حدیث المنزلة

اشارة

بطاقة تعريف: المُهري، محمّد رضا ، 1336 -

عنوان واسم المؤلف: حديث المنزلة /السيّد محمّد رضا المُهري

الناشر: قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، 1392

مواصفات المظهر:80 ص.(مؤسّسة المعارف الإسلاميّة. 204)

ISBN: 978-600-146-013-5

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظات: ببليوغرافيا: ص.[73 ] - 78 ؛ مترجم أيضا.

عنوان: أحاديث خاص (منزلت)

عنوان: علی بن ابی طالب (علیه السلام)، أول إمام 23 قبل الهجرة - 40 ه_. - إثبات الخلافة

ترتيب الكونجرس:9 م / 145 BP

تصنيف ديوي: 218 /297

جمعية خيرية رقمية: مدرسة ذو الفقار الحوزة أصفهان

ص: 1

هوية الكتاب

اسم الكتاب: ... حديث المنزلة

المؤلف: ... السيّد محمّد رضا المُهري

مقوّم النص: ... الشيخ علي زهراب (الفاضلي)

الناشر: ... مؤسّسة المعارف الإسلاميّة

الطبعة: ... الأولى - 1435 ه. ق

المطبعة: ... عترت

العدد : ... 3000 نسخة

رقم الايداع الدولي............... 5- 013-146-600-978

978 - 600 - 146 - 013 -5 ........................ : ISBN

كافة حقوق الطبع والنشر محفوظه المؤسسة المعارف الإسلامية - قم

ص. ب 37185/768- هاتف 37732009- 09127488298... فاکس 27743701

E-mail:info@maaref islami.COM - www.maaref islami.com

ص: 2

وصلى الله على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين

ص: 3

ص: 4

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم وقول لخير الخلق أحمد لا يُنسی كمصباح نور فاق في ضوئه الشمسا المنزلةُ يَحظي عليُّ بها مِنّي تعادل ما كانت لهارون من موسی سوى أنه لا وحي ينزل من بعدي فليس نبيُّ بعد أن أدخل الرمسا تبرٌ مليءٌ بالعسجد، جدّ الكاتب باخعأ نفسه حتى يستخلص باليراع منه ذهباً أصفر فاقعاً لونه يسرّ الناظرين، فكان ما ترونه وهو غيضٌ من فيض ذلك الكلام المتعالي الذي ينحدر عنه سیل الإمامة الإلهية الحقّة، ولا يرقى إليه طير الفكر مهما بلغ من الدقة.

لقد أثبت الكاتب أن المقارنة المذكورة في الحديث النبوي الشريف إنما هي مقارنةٌ عامةٌ تشمل كل الفضائل السامية والمكارم الراقية، فهي كمشكاةٍ فيها مصباحان، والمصباحان في زجاجتين، والزجاجتان كأنهما کوکبان دریان يوقدان من شجرة مباركةٍ واحدةٍ وغيرهما من شجرٍ شتی، یکاد زيتهما يضيء ولو لم تمسسهما نار، فهما نورٌ على نور يهدي الله بهما من يشاء، فأحدهما شمسٌ تنير الكون بأنوار الهداية الإلهية والثاني قمرٌ يستمد نوره من الشمس لينير درب

ص: 5

المستضيئين في دياجير الليالى الظلماء التي تحيط بالإنسانية جمعاء، وتلك الشمس وذلك القمر كانا في سالف الزمان موسى وهارون علیهما السلام، حتى اذا اكتملا تلألؤاً أصبحا محمداً المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم ، وعليّاً المرتضى علیه السلام.

و كما كان هارون من موسى، فقد جعل العليُّ القدير عليّاً وزيراً لرسول الله وشدَّ به أزره وأشركه في أمره، فسبّحا ربّهما كثيراً وذكراه كثيرا، إنه كان بهما بصيرا، ولقد آتاهما ربّهما الفرقان وضياءً وذكراً للعالمين، وهداهما الصراط المستقيم، وجعل لهما سلطاناً حتى لا يصل المشركون اليهما، فكانا بآيات الله عز وجل هما ومن اتبعهما الغالبين، فسلامٌ من الرحمن على محمدٍ وعلیّ ٍ، وكذلك يجزي الله المحسنين.

ص: 6

وعیَّن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عليّاً بأمرٍ من الله تعالى خليفةً له في قومه ليصلح أمرهم، ولكنّ القوم - وبكل أسف - استضعفوا خليفة الرسول و كادوا أن يقتلوه، ولم يهتموا بتحذير امير المؤمنين لهم بأن ما يفعلونه إنما هو فتنة وأن ربّهم الرحمن فعليهم أن يتّبعوا الإمام ويطيعوا أمره، حتى اذا يئس منهم تركهم خوفاً من أن تتفرق أمة الإسلام، ويا ليت الرسول كان يعود كما عاد موسی غضبان أسفا، فيخاطب قومه قائلا: بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم.

وهكذا حاول الكاتب أن يسبر غور آیاتٍ من الذكر الحكيم ليتعرف على شيءٍ من المنزلة الرفيعة التي خص الله تعالى امير المؤمنين عليّاً علیه السلام بها، وذلك على ضوء ما ذكره القرآن الكريم في هارون علیه السلام، و كان على حذرٍ دائم ألّا يتخطى الحدود التي رسمها النبي صلی الله علیه وآله وسلم باستثنائه النبوة من هذه المقارنة.

وكما يعلم القارئ العزيز فقد دأبت مؤسسة المعارف الاسلامية في قم على أن تتبنى كلَّ ما يختص بولاية أهل البيت عليه السلام فتقوم بطبعه ونشره حتى تعمَّ الفائدة وتتم الحجة، مستلهمة التوفيق من الباري المتعال ومستشفعة بأنوار الهداية من عترة النبي الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فعلی دربهم فلیمش الماشون وإلى ولايتهم فليهتد المهتدون.

وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل للأخ المؤلّف سماحة السيد محمد رضا المهري على جهده

ص: 7

القيّم. وكذلك نشكر الأخوة الأفاضل الذين ساهموا في اخراج هذا الكتاب بهذه الحُلّة.

ص: 8

المقدّمة

نحن نعتقد بأنَ رسول صلی الله علیه وآله وسلم هو المفسِّر الحقيقي للقرآن الكريم، ومن بعده الأئمة الأطهار علیه السلام المستنيرون بنوره والذين أوسمهم بكلمته الخالدة: «إني تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي».(1)

ولا تأتي التفاسير إلا على ضوء ما بيَّنوه من غوامض المعاني وما أحكموه من متشابه التنزيل، وليس القرآن هو المعنى الظاهر فحسب، مع ما لهذا الظاهر من جمالٍ في التعبير وسلاسةٍ في البيان دان لهما الأدب العربي بكلّ قوّته وهيمنته، وكلّ زخرفته وغطرسته، بل للقرآن بطون وأعماق لا تدركها عقولنا القاصرة ولا تنالها أفهامنا المتواضعة، إلا إذا استنارت بأنوار النبوّة واستمدّت من علوم الوحي.

ص: 9


1- راجع: صحیح مسلم 7: 120؛ الكافي 2: 615؛ کمال الدین و تمام النعمة: 94 و 120؛ وسائل الشيعه 27: 77/204.

ونحن الآن بصدد دراسة حديث شريف معيّن، لنعرف كيف يفسّر هذا الحديث بعض آیات الذكر الحكيم، و كيف يستخرج من الآيات معاني عميقة لا يسعنا كشفها لولا كلامه صلی الله علیه وآله وسلم، هذا الحديث هو ما اشتهر عند المسلمين ب «حديث المنزلة»، وقد روي بعبارات تختلف في ما بينها قليلاً وتتّفق كلّها على أنّه صلی الله علیه وآله وسلم قال في أمير المؤمنين عليّ ٍ عليه السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي».(1)

فلنبدأ بالحديث أوّلاً، لنرى ما يحوم حوله من اُمور، ثم نتدبّره قدر المستطاع لندرك شيئاً من مدلولاته وخفاياه ومن جوانبه وزواياه، نسرد ذلك كلّه تحت عنوان خصائص الحديث، والعجيب أنّ مجرّد رواية الحديث يعتبر واحداً من أهمّ خصائصه علیه السلام، ومن بعد دراسة الحديث على ما هو عليه ننتقل إلى الكتاب العزيز، لنرى كيف يتفاعل هذا الحديث معه وما ينتج منهما معاً.

ص: 10


1- صحيح مسلم 7: 120؛ الخصال: 36/211، 210 ؛ کنز العمال 13: 122_ 123.

الأمر الأول: خصائص حديث المنزلة

خصائص حديث المنزلة

ص: 11

ص: 12

تکرار صدور الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم

اشارة

صنَّف المحدثون الأحاديث الشريفة قوةً وضعفأ حسب درجة الثقة بها من حيث المعنی والسند، فإذا سألت محدّثاً عن أقوى الأحاديث الذكر المتواتر منها، أي التي رواها جمع كبير لا يمكن اجتماعهم على الكذب، إلا أنّ حديثنا الذي سنذكره الآن يمتاز عن تلك الأحاديث المتواترة بميزة يندر أن تراها في سائر الأحادیث، فالحديث المتواتر وإن كان قوياً في سنده، فإنّ الجميع يروونه باعتبار أنّهم سمعوه مرةً واحدة ًمن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، أمّا الغريب في حديثنا هذا أنّ الرسول قد كرّره عدّة مرّات، ولكلّ مرّةٍ من هذه المرّات روانه الخاصّة به، وكأنّ النبيَّ صلی الله علیه و آله و سلم له أراد أن يؤكّد على هذا الأمر وأن يُسمعه أكبر عددٍ من صحابته، وهذا يعطي الحديث أهميةً بالغةً

ص: 13

تستوجب عمق التدبّر وشدّة الإمعان.

