موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 13 و 14 المکاسب المحرمة

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 13 و 14 المکاسب المحرمة/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 1200ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

كتاب «المكاسب المحرّمة» حصيلة تدريس الإمام الخميني قدّس سرّه للفقه على مستوى ما يسمّى بالخارج في الحوزة العلمية، بقم المقدّسة، من عام 1377 ق إلى عام 1380 ق بعد إكمال مباحث «كتاب الطهارة».

ثمّ إنّ البحث حول المكاسب المحرّمة وإن كان مطروحاً في أوّل كتاب «البيع» أو «التجارة» من تأليفات الفقهاء، ولكنّه لا يختصّ بالبيع المحرّم، بل يشمل عامّة المعاملات المحرّمة حرمةً تكليفية ومن هذا المنظار يعتبر هذا البحث من الأبحاث الخطيرة في الفقه، ومن خلاله يتعرّض الفقهاء للبحث عن محرّماتٍ شرعية اُخرى لا صلة لها بالمعاملات إلاّ قليلاً كالغيبة والكذب.

بعد أن ألّف اُستاذ الفقهاء والمجتهدين والعلاّمة المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري قدّس سرّه (1214 - 1281 ق) كتاب «المكاسب المحرّمة» وطرح هذه الأبحاث بصورة تفصيلية، صار هذا الكتاب محوراً رئيسيّاً للتدريس والتحقيق، وكتَب الفقهاء من بعده تعليقات وشروحاً على كتابه.

أمّا كتاب «المكاسب المحرّمة» للإمام الخميني قدّس سرّه فلم ينظّم كشرح ولا

ص: 5

تعليقة لكتاب الشيخ الأعظم قدّس سرّه ولكنّه من حيث ترتيب الأبواب والفصول يحاكي تماماً نظيره في الاسم كما يتعرّض لأدلّة الشيخ والمحشّين على كتابه وما طرح كلّ منهم من النقد والإشكال، ولكنّ الإمام الخميني قدّس سرّه سلك مسلكاً مستقلاًّ في الدخول إلى المباحث والخروج منها وانتخاب الأدلّة بحيث لا يمكن التطرّق إلى كتاب الشيخ قدّس سرّه وأبحاثه بالرجوع إلى هذا الكتاب، بل هناك صعوبات يواجهها كلّ من حاول هذا الأمر. كما أنّ بعضاً من الأبحاث كالتنجيم والسحر لم يرد منه شيء في الكتاب.

ممّا يمتاز به هذا الكتاب عن نظائره، اهتمام بالغ من الإمام قدّس سرّه بفقه الحديث وفهم الروايات ولذلك نشاهد كثيراً في المباحث إبداعاً للاحتمالات والبحث حولها والترجيح للمعنى المختار اعتماداً على الفهم العرفي واُسلوب الكلام وكذلك الجمع بين الأخبار المتعارضة ظاهراً.

دار البحث في هذا الكتاب عن مسائل اُصولية وقواعد فقهيّة في مواضع اقتضت المناسبة ذاك الأمر ومن جملتها: مباحث العلم الإجمالي والاستصحاب، والسرّ في عدم التعارض بين أدلّة المندوبات والمحرّمات ورفع الإكراه والاضطرار، وفروعات من أصالة الصحّة وأصالة الحلّية، وقاعدة التقيّة، والملازمة بين حكم العقل والشرع.

انتهى تأليف هذا الكتاب في الثامن من جمادى الاُولى 1380 ق / 1339 ش ونُشر لأوّل مرّة في عام 1381 ق برعاية من المرحوم آية اللّه الشيخ مجتبى الطهراني قدّس سرّه من تلاميذ سماحته.

ثمّ نشرت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني هذا الكتاب في عام

ص: 6

1415 ق مع مقابلة بالنسخة المخطوطة الأصلية وتحقيق جديد إضافة إلى مصادر الأقوال والإتيان بالعناوين والتحرير والفهارس الفنية العديدة ومقدّمة مفصّلة حول منهج الإمام قدّس سرّه الفقهي.

منهجنا في التحقيق

وما قمنا به في طريق تحقيق هذا الكتاب عبارة عن الاُمور التالية:

1 - المقابلة بالنسخة الخطّية بقلم الإمام قدّس سرّه وهي النسخة الأصلية.

2 - تخريج الآيات والأحاديث الواردة في هذا الكتاب من مصادرها الأصلية، وكان همّنا انطباق المصادر الحديثية مع ما في النسخة الخطّية التي كانت بخط الإمام الراحل قدر المستطاع.

وفي صورة الاختلاف كانت تلحظ الطبعات المختلفة (القديمة والحديثة) وإذا كانت النسخة الخطّية تطابق أيّ واحد من تلك الطبعات ذكرت تلك الطبعة أوّلاً واُشير إلى الطبعات الاُخرى ثانياً.

3 - تخريج أقوال الفقهاء والعلماء الذين ذكرت أسماؤهم في أثناء الكتاب وأبحاثه ممّن اُشير إليهم بالصراحة، أو بعنوان: «قيل» أو «يقال» أو بصورة «الدعوى» وذلك من مصادرها الأصلية. وعبّرنا بلفظ «اُنظر» فيما لو لم نتمكّن من تحديد صاحب القول الأصلي، أو لم نعثر على القول في كتابه، أو لم يكن المنقول مطابقاً للموجود في الكتاب.

على أنّ الإمام قدّس سرّه ربّما ذكر احتمالاً أو اعتراضاً، أو إشكالاً في بعض المواضع من البحث من دون أن يكون له قائل أو محتمل ظاهراً، وإنّما هو احتمال بدر إلى ذهنه الشريف، وجال في خاطره المبارك.

ص: 7

4 - تقويم نصّ الكتاب وتقطيع عباراته وجعل علائم الترقيم.

5 - حيث إنّ كتاب «المكاسب المحرّمة» كان مليئاً بالموضوعات الفقهية المتنوعة، وقد تعرّض الإمام لهذه الموضوعات تحت عنوان كلّي في الغالب، ولم يبوّبها أو لم يفتح لها عنواناً خاصّاً، لذلك سعينا إلى أن نضع لهذه الموضوعات عناوين مستقلّة بصورة أصلية أو فرعية، ولهذا فإنّ أكثر العناوين الموجودة في هذا الكتاب قد جُعلت من قبلنا من باب التيسير والتسهيل، وقد أضفناها إلى الكتاب اقتباساً من أبحاث الإمام المؤلّف الجليل.

6 - حيث كانت طبعات بعض مصادر التحقيق مختلفة، لهذا عمدنا - مضافاً إلى ترتيب فهرس للمواضيع - ترتيب فهرس لمصادر التحقيق مشيرين إلى طبعة تلك المصادر.

7 - في المواضع التي كان سند الرواية في نصّ الكتاب ضعيفاً حسب نظر الإمام، أشرنا إلى سبب التضعيف بمراجعة الكتب الرجالية، في الهامش.

الآن نقدّم الكتاب إلى المشتاقين مع تصحيح من جديد وإكمال وإصلاح للتحقيقات السابقة والإتيان بالمصادر وفقاً للطبعات الجديدة من الكتب ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ختاماً نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لجميع الأفاضل الذين ساهموا في هذا المشروع المبارك لنشر هذه الموسوعة ، ونسأل الباري أن يوفّقهم جميعاً ويثيبهم من فضله .

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 8

مقدّمة بقلم آیة الله السیّد محمّد الهاشمي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي جعل الكمال كلَّه في التفقّه

في الدين، وجعل التفقّه في الدين طريقاً إلى امتثال

أوامره ونواهيه، ومفتاحاً للدخول إلى جنّة رضاه، ونيل مثوباته ومواعيده.

والصلاة والسلام على الهادي إلى الطريقة المثلي، والمبشّر بالسعادة العظمى، الداعي إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وآله مصابيح الدجى، والحجج الواضحة لأهل الحجى، وسلّم تسليماً.

أمّا بعد؛ فهذا الكتاب الفقهيّ القيّم «المكاسب المحرّمة» هو من تآليف المرجع الديني آية اللّه العظمى الإمام السيّد روح اللّه الخميني - قدّس اللّه نفسه الزكيّة - مفجّر الثورة الدينيّة المظفّرة، ومؤسّس الحكومة الإسلاميّة المباركة.

وقد أ لّفه سماحته على نهج اُستاذ الفقهاء والمجتهدين، الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه «المكاسب» مع إضافات نافعة، وتحقيقات رائعة.

وقبل أن نستعرض منهج الكتاب واُسلوب مؤلّفه العظيم، ونقف على ما فيه من جهات القوّة والعمق ينبغي أن نسلّط الضوء على شخصية مؤلّفه الجليل، وأبرز الجوانب في حياته الفكرية والعلمية، جرياً على ما هو المتعارف في تقديم

ص: 9

المؤ لّفات والكتب وإن كان رحمه الله علیه غنيّاً عن التعريف، مستغنياً عن التوصيف.

لمحاتٌ عن المؤلّف وحياته العلمية

وُلِدَ الإمام الخميني قدّس سرّه في العشرين من شهر جمادي الثانية عام 1320 ق،وتلقّى دروسه الابتدائية في العلوم الإسلامية، حتّى كتاب «شرح اللمعة الدمشقية»، وشيء من «كتاب المطوّل» في مسقط رأسه «خمين».

وفي سنة 1239 ق، هاجر إلى مدينة «أراك» وواصل دراسته العلمية هناك مدّة تقارب السنة.

وفي سنة 1340 ق، وفي أعقاب هجرة آية اللّه العظمى الحائري اليزدي إلى مدينة قم المقدّسة هاجر الإمام (المترجم له) إلى هذه المدينة المقدّسة، وتلقّى السطوح على آية اللّه المرحوم الحاج السيّد محمّد تقي الخونساري، والقسم الأكبر منها على آية اللّه المرحوم السيّد علي اليثربي.

كما وتلقّى دروس الفلسفة والرياضيات على السيّد ميرزا علي أكبر اليزدي والسيّد أبو الحسن الرفيعي القزويني، وأخذ عمدة العلوم العرفانية والمعنوية على العارف الكامل المرحوم آية اللّه الميرزا محمّد علي شاه آبادي، وكان أكثر استفادته في مجال الدراسات العليا (وما يسمّى بالخارج) في الفقه والاُصول من دروس آية اللّه العظمى الحائري اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية بقم المقدّسة، وإن استفاد قدّس سرّه من علماء آخرين من الأساطين كالشيخ محمّد رضا مسجد شاهي - صاحب كتاب «وقاية الأذهان» في علم الاُصول - والسيّد مير محمّد صادق الأصفهاني وهو جدّ الشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي رحمه الله علیه .

ص: 10

وبعد رحيل المرحوم آية اللّه العظمى اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية والتحاقه بالرفيق الأعلى وهجرة آية اللّه العظمى البروجردي إلى قم باستدعاء جماعة من الأعلام وفي طليعتهم الإمام (المترجم له) حيث كان له حظّ كبير في هذا المجال، وكان سماحة الإمام (المترجم له) يحضر درس آية اللّه البروجردي ترويجاً له، ودعماً لمرجعيّته، وقد بدأ في نفس الوقت تدريس الفقه والاُصول على مستوى ما يسمّى حسب الاصطلاح الحوزوي بدرس الخارج، حيث استمرّ تدريسه هذا، وفي هذا المستوى إلى آخر يوم من أيّام إقامته في النجف الأشرف في العراق.

والجدير بالذكر أنّه كان لسماحته رحمه الله علیه ، حلقة درس في الأخلاق كان يحضرها النخبة من أهل الفضل والعلم، وكان لهذا الدرس أثر كبير في تربية من كانوا يرتادونه ويواظبون عليه وهم كثير، وتهذيب نفوسهم.

مصنّفاته ورسائله

إنّ لسماحة الإمام الراحل - مؤ لّف هذا الكتاب القيّم والسفر الثمين - مؤ لّفات قيّمة في موضوعات شتّى من الفقه والاُصول والفلسفة والعرفان والأخلاق، يزيّن ما طبع منها رفوف المكتبات العامّة والخاصّة وينتظر ما لم يطبع منها فرصة الظهور إلى عالم المطبوعات والكتب.

ونحن نذكر هنا طائفة من تلكم المؤ لّفات مشيرين إلى بعض ما لها من خصوصيّات:

1 - كتاب «الطهارة» في أربعة مجلّدات.

ص: 11

2 - كتاب «البيع» في خمسة مجلّدات، ولنا أن ندّعي - بكلّ يقين - أنّ الأبحاث الواردة في هذا الكتاب تعتبر دائرة معارف في الأحكام الحقوقية الإسلامية، وأ نّه لم يكتب إلى الآن نظيرها في الدقّة والعمق، بالإضافة إلى التتبّع.

3 - كتاب «الخَلَل في الصلاة».

4 - كتاب «الرسائل في اُصول الفقه» وهو يضمّ رسائل في موضوعات متنوّعة مثل: لا ضرر، والاستصحاب، والتعادل والترجيح.

5 - «تعليقة على كفاية الاُصول» وهي جزءان وقد طبعتهما مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام تحت عنوان «أنوار الهداية».

6 - مجلّدان في مباحث الألفاظ من الاُصول وقد طبع المجلّدان تحت عنوان «مناهج الوصول» مع تعليقات وتذييلات من «مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام».

7 - «تحرير الوسيلة» وقد كان أصل هذا الكتاب هو كتاب «وسيلة النجاة» لآية اللّه العظمى والمرجع الفقيد المرحوم السيّد أبو الحسن الأصفهاني، وقد علّق عليها الإمام قدّس سرّه ثمّ جمع بين المتن والتعليقة وأضاف إليها الكتب والأبواب التي لم تكن في «وسيلة النجاة»، ككتاب الحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحدود والقصاص والديات، وكان ذلك أثناء إقامته في منفاه بتركية، حيث اُقصي إليها من وطنه ظلماً من قبل الطاغوت المباد.

8 - «تهذيب الاُصول» وهي تقريرات لأبحاثه العليا في الاُصول من أوّله إلى آخره.

ص: 12

9 - «المكاسب المحرّمة» في مجلّدين - وهو هذا الكتاب - وسنشير إلى منهجه فيه عند بيان منهج الإمام واُسلوبه العلمي.

10 - وكتب في العرفان والأخلاق والفلسفة ك- «مصباح الهداية» و«سرّ الصلاة» و«آداب الصلاة» و«شرح الأربعين حديثاً»، التي طُبعَ أكثرها بواسطة المؤسّسة المذكورة.

وغير ذلك من عشرات الكتب والمؤ لّفات التي تتضمّن أبحاثاً معمّقة وتحقيقات دقيقة في موضوعات متنوّعة من الحديث والفلسفة والعرفان والأخلاق والعقائد والتفسير وغيرها تنوف على خمسة وثمانين كتاباً، تركنا ذكر أسمائها وخصوصيّاتها في هذه المقدّمة رعاية للاختصار.

منهجه العلمي واُسلوبه الاجتهادي

لقد تميّز الإمام الخميني من بين الفقهاء باُسلوبه العلمي ومنهجه الخاصّ به في العملية الاجتهادية، وهو أمر لو أراد أحد الوقوف عليه لزم أن يستعرض عطاؤه العلمي برمّته ويطالع بإمعان آثاره الفقهية والاُصولية والفلسفية.

ونحن نشير - هنا - إلى ملامح من اُسلوبه العلمي ومنهجه في التحقيق، والعملية الاجتهادية:

1 - إنّ ما يُعتبر من أبرز ملامح الاُسلوب العلمي الذي تميَّز به الإمام الراحل هو التفكير الكثير في كلّ مسألة من المسائل.

فقد كان رحمه الله علیه يولّي أقوال الفقهاء اهتماماً خاصّاً، إلاّ أ نّه كان يسعى دائماً إلى أن يحصل بنفسه على مطلب جديد ونكتة خاصّة من الروايات، وكان يتّقي بشدّة

ص: 13

أن يكون مقلّداً للشخصيات العلمية، وإن كانت من أصحاب المنزلة الفقهية والعلمية الرفيعة.

2 - كان رحمه الله علیه يتجنّب بشدّة إدخال العلوم العقلية وإقحامها في الفقه والعلوم النقلية، فهو قدّس سرّه رغم أ نّه كان من أصحاب النظر والرأي في العلوم العقلية والفلسفية، بل كان من المبتكرين في هذه المجالات، إلاّ أ نّك لاتجد أدنى أثر لدخالة أمثال هذه المسائل في اُسلوبه الاجتهادي، وتحقيقاته الفقهية.

وهذا - هو بالذات - من الامتيازات البارزة، أعني: أن يعرف المرء الحدود المعيّنة لكلّ علم فلا يتجاوزها ولا يتعدّاها.

وإنّنا لنشاهد كيف أنّ بعض العظام من الفقهاء لم يراع هذه الناحية، إلى درجة أنّ آراءهم الفقهية أصبحت معزولة لا يلتفت إليها الآخرون، ولا يعبأون بها كما ينبغي.

3 - إنّ من الاُمور الضرورية في عملية الاستنباط والاجتهاد هو العناية المطلقة بالكتاب والسُنّة.

وقد كان هذا بعينه من مميّزات الإمام الراحل، وخصوصية بارزة في اُسلوبه العلمي الاجتهادي.

فهو - بفضل ما كان له من تبحّر، وتضلّع في علم الرجال - كان يدرس الرواية من حيث سندها أوّلاً ويدقّق في رجالها أيّما تدقيق، وكان يسعى - قدر المستطاع - أن لا يُخرج روايةً من إطار الحجّية، ولا يسقطها من الاستدلال من دون علّة واضحة وسبب وجيه.

وبعد اتّضاح حال السند من حيث الصحّة وعدم الصحّة، والإرسال وعدم

ص: 14

الإرسال وربّما الضعف والقوّة، كان يخوض في متن الرواية ويدرس النصّ نفسه بكلّ ما اُوتي من قدرة على التحقيق، وموهبة في التدقيق.

ولقد كان بفضل ما اُوتي من معرفة عميقة بفقه الحديث - وقد كان هذا من خصائصه - ربّما استفاد من الأحاديث والروايات فوائد لم يتوصّل إليها غيره، ولم يستفدها سواه.

ونحن توضيحاً لهذا المنهج، وهذه الخصوصية التي ينبغي أن تكون نهجاً للعاملين في هذا الصعيد نذكر نماذج تطبيقيّة حيّة فيما يلي:

نماذج بارزة من منهجه العلمي

ونرجّح أن تكون هذه النماذج من كتابه الحاضر ليقف القارئ الكريم على جانب من عمق نظره الفقهي الذي قلّما نجد له نظيراً.

وإليك بعض النماذج في هذا المجال:

النموذج الأوّل من اُسلوب الإمام الراحل (المترجم له) في تحقيق المسائل هو البحث الذي عالج فيه مسألة بيع الأسلحة لأعداء الدين، وهو بحث علمي وتحقيقي دقيق لا نجد له مثيلاً في الدقّة والمنهجيّة، لدى أيّ واحد من الفقهاء، وللّه درّه من فقيه عظيم.

ونحن - توضيحاً لاُسلوبه الفقهي - نطرح هنا مختصراً من ذلك البحث.

قال الشيخ الأعظم الأنصاري في «المكاسب»:

القسم الثالث: ما يحرم لتحريم ما يُقصد منه شأناً، بمعنى أنّ من شأنه أن

ص: 15

يُقصد منه الحرام(1).

وقد أشكل الإمام قدّس سرّه على طرح المسألة بهذا النمط، وبهذا النوع من العنوان

إذ يقول:

والأقوى بحسب القواعد عدم حرمته بهذا العنوان، وصحّة المعاملة عليه(2).

وكان لا يعتبر البيع لأعداء الدين من مستثنيات هذا العنوان فقال:

بل له عنوان خاصّ ينبغي البحث عنه مستقلاًّ(3).

وقبل استعراض الأقوال في هذه المسألة ونقل مختار الإمام قدّس سرّه وأهمّية هذا القول (المختار) وامتيازه، ينبغي أن نذكر من الإمام مطلبين مفيدين جدّاً في المقام.

الأوّل هو: هل موضوع البحث هو مطلق ما ينطبق عليه عنوان السلاح كائناً ما كان، أو ما هو سلاح الحرب فعلاً؟

إنّ رأي الإمام هو الثاني إذ يقول:

بل الموضوع ما كان سلاح الحرب فعلاً وهو يختلف بحسب الأزمان فربّما كان شيء في زمان ومكان سلاح الحرب دون آخر... فالمراد من السلاح في موضوع البحث سلاح اليوم الذي يستعمل في الحروب لا ما انقرضت أيّامه وخرجت عن الاستعمال فيها(4).

ثمّ إنّه رحمه الله علیه يقول بعنوان نتيجة البحث:

ص: 16


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 147.
2- راجع الصفحة 254.
3- راجع الصفحة 254.
4- راجع الصفحة 255.

فإن أراد بعض أعداء الدين وأهل الحرب حفظ الأسلحة القديمة لقدمتها وكونها عتيقة لا مانع من بيعها وهو خارج عن موضوع بحث بيع السلاح من أهل الحرب بلا ريب كما لا يخفى(1).

وأمّا المطلب الآخر الذي عنونه الإمام الراحل فهو أنّ المراد من أعداء الدين ما هو؟ ومن هم أعداء الدين؟

هل هم مطلق الذين يخالفوننا في الدين أو أ نّه أخصّ موضوعاً من مطلق المخالف لنا في الدين؟

والثاني هو رأي الإمام إذ يقول:

وكذا ليس المراد مطلق أعداء الدين فإنّ كلّ مخالف لنا في ديننا فهو عدوّنا في الدين، لكن موضوع البحث أخصّ منه، وهو الدولة المخالفة للإسلام أو الطائفة الكذائية، فلا ينبغي الكلام في جواز بيعه من يهودي في بلد المسلمين تابع لهم لولا جهات اُخر(2).

هذا وقبل ذكر وبيان الرأي الكلّي للإمام قدّس سرّه في شأن بيع السلاح لأعداء الدين ننقل هنا نقداً لبعض الأعاظم قدّس سرّه لمطلب ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري في «مكاسبه» حيث قال:

فصّل [الشيخ] بين حالتي الحرب والصلح فذهب إلى الحرمة في الاُولى، وإلى الجواز في الثانية، وملخّص كلامه: أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف:

ص: 17


1- راجع الصفحة 255.
2- راجع الصفحة 255.

الاُولى: ما دلّ على جواز بيعه من أعداء الدين في حال الهدنة.

الثانية: ما دلّ على جواز بيعه منهم مطلقاً.

الثالثة: ما دلّ على حرمة بيعه منهم كذلك(1).

والمنقول هنا روايتان هما منشأ القول بالتفصيل إحداهما رواية الحضرمي التي حسَّنها الإمام أو صحَّحها، خلافاً لبعض الأعاظم الذي ضعّفها لمكان الحضرمي، حيث قال الإمام قدّس سرّه :

فمن الأخبار حسنة أبي بكر الحضرمي، أو صحيحته قال... فقال: «لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليك أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»، ورواية هند السرّاج: قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام أصلحك اللّه إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم... فقال: «إحمل إليهم فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم، يعني الروم، وبعهم، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا...»

وهاتان الروايتان صارتا منشئاً للقول بالتفصيل تارة بين زمان الهدنة وغيره مطلقاً واُخرى التفصيل كذلك في خصوص البيع من المخالفين والأخذ بإطلاق ما تأتي للمنع عن البيع من الكفّار(2).

ثمّ يبدي الإمام رحمه الله علیه احتمالاً في المقام ويعتبر الرواية قاصرة عن إثبات التفصيل، ويمكن اعتبار هذا الاحتمال أحد المصاديق الكلّية لنظر الإمام، الكلّي من مسألة الزمان والمكان وهما العنصران المؤثّران في العملية الاجتهادية

ص: 18


1- مصباح الفقاهة 1: 186 و 187.
2- راجع الصفحة 257.

الاستنباطية، قال:

والتحقيق أنّ الروايتين قاصرتان عن إثبات هذا التفصيل في المقامين(1).

ثمّ يأتي بالدليل قائلاً:

لأنّ السؤال فيهما عن حمل السلاح إلى الشام في عصر الصادقين علیهما السلام وهو عصر لم يكن للشيعة الإمامية مملكة مستقلّة وحكومة على حدة، بل كان المسلمون كافّة تحت حكومة واحدة هي سلطنة خلفاء الجور - لعنهم اللّه - فلم يكن في حمل السلاح إلى الشام خوف على حوزة الشيعة وبلادهم، لعدم الموضوع لهما، ولهذا نزّلهم منزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حيث إنّ كلّهم جمعية واحدة تديرهم حكومة واحدة لم تكن في تقويتها تقوية على خلاف حوزة الشيعة الإمامية وحكومتها لعدم تشكيلهما، بل كانت تقوية للمسلمين مقابل الكافرين كما أشار إليه في الرواية الثانية، فلا يجوز التعدّي عن مثل تلك الهدنة التي كانت كهدنة في عصر أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إلى مطلق الهدنة والسكون، كما إذا كانت لنا سلطنة مستقلّة ودولة على حدة، ولهم كذلك وكانت بيننا هدنة وتعاقد، ومع ذلك يكون في تقويتهم، فساد أو مظنّته بل احتماله بحيث خيف على دولة التشيّع وحكومته من ذلك(2).

ثمّ يرى - بعد ذلك - أنّ جواز بيع الأسلحة وعدم الجواز يرتبط بمقتضيات الزمان ومصلحة المسلمين ولا يمكن القول بالجواز وعدم الجواز بمجرّد ملاك الصلح والحرب، حيث قال قدّس سرّه ما هذا نصّه:

ص: 19


1- راجع الصفحة 257.
2- راجع الصفحة 258.

وكيف كان لا يمكن القول بجواز بيع السلاح ونحوه من الكفّار أو المسلمين المخالفين بمجرّد عدم الحرب والهدنة، بل لابدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم وصلاح المسلمين والملّة، كما أنّ في عصر الصادقين علیهما السلام كان من مقتضيات الزمان جواز دفع السلاح إلى حكومة الإسلام(1).

ويمكن أن يحمل أحدٌ هذا الاستنباط الصحيح المعقول جدّاً، الذي انتهى إليه الإمام قدّس سرّه على كونه حصيلة سليقة شخصيّة لا يمكن حملها على الروايات، وأنّ ما هو حجّة علينا هو لسان الروايات لا غير.

وقد دفع الإمام هذا التوهّم بعبارة صريحة إذ قال:

فلا يستفاد منهما أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل كما تقدّم(2).

ثمّ يقول في موضع آخر من البحث أيضاً:

وبالجملة أنّ هذا الأمر من شؤون الحكومة والدولة وليس أمراً مضبوطاً، بل تابع لمصلحة اليوم ومقتضيات الوقت، فلا الهدنة مطلقاً موضوع حكم لدى العقل، ولا المشرك والكافر كذلك، والتمسّك بالاُصول والقواعد الظاهرية في مثل المقام في غير محلّه، والظاهر عدم استفادة شيء زائد ممّا ذكرناه من الأخبار(3).

والجدير بالذكر أنّ الإمام قدّس سرّه يرى في هذا المجال أنّ ما ذكره في بيع السلاح

لأعداء الدين هو لحن الروايات والأحاديث مع ملاحظة زمان صدور هذه

ص: 20


1- راجع الصفحة 258.
2- راجع الصفحة 258.
3- راجع الصفحة 256.

الرواية وكيفية سؤال الراوي وأ نّه لم يُدْلِ بما هو خارج عن حدود الروايات

ونطاقها.

فما أبداه واستنبطه متقن ومحكم وفي غاية الإحكام والإتقان إلى درجة أ نّه إذا فرض إطلاق للرواية وجب - لدى التعارض بين الأخبار - تقييدها أو ردّها.

قال قدّس سرّه :

بل لو فرض إطلاق لبعضها يقتضي خلاف ذلك؛ أي يقتضي جواز البيع فيما خيف الفساد، وهدم أركان الإسلام أو التشيّع، أو نحو ذلك، لا مناص عن تقييده أو طرحه أو دلّ على عدم الجواز فيما يخاف في تركه عليهما كذلك لا بدّ من تقييده وذلك واضح(1).

إنّ ما يثير الإعجاب بمؤ لّفنا العظيم لدى مراجعته لبحث بيع السلاح لأعداء الدين هو أنّ الإمام قدّس سرّه لم يبحث هذه المسألة الهامّة من زاوية البيع والشراء العاديين فقط (وهو الحقّ) لأ نّنا نرى في الزمان الحاضر أنّ ما يرتبط بمصير الشعوب والمجتمعات الإنسانية هو المقدرة العسكرية وعدم المقدرة، إذ ما أكثر الدول التي تتساقط وتتهاوى في زماننا الحاضر مع أ نّها في القمة من الناحية الاقتصادية والثقافية.

بل أ نّه رحمه الله علیه يعتبر هذه المسألة من شؤون الحكومة الإسلامية، وبهذا يخرج هذه المسألة من نطاق ضيق فردي إلى إطاره الطبيعي الواسع في عصرنا الحاضر، ويبحث في هذه المسألة في مستوىً رفيع يرتبط بمصير الاُمّة بعد أن كانت

ص: 21


1- راجع الصفحة 256.

تُبحث في مستوىً محدود لا يهمّ إلاّ الأفراد والأشخاص لا الدول والجماعات. قال قدّس سرّه :

ثمّ اعلم: أنّ هذا الأمر - أي بيع السلاح من أعداء الدين - من الاُمور السياسية التابعة لمصالح اليوم، فربّما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح بل إعطاؤه مجّاناً لطائفة من الكفّار. وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويٌّ لا يمكن دفعه إلاّ بتسليح هذه الطائفة وكان المسلمون في أمن منهم، فيجب دفع الأسلحة إليهم للدفاع عن حوزة الإسلام وعلى والي المسلمين أن يؤيّد هذه الطائفة المشركة المدافعة عن حوزة الإسلام بأيّة وسيلة ممكنة.

ثمّ يعنون مطلباً أعلى من ذلك إذ يقول:

بل لو كان المهاجم على دولة الشيعة دولة المخالفين مريدين قتلهم وأسرهم وهدم مذهبهم يجب عليهم دفعهم ولو بوسيلة تلك الطائفة المأمونة، وكذا لو كانت الكفّار من تبعة حكومة الإسلام، ومن مستملكاتها وأراد الوالي دفع أعدائه بهم، إلى غير ذلك ممّا تقتضي المصالح(1).

هذا هو جملة ما أفاده - قدّس سرّه الشريف - في هذا البحث الهام.

* * *

النموزج الثاني من اُسلوب الإمام هي مسألة الغناء التي بحثها بصورة مبسوطة وحقّقها بنحو لا نجد له مثيلاً، لحدّ الآن من حيث السعة والشمولية والعمق حيث تناولها رحمه الله علیه في 70 صفحة من الدراسة والمناقشة والبحث فهو قدّس سرّه تعرض أوّلاً للتحقيق في ماهيّة الغناء ومفهومه، وأعلن عن مختاره وهذا هو في

ص: 22


1- راجع الصفحة 255.

نظرنا أفضل اُسلوب للبحث والمعالجة، ونعني أن ينقَّح الموضوع أوّلاً ويتبيّن قبل إصدار الحكم عليه، لأنّ الموضوع ما لم يتّضح، لم يتبيّن حول ماذا يدور البحث، وعلى ماذا سيصدر الحكم، وأيّ موضوع وشيء هو المقصود به.

من هنا يتوجّه إشكالٌ على بعض الأعاظم كالشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه .

لقد اعتنى الإمام الراحل (المترجم له) عند دراسة مفهوم الغناء بأقوال جميع الفقهاء، واللغويين، وذكر ما ينوف على عشرين تعريفاً للغناء فقد قال:

المسألة الثانية في الغناء: فقد اختلفت الكلمات في ماهيّته وحكمه، ففسّر بالسماع، وبالصوت، وبالصوت المطرب، وبالصوت المشتمل على الترجيع، أو مع الإطراب، وبالترجيع، وبالتطريب، وبه مع الترجيع، وبرفع الصوت مع الترجيع، وبمدّه، وبمدّه مع الترجيع والتطريب، أو أحدهما، وبتحسين الصوت، وبحسنه ذاتاً، وبمدّه وموالاته، وبالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب، وبمدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمّى في العرف غناءً وإن لم يطرب، وبالصوت اللهويّ، وبألحان أهل المعاصي والكبائر، وبما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص، وبالصوت المعدّ لمجالس اللهو، وبالصوت المثير لشهوة النكاح، إلى غير ذلك. وعن المشهور أ نّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب(1).

ثمّ عَمَدَ رحمه الله علیه إلى دراسة ومناقشة رأي المرحوم الشيخ محمّد رضا الأصفهاني النجفي ونقده فقال:

وقد تصدّى العَلَم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلاّمة محمّد

ص: 23


1- راجع الصفحة 334.

تقي رحمهما اللّه لتفسيره في رسالة لطيفة مستقلّة فقال: الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً(1).

وواصل نقل كلام المرحوم الشيخ محمّد رضا الأصفهاني فنقل عنه هذه الجملة أيضاً إذ قال:

ثمّ قال: وفذلكة القول إنّ الغناء هو الصوت المتناسب الذي من شأنه بما هو متناسب أن يوجد الطرب، أعني: الخفّة بالحدّ الذي مرّ(2).

ثمّ يضيف قائلاً:

وإنّما نقلناه بتفصيل أداءً لبعض حقوقه ولاشتماله على تحقيق وفوائد.

والإنصاف أنّ ما ذكره وحقّقه أحسن ما قيل في الباب وأقرب بإصابة الواقع، وإن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة كانتهائه حدّ الإطراب بما كاد أن يزيل بالعقل، وأنّ العلّة في الغناء عين العلّة في المسكر وذلك لعدم الشاهد عليه في العرف واللغة لصدق الغناء على ما لم يبلغ الإطراب ذلك الحدّ(3).

إنّ ما ذكر - إلى هنا - كان نظر الفقهاء واللغويين وعباراتهم في تعريف الغناء،

ولكن الإمام قدّس سرّه يعرّف الغناء بالبيان التالي:

فالأولى تعريف الغناء بأ نّه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتي ولو في

ص: 24


1- راجع الصفحة 335.
2- راجع الصفحة 337.
3- راجع الصفحة 338.

الجملة، وله شأنية إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبح الرديء الصوت، وإنّما قلنا له شأنيّة الإطراب لعدم اعتبار الفعلية بلا شبهة فإنّ حصول الطرب تدريجي قد لا يحصل بشعر وشعرين، فتلك الماهيّة ولو بتكرار أفرادها لها شأنيّة الإطراب(1).

ثمّ قال بعد ذكر القيود في التعريف:

وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور وهو «مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب» فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ ولا الترجيع ففي كثير من أقسامه لا يكون مدّ ولا ترجيع.

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما فظنّ أ نّه متقوّم بهما كما أنّ المطربية الفعلية غير معتبرة فيه بما مرّ، وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء ليس بغناء(2).

ثمّ يشير إلى نكتة جديرة بالاهتمام في المقام وهي هل أنّ هذا الغناء هو موضوع الحكم الشرعي أو أ نّه يمكن أن يكون موضوع الحكم الشرعي شيء أعمّ ممّا ذكر أو أخصّ منه فقال:

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهيّة الغناء من غير نظر إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي، ولعلّ موضوعه أعمّ أو أخصّ، وسيأتي الكلام فيه.

فتحصّل من ذلك أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهوي والباطل ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر، بل كثير من الألحان اللهوية وأهل الفسوق والأباطيل

ص: 25


1- راجع الصفحة 341.
2- راجع الصفحة 342.

خارج عن حدّه ولا يكون في العرف والعادة غناءً(1).

