصار 1:420 ح 1618.

الإمام في المصر الذي هو فيه،و حضورها مع أمرائه في الأمصار و القرى النائية عنه (1).

و في المبسوط:لا تجب على البادية و الأكراد،لأنه لا دليل عليه،ثم قال:لو قلنا انها تجب عليهم إذا حضر العدد،لكان قويا (2).

و الظاهر انه يشترط فيهم الاستيطان أو حكمه،لعدم اجتماع الجمعة مع السفر.

الثالثة:من سبق الى مكان من المسجد فهو أحقّ به.

و ان استبق اثنان و لا يمكن الجمع أقرع بينهما،و كذا لو زادوا على الاثنين و لا يسع الجميع.

و لو فارق موضعه لحاجة،فإن كان مصلاّه باقيا فهو أولى به ما لم يطل المكث،و ان لم يكن باقيا فلا أولوية،لزوالها بزواله،قاله الفاضلان (3).

و أطلق في المبسوط انه أولى (4)لمسيس الحاجة إلى القيام،و ليس ببعيد عند دعاء الحاجة،كتجديد طهارة،و إزالة نجاسة،و شبههما من الضرورات.

الرابعة:يجوز إقامة الجمعة خارج المصر،

لصدق الامتثال،و ان كان إقامتها فيه و في مسجده أفضل.نعم،يشترط ان لا يبلغ المسافة بحيث يلزم الخارجين القصر،لعدم انعقاد الجمعة حينئذ،إلاّ ان يتفق خروجهم بغير قصد المسافة،أو يكونوا ممن لا قصر عليهم.

ص: 155


1- مختلف الشيعة:108.
2- المبسوط 1:144.
3- شرائع الإسلام 3:277،مختلف الشيعة:108.
4- المبسوط 1:147.
الخامسة:من سقطت الجمعة عنه يستحب ان يصلي الظهر في

المسجد الأعظم،

لما مر من فضيلة المساجد.و لو صلاها ثم حضر الجمعة لم تجب إذا كان من أهل وجوب الظهر.فالصبي لو صلاها ثم بلغ وجبت، لعدم سقوط الواجب بغيره،و لانه لو صلّى الظهر ثم بلغ بعدها وجبت إعادتها عندنا.

و لا يجب على من سقطت عنه تأخير الظهر إلى خروج الجمعة،بل لا يستحب،لأنّ المبادرة إلى أول الوقت أفضل ما لم يحصل معارض، و لا معارض هنا.

السادسة:لو لم يكن الامام مرضيا،استحب تقديم الظهر على صلاة

الجمعة معه،

و ان صلّى معه ركعتين و أتمهما بعد تسليمه جاز،لما روي انّ الصادق عليه السّلام قال:«في كتاب علي عليه السّلام:إذا صلوا الجمعة في وقت فصل معهم،و لا تقومنّ من مقامك حتى تصلي ركعتين أخريين» (1).

و روي:انّ الباقر عليه السّلام كان يصلي في منزله ثم يحضر الجمعة (2).

ص: 156


1- التهذيب 3:28 ح 96.
2- التهذيب 3:246 ح 671.
الفصل الثاني
اشارة

في صلاة العيدين

و فيه ثلاث مطالب:

المطلب الأول:في وجوبها و شرائطها.
اشارة

و هي واجبة-

بإجماعنا-و فرض.

و أنكر بعض العامة فرضها و وافق على وجوبها (1)بناء على تمحل الفرق بين الواجب و الفرض.

و منهم من ذهب إلى انها فرض كفاية (2).

و آخرون ذهبوا إلى أنها سنة (3).

لنا:قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (4)قال بعض المفسرين:

هي صلاة العيد،و نحر البدن للأضحية (5).و قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (6)قال كثير منهم:هي زكاة الفطر و صلاة العيد (7).و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام داوموا عليها،و قال صلّى اللّه عليه و آله:«صلّوا

ص: 157


1- قاله أبو حنيفة،راجع:المغني 2:223،بدائع الصنائع 1:274،الشرح الكبير 2:223،فتح العزيز 5:4-5.
2- قاله الإصطخري،راجع:المجموع 5:2،حلية العلماء 2:253.
3- قاله الشافعي و مالك،راجع:المجموع 5:2،3،فتح العزيز 5:3-4،المغني 2:224، الشرح الكبير 2:223.
4- سورة الكوثر:2.
5- مجمع البيان 10:549.
6- سورة الأعلى:14-15.
7- مجمع البيان 10:476،تفسير القمي 2:417؛الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 20:21.

كما رأيتموني أصلّي» (1).و روينا عن الصادق عليه السّلام بطرق كثيرة انه قال:

«صلاة العيد فريضة» (2).

فإن قلت:فقد روى زرارة عنه عليه السّلام انه قال:«صلاة العيدين مع الإمام سنّة» (3).

قلت:المراد انها ثابتة بالسنّة،قاله الشيخ في التهذيب (4).

فان قلت:فقد ذكرت ان الكتاب دال عليها.

قلت:ليست دلالة قطعية بل ظاهرة،و بالسنّة:فعلا و قولا علم القطع.

و لو امتنع قوم من فعلها قوتلوا عليها،كما يقاتلون على بقية الصلوات الواجبة:نعم،لا يكفر مستحل تركها،لتحقق الخلاف من العامّة.

و شروطها شروط الجمعة السالفة،لأن فعلها من النبي صلّى اللّه عليه و آله كان على تلك الشرائط.

و روى زرارة عن أحدهما عليهما السّلام،انه قال:«إنما صلاة العيدين على المقيم،و لا صلاة إلاّ بإمام» (5).

نعم،فرّق ابن أبي عقيل-رحمه اللّه-في العدد بين العيدين و الجمعة،2.

ص: 158


1- مسند احمد 5:53،سنن الدارمي 1:286،صحيح البخاري 1:162، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:85 ح 1656،سنن الدار قطني 1:273، السنن الكبرى 3:120.
2- راجع:الفقيه 1:320 ح 1457،التهذيب 3:127 ح 269،270،الاستبصار 1:443 ح 1710،1711.
3- التهذيب 3:129 ح 277.
4- التهذيب 3:129 ح 277.
5- التهذيب 3:287 ح 862.

فذهب الى ان العيدين يشترط فيه سبعة،و اكتفى في الجمعة بالخمسة.

و الظاهر انه رواه،لانه قال:لو كان الى القياس[سبيل]لكانا جميعا سواء، و لكنه تعبّد من الخالق سبحانه (1)،و لم نقف على روايته،فالاعتماد على المشهور المعتضد بعموم أدلة الوجوب.

و تفارق الجمعة عند الأصحاب بأنّها مع عدم الشرائط تصلّى سنّة، جماعة-و هو أفضل-و فرادى.و كذلك يصلّيها من لم تجب عليه من المسافر و العبد و المرأة ندبا و ان أقيم في البلد فرضها مع الامام.

و قال السيد المرتضى-قدس اللّه روحه-:تصلّى عند فقد الامام، و اختلال بعض الشرائط،فرادى (2).

و قال أبو الصلاح بقبح الجمع فيها مع اختلال الشرائط (3).و صرّح الأكثر بأنها تصلّى جماعة.

و قال الشيخ محمد بن إدريس:من قال:تصلّى على الانفراد،أراد به من الشرائط لا صلاتها منفردة (4).

و قال الشيخ قطب الدين الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين،و لكن جمهور الإمامية يصلونها جماعة و عملهم حجّة (5).و نص عليه الشيخ في الحائريات (6).ا.

ص: 159


1- مختلف الشيعة:111.و بين المعقوفين منه.
2- الناصريات:239،المسألة 111،جمل العلم و العمل 3:44.
3- الكافي في الفقه:154.
4- السرائر:70.
5- مختلف الشيعة:113.
6- لم نعثر عليه في الحائريات المطبوع ضمن الرسائل العشر للشيخ الطوسي،نعم نسب إليه ذلك في مفتاح الكرامة 3:195.هذا و لعله من جملة المفقود منها.

و قد روى عمار عن الصادق عليه السّلام،قلت له:إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت،قال:«لا يؤمّ بهنّ و لا يخرجن» (1)و ربما يفهم منه نفي الجماعة فيها،و كذا في رواية سماعة عنه عليه السّلام قال:

«لا صلاة في العيدين إلاّ مع الإمام،فإن صليت وحدك فلا بأس» (2)و قد يجاب عن رواية عمار بنفي تأكيد الجماعة بالنساء،و عن الثانية ان المراد انها إذا كانت فريضة لا تكون إلاّ مع إمام،كما قاله في التهذيب (3).

و قد روى عبد اللّه بن المغيرة،قال:حدثني بعض أصحابنا،قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الفطر و الأضحى،فقال:«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة» (4)و ظاهر هذا عموم الجماعة.

ثم هنا مسائل:

الأولى:يستحب لمن كان له عذر عن الخروج مع الامام ان يصليها

في بيته.

فروى منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ان أباه مرض يوم الأضحى فصلّى في بيته ركعتين ثم ضحّى» (5).

و روى عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام،قال:«من لم يشهد جماعة الناس

ص: 160


1- التهذيب 3:289 ح 872.
2- الفقيه 1:320 ح 1459،ثواب الاعمال:103،التهذيب 3:135 ح 293، ،الاستبصار 1:445 ح 1719.
3- التهذيب 3:135.
4- الفقيه 1:320 ح 1461،التهذيب 3:135 ح 294،الاستبصار 1:446 ح 1724.
5- الفقيه 1:320 ح 1462،التهذيب 3:136 ح 300،الاستبصار 1:445 ح 1718.

في العيدين،فليغتسل و ليتطيب بما وجد و ليصلّ وحده كما يصلي في الجماعة» (1).

الثانية قول الشيخ في خروج العجائز و من لا هيئة لهنّ من النساء

و ذوات الهيئات منهن و الجمال في صلاة الأعياد]

قال الشيخ:لا بأس بخروج العجائز و من لا هيئة لهنّ من النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة،و لا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهنّ و الجمال (2).و في هذا الكلام أمران:

أحدهما:انّ ظاهره عدم الوجوب عليهن،و لعله لما رواه ابن أبي عمير-في الصحيح-عن جماعة منهم:حماد بن عثمان و هشام بن سالم، عن الصادق عليه السّلام،انّه قال:«لا بأس بأن تخرج النساء بالعيدين للتعرض للرزق»،إلاّ أنه لم يخص فيه العجائز:و قد روى عبد اللّه بن سنان قال:«انما رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرض للرزق (3).و العواتق:الجواري حين يدركن.

لكنّه معارض بما رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه بإسناده الى علي عليه السّلام،انه قال:«لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين،فهو عليهنّ واجب»،و لأن الأدلة عامة للنساء.

الأمر الثاني:ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات و الجمال.

و الحديث دالّ على جوازه للتعرض للرزق،اللهم إلاّ أن يريد به المحصنات أو المملكات،كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال:و تخرج إليها النساء

ص: 161


1- الفقيه 1:320 ح 1463،التهذيب 3:136 ح 297،الاستبصار 1:444 ح 1716.
2- المبسوط 1:171.
3- التهذيب 3:287 ح 858.

العوائق و العجائز (1)و نقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا.

الثالثة حكم ما لو فاتت هذه الصلاة بخروج وقتها

لو فاتت هذه الصلاة بخروج وقتها،ففي قضائها خلاف.

فقال الشيخ في التهذيب:من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب القضاء، و يجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين،و إن شاء أربعا،من غير ان يقصد بها القضاء (2).

و قال أبو الصلاح:إذا فاتت لم يجز قضاؤها واجبة و لا مسنونة (3).

و قال ابن إدريس:يستحب قضاؤها (4).

و قال ابن حمزة:إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلاّ إذا وصل الى الخطبة و جلس مستمعا (5)لها.

و قال ابن الجنيد:من فاتته و لحق الخطبتين صلاها أربعا كالجمعة (6).

و قال أيضا:تصلّى مع الشرائط ركعتين،و مع اختلالها أربعا (7).و كذا قال علي بن بابويه (8).

و في صحيح زرارة:«من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد، فلا صلاة له،و لا قضاء عليه» (9)و يؤيده ما تقرر في الأصول ان الإخلال لا يستتبع القضاء في المؤقت.

ص: 162


1- مختلف الشيعة:115.
2- التهذيب 3:134.
3- الكافي في الفقه:155.
4- السرائر:70.
5- الوسيلة:111.
6- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:114.
7- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:114.
8- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:114.
9- الكافي 3:459 ح 1،التهذيب 3:128 ح 273،الاستبصار 1:444 ح 1714.

و حديث عبد اللّه بن المغيرة (1)قد يلوح منه القضاء،لإطلاق الأمر.

و روى أبو البختري عن الصادق عليه السّلام قال:«من فاته العيد فليصل أربعا» (2).

و ربما يحتج بعموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» (3).

و المشهور عدم القضاء بالكلية.

تنبيه:

قال ابن الجنيد:يصلّى أربعا مفصولات،يعني بتسليمتين (4).

و قال علي بن بابويه:يصليها بتسليمة (5).

و لم نقف على مأخذهما،إذ رواية الأربع (6)مع ضعف سندها مطلقة.

الرابعة:وقتها من طلوع الشمس الى الزوال.

و في المبسوط:إذا طلعت الشمس و انبسطت (7).

و قال ابن أبي عقيل:بعد طلوع الشمس (8).

و هما متقاربان،و يفهمان من رواية سماعة،قال:سألته عن الغدوّ الى المصلى في الفطر و الأضحى،فقال:«بعد طلوع الشمس» (9).

ص: 163


1- تقدم في ص 160 الهامش 4.
2- التهذيب 3:135 ح 295،الاستبصار 1:446 ح 1725.
3- عوالي اللئالي 3:107،المهذب البارع 1:460.
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:114.
5- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة:114.
6- راجع الهامش 2.
7- المبسوط 2:169.
8- المعتبر 2:310.
9- التهذيب 3:287 ح 859.

و في رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ليس في الفطر و لا الأضحى أذان و لا إقامة،أذانهما طلوع الشمس،فإذا طلعت خرجوا» (1).

الخامسة:وقت الخروج بعد طلوع الشمس،

لأنه أول الوقت، و لرواية سماعة و زرارة المذكورتين.و هو قول الشيخ (2)و ابن الجنيد (3).

و ظاهر المفيد انه يخرج قبل طلوعها،فإذا طلعت صبر هنيهة ثم صلى (4)،لعموم وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (5).

و عارض الفاضل بان التعقيب في الصبح في المساجد الى طلوع الشمس أولى (6).

و في قوله-رحمه اللّه-:في المساجد،إشارة إلى دفع سؤال هو:إنّ التعقيب ممكن في طريقه و جلوسه في مصلّى العيد،فيكون جامعا بين التكبير و التعقيب.فأجاب بان ذلك و ان كان ممكنا إلاّ ان فعله في المساجد أفضل، و قد تقدم ان الأفضل للمعقّب ملازمة مصلاّه الى فراغه،و ان تعقيب صلاة الصبح منتهاه مطلع الشمس.

السادسة حكم ما لو ثبتت الرؤية من الغد

لو ثبتت الرؤية من الغد،فإن كان قبل الزوال صلّيت العيد،و ان كان بعده سقطت إلاّ على القول بالقضاء.

و قال ابن الجنيد:ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا و غدوا إلى

ص: 164


1- الكافي 3:459 ح 1،التهذيب 3:129 ح 276.
2- الخلاف 1:157 المسألة 27.
3- مختلف الشيعة:113.
4- المقنعة:32.
5- سورة آل عمران:133.
6- مختلف الشيعة:114.

العيد (1)لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«فطركم يوم تفطرون،و أضحاكم يوم تضحون،و عرفتكم يوم تعرفون» (2).و روي:ان ركبا شهدوا عنده صلّى اللّه عليه و آله أنهم رأوا الهلال،فأمرهم أن يفطروا،و إذا أصبحوا أن يغدوا الى مصلاهم (3).و هذه الاخبار لم تثبت من طرقنا.

السابعة:يحرم السفر على المخاطب بها بعد طلوع الشمس،

لاستلزام الإخلال بالواجب.

و يكره بعد الفجر،لعدم تعيّن الوجوب حينئذ و لكن فيه تفويت الوجوب،و لرواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إذا أردت الشخوص في يوم عيد،فانفجر الصبح و أنت في البلد،فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد» (4)و لما لم يثبت الوجوب حمل النهي على الكراهة.

الثامنة:يستحب الإصحار بها إلاّ بمكة

-زادها اللّه شرفا-تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه كان يصليها خارج المدينة.فروى عن الصادق عليه السّلام معاوية بن عمار:«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء» (5).

و روى أيضا معاوية انه صلّى اللّه عليه و آله كان يخرج الى البقيع فيصلي بالناس (6).

ص: 165


1- مختلف الشيعة:144.
2- الام:230،السنن الكبرى 5:176.
3- سنن ابن ماجة 1:529 ح 1653،سنن أبي داود 1:300 ح 1157،سنن النسائي 3:180.
4- الفقيه 1:323 ح 1480،التهذيب 3:286 ح 853.
5- التهذيب 3:285 ح 849.
6- الكافي 3:460 ح 3،التهذيب 3:129 ح 278.

و قال:«لا تصلّين يومئذ على بساط و لا بارية» (1).

و في مرفوعة محمد بن يحيى إلى الصادق عليه السّلام:«السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا في أمصارهم في العيدين،إلاّ أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام» (2).

و قال ابن الجنيد:ذلك لحرمة البيت،و كذلك استحب لأهل المدينة، لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).و هو محجوج بما تقدم،و بما رواه محمد بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السّلام قال:«ركعتان من السنّة ليس تصليان في موضع إلاّ بالمدينة،يصلّي في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العيد قبل ان يخرج إلى المصلّي،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله» (4).

فرع:

لو كان هناك عذر من مطر أو وحل أو خوف،صلّيت في البلد، حذرا من المشقة الشديدة المنافية لليسر في التكليف.و روى هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الخروج يوم الفطر و الأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها» (5).

التاسعة على الإمام إخراج المحبوسين بالدّين يوم الجمعة و العيد

روى عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال:

«على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة و يوم العيد الى

ص: 166


1- راجع الهامش 5،المتقدم.
2- الكافي 3:461 ح 10،التهذيب 3:138 ح 307.
3- مختلف الشيعة:115.
4- الكافي 3:461 ح 11،الفقيه 1:322،ح 1475،التهذيب 3:183 ح 308.
5- الفقيه 1:321 ح 1464،التهذيب 3:288 ح 864،الاستبصار 1:445 ح 1721.و الجبّانة:الصحراء،مجمع البحرين-مادة جبن.

العيد و يرسل معهم،فإذا قضوا الصلاة ردّهم الى السجن» (1).و فيه تنبيه على ان المحبوس في غير الدّين كالدم لا يخرج،و لعله للتغليظ في الدماء، و على ان المحبوس لما هو أخفّ من الدّين يخرج،لانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.و ظاهره الوجوب،لأنّ لفظة«على»يشعر به.

العاشرة:يكره التنفل قبلها و بعدها الى الزوال،إلاّ بمسجد المدينة

فإنه يصلي ركعتين،للرواية السالفة (2).و روى زرارة عن الباقر عليه السّلام:ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة» (3)و المطلق يحمل على المقيد.

و أطلق ابن بابويه في المقنع كراهة التنفل (4)و كذا الشيخ في الخلاف (5)لظاهر هذا الحديث (6).

و الحق ابن الجنيد المسجد الحرام،و كل مكان شريف يجتاز به المصلّي،و انه لا يحب إخلاؤه من ركعتين قبل الصلاة و بعدها.قال و قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك في البدأة و الرجعة في مسجده» (7).و هذا كأنّه قياس و هو مردود.

و قال أبو الصلاح:لا يجوز التطوع و لا القضاء قبل صلاة العيد،و لا بعدها،حتى تزول الشمس (8).و كأنه أراد به قضاء النافلة،كما قال الشيخ

ص: 167


1- التهذيب 3:285 ح 852،و أوله:«ان على».
2- تقدمت ص 166 الهامش 4.
3- الكافي 3:459 ح 1،الفقيه 1:320 ح 1458،التهذيب 3:129 ح 276.
4- المقنع:46.
5- الخلاف 1:154 المسألة 16.
6- راجع الهامش 3.
7- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:114.
8- الكافي في الفقه:155.

في المبسوط (1)،إذ من المعلوم انه لا منع من قضاء الفريضة.

و الفاضلان جوّزا صلاة التحية إذا صليت في مسجد،لعموم الأمر بالتحية (2).

قلنا:الخصوص مقدّم على العموم.

و ابن زهرة و ابن حمزة قالا:لا يجوز التنفل قبلها و بعدها (3).

و يدل على كراهة قضاء النافلة ما رواه الصدوق و الشيخ-في الصحيح-عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا تقض و تر ليلتك-يعني في العيدين-ان كان فاتك شيء،حتى تصلي الزوال في ذلك اليوم» (4).

الحادية عشرة عدم الجواز للإمام أن يخلف من يصلي بضعفة الناس

مذهب الشيخ في الخلاف و مختار صاحب المعتبر:

أنّ الإمام لا يجوز له أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في البلد،لما روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام:

ألاّ تخلّف من يصلي العيدين الناس؟قال:لا أخالف السنّة» (5).

و نقل في الخلاف عن العامة:أنّ عليا عليه السّلام خلّف من يصلي

ص: 168


1- المبسوط 1:170.
2- المعتبر 2:324،تذكرة الفقهاء 1:162،نهاية الإحكام 2:58. و عموم الأمر في:معاني الأخبار:332 ح 1،الخصال:523 ح 13،أمالي الطوسي 2:152،صحيح البخاري 2:70،صحيح مسلم 1:495 ح 714،سنن ابن ماجة 1:323 ح 1012،1013،مسند أحمد 5:305.
3- الغنية:500،الوسيلة:111.
4- الفقيه 1:322 ح 1474 عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام،التهذيب 2:274 ح 1088 عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام،و ليس فيهما«شيء».
5- الخلاف 1:155 المسألة 18،المعتبر 2:327.و الرواية في:التهذيب 3: 127 ح 302.

بالضعفة (1)و أهل البيت أعرف.

الثانية عشرة استحباب مباشرة الأرض في صلاة العيد بلا حائل

قد روينا انه يستحب مباشرة الأرض في صلاة العيد بلا حائل (2).

و قد روى الفضيل عن الصادق عليه السّلام انّه أتي بخمرة يوم الفطر فأمر بردّها و قال:«هذا يوم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحب أن ينظر إلى آفاق السماء، و يضع جبهته على الأرض» (3).

و هما دليلان على استحباب مباشرة الأرض بجميع أعضاء المصلي، و ان كان في هذا الخبر تخصيص للجبهة لمكان شرفها.

الثالثة عشرة:يستحب أن يطعم قبل خروجه في الفطر،و بعد عوده

في الأضحى،

لوجوب الإفطار في يوم الفطر للفصل بينه و بين الصوم، فيستحب المبادرة إليه.

و روى جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اطعم يوم الفطر قبل أن تصلي،و لا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام» (4).

و روى العامة عن بريدة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنّه كان لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر،و لا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي (5).

و لأن الأكل من الأضحية مستحب،و هي لا تكون إلاّ بعد الصلاة.

و روى زرارة عن الباقر عليه السّلام قال:«لا تأكل يوم الأضحى إلاّ من ضحيتك ان

ص: 169


1- الخلاف 1:155 المسألة 18.و الرواية في السنن الكبرى 3:310.
2- الكافي 3:460 ح 3،التهذيب 3:129 ح 278.و راجع ص 703 الهامش 3.
3- الكافي 3:461 ح 7،التهذيب 3:284 ح 846،و فيهما:«أتي أبي».
4- الكافي 4:168 ح 2،الفقيه 2:113 ح 483،التهذيب 3:138 ح 310.
5- الجامع الصحيح 2:426 ح 542.

قويت،و ان لم تقو فمعذور» (1).

الرابعة عشرة استحباب الغسل و الدعاء و التطيّب لابسا أحسن ثيابه

قبل الخروج]

يستحب خروج المصلي بعد غسله و الدعاء متطيّبا لابسا أحسن ثيابه،متعمّما،شتاء كان أو قيظا،لما سبق في الجمعة.

و روى العامة عن الحسن عليه السّلام قال:«أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان نتطيب بأجود ما نجد في العيد» (2).

أما العجائز إذا خرجن فيتنظّفن بالماء و لا يتطيّبن،لما روي انه صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه،و ليخرجن تفلات» (3)أي:غير متطيبات،و هو بالتاء المثناة فوق و الفاء المكسورة.

و روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:يجهر الإمام بالقراءة،و يعتمّ شاتيا و قائظا،فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك (4).

و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«ما على أحدكم ان يكون له ثوبان،سوى ثوبي مهنته،لجمعته و عيده» (5).

الخامسة عشرة استحباب خروج الامام ماشيا حافيا بالسكينة و الوقار

يستحب خروج الامام ماشيا حافيا،بالسكينة في الأعضاء،و الوقار في النفس،لما روي:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يركب في عيد و لا جنازة (6).

ص: 170


1- الفقيه 1:321 ح 1469.
2- المستدرك على الصحيحين 4:230،مجمع الزوائد 4:20 عن الطبراني في الكبير.
3- سنن أبي داود 1:155 ح 565،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:316 ح 2208.
4- التهذيب 3:130 ح 282.
5- المغني 2:228.
6- الأم 1:233.

و ان عليا عليه السّلام قال:«من السنّة أن تأتي العيد ماشيا،و ترجع ماشيا» (1).

و لما خرج الرضا عليه السّلام لصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافيا (2)و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«من أغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما اللّه على النار» (3).

و يستحب ان يكون مشغولا بذكر اللّه تعالى في طريقه،كما نقل عن الرضا عليه السّلام،و تبعه المأمون في المشي و الحفاء و التواضع و الذكر (4).

السادسة عشرة هل لصلاة العيدين أذان؟

لا أذان لصلاة العيدين،بل يقول المؤذن:الصلاة، ثلاثا.و يجوز رفعها بإضمار خبر أو مبتدأ،و نصبها بإضمار احضروا أو ائتوا.

و قال ابن أبي عقيل:يقول:الصلاة جامعة (5).

و دلّ على الأول رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:قلت أ فيها أذان و اقامة؟قال:«لا،و لكن ينادي:الصلاة،ثلاث مرات» (6).

ص: 171


1- سنن الترمذي 2:410 ح 530،المصنف لابن أبي شيبة 2:163،سنن ابن ماجة 1:411 ح 1269،السنن الكبرى 3:281،بإسقاط«و ترجع ماشيا»في الجميع.
2- الكافي 1:408 ح 7،عيون اخبار الرضا 2:149،الإرشاد للمفيد 2:265.
3- مسند احمد 3:479،سنن الدارمي 2:202،صحيح البخاري 2:9،الجامع الصحيح 4:170 ح 1632،سنن النسائي 6:14.
4- الكافي 1:408 ح 7،عيون اخبار الرضا 2:149،الإرشاد للمفيد 2:265.
5- المعتبر 2:316.
6- الفقيه 1:322 ح 1473،التهذيب 3:390 ح 873،و فيهما«الصلاة»مكررة مرتين.

و قد سبق قول الصادق عليه السّلام:«أذانها طلوع الشمس» (1)و هو لا ينافي قول الصلاة ثلاثا،لجواز الجمع بينهما.

و قد روت العامّة أن جابرا-رضي اللّه عنه-قال:لا أذان يوم الفطر، و لا إقامة،و لا نداء،و لا شيء (2)و هو محمول على نفي الوجوب،أو نفي التأكيد في الاستحباب.

تنبيه:

ظاهر الأصحاب انّ هذا النداء ليعلم الناس بالخروج الى المصلّى، لانه اجري مجرى الأذان المعلم بالوقت.و سيأتي كلام أبي الصلاح رحمه اللّه (3).

السابعة عشرة:يستحب تأخّر صلاة عيد الفطر شيئا عن صلاة

الأضحى،

قاله الشيخ (4)لاستحباب الإفطار قبل خروجه هنالك،و لاشتغاله بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة،و ليتسع الزمان للتضحية بتقديم صلاة الأضحى.

الثامنة عشرة اعتبار وحدة صلاة العيدين

الظاهر ان الوحدة المعتبرة في الجمعة معتبرة هنا بطريق الاولى،و صرّح به أبو الصلاح (5)و ابن زهرة رحمهما اللّه (6)لان اجتماع الناس في موضع واحد في السنة مرتين يكون أكثر غالبا من الجمعات،

ص: 172


1- تقدم في ص 164 الهامش 1.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:277 ح 5627،صحيح مسلم 2:604 ح 886، السنن الكبرى 3:284.
3- سيأتي في ص 196 الهامش 2.
4- المبسوط 1:169.
5- الكافي في الفقه:154.
6- الغنية:500.

و ليتوفّر اجتماع القلوب في المكان الواحد،و لما رويناه عن علي عليه السّلام انه لم يخلف أحدا ليصلي بالضعفة (1)و لأنّه لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّي في زمانه عيدان في بلد،كما لم ينقل أنه صلّيت جمعتان،فلا وجه للتوقف في هذا.

نعم،لو لم تجتمع الشرائط،و صليت مستحبا جماعة،لم يمتنع التعدد.و كذا من كان له عذر عن الخروج يصليها في منزله و لو جماعة، و ان أقيمت فرضا مع الإمام.

التاسعة عشرة:المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب

الخطيتين فيها،

و صرّح به في المعتبر (2).

و أوجبهما ابن إدريس (3)و الفاضل (4).

و الروايات مطلقة،مثل:ما رواه إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ليس فيهما منبر،و لكن يصنع للإمام شيء شبه المنبر من طين،يقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل» (5).و في رواية معاوية:«و الخطبة بعد الصلاة» (6).و كذا في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).

و العمل بالواجب أحوط.نعم،ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف

ص: 173


1- تقدم في ص 168 الهامش 5.
2- المعتبر 2:324.
3- السرائر:70.
4- تذكرة الفقهاء 1:159،نهاية الإحكام 2:61.
5- الفقيه 1:322 ح 1473،التهذيب 3:290 ح 873.
6- الكافي 3:460 ح 3،التهذيب 3:129 ح 278.
7- التهذيب 3:130 ح 281،الاستبصار 1:448 ح 1735.

الجمعة.

و يستحب الخطبة بما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام فيه،و قد أوردها الصدوق رحمه اللّه في كتابه لعيد الفطر خطبة و للأضحى اخرى (1).

و محلهما بعد الصلاة إجماعا.

و في خبر معاوية:«إنّما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان» (2).و روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أو أبي جعفر عليه السّلام:«انّ عثمان لما أحدث أحداثه،كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس،فلما رأى ذلك قدم الخطبتين و احتبس الناس للصلاة» (3).

و قيل:إنّ بني أمية فعلوا ذلك (4)،و كذلك ابن الزبير (5)ثم انعقد الإجماع من المسلمين على كونهما بعد الصلاة.

و في صحاح العامة عن ابن عباس قال:شهدت صلاة الفطر مع نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبي بكر و عمر و عثمان و كلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب (6).

و عن جابر:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى قبل الخطبة (7).

و عن أبي سعيد الخدري:أنّ مروان جرّه إلى الخطبة قبل الصلاة،6.

ص: 174


1- الفقيه 1:325 ح 1486،328 ح 1487.
2- الكافي 3:460 ح 3،التهذيب 3:129 ح 278،و راجع المغني 2:239، الشرح الكبير 2:242.
3- التهذيب 3:287 ح 860.
4- المغني 2:239،الشرح الكبير 2:242.
5- المغني 2:239،الشرح الكبير 2:242.
6- صحيح البخاري 2:27،صحيح مسلم 2:602 ح 884،السنن الكبرى 3: 296.
7- صحيح البخاري 2:27،صحيح مسلم 2:603 ح 885،السنن أبي داود 1: 297 ح 1141،سنن النسائي 3:182،السنن الكبرى 3:296.

فجرّه أبو سعيد إلى الصلاة قبل الخطبة.فقال له مروان:قد ترك ما تعلم.

قال:كلا،و الذي نفسي بيده!لا تأتون بخير مما أعلم،ثلاث مرات (1).

و رووا أيضا أن مروان قدّم الخطبة،فقال له رجل:خالفت السنة!فقال:

ترك ذاك!فقال أبو سعيد الخدري:أما هذا فقد قضى ما عليه،سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من رأى منكم منكرا فلينكره بيده،فمن لم يستطع فلينكره بلسانه،فمن لم يستطع فلينكره بقلبه،و ذلك أضعف الايمان» (2).

المسألة الموفّية العشرين الخطبتان كخطبتي الجمعة غير ان الامام يذكر فيهما ما

يتعلق بهما]

الخطبتان هنا كخطبتي الجمعة في جميع ما تقدم،غير أن الإمام يذكر في خطبة الفطر ما يتعلق بالفطرة من الشرائط و القدر و الوقت،و في الأضحى ما يتعلق بالأضحية.

و لا يجب حضورهما و لا استماعهما إجماعا.و نقل هذا الإجماع أيضا الفاضل،مع انه قائل بوجوب الخطبتين (3).

الحادية و العشرون قول كثير من الأصحاب في استحباب الإفطار يوم الفطر على الحلواء

قال كثير من الأصحاب:يستحب الإفطار يوم الفطر على الحلواء (4)لما روي:أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا،أو أقل أو أكثر (5).

و لو أفطر على التربة الحسينية صلوات اللّه على مشرفها لعلّة به

ص: 175


1- المصنف لعبد الرزاق 3:284 ح 5648،صحيح البخاري 2:22،صحيح مسلم 2:605 ح 889،السنن الكبرى 3:297.
2- المصنف لعبد الرزاق 3:285 ح 5649،مسند أحمد 3:20،صحيح مسلم 1: 69 ح 78،سنن ابن ماجة 1:406 ح 1275،سنن أبي داود 1:296 ح 1140، السنن الكبرى 3:296.
3- تذكرة الفقهاء 1:159،نهاية الإحكام 2:61.
4- راجع:المبسوط 1:169،المهذب 1:121،المعتبر 2:317،تذكرة الفقهاء 1:160.
5- المستدرك على الصحيحين 1:294،السنن الكبرى 3:283.

فحسن،و إلاّ فالأقرب التحريم.و على الجواز لا يتجاوز قدر الحمّصة.

و الأفضل الإفطار على الحلاوة،و أفضلها السكر.و روي من تربة الحسين عليه السّلام (1).و الأول أظهر،لشذوذ الرواية،و تحريم الطين على الإطلاق،إلاّ ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء.

الثانية و العشرون يعمل منبر من طين شبيه منبر الجامع،و استحباب

الذهاب بطريق و العود بأخرى]

لا ينقل المنبر من الجامع إجماعا،بل يعمل شبهه من طين،لما سبق في الرواية (2).

و يستحب الذهاب بطريق و العود بأخرى،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله على ما رويناه (3)و رووه عنه صلّى اللّه عليه و آله (4)ليشهد له الطريقان،و يتساوى أهلهما في التبرك به،أو للصدقة على أهل الطريقين،أو ليسأله أهلهما عن الأمور الشرعية.

و قيل:انّه صلّى اللّه عليه و آله كان يسلك الطريق الأبعد في خروجه،ليكثر ثوابه بكثرة خطواته إلى الصلاة،و يرجع بالأقرب،لأنه أسهل إذ رجوعه الى المنزل (5).

الثالثة و العشرون:يكره الخروج بالسلاح،

لمنافاته الخضوع و الاستكانة.و لو خاف عدوا لم يكره،لما روي عن السكوني عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام انه قال:«نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يخرج السلاح في العيدين،إلاّ ان يكون عدوّ ظاهرا» (6).

ص: 176


1- الفقيه 2:113 ح 485.
2- تقدمت في ص 173 الهامش 5.
3- الكافي 5:314 ح 41،الفقيه 1:323 ح 1479.
4- سنن أبي داود 1:300 ح 1156،السنن الكبرى 3:309.
5- راجع:المجموع 5:56،المغني 2:243،تذكرة الفقهاء 1:162.
6- الكافي 3:460 ح 6،التهذيب 3:137 ح 305.
الرابعة و العشرون:يستحب إحياء ليلتي العيدين بالصلاة و الدعاء و الذكر،

لما روى الشيخ عن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام قال:

«كان يعجبه أن يفرغ نفسه أربع ليال من السنة،و هي:أول ليلة من رجب،و ليلة النصف من شعبان،و ليلة الفطر،و ليلة النحر» (1).و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» (2).و موت القلب الكفر في الدنيا،و الفزع في الآخرة،و اضافة الموت إلى القلب مبالغة،كقوله فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (3).

و قال بعض العامة:لم يرد في شيء من الفضائل مثل هذه الفضيلة،لأنّها تقتضي نزع الكفر و أهوال القيامة (4).

و قال الشافعي:بلغنا أنّ الدعاء مستجاب في خمس ليال:ليلة الجمعة، و العيدين،و أول رجب،و نصف شعبان (5).

فرع:

تحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل،تنزيلا لأكثر الشيء منزلته.و عن ابن عباس:الإحياء أن تصلّي العشاء في جماعة (6).

ص: 177


1- مصباح المتهجد:735،و في قرب الاسناد:26.
2- ثواب الأعمال:101،سنن ابن ماجة 1:567 ح 1782،الفردوس بمأثور الخطاب 3:619 ح 5936،مجمع الزوائد 2:198 عن الطبراني في الأواسط و الكبير.
3- سورة البقرة:283.
4- فتح العزيز 5:20.
5- الام 1:231.
6- راجع:سنن الدارمي 1:278،سنن أبي داود 1:152،صحيح مسلم 1:454 ح 656،سنن الترمذي 1:433 ح 221،مسند أحمد 1:58،و في الجميع عن عثمان:كقيام نصف ليلة.و في سنن الدارمي 1:278،مسند أحمد 1:58 عن عثمان:من صلى الصبح في جماعة فهو كمن قام الليل كله.نعم في المجموع 5:43 حكى ما في المتن عن ابن عباس مع اضافة«و يعزم أن يصلي الصبح في جماعة».
الخامسة و العشرون:يستحب التكبير في العيدين،

و فيه مباحث.

أحدها:الأشهر أنه مستحب، و عليه معظم الأصحاب (1)،للأصل، و لرواية سعيد النقاش عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أمّا أن في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون».قال قلت:و اين هو؟قال:«في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة،و في صلاة الفجر،و صلاة العيد» (2).

و قال المرتضى:مما انفردت به الإمامية أنّ على المصلّي التكبير في ليلة الفطر،و ابتداؤه من دبر صلاة المغرب إلى أن يرجع الامام من صلاة العيد،و في عيد الأضحى يجب التكبير على من كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة، و على غيره عقيب عشر،لقوله تعالى وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ - وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ و الأمر للوجوب،و نقل فيه الإجماع أيضا (3).و اختاره ابن الجنيد (4).

و أجيب بأنّ الأمر قد يرد للندب فيثبت مع اعتضاده بدليل آخر، و الإجماع حجّة على من عرفه.

فرع:

هذا التكبير مستحب للمنفرد و الجامع،و الحاضر و المسافر،و البلدي و القروي،و الذكر و الأنثى،و الحر و العبد،للعموم.

ص: 178


1- راجع:النهاية:135،المهذب 1:123،المعتبر 2:319.
2- الكافي 4:166 ح 1،الفقيه 2:108 ح 464،التهذيب 3:138 ح 311.
3- الانتصار:57.و الآيتين في سورة البقرة:185،203.
4- مختلف الشيعة:115.

و ثانيها:في محله.

و قد تضمنت رواية سعيد تكبير الفطر (1).

و روى حريز عن محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جل وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ .قال:«التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر يوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات» (2)،و مثله رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام (3).

و قال ابن بابويه:يكبّر في الفطر عقيب الظهر و العصر يوم الفطر أيضا (4).و لم نقف الآن على مأخذه مع أن الأصل العدم و الشهرة تؤيده.

و قال ابن الجنيد:التكبير عقيب الفرائض واجب،و عقيب النوافل مستحب (5)لما رواه حفص بن غياث بإسناده إلى علي عليه السّلام قال:«على الرجال و النساء ان يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلوات،و على من صلّى وحده،و من صلى تطوعا» (6).

و لو فاتته صلاة فقضاها كبّر عقيبها و لو خرجت أيامه،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«فليقضها كما فاتته» (7).

و لو تركه الإمام كبّر المأموم.0.

ص: 179


1- تقدمت في ص 178 الهامش 2.
2- الكافي 4:516 ح 1،التهذيب 5:269 ح 920.
3- الكافي 4:516 ح 2،التهذيب 5:269 ح 921.
4- أمالي الصدوق:517،و هو ظاهر الفقيه 2:108 ح 464.و في المقنع المطبوع:46 في عشر صلوات و الظاهر انه تصحيف ست صلوات راجع في ذلك الحدائق الناظرة 10:277،و انظر:285،مفتاح الكرامة 3:185.
5- مختلف الشيعة:115.
6- التهذيب 3:289 ح 869.
7- عوالي اللئالي 3:107،المهذب البارع 1:460.

و ثالثها:في كيفيته.

فروى ابن بابويه أن عليا عليه السّلام كان يقول في دبر كل صلاة في عيد الأضحى:«اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر (1)و للّه الحمد» (2).

و قال المفيد في تكبير الفطر:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،و الحمد للّه على ما هدانا،و له الشكر على ما أولانا.و في الأضحى:

اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،و الحمد للّه على ما رزقنا من بهيمة الانعام (3).

و في النهاية:اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر، و للّه الحمد،الحمد للّه على ما هدانا،و له الشكر على ما أولانا.و في الأضحى كذلك إلاّ انه يزيد فيه:و رزقنا من بهيمة الانعام (4).

و قال ابن أبي عقيل في الأضحى:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر(اللّه أكبر) (5)و للّه الحمد على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام،و الحمد للّه على ما أبلانا (6).

و قال ابن الجنيد:في الفطر:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر (7)و للّه الحمد على ما هدانا.و في الأضحى:اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّهر.

ص: 180


1- في المصدر زيادة:«اللّه أكبر».
2- الفقيه 1:328 ح 1487.
3- المقنعة:33.
4- النهاية:135 و التكبير في أوله مرتان،و ليس فيه:و للّه الحمد.راجع في ذلك: جامع المقاصد 2:450،مفتاح الكرامة 3:185.
5- هذا التكبير ليس موجودا في بعض الكتب التي حكت قول ابن أبي عقيل، كمختلف الشيعة:115،و جامع المقاصد 2:451.
6- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة،115،و راجع المعتبر 2:321.
7- في مختلف الشيعة زيادة:اللّه أكبر.

أكبر،ثلاثا،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،و للّه الحمد،اللّه أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام (1).

و الروايات مختلفة:

ففي رواية زرارة الحسنة عن الباقر عليه السّلام:«في الأضحى:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله لا اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام» (2).

و في رواية سعيد:«في الفطر:اللّه أكبر،ثلاثا،لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و للّه الحمد،اللّه أكبر على ما هدانا» (3).و كذا قال البزنطي:يكبّر ثلاثا (4).

و كل حسن ان شاء اللّه.0.

ص: 181


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:115 و في آخر تكبير الاضحه زيادة: و الحمد للّه على ما أولانا.
2- التهذيب 3:139 ح 313.و في الكافي 4:516 ح 2،و التهذيب 5:269 ح 921 بزيادة،فراجع.
3- هذه صيغة الرواية في التهذيب 3:138 ح 311،و رويت في الكافي 4:166 ح 1،و الفقيه 2:108 ح 464 بزيادة و نقيصة،فراجع.
4- راجع:المعتبر 2:320.
المطلب الثاني:في الكيفية
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:صلاة العيد ركعتان،

و يزيد فيها على المعتاد في الصلوات خمس تكبيرات في الركعة الأولى بعد القراءة،و اربع في الثانية،بعد كل تكبير دعاء و ثناء.

و قال المفيد و جماعة:يكبّر للقيام إلى الثانية قبل القراءة،ثم يكبّر بعد القراءة ثلاثا و يقنت ثلاثا (1).

و صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام (2).

و صحيحة يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (3)تشهدان للأول.

الثانية:معظم الأصحاب على ان التكبير في الركعتين معا بعد

القراءة

(4) و هو في صحيح يعقوب (5)و رواه أبو بصير (6)و غيره (7).

و قال ابن الجنيد:يكبّر في الأولى قبل القراءة،و في الثانية بعدها (8)و رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام (9)و إسماعيل بن سعد الأشعري

ص: 182


1- راجع المقنعة:32،الانتصار:56،المهذب 1:122،الكافي في الفقه: 154.
2- الكافي 3:460 ح 3،التهذيب 3:129 ح 278،الاستبصار 1:448 ح 1733.
3- التهذيب 3:132 ح 287،الاستبصار 1:449 ح 1737.
4- راجع:المبسوط 1:170،المهذب 1:122،المعتبر 2:312.
5- التهذيب 3:132 ح 287،الاستبصار 1:449 ح 1737.
6- التهذيب 3:131 ح 286،الاستبصار 1:449 ح 1736.
7- راجع:التهذيب 3:132 ح 289،الاستبصار 1:449 ح 1739.
8- المعتبر 2:313،مختلف الشيعة:111.
9- التهذيب 3:131 ح 284،الاستبصار 1:450 ح 1740.

عن الرضا عليه السّلام (1)في سندين صحيحين،و كذلك رواه أبو الصباح عن الصادق عليه السّلام (2).

و في رواية هشام بن الحكم عنه عليه السّلام:«تصل القراءة بالقراءة» (3).

و حملها الشيخ على التقية (4)؛لأنّه مذهب أبي حنيفة (5).

قال في المعتبر:ليس هذا التأويل بحسن،فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد ان ذكر في خطبته انه لا يودعه اللّه ما هو حجة له.قال:

فالأولى ان يقال فيه روايتان،أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ (6).

الثالثة:ظاهر الأكثر وجوب هذا التكبير،

و صرّح به ابن الجنيد (7)، و اختاره الفاضل (8)؛لأنّه وقع بيانا من صاحب الشرع و أهل بيته فعلا و قولا في رواية من سمّيناه آنفا.

و قال الشيخ-و تبعه صاحب المعتبر (9)-انه مستحب (10)لما رواه زرارة في الصحيح ابن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الصلاة في العيدين،فقال:«يكبّر،يزيد في الركعة الأولى ثلاثا،و في الأخيرة ثلاثا»،ثم قال:إن شاء ثلاثا و خمسا،و إن شاء خمسا و سبعا،بعد ان يلحق

ص: 183


1- التهذيب 3:131 ح 285،الاستبصار 1:450،ح 1741.
2- التهذيب 3:132 ح 290،الاستبصار 1:450 ح 1743.
3- التهذيب 3:284 ح 847،الاستبصار 1:450 ح 1744.
4- التهذيب 3:131،الاستبصار 1:450.
5- المجموع 5:21،المبسوط للسرخسي 2:42،الباب 1:118.
6- المعتبر 2:313،و راجع الفقيه 1:324 ح 1485.
7- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:112.
8- مختلف الشيعة:112.
9- المعتبر 2:314.
10- التهذيب 3:134.

ذلك الى وتر» (1)و ظاهر التخيير عدم الوجوب،و لانه لا قائل بوجوب الثلاث لا غير،و لا بوجوب الخمس و الثلاث.

و لما رواه هارون بن حمزة،عن الصادق عليه السّلام قال:سألته عن التكبير في الفطر و الأضحى،فقال:«خمس و اربع،فلا يضرك إذا انصرفت» (2).

و لما رواه عيسى بن عبد اللّه،عن أبيه،عن جده،عن علي عليه السّلام قال:

«ما كان يكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله في العيدين إلاّ تكبيرة واحدة حتى أبطأ عليه لسان الحسين عليه السّلام،فلما كان ذات يوم عنده كبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكبّر الحسين فكبر النبي سبعا،و في الثانية كبّر النبي و كبّر الحسين حتى كبّر خمسا، فجعلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنّة،و ثبتت السنّة إلى اليوم» (3).

و هذا قوي أيضا.

الرابعة:الأظهر أيضا وجوب القنوت بين التكبيرات،

نصّ عليه المرتضى و انه انفراد الإمامية (4)و هو في خبر يعقوب و غيره (5).

و صرّح الشيخ باستحبابه (6)للأصل،و لما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال:سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرتين في العيد، فقال:«ما شئت من الكلام الحسن» (7)و هذا ليس بصريح في الاستحباب.

الخامسة:لا يتعيّن في القنوات لفظ مخصوص،

لقضية الأصل،

ص: 184


1- التهذيب 3:134 ح 291،الاستبصار 1:447 ح 1732،باختصار في الألفاظ.
2- التهذيب 3:286 ح 854،الاستبصار 1:447 ح 1731.
3- التهذيب 3:286 ح 855.
4- الانتصار:57.
5- التهذيب 3:132 ح 287 و 288،الاستبصار 1:449 ح 1737 و 1738.
6- الخلاف 1:153 المسألة 11.
7- التهذيب 3:288 ح 863.

و هذه الرواية،و اختلاف الروايات في تعيينه.

فروى أبو الصباح عن الصادق عليه السّلام:«تكبر و تقول:اشهد ان لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و اشهد انّ محمدا عبده و رسوله.اللهم أنت أهل الكبرياء و العظمة،و أهل الجود و الجبروت و القدرة و السلطان و العزة.

أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا،و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا،أسألك ان تصلي على محمد و آل محمد،و ان تصلي على ملائكتك المقربين و أنبيائك المرسلين،و ان تغفر لنا و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات،الأحياء منهم و الأموات.اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون،و أعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك المخلصون.

اللّه أكبر،أول كل شيء و آخره،و بديع كل شيء و منتهاه،و عالم كل شيء و معاده،و مصير كل شيء اليه و مردّه،و مدبر الأمور،و باعث من في القبور،قابل الأعمال،مبدئ الخفيات معلن السرائر.

اللّه أكبر،عظيم الملكوت،شديد الجبروت،حي لا يموت،دائم لا يزول،إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.

اللّه أكبر،خشعت لك الأصوات،و عنت لك الوجوه،و حارت دونك الابصار،و كلّت الألسن عن عظمتك،و التواصي كلها بيدك،و مقادير الأمور كلها إليك،لا يقضي فيها غيرك،و لا يتم فيها شيء دونك.

اللّه أكبر،أحاط بكل شيء حفظك،و قهر كل شيء عزك،و نفذ كل شيء أمرك،و قام كل شيء بك،و تواضع كل شيء لعظمتك،و ذلّ كل شيء لعزتك،و استسلم كل شيء لقدرتك،و خضع كل شيء لملكك.

ص: 185

و كذا تصنع في الركعة الثانية» (1).

و روى علي بن حاتم بإسناده الى أبي عبد اللّه عليه السّلام:«تقول بين كل تكبيرتين:اللهم أهل الكبرياء و العظمة،و أهل الجود و الجبروت،و أهل المغفرة (2)و الرحمة،و أهل التقوى و المغفرة،و أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا،و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا،ان تصلي على محمد و آل محمد،كأفضل ما صليت على عبد من عبادك،و صل على ملائكتك (3)و رسلك،و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الاحياء منهم و الأموات.اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون،و أعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون» (4).

و روى جابر،عن الباقر عليه السّلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا كبّر قال بين كل تكبيرتين:اشهد ان لا إله اللّه وحده لا شريك له،و اشهد ان محمد عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله.اللهم أهل الكبرياء»و ذكر الدعاء الى آخره (5).

و روى بشر بن سعيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين:اللّه ربي أبدا،و الإسلام ديني أبدا،و محمد نبي أبدا (6)،و الكعبة قبلتي أبدا،و علي وليي أبدا،و الأوصياء أئمتي أبدا -و تسميهم الى آخرهم-و لا أحد إلا اللّه» (7).د.

ص: 186


1- الفقيه 1:324 ح 1485،التهذيب 3:132 ح 290.
2- في المصدر:«العفو».
3- في المصدر زيادة«المقربين».
4- التهذيب 3:139 ح 314.
5- التهذيب 3:140 ح 315.
6- في المصدر زيادة:«و القرآن كتابي أبدا».
7- التهذيب 3:286 ح 856 عن بشير بن سعيد.

و أكثر الأخبار فيها لفظ القنوت لا غير.و الشيخ أبو الصلاح قال:

و يلزمه ان يقنت بين كل تكبيرتين،فيقول:اللهم أهل الكبرياء و العظمة، الى آخره (1).فإن أراد به الوجوب تخييرا و الأفضلية فحق،و ان أراد به الوجوب عينا فممنوع.

السادسة:يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة

كما قلناه في تكبير الصلاة اليومية.و روى يونس قال:سألته عن تكبير العيدين،أ يرفع يده مع كل تكبيرة،أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟فقال:«يرفع مع كل تكبيرة» (2).و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا ترفع الأيدي إلاّ في سبعة مواطن»و ذكر من جملتها تكبيرات العيد (3).

و كذا يستحب رفع اليدين بالقنوت كقنوت اليومية.

فروع:

الأول: لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى يركع،مضى في صلاته و لا شيء عليه إذ ليست أركانا.

و هل تقضى بعد الصلاة؟أثبته الشيخ رحمه اللّه (4)و لعلّه لما سبق من

ص: 187


1- الكافي في الفقه:154.
2- التهذيب 3:288 ح 866.
3- الهداية(للمرغيناني)1:86.المبسوط(للسرخسي)2:39.
4- نسبه المحقق في المعتبر 2:315 الى الشيخ رحمه اللّه و لكن قول الشيخ في المبسوط 1:171 و الخلاف 1:153 المسألة 13 خلاف ذلك،قال في مفتاح الكرامة 3: 205«قال المحقق في المعتبر و جماعة ان الشيخ اثبت القضاء و في التحرير و غيره نسبته إليه في الخلاف.و ليس لذلك في الخلاف عين و لا أثر و الموجود في الخلاف و غيره مما حضرني من الشيخ:إذا نسي التكبيرات حتى يركع مضى في صلاته و لا شيء عليه».

الرواية في باب السهو المتضمّنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها (1).

و نفاه في المعتبر-و تبعه الفاضل (2)؛لأنّه ذكر تجاوز محله،فيسقط بالنافي السليم عن المعارض (3).و كأنه عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم القضاء و ان الفائت لا يجب قضاؤه،و عنى بالمعارض الأمر الجديد الدالّ على القضاء فإنه منفي،و للشيخ أن يبدي وجود المعارض و هي الرواية المشار إليها.

و لو تذكر و هو آخذ في الركوع،و لما ينته الى حدّ الراكع،رجع اليه قطعا.

و لو قلنا:بتقديم التكبير على القراءة في الأولى،فنسيه حتى قرأ،لم يعد اليه،قاله في المعتبر،لفوات محله (4).

و ليس ببعيد وجوب استدراكه أو ندبه على اختلاف القولين؛لانه محل في الجملة و لهذا كان التكبير في الثانية واقعا فيه،و لان الروايات المتضمّنة لتأخّره عن القراءة في الركعتين أقل أحوالها أن يقتضي استدراكه إذا نسي.

و في التذكرة أوجب استدراكه،و توقّف في إعادة القراءة،من حيث عدم وقوعها في محلها،و صدق القراءة (5).و الأولى إعادتها.

و لو ذكر في أثنائها قطعها و أتى به ثم استأنف القراءة.8.

ص: 188


1- سبق في ص 35،ضمن المسألة الرابعة من السهو.
2- تذكرة الفقهاء 1:158،نهاية الإحكام 2:61.
3- المعتبر 2:315.
4- المعتبر 2:215.
5- تذكرة الفقهاء 1:158.

و لا يقضي التكبير عندنا في الركوع،لما فيه من تغيير هيئة الصلاة.

و إذا قلنا بقضاء التكبير أو استدراكه فالقنوت تابع له.و الظاهر وجوب الاستقبال فيهما،لأنّهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال،و كذا تعتبر بقية شرائط الصلاة.

و يحتمل أيضا وجوب سجدتي السهو،بناء على تناول أدلة الوجوب في اليومية لهذه الصورة.و هو قول ابن الجنيد (1).

الثاني:لو شك في عدده بنى على الأقل، لأنّه المتيقن.و في انسحاب الخلاف في الشك في الأوليين المبطل للصلاة هنا احتمال أن قيل بوجوبه.و لو تذكر بعد فعله أنّه كان قد كبّر لم يضر،لعدم ركنيته.و كذا الشك في القنوت.

الثالث: لو قدّمه على القراءة في الركعة الثانية ساهيا،أعاد بعدها قطعا و سجد للسهو على الاحتمال.

و لو قدّمه في الركعة الأولى،فكذلك عند من يوجب تأخيره.

و لو تعمّد التقديم،ففي بطلان الصلاة مع استدراكه في محله عندي وجهان:

البطلان،لتغير نظم الصلاة،و عدم إيقاعها على الوجه المأمور به، و لانّه ارتكب منهيا عنه في الصلاة،إذ الأمر بالشيء نهي عن ضده،و النهي في العبادة مفسد.

و الصحة،لما تقدم في الرواية:«إنّ كل ما ذكره اللّه عزّ و جلّ به أو رسوله فهو من الصلاة».5.

ص: 189


1- مختلف الشيعة:115.

و يحتمل ثالثا و هو البطلان ان اعتقد شرعيته،لأنّه يكون مبدعا فيتحقق النهي،و ان لم يعتقد شرعيته هنالك كان ذكرا مجردا في الصلاة فلا ينافيها.

الرابع:لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه، فإذا ركع الامام ركع معه على القول بالندب،لانه لا يترك المتابعة الواجبة لأجل الندب، هذا إذا لم يمكنه الإتيان بالقدر الفائت قبل رفع الامام من الركوع،و إلاّ أتى به.و لو أمكنه التكبير المجرّد عن القنوت فعله،و لو لم يمكنه ذلك قضاه عند الشيخ بعد التسليم (1).

اما على القول بوجوبه،فيحتمل منعه من الاقتداء إذا علم التخلف عن الامام.فلو اقتدى و لمّا يعلم،و لم يمكنه الجمع بين المتابعة و بين التكبير،فإنّه ينوي الانفراد.

و يحتمل جواز الاقتداء و يسقط القنوت و يأتي بالتكبير و ولاء،لتحقق الخلاف في وجوبه،بخلاف المتابعة.

و يشكل بانا بنينا على الوجوب.و المتابعة و ان كانت واجبة فوجوبها ليس جزءا من الصلاة من حيث هي صلاة.بخلاف التكبير و القنوت.

و الفاضل مع قوله بوجوبه أسقطه مع عدم إمكان الإتيان به،و لم يوجب قضاءه بعد التسليم،حتى لو أدرك الإمام راكعا كبّر و دخل معه، و اجتزأ بالركعة عنده و لا يجب القضاء (2).

الخامس:لا يتحمّل الامام هذا التكبير و لا القنوت، و انما يتحمّل القراءة.1.

ص: 190


1- المبسوط 1:171.و انظر:مفتاح الكرامة 3:205.
2- تذكرة الفقهاء 1:158،نهاية الإحكام 2:61.

و يحتمل تحمّل الدعاء،و يكفي عن دعاء المأمومين.و هذا لم أقف فيه على نص.

و لو قلنا بالتحمّل فيه،فدعا المأموم فلا بأس،سواء كان بدعاء الإمام أو غيره.

و عدم تحمّل الامام القنوت في اليومية يدلّ بطريق أولى على عدم تحمّله هنا.

المسألة السابعة:يجب قراءة الحمد و سورة معها كسائر الفرائض.

و لا خلاف في عدم تعيين سورة،و إنّما الخلاف في الأفضل:

فذهب جماعة إلى أنّه يقرأ الأعلى في الأولى و الشمس في الثانية (1).

و قال آخرون الشمس الشمس في الاولى و الغاشية في الثانية (2).

و هذا القولان مشهوران.

و قال علي بن بابويه:يقرأ في الأولى الغاشية،و الثانية الأعلى (3).

و قال ابن أبي عقيل:يقرأ في الأولى الغاشية،و في الثانية الشمس (4).

و رواية أبي الصباح،عن الصادق عليه السّلام و إسماعيل الجعفي،عن الباقر عليه السّلام تشهدان للأول (5).

ص: 191


1- منهم الصدوق في الفقيه 1:324 ذيل حديث 1684 و ابن حمزة في الوسيلة: 111 و الكيدري في إصباح الشيعة:102 و سلار في المراسم:78 و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:107 و ابن إدريس في السرائر:70.
2- منهم المفيد في المقنعة:32 و ابن زهرة في الغنية:499-500 و ابن البراج في المهذب 1:122 و أبو الصلاح في الكافي:153-154،السيد المرتضى في جمل العلم و العمل:74.و الشيخ في الخلاف 1:153 المسألة 12.
3- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:112.
4- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:112.
5- الفقيه 1:324 ح 1485،التهذيب 2:132 ح 288،290،الاستبصار 1:449.

و صحيحتا جميل و معاوية عن الصادق عليه السّلام تشهدان للثاني (1)مع أنّ في رواية جميل:«الشمس و الغاشية و أشباههما».

و الكل حسن،و إن كان العمل بالمشهور أولى.

و يستحب الجهر بالقراءة،و الظاهر استحبابه بالقنوت أيضا،إلاّ المأموم فإنّه يسرّ به.3.

ص: 192


1- الكافي 3:460 ح 3،الفقيه 1:320 ح 1457،التهذيب 3:127 ح 270، 129 ح 278.و تشهدان لما مرّ في ص 725 الهامش 3.
المطلب الثالث:في اللواحق.
اشارة

و فيه مسائل:

الاولى:لو وافق العيد الجمعة،

تخيّر من صلّى العيد في حضور الجمعة و عدمه،ذهب إليه الأكثر (1)و على الامام الحضور و الاعلام بذلك، لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال:«اجتمعنا في زمان علي عليه السّلام،فقال:

من شاء ان يأتي الجمعة فليأت،و من قعد فلا يضره و ليصلّ الظهر، و خطب عليه السّلام خطبتين،جمع فيهما خطبة العيد و خطبة الجمعة» (2)و نحوه رواه سلمة عنه عليه السّلام إلاّ انه لم يذكر الخطبتين (3).

و روى العامّة عن زيد بن أرقم:(ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى العيد و رخّص في الجمعة) (4).

و روي:ان ابن الزبير لمّا صلّى العيد و لم يخرج إلى الجمعة قال ابن عباس:أصاب السنّة (5).و فيه إيماء إلى انه يسقط أيضا عن الامام.

و قال ابن الجنيد-في ظاهر كلامه-يختص التخيير لمن كان قاصي المنزل و يستحب له الحضور (6)و اختاره الفاضل (7)لما رواه إسحاق بن عمار،

ص: 193


1- المقنعة:33،المبسوط 1:170،المعتبر 2:326،مختلف الشيعة:113.
2- الفقيه 1:323 ح 1477.
3- الكافي 3:461 ح 8،التهذيب 3:137 ح 306.
4- سنن الدارمي 1:378،سنن ابن ماجة 1:415 ح 1310،سنن أبي داود 1: 281 ح 1070،سنن النسائي 3:194،السنن الكبرى 3:317.
5- سنن أبي داود 1:281 ح 1071،سنن النسائي 3:194.
6- مختلف الشيعة:113.
7- تحرير الاحكام 1:46.

عن الصادق عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام:«إنّ علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول:

إذا اجتمع للإمام عيدان في يوم واحد،فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الاولى:إنّه قد اجتمع لكم عيدان،فأنا أصليهما جميعا،فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» (1).و مفهومه أن غير قاضي المنزل ليس مأذونا له في الانصراف.

و الفرق لزوم المشقة و عدمها،إلاّ أن البعد و القرب من الأمور الإضافية،فيصدق القاضي على من بعد بأدنى بعد،فيدخل الجميع إلاّ من كان مجاورا للمسجد.

و ربما صار بعض إلى تفسير القاضي بأهل القرى دون أهل البلد (2)لأنّه المتعارف.

و قال أبو الصلاح:الظاهر في الملّة (3)وجوب عقد الصلاتين و حضورهما على من خوطب بذلك (4).

و قال ابن البراج-رحمه اللّه-الظاهر وجوب الحضور لهاتين الصلاتين (5)؛لأنّ دليل الحضور فيهما قطعي،و خبر الواحد يفيد الظن فلا يعارض القطع.

و تبعهما ابن زهرة (6).0.

ص: 194


1- التهذيب 3:137 ح 304.
2- راجع:المعتبر 2:326،تحرير الاحكام 1:46.
3- في س،ط:المسألة.
4- الكافي في الفقه:155.
5- المهذب 1:123.
6- الغنية:500.

و يجاب عنه بأنّ الخبر المتلقي بالقبول المعمول عليه عند معظم الأصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي،و لأنّ نفي الحرج و العسر يدلّ على ذلك أيضا،فيكون الخبر معتضدا بالكتاب العزيز.

و المعتمد التخيير مطلقا،و إن كان الأولى للقريب الحضور،جمعا بين الروايتين.

تنبيه:

ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا (1).و صرّح المرتضى بوجوب الحضور عليه (2)و هو الأقرب،لوجود المقتضي مع عدم المنافي، و لما مرّ في خبر إسحاق«و أنا أصليهما جميعا» (3).

المسألة الثانية:قد تقدّم استحباب الغسل لهذه الصلاة،و وقته بعد

الفجر.

و لو تركه متعمّدا فاته الفضيلة.و لو تركه نسيانا فالأفضل الاغتسال و إعادة الصلاة ما دام الوقت،رواه عمار الساباطي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).

و في شرعية الجماعة في هذه الإعادة احتمال قوي،كالصلاة المبتدأة ندبا على ما سبق من استحباب الجماعة فيها.

الثالثة:يستحب التوجّه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية

و دعواتها،

سواء قلنا بأنّ تكبير العيد قبل القراءة أو بعده.

و ربما خطر لبعضهم سقوط دعاء التوجه إن قلنا بتقديم التكبير،

ص: 195


1- الخلاف 1:157 المسألة 26.
2- المعتبر 2:227.
3- تقدم في ص 194 الهامش 1.
4- التهذيب 3:285 ح 850،الاستبصار 1:451 ح 1747.