نكتفي في ذكر رواة أهل السنة بما جمعه الأستاذ محمد بيومي مهران في كتابه «الإمامة وأهل البيت».(1)

أوّلاً: حديث غزوة تبوك أو ما يحتمل أن يكون في غزوة تبوك

1- رواة أهل السنّة

روى البخاري في صحيحه بسنده عن سعد قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى».(2)

وروى البخاري أيضا بسنده عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً، فقال: «أتخلفني في الصبيان والنساء» ؟

قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي؟».(3)

وروى مسلم بسنده عن الحكم، عن مصعب

ص: 14


1- الإمامة وأهل البيت 2: 87 _ 99.
2- صحيح البخاري 4: 208.
3- نفس المصدر 5: 129.

بن سعد بن وقاص قال: خلف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: «يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟»، فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي؟».(1)

وروى مسلم في صحيحه» أيضا بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول له وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: یا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی، إلا أنّه لا نبوة بعدي؟»، وسمعته يقول يوم خیبر: «لأُعطينّ الراية رجلاّ يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله»، قال: فتطاولنا لهما، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد(2)، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه

ص: 15


1- صحيح مسلم 7: 120.
2- رَمِدَ العينُ رَمَداً: هاجت وانتفخت. (المعجم الوسيط 1: 371).

الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ...)(1) دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي».(2)

وروى مسلم أيضاً بسنده عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم: سمعت إبراهيم بن سعد، عن سعد، عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى».(3)

وروى النسائي في كتاب «الخصائص» بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول له وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: «یا رسول الله أتخلّفني مع النساء والصبيان؟»، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبوة بعدي؟»، وسمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً بحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، فتطاولنا إليها، فقال: ادعوا

ص: 16


1- آل عمران (3): 61
2- صحيح مسلم 7: 120 - 121.
3- نفس المصدر : 121.

لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ولمّا نزلت: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(1)دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي».(2)

وأخرج الإمام أحمد في «الفضائل» بسنده عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد سمع النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی، إلا أنّه ليس بعدي نبي؟» قال سعيد: فأحببت أن أشافه بذلك سعداً، فلقيته فذكرت له ما ذكرني عامر، قال: فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم قال: إستُکَّتا(3)، إن لم أكن سمعته من النبي صلی الله علیه و آله و سلم (4)

وروى ابن سعد في الطبقات الکبری» بسنده عن أبي سعيد، قال: غزا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم غزوة تبوك، وخلّف علياً في أهله، فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به، إلا أنه كره صحبته. فبلغ ذلك علياً، فذكره للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال: «يا بن أبي طالب! أما ترضى أن تنزل منّي

ص: 17


1- الأحزاب (33): 33
2- خصائص أمير المؤمنين (النسائي): 48 - 49
3- أي: صُمَّتا.
4- فضائل الصحابة 2: 633.

بمنزلة هارون من موسى».(1)

وعن عبد الله بن شريك قال: سمعت عبد الله بن رقيم الكناني قال: قدمنا المدينة، فلقينا سعد بن مالك فقال: خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى تبوك، وخلّف علياً، فقال له: «یا رسول الله خرجت وخلفتني»فقال: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي» .(2)

وعن سعيد بن المسيب، قال: قلت لسعد بن مالك: إنّي اُريد أن أسألك عن حديث، وأنا أهابك أن أسألك عنه، قال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أنّ عندي علماً، فسلني عنه ولا تهبني، فقلت قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، لعلي حين خلّفه بالمدينة في غزوة تبوك قال: قال: «أتخلفني في الخالفة (3) في النساء والصبيان؟» فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی»، فأدبر علي مسرعاً، وكأنّي أنظر إلى غبار قدميه يسطع.(4)

ص: 18


1- الطبقات الكبرى 3: 23 - 24.
2- نفس المصدر: 24.
3- المتخلف عن القوم في الغزو (المعجم الوسيط 1: 251).
4- نفس المصدر.

وفي كتاب «الحلية» أيضا بسنده عن سعيد بن المسيب، عن علي، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، في غزوة تبوك: «خلفتك أن تكون خليفتي في أهلي»، قلت: «لا أتخلف بعدك يا نبي الله»، قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي؟».(1) ورواه المتقي في «كنز العمال»(2)، والهيثمي في مجمعه».(3)

وفي رواية عن سعيد بن المسيب، قال: قال سمعت سعدة يقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، لعلي بن أبي طالب: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعديّ». قال الحضرمي في حديثه: بلی رضیت رضيت (4).

وفي «الحلية» أيضاً بسنده عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: خلّف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ماء علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: «أتخلّفني في النساء والصبيان»، فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من

ص: 19


1- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني 7: 196.
2- کنز العمال 13: 159 / 36488.
3- مجمع الزوائد 9: 109.
4- حلية الأولياء 7: 195.

موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؟». قال أبو نعيم: صحيح مشهور من حديث شعبة عن الحكم .(1)

وروى المتقي في «کنز العمال» أيضاً عن عامر بن سعد قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لعلي ثلاث خصال، لأن یكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم: نزل على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الوحي، فأدخل عليّاً وفاطمة وابنيهما، تحت ثوبه، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي»، وقال له حين خلّفه في غزاة غزاها، فقال علي: «یا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟» فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «ألا ترضی أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبوةّ بعدي؟» وقوله يوم خيبر: «لاُعطينّ الراية رجلاّ يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه»؛ فتطاول المهاجرون الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ليراهم، فقال: «أين علي»؟ قالوا: هو رمِدٌ، قال: «ادعوه» فدعوه، فبصق في عينيه، ففتح الله على يديه. قال أخرجه ابن النجار.(2)

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد»، بسنده

ص: 20


1- نفس المصدر 7: 196.
2- کنز العمال 13: 163.

عن أم سلمة، أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم، قال لعلي: «أما ترضی أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسی، إلا أنّه لا نبي بعدي». قال: رواه أبو يعلى والطبراني. (1)

وفي رواية أخرى عن ابن عمر، أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم ما قال لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبوة بعدي؟». قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط .(2)

وروى ابن حجر العسقلاني في «الإصابة » أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم الله قال لعلي في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّك لست بنبي، أي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ».(3)

2- رواة الشيعة

في «الكافي» للكليني (329 ه) خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام، وهي خطبة الوسيلة: محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن

ص: 21


1- مجمع الزوائد9. 109
2- نفس المصدر 9: 110.
3- الإصابة في تمييز الصحابة 4: 568.

أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن یزید (في حديث طويل، نذكر منه ما يتعلّق بموضوعنا قال: دخلت على أبي جعفر (1) عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله قد أرمضني (2) اختلاف الشيعة في مذاهبها..، قال عليه السلام: «اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك، إن أمير المؤمنین عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيّام من وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وذلك حين فرغ من جمع القرآن، وتأليفه فقال:

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده... [الى أن قال: فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي أضداده وأفنی بسيفي جُحّاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على المجرمين وشدّ بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصّني بوصيته واصطفاني بخلافته في أمّته، فقال صلی الله علیه و آله و سلم ما وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصّت بهم المحافل: أيّها الناس إنّ علياً مني كهارون(3) من

ص: 22


1- الإمام محمد بن علي الباقر علیه السلام
2- أي: أحرقني وأوجعني
3- في بعض النسخ: «بمنزلة هارون»

موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أنّي لست بأخيه لأبيه وأمّه، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمّه ولا كنت نبياً فاقتضى نبوّة ولكن كان ذلك منه استخلافاّ لي كما استخلف موسی هارون علیه السلام حيث يقول:اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »(1)...(2) وفي «البحار» نقلاً عن «الأمالي » للشيخ الطوسي: أبو عمرو، عن ابن عقدة، عن أحمد بن يحيى، عن عبد الرحمان بن شريك، عن أبيه، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب علیه السلام في غزوة تبوك (3): «اخلفني في أهلي»، فقال علي علیه السلام : «یا رسول الله إني أكره أن تقول العرب: خذل ابن عمّه وتخلف عنه»، فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی؟» قال: «بلی»، قال صلی الله علیه و آله و سلم :

ص: 23


1- الأعراف (7): 142.
2- الكافی 18: 8 - 27.
3- تبوك قرية بين وادي القرى والشام، بها عين ماء ونخل و کان لها حصن خرب، وإليها انتهى النبي صلی الله علیه و آله و سلم ومن في غزوته المنسوبة إليها، كان قد بلغه أنه تجمع إليها الروم ولخم وجذام، فوجدهم قد تفرّقوا ولم يلق کيداً، وأقام بها ثلاثة أيام. (مراصد ؛الاطلاع 1: 253).