ثمّ إنّ من المسائل المثيرة للبحث والجدل والمناقشة الحادة في مسألة الغناء هو الرأي الذي نسب إلى المرحوم الفيض الكاشاني، ولتوضيح القضيّة ينبغي أوّلاً نقل رأيه هنا ثمّ نقل ما قاله بعض الأعاظم في نقده، ثمّ نقل استنباط الإمام قدّس سرّه

وما فهمه من كلام الفيض، وتنزيهه لذلك العالم الجليل والفقيه العظيم ممّا نسب إليه من خرق الإجماع.

قال الشيخ الأنصاري في «المكاسب»:

وربّما يجري على هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخّرة في هذه المسألة تارة من حيث أصل الحكم، واُخرى من حيث الموضوع، وثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

أمّا الأوّل فلأ نّه حكي عن المحدّث الكاشاني أ نّه خصّ الحرام منه بما اشتمل على محرّم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل، وإلاّ فهو في نفسه غير محرّم.

والمحكيّ من كلامه في «الوافي» أ نّه بعد حكاية الأخبار التي يأبى بعضها قال: الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالباطل ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقصب وغيرهما دون ما سوى ذلك من أنواعه كما يشعر به قوله علیه السلام: ليست بالتي تدخل عليها الرجال - إلى أن قال -: وعلى هذا فلا

ص: 26


1- راجع الصفحة 342.

بأس بالتغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار

ووصف نعم اللّه الملك الجبّار...(1).

ثمّ ينقل المرحوم الشيخ حاصل كلام الفيض الكاشاني ويردّه، وها نحن ننقل ذلك بعينه:

وثانيهما: أن يقال، وحاصل ما قال: حمل الأخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان، قال: والشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلّم بالباطل وإسماعهنّ الرجال، فحمل المفرد المعرّف يعني لفظ الغناء على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد...

وقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال». مؤيّداً لهذا الحمل، قال: إنّ فيه إشعاراً بأنّ منشأ المنع في الغناء هو بعض الاُمور المحرَّمة المقترنة به كالالتهاء وغيره...(2).

ثمّ يواصل نقل كلام الفيض:

فإذاً لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما، ثمّ إن ثبت إجماع في غيره وإلاّ بقي حكمه على الإباحة وطريق الاحتياط واضح، انتهى(3).

على كلّ حال يُفهم من خلال كلام الشيخ الأنصاري خصوصاً عبارة: لولا

ص: 27


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 298.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 301.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 301 - 302.

استشهاده بقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» أنّ الغناء المحرّم هو ما كان على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي، أمّا غير ذلك فإن علمنا فيه إجماعاً فبه، وإلاّ فحكمه الإباحة.

ثمّ يرى الشيخ في مقام الجواب على كلام الفيض أنّ الغناء نفسه بناء على ما يستفاد من الأخبار وقول اللغويين من الملاهي، ولا حاجة لحرمته إلى محرّمات اُخر، وعبارة الشيخ هي:

أقول: لا يخفى أنّ الغناء على ما استفدنا من الأخبار، بل فتاوى الأصحاب وقول أهل اللغة هو من الملاهي، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار، وقد تقدّم التصريح بذلك في رواية الأعمش الواردة في الكبائر فلايحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرّمات الاُخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدَّم من المحدّثين المذكورين(1).

قال بعض الأساطين:

أقول: يرد عليه اُمور:

الأوّل: أنّ الظاهر من الروايات المتضافرة، بل المتواترة (من حيث المعنى) الناهية عن الغناء وعن جميع ما يتعلّق به هو تحريمه بنفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة...

الثاني: أ نّه إذا كان تحريم الغناء إنّما هو للعوارض المحرّمة كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغواً محضاً لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها...

ص: 28


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 302.

ويضاف إلى ذلك كلّه أنّ ما ذهب إليه المحدّث المذكور مخالف للإجماع، بل الضرورة من مذهب الشيعة(1).

ويفسِّر الإمام الخميني قدّس سرّه كلام الفيض والفاضل السبزواري صاحب «كفاية الأحكام» على النحو التالي:

ثمّ ربّما نسب إلى المحدّث الكاشاني وصاحب «الكفاية» الفاضل الخراساني إنكار حرمة الغناء واختصاص الحرمة بلواحقه ومقارناته من دخول الرجال على الناس، واللعب بالملاهي، ونحوهما، ثمّ طعنوا عليهما بما لا ينبغي، وهو خلاف ظاهر كلام الأوّل في «الوافي» ومحكيّ «المفاتيح» والمحكيّ عن الثاني، بل الظاهر منهما أنّ الغناء على قسمين: حقّ وباطل، فالحقّ هو التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار، والباطل ما هو متعارف في مجالس أهل اللهو كمجالس بني اُميّة وبني العبّاس.

قال في «الوافي» ما محصّله: إنّ الظاهر من مجموع الأخبار اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعلّم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اُميّة وبني العبّاس من دخول الرجال عليهنّ... انتهى(2).

ثمّ أضاف قدّس سرّه قائلاً:

وأنت خبير بأنّ ظاهر هذه العبارة بل صريحها صدراً وذيلاً أنّ الغناء على قسمين: قسم محرّم وهو ما قارن تلك الخصوصيّات بمعنى أنّ الغناء المقارن لها

ص: 29


1- مصباح الفقاهة 1: 308 و 309.
2- راجع الصفحة 353.

حرام لا أنّ المقارنات حرام فقط ، ولهذا حرّم أجرهنّ وتعليمهنّ والاستماع منهنّ، ولولا ذهابه إلى تحريمه ذاتاً لا وجه لتحريم ما ذكر، وقسم محلّل وهو ما يتغنّى بالمواعظ ونحوها، فقد استثنى من حرمة الغناء قسماً هو التغنّي بذكر اللّه تعالى، كما استثنى بعضهم التغنّي بالمراثي، وبعضهم التغنّي بالقرآن، وبعضهم الحدي، وبعضهم في العرائس وهذا أمر لم يثبت أ نّه خلاف الإجماع أو خلاف المذهب حتّى يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف، وقد اختاره النراقي في «المستند» وبعض من تأخّر عنه، كما لا يستوجبه من استثنى القرآن وغيره، فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان كما صنع الشيخ الأنصاري(1).

وكأ نّه قدّس سرّه يريد من كلامه «فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان» أن يقول: إنّ الاجتهاد أمر مقدّس ولا يحقّ لأحد أن يخطّئ اجتهاد شخص آخر، وأمّا إذا وجد الإنسان أنّ رأي الطرف الآخر يخالف ما ذهب إليه لا يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف، ولهذا يرتضي اُسلوب الشيخ الأنصاري رحمه الله علیه في ردّه على كلام الفيض الكاشاني.

هذه هي زاوية من النهج الاجتهادي والاُسلوب العلمي الذي امتاز به الإمام الخميني صاحب هذا السفر الفقهي القيّم، ونماذج من طريقته في الاستدلال والاجتهاد في المسائل الفقهية، نرى فيها كيف أ نّه رحمه الله علیه كان يراعي جميع الجوانب عند بحثه في كلّ مسألة، ويلاحظ جميع أطرافها، فهو قدّس سرّه :

1 - كان يدافع - قدر المستطاع - عن الرواية بالدفاع عن سندها، ورجاله،

ص: 30


1- راجع الصفحة 355.

حتّى لا يخرج الحديث عن إطار الحجّية، ولا يسقط عن الاعتبار والاستدلال من دون مبرّر مقبول أو تُخدش شخصيّة راوٍ معيّن من دون سبب وجيه لا سمح اللّه.

2 - كان يعتني أكثر من المتعارف بفقه الحديث عند تناوله، ويولي اهتماماً كبيراً بالاحتمالات المختلفة والاستنتاجات المناسبة لكلّ احتمال.

3 - كان يولي اهتماماً بالغاً بالنقول المختلفة والصور الاُخرى للحديث، إذا كانت في المجاميع الحديثية، والكتب الروائية، إذ يمكن أن يتغيّر المعنى، والمراد، في ضوء النقول، والصور المختلفة فيكون هناك معنى خاصّ هو المراد في الحديث توجب الغفلةُ عنه الغفلةَ عن الهدف المنشود والغاية المطلوبة.

4 - كان يتميّز بالعناية البالغة بظواهر الكلمات في الأحاديث والروايات والدقّة الكاملة في أقوال الفقهاء، والابتعاد عن الاستفادات البعيدة وغير المأنوسة وغير المناسبة لظواهر الكلمات والعبارات في الأحاديث والروايات وأقوال الفقهاء.

كلّ هذا إلى جانب تثمينه لعملية الاجتهاد، ودفاعه عن الرأي القائم على الاستدلال العلمي النابع عن الاجتهاد مهما كان - كما عرفنا ذلك في مسألة الغناء، وما واجه به من هاجم الفيض رحمه الله علیه - .

إنّ الاستعراض الكامل للمنهج العلمي الذي اتّسم به العمل الاجتهادي عند الإمام الراحل قدّس سرّه يحتاج إلى وقت أوسع، وإلى المزيد من التعمّق والمطالعة في ما كتبه هذا الفقيه الفريد وهذا العلم العليم في شتى مجالات الفقه والاُصول والفلسفة والعرفان.

ص: 31

وما أوقفنا عليه القارئ الكريم هنا ليس إلاّ نماذج وشذرات معدودة وأطراف وزوايا محدودة من هذا النهج، أتينا بها في هذه المقدّمة على أمل أن تكون بداية لأصحاب الرأي وطلاّب التحقيق تحدوهم على دراسة أوسع لمنهجه، واُسلوبه - طيّب اللّه ثراه -. وخاصّة لدراسة ما طلع به من رؤية في صعيد الحكومة والدولة ليفتحوا بذلك فصلاً جديداً في فقه الشيعة.

وفي الختام يجدر بنا أن نشكر حجج الإسلام، أصحاب الفضيلة الذين حقّقوا هذا الكتاب وهذا الأثر العلمي النفيس للإمام الراحل وأخرجوه بهذه الحلّة القشيبة والهيئة البديعة، جزاهم اللّه خير الجزاء وتقبّل منهم ومنّا هذا العمل بفضله

ومنّه وكرمه إنّه نعم المولى ونعم المثيب.

السيّد محمّد الهاشمي

الحوزة العلميّة - قم المقدّسة، ربيع المولود 1415 ه- . ق

ص: 32

صورة

صورة الصفحة الاُولى من الأصل

ص: 33

صورة

صورة الصفحة الثانية من الأصل

ص: 34

صورة

صورة صفحة من الأصل في مبحث الغيبة

ص: 35

صورة

صورة صفحة اُخرى من الأصل في مبحث الغيبة

ص: 36

المکاسب المحرمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ص: 1

ص: 2

في

المكاسب

ص: 3

ص: 4

تقسيم المكاسب و بیان المراد من المکاسب المحرّمة

وبيان المراد من المكاسب المحرّمة

قد اختلف كلمات الأعيان في تقسيمها في المقام :

فقسّمها المحقّق إلى محرّم ومكروه ومباح(1) ، لكن جعل المقسم ما يكتسب به ، مع عدّه ما لا ينتفع به وما يجب على الإنسان فعله من الأقسام ؛ وهما ليسا من أقسام ما جعله مقسماً ، وكذا ما ذكرها في المكروهات ، كبيع الصرف والأكفان وغيرهما ممّا هي من أنواع المكاسب المكروهة ، لا ما يكتسب به المكروه .

والظاهر أنّ مراده ما يكون الاكتساب به محرّماً أو مكروهاً أو مباحاً .

وفي «المراسم» قسّم المكاسب على خمسة أضرب حسب الأحكام الخمسة ، ثمّ المعايش على ثلاثة أضرب(2) .

وكذا العلاّمة جعل المقسم المتاجر ، وقال : تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، ومثّل للواجب بما يحتاج الإنسان إليه لقوته وقوت عياله مع انحصار الوجه

ص: 5


1- شرائع الإسلام 2 : 3 .
2- المراسم : 169 .

بالمتجر - كما صنعه ابن حمزة(1) - وللمكروه بالصرف ونحوه ، وللمحظور بأقسام عدّ منها ما لا ينتفع به ، كالحشرات ونحوها (2) .

والظاهر منه أنّ الأقسام للتجارة ، وأنّ الأحكام الخمسة هي التكليفية لا مع الوضعية .

فيرد عليه أوّلاً : بأنّ ما عدّ واجباً غير وجيه ؛ لأنّ التجارة لا تصير واجبة شرعاً ، ولو كان الطريق في تحصيل قوت العيال منحصراً بها ؛ لما حقّق في محلّه من عدم وجوب ما يتوقّف عليه الواجب حتّى المقدّمات الوجودية(3) ، وعلى فرض وجوب ما يتوقّف عليه ، يتعلّق الوجوب بعنوان آخر غير عنوان ذوات الموقوف عليها . وما ربّما يقال : إنّها صارت واجبة بالعرض ، ليس وجيهاً ، والتفصيل يطلب من مظانّه .

وثانياً : أنّ الحرمة في كثير ممّا ذكره غير ثابتة أو ثابتة العدم ، كالتجارة بما لا ينتفع به ؛ فإنّها من حيث هي تجارة ونقل وانتقال ليست محرّمة ، والتصرّف في مال الغير بعد بطلان المعاملة وإن كان محرّماً لكنّه غير مربوط بالتجارة ، وكذا التجارة بالأعيان النجسة غير ثابتة الحرمة ، على ما يأتي الكلام فيها (4) إن شاء اللّه .

ص: 6


1- هذا سهو من قلمه الشريف والصحيح هو حمزة بن عبد العزيز الديلمي المعروف ب- «سلاّر» صاحب المراسم ، لا ابن حمزة صاحب الوسيلة . والدليل على ذلك مضافاً إلى ذكر «المراسم» سابقاً ، وجود هذا القيد في «المراسم» . راجع المراسم : 169 .
2- قواعد الأحكام 2 : 5 - 7 .
3- مناهج الوصول 1 : 342 .
4- يأتي في الصفحة 11 .

وثالثاً : أنّ المقسم في التجارة الواجبة والمستحبّة والمكروهة هو الكسب المنتهي إلى النقل والانتقال العقلائي الممضى ؛ أعني النقل والانتقال الواقعي الذي يوصل المكلّف إلى حفظ النظام مثلاً ، بناءً على ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة لا المطلقة (1) - على فرض تسليم وجوب المقدّمة - وفي المحرّمة لو كان كذلك يلزم صحّة المعاملة وهي خلاف الواقع المسلّم عندهم ، فلا بدّ وأن يكون المراد فيها المعاملة العقلائية التي زعم العقلاء النقل فيها ، فلا يكون المقسم واحداً ، إلاّ أن يقال : إنّ المقسم نفس طبيعة المعاملة الجامعة بين الصحيحة والفاسدة ، وحيثية الإيصال من خصوصيات القسم .

في متعلّق الحرمة

ثمّ إنّ المحرّم على فرض ثبوته هو المعاملة العقلائية ؛ أي إنشاء السبب جدّاً لغرض التسبيب إلى النقل والانتقال ، لا النقل والانتقال ، ولا هو بقصد ترتّب الأثر(2) ، ولا تبديل المال أو المنفعة(3) ؛ لأنّ الظاهر أنّ المعاملات هي الأسباب التي قد تنتهي إلى المسبّبات وقد لا تنتهي إليها ؛ ولهذا صحّ تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة بلا تأوّل ، فلو كانت عبارة عن النقل والتبديل لكان أمرها دائراً بين الوجود والعدم ، لا الصحّة والفساد .

ولا يعقل أن يكون المحرّم النقل وما يتلوه ؛ لأ نّهما غير ممكن التحقّق بعد

ص: 7


1- مناهج الوصول 1 : 333 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 13 .
3- منية الطالب 1 : 17 .

وضوح بطلان تلك المعاملات نصّاً وفتوى ، وإرادة النقل العقلائي مع قطع النظر عن حكم الشرع ولو لعدم الإنفاذ ، لا ترجع إلى محصّل ؛ لعدم الوجود للنقل اللولائي ، كما لا وجود للنقل الوهمي .

فما يمكن أن يتّصف بالحرمة هو المعاملة السببية ؛ أي الإنشاء الجدّي بقصد حصول المسبّبات ، لا بمعنى كون القصد جزء الموضوع ، بل بمعنى أنّ موضوع الحرمة الإنشاء الجدّي الملازم له .

ثمّ إنّ ما ذكرناه هاهنا ، لا ينافي ما اخترناه من دلالة النهي المتعلّق بمعاملة

على صحّتها ؛ وفاقاً لبعض أهل الخلاف(1) ؛ لأنّ الكلام هناك في الدلالة العرفية أو العقلية ، وفي المقام في تصوير متعلّق الحرمة بعد الفراغ عن بطلان المعاملة وحرمتها ، مع أنّ ما ذكرناه هناك لا يخلو من كلام .

فلنرجع إلى أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قيل بتحريمها :

ص: 8


1- مناهج الوصول 2 : 146 .

القسم الأوّل في الاكتساب بالأعيان النجسة

اشارة

وفيه جهات من البحث :

ص: 9

ص: 10

الجهة الاُولى : في الحرمة التكليفية للاكتساب بالأعيان النجسة
وفیه جهات من البحث :
اشارة

الجهة الاُولى: - وهي المهمّ في المقام - في حرمته شرعاً ؛ بمعنى أنّ إيقاع المعاملة عليها محرّم وإن لم يترتّب عليها المسبّب ولا يحصل النقل .

والاستدلال عليها بحرمتها ونجاستها وعدم المنفعة المعتدّ بها لها (1) ، ليس على ما ينبغي ؛ لأنّها لا تقتضي الحرمة الشرعية لنفس المعاملة ، إلاّ أن يراد بالأوّلين بيان تحقّق موضوع الروايات ، كرواية «تحف العقول» وغيرها ، فالأولى صرف الكلام إليها، فنقول :

إنّ ما دلّت أو يتوهّم دلالتها على عموم المدّعى ، روايات ضعيفة الأسناد ، بل في كون بعضها رواية تأمّل ونظر . ودعوى جبر أسنادها غير وجيهة ؛ لعدم إحراز استناد الأصحاب إليها .

إلاّ أن يدّعى الجزم على أن لا مستند لهم غيرها ، وهو محلّ كلام ؛ لاحتمال

ص: 11


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 17 .

استفادتهم الحكم الكلّي من الموارد الخاصّة ولو بإلغاء الخصوصية ، كما يظهر ذلك من بعضهم .

فمنها : رواية «تحف العقول» ، وهي أخفى سنداً وأوضح دلالة من غيرها ، وفيها بعد ذكر وجوه الحلال من وجه التجارات :

«فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته ، وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه - لبسه . ظ - أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته ، أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا أو البيع للميتة ، أو الدم ، أو لحم الخنزير،أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير ، أو جلودها ، أو الخمر ، أو شيء من وجوه النجس ؛ فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه فجميع تقلّبه في ذلك حرام»(1) .

ولا ينبغي الإشكال في دلالتها على عموم المدّعى .

وحمل الحرام على الوضعي ؛ بدعوى عدم ظهوره في التكليفي ، سيّما في زمان الصدور ، غير صحيح ، كما يتّضح بالنظر إلى فقرات الرواية ، سيّما مع ذكر شاللبس والإمساك وسائر التقلّبات فيها .

فقوله : «جميع التقلّب في ذلك حرام» نتيجة لما تقدّم ، فكأ نّه قال : كما أنّ الأكل والشرب واللبس وغيرها حرام ، كذلك سائر التقلّبات كالبيع والشراء

ص: 12


1- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 83 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

والصلح والعارية وغيرها أيضاً حرام ، فهي كالنصّ في الحرمة التكليفية .

ومنها : رواية «الفقه الرضوي» ، وفيها : «وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه ، لوجه الفساد ، ومثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجمي-ع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك ، فحرام ضارّ للجسم وفساد للنفس»(1) .

ودلالتها دون السابقة ؛ لاحتمال إرادة الحرمة الوضعية ، ولا قرينة على التكليفية ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ قوله : «فحرام» في مقابل «حلال بيعه . . . » ، وقوله :

«ضارّ للجسم» إشارة إلى نكتة لتحريم الأكل والشرب وغيرهما .

فيمكن الخدشة في دلالتها وإن كان الأرجح أيضاً إرادة الحرمة الشرعية فيها .

ومنها : رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الحلال من البيوع ، كلّ ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك ؛ ممّا هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الانتفاع به ، وما كان محرّماً أصله ، منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه»(2) .

وهي ضعيفة الدلالة ؛ لأنّ الظاهر من جواز البيع وعدم جوازه ، هو الجواز الوضعي ؛ لأنّ الأوامر والنواهي وكذا الجواز وعدمه إذا تعلّقت بالعناوين الآلية التوصّلية تكون ظاهرة في الإرشاد إلى عدم إمكان التوصّل بها إلى ما يتوقّع

ص: 13


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 250 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 18 / 23 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 2 .

منها . فقوله : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل» كقوله : «لا يجوز الصلاة في وبره»(1) ، ظاهران في عدم صحّتها معه . وكذا قوله : «لا تبع ما ليس عندك»(2) و)أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((3) بل «وحرّم بيع كذا» يدلّ على الحكم الوضعي . والسرّ فيه عدم النفسية لتلك العناوين وعدم كونها منظوراً فيها ، بل هي عناوين آلية للتوصّل إلى ما هو المقصود من النقل والانتقال . فاستفادة الحرمة النفسية لعنوان البيع منها ، تحتاج إلى قيام قرينة .

ومنها : رواية «الجعفريات» بإسناده عن علي بن أبي طالب - سلام اللّه عليه - قال : «بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء»(4) .

وفي دلالتها تأمّل ؛ لعدم ظهورها في أنّ الإثم لنفس البيع والشراء ، فإنّها في مقام بيان حكم آخر بعد فرض إثم لهما ، فلا يظهر منها أنّ الإثم المفروض لأجل نفس عنوان البيع والشراء ، أو لأخذ الثمن والتصرّف فيه وأخذ الخمر وشربه ، وإن لا تخل من إشعار على أنّ المحرّم البيع والشراء .

وأمّا الروايات الخاصّة :

فمنها : ما وردت في العذرة ، كرواية سماعة بن مهران -

ولا يبعد أن تكون

ص: 14


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 18 : 48 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 7 ، الحديث 5 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 339 .
3- البقرة (2) : 275 .
4- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 172 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 4 .

موثّقة - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر ، قال : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول ؟ قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(1) .

ويحتمل أن يكون قوله : «وقال» رواية مستقلّة صدرت في مورد آخر ، جمعها مع ما قبلها سماعة في كلام واحد ، كما يؤيّده قوله : «وقال» وذكر العذرة بالاسم الظاهر .

وكيف كان : لا يبعد أن يقال في مقام الجمع : إنّ المراد ب- «حرام بيعها وثمنها» الجامع بين الوضعي والتكليفي ، وبقوله : «لا بأس ببيع العذرة» نفي الحرمة التكليفية .

ويؤيّده ما تقدّم من أنّ الحرمة إذا تعلّقت بالعناوين التوصّلية الآلية ظاهرة في الوضعية ، وإذا تعلّقت بالعناوين النفسية ظاهرة في التكليفية .

وفي المقام لولا قوله : «ولا بأس . . . » يكون الظاهر من قوله : «حرام . . . » التكليفية ؛ لعدم معنىً للوضعية بالنسبة إلى الثمن إلاّ بتكلّف بعيد ، والحمل على الجامع خلاف الظاهر ، والحمل على التكليفية بالنسبة إلى البيع وإن كان خلاف الظاهر أيضاً ، لكنّه أرجح من الحمل على الجامع .

لكن قوله : «لا بأس ببيع العذرة» قرينة على أنّ المراد من الحرمة المعنى الأعمّ ، سيّما إذا كانت تلك الفقرة في ذيل الاُولى ، فكأ نّه قال : يحرم بيعها وضعاً ، ولا بأس به تكليفاً .

وما ذكرناه وإن لا يخلو من التكلّف ، لكنّه أرجح من سائر ما قيل في

ص: 15


1- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .

وجه الجمع(1) ، بل لا يبعد أن يكون مقبولاً مع ملاحظة أنّ في الشريعة بيعاً لا بأس به بعنوانه ، وما هو حرام كذلك ، مع بطلانهما ، تأمّل .

فتدلّ على عدم حرمة بيعها ذاتاً وإن كان باطلاً ، وأنّ مساقها ليس مساق الخمر الحرام بيعها بعنوانه على ما هو ظاهر جملة من الروايات الآتية .

ثمّ إنّه على فرض عدم مقبولية الجمع المذكور ولا سائر ما قيل في وجهه ، فالظاهر لزوم العمل على أدلّة العلاج ، خلافاً للشيخ الأعظم ، قال : «إنّ الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد ، يدلّ على أنّ تعارض الأوّلين ليس إلاّ من حيث الدلالة ، فلا يرجع فيه إلى المرجّحات السندية أو الخارجية»(2) انتهى ، ويريد بالأوّلين ، رواية يعقوب بن شعيب ومحمّد بن مضارب(3) .

وفيه أوّلاً : أنّ رفع اليد عن قواعد باب التعارض لا يجوز إلاّ بعد إحراز كون رواية سماعة صادرة في مجلس واحد لمخاطب واحد ، وهو غير مسلّم ؛ لاحتمال جمعهما في نقل واحد ، خصوصاً مع إشعار نفس الرواية بذلك كما تقدّم ، وبُعد صدور مثلها في كلام واحد . مضافاً إلى أنّ الراوي سماعة الذي قيل في مضمراته(4) : إنّها جمع روايات مستقلاّت في نقل واحد ،

وقد سمّى المرويّ عنه في صدرها ، وأضمر في البقيّة ، فيظهر منه أنّ دأبه

ص: 16


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 23 - 25 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 24 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1080 و1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 1 و3 .
4- راجع مقباس الهداية 1 : 333 .

الجمع في النقل عن روايات مستقلّة متفرّقة .

وثانياً : أنّ كون تعارض الأوّلين من حيث الدلالة ، لا يوجب رفع اليد عن أدلّة العلاج ، بل هو محقّق موضوعها .

نعم ، لو كشف ذلك عن وجه الجمع بينهما ، كان لما ذكر وجه ، لكنّه كما ترى ؛ لأنّ الميزان في جمع الروايتين هو الجمع المقبول العقلائي ؛ وهو أمر لا يكاد يخفى على العرف ، وليس أمراً تعبّدياً يبنى عليه تعبّداً ، ومع عدم وجه الجمع بينهما عرفاً ، يحرز موضوع أدلّة التعارض .

وعدم العمل بأدلّة التعارض في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين ، لا يوجب عدم العمل بها في الحديثين المختلفين المستقلّين ، كما في المقام . مع أنّ عدم الرجوع إلى المرجّحات في رواية مشتملة على حكمين متنافيين ، غير مسلّم ؛ لإمكان أن يقال بصدق قوله : «يأتي عنكم الخبران المختلفان»(1) وقوله : «يروى عن أبي عبداللّه علیه السلام شيء ويروى عنه خلاف ذلك فبأيّهما آخذ . . .»(2) على مثلها . ودعوى الانصراف إلى النقلين المنفصلين ممنوعة جدّاً ، بل مناسبات الحكم والموضوع تقتضي عموم الحكم للمتّصلين أيضاً .

ثمّ إنّه على فرض تسليم دلالة الرواية على حرمة بيع العذرة تكليفاً ، بتسليم

ص: 17


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 31 .

جمع شيخ الطائفة(1) وحمل حرمة البيع على التكليفية ، فهل يمكن إسراء الحكم إلى سائر النجاسات ، كالبول والدم وغيرهما ، بدعوى إلغاء الخصوصية ، واستفادة أنّ حرمة بيع العذرة لقذارتها ونجاستها ، أم لا ؟ لمنع إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ فإنّ الطباع تتنفّر عن العذرة ما لا تتنفّر عن غيرها ، وأنّ في بيعها نحو مهانة للنفوس الآبية ، لعلّ الشارع الأقدس لم يرض للمؤمن تلك المهانة والدناءة ، فحرّم بيعها تكليفاً ، بخلاف سائر النجاسات ، كالخمر والخنزير والكلب حتّى البول ، فلا يمكن إسراء الحكم إليها ، وهو الأرجح .

وأمّا خرء سائر الحيوانات الغير المأكولة فالظاهر صدق العذرة عليها . ولو سلّم عدم الصدق ، فإلغاء الخصوصية عن عذرة الإنسان وإسراء الحكم إلى سائر العذرات النجسة ، غير بعيد وإن لا يخلو عن إشكال .

ومنها : ما وردت في الخمر ، وهي روايات مستفيضة متقاربة المضمون ، مرويّة عن «الكافي»(2) و«الفقي-ه»(3) و«المقنع»(4) و«جامع الأخبار»(5) و«عقاب الأعمال»(6) و«دعائم الإسلام»(7) و«فقه الرضا»(8) و«لبّ اللباب»

ص: 18


1- تهذيب الأحكام 6: 372، ذيل الحديث 1080؛ الاستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182.
2- الكافي 5 : 230 ، باب بيع العصير والخمر .
3- الفقيه 3 : 105 / 435 .
4- المقنع : 451 .
5- جامع الأخبار : 421 ، الفصل 113 .
6- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 289 .
7- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 - 26 .
8- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 279 .

للراوندي(1) و«عوالي اللآلي»(2) . وأسنادها وإن لا تخلو عن خدشة ، لكن يمكن دعوى الوثوق والاطمئنان بالصدور إجمالاً .

ففي رواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها ، وعاصرها ، وشاربها ، وساقيها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وآكل ثمنها»(3) . وقريب منها غيرها (4) .

ولا شبهة في دلالتها على المدّعى في خصوص الخمر ؛ فإنّ الظاهر من لعن البائع والمشتري في مقابل آكل الثمن ، أ نّهما بما لهما من العنوان ملعونان ، فيظهر

منه أنّ البيع والاشتراء محرّمان وإن لم يترتّب عليهما أثرهما المطلوب شرعاً ؛ أي النقل والانتقال .

وأمّا إسراء الحكم إلى سائر النجاسات فغير جائز ؛ لخصوصية في الخمر ليست في غيرها .

نعم ، الظاهر كون سائر أنواع المسكرات بحكمها ؛ لاحتمال صدقها عليها ولو ببعض المناسبات ، ولعموم التنزيل في روايات عديدة :

ص: 19


1- اُنظر مستدرك الوسائل 13 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 3 .
2- عوالي اللآلي 3 : 562 / 62 .
3- الكافي 6 : 429 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 55 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 و5 .

كرواية أبي الجارود ، وفيها : «أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر»(1) .

ورواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ

مسكر حرام وكلّ مسكر خمر»(2) .

وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(3) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ دلالتها على المطلوب لا تكاد تخفى ؛ لإطلاق التنزيل ولأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد، وبعد عدم كونه تكويناً لا بدّ من تصحيحه ، وتصحيح الدعوى كونهما واحداً من جميع الجهات في التشريع .

والحمل على بعض الآثار غير وجيه ؛ لعدم وجاهة الحمل وصحّته ، مع اختلافهما في جميع الآثار إلاّ في حرمة الشرب مثلاً ، إلاّ أن تكون سائر الآثار بحكم العدم ، فيحتاج إلى دعوى اُخرى ، وهي خلاف الظاهر ، بل الحمل مع موافقتهما في جملة من الآثار يعدّ غير وجيه عرفاً .

ص: 20


1- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- الكافي 6 : 408 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب 15 ،الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 412 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 342 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 1 .

وإن شئت قلت : إنّ مقتضى تحكيم تلك الروايات على الروايات المشتملة على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وبائعها . . . ، أنّ ما ثبت لها في تلك الروايات ، ثبت لسائر المسكرات ، فإنّ هذه الروايات منقّحة لموضوعها ، ومعه لا مجال للتشكيك في الدلالة .

وخصوص ما ورد في الفقّاع في رواية سليمان بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام ما تقول في شرب الفقّاع ؟ فقال: «خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه، أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولقتلت بائعه»(1) .

ورواية الوشّاء التي لا يبعد أن تكون صحيحة ، المحكيّة عن رسالة تحريم الفقّاع للشيخ الطوسي قدّس سرّه ، قال: كتبت إليه - يعني الرضا علیه السلام - أسأله عن الفقّاع ، فكتب : «حرام ، وهو خمر ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر» قال : وقال لي أبو الحسن علیه السلام : «لو أنّ الدار لي لقتلت بائعه ولجلدت شاربه»(2) .

ثمّ إنّ هاهنا جملة من الروايات في بيع الخنزير والكلب والميتة وغيرها (3) ، وفي دلالتها إشكال ومنع .

كما أنّ التمسّك بقوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَاْلأَنْصَابُ وَاْلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((4) بدعوى أنّ وجوب الاجتناب متفرّع على

ص: 21


1- الكافي 6 : 432 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، رسالة تحريم الفقّاع : 262 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- المائدة (5) : 90 .

الرجس ، فيدلّ على علّية الرجس لذلك ، وأنّ المذكورات واجبة الاجتناب ؛ لكونها رجساً ، فتدلّ الآية على وجوب الاجتناب عن كلّ رجس ، ومقتضى إطلاق وجوب التجنّب عنه ، الاجتناب عن جميع التقلّبات ، ومنها البيع والشراء(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ وجوب الاجتناب متفرّع على الرجس الذي هو من عمل الشيطان ، وكون الشيء من عمله بأيّ معنىً كان ، لا يمكن لنا إحرازه إلاّ ببيان من الشارع ، ومع الشكّ في كون شيء من عمله ، كالبيع والشراء ، لا يمكن التمسّك بها لإثبات وجوب الاجتناب . هذا ، مع أنّ نفس الخمر ليست من عمله ، وإن كانت رجساً فلا بدّ من تقدير ، ولعلّ المقدّر الشرب ، لا مطلق التقلّبات .

إلاّ أن يقال : إنّ جعل الخمر من عمله - وهي من الأعيان - مبنيّ على ادّعاء ، و المصحّح له هو كون جميع تقلّباتها من عمله ، ومع حرمة شربها فقط ، لا يصحّ أن يقال : إنّها من عمله بنحو الإطلاق .

والمجاز في الحذف قد فرغنا عن تهجينه في محلّه(2) .

ثمّ إنّ الرجس مطلقاً أو في خصوص المورد بمناسبة ذكر الميسر والأنصاب والأزلام ، يشكل أن يكون بمعنى النجاسة المعهودة ، وإن كان له وجه صحّة لو ثبتت إرادته ، لكن استظهار كونه بمعناها مشكل بل ممنوع .

ويتلوها في عدم صحّة التمسّك بها للمطلوب قوله تعالى : )وَالرُّجْزَ

ص: 22


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 97 - 98 .
2- مناهج الوصول 1 : 62 .

فَاهْجُرْ((1) (2) فإنّ كونه بمعنى النجاسة المعهودة غير ظاهر ، كما لم يحتمله الطبرسي في تفسيره ،(3) ولم ينقل احتماله من المفسّرين .

وعلى فرضه لا يبعد أن يكون المراد من هجره ، الهجر في الصلاة ، كما لعلّه الظاهر من قوله تعالى قبلها : )وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ( فيكون من قبيل ذكر العامّ عقيب الخاصّ .

وكيف كان : فالاستدلال للمطلوب بها محلّ إشكال ومنع .

الجهة الثانية : في حرمة الأثمان المأخوذة بعنوان ثمن النجس أو الحرام

الجهة الثانية - وهي أيضاً مهمّة أصيلة في المقام - : هي أنّ الأثمان المأخوذة في مقابل الأعيان النجسة ، هل هي محرّمة بعنوان ثمن النجس أو الحرام ، أو ثمن الخمر والخنزير وغيرهما ؟

وبعبارة اُخرى : أنّ المكسب - بمعنى ما يكتسب

- حرام ، وهذا غير حرمة التصرّف في مال الغير .

ويدلّ عليه النبوي المعروف : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(4) .

ص: 23


1- المدّثّر (74) : 5 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .
3- مجمع البيان 9 : 581 .
4- الخلاف 3 : 184 ؛ عوالي اللآلي 2 : 110 / 301 ؛ سنن الدار قطني 3 : 7 / 20 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 3 : 301 / 2964 .