و لا ارى له وجها،لعدم المنافاة بين التوجه و القنوت بعده.

و يجوز تقديم التكبير في الركعتين للتقية،و تكون صلاة مجزئة.

الرابعة حكم ما لم تجتمع شرائط الوجوب للصلاة

إذا لم تجتمع شرائط الوجوب صلّيت ندبا على ما سبق.

و هل يشترط في جوازه خلوّ الذمة من القضاء؟الأقرب انه لا يشترط،فتجوز ممّن عليه القضاء،لما أسلفناه في باب المواقيت من الروايات.

و لو قلنا بالمنع منه،فهل يجوز ان يصلي من القضاء بهيئة العيد؟ يحتمل ذلك،لأنه إضافة ذكر اللّه تعالى و الدعاء لا غير.و يحتمل المنع، لانه تغيير لهيئة الصلاة.

اما لو نذر فعلها في وقتها،فإنها تنعقد و ان كان مشغول الذمة بالقضاء،و يراعي فيها ما يراعي في الواجبة إلاّ الجماعة،فإنها ليست شرطا في المنذورة مع اختلال الشرائط إلاّ أن ينذر ذلك،فيجب ان اتفقت الجماعة و إلاّ سقط،لانّه من قبيل الواجب المشروط.

الخامسة خروج الامام و المأموم مشاة

قال أبو الصلاح رحمه اللّه:يخرج الامام و المأموم مشاة،و كلما مشى الامام قليلا وقف و كبّر حتى ينتهي الى المصلّي،فيجلس على الأرض و يجلسون كذلك،فإذا انبسطت الشمس قام و قام الناس فكبّر و كبّر الناس، فإذا أمسكوا (1)قال مؤذنوه:الصلاة،ثلاثا،برفيع أصواتهم،ثم يكبّر و يدخل بهم في الصلاة (2).

و قال:إذا فرغ منها عقّب و عفّر ثم خطب (3).

ص: 196


1- في المصدر:أمسك.
2- الكافي في الفقه:153.
3- الكافي في الفقه:154.

و قال:لا يقرأ المأمومون خلفه،سمعوا قراءته أو لا،و عليه ان يسمعهم قنوته و تكبيره و لا يسمعونه،فإذا فرغ من الخطبة جلس على المنبر حتى ينفضّ الناس ثم ينزل (1).

و قال:يكره السفر قبل صلاة المسنونة-و تبعه ابن زهرة (2)-و يلزم تمييز يوم العيد بالإكثار من فعل الخيرات،و التوسعة على العيال،و التضحية بما تيسر و تفريق ذلك على المساكين (3).

السادسة:يستحب التعريف عشية عرفة بالأمصار في المساجد،

لما فيه من السبة بالحاج في اجتماعهم،و ملازمة ذكر اللّه تعالى.و روى عبد اللّه ابن سنان انه قال الصادق عليه السّلام:«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين، فليغتسل،و يتطيّب،و ليصل وحده كما يصلي في الجماعة.و في يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون اللّه عزّ و جل» (4).

و عن ابن عباس انه فعله بالبصرة (5).

و فعله عمرو بن حريث (6)و محمد بن واسع (7)و يحيى بن معين (8)و هؤلاء من علماء العامة.

ص: 197


1- الكافي في الفقه:154.
2- الغنية:500.
3- الكافي في الفقيه:155.
4- التهذيب 3:136 ح 297،298.و صدره في الفقيه 1:320 ح 1463، الاستبصار 1:444 ح 1716.
5- المغني 2:250،الشرح الكبير 2:271.
6- المغني 2:250،الشرح الكبير 2:271.
7- المغني 2:250،الشرح الكبير 2:271.
8- المغني 2:250،الشرح الكبير 2:271.

و كرهه نافع مولى ابن عمر و إبراهيم النخعي و الحكم و حماد و مالك.

و سئل عنه أحمد فقال:أرجو أن لا يكون به بأس (1).

و نحن قد أثبتنا شرعيّته عن الامام المعصوم فلا عبرة بقول من كرهه.

و أفضل التعريف بالأمصار التعريف بالمشاهد،و خصوصا مشهد الامام أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام بكربلاء،فقد ورد فيه أخبار جمّة (2).9.

ص: 198


1- المغني 2:250،الشرح الكبير 2:271.
2- راجع:التهذيب 6:50 ح 115-119.
الفصل الثالث
اشارة

في صلاة الآيات

و النظر في سببها،و كيفيتها،و أحكامها

النظر الأول:تجب الصلاة بكسوف الشمس و القمر.
اشارة

و يقال:خسف القمر،أيضا.و ربما قيل:خسفت الشمس،و هو في حديث أسماء و ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1).

و لا يقال:انكسف،عند بعضهم منهم الجوهري (2)بل كسفت و كسفها اللّه-بفتح الكاف و الفاء فيهما-فهي كاسفة.و الاخبار مملوة بلفظ الانكساف (3)،و قد جوّزه بعض أهل اللغة منهم الهروي (4).

و دليل الوجوب فيهما إجماع الأصحاب،و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه،يخوف اللّه بهما عبادة،لا يكسفان لموت أحد و لا لحياته،فإذا رأيتم ذلك فصلوا» (5)و الأمر للوجوب.

ص: 199


1- حديث أسماء في:صحيح البخاري 2:46،صحيح مسلم 2:624 ح 905، السنن الكبرى 3:338.و حديث ابن عباس في:مسند ترتيب الشافعي 1:164 ح 477،المصنف لعبد الرزاق 3:98 ح 4925،صحيح البخاري 2:46.
2- الصحاح 4:1421،مادة كسف.
3- راجع:الكافي 3:463 ح 1،465 ح 6،7،التهذيب 3:154 ح 329،156 ح 336،337.
4- انظر لسان العرب 9:298(فيه:في حديث رواه أبو جيد،انكسفت الشمس على عهد رسول النبي(صلّى اللّه عليه و آله).
5- صحيح مسلم 2:628 ح 911،السنن الكبرى 3:332.

و روى أبي بن كعب قال:انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بنا و قرأ سورة من الطوال،و ركع خمس ركعات،و سجد سجدتين.ثم قام فقرأ سورة من الطوال،و ركع خمس ركعات،و سجد سجدتين،و جلس عليه السّلام كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى تجلّى (1).و في هذا الخبر إلزام للعامة في مواضع:

أحدها:ان ظاهره الوجوب،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (2).

و ثانيها:ان الوجوب على الأعيان،لانّه صلّى بهم لا ببعضهم.

و ثالثها:ان الركوع فيها عشر مرات كما نقول به.

و فيه دلالة على استحباب الكون في الدعاء حتى ينجلي،و سيأتي استحباب الإعادة ان شاء اللّه تعالى.

و نحو هذا الخبر رويناه عن الكاظم عليه السّلام (3).

و روينا عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة الكسوف فريضة» (4).

و اما باقي الآيات فلها صور:
الأولى الزلزلة

تجب الصلاة أيضا للزلزلة،نصّ عليه الأصحاب (5).

ص: 200


1- سنن أبي داود 1:307 ح 1182،المستدرك على الصحيحين 1:333.
2- مسند احمد 5:53،سنن الدارمي 1:286،صحيح البخاري 1:162، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:85 ح 1656،سنن الدار قطني 1:273، السنن الكبرى 3:120.
3- الكافي 3:208 ح 7،التهذيب 3:154 ح 329.
4- التهذيب 3:290 ح 875.
5- راجع:المبسوط 1:172،المهذب 1:124،الوسيلة:112،المعتبر 2: ،مختلف الشيعة:116.

و ابن الجنيد لم يصرّح به و لكن ظاهر كلامه ذلك،حيث قال:تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي (1)،و كذا ابن زهرة (2)،و أمّا أبو الصلاح فلم يعرض لغير الكسوفين (3).

لنا:فتوى الأصحاب،و صحاح الأخبار،كرواية عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما عليهما السّلام،و منهم من رواه عن أحدهما عليهما السّلام،أنّ صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات و أربع سجدات (4).

و روى العامّة:أنّ عليا عليه السّلام صلّى في زلزلة جماعة (5).

قال الشافعي:إن صح قلت (6)به.

الثانية:الرجفة،

و قد تضمّنته الرواية (7)و صرّح به ابن أبي عقيل (8)و هو ظاهر الأصحاب أجمعين.

الثالثة:الرياح المخوفة.

و منهم من قال:الرياح العظيمة (9).و قال المرتضى:الرياح العواصف (10).و أطلق المفيد الرياح (11).

ص: 201


1- مختلف الشيعة:116.
2- راجع الغنية:500.
3- راجع:الكافي في الفقه:155.
4- التهذيب 3:155 ح 333.
5- الام 7:168،السنن الكبرى 7:168.
6- الام 7:168،السنن الكبرى 7:168.
7- تقدمت في الهامش 4.
8- مختلف الشيعة:116.
9- راجع الخلاف 1:159 المسألة 9،نهاية الإحكام 2:76،تذكرة الفقهاء 1:164.
10- جمل العلم و العمل 3:46.
11- المقنعة:35.
الرابعة:الظلمة الشديدة،

ذكره الشيخ (1)و ابن البراج (2)و ابن إدريس (3).

الخامسة:الحمرة الشديدة،

ذكرها الشيخ في الخلاف (4).

السادسة:باقي الآيات المخوفة،
اشارة

ذكره الشيخ (5)و المرتضى في ظاهر كلامه (6)و صرّح ابن أبي عقيل بجميع الآيات (7)و ابن الجنيد على ما نقلناه عنه (8)و ابن البراج (9)و ابن إدريس (10)و هو ظاهر المفيد (11).

و دليل الوجوب في جميع ما قلناه-مع فتوى المعتبرين من الأصحاب-ما رواه زرارة و محمد بن مسلم في الصحيح،قالا:قلنا لأبي جعفر عليه السّلام:هذه الرياح و الظلم التي تكون،هل يصلّى لها؟فقال:«كل أخاويف السماء،من ظلمة أو ريح أو فزع،فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن (12)و ظاهر الأمر الوجوب.

و عن علي بن الحسين عليهما الصلاة و السّلام في الكسوفين:«إنّه

ص: 202


1- المبسوط 1:172،النهاية:136.
2- المهذب 1:124،و فيه:و الرياح السود المظلمة و..
3- السرائر:71.
4- الخلاف 1:159 المسألة 9.
5- الخلاف 1:159 المسألة 9.
6- جمل العلم و العمل 3:46.
7- مختلف الشيعة:116.
8- تقدم في ص 201 الهامش 1.
9- المهذب 1:124.
10- السرائر:71.
11- المقنعة:35.
12- الكافي 3:464 ح 3،الفقيه 1:346 ح 1529،التهذيب 3:155 ح 330.

لا يفزع للآيتين و لا يرهب إلاّ من كان من شيعتنا،فإذا كان كذلك فافزعوا إلى اللّه و راجعوه» (1).

و قال ابن بابويه:إنّما يجب الفزع إلى المساجد و الصلاة،لأنّه آية تشبه آيات الساعة،و كذلك الزلازل و الرياح و الظلم هي آيات تشبه آيات الساعة،فآمر أن يتذكر القيامة عند مشاهدتها (2)بالتوبة و الإنابة و الفزع إلى المساجد التي هي بيوته في الأرض،و المستجير بها محفوظ في ذمة تعالى (3).

ثم هنا مسائل:
الاولى:و وقتها في الكسوفين منذ ابتداء الاحتراق إلى الأخذ في

الانجلاء عند المعظم (4).

و إلى تمامه عند الشيخ المحقّق،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذلك اللّه تعالى و الصلاة حتى ينجلي».

و لأنّ كسوف البعض في الابتداء سبب في الوجوب،فكذا في الاستدامة.و روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام:«إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»،و لو خرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يؤمر بالإعادة وجوبا و لا استحبابا.و لأنّ وقت الخوف ممتد فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه (5).

للأكثر رواية حماد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام،قال:ذكروا انكساف الشمس و ما يلقى الناس من شدته،فقال:«إذا انجلى منه شيء فقد

ص: 203


1- الفقيه 1:340 ح 1509.
2- في المصدر زيادة:و الرجوع إلى اللّه تعالى.
3- الفقيه 1:341.
4- المبسوط 1:172،النهاية:137،و المراسم:80،نهاية الإحكام 2:76.
5- المعتبر 2:330.

انجلى» (1).

قال في المعتبر:لا حجة فيه،لاحتمال ان يريد تساوي الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت (2).

و الفائدة في نيّة القضاء لو شرع في الانجلاء أو الأداء،و كذا في ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة و في إدراك ركعة.

أما الإعادة فإنّها مشروعة-على ما يأتي ان شاء اللّه-ما لم يتم الانجلاء.

الثانية هل يشترط سعة الزلزلة للصلاة؟

وقّت الأصحاب الزلزلة بطول العمر،و صرّحوا انّه لا يشترط سعة الزلزلة للصلاة،فكانّ مجرد الوجود سبب في الوجوب.

و شك فيه الفاضل،لمنافاته القواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه.

و باقي الأخاويف عند الأصحاب يشترط فيها السعة.

و لا نرى وجها للتخصيص إلاّ قصر زمان الزلزلة غالبا،فإذا اتفق قصر زمان تلك الآيات-بل قصر زمانها أيضا غالب-احتمل الفاضل وجوب الصلاة أداء دائما كما يحتمل في الزلزلة ذلك (3).

و حكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا بمعنى التوسعة،فإن الظاهر وجوب الأمر هنا على الفور بل على معنى نيّة الأداء و ان أخلّ بالفورية لعذر أو غيره.

ص: 204


1- الفقيه 1:347 ح 1535 و فيه:ذكروا عنده انكساف القمر،التهذيب 3:321 ح 877 و فيه:ذكرنا انكساف القمر.
2- المعتبر 2:330.
3- انظر التذكرة 4:180 مسألة 484،و نهاية الإحكام 2:77.
الثالثة حكم ما لو فات المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها

و تعمّده]

لو فات المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها و تعمّده وجب القضاء،لاشتغال الذمة،و عموم روايات وجوب قضاء الصلوات،مثل:

قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من نام عن صلاة،أو نسيها،فليقضها إذا ذكرها» (1).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من فاتته صلاة فريضة،فليقضها إذا ذكرها» (2).

الرابعة حكم ما لو فاتت نسيانا أو بنوم و شبهه بعد علمه بها

لو فاتت نسيانا أو بنوم و شبهه بعد علمه بها،وجب القضاء، لما رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام:«إن أعلمك أحد و أنت نائم،فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل،فعليك قضاؤها» (3).و هذا يصلح دليلا خاصا على وجوب القضاء مع تعمد الترك،من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

و لا فرق في هاتين الصورتين بين احتراق الكلّ أو البعض،لعموم الأدلّة.

و قال الشيخ في النهاية و المبسوط لا تقضى مع النسيان (4)،و تبعه ابن حمزة (5)و أراد به مع عدم الإيعاب،و كذا ابن البراج (6).

و أطلق المرتضى عدم القضاء لو احترق البعض،و وجوب القضاء لو احترق الجميع،ذكره في الجمل،قال:و قد روي وجوب ذلك على كل

ص: 205


1- مسند أحمد 3:100،سنن الدارمي 1:280،صحيح مسلم 1:471 ح 680، سنن ابن ماجة 1:228 ح 698،سنن أبي داود 1:119 ح 435،الجامع الصحيح 1:334 ح 177،سنن النسائي 1:294،مسند أبي يعلى 5:409 ح 3086، السنن الكبرى 2:218.
2- المعتبر 2:331.
3- التهذيب 3:291 ح 876،الاستبصار 1:454 ح 1760.
4- المبسوط 1:172،النهاية:136.
5- الوسيلة:112.
6- المهذب 1:124.

حال (1).و كذا فصلّ في المسائل المصرية (2).

الخامسة حكم ما لو لم يعلم بالكسوف

لو لم يعلم بالكسوف،فان كان مستوعبا وجب القضاء و إلاّ فلا،لرواية زرارة و محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام قال:«إذا كسفت الشمس كلها و احترقت،و لم تعلم ثم علمت بعد ذلك،فعليك القضاء.و إن لم تحترق كلها،فليس عليك قضاء» (3).و هذا أيضا دليل خاص،و تقريره ما تقدم.

فان قلت:فقد روى-في الصحيح-علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام، قال:سألته عن الكسوف،هل على من تركها قضاء؟فقال:«إذا فاتتك فليس عليك قضاء» (4).

قلت لما وردت روايات مفصّلة،و كان هذا الخبر مجملا،وجب حمله على المفصّل،فيحمل على الجهل.

و ربما كان هذا حجّة الشيخ و من تبعه على عدم قضاء الناسي (5)و هو غير متعيّن له،لأن الناسي في معنى النائم،و قد دلت الرواية على وجوب قضائه (6).

تنبيه

قال المفيد رحمه اللّه إذا احترق قرص القمر كله،و لم يعلم به حتى أصبح،

ص: 206


1- جمل العلم و العمل 3:46.
2- و كذا فصّل في جوابات المسائل الموصلية الثالثة 2:223.
3- الكافي 3:465 ح 6،التهذيب 3:157 ح 339،الاستبصار 1:454 ح 1759.
4- التهذيب 3:292 ح 884،الاستبصار 1:453 ح 1756.
5- تقدم في ص 205 الهامش 4-6.
6- تقدمت في ص 205 الهامش 1.

صلاّها جماعة.و إن احترق بعضه،و لم تعلم به حتى أصبحت،صلّيت القضاء فرادى (1).

و قال علي بن بابويه:إذا انكسف الشمس أو القمر و لم تعلم فعليك أن تصليها إذا علمت به،و إن تركتها متعمّدا حتى تصبح فاغتسل و صلّها،و إن لم يحترق كلّه فاقضها و لا تغتسل (2).و كذا قال ولده في المقنع (3).

و ظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل و إن لم يحترق جميع القرص،و لعلّه لرواية لم نقف عليها أو لأنّ مجرد الاحتراق سبب تام فلا يعذر فيه الجاهل،إلاّ أنّ رواية زرارة السالفة تدفعه (4).

و تفصيل المفيد بالجماعة و الفرادى في القضاء يأتي الكلام فيه (5).

و ابن الجنيد ذكر في سياق من تركها لنوم أو غفلة و لم يعلم به حتى انجلى إنّها تقضى،و قال:القضاء إذا احترق القرص كلّه الزم منه إذا احترق بعضه (6).

السادسة حكم ما لو فاتت بقية الصلوات للآيات عمدا أو نسيانا

لو فاتت بقية الصلوات للآيات عمدا وجب القضاء،و كذا نسيانا.و يحتمل انسحاب الخلاف فيها بطريق الأولى،للإجماع على وجوبها.

و إن جهل احتمال أيضا انسحاب الخلاف،و عدم القضاء أوجه:أمّا لعدم القضاء في الكسوف-و هو أقوى-و أمّا لامتناع تكليف الغافل.

السابعة حكم ما لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف و قبل الشروع

في الانجلاء]

لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف و قبل الشروع في

ص: 207


1- المقنعة:35.
2- مختلف الشيعة:116.
3- لم نلاحظه في المقنع،و حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:116،و راجع مفتاح الكرامة 3:226.
4- الكافي 3:465 ح 6،التهذيب 3:157 ح 339،الاستبصار 1:454 ح 1759.
5- سيأتي ص 217،ضمن المسألة الثانية.
6- مختلف الشيعة:116.

الانجلاء،وجبت الصلاة أداء،و كذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على القمر عندنا.و يصلي أداء في الصورتين الأوليين،عملا بالاستصحاب.

و لو اتفق اخبار رصديين عدلين بمدة المكث،أمكن العود إليهما.

و لو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب،فالأقرب أنهما و من أخبراه بمثابة العالم،و كذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن.

النظر الثاني:في كيفية الصلاة.
اشارة

و هي ركعتان كسائر الصلوات،و تنفرد بأمور:

أحدها:ان الركوع في كل ركعة خمس مرات.

و ثانيها:وجوب تكرار الحمد و السورة خمسا إن أكمل السورة،و ان بعّض لم يجب تكرار الحمد.

و قال ابن إدريس:لا يجب تكرار الحمد مع إكمال السورة بل يستحب (1)و هو قول نادر.

و ثالثها:استحباب الجهر فيها،سواء كانت خسوفا أو كسوفا،و قد رواه العامة (2).و كذا باقي الآيات.

و رابعها:استحباب القنوت على كل قراءة ثانية.

و قيل:اقلّه على الخامسة و العاشرة،رواه ابن بابويه رحمه اللّه و قال:إنّ الخبر ورد به (3).

ص: 208


1- السرائر:72.
2- صحيح البخاري 2:49،صحيح مسلم 2:620 ح 901،سنن أبي داود 1: 309 ح 1188،الجامع الصحيح 2:452 ح 563.
3- الفقيه 1:347،الهداية:36.

و خامسها:انه لا يقول:(سمع اللّه لمن حمده)إلاّ في الرفع من الركوع الخامس و العاشر،بل يقتصر في باقي الركوعات على التكبير للانتصاب،كما يكبّر للأخذ في الركوع.

و سادسها:تساوي زمان قرائته و ركوعه و سجوده و قنوته في التطويل.

و سابعها:تطويل الصلاة بقراءة السور الطوال-مثل:الأنبياء، و الكهف-إذا علم أو ظن سعة الوقت.

و ثامنها:الإعادة لو فرغ قبل الانجلاء.

و لنشر الى المدارك:

فروى زرارة و محمد بن مسلم و غيرهما عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:

«تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة،ثم تقرأ أمّ الكتاب و سورة ثم تركع ثم ترفع رأسك فتقرأ أمّ الكتاب و سورة،ثم تركع الثالثة فتقرأ أمّ الكتاب و سورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك فتقرأ أمّ الكتاب و سورة ثم تركع الخامسة،فإذا رفعت رأسك قلت:سمع اللّه لمن حمده،ثم تخرّ ساجدا سجدتين،ثم تقوم فتصنع كما صنعت في الأوّل».قلت:و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ففرقها بينها؟قال:«أجزأته أمّ القرآن في أول مرة،و إن قرأ خمس سورة فمع كل سورة أمّ القرآن» (1).و في أخبار كثيرة دالة على هذا التفصيل (2).

فان احتج ابن إدريس برواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام،قال:

«انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين:قام في الأولى5.

ص: 209


1- التهذيب 3:155 ح 333.
2- راجع:الكافي 3:463 ح 3،التهذيب 3:156 ح 335.

فقرأ سورة،ثم ركع فأطال الركوع،ثم رفع رأسه فقرأ سورة،ثم ركع فأطال الركوع،ثم رفع رأسه فقرأ سورة،ثم ركع فأطال الركوع،ثم رفع رأسه فقرأ سورة،ثم ركع-فعل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد-ثم سجد سجدتين،ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك،فكان له عشر ركعات و اربع سجدات»و التوفيق بينها و بين باقي الروايات بالحمل على استحباب قراءة الفاتحة مع الإكمال.

فالجواب ان تلك الروايات أشهر و أكثر،و عمل الأصحاب بمضمونها،فتحمل هذه الرواية على ان الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به، لتوافق تلك الروايات الأخر.

فروع:

لو بعّض وجب إكمال سورة في الخمس،لأنّها ركعة من صلاة واجبة.

و لو بعّض بسورتين أو ثلاث أو أربع،فالظاهر الجواز،غير انه إذا أتمّ السورة وجب ان يقرأ بعدها الحمد.

و لو قرأ السورة في القيام الأول،و بعّض بسورة أو أزيد في القيام الباقي،جاز.و الظاهر عدم وجوب إكمال السورة ثانيا هنا،لحصول مسمّى السورة في الركعة.و يحتمل ان ينحصر المجزئ في سورة واحدة أو خمس سور،لأنها ان كانت ركعة وجبت الواحدة،و ان كانت خمسا فالخمس، فيمكن استناد ذلك إلى تجويز الأمرين و ليس بين ذينك واسطة.

و لو قرأ في القيام الأول بعض السورة ثم قام الى الثاني،فالأقرب تخيّره بين ثلاثة أشياء:بين رفضها و اعادة الحمد،و بين القراءة من موضع

ص: 210

القطع،و بين القراءة من أي موضع شاء من السورة.مع احتمال منع هذا الأخير،لمخالفته المعهود.

و حينئذ لو اقتصر على شيء من هذه السورة في الخمس لم يجز،لما بيّنا من وجوب إكمال سورة.

و توقّف الفاضل في وجوب قراءة الحمد لو رفض السورة التي قرأ بعضها،من ان وجوب الحمد مشروط بإكمال السورة قبلها،و من انه في حكم الإكمال،و يجيء ذلك في العدول عن الموالاة في السورة الواحدة.

و يحتمل أمرا رابعا و هو:أن له إعادة لبعض الذي قرأه من السورة بعينه.فحينئذ،هل تجب قراءة الحمد؟يحتمل ذلك،لابتدائه بسورة.

و يحتمل عدمه،لأن قراءة بعضها مجز فقراءة جميعها أولى.هذا ان قرأ جميعها،و ان قرأ بعضها فأشدّ إشكالا.

و روى القنوت في كل ثانية زرارة و محمد بن مسلم أيضا عن الإمامين عليهما السّلام (1).

و روي تطويل الركوع و السجود عن الباقر عليه السّلام (2).

و روى تطويل القنوت بقدر الركوع و السجود زرارة و محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (3).

و روى الشيخ في الخلاف عن علي عليه السّلام انه جهر في الكسوف،قال الشيخ:و عليه إجماع الفرقة (4).6.

ص: 211


1- التهذيب 3:155 ح 333.
2- الكافي 3:463 ح 2،التهذيب 3:156 ح 335.
3- الكافي 3:463 ح 2،التهذيب 3:156 ح 335،عن الامام الباقر عليه السّلام.
4- الخلاف 1:159 المسألة 6.

و روى التكبير في كل رفع من الركوع غير الخامس و العاشر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (1).

و روى أيضا التسميع في الخامس و العاشر (2).

و روى تطويل الصلاة عمار عنه عليه السّلام قال:«إذا صليت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر،و تطوّل في صلاتك،فان ذلك أفضل» (3).

و روى العامة ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،ففي الصحاح:(خسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي،فأطال القيام جدا، ثم ركع و أطال الركوع جدا،ثم رفع رأسه و أطال القيام جدا و هو دون القيام الأول،ثم ركع فأطال الركوع جدا،و هو دون الركوع الأول،ثم سجد.ثم قام فأطال القيام و هو دون القيام الأول،ثم ركع و أطال الركوع و هو دون الركوع الأول،ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام و هو دون القيام الأول،ثم ركع فأطال الركوع و هو دون الركوع الأول،إلى قوله:ثم انصرف و قد تجلت الشمس) (4).

و عن جابر قال:انكسفت الشمس في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.فقال الناس:إنما انكسفت لموت إبراهيم.

فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بالناس،فكبّر،فأطال القراءة،ثم ركع نحوا مما قام،ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ دون القراءة الاولى،ثم ركع نحوا مما8.

ص: 212


1- راجع الهامش 3،المتقدم.
2- راجع الهامش 3،المتقدم.
3- التهذيب 3:291 ح 876.
4- صحيح مسلم 2:618 ح 901،سنن النسائي 3:152،السنن الكبرى 3: 338.

قام،الى قوله:ثم انصرف و قد أضاءت الشمس.فقال:«يا ايها الناس.انما الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه تعالى لا تنكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتى تنجلي» (1).

و روى الأصحاب عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن الصادق عليه السّلام عن آبائه قال:«انكسفت الشمس في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فصلى بالناس ركعتين،و طوّل حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام» (2).

و روى أبو بصير قال:سألته عن صلاة الكسوف،فقال:«عشر ركعات و اربع سجدات،تقرأ في كل ركعة مثل يس و النور،و يكون ركوعك مثل قراءتك،و سجودك مثل ركوعك».قلت:فمن لم يحسن يس و أشباهها؟ قال:«فليقرأ ستين آية في كل ركعة» (3).و ذكر الأصحاب الأنبياء و الكهف (4).

و اما الإعادة،فاختلف الأصحاب فيها على أقوال ثلاثة:

انها واجبة،و هو ظاهر المرتضى (5)و أبي الصلاح (6)و سلار (7)و هؤلاء كالمصرحين بان آخر وقتها تمام الانجلاء كما ذهب إليه المحقق (8).0.

ص: 213


1- صحيح مسلم 2:623 ح 904،سنن أبي داود 1:306 ح 1178،السنن الكبرى 3:325.
2- التهذيب 3:293 ح 885.
3- التهذيب 3:294 ح 890.
4- راجع:المقنعة:35،المبسوط 1:173،المهذب 1:124،الوسيلة:112.
5- جمل العلم و العمل 3:46.
6- الكافي في الفقه:156.
7- المراسم:28.
8- المعتبر 2:330.

و بقولهم تشهد رواية معاوية بن عمار الصحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا فرغت قبل ان ينجلي فأعد» (1).فإن ظاهر الأمر الوجوب.و لأن العلّة في الصلاة الواجبة دائم فيدوم المعلول.

و ذهب معظم الأصحاب إلى استحباب الإعادة (2)لقضية الأصل النافية للوجوب،و عدم اقتضاء الأمر التكرار،و صدق الامتثال،و للجمع بين هذه الرواية و صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن الباقر عليه السّلام:«فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع اللّه حتى ينجلي» (3)فإن هذا صريح في جواز ترك الصلاة،فيحمل الأول على الندب حتى تتوافق الأخبار.

فإن قلت قوله:«فاقعد و ادع»صيغتا أمر،و أقل أحوال الأمر الاستحباب،و استحباب الصلاة ينافي استحباب غيرها مما ينافيها،فلا يتحقق الجمع بين الخبرين.

قلت:قد يكون الأمر للإباحة،كقوله تعالى وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا (4)إلاّ انه يبعد حمله هنا على الإباحة،لأن الدعاء لا يكون إلاّ راجع الفعل،بل الحق انه للاستحباب،و لا ينافي استحباب الصلاة،فإن الاستحباب يدخل فيه التخيير كما يدخل في الواجب،فكأنّه مخيّر بين الصلاة و بين الدعاء،و أيّهما فعل كان مستحبا.

فائدة:

قوله:«حتى ينجلي»يمكن كون«حتى»فيه لانتهاء الغاية،فلا دلالة2.

ص: 214


1- التهذيب 3:156 ح 334.
2- راجع:المبسوط 1:173،المهذب 1:125،الوسيلة:112.
3- الكافي 3:463 ح 2،التهذيب 3:156 ح 335.
4- سورة المائدة:2.

فيها على التعليل.و يمكن ان تكون تعليلية بمعنى:كي،كما تشعر به أخبار كثيرة (1)،فيكون الدعاء سببا في الانجلاء،و لهذا قال الفقهاء المطلوب بالصلاة.ردّ النور الى الشمس و القمر (2).و يحتج بهذا على شرعية الإعادة و تكريرها،ليحصل الغرض من الصلاة.

و ذهب ابن إدريس الى ان الإعادة غير واجبة و لا مستحبة (3)و لا نرى له مأخذا مع مخالفته فتاوى الأصحاب و الاخبار.وهب ان الاخبار من باب الآحاد أ ليس ان الأصحاب مطبقون قبله على شرعية الإعادة،و الأحكام الشرعية تثبت بمثل هذا عنده و عند غيره.

و المعتمد الاستحباب.و قول المرتضى و من تبعه (4)يمكن حمله عليه أيضا،فتصير المسألة متفقا عليها.

و قد روى عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فضيلة تطويل الصلاة،ثم قال:

«و ان أحببت ان تصلي،فتفرغ من صلاتك قبل ان يذهب الكسوف،فهو جائز» (5)و هذا الحديث ينفي وجوب الإعادة صريحا.

لا يقال:نحن نقول بموجبه،فان المراد جواز الفراغ من صلاة واحدة قبل انجلائه،و لا يلزم منه عدم وجوب أخرى.

لأنا نقول:أمره بتطويل الصلاة الى ان يذهب الكسوف عن الشمس6.

ص: 215


1- لعله أراد إشعار الأمر بالفزع و المبادرة إلى المساجد،الموجود في:التهذيب 3: 293 ح 887 و الفقيه 1:340 ح 1509 و 341 ح 1510.و في الفقيه 1:342 ح 1513:«ليصرف عنهم شرها»فلعل المراد صرف الشر بالانجلاء،فتأمل.
2- راجع:المعتبر 2:332،تذكرة الفقهاء 1:164.
3- السرائر:72.
4- تقدم في ص 213 الهامش 5-7.
5- التهذيب 3:291 ح 876.

و القمر،ثم أردفه بقوله:«و ان أحببت»إلى آخره،فكما ان الاولى لا تكرار فيها فكذا الثانية.و لان المفهوم من صلاته التي خوطب بها،فلو كان وراءها صلاة مخاطب بها لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة و انه باطل،و قد تقرر في الأصول.

لا يقال:هذا يصلح حجّة لابن إدريس،لأنّه قسّم الحال إلى قسمين:

تطويل الصلاة بحيث تطابق الانجلاء،و عدم تطويلها.و لم يذكر الإعادة، فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة.

لأنا نقول:حكم بالجواز على قسم الفراغ قبل الانجلاء و لا نزاع فيه و جعله مقابل التطويل المستحب،فكأنّ غرض السائل كان منحصرا في هذين الشيئين و ذلك لا ينافي استحباب الإعادة بدليل أخر و انما يتوجه طلب القسمة الحاصرة أن لو أريد حصر جميع الأقسام الممكنة و هنا اقتصر على القسمين بحسب المقام.

مسائل
الأولى:يستحب ان تصلّى تحت السماء،

رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا تحت (1)بيت فافعل» (2).

و لو صليت في المسجد صليت في رحبته المكشوفة.و هل هي الفضل من الصحراء؟الظاهر نعم،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه صلاها في

ص: 216


1- في المصدرين:«يجنك»اي:يسترك،الصحاح-مادة جنن.
2- الكافي 3:463 ح 2،التهذيب 3:156 ح 335.

مسجده (1).و روى يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انه خرج مع أبيه إلى المسجد الحرام فصليا فيه لخسوف القمر» (2).

و لعلّ رجحان البروز لعلم حال الانجلاء به.

الثانية:يستحب فيها الجماعة،

سواء كانت كسوفا أو خسوفا أو غيرها،لما روى الخاصة و العامة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاّها في جماعة (3).

و تتأكد الجماعة إذا أوعب الاحتراق،لما رواه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام،قال:«إذا انكسفت الشمس و القمر،فإنه ينبغي للناس ان يفزعوا الى امام يصلي بهم،و أيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل ان يصلي وحده» (4).

و قال الصدوقان:إذا احترق القرص كله فصلّها في جماعة،و ان احترق بعضه فصلها فرادى (5).

فإن أرادا نفي تأكد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق، و ان أرادا نفي استحباب الجماعة و ترجيح الفرادى طولبا بالدليل.و هذه الرواية غير ناهضة به،فإنها انما تدل على أجزاء صلاته وحده لا على استحبابها،بل ظاهرها ان الجماعة أفضل من الانفراد-و ان كانت دون الجماعة في الفضل-إذا عمّ الاحتراق.

و ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا و عند الأكثر.و خالف فيه بعض

ص: 217


1- سنن أبي داود 1:307 ح 1180،سنن النسائي 3:128.
2- التهذيب 3:292 ح 880،الاستبصار 1:453 ح 1754.
3- التهذيب 3:293 ح 885،سنن أبي داود 1:309 ح 1187،سنن النسائي 3: 128.
4- التهذيب 3:292 ح 881.
5- المقنع:44،مختلف الشيعة:118.

العامة،حيث قال:لا تصلّى إلاّ في الجماعة (1).و قد روى الأصحاب عن روح بن عبد الرحيم عن الصادق عليه السّلام و سأله عن صلاة الكسوف،أ تصلّى جماعة؟قال:جماعة و فرادى (2).

الثالثة:لا منع من هذه الصلاة في الأوقات الخمسة

التي تكره فيها الصلاة المبتدأة نافلة،لأنّها فرض ذو سبب.و قد روى محمد بن حمران و جميل عن الصادق عليه السّلام فعل ها عند طلوع الشمس و غروبها (3).

النظر الثالث (4):في اللواحق.
اشارة

النظر الثالث(4):في اللواحق. و فيه مسائل:

الاولى:لا خطبة لهذه الصلاة وجوبا و لا استحبابا،

للأصل،و لعدم ذكرها في أكثر الاخبار.

و روايتهم عن عائشة:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما فرغ منها خطب الناس، فحمد اللّه تعالى و اثنى عليه ثم قال:«إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه تعالى،و انّهما لا ينخسفان لموت أحد و لا لحياته،فإذا رأيتموهما فكبّروا و ادعوا و صلّوا و تصدقوا.يا امّة محمد إن ما من أحد أغير من اللّه ان يزني عبده أو تزني أمته.يا امّة محمد لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا.ألاّ هل بلّغت» (5)حكاية حال و هي و لا تعم،و لعل ذلك

ص: 218


1- قال الثوري و محمد بن الحسن،راجع:المغني 2:274،حلية العلماء 2: 270،الشرح الكبير 2:274.
2- التهذيب 3:292 ح 882.
3- رواية محمد في التهذيب 3:155 ح 331.و رواية جميل في الكافي 3:464 ح 4.
4- في النسخ:الرابع.و لعله سهو لعدم ذكر الثالث فيما تقدم.
5- صحيح مسلم 2:618 ح 901،سنن النسائي 3:132،الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان 4:220 ح 2834،السنن الكبرى 3:322.

الكسوف كان مقرونا بما اقتضى هذه الخطبة،لأنه قد روى في الصحيح انها كسفت يوم مات إبراهيم ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-كما سلف (1)-فقال ذلك ليزيل و همهم.

و في رواية جابر-في صحاحهم أيضا-انه قال صلّى اللّه عليه و آله:«انه عرض عليّ كل شيء تولجونه،فعرضت عليّ الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته،أو قد (2)تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه،و عرضت عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض،و رأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار،و انهم كانوا يقولون:ان الشمس و القمر لا يخسفان إلاّ لموت عظيم،و انهما آيتان من آيات اللّه يريكموهما،فإذا خسفا فصلّوا حتى ينجلي» (3)و في هذا دليل على إزاحة ما كانوا يعتقدونه من الجهالة و حكاية ما رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله من المبشرات و المنذرات فلا يكون ذلك شرعا عاما.

و القطف:العنقود من العنب-بكسر القاف-و هو اسم لما قطف، كالذبح و الطحن.و خشاش الأرض:هو أمّها،يقال بكسر الخاء و قد تفتح.

و القصب:المعى،بضم القاف و سكون الصاد المهملة،و جمعه:اقصاب.

الثانية هل تصلّى هذه الصلاة على الراحلة؟

لا تجوز ان تصلّى هذه الصلاة على الراحلة إلاّ مع الضرورة كسائر الفرائض.

ص: 219


1- تقدم في ص 212-213 الهامش 1.
2- في المصدرين:قال.
3- صحيح مسلم 2:622 ح 904،كنز العمال 8:424 ح 23511 عن ابن جرير.

و قد روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام:أنّه لا يصلّى على الراحلة شيء من الفروض (1).

و روى علي بن فضل الواسطي،قال:كتب إلى الرضا عليه السّلام:إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول،فكتب:صلّ على مركبك الذي أنت عليه» (2).

و قال ابن الجنيد:هي واجبة على كل مخاطب،سواء كان على الأرض أو راكب سفينة أو دابة،و يستحب أن يصليها على الأرض و إلاّ فبحسب حاله (3).و ربما احتجّ له بجواب المكاتبة.فإنّه لم يقيّد فيه بالضرورة،و هو ضعيف،لأنّ الجواب مقيّد بالسؤال.

الثالثة حكم ما لو تبين في أثناء صلاة الكسوف ضيق وقت

الحاضرة]

لو شرع في صلاة الكسوف،فتبين في الأثناء ضيق وقت الحاضرة،قطعها و صلّى الحاضرة،ثم صلّى الكسوف من أولها.

و في النهاية:إن بدأ بصلاة الكسوف و دخل عليه وقت فريضة، قطعها و صلّى الفريضة،ثم رجع فتمّم صلاته (4).و هو قول المفيد (5)و المرتضى في المصباح (6)و ابني بابويه (7)و ابن البراج (8)و ابن حمزة (9).

ص: 220


1- التهذيب 3:308 ح 954.
2- قرب الأسناد:174،الكافي 3:465 ح 7،الفقيه 1:346 ح 1531،التهذيب 3:391 ح 878.
3- مختلف الشيعة:118.
4- النهاية:137.
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:341.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر 2:341.
7- الفقيه 1:347،المقنع:44،مختلف الشيعة:118.
8- المهذب 1:125.
9- في الوسيلة:112 لم يذكر البناء،و لعل ذكر ذلك في كتابه الآخر«الواسطة».

و في المبسوط:إذا دخل في صلاة الكسوف فدخل عليه الوقت، قطع صلاة الكسوف ثم صلّى الفرض،ثم استأنف صلاة الكسوف (1).فقد وافق في قطعها بالدخول كلام الجماعة،و خالف في البناء حيث أوجب الاستئناف.

و المسألة مبنيّة على وجوب تقديم الحاضرة على الكسوف لو اجتمعا و اتسع الوقتان.و هو قول ابني بابويه (2)و الشيخ-في الجمل و النهاية (3)- و اتباعه (4).

و قال السيد المرتضى و ابن أبي عقيل:يصلّي الكسوف ما لم يخش فوت الحاضرة،بأن يبتدأ بالحاضرة ثم يعود إلى صلاة الكسوف (5).

و في المبسوط احتاط بمذهب النهاية بعد قوله بجواز فعل صلاة الكسوف أول وقت الحاضرة (6)و الفاضلان على هذا (7)و هو قول ابن الجنيد (8).

و لا خلاف أنّ الحاضرة أولى مع خوف فوت وقتها.و الظاهر أنّه لو7.

ص: 221


1- المبسوط 1:172.
2- الفقيه 1:347،المقنع:44،مختلف الشيعة:118.
3- النهاية:137،الجمل و العقود:175،ضمن الرسائل العشر للشيخ الطوسي.
4- راجع:المهذب 1:125.
5- جمل العلم و العمل 3:45،مختلف الشيعة:117.
6- المبسوط 1:172.
7- شرائع الإسلام 1:104،المعتبر 2:340،المختلف:117.
8- مختلف الشيعة:117.

خاف فوت الكسوف،مع علمه باتساع وقت الحاضرة،قدّم الكسوف عند هؤلاء.و لو تضيّقا قدّم الحاضرة أيضا.

و نقل في المعتبر أنّ أكثر الأصحاب على التخيير مع اتساع الوقتين، و عن أبي الصلاح ذلك أيضا (1)و نقل عنه الفاضل موافقة النهاية (2)و عبارته هذه:فإن دخل وقت فريضة من الخمس و هو فيها فليتمها ثم يصلي الفرض،فإن خاف من إتمامها فوات الفرض قطعها و دخل فيه،فإذا فرغ منه بنى على ما مضى من صلاة الكسوف (3).

و رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام:«خمس صلوات لا تترك على (4)حال:إذا طفت بالبيت،و إذا أردت أن تحرم،و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت،و صلاة الكسوف،و الجنازة» (5)تدل على التخيير بظاهرها.

و روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء،فإن صلينا خشينا أن تفوت الفريضة،قال:«إذا خشيت ذلك،فاقطع صلاتك و اقض فريضتك،ثم عد فيها» (6).

و روى أبو أيوب عنه عليه السّلام،و سأله عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب2.

ص: 222


1- المعتبر 2:340.
2- مختلف الشيعة:118 و نقل فيه موافقة أبي الصلاح لاختياره،و راجع مفتاح الكرامة 3:233.
3- الكافي في الفقه:156.
4- في ط و المصدرين زيادة:«كل».
5- الكافي 3:287 ح 2،التهذيب 2:172 ح 683.
6- التهذيب 3:155 ح 332.

الشمس و يخشى فوت الفريضة،فقال:«اقطعوها و صلّوا الفريضة،و عودوا إلى صلاتكم» (1).

و لعلّ الجماعة يتمسّكون بهاتين الروايتين على التقديم مع السعة، و على القطع مع دخول الوقت و البناء،و هما صحيحتان إلاّ أنّ دلالتهما على ذلك غير صريحة.نعم،روى الصدوق عن محمد بن مسلم و بريد عن الباقر عليه السّلام:«فإذا فرغت من الفريضة،فارجع إلى حيث كنت قطعت فصل و احتسب بما مضى» (2)و زيادة الثقة مقبولة.

و على كل حال فالمعتمد التخيير مع السعة،و ما قدمناه أولا لو فجأه الضيق،لأنّ البناء بعد تخلل صلاة أجنبية لم يعهد في الشارع تجويزه في غير هذا الموضع.و الاعتذار بأنّ الفعل الكثير يغتفر هنا،لعدم منافاته الصلاة،بعيد،فإنّا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشرع بالإبطال و الشروع في الحاضرة،فإذا فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم صلاة الكسوف،فيجب إعادتها من رأس،تحصيلا ليقين البراءة.

الرابعة:لو اجتمعت مع صلاة الليل قدّمها على النافلة،

لأنّ مراعاة الفرض أولى من النفل،سواء خاف فوت النافلة أو لا،و سواء اتسع الوقتان أو اتسع وقت الكسوف.

و قد روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام،قلت:إذا كان الكسوف آخر الليل،فبأيهما نبدأ؟فقال:«صلّ صلاة الكسوف،و اقض صلاة الليل

ص: 223


1- التهذيب 3:293 ح 888.
2- الفقيه 1:346 ح 1530 عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.

حين تصبح» (1).

فروع:

الأول: لو كانت صلاة الليل منذورة،فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السالف.و هل ينسحب فيها قول البناء،و كذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟الظاهر لا،اقتصارا على مورد النص،مع المخالفة للأصل.

الثاني: لو جامعت صلاة الاستسقاء أو غيرها من النوافل،قدّمت الكسوف،لمثل ما قلناه في صلاة الليل.

الثالث: لو اشتغل بالصلاة الواجبة عند خوف ضيق الوقت ففاتته الكسوف،فان كان قد فرّط في فعل الحاضرة أول الوقت فالأقرب قضاء الكسوف،لاستناد إهمالها الى ما تقدم من تقصيره.و يحتمل عدمه،لأن التأخير كان مباحا الى ذلك الوقت،ثم تعيّن عليه الفعل بسبب التضيق و اقتضى ذلك الفوات،فهو بالنظر الى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف،فلا يجب الأداء لعدم التمكن،و لا القضاء لعدم الاستقرار.

اما لو كان ترك الحاضرة لعذر-كالحيض،و الإغماء،و الصبي، و الجنون-فعدم قضاء الكسوف أظهر،لعدم التفريط هنا.

و في إجراء الناسي،و الكافر يسلم عند تضيق الوقت،مجرى المعذور،عندي تردد،لان التحفظ من النسيان ممكن غالبا،و الكافر مأخوذ بالإسلام و مخاطب بالصلاة،و من عموم:«رفع عن أمتي الخطأ2.

ص: 224


1- التهذيب 3:155 ح 332.

و النسيان» (1)،و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الإسلام يجب ما قبله» (2).

و لو قيل بقضاء الكسوف مطلقا كان وجها،لوجود سبب الوجوب فلا ينافيه العارض.

أمّا الحائض فلا تقضي الكسوف الحاصل في أيام الحيض،لأنّ الحيض مانع للسبب،بخلاف بقية الاعذار،فإنّه يمكن كونها مانعة الحكم لا السبب.

الرابع: لو جامعت صلاة العيد،بأن تجب بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين-نظرا إلى قدرة اللّه تعالى-و إن لم يكن معتادا.على أنّه قد اشتهر أنّ الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين عليه السّلام كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها،رواه البيهقي (3)و غيره (4).و قد قدّمناه ان الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي صلّى اللّه عليه و آله (5)،و روى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنّه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول (6).و روى الأصحاب أنّ من علامات المهدي كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان (7).

فحينئذ إذا اجتمع الكسوف و العيد،فإن كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف،و إن كانت فريضة فكما مرّ من التفصيل في الفرائض.نعم،تقدّم0.

ص: 225


1- الفقيه 1:36 ح 132،تحف العقول:35،دعائم الإسلام 1:232،الخصال:417. ح 9.
2- مسند أحمد 4:199 و 204 و 205،فردوس الأخبار 1:118 ح 400.
3- السنن الكبرى 3:337.
4- رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9:197،و الكنجي في كفاية الطالب: 444،و الخوارزمي في مقتل الحسين 2:89.
5- تقدّم في ص 212-213 الهامش 1.
6- حكاه عنه البيهقي في سننه 3:337.
7- الكافي 8:212،الإرشاد للمفيد:359،و الغيبة للطوسي:270.

على خطبة العيدين إن قلنا باستحبابهما كما هو المشهور.

الخامس: لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها أداء طول العمر (1)،فتقدّم عليها الحاضرة مع تضيقها،و يتخيّر مع السعة.و كذا باقي الآيات إن قلنا بمساواتها الزلزلة.

و في انسحاب خلاف الجماعة فيها نظر،من عدم دلالة الرواية عليه، و من أنّ اهتمام الشارع بالحاضرة أشدّ و وجوبها ألزم.

السادس: لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد-كالكسوف، و الزلزلة،و الريح المظلمة-فإن اتسع الوقت للجميع تخيّر في التقديم.

و يمكن وجوب تقديم الكسوف على الآيات-لشك بعض الأصحاب في وجوبها (2)-و تقديم الزلزلة على الباقي لأنّ دليل وجوبها أقوى.

و لو اتسع لصلاتين فصاعدا،و كانت الصلوات أكثر مما يتسع له،احتمل قويا هنا تقديم الكسوف،ثم الزلزلة،ثم يتخيّر في باقي الآيات.و لا يقضي ما لا (3)يتسع له،إلاّ على احتمال عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات.

و لو وسع واحدة لا غير،فالأقرب تقديم الكسوف،للإجماع عليه.

و في وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان.و على قول الأصحاب -بأنّ اتساع الوقت لها ليس بشرط-يصليها من بعد قطعا،و كذا الكلام في باقي الآيات.

السابع: هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقتم.

ص: 226


1- راجع:المبسوط 1:172،النهاية:136،شرائع الإسلام 1:103،قواعد الاحكام:39.
2- حكاه في شرائع الإسلام 1:103،و لم يتعرض لغير صلاة الخسوف و الكسوف أبو الصلاح في الكافي:155.
3- في المتن من س،و الباقي:ما لم.

لجميعها،أم يكفي ركعة بسجدتيها،أم يكفي مسمّى الركوع لأنّه يسمى ركعة لغة و شرعا في هذه الصلاة،أم لا؟احتمالات:

من تغليب السبب فلا يشترط شيء من ذلك فتكون كالزلزلة،إلاّ أنّ هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب.

و من إجرائها مجرى اليومية،فتعتبر الركعة.

و من خروج اليومية بالنص،فلا يتعدّى إلى غيرها.

الثامن: لو اشتغل بالكسوف لظنّه سعة الحاضرة،فتبين ضيق وقتهما، ففي تقديم أيهما وجهان للفاضل،من سبق انعقاد الكسوف فيتمها للنهي عن إبطال العمل،و من أهمية الحاضرة (1).و يقوى الاشكال لو كان إذا أتمّ الكسوف أدرك من الحاضرة ركعة،لأنّ فيه جمعا بين الصلاتين أداء،و من أنّ فيه تركا لبعض الحاضرة في الوقت مع القدرة عليه.

التاسع: لو ضاق وقت الوقوف بعرفة أو المشعر،و لم يبق للمكلف إلاّ قدر يسع الوصول إليهما و أقل الكون فيهما،ففجئت صلاة الآيات،فالأقرب فعلها ماشيا،تحصيلا للواجبين إذا خاف سبق وقتها.نعم،لو كانت زلزلة أخّرها،لعدم التوقيت.

العاشر: لو اتفقت الآية في اليوم الثامن من ذي الحجة،و خاف الامام أن تفوته صلاة الظهر بمنى،قدّم صلاة الآية،لوجوبها و استحباب تأخر الصلاة.

المسألة الخامسة:يستحب إطالة صلاة كسوف الشمس على صلاة

خسوف القمر،

و قد رواه الأصحاب عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام (2).

و هل ينسحب إلى باقي الآيات حتى يكون الكسوفان أطول منها؟لم نقف فيه على نص.

ص: 227


1- تذكرة الفقهاء 1:165.
2- الكافي 3:463 ح 2،التهذيب 3:156 ح 335.

و قال ابن بابويه:انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام فصلّى بهم،حتى كان الرجل ينظر الى الرجل و قد ابتل قدمه من عرقه (1).

قال:و سأل الصادق عليه السّلام عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الريح و الظلمة في السماء و الكسوف،فقال الصادق عليه السّلام:«صلاتها سواء» (2).

السادسة حكم ما لو كسفت بعض الكواكب أو كسف الشمس بعض

الكواكب]

لو كسف بعض الكواكب،أو كسفت الشمس ببعض الكواكب-كما نقل انّ الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها-فظاهر الخبر السالف في الآيات يقتضي الوجوب (3)لأنّها من الأخاويف.و قوّى الفاضل عدمه،لعدم النص،و أصالة البراءة،و منع كون ذلك مخوفا،فان المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا.و هم لا يشعرون بذلك (4).

السابعة هل تجب الصلاة على المسافر؟

ليس المقام شرطا في وجوب صلاة الكسوف و باقي الآيات، فتجب على المسافر كما تجب على الحاضر،لعموم الأمر.

و كذا تجب على النساء كما تجب على الرجال،غير انه يستحب لذوات الهيئات الصلاة في منازلهن خوف افتتانهنّ أو الفتنة بهنّ،اما غيرهنّ فيستحب لهنّ الجماعة و لو مع الرجال.و لو اتفق الجمع بين صلاة ذوي الهيئات جماعة،و بين ملازمتهن المنزل،كان حسنا.

الثامنة:لو أدرك المأموم الإمام في الركوع الأول تابعه.

و لو أدركه في باقي الركوعات،ففي شرعية الدخول معه وجهان:

أحدهما:نعم،لعموم: «وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ» و الحث على

ص: 228


1- الفقيه 1:341 ح 1511.
2- الفقيه 1:341 ح 1512.
3- سلف في ص 202 هامش 12.
4- تذكرة الفقهاء 1:166،نهاية الإحكام 2:76.

الجماعة.

و الآخر:لا،لعدم النص على مثله.

فإن قلنا بالمتابعة،فالأصح عدم سلامة الاقتداء،لاستلزامه محذورين:

أمّا التخلف عن الإمام،أو تحمّل الامام الركوع،لأنّه إن أتى بما بقي عليه و لما يسجد مع الامام لزم المحذور الأول،و إن رفض الركوعات و سجد لسجود الامام لزم الثاني.

فإن قيل:لم لا ينتظره حتى يقوم إلى الثانية،فإذا انتهى إلى الخامس من عدد المأموم سجد،ثم قام فاقتدى به في باقي الركوعات،فإذا سجد الامام انفرد و أتى بما بقي عليه؟ قلنا:في هذا عدم الاقتداء،و قد قال صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما جعل الإمام إماما ليؤتم به،فإذا ركع فاركعوا»الحديث (1).

فان قيل:لم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد،ثم يلحق الامام فيما بقي من الركعات،و ليس في هذا إلاّ تخلّف عن الامام لعارض،و هو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي إن شاء اللّه؟ قلنا:من قال:إنّ التخلّف عن الامام يقدح فيه فوات ركن،فعلى مذهبه لا يتمّ هذا،و من اغتفر ذلك فإنّما يكون عند الضرورة-كالمزاحمة-و لا ضرورة هنا.

فحينئذ يستأنف المأموم النيّة بعد سجود الامام،و تكون تلك المتابعة».

ص: 229


1- المصنف لعبد الرزاق 2:461 ح 4082،مسند أحمد 2:314،صحيح البخاري 1: 175،صحيح مسلم 1:308 ح 411،سنن ابن ماجة 1:276 ح 846،سنن أبي داود 1:164 ح 603،سنن النسائي 2:83،مسند أبي يعلى 10:315 ح 5909، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:271 ح 2104،و لم ترد في الجميع كلمة«إماما».

لتحصيل الثواب،كما يتابع في اليومية في السجود المجرد عن الركوع،و ظاهر المعتبر أنّه يتابعه في السجود أيضا،فإذا قام إلى الثانية استأنف النية (1).

فرع:

هذا إنّما يكون مشروعا لو ظن المأموم سعة الوقت،أمّا لو ظن الضيق أو تساوى الاحتمالان لم يدخل معه،لأنّه معرّض لخروج الوقت قبل فعل الواجب عليه.

و لو قلنا بالإدراك على هذا الوجه فله الائتمام.

فائدة:

ذكر الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان،عن الرضا عليه السّلام،قال:

«إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللّه تعالى،لا يدرى أ للرحمة ظهرت أم للعذاب،فأحبّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أن تفزع أمته إلى خالقها و راحمها،ليصرف عنهم سوءها و يقيهم مكروهها،كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى اللّه تعالى» (2).

و سأل سليمان الديلمي الصادق عليه السّلام عن سبب الزلزلة،قال:«ان اللّه تعالى و كلّ بعروق الأرض ملكا،فإذا أراد اللّه أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك:ان حرّك عرق كذا و كذا،فيحرك ذلك العرق فيتحرك بأهلها» (3).

و روي أن علي بن مهزيار كتب إلى أبي جعفر عليه السّلام يشكو كثرة الزلازل7.

ص: 230


1- المعتبر 2:336.
2- علل الشرائع:269،و أيضا عيون اخبار الرضا 2:115،الفقيه 1:342 ح 1513.
3- علل الشرائع:556،و يوجد أيضا في الفقيه 1:243 ح 1517.

في الأهواز،و انه يريد التحول عنها،فكتب:«لا تتحول عنها،و صوموا الأربعاء.

و الخميس و الجمعة،و اغتسلوا و طهروا ثيابكم،و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا اللّه فإنه يرفع عنكم».قال:ففعلنا فسكنت (1).

و روى ابن يقطين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من اصابته زلزلة فليقرأ:

يا من يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا الآية صلّ على محمّد و آل محمد،و أمسك عنا السوء انك على كل شيء قدير».و قال:«ان من قرأها عند النوم لم يسقط عليه البيت إن شاء اللّه تعالى» (2).

و عن الصادق عليه السّلام:«أنّ الصاعقة تصيب المؤمن و الكافر و لا تصيب ذاكرا» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«التكبير يردّ الريح» (4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا تسبّوا الريح فإنّها مأمورة،و لا الجبال،و لا الساعات،و لا الأيام و الليالي،فتأثموا و يرجع عليكم» (5).3.

ص: 231


1- علل الشرائع:555،و يوجد أيضا في الفقيه 1:343 ح 1518،التهذيب 3:294. ح 891،و في الجميع:«لا تتحولوا».
2- التهذيب 3:294 ح 892. و الآية الكريمة في سورة فاطر:41.
3- الفقيه 1:344 ح 1519.
4- الفقيه 1:344 ح 1521.
5- علل الشرائع:577،الفقيه 1:344 ح 1523.

ص: 232

الفصل الرابع

في صلاة النذر و شبهه من العهد و اليمين

و هي تابعة لشرط الملتزم بأحدها،فيجب الوفاء به إذا كان مشروعا، لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (2).

و يشترط جميع شرائط اليومية من الطهارة و القبلة و الستر و المكان، و يراعى جميع أركانها و واجباتها.

فلو نذر مشترطا الإخلال ببعض ما هو شرط في الصحة،بطل نذره رأسا،لأنه معصية.

و لو نذرت الحائض ترك الصلاة أيام حيضها انعقد.و الفائدة في الكفارة.

و لو نذر ترك الصلاة في الأوقات المكروهة و الأماكن المكروهة انعقد أيضا،لأنه راجح الترك.فلو فعلها فيه،فان كانت ندبا أمكن القول ببطلانها و لزوم الكفارة،للنهي المحرم المقتضي للفساد،و مخالفة النذر.و أمكن الصحة و لزوم الكفارة،لأن ذلك وصف خارج عن الصلاة.

و ان كانت واجبة،فصلّى في المكان المكروه،ففيه الوجهان أيضا.

و مع الضرورة لا بحث في الصحة و سقوط الكفارة،و لا تتصور الضرورة في النافلة.

و لو نذر فعلها في الوقت و الزمان المكروهين انعقدت مطلقة،فلو

ص: 233


1- سورة المائدة:1.
2- سورة الإنسان:7.

صلاها بالقيد صحت أيضا.و هل يجب فعلها في الزمان الذي كان تكره فيه النافلة؟نصّ عليه الفاضل،لخروجها عن النافلة و صيرورتها واجبة ذات سبب (1).

و لو نذر النافلة جالسا،فالأقرب انعقاده،عملا بما كانت عليه.و وجه البطلان النظر الى ما صارت اليه من الوجوب.

و لو نذرها مستدبرا مسافرا،أو على الراحلة،فكنذر الجلوس فيها.

و لو نذرها مستدبرا حضرا على غير الراحلة،فمن جوز النافلة الى غير القبلة هنا فحكمها عنده حكم نذرها جالسا،و من منع من فعلها الى غير القبلة يبطل القيد.

و في بطلان أصل النذر وجهان:من إجرائه مجرى نذر الصلاة محدثا أو مكشوف العورة،و من انّ القيد لغو فلا عبرة به،و يلزم من القول بهذا إلغاء قيد الصلاة محدثا و انعقادها متطهرا.

و لو قيّد الصلاة بزمان معيّن وجب،فإن أوقعها قبله وجب فعلها فيه، فان تعمّد الإخلال قضى و كفّر،و ان أوقعها بعده لعذر أجزأت،و ان كان لا لعذر و نوى القضاء فهي قضاء و تجب الكفارة.

و لو كان الزمان المعيّن بالنوع كيوم الجمعة،أوقعها في أية جمعة شاء و تكون أداء.

و لو قيّد الصلاة بمكان معين له مزية-كالمسجد،و الحرم،و عرفة، و المشهد-انعقدت.فلو فعلها في الأزيد،ففي إجزائها وجهان:

أحدهما:نعم،إذ فيه الإتيان بالواجب و زيادة أخرى غير منافية.6.

ص: 234


1- تذكرة الفقهاء 1:166.

و الثاني:لا،لانّه نذر منعقد فلا يجوز مخالفته و المنافاة متحققة.

و لو كان المكان المقيّد به لا مزية له،ففي انعقادها فيه وجهان:من أنها طاعة في موضع مباح فتجب،و من إجرائه مجرى نذر المشي المطلق.

فعلى الأول لو فعلها في غيره مما لا مزية له لم يجز،و ان كان له مزية ابتنى على ما سلف.و على الثاني يصليها أين شاء.

و لو عيّن الزمان و المكان معا في النذر تعيّنا،فان خالف الزمان لم يجز،و ان خالف المكان إلى أعلى و وافق الزمان ففيه الوجهان السالفان.

فان قلت:فما الفرق بين الزمان و المكان؟ قلت:الشرع جعل الزمان سببا للوجوب،بخلاف المكان،فإنّه من ضرورة الفعل لا سببية فيه.

و لقائل أن يقول:لا نسلم سببية الوقت هنا للوجوب،و انما سبب الوجوب الالتزام بالنذر و شبهه،و الزمان و المكان أمران عارضان إذ من ضرورات الافعال الظروف،و لا يلزم من سببية الوقت للوجوب في الصلوات الواجبة بالأصالة ثبوته هنا.

و قد يجاب بأن السببية في الوقت حاصلة و ان كان ذلك بالنذر،لأنا لا نعني بالسببية إلاّ توجّه الخطاب الى المكلّف عند حضور الوقت و هو حاصل هنا،و لا يتصور مثل ذلك في المكان إلاّ تبعا للزمان.و هذا حسن.

و لو نذر قراءة سورة معينة مع الفاتحة وجبت،و كذا بعض سورة، فليس له العدول،و ان كان المعدول إليه أكثر حروفا من المنذور،أو منصوصا على فضيلته مثل:آية الكرسي و سورة التوحيد.

و هل يجب مع نذر بعض سورة كاملة؟يحتمل ذلك،بناء على وجوب السورة الكاملة في الفرائض.و يحتمل العدم،لأنّ أصل الصلاة

ص: 235

هنا نافلة فتجب بحسب ما نذره.فعلى الأول،لو قيد نذره بالاقتصار على بعض السورة مع الحمد،احتمل البطلان من رأس لمنافاته الصلاة المشروعة فهو كنذرها محدثا،و الصحة و إلغاء القيد كما سلف.

و لو نذر تكرار الذكر في الركوع انعقد.و لو خرج به عن اسم الصلاة ففيه الوجهان،اعني:انعقاد المطلق،أو البطلان.و ربما احتمل الصحة، بناء على منع تصور الخروج عن الصلاة بمثل هذا التطويل.

و لو نذر احدى النوافل المرغّب فيها وجبت على هيئتها المشروعة، سواء كانت راتبة أو لا،و يتعين وقتها المشروعة فيه.و لو كان وقتها مكملا لفضيلتها-كيوم الجمعة لصلاة جعفر-فان ذكره و إلاّ صلاّها متى شاء.و لا يجب الدعاء المشتملة تلك الصلوات عليه إذا كان عقيبها،و لو كان في أثنائها تسبيح أو دعاء فالأقرب وجوبه،لانه من مشخصاتها.

و لو نذر صلاة الفريضة،ففيه قولان يلتفتان الى انّ فائدة النذر الإيجاب،أو الأعم منه كتأكيد الإيجاب أيضا.فعلى الأول لا ينعقد النذر، و على الثاني ينعقد.و تكون الفائدة بعث العزم على الفعل،و زيادة اللطف في المنع من الترك،و وجوب الكفارة.