«فاخلفني».(1)

ملاحظات على حديث غزوة تبوك:

1. أظهر الإمام علي علیه السلام حزنه من التخلف عن الغزو مع النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فأجابه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بقوله: «أما ترضی...»، ولكن في بعض الروايات لم يبدأ بهذه البداية ممّا يدلّ على أنّها لم تكن في تبوك، وهذا ما يؤكّد أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد كرّر الحديث في مواقف مختلفة.

2. اختيار النبي صلی الله علیه و آله و سلم لهذا الموقف من أجل ذكر هذه الجملة يدلّ على اهتمام النبيّ الإسماع هذا الأمر إلى أكبر عدد ممكن من الصحابة، فكلّ المحاربين كانوا مجتمعين استعداداّ للخروج، وأكثر من لا يحارب من النساء والأطفال والشيوخ وأمثالهم كانوا حاضرين أيضاّ لوداع الجيش قبل خروجه، وقد سمعوا جميعاً مقالة النبي ورووه من بعد، ولذا كان رواة هذا الحديث كثيرين.

3. يبيّن هذا الحديث أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يحزن لحزن علي علیه السلام ويحاول إرضاءه بأحسن

ص: 24


1- . بحار الانوار 37: 255 /6؛ الأمالي (الشيخ الطوسي): 261.

وجه، ولذلك شبه استخلافه له بأفضل ما يمكن تشبيهه به، ألا وهو استخلاف موسى عليه السلام الأخيه هارون عند استجابته لميعاد ربّه، قال تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »(1)

4. سبب استخلاف الإمام في المدينة أنّه كان يُخشى أن يستغلّ الأعداء خروج الجيش من المدينة فيهاجمونها؛ إذ لا حامي لها، فاستخلف النبي صلی الله علیه و آله و سلم علياً الكلية مع نفر من الجيش للدفاع عن البلد.

ص: 25


1- الأعراف (7): 142.

ثانياً: حديث المنزلة في غير تبوك

1- رواة أهل السنّة

روى مسلم في صحيحه» بسنده عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي»، قال سعيد: فأحببت أن اُشافه بها سعداً، فلقيت سعداً، فحدّثته بما حدّثني عامر، فقال: أنا سمعته، فقلت: أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على اُذنيه، فقال: نعم، وإلا فَاستّکتا (1).

وفي «کنز العمال» أيضاً بسنده عن أبي ذرّ، قال: لمّا كان أوّل يوم في البيعة لعثمان، اجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، وجاء علي بن أبي طالب فأنشأ يقول: «إنّ أحقّ ما ابتدأ به المبتدئون، ونطق به الناطقون، وتفوّه به القائلون، حمد الله وثناء عليه بما هو أهله، والصلاة على النبيّ محمد صلی الله علیه و آله و سلم...» إلى أن قال: فهل تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي ؟ »

ص: 26


1- 1. صحيح مسلم 7: 120_ 2. أي: وإلّا فَصُمَّتا.

إلى أن قال: «فهل لخلق مثل هذه المنزلة؟ نحن صابرون، ليقضي الله أمراً كان مفعولا»، قال: أخرجه ابن عساکر(1)

وروى ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» بسنده عن يحيى بن مَعين، عن عثمان بن معاوية الفزاري، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عمیس تقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه ليس بعدي نبيّ»(2)

وروى الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» بسنده عن حبشي بن جنادة، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي رضي الله تعالی عنه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي»(3). ورواه الهيثمي في «مجمعه»،(4) نقلاّ عن الطبراني في الثلاثة.

وروى الخطيب البغدادي في «تاريخه» بسنده إلى المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، قال: دخل عليَّ سفيان الثوري، فقلت: حدّثني

ص: 27


1- کنز العمّال 5: 717- 724 / 14242.
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1: 338.
3- حلية الأولياء 4: 345.
4- مجمع الزوائد 9: 109.

بأفضل فضيلة عندك لعلي، فقال: حدّثني سلمة بن کھیل، عن حجية بن عدي، عن علي، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي».(1)

وروى المتّقي في «کنز العمّال» عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: في عليّ ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهنّ، أحب إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح، ونفر من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والنبيّ متّكئ على علي بن أبي طالب، حتّى ضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: «أنت با علي أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّلهم إسلاما»، ثم قال: أنت منّي بمنزلة هارون من موسی، و کذب عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».(2)

2- رواة الشيعة

في «الخصال» للصدوق: حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن صالح البخاري قال: حدّثنا يعقوب بن

ص: 28


1- تاریخ بغداد 4: 291.
2- کنز العمّال 13: 122 - 123.

حمید بن کاسب قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن أبيه، عن ربيعة الجرشي أنّه ذكر علياً علیه السلام عند معاوية وعنده سعد بن أبي وقّاص فقال له سعد: تذكر علياً، أما إنّ له مناقب أربع لأن تكون لي واحدة منها أحبَ إليّ من كذا وكذا وذكر حمر النعم، قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «لاُعطين الراية غداً» وقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی» وقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «من کنت مولاه فعلي مولاه». ونسي سعد الرابعة.(1)

وفي «علل الشرایع» حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّبثنا نصر بن أحمد البغدادي قال: حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن سالم بن أبي عمرة، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: إنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم قام خطيباً، فقال: «إنّ رجالاً لا يجدون في أنفسهم إن أسكن علياً في المسجد وأخرجهم، والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه، إنّ الله عزّ وجلّ أوحي إلى

ص: 29


1- .. الخصال:210_211/34.

موسى وأخيه: « أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ »(1) ثم أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون وذرّيّته، وأنّ علياً منّي بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي، ولا يحلّ لأحد أن ينكح فيه النساء إلا علي وذرّيّته، فمن ساءه فهاهنا»، وأشار بيده نحو الشام.(2)

وفي «الكافي» أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ثعلبة بن میمون، عن أبي أميّة يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة، عن أبي عبد الله (3)علیه السلام أنّهم قالوا حين دخلوا عليه: إنّما أحببناكم لقرابتكم من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولما أوجب الله عزّ وجلّ من حقّكم،..، فقال أبو عبدالله عليه السلام: «صدقتم صدقتم»، ثمّ قال: «من أحبّنا كان معنا،...»، ثمّ قال: «إن تكونوا وحدانّيين فقد كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وحدانياً يدعو الناس، فلا يستجيبون له، وكان أوّل من

ص: 30


1- يونس (10): 87.
2- علل الشرایع :202/ 3 .
3- الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام

استجاب له علي بن أبي طالب علية السلام وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي»(1)

وفي «البحار» نقلاً عن «کشف الغمة»، من «مناقب» الخوارزمي عن جابر بن عبدالله أنّه قال: جاءنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسیب رطب فقال: ترقدون في المسجد؟ قلنا: قد أجفلنا وأجفل(2) علي معنا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «تعال يا علي، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي، ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ والذي نفسي بيده إنّك الذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء بعصا لك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي»(3)

وفي «البحار» نقلاً عن «أمالي الصدوق»: الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبدالرحمان، عن مقاتل بن سليمان، عن الصادق، عن آبائه علیه السلام قال:

ص: 31


1- الكافي 106.8 - 107 / 80
2- أجفل: مضى وأسرع (المعجم الوسيط 1: 127).
3- بحار الأنوار 37: 260؛ کشف الغمة 1: 150.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام :یا علي أنت منّي بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم، وبمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة شمعون من عيسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي، يا علي أنت وصيّي وخليفتي، فمن جحد وصيّتك وخلافتك فليس منّي ولست منه، وأنا خصمه يوم القيامة، يا علي أنت أفضل اُمّتي فضلاً،

وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأوفرهم حلماً، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم كفاً، يا علي أنت الإمام بعدي والأمير، وأنت الصاحب بعدي والوزير، وما لك في اُمّتي من نظير، یا علي أنت قسيم الجنّة والنار، بمحبّتك يعرف الأبرار من الفجّار، ويميز بين الأشرار والأخيار، وبين المؤمنين والكفار»(1)

وفي «البحار» نقلاً عن «امالي» الشيخ الطوسي: بإسناد المجاشعي، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين عليه السلام قال: حدّثني عمر وسلمة ابنا أبي سلمة ربيبا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنهما سمعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول في حجّته: عليٌّ يعسوب المؤمنين والمال يعسوب

ص: 32


1- بحار الأنوار 37: 254؛ الأمالي (الشيخ الصدوق): 101.

الظالمين، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّ الله تعالی ختم النبوّة بي فلا نبيّ بعدي، وهو الخليفة في الأهل والمؤمنين بعدي»(1)

ص: 33


1- بحار الأنوار 37: 256؛ الأمالي (الشيخ الطوسي): 521 / 54.

ملاحظات على الحديث في غير تبوك:

1. يتصدّر الحديث هنا بقوله صلی الله علیه و آله و سلم : «أنت منّي...»، او «علي منّي...»، ولا يذكر الراوي اسم تبوك أو المغازي بصورة عامّة، ممّا يدلّ على أنّ النبيّ قد كرّر هذا الحديث في موضع آخر.