وقريب منه ما عن «عوالي اللآلي» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) .

وعن «نوادر الراوندي» ، عن موسى بن جعفر علیه السلام ، عن آبائه ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ أخوف ما أخاف على اُمّتي من بعدي ، هذه المكاسب المحرّمة والشهوة الخفيّة والربا»(2) .

وفي «الكافي» عن البرقي مرسلة نحوها (3) .

بناءً على أنّ المكاسب جمع المكسب - بمعنى ما يكتسب - وهو ثمن المحرّمات ، تأمّل .

وفي صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ رجلاً من ثقيف

أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر ، فأمر بهما رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

فاُهريقتا ، وقال : إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(4) .

وهي تشعر أو تدلّ على ملازمة حرمة الشيء شرباً أو أكلاً أو انتفاعاً لحرمة ثمنه .

ص: 24


1- عوالي اللآلي 1 : 181 / 240 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- النوادر، الراوندي : 130 / 160 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- الكافي 5 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 81 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن ثمن الخمر ؟ قال : «اُهدي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راوية خمر بعد ما حرّمت الخمر فأمر بها (1) أن تباع ، فلمّا أن مرّ بها الذي يبيعها ، ناداه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من خلفه : يا صاحب الراوية إنّ الذي حرّم شربها فقد حرّم ثمنها ، فأمر بها فصبّت في الصعيد ، فقال : ثمن الخمر ومهر البغيّ وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت»(2) .

ولعلّها أوضح في التعميم؛ لمكان إرداف الخمر بمهر البغيّ وثمن الكلب، تأمّل.

ويمكن استفادة العموم من الموارد الخاصّة الواردة فيها الروايات ، كثمن الخمر والنبيذ والمسكر والميتة والكلب والعذرة ومهر البغيّ وأجر الكاهن وأجر الزانية واُجور الفواحش والرشوة وغيرها (3) ، المستفاد من مجموعها ولو بالمناسبات وإلغاء الخصوصية ، أنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه .

والظاهر منها : أنّ الثمن محرّم بعنوان ثمن الحرام أو ثمن النجس ؛ لأنّ الظاهر من تعلّق حكم على عنوانٍ موضوعيته ، فالحمل على حرمته باعتبار التصرّف في مال الغير بلا إذنه ، خلاف ظواهر الأدلّة .

ويشهد له : أنّ الظاهر أنّ ذلك التعبير لم يرد في شيء من المعاملات الباطلة من جهة فقد ما يعتبر فيها .

ص: 25


1- الظاهر أ نّه على صيغة المجهول والآمر أحد الحضّار . [ منه قدس سره]
2- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5، و : 175 ، الباب 40، و : 223 ، الباب 55 - 57 .
الجهة الثالثة : في الحرمة الوضعية للاكتساب بالأعيان النجسة

ثمّ إنّ الظاهر استفادة جهة اُخرى من تلك الروايات غير أصيلة في البحث عنها في المقام ، وهي بطلان المعاملة ؛ لأنّ تحريم الثمن لا يجتمع عرفاً مع الصحّة وإيجاب الوفاء بالعقود ، فلازمه العرفي بطلانها وإن كان الثمن بعنوانه محرّماً . مضافاً إلى الإجماع على البطلان ، بل يستفاد ذلك من بعض الروايات الظاهرة في الإرشاد عليه :

كرواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من اكترى دابّة أو سفينة فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير أو ما يحرم ، لم يكن على صاحب الدابّة شيء . وإن تعاقدا على حمل ذلك فالعقد فاسد ، والكري على ذلك حرام»(1) .

وعنه علیه السلام : «وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه»(2) .

وعنه علیه السلام عن آبائه : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار ، وعن بيع الميتة والخنزير والأصنام ، وعن عسب الفحل ، وعن ثمن الخمر ، وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة»(3) .

ص: 26


1- دعائم الإسلام 2 : 78 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 32 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 18 / 23 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 71 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

وعن علي بن جعفر في «قرب الإسناد» عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن الماشية تكون للرجل ، فيموت بعضها ، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال : «لا ، ولو لبسها فلا يصلّ فيها»(1) .

وفي جامع البزنطي ، كما عن «السرائر» عن الرضا علیه السلام في أليات الأغنام ، قال : «لا يأكلها ولا يبيعها»(2) .

وفي مرسلة ابن أبي نجران أو ابن أبي عمير عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دين، هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه ؟ قال : «لا»(3) .

وفي رواية يونس : أسلم رجل وله خمر أو خنازير ، ثمّ مات ، وهي في ملكه ، وعليه دين ، قال : «يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضى دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ، ولا يمسكه»(4) .

ولا يضرّ بها لو فرض عدم العمل على الجزء الأوّل منها .

وفي صحيحة ابن اُذينة قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام ، أسأله عن رجل له

ص: 27


1- قرب الإسناد : 268 / 1067 ؛ وسائل الشيعة 17 : 96 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 17 .
2- السرائر 3 : 573 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .
3- الكافي 5 : 232 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 226 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 232 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 2 .

كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(1) .

حيث تشعر بأنّ حلّية الشرب والأكل موجب لعدم البأس ، فما كان حراماً لا يحلّ بيعه ، تأمّل .

وقريب منها غيرها (2) . والإنصاف أنّ المناقشة في بعض ما ذكر سنداً أو دلالة لا تضرّ بالوثوق على ثبوت الحكم من جميعها ، فلا ينبغي التأمّل في البطلان .

هذا حال الأدلّة اللفظية في المقامات الثلاثة .

حول كلمات الفقهاء في المقامات الثلاثة

وأمّا كلمات الفقهاء من دعاوي الإجماع وغيره فمختلفة :

فمنها : ما تعرّضت للحكم الوضعي أو ظاهرها ذلك ، كعبارات «الخلاف» و«الوسيلة» و«الغنية» و«التذكرة» .

فالشيخ في «الخلاف» ادّعى الإجماع على عدم جواز بيع ما كان نجساً ، وعدم جواز بيع السرجين النجس والخمر والمنيّ وغيرها (3) .

ص: 28


1- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 2 ، 4 ، 6 و10 .
3- الخلاف 3 : 166 ، مسألة 270، و : 185 ، مسألة 310 و311 .

وهو ظاهر في عدم الجواز الوضعي . ويؤيّده تعبيره بعدم الجواز في كثير من الموارد التي لا تكون التجارة بعنوانها محرّمة :

كقوله : «لا يجوز بيع العبد الآبق منفرداً» وقوله : «لا يجوز بيع الصوف على

ظهور الغنم منفرداً»(1) وقوله : «لا يجوز السلم في اللحوم»(2) و«لا يجوز أن يؤجّل السلم إلى الحصاد والدياس»(3) . . . إلى غير ذلك .

فالجواز واللاجواز في المقامات ظاهران في الوضعي ، كما مرّ .

وأمّا السيّد ابن زهرة والعلاّمة في «التذكرة» فقد ذكرا في شرائط العوضين الطهارة أو الإباحة .

ففي «التذكرة» : «يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية» إلى أن قال : «ولو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنزير لم يصحّ إجماعاً»(4) ، ثمّ تمسّك بالآيتين . فمورد دعوى الإجماع هو عدم الصحّة .

ثمّ قال : «لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعاً منّا، وبه قال مالك والشافعي

وأحمد ؛ للإجماع على نجاسته فيحرم بيعه» إلى أن قال : «ولأ نّه رجيع نجس فلم يصحّ بيعه كرجيع الآدمي»(5) .

والظاهر من الحرمة ، الوضعية ولو بالقرائن ، مع أنّ مورد دعواه الإجماع ،

ص: 29


1- الخلاف 3 : 168 ، مسألة 274 و276 .
2- الخلاف 3 : 204 ، مسألة 12 .
3- الخلاف 3 : 201 ، مسألة 7 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 25 .
5- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .

عدم الجواز الظاهر في الوضعي ؛ وكذا الحال في سائر كلماته ولو بملاحظة عنوان البحث وملاحظة استدلالاته المناسبة للبطلان ، لا حرمة البيع بعنوانه ؛ أعني الإنشاء عن جدّ ، كما لا يخفى .

وقال ابن زهرة في جملة من كلامه : «واشترطنا أن يكون منتفعاً به ؛ تحرّزاً ممّا لا منفعة فيه كالحشرات وغيرها ، وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره إلاّ ما أخرجه الدليل»(1) . ثمّ تمسّك بإجماع الطائفة .

وأمّا ابن حمزة فقد ذكر ما لا يجوز تملّكه في شريعة الإسلام من أقسام البيع

الفاسد(2) .

ثمّ إنّ جملة من الإجماعات المدّعاة في الموارد الخاصّة أيضاً ، موردها الحكم الوضعي ، كمحكيّ إجماع «التذكرة» على عدم صحّة بيع الخمر والميتة(3) ، وكذا ما عن «المنتهى» و«التنقيح» في الميتة(4) ، وإجماع «الخلاف» على عدم جواز بيع أشياء منها الكلب(5) .

وعن «المنتهى» الإجماع على عدم صحّة بيعه(6) .

ص: 30


1- غنية النزوع 1 : 213 .
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 254 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 25 .
4- منتهى المطلب 15 : 349 و352 ؛ التنقيح الرائع 2 : 5 .
5- الخلاف 3 : 181 .
6- منتهى المطلب 15 : 354 .

وعن إجارة «الخلاف» الإجماع على عدم صحّة جعل جلد الميتة اُجرة(1) .

وعن «المبسوط» : «لا يصحّ بيع الخنزير ولا إجارته ولا الانتفاع به إجماعاً»(2) .

ومنها : ما تعرّضت لحرمة مطلق الانتفاع أو خصوص التكسّب به ؛ بمعنى أنّ ما يكتسب بالأعيان النجسة حرام ، كالإجماعين المحكيّين عن «شرح الإرشاد» و«التنقيح» قالا في بيان حرمة بيع الأعيان النجسة : «إنّما يحرم بيعها ؛ لأ نّها محرّمة الانتفاع ، وكلّ محرّم الانتفاع لا يصحّ بيعه ، أمّا الصغرى فإجماعية»(3) ، انتهى .

فإنّ أخذ الثمن من أوضح الانتفاعات بها ، وأمّا أصل إيقاع البيع فليس انتفاعاً ، كما هو ظاهر .

وفي «المنتهى» جعل عنوان البحث كذلك : «في ضروب الاكتساب ، وفيه مباحث : البحث الأوّل : فيما يحرم التكسّب به ، وهو أنواع : الأوّل : الأعيان النجسة»(4) ، انتهى .

وهو كما ترى ظاهر في أنّ محطّ البحث اُمور يحرم التكسّب بها ؛ أي كسب المال بها ، ولهذا يشكل في دعاويه الإجماع على حرمة بيع الاُمور المذكورة في

ص: 31


1- الخلاف 3 : 511 .
2- المبسوط 2 : 165 - 166 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 75 .
3- حاشية إرشاد الأذهان ، فخر المحقّقين : 44 / السطر 12 (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم 2474) ؛ التنقيح الرائع 2 : 5 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 44 .
4- منتهى المطلب 15 : 347 - 348 .

خلال بحثه ، أن يكون مراده حرمة عنوان البيع ، مع أنّ في استدلالاته ما ينافي ذلك ، فراجع .

وعن «التحرير» : «يحرم التكسّب فيما عدا الكلاب الأربعة إجماعاً منّا»(1) ، انتهى .

والظاهر أ نّه ليس معنى التكسّب نفس المعاملة ، بل تعاطي الثمن في مقابل الأعيان .

وفي «المراسم» تقسيم المكاسب على خمسة أضرب - حسب الأحكام الخمسة - ومراده المتاجر ، ثمّ قسّم المعايش إلى ثلاثة أضرب : مباح ومحظور ومكروه(2) .

ولعلّ مراده بالمعايش مقابل المكاسب ، وهو ما يكتسب وما هو معيشته بالاكتساب وإن كانت عبارته مشوّشة .

ولعلّ ذلك هو المراد من عبارة المحقّق(3) ؛ حيث جعل المقسم ما يكتسب به ، وقسّمه إلى أقسام ؛ لعدم صحّة العبارة إلاّ بالحمل على أنّ التقسيم لما يكتسب ؛ أي ما يتعاطى في مقابل المذكورات ، فكأ نّه قال : ثمن الأعيان النجسة حرام ، وكذا باقي الأقسام ، ولا يضرّ كون بعض الأقسام حراماً بعنوان الثمن وبعضها بعنوان كونه مال الغير .

وهذا وإن كان خلاف ظاهر قوله: ما يكتسب به ، وكذا يستشكل في المكاسب المكروهة ؛ حيث إنّ ذات المعاملة مكروهة ، لكن لا يبعد أن يكون

ص: 32


1- تحرير الأحكام 2 : 258 .
2- المراسم : 169 .
3- شرائع الإسلام 2 : 3 .

لفظة «به» زائدة من قلم النسّاخ ، وإلاّ فالكلام في المكاسب المحرّمة ، وهي جمع مكسب بمعنى ما يكسب ، لا ما يكتسب به ، وأمّا في المكروهات ، فلعلّه قائل بكراهة ما يكسب فيها أيضاً ، ككراهة أصل العمل ، كما لا يبعد .

ومنها : ما هي ظاهرة في الحرمة التكليفية لأصل المعاملة ، أو يدّعى ظهورها فيها ، كعبارة «نهاية» شيخ الطائفة(1) .

وفي «الانتصار» : «وممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم بيع الفقّاع وابتياعه» إلى أن قال : «وإن شئت أن تبني هذه المسألة على تحريمه ، فتقول : قد ثبت حظر شربه ، وكلّ ما حظر شربه حظر ابتياعه وبيعه ، والتفرقة بين الأمرين خروج عن إجماع الاُمّة»(2) ، انتهى .

وهو دعوى الإجماع في خصوص الفقّاع لو سلّم ظهوره في الحرمة التكليفية ، ولا ريب في حرمة البيع والشراء في الخمر والفقّاع وكلّ مسكر ، إنّما الكلام في سائر أنواع النجاسات والمحرّمات .

وعن «نهاية الإحكام» : «بيع الدم وشراؤه حرام إجماعاً ؛ لنجاسته وعدم الانتفاع به»(3) .

ويحتمل بملاحظة التعليل بعدم الانتفاع به أن يكون المراد بالحرمة ، الوضعية منها ، ويحتمل أن يكون هذا الإجماع مستنقذاً من الإجماع على عدم الانتفاع به ، بتوهّم أنّ نفس البيع والشراء من الانتفاعات .

ص: 33


1- النهاية : 363 .
2- الانتصار : 437 .
3- نهاية الإحكام 2 : 463 .

وعنه أيضاً : «الإجماع على تحريم بيع العذرة وشرائها»(1) . ويأتي فيه ما تقدّم ، مع قرب احتمال الخلط بين المقامات الثلاثة المتقدّمة فتوهّم من الإجماع على عدم جواز البيع ، الإجماع على حرمته نفساً .

هذا، مع ما تقدّم من ظهور حرمة البيع في الوضعية ، ولا بدّ في بيان الحرمة التكليفية في نفس إيقاع المعاملة من بيان أوضح ممّا ذكر .

فتحصّل ممّا مرّ : عدم دليل معتدّ به معتمد [عليه] في غير المسكرات على حرمة عنوان المعاملة شرعاً ، إلاّ أن يدّعى أنّ اعتماد الأصحاب على خبر «تحف العقول» أو كفاية مطابقة فتواهم لمضمونها في جبر سندها .

وفي كلتا الدعويين منع ، بل لم يثبت مطابقة فتوى المشهور لمضمونها ، كما ظهر ممّا تقدّم من الإجماعات المنقولة .

بقيت فروع :

ص: 34


1- نهاية الإحكام 2: 463.
بقیت فروع:
الفرع الأوّل : في إلحاق المائعات المتنجّسة بالأعيان النجسة

هل يلحق بالأعيان النجسة ، المائعات المتنجّسة بها إذا لم تكن قابلة للتطهير ، أو مطلقاً ، أو لا تلحق بها مطلقاً ، أو تلحق في بعض الأحكام ؟ وجوه .

يمكن أن يستشهد بإلحاق كلّ متنجّس بما تنجّس به في الحكم - بمعنى أنّ ما تنجّس بالخمر أو سائر المسكرات يلحق بها في الأحكام الثلاثة المتقدّمة ؛ أي حرمة عنوان البيع وحرمة ثمنه بما هو ثمنه وبطلان المعاملة ، وفي غيرها فيما له من الحكم - برواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : أتاه رجل ، فقال : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله ، قال : فقال أبو جعفر علیه السلام : «لا تأكله» ، فقال له الرجل : الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، قال : فقال له أبو جعفر علیه السلام : «إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء»(1) .

بتقريب أنّ التمسّك بالكبرى مع عدم انطباقها على المورد المسؤول عنه وهو الطعام ، لا يتمّ إلاّ بتنزيل المتنجّس بالميتة منزلتها ، فيظهر منه أنّ المتنجّس بالميتة ميتة حكماً ، فيتعدّى إلى غيرها بإلغاء الخصوصية ، أو عدم القول بالفصل .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر أ نّه لم يتمسّك بالكبرى لإثبات حرمة الزيت

ص: 35


1- تهذيب الأحك-ام 1 : 420 / 1327 ؛ وسائل الشيع-ة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب ماء المضاف ، الباب 5 ، الحديث 2 .

والسمن، بل بعد بيان حرمتهما بقوله: «لا تأكله» لمّا قال الرجل ما قال، أراد بيان أنّ الميتة من الفأرة وغيرها حرام بحكم اللّه تعالى ، والاستخفاف إنّما هو بحكمه تعالى لا بها ، مع احتمال تفسّخ الفأرة وإرادة الرجل أكل الزيت بما فيه ، تأمّل .

مضافاً إلى عدم دلالة الرواية بوجه على إرادة التنزيل ؛ فإنّ إرادته من تلك العبارة في غاية البعد ، بل لا تخلو من استهجان ، فضلاً عن استفادة عموم التنزيل وعن إسراء الحكم إلى سائر المتنجّسات - كلّ بحسبه - فيقال : بإسراء حكم كلّ نجس إلى ما تنجّس به .

ويتلوه في الضعف ، التشبّث بقوله : نجّسه أو ينجّسه في المتنجّسات ، كالمفهوم من قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(1) وقوله في النبيذ : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء»(2) .

بتقريب أنّ قوله : «ينجّسه الشيء الفلاني» أي يجعله نجساً ، وبعد عدم صيرورته نجساً عيناً بحسب الواقع ، لا محالة ينزّل على التنزيل ، ومقتضى إطلاق التنزيل ، ثبوت مطلق حكم كلّ نجس له ، فإذا تنجّس بالخمر ينزّل منزلتها ، وتثبت له أحكامها وهكذا .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مقابلة النجس والمتنجّس من اصطلاح الفقهاء ، ولا يبعد القول بأنّ المتنجّس نجس كسائر النجاسات ، تأمّل - أ نّه بعد

ص: 36


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 ، 2 ، 5 و6 .
2- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 .

تسليم التنزيل ، لا يكون ذلك إلاّ في النجاسة لا في حيثيات اُخر ، وغايته لزوم

غسل ما تنجّس بملاقي كلّ نجس بنحو ما تنجّس به ، فيكون ملاقي الولوغ كالولوغ في نجاسته ، وملاقي الخمر كالخمر فيها وهكذا ، لا في سائر الآثار .

وبعبارة اُخرى : فرق بين تنزيل شيء منزلة الخمر ، كما ورد في الفقّاع أ نّه خمر ، وبين تنزيله منزلتها في النجاسة ، كما يقال : إنّ الشيء الفلاني نجس كالخمر ، أو أنّ الخمر صيّرتها نجساً نحو نجاستها .

هذا ، مضافاً إلى أنّ استفادة التنزيل من تلك الروايات مشكلة ، بل ممنوعة مطلقاً حتّى في النجاسة ، فضلاً عن سائر الآثار ، كما لا يخفى .

فلا دليل على كون كلّ متنجّس بحكم ما تنجّس به مطلقاً .

كما لا دليل على حرمة عنوان التجارة ، كالبيع وغيره في المائعات المتنجّسة الغير القابلة للتطهير ، كالدبس والسمن ، فضلاً عمّا تقبله .

عدا رواية «تحف العقول» و«الرضوي»(1) ، على إشكال في الثانية .

وهما غير صالحتين لإثبات حكم ؛ لضعفهما ، بل عدم إحراز كون الثانية رواية ؛ لقرب احتمال كونه كتاب فتوى لفقيه جمع بين الروايات ، إلاّ فيما نسبه إلى المعصوم ؛ فيكون مرسلة غير معتمدة .

وعدا ما عن «الجعفريات» عن علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - قال : «بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء»(2) .

ص: 37


1- تقدّمتا في الصفحة 12 و13 .
2- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 172 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 4 .

وفيه : ما مرّ من الإشكال في دلالته(1) ؛ لكونه في مقام بيان الحكم بالتسوية ، فلا يستفاد منه أنّ الإثم لنفس البيع والشراء ، مضافاً إلى أنّ في سنده إشكالاً بجهالة بعض رواته .

وأمّا إجماعات «الغنية» و«المنتهى» و«المسالك» فليس شيء منها على هذا العنوان ؛ أي حرمة البيع ، كما يأتي(2) .

كما أ نّه ليس دليل على أنّ ثمن المتنجّس المائع سحت :

إلاّ النبوي المتقدّم من طرق العامّة : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(3) .

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، إمكان الخدشة في الدلالة ، بدعوى انصرافه إلى المحرّمات الأصلية ، لا ما صار حراماً بتبع الغير ، ولو نوقش فيه وقيل بإطلاقه ، فلا دافع لضعفه .

وقد يتوهّم جبر سنده باستناد(4) الشيخ وابن زهرة والحلّي والعلاّمة وغيرهم به .

وفيه : أنّ بناء شيخ الطائفة وابن زهرة بل والعلاّمة ، كالسيّد المرتضى في إيراد الروايات التي من طرق العامّة على إلزام فقهائهم ، لا على الاستناد بها في الفتوى ، كما لا يخفى على الناظر في تلك الكتب .

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 14 .
2- يأتي في الصفحة 41 - 42 .
3- تقدّم في الصفحة 23 .
4- الخلاف 3 : 184 ، مسأل-ة 308 و310 ؛ غني-ة النزوع 1 : 213 ؛ السرائر 3 : 113 ؛ مختلف الشيعة 8 : 337 .

ولهذا ترى : أنّ الشيخ استند في عدم جواز بيع الخمر بإجماع الفرقة ، ثمّ أورد

روايات من العامّة عليه ، ولم يستند بواحد من روايات أصحابنا (1) ، مع كثرتها .

وأنّ ابن زهرة بعد الاستدلال على اشتراط كون المنفعة مباحة بالإجماع ، قال : ويحتجّ على من قال من المخالفين بجواز بيع الكلاب مطلقاً ، وبيع سرقين ما لا يؤكل لحمه ، وبيع الخمر بوكالة الذمّي على بيعها ، بما رووه من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(2) ، انتهى .

والغفلة عن هذه الدقيقة ، أوجبت توهّم جبر سند بعض الأخبار التي ليست من طرقنا ، مع أنّ الجابر هو الاستناد في الفتوى ، بحيث يحرز أنّ الفتوى الكذائية من المشهور مستندة إلى رواية كذائية ، وهذا غير ثابت بذكر الرواية في تلك الكتب المعدّة لبيان الاستدلال على مذهب الإمامية والردّ على مخالفيهم ، ككتابي «الانتصار» و«الناصريات» وكتاب مسائل «الخلاف» وكتابي «المنتهى» و«التذكرة» .

وقد اقتفى ابن زهرة إثر علم الهدى في «غنيته» كثيراً (3) ، بل يشعر أو يدلّ كلامه المتقدّم على عدم اعتبار الرواية المتقدّمة عند أصحابنا ، وإنّما احتجّ بها إلزاماً عليهم ، وليس عندي كتاب «السرائر» مع الأسف .

وكيف كان : فلا يمكن الاستناد بمثل النبوي في الحكم ، كما لم يستندوا عليه أصحابنا المتقدّمون ، اعتماداً وفتوى .

ص: 39


1- الخلاف 3 : 185 .
2- غنية النزوع 1 : 213 .
3- راجع غنية النزوع 1 : 37 و121 ؛ الانتصار : 30 و85 - 86 .

وإلاّ النبوي المتقدّم عن «عوالي اللآلي» : «إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) .

وسنده أوهن من سابقه مع أ نّه في المأكول ، وإلغاء الخصوصية منه وإسراء الحكم إلى المشروب المحرّم أصلاً وتبعاً محلّ تأمّل ، ومرّ حال رواية «التحف» و«الرضوي»(2) .

وإلغاء الخصوصية من الروايات الكثيرة الواردة في نجاسات ومحرّمات خاصّة ، بأنّ ثمنها سحت ، مشكل بالنسبة إلى المتنجّسات ؛ لاحتمال أن تكون لأعيان النجاسات خصوصية توجب غلظة في الحكم لا تكون في المتنجّس بها .

والاستدلال على المطلوب بما وردت في العصير(3) غير وجيه .

وأوهن منه الاستدلال(4) بروايات اُمر فيها بإهراق الماء والمرق المتنجّسين(5) ؛ فإنّ الاستدلال بها لبطلان المعاملة بها محلّ إشكال ، فضلاً عن الاستدلال لحرمة البيع أو حرمة الثمن ؛ لأنّ الانتفاع بصاع من الماء ليس إلاّ للتوضّي أو الشرب عادة ، وهما غير جائزين بالماء النجس أو المشتبه به ، وليس

ص: 40


1- تقدّم في الصفحة 23 .
2- تقدّم في الصفحة 12 و13 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب2 .
4- مستند الشيعة 14 : 70 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 ، 4 ، 7 ، 11 و14 ؛ و25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

لهما نفع آخر ، ولعلّ الأمر بالإراقة كناية عن عدم نفع له ، وكذا المرق لا نفع له إلاّ الأكل الممنوع منه ، فلا تدلّ تلك الروايات على إلغاء مالية الملاقي للنجس ، وإن كان الاحتياط حسناً ، بل لا ينبغي تركه .

وأمّا بطلان المعاملة به ، فالظاهر تسلّمه لدى الأصحاب في الجملة ، كما هو مقتضى دعوى إجماع «الغنية» و«المنتهى» :

قال في الأوّل : «وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل

في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره ، إلاّ ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلّم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة»(1) .

ثمّ استدلّ على المخالف في بعض الفروع بالنبوي المتقدّم(2) .

ودعوى الإجماع بملاحظة ذيل العبارة وصدرها تعمّ المتنجّس ، والظاهر دعواه على البطلان .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من العبارة أنّ الإجماع هو الدليل المخرج للكلب وتاليه ، لا على الكلّية المتقدّمة ، تأمّل .

وقال في الثاني بعد تقسيم المتنجّسات بالجامد والمائع : «والثاني : أن يكون مائعاً ، فحينئذٍ : إمّا أن لا يطهر كالخلّ والدبس ، فهذا لا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأ نّه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة فلم يجز بيعه كالأعيان النجسة ، وإمّا أن يطهر كالماء ، ففيه للشافعي وجهان : أحدهما : أ نّه لا يجوز بيعه ؛ لأ نّه نجس

ص: 41


1- غنية النزوع 1 : 213 .
2- تقدّم في الصفحة 38 .

لا يمكن غسله ، ولا يطهر بالغسل، فلا يجوز بيعه كالخمر»(1) ، انتهى .

وهذا التقسيم وإن كان في ذيل البحث عمّا تحرم التكسّب به ، لكن ظاهر كلامه دعوى الإجماع على الحكم الوضعي ، ولعلّه استفاد حرمة التكسّب به من الحكم الوضعي ، ولو كانت الحرمة لأجل عدم انتقال المال إلى البائع ، فيكون مراده من حرمة التكسّب أعمّ ممّا حرم بعنوان التكسّب أو بعنوان التصرّف في مال الغير .

وكيف كان : إنّ ظاهره الإجماع على بطلان المعاملة ، لا حرمة الثمن بعنوانه .

ويمكن التشبّث للبطلان بنقل «الخلاف» الإجماع كراراً على أنّ ما كان نجساً لا يجوز بيعه في بيع القرد والسرجين النجس والمنيّ(2) على إشكال . وحكي عدم جواز بيع ما لا يقبل التطهير عن جملة من كتب القدماء والمتأخّرين(3) .

والإنصاف أنّ بطلانها في الجملة مفروغ عنه لدى الأصحاب ، فلا ينبغي الخدشة فيه .

ص: 42


1- منتهى المطلب 15 : 360 - 361 .
2- الخلاف 3 : 183 - 185 ، مسألة 306 ، 308 ، 310 ، و : 166 ، مسألة 270 .
3- راجع مفتاح الكرامة 12 : 38 - 41 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 83 ؛ مستند الشيعة 14 : 69 - 70 .
الفرع الثاني : حول ما هو موضوع الحرمة في الأحكام الثلاثة

يمكن بحسب التصوّر أن يكون موضوع الحكمين المتقدّمين في غير المسكرات ، والأحكام الثلاثة فيها :

ما كان محرّم الانتفاع من جميع الجهات ، بحيث لو كان فيه جهة حلّية لم تترتّب عليه الأحكام أو بعضها .

أو يكون الموضوع ما كان محرّم الانتفاع ولو بجهة من الجهات ولو كان محلّل الانتفاع بجهات اُخر ، فيكون جلد الميتة مثلاً موضوع الحكمين ؛ أي البطلان وحرمة الثمن ولو جاز الاستقاء به للبساتين وبيع لأجله ، بمجرّد كونه محرّم اللبس مثلاً .

أو يكون الموضوع ما كان فيه جهة حرمة إذا اتّجر به لأجلها ، دون ما كان فيه جهة حلّية واتّجر به لأجلها ، فالعناوين المشتملة على جهتين يكون حكم الاتّجار والتكسّب بها تابعاً لوقوعهما لتلك الجهة ، فالعصير المغليّ يحلّ بيعه للتخليل ، ولا يحلّ للتخمير أو الشرب .

ثمّ على هذا الاحتمال يمكن أن يكون شرط الحرمة ، الاتّجار لأجل جهة الفساد ، فمع عدم قصد جهة من الجهات يكون محلّلاً ، أو يكون شرط الحلّية قصد جهة الصلاح فلا يحلّ إلاّ معه ، ويكون الاتّجار به على نحو الإطلاق وبلا قصد جهة محرّماً .

ص: 43

وهنا احتمالات اُخر : كاحتمال أن يكون المحرّم بيعه لمن يعلم أ نّه يستعمله في الحرام ، والمحلّل بيعه لمن يعلم أ نّه يستعمله في المحلّل . . . إلى غير ذلك .

فالأولى صرف الكلام إلى مفاد الروايات ؛ ليتّضح مقدار دلالتها في العناوين النجسة ، ثمّ البحث عن مستثنياتها على فرض عموم فيها .

مفاد الروايات في المقام

فنقول : المستفاد من فقرات من رواية «تحف العقول» هو الاحتمال الثالث .

قال : «وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع ممّا لا يجوز له ، وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه ممّا لا يجوز ، فكلّ مأمور به ممّا هو غذاء للعباد وقوامهم به في اُمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ، ممّا يأكلون ويشربون» إلى أن قال : «وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته .

وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله» إلى أن قال : «أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، أو البيع للميتة» ، إلى أن قال : «فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه بوجه من الوجوه ؛ لما فيه من الفساد ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام . . .»(1) .

ص: 44


1- تحف العقول : 332 ؛ وسائل الشيعة 17 : 83 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّ مقتضى إطلاق صدرها ، أنّ كلّ شيء يكون فيه وجه من وجوه الصلاح ، جاز الاتّجار والتكسّب به مطلقاً وإن كان فيه وجه أو وجوه من الفساد ، ومقتضى إطلاق ذيلها - مع قطع النظر عن الصدر وعن جهة تأتي الإشارة إليها - أنّ كلّ ما فيه جهة من جهات الفساد ، يحرم الاتّجار به . ومقتضى الجمع بينهما عرفاً ، أنّ ما فيه جهة صلاح وفساد ، إذا كان التقلّب لأجل الصلاح يكون حلالاً ، وإن كان لجهة الفساد يكون حراماً ، بل مقتضى مناسبة الحكم والموضوع وفهم العرف والعقلاء من الرواية من أنّ جهة الفساد أوجبت حرمة المعاملة لأجل ترتّب الفساد عليها ، أنّ التقلّبات بهذه الجهة محرّمة ، فلا إشكال في استفادة ذلك عرفاً .

مضافاً إلى ظهور قوله : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام» في أنّ تقلّب هذا الشيء في ذلك الوجه الحرام حرام . واحتمال أن يكون المراد أنّ تقلّب الإنسان في ذلك الشيء المشتمل على الفساد حرام ، بعيد مخالف للظاهر ، سيّما مع ما مرّ من مناسبة الحكم والموضوع ومقابلة الصدر والذيل ، مضافاً إلى ظهور بعض فقراتها الاُخر ، مثل ما ذكر في تفسير الإجارات في ذلك أيضاً .

فلو كانت الرواية معتمدة ، صارت موجبةً للتصرّف في سائر روايات الأبواب ؛ لحكومتها عليها لو فرض لها إطلاق .

ونحوها رواية «فقه الرضا علیه السلام » و«الدعائم»(1) ، فإنّ مقتضى الجمع العقلائي بين صدرهما وذيلهما ، والمناسبة بين الحكم والموضوع ، أنّ الحلّية والحرمة

ص: 45


1- تقدّمتا في الصفحة 13 .

تابعتان للاستعمال في جهة الصلاح والفساد ، على نحو ما تقدّم في رواية «التحف» .

نعم ، يمكن استفادة عدم الجواز فيما إذا علم أ نّه يستعمله في جهة الفساد ، من رواية «التحف» وما يتلوها أيضاً .

هذا حال العمومات في الباب .

وأمّا غيرها فالروايات الواردة في الخمر على طائفتين :

إحداهما : المستفيضة المشتملة على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها وحارسها . . . إلى غير ذلك :

كرواية جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر

عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها»(1) . وقريب منها غيرها من الروايات الكثيرة من الفريقين(2) .

وهذه الطائفة قاصرة عن إثبات الحرمة لمطلق بيع الخمر ، كما لو باع للتخليل لو فرض إمكانه ، أو باع للتداوي إن قلنا بجوازه في مورد الاضطرار ، لا لأدلّة رفع ما اضطرّوا إليه ، بل لقصور الروايات عن إثبات الحكم لغير البيع

ص: 46


1- الكافي 6 : 429 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 4 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الح-ديث 3 و5 ؛ المسن-د ، أحم-د ب-ن حنبل 3 : 277 / 2899 و5 : 201 / 5716 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 327، و8 : 287 .

والشراء المتداولين في سوق الفسّاق .

فلو فرض أنّ العصير المغليّ بنفسه صار خمراً ، ثمّ صار خلاًّ ، فعصره عاصر للتخليل فهل يمكن أن يقال : إنّه ملعون بلسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لأ نّه عصر ما يصير خمراً ولو صار خلاًّ بعده ، وكان عصره للخلّ ؟ لا أظنّ بأحد احتماله ، وذلك لأنّ الظاهر المستفاد من تلك الروايات ، أنّ الشرب المعمول به ، وكلّ ما هو من مقدّماته أو مربوط به حرام ، لا لحرمة المقدّمة ؛ فإنّها ليست بحرام جزماً ، بل لجعل الحرمة عليها سياسة لقلع ؛ الفساد .

وكيف كان : لا شبهة في عدم دلالة تلك الطائفة على حرمة المعاملة ، ولا الثمن ولا بطلانها في غير ما قلناه .