و لو أطلق نذر الصلاة تخيّر بين الاثنتين و الثلاث و الأربع،فيراعي فيها ما يراعي في اليومية من التشهد المتخلل و غيره.

و هل تجزئ الواحدة؟فيه قولان:

نعم،للتعبد بها في الوتر،و أصالة البراءة من الزائد،و لحصول مسمى الصلاة إذ هو الأذكار و الافعال.

و الثاني:لا،لعدم التعبد بها في غيره،و لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن

ص: 236

البتيراء (1)و هي الركعة الواحدة.

و لو أطلق عددا-كخمس،أو ست،أو عشر-انعقد،و يصليها مثنى و ثلاث و رباع.و لو صلاّها مثنى،ثم أتى بواحدة حيث يكون العدد فردا، احتمل قويا هنا الاجزاء،لتضمّن نذر العدد المفرد ذلك،بخلاف الإطلاق -أعني:نذر الصلاة مطلقا-و لهذا لو صرّح بنذر ركعة واحدة أجزأ.

و احتمل العدم،لقدرته على الإتيان بهيئة مشروعة إجماعا كالمغرب.

و ينقدح في المسألة قول:إنّ المطلق يحمل على الثنائية فلا يجزئ غيرها،لأنّ المنذور نافلة في المعنى،و النافلة مقصور شرعها غالبا على الركعتين،و لكني لم أظفر بقائل به من الأصحاب و لا غيرهم.

و لو قيّد العدد بخمس فصاعدا بتسليمه،فالظاهر عدم الانعقاد،لعدم التعبّد به،و اختاره ابن إدريس رحمه اللّه (2).و قال الفاضل:يحتمل انعقادها، لأنّها عبادة،و عدم التعبد بها لا يخرجها عن كونها عبادة (3).و لابن إدريس أن يمنع الصغرى،و سند المنع أنّ شرط كونها عبادة أن توافق المتعبّد به.

و لو قيّد الأربع أو أثلاث بتشهد واحد و تسليم آخرها،فالأقرب بطلان النذر من رأس،لأنّه لم يتعبّد بها.و يحتمل الصحة،بناء على مسمى معظم الصلاة.و يحتمل بطلان القيد لا غير،فلو صلاها معه لم تجز.

و يلوح من كلام الفاضل انعقاد هذا النذر،لأنّه قال:لو نذر صلاة مطلقة و صلاها ثلاثا أو أربعا أجزأ إجماعا،و في وجوب التشهد إشكال (4).6.

ص: 237


1- النهاية لابن الأثير 1:93،الفائق 1:72،و راجع:كشف الخفاء 1:330. ح 877.
2- السرائر:356.
3- تذكرة الفقهاء 1:166،نهاية الإحكام 2:86.
4- تذكرة الفقهاء 1:166،نهاية الإحكام 2:86.

و لو قيّد المنذورة بوقت فزاحمت المكتوبة،فالأقرب تقديم المكتوبة،لأنّ وجوبها مطلق.و يحتمل تقديم المنذورة،لتشخصها بهذا الوقت قبل المكتوبة.

فعلى هذا يقضي المكتوبة،و ليس بشيء،لأن الوقت مضروب للمكتوبة في حكم اللّه تعالى بحسب الوضع الشرعي،فلا يخرجه عن ذلك ما يعرض بفعل المكلف.

اما لو نذر استيعاب زمان المكتوبة بالصلوات،فإنه لا ينعقد في القدر المختص بها.و في انعقاده في الباقي عندي تردّد،من انّه نذر واحد فلا يتبعّض،و من وجود المقتضى للصحة في بعضه و البطلان في البعض الآخر.

و يحتمل أن يستثنى مقدار فعل النوافل الراتبة؛لأنه لولاه لحرم فعلها باعتبار النذر،فيكون نذرا مستلزما لتحريم النافلة،فيكون معصية فتبطل فيه.

و يمكن الجواب بان الغرض من النافلة-و هو صورة الصلاة المقربة الى اللّه تعالى-حاصل في هذا المنذور،فلا يضر فوات الخصوصية.

فإن قلنا باستثنائه وجبت المبادرة الى الفريضة،ثم ان صلّى النافلة فذاك،و إلاّ وجب الاشتغال بالمنذورة.

فلو أخلّ بالمبادرة،فإن كان لاشتغاله بالنذر جاز إن قلنا بأنّه يستثني للفريضة وقت يختاره المكلف في مجموع الزمان،و ان قلنا بتخصيص المستثنى بأوله لم يجز العدول الى النذر،إلاّ انّ هذا الاحتمال ضعيف و ان كان العمل به أحوط.و على هذين يتفرع تخصيص النافلة أيضا.

و لو أخلّ بالمبادرة إلى المكتوبة و لما يشتغل بالمنذورة،فالوجه

ص: 238

التحريم،لأنّه نذر استيعاب الأزمنة و هذا منها،و لأنّه لولاه لأدّى إلى الإخلال، إذ تجويز الإخلال قائم حتى يصلّي المكتوبة،فإذا أخّرها إلى آخر الوقت كان إخلالا بالنذر و هو غير جائز،فحينئذ يجب قضاء ما كان يمكن فعله من النذر و كفارة خلف النذر.

هذا في التأخّر الاختياري.

و لو كان التأخّر لضرورة،فإن كان لعذر يسقط التكليف-كالجنون، و الإغماء،و الحيض-فلا بحث،فإن زال في الأثناء وجب الاشتغال بالمكتوبة و المنذورة في أثنائه.و ان كان غير مسقط-كالنسيان-فإنه يصلي المكتوبة و النافلة ان بقي وقتها و قلنا باستثنائها.و في وجوب قضاء القدر الذي كان يمكن فعله من المنذورة احتمال قوي،بناء على وجوب أحد الأمرين بدخول الوقت و لم يأت المكلّف به.

ص: 239

الركن الرابع:في نفل الصلوات
اشارة

قد مضى القول في الرواتب و الباقي لا حصر له،و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الصلاة خير موضوع،فمن شاء استكثر،و من شاء استقل» (1).و لنذكر المهم من ذلك.

فمنها:صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السّلام،

و تسمى:صلاة الحبوة، و صلاة التسبيح.

و هي مشهورة،و ممن رواها أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر بن أبي طالب:يا جعفر إلا أمنحك، ألا أعطيك،ألا أحبوك،ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها،و كنت فررت من الزحف،و كان عليك مثل زبد البحر و رمل عالج ذنوبا غفرت لك.قال:بلى لك رسول اللّه.

قال:تصلي أربع ركعات إن شئت كل ليلة،و إن شئت كل يوم،و ان شئت ففي كل جمعة،و ان شئت ففي كل شهر،و ان شئت ففي كل سنة، تفتتح الصلاة ثم تكبّر خمس عشرة مرة تقول:اللّه أكبر و سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه،ثم تقرأ الحمد و سورة،و تركع فتقولها عشر مرات،ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشر مرات،ثم تخرّ ساجدا فتقولها عشر

ص: 240


1- مسند أحمد 5:178،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1:287 ح 362، المستدرك على الصحيحين 2:597.

ص: 241

مرات،ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشر مرات،ثم تنهض قائما فتقولها خمس عشرة مرة،ثم تقرأ الحمد و سورة ثم تركع فتقولها عشر مرات،ثم وصف كما وصف أولا،ثم تتشهد و تسلم عقيب الركعتين،ثم تصلى ركعتين آخرتين مثل ذلك».هكذا أوردها الصدوق-رحمه اللّه-في كتابه (1).

و روى الشيخ أبو جعفر الكليني بسند معتبر إلى أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر:يا جعفر إلا أمنحك،ألا أعطيك،ألا أحبوك.فقال جعفر:بلى يا رسول اللّه.قال:فظنّ الناس انه يعطيه ذهبا أو فضة،فتشرف الناس لذلك،فقال له:اني أعطيك شيئا إن أنت صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما،أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة،غفر لك ما بينهما،تصلّي أربع ركعات تبتدئ فتقرأ و تقول إذا فرغت:

سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،خمس عشرة مرة بعد القراءة،فإذا ركعت قلته عشرة مرات».ثم وصف ما سلف و قال:«في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة،في أربع ركعات ألف و مائتا تسبيحة و تهليلة و تكبيرة و تحميدة،إن شئت صليتها بالنهار،و إن شئت صليتها بالليل (2).و هذه الرواية أشهر،و عليها معظم الأصحاب.

و مثله رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد،عن صفوان،عن بسطام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:أ يلتزم الرجل أخاه؟فقال:«نعم،انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أنّ جعفرا قد قدم،فقال:و اللّه ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا،أ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر؟فلم يلبث1.

ص: 242


1- الفقيه 1:347 ح 1536.
2- الكافي 3:465 ح 1.

إن جاء فوثب رسول صلّى اللّه عليه و آله فالتزمه و قبّل ما بين عينيه،و قال له:يا جعفر إلا أعطيك»الحديث (1).

قال الصدوق-رحمه اللّه-:بأي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب (2).

و روى إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام:«يقرأ في الأولى إذا زلزلت،و في الثانية و العاديات،و في الثالثة إذا جاء نصر اللّه،و في الرابعة بقل هو اللّه.قلت:فما ثوابها؟قال:«لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له».ثم نظر اليّ فقال:«انما ذلك لك و لأصحابك» (3).

و روى إسحاق بن عمار،قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:من صلّى صلاة جعفر كتب اللّه عزّ و جل له من الأجر مثل ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر؟ قال:«أي و اللّه» (4).

و روى عبد اللّه بن المغيرة انّ الصادق عليه السّلام قال:اقرأ في صلاة جعفر بقل هو اللّه أحد (5).

و روي:في كل ركعة بالإخلاص و الجحد (6).

و روي:القراءة بالزلزلة و النصر و القدر و التوحيد (7).1.

ص: 243


1- التهذيب 3:186 ح 420،عن الحسين بن سعيد عن بسطام.و في وسائل الشيعة 5:195 ح 10073،و الوافي 2:207 كما في المتن.
2- الفقيه 1:348.
3- الكافي 3:466 ح 1،المقنع:43،التهذيب 3:187 ح 423.
4- الكافي 3:467 ح 7،الفقيه 1:349 ح 1540،التهذيب 3:188 ح 426.
5- الفقيه 1:349 ح 1540.
6- التهذيب 3:186 ح 420.
7- الفقيه 1:348 ح 1539،ثواب الاعمال:95،التهذيب 3:186 ح 421.

فوائد: يجوز جعلها من النوافل الراتبة،رواه ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).

و يجوز جعلها من قضاء النوافل،لأن في هذه الرواية من التهذيب:

«و إن شئت جعلتها من قضاء صلاة» (2).

قال ابن الجنيد:يجوز جعلها من قضاء النوافل،و لا أحب الاحتساب بها من شيء من التطوع الموظف عليه (3).و يظهر من بعض الأصحاب جواز جعلها من الفرائض أيضا (4)إذ ليس فيه تغيير فاحش.

و يجوز تجريدها من التسبيح،ثم قضاؤه بعدها و هو ذاهب في حوائجه،لمن كان مستعجلا،رواه ابان و أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).

و تصلّى سفرا و حضرا.و تجوز في المحمل مسافرا.

و لو صلّى منها ركعتين،ثم عرض له عارض،بنى بعد إزالة عارضه، رواه ابن بابويه-رحمه اللّه- (6).

و روى الحسن بن محبوب رفعه،قال:«تقول في آخر ركعة من صلاة جعفر عليه السّلام:يا من لبس العز و الوقار،يا من تعطّف بالمجد و تكرّم به،يا من لا ينبغي التسبيح إلاّ له،يا من أحصى كل شيء علمه،يا ذا النعمة و الطول،يا ذا المن و الفضل،يا ذا القدرة و الكرم،أسألك بمعاقد العز من عرشك،و منتهى الرحمة من كتابك،و باسمك الأعظم الأعلى7.

ص: 244


1- التهذيب 3:187 ح 422.
2- التهذيب 3:187 ح 422.
3- مختلف الشيعة:127.
4- لعله يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:112.
5- الكافي 3:566،ح 3،الفقيه 1:349 ح 1543،التهذيب 3:187 ح 424.
6- الفقيه 1:349 ح 1541،التهذيب 3:309 ح 957.

و كلماتك التامة،أن تصلّي على محمد و آل محمد،و ان تفعل بي كذا و كذا» (1).

و عن أبي سعيد المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:تقول في آخر سجدة من أربع ركعات إذا فرغت من تسبيحك-يعني صلاة جعفر-:«سبحان من لبس العز و الوقار،سبحان من تعطّف بالمجد و تكرّم به،سبحان من لا ينبغي التسبيح إلاّ له،سبحان من احصى كل شيء علمه،سبحان ذي المن و النعم،سبحان ذي القدرة و الكرم،اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك،و منتهى الرحمة من كتابك،و اسمك الأعظم و كلماتك التامة التي تمت صدقا و عدلا،صلّ على محمد و أهل بيته،و افعل بي كذا و كذا» (2).

و يدعو عقيبها بالمنقول.

و هي بتسليمتين على الأظهر،و يظهر من الصدوق في المقنع انّه يرى أنها بتسليمة واحدة (3)،و هو نادر.

تنبيه:

زعم بعض مبغضي العامة ان الخطاب بهذه الصلاة و تعليمها كان للعباس عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله (4)و رواه الترمذي (5).و رواية أهل البيت أوثق،إذ أهل البيت أعلم بما في البيت،على أنّه يمكن أن يكون قد خطابهما بذلك2.

ص: 245


1- الكافي 3:466 ح 5،الفقيه 1:349 ح 1544.
2- الكافي 3:467 ح 6،التهذيب 3:187 ح 425.
3- لم نلاحظه في المقنع،و حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة 127،و راجع: الحدائق الناضرة 10:505،مفتاح الكرامة 3:265.
4- المغني 1:803،الشرح الكبير 1:778.
5- الجامع الصحيح 2:350 ح 482.

في وقتين،و لا استبعاد فيه.

و منها:صلاة سيدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

و هي:ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد و إنّا أنزلناه خمس عشرة مرة،فإذا ركع قرأها خمس عشرة مرة،فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة،فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة،فإذا رفع رأسه من السجود قرأها خمس عشرة مرة،فإذا سجد ثانيا قرأها خمس عشرة مرة،ثم يرفع رأسه من السجود إلى الثانية و يصلّي كذلك.فإذا سلم دعا بالمنقول في المصباح (1)فينصرف و ليس بينه و بين اللّه ذنب إلاّ غفره له.و فعلها يوم الجمعة.

و منها:صلاة علي عليه السّلام يوم الجمعة أيضا.

و هي:أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و خمسين مرة الإخلاص،ثم يدعو بالمنقول،فعن الصادق عليه السّلام:«من صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه،و قضيت حوائجه» (2).

و منها:صلاة فاطمة عليها السّلام،

و هي:ركعتان في الأولى الحمد مرة و القدر مائة مرة،و في الثانية الحمد و الإخلاص مائة مرة.

و نقل ابن بابويه أنّ صلاة فاطمة عليهما السّلام-و تسمّى:صلاة الأوابين-أربع ركعات بتسليمتين،يقرأ في كل ركعة الفاتحة و قل هو اللّه أحد خمسين مرة (3).و روى عن عبد اللّه بن سنان:ان من توضّأ فأسبغ الوضوء و صلاها،انفتل حين ينفتل و ليس بينه و بين اللّه عز و جل ذنب إلاّ غفر له (4).

ص: 246


1- مصباح المتهجد:255.
2- مصباح المتهجد:256.
3- الفقيه 1:356 ح 1559.
4- الفقيه 1:356 ح 1560.
و منها:صلاة الحسين عليه السّلام يوم الجمعة أربع ركعات:

يقرأ في الأولى -بعد التوجّه-الحمد خمسين مرة و كذا الإخلاص،فإذا ركع قرأ الحمد عشرا و كذا الإخلاص،و كذا في الأحوال ففي كل ركعة مائتي مرة،ثم يدعو بالمنقول (1).

و منها:صلاة الأعرابي،

رواها الشيخ عن زيد بن ثابت مرسلا،قال:

أتى رجل من الاعراب الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه إنا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة،و لا نقدر أن نأتيك في كل جمعة،فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين،تقرأ في أول ركعة الحمد مرة و قل أعوذ برب الفلق سبع مرات،و اقرأ في الثانية الحمد مرة واحدة و قل أعوذ برب الناس سبع مرات،فإذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات.ثم تصلّي ثماني ركعات و تسليمتين، فاقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة و إذا جاء نصر اللّه و الفتح مرة و قل هو اللّه خمسا و عشرين مرة.

فإذا فرغت من صلاتك فقل:«سبحان اللّه رب العرش الكريم لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم،فو الذي اصطفى محمدا بالنبوة ما من مؤمن و لا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلاّ و انا ضامن له الجنة،و لا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه و لأبويه ذنوبهما» (2).

و منها:صلاة الاستسقاء.

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«خمس بخمس:ما نقض

ص: 247


1- جمال الأسبوع:271.
2- مصباح المتهجد:281.

العهد قوم إلاّ سلّط اللّه عليهم عدوهم،و ما حكموا بغير ما انزل اللّه إلاّ فشا فيهم الفقر،و ما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت،و لا طففوا الكيل إلاّ منعوا النبات و أخذوا بالسنين،و لا منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم القطر» (1).

و عن الصادق عليه السّلام:«إذا فشت أربعة ظهرت أربعة:إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل،و إذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية،و إذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السماء،و إذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين» (2).

و لما كان الدعاء في الصلاة و بعدها أقرب الى الإجابة،شرع الاستسقاء عند فتور الأمطار و غور الآبار و الأنهار.

و لا خلاف في شرعية الاستسقاء،و قد كان مشروعا في الملل السالفة.قال اللّه تعالى وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ (3)و قال تعالى:

اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (4) .

و استسقى النبي صلّى اللّه عليه و آله،و علي عليه السّلام،و الأئمة،و الصحابة،و صلّوا ركعتين (5).ة.

ص: 248


1- مجمع الزوائد 3:65،كنز العمال 16:79 ح 44006،عن الطبراني في الكبير.
2- الفقيه 1:332 ح 1491،التهذيب 3:147 ح 318.
3- سورة البقرة:60.
4- سورة نوح:10-11.
5- استسقاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و صلاته سيأتي في الهوامش 3-5 في ص:249 و استسقاء الإمام علي عليه السّلام و الصحابة و صلاتهم في:الأم 1:249،المصنّف لعبد الرزاق 3:85 ح 4895 و استسقاء الرضا عليه السّلام في عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2:167 باب 41 ح 1،و لكن ليس فيه ذكر للصلاة.

فبطل قول بعض العامة ببدعية الصلاة،و إنّما هو دعاء و استغفار، قالوا:استسقى النبي صلّى اللّه عليه و آله على المنبر و لم يصلّ لها (1).

قلنا:نحن لا نمنع جوازه بغير صلاة،و كما أنّه نقل ذلك أيضا أنّه صلّى ركعتين للاستسقاء،رواه أبو هريرة (2)و عائشة (3)و ابن عباس و عقبة (4).و روت عائشة:أنّه بعد دعائه على المنبر نزل فصلّى ركعتين (5).

و هنا مسائل:

الأولى: يستحب أن يأمر الإمام الناس في خطبة الجمعة و غيرها بتقديم التوبة و الإخلاص للّه تعالى و الانقطاع إليه،و يأمرهم بالصوم ثلاثا عقيبها،ليخرجوا يوم الاثنين صائمين،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنّ دعوة الصائم لا ترد (6)و أمر الصادق عليه السّلام محمد بن خالد و الي المدينة بالخروج يوم الاثنين،فإن لم يتفق فيوم الجمعة (7).2.

ص: 249


1- قاله أبو حنيفة،راجع:المجموع 5:100،المغني 2:285،المبسوط للسرخسي 2:76،اللباب 1:120. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله في:صحيح البخاري 2:34،صحيح مسلم 2:612 ح 897،سنن أبي داود 1:304 ح 1174،سنن النسائي 3:159.
2- سنن ابن ماجة:304 ح 1268،السنن الكبرى 3:347.
3- سنن أبي داود 1:304 ح 1173،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4:227 ح 2849،المستدرك على الصحيحين 1:328.
4- المصنف لعبد الرزاق 3:84 ح 4893،مسند أحمد 1:355،سنن ابن ماجة 1:403 ح 1266 سنن أبي داود 1:302 ح 1165،سنن النسائي 3:156، سنن الدار قطني 2:68،المستدرك على الصحيحين 1:326،السنن الكبرى 3: 347.
5- راجع الهامش 3.
6- مسند أحمد 2:305،سنن ابن ماجة 1:557 ح 1752،السنن الكبرى 3: 345.
7- الكافي 3:462 ح 1،التهذيب 3:148 ح 322.

و أبو الصلاح-رحمه اللّه-لم يذكر سوى الجمعة (1).

و المفيد-رحمه اللّه-و ابن أبي عقيل،و ابن الجنيد،و سلار لم يعيّنوا يوما (2).

و لا ريب في جواز الخروج سائر الأيام،و انما اختير الجمعة لما ورد:

«ان العبد ليسأل الحاجة فتؤخّر الإجابة إلى يوم الجمعة» (3).

و لا يحتاج الى صوم أربعة و الخروج في الرابع،لقضية الأصل.

الثانية:يستحب أن يخرج الناس حفاة بالسكينة و الوقار، مبالغة في الخضوع،و ليكونوا مطرقي رءوسهم مخبتين،مكثرين ذكر اللّه عزّ و جل، و الاستغفار من ذنوبهم و سيئ أعمالهم.

قال بعض الأصحاب:و ليكن في ثياب بذلته و تواضعه،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله (4).

و يخصّ الإمام بأمره أهل الورع و الصلاح،لأنّ دعاءهم أقرب الى الإجابة.و الشيوخ و الشيخات و الأطفال،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لو لا أطفال رضّع،و شيوخ ركع،و بهائم رتع،لصببنا عليكم العذاب صبا» (5).و أبناء الثمانين أحرى،لما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما تقدّم من ذنوبه و ما تأخّر» (6).».

ص: 250


1- لاحظ:الكافي في الفقه:162.
2- لاحظ:المقنعة:34،المراسم:83،مختلف الشيعة:125.
3- الكافي 2:355 ح 6.
4- تذكرة الفقهاء 1:176.
5- نثر الدرر 1:153،السنن الكبرى 3:345،مجمع الزوائد 10:227،الجامع الصغير 2:443 ح 7523 عن الطبراني في الكبير و البيهقي.
6- مسند احمد 3:217،مسند أبي يعلى الموصلي 6:352 ح 3678،و فيهما: «إذا بلغ الرجل التسعين».

و يمنع من الخروج الشواب من النساء خوف الفتنة،و الكفار لانّه مغضوب عليهم،و لقوله تعالى وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (1)و المتظاهر بالفسق و المنكر من المسلمين.

و تخرج معهم البهائم،لقوله عليه السّلام:«و بهائم رتع» (2).و روي ان سليمان عليه السّلام خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها،و هي تقول:«اللهم إنا خلق من خلقك،و لا غنى بنا عن رزقك،فلا تهلكنا بذنوب بني آدم»،و هي رافعة قائمة من قوائمها إلى السماء،أورده الصادق عليه السّلام عن سليمان عليه السّلام،فقال سليمان:«ارجعوا فقد سقيتم بغيركم» (3).

و يأمرهم بالخروج من المظالم،و الاستغفار،و الصدقة،و ترك الشحناء،لقوله تعالى وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (4).

و يفرق بين الأطفال و أمهاتهم،استجلابا للبكاء و الخشوع.

و قال السيد المرتضى-رحمه اللّه-و ابن الجنيد،و ابن أبي عقيل:ينقل المنبر فيحمل بين يدي الإمام إلى الصحراء (5)و قد رواه قرة مولى خالد عن5.

ص: 251


1- سورة غافر:50.
2- تقدم في الهامش 6.
3- الكافي 8:246 ح 344،الفقيه 1:333 ح 1493،و نحوه في سنن الدار قطني 2:66،المستدرك على الصحيحين 1:325.
4- سورة الأعراف:96.
5- حكاه عنهم العلامة في مختلف الشيعة:125.

الصادق عليه السّلام (1).

و قال ابن إدريس:الأظهر في الرواية أنّه لا ينقل،بل يكون كمنبر العيد معمولا من طين (2).

و لعل الأول أولى،لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أخرج المنبر في الاستسقاء (3)و لم يخرجه في العيد (4).

الثالثة:يستحب الإصحار بها إجماعا -و من أنكر الصلاة قال:

يستسقى على المنبر بالجامع (5)-لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خرج إلى المصلّى (6).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«قضت السنّة أنّه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء،و لا يستسقي في المساجد إلاّ بمكة» (7)و اختصاص مكة لمزيد الشرف في مسجدها.

و لو حصل مانع من الصحراء-كخوف و شبهه-جازت في المساجد.

و يستحب أن يخرج المؤذنون بين يدي الإمام بأيديهم العنز.و ليكن5.

ص: 252


1- الكافي 3:462 ح 1،التهذيب 3:148 ح 322،عن مرة مولى خالد.
2- السرائر:72.
3- سنن أبي داود 1:304 ح 1173.
4- السنن الكبرى 3:298 و فيه:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخطب يوم عيد على ناقة خرماء،مسند احمد 3:10،52،سنن أبي داود 1:296 ح 1140،سنن ابن ماجة 1:406 ح 1275 و فيها:يا مروان خالفت السنة،أخرجت المنبر يوم عيد و لم يكن يخرج به.
5- قاله أبو حنيفة:على ما في المغني 2:285،و الشرح الكبير 2:383، و المبسوط للسرخسي 2:76،و المجموع 5:100.
6- صحيح مسلم 2:611 ح 894،سنن ابن ماجة 1:403 ح 1267،سنن أبي داود 1:303 ح 1167،الجامع الصحيح 2:442 ح 556،سنن النسائي 3: 155،سنن الدار قطني 2:66،السنن الكبرى 3:344.
7- قرب الاسناد:64،التهذيب 3:150 ح 325.

الاستسقاء في مكان نظيف،و عليهم السكينة و الوقار و الخشوع و خصوصا الإمام،لرواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام (1).

و ابن أبي عقيل و المفيد و جماعة لم يستثنوا المسجد الحرام (2).

و ظاهر ابن الجنيد استثناء المسجدين (3).

الرابعة:أذانها أن يقول:الصلاة،ثلاثا. و يجوز النصب بإضمار احضروا و شبهه،و الرفع بإضمار مبتدأ أو خبر،كما سبق في العيد.

و قال بعض العامة:يقول:الصلاة جامعة (4)و لا مانع منه.و يصح فيه رفعهما و نصبهما،و نصب الأول و رفع الثاني،و بالعكس.

و وقتها وقت العيد في ظاهر كلام الأصحاب.

و صرّح ابن أبي عقيل بأنّ الخروج في صدر النهار (5).

و أبو الصلاح:عند انبساط الشمس (6).

و ابن الجنيد بعد صلاة الفجر (7).

و الشيخان:لم يعينا وقتا إلاّ أنّهما حكما بمساواتها العيد (8)،كما في رواية تعليم الصادق عليه السّلام (9).3.

ص: 253


1- الكافي 3:462 ح 2،التهذيب 3:149 ح 323.
2- راجع:المقنعة:34،المراسم:83،مختلف الشيعة:126.
3- مختلف الشيعة:126.
4- المغني 2:286،الشرح الكبير 2:285 و 297،المهذب 1:131،المجموع 5: 72،فتح العزيز 5:97.
5- مختلف الشيعة:126.
6- الكافي في الفقه:162.
7- مختلف الشيعة:126.
8- المقنعة:34،المبسوط 1:134،النهاية:138.
9- الكافي 3:462 ح 2،التهذيب 3:149 ح 323.

و قال في التذكرة:توقع بعد الزوال (1)،و نقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة (2).

و تجوز جماعة و فرادى،و الجماعة أفضل،لأنّ الاجتماع على الدعاء فمن بالإجابة،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى صلاة جماعة،ثم سأل اللّه حاجة، قضيت له» (3)و لانه صلّى اللّه عليه و آله صلاّها جماعة (4).و لا يشترط في الجماعة اذن الامام.

الخامسة:صفتها كصفة صلاة العيد، فيقرأ الحمد و سورة،و يكبّر في الأولى بعد القراءة خمسا،و في الثانية أربعا،غير التكبيرات المعهودة في الصلاة.

و الأقرب استحباب ما يقرأ في العيد من السور.و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:انه كان يقرأ في العيدين،و الاستسقاء،في الأولى بالأعلى و في الثانية بالغاشيه (5).

و القنوت هنا بالاستغفار،و الدعاء بإنزال الرحمة و توفير المياه.

و ليبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و يختم بها،لما روي عن علي عليه السّلام:

«إذا سألتم اللّه حاجة فصلّوا على النبي و آله،فان اللّه تعالى إذا سئل عنة.

ص: 254


1- تذكرة الفقهاء 1:168.
2- نقله عنه في:المغني 2:286،الشرح الكبير 2:285.و لكن الموجود في الاستذكار 7:139 ح 9962:و الخروج الى الاستسقاء وقت خروج الناس إلى العيد عند جماعة العلماء إلاّ أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإنه قال:الخروج إليها عند زوال الشمس،و انظر بداية المجتهد 1:219.
3- أورده المحقق في المعتبر 2:363،و العلامة في تذكرة الفقهاء 1:168.
4- سنن ابن ماجة 1:403 ح 1268،السنن الكبرى 3:344.
5- المغني 2:285 عن غريب الحديث لابن قتيبة.

حاجتين يستحيي أن يقضي إحداهما دون الأخرى» (1).

و ليقدّم الثناء على اللّه تعالى،لرواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام:

«انه يحمد اللّه و يمجده،و يثني عليه،و يجتهد في الدعاء» (2).

و يستحب ان يعترف بذنبه طالبا من اللّه تعالى الرحمة و المغفرة.

و في القرآن العزيز إشارة الى ذلك كله.قال اللّه تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (3).

و حكى:عن آدم و حواء رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (4).

و عن نوح عليه السّلام وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (5).

و عن يونس لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (6).

و عن موسى عليه السّلام رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي (7).

و ليلح في الدعاء،للخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه يحب الملحين في الدعاء» (8).6.

ص: 255


1- نهج البلاغة،الحكمة رقم 361.
2- الكافي 3:462 ح 2،التهذيب 3:149 ح 323.
3- سورة الأعلى:14-15.
4- سورة الأعراف:23.
5- سورة هود:47.
6- سورة الأنبياء:87.
7- سورة القصص:16.
8- الكامل لابن عدي 7:2621،و عنه و عن الحكيم و البيهقي في شعب الإيمان أخرجه السيوطي في الجامع الصغير 1:286 ح 1876.

و لو تأخّرت الإجابة كرروا الخروج حتى يجابوا،اما بصوم مستأنف، أو بالبناء على الأول.

و قال بن الجنيد:إن لم يمطروا،و لا أظلتهم غمامة،لم ينصرفوا إلاّ عند وجوب صلاة الظهر.و لو أقاموا بقية نهارهم كان أحبّ اليّ،فان أجيبوا و إلاّ تواعدوا على الغدوة يوما ثانيا و ثالثا (1).

السادسة:يستحب للإمام انّ يحوّل رداءه، فيجعل ما على المنكب الأيمن على الأيسر،و ما على الأيسر على الأيمن،تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله (2).

و في رواية رفعها محمد بن يحيى عن الصادق عليه السّلام:تحويل النبي صلّى اللّه عليه و آله رداءه علامة بينه و بين أصحابه يحوّل الجدب خصبا (3).

و وقت التحويل عند فراغه من الصلاة،رواه هشام بن الحكم عنه عليه السّلام من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (4)و في استسقاء محمد بن خالد عن أمر الصادق عليه السّلام:ثم يصعد المنبر-يعني بعد الفراغ من الصلاة-فيقلب رداءه (5).

و قال بعض الأصحاب:يحوله بعد فراغه من الخطبة (6).

و لا مانع من تحويله في هذه المواضع كلها،لكثرة التفاؤل بقلب الجدب خصبا،و قد قال المفيد و سلار و ابن البراج:يحوّل الإمام رداءه4.

ص: 256


1- مختلف الشيعة:126.
2- سنن أبي داود 1:302 ح 1163،السنن الكبرى 3:350.
3- الكافي 3:463 ح 3،الفقيه 1:338 ح 1506،التهذيب 3:150 ح 324.
4- الكافي 3:462 ح 2،التهذيب 3:149 ح 323.
5- الكافي 3:462 ح 1،التهذيب 3:148 ح 322.
6- قاله أبو الصلاح في الكافي:163،و العلامة في نهاية الإحكام 2:104.

ثلاث مرات (1).

و هل يستحب للمأموم التحويل؟أثبته في المبسوط (2).و في الخلاف:يستحب للإمام خاصة (3).و الأول قوي،للاشتراك في التفاؤل، و لقوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (4).

و لا فرق بين كون الرداء مربعا،أو مقورا،أو مدورا.و لا يشترط تحويل الظاهر باطنا و بالعكس،و الأعلى أسفل و بالعكس،و لو فعل ذلك فلا بأس.

السابعة:تستحب الخطبتان -كخطبتي العيد-بعد الصلاة،لما في رواية قرة في أمر الصادق عليه السّلام (5).

و روى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام تقديم الخطبة على الصلاة (6).

و قال ابن الجنيد يصعد الامام المنبر قبل الصلاة و بعدها (7).و في رواية هشام بن الحكم إيماء اليه (8)إلاّ أن الأشهر الأول،لرواية طلحة بن خالد عن الصادق عليه السّلام من فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك (9).8.

ص: 257


1- المقنعة:34،المهذب 1:144،المراسم:83.
2- المبسوط 1:135.
3- الخلاف 1:160 المسألة 4.
4- سورة الأحزاب:21.
5- تقدم في ص 252 الهامش 1.
6- التهذيب 3:150 ح 327،الاستبصار 1:451 ح 1749.
7- مختلف الشيعة:125.
8- الكافي 3:462 ح 2،التهذيب 3:149 ح 323.
9- التهذيب 3:150 ح 326،الاستبصار 1:451 ح 1748.

و قال الشيخ في رواية إسحاق:هي شاذة مخالفة لإجماع الطائفة (1).

الثامنة:يستحب ان يكبّر الإمام مائة مرة رافعا بها صوته إلى القبلة.

ثم يسبّح عن يمينه مائة مرة يرفع بها صوته.

ثم يهلّل عن يساره مائة يرفع بها صوته.

ثم يحمد اللّه مائة مستقبل الناس،قال الأصحاب:يرفع بها صوته (2)، و لم يذكره في تعليم الصادق عليه السّلام (3).

و يتابعه الناس على ذلك و يرفعون أصواتهم،قاله أبو الصلاح (4)و يظهر من كلام ابن بابويه (5)و ابن البراج (6).

و قال ابن الجنيد:إذا كبّر رفع صوته،و تابعوه في التكبير و لا يرفعون أصواتهم (7).

و المفيد-رحمه اللّه-:يكبّر إلى القبلة مائة،و إلى اليمين مسبّحا،و إلى اليسار حامدا،و يستقبل الناس مستغفرا،مائة مائة (8).

و الصدوق وافق في التكبير و التسبيح،و جعل التهليل مستقبلا للناس، و التحميد الى اليسار (9).2.

ص: 258


1- الاستبصار 1:452.
2- راجع:الكافي في الفقه:162،المهذب 1:144.
3- راجع ص 252 الهامش 1.
4- الكافي في الفقه:163.
5- الفقيه 1:334.
6- المهذب 1:144.
7- مختلف الشيعة:125.
8- المقنعة:34.
9- في المقنع:47،و الفقيه 1:334 جعل التهليل الى اليسار و التحميد مستقبلا للناس،راجع مفتاح الكرامة 3:252.

و تعليم الصادق عليه السّلام يشهد للأول (1).

و المشهور ان هذا الذكر يكون بعد الخطبتين.

و قال ابن أبي عقيل و الشيخ و ابن حمزة:قبلهما (2).

و في تعليم الصادق عليه السّلام محمد بن خالد:أنّه يصعد المنبر فيقلب رداءه،ثم يأتي بالأذكار،قال:ثم يرفع يديه و يدعو،و لم يذكر الخطبة بعد ذلك (3).

و ظاهره ان هذه الأذكار تفعل على المنبر،فكأنها من جملة الخطبة،و لو فعل ذلك جاز.

التاسعة:يستحب ان يخطب بالمأثور عن أهل البيت عليهم السّلام، و قد ذكر في التهذيب خطبة بليغة لأمير المؤمنين عليه السّلام:«الحمد للّه سابغ النعم»الى آخرها (4).و لو خطب بغير ذلك،ممّا يتضمن حمدا و ثناء و وعظا،جاز.

و الظاهر انّ الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب اثنتين،تسوية بينها و بين صلاة العيد.

و يستحب المبالغة في التضرع و الإلحاح في الدعاء في الخطبتين و خصوصا الثانية.و قد ذكر ابن بابويه دعوات حسنة عن أهل البيت عليهم السّلام (5).

العاشرة:يستحب الجهر بالقراءة فيها و بالقنوت، لما مر في صلاة العيد.

قال الكليني:و في رواية ابن المغيرة:«و يجهر بالقراءة،و يستسقي7.

ص: 259


1- الكافي 3:462 ح 1،التهذيب 3:149 ح 322.
2- المبسوط 1:134،النهاية:139،الوسيلة:113،مختلف الشيعة:125.
3- الكافي 3:462 ح 1،التهذيب 3:149 ح 322.
4- التهذيب 3:151 ح 328.
5- الفقيه 1:338 ح 1507.

و هو قاعد،و يصلّي قبل الخطبة» (1)و رواه ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السّلام (2).

الحادية عشرة:لو سقوا قبل الخروج لم يخرجوا، و كذا لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة.و في الموضعين تستحب صلاة الشكر،و سؤال الزيادة من اللّه تعالى،و عموم الغيث خلقه.و لو سقوا في أثناء الصلاة أتمّوها، و الظاهر سقوط باقي الافعال من الخطبة و الأذكار.

الثانية عشرة:يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رفعهما حتى رئي بياض إبطيه (3)و الظاهر ان هيئتهما كهيئة أيدي القانتين،بان يقلب ظهرهما إلى الأرض،و وجههما الى السماء،و يجعلهما بإزاء وجهه.

و روى العامة عن أنس انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله استسقى فأشار بظهر كفيه الى السماء (4)،و هكذا دعاء دفع البلاء،و يمكن ان يكون في بعض الأحيان فعل صلّى اللّه عليه و آله ذلك.

الثالثة عشرة:يجوز الاستسقاء بغير صلاة، اما في خطبة الجمعة و العيدين،أو في أعقاب المكتوبات،أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو و الناس يتابعونه.

و يستحب لأهل الخصب الاستسقاء لأهل الجدب بهذين النوعين من1.

ص: 260


1- الكافي 3:463 ح 4.
2- الفقيه 1:338 ح 1505.
3- مسند احمد 3:181،صحيح البخاري 2:40،صحيح مسلم 2:612 ح 895،سنن ابن ماجة 1:373 ح 1180،سنن أبي داود 1:303 ح 1170،سنن النسائي 3:158،سند أبي يعلى 5:311 ح 2935،سنن الدار قطني 2:68.
4- مسند احمد 3:153،صحيح مسلم 2:612 ح 896،مسند أبي يعلى 5:29 ح 2911.

الاستسقاء.و في جوازه بالصلاة و الخطبتين عندي تردد،لعدم الوقوف عليه منصوصا،و أصالة الجواز،و لأنّ اللّه تعالى أثنى على من قال رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا (1)و حينئذ يضمّنون الدعاء طلب زيادة الخصب لأنفسهم.

الرابعة عشرة: يجوز نذر صلاة الاستسقاء كما يجوز نذر العيدين، و لكن في وقتهما.فلو نذرهما في غير وقتهما،و قصد جميع ما يعتبر فيهما،فالأقرب عدم انعقاده،لعدم التعبّد بمثله في غير وقته.

فحينئذ ان كان الناذر الامام وجب عليه الخروج بنفسه،و استحب دعاء من يجيبه الى الخروج و خصوصا من يطيعه من اهله و أقربائه و أصحابه،و لا تجب عليهم الإجابة،و ليس له إكراههم عليها،سواء بقي الجدب أو وقع الغيث.

و لو نذر الاستسقاء فسقوا،ففي وجوب الخروج عندي نظر،لسقوط شرعيته عند السقيا.و في التذكرة:يجب الخروج (2)و لعلّه لإيجاد الصورة شكرا للّه.

و لا تجب الخطبة بنذر الصلاة،لانفصالها عنها،فان نذرهما معا وجبتا.

و لا يجب القيام في الخطبة هنا،و لا كونها على المنبر،و لو قيّد به وجب،و لا تجزئه الخطبة على مرتفع غيره من حائط.

و هل تجب على ناذر الاستسقاء الصلاة في الصحراء؟ظاهر الشيخ8.

ص: 261


1- سورة الحشر:10.
2- تذكرة الفقهاء 1:168.

-رحمه اللّه-ذلك (1)لانه المعتاد و الأفضل.و لو قيّد في نذره بذلك وجب، و كذا لو قيد بالمسجد أو بمنزلة.

و هل له العدول إلى الصحراء؟يبني على ما تقدم من العدول إلى الأفضل.

و الشيخ صرّح بعدم جواز صلاتها في الصحراء إذا نذرها في المسجد (2)و هو حسن،لانعقاد نذره فيحرم مخالفته.

و لو نذرها غير الامام انعقد،و وجب عليه الخروج،و يستحب له أيضا دعاء من يطيعه.

الخامسة عشرة:يستحب الدعاء عند نزول الغيث، لما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله:«اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث:التقاء الجيوش،و اقامة الصلاة،و نزول الغيث» (3)و هو مأثور عن أهل البيت عليهم السّلام (4).

و يستحب التمطّر في أول المطر بان يخرج فيه ليصيبه.و كان ابن عباس إذا وقع الغيث قال لغلامه:اخرج فراشي و رحلي يصيبه المطر.فقال:

له أبو الجوزاء:لم تفعل هذا يرحمك اللّه؟قال:لقول اللّه تعالى سبحانه و تعالى:

«وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً» ،فأحببت أن تصيب البركة فراشي و رحلي (5).7.

ص: 262


1- المبسوط 1:135.
2- المبسوط 1:135.
3- الام 1:253،المغني 2:294-295،الشرح الكبير 2:296،و أورد ما بمعناه في السنن الكبرى 3:360.
4- الكافي 2:346 ح 1،3،أمالي الصدوق:97 ح 7،218 ح 3،الخصال:302. ح 79،أمالي الطوسي 1:287.
5- الأم 1:252،و نحوه في الأدب المفرد:407.

السادسة عشرة: لو كثرت الغيوث فخيف منها الضرر،جاز الدعاء بإزالة مضرته و تخفيفه،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك (1).

و لو صلّى هنا ركعتان للحاجة كان حسنا،و كذا يشرع صوم ثلاثة صوم ثلاثة أيام أمام ذلك،لأنها من مهام الحوائج.

السابعة عشرة:لا يجوز نسبة الأمطار إلى الأنواء، بمعنى:انها مؤثرة، أو انّ لها مدخلا في التأثير،لقيام البرهان على أنّ ذلك من فعل اللّه تعالى و تحقق الإجماع عليه،و لأنها تخلف كثيرا و تتقدم و تتأخر.

و لو قال غير معتقد مطرنا بنوء كذا،قال الشيخ:لا يجوز،لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك (2)في رواية زيد بن خالد الجهني،قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف الناس فقال:«هل تدرون ما ذا قال ربكم؟».قالوا:اللّه و رسوله اعلم.قال:«أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بالكوكب،و كافر بي و مؤمن بالكوكب.من قال:مطرنا بفضل اللّه و رحمته،فذلك مؤمن بي و كافر بالكوكب.و أمّا من قال:مطرنا بنوء كذا و كذا،فذاك كافر بي و مؤمن بالكوكب» (3).و هو محمول على ما قدمناه من اعتقاد مدخليته في التأثير.

و النوء سقوط كوكب في المغرب،و طلوع رقيبه من المشرق.و منه الخبر:من أمر الجاهلية الأنواء (4).6.

ص: 263


1- صحيح البخاري 2:40،صحيح مسلم 2:612 ح 897،سنن أبي داود 1: 304 ح 1174،سنن النسائي 3:158.
2- المبسوط 1:135.
3- المصنف لعبد الرزاق 11:459 ح 21003،صحيح البخاري 2:41،سنن النسائي 3:165.
4- لسان العرب 1:176.

قال أبو عبيد:هي ثمانية و عشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة، يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر،و يطلع آخر يقابله من ساعته،و انقضاء هذه الثمانية و العشرين مع انقضاء السنة.فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم و طلع آخر،قالوا:لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطر،فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم،فيقولون:مطرنا بنوء كذا.

و إنّما سمي نوءا لأنّه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا-أي:نهض-فسمى النجم به.قال:و قد يكون النوء السقوط (1).

أمّا لو قال:مطرنا بنوء كذا،و أراد به فيه-أي:في وقته-و أنّه من فعل اللّه تعالى،فقد قيل:لا يكره،لأنّه ورد أنّ الصحابة استسقوا بالمصلّي،ثم قيل للعباس:كم بقي من نوء الثريّا؟فقال:إنّ العلماء بها يزعمون أنّها تعترض في الأفق سبعا بعد وقوعها،فما مضت السبع حتى غيث الناس،و لم ينكر أحد ذلك (2).

و من الصلوات المستحبة صلاة الاستخارة،و في كيفيتها روايات:
منها:صلاة ركعتين

و الدعاء بالخيرة بعدهما،رواه الحلبي عن عمرو بن حريث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).

قلت:و يقرأ فيهما سورة الحشر و الرحمن و المعوذتين،و يقول:

«اللهم إن كان كذا خيرا لي،في ديني و دنياي (4)،و عاجل أمري و آجله،

ص: 264


1- رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار:326.لسان العرب 1:176.
2- السنن الكبرى 3:359.
3- الكافي 3:470 ح 1،التهذيب 3:179 ح 407.
4- في التهذيب زيادة:«و آخرتي».

فيسّره لي على أحسن الوجوه و أجملها.اللهم و ان كان كذا شرا لي،في ديني و دنياي و آخرتي،و عاجل أمري و آجله،فاصرفه عني على أحسن الوجوه.رب اعزم لي على رشدي،و ان كرهت ذلك أو أبته نفسي»،رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام (1).

و روى ابن فضال:انّ الحسن بن الجهم سأل أبا الحسن عليه السّلام لابن أسباط-و ابن أسباط حاضر و نحن جميعا-يركب البحر أو البرّ إلى مصر؟ فأخبره بخبر طريق البر،فقال:«ائت المسجد في غير وقت صلاة فريضة، فصل ركعتين و استخر اللّه مائة مرة،ثم انظر أي شيء يقع في قلبك فاعمل به».و قال له الحسن:البر أحبّ إليّ.قال:«و إليّ» (2).

و روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:ربما أردت الأمر فانفرق مني فريقان،أحدهما يأمرني و الآخر ينهاني؟فقال:

«إذا كثر ذلك فصلّ ركعتين،و استخر اللّه تعالى مائة مرة و مرة،ثم انظر أحزم الأمرين لك فافعله،فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه.و لتكن استخارتك في عافية،فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده،و موت ولده،و ذهاب ماله» (3).

و هذه الروايات كثيرة و هي مشهورة بين العامة و الخاصة.

و منها:الاستخارة بالرقاع،

فروى هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع،و اكتب في ثلاث منها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعله.

و في ثلاث منها:بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان

ص: 265


1- الكافي 3:470 ح 2،التهذيب 3:180 ح 408.
2- الكافي 3:471 ح 4،التهذيب 3:180 ح 409.
3- المحاسن:599،الكافي 3:472 ح 7،التهذيب 3:181 ح 411.

ابن فلانة لا تفعل.ثم ضعها تحت مصلاك (1)،فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة:أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية.ثم استو جالسا و قل:اللهم خر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية.ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها و اخرج واحدة،فإن خرج ثلاث متواليات افعل فلتفعل الأمر الذي تريده،و ان خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله،و ان خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به و دع السادسة لا تحتاج إليها» (2).

و روى علي بن محمد رفعه عنهم عليهم السّلام،انه قال لبعض أصحابه و قد سأله عن الأمر يمضي فيه و لا يجد أحدا يشاوره،فكيف يصنع؟فقال:

«شاور ربك».فقال له:كيف؟قال:«انو الحاجة في نفسك،و اكتب رقعتين:في واحدة لا،و في واحدة نعم،و اجعلهما في بندقتين من طين، ثم صلّ ركعتين و اجعلهما تحت ذيلك و قال:يا اللّه اني أشاورك في أمري، و أنت خير مستشار و مشير،فأشر عليّ ما فيه صلاح و حسن عاقبة.ثم ادخل يدك،فان كان فيها نعم فافعل،و ان كان فيها لا لا تفعل،هكذا تشاور ربّك».و لا يضر الإرسال،فإنّ الكليني-رحمه اللّه-ذكرها في كتابه (3)و الشيخ في التهذيب (4)و غيرهما (5).

و إنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع (6)لا مأخذ له،مع اشتهارها بين8.

ص: 266


1- في الكافي زيادة:«ثم صلي ركعتين».
2- الكافي 3:470 ح 3،التهذيب 3:181 ح 412.
3- الكافي 3:473 ح 8.
4- التهذيب 3:182 ح 413.
5- مصباح المتهجد:481،فتح الأبواب:228،مكارم الأخلاق:323.
6- السرائر:68.

الأصحاب و عدم راد لها سواه و من أخذ أخذه،كالشيخ نجم الدين في المعتبر حيث قال:هي في حيز الشذوذ فلا عبرة بها (1).

و كيف تكون شاذة و قد دونها المحدثون في كتبهم،و المصنفون في مصنفاتهم؟! و قد صنّف السيد العالم العابد،صاحب الكرامات الظاهرة و المآثر الباهرة،رضي الدين أبو الحسن علي بن طاوس الحسني-رحمه اللّه-كتابا ضخما في الاستخارات،و اعتمد فيه على رواية الرقاع،و ذكر من آثارها عجائب و غرائب أراه اللّه تعالى إياها،و قال:إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض،و ان توالى النهي فذاك الأمر شر محض،و ان تفرّقت كان الخير و الشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها (2).

و قد ذكرت استخارات مشهورة.

منها:الاستخارة بالدعاء المجرّد، و أفضله في موضع شريف كمسجد أو مشهد.فروى الشيخ-رحمه اللّه-بإسناده إلى الصادق عليه السّلام،قال:«ما استخار اللّه عبد قط مائة مرة في أمر عند رأس الحسين عليه السّلام،فيحمد اللّه و يثني عليه،إلاّ رماه اللّه بخير الأمرين» (3).

و روى معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السلام:«ما استخار عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه اللّه بالخيرة،يقول:يا أبصر الناظرين، و يا أسمع السامعين،و يا أسرع الحاسبين،و يا أرحم الراحمين،و يا أحكم0.

ص: 267


1- المعتبر 2:376.
2- انظر:فتح الأبواب بين ذوي الألباب و بين رب الأرباب:182.
3- قرب الاسناد:28،فتح الأبواب:240.

الحاكمين،صل على محمّد و أهل بيته،و خر لي في كذا و كذا» (1).

و روى ناجية عنه عليه السّلام:إذا أراد شراء العبد،أو الدابة،أو الحاجة الخفيفة،أو الشيء اليسير،استخار اللّه فيه سبع مرات.و ان كان أمرا جسيما استخار اللّه فيه مائة مرة» (2).

و منها:ما أورده الصدوق

في كتاب معاني الأخبار و من لا يحضره الفقيه-و نقله ابن طاوس في كتابه عنه (3)-بإسناده إلى هارون بن خارجة، قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا أراد أحدكم أمرا،فلا يشاور فيه أحدا من الناس حتى يشاور اللّه عز و جل».قلت:و ما مشاورة اللّه؟قال:

«تبدأ فتستخير اللّه عزّ و جلّ أولا،ثم تشاور فيه،فإذا بدأ باللّه أجرى الخير (4)على لسان من أحب من الخلق» (5)و نحوه في المقنعة للمفيد (6).

و منها:ما رواه السيد-رضي اللّه عنه

-عن سعد بن عبد اللّه في كتاب الدعاء،بإسناده إلى إسحاق بن عمار:«إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع، أو يدخل في أمر،فيبتدئ باللّه و يسأله».قلت:فما يقول؟قال:«يقول:

اللهم اني أريد كذا و كذا،فان كان خيرا لي في ديني و دنياي و آخرتي، و عاجل أمري و آجله،فيسّره لي.و إن كان شرا لي في ديني و دنياي فاصرفه عني.ربّ اعزم لي على رشدي و ان كرهته و أبته نفسي.ثم يستشير عشرة من المؤمنين،فان لم يصبهم و أصاب خمسة فيستشر خمسة

ص: 268


1- المقنعة:36،الفقيه 1:356 ح 1558،التهذيب 3:182 ح 414.
2- الفقيه 1:355 ح 1557.
3- فتح الأبواب:136.
4- في المعاني و الفقيه:«الخيرة».
5- الفقيه 1:355 ح 1553،معاني الأخبار:144.
6- المقنعة:36.

مرتين،و ان كان رجلان فكل واحد خمسا،و ان كان واحدا فليستشره عشرا» (1).

و من كتاب الدعاء لسعد:كتب أبو جعفر الثاني إلى إبراهيم بن شيبة:

«فهمت ما استأمرت به في ضيعتك التي تعرّض لك السلطان فيها،فاستخر اللّه مائة مرة خيرة في عافية،فإن احلولى بقلبك بعد الاستخارة بيعها فبعها و استبدل غيرها إن شاء اللّه،و لا تتكلم بين أضعاف الاستخارة حتى تتم المائة» (2).

و روى الكليني في كتاب رسائل الأئمّة عليهم السّلام أنّ الجواد كتب بمثل ذلك الى علي بن أسباط (3).

و منها:الاستخارة بالعدد،

و لم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الآوي الحسيني-المجاور بالمشهد المقدس الغروي-رضي اللّه عنه.

و قد رويناها عنه و جميع مروياته عن عدّة من مشايخنا،عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر،عن والده-رضي اللّه عنهما-عن السيد رضي الدين،عن صاحب الأمر عليه الصلاة السلام:«يقرأ الفاتحة عشرا-و أقلّه ثلاث و دونه مرة-ثم يقرأ القدر عشرا،ثم يقول هذا الدعاء -ثلاث-:اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور،و أستشيرك لحسن ظني بك في المأمول و المحذور.اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة اعجازه و بواديه،و حفّت بالكرامة أيامه و لياليه،فخر لي اللهم فيه خيرة ترد

ص: 269


1- فتح الأبواب:139.
2- فتح الأبواب:143.
3- فتح الأبواب:143.

شموسه ذلولا،و تقعض أيامه سرورا.اللهم إما أمر فائتمر،و اما نهي فانتهي.اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية.ثم يقبض على قطعة من السبحة و يضمر حاجته،ان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل،و ان كان فردا لا تفعل،أو بالعكس» (1).

و قال ابن طاوس-رحمه اللّه-في كتاب الاستخارات:وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد بن محمد الحسيني-ضاعف اللّه سيادته و شرف خاتمته-ما هذا لفظه:عن الصادق عليه السّلام:«من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات و إنّا أنزلناه عشر مرات،ثم يقول»و ذكر الدعاء،إلا انّه قال عقيب«و المحذور»:«اللهم إن كان أمري هذا قد أنيطت»،و عقيب«سرورا»:«يا اللّه،اما أمر فائتمر،و اما نهي فانتهي.اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية-ثلاث مرات-ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة» (2).

و منها:الاستخارة بالمصحف الكريم.

روى اليسع القمي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أريد الشيء فأستخير اللّه فيه فلا يوفق فيه الرأي،أفعله أو أدعه؟فقال:«انظر إذا قمت إلى الصلاة،فإنّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة،أي شيء وقع في قلبك فخذ به،و افتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء اللّه» (3).

و من الصلوات المستحبة صلاة الهدية.

روي عنهم عليهم السّلام:«أنّه يصلّى يوم الجمعة ثماني ركعات:أربعا تهدى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أربعا تهدى الى

ص: 270


1- نقله المجلسي في البحار 91:248 ح 2 عن منهاج الصلاح.
2- فتح الأبواب:272-273.
3- التهذيب 3:310 ح 960.

فاطمة عليهما السّلام.و يوم السبت أربع ركعات تهدى الى أمير المؤمنين عليه السّلام.ثم كذلك كل يوم الى واحد من الأئمة عليهم السّلام الى يوم الخميس أربع ركعات الى جعفر بن محمد عليهما السّلام.ثم في يوم الجمعة ثماني ركعات:أربعا تهدى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و اربع ركعات تهدى الى فاطمة عليها السّلام،ثم في يوم السبت أربع ركعات تهدى إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام،ثم كذلك الى يوم الخميس أربع ركعات تهدى إلى صاحب الزمان عليه السّلام».هكذا رواها الشيخ في المصباح (1).

و يدعو بين كل ركعتين منها:«اللهم أنت السلام.و منك السلام، و إليك يعود السلام،حيّنا ربنا منك بالسلام.اللهم انّ هذه الركعات هدية مني الى وليك فلان،فصل على محمد و آله،و بلّغه إياها،و أعطني أفضل أملي و رجائي فيك و في رسولك صلواتك عليه و فيه»و تدعو بما أحببت (2).

و منها:صلوات الحاجة يوم الجمعة،

و هي كثيرة:

منها:ما رواه عاصم بن حميد، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة اغتسل و لبس ثوبا نظيفا ثم يصعد إلى أعلى موضع في داره و يصلّي،ثم يمدّ يده الى السماء و يقول:اللهم اني حللت بساحتك» الى آخره حسب ما هو مذكور في المصباح (3).

و منها:ما رواه محمد بن مسلم-رحمه اللّه

-عن الباقر عليه السّلام،أنّه قال:«ما يمنع أحدكم إذا أصابه شيء من غمّ الدنيا أن يصلّي يوم الجمعة ركعتين،

ص: 271


1- مصباح المتهجد:285.
2- مصباح المتهجد:286.
3- مصباح المتهجد:287.

و يحمد اللّه تعالى و يثني عليه،و يصلّي على محمد و آل محمد عليهم السّلام،و يمدّ يده و يقول:اللهم إني أسألك بأنك ملك»الى آخر الدعاء،و فيه الاستعاذة من شر العدو فإنّه يكفاه (1)و عن الرضا عليه السّلام:«من كانت له حاجة قد ضاق بها ذرعا فلينزلها باللّه جلّ اسمه،يصوم الأربعاء و الخميس و الجمعة،ثم ليغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة،و يلبس أنظف ثيابه،و يتطيّب بأطيب طيبه،ثم يقدم صدقة على امرئ مسلم بما تيسّر،ثم ليبرز الى آفاق السماء و يستقبل القبلة، و يصلّي ركعتين يقرأ في الأولى الفاتحة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرة،ثم ليركع فيقرأها كذلك،و كذا في الأحوال من الرفع في الركوع و السجود و الرفع منهما.و في الثانية كذلك،و قبل التشهد خمس عشرة مرة،ثم يتشهد و يسلم و يقرؤها خمس عشرة مرة،ثم يسجد و يقرؤها كذلك،ثم يعفّر خديه و يقرؤها فيهما كذلك،ثم يعود الى السجود و يدعو.

فإذا فعل تقضى حاجته» (2).

و منها:الصلاة الكاملة يوم الجمعة،

لدفع شر أهل السماء و شر أهل الأرض،مروية عن الصادق عليه السّلام،عن أبيه،عن جده،عن علي عليه السّلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يصلي أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة،يقرأ في كل ركعة:فاتحة الكتاب عشر مرات،و المعوذتين عشرا،و التوحيد عشرا، و الجحد عشرا،و آية الكرسي عشرا،و القدر عشرا،و شهد اللّه عشرا فإذا فرغ من الصلاة استغفر اللّه مائة مرة،ثم يقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم مائة مرة،و يصلي على

ص: 272


1- مصباح المتهجد:286.
2- مصباح المتهجد:303.

النبي صلّى اللّه عليه و آله مائة مرة» (1).

و قال ابن بابويه-في الرسالة-إذا كانت لك الى اللّه حاجة،فصم ثلاثة أيام آخرها الجمعة،و ابرز قبل زوال الجمعة مغتسلا وصل ركعتين، تقرأ في كل ركعة الحمد و التوحيد خمس عشرة مرة،فإذا ركعت قرأتها عشرا،و هكذا في باقي الأحوال إلى الرفع من السجدة الثانية،و تقنت.فإذا قضيت حاجتك صلّي ركعتي الشكر،تقرأ في الأولى الحمد و التوحيد،و في الثانية الحمد و الجحد.و تقول في الركعة الاولى من ركوعك:الحمد للّه شكرا، و في سجودك:شكرا للّه و حمدا.و تقول في الركعة الثانية في الركوع و السجود:الحمد للّه الذي قضى حاجتي،و أعطاني مسألتي (2).

و هذه الصلاة في الكليني و التهذيب مسندة إلى مقاتل عن الرضا عليه السّلام (3).و صلاة الشكر المذكورة مسندة إلى هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،إلا انه قال:«تقول في الركعة الأولى في ركوعك و سجودك:

الحمد للّه شكرا شكرا و حمدا.و تقول في الثانية في ركوعك و سجودك:

الحمد للّه الذي استجاب دعائي،و أعطاني مسألتي» (4).

و من صلوات الحوائج غير مختصة بيوم الجمعة ما أورده الصدوق في

كتابه،

فمنها:ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«انّ أحدكم إذا مرض دعا الطبيب و أعطاه،و إذا كان له حاجة الى السلطان رشا البواب و أعطاه،و لو انّ أحدكم إذا فدحه أمر فرغ الى اللّه تعالى فتطهر و تصدق

ص: 273


1- مصباح المتهجد:279.
2- الفقيه 1:354.
3- الكافي 3:477 ح 3،التهذيب 3:184 ح 417.
4- الكافي 3:481 ح 1،التهذيب 3:184 ح 418.

بصدقة قلّت أو كثرت،ثم دخل المسجد فصلّى ركعتين،فحمد اللّه و اثنى عليه و صلّى على محمد و آله،ثم قال:اللهم ان عافيتني من مرضي،أو رددتني من سفري أو عافيتني مما أخاف من كذا و كذا،إلاّ آتاه اللّه ذلك، و هي (1)اليمين الواجبة و ما جعله اللّه عليه في الشكر» (2).

قال الصدوق:و كان علي بن الحسين عليهما السّلام إذا حزبه أمر لبس ثوبين من أغلظ ثيابه و أخشنها،ثم ركع من آخر الليل ركعتين،حتى إذا كان في آخر سجدة من سجوده سبّح اللّه مائة مرة،و حمده مائة مرة،و هلّل اللّه مائة مرة،و كبّر اللّه مائة مرة،ثم يعترف بذنوبه كلها ما عرف منها أقر للّه تعالى به في سجوده،و ما لم يذكر منها اعترف به جملة،ثم يدعو اللّه تعالى و يفضي بركبيته إلى الأرض (3).

و روى عن يونس بن عمار،قال:شكوت الى أبي عبد اللّه عليه السّلام رجلا كان يؤذيني،فقال:«ادع عليه».فقلت:قد دعوت عليه.قال:«ليس هكذا،و لكن أقلع عن الذنوب،و صم و صلّ و تصدق،فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء ثم قم فصلّ ركعتين،ثم قل و أنت ساجد:اللهم فلان بن فلان قد أذلني (4)،اللهم أسقم بدنه،و اقطع أثره،و انقص أجله،و عجّل له ذلك في عامة هذا».قال:ففعلت فلم ألبث إن هلك (5).

و روى الصدوق أيضا:انّ رجلا كان بينه و بين رجل من أهل المدينة خصومة ذات خطر عظيم،فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكر له ذلك،فقال:9.

ص: 274


1- في م:«و هو على».
2- الفقيه 1:351 ح 1547،المقنعة:36،التهذيب 3:182 ح 415.
3- الفقيه 1:352 ح 1548.
4- في المصدر:«آذاني».
5- الفقيه 1:352 ح 1549.

«إذا أردت الغدو فصل بين القبر و المنبر ركعتين أو أربعا،و إن شئت في بيتك،و اسأل اللّه ان يعينك،و خذ شيئا نفيسا فتصدق به على أول مسكين تلقاه».قال:ففعلت ما أمرني فقضي لي ورد اللّه عليّ أرضي (1).

و من الصلوات المستحبة مؤكدا صلاة شهر رمضان،

و فيها مسائل:

الاولى:في شرعيتها، و الأشهر في الروايات ذلك،حتى ادعى عليه سلار الإجماع (2).

و قال الصدوق:لا نافلة فيه زيادة على غيره (3).

و ابن أبي عقيل لم يعرض لها بالذكر (4)و لا علي ابن بابويه (5).

لنا:الروايات الكثيرة،كرواية أبي خديجة (6)و محمد بن يحيى (7)و أبي بصير (8)و عبيد بن زرارة (9)و جميل بن صالح (10)جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

احتج برواية محمد بن مسلم عنه عليه السّلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى العشاء لا يصلّي شيئا إلاّ بعد انتصاف الليل،لا في رمضان و لا في

ص: 275


1- الفقيه 1:352 ح 1550.
2- المراسم:82،و نصّه:لا خلاف في أنها ألف ركعة.
3- الفقيه 1:88-89،و راجع:الحدائق الناضرة 10:509،مفتاح الكرامة 3: 256.
4- راجع:مختلف الشيعة:126.
5- راجع:مختلف الشيعة:126.
6- التهذيب 3:60 ح 204،الاستبصار 1:461 ح 1793.
7- التهذيب 3:60 ح 205،الاستبصار 1:461 ح 1795.
8- سيأتي في ص 804 الهامش 9.
9- التهذيب 3:61 ح 208،الاستبصار 1:461 ح 1792.
10- التهذيب 3:61 ح 209،الاستبصار 1:461 ح 1794.