2. يتّضح هذا الأمر جليّاً في رواية «كنز العمال» عن عمر بن الخطاب، فالنبيُ لم يكن على أهبة الاستعداد للخروج بجيش، وإنّما كان يتحدّث متّكئاً على على علیه السلام.

ص: 34

تواتر الحديث

يكفي لكون الحدیث متواتراً ما ذكرناه آنفاً، وإنما نضيف الموارد التالية ممّا جمعه الأستاذ بيومي مهران تأكیداً:

روى الإمام النسائي حديث المنزلة هذا بعدّة طرق، وبصيغ مختلفة (1)

وروى الإمام أحمد حديث المنزلة هذا في الفضائل»(2) و«المسند» (3)" بطرق وصيغ مختلفة، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد»(4)

ص: 35


1- تهذیب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (صص 19، 20، 28، 29، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 46،45، 72، وهي الأحاديث الشريفة بأرقام 9،8، 21، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 112)
2- فضائل الصحابة 2: 566 / 954 و 568/ 957، و 598/ 1020، و 642 / 1091، و 643/ 1093، و 670/ 1143،و 675/ 1153.
3- مسند أحمد 1: 179؛ 3: 32؛ 6: 369 و 438.
4- مجمع الزوائد 9: 109-111.

والمتّقي في «کنز العمّال»(1)

هذا، وقد ورد حديث المنزلة هذا أيضاً في «أسد الغابة»(2)، وفي «الرياض النضرة»(3)، وفي ذخائر العقبى»(4)، وفي «صواعق» ابن حجره(5)، وفي «تحفة الأحوذي»(6)، ورواه ابن ماجه،(7) والترمذي(8) في «صحيحه»، والخطيب البغدادي في «تاريخه»(9)، والطحاوي في «مشکل الآثار»(10)، وابن هشام في السيرة»(11)، وابن الأثير في «الكامل»(12)، وابن عساكر في «تاريخه» (13)14، والمسعودي في «مروج الذهب»(14)، وابن كثير

ص: 36


1- کنز العمّال 5: 724؛ 11: 599 و 607؛ 13: 123 و 151 و 163 و 192؛ 16: 186
2- أسد الغابة 1: 797 و 1057؛ 2: 297، 3: 57.
3- الرياض النضرة 1: 247، 266، 271، 294.
4- ذخائر العقبی : 63 و 79.
5- الصواعق المحرقة 1: 73، 121 و 125؛ 2: 352 و 522.
6- تحفة الأحوذي 9: 142؛ 10: 161.
7- سنن ابن ماجه 1: 45/ 121.
8- سنن الترمذي 5: 304.
9- اریخ بغداد 1: 342؛ 4: 176 و 291؛ 5: 147؛ 8: 52 و 262؛ 9: 370؛ 10: 45؛ 12: 320.
10- مشکل الآثار 2: 309.
11- سيرة ابن هشام 5: 199.
12- الكامل في التاریخ 2: 278.
13- تاریخ ابن عساکر 1: 107.
14- مروج الذهب 1: 354.

في «السيرة»(1)، وابن قيم الجوزية في «زاد المعاد»(2)، والندوي في «السيرة»، وابن عبدالوّهاب في «مختصر السيرة»(3)، وكذا عبدالله بن محمّد بن عبدالوّهاب في «مختصر السيرة»(4)، كما جاء في «السيرة الحلبية»(5)، وفي خاتم النبيّين» لأبي زهرة(6)، و«محمّد رسول الله» للصادق عرجون(7)، ورواه المقدّسي في

البدء و التأريخ»(8)

ص: 37


1- السيرة النبوية 4: 12. 13.
2- زاد المعاد 3: 460، 488.
3- مختصر السيرة : 222.
4- مختصر سيرة الرسول : 232.
5- السيرة الحلبية 3: 104.
6- خاتم النبيّين 3: 359، 458.
7- محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم 1: 485.
8- البدء والتأريخ 1: 256.

المقارنة والاستثناء في الحديث

اشارة

يقارن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بين منزلة علي عليه السلام منه ومنزلة هارون من موسی علیه السلام، وهذه المقارنة

هي لبُّ الحديث، فمن أجل أن نعرف منزلة عليّ ٍ من رسول الله يمكننا أن نتعرّف على منزلة هارون من موسی ثم نقارن، ومنزلة هارون من موسی قد ذكرت في القرآن في أكثر من موضع، وكتاب الله خير مرجع يهتدى به ولا یُعلی عليه، ولكن قبل أن نراجع القرآن، نذكر بعض الملاحظات:

ملاحظات على المقارنة

1. الاستثناء يدلّ على عدم الاستثناء: وجود الاستثناء «إلا أنّه لا نبيّ بعدي» يدلّ على أنّ المقارنة صادقة في جميع الموارد على الإطلاق ماعدا هذا الاستثناء، ولا يصلح أن يقال إنَّ هناك موارد أخرى تستثنى منها، لأنّ النبيّ كان في مقام ذكر الاستثناءات، أمّا إذا لم يكن قد استثنى النبوة، لجاز للبعض أن يدّعي وجود استثناءات اُخرى لم يرد النبيّ ذكرها. مثلاً لو قال أحدهم: «جميع أصدقائي أشخاص صالحون»، ثم وُجد شخص غير

ص: 38

صالح بين اصدقائه، فلا اعتراض على كلامه؛ لأن هذا شاذٌّ عن القاعدة ولا يلزم ذكره، أمّا إذا قال: «جميع أصدقائي أشخاص صالحون ما عدا زید»، لاستنتجنا أنّ سائر أصدقائه كلّهم صالحون بلا استثناء، ولو عثرنا على صديق آخر غير صالح له لاعتبرنا كلامه غير صحيح. وممّا يؤكّد أنّ النبيُ صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يشمل حدیثه هذا كلُ المراتب دون استثناء، أنّ ما استثناه منه كان أمراً بيِّناً لا حاجة للاستثناء فيه، فلا يشكّ أحد في أنّه خاتم النبيّين وأنّه لا نبيّ بعده، فلِمَ استثنی أمراً واضحاً كلّ هذا الوضوح، ولعلّ الفصاحة تقتضي السكوت عن مثل ذلك؟ كما لو قال الرجل: «إنّ أبنائي كلّهم پروون الشعر إلا ذلك الطفل الرضيع»، فيُعترض عليه بأن لم يكن هناك داع لاستثناء الرضيع، فالعقل يقضي باستثنائه دون شكّ، إذن لعلّ النبيّ لم يكن يقصد بذلك إلا التأكيد على عدم استثناء غيره.

2. تفضيل الإمام علي علیه السلام على بعض الأنبياء: هذه المقارنة تبيِّن أن علياً عليه السلام أفضل من النبيّ هارون عليه السلام، لأن منزلة عليّ ٍ بالنسبة إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كمنزلة هارون بالنسبة إلى موسی، فكما أنّ الرسول أفضل من موسى عليه السلام

ص: 39

فعليُّ أيضاً أفضل من هارون بنفس النسبة(1)

وهارون النبيّ ليس كغيره من الآلاف المؤلّفة من الأنبياء الغير مذكورين في القرآن، بل هو ممّن اعتنى به الكتاب العزيز وذكر مواقف مختلفة من حياته الشريفة، و كرّر اسمه تسع عشرة مرّة، وذكر اسمه عند ما كان يسرد أسماء الأنبياء العظام الذين يضرب بهم مثلاً في الصبر والاستقامة في سبيل دعوة الحقّ (2) وكلّ هذا يدلَ على أنّ هارون كان أفضل من كثير من الأنبياء، وعليه فإنّ الإمام علي عليه السلام أيضاً أفضل من كلّ أولئك، وأمّا سائر الأنبياء، فالحديث ساكت عن المقارنة بينهم وبين

ص: 40


1- هذه الأمور لا تقاس بالأعداد، ولكن يمكن الاستعانة بالأعداد لتقريب المعنى إلى الأذهان فقط، فلو فرضنا أنّ الهارون تسعين بالمائة من فضائل موسی، فلعلي أيضاً تسعون بالمائة من فضائل رسول الله، وحيث أنّ فضائل الرسول أكثر من فضائل موسى، فالتسعون بالمائة من فضائله أيضاً أكثر من التسعين بالمائة من فضائل موسی.
2- في موضعين أحدهما: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا» (النساء (4): 163) والثانیه: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ». (الانعام (6): 84)

علي عليه السلام.

3. الاستثناء المذكور لا يُنقص من منزلة علي شيئاً، رغم أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم يستثني النبوّة من المقارنة، ولكّنه يذكر الاستثناء بطريقة تدلّ على عدم وجود أيّ نقص في الإمام، فلو كان يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوّة»، لكان المعنى أنّ علياً لم يستطع في هذا المجال أن ينال منزلة معادلة لهارون، فتعتبر نقيصة فيه، ولكّنه قال: «إلا أنّه لا نبیّ بعدي»، أي أنّ عدم نيل علي علیه السلام لهذه المرتبة، والذي استوجب ذكر الاستثناء كان لمجرّد أنّ النبوّة قد انتهت وخُتمت برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلا مجال لعلي علیه السلام أو لغيره أن ينالها، لا أنّ علیاً علیه السلام كان ينقصه شيء في نیلها.