والطائفة الاُخرى : ما دلّت على حرمة ثمنها :

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ، قال : «لا يصلح ثمنه» . ثمّ قال : «إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر ، فأمر بهما رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاُهريقتا ، وقال : إنّ الذي حرّم شربها حرّم

ثمنها . . .»(1) وقريب منها غيرها (2) .

وهذه الطائفة أيضاً قاصرة عن إثبات الحكم بنحو الإطلاق ؛ لأنّ المتعارف

ص: 47


1- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 و7 .

في بيع الخمر - بحيث كان غيره نادراً جدّاً سيّما في تلك الأزمنة - هو البيع للشرب الحرام .

وأمّا التخليل فالظاهر عدم انقلاب الخمر خلاًّ . وما وردت في بعض الروايات من تخليلها بالعلاج(1) ، لعلّها التي كانت في حال الغليان ، واختمرت في الجملة ، دون ما صارت خمراً ، ولهذا أمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بإهراقها وإهراق جميع ما في المدينة من الخمر ، على ما في بعض الروايات(2) .

فلو كان انقلابها إلى الخلّ ممكناً ، لكان من البعيد الأمر بإهراقها ، ولهذا لا يجوز إراقة العصير المغليّ بنفسه أو بالنار ولو اُحرز كونهما خمراً ، إذا أراد صاحبه أن يعمل به خلاًّ أو دبساً .

نعم ، لا يمكن حمل ما دلّت على جعل الخمر العتيقة خلاًّ(3) على ما ذكرناه ، فلا بدّ من تأويل آخر فيها ، لو ثبت عدم إمكان جعلها خلاًّ بالعلاج . ولو فرض إمكانه ، لكن لا شبهة في عدم تعارفه ، وعدم كونه من المنافع المطلوبة لها ، ولعلّ الأمر بإراقتها - بعد فرض إمكان التخليل - كان من الأحكام السياسية لقلع مادّة الفساد وقطع عذر الشاربين للخمر ؛ حيث يمكن لهم الاعتذار باتّخاذها للتخمير .

وكيف كان : فلا شبهة في أنّ المنفعة المتعارفة لها الشرب ، والأدلّة منصرفة

ص: 48


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 524 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 524 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 ، الحديث 1 .

عن غيره ، والتداوي بها - لو جوّزناه في بعض الموارد النادرة - ليس بحيث يدفع الانصراف أو يمنع عن الإراقة .

وبالجملة : إنّ صاحب الراوية - في الرواية المتقدّمة - إنّما أهدى الخمر لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لكونها من أحبّ الأشياء عندهم ، وقوله : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها» ، لا يستفاد منه إلاّ الثمن في بيع الخمر ، حسب تعارفه عندهم ، وكان صاحب الراوية يريد بيعها كذلك ، لا المورد النادر الذي يجب أو يجوز شربها .

فلو فرض في مورد صار العصير في غليانه خمراً يمكن تخليلها ، فبيعت لذلك ، لا تدلّ مثل تلك الروايات على منعه ، كما لا يخفى .

ونحوها ما دلّت على أنّ ثمن الخمر سحت ، من الروايات المستفيضة(1) ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ التكسّب بها في التجارة المتعارفة كذلك .

وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة منصرفة إلى ما هو المعهود الشائع ، والنادر بهذه المثابة منسيّ عن الأذهان ، سيّما مع المناسبات المغروسة فيها .

هذا حال ما يمكن ، أو يتوهّم استفادة حرمة أصل المعاملة بعنوانها منها .

وأمّا ما دلّت على حرمة الثمن أو بطلان المعاملة ، فمضافاً إلى بعض ما مرّ ، النبوي المتقدّم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(2) .

وفيه احتمالات :

منها : أن يراد به أنّ التحريم إذا تعلّق بذات شيء - بأن يقال : حرّمت عليكم

ص: 49


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
2- تقدّم في الصفحة 23 .

الميتة مثلاً - حرّم ثمنه ؛ لأنّ تحريم الذات تحريم جميع منافعها ، ومنها الثمن ، فيكون بياناً لحدود ما شرّع اللّه تعالى ، لا لأصل التشريع .

أو يراد الإخبار بالملازمة بين ما إذا تعلّق الحرمة بذات شيء ، وبين حرمة ثمنه :

إمّا لأنّ حرمة ذات شيء حرمة جميع الانتفاعات منها بلا وسط ، كالشرب والأكل وهكذا ، وهي ملازمة لحرمة ثمنه ؛ لأجل إسقاط ماليته فلا يجوز معاملته ، أو لحرمة ثمنه بما هو ثمنه نظير ما مرّ .

وإمّا لأنّ حرمة ذاته بحرمة الانتفاعات المقصودة منه ، ومع سلبها لا يصحّ بيعه ؛ لأ نّه مسلوب المنفعة عرفاً بهذا اللحاظ وفي محيط القانون ، فيكون ثمنه حراماً؛ لعدم وقوع المعاملة ، أو مع سلبها يحرم ثمنه بحكم الشرع وبعنوان كونه ثمنه ، نظير ما تقدّم .

أو يراد أنّ اللّه إذا حرّم شيئاً في الجملة بأيّ نحو ، سواء تعلّقت الحرمة بذاته ، أو نهى عن شربه أو أكله أو لبسه أو غير ذلك ، حرّم ثمنه ؛ لإسقاط ماليته شرعاً ، أو لتحريم ثمنه بما هو .

أو يراد أ نّه إذا حرّمت منافعه المقصودة ، سواء حرّمها بتعليق الحكم على ذاته ، أو على تلك المنفعة المقصودة ، حرّم ثمنه .

ولعلّ الأظهر من بينها هو ما قبل الأخير ؛ لاقتضاء الإطلاق وللتفاهم العرفي .

واحتمال أن يكون نظره في ذلك إلى ما تعلّق التحريم بذات الشيء ، فبعيد جدّاً على جميع احتمالاته سيّما الأوّل .

ويؤيّد الاحتمال المذكور ، النبوي المتقدّم عن «عوالي اللآلي» : «إنّ اللّه إذا

ص: 50

حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام المتقدّمة ، وفيها : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(2) .

وتؤيّده أيضاً الروايات الواردة في موارد كثيرة على تحريم الثمن ، مع عدم تحريم جميع المنافع(3) ، سنشير إلى جملة منها .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النبوي وإن كان حرمة ثمن ما حرّم ، سواء بيع لاستفادة المنفعة المحرّمة أو المحلّلة ، وسواء بيع لمن يستفيد منه المحرّم أو لا ، لكن لا يبعد دعوى دلالتها على التحريم في القسم الأوّل من الشقّين ؛ لمناسبة الحكم والموضوع ، والوثوق بأنّ التحريم إنّما هو للفساد المترتّب عليه .

فلا يشمل ما إذا بيع لصلاح حال الناس ، وللجهة المحلّلة ، سيّما مع ما تقدّم من دلالة رواية «تحف العقول» و«الرضوي» و«الدعائم» على ذلك .

وسيّما مع ما ورد في الموارد العديدة من تجويز بيع المحرّم لاستفادة المحلّل ، والغرض العقلائي المباح :

كروايات وردت في تجويز بيع الكلب الصيود(4) .

ورواية أبي القاسم الصيقل ، الدالّة على جواز بيع غلاف السيوف من جلود الميتة(5) .

ص: 51


1- تقدّم في الصفحة 24 .
2- تقدّمت في الصفحة 47 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 376 / 1100 ؛ وسائل الشيعة 17 : 173 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 4 .

وما وردت في تجويز بيع الزيت المتنجّس للاستصباح تحت السماء ، وممّن يعمل صابوناً (1) .

وما دلّت على جواز بيع المغنّية إذا كان الاشتراء لتذكّر الجنّة لا للتغنّي(2) .

وما دلّت على جواز عمل الحمائل وغيرها بشعر الخنزير(3) ، الظاهر منها جواز بيعها ؛ ضرورة أنّ عملها إنّما هو للمعيشة والتكسّب ، كما يظهر من الروايات .

وما وردت في جواز بيع العجين من الماء النجس ، ممّن يستحلّ الميتة(4) ، تأمّل .

بل بعض الروايات في الخمر شاهد أيضاً :

كصحيحة جميل ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً ، فقال : «خذها ثمّ أفسدها» قال علي : «واجعلها خلاًّ»(5) .

ويحتمل أن يكون المراد بعلي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، واستشهد أبو عبداللّه علیه السلام بقوله ، ويحتمل أن يكون المراد علي بن الحديد ، أحد رواة السند ؛

ص: 52


1- راج-ع وسائل الشيع-ة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب م-ا يكتسب به ، الباب 6 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 508 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 6 .

نقل عنه بعض الرواة المتأخّر منه تفسيره للإفساد .

والظاهر منها : جواز أخذها في مقابل الدين ، ووقوعها عوضه إذا أخذها للتخليل .

وعن عبيد بن زرارة في الموثّق ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاًّ ، قال : «لا بأس»(1) .

والظاهر منه الأخذ من الغير ؛ لعدم تعارف جعل العصير خمراً ثمّ خلاًّ ، وليس المراد من الخمر العصير المغليّ جزماً ، ومقتضى إطلاقه جواز الأخذ ولو بشراء ، تأمّل .

بل الظاهر من ذيل صحيحة أبي بصير : أنّ الحكم بحرمة التقلّب في الخمر لأجل إرادة الفساد .

وفيها : قلت : إنّي عالجتها وطيّنت رأسها ثمّ كشفت عنها ، فنظرت إليها قبل الوقت ، فوجدتها خمراً ، أيحلّ لي إمساكها قال : «لا بأس بذلك ، إنّما إرادتك أن يتحوّل الخمر خلاًّ ؛ وليس إرادتك الفساد»(2) .

والإنصاف أنّ الناظر فيما تقدّم ، يستظهر من قوله : «إذا حرّم اللّه . . .» أنّ تحريم الثمن فيما إذا بيع في مورد الفساد لا مطلقاً ، ولا أقلّ من قصوره عن الإطلاق .

ص: 53


1- الكافي 6 : 428 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 525 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 ، الحديث 2 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 11 .
كلمات الفقهاء في المقام

ثمّ لا يبعد أن تكون كلمات الفقهاء أو جملة منها أيضاً موافقة لما ذكرناه :

قال في «الخلاف» في جملة من أدلّته على جواز بيع الزيت النجس ممّن يستصبح به تحت السماء : «وروى أبو علي بن أبي هريرة في «الإفصاح» أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أذن في الاستصباح بالزيت النجس . وهذا يدلّ على جواز بيعه ، وأنّ لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب»(1) .

وقد جعل ابن زهرة(2) إباحة المنفعة من شرائط العوض ؛ تحفّظاً من المنافع

المحرّمة ، وأدخل كلّ نجس لا يمكن تطهيره فيها . فيظهر منه دوران الصحّة والفساد مدار جواز الانتفاع وعدمه .

وقد استدلّ العلاّمة في «المنتهى» غير مرّة على جواز البيع والإجارة بجواز الانتفاع بالشيء .

قال : «يجوز إجارة الكلب ، وهو قول بعض الشافعية ، وقال بعضهم : لا يجوز . لنا أ نّها منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها»(3) . وقريب منه في «التذكرة»(4) .

وقال في ما ليس بنجس من العذرات : «أ نّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها»(5) تأمّل .

ص: 54


1- الخلاف 3 : 187 .
2- غنية النزوع 1 : 213 .
3- منتهى المطلب 15 : 357 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 28 .
5- منتهى المطلب 15 : 351 .

واستدلّ على صحّة بيع الكلب بصحّة الانتفاع به في «المنتهى» و«التذكرة» .

وقال في «التذكرة» : «إن سوّغنا بيع كلب الصيد ، صحّ بيع كلب الماشية والزرع والحائط ؛ لأنّ المقتضي - وهو النفع - حاصل»(1) .

واستدلّ على عدم جواز إجارة الخنزير وبيعه بأن لا منفعة فيه(2) .

وقال : «يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة ؛ لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف ، والمنفعة المباحة كما يجوز استيفاؤها ، يجوز أخذ العوض عنها ، فيباح لغيره بذل ماله فيها»(3) . . . إلى غير ذلك من كلماته .

وقد مرّ عن «شرح الإرشاد» للفخر ، و«التنقيح» للمقداد ، في الأعيان النجسة : «إنّما يحرم بيعها ؛ لأ نّها محرّمة الانتفاع ، وك-لّ محرّم الانتفاع

لا يصحّ بيعه»(4) .

هذا ، مع أنّ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتمدة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة ، وللاجتهاد فيها قدم راسخ ، غير ممكن ، سيّما مع تمسّك جملة من الأعيان بالأدلّة اللفظية .

هذا حال الكبرى الكلّية ، ولا بدّ في الاستنتاج من البحث الكلّي عن صغراها ، ثمّ البحث عن جزئيات المسائل .

ص: 55


1- تذكرة الفقهاء 10 : 27 .
2- تذكرة الفقهاء 10 : 28 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 33 .
4- تقدّم في الصفحة 31 .
البحث الكلّي حول الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات

فنقول : لا شبهة في أنّ الأصل الأوّلي - كأصالتي الحلّ والإباحة ، وعموم خلق ما في الأرض جميعاً لنا (1) - جواز الانتفاع بكلّ شيء من كلّ وجه ، إلاّ ما قام الدليل على التحريم .

وقد ادّعي الأصل الثانوي على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات مستدلاًّ بالكتاب والسنّة والإجماع(2) .

فمن الأوّل ، قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَاْلأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((3) بدعوى رجوع الضمير إلى الرجس ، وأنّ وجوب الاجتناب عن المذكورات لانسلاكها فيه ؛ إمّا حقيقةً كالخمر ، أو ادّعاءً كغيرها ، وأنّ الرجس هو النجس المعهود ، ووجوب الاجتناب عن الشيء يقتضي عدم الانتفاع بشيء منه ، وإلاّ لم يناسب التعبير بالاجتناب والتباعد عنه ، فتدلّ على حرمة الانتفاع مطلقاً عن كلّ رجس ونجس .

وفيه أوّلاً : ممنوعية رجوع الضمير إلى الرجس ؛ إذ من المحتمل رجوعه إلى عمل الشيطان ، بل لعلّه الأنسب في مقام التأكيد عن لزوم التجنّب عن المذكورات . ولو سلّم رجوعه إليه ، لا يسلّم الرجوع إليه مطلقاً ، بل مع قيد كونه من عمل الشيطان ، وإلاّ فلو كانت علّة وجوب الاجتناب كون الشيء رجساً ،

ص: 56


1- وهو قوله تعالى : )هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى اْلأَرْضِ جَمِيعاً( ، البقرة (2) : 29 .
2- راجع مستند الشيعة 15 : 12 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 97 .
3- المائدة (5) : 90 .

لم يكن ذكر عمل الشيطان مناسباً ، والرجوع إلى كلّ منهما مستقلاًّ لو فرض إمكانه خلاف الظاهر .

فيمكن أن يقال : - بعد رجوع الضمير إلى الرجس الذي من عمل الشيطان - إنّ الرجس على نوعين : ما هو من عمله يجب الاجتناب عنه ، وما ليس كذلك لا يجب ، فتدلّ أو تشعر على جواز الانتفاع في الجملة بالنجاسات .

وثانياً : أنّ الظاهر منها ولو بمناسبة قوله : )مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ( ، وبقرينة قوله متّصلاً به : )إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلَوةِ((1) أنّ شرب الخمر والمقامرة وعبادة الأوثان رجس من عمله ، لا بنحو المجاز في الحذف ، بل بادّعاء أن لا خاصّية للخمر إلاّ شربها ، ولا للميسر إلاّ اللعب ، إذا كان المراد به آلاته ، وأمّا

إن كان المراد ، اللعب بالآلة فلا دعوى فيه ، ويكون قرينةً على أنّ المراد بالخمر أيضاً شربه ، وبالأنصاب عبادتها ، بنحو ما مرّ من الدعوى .

فإنّ إيقاع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر اللّه وعن الصلاة ، إنّما هو بشرب الخمر والمقامرة . وإمساكها للتخليل ليس من عمل الشيطان ، ولا آلة له لإيقاع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر اللّه .

هذا ، مع أنّ في كون الرجس بمعنى النجس المعهود إشكالاً ؛ فإنّه - على ما في كتب اللغة(2) - جاء بمعانٍ ، منها : العمل القبيح . فدار الأمر بين حمله على

ص: 57


1- المائدة (5) : 91 .
2- راجع لسان العرب 5 : 147 ؛ مجمع البحرين 4 : 73 .

الرجس بمعنى القذر المعهود ، وارتكاب التجوّز في الآية زائداً على الدعوى المتقدّمة ، أو حمله على القبيح وحفظ ظهورها من هذه الحيثية ، والثاني أولى .

مع أنّ في تنزيل عبادة الأوثان - التي هي كفر باللّه العظيم - منزلة القذارة ، أو تنزيل نفسها منزلتها - أي منزلة القذارة الصورية في وجوب الاجتناب - ما لا يخفى من الوهن ؛ فإنّه من تنزيل العظيم ، منزلة الحقير في مورد يقتضي التعظيم ، تأمّل .

ومنه : آية تحريم الخبائث ، بتقريب أنّ النجاسات والمتنجّسات من الخبيثات وأنّ الحرمة إذا تعلّقت بذات الشيء تفيد حرمة مطلق الانتفاعات ؛ لأنّ التعلّق بها مبنيّ على الدعوى ، وهي أنسب لها .

ويظهر النظر فيه بعد ذكر الآية الكريمة ، قال تعالى : )فَسَأَكْتُبُهَا( ؛ أي الرحمة )لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالاْءِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ . . . ((1) .

فإنّ مبنى الاستدلال على دعوى تعلّق الحرمة على عنوان الخبيثات .

وأنت خبير : بأنّ الآية ليست بصدد بيان تحريم الخبائث ، بل بصدد الإخبار عن أوصاف النبي صلی الله علیه و آله وسلم بأ نّه يأمرهم بالمعروف . . . وليس المراد أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم يحرّم عنوان الخبائث أو ذاتها ، ويحلّ عنوان الطيّبات أو ذاتها ، بل بصدد بيان أ نّه

ص: 58


1- الأعراف (7) : 156 - 157 .

يحلّ كلّ ما كان طيّباً ويحرّم كلّ ما كان خبيثاً بالحمل الشائع ولو بالنهي عن أكله وشربه ، فإذا نهى عن شرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير وهكذا ، يصدق أ نّه حرّم الخبائث ، فلا دلالة للآية على تحريم عنوان الخبائث ، وهو ظاهر .

ومن ذلك يظهر : أنّ الاستدلال بمفهوم قوله تعالى : )يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ((1) ، ليس على ما ينبغي ؛ فإنّ المراد من حلّية الطيّبات ، حلّية ما كان طيّباً بالحمل الشائع ، لا أنّ الحلّية متعلّقة بعنوان الطيّب أو

ذاته .

وإن شئت قلت : إنّ هذا جمع للتعبير عمّا هو حلال ، لا أنّ الحلال في الشريعة شيء واحد هو عنوان الطيّب ، والحرام شيء واحد هو عنوان الخبيث المقابل له .

هذا ، مضافاً إلى أنّ الظاهر - بقرينة صدرها وذيلها - حلّية الأكل ، كما تأتي الإشارة إليه .

مع أنّ المفهوم على فرضه «لم يحلّ لكم غير الطيّبات» لا «حرّم عليكم الخبائث» ، فلا ينتج لما نحن بصدده . مضافاً إلى إمكان إنكار المفهوم ولو كان بصدد التحديد .

ومنه : قوله تعالى : )وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ((2) ، بنحو ما تقدّم من التقريب .

وفيه : أ نّه لم يتّضح أنّ المراد بالرجز، الرجس؛ فإنّه بمعانٍ ، منها : عبادة الأوثان ، وفي «المجمع» : «أ نّه بالضمّ اسم صنم فيما زعموا . وقال قتادة : هما صنمان : أساف ونائلة»(3) ، انتهى .

ص: 59


1- المائدة (5) : 4 .
2- المدّثّر (74) : 5 .
3- مجمع البيان 10 : 578 .

ولعلّ الأقرب أن يكون الأمر ، بهجر الأوثان أو عبادتها ، وأمّا النجس المعهود ، فمن البعيد إرادته في أوّل سورة نزلت عليه صلی الله علیه و آله وسلم - على ما قيل(1) - أو بعد إقرأ ، قبل تأسيس الشريعة اُصولاً وفروعاً ، على ما يشهد به الذوق السليم ، ولهذا لا يبعد أن يكون المراد بقوله : )وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ((2) ، غير تطهير اللباس ، بل تنزيه نسائه أو أقربائه عن دنس الشرك - على ما قيل(3) - أو غير ذلك ممّا فسّر .

هذا حال الآيات .

وأمّا الأخبار : فقد استدلّ على حرمة مطلق الانتفاع بالنجس بل والمتنجّس برواية «تحف العقول» .

وقد مرّ أنّ المستفاد من موارد منها ، جواز التقليب في وجوه الصلاح ، وإنّما عدم الجواز فيما إذا قلّبها في وجه الفساد . فهي كغيرها من الروايات المتقدّمة تدلّ على خلاف المطلوب ، فراجع(4) .

وربّما يتوهّم إمكان استنقاذ الكلّية من الموارد الجزئية ، كقوله تعالى : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ((5) فإنّ تعلّق الحرمة بذات العناوين المذكورة فيها ، يدلّ على حرمة جميع الانتفاعات(6) ، فإنّها أولى في تصحيح

ص: 60


1- راجع التبيان في تفسير القرآن 10 : 171 ؛ مجمع البيان 10 : 579 .
2- المدّثّر (74) : 4 .
3- راجع مجمع البيان 10 : 580 - 581 .
4- تقدّم في الصفحة 45 .
5- المائدة (5) : 3 .
6- جواهر الكلام 22 : 11 .

الدعوى. ونحوها قوله تعالى: )إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ((1).

وكالروايات الكثيرة الدالّة على وجوب إهراق الماء المتنجّس(2) ، والمرق المتنجّس(3) ، وإلقاء ما حول النجس في الدهن الجامد(4) .

وقوله في صحيحة الكاهلي - عبداللّه بن يحيى - أو حسنته عن أبي عبداللّه علیه السلام في مورد قطع أليات الغنم : «إنّ في كتاب علي علیه السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به»(5) .

وفيه : منع استفادة حرمة مطلق الانتفاعات في الموارد المذكورة ، فضلاً عن الإسراء إلى غيرها .

أمّا الآيتان ، فلقرائن فيهما وفيما قبلهما وبعدهما ، تدلّ على أنّ المراد بتحريم العناوين ، تحريم أكلها :

منها : ذكر لحم الخنزير ؛ للجزم بعدم إرادة جواز الانتفاع بغير لحمه ، وعدم الجواز في الميتة .

ومنها : عدم ذكر الكلب ؛ لعدم كونه ممّا يتعارف أكله .

ص: 61


1- البقرة (2) : 173 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11 و14 .
3- وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 ، و24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 .
5- الكافي 6 : 254 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .

ومنها : استثناء الاضطرار في المجاعة ؛ فإنّ المراد منه جواز أكلها في المخمصة .

ومنها : قوله تعالى قبل الآية الثانية : )كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للّه ِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ* إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ . . .( .

وتعقيب الاُولى بقوله تعالى : )يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ( إلى قوله : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ( وقوله : )وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ( فاحتفافهما بما ذكر ، يوجب ظهورهما في إرادة الأكل ، لا الانتفاعات الاُخر .

مع أنّ الشائع من المنافع منها ، سيّما الدم ولحم الخنزير ، هو الأكل .

هذا مع ورود روايات يظهر منها ما ذكرناه : كرواية المفضّل بن عمر المرويّة عن أبي عبداللّه علیه السلام بطرق لا يبعد حسن بعضها ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام لم حرّم اللّه الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ؟ إلى أن قال : «ولكنّه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه تفضّلاً» إلى أن قال : «أمّا الميتة فإنّه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه ، ونحل جسمه ، وذهبت قوّته ، وانقطع نسله ، ولا يموت آكل الميتة إلاّ فجأة»(1) ثمّ ذكر مفاسد أكل الدم ، وأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر . ويظهر منها أنّ متعلّق الحرمة في الآية الأكل والشرب لا غير .

وقريب منها روايات اُخر(2) ، يظهر منها ما ذكر .

ص: 62


1- الكافي 6 : 242 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 99 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 24 : 102 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 1 .

وأمّا الروايات الآمرة بإهراق الماء المتنجّس ، فلأنّ الماء القليل الذي بقي في الإناء من فضل الكلب ونحوه ، لا فائدة له نوعاً سوى الشرب ، أو الوضوء ، أو غسل شيء به ؛ ومع عدم جوازها لا بدّ من إهراقه ، فلا تدلّ تلك الروايات على حرمة مطلق الانتفاع به لو فرض له انتفاع ، كصبّه على أصل شجر ونحوه .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة فيه ، إنّما هي في مقام بيان أحكام اُخر .

فقوله في الكلب : «إنّه رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب»(1) ، في مقام بيان عدم جواز التوضّي به ، وطريق تطهير الإناء ، لا عدم جواز سائر الانتفاعات ، سيّما مثل تطيين التراب به ، وكذا حال سائر الروايات .

وأمّا ما فيها الأمر بإهراق المرق ، مضافاً إلى عدم نفع له إلاّ الأكل الممنوع ، فالأمر بإهراقه في رواية السكوني(2) لذلك ، والظاهر أ نّه كناية عن حرمة أكله ، كما يدلّ عليه قوله : «ويغسل اللحم ويؤكل» ، أنّ في رواية زكريّا بن آدم : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله»(3) . وإطعامهما نحو انتفاع به ، سيّما إذا كان الذمّي ضيفاً له ، والكلب لماشيته

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 261 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 422 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وحراسته . وفيها أيضاً تجويز بيع العجين النجس من المستحلّ ، وكذا في مرسلة

ابن أبي عمير(1) .

وأمّا روايات إلقاء ما حول الجامد من الدهن وغيره ، فتدلّ على جواز الانتفاع : ففي موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة تقع في السمن ، أو في الزيت ، فتموت فيه ، فقال : «إن كان جامداً فتطرحها وما حولها ، ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فاسرج به ، وأعلمهم إذا بعته»(2) .

والظاهر منها جواز الإسراج ولو بالجامد الذي حولها ، وإنّما قال : «تطرحها» ؛ لعدم كونه معتدّاً به ؛ مع قوّة احتمال أن يكون كناية عن عدم أكله . ونحوها غيرها .

فتحصّل ممّا ذكرناه : جواز الانتفاع بصنوف النجاسات ، ولا دليل عامّ على حرمة جميع الانتفاعات بها ، كما لا دليل كذلك على حرمة بيعها ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة جوازه فيما ينتفع به ، فلا بدّ من التماس دليل على الخروج من الكلّيتين المتقدّمتين ، ففي كلّ مورد ليس الدليل إلاّ الأدلّة العامّة ، يحكم بجواز

الانتفاع به ، وجواز البيع في ما ينتفع به ، كالبول ممّا لا يؤكل لحمه ، والمنيّ ؛ لعدم الدليل فيهما بالخصوص ، فيجوز الانتفاع بهما في غير الشرب والأكل وبيعهما لو فرض لهما منفعة عقلائية ، كمنيّ الحيوانات للتلقيح المتعارف في هذا العصر .

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1305 ؛ وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
البحث في الانتفاع ببعض الأعيان النجسة الواردة فيها روايات بالخصوص

بقي الكلام في موارد خاصّة ، وردت فيها روايات ، يجب التعرّض لها بالخصوص :

حكم الانتفاع بالدم وبيعه

منها : الدم . والأظهر فيه جواز الانتفاع به في غير الأكل ، وجواز بيعه لذلك ؛ فإنّ ما وردت فيه من الآية والرواية لا تدلّ على حرمة الانتفاع به مطلقاً :

فقد تقدّم الكلام في الآية الكريمة(1) ، مع أ نّه لم يكن في تلك الأعصار للدم نفع غير الأكل ، فالتحريم منصرف إليه .

ومنه يظهر حال الروايات الدالّة على حرمة سبعة أشياء من الذبيحة ، منها : الدم ؛ فإنّ الظاهر منها حرمة الأكل ، كما تشهد به نفس الروايات ؛ فإنّ في جملة منها : «لا يؤكل من الشاة كذا وكذا ، ومنها : الدم»(2) ، وهي قرينة على أنّ المراد من قوله : «حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان . . .»(3) هو حرمة الأكل ،

ص: 65


1- تقدّم في الصفحة 60 - 61 .
2- الكافي 6 : 254 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 172 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 253 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 171 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 1 .

مع أنّ المذكورات لم يكن لها نفع في تلك الأعصار إلاّ الأكل .

فلا شبهة في قصور الأدلّة عن إثبات حرمة سائر الانتفاعات من الدم .

ويتّضح ممّا ذكر : أنّ النهي عن بيع سبعة أشياء منها الدم في مرفوعة أبي يحيى الواسطي(1) ، يراد به البيع للأكل ؛ لتعارف أكله في تلك الأمكنة

والأزمنة ، كما يشهد به الروايات .

فالأشبه جواز بيعه إذا كان له نفع عقلائي في هذا العصر .

والظاهر من شتات كلمات الفقهاء أيضاً دوران حرمة التكسّب بالنجاسات مدار عدم جواز الانتفاع ، كما مرّت جملة من كلماتهم(2) .

وبهذا يظهر لزوم إرجاع محكيّ إجماع «النهاية»(3) في الدم على ذلك ، سيّما مع تعليله بعدم الانتفاع به .

حكم الانتفاع بالعذرة وبيعها

ومنها : العذرة . لا ينبغي الإشكال في جواز الانتفاع بأرواث مأكول اللحم ، وكذا جواز بيعها ، وسائر التقلّب فيها ، عدا الأكل ؛ للسيرة المستمرّة بين المسلمين

في الأعصار والأمصار .

قال الشيخ : «سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه» إلى أن قال : «ويدلّ على

ص: 66


1- الكافي 6 : 253 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 171 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 28 - 34 و54 - 55 .
3- تقدّم في الصفحة 33 .

ذلك بيع أهل الأمصار في جميع الأعصار لزروعهم وثمارهم ، ولم نجد أحداً كره ذلك ، ولا خلاف فيه ، فوجب أن يكون جائزاً»(1) .

وعن السيّد الإجماع على جواز الانتفاع بها (2) .

والإنصاف : أ نّه لا ينبغي إطالة الكلام في مثل المسألة ، بل لا بدّ من تأويل

ظاهر المفيد وسلاّر(3) والشيخ في «النهاية»(4) ، مع تشويش عبارة «النهاية» ، واحتمال كون مراد سلاّر من العذرة عذرة الإنسان أو مع عذرة غير المأكول ، ومن الأبوال مطلقها واستثنى منها بول الإبل ، وإنّما حرم بول غيره ؛ لعدم منفعة حتّى في الطاهر منه ، فيكون ممّا لا يجوز بيعه لذلك ، بل ما ذكرناه محتمل كلام «النهاية» أيضاً ، ولم يحضرني كلام المفيد رحمه الله علیه .

كما لا ينبغي التأمّل في جواز الانتفاع بالعذرة النجسة ، سيّما عذرة الإنسان ؛ للسيرة المستمرّة في الأعصار على الانتفاع بها في التسميد .

فعن «المبسوط» : «أنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه ، وعذرة الإنسان ، وخرء الكلاب ، لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم واُصول الشجر بلا خلاف»(5) .

ويظهر من العلاّمة وغيره ، أنّ جوازه للتسميد مفروغ عنه .

ص: 67


1- الخلاف 3 : 185 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 68 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 26 .
3- المقنعة : 587 ؛ المراسم : 170 .
4- النهاية : 364 .
5- المبسوط 2 : 167 .

إنّما الكلام في جواز بيعها وصحّته : فهل يجوز مطلقاً ، كانت من الإنسان أو غيره من الحيوانات الغير المأكولة ، أو لا مطلقاً ، أو جاز في غير الإنسان ، أو العكس ؟ وجوه .

يتّضح الأوجه منها بعد النظر في الأخبار وكلمات الأصحاب :

الأخبار الواردة في المقام

فنقول : إنّ الروايات الواردة في المقام - كما تقدّم بعضها (1) - قد علّق فيها الحكم على عنوان العذرة :

ففي رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ثمن العذرة من السحت»(2) .

وفي رواية محمّد بن مضارب عنه علیه السلام قال : «لا بأس ببيع العذرة»(3) . وفي موثّقة سماعة قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر ، قال : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول ، قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(4) .

ص: 68


1- تقدّم في الصفحة 14 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1080 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .

وعن «دعائم الإسلام» عنه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار» إلى أن قال : «وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة»(1) .

ويظهر من رواية المفضّل بن عمر عنه علیه السلام جواز الانتفاع بها ، بل تشعر أو تدلّ على جواز بيعها (2) .

في بيان المراد من العذرة

ثمّ إنّ العذرة هل هي خرء مطلق الحيوان ، كما لعلّه الظاهر من اللغويين ، أو خصوص الإنسان ، كما عن بعض أهل اللغة(3) ؟

فعلى الأوّل : يشكل الأخذ بما دلّت على أنّ ثمنها سحت ، على فرض تعارض الروايات ، وعدم مقبولية الجمع المتقدّم منّا (4) ، ولا سائر ما قيل في وجهه(5) ؛ لأنّ ما يباع من العذرات النجسة ليس إلاّ عذرة الإنسان ، وأمّا عذرة الكلب والسنّور ونحوهما فلا تباع ، ولم يكن بيعها معهوداً قطّ .

وما في بعض الروايات الضعيفة؛ من النهي عن الصلاة في خفّ يتّخذ من

ص: 69


1- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 71 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .
2- التوحيد ، المفضّل : 107 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- النهاية ، ابن الأثير 3 : 199 ؛ لسان العرب 9 : 108 ؛ أقرب الموارد 2 : 757 ؛ المنجد : 494 .
4- تقدّم في الصفحة 15 - 16 .
5- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 23 - 25 .

جلود الدارش ، معلّلاً بأ نّه يدبغ بخرء الكلاب(1) ، لا يدلّ على أنّ خرءها كان يباع ويشترى . فمن المقطوع عدم معهودية بيعه ، بل المتعارف بيع عذرة الإنسان التي يحتاج إليها الناس للتسميد ، وكذا عذرة الحيوانات المأكولة اللحم . فلم يكن مورد السؤال في موثّقة سماعة ، ومورد سائر الروايات إلاّ عمّا كان مورد البيع والشراء ، لا مطلقاً .

وعليه : يكون تقييد ما دلّت على أنّ ثمن العذرة سحت ، وبيعها حرام بالإجماع والسيرة على صحّة بيع عذرة المأكول اللحم ، مستهجناً ؛ للزوم إخراج ما هو أكثر تداولاً - أي ما هو لجميع صنوف الحيوانات المحلّلة اللحم - للزرع والطبخ والحمّامات وسائر احتياجات الناس ، وبقاء عنوان واحد هو عذرة الإنسان للزرع فقط ، ولا فرق في الاستهجان بين التخصيص الكثير والتقييد كذلك .

ووضوح حكم عذرة ما يؤكل لحمه بالإجماع والسيرة في عصرنا ، لا يلازم وضوحه في تلك الأزمنة ؛ ضرورة أنّ الأحكام الواضحة في الأعصار المتأخّرة كانت غالباً نظرية ، بل مجهولة سابقاً وفي أوائل الإسلام ونشر الأحكام ، حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام ، ولهذا خالف فيها المسلمون .

فدعوى انصرافها إلى عذرة الإنسان ؛ لوضوح حكم خرء ما يؤكل لحمه ، غير وجيهة .

ولو منع الاستهجان - ولو بدعوى عدم محذور لإطلاق الحكم بالنسبة إلى

ص: 70


1- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .

سائر أنواع غير المأكول لغرض المنع عن الموارد النادرة أو احتمال شيوع الاستفادة في الأزمنة اللاحقة - يمكن الجمع بين الروايات ، بتقييد روايات المنع بالإجماع والسيرة فيما يؤكل لحمه ، فتنقلب النسبة بين الطائفتين المتباينتين إلى الأعمّ والأخصّ المطلق ، فيقيّد الأعمّ بالأخصّ ، فصارت النتيجة عدم الجواز في عذرة غير المأكول .

وعلى الثاني : - أي كونها مختصّة بفضلات الإنسان، كما نقل عن بعض أهل اللغة - يقع التعارض بينها لو كانت حجّة في نفسها ، لكن ليس فيها ما يعتمد عليه ، عدا موثّقة سماعة(1) .

فحينئذٍ : فإن أحرزنا أنّ ذيلها رواية منفصلة جمعهما سماعة في النقل - كما يقال في مضمراته(2) - أو قلنا بجريان عمل التعارض وإعمال العلاج في رواية واحدة مشتملة على حكمين متعارضين - كما هو الأقوى - فلا بدّ من إعمال قواعد التعارض فيها ؛ من الأخذ بما هو الموافق للكتاب أوّلاً ، ومع فقده الأخذ بما يخالف العامّة ، وهذان الترجيحان للمجوّز على ما حكي من كون المنع مذهب أكثر العامّة(3) .

لكن الرجوع إلى المرجّح ، إنّما هو بعد عدم إحراز الشهرة الفتوائية على أحد

الطرفين - كما قرّر في محلّه من أ نّها لتميّز الحجّة عن غيرها (4) - بل ولو قلنا بأ نّها من المرجّحات أيضاً ، يقدّم الترجيح بها على سائرها .

ص: 71


1- تقدّمت في الصفحة 68 .
2- راجع مقباس الهداية 1 : 333 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .
4- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 123 .

فلا بدّ من عطف النظر إلى الإجماعات المنقولة وكلمات القوم ؛ فنقول :

قال الشيخ في «الخلاف» : «سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه - إلى أن قال :

- دليلنا على جواز ذلك أ نّه طاهر عندنا - إلى أن قال : - وأمّا النجس منه فلدلالة إجماع الفرقة» ثمّ استدلّ بالنبوي(1) .

وهو - كما ترى - دعوى الإجماع على أنّ السرجين النجس لا يجوز بيعه ، والسرجين معرّب سرگين لا يطلق على عذرة الإنسان . والشاهد على أنّ المراد منه غيرها ، قوله في محكيّ «المبسوط» : «إنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرء الكلاب ، لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم واُصول الشجر بلا خلاف»(2).

وعن «المبسوط» أيضاً : «أمّا نجس العين فلا يجوز بيعه ، كجلود الميتة -

إلى أن قال : - والعذرة والسرقين»(3) لكن لم يدّع الإجماع عليه .

وقال العلاّمة في «التذكرة» : «لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعاً منّا - إلى أن قال : - ولأ نّه رجيع نجس ، فلم يصحّ بيعه كرجيع الآدمي»(4) . والظاهر منه إلزام الخصم بما هو مورد تسلّمه .

فتحصّل أنّ المراد به غير ما للآدمي .

فإن قلت : هب ذلك ، لكن يكفي ما في «المبسوط» من دعوى

ص: 72


1- الخلاف 3 : 185 .
2- المبسوط 2 : 167 .
3- المبسوط 2 : 166 - 167 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .

عدم الخلاف في عذرة الإنسان مستقلاًّ(1) .

قلت : لم يتّضح رجوع نفي الخلاف إلى عدم جواز البيع وإلى جواز الانتفاع كليهما ، والمتيقّن الثاني ، ويكفي الشكّ فيه في عدم ثبوت الإجماع أو دعواه ، فاتّضح بطلان نسبة حكاية الإجماع إلى الشيخ ، والعلاّمة في «التذكرة» ، وأوضح بطلاناً نسبته إلى الثاني في «المنتهى» . قال فيه : «لا يجوز بيع السرجين النجس ، وبه قال الشافعي وأحمد . وقال أبو حنيفة : يجوز . لنا : أ نّه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة» . ثمّ استدلّ بالروايات(2) .

وهو - كما ترى - لم يدّع الإجماع إلاّ على نجاسته . واستنتاج عدم جواز بيعه اجتهاد منه ، بل لو كان بيعه مورد الإجماع ، لم يدّع كذلك ، إلاّ أن يقال : إنّه

لإلزامهم والإجماع من الفريقين على النجاسة .

ثمّ إنّ من الممكن الخدشة في دعوى العلاّمة في «التذكرة» الإجماع على عدم جواز بيع السرجين النجس ؛ لأ نّه معلّل بقوله: «للإجماع على نجاسته فيحرم بيعه» وفي مثله يشكل إثبات الإجماع على الحكم الأوّل .

وقال ابن زهرة في «الغنية» : «وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً عن المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره ، إلاّ ما أخرجه الدليل ، من بيع الكلب المعلّم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة»(3) ، انتهى .

ص: 73


1- المبسوط 2 : 167 .
2- منتهى المطلب 15 : 350 .
3- غنية النزوع 1 : 213 .

والظاهر منه أنّ قوله : «وهو» بيان للدليل ، فكان مورد الإجماع جواز بيع الكلب المعلّم والزيت . ولو فرض رجوعه إلى جميع ما تقدّم ، لكن يكون محطّ كلامه عدم جواز بيع ما حرّمت منافعه ، دون ما حلّت ، وقد تقدّم أنّ الانتفاع بالعذرات جائز قطعاً .

وقد تقدّم(1) : أنّ دعوى الفخر والمقداد الإجماع في محكيّ «شرح الإرشاد» و«التنقيح» إنّما هي على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة ، وقد تقدّم(2) أيضاً ما فيها ، بل يظهر منهما : أنّ عدم جواز البيع لعدم جواز الانتفاع ، ومع جواز الثاني يجوز الأوّل أيضاً .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الكلام في قول الشهيد ، قال في «المسالك» في خلال كلام منه : «وتحريم ذلك - أي بيع الأرواث والأبوال ممّا لا يؤكل لحمه - فإنّه موضع وفاق»(3) .

نعم ، عن «نهاية الإحكام» الإجماع على تحريم بيع العذرة وشرائها (4) ، ولم يحضرني عبارتها ، لكن إثبات الحكم به مشكل ؛ لاحتمال أنّ دعواه مبنيّة على اجتهاده في كلام القوم ، كدعوى شيخ الطائفة في «الخلاف» و«المبسوط» ، ودعوى ابن زهرة ، مع أ نّه قد تقدّم أنّ دعوى الإجماع في هذه المسألة التي تراكمت فيها الأخبار والأدلّة مشكلة(5) .

ص: 74


1- تقدّم في الصفحة 31 و55 .
2- تقدّم في الصفحة 56 - 64 .
3- مسالك الأفهام 3 : 122 .
4- نهاية الإحكام 2 : 463 .
5- تقدّم في الصفحة 55 .

وكيف كان : يشكل إثبات شهرة في بيع عذرة الإنسان للمنافع المحلّلة ، بحيث يرجّح بها الرواية على عدم الجواز ، أو تترك بها ما دلّت على الجواز .

وأمّا ما قيل في وجه عدم الجواز : بندرة الانتفاع بها فلا تكون متموّلة لدى

العقلاء ، أو بإسقاط الشارع ماليتها ، فلا يجوز بيعها (1) .

فلا يخفى ما فيهما ، فإنّه بعد ما نرى أ نّها ذات منفعة عقلائية متداولة شائعة ، كيف يقال : إنّها نادرة ، أو غير متموّلة لدى العقلاء ؟ ومالية الشيء تبع للخواصّ والمنافع المترتّبة عليه ، ولم يدلّ دليل على إسقاط الشارع ماليتها .

فالأشبه بالقواعد الجواز وإن كان الحكم به مشكلاً من حيث عدم العثور على استثناء أحد عذرة الإنسان من عدم جواز بيع الأعيان النجسة ، وظهور كلماتهم في مطلق العذرات النجسة ، كعبارات المتون الفقهية وغيرها ، واحتمال أن يكون مرادهم بالسرجين النجس مطلق العذرات ، ومظنونية رجوع قيد عدم الخلاف في محكيّ «المبسوط» إلى الحكمين جميعاً (2) ، وخصوص إجماع «النهاية»(3) الكاشف لا أقلّ - ولو ظنّاً - عن اشتهار الحكم بينهم ، وفهم المتأخّرين عن عبارة الشيخ دعوى الإجماع على المطلق(4) ، بل لعلّهم أرسلوا الحكم في عذرة الإنسان إرسال المسلّمات يستدلّ بها على غيرها ، كما تقدّم عن العلاّمة(5) ، وعن

ص: 75


1- جواهر الكلام 22 : 17 .
2- المبسوط 2 : 167 .
3- نهاية الإحكام 2 : 463 .
4- راجع مفتاح الكرامة 12 : 67 ؛ جواهر الكلام 22 : 17 .
5- تقدّم في الصفحة 72 .

الشيخ في «الاستبصار» ، في مقام جمع الأخبار ، حمل أخبار المنع على عذرة الإنسان ، . . .(1) إلى غير ذلك ممّا يعثرعليه المتتبّع .

فالحكم بعدم الجواز أحوط ، بل لا يخلو من رجحان ، سيّما مع احتمال كون العذرة اسماً للأعمّ ، كما لعلّه تشهد به صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع في أحكام البئر ، وفيها : «أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها»(2) ، واقتضاء انقلاب النسبة - بالتقريب المتقدّم(3) - عدم جواز بيع عذرة غير المأكول مطلقاً .

وليست لعذرة الإنسان منفعة غير التسميد المحلّل ، فلا يحتمل أن يكون مرادهم نفي الجواز في غير مورد المنفعة المحلّلة .

واحتمال أن يكون مرادهم سلب المالية العقلائية ، فكان حكمهم بعدم الجواز لأجله - كما قالوا في الحشرات ونحوها - بعيد جدّاً .

فإذن فرق بين المقام وبين مثل الدم الذي كان نفعه المتداول محرّماً؛ لاحتمال أن يكون حكمهم بعدم الجواز فيه لفقدان نفع محلّل ، بخلاف العذرة التي نفعها المتعارف هو المحلّل .

والإنصاف أنّ كلّ واحد ممّا ذكر وإن أمكن النظر فيه ، لكن يرجّح في النظر عدم الجواز من مجموع هذه الوجوه ، سيّما عدم احتمال أحد استثناءها على الظاهر .

ص: 76


1- الاستبصار 3 : 56 ، ذيل الحديث 182 .
2- الكافي 3 : 5 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 21 .
3- تقدّم في الصفحة 71 .
حكم الانتفاع بالميتة وبيعها

ومنها : الميتة وأجزاؤها التي تحلّها الحياة من ذي النفس السائلة ، فيقع الكلام فيها :

تارة : في الحكم التكليفي ، وهو حرمة الانتفاع بها وعدمها ، بحيث يكون المحرّم الانتفاع لبساً وافتراشاً ونحوهما وإن لم يحصل منه محذور آخر ، كتنجيس ما يلاقيه من المائعات المشروبة والانتفاع منها ، وبعبارة اُخرى : تكون نفس الانتفاع بها عنواناً مستقلاًّ محرّماً .

واُخرى: في الحكم الوضعي ؛ أي بطلان المعاملة . وهنا كلام آخر يظهر في خلال البحث ، وهو حرمة ثمنه بعنوانه ، كما تقدّم المقصود منه(1) .

فممّا تدلّ على حرمة الانتفاع بها - بعد الآية الكريمة التي تقدّم الكلام فيها (2) - روايات :

الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على حرمة الانتفاع بالميتة

منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع ، أينتفع بها ؟ قال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة ، فلا»(3) .

ص: 77


1- تقدّم في الصفحة 26 .
2- تقدّم في الصفحة 60 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 339 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 4 .

والظاهر منها ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً ، حرمة الانتفاع بالميتة مطلقاً ، سواء كان الانتفاع في الجامدات أو المائعات ، لزم منه محذور أو لا . والحمل على انتفاع خاصّ - كجعل جلدها محلاًّ للدبس ونحوه - يحتاج إلى دليل .

ومنها : رواية علي بن أبي المغيرة ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : «لا» . قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مرّ بشاة ميتة ، فقال : «ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها ؟ !» قال : «تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتّى ماتت ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها أن تذكّى» وفي نسخة : «أي تذكّى»(1) .

ودلالتها واضحة ، سيّما إذا كان قوله «منها» متعلّقاً بالفعل ، ويكون المراد : هل ينتفع منها بوجه من الوجوه .

لكن في سندها ضعف بعلي بن أبي المغيرة ؛ للوثوق بأنّ توثيق العلاّمة تبع للنجاشي في ابنه الحسن بن علي بن أبي المغيرة ، وظاهر كلام النجاشي توثيق ابنه(2) ، فتعبير السيّد صاحب «الرياض» عنها بالصحيحة(3) غير وجيه ظاهراً .

ص: 78


1- الكافي 6 : 259 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- خلاصة الأقوال : 106 / 29 ؛ رجال النجاشي : 49 / 106 .
3- رياض المسائل 8 : 48 .

ومنها : حسنة أبي مريم(1) . وفيها نقل قضيّة اُخرى شبيهة بها ، لكن ليس لها

إطلاق بالنسبة إلى جميع الانتفاعات ، بل نقل قضيّة يظهر منها عدم جواز الانتفاع بها في الجملة .

ومنها : صحيحة عبداللّه بن يحيى الكاهلي على طريق الصدوق ، بل الكليني أيضاً - بناءً على وثاقة سهل بن زياد - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم ، فقال : «لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك» . ثمّ قال : «إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به»(2) .

يظهر منها أنّ عدم جواز الانتفاع بالميتة ، كان مفروغاً منه ، وإنّما لا ينتفع بالمقطوع لكونه ميتة حكماً وتنزيلاً ، أو حقيقة .

ومقتضى إطلاق عدم الانتفاع بالأليات ، عدم الانتفاع بالميتة أيضاً ، إلاّ أن يناقش في الإطلاق ، بأن يقال : إنّ حكم الميتة لمّا كان مفروغاً منه ، لم تكن الرواية إلاّ بصدد تنزيل الجزء المقطوع منزلة الميتة في عدم الانتفاع . فيكون الجزء تبعاً في الحكم الثابت للميتة ، فيكون مقدار عدم الانتفاع به كمقداره فيها ؛ ولم يتّضح فيها ؛ وليست بصدد بيانه . وبعبارة اُخرى : إنّها ليست بصدد بيان عدم الانتفاع به ابتداءً ، بل بصدد بيان تشبيهه بها في الحكم الثابت ؛ فلا إطلاق فيها .

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 335 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 2 .
2- الفقيه 3 : 209 / 967 ؛ الكافي 6 : 254 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .

ومنها : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً ، فكتب : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ؛ وكلّ ما كان من السخال : الصوف إن جزّ ، والوبر والأنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها»(1) . وفي نسخة «من الصوف» .

والظاهر وقوع سقط فيها ، ويحتمل أن يكون الأصل : «إلاّ الصوف» . وكان قوله : «وكلّ» عطفاً على «بإهاب» . ويحتمل أن يكون قوله : «وكلّ» مبتدأً محذوف الخبر هو ينتفع به .

وكيف كان : فالظاهر إطلاقها ، ولا يبعد فهم المثالية من المذكور ، سيّما مع ذيلها ، فتدلّ على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً ، لكنّها ضعيفة السند .

ومنها : رواية علي بن جعفر علیه السلام عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك ، فقال : «لا يلبس ولا يصلّى فيه ، إلاّ أن يكون ذكيّاً»(2) .

لكنّها مع ضعفها مخصوصة باللباس .

ومنها : رواية «تحف العقول» عن الصادق علیه السلام في حديث ، قال : «وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه ، وكلّ شيء يحلّ أكله فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه ، وصوفه وشعره ووبره ، وإن كان الصوف والشعر والريش

ص: 80


1- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .
2- قرب الإسناد : 282 / 1116 ؛ وسائل الشيعة 4 : 352 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 4 ، الحديث 6 .

والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيّاً فلا بأس بلبس ذلك ، والصلاة فيه»(1) .

ويمكن الخدشة في دلالتها بعد الغضّ عن سندها ؛ بأنّ الظاهر من قوله : «فلا بأس بلبسه والصلاة فيه» أ نّه بصدد بيان حكم اللبس في الصلاة ، فقوله : «فلا بأس بلبسه» كالأمر المقدّمي المذكور توطئة ، كقوله : «لا بأس بلبس الحرير والحرب فيه» ، و«لا بأس بالجلوس في المسجد والقضاء فيه» و«لا بأس بأخذ الماء من الدجلة والشرب منه» . . . إلى غير ذلك .

فحينئذٍ يكون قوله : «وكلّ شيء يحلّ أكله . . .» بصدد بيان اللبس في الصلاة أيضاً ، وكذا الفقرة الأخيرة ، فلا يستفاد منها حكمان : تكليفي مربوط بأصل اللبس ووضعي مربوط بالصلاة ، كما هو ظاهر عند العارف بأساليب الكلام ، ولا أقلّ من أن يكون احتمالاً مانعاً عن الاستدلال .

ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن الماشية تكون للرجل ، فيموت بعضها ، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال : «لا ، ولو لبسها فلا يصلّي فيها»(2) .

وهي أيضاً - مع ضعفها واختصاصها باللبس - يمكن التأمّل في دلالتها على الحرمة؛ لضعف دلالة «لا يصلح» عليها، لو لم نقل بإشعاره أو دلالته على الكراهة، سيّما مع قوله : «ولو لبسها» ؛ فإنّ فرض اللبس في ما هو محرّم لا يخلو من بعد .

ص: 81


1- تحف العقول : 338 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 8 .
2- قرب الإسناد : 268 / 1067 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 6 .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغراء ؟ فقال : «لا بأس ما لم يعلم أ نّه ميتة»(1) .

وفيه : أ نّه لا إطلاق في مفهومها ، فإنّه بصدد بيان حكم المنطوق لا المفهوم ، فلا يستفاد منها إلاّ ثبوت البأس مع العلم في الجملة .

بل التحقيق : أنّ المفهوم قضيّة مهملة ، حتّى في مثل قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» .

هذا إذا قلنا بإلغاء الخصوصية عن المنطوق ، وإلاّ فلا يثبت الحكم في المفهوم إلاّ بالنسبة إلى أكل الجبن وتقليد السيف ، مع أنّ إثبات البأس أعمّ من الحرمة ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ الحكم في الجبن محمول على التقيّة ، لو كان الجواب عن السؤالين .

ومنها : ما عن «عوالي اللآلي» : قد صحّ عنه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» وقال في شاة ميمونة : «ألاّ انتفعوا بجلدها ؟»(2).

وعن ابن أبي ليلى عن عبداللّه بن حكيم ، قال : قرأ علينا كتاب

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في أرض جهينة وأنا غلام شابّ : «أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»(3) .

ص: 82


1- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 331 ؛ وسائل الشيعة 24 : 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 38 ، الحديث 1 .
2- عوالي اللآلي 1 : 42 / 47 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 191 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .
3- عوالي اللآلي 1 : 97 / 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 591 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 ، الحديث 3 .

وعن «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام أ نّه قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب»(1) . . . إلى غير ذلك .

ثمّ إنّ هذه الروايات على طوائف :

منها : ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً ، كموثّقة سماعة ورواية الجرجاني وعلي بن أبي المغيرة .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز اللبس ، كروايتي علي بن جعفر ورواية «تحف العقول» على إشكال مرّ الكلام فيها .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بإهاب ولا عصب . ويمكن جعلها من الطائفة الاُولى ، بدعوى إلغاء الخصوصية .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز تقليد السيف إذا كان جلده من الميتة ، وهي موثّقة سماعة .

الروايات الدالّة على جواز الانتفاع بالميتة في موارد خاصّة

وبإزاء تلك الروايات روايات اُخر يستفاد منها جواز الانتفاع في موارد خاصّة:

منها : رواية زرارة ، قال : قد سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ؟ قال : «لا بأس»(2) .

ص: 83


1- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 413 / 1301 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 16 .

والظاهر أنّ السؤال عن الانتفاع بجلده ، لا عن طهارة الماء ونجاسته بملاقاته ، بل الظاهر أنّ مثل جلد الخنزير يجعل دلواً لسقي الزراعات والأشجار ، لا لشرب الآدمي . ويظهر منها بإلغاء الخصوصية جواز الانتفاع بجلده لو لم يؤدّ إلى محذور ، كتنجّس ملاقيه ، وكذا جواز الانتفاع بجلود سائر الميتات .

ومنها : صحيحة محمّد بن عيسى بن عبيد عن أبي القاسم الصيقل وولده ، قال : كتبوا إلى الرجل علیه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السيوف ، ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن نصلّي في ثيابنا ، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا ؛ لضرورتنا . فكتب علیه السلام : «اجعل ثوباً للصلاة» . وكتب إليه : جعلت فداك ، وقوائم السيوف التي تسمّى السفن ، نتّخذها من جلود السمك ، فهل يجوز لي العمل بها ، ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب : «لا بأس»(1) .

والرواية صحيحة ، ولا يضرّ بها جهالة أبي القاسم ؛ لأنّ الراوي للكتابة والجواب هو محمّد بن عيسى . وقوله : قال : كتبوا ؛ أي قال محمّد بن عيسى : كتب الصيقل وولده . فهو مخبر لا الصيقل وولده ، وإلاّ لقال : كتبنا . واحتمال كون الراوي الصيقل ، مخالف للظاهر جدّاً ، سيّما مع قوله في ذيلها : وكتب إليه . فلو كان الراوي الصيقل ، لقال : وكتبت إليه .

ص: 84


1- تهذيب الأحكام 6 : 376 / 1100 ؛ وسائل الشيعة 17 : 173 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 4 .

وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، وهما ثقتان على الأقوى .

والمظنون لولا المقطوع به ، أنّ قوله : «نعمل السيوف» مصحّف عن قوله «نغمد السيوف» فإنّهما شبيهتان كتابة في العربية .

والشاهد عليه أوّلاً : رواية القاسم الصيقل - الظاهر أ نّه ابن أبي القاسم - قال: كتبت إلى الرضا علیه السلام : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي فاُصلّي فيها ؟ فكتب إليّ : «اتّخذ ثوباً لصلاتك» . فكتبت إلى أبي جعفر الثاني : إنّي كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا ، فصعب ذلك عليّ فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكيّة ، فكتب علیه السلام إليّ : «كلّ أعمال البرّ بالصبر - يرحمك اللّه - فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً ، فلا بأس»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المكاتبة المشار إليها في هذه الرواية ، هي المكاتبة المتقدّمة ؛ حيث كان ولد أبي القاسم من جملة المكاتبين ، واحتمال كون القاسم الصيقل غير ابن أبي القاسم الصيقل بعيد .

وثانياً : أنّ عمل السيوف بمعنى صنعتها - كما هو الظاهر من عملها - أو بمعنى تصقيلها ، عمل مستقلّ كان في تلك الأزمنة في غاية الأهمّية ؛ وهو غير عمل تغميدها الذي كان مبايناً لهما ، ومن البعيد قيام شخص بعملهما معاً في ذلك العصر .

ويشهد له قوله : «ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها»

ص: 85


1- الكافي 3 : 407 / 16 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 4 .

فأيّة معيشة وتجارة أعظم من صنعة السيوف في تلك الأزمنة ؛ أزمنة الحروب السيفية ، عصر السيف ؟ وأيّ احتياج لصانع السيف إلى عمل الجلود ؟

فلا شبهة في أنّ أبا القاسم وولده بحسب هذه الرواية كان عملهم أغماد السيف ، وإنّما سألوا عن بيع الميتة وشرائها وعملها ومسّها .

وحملها على بيع السيوف لا بيع الجلود - كما صنع شيخنا الأنصاري(1) - طرح للرواية الصحيحة الصريحة .

نعم ، في رواية عن أبي القاسم الصيقل قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل ، أشتري السيوف وأبيعها من السلطان . . . (2) ، يظهر منها أيضاً أنّ شغله لم يكن عمل السيف بل كان صيقلاً ، وبمقتضى الروايتين أ نّه كان يشتري السيوف ، ويغمدها ويبيع من السلطان ، ولعلّه كان شغله مختلفاً بحسب الأزمان ، ولعلّه كان تاجراً وله عمّال اشتغلوا بتغميد السيوف ، وعمّال بالصيقل ، تأمّل .

وكيف كان : لا شبهة في بيعه الأغماد ، ولا معنى لإعطائها بلا ثمن وبنحو المجّانية .

وأمّا قوله : «ونحن مضطرّون إليها» فليس المراد من الاضطرار هو الذي يحلّ المحظورات ، سيّما في مثل رجل صيقل كان يبيع من السلطان ، بل المراد الاضطرار والاحتياج في التجارة . ولهذا ترك القاسم العمل بالميتة بمجرّد صعوبة اتّخاذ ثوب للصلاة .

ص: 86


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 32 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1128 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 5 .

بل لا وجه للاضطرار المبيح للمحظور إلى عمل خصوص الميتة في بلد المسلمين الشائع فيها الجلود الذكيّة في عصر الرضا والجواد علیهما السلام ، مع حلّية ذبائح العامّة واعتبار سوقهم .

وكون الصيقل الذي يشتري السيوف ويبيعها من السلطان مضطرّاً إلى عمل الميتة ولم يمكن له اشتراء الجلود الذكيّة ، مقطوع الفساد ، كما هو واضح . مضافاً إلى أنّ الظاهر من الرواية أ نّهم كانوا مضطرّين إلى عمل السيوف أو أغمادها ، لا إلى عمل خصوص الميتة . وقوله : «لا يجوز في أعمالنا غيرها» ، لا يراد منه أنّ عملهم خصوص الميتة ، بل المراد أ نّه لا يجوز عملهم ، ولا تدور تجارتهم ، إلاّ مع الابتلاء بها ، فلا يكون المراد الاضطرار بخصوصها .

هذا بناءً على نسخة «الوسائل» ، وفي «الحدائق» : «إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال والحمير»(1) ، وعلى هذه النسخة أيضاً لا يراد بالاضطرار هو المبيح للمحظورات ، سيّما مع ملاحظة رواية القاسم الصيقل .

ولم يظهر منها أنّ مراده من قوله : «صعب ذلك عليّ» أ نّه صعب عليه من جهة احتمال التقيّة في صدور الحكم من أبيه علیه السلام ، ولعلّ مراده صعوبة غسل البدن واللباس وتعويضه للصلوات . وقوله : «كلّ أعمال البرّ بالصبر» ، لم يظهر منه بوجه عدم جواز العمل بغير المذكّى .

والإنصاف : أنّ الرواية ظاهرة الدلالة على جواز بيع جلد الميتة وشرائه وسائر الاستفادات منه ، بل يظهر من ذيل الثانية ؛ أي قوله : «كلّ أعمال البرّ

ص: 87


1- الحدائق الناضرة 18 : 73 .

بالصبر» أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة ، فيكون شاهد جمع بينها وبين ما دلّت على أنّ الميتة لا ينتفع بها ، أو جلد الميتة لا ينتفع به ، وهو الحمل على الكراهة في ما لا محذور في الانتفاع بها ، مع أ نّها أخصّ مطلقاً من روايات المنع مطلقاً .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ، فرخّص فيه ، وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل»(1) .

وهي ، مع دلالتها على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، يظهر منها أيضاً وجه الجمع المتقدّم .

ومن تفسير الكيمخت فيها ، يظهر جواز التمسّك بما دلّ على جواز لبسه ، على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، كصحيحة الريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن لبس الفراء والسمّور - إلى أن قال - والكيمخت - إلى أن قال - «لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب»(2) .

نعم ، هذا التفسير ينافي ما في رواية علي بن أبي حمزة(3) ؛ حيث فسّر فيها الكيمخت بجلود دوابّ ، منه ما يكون ذكيّاً ومنه ما يكون ميتة .

وتشهد للحمل المتقدّم أيضاً ، رواية الحسن بن علي ، قال : سألت

ص: 88


1- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 333 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 369 / 1533 ؛ وسائل الشيعة 4 : 352 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 5 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .

أبا الحسن علیه السلامفقلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم

فيقطعونها ؟ قال : «هي حرام». قلت : فيستصبح بها ؟ قال : «أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟»(1) .

حيث يظهر منها أنّ وجه المنع هو تنجّس الثوب واليد به ، فتدلّ على كراهة الاستعمال . ويحتمل أن يكون إرشاداً إلى أولوية الترك ، لئلاّ يبتلي بالنجاسة .

ومنها : صحيحة البزنطي صاحب الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له الغنم ، يقطع من ألياتها وهي أحياء ؛ أيصلح أن ينتفع بما قطع ؟ قال : «نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها»(2) .

والظاهر منها أنّ الممنوع من الانتفاعات هو الأكل والبيع ونحوه. فقوله: «نعم» تجويز الانتفاعات. وقوله: «يذيبها»، من باب المثال، ولهذا قال بعده: «ولا يأكلها ولا يبيعها» ، ولم ينه عن غيرهما ، فتدلّ على جواز مطلق الانتفاع بها غيرهما .

وبضميمة ما دلّت على أنّ الأليات ميتة ولو تنزيلاً ، يفهم أن لا حكم لها مستقلاًّ غير ما للميتة، فتدلّ على جواز الانتفاع بالميتة في ما سوى الأكل والبيع.

ومنها : رواية «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام ، قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب ، فلمّا كان من الغد ، خرجت معه ، فإذا سخلة مطروحة على الطريق ، فقال : ما كان على

ص: 89


1- الكافي 6 : 255 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 2 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 573 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .

أهل هذه لو انتفعوا بإهابها ؟» قال : «قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها بالإهاب الذي لا يلصق»(1) .

وهي - كما ترى - حاكمة على كلّ ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة ؛ بل بها مطلقاً ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الانتفاع بالميتة لا محذور فيه ، وإنّما

المحذور من جهة السراية ، ولعلّ الإلصاق كناية عنها ، ويحتمل أن يكون المراد بالجلد الذي لا يلصق ، هو ما عولج بالملح والدباغ ، فدلّت على عدم جواز الانتفاع قبله ، لكنّها ضعيفة السند .

وقد تقدّم في ذيل رواية «اللآلي» أ نّه قال في شاة ميمونة : «ألاّ انتفعتم بجلدها ؟»(2) .

وهاهنا عدّة روايات تدلّ على جواز اللبس :

كرواية محمّد بن [سليمان عن علي بن] أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام أو أبا الحسن علیه السلام عن لباس الفراء، والصلاة فيها ، فقال : «لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً»(3) .

فإنّ السكوت عن حرمة لبسها دليل على جوازه ، وإنّما الممنوع الصلاة فيها ، تأمّل .

ص: 90


1- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 . وفيهما «فإذا نحن بسخلة» بدل «فإذا سخلة» .
2- تقدّمت في الصفحة 82 .
3- الكافي 3 : 397 / 3 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 2 .

وكصحيحة الريّان بن الصلت المتقدّمة(1) عن الرضا علیه السلام ، وفيها نفي البأس عن لبس أشياء ، منها : الكيمخت .

ورواية علي بن أبي حمزة، أنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه ، قال : «نعم» . فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت ، قال : «وما الكيمخت ؟» فقال : جلود دوابّ ؛ منه ما يكون ذكيّاً ومنه ما يكون ميتة . فقال : «ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلِّ فيه»(2) .

وهي تدلّ على جواز تقليده ، وإنّما لا يجوز الصلاة فيه .

وعن «الجعفريات» عن الصادق ، عن أبيه : «إنّ عليّاً علیه السلام كان يصلّي في سيفه وعليه الكيمخت»(3) .

فإنّ قوله ذلك يدلّ على أنّ الكيمخت ميتة ، وإلاّ فلا وجه لنقله ، تأمّل . إلى غير ذلك .

والإنصاف أن لا معارضة بين الروايات ، بل لِما دلّت على الجواز نحو حكومة على غيرها ، كما تقدّم . فحمل أخبار الجواز على التقيّة فرع المعارضة ، ومع الجمع العقلائي لا مصير لذلك .

ص: 91


1- تقدّمت في الصفحة 88 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .
3- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 52 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 39 ، الحديث 1 .
دعاوي الإجماع والشهرة على حرمة الانتفاع بالميتة

نعم، ما يمنعنا عن الجرأة إلى الذهاب إلى الجواز ، هو دعاوي الإجماع، وعدم الخلاف ، وعدم وجدانه ، والشهرة في المسألة ؛ أهمّها ما حكي عن الحلّي أ نّه قال - بعد نقل صحيحة البزنطي المتقدّمة(1) الدالّة على جواز الانتفاع بأليات الغنم - بهذه العبارة : «لا يلتفت إلى هذا الحديث ، فإنّه من نوادر الأخبار ، والإجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرّف فيها بكلّ حال إلاّ أكلها للمضطرّ»(2) ، انتهى .

ويظهر من «المسالك»(3) أيضاً أنّ عدم جواز الانتفاع بأليات الميتة ، والمبانة من الحيّ ، موضع وفاق .

وفي «مفتاح الكرامة» - بعد حكاية عدم جواز الانتفاع عن المحقّق والعلاّمة ،

والشهيدين ، والفاضل الهندي - قال : «وهو قضيّة كلام الباقين قطعاً لوجهين : أحدهما : أنّ مفهوم اللقب معتبر إجماعاً في عبارات الفقهاء ، وبه يثبت الوفاق والخلاف . الثاني : ملاحظة السوق والقرائن»(4) ، انتهى .

لكن يظهر منه عدم تحصيل الإجماع أو الشهرة من كلمات الفقهاء ، وإنّما الاستفادة من اجتهاده ؛ ولا يخفى ما فيه . كما أنّ صريح المحقّق الأردبيلي(5) ،

ص: 92


1- تقدّمت في الصفحة 89 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 574 .
3- مسالك الأفهام 3 : 120 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 90 ؛ شرائع الإسلام 3 : 175 ؛ إرشاد الأذهان 2 : 113 ؛ الروضة البهيّة 2 : 172 و4 : 122 ؛ كشف اللثام 9 : 271 و276 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 35 .

والمحدّث المجلسي(1) منع الإجماع، ويظهر من السيّد «الرياض» عدم عثوره

على اتّفاق الأصحاب ، حيث قال : «مع أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه، كما قيل»(2) . والمحكيّ عن «الروضة»(3) جواز الاستصباح به ، وتبعه جملة من متأخّري المتأخّرين(4) .

وعن الشيخ في ذيل حديث زرارة المتقدّم(5) في الاستقاء بجلد الخنزير ، أ نّه قال : الوجه أ نّه لا بأس أن يستقى به ، لكن يستعمل ذلك في سقي الدوابّ والأشجار ونحو ذلك(6) .

وهذا منه ، وإن يحتمل أن يكون في مقام جمع الروايات ودفع التناقض عنها ، لكن لو لم يجز ذلك لسقي الدوابّ والأشجار أيضاً ، يكون من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب .

وعنه في «النهاية»(7) ، وعن ابن البرّاج(8) والمحقّق في «الشرائع» و«النافع» ،

ص: 93


1- بحار الأنوار 77 : 77 .
2- رياض المسائل 8 : 49 .
3- هكذا في رياض المسائل 1 : 499 / السطر 27 من الطبع الحجري ، لكن في الطبع الجديد من الرياض 8 : 49 ، صحّحوها ب «العلاّمة» وهو الصحيح .
4- راجع مجمع الفائدة والبرهان 8 : 35 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 422 - 424 ، و2 : 608 - 609 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 84 .
5- تقدّم في الصفحة 83 .
6- اُنظر وسائل الشيعة 1 : 175 ، ذيل الحديث 16 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 413 ، ذيل الحديث 1301 .
7- النهاية : 587 .
8- اُنظر جواهر الكلام 36 : 401 ؛ المهذّب 2 : 443 .

وتلميذه كاشف الرموز والعلاّمة في «الإرشاد»(1) ، جواز الاستقاء بجلودها لغير الصلاة والشرب . وعن صاحب «التنقيح» ميله إليه(2) .