غيره» (1).

و بصحيحة عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام و سأله عن الصلاة في شهر رمضان،فقال:«ثلاث عشرة ركعة،منها:الوتر،و ركعتان قبل صلاة الفجر، كذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي،و لو كان فضلا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعمل به و أحق» (2).

و أجاب الشيخ عن الأولى:بأنّ المراد أنّه لم يكن يصلّي في جماعة، لتظافر الاخبار بنهيه صلّى اللّه عليه و آله عن الجماعة في شهر رمضان في المساجد (3).

و أجاب الفاضل عن الثاني بتجويز أن يكون السؤال وقع عن النوافل الراتبة:هل تزيد في شهر رمضان؟ و بالجملة فالفتاوى و الاخبار متظافرة بشرعيتها،فلا يضر معارضة النادر.

الثانية:في قدرها، و المشهور ألف ركعة زيادة على الراتبة،رواه جميل بن صالح عن الصادق عليه السّلام (4)و علي بن أبي حمزة أيضا (5)و إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام (6)و سماعة بن مهران عن الصادق عليه السّلام (7).

و روى سليمان بن عمرو عنه عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:من صلّى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة،يقرأ في كل ركعة بقل1.

ص: 276


1- التهذيب 2:118 ح 443،3:69 ح 225،الاستبصار 1:279 ح 1013.
2- الفقيه 1:358 ح 1568،التهذيب 3:69 ح 224،الاستبصار 1:467. ح 1805.
3- التهذيب 3:69،الاستبصار 1:467.
4- التهذيب 3:61 ح 209،الاستبصار 1:461 ح 1794.
5- الكافي 4:154 ح 1،التهذيب 3:63 ح 215،الاستبصار 1:463 ح 1798.
6- التهذيب 3:64 ح 217،الاستبصار 1:464 ح 1801.
7- التهذيب 3:64 ح 217،الاستبصار 1:464 ح 1801.

هو اللّه أحد عشر مرات،اهبط اللّه عزّ و جل إليه من الملائكة عشرة يدرءون عنه أعداءه من الجن و الانس،و اهبط اللّه اليه عنده موته ثلاثين ملكا يؤمنونه من النار» (1).

و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:الصلاة في العشرين الأولين، و لم يذكر العشر الأخير (2).

و هاتان الروايتان ليس فيهما معارضة في التحقيق،أما الاولى فلأن زيادة المائة حسن لما فيه من التعرّض للثواب،و اما الثانية فكانّ وظيفة العشر الأخير تركت للعلم بها،أو انّ الراوي اقتصر على العشرين الأولين.

نعم،قال ابن الجنيد:قد روي عن أهل البيت عليهم السّلام زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في غيره:أربع ركعات تتمة اثنتي عشرة ركعة (3)مع انه قائل بالألف أيضا.و هذه زيادة لم نقف على مأخذها، إلاّ أنّه ثقة و إرساله في قوة المسند،لانه من أعاظم العلماء.

و قال الشيخ الجليل ذو المناقب و المآثر أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الصفواني-في كتاب التعريف-:هي سبعمائة ركعة (4)و لعله أراد الألف، و ترك ذكر زوائد ليالي الافراد لشهرته.

و لابن أبي قرة-رحمه اللّه-في كتابه رواية بمقدار من الصلوات لكل ليلة، ذكرناه في الأربعين حديثا (5).1.

ص: 277


1- المقنعة:28،التهذيب 3:62 ح 212.
2- التهذيب 3:64 ح 216.
3- مختلف الشيعة:126.
4- في وسائل الشيعة 8:36 ح 14 عن إقبال الأعمال:11 عن كتاب التعريف للصفواني:أنها تسعمائة ركعة.
5- الأربعون حديثا:87-91.

الثالثة:صورة الصلاة أن يصلي في العشرين الأولين كل ليلة عشرين،و في العشر الأخير كل ليلة ثلاثين،و يزيد على المعيّن في ليالي الإفراد-و هي:تسع عشرة و إحدى و عشرون و ثلاث و عشرون-كل ليلة مائة،فذلك ألف ركعة.

روى ذلك مسعدة بن صدقة و غيره عن الصادق عليه السّلام (1)و عليه طائفة من الأصحاب (2).

و قال الأكثر (3):يقتصر في ليالي الإفراد على المائة،و تبقى ثمانون ركعة فيفرقها على الجمع،فيصلي في كل جمعة عشر ركعات:أربع منها بصلاة أمير المؤمنين عليه السّلام،ثم ركعتان بصلاة فاطمة عليها السّلام،ثم أربع بصلاة جعفر عليه السّلام،ثم يصلي في ليلة الجمعة الأخيرة عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام،و في عشيتها ليلة السبت عشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السّلام.و على هذه الرواية رتّب الشيخ الدعوات في المصباح (4).

و كل حسن جميل.

الرابعة: الأظهر في الفتاوى،و الأشهر بين الأصحاب،أنّ المتنفّل بالعشرين يصلّي بين العشاءين ثماني ركعات،و بعد العشاء الآخرة اثنتي عشرة ركعة.رواه مسعدة (5)و علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن1.

ص: 278


1- الكافي 4:154 ح 1،التهذيب 3:62 ح 213،215،الاستبصار 1:462 ح 1796، 1798.
2- منهم الشيخ المفيد في الاشراف:11،و الشيخ الطوسي في الخلاف 1:117 المسألة 216،و الاقتصاد:273،و أبو الصلاح الحلبي في الكافي:159،و ابن إدريس في السرائر:68.
3- منهم الشيخ المفيد في المقنعة:27،و السيد علم الهدى في الانتصار:55،و الشيخ الطوسي في المبسوط 1:133،و ابن البراج في المهذب 1:145،و نسبه في مختلف الشيعة 1:126 إلى سلار و ابن حمزة.
4- مصباح المتهجد:497.
5- تقدمت في الهامش 1.

الصادق عليه السّلام (1)و محمد بن سليمان عن الرضا عليه السّلام (2).

و خيّر الشيخ في النهاية بين ذلك،و بين جعل اثنتي عشرة بين العشاءين و ثمان بعد العشاء (3)لرواية سماعة (4)و هي من مضمراته التي لم يسم فيها الإمام،و إن كان الظاهر رواية عنه.

الخامسة: الأظهر أيضا ان الثلاثين في العشر الأواخر،يصلّى ثمان منها بين العشاءين،و الباقي بعد العشاء الآخرة،و قد تضمنته رواية علي بن أبي حمزة (5)و محمد بن سليمان (6).

و في رواية مسعدة:يصلى بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة و الباقي بعد العشاء (7)و عليها أبو الصلاح (8)و ابن البراج (9).

و العمل بالجميع في المسألتين جائز.

و أمّا الوتيرة،فالمشهور انها تفعل بعد وظيفة العشاء،لتكون خاتمة النوافل.

و قال سلار:بل الوتيرة مقدّمة على الوظيفة (10)و هي في رواية محمد ابن سليمان عن الرضا عليه السّلام (11).1.

ص: 279


1- التهذيب 3:63 ح 215،الاستبصار 1:463 ح 1798.
2- التهذيب 3:64 ح 217،الاستبصار 1:464 ح 1801.
3- النهاية:140.
4- الفقيه 2:88 ح 397،التهذيب 3:63 ح 214،الاستبصار 1:462 ح 1797.
5- راجع الهامش 1.
6- تقدمت في الهامش 2.
7- تقدمت في ص 278 الهامش 1.
8- الكافي في الفقه:159.
9- المهذب 1:146،باختلاف عما هنا و لعله من مصدر آخر.
10- في المراسم:82 جعل الوظيفة قبل الوتيرة،راجع مفتاح الكرامة 3:258.
11- التهذيب 3:64 ح 217،الاستبصار 1:464 ح 1801.

و الظاهر أيضا جواز الأمرين.

السادسة: لو فات شيء من هذه النوافل ليلا،فالظاهر انه يستحب قضاؤه نهارا،لعموم قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً (1)و ما ورد في تفسيره ما أسلفناه من قبل.و بذلك أفتى ابن الجنيد -رحمه اللّه-قال:و كذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية.

السابعة: قال أبو الصلاح:من السنّة ان يتطوع الصائم في شهر رمضان بألف ركعة (2).و هو يدلّ من حيث المفهوم على انتفاء استحباب تطوع غيره كالمسافر.

قال في المختلف:و لم يشرط باقي علمائنا ذلك.لنا:انها عبادة زيدت لشرف الزمان،فلا تسقط بسقوط الصوم (3).و هو فتوى منه بعموم الاستحباب.

الثامنة: يستحب ان يدعى عقيب كل ركعتين بالدعاء المأثور مع سعة الوقت لذلك،و لو ضاق الوقت عن الدعاء و الصلاة اقتصر على الصلاة.

التاسعة: الجماعة في هذه الصلاة بدعة محرمة عند الأصحاب،و قد رواه زرارة و ابن مسلم و الفضيل،قالوا:سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة،فقالا:«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف الى منزله،ثم يخرج من آخر الليل الى المسجد فيقوم فيصلّي.فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي،فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته،ففعلوا ذلك ثلاث ليال،فقال على منبره في الرابع:إنّ7.

ص: 280


1- سورة الفرقان:62.
2- الكافي في الفقه:159.
3- مختلف الشيعة:127.

الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة في جماعة بدعة،و صلاة الضحى بدعة،الا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل،و لا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية،إلاّ و إن كان بدعة ضلالة،و كل ضلالة سبيلها الى النار.ثم نزل و هو يقول:قليل في سنّة خير من كثير في بدعة» (1).

و في رواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انه لما قدم أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة،أمر الحسن عليه السّلام أن ينادي في الناس:

لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة،فنادى في الناس الحسن عليه السّلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السّلام،فلما سمع الناس مقالة الحسن ابن علي صاحوا:وا عمراه وا عمراه،فلما بلغ ذلك علي عليه السّلام قال:قل لهم صلّوا» (2).

و يستحب ان يصلّي ليلة الفطر ركعتان،

يقرأ في الأولى الحمد و قل هو اللّه أحد ألف مرة،و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد مرة واحدة،رواه في التهذيب بالسند إلى أحمد بن محمد السياري،رفعه الى أمير المؤمنين عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انه إذا صلاهما لم يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه إياه» (3)و السياري في عدد (4)الضعفاء إلاّ انّ الأصحاب تلقوها بالقبول.

و من الصلوات المستحبة صلاة يوم الغدير،

و هي مشهورة بين الأصحاب.روى علي بن الحسين العبدي،قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:«صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا،لو عاش إنسان ثم

ص: 281


1- الفقيه 2:87 ح 394،التهذيب 3:69 ح 226،الاستبصار 1:467 ح 1807.
2- التهذيب 3:70 ح 227.
3- المقنعة:28،التهذيب 3:71 ح 228.
4- كذا في النسخ،و لعلها:عداد.

صام ما عمّرت الدنيا لكان له ثواب ذلك،و صيامه يعدل عند اللّه عزّ و جلّ في كل عام مائة حجة و مائة عمرة مبرورات مقبولات،و هو عيد اللّه الأكبر،و ما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيا إلاّ و تعيّد في هذا اليوم و عرف حرمته.و اسمه في السماء:يوم العهد المعهود،و في الأرض:يوم الميثاق المأخوذ و الجمع المشهود.

و من صلّى فيه ركعتين،يغتسل من قبل ان تزول الشمس مقدار نصف ساعة،و يقرأ في كل ركعة الحمد مرة،و عشر مرات قل هو اللّه أحد،و عشر مرات آية الكرسي،و عشر مرات إنا أنزلناه عدلت عند اللّه عزّ و جلّ مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة،و ما سأل اللّه عزّ و جل حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيت كائنا ما كانت الحاجة.و إن فاتتك الركعتان و الدعاء قضيتهما بعد ذلك.

و من فطّر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما و فئاما و فئاما»فلم يزل يعدّ الى أن عقد بيده عشرا،ثم قال:«أو تدري ما الفئام؟»قلت:لا.قال:

«مائة ألف كل فئام،و الدرهم فيه بألف ألف درهم».و يستحب الدعاء بعدها بالمنقول،ثم يسأل حاجته،و في تمام الحديث:«فإنها و اللّه مقضيّة» (1).

و منها:صلاة يوم المباهلة،

و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة في أظهر الروايات.و روي:أنّه الخامس و العشرون منه.

و يستحب الإكثار فيه من الصلاة،و الاستغفار عقيب كل ركعتين سبعين مرة،و الدعاء بعدها بالمأثور،روى ذلك محمد بن صدقة عن

ص: 282


1- التهذيب 3:143 ح 317.

الكاظم عليه السّلام (1).

و روى عن الصادق عليه السّلام:انه يصلّي فيه ركعتان بصفة صلاة يوم الغدير،الا انه قال في آية الكرسي:«إلى قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ ، و انها تعدل عند اللّه مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة»،و ذكر ما سلف (2).

و منها:صلاة أول ذي الحجة،

و فيه ولد الخليل إبراهيم صلّى اللّه عليه و آله،و فيه اتخذه اللّه خليلا،و فيه زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليهما السّلام من أمير المؤمنين عليه السّلام.و يستحب ان يصلّي فيه صلاة فاطمة عليها السّلام.

و منها:صلاة يوم المبعث،

و هو السابع و العشرون من رجب.روى الكليني عن علي بن محمد،رفعه الى أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من صلّى فيه أي وقت شاء اثنتي عشرة ركعة،يقرأ في كل ركعة بأمّ القرآن و سورة،فإذا فرغ و سلّم جلس مكانه ثم قرأ أمّ القرآن أربع مرات،فإذا فرغ و هو في مكانه قال:لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،و الحمد للّه،و سبحان اللّه،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه،أربع مرات.ثم يقول:اللّه أكبر ربي لا أشرك به شيئا،أربع مرات.

ثم يدعو فلا يدعو بشيء إلاّ استجيب له في كل حاجة،إلاّ ان يدعو في جائحة قوم أو قطيعة رحم» (3).

و منها:صلاة ليلة المبعث،

و قد رواها صالح بن عقبة عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«صلّ ليلة سبعة و عشرين من رجب-أي وقت شئت في الليل-اثنتي عشرة ركعة،تقرأ في كل ركعة الحمد و المعوذتين،و قل هو اللّه أحد أربع مرات،فإذا فرغت قلت و أنت في مكانك-أربع

ص: 283


1- مصباح المتهجد:708.
2- مصباح المتهجد:703.
3- الكافي 3:469 ح 7،المقنعة:37،التهذيب 3:185 ح 419.

مرات-:لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و الحمد للّه و سبحان اللّه،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه،ثم ادع بما شئت» (1).و روي غيرها أيضا (2).

و منها:صلاة النصف من شعبان،

و هي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد و قل هو اللّه أحد مائة مرة،فإذا فرغ دعا بالمأثور.

و منها:صلاة طلب الرزق.

روى الكليني بإسناده إلى الحلبي محمد ابن علي،قال:شكا رجل الى أبي عبد اللّه عليه السّلام الفاقة و الحرفة في التجارة بعد يسار كان فيه،فأمره أبو عبد اللّه عليه السّلام أن يأتي مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين القبر و المنبر،فيصلي ركعتين و يقول مائة مرة:اللهم إني أسألك بقوتك و قدرتك و بعزتك،و ما أحاط به علمك،ان تيسّر لي من التجارة أوسعها رزقا،و أعمّها فضلا و خيرها عاقبة.ففعل ذلك فما توجّه في وجه إلاّ رزقه اللّه (3).

و منها:صلاة الاستطعام،

رواها الكليني بإسناده إلى شعيب العقرقوفي،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من جاع فليتوضّأ و يصلّي ركعتين، ثم يقول:يا رب اني جائع فأطعمني،فإنه يطعم من ساعته» (4).

و منها:صلاة الحبل،

رواها بإسناده الى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«من أراد ان يحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة،يطيل فيهما الركوع و السجود،ثم يقول:اللهم إني أسألك بما سألك زكريا إذ قال:

«رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين».اللهم هب لي ذرية طيبة إنك

ص: 284


1- مصباح المتهجد:749.
2- مصباح المتهجد:749.
3- الكافي 3:473 ح 1،التهذيب 3:311 ح 965.
4- الكافي 3:475 ح 6،التهذيب 2:237 ح 939،3:312 ح 968.

سميع الدعاء.اللهم باسمك استحللتها،و في أمانتك أخذتها،فإن قضيت في رحمها ولدا فاجعله غلاما،و لا تجعل للشيطان فيه نصيبا و لا شركا» (1).

و منها:صلاة الدخول بالزوجة.

روى أيضا عن أبي بصير،قال:سمعت رجلا و هو يقول لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك إنّي قد أسننت و قد تزوجت امرأة بكرا صغيرة و لم أدخل بها،و أنا أخاف إذا أدخلت عليّ أن تكرهني لخضابي و كبري،فقال أبو جعفر عليه السّلام:«إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة،ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ و تصلي ركعتين،ثم مجّد اللّه و صل على محمد و آل محمد،ثم ادع اللّه و مر من معها أن يؤمّنوا على دعائك،و قل:اللهم ارزقني إلفها و و ودّها و رضاها،و رضني بها،ثم اجمع بيننا بأحسن اجتماع و أسرّ ائتلاف،فإنّك تحب الحلال و تكره الحرام» (2).

و منها:صلاة الاهتمام بالتزويج،

رواها أيضا بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا همّ بذلك فليصل ركعتين و يحمد اللّه،ثم يقول:اللهم إنّي أريد أن أتزوج،فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجا، و أحفظهنّ لي في نفسها و في مالي،و أوسعهنّ رزقا،و أعظمهنّ بركة.و قدّر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صلحا في حياتي و بعد مماتي» (3).

و منها:صلاة السفر.

روى بإسناده إلى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما استخلف عبد على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد سفرا،و يقول:اللهم إنّي

ص: 285


1- الكافي 3:482 ح 3،مصباح المتهجد:337،التهذيب 3:315 ح 974. و الآية في سورة الأنبياء:89،و الاقتباس من سورة آل عمران:38.
2- الكافي 3:481 ح 1.
3- الكافي 3:481 ح 2.

أستودعك نفسي و أهلي و مالي،و ديني و دنياي و آخرتي،و أمانتي و خواتيم عملي،إلاّ أعطاه اللّه ما سأل» (1).

و منها:صلاة من خاف شيئا،

رواها بإسناده إلى حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اتخذ مسجدا في بيتك،فإذا خفت شيئا فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك و صل فيهما،ثم اجث على ركبتيك فاصرخ إلى اللّه و سله الجنة،و تعوّذ باللّه من شر الذي تخافه،و إياك أن يسمع اللّه منك كلمة بغي و إن أعجبتك نفسك و عشيرتك» (2).

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:كان علي عليه السّلام إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة،ثم تلا هذه الآية وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ (3).

و منها:الصلاة للعافية.

روى بإسناده إلى إسماعيل بن الأرقط-و امه أم سلمة أخت أبي عبد اللّه عليه السّلام و رضي عنها-قال:مرضت في شهر رمضان مرضا شديدا حتى ثقلت،و اجتمعت بنو هاشم ليلا للجنازة و هم يرون أنّي ميت،فجزعت أمي عليّ فقال لها أبو عبد اللّه عليه السّلام خالي:«اصعدي إلى فوق البيت،و فابرزي إلى السماء و صلّي ركعتين،فإذا سلمت فقولي:اللهم إنّك وهبته لي و لم يك شيئا.اللهم و أني استوهبه (4)مبتدئا فأعرنيه».قال:

ففعلت،فأفقت و قعدت،و دعوا بسحور لهم هريسة فتسحّروا بها فتسحّرت معهم» (5).

ص: 286


1- الكافي 5:500 ح 1،الفقيه 3:249 ح 1187،التهذيب 7:407 ح 1627.
2- الكافي 3:480 ح 2،التهذيب 3:314 ح 973.
3- الكافي 3:480 ح 1 و الآية في سورة البقرة:42.
4- في الكافي:«أستوهبكه».
5- الكافي 3:478 ح 6،التهذيب 3:313 ح 970.

و بإسناده عن جميل،قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام،فدخلت عليه امرأة و ذكرت انها تركت ابنها و قد قالت بالملحفة على وجهه ميتا،فقال لها:«لعله لم يمت،فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي و صلّي ركعتين، و ادعي و قولي:يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدّد هبته لي،ثم حرّكيه و لا تخبري بذلك أحدا».قالت:ففعلت،فحرّكته فإذا هو قد بكى (1).

و روى بإسناده إلى الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:

«إذا كانت لك حاجة،فتوضّأ وصل ركعتين،ثم احمد اللّه و أثن عليه و اذكر من آلائه،ثم ادع تجب» (2).و في رواية أخرى عنه عليه السّلام-بعد الصلاة.

«و صل على محمد و آله،و سل تعطه» (3).

و منها:صلاة الزيارة للنبي صلّى اللّه عليه و آله أو أحد الأئمة عليهم السّلام،

و هي ركعتان بعد الفراغ من الزيارة تصلّى عند الرأس،و إذا زار أمير المؤمنين عليه السّلام صلّى ست ركعات،لأنّ معه آدم و نوحا على ما ورد في الأخبار (4).

قال ابن زهرة-رحمه اللّه-من زار و هو مقيم في بلده،قدّم الصلاة ثم زار عقيبها (5).

و ستأتي صلاة الإحرام إن شاء اللّه.

و قد تقدّمت صلاة التحية للمسجد.

و لا يستحب عندنا صلاة الضحى،بل هي بدعة لا يجوز فعلها،و نقل

ص: 287


1- الكافي 3:479 ح 11.
2- الكافي 3:479 ح 10.
3- الكافي 3:479 ح 9.
4- فرحة الغري 49،50،65،70،73،التهذيب 6:22 ح 51،34 ح 68.
5- الغنية:503.

في الخلاف فيه الإجماع (1)،و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«صلاة الضحى بدعة» (2).و ما رووه من الاخبار فيها (3)لو صحت فهي منسوخة.3.

ص: 288


1- الخلاف 1:120 المسألة 3.
2- الكافي 3:453 ح 9،الفقيه 2:87 ح 394،التهذيب 3:69 ح 226، الاستبصار 1:467 ح 1807.
3- صحيح مسلم 1:497 ح 719،سنن ابن ماجة 1:439 ح 1380،الجامع الصحيح 2:337 ح 473.
الركن الخامس:في اللواحق
اشارة

و فيه فصول ثلاثة:

الفصل الأوّل: في صلاة السفر،و فيه مطالب
المطلب الأول:في محله،
اشارة

و هو الرباعيات من الصلوات الخمس إذا كان أداؤها في السفر بالإجماع و الآية (1).

و روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الصلاة في السفر ركعتان،ليس قبلهما و لا بعدهما شيء،إلاّ المغرب ثلاث ركعات» (2).

و أمر عليه السّلام بالإعادة لمن صلّى الظهر أربعا في السفر (3)،فعلى هذا يكون القصر عزيمة لا رخصة.

و محله أيضا نوافل النهار و الوتيرة-لما تقدم-و الصوم الواجب.

فيجب الإفطار فيه للآية (4)،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ليس من البر الصيام في

ص: 289


1- سورة النساء:101.
2- التهذيب 2:13 ح 13 ح 31،الاستبصار 1:220 ح 778.
3- التهذيب 2:14 ح 33.
4- سورة البقرة:185.

السفر» (1).و روى جابر:أنّ أناسا صاموا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السفر فسمّاهم العصاة (2).

و انفرد الأصحاب بالتخيير في الصلاة في أربعة أماكن:مسجد مكة، و مسجد المدينة،و مسجد الكوفة،و الحائر.و هو في روايات،منها:رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن:حرم اللّه،و حرم رسوله،و حرم أمير المؤمنين،و حرم الحسين عليه السّلام (3).

و في رواية عنه عليه السّلام:«تتم الصلاة:في المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و مسجد الكوفة،و حرم الحسين عليه السّلام» (4).

و قال ابن بابويه:يقصر فيها ما لم ينو مقام عشرة،و تستحب له نيّة المقام ليتمّ،لرواية محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السّلام،قلت:الصلاة بمكة تمام أو تقصير؟فقال:«قصّر ما لم يعزم مقام عشرة» (5)و مثله رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام و ذكر منها الحرمين (6).1.

ص: 290


1- ترتيب مسند الشافعي 1:271 ح 718،مسند الطيالسي:238 ح 1721،مسند أحمد 3:299،سنن الدارمي 2:9،صحيح مسلم 2:786 ح 1115،سنن أبي داود 2:317 ح 2407،سنن النسائي 4:177،مسند أبي يعلى 3:402 ح 1883،شرح معاني الآثار 2:62.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:268 ح 712،صحيح مسلم 2:785 ح 1114،الجامع الصحيح 3:89 ح 710،سنن النسائي 4:177،شرح معاني الآثار 2:65،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 5:225 ح 3541.
3- كامل الزيارات:249،الخصال:252،التهذيب 5:430 ح 1494،الاستبصار 2: 334 ح 1191.
4- الكافي 4:587 ح 5،كامل الزيارات:249،مصباح المتهجد:674،التهذيب 5: 431 ح 1497،الاستبصار 2:355 ح 1193.
5- الفقيه 1:283،الخصال:252،عيون أخبار الرضا 2:18،التهذيب 5:436 ح 1482،الاستبصار 2:331 ح 1178.
6- التهذيب 5:428 ح 1485،الاستبصار 2:332 ح 1181.

و أجيب:بأنّ المراد لا يجب التمام عينا حتى يعزم على المقام عشرة، و بأنّ الشهرة في الفتوى و الرواية لا تعارض بالضد.

إذا عرفت ذلك،فهل الإتمام مختص بالمساجد نفسها أو يعم البلدان؟ ظاهر أكثر الروايات أنّ مكة و المدينة محل لذلك،فعلى هذا يتمّ في البلدين.

أمّا الكوفة ففي مسجدها خاصة،قاله في المعتبر (1).

و الشيخ ظاهره الإتمام في البلدان الثلاثة (2).

و أمّا الحائر فقال ابن إدريس:هو ما دار سور المشهد و المسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه،لأن الحائر لغة:هو المكان المطمئن،و ذلك إنّما هو فيما ذكرناه،و فيه حار الماء (3)يعني به:لما أمر المتوكل بإطلاق الماء على قبر الحسين عليه السّلام ليعفيه فكان لا يبلغه (4).

و أفتى ابن إدريس بأنّ التخيير إنّما هو في المساجد الثلاثة دون بلدانها (5)و اختاره في المختلف (6).

و قول الشيخ هو الظاهر من الروايات،و ما فيه ذكر المسجد منها فلشرفه لا لتخصيصه.

و الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد-في كتاب السفر له-حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس،لورود الحديث بحرم الحسين عليه السّلام،و قدّر بخمسة فراسخ و بأربعة و بفرسخ.قال:و الكل حرم و إن8.

ص: 291


1- المعتبر 2:477.
2- المبسوط 1:141.
3- السرائر:76.
4- نقله المجلسي في البحار 45:404 عن بعض مؤلفات الأصحاب.
5- السرائر:77.
6- مختلف الشيعة:168.

تفاوتت في الفضيلة.

و اعلم أنّ ابن الجنيد و المرتضى قالا:لا يقصّر في مشاهد الأئمّة عليهم السّلام (1)فاجرياها مجرى الأربعة.و ظاهرهما نفي التقصير،و لعلهما أرادا نفي تحتّمه، و لم نقف لهما على مأخذ في ذلك،و القياس عندنا باطل.

بقي هنا موضعان آخران قيل فيهما بعدم تحتّم القصر:

الأول:إذا كان قصد المسافر أربعة فراسخ فزائدا إلى ما دون الثمانية،

و لم يرد الرجوع ليومه.

قال المفيد-رحمه اللّه-و ابن بابويه:يتخيّر في قصر الصلاة و الصوم (2).

و قال الشيخ:يتخيّر في قصر الصلاة،و لا يجوز قصر الصوم (3).

و الأكثرون على التمام فيهما (4).

و أطلق ابنا بابويه و سلار التخيير في القصر و الإتمام (5).

و المأخذ أنّ هناك أخبارا صحاحا تقدّر المسافة بثمانية فراسخ أو مسير يوم،كخبر عبد اللّه الكاهلي عن الصادق عليه السّلام (6)،و خبر أبي بصير عنه عليه السّلام:

«بياض يوم أو بريدان» (7).و خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام:«مسير يوم» (8).9.

ص: 292


1- جمل العلم و العمل 3:47،مختلف الشيعة:168.
2- المقنعة:55،الفقيه 1:280،2:92.
3- المبسوط 1:284،النهاية:161.
4- منهم ابن إدريس في السرائر:73 و السيد المرتضى على ما في السرائر:73،و ابن البراج في المهذب 1:106،193.
5- الفقيه 1:280،المراسم:75 و حكاية قول علي بن بابويه في المختلف:162.
6- الفقيه 1:279 ح 1269،التهذيب 3:207 ح 493،الاستبصار 1:223 ح 787.
7- التهذيب 4:222 ح 651،الاستبصار 1:223 ح 789.
8- التهذيب 3:209 ح 503،الاستبصار 1:225 ح 799.

و هناك اخبار فيها تقدير التقصير بأربعة فراسخ،كخبر أبي أيوب عن الصادق عليه السّلام (1)،و خبر زيد الشحام عنه عليه السّلام:«اثنا عشر ميلا» (2).

و اخبار شتى تتضمّن انّ أهل مكة يقصرون في سفرهم الى عرفات (3)،و في بعضها:«و يلهم-أو ويحهم-و أي سفر أشدّ منه، لا تتم» (4).

و أسانيد هذه الاخبار كلها معتبرة،فجمع الشيخان بينهما بالتخيير (5).

قال الفاضل:في بعض هذه الاخبار تصريح بتحتّم القصر،كخبر معاوية بن عمار الصحيح عن الصادق عليه السّلام الذي فيه«ويلهم»الى آخره (6).

و اعلم انّ الشيخ في التهذيب ذهب الى التخيير لو قصد أربعة فراسخ و أراد الرجوع ليومه (7)و كذا في المبسوط (8)جمعا بين الاخبار،و ذكره ابنر.

ص: 293


1- الكافي 3:433 ح 2،التهذيب 3:207 ح 495،4:223 ح 654،الاستبصار 1:223 ح 791.
2- التهذيب 3:208 ح 498،4:223 ح 655،الاستبصار 1:224 ح 794.
3- راجع:الكافي 4:518 باب الصلاة في مسجد منى،التهذيب 3:208 ح 999، الاستبصار 1:224 ح 795.
4- الكافي 4:519 ح 5،الفقيه 1:286 ح 1302،التهذيب 3:210 ح 507.
5- راجع ص 292 هامش 2 و 3.
6- المختلف:162.
7- التهذيب 3:207-208.
8- الموجود في المبسوط 1:141 وجوب التقصير،قال في مفتاح الكرامة 3: 503:نقل التخيير في الذكرى عن المبسوط و عبادة المبسوط صريحة في المشهور. و قال المحقق في المعتبر 2:467:للشيخ قولان:التقصير و الآخر في التهذيب: التخيير.

بابويه في كتابه الكبير (1).و هو قوي،لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ،فلا أقل من الجواز.

و قال ابن أبي عقيل:كل سفر كان مبلغه بريدين و هو ثمانية فراسخ،أو بريدا ذاهبا و جائيا و هو أربعة فراسخ،في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام -ظاهره أنّه إذا قصد بريدا ذاهبا و جائيا فيما دون عشرة أيام-يقصر (2).

الثاني:لو سافر بعد دخول الوقت،و صلّى بعد مفارقة الجدران و خفاء الأذان. و فيه أقوال:

إحداها:قول الشيخ في الخلاف،إنّه يجوز له القصر،و يستحب له الإتمام (3).

و قال ابن أبي عقيل و الصدوق:يجب الإتمام (4)قاله في المقنع (5).

و قال في من لا يحضره الفقيه:يتم مع السعة و يقصر مع الضيق (6)و هو اختيار الشيخ في النهاية (7).

و قال المفيد و المرتضى و ابن إدريس يقصر (8)و هو قول علي بن بابويه (9).

و المأخذ الأخبار المختلفة:5.

ص: 294


1- الظاهر أنّ الكتاب الكبير هو المسمى بمدينة العلم.و هو مفقود.قال الشيخ عند عد كتب الصدوق في الفهرست:«و كتاب مدينة العلم أكبر من كتاب من لا يحضره الفقيه».
2- مختلف الشيعة:162.
3- الخلاف 1:130 المسألة 14.
4- مختلف الشيعة:165.
5- المقنع:37.
6- الفقيه 1:284.
7- النهاية:123.
8- السرائر:74،و حكاه عن المفيد و المرتضى العلاّمة في مختلف الشيعة:165.
9- مختلف الشيعة:165.

ففي خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام:يتم،و لو دخل بلده بعد وجوبها في سفره قصر (1).

و في خبر بشير النبال عنه عليه السّلام:إتمام من خرج بعد الوقت (2)و كذا رواية الحسن بن الوشاء عن الرضا عليه السّلام (3).

و يؤيده أنه خوطب بالصلاة بدخول الوقت،و بمضي قدر أدائها استقرت تماما،و الأصل بقاء ما كان.

و يعارضها رواية إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السّلام:اعتبار حال الأداء في خروجه و دخوله،و قال:«ان لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و يدل على التفصيل رواية إسحاق بن عمار،قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة،فقال:

«ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم،و ان كان يخاف خروج الوقت فليقصر» (5).

و يقرب من هذا ما لو حضر بعد وجوبها في سفره،و قد تضمّنته الاخبار (6)و اختلف فيه الأصحاب:ا.

ص: 295


1- الكافي 3:434 ح 4،الفقيه 1:284 ح 1289،التهذيب 3:222 ح 557، الاستبصار 1:239 ح 853.
2- الكافي 3:434 ح 2،3،التهذيب 3:161 ح 348،349،الاستبصار 1: 240 ح 854،855.
3- الكافي 3:434 ح 2،3،التهذيب 3:161 ح 348،349،الاستبصار 1: 240 ح 854،855.
4- الفقيه 1:283 ح 1288،التهذيب 2:13 ح 29،3:163 ح 353،الاستبصار 1:240 ح 856.
5- التهذيب 3:223 ح 559،الاستبصار 1:240 ح 857.
6- التهذيب 2:13 ح 29 و 3:163 ح 353 و 3:223 ح 559،560،222: 557،الكافي 3:434 ح 4،الفقيه 1:283 ح 1288،284 ح 1289،الاستبصار 1:239 ح 853،240 ح 856،241 ح 858،859.و قد تقدمت أكثر هذه المصادر و سيأتي بعضها.

فأوجب الإتمام (1)ابن بابويه-في الرسالة-و المفيد و ابن إدريس، لأنهم يعتبرون حال الأداء (2).

و خيّر فيه الشيخ (3).

و في رواية العيص بن القاسم عن الصادق عليه السّلام«يتمّ» (4).و في رواية محمد بن مسلم عنه عليه السّلام:«يقصّر» (5).و هما صحيحتان.

و ابن الجنيد يقول بالتخيير هنا (6)لرواية منصور بن حازم عنه عليه السّلام:

«إذا دخل وقت الصلاة على المسافر قبل أن يدخل اهله ثم دخل،إن شاء قصّر، و ان شاء أتمّ،و الإتمام أحب اليّ» (7).

قال في المعتبر:رواية إسماعيل بن جابر أشهر و أظهر في العمل،مع ميله إلى التخيير (8).

تنبيه:

لو فاتت هذه الصلاة،قال ابن الجنيد و المرتضى:يقضيها بحسب0.

ص: 296


1- في النسخ الثلاث:القصر،و هو سهو بيّن لمخالفته التعليل و رأي الثلاثة في المسألة.و انظر:مفتاح الكرامة 3:490.
2- السرائر:74،و حكاه عن ابن بابويه و المفيد العلامة في مختلف الشيعة:166.
3- المبسوط 1:141،النهاية:123.
4- التهذيب 3:162 ح 352.
5- الكافي 3:434 ح 4،التهذيب 3:222 ح 557،الاستبصار 1:239 ح 853.
6- مختلف الشيعة:166.
7- التهذيب 3:223 ح 561،الاستبصار 1:241 ح 859.
8- المعتبر 2:480.

حالها في أول الوقت (1)و اختاره ابن إدريس (2)،و يظهر من الشيخ في التهذيب (3).

و في المبسوط:يقضي من خرج من وطنه و فاتته في سفره تماما،و لو صلاها أداء كانت قصرا (4)و رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام في القادم من السفر الى بلده ثم تفوته الصلاة بعد وجوبها عليه في السفر (5).

و حمله في المعتبر على من دخل و لم يبق من الوقت ما يسع أربعا، و اختار قضاؤها تماما،لرواية زرارة عنه عليه السّلام:«يقضي ما فاته كما فاته،إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها،و ان كانت صلاة الحضر فليقضها صلاة الحضر»،و لأنّ الاستقرار في الذمة لا يتحقق الا عند الفوات،فتعيّن الحال الذي حصل فيه الفوات (6).

و قال الفاضل:الأداء و القضاء تمام في الموضعين (7).

و لا إشكال في قضاء نافلتي الظهرين لو سافر بعد دخول الوقت.

و لا بد في أصل المسألة من مضي زمان يسع الطهارة و الصلاة،فلو وسع إحداهما خاصة فهي محل الخلاف،بخلاف الأخرى فإنها تتعين بحال الأداء قطعا.4.

ص: 297


1- حكاه عنهما المحقق في المعتبر 2:48.
2- السرائر:74.
3- التهذيب 3:163.
4- المبسوط 1:140.
5- التهذيب 3:162 ح 351.
6- المعتبر 2:480.و رواية زرارة في الكافي 3:345 ح 7،التهذيب 3:162. ح 350.
7- نهاية الإحكام 2:163،164.
و يلحق بذلك موضعان آخران
اشارة

قيل فيهما بتخلف القصر عن السفر في الجملة:

الموضع الأول:إذا سافر لصيد التجارة،

فالأكثر على انه يقصر في الصوم و يتمّ الصلاة (1)،حتى نقل فيه ابن إدريس الإجماع (2).

و في المبسوط قال:روى أصحابنا انّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم (3).

و المرتضى و ابن أبي عقيل و سلار أطلقوا التقصير (4).

و لم نقف على دليل للأولين من كتاب و لا سنّة مصرّح بها،و ظاهر القرآن يشهد بالمساواة (5)و رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام حيث قال:«إذا قصرت أفطرت،و إذا أفطرت قصرت» (6).و من ثم جنح الفاضلان الى التقصير فيهما (7).

و نقل عن ابن بابويه في المعتبر:انه لو مال الى الصيد حال سفره، أتمّ في حال ميله،فإذا عاد الى طريقه قصر.

قال المحقق:و هو حسن (8).

و الظاهر أنّه أراد به إذا كان السفر معصية،بناء على أصله من عدم تأثير صيد التجارة في ذلك،و تبعه ولده في كتابه الكبير،و الشيخ،قاله في

ص: 298


1- راجع:النهاية:122،المهذب 1:106.
2- السرائر:74.
3- المبسوط 1:136.
4- جمل العلم و العمل 3:47،المراسم:74،مختلف الشيعة:161.
5- سورة البقرة:184-185،سورة النساء:101.
6- الفقيه 1:280 ح 1270،التهذيب 3:22 ح 551.
7- المعتبر 2:471،نهاية الإحكام 2:182.
8- المعتبر 1:472.

المبسوط (1).و قد روى في التهذيب رواية مرسلة أنّه قد خرج عن أبي الحسن عليه السّلام:«أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة،فإذا عدل عن الجادة أتمّ،فإذا رجع إليها قصّر» (2).و هذه يظهر منها أن السفر للصيد،و إن الإتمام مشروط بأن يخرج عن الجادة،أي:الطريق.

و لابن الجنيد هنا قول غريب،حيث قال:و المتصيد مشيا إذا كان دائرا حول المدينة غير متجاوز حدّ التقصير لم يقصر يومين،و إن تجاوز الحدّ و استمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها (3).و الذي رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام أنه قال:«ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام،و إذا جاوز الثلاثة لزمه» (4)لا حجة له فيه،لعدم دلالته على جميع ما ادعاه،على إنا لم نقف على سنده.

الموضع الثاني:إذا صار سفره أكثر من حضره

ثم أقام عشرة أيام بنيّة المقام،أو كان في بلده ثم سافر،قصّر الصلاة و الصوم.

و إن أقام دون خمسة فلا حكم له.

و إن أقام خمسة حكم الشيخ و من تبعه بأنّه يقصر بالنهار،و يتمّ صلاة الليل (5).

و يصوم شهر رمضان لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام،قال:

«المكاري إن لم يستقر في منزلة إلاّ خمسة أيام و أقل (6)قصّر في سفره

ص: 299


1- لاحظ:الفقيه 1:288.و المبسوط 1:142.
2- التهذيب 3:218 ح 543،الاستبصار 1:237 ح 846.
3- مختلف الشيعة:162.
4- الفقيه 1:288 ح 1313،التهذيب 3:218 ح 542،الاستبصار 1:236 ح 844.
5- انظر:النهاية:122-123،المبسوط 1:141،المهذب 1:106،الوسيلة:108.
6- في الفقيه و التهذيب:«أو أقل».

بالنهار،و أتم بالليل،و عليه؟صوم شهر رمضان.و ان أقام عشرة و أكثر قصّر في سفره و أفطر» (1).

و أجيب:بأنها متروكة الظاهر،لأن الأقل من خمسة لا عبرة به قطعا، مع معارضتها بأصالة بقائه على التمام حتى يثبت المزيل.

و على ذلك الحليون رحمه اللّه (2).9.

ص: 300


1- الفقيه 1:281 ح 1278 بزيادة عما في المتن،التهذيب 3:216 ح 531،الاستبصار 1:234 ح 836.
2- السرائر:76،شرائع الإسلام 1:134،نهاية الإحكام 2:179.
المطلب الثاني:في شروط القصر،و هي ستة.
الشرط الأوّل:ربط القصد بمقصد معلوم،

فلا يقصر الهائم و طالب الآبق و مستقبل المسافر،إذا جوّز الظفر بالحاجة قبل المسافة و ان تمادوا في السفر،لان للسفر تأثيرا في العبادة فلا بدّ من نيّته كما تجب النيّة في العبادة،و لان المعتبر السفر إلى مسافة و هو غير معلوم هنا،فلا يترك لأجله المعلوم من إتمام العبادة.

و سأل صفوان الرضا عليه السّلام في الرجل يريد ان يلحق رجلا على رأس ميل،فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان،قال:«لا يقصر و لا يفطر،لانه لم يرد السفر ثمانية فراسخ،و انما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به السير» (1).

و الأسير في أيدي المشركين،و المأخوذ ظلما،ان عرف مقصدهم و قصده ترخّص.و ان غلب على ظنه بقاء الاستيلاء فكذلك إذا كان مقصدهم مسافة.و ان احتمل الأمرين،أو جهل مقصدهم،لم يترخّص.

و كذا العبد مع السيد،و الزوجة مع الزوج،و الولد مع الوالد.

و لو جوّز العبد العتق،و الزوجة الطلاق،و عزما على الرجوع متى حصلا فلا يترخص.قاله الفاضل (2)،و هو قريب ان حصلت امارة لذلك (3)و إلاّ فالظاهر البناء على بقاء الاستيلاء،و عدم دفعه بالاحتمال البعيد.

و لو بلغه خبر عبده،أو غائبة في بلد يبلغ مسافة،فقصده جزما،فلمّا

ص: 301


1- التهذيب 4:225 ح 662،الاستبصار 1:227 ح 806،و في سؤال الراوي: حتى بلغ النهروان،و هي أربعة فراسخ من بغداد،أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟
2- نهاية الإحكام 2:171.
3- في م:كذلك.

كان في أثناء الطريق نوى الرجوع ان ظفر به قبل البلد،فهو حينئذ في حكم الراجع عن السفر،فان كان قد قطع مسافة لم يخرج عن السفر،و إلاّ خرج.

و منتظر الرفقة على حدّ المسافة يقصّر الى ثلاثين يوما.

و على أقل منها،و هو جازم بالسفر من دونها،مقصّر إذا كان في محل الترخّص.

و ان علّق سفره عليها،و علم أو غلب على ظنّه وصولها،فكالجازم بالسفر من دونها.

و ان انتفى العلم و غلبة الظن أتمّ.و كذا لو كان توقّفه في محل التمام، كالذي لم يتجاوز رؤية الجدار و سماع الأذان.

و لو قصد ما دون المسافة ثم قصد كذلك لم يترخص،و ان تمادى في السفر.

و كل هؤلاء يقصرون في العود إذا بلغ السفر مسافة.

الشرط الثاني:استمرار القصد.

فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده،فان كان بعد بلوغ المسافة فلا أثر له ما لم ينو المقام عشرا أو يصل الى بلده،و إن نوى الرجوع قبل بلوغ المسافة أتمّ.و كذا لو تردّد عزمه في الذهاب و الرجوع.

فلو كان قد صلّى قصرا،فالأصح انه لا يعيد،للامتثال،سواء كان الوقت باقيا أم لا.

و قال الشيخ في الاستبصار:يعيد مع بقاء الوقت،تعويلا على رواية سليمان بن حفص المروزي قال:قال الفقيه:«التقصير في الصلاة في بريدين،أو بريد ذاهبا و جائيا.فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلا،ثم بلغ فرسخين،و رجع عما نوى و أراد المقام،أتمّ.و ان كان قصر،

ص: 302

ثم رجع عن نيته،أعاد الصلاة» (1).

و انما فصّل الشيخ بالوقت و خروجه،لرواية زرارة عن الصادق عليه السّلام في الرجل يخرج في سفره الذي يريده،فيرجع عن سفره و قد صلى ركعتين:«تمت صلاته» (2)،فجمع بينهما بذلك.

فرع:

لو تردّد عزم المسافر بعد بلوغ المسافة بين الاستمرار و بين الرجوع، لم يؤثر في الترخص بل له ذلك.فلو تمادى في سفره متردّدا،و مضى عليه ثلاثون يوما،فهل يكون بمثابة من تردد و هو مقيم في المصر؟فيه نظر:

من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردّد،و من إخلال القصد.

و من موانع الاستمرار أمران:

أحدهما:ان يقطع السفر بعزم إقامة عشرة أيام، فمتى عزم على ذلك أتمّ،و هو منصوص عن علي عليه السّلام (3)و أهل بيته (4).

و لو علّقه بشرط،كلقاء رجل فلقيه-تحقق التمام ما لم يغيّر النية.

و لو علم أن حاجته لا تنقضي في أقل من عشرة،و هو ناو قضاءها، فكناوي المقام.ثم ان كان نيّة المقام على ما دون المسافة،اشترط مسافة جديدة في خروجه منه،و ان كان على مسافة فكذلك،غير انه يكتفي هنا بالرجوع في القصر.6.

ص: 303


1- الاستبصار 1:228،و الحديث فيه برقم 808،و في التهذيب 4:226 ح 664.
2- الفقيه 1:281 ح 1272،التهذيب 4:227 ح 665،الاستبصار 1:228 ح 809.
3- أمالي الطوسي 1:357.
4- التهذيب 4:227 ح 666.

و لو نوى المسافة فصاعدا،و في نيّته المقام عشرا في أثنائها،لم يقصر إلاّ ان يكون ذلك القدر الذي قبل موضع المقام مسافة.و لا فرق بين كون نيّة المقام في بلد أو قرية أو حلة أو بادية،و لا بين العازم على استمرار السفر بعد المقام و غيره.

و الظاهر أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل،بل يلفق.فلو نوى المقام عند الزوال،اشترط أن ينتهي بزوال الحادي عشر منه.و الأقرب انه لا يشترط عشرة أيام غير يومي الدخول و الخروج،لصدق العدد حينئذ.

و لو تردّد عزم المسافر على المقام و الخروج،قصّر الى شهر في رواية أبي ولاد عن الصادق عليه السّلام (1).و عن الباقر عليه السّلام:إلى ثلاثين يوما (2)، و هو الأقوى،لأن المبيّن أولى من المجمل بل هو مبني عليه.

و لو رجع عن نيّة المقام،و كان قد صلى على التمام فرضا و لو صلاة، بقي على التمام حتى يخرج و إلاّ قصّر،رواه أبو ولاد عن الصادق عليه السّلام (3).

و يعارضه رواية حمزة بن عبد اللّه الجعفري،و قد أقام بمكة ناويا فأتمّ الصلاة ثم بدا له،فسأل أبا الحسن عليه السّلام فقال:«ارجع الى التقصير» (4)و حمله الشيخ على ان الأمر بالتقصير إذا خرج فصار مسافرا (5).9.

ص: 304


1- الفقيه 1:280 ح 1271،التهذيب 3:221 ح 553،الاستبصار 1:238. ح 851.
2- الكافي 3:436 ح 3،التهذيب 3:219 ح 548،الاستبصار 1:238 ح 849،و لكن في الكافي و الاستبصار عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام).
3- الفقيه 1:280 ح 1271،التهذيب 3:221 ح 553،الاستبصار 1:238 ح 851.
4- الفقيه 1:283 ح 1286،التهذيب 3:221 ح 554،الاستبصار 1:239 ح 852.
5- التهذيب 3:222،الاستبصار 1:239.

قلت:يمكن ان يقال هذا مختص بمكة و باقي الأماكن الأربعة، لجواز التمام فيها بغير نيّة المقام،و سيأتي بحثه.

و هنا فروع:

الأوّل: انه قيّد في الرواية بالفريضة (1).فلو صلى نافلة الزوال أو العصر فالأقرب ان له الرجوع،لعدم الاسم المعلق عليه.

الثاني: أنّ الصلاة المؤداة تماما ينبغي أن تكون بعد نية المقام.فلو صلّى فرضا تماما ناسيا قبل نية المقام لم يعتد،سواء خرج الوقت أو لا.

الثالث: لا ريب في تعلق الحكم بمن صلّى فرضا تماما لأجل نيّة المقام.

فإذا كان في غير الأماكن الأربعة فالأمر ظاهر.

و إن كان في أحدها،و نوى الصلاة تماما لأجل المقام،فالحكم ثابت قطعا،و صورة السؤال في الرواية عمن نوى الإقامة بالمدينة عشرا (2).

و ان صلّى تماما لشرف البقاع،و ذهل[في]تلك (3)الحالة عن نيّة المقام،ثم رجع بعد هذه الصلاة،ففي اعتبارها عندي وجهان،و من قوله في الرواية«ان كنت صليت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر» (4)1.

ص: 305


1- الفقيه 1:280 ح 1271،التهذيب 3:221 ح 553،الاستبصار 1:238 ح 851.
2- الفقيه 1:280 ح 1271،التهذيب 3:221 ح 553،الاستبصار 1:238 ح 851.
3- في نسخة«س»أشار بالزيادة على كلمة«تلك»و الظاهر أنّ صحة العبارة على ما اثبت.
4- الفقيه 1:280 ح 1271،التهذيب 3:221 ح 553،الاستبصار 1:238 ح 851.

و الضمير في«بها»يعود إلى المدينة فقد صدق الشرط،و من انّ هذه الصلاة قد كانت سائغة له بحكم البقعة و ان صلاها على ذلك الحكم،كما سبق في رواية حمزة (1).

الرابع: لو نوى ثم صلّى بنيّة القصر،ثم أتمّ أربعا ناسيا،ثم تذكر بعد الصلاة و نوى الخروج،فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب إعادتها.و إن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام مجزئة،و عدمه لانه لم يقصد التمام.

الخامس: لو خرج الوقت و لما يصل عمدا أو نسيانا،فللفاضل في الاجتزاء به وجهان،ينظران الى استقرارها في الذمة تماما،و الى عدم صدق فعلها.

و لو خرج الوقت لعذر مسقط-كالجنون و الإغماء-فكن لم يصل (2).

السادس: لو شرع في الصوم،فهل هو بحكم الصلاة؟يحتمل ذلك،لأنه أحد الأمرين المرتبين على المقام،و قد قال تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (3).و يحتمل عدم اعتباره،لانه لم يصل فريضة.و الأول مختار الفاضل (4).

السابع: لو رجع في أثناء الصلاة،حكم الشيخ-في المبسوط-بعدم عوده الى التقصير حتى يخرج مسافرا (5).9.

ص: 306


1- التهذيب 3:222،الاستبصار 1:239.
2- تذكرة الفقهاء 1:193.
3- سورة محمد:33.
4- تذكرة الفقهاء 1:193.
5- المبسوط 1:139.

و تردّد فيه المحقق (1)،نظرا الى افتتاح الصلاة و قد سبق الخبر ب«انها على ما افتتحت عليه،و الى عدم الإتيان بالشرط حقيقة.

و فصّل الفاضل:بتجاوز محل القصر فلا يرجع،و بعدم تجاوزه (2).

فيرجع،لانه مع التجاوز يلزم من جواز الرجوع إبطال العمل المنهي عنه، و مع عدم تجاوزه يصدق انه لم يصل بتمام.

و في الجمع بين هذا التفصيل و بين فتواه بان الشروع في الصوم يلزم بالإتمام (3)نظر،لأنه في كليهما لم يأت بمسمّى الصيام و الصلاة،و من حيث انّ الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلا و رأسا،بخلاف الصلاة فإن الركعتين منعقدتان سفرا و حضرا،فلم تقع المخالفة إلاّ في الركعتين الأخيرتين،فإذا لم يأت بهما فهو باق على القدر المشترك بين السفر و الحضر.

و أمّا الصوم فقد فعل منه ما لا يتصور فعله في السفر،فلا يجوز إبطاله بعد انعقاده.و يحتمل ان يقال ان كان رجوعه عن نيّته قبل الزوال صح الرجوع،لانه لا يزيد على الإفطار في الصوم لمن خرج مسافرا قبل الزوال، و ان كان بعده فلا رجوع،كما لو خرج المسافر بعد الزوال فإنه لا يباح له الإفطار،و هذا قوي.

الثامن: لو نوى المسافر الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا،أتمّها لوجود المقتضى،و النية الأولى بجملة الصلاة كافية،فإن الركعتين الأخيرتين تابعة للأوليين،و قد روى ذلك علي بن يقطين عن أبي6.

ص: 307


1- الشرائع 1:136.
2- نهاية الإحكام 2:185 و مختلف الشيعة:169.
3- انظر نهاية الإحكام 2:185-186.

الحسن عليه السّلام (1).

فلو نوى الرجوع عن المقام بعد هذه الصلاة،ففيه عندي وجهان:

أحدهما:جوازه،لان ظاهر الرواية ان يكون جميع الصلاة التامة واقعا قبل الرجوع عن نيته،و لم يقع هنا جملة الصلاة.

و ثانيهما:-و هو الأقرب-عدم اعتبار هذا الرجوع،لصدق الصلاة تماما،و المؤثر في الحقيقة ليس إلاّ القدر الزائد عن الركعتين الأوليين و قد حصل هنا.

المانع الثاني:أن يصل إلى بلده، أو بلد له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر،فيتم حينئذ و ان كان جازما على السفر بعد قبل تخلّل عشرة،رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام،و قد سأله عن الاستيطان فقال:«ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر» (2).

و روى عمار عن الصادق عليه السّلام:«يتم و لو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة» (3).

و لا يشترط في الإقامة التتالي،للعموم الشامل للمتفرق.

و لا السكنى في الملك،فلو سكن في غيره أجزأ.

و لا كون الملك له صلاحية السكنى،لحديث النخلة.نعم،يشترط كون السكنى بعد الملك،فلو تقدمت أو بعضها على الملك لم يعتدّ بها، لانه المفهوم من الاستيطان.4.

ص: 308


1- الكافي 3:435 ح 8،الفقيه 1:285 ح 1299،التهذيب 3:324 ح 564.
2- الفقيه 1:288 ح 1310،التهذيب 3:213 ح 520،الاستبصار 1:231 ح 821.
3- التهذيب 3:211 ح 512،الاستبصار 1:229 ح 814.

و يشترط أيضا دوام الملك،فلو خرج عن ملكه زال الحكم،لأنّ الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها (1)لخروج أملاكهم.

و يشترط ملك الرقبة،فلا تكفي الإجارة،و التملك بالوصية.

و لو تعدّدت المواطن في البلد الواحد،كفى استيطان الأول منها ستة أشهر،و لو خرج عن ملكه إذا بقي الباقي على ملكه.

و لو كان في طريق المسافر مواطن،قصّر بين كل موطنين بينهما مسافة،و أتمّ فيها و فيما بين كل موطنين تقصير عن المسافة.

و لو اتخذ بلدا دار مقامة على الدوام،فالظاهر ان حكمه حكم الملك،و كذا لو اتخذ بلدانا للمقام دواما على التناوب.

و هل يشترط هنا استيطان الستة الأشهر؟الأقرب ذلك،لتحقق لاستيطان الشرعي مضافا الى العرفي.

فروع:

الأوّل: إذا سبقت نيّة المقام ببلد عشرة أيام على الوصول إليه،ففي انقطاع السفر بما ينقطع به الوصول الى بلده من مشاهدة الجدار و سماع لأذان وجهان،من صيرورته كبلدة،و من ضعف المانع من القصر هنا، هو الآن مسافر حقيقة فيستصحب حكمه حتى يخرج عنه اسم السفر.

و كذا الوجهان لو خرج منه الى مسافة هل يترخص بمجرد الخروج أو خفاء الأذان و الجدار؟فيه الوجهان.

الثاني: لو نوى المقام في أثناء المسافة عشرا و لما يقمها ثم سافر،3.

ص: 309


1- السنن الكبرى 3:136،153،و انظر صحيح البخاري 2:53،صحيح مسلم 1:481 ح 693.

فالظاهر انها سفرة ثانية،سواء كان ذلك في صوب المقصد أولا.

أما لو وصل الى وطنه،فان كان لم يقصد تجاوزه في سفره،ثم عرض له سفر آخر الى وطنه الآخر قبل العشرة،فكالأول.و حينئذ لو تجدّدت له سفرات ثلاث على هذا الوجه أتمّ في الثالثة،و إن كانت على صوب المقصد.

و ان كان من عزمه اتصال السفر في أول خروجه و مرّ على أوطانه، فالحكم:بتعدد السفر هنا إذا لم يتخلل مقام عشرة،بعيد،لأنها سفرة واحدة متصلة حسا و ان انفصلت شرعا،و من ثم لم يذكر الأصحاب الاحتمال في ذلك.

و يحتمل ضعيفا احتسابها،لانقطاع سفره الشرعي بذلك،و كون الآخر سفرا مستأنفا،و من ثم اشترطت المسافة.

الثالث: لو خرج من بلده الى مسافة نوى المقام بها عشرا،و لمّا يتمّها ثم عاد الى بلده،فهل تحسب هذه ثانية؟فيه الوجهان.

الشرط الثالث:كون المقصود مسافة،
اشارة

و هي ثمانية فراسخ،كل فرسخ ثلاثة أميال،كل ميل أربعة آلاف ذراع،كل ذراع اربع و عشرون إصبعا،كل إصبع سبع شعيرات-و قيل ست عرضا (1)-كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون.

و قدّر أهل اللغة الميل بقدر مدّ البصر من الأرض المستوية (2).

و روي تقديره بألف و خمسمائة ذراع (3)و حمل على سهو الراوي،

ص: 310


1- راجع:المهذب البارع 1:480،التنقيح الرائع 1:285،المدارك 4:430، مفتاح الكرامة 3:497.
2- الصحاح 5:1823،ابن أثير 4:383،لسان العرب 11:639.
3- الفقيه 1:286 ح 1303.

و انه ثلاثة آلاف و خمسمائة فأسقط ثلاثة،و الطعن في الرواية رأسا أولى من نسبته الى السهو في بعضها،و قد أوردها في من لا يحضره الفقيه.

و قدّرت المسافة في رواية سماعة:ب«الثمانية» (1).

و في رواية أبي أيوب عن الصادق عليه السّلام:ب«بريدين،أو بياض يوم» (2).

و في رواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السّلام:ب«مسير يوم» (3).

و لو أراد الرجوع ليومه كفى أربعة فراسخ فصاعدا،لقول الصادق عليه السّلام في رواية معاوية بن وهب:«بريد ذاهبا،و بريد جائيا» (4).

و في رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام:«إذا ذهب بريدا،و رجع بريدا،فقد شغله يومه» (5).

فروع:
الأوّل:لو قصد الرجوع لليلته،

أو في ليلته و يومه،فالأقرب القصر مع اتصال السفر.نعم،لو قطعه بالمبيت انقطع الترخص،لحصول راحة الليل حينئذ.

و روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام،قال:«انما وجب التقصير في ثمانية فراسخ،لا أقل من ذلك و لا أكثر،لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة (6)يوم

ص: 311


1- التهذيب 3:207 ح 492،الاستبصار 1:222 ح 786.
2- التهذيب 3:210 ح 506،الاستبصار 1:225 ح 802.
3- التهذيب 3:209 ح 503،الاستبصار 1:225 ح 799.
4- التهذيب 3:208 ح 496،4:224 ح 657،الاستبصار 1:223 ح 792.
5- التهذيب 4:224 ح 658.
6- في النسخ«من»و المتنبت«مسيره»من المصادر أوجه.

للعامة و القوافل و الأثقال،و لم يجب في مسير يوم لما وجب في مسير سنة،لأن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم،فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره» (1)،و هو يدل على ما قلناه من انقطاع سفره بالمبيت.

الثاني:لو كان المقصد زيادة على الأربعة فكالاربعة.

و لو نقص-كالثلاثة يتردّد فيها ثلاث مرات-لم يترخص لخروجه عن اسم المسافر (2)،و إلاّ لزم تقصير المتردّد في أقل من ميل،و هو باطل.

الثالث:ثبتت المسافة بالاعتبار بالأذرع،

و حينئذ لا فرق بين قطعها في يوم أو أقل أو أكثر.

و لو لم يتفق ذلك،فالظاهر ان مسير يوم كاف في الأرض المعتدلة و السفر المعتدل،لنطق الاخبار به،و عسر المساحة.

نعم،لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر-كالسنة- فالأقرب عدم القصر،لزوال التسمية.

و من هذا الباب،لو قارب المسافر بلده،فتعمد ترك الدخول إليه للترخص،و لبث في قرى تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر.

و لو أقف في هذين الموضعين على كلام للأصحاب،و ظاهر النظر يقتضي عدم الترخص.

الرابع:لو تعارضت البيّنتان بالنفي و الإثبات في المسافة،

فالأقرب العمل ببيّنة الإثبات،لأن شهادة النفي غير مسموعة.

و لا يكفي إخبار الواحد بها،و يحتمل الاكتفاء به إذا كان عدلا،جعلا

ص: 312


1- الفقيه 1:290 ح 1320،علل الشرائع:266،عيون اخبار الرضا 2:113.
2- في«س»المسافة.

لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة.

فعلى هذا لو سافر اثنان:أحدهما يعتقد المسافة،و الآخر لا يعتقدها، فالظاهر ان لكل منهما ان يقتدي بالآخر،لصحة صلاته بالنسبة إليه.

و لو شك المكلف في بلوغ المسافة أتمّ،لأصالة عدمه.

و لو علم في أثناء السفر بلوغ المقصد مسافة،فالظاهر الترخص حينئذ،و إن قصر الباقي عن مسافة.

و مبدأ المساحة (1)من آخر العمارة في البلد المعتدل،و من آخر محلته في البلد المتسع جدا.

الخامس:لو كان لبلد طريقان،

أحدهما خاصة مسافة،فسلك الأقرب أتمّ،و ان سلك الأبعد لعلّة غير الترخص قصر،و ان كان للترخص لا غير فالأقرب التقصير للإباحة.و قال ابن البراج:يتم،لأنه كاللاهي بصيده (2).

و لو رجع قاصد الأقرب بالأبعد،قصر في رجوعه لا غير.

و لو رجع قاصد الأبعد بالأقرب،قصّر في ذهابه و إيابه.

الشرط الرابع:كون السفر مباحا

-واجبا كان أو ندبا،أو جائزا أو مكروها-فلا يترخص العاصي،كالآبق،و الزوجة الناشز،و تابع الجائر، و قاطع الطريق،و الباغي على الامام،و التاجر في المحرمات.

و قد روى عدم تقصير العاصي للّه و لرسوله-كطالب الشحناء، و السعاية في ضرر على قوم من المسلمين-عمار بن مروان عن

ص: 313


1- في«س»المسافة.
2- المهذب 1:107.

الصادق عليه السّلام (1).

و روى حماد بن عثمان عنه عليه السّلام:«الباغي و العادي ليس لهما ان يقصرا الصلاة» (2).

و الصيد لهوا و بطرا معصية،فلا ترخص فيه،و رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام (3).

فروع:

لا يشترط انتفاء المعصية في سفره،انما الشرط انتفاؤها بسفره، سواء كان نفس السفر معصية-كالفار من الزحف،و من وقوف عرفات بعد وجوبه عليه-أو غايته معصية-كما سبق من الباغي و العادي.

و لو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظن التلف،فالأقرب أنه عاص بسفره فلا يترخص.

و لو خاف على ماله المجحف به فكذلك.

و لو كان غير مجحف،فالظاهر انه يترخص،لعدم وجوب حفظ مثل هذا القدر.

و لو رجع عن المعصية في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ،فلو قصر الباقي أتمّ.

و لو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع ترخّصه.فلو عاد إلى الطاعة،فالظاهر انه يعود ترخّصه و لا تشترط مسافة متجددة،لأنّ المانع2.

ص: 314


1- الفقيه 2:92 ح 409،التهذيب 4:219 ح 640.
2- الكافي 3:438 ح 7،التهذيب 3:217 ح 539.
3- التهذيب 3:218 ح 540،الاستبصار 1:236 ح 842.

كان المعصية و قد زالت،و قد سبق مثله في المائل إلى الصيد ثم يعود عنه.

الشرط الخامس:ان لا يكون سفره أكثر من حضره،

و بها عبر معظم الأصحاب (1).