ص: 41

ص: 42

الأمر الثاني: حديث المنزلة في القرآن

ص: 43

ص: 44

يكفينا لمعرفة مقام أمير المؤمنين عليه السلام ودرجته الرفيعة المتعالية عند ربّه، أن نسبر أغوار القرآن الكريم، ونرى ما يقوله العليُّ جلَّ شأنه في شأن عليّ، وإن لم يسمِّه باسمه، بل ذکر مزاياه باسم نبّي کریم من أنبياء الله، وهو هارون ابن أمّ موسی علیهما السلام .

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن لا يسمّى علياً بالصراحة في كتابه العزيز، فلعلّ فيه امتحاناً من الله للناس في أمر الولاية من بعد رسوله، أو حفظاً لكتابه الكريم، من أن يمسّه غير المطهّرين من شياطين الإنس، الذين لغوا في أحاديث الرسول وضعاً و تبدیلاً و کتماناً وتكذيباً. فلنتدارس ما قاله تعالى في هارون، وقد ذُكرت كلمة "هارون" عشرين مرّةً في القرآن، ولكن إحداها ليست لهذا النبيّ الكريم وهي

ص: 45

المذكورة في سورة مريم: «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا »(1)، أمّا سائر الموارد فتتعلّقً به عليه السلام، ويمكن تبویب هذه الموارد على النحو التالي:

المشاركة في الدعوة

بعثة النبي العظيم موسی علیه السلام

بدأت بعثة النبي العظيم موسی علیه السلام في الطور، بعد أن أتمّ المدّة التي اتّفق فيها مع أبي زوجته على أن يخدمه فيها مقابل تزويجه بإحدى ابنتيه و كانت المدّة ثمان أو عشر سنين، وبعدها أخذ موسى أهله ليعود إلى مصر وفي أثناء الطريق رأي نوراً... إقرأ باقي القصّة في سورة طه:«وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى *إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى* وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى *إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي*

ص: 46


1- مریم (19): 28.

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) (1)

استعانة موسی بهارون

ثم أمره ربّه بالدعوة إلى دين الله، وأن يبدأ دعوته بداية صعبة خطرة وهي دعوة الطاغية

ص: 47


1- طه (20): 9- 23 - رأی موسی علیه السلام من جانب الطور نوراً فظنّ أنّه نار، والنار تدلُ على وجود أشخاص يعيشون هناك، فذهب إليهم ليأتي بنار يستضيؤون بها أو ليجد من يدلّه على الطريق، فلمّا أتی إلى الطور نودي من قبل ربّه، فأخبره تعالى أنّ المكان الذي يقف فيه إنما هو مكان مقدّس يجب خلع نعليه فيه، وأنبأه أنّه قد اختاره ليكون نبيّاً رسولاً يعبد الله ويدعو إليه، ولا يخاف الذين يصدّون عن سبيل الله، وأراه تعالی بعض آیاته الكبرى، منها استبدال العصا إلى حيّة عظيمة وخروج نور أبيض من يده.

فرعون، فاستصعب موسى هذا الأمر، ودعا ربّه أن يعينه في مهمّته العظيمة هذه، وأظهر أنّ الأمر خطير للغاية، ويتطلّب أن يرافقه من يشار که في الدعوة فيقوّي كلّ منهما الآخر، واختار موسى أنسب شخص لهذه المهمّة وذكر أسباب اختياره له دون غيره، فلنقرأ باقي الآيات من سورة طه: «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا»(1)

إشراك هارون مع موسی

وأشرك الله تعالى هارون بأخيه موسی ليقوما بهذه المهمّة الصعبة معاً، وقوّى عزيمتهما بأنّه سيكون معهما، فقال عزّ وجلّ:«قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ * «فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * «أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»(2) وتتبيّن المشاركة

ص: 48


1- طه (20): 24. 35.
2- الشعراء (29): 15. 17.

التامة في قوله تعالى: « فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ» ولم يقل: «إنَّا رَسُولا» بالتثنية، وكأنّهما شخص واحد.

المقارنة بين علي وهارون

وتبدأ المقارنة بين علي وهارون علیهما السلام من هنا، فلنقرأ ما طلبه موسی من ربّه واستجاب الله له كلّ ما طلبه، فهي أمور ثابتة في هارون، وبالتالي ثابتة في علي عليه السلام:

الوزارة:«وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي»(1) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا»(2)

يقول الراغب الأصفهاني في «مفرداته»: «الوَزَر: الملجأ الذي يُلتَجَأ إليه من الجبل، قال: «كَلَّا لَا وَزَرَ الی ربّک...» (3)والوزر الثقل تشبيهاً بوزر الجبل...، والوزير: المُتحمِّل ثِقلَ أميره وشُغله...»(4)، وهكذا كان الأمراء يستوزرون رجلاً عاقلاً قادراً على تدبير الأمور، ليساعده في إدارة شؤون البلاد، حتّى أنّ بعض

ص: 49


1- طه (20): 29.
2- الفرقان (25): 35.
3- القيامة (75): 11.
4- مفردات غريب القرآن: 521.

الأمراء كانوا ضعافاً وجهلاء، فكانت الأمور تُلقى بأكملها على عاتق الوزير، فالوزير إذن رجل لا يستغني الأمير عنه أبداً، وهو يشارك الأمير في إمارته، بل يتحمّل أحياناً أتعاب الإمارة أكثر من أميره.

أمّا الرسول، فليست مهمّته إدارة البلاد وإن كانت هذه المهمة تُضاف إلى مهامّه أحياناً، ولكن واجب الرسول هو الدعوة إلى عبادة الله وإرشاد الناس إلى الدين الحقّ، وهو أمر شاقُّ ثقيل؛ لأنّ الإنسان لا يرغب في تغيير دينه الذي اكتسبه من آبائه، فيمتنع عن قبول دعوة الأنبياء، وتزداد الدعوة ثقلاً وصعوبة كلّما ازداد القوم عتواً وبغياً، وطغياناً وتجبّراً، وهذا ما كان من أمر فرعون الطاغي وما كان من أمر قريش المتكبّرين المتغطرسين.

فلزم أن يشارك الرسول في دعوته رجل من أقرب الناس إليه وأكثرهم إيماناً وعقلاً ودراية وتحمّلاً للصعاب، فاختار موسی علیه السلام في بداية بعثته هارون وزيراً،«هَارُونَ أَخِي»(1)، واختار رسول الله محمّد صلی الله علیه و آله وسلم علياً وزيراً، والتأريخ يشهد بذلك في حديث «الدار» و«الإنذار»

ص: 50


1- طه (20): 30.

وكان ذلك أوّل عهد الرسول بالدعوة، إذ أمره الله تعالى بإنذار أقربائه، وأورد القصّة كما في تاريخ الطبري»: حديث الإنذار: عن أبي حميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، عن عبدالغفّار بن القاسم، عن المنهال بن عمر، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلّب، عن عبدالله بن العباس، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: «لمّا نزلت هذه الآية

علی رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » دعاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا علي إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه حتى جاء جبرئيل، فقال: يا محمّد إنّك إلا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك فاصنع لنا صاعاً من الطعام، واجعل عليه رجل شاة، واملألنا غُسّاً(1) من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبدالمطّلب حتّى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به.

ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه،

ص: 51


1- العُسُّ : القدح الكبير (المعجم الوسيط 2: 600).

فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو الهب، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلمّا وضعته تناول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جذبة من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة (1)، ثمّ قال: خذوا بسم الله فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثمّ قال: اسق القوم. فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شاء أن يكلّمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحر کم صاحبكم، فتفرّق القوم، ولم يكلّمهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال الغد: يا علي، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ أجمعهم إليّ. قال: ففعلت، ثمّ جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا

ص: 52


1- إناءُ من آنية الطعام (المعجم الوسيط 1: 508).

حتّى مالهم بشيء حاجة، ثمّ قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا حتّی رووا منه جميعاً. ثمّ تكلّم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا بني عبدالمطلّب، إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالی أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي، وخليفتي فيكم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: وإنّي لاحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع»(1)

ص: 53


1- هذه الرواية صحّحها الطبري في «تاريخه، 2: 62 - 63، ولكنّ علماء أهل السنّة قالوا: إنّ جميع الرواة ثقات إلا عبدالغفّار بن القاسم المكّنى بأبي مريم، فقد ضعّفوه لتشيّعه وبهذا أرادوا ردّ الرواية. ولكن يوجد من أثنى على أبي مريم و وثّقه من علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة، فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه، وبالغ في مدحه وأسند إليه في «لسان الميزان» 4: 43 وصحّحه الخفاجي في «شرح الشفا» للقاضي عياض 3: 137،وحكى السيوطي في «جمع الجوامع» كما في ترتيبه 6: 396، تصحيح ابن جرير الطبري، وصحّحه العلامة المعتزلي أبو جعفر الإسكافي في كتابه نقض العثمانية، كما حكى ذلك تلميذه العلامة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3: 263. أما لدى علماء الشيعة فالحديث ثابت، لا نقاش فيه.