وعن «السرائر» أ نّه مرويّ(3) ، ولعلّه يشعر بميله إليه ، تأمّل .

وصرّح في «القواعد» بجواز الوضوء بحوض اتّخذ من جلد الميتة إذا كان كرّاً (4) .

وعن ابن الجنيد و«فقه الرضا» أنّ جلد الميتة يطهر بالدباغ(5) ؛ فلا محالة يجوز الانتفاع به حينئذٍ عندهما ، بل هو محتمل الصدوق ، بل الصدوقين ؛ لموافقة فتواهما له نوعاً ، ولنقل الأوّل رواية عن الصادق علیه السلام تدلّ على جواز جعل اللبن والماء ونحوهما في جلد الميتة(6) ، مع قوله قبيل ذلك في حقّ كتابه : «لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما اُفتي به ، وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أ نّه حجّة بيني وبين ربّي»(7) ، انتهى .

وهو وإن لم يف بهذا العهد في كتابه كما يظهر للمراجع به ، لكن رجوعه عنه في أوّل الكتاب في غاية البعد .

ص: 94


1- شرائع الإسلام 3 : 179 ؛ المختصر النافع : 254 ؛ كشف الرموز 2 : 374 ؛ إرشاد الأذهان 2 : 113 .
2- التنقيح الرائع 4 : 56 .
3- السرائر 3 : 115 .
4- قواعد الأحكام 1 : 192 .
5- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 ؛ الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 .
6- الفقيه 1 : 9 / 15 .
7- الفقيه 1 : 3 .

وقال في «المقنع» : «لا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زقّ من جلدة ميتة ، ولا بأس بأن تشربه»(1) .

وتجويز ابن الجنيد ومن بعده ، وإن كان مبنيّاً على طهارة جلدها بالدباغ ، أو عدم تنجّس المائع به - على احتمال في كلام الصدوق - لكن مع ذلك تكون استفادة الإجماع من كلام القوم مشكلاً ، فإنّ الإجماع التقديري ليس بشيء ، هذا مع عدم وضوح مسلك ابن إدريس في باب الإجماع(2) .

فالأشبه الجواز ، والأحوط الترك ، هذا حال جواز الانتفاع .

جواز البيع فيما جاز الانتفاع

وهل يجوز البيع وسائر الانتقالات في ما جاز الانتفاع به ؟ الأقوى هو الجواز ؛ لعدم دليل على المنع سوى رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة(3) ، وهي ضعيفة السند .

وسوى روايات دلّت على أنّ ثمن الميتة سحت :

كرواية السكوني الموثّقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «السحت ثمن الميتة»(4) .

ص: 95


1- المقنع : 18 .
2- راجع السرائر 1 : 51 .
3- تقدّمت في الصفحة 89 .
4- الكافي 5 : 126 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

ومرسلة الصدوق ، قال : قال : «أجر الزانية سحت» - إلى أن قال - «وثمن الميتة سحت»(1) .

ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه ، جميعاً عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه علیهم السلام في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي ، قال : «يا علي ، من السحت ثمن الميتة»(2) .

وسوى صحيحة البزنطي صاحب الرضا عنه في أليات مقطوعة ، وفيها : «يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها»(3) . ورواها الحميري بإسناده عن موسى بن جعفر علیه السلام(4) .

وما عدا الأخيرة مخصّصة بصحيحة محمّد بن عيسى المتقدّمة عن الصيقل(5) التي يظهر منها جواز الانتفاع بجلد الميتة ، وجواز بيعها لذلك .

والظاهر أنّ العرف مساعد لإلغاء الخصوصية ، والجمع بينها وبين ما تقدّم ؛ بأنّ كلّ مورد يجوز الانتفاع بها يجوز بيعها لذلك ، وإنّما يحرم بيعها ويكون ثمنها سحتاً إذا بيعت للأكل ونحوه ممّا لا يجوز الانتفاع بها .

ص: 96


1- الفقيه 3 : 105 / 435 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 4 : 262 / 824 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 9 .
3- السرائر ، المستطرفات 3 : 573 .
4- قرب الإسناد : 268 / 1066 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .
5- تقدّمت في الصفحة 84.

ويؤيّد ذلك ، رواية أبي مخلّد السراج ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل

عليه معتب(1) ، فقال : بالباب رجلان ، فقال : «أدخلهما» ، فدخلا ، فقال أحدهما : إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : «مدبوغة ؟» قال : نعم . قال : «لا بأس»(2) .

لقوّة احتمال أن تكون جلود النمر للميتة ، لبعد تذكيته ، وإشعار قوله : «مدبوغة ؟» بذلك ، أو دلالته عليه .

وذكر الدباغ لا يدلّ على صدورها تقيّة ؛ لعدم الحكم بطهارتها أو صحّة الصلاة فيها ، ولعلّ الدباغة دخيلة في الحكم ، أو في رفع الكراهة .

وتؤيّده صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفراء أشتريه من الرجل الذي لعلّي لا أثق به ، فيبيعني على أ نّها ذكيّة ، أبيعها على

ذلك ؟ فقال : «إن كنت لا تثق به فلا تبعها على أ نّها ذكيّة ، إلاّ أن تقول : قد قيل لي : إنّها ذكيّة»(3) .

فإنّ مقتضى إطلاقها جواز الاشتراء والبيع ، وإن كان الرجل مجهول الحال ولم يكن في سوق المسلمين ، إلاّ أن يقال بكونه بصدد بيان حكم آخر ، وهو جواز الشهادة بمجرّد قول البائع مع عدم وثاقته ، فإطلاقها مشكل بل ممنوع .

ص: 97


1- هو مولى أبي عبداللّه عليه السلام. [ منه قدس سره]
2- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 595 ؛ وسائل الشيعة 17 : 172 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 133 / 586 ؛ وسائل الشيعة 17 : 172 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 2 .

وكيف كان : فلا بأس بالجمع المذكور ، ولا يبعد حمل الأخيرة على ذلك أيضاً ؛ لأنّ الانتفاع المتعارف من الأليات هو الأكل ، وأمّا الإذابة للإسراج فمن المنافع النادرة الغير المتداولة ، فالنهي عن بيعها لعلّه لأجل المنفعة المتعارفة التي

كانت البيوع لها .

وإن شئت قلت : إنّها منصرفة عن البيع للمنفعة النادرة ، فالجواز مطلقاً للمنافع المحلّلة لا يخلو من قوّة ، وقد استقصينا سابقاً كلمات القوم ، وقلنا بأنّ الظاهر منهم جواز البيع وسائر الانتقالات مع جواز الانتفاع ، إذا كان النفع عقلائياً موجباً

لمالية الشيء ، فراجع(1) .

فرع: حكم الانتفاع بالمشتبه بالمذكّى وبيعه

كما لا يجوز بيع الميتة للمنفعة المحرّمة -

كالأكل - منفرداً ، لا يجوز بيعها في ضمن المشتبه بالمذكّى . وكذا لا يجوز بيع المذكّى الواقعي بينهما ؛ لعدم جواز الانتفاع بواحد منهما عقلاً ؛ للعلم الإجمالي المنجّز للواقع ، فيكون أخذ المال في مقابل المذكّى الذي سقط الانتفاع به مطلقاً ، أكلاً للمال بالباطل .

هذا مع كون المشتري مسلماً ، وكذا لو كان كافراً وقلنا : إنّ الكفّار مكلّفون بالفروع ، كما هو الأقوى .

وأمّا لو قلنا بعدم كونهم مكلّفين بها ، وجاز لهم أكل الميتة والتصرّف فيها ،

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 54 - 55 و64 .

فالظاهر جواز بيع الواقعي المذكّى منه ؛ لأنّ المسلم جاز له الانتفاع بالمذكّى الواقعي مع الإمكان ، وأخذ المال في مقابله انتفاع به ، والكافر جاز له الانتفاع بالمشتبهين فرضاً ، ولا دليل على لزوم كون المبيع بشخصه ممكن الانتفاع للبائع .

ولهذا لو كان البائع والمشتري مسلمين ، واشتبه المذكّى بالميتة لدى البائع دون المشتري ، صحّ بيع المذكّى الواقعي من المسلم العالم بالواقع ، وليس أخذ المال بإزائه أكلاً له بالباطل .

نعم ، مع جهل المشتري أيضاً لا يجوز البيع بقصد المذكّى الواقعي ، كما مرّ . إلاّ أن يقال بعدم جريان أصالة عدم التذكية في المشتبهين ولو لم يلزم من جريانهما مخالفة عملية كما فيما نحن فيه ، وقلنا بجريان أصالة الحلّ في أحدهما تخييراً ، فحينئذٍ يمكن أن يقال بجواز البيع بالقصد المذكور ، كما اختاره الشيخ الأنصاري(1) ويأتي الكلام فيه .

ويمكن أن يقال بجواز بيع أحدهما مخيّراً ؛ فللبائع أن يختار أحدهما ، ويبيعه من مسلم وغيره بمقتضى أصالة الحلّ .

وقال بعض المدقّقين : «إنّ أصالة الحلّ لا يثبت بها إلاّ جواز الأكل ولا يحرز بها المذكّى الواقعي ، والمفروض عدم جواز بيع الميتة الواقعية ، فمع الشكّ في تحقّق الموضوع القابل للنقل والانتقال ، يحكم بأصالة عدم الانتقال وإن لم يكن هناك أصل يثبت به عدم كونه مذكّى ، وذلك نظير المال المردّد بين كونه مال

ص: 99


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 37 .

الشخص ، أو مال غيره ، فإنّه وإن قلنا بجواز أكله إذا لم يكن مسبوقاً بكونه ملكاً لغيره ، لكن لا نقول بجواز بيعه ، للشكّ في الملكية المترتّب عليها جواز البيع ونفوذه»(1) .

وفيه : أنّ مفاد أصالة الحلّ ، ليس حلّية الأكل فقط ، بل مقتضى إطلاق أدلّتها جواز ترتيب جميع آثار الحلّية على المشكوك فيه ظاهراً ، ومن آثارها جواز البيع وصحّته .

بل الظاهر أنّ مفاد أصالة الحلّ أعمّ من التكليفية والوضعية ، فإذا شكّ في نفوذ بيع المشكوك فيه ، يحكم بنفوذه بأصالة الحلّ الوضعي .

بل يمكن أن يقال : إنّ جواز الأكل وسائر الانتفاعات ، كاشف عن ملكيته لدى الشارع ولو ظاهراً ، كما أنّ النهي عن جميع التصرّفات ، كاشف عن سقوطها لديه .

أو يقال : إنّ ملكية الميتة المعلومة وماليتها عقلائية ، لا بدّ في نفيهما من ردع الشارع ، ولا دليل على الردع في مورد المشتبه ، مع تجويز الشارع الانتفاعات بها . فمع ثبوت ماليته وملكيته وجواز التصرّف فيه ، يصحّ بيعه بإطلاق أدلّة تنفيذه .

فقوله - بعد ذلك - بأ نّه «لا دليل على ترتيب جميع أحكام عدم الحرمة الواقعية على الحلّية الثابتة بأصالة الحلّ في مشتبه الحكم»(2) .

ص: 100


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 10 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .

جوابه : أنّ الدليل عليه إطلاق أدلّة أصالة الحلّ ؛ فإنّ قوله في صحيحة ابن سنان : «كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه ، فتدعه»(1) لا قصور فيه لإثبات جميع آثار الحلّية الواقعية عليه ؛ لأنّ الحلّية لمّا لم تكن واقعية ، تحمل على الظاهرية وبحسب ترتيب الآثار بلسان جعل الموضوع ، وإطلاقه يقتضي ترتيب جميع الآثار .

وأوضح منها موثّقة مسعدة بن صدقة(2) لو قلنا : بأ نّها من أدلّة أصالة الحلّ ، وإن لا يخلو من مناقشة ذكرناها في محلّه(3) .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الحكم على صحّة البيع ، لا يتوقّف على إحراز كونه مذكّى بأمارة معتبرة ، أو إحراز عدم كونه ميتة كذلك .

هذا ، مضافاً إلى إمكان استصحاب كون المشتبه قابلاً للنقل والانتقال ، ومملوكاً يجوز فيه أنحاء التصرّفات ، فتكون تلك الاستصحابات ، حاكمة على استصحاب عدم الانتقال .

وتوهّم عدم بقاء الموضوع لعروض الموت على الحيوان ، قد فرغنا عن جوابه في محلّه(4) .

ص: 101


1- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- راجع أنوار الهداية 2 : 60 .
4- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 251 .

فمع عدم ثبوت المنع الشرعي، يكون البيع عقلائياً، منسلكاً تحت أدلّة تنفيذه.

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه بعد قصور أدلّة عدم جواز بيع الميتة الواقعية لإثبات الحكم في المشتبه ، وبعد البناء على عدم جريان أصالة عدم التذكية ، والبناء على جريان أصالة الحلّ وسائر الاُصول الشرعية في أحد الطرفين تخييراً ، إنّ مقتضى الاُصول صحّة بيعه وإن قلنا بأنّ أصالة الحلّ لا تفي بذلك ، بل الاستصحابات المذكورة مقدّمة عليها .

وقد يقال : إنّه يعتبر في صحّة البيع ، الملكية ، وكذا صحّة الانتفاع بما هو ملك ، وفي المقام إن باع المذكّى الواقعي ، فقد أوقع البيع على ملكه ، لكن صحّة الانتفاع به مشكوك فيها ؛ لاحتمال أن يكون مختاره غير مملوكه ، وإن أوقع البيع على المشتبه ، يكون ملكيته له مشكوكاً فيها ، فلا يمكن إحراز الشرطين(1) .

والجواب : أ نّا نختار بيع أحد المشتبهين ، ونحرز الملكية بالاستصحاب ، كما تقدّم ؛ لأنّ المفروض جريان الاُصول في أحد الأطراف تخييراً .

وقد يجاب عن الإشكال - بعد اختيار بيع المذكّى الواقعي - بأنّ جواز الانتفاع بكلّ من المشتبهين تخييراً من آثار ملك المذكّى الواقعي الموجود يقيناً في المشتبهين ومن منافعه ، وهذا القدر كافٍ في تحقّق الانتفاع المعتبر في صحّة البيع ؛ فإنّه ليس من أكل المال بالباطل ، بعد تسليمهما للمشتري ، وجواز انتفاعه بأحدهما الذي هو نتيجة ملكية المذكّى الواقعي المردّد بينهما (2) .

ص: 102


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .
2- نفس المصدر.

وفيه : أنّ جواز الانتفاع بأحدهما المردّد ، لا يعقل أن يكون من آثار ملكيته الواقعية لأحد الطرفين ، فإنّ أثر الملكية الواقعية جواز التصرّف في خصوص الملك ، لا في غيره ، ولا في المردّد بينه وبين غيره .

مع أنّ الحلّية التي من أحكام الملك واقعاً هي الحلّية الواقعية ، لا الظاهرية ، ولا الأعمّ .

والتحقيق : أنّ ملكية المذكّى الواقعي محقّقة لموضوع الاشتباه ، كما أنّ الميتة الواقعية أيضاً دخيلة في ذلك ، وكذلك الاختلاط بينهما .

وأمّا الحلّية الظاهرية فهي مجعولة على المشتبه بما هو كذلك ، لا من آثار الواقع؛ ضرورة عدم إمكان تعدّي الحكم والأثر من موضوعه إلى موضوع آخر.

فلو قيل : إنّ جواز الانتفاع الظاهري كافٍ في صحّة البيع ، فالأولى حينئذٍ أن يختار صحّة بيع أحد الطرفين .

لكنّ القائل المحقّق ، استشكل في ذلك بأ نّه يمكن أن يقال : إنّ المانع للبيع

هو حرمة الانتفاع واقعاً الذي هو غير معلوم الارتفاع ، فراجع كلامه ، زيد في علوّ مقامه(1) .

هذا كلّه على المباني الغير المسلّمة .

والتحقيق : - حسب اقتضاء العلم الإجمالي - عدم جواز الانتفاع بواحد منهما ، لا أكلاً ولا بيعاً ، من مسلم ولا من كافر ، بناءً على تكليفهم بالفروع .

لكن هاهنا نكتة يجب التنبيه عليها وهي :

ص: 103


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .

أنّ العلم الإجمالي قد يتعلّق بالحكم الفعلي والإرادة الفعلية الجازمة ، وفي مثله لا يمكن احتمال الترخيص لأحد الطرفين ، فضلاً عنهما ، بل مع العلم بالإرادة الفعلية للمولى لا يمكن احتمال صدور الترخيص منه في الشبهة البدوية أيضاً ؛ لعدم إمكان احتمال وقوع التناقض في إرادته ، فالعلم الإجمالي كذلك علّة تامّة لوجوب الموافقة وحرمة المخالفة، ومع هذا العلم تطرح أدلّة الاُصول حتّى في الشبهات البدوية .

وقد يتعلّق العلم بحجّة شرعية لأجل إطلاق دليل أو عمومه لمورد المشتبه ، كما في قوله تعالى : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ((1) ؛ فإنّ إطلاق-ه يقتضي حرمة الميتة واقعاً ، سواء كان الموضوع معلوماً ، أو لا ، وفي مثله يمكن احتمال الترخيص في ارتكاب جميع أطراف المعلوم بالإجمال ، فضلاً عن بعضه ، فمع ورود الترخيص يستكشف عن عدم فعلية إرادة المولى في المورد المشتبه ، إمّا بتقييد الإطلاق ، أو بأنحاء اُخر من التصوّرات التي في الاُصول بيانها (2) .

وكيف كان : إذا كان العلم الإجمالي من قبيل الثاني - كما في نوع الموارد - لايجوز ترك ظاهر دليل معتمد دلّ على الترخيص في بعض الأطراف أو جميعها ؛ لعدم حكم للعقل في مثله ، وعدم كون الترخيص مخالفاً للقواعد والعقول . ولعلّ الخلط بين المقامين صار موجباً لطرح بعض الروايات

ص: 104


1- المائدة (5) : 3 .
2- راجع أنوار الهداية 2 : 186 .

الصحيحة الدالّة على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي(1) .

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الكلام في المقام :

تارة : في جواز الانتفاع بأطراف المشتبه أكلاً وغيره ، فيظهر من الأردبيلي الميل إليه في مطلق المشتبهات(2) ، وتمسّك في المقام بصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(3) وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر علیه السلام(4) ، وهناك روايات اُخر ربّما يأتي الكلام فيها مستقصىً في باب المال المختلط بالحرام ، إن شاء اللّه .

لكنّ الأقوى في المقام عدم جواز الانتفاع بهما ، لا لطرح الأدلّة بتوهّم كونها خلاف العقل والقواعد ؛ لما عرفت ، بل لظهور صحيحتي الحلبي الآتيتين(5) عرفاً في عدم جواز أكلهما ، أو أكل أحدهما ، وعدم جواز انتفاع آخر بهما إلاّ بيعهما للمستحلّ ، وأنّ الطريق المنحصر في الاستفادة هو ذلك .

ص: 105


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 ، 2 ، 4 ، و25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 271 - 272 .
3- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 24 : 235 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 64 ، الحديث 1 .
5- تأتيان في الصفحة 107.

وبهما يخصّص كلّ ما دلّت على تجويز ارتكاب أطراف الشبهة ، لو سلّمت دلالتها .

وبهذا يظهر عدم جواز تعرّف حالهما بالعرض على النار بالانبساط والانقباض، كما حكي عن «الدروس» الميل إليه(1) ؛ فإنّ ذلك لو كان أمارة مطلقاً لكان على أبي عبداللّه علیه السلام بيانه لكشف الواقع وعدم ارتكاب خلاف القواعد ، فلا يتعدّى عن مورد رواية شعيب(2) في اللحم المطروحة، لو قلنا بجواز العمل بها في موردها.

واُخرى : في صحّة بيعهما ممّن يستحلّ الميتة ، ولا شبهة في أ نّه كما يلزم من بيعهما جميعاً رفع اليد عن أدلّة حرمة بيع الميتة وأنّ ثمنها سحت ، وعن دليل حرمة إقباض الميتة للأكل ممّن تحرم عليه ؛ فإنّ الكفّار أيضاً مكلّفون ، كذلك يلزم من بيع المذكّى الواقعي خلاف القواعد ، سواء بيّن الواقعة للمشتري ، واشترى هو أيضاً المذكّى أو لا ، فعلى الأوّل يلزم الجهالة والغرر في بعض الأحيان ، كما لو كان أحدهما مهزولاً والآخر سميناً ، واختلف قيمتهما ، إن قلنا بأ نّه غير مطلق الجهالة ، وأ نّها مفسدة كالغرر ، وتسليط الكافر على الأكل والانتفاع المحرّم عليه واستحلاله لا يوجب حلّيته عليه . وعلى الثاني يلزم مضافاً إلى ما ذكر ، عدم مطابقة الإيجاب للقبول ؛ فإنّه يبيع المذكّى بدرهم ، والمشتري يقبلهما به ، فلا مطاوعة بينهما .

وليس هذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، حيث يقال فيه بالانحلال والصحّة

ص: 106


1- الدروس الشرعية 3 : 14 .
2- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 188 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 1 .

فيما يملك ، دون غيره ؛ فإنّ المطاوعة هناك حاصلة ، والانحلال عقلائي أو تعبّدي ، ولا معنى للانحلال هاهنا ؛ لعدم مقابلة مال بالميتة ؛ لعدم إيجاب البيع بالنسبة إليها ، بل لا يجوز له في هذه الصورة أخذ مقدار ثمن المذكّى ؛ لأ نّه مأخوذ بالبيع الفاسد ، فضلاً عن جميعه .

فالتخلّص من بيع المجموع إلى بيع المذكّى الواقعي - كما استحسنه المحقّق(1) ، واختاره العلاّمة(2) - فرار من المطر إلى الميزاب ، لو كان نظرهما إلى

الفرار عن بيع الميتة ، لا الاستظهار من صحيحتي الحلبي وعلي بن جعفر :

ففي صحيحة الحلبي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا اختلط الذكيّ والميتة ، باعه ممّن يستحلّ الميتة ، وأكل ثمنه»(3) ، وفي صحيحته الاُخرى عنه علیه السلام ، أ نّه سئل عن رجل كان له غنم وبقر ، وكان يدرك الذكيّ منها فيعزله ويعزل الميتة ، ثمّ إنّ الميتة والذكيّ اختلطا كيف يصنع به ؟ قال : «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ، ويأكل ثمنه ، فإنّه لا بأس به»(4) .

وعن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى علیه السلام نحوها (5) .

ص: 107


1- شرائع الإسلام 3 : 175 .
2- تحرير الأحكام 4 : 639 ؛ قواعد الأحكام 3 : 328 .
3- الكافي 6 : 260 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 260 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 2 .
5- مسائل علي بن جعفر : 109 / 20 ؛ وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، ذيل الحديث 2 .

وجه الاستظهار : دعوى رجوع الضمير في قوله : «باعه» أو «يبيعه» إلى المذكّى .

ثمّ إن أراد البائع وقوع البيع على المذكّى ، لا بدّ من إخبار المشتري للواقعة ، حتّى يقع البيع صحيحاً .

فيستفاد منها بنحو من اللزوم لزوم إخبار الطرف بالواقعة قبل إيقاع البيع عليه ، وإن يظهر من المحقّق والعلاّمة(1) - ولو من إطلاق كلامهما - عدم لزوم الإخبار .

وفي الاستظهار نظر ؛ لأنّ المتفاهم العرفي منها أنّ الضمير راجع إلى المختلط ، وأنّ السؤال في الثانية عن حال المال المختلط الخارجي ، وقوله : «ما يصنع به ؟» ، أي : ما يصنع بهذا الموجود المختلط ، وقوله : «يبيعه» ، أي : يبيع ذلك المختلط ، لا خصوص المذكّى .

والحمل على بيع خصوص المذكّى ، وتسليم المجموع من باب المقدّمة ، بعيد عن الأذهان العرفية .

والشاهد على أنّ المراد بيع المجموع ، قوله : «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه» ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ الاستحلال موجب لجواز بيع الميتة وأكل ثمنها ؛ وليس النظر إلى مقام التسليم . فقوله : «يأكل ثمنه» إشارة ظاهرة إلى ما هو مرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم والوصيّ علیه السلام بأنّ «ثمن الميتة سحت»(2) . فكأ نّه

ص: 108


1- شرائع الإسلام 3 : 175 ؛ تحرير الأحكام 4 : 639 ؛ قواعد الأحكام 3 : 328 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 و8 و9 .

قال : إذا اشتبه الميتة والمذكّى يحلّ ثمن الميتة ، وليس بسحت في هذه الصورة .

فالأقوى جواز بيعهما بل تعيّنه ، وعدم جواز بيع المذكّى الواقعي ؛لما عرفت من مخالفته للقواعد ، واللازم الاقتصار على ظاهر الروايات فيبيعهما ، كما هو ظاهر الشيخ وابن حمزة(1) . والاحتمال المتقدّم بعيد عن كلامهما جدّاً . وهو ظاهر الأردبيلي مشفوعاً بدعوى الشهرة عليه :

قال بعد استبعاد حمل الخبرين على بيع الواقع المذكّى : «أو تخصيص عدم الانتفاع بالميتة ، وعدم جواز أكل ثمنه إلاّ في هذه الصورة ، وكذا تسليط الكافر على أكل الميتة ، للنصّ والشهرة . ومن لم يعمل بالخبر الواحد مثل ابن إدريس يطرحهما ، ولم يجوّز بيعه»(2) ، انتهى .

والظاهر منه اختيار هذا الوجه ، وهو الأقوى .

وأمّا حملهما على جواز استنقاذ مال المستحلّ للميتة بذلك برضاه ، وعدم البيع الحقيقي ، كما عن العلاّمة(3) واستجوده الأردبيلي(4) ؛ ففيه ما لا يخفى من البعد .

وأبعد منه ما احتمله شيخنا الأنصاري من حملهما على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلّها الحياة ؛ من الصوف والوبر ونحوهما . قال : «وتخصيص المشتري بالمستحلّ ؛ لأنّ الداعي له على الاشتراء اللحم أيضاً ،

ص: 109


1- النهاية : 586 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 362 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 274 .
3- مختلف الشيعة 8 : 337 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 273 .

ولا يوجب ذلك فساد البيع ، ما لم يقع العقد عليه»(1) ، انتهى .

وأنت خبير بأنّ طرحهما خير من هذا الحمل المقطوع الخلاف ، مع ورود بعض الإشكالات المتقدّمة عليه ، على فرض قصد البائع الأجزاء دون المشتري ، كما هو ظاهر كلامه .

ثمّ إنّ الميتة من غير ذي النفس السائلة تجوز المعاوضة عليها وعلى أجزائها القابلة للانتفاع العقلائي ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات منعها ، واختصاصها أو انصرافها إلى غيرها .

حكم الانتفاع بالكلب وبيعه

ومنها : الكلب البرّي . وهو على أقسام :

منها: الكلب السلوقي الذي يستعمل في الصيد غالباً ، وهو من أحسن الكلاب وأخفّها ، ويقال له بالفارسية : «تازي» . ولعلّ التسمية به لأجل كونه من بلاد العرب ، كما في «القاموس» وغيره: «أنّ السلوق كصبور قرية باليمن تنسب إليها تلك الكلاب»(2) .

ومنها: غير السلوقي ، وهو إمّا ينتفع به انتفاعاً عقلائياً للتصيّد ، أو لحراسة الماشية أو الحائط ؛ أي البستان ، أو الزرع أو الدور ونحوها ، أو لمنافع اُخر كما يستعمل بعض الأنواع منه في كشف الجرائم والتفتيشات . وقد يتّخذ لصرف

ص: 110


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 38 .
2- القاموس المحيط 3 : 254 ؛ أقرب الموارد 1 : 534 ؛ لسان العرب 6 : 336 .

اللعب والتفريح والاُنس به ، كما هو المتعارف عند أقوام .

أو لا ينتفع به : إمّا لصيرورته عقوراً هراشاً ، أو مجنوناً خارجاً عن طاعة البشر بعروض داء الكَلَب عليه ؛ وهو داء يشبه الجنون يعرض الكلاب فتعضّ الناس ، فيسري إليه فيكلب أيضاً ، وإمّا لذهاب ملكة التكالب عنه ، أو صيرورتها ضعيفة فيه ، كالكلاب المهملة التي تعيش في الأزقّة والشوارع ، وهي غير صالحة للتصيّد ، وغير قابلة نوعاً للتربية لسائر المنافع .

لا إشكال في جواز المعاوضة على القسم الأوّل إذا كان صيوداً ، وهو المتيقّن من الأخبار وكلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات .

كما لا إشكال في عدم الجواز في الأخير ؛ أي ما لا ينتفع به ، وهو المتيقّن من الأخبار ومعاقد الإجماعات على عدم الجواز .

إنّما الكلام في سائر الأقسام ، والأولى صرف الكلام إلى أخبار الباب .

الأخبار الواردة في المقام

وهي على طائفتين :

الاُولى : ما لم يذكر فيها قيد الصيد والاصطياد ونحوهما ممّا يمكن دعوى الإطلاق فيها :

كموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «السحت ثمن الميتة وثمن

الكلب وثمن الخمر ومهر البغيّ والرشوة في الحكم وأجر الكاهن»(1) .

ص: 111


1- الكافي 5 : 126 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام عن آبائه علیهم السلام في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، من السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب وثمن الخمر»(1) .

ويمكن إنكار الإطلاق فيهما وما يشبه بهما ممّا هي في مقام عدّ جملة من السحت أو من المنهيّ عنه ، بأن يقال : إنّها ليست بصدد بيان حكم كلّ عنوان ، حتّى يؤخذ بإطلاقها ، بل بصدد بيان عدّ ما هو سحت ، نظير أن يقال : إنّ في الشرع محرّمات : الكذب والغيبة والتهمة والربا . . . إلى غير ذلك ، أو في الشرع واجبات : الصلاة والزكاة والحجّ . . . ، أو قوله : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة . . . »(2) ؛ فإنّه لا يصحّ الأخذ بالإطلاق فيها ، فيقال إنّ الكذب مطلقاً حرام ، ولا بإطلاق وجوب الصلاة لرفع ما شكّ في جزئيته أو شرطيته فيها .

والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ قوله : من السحت كذا وكذا ، في مقام عدّ أقسام السحت إجمالاً، لا بيان حكم الكلب والميتة، فالأخذ بالإطلاق في نحوه مشكل.

وكحسنة الحسن بن علي الوشّا ، قال سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام عن شراء

المغنّية ، قال : «قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلاّ ثمن كلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار»(3) .

ص: 112


1- الفقيه 4 : 262 / 824 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 9 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 13 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 1 .
3- الكافي 5 : 120 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 6 .

وقد أوردها في «الوسائل» ، في باب تحريم بيع الكلاب أيضاً ، مع تقطيع وتوصيف الحسن بن علي بالقاساني(1) ، وهو من اشتباه النسخة أو قلمه الشريف ، والصحيح : الوشّا ؛ لعدم رواية لغير الوشّا في المقام في «الكافي» الشريف ، وعدم ذكر من الحسن بن علي القاساني في الرجال .

فهي عين الرواية المتقدّمة ، كما أنّ ما عن العيّاشي(2) في ذلك الباب عينها ، وتمامها ما نقلناه .

وكيف كان : يمكن إنكار الإطلاق فيها أيضاً ، بدعوى أ نّها بصدد بيان حكم شراء المغنّية وثمنها ، لا شراء الكلب وثمنه ، بل الظاهر كون ثمن الكلب مفروض الحكم وقد شبّه ثمن المغنّية به فلم تكن بصدد بيان حكم الكلب فلا إطلاق فيها ، تأمّل .

ومن هذا القبيل ، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداك ، إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات ، قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار ، وقد جعل لك ثلثها ، فقال : «لا حاجة لي فيها ؛ إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(3) .

فإنّ الظاهر أنّ ذكر الكلب مع عدم كونه مورد الكلام ، لذكر التسوية بينهما . وكأ نّه علیه السلام بصدد بيان نحو تحقير عن ثمن المغنّيات وشرائها ، بأنّ ثمنها وثمن

ص: 113


1- وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 2 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 321 / 111 .
3- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .

الكلب سواء ، لا بصدد بيان حكم الكلب ، من غير سبق سؤال وبمجرّد الاقتراح .

بقيت رواية جرّاح المدائني ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «من أكل السحت ثمن الخمر» ونهى عن ثمن الكلب(1) .

وهي مع ضعفها ، ووهن متنها لفظاً - بحيث ربّما لا يليق ذلك التركيب بالفصيح - لا تصلح لإثبات حكم لو سلّم إطلاقها .

والطائفة الثانية : ما ذكر فيها ذلك :

كموثّقة محمّد بن مسلم وعبد الرحمان بن أبي عبداللّه - التي هي كالصحيح - عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» . ثمّ قال : «ولا بأس بثمن الهرّ»(2) .

ورواية أبي عبداللّه العامري ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : «سحت ، وأمّا الصَيود فلا بأس»(3) .

ولا يبعد أن يكون الوليد العمّاري الراوي لذلك المتن بعينه عن أبي عبداللّه علیه السلام كما في «الوسائل»(4) هو الوليد العامري ، واشتبه في النسخة ، ومن المحتمل أ نّه أبو عبداللّه العامري ، والروايتان واحدة .

ص: 114


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 600 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 356 / 1017 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 3 .
3- الكافي 5 : 127 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 1 .
4- وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 7 .

ورواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث: «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : ثمن الخمر ، ومهر البغيّ ، وثمن الكلب الذي لا يصطاد ، من السحت»(1) .

المحتملات في عنوان الصَيود ونحوه والمقصود منها

وفي هذه الروايات - بعد وضوح عدم كون المراد من قوله : «لا يصيد» و «لا يصطاد» و«الصَيود» هو عدم الاشتغال الخارجي فعلاً ، أو الاشتغال كذلك - وجوه من الاحتمال :

أحدها : أن يكون قوله : «الذي لا يصيد» إشارة إلى أقسام ما عدا الكلب السلوقي ، وقوله : «والصيود» أو «كلب الصيد» كما في بعض الروايات(2) ، إشارة إلى السلوقي ؛ بمعنى أنّ ذكر الموصول وصلته ، لمحض معرّفية موضوع الحكم ، من غير دخالة للوصف فيه ، فيكون ذات السلوقي موضوعاً لعدم الحرمة ، سواء كان صيوداً أو لا ، وغيره موضوعاً للحرمة ، صيوداً كان أو لا .

لكن هذا الاحتمال بعيد عن ظواهر الأخبار ؛ لأنّ التوصيف والتقييد ظاهران في الموضوعية ، أو الدخالة ؛ سيّما مثل قوله : «وأمّا الصيود» .

ثانيها : أن يكون العنوان دخيلاً ، لكن يكون المراد من «الصيود» و «الذي يصيد» هو الكلب المعلّم ، كان سلوقياً أو لا ، ومن «الذي لا يصيد» أو

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 5 .

«لا يصطاد» غير المعلّم ، بدعوى انصراف الأخبار إليهما .

وفيها: منع الانصراف ، سيّما مثل قوله : «لا يصيد» و«لا يصطاد» فإنّ الظاهر منهما سلب الوصف ، لا سلب القيد مع ثبوت أصل الوصف ، فحينئذٍ يكون «الصيود» الذي في مقابله ، هو ما ثبت له الوصف .

ويتلوه في الضعف احتمال الانصراف إلى السلوقي المعلّم .

نعم ، لا يبعد انصراف قوله : «كلب الصيد» إلى المعلّم ، بل إلى السلوقي منه ، ويأتي الكلام فيه .

ثالثها : أن يكون المراد من «الصيود» ما يتّخذ للصيد ، وفي مقابله ما لا يتّخذ له .

وهو بعيد أيضاً ؛ لأنّ الظاهر من العناوين ما هي ثابتة للكلاب ، من غير دخالة اتّخاذها لها ، أو عدمه .