و لم يرتضها في المعتبر،محتجا بأنه يلزم عليه ان لو أقام في بلده عشرة ثم سافر عشرين ان يتم في سفره،و لم يقل به أحد.

قال:بل الأولى ان يقال:ان لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا،كما تضمنته رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام،عن الباقر عليه السّلام من:«الجابي الذي يدور في جبايته،و الأمير الذي يدور في إمارته،و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق،و الراعي،و البدوي» (2).

و روى زرارة عن الباقر عليه السّلام:«المكاري،و الكري،و الراعي، و الأشتقان» (3)و هو أمين البيادر،و قيل:البريد (4).

و في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:«الملاحون، و المكاري،و الجمال» (5).

و روى إسحاق بن عمار:الاعراب و الملاحين (6).

ص: 315


1- راجع:المقنعة:55،جمل العلم و العمل 3:47،المبسوط 1:141،و المراسم:74،مختلف الشيعة:163.
2- المعتبر 2:472. و الرواية في:الفقيه 1:282 ح 1282،الخصال:403،التهذيب 3:214 ح 524.
3- الكافي 3:436 ح 1،الفقيه 1:281 ح 1276،الخصال:252،التهذيب 3: 215 ح 526.
4- الفقيه 1:281.
5- الكافي 3:437 ح 2،الفقيه 1:281 ح 1277،التهذيب 3:214 ح 525.
6- الكافي 3:438 ح 9،التهذيب 3:215 ح 527،الاستبصار 1:233 ح 829.

و يخرجون هؤلاء عن الكثرة بمقام عشرة أيام منويّة سواء كان ببلدهم أو غيره،و بمقام عشرة في بلدهم و إن لم يكن بنيّة.قاله الأصحاب و قد روى ذلك في المكاري عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام (1).و من ثم احتمل الشيخ المحقق اختصاص هذا بالمكاري (2)،و جعل الباقين على التمام و ان أقاموا عشرة،و هو بعيد.

فروع:

المعتبر صدق اسم هؤلاء على من سافر،و كذا من كان في معناهم، و انما يحصل ذلك غالبا بالسفرة الثالثة التي لم تتخلل قبلها تلك العشرة.

و ابن إدريس اعتبر ثلاث دفعات كما قلناه،ثم قال:صاحب الصّنعة من المكارين و الملاحين و التاجر و الأمير،يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم الى السفر،لان صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له (3).

و هو ضعيف،لأن العلة كثرة السفر و هي مفقودة هنا.

و في المختلف:يتمّون جميعا في الثانية إذا لم يقيموا بعد الأولى عشرة (4).

و يضعف بمنع التسمية بهذا القدر،فالأولى التمام في الثالثة مطلقا.

و ربما قيل:إذا كان الاسم قد صدق عليهم،فخرجوا لمقام عشرة أيام ثم عادوا الى السفر،اكتفي بالمرتين،و ان كانوا مبتدئي السفر فلا بعد من3.

ص: 316


1- تقدمت في 300 الهامش 1.
2- المعتبر 2:472.
3- السرائر:76.
4- مختلف الشيعة:163.

الثلاثة.

و هو ضعيف،لان الاسم قد زال و هو الآن كالمبتدإ،لأنه لو لم يزل وجب الإتمام في السفرة الأولى عقيب العشرة،كما أشار إليه المحقق.و هذا أيضا يرد على ابن إدريس،لأنّ الصنعة ان كانت كافية،فلا فرق بين أن يقيم عشرة أو لا،و هذا التزام حينئذ.

و المراد بالكري في الرواية المكتري.و قال بعض أهل اللغة:قد يقال الكري على المكاري (1).و الحمل على المغايرة أولى بالرواية،لتكثر الفائدة،و لأصالة عدم الترادف.

و لو أنشأ هؤلاء أسفارا غير صنائعهم-كالحج مثلا،أو التاجر يصير ملاحا أو مكاريا-فالظاهر انهم يقصرون،و خصوصا البدوي و الملاح، للتعليل بان«بيوتهم معهم» (2).و ربما كان ذلك بحديثين معتبري الاسناد:

أحدهما:رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السّلام،قال:«المكاري و الجمال إذا جدّ بهما السير فليقصرا» (3)و مثله رواه الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام (4).

و يكون المراد ب(جدّ السير)ان يكون مسيرهما متصلا،كالحج، و الأسفار التي لا يصدق عليها صنعته.

و يحتمل ان يراد انّ المكارين يتمّون ما داموا يتردّدون في أقل من المسافة،أو في مسافة غير مقصودة،فإذا قصدوا مسافة قصروا،و لكن هذا1.

ص: 317


1- القاموس المحيط 4:382.
2- الكافي 3:438 ح 9،التهذيب 3:215 ح 527،الاستبصار 1:233 ح 829.
3- الكافي 3:437 ح 2،التهذيب 3:215 ح 528،الاستبصار 1:233 ح 830.
4- التهذيب 3:215 ح 529،الاستبصار 1:233 ح 831.

لا تخصص للمكاري و الجمال به،بل كل مسافر.

و قال الكليني رحمه اللّه-و تبعه الشيخ (1)-:المراد ان يجعلوا المنزلين منزلا،فيقصرون في الطريق و يتمون في المنزل (2)،لما رفعه الى أبي عبد اللّه عليه السّلام بطريق عمران الأشعري عن بعض أصحابنا:«الجمال و المكاري إذا جدّ بهما السير،فليقصرا فيما بين المنزلين،و يتما في المنزل» (3).

قلت:الظاهر انه أراد به المنزل الذي ينتهيان اليه مسافرين لا منزلهما،إذ منزلهما لا اشكال فيه.

و على تقدير إرادة المنزل مطلقا يكون ذلك الإيضاح بالنسبة إلى منزلهما،و ان أريد منزلهما خاصة كان تأكيدا.

و على كل تقدير،يلزم ان يقال المكاري و الجمال:اما ان يجعلا المنزلين منزلا أو لا،فإن جعلاه قصرا و إلاّ أتمّا،و لعله للمشقة الشديدة بذلك،لخروجه عن السير المعتاد.و حينئذ في اطراده في باقي الأقسام تردّد،من حيث حصول المشقة به مع قصد المسافة،و من عدم النص عليه.

و ربما لاح ان تخلّف القصر فيمن عدّد في الروايات لتخلف قصد المسافة على الوجه المعتاد غالبا،لأنهم بين:

من لا قصد له في بعض الأحيان،كالبدوي و الراعي اللذين يطلبان2.

ص: 318


1- الكافي 3:437 ح 2،التهذيب 3:215 ح 528،الاستبصار 1:233 ح 830.
2- الكافي 3:437 ح 2،التهذيب 3:215 ح 528،الاستبصار 1:233 ح 830.
3- الفقيه 1:282 ح 1279،التهذيب 3:215 ح 530،الاستبصار 1:233 ح 832.

القطر و النبت.

و من له قصد لا يكون مسافة غالبا،كالأمير و التاجر.

و من له قصد إلى المسافة لكن لا على الوجه المعتاد،كبعض الأمراء و التجار و المكارين.

و من له قصد المسافة على وجه المقام،كالملاح الذي أهله معه.

فان قلت:فما يصنع بالبريد و المكاري و الجمال؟ قلت:هؤلاء مقاصدهم تارة تستحلق المسافة،و تارة لا تستتبع المسافة.

فإن كانت الى دون المسافة فظاهر،و ان كانت إلى مسافة اغتفرت،لأنهم اعتادوا مطلق السفر فجروا مجرى الحاضر.

و اعلم ان ابن أبي عقيل عمّم وجوب القصر على كل مسافر،و لم يستثن أحدا (1).

الشرط السادس:أن يضرب في الأرض،

للتعليق عليه في الآية (2).

و ناطه الأصحاب بأمور ثلاثة:

أحدها:أن تتوارى جدران بلده.

و الثاني:ان يخفى عليه أذان مصره.

و الأولى في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (3).و الثاني في رواية عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام (4).و كلاهما صحيحا السند.

و الثالث:الاكتفاء بالخروج من منزله،و هو قول ابن بابويه في

ص: 319


1- مختلف الشيعة:163.
2- سورة النساء:101.
3- الكافي 3:434 ح 1،الفقيه 1:279 ح 1267،التهذيب 2:12 ح 27،4: 230 ح 676.
4- التهذيب 4:230 ح 675،الاستبصار 1:242 ح 862.

الرسالة (1).و رواه ولده مرسلا عن الصادق عليه السّلام:«إذا خرجت من منزلك فقصّر الى ان تعود اليه» (2).

و ابن الجنيد يقول في ظاهر كلامه:أنّ المسافر في خروجه يقصّر إذا فارق منزله و انقطع عنه رؤية أبيات قريته،و في رجوعه الى دخوله منزله.

قال:فان حيل بينه و بين منزله بعد وصوله إليه أتم (3).

و اعتبار الأولين هو المشهور بل يكاد يكون إجماعا.و رواية ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام مجملة،و المجمل يحمل على المبيّن.

نعم،روى إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السّلام عن المسافر يدخل بيوت الكوفة،أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟قال:«بل يكون مقصرا حتى يدخل اهله» (4).

و روى العيص عن الصادق عليه السّلام:«لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل اهله» (5).

و تأولهما بعض الأصحاب بأن المراد بدخول اهله سماع الأذان (6)،أو رؤية الجدران،و لا ينافي ذلك دخول الكوفة فإنها كانت واسعة الخطة، فلعلّه دخل منها ما لا يسمع فيه أذان محلته.4.

ص: 320


1- مختلف الشيعة:163.
2- الفقيه 1:279 ح 1268.
3- مختلف الشيعة:164.
4- الكافي 3:434 ح 5،الفقيه 1:284 ح 1291،التهذيب 3:222 ح 555، الاستبصار 1:242 ح 863.
5- التهذيب 3:222 ح 556،الاستبصار 1:242 ح 864،و فيهما:«حتى يدخل بيته».
6- هو الشيخ في الاستبصار 1:242،ذيل الحديث 864.

تنبيه:

أكثر عبارة الأولين اعتبار أحد الأمرين:من الخفاء،و عدم سماع الأذان (1).

و المرتضى اعتبر خفاءهما معا في خروجه،و في دخوله يقصر حتى يبلغ منزله (2).

و اختاره الفاضل في الدخول و الخروج (3).فعلى هذا إدراك أحدهما يجعله بحكم المقيم،سواء كان خارجا الى السفر،أو راجعا منه.

و المفيد-رحمه اللّه-ظاهره اعتبار الأذان (4)،و به صرّح سلار (5).

و الصدوق-في المقنع-اعتبر خفاء الحيطان (6).

و ابن إدريس نصّ على ان المعتبر بالأذان المتوسط دون الجدران (7).

و في المبسوط ظاهره ان المعتبر الرؤية،فإن حصل حائل فالأذان (8).

و المعتمد خفاء إدراكهما فيهما،عملا بالروايتين الصحيحتين أولا (9).4.

ص: 321


1- راجع:الخلاف 1:128 المسألة 6،المهذب 1:106،المعتبر 2:473، تذكرة الفقهاء 1:189.
2- يوجد صدر المسألة في:جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة):47،و نقل ذيل المسألة عنه المحقق في المعتبر 2:474، و العلامة في التذكرة 1:189.
3- تذكرة الفقهاء 1:189،نهاية الإحكام 2:172.
4- المقنعة:55.
5- المراسم:75.
6- المقنع:37.
7- السرائر:74.
8- المبسوط 1:136.
9- راجع ص 319 الهامش 3،4.

فروع:

يكفي سماع الأذان من آخر البلد،و كذا رؤية آخر جدرانه.اما لو اتسعت خطة البلد بحيث تخرج عن العادة،اعتبرنا محلته و أذانها كما أوّلنا به الرواية.

و لا عبرة بأعلام البلد كالمنائر و القلاع و القباب،و لا بسماع الأذان المفرط في العلو،كما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض.

و الأقرب اجراء الصوت العالي مجرى الأذان،و التمثيل بالأذان لأنه أبلغ الأصوات.

و لو كانت القرية في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا، و ساكن الحلة(يعتبر الأذان.و في القرى المفرطة في انخفاض البيوت يحتمل ذلك و تقدير رؤية الجدار) (1)،و كذا يحتمل رؤية الجدار في حلة البادية.

و تقارب القريتين لا يجعلهما بحكم الواحدة،و ان كثر اختلاطهما و دخول أهل كل منهما الأخرى من غير تغيير زي.

فحينئذ المسافر من إحداهما في صوب الأخرى يعتبر جدار قرينة و أذانها.

و لو منع المسافر من تمام السفر،فان كان قبل محل الترخّص أتمّ، و ان تجاوز محل الرخصة و رجا زوال المانع و جزم بالسفر قصّر.

و لو سافر في السفينة،فردّته الريح الى ان أدرك أحد الأمرين:منس.

ص: 322


1- سقط من م،أثبتناه من س.

الجدار و الأذان،أتمّ.

و لو عاد المسافر لحاجة قبل بلوغ المسافة أتمّ في طريقه،لخروجه عن اسم المسافر.نعم،لو كان غريبا فهو باق على القصر،و إن كان قد نوى المقام عشرا فيه،أو مضى عليه ثلاثون يوما.

و ها هنا أمور اشترطها بعض العامة،و ليست شرطا عندنا:
فمنها:الخوف (1)،

فمنها:الخوف(1)، و لا يشترط مجامعته السفر،لخبر يعلى بن أمية و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صدقة تصدّق اللّه بها عليكم،فاقبلوا صدقته» (2).

و قال ابن عباس:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سافر بين مكة و المدينة آمنا لا يخاف إلاّ اللّه تعالى،فصلّى ركعتين (3).

احتج داود بظاهر الآية (4).

قلنا:الحديث مبيّن للمراد منها.

و منها:نيّة القصر (5).

و منها:نيّة القصر (5).و ليست شرطا عندنا،فلو دخل في صلاة، و ذهل عن نيّة القصر كانت صحيحة،لأنّ المقتضي لتسويغ القصر الحكمة و هي لا تتغيّر بالنية.

و منها:عدم الائتمام بالمقيم (6).

و منها:عدم الائتمام بالمقيم (6). و ليس شرطا،فلو ائتم المقصّر بمقيم

ص: 323


1- شرطه داود،راجع:المحلى 4:267،حلية العلماء 2:224.
2- مسند احمد 1:36،سنن الدارمي 1:354،صحيح مسلم 1:478 ح 686، سنن ابن ماجة 1:339 ح 1065،سنن أبي داود 3:3 ح 1199،الجامع الصحيح 5:242 ح 3034،سنن النسائي 3:116،مسند أبي يعلى 1:163 ح 181.
3- المصنف لعبد الرزاق 2:516 ح 4270،الجامع الصحيح 2:431 ح 547،سنن النسائي 3:117،السنن الكبرى 3:135.
4- سورة النساء:101.
5- شرطه جماعة راجع:المغني 2:106،الشرح الكبير 2:106 و روضة الطالبين 1:496،حلية العلماء 2:230،المهذب للشيرازي 1:110،المجموع 4: 353،الحاوي الكبير 2:378.
6- شرطه جماعة،راجع المغني 2:129،روضة الطالبين 1:494،حلية العلماء 2:230،المهذب للشيرازي 1:110،المجموع 4:356،الحاوي الكبير 2:380.

لم يتمّ عندنا،بل هو باق على قصره بإجماعنا،لإطلاق القرآن و الاخبار.

احتجوا بقوله صلّى اللّه عليه و آله:«انما جعل الإمام إماما ليؤتم به» (1).

قلنا:نمنع إمامته في الزائد عن فرض المقصّر.

و منها:انه لا يشترط كون السفر واجبا،

لعموم الأدلة (2)و خلاف ابن مسعود مدفوع،لانقراضه.

و لا يشترط كونه طاعة.و اشتراط عطاء ذلك (3)مردود،و احتجاجه بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يقصّر إلاّ في سبيل الخير مدفوع بان ذلك لا يمنع من التقصير في غيره.

ص: 324


1- المصنف لعبد الرزاق 2:461 ح 4082،مسند احمد 2:314،صحيح البخاري 1:175،صحيح مسلم 1:308 ح 411،سنن ابن ماجة 1:276 ح 846،سنن أبي داود 1:164 ح 603،سنن النسائي 2:83،مسند أبي يعلى 10:315 ح 5909،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:271 ح 2104،و لم ترد في الجميع كلمة«اماما».
2- قاله ابن مسعود،راجع:المغني 2:100،الشرح الكبير 2:92.
3- المغني 2:100،الشرح الكبير 2:92.
المطلب الثالث:في الاحكام.
اشارة

و فيه مسائل:

الاولى:لو أتمّ المقصّر عامدا بطلت صلاته،

لان القصر عزيمة.هذا مع العلم بان فرضه القصر.و لو كان جاهلا بذلك،فالمشهور انه لا اعادة عليه في الوقت و لا بعد خروجه:

اما مع بقائه فخالف فيه أبو الصلاح-رحمه اللّه-و ابن الجنيد،و قال ابن الجنيد:يستحب له الإعادة مع خروج الوقت (1).

و اما مع خروجه فلا نعلم فيه خلافا،إلاّ ما يظهر من كلام ابن أبي عقيل حيث قال:من صلّى في السفر صلاة الحضر،فصلاته باطلة و عليه الإعادة،لأن الزيادة في الفرض مبطلة (2).

لنا:صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام فيمن صلى في السفر أربعا:«ان كان قرئت عليه آية التقصير،و فسّرت له،فصلّى أربعا أعاد.و ان لم يكن قرئت عليه،و لم يعلمها،فلا إعادة عليه» (3)و النكرة في سياق النفي تعم،فيدخل فيه بقاء الوقت و خروجه.

و سأل المرتضى-رضى اللّه عنه اللّه-عن ذلك الرضي-رحمه اللّه-فقال:الإجماع على انّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة،و الجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزية.

ص: 325


1- الكافي في الفقه:116،و حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة: 66.
2- مختلف الشيعة:164.
3- الفقيه 1:278 ح 1266،التهذيب 3:226 ح 571.

فأجاب المرتضى بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل،و ان كان الجاهل غير معذور (1).

الثانية حكم ما لو أتمّ الصلاة ناسيا

لو أتمّ الصلاة ناسيا،ففيه ثلاثة أقوال:

أشهرها:انه يعيد ما دام في الوقت، فان خرج فلا اعادة عليه (2).

و صحيحة العيص بن القاسم عن الصادق عليه السّلام تدل عليه،حيث سأله عن مسافر أتمّ الصلاة،قال:«ان كان في وقت فليعد،و ان كان الوقت قد مضى فلا» (3)فإنه لا يجوز حملها على العامد العالم قطعا،و لا على الجاهل، المعارضة الرواية الأولى،فتعيّن حملها على الناسي.

القول الثاني:لأبي جعفر الصدوق في المقنع: ان ذكر في يومه أعاد،و ان مضى اليوم فلا اعادة (4).و هذا يوافق الأول في الظهرين،و اما العشاء الآخرة:

فإن حملنا اليوم على بياض النهار فيكون حكم العشاء مهملا.

و ان حملناه على ذلك و على الليلة المستقبلة إذ صلاة اليوم و الليلة بمثابة اليوم الواحد،و جعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر كما سلف،وافق القول الأول أيضا و إلاّ خالفه.

و ان حملنا اليوم على بياض النهار و ليلته الماضية،فيكون جزما بان العشاء تقضى إذا ذكر في بياض النهار،و هذه مخالفة للقول الأول.

ص: 326


1- راجع روض الجنان:398.
2- قال به:الطوسي في النهاية:123 المحقق في المعتبر 2:478،العلامة في مختلف الشيعة:164.
3- الكافي 3:435 ح 376،التهذيب 3:169 ح 372،الاستبصار 1:241 ح 860.
4- المقنع:38.

و متمسكه صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام في الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات،قال:«ان ذكر في ذلك اليوم فليعد،و ان لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة» (1).

و الأولى حمل كلامه و الرواية على صلاتي النهار،فإنهما ظاهران فيه، فيوافق الأول.

القول الثالث:الإعادة مطلقا. و هو قول علي بن بابويه (2)و الشيخ في المبسوط و علل فيه بان من قال من أصحابنا:ان كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة،فظاهر،و من لم يقل يقول:قد زاد به فعليه الإعادة على كل حال (3).

و يتخرج هنا على القول:بان من زاد خامسة في الصلاة و كان قد قعد بقدر التشهد تسلم له الصلاة،صحة الصلاة هنا،لان التشهد حائل بين ذلك و بين الزيادة.

فإن قلت:فينبغي لو تعمّد الزيادة القول بذلك،لتحقق الخروج من الصلاة بالتشهد،فان هذا القول من روادف القول بندب التسليم.

قلت:إذا زاد متعمّدا لم تكن نيّة الخروج حاصلة بالتشهد،و لا في حكم الحاصلة،بل نيّة البقاء على الصلاة هي الحاصلة فتتحقق الزيادة في الصلاة،و قد أسلفنا تحقيق الخروج من الصلاة في مسألة وجوب التسليم.

و الناسي و ان لم تكن نيّة الخروج له حاصلة إلاّ انها في حكم الحاصلة.0.

ص: 327


1- الفقيه 1:281 ح 1275،التهذيب 3:169 ح 373،الاستبصار 1:241 ح 861.
2- مختلف الشيعة:164.
3- المبسوط 1:140.

فرع:

لو قصّر المسافر غير الرباعية أعاد مطلقا.و روى إسحاق بن عمار في امرأة صلت في السفر المغرب ركعتين:«ليس عليها قضاء» (1)و هي متروكة شاذة.

الثالثة حكم ما لو صام المسافر الذي يجب عليه الإفطار

لو صام المسافر الذي يجب عليه الفطر فرضا عامدا عالما وجبت الإعادة،للنهي عن الصوم في الكتاب (2)و السنة (3).

و ان كان جاهلا بالقصر أجزأ،للنص (4)و رواية حماد عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام في الصائم في السفر:«ان كان بلغه انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء،و ان لم يكن بلغه فلا شيء عليه» (5)و كذا في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السّلام (6).

و لو كان ناسيا،فالأشبه الإعادة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان اللّه تصدق على مرضى أمتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان،أ يعجب أحدكم ان لو تصدّق بصدقة أن ترد عليه!»رواه الأصحاب عن الصادق عليه السّلام عنه صلّى اللّه عليه و آله (7).و قال الصادق عليه السّلام في هذه الرواية:«الصائم في شهر رمضان

ص: 328


1- الفقيه 1:287 ح 1306،التهذيب 3:226 ح 572،الاستبصار 1:220 ح 779.
2- سورة البقرة:184،185.
3- راجع:الكافي 4:127 ح 3،التهذيب 4:217 ح 630.
4- لعله إشارة الى ما في الكافي 4:128 ح 2،3 حيث هما نص صريح في ذلك.
5- الكافي 4:128 ح 1،الفقيه 2:93 ح 417،التهذيب 4:220 ح 643.
6- التهذيب 4:221 ح 646.
7- الكافي 4:127 ح 3،الفقيه 2:91 ح 403،التهذيب 4:217 ح 630.

في السفر كالمفطر فيه في الحضر» (1).و لان فرضه الصوم في غير هذا الزمان فلا يجزي عنه هذا الزمان.

و روى ابن بابويه-في من لا يحضره الفقيه-عن محمد بن بزيع،عن الرضا عليه السّلام،قال:سألته عن الصلاة (2)بمكة و المدينة،أ تقصير أم تمام؟قال:

«قصر ما لم يعزم على مقام عشرة أيام» (3)و به احتج على اعتبار نيّة الإقامة في إتمام الصلاة بالأماكن الأربعة (4).

الرابعة هل هناك فرق بين الشرائط و الأحكام في الصوم و الصلاة؟

لا فرق بين الصوم و الصلاة في الشرائط و الاحكام،لما تقدم من قول الصادق عليه السّلام:«هما واحد،إذا قصرت أفطرت،و إذا أفطرت قصرت» (5)و قد سبق الخلاف في ذلك.

و يفترقان في الأماكن الأربعة،فإنّ إتمام الصلاة جائز بل أفضل،بخلاف الصوم فأنّي لم أقف فيه على نص و لا فتوى،و قضية الأصل بقاؤه على الفطر لمكان السفر،و إن كان في بعض الروايات في الأماكن لفظ الإتمام فإنّ الظاهر أنّ المراد به الصلاة.و اللّه أعلم.

الخامسة قول الشيخ فرض السفر لا يسمى قصرا

قال الشيخ:فرض السفر لا يسمّى قصرا،لأنّ فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر (6).و يشكل بقوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (7)و بعض الأصحاب سمّاها بذلك.قيل:و هو نزاع

ص: 329


1- الكافي 4:127 ح 3،الفقيه 2:91 ح 403،التهذيب 4:217 ح 630.
2- في النسخ:الصوم،و هو سهو بيّن،و تقدّم بلفظ الصلاة في ص 818 الهامش 3.
3- الفقيه 1:283 ح 1285،عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2:18،التهذيب 5:426 ح 1482،الاستبصار 2:331 ح 1178.
4- الفقيه 1:283.
5- الفقيه 1:280 ح 1270،التهذيب 3:220 ح 551.
6- المبسوط 1:136،الخلاف 1:128 المسألة 4.
7- سورة النساء:102.

لفظي (1).

السادسة حكم ما إذا خرج حاجّا إلى مكة و بينه و بينها مسافة

قال رحمه اللّه:إذا خرج حاجّا إلى مكة،و بينه و بينها مسافة تقصر فيها الصلاة،و نوى أن يقيم بها عشرا،قصّر في الطريق،فإذا وصل إليها أتمّ.

و إن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه،لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة كان له القصر،لأنّه نقض.مقامه بسفر بينه و بين بلده يقصّر في مثله.و إن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتمّ بمنى و عرفة و مكة،حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر (2).

و تبعه المتأخرون،و إن عمّم بعضهم العبارة من غير تخصيص بمكة زادها اللّه شرفا (3)و ظاهرهم اعتبار عشرة جديدة في موضعه الذي نوى المقام فيه بعد خروجه إلى ما دون المسافة (4)و ظاهرهم أن نيّة إقامة ما دون العشرة في رجوعه ك:لا نيّة.

السابعة اجتزاء ابن الجنيد وحده في إتمام المسافر بنيّة مقام

خمسة أيام]

اجتزأ ابن الجنيد وحده في إتمام المسافر بنيّة مقام خمسة أيام (5).

و هو مروي-في الحسن-عن الصادق عليه السّلام بطريق أبي أيوب و سؤال محمد بن مسلم (6)،و حمله الشيخ على الإقامة بأحد الحرمين،أو على استحباب الإتمام (7).و فيهما نظر،لأنّ الحرمين عنده لا يشترط فيهما خمسة و لا غيرها،إن كان أقل من خمس فلا إتمام.و أمّا الاستحباب فالقصر عنده عزيمة،فكيف قصّر رخصة هنا؟!

الثامنة حكم من سافر فقطع أربعة فراسخ أو فرسخ أو فرسخين

ذهب في النهاية إلى أن من سافر فقطع أربعة فراسخ،و صلّى

ص: 330


1- تذكرة الفقهاء 1:194.
2- المبسوط 1:138.
3- راجع:شرائع الإسلام 1:136.
4- راجع:المهذب 1:109،مختلف الشيعة:164.
5- مختلف الشيعة:164.
6- الكافي 3:436 ح 3،التهذيب 3:219 ح 548،الاستبصار 1:238 ح 849.
7- التهذيب 3:220،الاستبصار 1:138.

قصرا ثم اقام ينتظر رفقة،قصّر الى ثلاثين يوما.و ان كان مسيرة أقل من أربعة فراسخ أتم حتى يسير فيقصّر (1).

و في المبسوط:متى خرج من البلد الى موضع بالقرب من مسافة فرسخ أو فرسخين بنيّة أن ينتظر الرفقة هناك و المقام عشرا فصاعدا أتمّ.

و ان لم ينو عشرا و اقام لانتظارهم قصّر الى شهر.

و كلامه ظاهر في اعتبار خفاء الأذان أو الجدار لان الفرسخ مظنتهما.

و كلامه في النهاية يمكن بناؤه على أمرين:

أحدهما:انّه غير جازم بحضور الرفقة و ان سفره معلّق عليه.

و الثاني:ان التقصير جائز في أربعة فراسخ كما هو مذهبه.

و قد قدّمنا القول في ذلك كله.

التاسعة هل محل الترخص في البدوي ان يتجاوز موضعه؟

اعتبر ابن البراج في محل الترخص في البدوي أن يتجاوز موضعه،و في المقيم في الوادي أن يتجاوز عرضه،و ان سافر فيه طولا فأن يغيب عن موضع منزله (2).

و كأنّه في هذين الآخرين يعتبر سماع الأذان و رؤية الجدار،و ان قدرهما بما ذكره،و في البدوي لما لم يكن له دار انتفى اعتبارهما، و الأقرب تقديرهما فيه أيضا.

العاشرة حكم المرور على الوطن و النزول فيه

اعتبر ابن البراج-فيما يلوح من كلامه-في انقطاع سفر من مرّ على ضيعته أو أهله النزول و نيّة المقام عشرا (3).

و صرح أبو الصلاح باشتراط الوطن و النزول فيه،فلو لم ينزله قصّر

ص: 331


1- النهاية:124.
2- المهذب 1:106.
3- المهذب 1:106.

الى شهر عنده ما لم ينو المقام عشرة (1).

و قد روى إسماعيل بن الفضل-في الصحيح-انه سأل الصادق عليه السّلام:

«إذا نزلت قراك و ضيعتك فأتمّ الصلاة» (2).

و في موثقة عمار عنه عليه السّلام في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها،فقال:«يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة» (3).

و روى ابن بكير عن الصادق عليه السّلام في الرجل له بالكوفة دار و منزل فيمر بها مجتازا لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهّز يوما أو يومين،قال:

«يقيم (4)في جانب المصر،و يقصّر».قلت:فان دخل اهله؟قال:«عليه التمام» (5).

و في المبسوط:إذا سافر فمرّ في طريقه بضيعة له،أو على مال له، أو كانت له أصهار أو زوجة،فينزل عليهم و لم ينو المقام عشرة أيام قصّر، و قد روي انّ عليه التمام.و قد بيّنا الجمع بينهما،و هو:انّ ما روي انه ان كان جاء منزله أو ضيعته مما قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا تمّم،و ان لم يكن استوطن ذلك قصر (6)،و أطلق.

فظاهره ان المرور كاف،و تبعه المتأخرون (7)و تشهد له صحيحة سعد0.

ص: 332


1- الكافي في الفقه:117.
2- الفقيه 1:287 ح 1309،التهذيب 3:210 ح 508،الاستبصار 1:228. ح 810.
3- التهذيب 3:211 ح 512،الاستبصار 1:229 ح 814.
4- في النسخ:«يتم».
5- قرب الاسناد:80،الكافي 3:435 ح 2،التهذيب 3:220 ح 550.
6- المبسوط 1:136،و راجع:التهذيب 3:212.
7- راجع:الوسيلة:109،المعتبر 2:469،شرائع الإسلام 1:133،مختلف الشيعة:170.

ابن أبي خلف،قال:سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السّلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها،قال:«إن كان مما قد سكنه أتمّ فيه الصلاة،و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر» (1)و المراد به السكنى ستة أشهر لما سلف.و هو المعتمد.

الحادية عشرة حكم من لم ينزل بقريته

قال ابن الجنيد أيضا:أنّ من لم ينزل بقريته يقصّر.

و ألحق بالملك منزل الزوجة و الولد و الوالد و الأخ،إن كان حكمه نافذا فيه و لا يزعجونه منه لو أراد به المقام (2)لموثقة الفضل البقباق عن الصادق عليه السّلام في المسافر ينزل على بعض اهله يوما و ليلة أو ثلاثا،قال:«ما أحب أن يقصّر الصلاة» (3).

و في صحيح الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام في المسافر ينزل على بعض أهله يوما أو ليلة،قال:«يقصّر الصلاة» (4).

فجمع بينهما بحمل الأولى على نيّة المقام عشرا (5).

الثانية عشرة حكم ما لو قصر المسافر اتفاقا
اشارة

قال بعض الأصحاب:لو قصّر المسافر اتفاقا أعاد قصرا (6).

و فيه تفسيرات:

أحدها:أن يكون غير عالم بوجوب القصر،

فإنّه صلّى صلاة يعتقد فسادها فيجب إعادتها قصرا.و هذا ذكره في المبسوط (7).

الثاني:أن يعلم وجوب القصر،

و لكن جهل بلوغ المسافة فقصّر فاتفق بلوغ المسافة،فإنّه يعيد لأنّه صلّى قصرا مع أنّ فرضه التمام،فيكون

ص: 333


1- التهذيب 3:212 ح 518،الاستبصار 1:230 ح 819.
2- مختلف الشيعة:170.
3- التهذيب 3:233 ح 608،الاستبصار 1:232 ح 825.
4- التهذيب 3:217 ح 535،الاستبصار 1:231 ح 824.
5- مختلف الشيعة:170.
6- راجع:شرائع الإسلام 1:135،قواعد الاحكام:51.
7- المبسوط 1:139.

منهيا عنه فيعيد في الوقت قصرا.

اما إذا خرج الوقت،فيحتمل قويا القضاء تماما،لانه قد كان فرضه التمام فليقضها كما فاتته.و يحتمل القضاء قصرا،لانه مسافر في الحقيقة، و انما منعه من القصر جهل المسافة و قد علمها.

و هذا مطرد فيما لو ترك المسافر الصلاة أو نسيها،و لم يكن عالما بالمسافة ثم تبيّن المسافة بعد خروج الوقت،فان في قضائها قصرا أو تماما الوجهين.

التفسير الثالث:ان يعلم وجوب القصر و بلوغ المسافة،

و لكن نوى الصلاة تماما نسيانا،ثم سلّم على ركعتين ناسيا ثم ذكر،فإنه يعيد لمخالفته ما يجب عليه من ترك نيّة التمام،و تكون الإعادة قصرا سواء كان الوقت باقيا أم لا،لان فرضه القصر ظاهرا و باطنا.

و يحتمل قويا هنا أجزاء الصلاة،لأن نيّة التمام لغو،و الناسي غير مخاطب،و التسليم وقع في محله.

الثالثة عشرة حكم ما لو صلّى المسافر قصرا فتبين انه في موضع

سماع الأذان أو رؤية الجدار]

لو صلّى المسافر قصرا،ثم تبيّن انه في موضع سماع الأذان أو رؤية الجدار،لم يجز لان فرضه التمام،فان كان لم يأت بالمنافي أتمّها و أجزأت على الأقرب،لأن نيّة جملة الصلاة كافية.

و لو نوى المقام عشرة فقصّر ناسيا فكذلك.

و لو قصّر جاهلا،فالأقرب انه كالناسي.و قال الشيخ نجيب الدين بن سعيد-في الجامع للشرائع-:لا اعادة عليه (1).و لعلّه لانّه بنى على استصحاب القصر الواجب،و خفاء هذه المسألة على العامة،و لما رواه

ص: 334


1- الجامع للشرائع:93.

منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة،فإن تركه رجل جاهل فليس عليه اعادة» (1).

و ربما حمل الضمير في«تركه»على القصر للمسافر و ان لم يجر له ذكر في الرواية،لأنه قد علم انّ الجاهل معذور في التمام.

الرابعة عشرة استحباب صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة

تستحب صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة، لأنه من باب إتمام الصلاة المنصوص عليه.و نقله (2)الشيخ نجيب الدين محمد بن نما-رحمه اللّه-عن شيخه ابن إدريس.

و لا فرق بين أن يتمّ الفرضية أو لا،و لا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها و النافلة فيها،أو يصليهما معا فيها.

الخامسة عشرة استحباب للمسافر قول ثلاثين مرة عقيب كل صلاة

مقصورة:سبحان اللّه و الحمد للّه..]

يستحب ان يقول المسافر عقيب كل صلاة مقصورة:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الا و اللّه أكبر،ثلاثين مرة،جبرا لما نقص منها.و روى ذلك سليمان بن حفص المروزي عن العسكري عليه السّلام بلفظ(الوجوب) (3)و المراد به تأكّد الاستحباب.و توقّف الفاضل في عموم استحباب هذا العدد غير المقصورة (4)و الرواية عن العسكري مصرّحة بالمقصورة،و صرّح به أيضا ابن بابويه (5).

السادسة عشرة هل يستحب للمسافر الجمع بين الصلاتين؟

يجوز الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للحاضر و المسافر عندنا،لما مر.

ص: 335


1- التهذيب 3:221 ح 552.
2- في م،س:و نقل.
3- التهذيب 3:230 ح 594.
4- تذكرة الفقهاء 1:187،تحرير الاحكام:57.
5- الفقيه 1:289،المقنع:38.

و هل يستحب للمسافر الجمع؟الظاهر ذلك،لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعله،منه رواية الحلبي عن الصادق عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في سفر،أو عجلت به حاجة،يجمع بين الظهر و العصر،و المغرب و العشاء الآخرة» (1).

قال:و قال الصادق عليه السّلام:«لا بأس أن تعجل العشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (2).

و فيه إشارة إلى أن تأخيرها أفضل،و لكن روى منصور عنه عليه عليه السّلام و سأله عن صلاة المغرب و العشاء بجمع،قال:«بأذان و إقامتين لا تصل بينهما شيئا،هكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3)فعلى هذا لا تصلي بينهما نافلة.

و لا فرق بين ان يجمع بينهما في وقت فضيلة الأولى،أو في وقت الثانية.

السابعة عشرة في تحديد المسافة

روى البزنطي عن الرضا عليه السّلام:حدّ المسافة بثلاثة برد (4).

و روى أبو بصير عن الصادق عليه السّلام:«مسيرة يومين» (5).

و سندهما جيد،إلاّ أنّهما مخالفان إجماع الأصحاب،فحملا على التقية، أو على برد لم تزد على بريدين أو مسير يوم في يومين (6).

و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام:إن شيّع الرجل أخاه في

ص: 336


1- الكافي 3:431 ح 3،التهذيب 3:233 ح 609.
2- الكافي 3:431 ح 3،التهذيب 3:233 ح 609.
3- التهذيب 3:234 ح 615.
4- التهذيب 3:209 ح 504،الاستبصار 1:225 ح 800.
5- التهذيب 3:209 ح 505،التهذيب 1:225 ح 801.
6- التهذيب 3:209 ح 505،الاستبصار 1:225 ح 801.

الصيام يفطر له،و تشييعه أفضل من صومه (1).

و روى عبد اللّه بن مسكان و محمد بن النعمان،عن الصادق عليه السّلام:«انّ المسافر إذا ائتم بالحاضر،فان كان في الظهر جعل الفريضة في الركعتين الأوليين،و ان كانت العصر فليجعل الأوليين نافلة و الأخيرتين فريضة» (2).

و فيه إشارة إلى كراهة الصلاة نفلا بعد العصر،و الى صحة النافلة ممّن عليه فريضة.

و روى معاوية بن عمار عنه عليه السّلام:«انّ المسافر يقضى نافلة الليل ماشيا،يتوجه إلى القبلة ثم يمشي و يقرأ،فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثم مشى» (3).

و في رواية إبراهيم بن ميمون عنه عليه السلام.

:يومئ بالسجود (4).

و في رواية يعقوب بن شعيب عنه عليه السّلام:يومئ بهما،و يجعل السجود أخفض (5).

و في مرسلة حريز عنه عليه السّلام:لا يسوق المصلّي ماشيا الإبل (6).

و روى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام،قال:سألته عن رجل جعل للّه عليه ان يصلّي كذا و كذا،هل يجزئه ذلك على دابته و هو مسافر؟ قال:«نعم» (7)و يحمل ذلك على العجز،أو إرادة الناذر ذلك.6.

ص: 337


1- التهذيب 3:219 ح 545.
2- التهذيب 3:165 ح 360،226 ح 573.
3- التهذيب 3:229 ح 585.
4- التهذيب 3:229 ح 587.
5- الكافي 3:440 ح 7،التهذيب 3:229 ح 588.
6- الكافي 3:441 ح 9،الفقيه 1:289 ح 1318،التهذيب 3:230 ح 592.
7- التهذيب 3:231 ح 596.
الثامنة عشرة كراهة السفر في البحر

يكره السفر في البحر،و خصوصا للتجارة.روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«كان أبي يكره الركوب في البحر للتجارة» (1).

و قال علي عليه السّلام:«ما أجمل الطلب من ركب البحر» (2).

و سأل محمد بن مسلم الصادق عليه السّلام عن ركوب البحر،فقال:«و لم يغرر الرجل بدينه؟!» (3).

فإن ابتلى بركوبه استحب أن يقرأ في السفينة وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية (4)بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (5).

و إذا اضطرب به البحر فليقل متكئا على جنبه الأيمن:بسم اللّه اسكن بسكينة اللّه،و قرّ بقرار اللّه،و اهدأ بإذن اللّه،و لا قوة إلا باللّه».

و روى قول:«بسم اللّه»إلى قوله:«و لا قوة إلا باللّه»ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السّلام (6).

و يحرم ركوبه عند هيجانه،لوجوب التحرّز من الضرر و ان كان مظنونا،و لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عنه (7)و النهي للتحريم.

التاسعة عشرة التحنك بطرف العمامة في السفر استحباب مؤكد

يتأكّد استحباب التحنّك بطرف العمامة في السفر.

روى عمار عن الصادق عليه السّلام،انّه قال:«من خرج في سفره فلم يدر

ص: 338


1- الفقيه 1:293 ح 1333.
2- الفقيه 1:293 ح 1336.
3- الفقيه 1:293 ح 1334.
4- سورة الزمر:67.
5- سورة هود:41.
6- الفقيه 1:292 ح 1332.
7- الفقيه 1:293 ح 1335.

العمامة تحت حنكه،فأصابه ألم لا دواء له،فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1)قال ابن بابويه:و قال الصادق عليه السّلام:«ضمنت لمن خرج من بيته معتمّا ان يرجع إليهم سالما» (2).5.

ص: 339


1- الفقيه 1:173 ح 814.
2- الفقيه 1:173 ح 815.

ص: 340

الفصل الثاني: في صلاة الخوف و مطالبه خمسة:
المطلب الأوّل:صلاة ذات الرقاع،
اشارة

و اختلف في سبب التسمية بذلك،فقيل:لأنّ القتال كان في سفح جبل فيه جديد حمر و صفر كالرقاع (1).

و قيل:كانت الصحابة حفاة فلفّوا على أرجلهم الجلود و الخرق لئلا تحترق (2).

قال صاحب المعجم:و قيل:سمّيت برقاع كانت في ألويتهم.

و قيل:الرقاع اسم شجرة في موضع الغزوة.

قال:و فسّرها مسلم في الصحيح بأنّ الصّحابة نقبت أرجلهم من المشي فلفّوا عليها الخرق (3).

و هي على ثلاثة أميال (4)من المدينة عند بئر أروما،هكذا نقلها صاحب المعجم بالألف،قال:و بين الهجرة و بين هذا الغزاة أربع سنين و ثمانية أيام (5).

و قيل:مرّ بذلك الموضع ثمانية حفاة،فنقبت أرجلهم و تساقطت

ص: 341


1- معجم البلدان 3:56.
2- في السيرة النبوية لابن كثير 3:160 في حديث أبي موسى:«إنما سميت بذلك لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدّة الحرّ».
3- معجم البلدان 3:56،و راجع:صحيح مسلم 3:1449 ح 1816،صحيح البخاري 5:145
4- في المصدر:أيام.
5- معجم البلدان 3:56.

أظفارهم،فكانوا يلفّون عليها الخرق (1).

و هذه الصلاة ثابتة بالكتاب و السنة،لقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية (2)،و صلاّها النبي صلّى اللّه عليه و آله بالموضع المذكور (3)و التأسي به واجب.

و حكمها ثابت به عندنا و عند الجمهور،إلاّ أبا يوسف فإنّه زعم أنّها من خصائص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4)لقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ .

قلنا:ثبت وجوبها علينا بالتأسي به.و لهذا وجب أخذ الصدقة من المال،و إن كان تعالى قد قال خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (5)و من ثم لم يسمع من مانعي الزكاة احتجاجهم بهذه الآية على منعها.

و قيل:إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان قبل نزول هذه الآية متعبّدا،إذا خاف أخّر الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثم يقضيها،ثم نسخ ذلك بمضمون الآية (6).

و زعم بعض العامة أنّها نسخت بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك (7).

قلنا:كان ذلك قبل نزول هذه الآية.

و تحقيقها يظهر في مسائل:

الأولى حكم صلاة الخوف في السفر و الحضر

صلاة الخوف مقصورة سفرا-إجماعا-إذا كانت رباعيّة،

ص: 342


1- راجع:نهاية الإحكام 2:191.
2- سورة النساء:102.
3- صحيح البخاري 5:145،صحيح مسلم 1:575 ح 842،سنن أبي داود 2:13 ح 1238،سنن النسائي 3:171.
4- المجموع 4:405،المغني 2:251،شرح فتح القدير 2:63.
5- سورة التوبة:103.
6- سورة النساء:102.
7- صحيح البخاري 5:145،صحيح مسلم 1:575 ح 842،سنن أبي داود 2:13 ح 1238،سنن النسائي 3:171.

سواء صليت جماعة أو فرادى.و ان صليت حضرا،ففيه أقوال ثلاثة:

أحدها:-و هو الأصح-أنها تقصر للخوف المجرّد عن السفر كما تقصر للسفر المجرّد عن الخوف-و عليه معظم الأصحاب (1)-سواء صليت جماعة أو فرادى،لظاهر الآية،و لصحيح زرارة عن الباقر عليه السّلام:«صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف» (2).

و في حسن محمد بن عذافر عن الصادق عليه السّلام:«إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأ تكبيرتان» (3).و هو ظاهر في الانفراد،لبعد الجماعة في هذه الحال.

و ثانيها:أنّها لا تقصر إلاّ في السفر على الإطلاق.و هو شيء نقله الشيخ عن بعض الأصحاب (4)اقتصارا على موضع الوفاق،و أصالة إتمام الصلاة.

و جوابه:إنّما يقتصر مع عدم الدليل و هو ظاهر الثبوت.

و ثالثها:انها تقصر في الحضر بشرط الجماعة،اما لو صليب فرادى أتمّت و هو قول الشيخ (5)و يظهر من كلام جماعة (6)و به صرّح ابن إدريس (7)لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله انما قصرها في الجماعة.7.

ص: 343


1- راجع:جمل العلم و العمل 3:48،المهذب 1:112،الكافي في الفقه: 146،السرائر:77،مختلف الشيعة:150.
2- الفقيه 1:294 ح 1342،التهذيب 3:302 ح 921.
3- الكافي 3:457 ح 1،التهذيب 3:300 ح 913.
4- المبسوط 1:163،الخلاف 1:147 المسألة 2.
5- المبسوط 1:165.
6- لاحظ:الوسيلة:110،الغنية:561،المراسم:88.
7- لاحظ ما ورد في الحدائق 11:265.و انظر السرائر:77.

قلنا:لوقوع ذلك لا لكونه شرطا.

المسألة الثانية:هذا القصر كقصر المسافر يردّ الرباعية إلى ركعتين.

و قال ابن بابويه:سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول:رويت أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (1)؟فقال:

«هذا تقصير ثان و هو أن يردّ الرجل الركعتين إلى ركعة» (2)،و قد رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح (3).

و قال ابن الجنيد بهذا المهذب،و أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى كذلك بعسفان برواية الباقر عليه السّلام،و جابر،و ابن عباس،و حذيفة (4).

و قال بعض الرواية:فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركعتان،و لكل طائفة ركعة ركعة (5).

و هذا قول نادر،و الرواية به و إن كانت صحيحة فهي معارضة بأشهر منها عملا و نقلا،كما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام و قد وصف صلاة الخوف:أنّه يصلي بالأولى ركعة،ثم يصلّون الثانية و هو قائم،ثم تأتي الثانية فيصلي بهم الثانية،ثم يتمون ثانيتهم و يسلّم بهم (6)و رواه أيضا

ص: 344


1- سورة النساء:101.
2- الفقيه 1:295 ح 1343.
3- الكافي 3:458 ح 4.
4- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:151.و رواية الباقر عليه السّلام في:مختلف الشيعة: 151.و رواية جابر و ابن عباس و حذيفة في:سنن أبي داود 2:16 ح 1246،السنن الكبرى 3:261-262،و انظر:المغني 2:266-267،و لكن ليس فيهما ذكر عسفان.
5- سنن أبي داود 2:17 ح 1246،و انظر:مختلف الشيعة:151،السنن الكبرى 3: 262،و المغني 2:266.
6- الكافي 3:455 ح 1،المقنع:39،التهذيب 3:171 ح 379.

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السّلام (1).

الثالثة:شروط هذه الصلاة أربعة:
أحدها:كون الخصم قويا بحيث يخاف هجومه في حال الصلاة.

فلو ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة،لعدم الخوف حينئذ.

و ثانيها:ان تكون في المسلمين كثرة تمكنهم ان يفترقوا فرقتين:

إحداهما.تصلي مع الامام،و الأخرى بإزاء العدو.فلو لم يكن ذلك لم تتحقق هذه الصلاة.

و ثالثها:ان لا يحوج الحال إلى زيادة التفريق الى أكثر من فرقتين،

لتعذّر التوزيع حينئذ إلاّ ان يكونوا في صلاة المغرب،و لا يحتاج إلى الزيادة على الثلاث فإن الأقرب مشروعيتها حينئذ،لحصول الغرض.

و لو شرطنا في الخوف السفر،و احتاج الى أربع فرق في الحضر، فكذلك.

فلو زاد على الفرق الثلاث في المغرب،و على الفرق الأربع،انتفت الصلاة على هذه الهيئة قطعا.

و رابعها:عند بعضهم ان يكون العدو في خلاف جهة القبلة،

إما في استدبارها أو عن يمينها و شمالها،بحيث لا يمكنهم مقاتلته و هم يصلون إلاّ بالانحراف عن القبلة (2)،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله انما صلاّها و العدو في خلاف جهة القبلة.

فحينئذ لو كان العدو في القبلة،و أمكنهم أن يصلّوا جميعا و يحرس بعضهم-كما يأتي في صلاة عسفان-أثرت على هذه الصلاة،إذ ليس فيها

ص: 345


1- الكافي 3:456 ح 2،الفقيه 1:293 ح 1337،التهذيب 3:172 ح 380.
2- راجع:المبسوط 1:163،المعتبر 2:455.

تفريق و لا مخالفة شديدة لباقي الصلوات:من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه،و من انتظار الإمام إياه،و ائتمام القائم بالقاعد.

قال الفاضل:و لو قيل بالجواز-و عنى ذات الرقاع-كان وجها،لعدم المانع منه،و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله وقع اتفاقا لا أنّه كان شرطا (1).و هذا حسن.

و هذه شروط لهيئة ذات الرقاع لا لمجرد القصر،فإنّ الخوف بمجرده موجب للقصر و إن لم تحصل باقي هذه الشروط.و المنفرد يصلّي قصرا بغير هذه الشروط.و يجوز أن تكون الفرقة واحدا إذا حصلت المقاومة به.

الرابعة:صفتها ما رواه الحلبي-في الحسن-عن الصادق عليه السّلام،

قال:

«يقوم الامام،و تجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه،و طائفة بإزاء العدو،فيصلي بهم الإمام ركعة ثم يقوم و يقومون معه،فيمثل قائما و يصلّون هم الركعة الثانية،ثم يسلّم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم.و يجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم الركعة الثانية،ثم يجلس الامام و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى،ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمة».

قال:«و في المغرب مثل ذلك،يقوم الامام و تجيء طائفة فيقومون خلفه و يصلي بهم ركعة،ثم يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و يصلّون الركعتين و يتشهدون و يسلّم بعضهم على بعض،ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم.و يجيء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام،فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس و يتشهد،و يقوم و يقومون هم معه فيصلّون ركعة أخرى،ثم يجلس و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى

ص: 346


1- تذكرة الفقهاء 1:194.

و يسلم عليهم» (1).

و في صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه،عنه عليه السّلام قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف،ففرق أصحابه فرقتين، أقام فرقة بإزاء العدو و فرقة خلفه.فكبّر و كبروا،فقرأ و أنصتوا،فركع فركعوا، و سجد فسجدوا،ثم استتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قائما و صلوا لأنفسهم ركعة،ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم و قاموا بإزاء العدو.و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بهم ركعة ثم تشهد و سلم عليهم،فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة و سلم بعضهم على بعض» (2).

و لم يذكر المغرب في هذه الرواية.و ذكر هناك انتظارهم للتسليم، و هنا تسليمه من غير انتظار،و كلاهما جائزان و ان كان الأول أشهر من الثاني،و على الثاني ابن الجنيد و ظاهر ابن بابويه (3).

و قال ابن الجنيد:إذا سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتى يسلموا (4).

الخامسة حكم صلاة المغرب لطائفتين

يجوز في صلاة المغرب ان يصلّي بالأولى ركعة و الثانية ركعتين،كما تضمّنته رواية الحلبي (5).قال ابن أبي عقيل:بذلك تواترت الأخبار عنهم،لتكون لكلتا الطائفتين قراءة (6).و عليه أكثر الأصحاب إذ لم يذكروا

ص: 347


1- الكافي 3:455 ح 1،المقنع:39،التهذيب 3:171 ح 379.
2- الكافي 3:456 ح 2،الفقيه 1:293 ح 1337،التهذيب 3:172 ح 380.
3- الفقيه 1:293 ح 1337.مع ملاحظة ما أفاده في 1:3.
4- مختلف الشيعة:151.
5- تقدمت في 346-347 الهامش 1.
6- مختلف الشيعة:151.

غيره (1).

و خيّر الشيخ و أبو الصلاح بين ذلك و بين ان يصلى بالأولى ركعتين و بالثانية ركعة (2)و جعل الأول أفضل في كتاب مسائل الخلاف (3)و أحوط في كتاب الاقتصاد (4)و اختاره أيضا ابن الجنيد (5)اعني:إيثار الأول.

و قد روى زرارة و فضيل و محمد بن مسلم-في الصحيح-عن الباقر عليه السّلام:«انّه يصلي بفرقة ركعتين،ثم يجلس و يشير إليهم بيده فيقومون فيصلّون ركعة و يسلمون،و تجيء الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة» (6).

و إذا كان الحديثان معتبري الاسناد تعيّن التخيير.نعم،الأول أفضل، -و هو مروي عن فعل علي عليه السّلام (7)-اما للتأسي به،و اما لفوز الفرقة الثانية بالقراءة المتعيّنة و بما يوازي فضيلة تكبيرة الإحرام و التقدم،و ذلك يحصل بإدراك الركعتين.و عليه الفاضل في التذكرة (8).

و بعض العامة رجّح الثاني (9)و اختاره الفاضل في القواعد،لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد.له و هي مبنيّة على التخفيف.و هذا ليس بشيء،لأن هذا الجلوس لا بد منه و استدعائه زمانا،فلا يحصل التخفيف2.

ص: 348


1- راجع:جمل العلم و العمل 3:48،الوسيلة:110،المهذب 1: 113،المراسم:88.
2- الكافي في الفقه:146.
3- الخلاف 1:148 المسألة 4.
4- الاقتصاد:270.
5- مختلف الشيعة:151.
6- التهذيب 3:301 ح 918.
7- انظر المغني 2:262،الشرح الكبير 2:133.
8- تذكرة الفقهاء 1:196.
9- المجموع 4:415،المغني 2:262.

بإيثار الأولى به.و لانه معارض بما انه إذا صلّى بالأولى ركعتين و بالثانية ركعة،فإنها تجلس حيث لا يجلس الإمام-أعني في تشهدها الأول-و إذا انعكس كان جلوسها فيه حيث يجلس الامام،و ذلك على مقتضى الكلام الأول نوع تخفيف.

السادسة حكم القراءة في صلاة المغرب بالنسبة للطائفة الثانية

قال ابن الجنيد و المرتضى:إذا صلّى بالأولى في المغرب ركعة و أتمّوا،ثم قام إلى الثالثة التي هي ثانية للثانية،سبّح هو و قرأت الطائفة الثانية (1).

و ابن إدريس قال:الإجماع على انه لا قراءة عليهم (2).

و سيأتي إن شاء اللّه بحث مأخذ ذلك في الجماعة.

السابعة حكم اقتداء الطائفة الثانية في الركعة الثانية

ظاهر الأصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكما، و ان استقلوا بالقراءة و الافعال،فيحصل لهم ثواب الائتمام و يرجعون الى الامام في السهو،و حينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية.

و ابن حمزة-في الواسطة و الوسيلة-حكم بأنّ الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية (3).

و كأنه أخذه من كلام الشيخ في المبسوط،حيث قال:و متى سهت هذه الطائفة-يعني:الثانية-فيما تنفرد به،فإذا سلّم بهم الامام سجدوا هم لنفوسهم سجدتي السهو.و متى سهت في الركعة التي تصلّي مع الامام،لم يلزمها حكم ذلك السهو و لا يجب عليها شيء (4).فنفى الشيخ لازم الائتمام

ص: 349


1- جمل العلم و العمل 3:48،مختلف الشيعة:151.
2- السرائر:77.
3- الواسطة:مخطوط،الوسيلة:110.
4- المبسوط 1:165.

و هو وجوب سجدتي السهو،و نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.

و يدلّ على المشهور انهم عدّوا من جملة مخالفة هذه الصلاة:ائتمام القائم بالقاعد،و انّه في رواية زرارة-الصحيحة-:انّ الباقر عليه السّلام قال:

«فصار للأولين التكبير و افتتاح الصلاة،و للآخرين التسليم» (1)و لا يحصل لهم التسليم إلاّ ببقاء الائتمام.

و للشيخ و ابن حمزة أن يمنعا كون ذلك مستلزما لبقاء الائتمام حقيقة، و إن كان مستلزما له في ثواب الائتمام،و هما يقولان به.على أنّ التسليم في الرواية مصرح به انّ الامام يوقعه من غير انتظارهم-كما يأتي-و ذلك مقتض لانفرادهم حتما،و انما قال عليه السّلام:«و للآخرين التسليم»لأنهم حضروه مع الإمام.

الثامنة استحباب تخفيف الإمام القراءة،و باقي الأفعال

يستحب تخفيف الإمام القراءة في الاولى و باقي الأفعال -بالاقتصار على الواجب-ليخفّف عن الفرقة الأولى ما هم فيه من حمل السلاح،و يخفّفون هم أيضا في ركعتهم التي ينفردون بها ليسرعوا الى موقف أصحابهم،و يسرعوا أولئك إلى الصلاة ليتوفّروا على مصادمة العدو.

التاسعة ابتداء انفراد الطائفة الأولى بعد السجدة الثانية من

الركعة الأولى]

مبدأ انفراد الاولى بعد السجود الثاني من الركعة الأولى، لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها بذلك.و لو استمروا حتى قام الامام و قاموا معه جاز،بل هو أفضل،لاشتراكهم في ذلك القيام فلا فائدة في الانفراد قبله.

قيل:و يجب عليهم إيقاع نيّة الانفراد (2)لوجوب نية الواجب.

و يحتمل عدمه،لأن قضية الائتمام انما هو في الركعة الاولى و قد انقضت،

ص: 350


1- التهذيب 3:301 ح 917،تفسير العياشي 1:272 ح 257.
2- راجع:المبسوط 1:163،الوسيلة:110،الجامع للشرائع:104.

و هذا أقوى.

العاشرة:يستحب تطويل الإمام القراءة في انتظار الثانية،

و لو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزا،فحينئذ يشتغل بذكر اللّه تعالى إلى حين حضورهم.و الأول أجود،لأن فيه تخفيفا للصلاة،و قراءته كافية في اقتدائهم به و ان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين.

و إذا انتظرهم-لفراغ ما بقي عليهم-في تشهده طوّله بالأذكار و الدعوات حتى يفرغوا.

و لو سكت أيضا فالأقرب جوازه.

الحادية عشرة هل ينتظر الثانية إذا صلى بالأولى ركعتين في

قراءة الثالثة؟]

إذا صلّى في المغرب بالأولى ركعتين انتظر الثانية في قراءة الثالثة،فيطوّلها-كما تقدم-حتى يجيئوا.

و لو انتظرهم في التشهد الأول حكم الفاضل بجوازه،ليدركوا معه الركعة (1)من أولها (2).و في صحيح الجماعة-زرارة و فضيل و محمد بن مسلم-عن الباقر عليه السّلام إيماء إليه،حيث قال:«ثم جلس بهم،ثم أشار إليهم بيده،فقام كل إنسان منهم فصلّى ركعة ثم سلّموا و قاموا مقام أصحابهم.و جاءت الطائفة الأخرى فكبّروا و دخلوا في الصلاة،و قام الامام فصلّى بهم ركعة ثم سلم،ثم قام كل واحد منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الامام،ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة.فتمت للإمام ثلاث ركعات،و للأولين ركعتين في جماعة» (3).

الثانية عشرة:يجب أخذ السلاح على الطائفتين،

لتوقّف الحراسة

ص: 351


1- في النسخ:الركعتين،و هو سهو بيّن.
2- تذكرة الفقهاء 1:196.
3- التهذيب 3:301 ح 918،تفسير العياشي 1:272 ح 257.

عليه.

و قال في الخلاف:يجب على الطائفة المصلية،لظاهر الآية (1).

قلنا:وجوبه عليها يستلزم وجوبه على الأخرى بطريق الأولى،لأنها المستعدة للقتال و المناجزة.على انه روي في التفسير عن ابن عباس انّ المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بإزاء العدو (2).

و ابن الجنيد قال:يستحب أخذ السلاح،و الأمر للإرشاد (3).

و المراد بالسلاح هنا آلة الدفع من السيف و الخنجر و السكين و نحوه مما يفري.و في الجوشن و الدرع و المغفر و نحوه مما يكنّ و لو منع شيئا من واجبات الصلاة-كالجوشن الثقيل و المغفر السابغ المانع من السجود على الجبهة-لم يجز أخذه إلاّ لضرورة.

و قال في المبسوط:يكره أخذه إذا لم يتمكن معه من الصلاة (4).

الثالثة عشرة حكم ما لو كان السلاح نجسا

لو كان السلاح نجسا.فان كان مما لا تتمّ فيه الصلاة منفردا،فهو عفو إذا لم تتعدّ نجاسته الى غيره.و لو كان على الدرع و شبهه، أو كان يتعدّى الى غيره،و ليست النجاسة معفوا عنه،لم يجز أخذه إلاّ لضرورة.

الرابعة عشرة جواز الضربة و الضربتان و الطعنة و الطعنتان في أثناء الصلاة

يجوز في أثناء الصلاة الضربة و الضربتان و الطعنة و الطعنتان و الثلاث مع تباعدها-اختيارا و اضطرارا-لانه ليس فعلا كثيرا.

و لو احتاج الى الكثير فأتى به لم تبطل،و تكون كصلاة الماشي.

ص: 352


1- الخلاف 1:149 المسألة 7.
2- مجمع البيان 3:102،تفسير القرطبي 5:371،تفسير الطبري 5:159.
3- مختلف الشيعة:152.
4- المبسوط 1:164.

و كذا يجوز له إمساك عنان الفرس و جذبه إليه-كثيرا و قليلا-لأنّه في محل الحاجة.

الخامسة عشرة حكم ما لو ترك أخذ الصلاح في موضع وجوبه

لو ترك أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل صلاته،لأن الأخذ ليس شرطا في الصلاة و لا جزء منها،و انما هو واجب منفصل عن الصلاة.

و لو منع عن كمال الافعال-كزيادة الانحناء في الركوع-كره أخذه إلاّ لضرورة،قاله الفاضل (1).

و لو قيل بعدم الكراهة كان وجها،لأنا نتكلم على تقدير وجوب أخذه،و لا يمنع من الواجب إلاّ معارضة واجب،و ذلك الكمال غير واجب.

السادسة عشرة:لا تجب التسوية بين الطائفتين في العدد،

لأنّ الغرض ما يظنّ به القوة على المدافعة.و لا يشترط كون الطائفة ثلاثة، و الإتيان بضمير الجمع في قوله فَإِذا سَجَدُوا (2)بناء على الغالب، و الطائفة قد تصدق على الواحد.

و لو علم الامام ضعف الطائفة الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته أمدّهم ببعض من معه،أو بجميعهم،ثم يبنون على صلاتهم و إن استدبروا القبلة،للضرورة.

السابعة عشرة حكم ما لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن

لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن أتمّها ركعتين.

و لو عجز عن الركوع و السجود أتمّها بالإيماء،لمكان الضرورة،

ص: 353


1- تذكرة الفقهاء 1:197.
2- سورة النساء:103.

و وجود المقتضي.

و لو أمن في أثناء صلاة الخوف،أتمّها عددا إن كان حاضرا،و كيفية سواء كان حاضرا أو مسافرا.

و لا فرق بين أن يكون قد استدبر أوّلا أو لم يستدبر.

و قال الشيخ في المبسوط:لو صلّى ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل و صلّى بقية صلاته على الأرض،و ان صلّى على الأرض آمنا ركعة فلحقه شدة الخوف فكبر (1)و صلّى بقية صلاته إيماء،ما لم يستدبر القبلة في الحالين،فان استدبرها بطلت صلاته (2).و الأقرب الصحة مع الحاجة الى الاستدبار،لانه موضع ضرورة و الشروط معتبرة مع الاختيار.

الثامنة عشرة:لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال

و النساء،

لحصول المقتضي في الجميع.

و ابن الجنيد قال:يقصرها كل من يحمل السلاح من الرجال-حرا كان أو بعدا-دون النساء في الحرف (3)و لعلّه لعدم مخاطبتهنّ بالقتال، و الخوف انّما يندفع غالبا بالرجال،فلا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن.

التاسعة عشرة حكم ما لو رأى سوادا مقبلا فظنه عدوا

لو رأى سوادا مقبلا فظنه عدوا،فقصّر أو أومأ،ثم ظهر خطأ الظن،فالصلاة صحيحة سواء كان الوقت باقيا أو قد خرج،لانه امتثل المأمور به،فيخرج عن العهدة.