ورغم ثبوت الرواية سنداً لهم، إلا أنّ بعضهم حاول إخفاء الحقيقة فبتروا الجزء الخطير من الحديث، والذي يعيّن فيه علياً وصيّاً وخليفة له، فمثلاً في كتاب «تفسیر الطبري»، يذكر أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: «إنّ هذا أخي...»(1)، مع أنّ الطبري نفسه أخرج الحديث كاملاً في «تاريخه».(2)

والكاتب المصري محمد حسنین هیکل أخرج الحديث بكامله في كتابه «حياة محمّد» في صفحة 104 من الطبعة الأولى سنة 1354 هجرية، وفي الطبعة الثانية وما بعدها حذف من الحديث قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «وصيي وخليفتي من بعدي». هذا الحديث يبيّن أن رسول الله عیّن علياً وصيّاً و خليفة له في بداية الدعوة، وهكذا أصبح علي عليه السلام وزيراً لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يتحمّل

ص: 54


1- تفسير الطبري 19: 121.
2- راجع: تاریخ الطبری 2: 319۔ 321.

عنه أعباء الدعوة منذ نشأتها، كما كان من شأن هارون وموسی علهما السلام.

2. الأخوة:«هَارُونَ أَخِي»(1) ، كان هارون أخا موسی، والدليل على ذلك هذه الآية و آیات أخرى بنفس المعنى وكذلك:«وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(2)، حيث يخاطبه بابن أمّ، فهما إذن إخوان بالنسب، أمّا علي فليس أخا رسول الله نسبيّاً بل ابن عمّه، ومع ذلك ففي حديث الإنذار» الآنف الذكر يقول: «أخي ووصيّي وخليفتي»، وكأنّ الأخوّة النسبية بين هارون وموسي كانت تحمل معنى الأخوة في العمل المشترك من أجل تبليغ الدين إلى كافة الناس أيضاً، ولذلك جاءت هذه الأخوة في التناسب المذكور في حديث «المنزلة».

ص: 55


1- طه (20): 30.
2- الأعراف (7): 150.

3. شد الأزر «اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي »(1)، جاء في «لسان العرب»: ابن الأعرابي في قوله تعالى: «اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي » قال: «الأزر» القوّة، و«الأزرُ» الظَّهرُ، و«الأزر» الضعف. قال: فمن جعل الأزر القوّة، قال في قوله: «اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي » أي اشدد به قوّتي، ومن جعله الظهر، قال: شدّ به ظهري، ومن جعله الضَّعف، قال: شدّ به ضعفي وقوِّ به ضعفي(2).

وقد عبّر تعالی شأنه عن هذه المؤازرة في موضع آخر بشدّ العضد:«قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ »(3)، لاحظ أنّ الخطاب في هذه الآيات ومثلها في مواضع أخرى بالتثنية ليبيّن المشاركة في الدعوة بوضوح. فأراد النبيّ موسى بهذا الدعاء أن يقوّيه ربّه بهارون، فيكون ظهيراً له، ومساندة يعتمد عليه، و يتقوّى به وكان له من الله ذلك، وبالتالي فقد

ص: 56


1- طه (20): 31
2- لسان العرب 1: 132.
3- القصص (28): 35.

شدّ الله تعالى أزر رسوله محمدصلی الله علیه و آله وسلم أيضاً بعليّ ٍ عليه السلام، فمواقفه في الدفاع عن رسول الله ودعوته بعدد مواقف الرسول طوال الدعوة المباركة، فهو الوحيد الذي لبّى دعوة الرسول في يوم الإنذار، حتّى صار أخا الرسول وخليفته، وكان يسير خلف النبيّ في مكّة، ليدفع عنه كيد الكائدين من مشركي قريش، وفدّي النبي بنفسه ليلة الهجرة، ليخرج صلی الله علیه و آله وسلم آمناً من قتلة قريش، ثمّ أدّى الأمانات المودعة عند الرسول وجمع الفواطم وذهب بهنّ إلى يثرب، وكان سيف الرسول وسيف الإسلام طوال عهد النبيّ في المدينة، فكان أحد الثلاثة الذين قتلوا فرسان قريش في بداية معركة بدر، وكان قتلاه من الأعداء ذلك اليوم يساوي قتلى سائر المسلمين، وكان الوحيد الذي ظلّ ثابتاً يدافع عن الرسول حينما هرب الجميع يوم اُحد، وكان الوحيد الذي ضرب بالسيف يوم الأحزاب، فقتل بطل أبطال العرب عمرو بن عبدودّ، وحمل اللواء في فتح مكة ليعلن بأمر الرسول: «اليوم يوم المرحمة»، وفتح الله على يديه خیبر بعد أن خاب الخليفتان، فحظي بكلمة النبيّ الخالدة فيه: «سأعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله»،

ص: 57

وفي يوم المباهلة لم يصاحب النبيّ معه إلا الحسنين باعتبارهما الأبناء، وفاطمة بأنّها تمثّل النساء، وعلياً ليمثّل نفس النبيّ على ما في الآية الكريمة:«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »(1)، إلى غير ذلك من المواقف العظيمة التي شدّ علي فيها أزر الرسول بنفسه وبسيفه وبكلّ ما أوتي من قوّة.

ص: 58


1- آل عمران (3): 61

ملاحظات على المشاركة في الدعوة

1. استجابة دعاء موسی علیه السلام : قد يخطر ببال البعض أنّ آيات سورة طه تبيّن دعاء موسی ربّه، لإعطاء الله تعالی له، ولكنّ الآية التي تلي تلك الآيات تبيّن أنّ الله قد وهبه كلّ ما أراد: «قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى»(1)، فاستجاب الله تعالى كلّ ما طلبه موسی منه فجعل له وزيراً من أهله، هارون أخاه، وشدّ به أزره وأشركه في أمره، وبناءاً على المقارنة التي رسمها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقد جعل الله تعالى أخاه علياً وزيراً له وشدّ به أزره وأشركه في أمره، فسبّحا ربّهما كثيراً وذكراه كثيراً.

وإضافة إلى الآية المذكورة من سورة طه فقد أكّد تعالى هذا الأمر في سورة مريم أيضاً، فقال:«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا *وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا»(2)، ولم يستثن رسول الله من ذلك شيئا إلا النبوة المذكورة هنا في

ص: 59


1- طه. 36
2- مریم (19): 51-53

الآية 53، فيعتبر هارون بالنسبة إلى موسی حسب هذه الآية، وكذلك علي بالنسبة إلى النبي موهبةً إلهيةً ورحمة من الله لنبيِّه، وأخاً الرسوله الكريم.

2. الاستكبار في قبول الدعوة: الغريب في مقارنة حديث «المنزلة» أنّها تعمّ الآخرين أيضاً، فنجد أنّ من واجهوا الرسولين بالرفض، قد تصرّفوا بدوافع متشابهة، فقد رفض العتاة من مردة قریش قبول دعوة الحقّ، استكباراً منهم وتعالياً، وذلك لأنّ الرسول كان يتيماً قليل المال رغم انتمائه إلى أشرف فخذ من قریش وهي بني هاشم، وتشير الآية التالية إلى هذا الأمر:«وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ »(1) وتذكّر التفاسير أنّ المقصود من «الرجل العظيم» هو الوليد بن المغيرة ذو الأموال الطائلة والأولاد الكثير، وقد استكبر هذا الوليد على رسول الله معتزّاً بالأموال والأولاد في مواجهة أمر الباري عزّ وجلّ، يقول تعالى في سورة المدّثّر:«فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ *عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ *ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا

ص: 60


1- الزخرف (44): 31.

*وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا *وَبَنِينَ شُهُودًا *وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا *ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ *كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا *سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا *إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ *فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ نَظَرَ *ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ *ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ »(1)

ص: 61


1- يروي «تفسير الميزان» في المجلد العشرين في ذيل هذه الآيات ما يلي: في «تفسير القمّي» في قوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) - إلى قوله . وحيداً فإنّها نزلت في الوليد بن المغيرة و كان شيخاً كبيراً مجرّباً من دهاة العرب، وكان من المستهزئین برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. و كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم یقعد في الحجر ويقرء القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمّد؟ أشعر هو، أم كهانة، أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال: يا محمّد أنشدني من شعرك، قال: «ما هو شعر، ولكنّه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله، فقال: اتل عليّ منه شيئاً؛ فقرء عليه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حم السجدة، فلمّا بلغ قوله: («فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)») (فصلت (41): 13) قال: فاقشعر الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته، ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك. فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إنّ أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد، أما تراه لم يرجع إلينا، فغدا أبو جهل إلى الوليد، فقال: يا عمّ نکست رؤوسنا وفضحتنا واشمت بنا عدوّنا وصبوت إلى دين محمّد، فقال: ما صبوت إلى دينه ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود، فقال له أبو جهل: أخطب هو؟ قال: لا، إنّ الخطب كلام متّصل وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضاً.قال: أفشعر هو؟ قال: لا، أما إنّي لقد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر. قال: فما هو؟ قال: دعني أفكر فيه. فلمّا كان من الغد، قالوا له: يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال: قولوا: هو سحر؛ فإنّه آخذ بقلوب الناس، فأنزل على رسوله صلی الله علیه و آله وسلم في ذلك:(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ) وفي «الدرّ المنثور» أخرج الحاكم وصحّحه والبيهقي في الدلائل» من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه، فقال: يا عمّ إن قومك يريدون أن يجعلوا لك مالاّ ليعطوه لك، فإنّك أتيت محمّداً لتصيب ممّا عنده. قال: قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنّك منكر أو أنّك كاره له، قال: وماذا أقول، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منّي، لا برجزه ولا بقصیده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، و والله إنّ لقوله الذي يقوله حلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنّه ليعلو ولا يعلى، وإنّه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه، قال: دعني حتّى أفكر، فلمّا فکّر قال: ما هو إلا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ). (الميزان في تفسير القرآن 20: 92-93)