رابعها : أن يكون المراد ما ثبت له نفس العناوين ، من غير دخالة للتعليم وعدمه ، ولا للاتّخاذ وعدمه . فما ثبت له أ نّه الذي لا يصيد ، يكون ثمنه سحتاً ، وما يصطاد أو كان صيوداً ، ثمنه محلّل .

ثمّ الوصف يحتمل أن يكون بمعنى الشغل الفعلي ، فيكون المراد من «الذي لا يصيد» ما لا يكون شغله الفعلي الاصطياد ، حتّى لا يشمل كلب الصيد الذي جعل صاحبه شغله الحراسة مثلاً ، ومقابله ما يكون شغله ذلك ، فينطبق غالباً على الاحتمال الثالث .

ويحتمل أن يكون بمعنى زوال ملكة الصيد عنه ، وثبوتها له ، فيكون معنى قوله : «الذي لا يصيد» الذي سلب عنه وصف كونه صيوداً وصائداً ، وزالت

ص: 116

ملكته ، وفي مقابله ما ثبت له الوصف والملكة .

ولا يبعد أن يكون الأقرب بين الاحتمالين الأخيرين هذا الاحتمال ، بعد أظهريتهما من سائرها .

ويشهد لما قلنا : من أنّ الموضوع في هذا الباب نفس العنوان ، من غير دخالة للتعليم فيه - بعد إطلاق الأدلّة - أنّ الأخبار الواردة في حكم الصيد وجواز أكله - في أبواب الصيد والذبائح(1) - مشحونة بذكر الكلب المعلّم ، وكثر فيها التقييد بذلك العنوان ، وأمّا في المقام فلم يرد خبر مشعر بكون الكلب المذكور هو المعلّم ، وذلك لأنّ الموضوع للحكم هناك هو الكلب المعلّم ، بخلافه هاهنا .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الأظهر في قوله : «الكلب الذي لا يصيد» أو «لا يصطاد» هو ما سلب عنه هذا الوصف وهذه الملكة .

وإنّما قلنا هذا الاحتمال أقرب من سابقه ؛ لأنّ الكلب الذي له ملكة الاصطياد بحيث لو استعمل في الصيد يصطاد ، يصدق عليه أ نّه صيود ، ولا يصحّ سلب العنوان عنه ، وليس المراد من «لا يصيد» عدم العمل الخارجي ، مقابل العمل كذلك ، ولهذا قابله بالصيود ، فالمراد منه ما ليس بصيود ، والكلب الذي لو ترك يصيد ، لا يقال : إنّه لا يصيد ، أو ليس بصيود ، بمجرّد منع صاحبه عنه . ولهذا لا ريب في أنّ الكلب المعلّم صيود وصائد ، ويصدق عليه أ نّه يصيد ويصطاد ، ولو لم يستعمله صاحبه في الصيد ، ومنعه عنه .

ثمّ بعد ما علم من قوّة هذا الاحتمال ، يقال : إنّ الصيود والصائد وسائر

ص: 117


1- راجع وسائل الشيعة 23 : 331 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 1 ، 2 ، 5 ، 7 ، 10 و15 .

المشتقّات منه ، عناوين وصفية صادقة على مطلق الاصطياد ؛ كان الصيد من قبيل الغزال ، أو غيره من الحيوانات الممتنعة الوحشية من غير اعتبار قيد الحلّية فيها ، بحسب اللغة والعرف جزماً ، فإذا كان الكلب يصيد الذئب ، أو ابن آوى ، أو الثعلب ، يصدق عليه أ نّه صيود ، وصائد عرفاً ولغةً ، فالكلب الصيود ما كان يصيد الحيوان الممتنع ، من غير دخالة خصوصية حيوان فيه .

شمول عنوان الصيود ونحوه لمطلق الكلاب عدا المهملات منها

فيمكن أن يقال : إنّ مطلق الكلاب عدا الكلاب المهملة التي في الأزقّة والأسواق ممّا زالت عنها ملكة الاصطياد والتكالب ، داخل في عنوان الكلب الذي يصطاد والصيود . ولا يصحّ أن يقال : إنّها لا يصطاد أو ليست بصيود ، وإن كانت للماشية والحراسة ونحوهما ، والكلب ما لم تكن له ملكة الاصطياد لا يتّخذ للماشية وحفظ الأغنام ونحوهما .

فالكلاب على صنفين : أحدهما : ما زالت عنها صفة التصيّد ، وهي التي صارت مهملة ولم يكن لها التكالب ، وهي الكلاب الدائرة في الأزقّة مهملة ، أو العائشة على صدر صاحبها العيّاش الملاعب بها والمؤانس معها ، على تأمّل في الثانية .

وثانيهما : ما بقيت على صفتها وملكتها السبُعية ، وهي صيود وسبع بطبعها ، وصادق عليها أ نّها تصيد وتصطاد ، سواء اتّخذت للاصطياد ، أو لحفظ الأغنام ، أو لحراسة البلد أو القرية أو المزارع ونحوها .

فالميزان في جواز البيع هو صدق الوصف عليها لا استعمالها في الصيد أو

ص: 118

اشتغالها به ، والظاهر صدق العناوين على جميع الأنواع ؛ فكلاب الأغنام والمواشي صيود ، تصيد الذئب والغزال وغيرهما . ولو فرض بعيداً سلب صفة الاصطياد عن بعض ما يتّخذ للحراسة ، يمكن الحكم بصحّة معاملته بعدم القول بالفصل بل وبالاستصحاب ، تأمّل .

إن قلت : لو فرض صدق العناوين لغة وعرفاً لكن الأخبار منصرفة إلى الكلاب المستعملة للتصيّد .

قلت : نمنع انصراف ذلك الوصف العنواني سيّما مع مقابلة الصيود للذي لا يصيد ؛ فإنّ الثاني أعمّ من الكلاب المتّخذة للصيد وزالت عنها صفتها وليس منحصراً بقسم منها ، وكذا الأوّل . مع أنّ الميزان الانصراف في زمان الصدور ولم يتّضح الانصراف فيه ، تأمّل .

نعم، «كلب الصيد» عبارة عن الكلب الذي اتّخذ له ، ويكون شغله ذلك ؛ إذ هو منصرف إليه أو منصرف إلى خصوص السلوقي منه ، بخلاف «الذي يصيد» .

وإن شئت قلت : إنّ العناوين والمشتقّات مختلفة في إفادة المعنى عرفاً ؛ ألا ترى أنّ الماء الجاري لا يصدق عرفاً إلاّ على ما يكون جريانه عن منبع تحت أرضي ونحوه ، ولا يصدق على الماء الذي جرى من كوز وجرّة ونحوهما ، مع صدق «جري الماء» و«يجري منه» وهكذا في كثير من المشتقّات .

وفي المقام فرق بين عنوان «كلب الصيد» الذي لا يصدق على كلب الماشية والزرع ونحوهما ؛ لأنّ شغل الحراسة غير شغل الصيد ، وبين «الكلب الذي يصيد والذي لا يصيد» فإنّ صدق عنوان «الذي لا يصيد» يتوقّف عرفاً على عدم اقتدار الكلب على الاصطياد ، أو على عدم اقتضائه فيه . والكلب الذي لو اُغري

ص: 119

على الصيد يصيده ، لا يقال : إنّه لا يصيد أو هو الذي لا يصطاد ، بمجرّد عدم استعمال صاحبه له أو عدم إغرائه ، سيّما مع كون القضيّة موجبة سالبة المحمول ، وفي مثلها يكون صدق ثبوت الصفة السلبية متوقّفاً على سلب الملكة بنظر العرف .

ثمّ إنّ بين عنوان «كلب الصيد» وبين عنوان «الكلب الذي لا يصيد» وكذا عنوان «الكلب الذي يصيد» عموماً من وجه ، إن كان المراد بكلب الصيد هو الكلب السلوقي ؛ أي هذا الصنف .

وإن كان المراد ، السلوقي المتّخذ للصيد ، يكون بين العنوان المقابل له ؛ أي غير السلوقي المتّخذ له ، مع عنوان «الكلب الذي يصيد» المفهوم من الروايات ، أو «الكلب الصيود» بالمعنى المتقدّم ، عموم من وجه أيضاً .

وإن كان المراد به مطلق كلب الصيد ؛ أي الذي شغله ذلك ، سلوقياً كان أو لا ، يكون بين المفهوم المقابل له ؛ أي الكلب الآخر الذي لا يكون شغله ذلك وهو الكلب الذي ليس بكلب الصيد ، وبين الكلب الذي يصيد عموم من وجه أيضاً .

فإن قلنا بعدم جريان العلاج في التعارض بالعموم من وجه وأ نّهما متساقطان في جميع المفاد ، يكون المرجع عمومات حلّ البيع والتجارة عن تراضٍ .

وإن قلنا بجريانه فيه وأنّ المرجّح للرواية بجميع مفادها ، كان الترجيح مع أخبار جواز البيع وحلّية أكل الثمن ؛ لكونها موافقة للكتاب لو لم نقل بموافقتها للشهرة أيضاً .

وإن قلنا بأنّ التساقط والترجيح منحصران بمورد الاجتماع يحلّ في مورد

ص: 120

التعارض أكل الثمن ويجوز البيع ؛ إمّا لمرجعية العمومات أو مرجّحيتها ، وتلحق سائر الموارد به بعدم القول بالفصل .

جواز بيع جميع الكلاب النافعة

فتصير النتيجة - على جميع الصور والتقادير - جواز بيع جميع الكلاب النافعة ، وينحصر البطلان بغيرها .

وتوهّم لزوم تخصيص الأكثر المستهجن في أدلّة المنع فاسد ؛ لأكثرية الداخل فيها من الخارج ، وأغلبية الكلاب المهملة التي لا تصيد ولا تنفع عن غيرها .

وتؤيّد ما ذكرناه الروايات العامّة المتقدّمة(1) ؛ أي رواية «تحف العقول» و«دعائم الإسلام» و«فقه الرضا علیه السلام » ، بل ومفهوم النبوي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» ؛ فإنّ بينها وبين روايات الباب وإن كان عموماً من وجه ، لكن مفاد تلك الروايات أو بعضها حاكم على روايات الباب نحو حكومة .

وما قد يقال : إنّ هذه الروايات تكون أفرادها قليلة جدّاً بالنسبة إلى مثل رواية «التحف» ، وهي توجب تقديمها عليها للأظهرية(2) .

ليس بوجيه ؛ لأنّ قلّة الأفراد وكثرتها لا دخل لهما بمقام الظهور والدلالة ، فإنّ مقام انطباق العناوين على الأفراد غير مقام الظهور والدلالة . نعم، لو بلغ الإخراج الكثير إلى حدّ الاستهجان، فهو أمر آخر غير مقام الظهور، كما لا يخفى.

هذا ، مضافاً إلى ما عرفت من حكومتها عليها ، فلا ينظر إلى أقلّية الأفراد

ص: 121


1- تقدّمت في الصفحة 12 - 13 و23 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 13 .

إلاّ إذا استلزم التحكيم للاستهجان .

ويؤيّده أيضاً اشتهار الحكم بين الأصحاب ، من لدن زمن شيخ الطائفة بل قبله إلى الأعصار المتأخّرة(1) . والمفتي بالخلاف قليل ربّما يقال منحصر بالمفيد وابن سعيد(2) ، وإلاّ فالمفتي بالخلاف في كتاب ، رجع عنه في باب آخر أو كتاب آخر(3) ، أو تردّد فيه(4) .

بل ظاهر «التذكرة» في كتاب الإجارة : أنّ جواز بيع الكلاب التي لها منفعة محلّلة ، مثل كلب الصيد والماشية والزرع والحائط ، إجماعي(5) .

ويمكن استظهار الإجماع عليه من عبارة «الغنية» المتقدّمة في بعض المسائل الماضية(6) .

بل يمكن استظهاره من إجارة «الخلاف» ، قال : «يصحّ إجارة كلب الصيد للصيد ، وحفظ الماشية ، والزرع - إلى أن قال - دليلنا أنّ الأصل جوازه ، والمنع يحتاج إلى دليل ، ولأنّ بيع هذه الكلاب يجوز عندنا ، وما يصحّ بيعه يصحّ إجارته بلا خلاف»(7) .

ص: 122


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 92 - 95 ؛ جواهر الكلام 22 : 137 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 13 .
3- راجع الخ-لاف 3 : 181 ، كتاب البيوع ، مسألة 302 ، و : 511 ، كتاب الإجارة ، مسألة 43 ؛ المبسوط 3 : 250 .
4- راجع شرائع الإسلام 2 : 5 - 6 ؛ المختصر النافع 2 : 295 .
5- تذكرة الفقهاء 15 : 52 .
6- تقدّمت في الصفحة 73 .
7- الخلاف 3 : 511 .

فإنّ الظاهر من قوله : «هذه الكلاب» كلاب الصيد والماشية والزرع ، لا كلب الصيد فقط ، وإلاّ لقال : «هذا الكلب» . وقوله : «كلب الصيد للصيد . . .» مشعر بما أسلفناه من أنّ الكلب الذي لحفظ الماشية وغيرها ، من الكلاب الذي يصيد ؛ إذ ليس مراده - ولو بقرينة الذيل - استثناء كلب الصيد فقط ، وإن جعل للحفظ .

هذا ، مع أنّ بناء المسلمين ظاهراً على بيع هذه الكلاب النافعة ، والظاهر أنّ هذا البناء والعمل متّصل إلى الأعصار المتقدّمة ، حتّى عصر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقبله ؛ لأ نّها أموال عقلائية لها منافع عقلائية ، سيّما في محيط الحجاز محيط تربية الأغنام والأجمال ، وما كان كذلك لا بدّ من مقابلته بالمال في الأعصار والأمصار ، إلاّ أن يمنع مانع منه .

مضافاً إلى ما قالوا : من ترتيب آثار الملكية والمالية على تلك الكلاب ؛ من إجارتها وهبتها ووقفها والوصيّة بها وجعلها مهراً للنكاح وعوضاً للخلع وغرامة قيمتها وإن قدّرها الشارع ، والتقدير لا يدلّ على عدم الملكية والمالية ؛ لأ نّه يكون في كلب الصيد أيضاً .

ودعوى اشتهار عدم الجواز بين المتقدّمين(1) ، في غير محلّها ؛ فإنّ مجرّد إيراد المحدّثين كالكليني وغيره تلك الأخبار في كتبهم(2) ، لا يدلّ على أنّ

ص: 123


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 54 ؛ مستند الشيعة 14 : 85 ؛ المناهل : 276 / السطر 14 .
2- راجع الكافي 5 : 126 / 2 و5 ؛ الفقيه 3 : 105 / 434 و435 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 و560 .

فتواهم على المنع في غير كلب الصيد ، سيّما مع ما تقدّم من الاستظهار عن مثل

صحيحة ابن مسلم(1) .

وتخيّل دعوى شيخ الطائفة الإجماع على عدم الجواز في الكلاب غير الكلب المعلّم(2) - وهي تدلّ لا أقلّ على اشتهار الحكم في تلك الأعصار - وهم ؛ فإنّه قال في «الخلاف» : «مسألة 302 : يجوز بيع كلاب الصيد ، ويجب على قاتلها قيمتها ، إذا كانت معلّمة . ولا يجوز بيع غير الكلب المعلّم على حال . وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز بيع الكلاب مطلقاً ، إلاّ أ نّه مكروه - إلى أن قال - وقال الشافعي : لا يجوز بيع الكلاب معلّمة كانت أو غير معلّمة ، ولا يجب على قاتلها القيمة . دليلنا : إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون فيه . ويدلّ على ذلك

أيضاً قوله تعالى : )وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ( وقوله : )إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ( ، ولم يفصّل . وروى جابر : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنّور ، إلاّ كلب الصيد ، وهذا نصّ»(3) ، انتهى .

وهو - كما ترى - ادّعى الإجماع على جواز بيع الكلاب المعلّمة ، ولهذا قال : ويدلّ عليه أيضاً - أي مضافاً إلى الإجماع - قوله تعالى ، وتمسّك بدليل النفوذ .

بل يمكن استظهار عدم إجماعية حكم سائر الكلاب من كلامه ، بأن يقال : لو كان الحكمان إجماعيين لأشار إليهما ، ولم يدّع في خصوص كلب الصيد .

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 114 و117 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 96 ؛ جواهر الكلام 22 : 138 .
3- الخلاف 3 : 181 .

وتشهد بعدم إجماعيته بل إجماعية خلافه عبارته المتقدّمة عن إجارة «الخلاف»(1) .

فيمكن دعوى اشتهار الجواز بين المتقدّمين والمتأخّرين ، فسقطت الروايات الدالّة على عدم الجواز - لو سلّمت دلالتها - عن الحجّية رأساً .

حكم الانتفاع بالخنزير وبيعه

ومنها : الخنزير البرّي . لا شبهة في حرمة بيعه ؛ بمعنى عدم صحّته ، وحرمة ثمنه ؛ بمعنى كونه من المأخوذ بالبيع الفاسد إذا بيع للانتفاع المحرّم ، وهو المتيقّن من الإجماع .

وما دلّت على صحّته وجواز أخذ ثمنه عوض الدين ، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام في رجل كان له على رجل دراهم ، فباع خمراً وخنازير ، وهو ينظر فقضاه ، فقال : «لا بأس ، أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام»(2) .

وصحيحة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم ، فيبيع خمراً أو خنزيراً ، ثمّ يقضي منها ، قال : «لا بأس» أو قال : «خذها»(3) ،

ص: 125


1- تقدّمت في الصفحة 122 .
2- الكافي 5 : 231 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 232 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 2 .
3- الكافي 5 : 232 / 11 ؛ وسائل الشيعة 17 : 233 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 3 .

ونحوهما غيرهما (1) .

محمولة على كون المتبايعين ذمّيين ، أو مطروحة سيّما مع اشتمالها على بيع الخمر ، مع أنّ بطلانه وحرمة ثمنها ضروريان .

وأمّا الحمل على المنفعة المحلّلة ، كالتخليل في الخمر وكالانتفاع بالخنزير في تربية الدوابّ ، فكما ترى .

وهل يجوز الانتفاع به في مثل ما أشرنا إليه ؛ أعني تربية الدوابّ ؛ فإنّ المسموع بل لعلّه المعروف بين أهله أنّ اُنس الخنزير بالخيل موجب لسمنها أو كمالها ، وكذا البيع لذلك ؟

مقتضى القواعد جوازهما ، لكن عن «المبسوط» : «الحيوان الذي هو نجس العين كالكلب والخنزير وما توالد منهما ، وجميع المسوخ وما توالد من ذلك ، أو من أحدهما ، فلا يجوز بيعه ولا إجارته ولا الانتفاع به ولا اقتناؤه بحال إجماعاً ، إلاّ الكلب» . ثمّ قال : «وأمّا الطاهر غير مأكول اللحم . . .»(2) .

وهذه الدعوى منه مبنيّة ظاهراً على نجاسة المسوخ . والظاهر أ نّها ليست مستقلّة ، قبال دعوى عدم جواز بيع الأعيان النجسة والانتفاع بها ، وليست على عنوان الكلب والخنزير مستقلّة ، ولا على الحيوان كذلك .

وقد مرّ الكلام في كلام الأعلام سابقاً (3) ، بأنّ مسألة عدم جواز الانتفاع

ص: 126


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 233 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 4 و5 .
2- المبسوط 2 : 165 - 166 .
3- تقدّم في الصفحة 54 - 55.

بالنجاسات مطلقاً حتّى فيما لا يلزم منه محذور وكذا بيعها ، عدا ما استثني منها ، ليست إجماعية بل مسألة اجتهادية محلّ خلاف بين الأصحاب .

والمتيقّن من الإجماع - لو كانت المسألة من المسائل الإجماعية - هو حرمة بعض الانتفاعات كالأكل والشرب والبيع لهما أو لما يلزم منه محذور.

وأمّا الانتفاعات الاُخر ، كالانتفاع المتقدّم من الخنزير ، أو تخليل الخمر ونحو ذلك ، فلم يثبت إجماعية حرمتها ، سيّما في مثل هذه المسألة الاجتهادية وسيّما مع مخالفة ابن إدريس(1) ومن تأخّر عنه - على ما حكي - في بعض أقسام المسوخ(2) .

فالأشبه كأ نّه جواز هذا الانتفاع به ؛ للأصل وعدم دليل معتمد على خلافه .

فإنّ دعوى الإجماع قد عرفت حالها .

ومرسلة ابن أبي نجران ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دين ، هل يبيع خمره وخنازيره ، فيقضي دينه ؟ قال : «لا»(3) .

ورواية يونس في مجوسي باع خمراً أو خنازير إلى أجل مسمّى ثمّ أسلم قبل أن يحلّ المال ، قال : «له دراهمه» . وقال : أسلم رجل وله خمر أو خنازير ثمّ مات وهي في ملكه وعليه دين ، قال : «يبيع ديّانه ، أو وليّ له غير مسلم خمره

ص: 127


1- السرائر 2 : 218 - 220 .
2- شرائع الإسلام 2 : 4 ؛ جواهر الكلام 22 : 35 - 36 .
3- الكافي 5 : 232 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 226 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 1 .

وخنازيره ، ويقضي دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ، ولا يمسكه»(1) .

وهما - مع ضعف الاُولى بالإرسال ، والظاهر أنّ المراد ببعض الأصحاب فيها هو محمّد بن مسكان عن معاوية بن سعيد وهما ضعيفان(2) ، والتأمّل في الثانية بإسماعيل بن مرار(3) ، وعدم انتساب الحكم فيها إلى المعصوم ولعلّه فتوى

يونس ، وإن كان بعيداً ، واشتمالها على مالكية المسلم الخمر والخنازير للمنفعة الرائجة المحرّمة - منصرفتان إلى بيعهما للمنفعة المحرّمة الرائجة فيهما ؛ فإنّ غيرها منفعة مغفول عنها نادرة جدّاً .

لكن مع ذلك ، الأحوط عدم الانتفاع به وترك بيعه ؛ لدعوى الإجماع المتقدّمة ودعواه في «الخلاف» أيضاً على عدم جواز بيعه(4) ، وعدم العثور على فتوى أحد بجوازه ، أو جواز الانتفاع به ، وإن أمكن أن يقال : إنّ عدم التعرّض لهذه المنفعة النادرة المغفول عنها غالباً لا يدلّ على عدم الجواز عندهم .

جواز الانتفاع بأجزاء الخنزير والكلب

نعم ، الأقوى في أجزائه بل أجزاء الكلب أيضاً - نحو جلدهما وشعرهما - جواز الانتفاع ، بل جواز البيع للانتفاع المحلّل ؛ للأصل وعموم حلّية البيع

ص: 128


1- الكافي 5 : 232 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 2 .
2- راجع تنقيح المقال 3 : 184 / السطر 2 ، و : 223 / السطر 34 (أبواب الميم) .
3- راجع تنقيح المقال 1 : 144/ السطر 38 (أبواب الهمزة) .
4- الخلاف 3 : 184 .

والوفاء بالعقود ، وجملة من الروايات الواردة في الخنزير ممّا يمكن إلغاء الخصوصية وإسراء الحكم إلى أخيه ؛ ضرورة أنّ المانع لو كان ، هو النجاسة العينية ، أو هي مع كونه ميتة :

كرواية زرارة - ولا يبعد أن تكون صحيحة وأن يكون سيف بن التمّار هو سيف بن سليمان التمّار الثقة - عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده»(1) .

ورواية برد الإسكاف ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي رجل خرّاز ولا يستقيم عملنا إلاّ بشعر الخنزير نخرز به ، قال : «خذ منه وبره ، فاجعلها في فخّارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها ، ثمّ اعمل به»(2) .

وقريب منهما روايتان اُخريتان منه(3) ، ورواية عن سليمان الإسكاف(4) .

والظاهر منها - مضافاً إلى جواز العمل - جواز البيع أيضاً ؛ ضرورة أنّ العامل للحمائل وكذا الخرّاز ، إنّما يعملان للتجارة ، ومعلوم أنّ صنعتهما ذلك ، فصحّة التجارة وجوازها مستفادة منها .

نعم ، روايات برد وسليمان الإسكاف ضعاف . والعجب أنّ المحقّق الأردبيلي

ص: 129


1- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1129 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 3 : 220 / 1018 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 2 و4 .
4- وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 3 .

- مع كثرة مناقشته في أسناد الروايات - بنى على عدم ضعفها (1) ، مع أنّ مجرّد نقل ابن أبي عمير كتاباً لا يدلّ على صحّته .

وكصحيحة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضّأ من ذلك الماء ؟ فقال : «لا بأس به»(2) .

وهي وإن كانت بصدد بيان التوضّي من الماء ، والظاهر أنّ شبهته من جهة تنجّس الماء ، أو احتماله لذلك ، لكن نفي البأس عن الوضوء - مع أ نّه نحو انتفاع بالحبل ، سيّما أنّ مقتضى إطلاقها جوازه لو كان المتوضّي هو الذي يستقي الماء به - دليل على عدم حرمة الانتفاع به .

وتوهّم أنّ الوضوء ليس انتفاعاً بالحبل ، بل انتفاع بالماء ، والانتفاع بالحبل إنّما هو إخراج الماء به ، لا الوضوء من الماء الخارج ، فاسد ؛ ضرورة أنّ الانتفاع بالحبل هو رفع نحو حاجة به ، وشدّ الحبل بالدلو وإلقاؤه في البئر وإخراج الماء منه ، مقدّمات الانتفاع ، وإنّما الانتفاع هو شرب الماء والتوضّي به ونحوهما .

ففرق بين حرمة التصرّف في الشيء ، وحرمة الانتفاع به ؛ فلو حرم الانتفاع بشجر مثلاً ، لا يجوز الاستظلال به والتوقّف تحت ظلّه توقّياً عن الحرّ والمطر ، مع أ نّه ليس تصرّفاً فيه ، فلو حرم الانتفاع بالوادي لا يجوز شرب مائه ، ولو بعد

ص: 130


1- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 304 .
2- الكافي 3 : 6 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 2 .

أخذه في قربة ، ولا يجوز سقي الزرع والأشجار بمائه ، ولو بعد جريانه في الأنهار والسواقي ؛ لصدق الانتفاع به .

وفي المقام لو أخرج الماء بالحبل من البئر ، واُهريق قهراً ، لا يصدق أ نّه انتفع بالبئر ، ولا بالدلو والحبل ، بخلاف ما لو استعمله في الحوائج .

وقريب منها موثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) .

وكروايته الاُخرى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ، قال : «لا بأس»(2) .

وفي «الفقيه» : وسئل الصادق علیه السلام عن جلد الخنزير ، ثمّ ساق الحديث نحوها (3) .

وهي من المرسلات التي نسب الحكم جزماً إلى المعصوم علیه السلام ، ولا تقصر عن مرسلات ابن أبي عمير .

ولو كانت هي عين خبر زرارة لكان قوله ذلك دليلاً على جزمه بصدور الرواية من القرائن ، لو لم يكن توثيقاً للنهدي الواقع في رجال الحديث .

وتوهّم أنّ جزمه باجتهاده لا يفيد لنا ، ولعلّ القرائن التي عنده لا تفيدنا

ص: 131


1- لم نعثر على موثّقة زرارة ، بل ما عثرنا عليه هي رواية الحسين بن زرارة . راجع الكافي 6 : 258 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 171 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 413 / 1301 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 16 .
3- الفقيه 1 : 9 / 14 .

الجزم ، في غير محلّه ؛ لأنّ الظاهر من مسلكه أ نّه لم يكن أهل الاجتهادات المتعارفة عند الاُصوليين ، سيّما المتأخّرين منهم ، فالقرائن التي عنده لا محالة تكون قرائن ظاهرة توجب الاطمئنان لنا أيضاً . وكيف كان : ردّ تلك المرسلات جرأة على المولى .

ثمّ إنّ دلالتها على جواز الانتفاع به ظاهرة . وتوهّم أنّ نظر السائل إنّما هو حيث انفعال الماء(1) ، وسوسة .

والظاهر عدم الفرق بين الجلد والشعر ، وإطلاقها شامل لحال الضرورة وغيرها .

ولا مخصّص لها إلاّ الشهرة المدّعاة بعدم جواز الاستعمال اختياراً (2) ، والإجماعات المتقدّمة على عدم جواز الانتفاع بالنجس والميتة(3) ، خرج حال الضرورة ، للشهرة بالجواز ، أو بالروايات المجبورة في هذا المقدار .

أقول : أمّا الشهرة أو الإجماع على عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة ، فقد مرّ الكلام فيهما (4) فلا نعيده ، وقد ظهر هناك عدم ثبوت شهرة أو إجماع

على الحكم . والمتيقّن منهما - لو ثبت أصلهما - هو الاستعمالات والانتفاعات الخاصّة ، لا مطلقاً .

ولا أظنّ قيام إجماع أو شهرة مستقلّة في المقام غير ما ادّعي هناك ، كما يظهر

ص: 132


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 210 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 77 .
3- تقدّم في الصفحة 31 و92 .
4- تقدّم في الصفحة 95 .

من دعوى الشيخ في «الخلاف»(1) ومحكيّ «المبسوط» في الخنزير(2) ، مع أنّ علم الهدى رحمه الله علیه لا يرى نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين(3) ، فلا محالة يقول بجواز الانتفاع به .

وقد مرّ كلام شيخ الطائفة في ذيل رواية زرارة المتقدّمة ، قال : «الوجه أ نّه

لابأس أن يستقى به لكن يستعمل ذلك في سقي الدوابّ والأشجار ونحو ذلك»(4) .

ولو كان المنع ثابتاً بإجماع ونحوه ، لما قال ذلك . ولا يجوز حمله على صرف الجمع بين الأخبار ودفع التناقض عنها ؛ لما مرّ ولعدم ورود خبر على عدم جواز الانتفاع بشعر الخنزير إلاّ أن يقال : هذا لأجل الجمع بين الخبر وأدلّة انفعال الماء القليل ، لكن لو كان المراد صرف ذكر الوجه لكان الأوجه أن يقول : إنّه أخصّ من روايات الانفعال . وكيف كان : الظاهر منه جوازه .

وعن «مقنع» الصدوق جواز الاستقاء بجلده(5) ، وظاهر «المراسم» جواز الانتفاع بغير اللحم والشحم منه(6) ، وعن مطاعم «القواعد»(7) نحو «المقنع» ، وعن «المختلف» جواز استعمال شعر الخنزير مطلقاً (8) ، اضطرّ إلى استعماله

ص: 133


1- الخلاف 3 : 183 ، مسألة 308 .
2- المبسوط 2 : 165 .
3- مسائل الناصريات : 100 .
4- تقدّم في الصفحة 93 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 61 ؛ مختلف الشيعة 8 : 342 ؛ المقنع : 419 .
6- المراسم : 170 .
7- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 62 ؛ قواعد الأحكام 3 : 333 .
8- مختلف الشيعة 8 : 340 .

أم لا ، وعن كاشف اللثام موافقته(1) ، وقال الأردبيلي : «والعقل يجوّز استعماله ؛ أي شعر الخنزير ، فيما لا يشترط فيه الطهارة»(2) .

وقد يستدلّ للحرمة في شعره بما عن «السرائر» : أنّ الأخبار به متواترة(3) ، قال في «مفتاح الكرامة» : «وليس ما يحكيه إلاّ كما يرويه ، والشهرة تجبرها أو تعضدها ، وإنكار من أنكر الظفر بخبر واحد لا يعتبر»(4) ، انتهى .

وفيه : ما لا يخفى ؛ ضرورة عدم إمكان عثور الحلّي على أخبار متواترة لم يعثر على واحد منها أحد من المحدّثين والفقهاء المتقدّمين منه والمتأخّرين عنه ، فلعلّه وقع اشتباه في نسخ «السرائر» ، ولعلّه قال : الأخبار بالجواز متواترة ، فإنّ له وجهاً ؛ لما تقدّم من الأخبار الكثيرة على الجواز ، أو أراد الأخبار الواردة في نجاسة الخنزير ، بدعوى استفادة حرمة الانتفاع منها ، وهو بعيد .

فقول صاحب «مفتاح الكرامة» : إنكار من أنكر لا يعتبر ، كان له وجه لو ادّعى الحلّي ورود خبر واحد؛ لإمكان اطّلاعه عليه والخفاء عن غيره ، لا الأخبار المتواترة أو المستفيضة .

فلو فرض أنّ الأخبار بالجواز كانت متواترة فلا يمكن عدم اطّلاع الأصحاب عليها ، ومع اطّلاعهم عليها وترك نقلها والاكتفاء بنقل أخبار الجواز

ص: 134


1- كشف اللثام 9 : 309 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 31 .
3- السرائر 3 : 114 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 77 .

يكشف ذلك عن معلّلية تلك الأخبار ، بل هو من أدلّ الدليل على الجواز .

لكن الإنصاف وقوع اشتباه في البين ، وعدم أخبار متواترة لم يطّلع عليها غيره ، أو تركوا نقلها .

ثمّ إنّ التفصيل بين صورة تحقّق الدسومة وعدمه ، والقول بالمنع في الاُولى دون الثانية(1) ، ضعيف ؛ لأنّ الروايات المقيّدة لا تصلح لتقييد المطلقات ، بل ولا للخروج عن الأصل مع الغمض عن المطلقات . ولا يبعد حملها على الإرشاد ، كما قيل(2) .

كما أنّ الأقوى عدم الفرق بين الاضطرار وغيره كما مرّ، وعن «كشف اللثام»: «أ نّه إذا اضطرّ استعمل إجماعاً ، ولعلّه يكفي في الاضطرار عدم كمال العمل بدونه»(3) ، انتهى .

فلو كان ذلك شرحاً لمقصود المجمعين يرجع في الحقيقة إلى جوازه مطلقاً ؛ لأنّ الاضطرار بهذا المعنى مرجعه الاختيار ، فيمكن استشعار الجواز مطلقاً منه ، لكن في كون كلامه تفسيراً لكلامهم ، أو كون مرادهم ذلك تأمّل وإشكال .

ثمّ إنّه بناءً على جواز الانتفاع بأجزائه ، يجوز بيعها والمعاوضة عليها ؛ لظهور الروايات المتقدّمة ، ولعمومات حلّ البيع والتجارة .

ص: 135


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 77 .
2- جواهر الكلام 36 : 401 .
3- كشف اللثام 9 : 310 .
حكم الانتفاع بالخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع

ومنها : الخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع . ولا شبهة إجمالاً في حرمة بيعها وثمنها وسقوط ماليتها ، إنّما الكلام في أنّ الأحكام ثابتة للخمر مطلقاً ، حتّى ما اتّخذت للتخليل ونحوه ، أو لا .

وقد مرّ الكلام فيه مستقصىً سابقاً (1) ، وقلنا : إنّ الأخبار قاصرة عن إثبات الأحكام لنحو ذلك ، لا ما اشتملت على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وساقيها وبائعها . . .(2) ، وهو ظاهر ، ولا م-ا دلّت على أنّ ثمنها سحت(3) ؛ فإنّها أيضاً منصرفة إلى ما تعارف وشاع في بيع الخمر وسائر المسكرات ممّا توجب الفساد ، لا المتّخذ للإصلاح . وقد مرّت شواهد على المطلوب ، فراجع(4) .

وعليه : فلا دليل على سقوط ماليتها مطلقاً ، أمّا الأخبار المتقدّمة فظاهرة .

وأمّا ما اشتملت على ا لأمر بإه-راقها كرواية أبي ا لجارود الحاكي-ة لفعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإهراق ما في المدينة من الخمر(5) ، ورواية

ص: 136


1- تقدّم في الصفحة 46 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 ، 4 و5 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- تقدّمت في الصفحة 46 - 49 .
5- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

أبي بصير(1) وصحيحة محمّد بن مسلم(2) الواردتين في إهداء راوية أو راويتين من الخمر إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأمر بصبّها وقال : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها» أو قال : «ثمنها سحت» .