ص: 354


1- كذا في النسخ و الحدائق 11:284 عن المبسوط.و اما في الجواهر 14:186 عن المبسوط 1:166:ركب.
2- المبسوط 1:166.
3- مختلف الشيعة:151.

و لا فرق في ظهور الخطأ بين ظهور كون السواد إبلا مثلا،و بين كونه عدوا لكن هناك حائل،لتحقق الخوف على التقديرين.إلاّ أن يكون الحائل سهل الاطلاع عليه،و هناك مظنّته فتركوا الاطلاع،فحينئذ لا تصح الصلاة للتفريط.

ص: 355

المطلب الثاني:صلاة بطن النخل

و قد ورد انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاّها بأصحابه (1).

قال في المبسوط:روى الحسن عن أبي بكرة عن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (2).

و صفتها:ان يصلّي الإمام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة و الأخرى تحرسهم،ثم يسلّم بهم،ثم يمضوا الى موقف أصحابهم.ثم يصلّي بالطائفة الأخرى نفلا له و فرضا لهم.

قال في المبسوط:و هذا يدلّ على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل (3).

و شرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه،و إمكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد،و كونه في خلاف جهة القبلة.

و يتخير بين هذه الصلاة و بين ذات الرقاع.و يرجّح هذه إذا كان في المسلمين قوة ممانعة،بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية.

و يختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس.

و لا تجوز صلاة الجمعة على هذه الهيئة،لأنها لا تنعقد ندبا، و لا تشرع في مكان مرتين.

و تنعقد على هيئة ذات الرقاع إذا صليت حضرا،فيخطب للأولى خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعدا،و لا يضر انفراد الامام حال مفارقة

ص: 356


1- سنن النسائي 3:178،179،سنن الدار قطني 2:60 ح 10،61 ح 12،13، سنن أبي داود 2:17 ح 1248.
2- المبسوط 1:167. و رواية أبي بكرة في:مسند احمد 5:49،سنن أبي داود 2:17 ح 1248، سنن النسائي 3:179،سنن الدار قطني 2:61.
3- المبسوط 1:167. و رواية أبي بكرة في:مسند احمد 5:49،سنن أبي داود 2:17 ح 1248، سنن النسائي 3:179،سنن الدار قطني 2:61.

الفرقة الاولى في أثناء الصلاة،لأنه في حكم الباقي على الإمامة من حيث انتظاره للثانية،و عدم فعل يعتدّ به حينئذ.و لا تعدد هنا في صلاة الجمعة،لأنّ الإمام لم يتم جمعته مع مفارقة الاولى،فالفرقتان تجريان مجرى المسبوقين في الجمعة الذين يتمّون بعد تسليم الامام.

و لو خطب للفرقتين معا،ثم تفرقا حالة الصلاة،كان أجود إذا أمكن ذلك.

فرع:

قال الشيخ:متى كان في الفرقة الأولى العدد الذين تنعقد بهم الجمعة و خطب بهم،ثم انصرفوا و جاء الآخرون،لا يجوز ان يصلي بهم الجمعة إلاّ بعد ان يعيد الخطبة،لأن الجمعة لا تنعقد إلاّ بخطبة مع تمام العدد (1).

و يريد به الانصراف قبل فراغهم من الصلاة و شروعهم فيها،اما لو سمعوها و صلّوا معه ركعة و أتموها لأنفسهم،فلا تعاد الخطبة هنا لأجل الثانية قطعا.7.

ص: 357


1- المبسوط 1:167.
المطلب الثالث:صلاة عسفان.

و قد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة،قال:و متى كان العدو في جهة القبلة،و يكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شيء،و لا يمكنهم أمر يخافون منه،و يكون في المسلمين كثرة،لا تلزمهم صلاة الخوف و لا صلاة شدة الخوف،و ان صلّوا كما صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله بعسفان جاز.

فإنّه قام عليه السّلام مستقبل القبلة و المشركون أمامه،فصف خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صفّ،و صفّ بعد ذلك الصفّ صفّ آخر،فركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا،ثم سجد عليه السّلام و سجد الصف الذين يلونه و قام الآخرون يحرسونه،فلما سجد الأولون السجدتين و قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم،ثم تأخر الصفّ الذين يلونه الى مقام الآخرين،و تقدم الصفّ الآخر الى مقام الصف الأول.

ثم ركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا في حالة،ثم سجد و سجد الصفّ الذي يليه و قام الآخرون يحرسونه،فلما جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصفّ الذي يليه سجد الآخرون،ثم جلسوا جميعا و سلم بهم جميعا.

و صلّى بهم عليه السّلام أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم (1).

و قال الفاضل-رحمه اللّه-:لها ثلاث شرائط:

ان يكون العدو في جهة القبلة،لأنّه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلا كذلك.

و ان يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين.

ص: 358


1- المبسوط 1:166-167.

و أن يكونوا على قلّة جبل أو مستو من الأرض،لا يحول بينهم و بين أبصار المسلمين حائل من جبل و غيره،ليتوقوا لبسهم و الحمل عليهم و لا يخاف كمين لهم (1).

قال الفاضلان:و في العمل بمضمونها نظر،لأنّه لم يثبت نقلها بطريق محقق عن أهل البيت عليه السّلام (2).

قلت:هذه صلاة مشهورة في النقل،فهي كسائر المشهورات الثابتة و ان لم تنقل بأسانيد صحيحة،و قد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند و لا محيل على سند،فلو لم تصحّ عنده لم يتعرّض لها حتى ينبّه على ضعفها،فلا تقصر فتواه عن روايته.ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم و التأخر و التخلّف بركن،و كل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا،فكيف عند الضرورة.2.

ص: 359


1- تذكرة الفقهاء 1:195.
2- المعتبر 2:464،تذكرة الفقهاء 1:195،نهاية الإحكام 2:192.
المطلب الرابع:صلاة شدة الخوف

و هي ان ينتهي الحال إلى التحام الابطال،و قوة النزال،و عدم التمكن من الافتراق على الوجوه السابقة.

فالصلاة هنا قصر في العدد،إلاّ المغرب و الصبح فإنهما بحالهما.

و يقصر الجميع في الكيفية،فيصلّون ركبانا و مشاة و يركعون و يسجدون، و مع التمكن يومئون بهما و يجعلون السجود أخفض من الركوع،و مع تعذر الإيماء تجزئ عن كل ركعة:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، فعن جميع الصلوات تسبيحتان و عن المغرب ثلاث.

قال اللّه تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (1).

و روى حماد بن عثمان عن أبي بصير،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير،فإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء» (2).

و في الصحيح عن زرارة و فضيل و محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة و تلاحم القتال،فإنّه يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه.فإذا كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال،فإنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ليلة صفين-و هي:ليلة الهرير-لم تكن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كل

ص: 360


1- سورة البقرة:240.
2- التهذيب 3:300 ح 916.

صلاة إلاّ بالتكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء،و لم يأمرهم بإعادة الصلاة» (1).في أخبار كثيرة (2).

فروع:

لا يضرّ هنا استدبار القبلة و الأفعال الكثيرة مع الحاجة إليها.

و لو تمكن من بعضها وجب بحسب المكنة.

و لو تمكن من السجود على عرف الدابة،أو قربوس السرج،أو من النزول له،وجب.

و ان تمكن من الاستقبال و لو بتكبيرة الإحرام وجب،و إلاّ سقط.

و لو تمكن من الاستقبال ابتداء و تعذّر في الأثناء،أو بالعكس،وجب فيما تمكن خاصة.

و لا بد من النيّة و التحريمة و التشهد و التسليم،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» (3).

و تجب الصيغة المشار إليها أولا في التسبيح،للإجماع على اجزائها.

و ظاهر الرواية انه يتخيّر في الترتيب كيف شاء (4).و الأجود الأول،ليحصل6.

ص: 361


1- الكافي 3:457 ح 2،التهذيب 3:173 ح 384،تفسير العياشي 2:272 ح 256.
2- راجع:الكافي 3:458 ح 5،الفقيه 1:296 ح 1349،التهذيب 3:174 ح 385،386.
3- الكافي 3:69 ح 2،الفقيه 1:23 ح 68 و انظر المصنف لعبد الرزاق 2:72 ح 2539،مسند احمد 1:123،سنن أبي داود 1:16 ح 61،الجامع الصحيح 1:8 ح 3.
4- الكافي 3:457 ح 2،التهذيب 3:173 ح 384،تفسير العياشي 2:272 ح 256.

يقين البراءة.

و تجوز الجماعة هنا،و لا يشترط فيها الاستقبال مع تعذّره،فيصلّون مقتدين به و ان اختلفت الجهة،ما لم يتقدّموا عليه في صوب وجهه و يكونون كالمستديرين حول الكعبة.

فإن قلت:قد سلف انه لا يجوز اقتداء المتخالفين في الاجتهاد في الجهة،فكيف جاز هنا؟ قلت:هنا القبلة معلومة،و لكن الشرع جعل قبلة هؤلاء ما استقبل وجوههم عند الحاجة إليه،فصار ذلك قبلته بوضع الشرع.و لا يعتقد الآخر خطأه إذ ليس هنا اختلاف في تعيين القبلة،فجاز الاقتداء هنا بخلاف الأول،لاعتقاده خطأ صاحبه.

ص: 362

المطلب الخامس:في الاحكام
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:لا فرق في أسباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو

سبع،

فيجوز قصر الكيفية و الكمية عند وجود سبب الخوف كائنا ما كان.

و من ذلك الأسير في أيدي المشركين يخاف من إظهار الصلاة فإنّه يومئ،و الظاهر أنّه لا يقصر العدد إذا لم يكن مسافرا.

روى سماعة،قال:سألته عن الأسير يأسره المشركون،فتحضر الصلاة فيمنعه الذي أسره منها،قال:«يومئ إيماء» (1)،و لم يذكر قصر العدد.

و روى محمد بن إسماعيل،قال:سألته عن الصلاة في مواضع فيها الاعراب،فقال:«إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة و غيرها» (2).

و روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام في الرجل يلقى السبع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع،فإن قام يصلّي خاف في ركوعه و سجوده السبع،و إن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه،قال:«يستقبل الأسد،و يصلي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم،و إن كان على غير القبلة» (3).

و في مرسل إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص:يصلّي على دابته إيماء الفريضة» (4).

ص: 363


1- الكافي 3:457 ح 4،الفقيه 1:294 ح 1341،التهذيب 3:175 ح 391،399 ح 910.
2- الكافي 3:457 ح 5،التهذيب 3:299 ح 911.
3- الكافي 3:459 ح 7،الفقيه 1:294 ح 1339،التهذيب 3:302 ح 915.
4- التهذيب 3:302 ح 922.

و نحوه في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في خائف اللص و السبع:

«يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته» (1).

الثانية جواز قصر كيفية الصلاة بحسب الإمكان للموتحل و الغريق

يجوز للموتحل و الغريق قصر كيفية الصلاة بحسب الإمكان، و لا يقصران العدد إلاّ في سفر أو خوف.نعم،لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق،و رجا عند قصر العدد سلامته،و ضاق الوقت،فالظاهر انّه يقصر العدد أيضا.

و لو كان في واد يغشيه السيل،و خاف الغرق إن ثبت مكانه،جاز أن يصلي صلاة الإيماء ماشيا.

و لو كان هناك موضع مرتفع يمكنه الاعتصام به،وجب و لم يصل مومئا.

و لو عجز عنه،أو عجزت دابته،أو خاف دوران الماء حوله و صعوبة التخلّص منه،صلّى ماشيا و لو عدوا.

الثالثة:لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف بإتمام الصلاة عددا

و أفعالا،

و يرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما،فالأقرب جوازهما،لأن أمر الحج خطر و قضاؤه عسر.

و لو كان المديون معسرا و هرب من الدين،و خاف الحبس ان أدركه و اضطر إلى الإيماء،جاز أيضا.

اما من عليه قصاص يرجو بالهرب العفو،لسكون غليل الأولياء فهرب،ففي جواز صلاة الشدّة وجه ضعيف،تحصيلا للمصلحة.و وجه المنع انّه عاص بهربه.

ص: 364


1- الفقيه 1:295 ح 1348،التهذيب 3:173 ح 383.

و لو احتاج في المدافعة عن ماله إلى صلاة الإيماء جاز-سواء كان حيوانا أو لا-لحرمة المال.

الرابعة هل للسهو الذي يلحق المأمومين حال المتابعة حكم؟

كل سهو يلحق المأمومين حال المتابعة لا حكم له،و حال الانفراد لكل حكم نفسه.و البحث هنا في تحمل الامام و وجوب متابعة المأموم،كما تقدم.

الخامسة:تجوز صلاة بطن النخل في الأمن.

و جوّز الشيخ صلاة ذات الرقاع و صلاة عسفان (1)فيه لعدم فحش المخالفة.أما صلاة الإيماء فلا شك في عدم جوازها في الأمن.

و أولى بالجواز في غير صلاة الإيماء الصلاة في طلب العدو.و قول الشيخ بالمنع (2)محمول على صلاة الإيماء.

ص: 365


1- المبسوط 1:167.
2- المبسوط 1:167.

ص: 366

الفصل الثالث: في صلاة الجماعة و فضلها عظيم.
اشارة

قال اللّه تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ (1).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة» (2).رواه العامة في صحاحهم عن أبي سعيد الخدري عنه صلّى اللّه عليه و آله.

و روي:«بخمس و عشرين درجة» (3).و الفذ-بالفاء و الذال المعجمة-:

الفرد.

و روينا-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام،قال:

«الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربع و عشرين درجة، تكون خمسة و عشرين صلاة» (4).

و في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له» (5).

ص: 367


1- سورة البقرة:43.
2- صحيح البخاري 1:166،مسند أحمد 2:65،112،سنن النسائي 2: 103،السنن الكبرى 3:59،لكن كلها عن ابن عمر،و الذي عن أبي سعيد هو الرواية التالية.
3- صحيح البخاري 1:166،مسند أحمد 3:55،السنن الكبرى 3:60،كلها ن أبي سعيد الخدري.
4- ثواب الأعمال:59،التهذيب 3:25 ح 85.
5- الكافي 3:372 ح 5،التهذيب 3:24 ح 84.

و قال ابن بابويه:قال الباقر عليه السّلام:«من صلّى الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير» (1).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى الغداة و عشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه تعالى،و من ظلمه فإنّما يظلم اللّه،و من أخفره فإنما يخفر اللّه جلّ و عزّ» (2).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى الغداة فإنّه في ذمة اللّه،فلا يخفرن اللّه في ذمته» (3).

يقال:أخفرته:إذا نقضت عهدة.أي من نقض عهده فإنّما ينقض عهد اللّه،لأنّه بصلاته صار في ذمة اللّه و جواره.

و روى ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام،قال:«همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم و لا يصلون الجماعة،فأتاه رجل أعمى فقال:يا رسول اللّه إنّي ضرير البصر،و ربما اسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصلاة معك.فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله:شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» (4).

و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام،قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفجر،فاقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسميهم بأسمائهم،فقال:هل حضروا الصلاة؟فقالوا:لا يا رسول اللّه فقال:أغيّب3.

ص: 368


1- الفقيه 1:246 ح 1093،و في الكافي 3:371 ح 3.
2- المحاسن:52 ح 76.و انظر الهامش حيث أشار إلى اختلاف النسخ بين: حقره..يحقر و:أخفره..يخفر.
3- مسند أحمد 4:312،الجامع الصحيح 1:434 ح 222.
4- التهذيب 3:266 ح 753.

هم؟فقالوا:لا.فقال:أما أنّه ليس من صلاة أشدّ على المنافقين من هذه الصلاة و العشاء،و لو علموا أي فضل فيهما لأتوهما و لو حبوا» (1).

و في الصحيح عنه عنه عليه السّلام:«أنّ أناسا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد،فقال رسول اللّه:ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم،فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم» (2).

و في صحاح العامة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«و الذي نفسي بيده،لو هممت أن آمر بحطب،ثم آمر بالصلاة،ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس، ثم أحالها في رحال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم» (3).

و روى محمد بن عمارة،قال:أرسلت إلى الرضا عليه السّلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحدة في مسجد الكوفة أفضل،أو صلاته في جماعة،فقال:«الصلاة في جماعة أفضل» (4).

قلت:يعلم من هذا أنّ الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة،لأنّه قد ثبت أنّ الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة.

و يستحب حضور جماعة أهل الخلاف استحبابا مؤكدا.8.

ص: 369


1- المحاسن:84،أمالي الصدوق:392،الفقيه 1:246 ح 1097،التهذيب 3: 25 ح 86.
2- التهذيب 3:25 ح 87.
3- صحيح البخاري 1:165،صحيح مسلم 1:451 ح 651،سنن النسائي 2: 107،السنن الكبرى 3:55.و في المصادر عوض:ثم أحالها في رحال.قوله: ثم أخالف إلى رجال.و هو الصحيح.
4- التهذيب 3:25 ح 88.

قال الصادق عليه السّلام في رواية حماد بن عثمان:«من صلّى معهم في الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الصف الأول» (1).

و قال عليه السّلام في رواية حفص بن البختري:يحسب لمن لا يقتدي مثل من يقتدي (2).

و قال عليه السّلام:«من صلّى في مسجده،ثم أتى مسجدهم فصلى معهم خرج بحسناتهم» (3).

و قال عليه السّلام:«إذا صليت معهم غفر لك بعدد من خالفك» (4).

و روى زيد الشحام عنه عليه السّلام أنه قال:«يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم،و صلّوا في مساجدهم،و عودوا مرضاهم،و اشهدوا جنائزهم، و إن استطعتم أن تكونوا الأئمة و المؤذنين فافعلوا.أما إنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا:هؤلاء الجعفرية رحم اللّه جعفرا ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه.

و إذا تركتم ذلك قالوا:هؤلاء الجعفرية فعل اللّه بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه!» (5).

و روى العامة عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ما من ثلاثة في قرية و لا بدّ و لا تقام فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان،فعليك9.

ص: 370


1- الفقيه 1:250 ح 1126.و في الكافي 3:380 ح 6 عن حماد عن الحلبي.
2- الكافي 3:373 ح 9،الفقيه 1:251 ح 1127،التهذيب 3:265. ح 752.
3- الكافي 3:380 ح 8،الفقيه 1:265 ح 1209،التهذيب 3:270 ح 778.
4- الفقيه 1:265 ح 1211،358 ح 1572.
5- الفقيه 1:251 ح 1129.

بالجماعة،فإنما يأكل الذئب القاصية» (1).

و استدل المحاملي-من الشافعية-بهذا الحديث على وجوب الجماعة على الكفاية،و انه ظاهر مذهبهم (2).

و هو معارض بما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«صلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده،و صلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع واحد، و حيثما كثرت الجماعة فهو أفضل» (3).

و لا يحسن ان يقال الإتيان بالواجب أفضل من تركه.و تفضيله أحد الفعلين على الآخر يشعر بتجويزهما جميعا،و الفرضية تنافي ذلك.فيحمل الحديث على التغليظ في تركهم الجماعة،أو يكون التوعد على ترك ذلك دائما بحيث يؤذن بالاستخفاف بالسنة.على انه ليس بصريح في الجماعة، لأن إقامة الصلاة يصدق على فعلها مطلقا،مع انّ الخبر ليس من الصحاح.

و روينا عن زرارة و الفضيل،قلنا له:الصلوات في جماعة أ فريضة هي؟فقال:«الصلوات فريضة،و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها،و لكنها سنّة،من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين،من غير علة،فلا صلاة له» (4).

و بهذين يحتج على من أوجبها على الأعيان،كالاوزاعي،و أبي ثور،3.

ص: 371


1- سنن أبي داود 1:150 ح 547،سنن النسائي 2:106،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:267،المستدرك على الصحيحين 1:211.
2- فتح العزيز 4:285.
3- مسند أحمد 5:140،سنن أبي داود 1:152 ح 554،سنن النسائي 2:105، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:249 ح 2054،المستدرك على الصحيحين 1.248،السنن الكبرى 3:61،و في الجميع:«ازكى»بدل«أفضل»في الموصفين،راجع تلخيص الحبير 4:284.
4- الكافي 3:372 ح 6،التهذيب 3:24 ح 83.

و أحمد،و داود،و ابن المنذر (1).

قالوا:روى ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«من سمع النداء فلم يأته،فلا صلاة له إلاّ من عذر» (2)و قد روينا نحن مثل ذلك (3).

و روينا عن الصادق عليه السّلام:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة،و لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا.و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه،و إن رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره،و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته» (4).

و هو محمول على التأكيد و نفي الكمال،أو على الاستهانة بصلاة الجماعة.قال الفاضل:أو على الجماعة الواجبة (5)و هي في الجمعة و العيدين مع الشرائط.

و الإجماع على أنّ الجماعة أفضل من الفرادى.

و يستحب المحافظة على إدراك صلاة الإمام من أولها،ففي الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى أربعين يوما في جماعة،يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان:براءة من النار،و براءة من النفاق» (6).5.

ص: 372


1- المجموع 4:189،المغني 2:155.
2- سنن ابن ماجة 1:260 ح 793،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:253، المستدرك على الصحيحين 1:245،السنن الكبرى 3:57.
3- الكافي 3:372 ح 5،التهذيب 3:24 ح 84.
4- التهذيب 6:241 ح 596،الاستبصار 2:12 ح 33.
5- تذكرة الفقهاء 1:170،منتهى المطلب 1:263.
6- الجامع الصحيح 2:7 ح 241،العلل المتناهية 1:432 ح 735.

و المراد بإدراكها أن يكبّر الامام بحضوره ثم ينوي المأموم بعده،فلو جرى التكبير في غيبته فليس بمدرك.و لا يكفي إدراك الركوع الأول،سواء أدرك معه شيئا من القيام الأول أو لا،و سواء كان قد منعه مانع دنيوي أو أخروي.

و تهذيب الفضل بذكر مطالب ثلاثة

ص: 373

المطلب الأول:في محلها
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى:محلها.

و هو الصلوات الخمس المفروضة.و باقي الفرائض -حتى المنذورة-عندنا.و الأداء بالقضاء و بالعكس عندنا،و وافقونا على الجماعة في القضاء،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بأصحابه الصبح قضاء (1)،كما سلف.

و تشرع الجماعة في النوافل السابقة مثل الاستسقاء و العيدين مع اختلال شروطها.و صلاة الغدير عند أبي الصلاح-رحمه اللّه- (2)و يظهر من المفيد-رحمه اللّه- (3).و فيما يأتي إن شاء اللّه من إعادة الصلاة خلف الامام (4).

و فيما عداها لا تنعقد،لنهي أمير المؤمنين عليه السّلام عن الجماعة في نافلة رمضان (5)و سبق أيضا من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (6)،و أنّه قال:«لا جماعة في نافلة» (7).

الثانية:لا فرق بين الرجال و النساء في استحباب الجماعة

و إن لم يكن معهن رجل.ذكره الشيخ (8)و ابن البراج و سلار و ابن زهرة

ص: 374


1- التهذيب 2:265 ح 1058،الاستبصار 1:286 ح 1049.
2- الكافي في الفقه:160.
3- المقنعة:34.
4- سيأتي في ص 381 المسألة 8.
5- التهذيب 3:70 ح 227.
6- تقدم في ص 280،المسألة التاسعة.
7- التهذيب 3:64 ح 217،الاستبصار 1:464 ح 1801.
8- الخلاف 1:125 المسألة 35.

و أبو الصلاح و ابن حمزة و ابن إدريس و قال:هو الأظهر في المذهب (1)و هو مذهب باقي الحليين (2)إلاّ الفاضل في المختلف (3).

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أم ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث بن نوفل أن تؤمّ.

أهل دارها،و كان صلّى اللّه عليه و آله يزورها و جعل لها مؤذنا (4).

و روينا عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد للّه عليه السّلام في الرجل يؤمّ النساء ليس معهن رجل في الفريضة،قال:«نعم» (5).

و عنه عليه السّلام:لا بأس بإمامة المرأة النساء،رواه سماعة بن مهران في الموثق (6)و مثله أرسله عبد اللّه بن بكير عنه عليه السّلام (7).

فإن قلت:فقد روى سليمان بن خالد عنه عليه السّلام-في الصحيح-في المرأة تؤمّ النساء،فقال:«إذا كنّ جميعا أمتهنّ في النافلة،و أما المكتوبة فلا (8).

و في الصحيح عن الحلبي عنه عليه السّلام،قال:«تؤمّ المرأة النساء»إلى قوله:«في النافلة،و لا تؤمهنّ في المكتوبة» (9).7.

ص: 375


1- السرائر:60.
2- الجامع للشرائع:97،المعتبر 2:427،تذكرة الفقهاء 1:170.
3- مختلف الشيعة:154.
4- سنن أبي داود 1:161 ح 592،سنن الدار قطني 1:279،المستدرك على الصحيحين 1:203،السنن الكبرى 3:130.
5- الكافي 3:377 ح 3،الفقيه 1:257 ح 1167،التهذيب 3:268 ح 767.
6- التهذيب 3:31 ح 111،الاستبصار 1:426 ح 1644.
7- التهذيب 3:31 ح 112،الاستبصار 1:426 ح 1645.
8- الكافي 3:376 ح 2،التهذيب 3:269 ح 768،الاستبصار 1:426 ح 1646.
9- التهذيب 3:268 ح 765،الاستبصار 1:427 ح 1647.

و في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السّلام في المرأة تؤمّ النساء،قال:

«لا،إلاّ على الميت» (1).

و قال ابن بابويه:سأل هشام أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل تؤمّ النساء،قال:«تؤمهنّ في النافلة،فأما في المكتوبة فلا» (2).

قال:و روى هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها،و صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» (3).

و روى العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تمنعوا اماءكم المساجد، و بيوتهنّ خير لهنّ» (4).

و قال:«صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، و صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» (5).

و كل هذه الأخبار تؤذن بنفي استحباب الجماعة لهنّ منفردات، و الخبران الأخيران يدلاّن على أنّ صلاتهن في البيوت أفضل من إتيان الجماعة.

قلت:قد نقل عن المرتضى رحمه اللّه القول بموجبها (6).و يظهر أيضا4.

ص: 376


1- الفقيه 1:259 ح 1177،التهذيب 3:206 ح 488
2- الفقيه 1:259 ح 1176،التهذيب 3:205 ح 487.
3- الفقيه 1:259 ح 1178.
4- سنن أبي داود 1:155 ح 567،المستدرك على الصحيحين 1:209،السنن الكبرى 3:131.
5- سنن أبي داود 1:156 ح 570،المستدرك على الصحيحين 1:209،السنن الكبرى 3:131.
6- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر:60،و العلاّمة في مختلف الشيعة:154.

من الجعفي حيث قال:و لا تؤمنّ المرأة النساء في الفرائض،و لا بأس بإمامتها لهنّ في النوافل (1).و في المختلف مال إليه لصحة الأخبار (2)به و يمكن حملها على نفي الاستحباب المؤكّد،لا مطلق الاستحباب توفيقا.

و قال في المعتبر:الروايتان بالمنع نادرتان لا عمل عليهما (3)و عني به رواية الحلبي و سليمان بن خالد.

قلت:و يعارضهما أيضا ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي،قال:سألته عن المرأة تؤمّ النساء،ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو بالتكبير؟فقال:«بقدر ما تسمع» (4)و مثله رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (5).

الثالثة:الجماعة مشروعة في غير المساجد

-و إن كانت في المساجد أفضل،و تتفاوت بتفاوت شرف المساجد-لعموم الأدلّة،و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أعطيت خمسا و لم يعطهن أحد قبلي:جعلت لي الأرض طيبة طهورا و مسجدا،فأيما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان» (6).

ص: 377


1- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة:154.
2- مختلف الشيعة:154.
3- المعتبر 2:427 و الروايتان تقدمتا في ص 890 الهامش 3،4.
4- الفقيه 1:263 ح 1201،التهذيب 3:267 ح 760.
5- قرب الاسناد:100،التهذيب 3:267 ح 761.
6- صحيح البخاري 1:119،صحيح مسلم 1:370 ح 521،سنن النسائي 1: 210،مسند أبي عوانة 1:396،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8:104 ح 6364،السنن الكبرى 1:212.

و قوله عليه الصلاة و السلام:«لا صلاة لجار المسجد» (1)محمول على نفي الكمال،خصوصا إذا كان لا يحضر أحد إلاّ بحضوره،أو تكثر بحضوره الجماعة،فإنّ حضوره فيه أفضل.

و إذا تكثرت المساجد فالأفضل قصد المسجد الجامع،أو الأكثر جماعة، أو من إمامه أفضل بورع أو فقه أو قراءة،أو غير ذلك من المرجّحات.فقد ورد في الحديث عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى خلف عالم فكمن صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و لو تساوت في المرجّحات،فهل الأقرب أولى مراعاة للجوار،أو الأبعد مراعاة لكثرة الخطى؟نظر.

الرابعة كراهة صلاة جماعة أخرى في مسجد صلّي فيه جماعة

إذا صلّي في مسجد جماعة كره أن تصلّى فيه جماعة أخرى عند الشيخ-في أكثر كتبه-و ابن إدريس:إذا كانوا يجمعون في تلك الصلاة بعينها (3).

لما رواه أبو علي قال:كنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام،فأتاه رجل فقال:جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر و انصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل رجل المسجد فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«أحسنت،ادفعه عن ذلك،و امنعه أشد المنع».فقلت:فإن دخلوا و أرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر لهم امام» (4).

ص: 378


1- التهذيب 1:92 ح 244،سنن الدار قطني 1:420 المستدرك على الصحيحين 1: 246،السنن الكبرى 3:57.
2- مستدرك الوسائل 6:473 ح 7286 عن لب اللباب،و راجع كشف الخفاء 2:122 ح 1865.
3- المبسوط 1:152،الخلاف 1:120 المسألة 2،النهاية:118،التهذيب 3:55.
4- التهذيب 3:55 ح 190. و في الفقيه 1:266 ح 1215:«و لا يبدو لهم امام»و راجع في ذلك الحدائق الناضرة 7:387.

و لما فيه من التهاون في تأخير الصلاة ليقتدي بالإمام الآخر،و ربما ادّى إلى اختلاف القلوب الذي تتسبب عنه العداوة.

و الأقرب عدم الكراهية،لعموم شرعية الجماعة،و مسيس الحاجة فإن اجتماع أهل المسجد دفعة واحدة يكاد يتعذّر،فلو كره ذلك أدّى إلى فوات فضيلة الجماعة.

و روى زيد بن علي،عن أبيه،عن آبائه،قال:«دخل رجلان المسجد و قد صلّى علي عليه السّلام بالناس،فقال:ان شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه،و لا يؤذن و لا يقيم» (1).

و روي:ان رجلا دخل المسجد بعد ان صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:«أيكم يتّجر على هذا؟»فقام رجل فصلّى معه (2).

و في رواية:«إلا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه»،فلما صلّيا قال:«هذا جماعة» (3).

و خبر أبي علي ليس صريحا في كراهة الجماعة،انما هو في كراهة الأذان و الإقامة،و لا ريب في كراهيتهما إلاّ مع تفرّق الصفوف.و بما قلناه قال الشيخ في النهاية و الفاضل رحمهما اللّه (4).

نعم،لو كان التخلّف عن الإمام الأول قصدا كره ذلك على معنى نقص ثواب الجماعة الثانية،لما فيه من اختلاف القلوب،و يمكن ان يكون هذا محملا للخبر الأول.3.

ص: 379


1- التهذيب 2:281 ح 1119،3:56 ح 191.
2- مسند احمد 3:5،الجامع الصحيح 1:427 ح 220،مسند أبي يعلى 2:321 ح 1057،سنن الدار قطني 1:277.
3- مسند أحمد 5:254،269.
4- النهاية:118،مختلف الشيعة:153.

و قال ابن الجنيد:لا بأس بالجمع في المسجد الذي قد جمع فيه صاحبه،و لا اختار ان يبتدئ غير صاحبه بالجمع فيه،و لو جمع قبله لما كان في ذلك نقص صلاته.و انما كرهته لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لان ذلك يورث الضغائن.و من أراد الجمع بعد صاحب المسجد أجزأه إلاّ أن يؤذّن و يقيم، و كذلك ان صلّى فرادى (1).

الخامسة:يباح ترك الجماعة للعذر،

كما تضمّنته الأخبار السابقة.

و ينقسم:

إلى عام:كالمطر،و الوحل،و الريح الشديدة في الليلة المظلمة،لما روي من قوله عليه الصلاة و السّلام:«إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال» (2).قال الهروي:قال أبو منصور:النعل ما غلظ من الأرض في صلابة (3).

و الى خاص:كالخوف من ظالم،أو فوت رفقة،أو ضياع مال،أو غلبة نوم،أو يكون مريضا،أو ممرضا،أو قد أكل شيئا من المؤذيات رائحتها-كالثوم و البصل-للنهي عن دخول المسجد بها،أو قد حضر الطعام مع شدة الشهوة لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا حضر العشاء و أقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء» (4)،أو حاقنا لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به

ص: 380


1- حكى بعضه العلامة في مختلف الشيعة:153.
2- الفقيه 1:246 ح 1099.
3- انظر:النهاية في غريب الحديث 5:82.
4- مسند احمد 3:110،سنن الدارمي 1:293،صحيح البخاري 1:171، صحيح مسلم 1:392 ح 557،سنن ابن ماجة 1:301 ح 935،الجامع الصحيح 2:184 ح 353،سنن النسائي 2:111،مسند أبي يعلى 5:183 ح 2796.

قبل الصلاة» (1).

السادسة:يجوز اقتداء المفترض بالمفترض و ان اختلف الفرضان ما

لم تتغير الهيئة،

كاليومية و الكسوف و الجنازة.و ليس له متابعة الكسوف في ركوع ثم ينفرد،أو ينتظره حتى يسجد،و لا متابعة الجنازة في تكبيرة ثم ينفرد،أو ينتظر فراغ صلاة الجنازة،لما فيه من مخالفة الإمام المتبوع.

السابعة:يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل،

لما روي ان معاذا كان يصلي مع النبي صلّى اللّه عليه و آله العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سليم،هي له تطوع و لهم مكتوبة (2).و رواه الأصحاب عن الرضا عليه السّلام بطريق محمد بن إسماعيل بن بزيع (3).

الثامنة:يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لرجل:

«إذا جئت فصلّ مع الناس و ان كنت قد صلّيت» (4).

و عن الصادق عليه السّلام:ان الأفضل لمن صلّى ثم يجد جماعة أن يصلّي معهم (5).

و لا فرق بين كونه قد صلّى أولا منفردا أو جماعة،لعموم الأدلة.

ص: 381


1- سنن النسائي 2:110،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:256 ح 2068، السنن الكبرى 3:72.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:104 ح 305،المصنف لعبد الرزاق 2:8 ح 2265، صحيح البخاري 1:179،صحيح مسلم 1:339 ح 465،سنن أبي داود 1: 163 ح 599،شرح معاني الآثار 1:409،السنن الكبرى 3:86.
3- الكافي 3:380 ح 5،التهذيب 3:50 ح 174.
4- الموطأ 1:132،سنن النسائي 2:112،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4: 60 ح 2398،سنن الدار قطني 1:415،المستدرك على الصحيحين 1:244.
5- التهذيب 3:50 ح 175.

فالظاهر استرسال الاستحباب أيضا،و منعه في التذكرة (1).

التاسعة جواز اقتداء المفترض بالمتطوع

يجوز اقتداء المتنفل بمثله فيما سبق.و كذا يجوز في الإعادة إذا كان في المأمومين مفترض.اما لو صلّى اثنان فصاعدا فرادى أو جماعة،ففي استحباب إعادة الصلاة لهم جماعة نظر،من شرعية الجماعة، و من انه لم يعهد مثله،و النهي عن الاجتماع في النافلة يشمله.

العاشرة منع الفاضل من فعل الجمعة فرضا خلف متنفل بها أو خلف مفترض بغيرها

منع الفاضل-رحمه اللّه-من فعل الجمعة فرضا خلف متنفل بها -كالمسافر يقدم ظهره ثم يأتيها-أو خلف مفترض بغيرها-كمن يصلّي ركعتين منذورة،أو صبحا قضاء،أو فريضة من الفرائض (2).

و هذا يتصور فيما إذا خطب و انفض العدد،ثم تحرّم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد،سواء كان المتحرّم الخطيب أو غيره ان جوزنا مغايرة الإمام للخطيب.

و في هذا المثال مناقشة،لأن الظاهر انه إذا اجتمع العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة و فساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهرا ليوم.نعم،لو كان قد صلّى الظهر و تلبس بالعصر،ثم حضر العدد،أمكن أن يقال بصحة الفرض.و أبلغ منه في الصحة ان يكون مسافرا أو أعمى،و قد صلّى فرضه و شرع في آخر،فاجتمع العدد.

الحادية عشرة:لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الإمام،

تخيّر المأموم بين انتظاره حتى التسليم و بين تسليمه،و الأول أفضل.

ص: 382


1- تذكرة الفقهاء 1:183،قال:«ج:هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد،إشكال أقربه المنع».
2- تذكرة الفقهاء 1:176.

و لو زاد عدد صلاته على صلاة الإمام،تخيّر المأموم بين المفارقة في الحال،و الصبر حتى يسلّم الامام فيقوم المأموم إلى الإتمام أفضل و حينئذ لو انتظر الامام فراغ المأموم ثم سلّم كان جائزا بل أفضل،فعلى هذا يقوم المأموم بعد تشهد الامام.

و قال المرتضى رضى اللّه عنه في الجمل:لو دخل المقيم في صلاة مسافر، وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلاّ بعد أن يتمّ المقيم صلاته (1).

و قال ابن الجنيد:فإن دخل المقيم في صلاة المسافر من غير أن يعلم لم ينتقل المسافر بعد سلامه حتى يتم المقيم صلاته.

و يمكن حمل كلام المرتضى على تأكد الاستحباب،و حمل كلام ابن الجنيد على كراهية الانتقال،و قد أفتى الشيخ و ابن إدريس و جماعة باستحباب الانتظار (2).

الثانية عشرة:الظاهر انّ هذه الفروض إنما تتأتى في صورة الإعادة.

فلو.

صلّى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة،أو صلّى متنفل بالراتبة خلف الفرض،أو متنفل راتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل، فظاهر المتأخرين المنع (3).

الثالثة عشرة:إذا أعاد من صلّى صلاته جماعة نوى الندب،

لخروجه عن عهدة الفرض و لو نوى الفرض،لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثم يجد جماعة،قال:«يصلي بهم و يجعلها الفريضة إن شاء» (4).

ص: 383


1- جمل العلم و العمل 3:39.
2- السرائر:60،مختلف الشيعة:155،شرح جمل العلم و العمل(لابن البراج):118.
3- راجع:الجامع للشرائع:197،شرائع الإسلام 1:122.
4- الفقيه 1:251 ح 1132.و بسند آخر في الكافي 3:379 ح 1،و التهذيب 3:50 ح 176.و في الجميع:«يصلي معهم».

و أوّلها الشيخ بأنّ المراد إذا وجد جماعة في أثناء صلاته،فإنّه يعدل إلى النفل ثم يصلي معهم و يجعلها الفريضة،لأنّ من صلى بنيّة الفرض لا يمكنه جعلها غير فرض (1).

و قد روي:«أنّه يحسب أفضلهما و أتمهما» (2).

الرابعة عشرة حكم ما لو اقتدى من يصلّي الظهر بمن يصلي العصر و بالعكس

قال الصدوق رحمه اللّه:لو اقتدى من يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر جاز،و لا يصلّي العصر خلف من يصلي الظهر إلاّ ان يتوهمها العصر،ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ عنه (3).

و لا نعلم مأخذه،إلا أن يكون نظرا إلى أنّ العصر لا تصحّ إلا بعد الظهر، فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنّه قد صلى العصر مع الظهر مع أنّها بعدها.و هو خيال ضعيف،لأنّ عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه،لا على ظهر إمامه.

ص: 384


1- التهذيب 3:50.
2- الفقيه 1:251 ح 1133.
3- الفقيه 1:233.
المطلب الثاني:في شروط الاقتداء.
اشارة

و هي ستة:

الشرط الأول:أهلية الإمام للإمامة،و ذلك باجتماع أوصاف تنقسم إلى قسمين:
أحدهما عامّة

و هي سبعة:

أولها:البلوغ، فلا تصح إمامة الصبي غير المميز إجماعا،لعدم الوثوق بجريانه على ما يعتبر في الصلاة.و أمّا المميز:

فقال الشيخ في الخلاف و المبسوط:يجوز امامة المراهق المميز العاقل في الفرائض (1).

و قال ابن الجنيد:غير البالغ إذا كان سلطانا مستخلفا للإمام الأكبر-كالولي لعهد المسلمين-يكون إماما و ليس لأحد أن يتقدّمه،لأنّه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر.و أمّا غيره من الصبيان فلا أرى أن يؤمّ في الفرائض من هو أسنّ منه (2).

و قال الجعفي:يؤمّ الغلام.

و تمسّك الشيخ بالإجماع على أنّ من هذه صفته تلزمه الصلاة، و أيضا فقوله عليه الصلاة و السّلام:«مروهم بالصلاة لسبع»يدل على أنّ صلاتهم شرعية (3).و رواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن

ص: 385


1- الخلاف 1:123 المسألة 17،المبسوط 1:154.
2- مختلف الشيعة:153.
3- الخلاف 1:123 المسألة 17. و الحديث النبوي في:مسند أحمد 2:180،سنن أبي داود 1:133 ح 494، سنن الدار قطني 1:231،المستدرك على الصحيحين:197.

علي عليه السّلام،قال:«لا بأس ان يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم و ان يؤمّ» (1).

و روى العامة:انّ عمرو بن أبي سلمة قال:كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا،فانطلق أبي وافدا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نفر من قومه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤمكم أقرؤكم لكتاب اللّه»فقدموني،فكنت أصلي بهم و أنا ابن سبع سنين أو ثمان (2).

و قال في النهاية-و تبعه ابن البراج-:لا تجوز إمامته لنقصه،و تجويز إخلاله ببعض الأركان و الأبعاض (3)و لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام:«لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان يحتلم، و لا يؤم حتى يحتلم،فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه» (4).

و يقوى طريق الرواية ان ابن بابويه أرسلها عن علي عليه السّلام (5)،و العمل بها أولى،عملا بالمتيقن و قوتها على تلك،لأنّ طلحة بن زيد بتري،و رواة الأخرى عامة.

فرعان:

الأول:تجوز إمامته الصبيان، لتساويهم في المرتبة.و الأقرب جواز إمامته في النافلة أيضا،لانعقادها منه و صحتها على الأقوى.

الثاني: لو جوّزنا إمامته في الفريضة،فهل تستثنى الجمعة من ذلك.

من حيث انه غير مخاطب بها،أو لا من حيث أنّها مشروعة بالنسبة إليه9.

ص: 386


1- التهذيب 3:29 ح 104،الاستبصار 1:424 ح 1633.
2- سنن أبي داود 1:159 ح 585،سنن النسائي 2:80،السنن الكبرى 3:91.
3- النهاية:113،المهذب 1:80.
4- التهذيب 3:29 ح 103،الاستبصار 1:423 ح 1633.
5- الفقيه 1:258 ح 1169.

و نافلة و يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل؟الأقرب الثاني،تسوية بينها و بين غيرها من الفرائض.

و ثانيها:العقل، فلا تصح امامة المجنون إجماعا،لبطلان صلاته، و عدم قصده.

و لو كان يعتوره الجنون أدوارا صحّ في حال إفاقته بعد الوثوق بها و ان كان مكروها،لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة،و إمكان ان يكون قد عرض له احتلام حال جنونه.

فرع:

لو جنّ في الأثناء بطلت صلاته و نوى المأموم الانفراد حينئذ،فلو عاد اليه العقل استأنف الصلاة.و في جواز نقل النيّة إليه بعد ذلك وجهان مبنيان على جواز تجدّد الائتمام للمنفرد.اما لو كان المأموم قد اقتدى بآخر لم يعد الى هذا،إذ لا يشرع نقل النية من إمام الى إمام في غير الاستخلاف.

و ثالثها:الإسلام، فلا تصح امامة الكافر إجماعا و ان كان عدلا في دينه،لبطلان صلاته،و لعدم جواز الركون اليه و كونه أهلا للضمان.

فرع:

لو شكّ في إسلامه،لم يصلّ خلفه و ان كان في دار الإسلام.

و قال ابن الجنيد:كل من أظهر دين أهل الملّة في دار الإسلام على الإسلام،الاّ ان يتبين منه خلافه فأما أهل دار الهدنة المختلط فيها أهل الملة بغيرهم-كالفرس،و البلاد التي يلزم بكفر أهلها و ان أظهروا الملّة لمخالفتهم في الأصول-فلا أرى الاقتداء بأحد منهم،إلاّ إذا علم ما يوجب توليه.

ص: 387

و الوجه المنع،لأن الإسلام شرط،و الشك في الشرط شك في المشروط،و الصلاة لا توجب الحكم بإسلامه.

و رابعها:الايمان، و هو أخص من الإسلام في الحكم و ان ساواه في الحقيقة،فلا تجوز امامة غير الإمامي من المبتدعة-سواء أظهر بدعته أو لا- إجماعا،لأنّه فاجر و ظالم،و قد قال تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يؤمّن فاجر مؤمنا» (2).

و روى الفضيل بن يسار عن الباقر و الصادق عليه السّلام،قالا:«عدو اللّه فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به» (3).

و منع الجواد عليه السّلام من الصلاة خلف الواقفة في مكاتبة البرقي (4).

و روى إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل يحب أمير المؤمنين عليه السّلام و لا يتبرأ من عدوه،فقال:«هذا مخلط و هو عدو،لا تصل خلفه إلاّ ان تتقيه» (5).

و خامسها:العدالة إجماعا، لما سلف من الآية و الخبر (6)و قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«لا تؤمنّ امرأة رجلا،و لا فاجر مؤمنا» (7).2.

ص: 388


1- سورة هود:113.
2- سنن ابن ماجة 1:343 ح 1081،مسند أبي يعلى 3:381 ح 1856،السنن الكبرى 3:171.
3- أورده المحقق في المعتبر 2:432،و العلاّمة في نهاية الإحكام 2:140.
4- الفقيه 1:248 ح 1113،التهذيب 3:28 ح 98.
5- الفقيه 1:249 ح 1118،التهذيب 3:28 ح 97.
6- تقدما في الشرط السابق.
7- تقدم في ص 388 الهامش 2.

و لرواية الحسن بن راشد عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تصل الاّ خلف من تثق بدينه و أمانته» (1).

و قيل للرضا عليه السّلام في رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، أ أصلي خلفه؟قال:«لا» (2).

و المعتبر ظهور العدالة لا اشتراطها في نفس الأمر.فلو تبيّن كفره أو فسقه بعد الصلاة فلا اعادة.و لو كان في أثنائها نوى الانفراد و أتمّ صلاته.

و قال ابن الجنيد:لا أرى الدخول في صلاة المظهر للبدعة،و التارك للسنّة المخالف لأئمة المؤمنين،و لا المعاون لأهل الباطل على المحققين، لقول اللّه تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ،و لما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لابن مسعود:«لا طاعة لمن عصى اللّه»يقولها ثلاثا.و إذا كان الإمام انما جعل ليتبع،و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن اتباع العاصي،فقد نهى عن الدخول في صلاته و الاتباع له:و قد روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لأبي ذر:«لا تصلوا خلف فاسق»،و قال لأبي الدرداء:«لا تصلّ خلف السفهاء»،و لمعاذ:«لا تقدموا بين أيديكم إلاّ من ترضون دينه و أمانته».

قال:و هذا في الفرائض،فاما ان جعلها نافلة و لم يحتسب بها من فرضه فلا بأس،و قد روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك لأبي ذر.

قال:و حديث إسماعيل بن عباس،عن حميد بن مالك،عن مكحول،عن معاذ،انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«يا معاذ:أطع كل أمير،و صل خلف كل إمام»ضعيف،لأنّ إسناده شامي،و إسماعيل بن عباس مهجور عند يحيى بن معين و ابن مهدي لانّه روى مناكر.8.

ص: 389


1- الكافي 3:374 ح 5،التهذيب 3:266 ح 755.
2- الفقيه 1:249 ح 1116،التهذيب 3:277 ح 808.

ثم قال:و إذا أمّ الكافر قوما فعلموا بذلك كان عليهم الإعادة (1).

و نقل ابن إدريس عن المرتضى وجوب الإعادة لو تبيّن فسقه أو كفره (2).

لنا:مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السّلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل،فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي قال:«لا يعيدون» (3).

و قال ابن بابويه:يعيدون ما خافت فيه لا ما جهر (4).

و من هذا الباب،لو تبين حدث الامام بعد الصلاة،فالمشهور عدم الإعادة.و قال المرتضى يعيدون (5)،و قد روى:انهم ان علموا في الوقت تلزمهم الإعادة (6).و لو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتمّ القوم في رواية جميل (7)،و في رواية حماد عن الحلبي:«يستقبلون صلاتهم» (8).

و يعارض ما ذكره-رحمه اللّه-محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام،سألته عن0.

ص: 390


1- الآية في سورة هود:113. و قوله صلّى اللّه عليه و آله لابن مسعود في:مسند احمد 1:400.سنن ابن ماجة 2: 956-2865. و حديث معاذ في:مجمع الزوائد 2:67 عن الطبراني في الكبير. و قول ابن معين و ابن مهدي في:
2- السرائر:61.
3- الكافي 3:378 ح 4،التهذيب 3:40 ح 141.
4- الفقيه 1:263.
5- الناصريات:236 المسألة 97.
6- أورده المرتضى في الناصريات:236 المسألة 97،و المحقق في المعتبر 2: 434،و العلاّمة في منتهى المطلب 1:370.
7- الفقيه 1:264 ح 1207،التهذيب 3:269 ح 772،الاستبصار 1:44 ح 1695.
8- أوردها في السرائر:62،و منتهى المطلب 1:370.

الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته،قال:

«يعيد،و لا يعيد من خلفه و ان أعلمهم انه على غير طهر» (1)و كذا رواه زرارة عنه عليه السّلام (2)،و رواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه السّلام (3).

فان قلت:فقد روي:ان عليا عليه السّلام صلّى بالناس على غير طهر، فخرج مناديه:ان أمير المؤمنين صلّى على غير طهر فأعيدوا،و ليبلغ الشاهد الغائب (4).

قلت:هذا ينافي العصمة المشترطة في الإمام،فهو مردود مع شذوذه.قاله في التهذيب (5).

فروع:

الأول: الأقرب اشتراط العلم بالعدالة بالمعاشرة الباطنة،أو شهادة عدلين،أو اشتهارها.و لا يكفي التعويل على حسن الظاهر.

و خالف هنا فريقان:

أحدهما:من قال كل المسلمين على العدالة،الى ان يظهر منه ما يزيلها،و هو قول سيجيء ان شاء اللّه تعالى.و به قال ابن الجنيد (6).

و الثاني:جواز التعويل على حسن الظاهر-و هو قول بعض9.

ص: 391


1- التهذيب 3:39 ح 137،الاستبصار 1:432 ح 1668.
2- التهذيب 3:39 ح 139،الاستبصار 1:432 ح 1670.
3- التهذيب 3:39 ح 136،الاستبصار 1:432 ح 1667.
4- التهذيب 3:40 ح 140،الاستبصار 1:433 ح 167.
5- التهذيب 3:40.
6- مختلف الشيعة:159.

الأصحاب (1)-لعسر الاطلاع على البواطن.

و قد روى الشيخ بإسناد معتبر عن أبي جعفر عليه السّلام:«إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس،فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» (2).و يمكن ان يكون اقتداؤهم به تعديلا له عند من لا يعرفه.

و قد روى خلف بن حماد،عن رجل،عن الصادق عليه السّلام:«لا تصل خلف الغالي،و المجهول،و المجاهر بالفسق و ان كان مقتصدا» (3).و هذا يصلح حجة للجانبين،من حيث لفظ«المجهول»،و مفهوم«المجاهر بالفسق».

الثاني: لو كان عدلا ظاهرا،و يعلم المأموم فسقه،لم يقتد به لوجود المانع بالنسبة اليه.و هل تنعقد الجمعة بالنسبة الى هذا المأموم؟الظاهر لا،لعلمه باختلال الشرائط.

الثالث: المخالف في أصول العقائد لا يقتدى به،الاّ ان يكون في مسائل لا مدخل لها في الإسلام-كمسألة بقاء الاعراض،و حدوث الإرادة، و النفي و الإثبات-فإن ذلك غير ضائر؛لأنّ مثله خفي المدارك و لا يتوقّف عليه الايمان.

الرابع: المخالف في الفروع إذا لم يخرق الإجماع يجوز الاقتداء به (4)،لعدم خروجه بذلك عن العدالة.ط.

ص: 392


1- قال الشيخ الأنصاري:و كذلك القول بأنها عبارة عن حسن الظاهر غير مصرح به في كلام أحد من علمائنا،و ان نسبه بعض متأخري المتأخرين إلى كثير بل إلى الكل.رسالة في العدالة ضمن رسائل فقهية:24. و انظر مفتاح الكرامة 3:82 فقد فصل البحث فيها.
2- التهذيب 3:275 ح 798.
3- الفقيه 1:248 ح 1111،الخصال:154،التهذيب 3:31 ح 109،282 ح 837.
4- أثبتناها من ط.

اما لو علم المأموم أنه يترك واجبا،أو شرطا يعتقده المأموم،لم يقتد به،كالمخالفة في القبلة،و في التحري في الأواني،و في وجوب السورة.

و كذا لو اعتقد جواز الصلاة في الثعالب و صلّى فيها،لم يقتد به من يعتقد المنع.

و سادسها:طهارة المولد، فلا تجوز امامة عن علم انّه ولد زنا، لنقصه.و لقولهم عليهم السّلام:«ولد الزنا شر الثلاثة» (1).و لان شهادته لا تقبل فكذا إمامته،لأن أداء الأفعال الواجبة عليه في معنى الشهادة.و لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«لا تقبل شهادة ولد الزنا،و لا يؤمّ بالناس» (2).

اما ولد الشبهة،و من تناله الألسن،فجائز،لأن الظاهر سلامة النسب.

و سابعها:صحة صلاته ظاهرا. فلو صلّى غير متطهر،أو فاقد أحد الشرائط،و المأموم يعلم بذلك،لم يصح الاقتداء به.و لا يشترط فيها كونها صحيحة في نفس الأمر،لما تقدم من عدم اعادة من صلّى خلف المحدث و لما يعلم.

القسم الثاني:في الأوصاف الخاصة،و هي ستة:
أحدها:الذكورة شرط في إمام الرجال و الخناثى.

فلو أمّ الرجال امرأة بطل الاقتداء إجماعا منّا،و لقوله عليه السّلام:«لا تؤمّ امرأة رجلا» (3).و الخنثى في معنى المرأة،لعدم العلم بذكوريته إذا كان مشكلا.

و لا فرق بين التراويح و غيرها.و قول المزني و أبي ثور و محمد بن

ص: 393


1- سنن أبي داود 4:29 ح 3963،مسند احمد 2:311،المستدرك على الصحيحين 4:100،السنن الكبرى 10:57.
2- الكافي 7:396 ح 8،التهذيب 6:244 ح 614.
3- سنن ابن ماجة 1:343 ح 1081،مسند أبي يعلى 3:381 ح 1856،السنن الكبرى 3:90،171.

جرير الطبري بجواز إمامة المرأة الرجال في التراويح (1)ضعيف،مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

و لا يؤمّ الخنثى مثله،لجواز كون الإمام امرأة و المأموم رجلا.و جوّزه ابن حمزة (2)لتكافؤ الاحتمالين فيهما،و الأصل الصحة.و جوابه انّ من صور الإمكان تخالفهما في الذكورة و الأنوثة كما قلناه،و الأصل وجوب القراءة على المصلّي إلاّ بعد العلم بالمسقط.

و لا كراهة في إمامة الرجل بالأجنبية و ان خلا بها،لأن العدالة تمنع من تطرّق التهمة.قاله الفاضل (3).

و لو صلّى خلف الخنثى رجل،فبان انه رجل بعد الصلاة أعاد،لعدم صحة الدخول.اما لو ظنه رجلا فتبيّن رجلا فالوجه الصحة،لمطابقة ظنه نفس الأمر.

و لا يشترط نيّة الرجل استتباع النساء في صحة اقتدائهنّ به.

و ثانيها:القيام،

و هو شرط في إمامة القائمين،فلا يؤمّ القاعد القيام، فلو فعل بطلت صلاتهم،لما روي من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«لا يؤمّن أحد بعدي جالسا» (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«لا يؤمّ المقيد بالمطلقين،و لا صاحب الفالج الأصحاء» (5).

و لو أمّ مثله جاز،و ان كان المأموم يرجو البرء و لا يرجوه الامام،

ص: 394


1- المجموع 4:255،المغني 2:34،بداية المجتهد 1:145.
2- الوسيلة:105.
3- تذكرة الفقهاء 1:176.
4- الفقيه 1:249 ح 1119،سنن الدار قطني 1:398،السنن الكبرى 3:80.
5- الكافي 3:375 ح 2،الفقيه 1:248 ح 1108،التهذيب 3:27 ح 94.

لتساويهما حال الاقتداء.

و لو أمّ الأعرج أو الأقطع جاز مع القدرة على القيام.

و جوّز الشيخ-في الخلاف-ائتمام القاعد بالمومئ (1).و كأنه عنى به المضطجع و المستلقي،و يمكن القول بالمنع،لأن صلاة المؤتمّ أكمل.

و ثالثها:القراءة إذا أمّ قارئا،

فلو أمّ الأمي القارئ لم يصح إجماعا -و الأمي من لا يحسن قراءة الفاتحة و السورة-فلو أمّ مثله جاز إذا عجزا عن التعلم.و لو عجز الامام دون المأموم لم يصح اقتداؤه.

و لو أحسن أحدهما الفاتحة و الآخرة السورة،جاز ائتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس،للإجماع على وجوبها في الصلاة بخلاف السورة.

و لو أحسن أحدهما بعض الفاتحة و الآخر بعض السورة،فصاحب بعض الفاتحة أولى بالإمامة.

و لو أحسن الآخر كمال السورة،ففي ترجيح من يحسن بعض الفاتحة عليه نظر،من حيث الإجماع على وجوب ما يحسنه،و من زيادة الآخر عليه.و الأول أقرب،مع احتمال جواز امامة كل منهما بالآخر.

و لا يجوز ان يأتمّ محسن السورة بمحسن الفاتحة،ثم يأتمّ به محسن الفاتحة ليقرأ السورة،فإذا انتهيا إلى الفاتحة ائتم به محسن السورة،و هكذا، لما فيه من تعاكس الإمامة و هو غير معهود.و في كلام التذكرة إشارة إلى احتمال جوازه (2).

و الأخرس في معنى الأمي،فيجوز ان يؤمّ مثله.و لو أمّ الأخرس

ص: 395


1- الخلاف 1:121 المسألة 5.
2- تذكرة الفقهاء 1:177.

الأمي الناطق،ففي الجواز نظر،من عجزه عن التكبير،و من انّ الامام لا يتحمله،و هما متساويان في عدم القراءة.

و لو أحسن كل منهما بعض الفاتحة،فإن تساويا في ذلك البعض صحّ اقتداء كل منهما بصاحبه.و ان اختلفا،فان زاد أحدهما على الآخر جاز امامة الناقص دون العكس،و ان اختلف محفوظاهما لم يؤمّ أحدهما الآخر لنقص كل منهما بالنسبة إلى الآخر.

و لو كان يلحن في القراءة،فإن قدر على الإصلاح لم تصح صلاته إماما و لا منفردا،و ان عجز عنه جاز ان يؤمّ مثله لا غيره،و ان كان الغير يلحن أيضا،لاختلاف مواضع اللحن.و لا فرق بين كون اللحن مغيّر المعنى-مثل:ضم تاء«أنعمت»أو لا-مثل:فتح ميم«بسم»-لأنّ القرآن عربي و اللحن ليس بعربي.

و قول الشيخ بكراهية إمامة من يلحن في قراءته،أحال المعنى أو لم يحل،في الحمد و غيرها،إذا تعذّر عليه الإصلاح (1).

و قول ابن إدريس:لا تجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن (2)و يدلّ بمفهومه على جواز غير المغيّر للمعاني.

بعيدان.و توجيههما بانّ صلاته صحيحة بالنسبة إليه مدخول،و إلاّ لصحّ الاقتداء بالأمي.

و في حكم اللاحن مؤوف اللسان مع عجزه عن الإصلاح تصح صلاته،و لا يصح اقتداء غيره به.و لو أمّ مثله في ذلك الحرف صح، و كذلك من في لسانه لكنة من آثار العجمة.و من ذلك:0.

ص: 396


1- المبسوط 1:153.
2- السرائر:60.

الأرتّ،و هو الذي يبدل حرفا بغيره.

و الألثغ-بالثاء المثلثة-و هو الذي يجعل الراء لاما،قاله الفراء (1).

قال:و الأرت هو الذي يجعل اللام تاء (2).و في المبسوط:الألثغ الذي يبدل حرفا مكان حرف (3).

و الأليغ-بالياء المعجمة بنقطتين من تحت-و هو الذي لا يبين الكلام.

فلا تصح إمامتهم إلاّ بأمثالهم.

و في المبسوط:الأرت الذي يلحقه في أول كلامه رتج،فيتعذر عليه،فإذا تكلم انطلق لسانه (4).فعلى هذا تجوز إمامته مطلقا،و كذا التمتام -و هو الذي يكرر التاء-و الفأفاء-و هو الذي يكرر الفاء-اي:لا تتيسر لهما التاء و الفاء الا بترديدها مرتين فصاعدا،لان هذه زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة.نعم يكره الائتمام بهما لمن لا يساويهما،قاله في التذكرة (5).و لم يذكر الكراهية في المعتبر (6).

و في المبسوط فسّر التمتام و الفأفاء بأنه الذي لا يحسن ان يؤدي التاء و الفاء،و حكم بكراهة إمامته (7)لصحة صلاته باعتبار عجزه.و منعه الفاضل كالأخرس (8)و هو حسن.5.

ص: 397


1- حكاه عنه في تذكرة الفقهاء 1:178.
2- حكاه عنه في تذكرة الفقهاء 1:178.
3- المبسوط 1:153.
4- المبسوط 1:153.
5- تذكرة الفقهاء 1:178.
6- المعتبر 2:438.
7- المبسوط 1:153.
8- مختلف الشيعة:155.

اما من به لثغة خفيفة مع من يخلص الحرف و لا يبلغ به تبديله بغيره،فجائز إمامته للقارئ و ان كان القارئ أفضل،لأنّ ذلك يعد قرآنا.

و رابعها:ستر العورة إذا أمّ لمستورها.

فلو أمّ العاري بالمستور فالأقرب المنع،لنقص صلاته من حيث الشرط و من حيث الأركان،لأنه يومئ بها إيماء،و ربما صلّى قاعدا و القائم لا يؤمّه القاعد.

و ربما قال الفاضل:ان اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع و السجود لمرض جاز (1).و هذا بناء على انّ المانع انما هو عجزه عن الأركان،و اما إذا علّل بنقصه من حيث الستر فلا.

و أطلق الشيخ جواز اقتداء المكتسي بالعاري (2)لأن صلاته صحيحة بالنسبة اليه.

و لو أمّ العاري بمثله جاز.نعم،لو تمكّن أحدهما من ستر احدى العورتين،و عجز الآخر،جاز الائتمام بالمستور إحداهما للآخر.و في العكس الأوجه.

و خامسها:القدرة على الاستقبال.

فلو عجز عن الاستقبال لم يؤمّ القادر عليه،و يجوز ان يؤم مثله.

و سادسها:الختان
اشارة

-و قد قيل انه من الشروط العامة (3)-لما روي عن زيد عن آبائه عن علي عليه السّلام:«الأغلف لا يؤم القوم و ان كان أقرأهم،لأنّه ضيّع من السنة أعظمها،و لا تقبل له شهادة،إلاّ ان يكون ترك ذلك خوفا على نفسه» (4).

ص: 398


1- تذكرة الفقهاء 1:179.
2- الخلاف 1:121 المسألة 5.
3- راجع:المقنع:35،المعتبر 2:442،نهاية الإحكام 2:143.
4- الفقيه 1:248 ح 1107،التهذيب 3:30 ح 108.

و يمكن ردّ هذا الى اشتراط العدالة،و انما ذكرناه هنا لان الشيخ أبا الصلاح-رحمه اللّه-جوّز إمامة الأغلف للأغلف لا للمطّهّر (1).

و الأقرب انه متى تمكّن من الختان بطلت إمامته مطلقا لفسقه،و إلاّ صحت مطلقا،و الخبر محمول على التمكّن صريحا.

و هنا مسائل:

الأولى:اختلف في إمامة العبد.

فقال في المبسوط و النهاية:لا يجوز ان يؤمّ الأحرار،و يجوز ان يؤمّ بمواليه إذا كان أقرأهم (2).

و قال ابن بابويه-في المقنع-:و لا يؤم العبد إلاّ أهله (3)لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن علي عليهما السّلام قال:«لا يؤم العبد إلاّ أهله» (4).

و أطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤمّ الحر (5).

و جوز إمامته مطلقا ابن الجنيد و ابن إدريس (6).

و أطلق الشيخ-في الخلاف-جواز إمامته،قال:و في بعض رواياتنا ان العبد لا يؤمّ إلاّ مولاه (7).

و قال أبو إصلاح:يكره (8).4.

ص: 399


1- الكافي في الفقه:144.
2- المبسوط 1:155،النهاية:112.
3- المقنع:35.
4- التهذيب 3:29 ح 102،الاستبصار 1:423 ح 1631.
5- الوسيلة:105.
6- السرائر:61،مختلف الشيعة:153.
7- الخلاف 1:121 المسألة 8.
8- الكافي في الفقه:144.