وبنفس المعنی استكبر فرعون أمام موسی، فازدری موسى وقومه كما في سورة المؤمنون: «ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *«إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ *«فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ *«فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ

ص: 62

الْمُهْلَكِينَ) ، ثمّ ترفع فرعون علی موسی بأمواله وملكه، كما في سورة الزخرف: «وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ *«أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ *«فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)(1)

3. اتّهام الرسول بالسحر: والغريب أنّ الوليد بن المغيرة، قد قال في رسول الله نفس ما قاله فرعون في موسى، فقد ادّعى الوليد أنّ القرآن سحرٌ يسحر به النبيّ مستمعيه، اقرأ باقي آیات سورة المدّثّر: «فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ *«إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ *«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *«وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ )(2) وادّعى فرعون أيضاً أنّ موسی ساحر، اقرأ قوله تعالى في سورة يونس:

«ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ *«فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ)(3)

ص: 63


1- الزخرف (43): 51 - 53.
2- المدثر (76): 46. 27.
3- يونس (10): 75 - 76.

4. نزول الكتاب السماوي عليهما: اقرأ هذه الآية: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ »(1)، واضح أنّ الضياء الذي اُوتي موسى وهارون، هو التوراة التي تفرق بين الحقُّ والباطل، فهي فرقان تضيء الطريق أمام المتّقين وتذكّرهم بآيات الله، ولكنّ التوراة قد نزلت علی موسی خاصّة، فكيف يشارك هارون أخاه موسی في التوراة، حتّى يصحّ القول فيهما معاً: (آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ) ، ولا أظنّ أن يكون المقصود أنّ أوامر التوراة ونواهيها وإرشاداتها تعمّهما معاً، لأنها تعمّ جميع الناس في زمنهما، فكان يجب أن يقول إذن: «آتَينَا مُوسَى وقومه»، إذن فقد أشرك الله هارون مع موسى في استقبال الوحي بالتوراة.

وأوضح من ذلك ما جاء في سورة الصافات: «وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ *وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ »(2)ولكنّنا لا نقول ذلك في علي علیه السلام، فالظاهر أن قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا نبي بعدي» يستثني ذلك.

ص: 64


1- الأنبياء (21): 48.
2- الصافّات (37): 118_117 .

الخلافة

اشارة

لم يكن هارون مجرّد شريك للدعوة بحضور موسى، وإنّما كان خليفة له عند غيابه أيضاً، فقد استخلفه موسي عليه السلام عند ذهابه إلى لقاء ربّه، قال تعالى:«وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »(1)

قد يظّن البعض أنّ استخلاف عليٍّ علیه السلام يوم تبوك لا يدلّ إلا على أنّ علياً كان بطلاً شجاعاً يستطيع الدفاع عن المدينة في غياب جيشها، ولكنَّ النبيَّ يقارن بين استخلافه وبين استخلاف هارون، عند ذهاب موسى إلى ميعاد ربّه، ولم تكن هناك حرب ولا خطرٌ على قوم موسی، ولم يشتهر هارون بالبطولة في القتال، إذن فقد كان اختيار موسى لهارون لخلافته بنفس الدليل الذي اختار به هارون لمشاركته في الدعوة، وهو أنّ هارون كان أفضل أمّته، وكان يثق به تمام الثقة، وبالتالي فإنّ استخلاف علي عليه السلام في تبوك وقول النبيِّ له: «أما ترضی أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسی» دلیلٌ

ص: 65


1- الأعراف (7): 142.

على أنّه كان أفضل أمّة النبي، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم يثق به تمام الثقة.

ص: 66

ملاحظات على الخلافة

1. هذه الخلافة تعني الولاية على الناس: يتبيّن من وصيّة موسى لهارون عند استخلافه اله، أنّ هذه الخلافة كانت ولاية على الناس حيث يقول له موسى في الآية 142 المذكورة آنفاً من سورة الأعراف بعد ما يأمره بالخلافة: «وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »، ومثل هذه النصيحة تقال لمن يراد منه أن يتولّى أمر الناس، والدليل الآخر على ولاية هارون أنّ موسى عاتبه بعد رجوعه لما رأى من انحراف قومه وهذا يدلّ على أنّ هارون كان مسؤولاً تجاه أعمال القوم، اقرأ في سورة الأعراف: «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ »(1) ومن هنا نستنتج أنّ خلافة علي لرسول الله أيضاً كانت تعني الولاية، ولا تقتصر على أيّام غزوة تبوك، وإنّما هي ولاية عامّة في غياب الرسول، وخصوصاً أنّ الرسول قد كرّر حدیث «المنزلة» في غير تبوك أيضاً، ليؤكّد أنّ تلك الولاية

ص: 67


1- الأعراف (7): 150.

عامة، لا تخصّ أيّام تبوك.

2. رفض الناس لهذه الخلافة: لم يعاند بنو إسرائيل هارون فور ذهاب موسى للقاء ربّه، والظاهر أنّهم كانوا خائفين من موسى، ومن مؤاخذته إيّاهم إذا رجع، واستمرّوا كذلك مدّة ثلاثين يوماً حيث وعد موسی بالعودة بعدها، ولكنّه تأخَر عنهم بأمر ربّه عشرة أيّام:

«وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً »(1)، فتمرّدوا على هارون ولم يهتمّوا بأوامره ولا بإرشاداته، يقول تعالى:«وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي *قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى »(2)

واقرأ الآن في سورة الأعراف ما فعل القوم: «وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ *وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ

ص: 68


1- الأعراف (7): 142.
2- طه (20): 90-91

مِنَ الْخَاسِرِينَ »(1)

وعاد موسی فرأى انحراف القوم وشرع في المؤاخذة فبدأ بأخيه، ولكن هارون بیّن له أنّ عدم مقدرته على أداء تلك المسؤولية لم تكن النقص فيه، إنّما لاستضعاف الناس إيّاه:«... قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ »(2)

وقد استضعف الناس علياً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تاء وتركوه، ولكنّ المؤسف هو أنّ رسول الله لم يكن ليعود كما عاد موسی، و كان القوم يدركون ذلك، فلم ينتظروا ثلاثين يوماً كما انتظر بنو إسرائيل، بل لم يصبروا حتّى يُدفن رسول الله واحتجّوا بأوهن الحجج وهي أن النبوّة والخلافة لا تجتمعان في بيت واحد، ولكن مَن يقدر على مؤاخذتهم وقد تقمّصوها وتقلّدوها؟ اُنظر ما قالوا:

يذكر بأنّ عمران بن حصين وأبا بريدة قد نبَّها أبا بكر على بيعة الغدير، إذ قالا لأبي بكر:

ص: 69


1- الأعراف (7): 148 - 149
2- الأعراف (7): 150 - 151.

قد كنت يومئذٍ فيمن سلَّم على الإمام علي بإمرة المؤمنين، فهل تذكر ذلك اليوم أم نسيته؟ قال: بل أذكره، فقال أبو بريدة: فهل ينبغي على أحد من المسلمين أن يتأمّر على أمير المؤمنين؟ فقال عمر: إنّ النبوّة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد. فقال بريدة:«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا »(1)، فقد جمع الله لهم النبوّة والملك. وقال: فغضب عمر وما زلنا نعرف من وجهه الغضب حتى مات (2).

وفي رواية أخرى: قال عمر لعبدالله بن عبّاس: إنّ قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة، فتذهبون في السماء بذخاً وشمخاً.(3)

وروي أن معاوية أقبل يوماً على بني هاشم، فقال: يا بني هاشم إنّكم تريدون أن تستحقّوا الخلافة، كما استحققتم النبوّة ولا يجتمعان الأحد...، فقال له ابن عباس: أمّا قولك: إنّا لا

ص: 70


1- النساء (4): 54.
2- المناقب، ابن شهر آشوب 2: 252.
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 1: 189. _ بَذَخَ: عظم. (المعجم الوسيط 1: 45) شَمَخ: ارتفع. (المعجم الوسيط 1: 493)

نستحقّ الخلافة بالنبوّة، فإن لم نستحقّها بالنبوّة، فبمّ نستحقّها؟ وأمّا قولك: إنَّ النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد، فأین قول الله تعالى:«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»، فالكتاب: النبوّة والحكمة: السنة، والملك: الخلافة، نحن آل إبراهيم، أمر الله فينا وفيهم واحد والسنّة لنا ولهم جارية (1).