و البحث عن الجواز،و ان كان الحر مقدما عليه عند التعارض،لان الصفات المعتبرة كافية،و قد قال عليه السّلام«يؤمكم أقرؤكم» (1).

و قد روي في الصحيح عن محمد بن مسلم-تارة يرويه عن الصادق عليه السّلام،و تارة عن أحدهما-جوازه صريحا (2).و لا يعارضه رواية السكوني،مع إمكان حملها على الكراهية،كما قاله أبو الصلاح.

فرع:

المعتق بعضه أولى من القن،و ممّن انعتق منه أقل،و الحر أولى منهما.و في ترجيح من تشبث بالحرية قبل حصول حقيقتها-كالمدبر، و المكاتب المشروط و المطلق قبل الأداء،و الموصى بعتقه-على القن،أو ترجيح بعضهم على بعض،نظر.و لعل الأقرب عدم الترجيح،إذ لم يثبت جعل ذلك مرجحا،فتبقى المرجحات المشهورة سليمة عن المعارض.

الثانية: قال المرتضى-رحمه اللّه-:لا يؤمّ الأجذم،و الأبرص،و المحدود، و لا صاحب الفالج الأصحّاء،و لا المتيمم المتوضئين (3).

و قال في الانتصار:تكره إمامة الأبرص،و المجذوم و المفلوج (4).

و قال الصدوق:لا يؤمّ الأعرابي المهاجرين،و لا بأس ان يؤم المتيمم المتوضئين (5).5.

ص: 400


1- الفقيه 1:185 ح 880،سنن ابن ماجة 1:240 ح 726،سنن أبي داود 1: 161 ح 590،مسند أبي يعلى 4:231 ح 2343،السنن الكبرى 1:426.
2- التهذيب 3:29 ح 99،100،الاستبصار 1:423 ح 1628،1629.
3- جمل العلم و العمل 3:39.
4- الانتصار:50.
5- المقنع:35.

و قال الشيخ-في الخلاف-:سبعة لا يؤمّون الناس على كل حال:

المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا،و الأعرابي بالمهاجرين، و المقيد بالمطلقين،و صاحب الفالج بالأصحاء (1).

و قال في المبسوط:لا يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين،و لا المجذوم و الأبرص و المحدود من ليس كذلك،و لا يؤمّ المقيد المطلقين، و لا صاحب الفالج الأصحاء (2).و نحوه في النهاية (3).

و قال ابن الجنيد:و لا أرى إمامة الأعرابي للمهاجر،لقول اللّه عز و جل وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (4)و لا امامة المجذوم و ذي العاهة التي لا يؤمن معها ترك استيفاء وظائف الصلاة،و كذلك المقعد للأصحاء،و لا المتيمم للمتوضئين،إلاّ ان يكون خليفة الإمام أو سلطانا له.

و قال ابن أبي عقيل:و لا يؤمّ المفضول الفاضل،و لا الأعرابي المهاجر،و لا الجاهل العالم،و لا صلاة خلف المحدود.

و قال المفيد-رحمه اللّه-في إمام الجمعة،و الشرائط التي تجب فيمن يجب معه الاجتماع:ان يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنّبا من الأمراض الجذام و البرص خاصة.

و قال ابن بابويه-فيمن لا يحضره الفقيه-:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«امام القوم وافدهم،فقدموا أفضلكم» (5).0.

ص: 401


1- الخلاف 1:125 المسألة 34.
2- المبسوط 1:155.
3- النهاية:112.
4- الآية في سورة الأنفال:72،المقنعة:27.
5- الفقيه 1:247 ح 1100.

و قال عليه السّلام:«ان سركم ان تزكّوا صلاتكم فقدموا خياركم» (1).

و قال عليه السّلام:«من صلى بقوم،و فيهم من هو أعلم منه،لم يزل أمرهم في سفال الى يوم القيامة» (2).

و قال أبو ذر:ان إمامك شفيعك الى اللّه،فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا (3).

و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام،انه قال:«خمسة لا يؤمّون الناس،و لا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة:الأبرص، و المجذوم،و الأعرابي حتى يهاجر،و ولد الزنا،و الحدود» (4).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«لا يصلين أحدكم خلف الأجذم، و المجنون،و المحدود،و ولد الزنا.و الأعرابي لا يؤم المهاجر» (5).

و قال عليه السّلام:«لا يؤمّ صاحب القيد المطلقين،و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحاء» (6).

و قال الباقر و الصادق عليهما السّلام:«لا بأس ان يؤمّ الأعمى إذا رضوا به، و كان أكثرهم قراءة وافقههم» (7).

و قال أبو جعفر عليه السّلام:«إنّما العمى عمى القلب9.

ص: 402


1- الفقيه 1:247 ح 1101،و في المقنع:35،علل الشرائع:326.
2- الفقيه 1:247 ح 1102،و في المحاسن:93،علل الشرائع:326،ثواب الاعمال:246،التهذيب 3:56 ح 194.
3- الفقيه 1:247 ح 1103،و في علل الشرائع:326،التهذيب 3:30 ح 107.
4- الفقيه 1:247 ح 1105.
5- الفقيه 1:247 ح 1106،و في الكافي 3:375 ح 4،و فيهما زيادة: «و الأبرص».
6- الفقيه 1:248 ح 1108،و في الكافي 3:375 ح 2،التهذيب 3:27 ح 94.
7- الفقيه 1:248 ح 1109.

فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (1) .

و قال أبو الصلاح:لا تنعقد الجماعة إلاّ بإمام عدل،طاهر الولادة، سليم من الجنون و الجذام و البرص،الى قوله:و قد تتكامل صفات الإمامة لجماعة و تنعقد على وجه دون وجه،و تكره على وجه دون وجه.

فالأول:المقيد بالمطلق،و الزمن بالصحيح،و الخصي بالسليم، و الأغلف بالمطهر،و المحدود بالبري،و المرأة بالرجال.و يجوز ان يؤم كل منهم بأهل طبقته.

و الثاني:الأعمى بالمبصر،أو المقصر بالمتم،أو المتم بالمقصر، و المتيمم بالمتوضئ،و العبد بالحر.و لا كراهة في إمامة كل منهم لأهل طبقته (2).

و قال ابن البراج-في المهذب-:و اما من يؤمّ بمثله و لا يؤمّ بغيره من الأصحاء السليمين،فهو:الأبرص،و المجذوم،و المفلوج،و الزمن، و لا يؤمّ الأعرابي المهاجرين،و لا يؤمّ المتيمم المتوضئين،و لا يؤم المسافر الحاضرين،و قد ذكر أنها مكروهة.و لا يؤمّ المحدود،و الأعمى إذا لم يسدده من خلفه،فان سدده كانت إمامته جائزة (3).

و قال ابن حمزة-في الواسطة-و يكره ان يؤمّ الناس خمسة عشر:

المتيمم،و المسافر،و المقيد،و القاعد،و اللاحن لمن يقدر على إصلاح لسانه،و من لا يؤدّي حرفا،و من يبدّل حرفا مكان حرف،و من يرتجّ عليه0.

ص: 403


1- الفقيه 1:248 ح 1110. و الآية في سورة الحج:46.
2- الكافي في الفقه:143.
3- المهذب 1:80.

في أول كلامه،و من لا يأتي بالحروف على الصحة و البيان،و المحدود، و المفلوج،و المجذوم،و الأبرص،لمن لا يكون على مثل أحوالهم (1).

و يقرب منه الوسيلة له (2).

و قال الجعفي:يؤمّ الأعمى،و العبد،و المتيممون المتوضئين.

و لا يصلّى خلف الأجذم،و الأبرص،و المجنون،و المحدود،و ولد الزنا، و الأعرابي.

و قال سلار:تكره إمامة المتيمم للمتطهر،و المسافر للحاضر (3).

و قال ابن إدريس:و تكره إمامة الأجذم و الأبرص و صاحب الفالج للأصحاء،و فيما عدا الجمعة و العيدين،فان ذلك لا يجوز.و قد ذهب بعض أصحابنا الى ان أصحاب هذه الأمراض لا يجوز ان يؤمّوا الأصحاء على طريق الحظر،و الأظهر ما قلناه.و لا تجوز إمامة المحدود الذي لم يتب.

و يكره ان يؤمّ الأعرابي المهاجرين،و المتيمم بالمتوضئين،و المسافر بالحاضرين.

قال و لا تجوز إمامة المقيد للمطلقين،و لا الجالس بالقيام.و لا بأس بإمامة الأعمى (4).

و قال السيد عز الدين أبو المكارم حمزة بن زهرة-رضي اللّه عنه-:و لا يصح الائتمام بالأبرص،و المجذوم،و المحدود،و الزمن،و الخصي،و المرأة،إلاّ1.

ص: 404


1- الواسطة.مخطوط.و هي ليست خمسة عشر كما ذكر المصنف بل ثلاثة عشر،و نصه في الوسيلة،قال:و تكره إمامة ثلاثة عشر.،و الى ذلك أشار العاملي في مفتاح الكرامة 3:469.
2- الوسيلة:105.
3- المراسم:86.
4- السرائر:60-61.

لمن كان مثلهم،بدليل الإجماع،و طريقة الاحتياط.و يكره الائتمام بالأعمى،و العبد،و من يلزمه التقصير،و من يلزمه الإتمام،و المتيمم،إلاّ لمن كان مثلهم (1).

و الشيخ نجم الدين بن سعيد كره ائتمام الحاضر بالمسافر و بالعكس في الرباعية،و امامة المحدود بعد توبته.و اما الأعرابي،فإن كان ممن لا يعرف محاسن الإسلام و لا وصفها لم يؤمّ،و كذا إذا كان ممن تجب عليه المهاجرة و لما يهاجر،و إلاّ جاز مع اتصافه بالشرائط.

قال:و لا بأس بإمامة الأعمى إذا كان له من يسدده،لقوله عليه السّلام:

«يؤمّكم أقرؤكم»،و لان العمى ليس نقصا فقد عمي بعض الأنبياء (2).

قال:و روى مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس ان يصلي الأعمى بالقوم،و ان كانوا هم الذين يوجهونه» (3).

قال:و يكره ان يؤمّ المتيمم متطهرا.و الأقرب جواز ائتمام المرأة الطاهر بالمستحاضة،و الصحيح بالسلس.و الوجه كراهة إمامة الأجذم و الأبرص (4).

قلت:روى الشيخ بإسناده إلى الشعبي،قال:قال علي عليه السّلام:«لا يؤمّ الأعمى في البرية» (5).و يمكن حمله على المقيد بتوجيههم إياه إلى القبلة، أو على الكراهة،كما قاله أبو الصلاح و ابن زهرة (6).ة.

ص: 405


1- الغنية:498،و لم يذكر الأعمى.
2- الفقيه 1:185 ح 880،سنن ابن ماجة 1:240 ح 726،سنن أبي داود 1: 161 ح 590،مسند أبي يعلى 4:231 ح 2343،السنن الكبرى 1:426.
3- التهذيب 3:30 ح 105.
4- المعتبر 2:441-442.
5- التهذيب 3:269 ح 773.
6- الكافي في الفقه:143.و قد تقدم ان ابن زهرة لم يذكر الأعمى في الغنية.

و قال ابن عمه الشيخ نجيب الدين-في الجامع-:و تكره إمامة الأجذم،و الأبرص،و المفلوج،و المقيد،و الأعرابي،إلا بأمثالهم.و تجوز امامة المحدود بعد توبته.و يكره اقتداء المتطهر بالماء بالمتيمم.و يؤمّ الأعمى بالبصير إذا سدّد و بمثله (1).

و الفاضل-رحمه اللّه-قال بجواز إمامة الأجذم و الأبرص،لعموم:«يؤمكم أقرؤكم»،و لما رواه عبد اللّه بن يزيد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المجذوم.و الأبرص يؤمّان المسلمين،قال:«نعم»قلت:و هل يبتلي اللّه بهما المؤمن؟قال:«نعم،و هل كتب البلاء إلاّ على المؤمن».

و تجوز امامة المتيمم بالمتطهر بالماء،لصحيحة جميل بن دراج قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل،أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟قال:«لا،و لكن يتيمم الجنب و يصلّي بهم،فان اللّه عز و جل جعل التراب طهورا».و نحوه موثّق عبد اللّه بن بكير عنه عليه السّلام.

و لكنه تكره إمامة هؤلاء جمعا بين ذلك و بين روايات المنع.

كصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال:«خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا،و الأعرابي».

و كرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام:«لا يؤمّ المقيد المطلقين.و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحاء،و لا صاحب التيمم المتوضئين.و لا يؤم الأعمى في الصحراء الاّ ان يوجّه إلى القبلة» (2).4.

ص: 406


1- الجامع للشرائع 97-98.
2- من قول المصنف:؟؟؟؟؟ الى هنا هو قول الفاضل في مختلف الشيعة:154. و الحديث الأول تقدم في ص:400،هامش:5. و رواية عبد اللّه بن يزيد في:التهذيب 3:27 ح 93،الاستبصار 1:422 ح 1627. و رواية جميل و عبد اللّه بن بكير في:التهذيب 3:167 ح 364،365،الاستبصار 1:424 ح 1637،1638. و رواية أبي بصير في:الكافي 3:375 ح 1. و رواية السكوني في:الكافي 3:375 ح 2،التهذيب 3:27 ح 94.

قال الفاضل:و اما المقيد بالمطلقين،فان تمكّن من القيام صح ان يكون اماما،و الا فلا.و اما الأعرابي،فإن عرف شرائط الصلاة،و كان أقرأ القوم عدلا،جاز ان يكون امام،و إلاّ فلا (1).

و استدل المحقق في المعتبر،على كراهة إمامة كل من المسافر و الحاضر بالآخر-كما قاله المفيد (2)و المرتضى (3)و الشيخ في الخلاف (4)و أبو الصلاح (5)و ابن إدريس (6)-بموثقة العباس بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام،قال:«لا يؤمّ الحضري المسافر،و المسافر الحضري» (7).

و قال علي بن بابويه:لا يجوز إمامة المتمم للمقصر،و لا بالعكس (8).و تبعه ابنه في صلاة المسافر خلف المقيم (9).ة.

ص: 407


1- مختلف الشيعة:154.
2- المقنعة:35.
3- جمل العلم و العمل 3:39.
4- الخلاف 1:125 المسألة:33.
5- الكافي في الفقه:144.
6- السرائر:60.
7- المعتبر 2:441. و الرواية في التهذيب 3:164 ح 355،و الاستبصار 1:426 ح 1643،عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك.
8- مختلف الشيعة:155.
9- حكاه عن المقنع،العلاّمة في مختلف الشيعة:155،و لكنه غير موجود في النسخ الموجودة بأيدينا،راجع مفتاح الكرامة.

و قال سلار:يكره ائتمام الحاضر بالمسافر (1)،و لم يذكر العكس، و كذا الشيخ في أكثر كتبه (2).

و في المختلف[ذهب]الى عدم كراهة ائتمام المسافر بالحاضر، للأصل،و لانه كالائتمام في الصلوات المختلفة العدد،و الائتمام بالمسبوق.

و طعن في الرواية،فان في طريقها داود بن الحصين،و هو واقفي و ان كان ثقة (3).

المسألة الثالثة: قول ابن أبي عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل، و منع امامة الجاهل بالعام،ان أراد به الكراهية فحسن،و ان أراد به التحريم أمكن استناده الى ان ذلك يقبح عقلا،و هو الذي اعتمد عليه محققو الأصوليين في الإمامة الكبرى و لقول اللّه جل اسمه أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (4)و للخبرين المقدمين في كلام ابن بابويه (5).

و قال ابن الجنيد:السلطان المحقق أحقّ بالإمامة ممن حضر،ثم صاحب المنزل بعده،ثم صاحب المسجد.فان لم يحضر أحد من هؤلاء فاقرأ القوم،فان تساووا في القرآن فأكبرهم سنا،فان تساووا في ذلك فأعلمهم بالنسبة وافقههم في الدين.فان أذن أهل الوصف الأول لأهل الوصف الثاني في الإمامة جاز ان يؤمّوا بهم،إلاّ ان يكون الإمام الأكبر فإنّه3.

ص: 408


1- المراسم:86.
2- الاقتصاد:269،الجمل و العقود:191،النهاية:112،المبسوط 1:154 و في ص 138 حكم بالكراهة في الحالتين.
3- مختلف الشيعة:115.
4- سورة يونس:35.
5- تقدما في ص 913 الهامش 2،3.

لا يجوز ان يتقدمه غيره و الحديث الذي روي فيه:انّ عبد الرحمن بن عوف قدم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بهم و صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله خلفه ركعة (1)، فقد قيل انّه غير صحيح،لانه مخالف لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (2)،و قد روى أبو قتادة انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا أقيمت الصفوف فلا تقدموا حتى تروني» (3).

فاعتبر ابن الجنيد في ذلك الاذن،و يمكن حمل كلام ابن أبي عقيل عليه.

و الآية يراد فيها الإمامة الكبرى.

و الخبران يحملان على إيثار المفضول على الفاضل من حيث هو مفضول،و لا ريب في قبحه،و لا يلزم من عدم جواز إيثاره عليه عدم جواز أصل إمامته،و خصوصا مع إذن الفاضل و اختياره.

و اما صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله خلف غيره فقد رواها العامة في الصحيح.

و قضية صلاة أبي بكر و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله عزله (4)يدلّ على ما قاله ابن الجنيد.

الرابعة: تضمّن كلام أبي الصلاح انه لا يؤمّ الخصي بالسليم (5).

و لا نعلم وجهه،سواء أراد به التحريم أو الكراهة،لأن الذكورية متحققة، و ما فوات أعضاء التناسل إلاّ بمثابة فوات بعض الأعشاء التي لا تخل4.

ص: 409


1- صحيح مسلم 1:230 ح 81،مسند أحمد 1:192،سنن أبي داود 1:37 ح 149،مسند أبي يعلى 2:161 ح 19.
2- سورة الحجرات:1.
3- صحيح البخاري 1:164،صحيح مسلم 1:422 ح 156،مسند أحمد 5:296.
4- إعلام الوري:166،إرشاد القلوب(للديلمي)2:340،و نقله عن الإرشاد أيضا في بحار الأنوار 28:110.
5- الكافي في الفقه:144.

بالإمامة.

فإن قال:ففواتها قرب من شبه النساء،فلذلك منع منه.

قلنا:نمنع القرب،و لهذا لم يؤثر ذلك في شيء من أحكام الرجولية الجارية عليه قبل الخصاء.سلمنا،لكن لا نسلم انّ القرب من الشبه له مدخل في الكراهية.

تتمة:في ترجيح الأئمة،

و فيها مباحث:

أحدها:لا ريب انّ الامام الأعظم مع حضوره أولى بالإمامة، إلاّ ان يمنعه مانع فيستنيب،و مستنابه أولى من الغير،لترجّحه بتعيّن الإمام،فإنه لا يستنيب إلاّ الراجح أو المساوي.فإن استناب الراجح ففيه مرجّحان،و ان استناب المساوي ففيه مرجّح واحد.

و ثانيها: لو لم يكن الإمام الأعظم و تعدّدوا:

فاما ان يكره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم.

و اما ان يختاروا امامة واحد بأسرهم.

و اما ان يختلفوا في الاختيار.

فان كرهه جميعهم لم يؤمّ بهم،للخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (1).و عن علي عليه السّلام،و أتاه قوم برجل فقالوا:ان هذا يؤمنا و نحن له كارهون،فقال له علي عليه السّلام:«انك لخروط» (2)بفتح الخاء المعجمة و الراء المهملة و الواو و الطاء المهملة.

قال أبو عبيد:الخروط الذي يتهوّر في الأمور و يركب رأسه في كل ما يريد بالجهل و قلة المعرفة بالأمور.و منه يقال:الخرط علينا فلان:إذا اندرأ

ص: 410


1- المحاسن:12،الفقيه 1:36 ح 131.
2- غريب الحديث لهروي 3:455،المصنف لابن أبي شيبة 1:407.

عليهم بالقول السيئ و الفعل (1).

و قال الفاضل:الأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته و الإثم على من كرهه و الاّ كرهت (2).

و ان اختار الجميع واحدا فهو أولى،لما فيه من اجتماع القلوب و التعاضد.

و ان اختلفوا،قال الفاضل:يقدم اختيار الأكثر (3)و أطلق الأصحاب انّه مع الاختلاف يطلب الترجيح.و فيه تصريح بأنّه ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة فيصلي كل قوم خلف من يختارونه،لما فيه من الاختلاف المثير للإحن.

و ثالثها: ان الأمير في امارته،و رب المنزل في منزله،و الامام الراتب في مسجده،لا يعارضه غير الإمام الأعظم و ان كان غيره أفضل منه إذا كان بشرائط الإمام.

هذا ظاهر الأصحاب،و صرّح به جماعة (4)منهم الفاضل قال:

و لا نعلم فيه خلافا-يعني في تقدّم رب المنزل-لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«لا يؤمن الرجل الرجل في بيته،و لا في سلطانه».و قال الصادق عليه السّلام:

«لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله،و لا في سلطانه».و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«من زار قوما فلا يؤمّهم»و هو عام في المسجد و غيره.و لان تقديم غير الراتب عليه ربما أورث وحشة و تنافرا (5).6.

ص: 411


1- غريب الحديث للهروي 3:456.
2- تذكرة الفقهاء 1:179.
3- تذكرة الفقهاء 1:179،نهاية الإحكام 2:152.
4- راجع:جمل العلم و العمل 3:40،المبسوط 1:154،المعتبر 2:438.
5- منتهى المطلب 1:374. و قوله صلّى اللّه عليه و آله في:مسند احمد 4:118،صحيح مسلم 1:465 ح 673،سنن أبي داود 1:159 ح 582،الجامع الصحيح 1:459 ح 235،سنن النسائي 2:76، السنن الكبرى 3:125. و قول الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في:الكافي 3:376 ح 5،التهذيب 3:31 ح 113. و قوله صلّى اللّه عليه و آله في:سنن أبي داود 1:162 ح 596،الجامع الصحيح 2:187 ح 356،سنن النسائي 2:80،السنن الكبرى 3:126.

و لو أذن هؤلاء لغيرهم جاز و انتفت الكراهية،و يكون المأذون له أولى من غيره.

و هل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم،أو الأفضل لهم مباشرة الإمامة؟لم أقف فيه على نص،و ظاهر الأدلّة يدلّ على ان الأفضل لهم المباشرة.فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له ردّ الاذن،ليستقر الحقّ على أصله.

و لو تأخّر الإمام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب.

و لو بعد منزله،و خافوا فوت وقت الفضيلة،قدّموا من يختارونه.

و لو حضر في أثناء صلاتهم دخل معهم،و في جواز استخلافه هنا نظر.

و لو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه،لما فيه من اتفاق القلوب،مع تحصيل الاجتماع مرتين في الصلاة.

و رابعها: ان الشيخ قال في المبسوط:إذا حضر رجل من بني هاشم فهو أولى بالتقدم إذا كان ممن يحسن القراءة (1).و الظاهر أنّه أراد به على غير الأمير و صاحب المنزل و المسجد،مع انه جعل الأشرف بعد الأفقه، الذي هو بعد الأقرأ،و الظاهر انه الأشرف نسبا.

و تبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي و قال بعده:و لا يتقدم أحد على4.

ص: 412


1- المبسوط 1:154.

أميره،و لا على من هو في مسجده أو منزله (1).

و جعل أبو الصلاح بعد الأفقه القرشي (2).

و ابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه (3).

و ابن حمزة جعل الأشرف بعد الأفقه (4).

و في النهاية لم يذكر الشرف (5)،و كذا المرتضى (6)و ابن الجنيد (7)و علي بن بابويه (8)و ابنه (9)و سلار (10)و ابن إدريس (11)و الشيخ نجيب الدين يحيى (12)و ابن عمه في المعتبر (13).و ذكر ذلك في الشرائع (14)و أطلق،و كذا الفاضل في المختلف و قال:انّه المشهور (15)يعني:تقديم الهاشمي.

و نحن لم نره مذكورا في الاخبار إلاّ ما روى مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«قدموا قريشا و لا تقدموها» (16)و هو علىم.

ص: 413


1- المهذب 1:80.
2- الكافي في الفقه:143.
3- الغنية:498.
4- الوسيلة:105.
5- راجع:النهاية:111.
6- راجع:جمل العلم و العمل 3:40.
7- راجع:مختلف الشيعة:155،156.
8- راجع:مختلف الشيعة:155،156.
9- راجع:الفقيه 1:246،المقنع:34.
10- راجع:المراسم:87.
11- راجع:السرائر:61.
12- راجع:الجامع للشرائع:98.
13- راجع:المعتبر 2:439.
14- شرائع الإسلام 1:125.
15- مختلف الشيعة:156.
16- ترتيب مسند الشافعي 2:194 ح 691،الكامل لابن عدي 5:1810،مجمع الزوائد 10:25،كنز العمال 12:22 ح 33789-33791 عن البزار و البيهقي في المعرفة و غيرهم.

تقدير تسليمه غير صريح في المدعى.نعم،هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه.نعم،فيه إكرام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا تقديمه لأجله نوع إكرام،و إكرام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تبجيله ممّا لا خفاء بأولويته.

و خامسها:ان الأقرأ أولى من الأفقه -و نقل عن بعض الأصحاب ان الأفقه أولى-لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه،فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة،فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة،فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا» (1).

و قال الصادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن» (2).

و تمسّك من رجّح الأفقه باهمية الحاجة إليه في الصلاة،فإنه ربما فاته فيها ما يحتاج إلى كثرة الفقه في معرفته.و حمل الخبر على انّ القراءة كانت في زمن الصحابة مستلزمة للفقه،لأنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه احكامه.قال ابن مسعود:كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها و نهيها و أحكامها.فكان أقرؤهم أفقههم.

و جوابه متعبدات الصلاة محصورة،و لا بد من كون القارئ عالما بها.

و جعل الأعلم بالسنّة مرتبة بعد الأقرأ صريح في إمكان انفكاك القراءة عن العلم بالسنّة.و تعلم احكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه مثبت3.

ص: 414


1- مسند احمد 4:118،صحيح مسلم 1:465 ح 673،سنن أبي داود 1:159 ح 582، الجامع الصحيح 1:459 ح 235،سنن النسائي 2:76،السنن الكبرى 3:125.
2- الكافي 3:376 ح 5،التهذيب 3:31 ح 113.

بالسنّة.

و سادسها:قد يرجح القارئ على الآخر بجودة الأداء و إتقان القراءة، و ان كان أقل حفظا.فان تساويا في الأداء فأكثرهم قرآنا.

و سابعها: لو اجتمع من يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنه أفقه،و الآخر كامل القراءة غير كامل الفقه لكن معه من الفقه ما يعرف معه أحكام الصلاة، قال في المبسوط:جاز تقديم أيهما كان (1)و تبعه ابن حمزة في الواسطة، مع قولهما بتقديم الاقرأ على الأفقه و لكنهما أرادا ترجيح الاقرأ على الفقيه مع تساويهما في الفقه.

بذلك صرح في المبسوط و قال:لو كان أحدهما فقيها لا يقرأ، و الآخر قارئ لا يفقه،فالقارئ أولى،لأن القراءة شرط في صحة الصلاة، و الفقه ليس بشرط (2).

و المراد بقوله:و الفقه نفي الفقه في غير الصلاة،إذا معرفته بشرائط الصلاة و أفعالها لا تصح الصلاة بدونه.و مساق كلام الشيخ يدل على قول ثالث في اجتماع القراءة و الفقه و هو التخيير،إذ موضوع المسألة إذا اجتمع الاقرأ و الأفقه هو ما ذكره الشيخ و حكم عليه بالتخيير.

و قال في التذكرة:إذا اجتمع فقيهان قارئان،و أحدهما أقرأ و الآخر أفقه،قدّم الأقرأ على الأول-يعني به تقدّم الاقرأ-و الأفقه على الثاني (3).

و هذا تصريح بمخالفه المبسوط.0.

ص: 415


1- المبسوط 1:157.
2- المبسوط 1:157.
3- تذكرة الفقهاء 1:180.

فرع:

لو تساويا في القراءة و الفقه في الصلاة،و زاد أحدهما بفقه في غير الصلاة،فالظاهر انه لا يترجّح به،لعدم تعلقه بالصلاة.و لو كان أحدهما أعرف بأحكام الصلاة،و الآخر أعرف بما سواها،فالأول أولى،لأنّ له أثرا في تكميل الصلاة.

و ثامنها: لو تساويا في القراءة و الفقه،قدّم الأشرف عند الشيخ في المبسوط،ثم الأقدم هجرة،ثم الأسن (1).

و قدّم في النهاية-و هو المشهور-الأقدم هجرة بعد الأفقه (2).

و قدّم المرتضى الأسن بعد الأفقه،و لم يذكر الهجرة (3).

و في رواية أبي عبيدة عن الصادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يتقدّم القوم أقرأهم للقرآن،فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة،فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا،و ان كانوا في السن سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وافقههم في الدين» (4).و هذه الرواية تشهد بتقديم الهجرة و السن على الفقه.

و صرّح ابن الجنيد و ابن إدريس بتقديم الأسن على الأفقه (5)،و جعل ابن إدريس الأقدم هجرة بعد الأفقه (6).

و الأقرب تقديم الأفقه على من عدا الأقرأ،لقوله تعالى:1.

ص: 416


1- المبسوط 1:157.
2- النهاية:111.
3- جمل العلم و العمل 3:40.
4- الكافي 3:376 ح 5،التهذيب 3:31 ح 113.
5- السرائر:61،مختلف الشيعة:155.
6- السرائر:61.

إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (1) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2) و لما تقدّم في حديث السفال،و قد رواه العرزمي مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله (3).

و كذا قدم الهجرة مقدّم على السن،لما فيه من الشرف،و للرواية.

و تأخّر العلم بالسنّة في الرواية،يحمل على القدر الزائد عما يحتاج إليه في الصلاة فإنّه نوع ترجيح،لاشتماله على الأفضلية،ليوافق الحديث السالف عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

فرعان:

الأول:المراد ب(الهجرة)من دار الحرب الى دار الإسلام، قال الفاضل:أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته-كما قاله بعض العامة- (4)سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده (5).

و ربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار،لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب،لأن أهل الأمصار أقرب الى تحصيل شرائط الإمامة و الكمال فيها.

و قد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ان الجفاء و القسوة في الفدّادين» (6).1.

ص: 417


1- سورة فاطر:28.
2- سورة الزمر:9.
3- تقدم في ص 402 الهامش 3.
4- تذكرة الفقهاء 1:180.
5- المجموع 4:281.
6- مسند احمد 5:273،صحيح مسلم 1:71 ح 81.

فقيل:هم المكثرون من الإبل (1).

و قيل:هم أهل القرى و البوادي،و هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم و أموالهم و مواشيهم (2).

هذا إذا قرى بتشديد الدال الأول،و يقرأ بتخفيفه و هو جمع فدّان -بتشديد الدال-و هي:بقر الحرث (3)أي:في أصحاب الفدادين لبعدهم عن الأمصار.

و عن الشيخ نجيب الدين يحيى:هي في زماننا التقدم في التعلم قبل الآخر.

الثاني:المراد ب(علو السن)في الإسلام. فلو كان أحدهما ابن خمسين كلها في الإسلام،و الآخر ابن سبعين لكن إسلامه أقل من خمسين،فالأول هو الأسن.قاله الشيخ في المبسوط (4).

و تاسعها:لو تساويا في جميع ما تقدم من الصفات:

قال ابنا بابويه و الشيخان و جماعة:يقدّم الأصبح وجها (5).

و قال المرتضى-رضى اللّه عنه-و ابن إدريس:و قد روي إذا تساووا فأصبحهم وجها (6).1.

ص: 418


1- غريب الحديث للهروي 1:203.
2- غريب الحديث للهروي 1:203.
3- غريب الحديث للهروي 1:203.
4- المبسوط 1:157.
5- الفقيه 1:147،المقنع:34،المبسوط 1:157،النهاية:111،الوسيلة: 105،المراسم:87. و حكاه عن المفيد المحقق في المعتبر 2:440،و عن علي بن بابويه العلاّمة في مختلف الشيعة:156.
6- جمل العلم و العمل 3:40،السرائر:60. و الرواية في علل الشرائع:326 ح 2،فقه الرضا(عليه السّلام):143،السنن الكبرى 3:121.

و قال في المعتبر:لا أرى لهذا أثرا في الأولوية،و لا وجها في شرف الرجال (1).

و قال في المختلف:يقدّم الأصبح،لما فيه من الدلالة على عناية اللّه به (2).

و في التذكرة حكى عن العامة فيه تفسيرين:

أحدهما:انه الأحسن صورة،لأن ذلك فضيلة كالنسب.

و الثاني:انه الأحسن ذكرا بين الناس.

قال:و الأخير أحسن (3).

قلت:و يمكن ان يحتج عليه بقول أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام في عهد الأشتر رضي اللّه عنه:«و انما يستدلّ على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده» (4).

و عاشرها: انهم إذا تساووا في جميع ما تقدم يقدم الأتقى و الأورع، لأنه أشرف في الدين و أكرم على اللّه تعالى،لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ .قاله في التذكرة (5).

قال:و الأقوى تقديم هذا على الأشرف،لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا (6).

قال:فان استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة (7).

قال:لأنهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة،فالإمام أولى (8).

قلت:و لو علّل بالأخبار العامة في القرعة كان حسنا.3.

ص: 419


1- المعتبر 2:440.
2- مختلف الشيعة:156.
3- تذكرة الفقهاء 1:180،و راجع:المجموع 4:280.
4- نهج البلاغة:427 قسم الرسائل:53.
5- تذكرة الفقهاء 1:180.و الآية في سورة الحجرات:13.
6- تذكرة الفقهاء 1:180.و الآية في سورة الحجرات:13.
7- تذكرة الفقهاء 1:180.و الآية في سورة الحجرات:13.
8- تذكرة الفقهاء 1:180.و الآية في سورة الحجرات:13.

و لا أثر عندنا للتقديم بنظافة الثوب و البدن عن الأوساخ،و طيب الصنعة،و حسن الصوت.و قدّم بها بعض العامة،لأنها تفضي إلى استمالة القلوب،فيكثر الجمع (1).

فروع:

الأول:لو تساويا في القراءة و الفقه، و زاد أحدهما في الورع-الذي هو العفة و حسن السيرة،و هو مرتبة وراء العدالة تبعث على ترك المكروهات و التجنّب عن الشبهات و الرخص-ففي تقديمه عندي نظر، لعدم ذكر الاخبار و الأصحاب له،و من ان اعتبار العدالة في الإمام تستتبع روادفها،إذ الإمامة سفارة بين اللّه تعالى و بين الخلق،فأولاهم بها أكرمهم على اللّه تعالى،و كلما كان الورع أتمّ كان تحقّق العدالة أشدّ،فحينئذ يقدّم هذا على المراتب الباقية.

الثاني:إذا حكمنا بترجيح الهاشمي لنسبه، ففي ترجيح المطلبي على غيره نظر،مما روي من قوله عليه الصلاة و السلام:«نحن و بنو المطّلب لم نفترق في الجاهلية و لا في الإسلام».نعم،الهاشمي أولى منه قطعا و حينئذ في ترجيح أفخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء-كالطالبي،و العباسي، و الحارثي،و اللهبي.ثم العلوي،و الحسني،و الحسيني.ثم الصادقي، و الموسوي،و الرضوي،و الهادي-احتمال بيّن،لان الترجيح دائر مع شرف النسب فيوجد حيث يوجد.

الثالث: هل يرجح العربي على العجمي،و القرشي على باقي العرب؟احتمال أيضا.و كذا ينسحب الاحتمال في الترجيح بسبب الآباء3.

ص: 420


1- المجموع 4:283.

الراجحين بعلم أو تقوى أو صلاح.و من عبّر من الأصحاب بالأشرف (1)يدخل في كلامه جميع هذا،و لا بأس به.و من ثم يرجّح أولاد المهاجرين على غيرهم لشرف آبائهم.

الشرط الثاني من شروط الاقتداء:نيّة الاقتداء،
اشارة

لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«و انما لكل امرئ ما نوى» (2)،و على ذلك انعقد الإجماع.

و لو نوى الجماعة مطلقا لم يكف،لأنها مشتركة بين الامام و المأموم، فلا تتخصص بأحدهما إلا بنيّة.فلو ترك نيّة الاقتداء فهو منفرد،فان ترك القراءة عمدا أو جهلا بطلت،و كذا لو قرأ لا بنيّة الوجوب.

و ان قرأ بنيّة الوجوب،و تساوقت أفعاله و أفعال الإمام بحيث لا تؤدي الى انتظار للإمام،صحت صلاته،و لم يفز بثواب الجماعة و ان تابع الإمام في أذكاره و أفعاله.

و ان تقدّم عليه الامام،فترك بعض الواجب من الأذكار متابعة له، بطلت صلاته،لتعمّده الإخلال بأبعاضها الواجبة.

و ان تقدّم هو على الامام-كإن فرغ من القراءة قبله،و التسبيح في الركوع و السجود-و بقي منتظرا،فان طال الانتظار بحيث يخرج به عن كونه مصليا بالنسبة إلى صلاته،قيل:تبطل،لأنّ ذلك يعدّ مبطلا.و يمكن ان يقال باستبعاد الفرض،فإن المصلي امامه محكوم بصحة صلاته مع هذا

ص: 421


1- راجع:المبسوط 1:157.
2- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:2، صحيح مسلم 3:1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147،السنن الكبرى 7:341.

التطويل،و اشتغاله بالأعمال لا يكون فارقا بينهما بحيث تصح صلاة أحدهما و تبطل في الآخر.هذا ان اشتغل المأموم بذكر أو تسبيح،و ان سكت اتجه البطلان.

و ان لم يطل الانتظار،فالأقرب الصحة إذ ليس فيه إلاّ انّه قرن فعله بفعل غيره،و لم يثبت كون ذلك قادحا في الصلاة.

و بعض العامة حكم ببطلان صلاته،لانه وقف صلاته على صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة،و فيه ما يشغل القلب و يسلب الخشوع، فيمنع منه (1).

و جوابه بمنع الشغل و السلب،و لو سلمنا فذلك نقص في ثواب الصلاة لا في حقيقتها،و إلاّ لبطلت صلاة من اشتغل قلبه و سلب خشوعه، و لم يقل به أحد.

فروع:
الأول:لو شك في نيّة الاقتداء،

قال في التذكرة:هو كالشك في أصل النيّة،فتبطل مع بقاء المحل،و لا يلتفت مع انتقاله (2).و يمكن بناؤه على ما قام إليه،فان لم يعلم شيئا بنى على الانفراد،لأصالة عدم نيّة الائتمام.

الثاني:لا فرق بين الجمعة و غيرها في اعتبار نيّة الائتمام،

بل الجمعة آكد،لوجوب الائتمام فيها.و تخيّل ان الجمعة لا تنعقد إلاّ جماعة فيستغني

ص: 422


1- المجموع 4:235.
2- تذكرة الفقهاء 1:174.

عن نيته فاسد،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«الاعمال بالنيّات» (1).

الثالث:يشترط القصد الى امام معيّن.

فلو كان بين يديه اثنان، و نوى الائتمام بأحدهما لا بعينه بطل،و كذا لو نوى الاقتداء بهما،لتعذر المتابعة أو تعسّرها.

و لو عيّن فأخطأ تعيينه،بطلت و ان كان الثاني أهلا للإمامة.

و لو نوى الاقتداء بالحاضر على انه زيد فبان عمرا،ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح،أو بالعكس فبطل،نظر.و نظيره ان يقول المطلّق لزوجة اسمها عمرة:هذه زينب طالق،أو يشير البائع إلى حمار فيقول:بعتك هذا الفرس.

الرابع:لا يشترط في صحة القدوة نيّة الإمام للإمامة و ان أمّ النساء،

لما روى أنس انّه رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلّي فصلى خلفه،ثم جاء آخر حتى صاروا رهطا،فلما أحسّ بهم النبي صلّى اللّه عليه و آله أوجز في صلاته،و قال:«انما فعلت هذا لكم» (2).

نعم،يستحب له نيّة الإمامة،ليقطع بنيل الثواب.فلو لم ينوها احتمل نيله،لتأدي شعار الجماعة بما وقع و ان لم ينوه،و الأقرب المنع للخبر.

و حينئذ لو اقتدي به و هو لا يشعر حتى فرغ من الصلاة،أمكن أن ينال الثواب،لانه لم يقع منه إهمال النيّة،و انما نالها الجماعة بسببه،فيبعد في

ص: 423


1- التهذيب 4:186 ح 519،مسند احمد 1:25،صحيح البخاري 1:2، صحيح مسلم 3:1515 ح 1907،سنن أبي داود 2:262 ح 2201،الجامع الصحيح 4:1079 ح 2147،السنن الكبرى 7:341.
2- السنن الكبرى 3:110.

كرم اللّه و فضله حرمانه.

أما الجمعة و الجماعة الواجبة،فالظاهر وجوب نيّة الإمامة فيها، لوجوب نيّة الواجب.

و لو نوى الإمامة بقوم فظهر غيرهم،لم يضر و نال ثواب الإمامة، لقصدها إجمالا.

الخامس:لو نوى الاقتداء بالمأموم لم يصح إجماعا،

للتنافي بين الإمامة و الائتمام.و لو ظنه إماما فبان مأموما فكذلك.و كذا لو جهل الحكم لم يعذر أيضا.

السادس:

لو نوى كل من الاثنين امامة صاحبه،صحّت صلاتهما و ان لم ينالا فضيلة الجماعة،لإتيانهما بما يجب عليهما.و هو مروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

و لو نوى كل منهما الائتمام بصاحبه بطلت،للرواية عنه عليه السّلام (2)و لانه لم يقرأ بنيّة الوجوب.

و لو شكا فيما أضمراه بطلت صلاتهما،قاله جماعة (3).

و فصّل الفاضل،فقطع بالبطلان إن كان في الأثناء،لأنّه لا يمكنهما المضي في الصلاة على الانفراد و لا على الاجتماع.و تردّد فيما إذا شكا بعد الفراغ،لانه شك بعد الانتقال،و من عدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة (4).

ص: 424


1- الكافي 3:375 ح 3،الفقيه 1:250 ح 1123،التهذيب 3:54 ح 186.
2- الكافي 3:375 ح 3،الفقيه 1:250 ح 1123،التهذيب 3:54 ح 186.
3- راجع:المبسوط 1:153،المعتبر 2:424.
4- تذكرة الفقهاء 1:174.

قلت:يمكن ان يقال:ان كان الشك في الأثناء و هو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة،فينوي الانفراد و صحت الصلاة،لأنه إن كان قد نوى الإمامة فهي نيّة الانفراد،و ان كان قد نوى الائتمام فالعدول عنه جائز.و ان كان بعد مضي محل القراءة،فإن علم انه قرأ بنيّة الوجوب،أو علم القراءة و لم يعلم نيّة الندب،انفراد أيضا،لحصول الواجب عليه.و ان علم ترك القراءة،أو القراءة بنيّة الندب،أمكن البطلان،للإخلال بالواجب.

و ينسحب البحث في الشك بعد التسليم،و يحتمل قويا البناء على ما قام إليه،فان لم يعلم ما قام اليه فهو منفرد كما سبق.

السابع:جوّز الشيخ-رحمه اللّه-عدول المنفرد الى الائتمام في أثناء

الصلاة،

محتجا بالإجماع و الاخبار،و أصالة صحة الاقتداء،و عدم المانع (1).

و منع منه بعض الأصحاب (2)لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من قوله:«إذا كبّر الامام فكبّروا» (3).و لان هذا كان في ابتداء الإسلام،فكان المسبوق يصلي ما فاته ثم يدخل مع الامام فنسخ (4).و لورود النقل بانّ المنفرد يقطع صلاته مع إمام الأصل أو مطلقا (5)أو ينقل الى النفل (6)فلو ساغ العدول لم يكن ذلك.

ص: 425


1- الخلاف 1:123 المسألة 15.
2- كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1:175،و قواعد الاحكام:46.
3- تقدم صدره في ص 324 الهامش 1.
4- مسند أحمد 5:246،سنن أبي داود 1:138 ح 506،السنن الكبرى 2: 296،3:93،تلخيص الحبير 4:421،الدر المنثور 1:176 في تفسير آية 183 من سورة البقرة،تفسير ابن كثير 1:220 في نفس الآية.
5- ادعاه في تذكرة الفقهاء 1:175.
6- الكافي 3:379 ح 3،380 ح 7،التهذيب 3:274 ح 792،51 ح 177.

و جوابه:ان الخبر مخصوص بمن لم يكن قد سبق منه التكبير، و يعارض بقوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ (1)و بالأخبار الباعثة على الاقتداء.و المنسوخ غير صورة النزاع.و قطع الصلاة ليحصّل كمال الفضيلة حينئذ.

و لا فرق بين ان يدخل معه في الركعة الاولى من صلاتهما أو في غيرها،و يراعي نظم صلاته،و يتابع الإمام في التشهد و القنوت على انهما ذكر إذا لم يكونا فرضه.فإذا قام الإمام إلى تمام صلاته و قد انتهت صلاة المأموم تخيّر بين التسليم،و بين انتظاره ذاكرا للّه تعالى ليسلّم معه،و هو أفضل.

الثامن:يجوز ان يصير المأموم اماما،

و ان ينقل المؤتمّ من إمام إلى آخر،و كلاهما في الاستخلاف،سواء كان لعذر الإمام،أو لانقطاع صلاته و بقاء صلاة المسبوقين،فيقتدي بعضهم ببعض.

التاسع:يجوز نقل النيّة من الائتمام الى الانفراد حيث لا تجب

الجماعة،

لما مر في صلاة ذات الرقاع.و لأن معاذا قرأ سورة البقرة فانفرد بعضهم،فقال له:نافقت،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له:«أ فتان أنت يا معاذ!مرتين،اقرأ سورة ذات البروج،و الليل إذا يغشى،و السماء و الطارق،و هل أتاك حديث الغاشية» (2).و قد روي عن الصادق عليه السّلام

ص: 426


1- سورة البقرة:40.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:104 ح 305،المصنف لعبد الرزاق 2:8 ح 2265، صحيح البخاري 1:179،صحيح مسلم 1:339 ح 465،سنن أبي داود 1:163 ح 599،شرح معاني الآثار 1:409،السنن الكبرى 3:86،باختلاف في أسماء السور.

و الرضا عليه السّلام التسليم قبل الامام لعذر (1).

فعلى هذا،لو نوى الانفراد قبل قراءة الإمام قرأ لنفسه.

و ان كان قد قرأ الإمام قيل:يجتزئ بقراءته ثم يركع (2).و لو كان في الأثناء اجتزأ بما مضى.و الاستئناف في الموضعين متجه،لأنّه في محل القراءة و قد نوى الانفراد.

العاشر:لو اقتدى بإمام فحضر آخر،فهل له العدول اليه؟

جوّزه الفاضل،بناء على جواز نيّة الانفراد،و على تجدّد الائتمام للمنفرد (3).

و يمكن المنع،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«انما جعل الإمام ليؤتم به،فلا تختلفوا عليه» (4)،و لأنّ نقل المنفرد لتحصيل فضيلة الجماعة و هي حاصلة هنا،فلا معنى للنقل.

و يمكن ان يفرق بين العدول إلى الأفضل و غيره.

نعم،لو استخلف امامه رجلا نقل اليه،و الوجه هنا تجديد نيّة النقل.

و ربما احتمل عدمه،لأن الخليفة نائبه فكأنّه المصلّي.

و على جواز النقل لا باستخلاف،هل يجوز دور النقل و تراميه؟فيه ما فيه،و يردّ هذا أيضا في الاستخلاف.

ص: 427


1- رواية الصادق عليه السّلام في التهذيب 3:55 ح 189. و رواية الرضا عليه السّلام في المعتبر 2:448،و تذكرة الفقهاء 1:175.و مثلها عن الامام الكاظم عليه السّلام في التهذيب 3:283 ح 842.
2- قاله العلاّمة في تذكرة الفقهاء 1:75،و نهاية الإحكام 2:128.
3- تذكرة الفقهاء 1:175.
4- صحيح البخاري 1:184،سنن الدارمي 1:287،مسند احمد 2:314، السنن الكبرى 3:79.
الشرط الثالث:العدد،

و اقلّه اثنان في غير الجمعة و العيدين، لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«الاثنان فما فوقهما جماعة» (1).

و سأل الحسين الصيقل الصادق عليه السّلام عن أقل ما تكون الجماعة،قال:

«رجل و امرأة» (2).

و في حديث الجهني عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«المؤمن وحده جماعة» (3)و المراد به إدراك فضيلة الجماعة عند تعذر الجماعة.

و تنعقد الجماعة بالصبي المميز،لان ابن عباس ائتم بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و كان إذ ذاك غير بالغ (4).و كذا بامرأة و صبي إن جوزنا الاقتداء به،و إلاّ امتنع.

و كلما كثر الجمع كان أفضل.

الشرط الرابع:اعتبار الموقف،و فيه مسائل:
الأولى:يجب ان لا يتقدم المأموم على الإمام في الابتداء و الاستدامة

عند علمائنا اجمع،فلو تقدم بطلت،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«انما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به» (5)و للتأسي به صلّى اللّه عليه و آله و بالأئمة بعده.

ص: 428


1- عيون اخبار الرضا عليه السّلام 2:61،سنن ابن ماجة 1:312 ح 972،سنن الدار قطني 1:280،المستدرك على الصحيحين 4:334،السنن الكبرى 3:69.
2- الفقيه 1:246 ح 1095،المقنع:35،التهذيب 3:26 ح 91.
3- الكافي 3:371 ح 2،الفقيه 1:246 ح 1096،التهذيب 3:265 ح 749.
4- صحيح البخاري 1:47،179،217،سنن أبي داود 1:166 ح 610،611، مسند احمد 1:341،343،347،سنن ابن ماجة 1:312 ح 973،سنن النسائي 2:87.
5- تقدم في ص 324 الهامش 1.

و تجوز مساواة المأموم للإمام في الموقف.

و أوجب ابن إدريس-في ظاهر كلامه-تقدم الامام بقليل،عملا بظاهر الخبر (1).

و يدفعه ظاهر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:«الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه» (2)و كذا في حسن زرارة عن الصادق عليه السّلام (3)و لو وجب التأخّر لذكره،و الاّ لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قال الفاضل-رحمه اللّه-:و لأنّه لو كان شرطا لما أمكن تصور اختلاف اثنين في الإمامة،لأن التقدم ان حصل فهو الامام و إلاّ بطلت الصلاة (4).

و يشكل بأنه لا اقتداء هنا حتى يتأخّر المأموم،و لأن تأخّر المأموم شرط في صحة صلاته لا في صحة صلاة الامام.

و المعتبر بالأعقاب.فلو تساوى العقبان،لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه.و لو تقدم بعقبه على الامام،لم ينفعه تأخّره عنه بأصابعه أو رأسه.

و للفاضل احتمال اشتراط التقدّم بالعقب و الأصابع معا (5)و هو أحوط.

الثانية حكم تباعد المأموم عن الامام

لا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما لم تجر به العادة.

و قال الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط:و متى ما بعد ما بينهما لم تصح صلاته،و ان علم بصلاة الامام.و حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا،

ص: 429


1- السرائر:60.
2- التهذيب 3:26 ح 89.
3- الكافي 3:371 ح 1،التهذيب 3:24 ح 82.
4- مختلف الشيعة:152.
5- تذكرة الفقهاء 1:170.

و حدّ قوم ذلك بثلاثمائة ذراع،و قالوا على هذا ان وقف و بينه و بين الإمام ثلاثمائة ذراع،ثم وقف آخر بينه و بين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع،ثم على هذا الحساب و التقدير بالغا ما بلغوا،صحت صلاتهم.

قالوا:و كذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد،ثم اتصلت بالأسواق و الدروب و الدور،بعد ان يشاهد بعضهم بعضا و يرى الأولون الإمام، صحت صلاة الكل.

و هذا قريب على مذهبنا أيضا (1).

فيمكن ان يشير الى جميع ما تقدم،فيكون رضي بالثلاثمائة.

و يمكن ان يشير بالقرب الى الفرض الأخير خاصة،فلا يكون راجعا في التقدير بثلاثمائة ذراع،و هو الأنسب بقوله:و حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا.

و قال أبو الصلاح-رحمه اللّه-و ابن زهرة-قدس اللّه روحه-:لا يجوز ان يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى (2)لحسن زرارة عن الباقر عليه السّلام قال:«إن صلّى قوم،و بينهم و بين الامام ما لا يتخطى،فليس ذلك الامام لهم بإمام.و أي صف كان اهله يصلون بصلاة الامام،و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى،ليس لهم تلك بصلاة» (3).

و حمل على الاستحباب،أو على ان المراد ب«ما لا يتخطى»الحائل.

ذكر ذلك في المختلف (4)،و فيه بعد،من ان الحائل لا يتعذّر بذلك،إذ9.

ص: 430


1- المبسوط 1:156.
2- الكافي في الفقه:144،الغنية:560.
3- الكافي 3:385 ح 4،الفقيه 1:253 ح 1144،التهذيب 3:52 ح 182.
4- مختلف الشيعة:159.

يمكن المشاهدة معه في حال القيام.

الثالثة حكم الحيلولة بين الامام و المأموم بما يمنع المشاهدة

لا تجوز الحيلولة بين الامام و المأموم بما يمنع المشاهدة، و كذا بين الصفوف عند علمائنا،لحسن زرارة عن الباقر عليه السّلام:«و ان كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة،و هذه المقاصير إنما أحدثها الجبارون،ليس لمن صلّى خلفها مقتديا صلاة» (1).

فروع:

الأول: لا يكون الشارع حائلا بين الصفوف،و لا النهر،و لا الحائط القصير المانع حالة الجلوس خاصة،و لا الشبابيك.

و المقصورة المانعة من الرؤية في جميع الأحوال مبطلة للائتمام.و لو ولجها الامام و شاهده الجناحان،أو انتهت مشاهدتهما الى من يشاهده، صح الائتمام و إلاّ فلا.اما الذين يقابلون الامام فصلاتهم صحيحة،لانتهاء مشاهدتهم اليه.

و منع أبو الصلاح و ابن زهرة من حيلولة النهر (2)لرواية زرارة السالفة، و قد بيّنا حملها على الاستحباب.

و لو كانت المقصورة مخرّمة صحت كالشباك.و يظهر من المبسوط و كلام أبي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك (3)لرواية زرارة،مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرّمة (4)،و لا فرق بينهما.

ص: 431


1- الكافي 3:385 ح 4،الفقيه 1:253 ح 1144،التهذيب 3:52 ح 182.
2- الكافي في الفقه:144،الغنية:560.
3- المبسوط 1:156،الكافي في الفقه:144.
4- المبسوط 1:156.

الثاني: تجوز الجماعة في السفينة الواحدة و السفن المتعددة،بشرط عدم التباعد المفرط و عدم الحائل،سواء كانت مشدودة بعضها ببعض أم لا،و كذا لو كان الامام على الشط و المأمومون في السفينة أو بالعكس، للأصل،و ما روي من جواز الصلاة في السفينة (1)،و قد سبق.

الثالث: لو صلّى في داره خلف إمام المسجد،و هو يشاهد الصفوف،صحت قدوته.و أطلق الشيخ ذلك،و الأولى تقييده بعدم البعد المفرط.

قال:و ان كان باب الدار بحذاء باب المسجد(أو باب المسجد عن يمينه أو عن يساره)و اتصلت الصفوف من المسجد الى داره،صحت صلاتهم.فان كان قدام هذا الصفّ في داره صفّ لم تصح صلاة من كان قدامه،و من صلى خلفهم صحت صلاتهم،سواء كان على الأرض أو في غرفة منها،لأنهم يشاهدون الصفّ المتصل بالإمام،و الصفّ الذي قدامه لا يشاهدون الصفّ المتصل بالإمام (2).

و قد روي ان أنسا كان يصلي في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الامام،و بينه و بين المسجد طريق (3).و فيه أيضا دلالة على انّ الشارع ليس بحائل.

فإن قلت:قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من كان بينه و بين الإمام حائل فليس مع الامام» (4).».

ص: 432


1- راجع:التهذيب 3:297 ح 902،الاستبصار 1:440 ح 1696.
2- المبسوط 1:156-157.و ما بين القوسين ليس في المصدر.
3- مسند ترتيب الشافعي 1:107 ح 317،السنن الكبرى 3:111.
4- المجموع 4:309،المبسوط(للسرخسي)1:193،تذكرة الفقهاء 1:173 و في الجميع:«طريق»بدل«حائل».

قلت:يحمل على العبد المفرط،أو على الكراهة.

الرابع: الحائل إنما يمنع إذا كان المأموم رجلا،أو خنثى على الأقرب لجواز الذكورية،أو أنثى بأنثى.اما لو اقتدت المرأة بالرجل و بينهما حائل فإنه جائز،لرواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،حيث قال له:و ان كان بينه و بينهنّ حائط أو طريق؟قال:«لا بأس» (1).

و قال ابن إدريس:و قد وردت رخصة للنساء ان يصلّين و بينهن و بين الإمام حائط،و الأول الأظهر و الأصح (2)و عنى به مساواتهنّ للرجال.

الخامس: تجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة و اتصال الصفوف،لقوله عليه السّلام:«لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا» (3).

الرابعة اشتراط كون موقف الامام مساويا لموقف المأموم أو أخفض منه

يشترط ان يكون موقف الامام مساويا لموقف المأموم أو اخفض منه،فلا يجوز العلو بما يعتدّ به،لما روي:ان عمارا-رضى عنه اللّه-تقدم للصلاة على دكان و الناس أسفل منه،فتقدم حذيفة-رضي عنه اللّه-فأخذ بيده حتى أنزله،فلما فرغ من صلاة قال له حذيفة:ألم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:

«إذا أمّ الرجل القوم،فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم»؟قال عمار:

فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي (4).

و روي أيضا:انّ حذيفة أمّ على دكان بالمدائن،فأخذ عبد اللّه بن مسعود بقميصه فجذبه،فلما فرغ من صلاته قال:ألم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك؟!قال:بلى،ذكرت حين جذبتني (5).

ص: 433


1- التهذيب 3:53 ح 183.
2- السرائر:61.
3- الكافي 3:386 ح 6،الفقيه 1:253 ح 1141،التهذيب 3:52 ح 180.
4- سنن أبي داود 1:163 ح 598،السنن الكبرى 3:109.
5- سنن أبي داود 1:163 ح 597،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:290. ح 2140،المستدرك على الصحيحين 1:210،السنن الكبرى 3:108.

و روى عمار الساباطي عن الصادق عليه السّلام في الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه،فقال:«إن كان الامام على شبه الدكان،أو على موضع أرفع من موضعهم،لم تجز صلاتهم» (1).

و قال الشيخ-في الخلاف-:يكره ان يكون الامام على مثل سطح، و دكان،و ما أشبه ذلك (2).

و قال ابن الجنيد:لا يكون الإمام أعلى بحيث لا يرى المأموم فعله، إلاّ ان يكون المأمومون أضرّاء،فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر،و فرض الأضرّاء الاقتداء بالسماع إذا صحّ لهم التوجه (3).

و قال المحقق-في المعتبر-:للشيخ قولان:

أحدهما:التحريم،ذكره في النهاية و المبسوط.

و الثاني:الكراهية،ذكره في الخلاف،لرواية سهل قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على المنبر فكبّر و كبّر الناس وراءه،ثم ركع و هو على المنبر،ثم رجع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر،ثم عاد حتى فرغ،ثم اقبل على الناس فقال:«ايها الناس فعلت كذا لتأتموا[بي] و لتعلموا صلاتي» (4).8.

ص: 434


1- الكافي 3:386 ح 9،الفقيه 1:253 ح 1146،التهذيب 3:53 ح 185.
2- الخلاف 1:124 المسألة 23.
3- مختلف الشيعة:160.
4- المعتبر 2:419. و راجع:المبسوط 1:156،النهاية:117،الخلاف 1:24 المسألة 23. و الرواية في:مسند احمد 5:339،صحيح مسلم 1:386 ح 544،السنن الكبرى 3:108.

و أجاب في المعتبر بمنع الرواية أولا،و بالحمل على علو لا يعتدّ به -كالمرقاة السفلى-ثانيا،و بجواز كونه من خواصه عليه السّلام ثالثا (1).

قال الفاضل:و لانّه لم يتم الصلاة على المنبر،فان سجوده و جلوسه انما كان على الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف،أو لأنه عليه السّلام علّمهم الصلاة و لم يقتدوا به (2).

و في المختلف حمل كلام الشيخ-رحمه اللّه-في الخلاف على انّه أراد بالكراهة التحريم (3)،و هو خلاف ما عقله عنه المحقق-رحمه اللّه-حتى انه تردّد فيه في غير المعتبر (4)لإمكان حمل روايات المنع على الكراهية.

فروع:

الأول: لو كان الإمام أسفل من المأموم.بالمعتد كان الاقتداء جائزا، سواء كان المأموم على سطح أم لا.و قد روى عمار:و ان كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس،و قال:«لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك، و الامام على الأرض،جاز ان يصلّي خلفه و يقتدي به» (5).

الثاني:لا تقدير للعلوّ الا بالعرف و في رواية عمار:و لو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر،فان كان أرضا مبسوطة و كان في موضع فيه ارتفاع،فقام الإمام في المرتفع و قام من خلفه أسفل منه إلاّ أنّهم في موضع5.

ص: 435


1- المعتبر 2:419.
2- تذكرة الفقهاء 1:173.
3- مختلف الشيعة:160.
4- شرائع الإسلام 1:123.
5- الكافي 3:386 ح 9،الفقيه 1:253 ح 1146،التهذيب 3:53 ح 185.

منحدر،فلا بأس (1).و هي تدل بمفهومها على انّ الزائد على شبر ممنوع، و اما الشبر فيبني على دخول الغاية في المغيا و عدمه.

و قدّره الفاضل بما لا يتخطى (2)و لعلّه أخذ من رواية زرارة السالفة؛ و لأنه قضية العرف.

الثالث:لو وقف الامام على الأعلى،بطلت صلاة المأموم الذي أسفل منه و لا تبطل صلاة الامام.و النهي عن قيامه في مكان أعلى لأجل صحة صلاة المأموم،لا لأجل صحة صلاة الإمام.

الخامسة:في سنّة الموقف،

و هي في صور.

إحداها:ان يقتدي الرجل بالرجل، فيستحب قيامه عن يمينه،و يقدّم الامام بيسير،لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جذب ابن عباس من ورائه فأداره إلى يمينه و كان قد وقف على يساره (3)،و لروايتي محمد بن مسلم و زرارة السابقتين (4).

و ثانيتها:ان تقتدي المرأة بالمرأة، فتقف أيضا موقف الرجل بالرجل.

و ثالثتها:ان تقتدي المرأة بالرجل، فتقف خلفه،فلو وقفت عن جانبيه بنى على المحاذاة،و قد سبقت.

و رابعتها:ان يقتدي الخنثى بالرجل، و الأولى وقوفه خلفه،لجواز

ص: 436


1- الكافي 3:386 ح 9،الفقيه 1:253 ح 1146،التهذيب 3:53 ح 185.
2- تذكرة الفقهاء 1:173،النهاية الاحكام 2:124.
3- المصنف لعبد الرزاق 3:36 ح 4706،مسند احمد 1:252،سنن الدارمي 1: 286،صحيح البخاري 1:179،صحيح مسلم 1:528 ح 763،سنن أبي داود 2:45 ح 1357،سنن النسائي 2:87،مسند أبي يعلى 4:35 ح 2465.
4- تقدمتا في ص 429 الهامش 5،6.

الأنوثة.

و خامستها:ان يقتدي الرجال بالرجل، و الأفضل صلاتهم خلفه بأجمعهم،و هو منصوص عنهم عليهم السّلام (1).

و كونه في وسط الصف،فلو صلّى لا في وسطه جاز،و قد روى من فعل بعضهم عليهم السّلام (2)،و لعلّه للضرورة لأنّ الإمام لا يترك الأفضل.هذا في غير العراة،و اما العراة فلا يبرز عنهم إلاّ بركبتيه.

و يستحب اختصاص أهل الفضل بالصف الأول،ثم الثاني بمن دونهم،و هكذا،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ليليني أولو الأحلام،ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (3)ثم الصبيان،ثم النساء.

و عن الباقر عليه السّلام:«ليكن الذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم و النهي،فان نسي الإمام أو تعايا قوّموه،و أفضل الصفوف أولها،و أفضل أولها ما دنا من الامام» (4).

و قد روى الكليني في خبر مرفوع:انّ الصادق عليه السّلام صلّى إلى زاوية و القوم كلهم عن أحد جانبيه (5).

و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول،لما روي ان الرحمة تنتقل من الامام إليهم،ثم الى يسار الصف،ثم إلى الباقي (6)،و الأفضل للأفضل.2.

ص: 437


1- التهذيب 3:26 ح 89.
2- الكافي 3:386 ح 8،التهذيب 3:53 ح 184.
3- سنن الدارمي 1:290،صحيح مسلم 1:323 ح 432،سنن أبي داود 1:180 ح 674،الجامع الصحيح 1:440 ح 228،سنن النسائي 2:87،السنن الكبرى 3:97.
4- الكافي 3:372 ح 7،التهذيب 3:265 ح 751.
5- الكافي 3:386 ح 8،التهذيب 3:53 ح 184،و فيهما:(كلهم عن يمينه).
6- نقلها في مسالك الأفهام 1:312.

و سادستها:ان تقتدي النساء بالمرأة، فيقمن صفا.و لو احتيج الى صفوف فعل،و تقف التي تؤم بهنّ وسط الصف الأول غير بارزة.و روى عبد اللّه بن بكير مرسلا عن الصادق عليه السّلام في الرجل يؤمّ بالمرأة،قال:

«نعم،تكون خلفه»،و في المرأة تؤمّ النساء،قال:«نعم،تقوم وسطا بينهنّ و لا تتقدّمهن» (1).

و سابعتها:ان يقتدي الصبيان بالصبي، و حكمهم حكم الرجال في جميع ما ذكر.

و ثامنتها:ان يقتدي أصناف بالرجل -كالأحرار،و العبيد،و الرجال، و النساء،و الخناثى،و الصبيان-فيقف الأحرار من كل صنف امام العبيد من ذلك الصنف،و الرجال أمام الصبيان،و الصبيان أمام الخناثى،و الخناثى أمام النساء.

و قال ابن الجنيد-رحمه اللّه-:يقوم الرجال أولا،ثم الخصيان،ثم الخناثى،ثم الصبيان ثم النساء،ثم الصبيات.و يقدم الأحرار على العبيد و الإماء،و الاشراف على غيرهم،و العلماء من الاشراف على من لا علم له.

و الأحق بقرب الامام من يصلح للنيابة عند احتياج الامام إليها.

فالخلاف بينه و بين الشيخ في تقديم الصبيان على الخناثى (2)،فالشيخ نظر الى تحقق الذكورية في الصبيان،و نظر ابن الجنيد الى تحقق الوجوب في الخناثى دون الصبيان،و هو حسن،و اختاره ابن إدريس و الفاضل (3).

و الأفضل وقوف الإمام في وسط الصف.8.

ص: 438


1- التهذيب 3:31 ح 112،الاستبصار 1:436 ح 1645.
2- المبسوط 1:155.
3- السرائر:60،مختلف الشيعة:158.

و يكره تمكين الصبيان من الصف الأول،و وقوف المأموم وحده اختيارا،لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا تكونن في العثكل.قلت:و ما العثكل؟قال:ان تصلي خلف الصفوف وحدك،فان لم يمكن الدخول في الصف و قام حذاء الإمام أجزأه،فإن هو عاند الصف فسد عليه صلاته» (1).

و قال ابن الجنيد:إن أمكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره،لم يجز قيامه وحده.

و قال:إن دخل رجل الى المسجد،فلم ير في الصفوف موضعا يقف فيه،أجزأه ان يقوم وحده محاذيا مقامه و لو كان نائبا للإمام،و ان خالف ذلك الموضع لم تجز صلاته إذا ترك ما على المنفرد أن يأتي به.

و يدفع قوله صحيح أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام في الرجل يقوم في الصف وحده،فقال:«لا بأس،إنما يبدو واحد بعد واحد» (2).

فان احتج بما روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة (3)،و برواية السكوني المذكورة.

قلنا:الخبر من طرق العامة،و لو سلم حمل على الاستحباب.4.

ص: 439


1- التهذيب 3:282 ح 838 و فيه:«العيكل»في الموضعين. قال المجلسي في بحار الأنوار 88:117:لم أر العيكل بهذا المعنى في كتب اللغة،و في بعض النسخ بالثاء المثلثة و هو كذلك ليس له معنى مناسب..و لا يبعد ان يكون«الفسكل»بالفاء و السين المهملة،و هو بالضم و الكسر:الفرس الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل.
2- علل الشرائع:361،التهذيب 3:280 ح 828.
3- مسند احمد 4:228،سنن أبي داود 1:182 ح 682،الجامع الصحيح 1: 445 ح 230،السنن الكبرى 3:104.

و يعارضهما ما روي ان أبا بكرة جاء و النبي صلّى اللّه عليه و آله راكع،فركع دون الصف ثم مشى الى الصف،فلما قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«أيكم ركع دون الصف ثم مشى الى الصف؟».

فقال أبو بكرة:أنا.فقال:«زادك اللّه حرصا و لا تعد» (1)،أي:لا تعد إلى التأخير أو نهي كراهة عن فعل مثل هذا،لانه لم يأمره بإعادة الصلاة.

فروع:

الأول: لا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم تكن نساء،و كذا مع تعذر المكان على الرجل الواحد.

الثاني: لو وجد فرجة في صف،فله السعي إليها و ان كانت في غير الصف الأخير،و لا كراهة هنا في اختراق الصفوف،لأنهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة.نعم،لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى.

الثالث: لو لم يجد فرجة فوقف وحده،لم يستحب له جذب رجل ليصلي معه،لما فيه من حرمانه الفضيلة بالتقدم،و احداث الخلل في الصف.و لو جذبه لم يستحب إجابته.

الرابع: لو تقدّم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا على الامام،فالظاهر انه يصير منفردا،لإخلاله بالشرط.و يحتمل ان يراعى باستمراره أو عوده الى موقفه،فان عاد أعاد نيّة الاقتداء.

و لو تقدم غلطا أو سهوا،ثم عاد الى موقفه.فالظاهر بقاء القدوة، للحرج.و لو جدّد نيّة الاقتداء هنا كان حسنا.و كذا الحكم لو تقدمت سفينة6.

ص: 440


1- صحيح البخاري 1:199،سنن أبي داود 1:182 ح 684،سنن النسائي 2: 118،السنن الكبرى 3:106.

المأموم على سفينة الإمام،فلو استصحب نيّة الائتمام بعد التقدّم بطلت صلاته.و قال الشيخ-في الخلاف-:لا تبطل،لعدم الدليل (1).

الخامس:كل ما ذكرناه في سنّة الموقف، فإنّه لا يبطل الائتمام بتركه،و ان نقص الفضل.

السادس: لو قام الواحد عن يمين الامام فدخل آخر،فان لم يكن الأول قد أحرم تأخّر و وقفا معا خلف الامام،و كذا لو كان قد أحرم إذا لم يكن مؤديا إلى فعل كثير.

و لو قدّم الامام ثم تحاذيا جاز،و ان كان تأخر الأول و تحاذيهما أفضل،إلاّ ان يكون لا موقف من ورائهما،فيتقدم الإمام إذا كان امامه موقف.

و روى عمار عن الصادق عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يدرك الامام و هو قاعد يتشهد،و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه،قال:لا يتقدّم الامام و لا يتأخّر الرجل،و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الامام قام الرجل فأتمّ الصلاة» (2).

و يجوز الوقوف بحذاء الإمام إذا لم يجد موضعا،رواه سعيد الأعرج عن الصادق عليه السّلام (3).

السابع:يستحب اقامة الصفوف استحبابا مؤكدا.

قال ابن بابويه:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أقيموا صفوفكم،فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي،و لا تخالفوا فيخالف اللّه بين6.

ص: 441


1- الخلاف 1:124 المسألة 29.
2- الكافي 3:386 ح 7،التهذيب 3:272 ح 788.
3- الكافي 3:285 ح 3،التهذيب 3:272 ح 786.

قلوبكم» (1).

و روى الشيخ بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«سدّوا بين صفوفكم،و حاذوا بين مناكبكم،لا يستحوذ عليكم الشيطان» (2).

و روي في صحاح العامة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسوّي صفوفنا كأنما يسوّي القداح (3)،و قال:«أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري» (4).

و قال:«سووا صفوفكم،فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة» (5).

و كان يمسح مناكبهم في الصلاة و يقول:«استووا،و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (6).

الثامن:يستحب لمن وجد خللا في صف ان يسعى. روى العامة -في الحسان-عنه صلّى اللّه عليه و آله:«انّ اللّه و ملائكته يصلّون على الذين يلون الصفوف الأول،و ما من خطوة أحب الى اللّه من خطوة يمشيها يصل بها صفا» (7)و نحوه ما يأتي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (8).

التاسع:يستحب للإمام أمرهم بتسوية الصفوف، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آلهة.

ص: 442


1- الفقيه 1:252 ح 1139،المقنع:34،بصائر الدرجات:440.
2- التهذيب 3:283 ح 839.
3- صحيح مسلم 1:324 ح 436،سنن أبي داود 1:178 ح 663،مصابيح السنة 1:397 ح 774،سنن النسائي 2:89.
4- صحيح البخاري 1:184،السنن الكبرى 3:100.
5- مسند احمد 3:274،سنن الدارمي 1:289،صحيح مسلم 1:334 ح 433، سنن ابن ماجة 1:317 ح 993،سنن أبي داود 1:179 ح 668،مسند أبي يعلى 5:354 ح 2997.
6- المصنف لعبد الرزاق 2:45 ح 2430،صحيح مسلم 1:323 ح 432،سنن أبي داود 1:178 ح 663،السنن الكبرى 3:97.
7- سنن أبي داود 1:149 ح 543،مصابيح السنة 1:400 ح 784.
8- يأتي في الفروغ الآتية.

روي انه كان يقول عن يمينه:«اعتدلوا سووا صفوفكم»و عن يساره:

«اعتدلوا سووا صفوفكم» (1).اما استحباب التفات الامام عن اليمين و اليسار،لا بهذا الاعتبار،فليس بمستحب عندنا.

العاشر:يستحب تقارب الصفوف، فلا يزيد ما بينها على مسقط الجسد إذا سجد،رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (2).

و قدّر أيضا بمربض عنز،ذكره في المبسوط (3).

الحادي عشر:يجوز التأخّر إلى صف فيه فرجة إذا وجد ضيقا في صفه، لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أتمّوا الصفوف إذا رأيتم خللا،و لا يضرّك ان تتأخر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف الأول إلى الصف الذي خلفك و تمشي منحرفا» (4).

و روى التقدّم و التأخّر أيضا علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (5).

و في رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام:«ينبغي للصفوف ان تكون تامة متواصلة بعضها الى بعض» (6).

و في رواية محمد بن مسلم،قال:قلت له:الرجل يتأخّر و هو في الصلاة،قال:«لا».قلت:فيتقدّم.قال:«نعم،ماشيا إلى القبلة» (7)و يحمل على عدم الحاجة الى ذلك فيكره.7.

ص: 443


1- سنن أبي داود 1:179 ح 670.
2- الفقيه 1:253 ح 1143.
3- المبسوط 1:159.
4- الفقيه 1:253 ح 1142،التهذيب 3:280 ح 826.
5- التهذيب 3:275 ح 799.
6- الفقيه 1:253 ح 1143.
7- التهذيب 3:272 ح 787.
الشرط الخامس:توافق نظم الصلاتين في الافعال لا في عدد

الركعات،

فلا يقتدى في اليومية بالكسوف و لا بالجنازة و العيد، و لا بالعكس،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«انما جعل الإمام إماما ليؤتم به»الخبر (1)و هو غير حاصل مع الاختلاف.

و لا يشترط توافق الصلاتين نوعا و لا صنفا،فيجوز اقتداء المفترض بالمتنفل و بالعكس،و بالظهر في العصر و المغرب و الصبح و بالعكس،و قد سبق.و روى حماد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام في رجل أمّ قوما فصلّى العصر و هي لهم ظهر،فقال:«أجزأت عنه و عنهم» (2).

فلو اقتدى مصلّي الظهر بمصلي المغرب،فانتهى الإمام إلى التسليم، أتمّ المأموم و له الانفراد عقيب السجدة الأخيرة،و الأول أفضل.

و لو اقتدى مصلّي الصبح بمصلّي الظهر،فحكمه ما مرّ في اقتداء المسافر بالحاضر،فيتخيّر عند انتهاء صلاته بين التسليم و الانتظار ليسلّم الامام،و هو الأفضل.

و لو اقتدى في المغرب بالظهر،فإذا قام الإمام إلى الرابعة لم يتابعه، بل يجلس للتشهد و التسليم،و الأقرب استحباب انتظاره كما قلناه في الصبح و صلاة المسافر.

لا يقال:انه أحدث تشهدا مانعا من الاقتداء،بخلاف مصلّي الصبح.

ص: 444


1- صحيح البخاري 1:184،177،صحيح مسلم 1:308 ح 411،309 ح 412،414،سنن أبي داود 1:164 ح 601،603،165 ح 605،سنن النسائي 2:83،142،سنن الترمذي 2:194 ح 361،سنن ابن ماجة 1:392 ح 1237،1238،393 ح 1239.و يوجد في غيرها من المصادر.
2- التهذيب 3:49 ح 172،الاستبصار 1:439 ح 1691.

مع الظهر،فإنه تشهّد مع الإمام.

لأنا نقول:لا نسلم ان ذلك مانع من الاقتداء،و ما هو إلاّ كتأخّر المأموم عن الإمام في تشهّده إذا كان مسبوقا.

و يجوز الاقتداء في القضاء بالأداء و بالعكس،كما يجوز في الأداء بالأداء و في القضاء بالقضاء.

الشرط السادس:المتابعة للإمام،و فيه مسائل:
الأولى:يجب كون أفعال المأموم غير متقدمة على أفعال الإمام

إجماعا.

فلو تحرّم قبله بطلت القدوة.و لو تحرّم معه ففيه قولان،أصحهما المنع.

و لو ركع قبله،فان كان لم يفرغ الإمام من القراءة،و تعمّد المأموم الركوع و لما يقرأ،أو قرأ و قلنا بعدم اجتزائه بها إذ الندب لا يجزئ عن الفرض،بطلت الصلاة.

و ان كان بعد قراءة الإمام أثم،و في بطلان الصلاة قولان:

ففي المبسوط:من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته (1).و لعلّه للنهي عن المفارقة الدال على الفساد،و لكن يمكن ان يقال:صار منفردا، لأنّ المفارقة المنهي عنها ما دام مؤتما.

و قال المتأخرون:لا تبطل الصلاة و الا الاقتداء و ان أثم،لقضية الأصل (2).و حينئذ يستمر حتى يلحقه الامام،فلو عاد الى الركوع بطلت،

ص: 445


1- المبسوط 1:157.
2- لم نعثر عليه إلاّ في المهذب البارع 1:472-473 لابن فهد الحلّي.

و كذا في السجود لو سجد قبله،و كذا في الرفع منهما.

اما لو فعل ذلك سهوا لم يأثم و يعود مع الإمام،لرواية محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام فيمن رفع رأسه قبل الامام،قال:«يعيد ركوعه» (1).

و عن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السّلام في الرجل يرفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الإمام رأسه من السجود،قال:«فليسجد» (2).

و هاتان الروايتان و ان كانتا مطلقتين فإنهما تحملان على الناسي،إذ الزيادة عمدا مبطلة فلا يؤمر بالعود،و للجمع بين ذينك و بين رواية غياث عن الصادق عليه السّلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام،أ يرجع إذا أبطأ الإمام؟قال:«لا» (3).

فرع:

لو ترك الناسي الرجوع،ففي بطلان صلاته وجهان:

أحدهما:نعم،لان المعتدّ به انما هو الثاني و لم يأت به متعمّدا، فيبقى في العهدة.

و الثاني:لا،لأنّ الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزءا من الصلاة،و لانه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الإثم لا غير.

و في التذكرة لم يوجب بالعود على الناسي و ان كان جائزا (4).و روى5.

ص: 446


1- الفقيه 1:258 ح 1172،التهذيب 3:47 ح 163،الاستبصار 1:438 ح 1688.
2- الفقيه 1:258 ح 1173،التهذيب 3:48 ح 165.
3- الكافي 3:384 ح 14،التهذيب 3:47 ح 164،الاستبصار 1:438 ح 1689.
4- تذكرة الفقهاء 1:185.

الحسن بن علي بن فضال،قال:كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام:فيمن ركع لظنه ركوع الامام،فلما رآه لم يركع رفع رأسه،ثم أعاد الركوع مع الامام،فكتب:«يتم صلاته،و لا تفسد بما صنع صلاته» (1).

و يمكن ان يستدل-رحمه اللّه-بمفهوم هذا الخبر.

الثانية حكم ما لو اضطر إلى الصلاة مع غير المقتدى به

لو اضطر إلى الصلاة مع غير المقتدى به تابعه ظاهرا و لا ينوي الاقتداء،و لا عبرة هنا بالتقدّم و التأخّر،وقع عمدا أو سهوا.

و يقرأ لنفسه و لو سرا في الجهرية،لقول الصادق عليه السّلام:«يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس» (2).

و تجزئه الفاتحة وحدها مع تعذّر السورة،و لو ركع الامام قبل قراءته قرأ في ركوعه،و لو بقي عليه شيء فلا بأس.و روى أبو بصير عن الباقر عليه السّلام:«ان فرغ قبلك فاقطع القراءة و اركع معه» (3)و سأله عن الائتمام بمن لا يقتدى به.

و لو اضطر الى القيام قبل تشهده قام و تشهد قائما.

و جوّز في التهذيب ترك القراءة الضرورة هنا،لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام،انه قال له:«ادخل معهم في الركعة و اعتدّ بها، فإنها من أفضل ركعاتك».قال:فسمعت أذان المغرب فقمت مبادرا، فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول صف أدركت و اعتددت بها،ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات ثم انصرفت،و إذا خمسة أو ستة من جيراني من المخزوميين و الأمويين قد قاموا اليّ،و قالوا:يا أبا هاشم جزاك

ص: 447


1- التهذيب 3:277 ح 811.
2- الكافي 3:315 ح 16،التهذيب 2:97 ح 366،الاستبصار 1:321 ح 1197.
3- التهذيب 3:275 ح 801.

اللّه عن نفسك خيرا،فقد و اللّه رأينا خلاف ما ظننا بك و ما قيل فيك، تبعناك حين قمت إلى الصلاة و نحن نرى انك لا تقتدي بالصلاة معنا،فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا،فرضي اللّه عنك و جزاك خيرا.فقلت لهم:سبحان اللّه المثلي يقال هذا!!» (1).

الثالثة:للمأموم أحوال:

إحداهما:ان يدرك الامام قبل ركوعه، فيحتسب بتلك الركعة إجماعا، سواء أدرك تكبيرة الركوع أو لا.

الحالة الثانية:ان يدركه حال ركوعه، فيركع قبل رفع الامام، و الأصح إدراك الركعة كما قاله المرتضى (2)و ابن الجنيد (3)و ابن إدريس (4)و المتأخرون (5)لصحيح سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام:في الرجل إذا إدراك الامام و هو راكع فيكبر الرجل و هو مقيم صلبه،ثم يركع قبل أن يرفع الإمام رأسه،فقد أدرك الركعة (6)،و نحوه حسن الحلبي عنه عليه السّلام (7).

و قال الشيخ و تلميذه ابن البراج:إذا لم يلحق تكبيرة الركوع فقد فاتته الركعة (8)لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام،قال:قال لي:«إذا لم

ص: 448


1- التهذيب 3:37 و الحديث فيه برقم 133،و في الاستبصار 1:431 ح 1666.
2- جمل العلم و العمل 3:41.
3- مختلف الشيعة:158.
4- السرائر:61.
5- راجع المعتبر 2:443،شرائع الإسلام 1:125،مختلف الشيعة:158.
6- الكافي 3:382 ح 6،التهذيب 3:43 ح 152،271 ح 781،الاستبصار 1: 435 ح 1679.
7- الكافي 3:382 ح 5،الفقيه 1:254 ح 1149،التهذيب 3:43 ح 153، الاستبصار 1:435 ح 1680.
8- التهذيب 3:43،المهذب 1:82.

يدرك القوم قبل أن يكبر الإمام الركعة (1)،فلا يدخل معهم في تلك الركعة» (2).و في عبارة أخرى له عنه:«لا يعتد بالركعة التي لم يشهد تكبيرها مع الامام» (3).

و أجيب بأن التكبير يعبّر به عن نفس الركوع،فتتفق الاخبار.

الحالة الثالثة:ان يدركه بعد ركوعه قبل السجدتين، فيستحب التكبير و الدخول معه في السجدتين.

و هل يحتاج الى استئناف النيّة بعد ذلك؟ قال الشيخ (4):لا لأنّ زيادة الركن مغتفرة في متابعة الامام.

و قال الفضلان:نعم،لأنها زيادة عمدا (5)،و لا فرق هنا بين ان يكون ذلك في السجدتين من الركعة الأخيرة أو باقي الركعات.

و الذي في رواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام:«إذا سبقك الإمام بركعة،فأدركته و قد رفع رأسه،فاسجد معه و لا تعتدّ بها» (6).فهذا يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة،و ان كانت النية صحيحة.و يحتمل عدم الاعتداد بهما و لا بالصلاة.

و عبارة المبسوط كالرواية (7).9.

ص: 449


1- في المصدرين:«للركعة».
2- التهذيب 3:43 ح 149،الاستبصار 1:434 ح 1676.و فيهما باختلاف في الضمائر.
3- التهذيب 3:43 ح 150،الاستبصار 1:435 ح 1677.
4- المبسوط 1:159.
5- المعتبر 2:447،تذكرة الفقهاء 1:182،نهاية الإحكام 2:132.
6- التهذيب 3:48 ح 166.
7- المبسوط 1:159.

الحالة الرابعة:ان يدركه و قد سجد واحدة، فيكبر و يسجد معه الأخرى،و في الاعتداد بها الوجهان.

و روى محمد بن مسلم:متى يكون مدرك الصلاة مع الامام؟ قال:«إذا أدرك الامام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته،فهو مدرك لفضل الصلاة مع الامام» (1).و هنا أولى بالاعتداد،لان المزيد ليس ركنا.

و الوجه الاستئناف كالأول،لأن الزيادة عمدا مبطلة و ان لم تكن ركنا.

الحالة الخامسة:ان يدركه بعد السجود، فيكبّر و يجلس معه:اما جلسة الاستراحة،أو جلسة التشهد الأول،أو التشهد الأخير.

و تجزئ هذه التكبيرة قطعا،فان كان قد بقي شيء من صلاة الإمام بنى عليه،و إلاّ نهض بعد تسليم الامام و أتمّ صلاته.

و ممّن روى الاجتزاء بذلك عمار (2)و لكن روى أيضا عن الصادق عليه السّلام في رجل أدرك الإمام جالسا بعد الركعتين،قال:«يفتتح الصلاة،و لا يقعد مع الامام حتى يقوم» (3).و الجمع بينهما بجواز الأمرين،و ان كان الأفضل الجلوس مع الامام حتى يسلم.

و روى ابن بابويه ان منصور بن حازم كان يقول:إذا أتيت الامام و هو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثم اجلس،و إذا قمت فكبّر (4).و في هذا إيماء الى عدم الاجتزاء بالتكبير،إلاّ أن يجعله تكبير القيام،و هو نادر.

و الظاهر انه يدرك فضل الجماعة إذا كان التأخير لا عمدا،لأنه مأمور4.

ص: 450


1- التهذيب 3:57 ح 197.
2- الكافي 3:386 ح 7،التهذيب 3:272 ح 788.
3- التهذيب 3:274 ح 793.
4- الفقيه 1:291 ح 1184.

به مندوب اليه،و ليس إلاّ لإدراك الفضيلة،و اما كونها كفضيلة من أدرك قبله فغير معلوم.

و قال ابن بابويه فيمن أدركه في السجدة الأخيرة أو في التشهد:أنه أدرك فضل الجماعة (1).

و قال ابن إدريس:يدرك فضيلة الجماعة بإدراك بعض التشهد (2)و ظاهره انه يدرك ذلك و ان لم يتحرّم بالصلاة.

المسألة الرابعة:كل ما يدركه المأموم فهو أول صلاته،

سواء كان أول صلاة الإمام أم لا.

قال المحقق:و هو مذهب علمائنا كافة،لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما أدركتم فصلّوا،و ما فاتكم فأتموا»،و لرواية زرارة عن الباقر عليه السّلام قال:«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل ما أدرك أول صلاته.ان أدرك من الظهر أو العصر ركعتين،قرأ فيما أدرك مع الامام مع نفسه أمّ الكتاب و سورة،فإذا سلم الامام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما،لأنّ الصلاة انما يقرأ فيها في الأوليين» (3).

و روى عبد الرحمن بن الحجاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

ص: 451


1- الفقيه 1:265.
2- السرائر:62.
3- المعتبر 2:446. و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في:صحيح البخاري 1:163،164،صحيح مسلم 1:420 ح 602،سنن ابن ماجة 1:255 ح 775،مسند أحمد 2:239،270،المصنف لابن أبي شيبة 2:358،السنن الكبرى 2:297.و رواية زرارة في الفقيه 1:256 ح 1162،التهذيب 3:45 ح 158،الاستبصار 1:436 ح 1683،باختصار في الألفاظ.

الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام،كيف يصنع إذا جلس الامام؟قال:«يتجافى و لا يتمكن من القعود.فإذا كانت الثالثة للإمام -و هي له ثانية-فليلبث قدر ما يتشهد،ثم يلحق بالإمام».و سألته عن الرجل يدرك مع الامام الركعتين الأخيرتين،قال:«اقرأ فيهما فإنّهما لك أوليان،و لا تجعل أول صلاتك آخرها» (1).

فان قلت:فقد روى ما يعارض ذلك،كرواية معاوية بن وهب عنه عليه السّلام:انه يقضي القراءة في آخر صلاته (2).

قلت:حملها الشيخ على قراءة الحمد في الأخيرتين،و لا يلزم منه قراءة السورة (3).

الخامسة:لو سبق المأموم بعد انعقاد صلاته،

أتى بما وجب عليه و التحق بالإمام،سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر،و قد مر مثله في الجمعة.

و لا تتحقق فوات القدوة بفوات ركن و لا أكثر عندنا.و في التذكرة توقّف في بطلان القدوة بالتأخر بركن (4)،و المروي بقاء القدوة،رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود:«يركع و يلحق به» (5).

السادسة:لو أحسّ الامام و هو راكع بداخل،

استحب له تطويل

ص: 452


1- الكافي 3:381 ح 1،التهذيب 3:46 ح 159،الاستبصار 1:437 ح 1684.
2- التهذيب 3:47 ح 162،274 ح 797،الاستبصار 1:438 ح 1687.
3- الهامش السابق.
4- تذكرة الفقهاء 1:185.
5- التهذيب 3:55 ح 188.

ركوعه بمقدار ركوعين،و نقل الشيخ فيه الإجماع (1)،و رواه جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام:«انتظر مثليّ ركوعك،فان انقطعوا و إلاّ فارفع رأسك» (2).

و قال في المبسوط:فإن أحسّ بداخل لم يلزمه التطويل ليلحق الداخل الركوع،و قد روي انه يطوّل ركوعه مقدار الركوع مرتين (3).فكانّ عنده توقفا في الرواية،و الوجه القطع باستحباب ذلك.

و قال ابن الجنيد:فان تنحنح بالإمام مريد الدخول في صلاته،انتظره بمقدار لبثه في ركوعه مرة ثانية،فان لحقه و إلاّ رفع رأسه (4).

فروع:

الأول:لو أحسّ في أثناء القراءة بداخل، لم يستحب له تطويل القراءة،لحصول الغرض بإدراكه في الركوع.

و لو قلنا باشتراط إدراك تكبير الركوع،فلا بأس بتطويل القراءة،بل يستحب.

و هل يكره تطويلها على القول بإدراكه راكعا؟.

قال الفاضل:لا يكره،لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:«اني أحيانا أكون في الصلاة،فافتتح السورة أريد ان أتمّها فأسمع بكاء صبي،فأتجوز في صلاتي مخافة أن تفتتن امه».فإذا جاز الاختصار رعاية لحق الطفل6.

ص: 453


1- الخلاف 1:121 المسألة 7.
2- التهذيب 3:48 ح 167.
3- المبسوط 1:153.
4- مختلف الشيعة:156.

جازت الزيادة رعاية لحق اللاحق (1).

و تتأكد زوال الكراهية بعلمه انه لا يلحق بتطويل الركوع،بل يستحب هنا تطويل القراءة.

الثاني:لا يستحب تطويل القراءة رجاء لمن عساه يدخل،لما فيه من الإضرار بالباقين،بل يكره.نعم،لو علم منهم الرضا بذلك لم يكره.

و يكره ان يفرّق بين من له قدر و بين غيره في الانتظار،لاستواء الجميع في المعونة على الفضيلة.

الثالث:لو أحسّ به بعد رفع رأسه من الركوع، فلا انتظار هنا إجماعا،لأنّ الغرض من الفضيلة تحصل له بما أدرك من الأفعال،إذ لا اقتداء حقيقي هنا.نعم،لو كان في التشهد الأخير استحب تطويله إذا توقّف إدراكه على التطويل،لتحصل له ثواب الجماعة.

الرابع:لو انتظر مثلي ركوعه لداخل، ثم دخل آخر،لم ينتظره خوفا من التطويل على المأمومين.

السابعة هل المشي راكعا لمن خاف فوت الاقتداء جائز؟

قد سبق جواز المشي راكعا لمن خاف فوت الاقتداء،و رواه الأصحاب أيضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السّلام (2).

و في رواية:«يجر رجليه و لا يرفعهما» (3).

ص: 454


1- تذكرة الفقهاء 1:182. و الحديث النبوي في:مسند احمد 3:109،صحيح البخاري 1:181،صحيح مسلم 1:343 ح 192،مسند أبي يعلى 5:441 ح 3144،مسند أبي عوانة 2: 88،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3:180 ح 1883،السنن الكبرى 3: 118.
2- الفقيه 1:257 ح 1166،التهذيب 3:44 ح 154،الاستبصار 1:436 ح 1681.
3- الفقيه 1:254 ح 1148،المقنع:36.

قال في المبسوط:و الأفضل السجود مكانه،ثم الالتحاق إذا قام (1).

و شرط ذلك ان لا يكثر المشي بحيث يخرج عن اسم المصلي،و ان يكون الموضع الذي يركع فيه مما يصحّ الاقتداء فيه،فلو تباعد أو سفل بالمعتد بطل الاقتداء.

و لو سجد الامام قبل انتهائه إلى الصف.و خاف فوت السجود بوصوله الى الصف،سجد مكانه قطعا ثم قام و التحق بالصف.و لو رفع رأسه من الركوع و مشى قائما جاز.و لو انّه سجد في غير الصف،ثم قام ليلتحق فركع الامام ثانيا،ركع مكانه و مشى في ركوعه أيضا.

الثامنة:لا يتحمل الامام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة

سوى القراءة.و في قراءة المأموم للأصحاب أقوال نحكيها بألفاظهم.

قال أبو جعفر بن بابويه-في المقنع-:و اعلم انّ على القوم في الركعتين الأوليين أن يستمعوا الى قراءة الامام،و إذا كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة سبّحوا،و عليهم في الركعتين الأخريين أن يسبحوا (2).و روى في من لا يحضره الفقيه عن زرارة و محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» (3).

و روى عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام:«إذا صليت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه،سمعت قراءته أو لم تسمع،إلاّ ان تكون صلاة يجهر فيها

ص: 455


1- المبسوط 1:155.
2- المقنع:36.
3- الفقيه 1:255 ح 1155،و أيضا في:المحاسن:79،الكافي 3:377 ح 6، ثواب الاعمال:274،التهذيب 3:269 ح 770.

بالقراءة فلم تسمع فاقرأ» (1).

قال:و في رواية عبيد بن زرارة عنه:«انه من سمع الهمهمة فلا يقرأ» (2).

و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«ان كنت خلف امام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين و أنصت لقراءته،و لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين» (3).

و روى بكر بن محمد عن الصادق عليه السّلام:«اني لأكره للمؤمن (4)ان يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنّه حمار».قلت:فيصنع ما ذا؟قال:«يسبّح» (5).

و قال المرتضى:لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأوليين في جميع الصلوات من ذوات الجهر و الإخفات،إلاّ ان تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام،فيقرأ كل واحد لنفسه.و هذه أشهر الروايات.و روي:انه لا يقرأ فيما جهر فيه الامام،و تلزمه القراءة فيما يخافت فيه الامام.و روي:انه بالخيار فيما خافت فيه.فأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبّح فيهما (6)(7).

و قال الشيخ في النهاية:إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأنّر.

ص: 456


1- الفقيه 1:255 ح 1156،و أيضا في:الكافي 3:377 ح 2،التهذيب 3:32 ح 115،الاستبصار 1:428 ح 1650.
2- الفقيه 1:256 ح 1157.
3- الفقيه 1:256 ح 1160،و أيضا في السرائر:45،480.
4- في م،ط:«لكم».
5- الفقيه 1:256 ح 1161،و أيضا في:قرب الاسناد:18،التهذيب 3:276 ح 806.
6- جمل العلم و العمل 3:40.
7- في ط زيادة:و روي انه ليس عليه ذلك،و هي موجودة في المصدر.

خلفه،جهرية أو إخفاتية،بل تسبح مع نفسك و تحمد اللّه.و ان كانت جهرية فأنصت للقراءة،فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت لنفسك،و ان سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك إلاّ تقرأ و أنت مخيّر في القراءة.و يستحب ان تقرأ الحمد و حدها فيما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها، و ان لم تقرأها فليس عليك شيء (1).و كذا في المبسوط معبرا بعبارة،و قال في آخرها:لأنّ قراءة الإمام مجزية عنه (2).

و قال ابن البراج:و متى أمّ من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر و قرأ،فلا يقرأ المأموم بل يسمع قراءته،و ان كان لا يسمع قراءته كان مخيّرا بين القراءة و تركها،و ان كانت صلاة إخفات استحب للمأموم ان يقرأ فاتحة الكتاب وحدها،و يجوز ان يسبح اللّه و يحمده (3).

و قال أبو الصلاح:و لا يقرأ خلفه في الأوليين من كل صلاة و لا في الغداة،الا ان يكون بحيث لا يسمع قراءته و لا صوته فيما يجهر فيه فيقرأ.

و هو في الأخيرتين من الرباعيات و ثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد و التسبيح،و القراءة أفضل (4).

و قال ابن حمزة-في الواسطة-:فالواجب أربعة أشياء:متابعة الإمام في أفعال الصلاة،و الإنصات لقراءته،و نية الاقتداء،و الوقوف خلفه أو عن أحد جانبيه.و إذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأوليين،فإن جهر الامام و سمع أنصت،و ان خفي عليه قرأ،و ان سمع مثل الهمهمة فهو مخيّر.[و]إن4.

ص: 457


1- النهاية:113.
2- المبسوط 1:158.
3- المهذب 1:79.
4- الكافي في الفقه:144.

خافت الامام سبّح في نفسه.و في الأخيرتين:ان قرأ كان أفضل،و ان لم يقرأ جاز،و إن سبح كان أفضل من السكوت (1).

و قال سلار-في قسم المندوب-:و لا يقرأ المأموم خلف الامام.

و روي ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب.و الأثبت الأول (2).

و قال ابن زهرة-رحمه اللّه-:و يلزم المؤتم ان يقتدي بالإمام عزما و فعلا، فلا يقرأ في الأوليين من كل صلاة و لا في الغداة،الا ان تكون صلاة جهر و هو لا يسمع قراءة الإمام.فأما الأخريان و ثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد (3).

و هذه العبارة،و عبارة أبي الصلاح،تعطي،وجوب القراءة أو التسبيح على المؤتم في الأخيرتين،و كأنهما أخذاه عن كلام المرتضى.

و قال ابن إدريس:اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به،فروي انّه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات و الصلوات،سواء كانت جهرية أو إخفاتية في أظهر الروايات،و الذي يقتضيه أصول المذهب انّ الامام ضامن للقراءة بلا خلاف.و روي انّه لا قراءة على المأموم في الأوليين في جميع الصلوات الجهرية و الإخفاتية،إلاّ أن[تكون]صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه.و روي انه ينصب فيما جهر فيه الإمام بالقراءة و لا يقرأ هو شيئا،و تلزمه القراءة فيما خافت؛و روي انه بالخيار فيما خافت فيه الإمام.فأما الركعتان الأخيرتان فقد روي انه لا قراءة8.

ص: 458


1- كتاب الواسطة لم يطبع،و تجد بعض هذا المعنى في الوسيلة:106.
2- المراسم:87.
3- الغنية:498.

فيهما و لا تسبيح.و روي انه يقرأ فيهما أو يسبّح.و الأول أظهر لما قدمناه (1).

و قال الشيخ نجم الدين بن سعيد:و تكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر،و في الجهرية لو سمع و لو همهمة،و لو لم يسمع قرأ.

و قال:تسقط القراءة عن المأموم،و عليه اتفاق العلماء.

و قال الشيخان:لا يجوز ان يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الامام و لو همهمة.و لعله استنادا إلى رواية يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«من رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه» (2).و في رواية الحلبي عنه عليه السّلام:

«إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه،(سمعت قراءته)،أو لم تسمع،الا ان تكون صلاة يجهر فيها و لم تسمع قرائته» (3).و الاولى ان يكون النهي على الكراهة،لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«إنما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه،فان سمعت فأنصت،و ان لم تسمع فاقرأ»و التعليل بالإنصات يؤذن بالاستحباب (4).

ثم قال:إذا لم تسمع في الجهرية و لا همهمة فالقراءة أفضل،و به9.

ص: 459


1- السرائر:61.
2- التهذيب 3:33 ح 118 و فيه«به»بدل«قراءته»،و الكلمتان ليستا في الاستبصار 1:428 ح 1653.
3- الكافي 3:377 ح 2،الفقيه 1:255 ح 1156،التهذيب 3:32 ح 115، الاستبصار 1:428 ح 1650 و في م،ط:«سمع قراءة»بدل«سمعت قراءته».
4- الكافي 3:377 ح 1،علل الشرائع:325،التهذيب 3:32 ح 114،الاستبصار 1:427 ح 1649.

روايات منها:رواية عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة عن أبي عبد للّه عليه السّلام،قال:

«إذا كنت خلف من ترتضي به في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ، و ان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (1).و يدلّ على انّ ذلك على الفضل لا على الوجوب رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يصلي خلف من يقتدي به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة،قال:«لا بأس ان صمت و ان قرأ» (2).

ثم قال:أطلق الشيخ-رحمه اللّه-استحباب قراءة الحمد في الإخفاتية للمأموم،و الأولى ترك القراءة في الأوليين،و في الأخيرتين روايتان:

إحداهما:رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين».

و الأخرى رواية أبي خديجة عنه عليه السّلام،قال:«إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرءون فاتحة الكتاب» (3).

و قال ابن عمه نجيب الدين-رحمه اللّه-:و لا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها،فان لم يسمع و سمع كالهمهمة أجزأه و جاز ان يقرأ.و ان كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه و حمد اللّه،و ندب الى قراءة الحمد فيما لا يجهر فيه (4).9.

ص: 460


1- الكافي 3:377 ح 4،التهذيب 3:33 ح 117،الاستبصار 1:428 ح 1652.
2- التهذيب 3:24 ح 122،الاستبصار 1:429 ح 1657.
3- المعتبر 2:420-421. و رواية ابن سنان الموجودة في التهذيب 3:35 ح 124،يختلف مضمونها عن المنقول هنا و يوافق ما سيأتي من نقل العلاّمة. و رواية أبي خديجة في:التهذيب 3:275 ح 800.
4- الجامع للشرائع:99.

و قال الفاضل الجليل الشيخ جمال الدين بن المطهر-رضى اللّه عنه و عنهم أجمعين-في المختلف:و لنورد هنا أجود ما بلغنا من الأحاديث و أوضحها طريقا.

روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح،و ذكر الرواية السالفة.

ثم قال:و في الحسن عن الحلبي،و ذكر الرواية السابقة.

ثم قال:و في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبّح في نفسك».

و في الحسن عن قتيبة عن الصادق عليه السّلام،و ذكر ما سبق.

و في الصحيح عن سليمان بن خالد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أ يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الامام و هو لا يعلم الذي يقرأ؟فقال:

«لا ينبغي له ان يقرأ،يكله الى الامام».

و في الصحيح عن علي بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن الأول عليه السّلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة و لا يسمع القراءة،قال:«لا بأس ان صمت و ان قرأ».

و في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ان كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة و كان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوليين».و قال:«يجزئك التسبيح في الأخيرتين».قلت:

أي شيء تقول أنت؟قال:«اقرأ فاتحة الكتاب».

و في الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم،قال:قال أبو جعفر عليه السّلام

ص: 461

«كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» (1)و قد تقدم.

قال:و الأقرب في الجمع بين الاخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع و لا همهمة لا الوجوب،و تحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام،و التخيير بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين و الإخفاتية (2).0.

ص: 462


1- مختلف الشيعة:157-158. و روايتي عبد الرحمن و الحلبي تقدمتا في ص 961 الهامش 4. و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في الكافي 3:377 ح 3،التهذيب 3:32 ح 116، الاستبصار 1:428 ح 1651. و رواية قتيبة تقدمت في ص 461 الهامش 1. و رواية سليمان بن خالد في التهذيب 3:33 ح 119،الاستبصار 1:428 ح 1654. و رواية علي بن يقطين تقدمت في ص 461 الهامش 1. و رواية ابن سنان في التهذيب 3:35 ح 124. و رواية زرارة و محمد بن مسلم في المحاسن:49،الكافي 3:377 ح 6،الفقيه 1:255 ح 1155،ثواب الاعمال:274،التهذيب 3:269 ح 770.
2- مختلف الشيعة:158. و روايتي عبد الرحمن و الحلبي تقدمتا في ص 460 الهامش 1-2. و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في الكافي 3:377 ح 3،التهذيب 3:32 ح 116، الاستبصار 1:428 ح 1651. و رواية قتيبة تقدمت في ص 962 الهامش 1. و رواية سليمان بن خالد في التهذيب 3:33 ح 119،الاستبصار 1:428 ح 1654. و رواية علي بن يقطين تقدمت في ص 461 الهامش 1. و رواية ابن سنان في التهذيب 3:35 ح 124. و رواية زرارة و محمد بن مسلم في المحاسن:49،الكافي 3:377 ح 6،الفقيه 1:255 ح 1155،ثواب الاعمال:274،التهذيب 3:269 ح 770.

و قال في التذكرة:لا تجب على المأموم القراءة،سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية،و سواء سمع قراءة الإمام أو لا،و لا تستحب في الجهرية مع السماع عند علمائنا اجمع (1).

ثم نقل عن الشيخين انه لا تجوز القراءة في الجهرية مع السماع و لو همهمة،ثم قال:و تحتمل الكراهة (2).

و قال:لو لم يسمع القراءة في الجهرية و لا همهمة فالأفضل القراءة (3).

ثم قال:لو كانت الصلاة سرا،قال الشيخ:يستحب قراءة الحمد خاصة (4).

و أحسن الأقوال ما ذكره في المعتبر.

و قد روى هشام بن سالم عن أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام،قال:

«إذا كنت إمام قوم،فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين،و على الذين خلفك ان يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر،و هم قيام.

فإذا كان في الركعتين الأخيرتين،فعلى الذين خلفك ان يقرءوا فاتحة الكتاب،و على الامام التسبيح بمثل ما سبح القوم في الركعتين الأخيرتين» (5).

و روى الحسين ابن بشير عن الصادق عليه السّلام و سأله عن القراءة خلف الامام،فقال:«لا،انّ الامام ضامن للقراءة» (6).ر.

ص: 463


1- تذكرة الفقهاء 1:184.
2- تذكرة الفقهاء 1:184.
3- تذكرة الفقهاء 1:184.
4- تذكرة الفقهاء 1:184.
5- التهذيب 3:275 ح 800.
6- الفقيه 1:247 ح 1104 عن الحسن بن كثير،التهذيب 3:279 ح 820 عن الحسين بن بشير.

فروع:

الأول:إذا لم يقرأ المأموم لم يستحب له الاستعاذة، لأنها من مقدمات القراءة.

و هل يستحب له دعاء الاستفتاح،اعني:دعاء التوجه؟الوجه ذلك، للعموم.نعم،لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه.

و قطع الفاضل بأنّه لا يستفتح إذا اشتغل به (1).

الثاني:لا تستحب القراءة في سكتتي الامام عندنا، لعدم ذكرها في الروايات و فتاوى الأصحاب،مع إطلاق الأمر بالقراءة أو النهي عنها.

الثالث: لو قرأ ففرغ قبله،استحب ان يبقي آية ليقرأها عند فراغ الامام،ليركع عن قراءة،لرواية زرارة عن الصادق عليه السّلام،قلت:أكون مع الإمام فأفرغ[من]القراءة قبله،قال:«أمسك آية،و مجّد اللّه تعالى و أثن، فإذا فرغ فاقرأ الآية» (2).و فيه دليل على استحباب التسبيح و التحميد في الأثناء،و دليل على جواز القراءة خلف الامام.

و كذا يستحب إبقاء آية لو قرأ خلف من لا يقتدي به.

الرابع:يستحب للإمام إسماع من خلفه القراءة في الجهرية، و جميع الأذكار في الإخفاتية و الجهرية،كما يستحب للمأموم الإخفات مطلقا،لقول5.

ص: 464


1- تذكرة الفقهاء 1:184.
2- المحاسن:326،الكافي 3:373 ح 1،التهذيب 3:38 ح 135.

الصادق عليه السّلام:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول» (1).0.

ص: 465


1- التهذيب 3:49 ح 170.
المطلب الثالث:في اللواحق
اشارة

و فيه مسائل:

الأولى حكم ما لو أحدث الإمام أو عرض له مانع

يجوز الاستخلاف-عند علمائنا اجمع-للإمام إذا أحدث أو عرض له مانع،للأصل،و لما روي عن علي عليه السّلام:«و من وجد أذى، فليأخذ بيد رجل فليقدمه» (1).و فيه دليل على انّ حق الاستخلاف هنا للإمام،فلو لم يفعل استناب المأمومون،لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام (2).

الثانية:يكره ان يستخلف المسبوق،لاحتياجه الى ان يستخلف من

يسلّم بهم.

و يستحب ان يكون ممن شهد الإقامة،لرواية معاوية بن شريح عن الصادق عليه السّلام،قال:«إذا أحدث الامام و هو في الصلاة،فلا ينبغي له ان يقدم إلاّ من شهد الإقامة» (3).

و يجوز تقديم من لم يعلم ما مضى من صلاتهم،فيسبّحون به عند خطئه،رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام (4).

الثالثة حكم ما لو جن الإمام أو أغمي عليه أو مات

لو جنّ الإمام أو أغمي عليه أو مات،فحق الاستخلاف للمأمومين،لرواية الحلبي عن الصادق عليه السّلام في رجل أمّ قوما بركعة ثم مات،قال:«يقدمون رجلا آخر و يعتدّون بالركعة» (5).

ص: 466


1- الكافي 3:366 ح 11،التهذيب 2:325 ح 1331.
2- الفقيه 1:262 ح 1196،التهذيب 3:283 ح 843.
3- التهذيب 3:42 ح 146،الاستبصار 1:434 ح 1674.
4- الكافي 3:384 ح 13،التهذيب 3:272 ح 784.
5- الكافي 3:383 ح 9،الفقيه 1:262 ح 1197،التهذيب 3:43 ح 148.
الرابعة حكم ما لو حضر الامام الصالح للإمامة و مكلّف في صلاته

لو حضر الامام الصالح للإمامة و مكلّف في صلاة،فإن كانت نفلا استحب قطعها ليفوز بأفضل منها،و ان كانت فريضة نقلها الى النفل ثم ائتمّ به ان لم يكن إمام الأصل،ليدرك الفضيلة،و لرواية سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام،قال:سألته عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن المؤذن،قال:«فليصل ركعتين،و يستأنف الصلاة مع الامام،و لتكن الركعتان تطوعا» (1).

و روى سماعة،قال:سألته عمن صلّى ركعة من فرضه فخرج الامام، فقال:«ان كان إماما عدلا فليصل اخرى و يجعلها تطوعا و يدخل مع الامام» (2).

و لو كان إمام الأصل استحب قطع الفريضة و استئناف الصلاة.

و توقّف فيه الفاضلان من حيث كمال المزية،و من عموم النهي عن قطع الصلاة (3).

و في المختلف جزم بعدم قطع الصلاة (4).

و يظهر من ابن إدريس عدم جواز النقل الى النفل،لأنه في معنى الابطال (5).

و في المبسوط:ان كانت فريضة كمل ركعتين و جعلهما نافلة و سلّم

ص: 467


1- الكافي 3:379 ح 3،التهذيب 3:274 ح 792.
2- الكافي 3:380 ح 7،التهذيب 3:51 ح 177.
3- المعتبر 2:445،الموجود في تذكرة الفقهاء 1:184،نهاية الإحكام 2: 159،إرشاد الأذهان 1:273،قواعد الأحكام 1:47 هو الجزم بقطع الفريضة، نعم استقرب عدم القطع في منتهى المطلب 1:383 كالمختلف.
4- مختلف الشيعة:159.
5- السرائر:63.

و دخل مع الإمام،فان لم يمكنه قطعها (1).و هو يشعر بجواز قطع الفريضة مع غير إمام الأصل إذا خاف الفوات،و هو عندي قوي،استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان،و لان العدول الى النفل قطع لها أيضا أو مستلزم لجوازه.

الخامسة جواز التسليم قبل الإمام في الجماعة المستحبة بنيّة الانفراد ان كان له عذر

يجوز في الجماعة المستحبة التسليم قبل الإمام بنيّة الانفراد ان كان له عذر،لما رواه أبو المغراء عن الصادق عليه السّلام في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الامام،قال:«ليس بذلك بأس» (2).و روى علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام في الرجل يكون خلف الامام فيطيل التشهد، فيأخذه البول أو يخاف على شيء ان يفوت أو يعرض له وجع،قال:يسلم و ينصرف (3).لأنّ الاقتداء غير واجب ابتداء فلا يجب استدامة.

و لو تعمّد السّلام قبله لا لعذر و لم ينو الانفراد،فالظاهر أنه يأثم و يجزئه.و لو كان له عذر و لم ينو الانفراد فكذلك،لانه انفراد بالفعل.

السادسة حكم ما لو صلّى أمّي بقارئ

قال الشيخ في المبسوط:لو صلّى أميّ بقارئ بطلت صلاة القارئ وحده،و صحت صلاة الأميّ.و لو صلّى بقارئ و أميّ بطلت صلاة القارئ وحده (4).

و استدرك الفاضل بأنه ينبغي التقييد بكون القاري غير صالح للإمامة، إذ لو كان صالحا لوجب على الأمي الاقتداء به،فإذا أخلّ بطلت صلاته و صلاة من خلفه (5).

ص: 468


1- المبسوط 1:156.
2- التهذيب 3:55 ح 189.
3- التهذيب 2:349 ح 1446.
4- المبسوط 1:154.
5- مختلف الشيعة:155.

و هذا بناء على وجوب الاقتداء،لانه يسقط وجوب القراءة لقيام قراءة الإمام مقامها،و ينبغي تقييده بأمرين:

أحدهما:سعة الوقت.فلو كان ضيقا لم يمكن فيه التعلم،فصلاته بالنسبة إليه صحيحة،فهي كسائر الصلوات التي لا يجب فيها الاقتداء مع إمكان الوجوب-كما قاله رحمه اللّه للعدول الى البدل عند تعذر المبدل.

الثاني:علم الأمي بالحكم.فلو جهله فالظاهر انه معذور،لان ذلك من دقائق الفقه الذي لا يكاد يدركه إلاّ من مارسه.

تم مع سعة الوقت و إمكان التعلم ينبغي بطلان صلاة الأمي على كل حال،لإخلاله بالواجب من التعلم،و اشتغاله بمنافيه.

و يتفرع على ذلك لو كان يعجز عن حرف،أو عن اعراب،فهل يجب عليه الائتمام؟فيه الكلام بعينه،إذ حكم الأبعاض حكم الجملة.

السابعة عدم جواز الاقتداء في النافلة

من مشاهير الفتاوى انه لا يجوز الاقتداء في النافلة،و قد سبق ذلك و ما استثنى منه،إلاّ ان في الروايات ما يتضمن جوازه،مثل:ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام،قال:«صل بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة،فإني أفعله» (1).و روى الحلبي عنه عليه السّلام:«تؤمّ المرأة النساء في النافلة» (2)و كذا في رواية سليمان بن خالد عنه عليه السّلام (3).

الثامنة حكم ما لو اضطر إلى الصلاة خلف المخالف

وردت رخصة بأنه إذا اضطر إلى الصلاة خلف المخالف يظهر المتابعة و لا يسجد السجود الحقيقي،و رواها عبيد بن زرارة عن أبي

ص: 469


1- التهذيب 3:267 ح 762.
2- التهذيب 3:268 ح 765،الاستبصار 1:427 ح 1647.
3- الكافي 3:376 ح 2،التهذيب 3:269 ح 768،الاستبصار 1:426 ح 1646.

عبد اللّه عليه السّلام،حيث قال عليه السّلام:«و اما أنا أصلي معهم و أريهم أني أسجد و ما اسجد» (1).

و روى ناصح المؤذن عنه عليه السّلام انه قال له عليه السّلام:اني أصلي في البيت و اخرج إليهم،قال:«اجعلها نافلة،و لا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة،فإن مفتاح الصلاة التكبير» (2).و تأويل هذا الحديث مشكل،لأنّ ظاهره انّ النافلة تنعقد بغير تكبير و هو غير معهود،و ان الصلاة تنعقد بالتكبير بحيث يتعيّن إتمامها و لم يقل به الأصحاب.

التاسعة جواز التشهد للمسبوق مع الامام

يجوز التشهد للمسبوق مع الامام،رواه إسحاق بن يزيد عنه عليه السّلام،حيث قال:أ فأتشهد كلما قعدت؟فقال:«نعم،انما التشهد بركة» (3).و نحوه رواه داود بن الحصين (4).

و قال في المبسوط:إذا جلس للتشهد الأخير جلس معه يحمد اللّه و يسبحه (5).

و قال أبو الصلاح:يجلس مستوفزا و لا يتشهد (6)و تبعه ابن زهرة (7)و ابن حمزة (8).

و الأفضل للإمام ان يلازم مقامه حتى يتمّ من اقتدى به الصلاة،رواه

ص: 470


1- التهذيب 3:269 ح 774.
2- التهذيب 3:270 ح 775.
3- الكافي 3:381 ح 3،التهذيب 3:270 ح 779.
4- التهذيب 3:56 ح 196.
5- المبسوط 1:159.
6- الكافي في الفقه:145.
7- الغنية:498.
8- الظاهر أنه في غير الوسيلة من كتبه المخطوطة،و انظر الحدائق 11:250.

إسماعيل بن عبد الخالق قال:سمعته يقول:«لا ينبغي للإمام ان يقوم إذا صلّى حتى يقضي كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة» (1)و لفظة«لا ينبغي» ظاهرة في الكراهية،و لرواية عمار عن الصادق عليه السّلام:جواز قيام الامام من موضعه قبل فراغ من دخل في صلاته (2).

فان قلت:في قوله:«يقضي كل من خلفه ما فاته»دليل على ان ما يدركه آخر صلاته لا أولها،كما يقوله بعض العامة (3)و يحتج بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«و ما فاتكم فاقضوا» (4).

قلت:لما دلت الأخبار الكثيرة على انّ ما يدركه هو أول الصلاة، وجب تأويل هذا بانّ المراد ب(القضاء):الإتيان،و المراد ب(ما فات) المماثل لما فات في العدد لا في نفس الفائت،اعني:القراءة بالفاتحة و السورة.

العاشرة:يستحب للإمام تخفيف الصلاة،

و الاقتصار على السور القصار،و التسبيح في الركوع و السجود ثلاثا لا أزيد.روى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام،قال:«ينبغي للإمام ان تكون صلاته على أضعف من خلفه» (5).

و لو أحسّ بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك.

ص: 471


1- التهذيب 3:49 ح 169،الاستبصار 1:439 ح 1692،و فيهما:«ما فاته».
2- التهذيب 3:273 ح 790.
3- المغني 2:260،الشرح الكبير 2:11،المبسوط(للسرخسي)1:190، المجموع 4:220،فتح العزيز 4:427،حلية العلماء 2:188.
4- مسند أحمد 2:238،270،318،سنن النسائي 2:114،المصنف لابن أبي شيبة 2:358،السنن الكبرى 2:297،مسند الحميدي 2:418 ح 935.
5- الفقيه 1:255 ح 1152،التهذيب 3:274 ح 795.

روى ابن سنان عن الصادق عليه السّلام،قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر و العصر،فخفف الصلاة في الركعتين،فلما انصرف قالوا:خففت في الركعتين الأخيرتين،فقال لهم:«اما سمعتم صراخ الصبي» (1).

و يستحب له القعود بعد التسليم هنيهة،رواه سيف بن عميرة عن أبي بكر عن الصادق عليه السّلام (2).

و يستحب ان يعمّم الامام دعاءه،لرواية سماعة عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«من صلّى بقوم،فاختص نفسه بالدعاء، فقد خانهم» (3).

الحادية عشرة حكم من يصلي بالناس و في وجهه أثر،و الصلاة مع النواصب بغير وضوء تقية

روى إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:«لا يصلي بالناس من في وجهه آثار» (4).و به افتى ابن بابويه في المقنع (5)و يمكن حملها على البرص أو الجذام لا على مطلق الآثار.

و روى شعبة بن صدقة،انه قيل للصادق عليه السّلام في الصلاة مع الناصبة بغير وضوء تقية لعدم إمهالهم للوضوء،فقال عليه السّلام:«اما يخاف من يصلي على غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا» (6).و قال ابن بابويه-في المقنع-:

«ما من عبد يصلّي في الوقت و يفرغ،ثم يأتيهم و يصلّي معهم و هو على وضوء،الا كتب اللّه له خمسا و عشرين درجة» (7)و الظاهر انه رواه.و يجمع

ص: 472


1- التهذيب 3:274 ح 796.
2- التهذيب 3:275 ح 802.
3- الفقيه 1:260 ح 1186،التهذيب 3:281 ح 831.
4- التهذيب 3:281 ح 833.
5- انظر المقنع:115(فيه:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا يؤمّ صاحب العلّة الأصحّاء).
6- الفقيه 1:251 ح 1128،و فيه مسعدة بن صدقة.
7- لم نعثر عليه في المقنع و رواه في الفقيه 1:265-1210.

بينهما بالاضطرار و الاختيار.

الثانية عشرة:وقت القيام إلى الصلاة

عند قول المؤذن:(قد قامت الصلاة)في المشهور،لان حفص بن سالم سأل الصادق عليه السّلام:إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة،أ يقوم الناس على أرجلهم أو يحتبسون حتى يجيء الامام؟قال:«لا بل يقومون،فان جاء امامهم و إلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم» (1).

و قال بعض الأصحاب:وقت القيام عند قوله:(حي على الصلاة)، لأنه دعاء إليها (2).قلنا:دعاء إلى الإقبال،(و قد قامت)دعاء الى القيام.

و في المبسوط:وقت القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذن من كمال الأذان،و كذلك وقت الإحرام بها وقت الفراغ منه على التمام (3)و عنى به الإقامة.و مثله قال في الخلاف (4).

الثالثة عشرة:يكره ان يصلى نافلة بعد الإقامة،

لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح.و منعه ابن حمزة (5)و في النهاية:لا يجوز (6)،و قد تحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة و كان ذلك يؤدي الى فواتها.

الرابعة عشرة هل أنّ الامام يضمن القراءة و الركوع و السجود؟

نقل ابن إدريس انّ من الأصحاب من يقول:ان الامام يضمن القراءة و الركوع و السجود (7)و مضمونه في رواية محمد بن سهل عن

ص: 473


1- الفقيه 1:252 ح 1137،التهذيب 2:285 ح 1143.
2- حكاه في مختلف الشيعة 1:160.
3- المبسوط 1:157.
4- الخلاف 1:564 المسألة 315،316.
5- الوسيلة:106.
6- النهاية:119.
7- السرائر:61.

الرضا عليه السّلام،قال:«الامام يحمل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الافتتاح» (1).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة ضمناء» (2).

و يعارضها غيرها من ان الامام ليس بضامن،رواها معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام (3).

الخامسة عشرة هل ينبّه المأموم الامام على الغلط و اللحن؟

يفتح المأموم على الإمام إذا ارتج عليه،و ينبّهه على الغلط و اللحن،فلو تركه لم تبطل الصلاة إذا لم يعلم انه تعمّده.

و المسبوق إذا جلس في تشهد الامام جلس متجافيا مستوفزا غير متمكن،و ذلك على سبيل الندب،و قال ابن بابويه:يجب (4).و يستحب له تخفيف تشهده في موضعه ثم يلحق بالإمام.

السادسة عشرة استحباب ان يتقدم الامام دخول المسجد و يتعمّم فيتحنك و يجهر بالقراءة و التكبير و القنوت و التشهّد

قال أبو الصلاح:و يلزم إمام الصلاة تقديم دخول المسجد ليقتدي به المؤتمون،و يتعمّم فيتحنك و يرتدي،و يجهر بالقراءة بحيث يجب الجهر،و يخافت.بحيث يجب الإخفات،و يجهر بالتكبير و القنوت و التشهد على كل حال،و يخفف من غير إخلال (5).

و الظاهر انه أراد باللزوم تأكيد الاستحباب،و يكون المراد بالجهر في القراءة زيادته بحيث يسمع المأمومون.

قال:و يلي اولى الأحلام العوام و الاعراب،و يلونهم العبيد،و يلونهم

ص: 474


1- الفقيه 1:264 ح 1205.
2- ترتيب مسند الشافعي 1:58 ح 174،المصنف لعبد الرزاق 1:477 ح 1839، السنن الكبرى 1:430.
3- التهذيب 3:277 ح 813.
4- الفقيه 1:263 ذيل الحديث 1198.
5- الكافي في الفقه:144.

الصبيان ثم النساء (1).

السابعة عشرة جواز الائتمام بمن يسمع أبويه الكلام المغضب لهما ما لم يكن عاقا قاطعا

روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام:جواز الائتمام بمن يسمع أبويه الكلام المغضب لهما ما لم يكن عاقا قاطعا (2).و يحمل ذلك على انه غير مصرّ،إذ الإصرار على الصغائر يلحقها بالكبائر ان جعلنا هذا صغيرة و تحريم ان يقول لهما أف (3)يؤذن بعظم حقهما،و بأنّ المتخطّي نهي اللّه تعالى فيهما على خطر عظيم.

الثامنة عشرة حكم من سبق الإمام بالافعال أو قارنه أو تابعه

قال ابن بابويه:من المأمومين من لا صلاة له،و هو الذي يسبق الإمام في ركوعه و سجوده و رفعه.

و منهم من له صلاة واحدة،و هو المقارن له في ذلك.

و منهم من له أربع و عشرون ركعة،و هو الذي يتبع الإمام في كل شيء،فيركع بعده،و يسجد بعده،و يرفع منهما بعده.

و منهم من له ثمان و أربعون ركعة،و هو الذي يجد في الصف الأول ضيقا فيتأخّر إلى الصف الثاني (4).

قال:و روى أيضا:«ان من صلّى في مسجد القبيلة كان له ثمان و أربعون ركعة».قال:و مسجد القبيلة هو مسجد بناه من لقي الإمام.

قال:و سألت شيخنا محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من

ص: 475


1- الكافي في الفقه:144.
2- الفقيه 1:248 ح 1114،التهذيب 3:30 ح 106.
3- المستفاد من الآية 23،سورة الإسراء.
4- الظاهر ان هذا الحديث و الذي بعده رويت في كتاب«فضل المساجد و حرمتها و ما جاء فيها»-و هو مخطوط مفقود-على ما قاله الشيخ الصدوق في الفقيه ج 1:152 ذيل الحديث 702،و انظر ثواب الأعمال:51.

دخل و وقف على يمين الامام لتضايق الصفوف،فقال:لا أدري،و ذكر انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث.

التاسعة عشرة استحباب كون الامام أقرأ القوم و الإنصات لقراءة الإمام

أوجب ابن حمزة ان يكون أقرأ القوم،لظاهر الخبر.

و المشهور انه على الاستحباب،و الا ان يكون من دونه لا يؤدي الواجب من القراءة.

و أوجب الإنصات لقراءة الامام على ظاهر الآية و حمله الأكثر على الندب.

و عدّ من المحظور صلاة العصر خلف من يصلّيها و لم يصلّ المقتدي الظهر.و هذا لا خصوصية فيه للإمامة،لتحريم تقديم العصر على الظهر متعمدا،سواء كان إماما أو مؤتما أو منفردا.

و عدّ من المكروه الوقوف عن يسار الامام،و قال:لا يمكّن العبد، و لا الصبي،و لا السفيه،و لا المخنث،و لا الخنثى،من الصف الأول (1).

العشرون قول الشيخ في الخلاف بعدم بطلان صلاة من تقدمت سفينته على سفينة الإمام

قال الشيخ في الخلاف:لا تبطل الصلاة بتقدم سفينة المأموم على سفينة الإمام،لعدم الدليل (2).و الظاهر انه يريد به إذا انفرد،أو استدرك التأخّر.

و قال:لو قلنا ان الماء ليس بحائل،فلا حدّ فيه الا ما يمنع من

ص: 476


1- الظاهر أن هذه الأحكام منقولة من كتاب الواسطة،و هو مفقود.و يوجد بعضها في كتاب الوسيلة:105،106،108. و الخبر في الكافي 3:376 ح 5،علل الشرائع 2:326 ح 2،التهذيب 3:31 ح 113. و الآية في سورة الأعراف:204.
2- الخلاف 1:559 المسألة 307.

مشاهدة الامام و الاقتداء بأفعاله.

ثم نقل عن الشافعي التحديد بثلاثمائة ذراع،فان زاد لم يجز.

ثم قال:التحديد يحتاج الى شرع،و ليس فيه ما يدل عليه (1).و هذا يشعر بجواز الزيادة على ثلاثمائة،و لا يراد به مع اتصال الصفوف إذ لا صفوف في الماء،الا في مثل السفن.و يمكن ان يريد بالتحديد المنفي نفس الثلاثمائة،فيكون انتفاء الزائد بطريق الأولى.

و ليكن هذا آخر المجلد الأول من كتاب ذكري الشيعة،و يتلوه ان شاء اللّه تعالى في المجلد الثاني كتاب الزكاة.و فرغ منه يوم الثلاثاء لتسع ان بقين من صفر ختم بالخير و الظفر،سنة أربع و ثمانين و سبعمائة.و الحمد للّه رب العالمين،و الصلاة و التسليم على أفضل المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين صلاة تامة باقية الى يوم الدين.

ص: 477


1- الخلاف 1:559 المسألة 308. و قول الشافعي في الأم(مختصر المزني):23 المهذّب 1:107.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.