3. الصبر على النوائب خوفاً من تفرّق الأمّة: رغم استضعاف القوم لهارون عليه السلام إلا أنّ هارون لم يكن ذلك الإنسان الضعيف الذي يستسلم أمام اوّل نائبة تحدث له، ولكنّه خشي من اختلاف الأمّة و تفرّقها وبالتالي فنائها، وإذا حصل ذلك ضاعت كلّ أتعاب أخيه، ولم تقم الدين الله قائمة، فاضطرّ أن يصبر، وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، يقول تعالى:«قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا *اَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي *قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي »(2)

واقرأ الآن الشقشقة التي هدرت من صدر

ص: 71


1- الدر المنثور 2: 173.
2- طه (20): 92_94

على علیه السلام ثم قرَّت، وقارن بينها وبين ما قاساه هارون من بني إسرائيل، مع وجود الفارق العظيم وهو عودة النبي موسى علیه السلام وعدم عودة نبيّنا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، يقول علي عليه السلام في الخطبة الثالثة من خطب نهج البلاغة: «أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ [ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ] وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا»(1)

وأمّا سبب صبر علي فاسمعه منه: «من كتاب أمير المؤمنین علیه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان: «...و قد كان أبوك أتاني حین ولیّ الناس أبا بكر، فقال: أنت أحقّ بعد محمد صلی الله علیه و آله وسلم بهذا الأمر، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك، أبسط يدك أبايعك، فلم أفعل. وأنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك وأراده حتی كنت أنا الذي أبيت، لقرب عهد الناس بالكفر، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام».(2)

ص: 72


1- نهج البلاغة (صبحي صالح): 48، الخطبة 3.
2- وقعة صفين: 91: المناقب (الخوارزمي): 224؛ شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 15: 78؛ بحار الأنوار 33: 113؛ راجع: أنساب الأشراف: 281؛ والعقد الفرید 2: 111.

خلاصة الكلام

1. حديث المنزلة: هو الحديث النبوي الشريف الذي يقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيه لأمير المؤمنين عليّ علیه السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي».

2. صحّة الحديث ومیزنه: حديث المنزلة حدیث متواتر، ذكره معظم كتب الصحاح لدى أهل السنّة و كثير من الكتب الموثوقة عند

الشيعة، ويمتاز هذا الحديث على سائر الأحاديث بميزة هامّة، وهي أن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم قد کرّره في مواقف مختلفة ممّا يدلّ على اهتمامه به، وأشهر تلك المواقف عند الخروج لغزوة تبوك، حيث كان معظم الصحابة مجتمعين.

3. الاستثناء: وجود الاستثناء: «إلا أنّه لا نبيّ بعدي» - في الحديث يدلّ على أنّ المقارنة صادقة في جميع الموارد على الإطلاق، ما عدا هذا الاستثناء، ولا ينقص الاستثناء من منزلة علي عليه السلام شيئاً، لأنّه لم يقل أنّ علياً لم يستطع في هذا المجال أن ينال منزلة معادلة لهارون، بل إنّ عدم نيل علي عليه السلام لهذه المرتبة كان لمجرّد أنّ النبوّة قد انتهت وخُتمت برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 73

4. الأفضلية: حيث أن نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم أفضل من موسی عليه السلام، إذن فعلي عليه السلام أيضا أفضل من هارون علیه السلام، وبالتالي هو أفضل أيضاً من الأنبياء الذين يفوقهم هارون في الفضل.

5. المشاركة في الدعوة: تدلّ آيات كثيرة في القرآن الكريم، ومنها هذه الآيات: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي » انّ علیاً کان أخاً ووزيراً للنبيّ وشريكاً له في أمر إبلاغ الدعوة إلى الناس، وقد شدّ الله تعالى أزر النبيّ به، كما شدّ أزر موسی بهارون.

6. الخلافة: تدلّ هذه الآية الكريمة:«وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ » على أنّ علياً هو خليفة الرسول، كما كان هارون خليفة موسى، وأنّ هذه الخلافة تعني الولاية العامّة وإن رفضها الناس.

ص: 74

فهرس المصادر

1. الاستيعاب في معرفة الصحابة، ابن عبدالبّر، تحقيق: علي محمد البجاري، دار الجيل، بیروت، 1417 ق.

2. اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، اسماعیلیان، تهران.

3. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمیہ، بیروت، 1415 ق.

4. الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق: مؤسسة البعثة، مركز الطباعة والنشر، قم، 1417 ق.

5. الأمالي، الشيخ الطوسي، دار الثقافة للطباعة والنشر، قم، 1414 ق.

6. الإمامة وأهل البيت، محمد بيومي مهران، مرکز الغدير للدراسات الإسلامية، 1415 ق.

7. أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 1394 ق.

8 بحارالأنوار، العلامة المجلسي، تحقيق: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1403 ق.

ص: 75

9. البدء والتاريخ، مطهر بن طاهر المقدسي، باريس، 1899 م.

10. تاريخ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المطبعة بريل، لیدن، 1879 م.

11. تاريخ بغداد، أبوبكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: مصطفی عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 ق.

12. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، تحقيق: علي شيري، دار الفکر، بیروت، 1415 ق.

13. تحفة الأحوذي، المباركفوري، بيروت.

14. تفسير الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، القاهرة، 1957 - 1969 م.

10. تهذیب خصائص أمير المؤمنين علي بن ابیطالب، النسائي، بيروت، 1983 م.

16. جمع الجوامع، السيوطي.

17. حياة محمد، محمد حسنين هيكل، الطبعة الأولي، 1354 ق.

18. خاتم النبيين، أبو زهره، دار الفكر، القاهرة.

19. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، النسائي.

20. الخصال، الشيخ الصدوق، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، منشورات جامعة المدرسين، قم، 1403 ق.

21. الدرّ المنثور، جلال الدين السيوطي، دار المعرفة

ص: 76

للطباعة والنشر، بيروت.

22. ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى، أحمد بن عبدالله الطبري، مكتبة القدسي، 1356 ق.

23. الرياض النضرة، المحبّ الطبري (أحمد بن عبدالله)، القاهرة، 1953 م.

24. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، بیروت، 1985 م.

25. سنن ابن ماجه، محمد بن یزید القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1395 ق.

26. سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عیسی الترمذي، إعداد: هشام سعيد البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

27. سيرة ابن هشام، أبو محمد عبدالملك بن هشام الحميدي، تحقيق: مصطفى السقاء، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

28. السيرة الحلبيه، الحلبي، دار المعرفة، بیروت، 1400 ق.

29. السيرة النبوية، ابن کثیر، تحقيق: مصطفی عبدالواحد، دار المعرفة، بیروت، 1396 ق.

30. شرح نهج البلاغه، ابن أبي الحديد، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية

31. صحيح البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل

ص: 77

البخاري، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ق.

32. الصحيح، أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الحزم، بیروت، 1416 ق.

33. الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، بيروت، 1983 م.

34. الطبقات الكبري، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

35. العقد الفرید، ابن عبدربه، بیروت، 1983 م.

36. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تحقيق و تقدیم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385 ق.

37. فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، مكة المكرمة، 1983 م.

38. الكافي، الشيخ الكليني، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، تهران، 1363.

39. کشف الغمه، ابن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت.

40. کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تصحیح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

41. کنز العمّال، المتّقي الهندي، مؤسسة الرسالة،

ص: 78

بیروت، 1409 ق.

42. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 1390 ق.

43 مجمع الزوائد، الهيثمي، دار الكتب العلمية، بیروت، 1408 ق.

44. محمد رسول الله، محمد الصادق عرجون، دمشق، 1985 م.

45. مختصر السيره، محمد بن عبدالوهاب.

46. مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن حسين المسعودي، بیروت، 1982 م.

47. المسند، أحمد بن حنبل، دار صادر، بیروت.

48. مشکل الآثار، الطحاوي، حیدر آباد، 1333 ق.

49. المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمّد الراغب الأصبهاني، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار العلم، دمشق.

50. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376 ق.

51. المناقب، الموفق الخوارزمي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1414ق.

52. الميزان في تفسير القرآن، سید محمد حسین الطباطبائي، منشورات جماعة المدرسین، قم.

53. وسائل الشیعه، الشيخ الحر العالمي، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام لإحياء التراث، مهر، قم،

ص: 79

1414 ق.

54. وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، المدني، مصر، 1382 ق.

ص: 80

فهرس المطالب

المقدمة ... 9

الأمر الأول: ... 11

تکرار صدور الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ...13

أولاً: حديث غزوة تبوك أو ما... 14

1. رواة أهل السنّة ...14

2. رواة الشيعة ... 21

ملاحظات على حديث غزوة تبوك... 24

ثانياً: حديث المنزلة في غير تبوك ...26

1. رواة أهل السنّة ...26

2. رواة الشيعة ...28

ملاحظات على الحديث في غير تبوك:... 34

تواتر الحديث ...35

المقارنة والاستثناء في الحديث...38

ملاحظات على المقارنة ... 38

الأمر الثاني: حديث المتزلة في القرآن ...43

المشاركة في الدعوة ...46

بعثة النبي العظيم موسى علیه السلام... 46

استعانة موسی بهارون... 47

إشراك هارون مع موسی...48

ص: 81

المقارنة بين علي وهارون ... 49

2. شدّ الأزر...56

ملاحظات على المشاركة في الدعوة...59

الخلافة ...65

ملاحظات على الخلافة ... 67

خلاصة الكلام...73

فهرس المطالب ... 81

ص: 82

قائمة الكتب العربية الصادرة عن مؤسسة المعارف الاسلامية

الصوره

ص: 83

الصوره

ص: 84

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.