فمع ضعف الاُوليين وورود الجميع في قضيّة شخصية ، ومن المحتمل عدم قابلية ما أمر بصبّها للتخليل ، لا تدلّ على عدم ملكيتها وماليتها ولو مع إمكان التخليل والأمن من الفساد ؛ لإمكان أن يكون الأمر بالصبّ لمصلحة قاهرة ، كما أنّ الأمر كذلك في أوّل تحريم الخمر ، ولعلّ الأمر به أمر سلطاني لقلع الفساد ، ولعلّه لم يكن قلعه ممكناً إلاّ بذلك ، كما هو موافق للاعتبار ، كالأمر بقلع عذق سمرة بن جندب(3) .

فلا دليل على إسقاط الشارع مالية جميع أقسام الخمر ، أو ملكيتها ، سيّما مثل

العصير المغليّ بنفسه إذا قيل بأ نّه خمر ومسكر ، بل المتيقّن من إجماع «الخلاف» و«المنتهى» و«التذكرة»(4) وغيرها ، غير ما ذكر .

والإنصاف أ نّه لا دليل على إطلاق الحكم ، بل ظاهر بعض الروايات على

ص: 137


1- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 ، وقد تقدّمت في الصفحة 25 .
2- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 ، وقد تقدّمت في الصفحة 24 و47 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 .
4- ا لخلاف 3 : 185 ، مسألة 311 ؛ منتهى ا لمطلب 15 : 351 ؛ تذكرة ا لفقهاء 10 : 25 .

خلافه ، كصحيحة جميل المتقدّمة(1) وغيرها ، ولا داعي إلى صرفها عن ظاهرها . نعم ، هي محمولة على أنّ الدائن لا بدّ أن يؤدّي الخمر للإفساد، ومعه لا دليل على عدم صحّة وقوعه ، لكن مع ذلك أنّ المسألة مشكلة في غير العصير الذي يأتي الكلام فيه ، وطريق الاحتياط ظاهر .

حكم العصير

ثمّ إنّه وردت روايات في خصوص العصير لا بدّ من التعرّض لها وحدود دلالتها .

وقد نفى الريب صاحب «مفتاح الكرامة» عن عدم جواز بيعه إذا نشّ وغلى من قبل نفسه ؛ لأ نّه يصير حينئذٍ خمراً ولا يطهر إلاّ بانقلابه خلاًّ ، قال : وقد نصّ

عليه الأكثر من المتقدّمين والمصنّف في رهن «التذكرة» والمحقّق في رهن «جامع المقاصد» .

ولعلّ مراده تنصيصهم على خمريته ، أو على عدم جواز المعاوضة عليه ؛ لصيرورته خمراً ، وهو الأقرب .

واختار هو عدم الجواز فيما إذا غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه ؛ لأ نّه خمر أو كالخمر ، قال : «وهو الذي تقضي به قواعد الباب» . ثمّ استدلّ ببعض الروايات الآتية ، ونسب ذلك إلى «نهاية» الشيخ عند قوله بكراهة إسلافه(2) .

وفيه إشكال ؛ فإنّه قال : «ويكره الاستسلاف في العصير ، فإنّه لا يؤمن

ص: 138


1- تقدّم في الصفحة 52 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 40 - 41 .

أن يطلبه صاحبه ويكون قد تغيّر إلى حال الخمر»(1) .

فإنّ مراده من التغيّر إلى حال الخمر غير الغليان بالنار ، كما هو ظاهر .

بل يظهر من عبارته قبيل ذلك ، التفصيل في صحّة البيع بين ما غلى بنفسه وما غلى بالنار ، قال : «والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل . وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك ، هو أن يصير أسفله أعلاه ، فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلاًّ، وإذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه»(2)، انتهى.

وهي - كما ترى - ظاهرة في أ نّه مع الغليان بنفسه لا يجوز شربه وبيعه ، ومع الغليان على النار يحرم شربه فقط . ولعلّ نظره إلى أنّ الغليان بنفسه موجب لخمريته ، دون الغليان على النار .

وعن الحلّي(3) نحوه تقريباً إلى قوله : «وإذا غلى على النار» . وعليه يكون الحلّي محرِّماً مطلقاً .

ولعلّ الظاهر من عنوان شيخنا الأنصاري التفصيل(4) على تأمّل .

وكيف كان : الأقوى جوازه مطلقاً : غلى بنفسه أم لا ، اُحرزت خمريته أم لا ، قلنا بنجاسته أم لا ؛ لماليته وملكيته عرفاً ، وعدم دليل على سقوطهما .

أمّا الروايات العامّة فقد مرّ الكلام فيها (5) .

ص: 139


1- النهاية : 591 .
2- نفس المصدر.
3- السرائر 3 : 129 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 61 .
5- تقدّم في الصفحة 11 - 14 .

وأمّا ما وردت في خصوصه :

فمنها : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلامعن ثمن العصير قبل أن يغلي ، لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمراً ؟ قال : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس»(1) .

وهي مع قصور سندها واغتشاش ما في متنها قاصرة الدلالة ؛ لأنّ الشرطية لا مفهوم لها ؛ لأ نّها سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، فإنّ مفهوم «إذا بعته كذا» هو إذا لم تبعه وأمّا مفهوم القيد فهو من مفهوم اللقب الذي لا يقال به ولو قيل به في الشرط ، وعلى فرض المفهوم فإن قلنا بأنّ قوله : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً» جملة مستقلّة ولها مفهوم مستقلّ ، وقوله : «وهو حلال» عطف على قوله : «قبل . . . » فيكون جملة اُخرى مستقلّة ؛ أي إذا بعته وهو حلال ، وقوله : «فلا بأس» جزاؤهما ، فتكون حالهما حال قوله : «إذا خفي الأذان ، فقصِّر ، وإذا خفي الجدران فقصِّر» . فإنّ العنوانين بينهما عموم من وجه لو لوحظ حال الاضطرار أيضاً ، فإنّ قبل الخمرية أعمّ من كونه حلالاً ، كما إذا لم يغل ، أو حراماً

إذا غلى على النار ، بل بنفسه أيضاً على احتمال ، والحلال أعمّ من كونه قبل الخمرية أو بعدها حال الاضطرار .

وعليه : إنّ الكلام فيهما هو الكلام فيما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء من

الاحتمالات. وقد رجّحنا في محلّه إجمال الدليل والرجوع إلى الاُصول العملية(2).

ص: 140


1- الكافي 5 : 231 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 59 ، الحديث 2 .
2- راجع مناهج الوصول 2 : 165 .

وإن لم يلحظ حال الاضطرار يكون منطوق الثانية أخصّ من الاُولى فتقيّد به ، فيقع إشكال في المتن ؛ لأنّ ذكر الجملة الاُولى يقع بلا وجه ، بل الموضوع الحلّية ، فكان عليه أن يقول : «إذا كان حلالاً فلا بأس» .

وإن قلنا بعدم تعدّد المنطوق ، بل الثانية قيد الاُولى ، والشرطية جملة واحدة مركّبة ، فقد يقال - بناءً على تحقّق مورد الاجتماع والافتراق لهما - بأنّ المفهوم ثابت مع رفع كلّ قيد ، فيدلّ على أنّ العصير إذا حرم ففيه بأس ، سواء قلنا بنجاسته أم لا ، وسواء صار خمراً أم لا ، وسواء باعه ممّن يجعله خمراً أم لا ، والمراد بالبأس هنا الحرمة جزماً ؛ لأنّ الثابت لحال كونه خمراً هو الحرمة ، ففي غيرها كذلك .

هذا غاية تقريب دلالتها على حرمة بيع العصير المغليّ مطلقاً .

وفيه: - مضافاً إلى أ نّها بصدد بيان المنطوق لا المفهوم ، فلا إطلاق فيه ، والمتيقّن منه ما إذا باعه ممّن يجعله خمراً ، أو يطبخه ويجعله بختجاً ، فإنّ البختج

على ما يظهر من الروايات مسكر يصطنعه الفسّاق وأهل الأشربة المسكرة(1) ، وهو على ما قيل ما يسمّى «مى پخته»(2) أو «باده» . وكيف كان : لا إطلاق في المفهوم يثبت به المدّعى ، بل من المحتمل أن يكون المراد بقوله ليطبخه ؛ أي يجعله بختجاً ، لبعد السؤال عن بيع العصير للشيرج ، سيّما من مثل أبي بصير - أنّ في المنطوق نفي البأس عن بيعه ليطبخه أو يجعله خمراً ، فإنّه المتفاهم من

ص: 141


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 .
2- لسان العرب 1 : 328 ؛ النهاية ، ابن الأثير 1 : 101 .

جواب السائل ، ولا يثبت في المفهوم إلاّ نفي البأس المطلق ، وهو صادق مع ثبوت البأس لأحد طرفي الترديد .

وبعبارة اُخرى : لا يدلّ المفهوم إلاّ على سلب التسوية بين طرفي الترديد ، لا ثبوت التسوية في الحكم المخالف ، مع أنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة ، وكون بعض موارده حراماً لا يوجب كون البقيّة كذلك ، فدعوى الجزم أو الظهور في سائر الموارد في غير محلّها .

هذا، مضافاً إلى حكاية الرواية عن نسخة من «التهذيب»(1) وعن «الوافي»(2) عنه وعن «الكافي» : «فهو حلال» ، بدل : «وهو حلال» ، فتدلّ على جواز بيع العصير المغليّ بالنار بل وبنفسه ؛ فإنّ الظاهر عدم كونه خمراً بمجرّد الغليان وإن فرض كونه مسكراً ، مع أ نّه أيضاً غير معلوم ، ومع الشكّ في خمريته ينسلك بالاستصحاب في موضوع الحكم ، بناءً على عدم دخالة عنوان القبلية في موضوعه ، حتّى يلزم المثبتية كما هو المتفاهم من المفهوم عرفاً .

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بيع العصير ممّن يجعله حراماً ، قال : «لا بأس ببيعه(3) حلالاً ليجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه»(4) .

ص: 142


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 602 .
2- الوافي 17 : 250 / 17208 .
3- وفي المصادر «لا بأس به تبيعه» . وتأتي هكذا في الصفحة 244 .
4- الكافي 5 : 231 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 4 .

وصحيحة عمر بن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له كرم ، أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله ، فلا بأس ببيعه»(1) .

ورواية أبي كهمس قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن العصير ، فقال : لي كرم وأنا أعصره كلّ سنة ، وأجعله في الدنان وأبيعه قبل أن يغلي ، قال : «لا بأس به ، وإن غلى فلا يحلّ بيعه» ، ثمّ قال : «هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً» (2) . . . إلى غير ذلك .

وأنت خبير : بأنّ تلك الروايات متعرّضة لمسألة اُخرى سيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه ، وهي بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، وهي غير ما نحن بصدده ؛ وهو أنّ العصير بما أ نّه حرام أو نجس هل يجوز بيعه أو لا ، باع ممّن يجعله خمراً أو خلاًّ ودبساً .

فهذه الروايات أجنبيّة عن مسألتنا ، فإنّ قوله في صحيحة الحلبي: «لا بأس ببيعه حلالاً» ، أي بيعه ممّن يجعله حراماً ، فالتفصيل، بين زمان الحلّية وبعده في موضوع خاصّ ، وهو البيع ممّن يجعله حراماً وخمراً ، فلا يبعد هذا التفصيل ؛ أي جواز البيع ممّن يجعله خمراً ، في الإبّان الذي يحلّ شربه ، وحرمته في حال عروض الحرمة عليه ، لو عملنا بهذه الروايات .

ص: 143


1- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 59 ، الحديث 5 .
2- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .

بل رواية أبي كهمس أيضاً راجعة إلى سائر الروايات بملاحظة ذيلها : «هو ذا ، نحن نبيع . . .» فإنّ الظاهر منها أنّ السؤال كان عن بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام على ما فيها : «هو ذا» ؛ أي عملك نحو عملنا ، نحن أيضاً نفعل ذلك . ولعلّ بيع العصير ممّن يجعله خمراً كان معهوداً متعارفاً ، فحمل عليه السؤال .

وأمّا نحو مرسلة [ابن] الهيثم(1) ، ورواية أبي بصير(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام - واللفظ من الاُولى - قال : سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته ، أيشربه صاحبه ؟ فقال : «إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه ، حتّى يذهب ثلثاه» .

فلا يخفى ما فيه من الوهن في دلالتها على المقصود . وأوهن منها ما دلّت على أنّ الثلثين من العصير أو من الكرم حظّ الإبليس(3) .

فمقتضى الاُصول والقواعد جواز بيع العصير المغليّ مطلقاً . نعم ، بيعه ممّن يجعله خمراً أمر آخر ، يأتي الكلام فيه . والاحتياط فيما يغلي بنفسه لا ينبغي تركه .

ص: 144


1- الكافي 6 : 419 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 420 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
تتميم : حكم الانتفاع بالمتنجّسات وبيعها

قد تقدّم جواز الانتفاع بالمتنجّسات في غير ما تشترط فيه الطهارة(1) ، فيجوز الانتفاع بالزيت والسمن النجسين ونحوهما في الاستصباح وغيره ، إلاّ أن يدلّ دليل بالخصوص على المنع ، كما يجوز بيعها للمنفعة المحلّلة .

وقد وردت في الزيت والسمن والعسل روايات :

منها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل ، فقال : «أمّا السمن والعسل ، فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به»(2) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكُل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك»(3) .

وموثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة تقع في السمن - إلى

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 64 .
2- الكافي 6 : 261 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 ، الحديث 2 .

أن قال - «وإن كان ذائباً فأسرج به ، وأعلمهم إذا بعته»(1) .

وموثّقة معاوية بن وهب وغيره - بناءً على كون الميثمي في السند أحمد بن الحسن بن إسماعيل الثقة - عن أبي عبداللّه علیه السلام في جرذ مات في زيت ، ما تقول في بيع ذلك ؟ فقال : «بعه وبيِّنه لمن اشتراه ، ليستصبح به»(2) .

ورواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «أمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له ، فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا ، وأمّا السمن فإن كان ذائباً فهو كذلك . . .»(3) .

ثمّ إنّ الكلام يقع في مواضع :

الکلام یق في مواضع
الموضع الأوّل : في كون صحّة بيع الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به

هل صحّة بيع هذا الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به ، أو يكفي قصدهما لذلك ، أو لا يشترط شيء منهما ؟

والأولى بسط الكلام في مطلق المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً .

ص: 146


1- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 563 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 128 / 448 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 5 .
حكم المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً

فنقول : قد لا يكون له سوى المنفعة المحرّمة ، وقد تكون له سواها منفعة محلّلة لكن لا يبذل بلحاظها مال ، كما لو حرّمت منافع الخمر إلاّ سقي الشجر بها ، وقد تكون له منفعة مباحة يبذل بإزائها مال لكن تكون في جنب المنفعة المحرّمة مستهلكة مغفولاً عنها ؛ بحيث لا تعدّ له مالية لأجلها ، كما لو كانت آلة قمار عتيقة مرغوباً فيها لدى طائفة يبذل بإزائها عشرة آلاف جنيه ، وكانت مادّتها من خشبة تساوي قرانين .

وقد تكون منفعته المباحة مرغوباً فيها ، لكن لا بمقدار المنفعة المحرّمة ، وقد تتساويان ، أو تكون المنفعة المحلّلة غالبة . . . إلى غير ذلك .

لا إشكال في بطلان المعاملة في الصورتين الاُوليين ؛ لسقوط ماليتهما في الشرع ، فيكون دليل إسقاط المنافع حاكماً على أدلّة حلّية البيع والتجارة ؛ فإنّ مبادلة ما لا يكون مالاً ليست بيعاً ولا تجارة ولا عقداً ، ولا كلام فيهما .

وأمّا سائر الصور فالظاهر عدم اشتراط صحّة البيع فيها باشتراط الانتفاع بالمحلّل في ضمن العقد ؛ لعدم دليل عليه ، ولعموم أدلّة الوفاء بالعقود ، وحلّية البيع .

وقد استظهر شيخنا الأعظم عن «السرائر» الاشتراط ، قال : «ظاهر الحلّي في «السرائر» الأوّل ، فإنّه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجّسة أجمع ، قال : ويجوز بيعه بهذا الشرط عندنا»(1) .

ص: 147


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 68 .

وفي الاستظهار كلام ؛ لاحتمال أن يكون نظره إلى أنّ الجواز مع الاشتراط إجماعي ، كما يظهر من قوله : عندنا ، ولم يحرز الإجماع على الصحّة في غير الصورة ، ولم يدلّ ذلك على أنّ مختاره لزوم الاشتراط ، بل لا يدلّ على وجود القائل بالاشتراط ؛ لأنّ دعوى الإجماع على جوازه مع الاشتراط لا تدلّ على وجود الخلاف في غيره ، ولعلّ الأصحاب لم يتعرّضوا له ، فلم يحرز الإجماع ولا الخلاف ، تدبّر .

وهل يعتبر في صحّة البيع قصد المنفعة المحلّلة بنحو لا يرجع إلى الاشتراط وإلى كون العقد مبنيّاً عليه ، بل كان من قبيل القصد الخارجي نظير الدواعي ، أو يعتبر عدم قصد المنفعة المحرّمة ، أو لا يعتبر ذلك أيضاً مطلقاً ، أو يفصّل بين الصور ؟

مقتضى القواعد عدم اعتبار شيء في صحّته ؛ فإنّ قصد الانتفاع بالشيء سواء كان محرّماً أو محلّلاً ، لا دخل له في ماهية البيع ، كما أنّ المنافع لا تقابل بالأثمان فيه ، بل وجود المنفعة موجب لصيرورته مالاً يبذل بإزائه المال ، فإذا فرض وجود منفعة فيه موجب للرغبة والمالية فيه يقع البيع لأجلها صحيحاً ، سواء قصدها أو قصد المنفعة المحرّمة .

ودعوى(1) : أنّ قصد المنفعة المحرّمة موجب للبطلان ؛ لكون أكل المال حينئذٍ من الأكل بالباطل ؛ لأنّ صدقه لا يتوقّف على تحقّق المبادلة الحقيقية بين المال والمنفعة المحرّمة ، بل يكفي فيه كون الغرض من المعاملة فاسداً ،

ص: 148


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 69 .

ونتيجتها فاسدة كتحصيل المنفعة المحرّمة .

غير وجيهة ؛ لأنّ الدعوى ترجع إلى التمسّك بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ((1) .

وفيها ما لا يخفى ؛ لأنّ المراد بالباطل والتجارة وسائر العناوين المأخوذة في الكريمة هو العناوين العرفية ، لا ما هو باطل بحكم الشرع ، أو تجارة صحيحة بحكمه ، ولهذا ترى أنّ الفقهاء تمسّكوا بها لصحّة التجارة في الموارد المشكوك فيها من جهة احتمال اعتبار شرط أو مانع . ولو كان المراد بالآية ما ذكر لما صحّ الاستدلال بها في شيء من الموارد .

فالمراد بالباطل في مقابل التجارة عن تراض ، نحو السرقة والخيانة والبخس والقمار والظلم ، كما عن أبي جعفر علیه السلام تفسيره ببعضها (2) . ومن التجارة هي التجارة العرفية .

فعليه يصحّ الاستدلال بها لصحّة البيع ولو مع قصد المنفعة المحرّمة بعد ما كان للمبيع مالية عرفية بلحاظ المنفعة المحلّلة ؛ لعدم إسقاط الشارع ماليته حتّى يقال بتحكيم دليل الإسقاط على أدلّة حلّية البيع والتجارة والوفاء بالعقود .

فإنّ الشيء إذا كان ذا منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة لا تسقط ماليته بإسقاط بعضها ، بل تقلّ ماليته في محيط التشريع والملتزمين بالشريعة والقانون ، فيصير

ص: 149


1- النساء (4) : 29 .
2- راجع مجمع البيان 3 : 59 .

كأ نّه لا منفعة له إلاّ المحلّلة ، فيكون مالاً في الشرع والعرف ، والتجارة به تجارة كذلك .

وقصد الانتفاع بالمحرّم لا دخل له بماليته ، ولا بماهية التجارة ، بل الانتفاع به من متفرّعات التجارة ومتأخّر عنها .

فلو اشترى أحد سكّيناً بقصد قتل المؤمن وباع البائع لذلك لا يوجب ذلك فساد المعاوضة وصيرورة أخذ المال بإزائه أكلاً له بالباطل ، بل يصحّ بيعهما ويحرم على المشتري الإقدام على القتل . وسيأتي الكلام في الإعانة على الإثم(1) .

فما يظهر من الشيخ الأعظم في خلال البحث من التمسّك بالآية الشريفة للبطلان(2) ، كأ نّه غير وجيه .

نعم ، إذا كانت المنفعة المحلّلة في جنب المحرّمة مستهلكة لا تلاحظ مالية الشيء باعتبارها ، كما مرّ مثاله ، فلا يصحّ بيعه بنحو الإطلاق أو بلحاظ المنفعة المحلّلة بقيمة ملحوظة لأجل المنفعة المحرّمة ؛ لإسقاط الشارع ماليته من هذه الجهة ، وكون المعاملة سفهية غير عقلائية بالقيمة الكذائية ، فإنّ إعطاء مليون تومان في مقابل خشب آلة عتيقة لهوية أسقط الشارع ماليتها بلحاظ صورتها ، معاملة سفهية غير عقلائية ، ولا مشمولة لأدلّة تنفيذ المعاملات .

نعم ، صحّ بلحاظ مادّتها وبقيمة الخشب ؛ لأنّ سقوط المنفعة القاهرة صار

ص: 150


1- يأتي في الصفحة 218 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 69 .

سبباً لملحوظية المنفعة المقهورة ، كما لو فرض السقوط تكويناً ، فاللوح المنقوش العتيق البالغ سعره الآلاف ، لا تلحظ قيمة خشبه وقرطاسه في ماليته لدى العقلاء ، لكن بعد محو النقش وسقوطه عن خاصّيته وماليته يلاحظ الخشب والقرطاس ، والبيع بلحاظهما صحيح عقلائي بالقيمة الملحوظة لأجلهما .

ولعلّ مراد شيخنا الأعظم غير هذه الصورة . ولا يخلو كلامه في المقام من نوع تشويش .

وهل يصحّ البيع مع اشتراط الانتفاع بالمحرّم في ضمن العقد ؟

التحقيق : أ نّه إن رجع الشرط إلى الإلزام بالانتفاع بالمحرّم ، لا عدم الانتفاع بالمحلّل ، وكان للعين انتفاع محلّل أيضاً ، يفسد الشرط ، وفساد البيع مبنيّ على كون شرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ المعاوضة وقعت على العينين ، وشرط انتفاع خاصّ محرّم خارج عن حقيقة المعاوضة ، فالقائل بالصحّة يمكن أن يقول بالتحليل .

وإن رجع إلى ترك الانتفاع بالمحلّل وحصر الانتفاع بالمحرّم ، أو شرط ما يوجب عدم إمكان الانتفاع بالمحلّل ، كما لو شرط أكل الزيت النجس مثلاً ، فالوجه عدم الصحّة ؛ لأنّ مثله يرجع إلى الشرط المخالف لمقتضى العقد ، فإنّ الانتفاع بالمحرّم ممنوع شرعاً ، والمالك شرط عدم الانتفاع بالمحلّل فرضاً ، فكأ نّه باع بإسقاط جميع المنافع مطلقاً ، وفي مثله لا تقع مبادلة مال بمال ، فإنّ المالية في الأشياء متقوّمة بالانتفاع ، ومع سلبه مطلقاً لم تقع صحيحة ، فتدبّر وتأمّل .

هذا حال القواعد .

ص: 151

وأمّا روايات الباب ، فالظاهر من موثّقة أبي بصير(1) هو إعلام المشتري بعد وقوع البيع . والحمل على إرادة البيع خلاف الظاهر . فتدلّ ولو بحسب الإطلاق على جواز الاشتراء بقصد الانتفاع بالمحرّم مع الجهل بالواقعة ، ويستفاد منه عدم اشتراط قصد النفع بالمحلّل ، وعدم مانعية قصد المحرّم مع الجهل ولو من البائع بإلغاء الخصوصية ، من غير دلالة على الاشتراط بعدم قصد المحرّم مع العلم بالواقعة ، وحرمته غير اشتراط البيع بعدمه .

بل الظاهر من موثّقة معاوية بن وهب(2) ذلك أيضاً ، ولا أقلّ من أنّ إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الإعلام السابق واللاحق عن البيع .

نعم ، قد يقال بدلالة رواية إسماعيل بن عبد الخالق(3) على اشتراط قصد الإسراج ، بل اشتراط شرطه(4) . وهو ضعيف سيّما الثانية ؛ فإنّ المتفاهم منها عرفاً

أنّ المقصود بالإعلام عدم ابتلاء المشتري بالحرام فيبتاع ويسرج به ، لا أنّ الابتياع للإسراج من شرائطه ، أو قصده من الشرائط . هذا مع ضعفها سنداً ومعارضتها للموثّقتين المتقدّمتين لو سلّم ظهورها في الاشتراط . والجمع العقلائي بينها - ولو بمناسبة المورد والحكم والموضوع - هو الحمل على لزوم الإعلام حتّى يحترز عنه ، كان الإعلام قبل المعاوضة أو بعدها ، كما لا يخفى ، أو حمل النهي على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّت على جواز الإعلام بعدها .

ص: 152


1- تقدّمت في الصفحة 145 - 146 .
2- تقدّمت في الصفحة 146 .
3- تقدّمت في الصفحة 146 .
4- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 71 .

وهما أولى وأقرب من حمل البيع على إرادته .

والإنصاف أنّ الروايات متوافقة المضمون ، والظاهر من جميعها بقرينة المقام أنّ لزوم التبيين لمحض التحرّز ، والبيع لغاية غير الأكل كالاستصباح ، من غير دخالة فيه أو في قصد الاستصباح للصحّة ، وهو ظاهر .

ويمكن الاستشهاد لعدم جواز البيع مع قصد الانتفاع بالمحرّم:

برواية «تحف العقول»(1) و«دعائم الإسلام»(2) بل بالرضوي(3) والنبوي : «إنّ

اللّه إذا حرّم . . .»(4) وقوله : «إنّ الذي حرّم شربه حرّم ثمنه»(5) ، وقوله : «إنّ اللّه إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه»(6) المحمولة بأجمعها على التحريم مع قصد الفساد .

وبالروايات الواردة في العصير(7) الدالّة على أ نّه إذا غلى لا يجوز بيعه ممّن يجعله حراماً .

وروايات حرمة بيع الخمر(8) المحمولة على ما إذا كان البيع لأجل الفساد .

و بعض الروايات الواردة في الجارية المغنّية(9) . . . إلى غير ذلك .

ص: 153


1- تقدّمت في الصفحة 12 .
2- تقدّمت في الصفحة 13 .
3- تقدّم في الصفحة 13 .
4- تقدّم في الصفحة 23 .
5- تقدّم في الصفحة 24 .
6- تقدّم في الصفحة 24 .
7- راجع وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 .
8- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 .
9- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 .

وهي وإن لم تبلغ حدّ استفادة الحكم جزماً في المقام ؛ لضعف ما دلّت وقصور غير الضعيف عن إثبات الحكم للمتنجّس ، لكن الحكم بالصحّة جرأة ، سيّما مع الظنّ بمخالفته لمذاق الشرع ، تأمّل ، فلا يترك الاحتياط فيه .

الموضع الثاني : في اشتراط الإعلام بالنجاسة وعدمه

لا شبهة في وجوب الإعلام شرطاً لو قلنا باشتراط البيع به ، أو به وبقصد الاستصباح ، أو شرطه .

كما لا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه شرطاً ولا شرعاً لو قلنا باشتراط البيع باشتراط الاستصباح فباع بالشرط .

أمّا عدم الوجوب الشرطي فواضح ، وأمّا الشرعي فلأنّ المفروض عدم استفادته من روايات الباب ، ومع اشتراط الاستصباح به يرفع احتمال التسبيب إلى الارتكاب أو تحصيل شرطه أو رفع مانعه ، فإنّه باشتراطه بشرط لازم الوفاء لدى العقلاء وبحكم الشرع ، منعه عن الأكل وسائر التصرّفات غير الإسراج ، ومعه لا يكون سبباً أو نحوه للأكل .

نعم ، يقع الإشكال في تسبيبه لتنجّس ظروفه ومعرضية ابتلائه بالنجس في المأكول والمشروب ، ويأتي الكلام فيه .

وإن قلنا بعدم الوجوب شرطاً فهل يستفاد من الروايات الوجوب النفسي لمصلحة في الإعلام أم لا ؟

والتحقيق : أنّ الظاهر منها أنّ الوجوب شرعي لغاية التحفّظ عن وقوع

ص: 154

المشتري في الحرام والابتلاء بالنجس ، فعليه لا يجب ذلك إذا علم بعدم ابتلائه

به من الشرب والملاقاة ونحوهما ، بل لا يجب مع علمه بعدم تأثير الإعلام فيه ؛ لكونه ممّن لا يبالي بالدين .

وليس الكلام هاهنا في جواز البيع منه أو جواز تسليطه عليه في الفرض ، فلو فرض أ نّه باعه مع الغفلة عن عدم مبالاته وأراد أن يعلمه بعد تحويل الزيت ثمّ بعده علم بأ نّه لا يبالي بالنجس ولا تأثير لإعلامه ، لم يجب عليه ذلك ؛ لأنّ وجوب الإعلام نظير وجوب الاحتياط لا نفسية له ؛ بمعنى أ نّه لا يكون الإعلام ذا مصلحة في نفسه وإن كان الوجوب نفسياً بمعنىً آخر .

وبالجملة : وجوبه للتوصّل إلى أمر آخر ، ومع حصوله على أيّ حال أو عدم حصوله كذلك ، لا يجب ، نظير وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّهما مع عدم احتمال التأثير لا يجبان ، كما هو واضح .

حول كلام الشيخ في أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية

ثمّ إنّي بنيت على قصر البحث في هذا الأمر على ما ذكر ممّا هو مربوط بجوهر المسألة ، لكن جمع من أصحاب البحث أمروني بالتعرّض لما أفاده الشيخ الأعظم من العناوين الأربعة ، فنقتصر على البحث حول بعض ما أفاده وحقّقه رحمه الله علیه .

منها : كون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام

قال : «هنا اُمور أربعة : أحدها : أن يكون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام في الخارج ، كما إذا أكره غيره على المحرّم ، ولا إشكال في حرمته

ص: 155

وكون وزر الحرام عليه ، بل أشدّ ، لظلمه»(1) .

أقول : هنا جهات من البحث :

الاُولى : الظاهر أنّ مراده بصيرورة فعل الشخص علّة تامّة لتحقّق الحرام ، أن يكون فعله علّة تامّة لتحقّق الحرام من الغير ، كما هو مقتضى عنوان البحث والمثال بالمكره .

وفيه : أنّ العلّة التامّة ما لا تكون لغيرها في تحقّق المعلول دخالة ، ويكون تمام التأثير في إيجاده مستنداً إليها ، وإلاّ لا تكون تامّة ، وفي المقام لا يمكن تصوّر كون العلّة التامّة هو المكره - بالكسر - لعدم دخالته في الإيجاد إلاّ تحصيل مورد ترجيح الفاعل المباشر بين ارتكاب الفعل وتحمّل ما أوعده المكره عليه ، وبعدُ فهو باقٍ على اختياره واصطفائه أحد طرفي الفعل .

فالمكرِه لا يسلب اختيار المكرَه ، فإنّه عبارة عن اصطفاء ما هو خير له ، وهو باقٍ على قوّة التمييز وترجيح أحد طرفي الفعل واصطفائه على الآخر ، من غير فرق بين الطرف المكره عليه والطرف الآخر وإن يرجِّح غالباً أوّلهما ؛ لكونه أقلّ محذوراً ، لا لكونه مسلوب الاختيار والإرادة . ولهذا يحرم عليه مع الإكراه الإقدام على القتل ، ويعاقب عليه ويقتل قصاصاً .

فالفرق بين الفاعل المكرَه وبين المختار الاصطلاحي ، ليس في وجود الاختيار وعدمه ، بل في أمر مقدّم على الاختيار الواقعي ، وهو تحقّق مورد الترجيح العقلي لأحد الطرفين ، فإنّه قد يحصل بعلل غير إكراه المكره ، كمن دار

ص: 156


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 .

أمره لأجل مرض بين الموت وقطع اليد ؛ فلا يقال : إنّه مكره عليه ، بل هو مضطرّ فيه ؛ أي يلجئه العقل بترجيح المصلحة الغالبة على المفسدة ، أو بالفرار من المحذور الكثير إلى القليل من غير سلب قوّة التمييز والاختيار والإرادة عنه ، وقد يحصل بإكراه مكره ، فدار أمره بين تحمّل ما أوعده عليه من القتل وغيره ، وبين إتيان ما أمره به ، وفي هذه الصورة أيضاً لم تسلب عنه المبادئ المتقدّمة بل يرجّح أقلّ المحذورين ويختاره ويريده ، وما هو كذلك شأنه كيف يمكن أن يكون علّة تامّة للفعل الصادر من المكرَه ؟

بل قلنا في محلّه(1) : إنّ إرادة الفاعل المباشر أيضاً ليست علّة تامّة لوجود الفعل وتحقّقه خارجاً ؛ ضرورة توسّط مبادٍ اُخر بينها وبين وجود الفعل الخارجي ، كالقوى المنبثّة في الأوتار والأعصاب ونفس الأوتار والأعصاب والعضلات ، فالنفس في العالم الطبيعي فاعلة بالآلة ، وما هي شأنها لا تكون إرادتها علّة تامّة للفعل الخارجي فضلاً عن كونها بالنسبة إلى الفعل المكره عليه كذلك ، ولهذا كثيراً ما تتخلّف الإرادة عن المراد .

نعم ، قد يمكن أن يقهر بعض النفوس القويّة قوى الفاعل وآلاته وسخّرها تحت إرادته ؛ بحيث تسلب الإرادة والاختيار والفاعلية عنه ويصير متحرّكاً وفاعلاً بإرادته وتكون قوى الفاعل كالآلة للنفس المسخِّرة إيّاه ، وفي مثله لا يكون الفعل صادراً عن المسخّر - بالفتح - بل عن المسخِّر القاهر ، وهو خارج عن البحث .

ص: 157


1- راجع مناهج الوصول 1 : 294 .

الجهة الثانية : إنّ الفعل الصادر من المكرَه بإكراه مكرِه :

تارة : لا يخرج بواسطة الإكراه عن الحرمة الفعلية ، كالإكراه على القتل ، فإنّه محرّم فعلي على المكره - بالفتح - ولو أوعده على القتل .

واُخرى : يخرج عن الحرمة الفعلية بالإكراه ، ولولاه يكون محرّماً فعلياً .

وثالثة : يكون الفعل قبل تحقّق الإكراه خارجاً عن الحرمة الفعلية ، كما لو اضطرّ إليه ولم يفعله فاُكره عليه .

لا إشكال في حرمة الإكراه في الصورة الاُولى ؛ للقبح عقلاً في تحريك الغير على معصية المولى ، فضلاً عن إكراهه عليها ، مع أنّ النصّ والفتوى متوافقان عليه .

كما أ نّه لا إشكال في عدم الحرمة من حيث الإكراه على الفعل في الأخيرة ؛ ضرورة أ نّه مع الضرورة صار مباحاً ومرخّصاً فيه بل قد يكون الأمر برفع الاضطرار به أو الإكراه عليه واجباً ، كما لو ترك المضطرّ المشرف على الموت أكل الميتة أو مال الغير .

نعم ، فيما يكون الحكم على نحو الترخيص لا يجوز للغير إكراهه عليه؛ لكونه ظلماً .

إنّما الكلام في الصورة الثانية ؛ أي فيما صار الإكراه موجباً لرفع الحرمة عن المباشر .

والتحقيق أنّ العناوين مختلفة :

فقد يكون تبديل العنوان الذي يتبدّل به الحكم من قبيل عنوان عرضي مقابل للآخر، كالمسافر والحاضر، فتكون لكلّ عنوان مصلحة خاصّة به مستتبعة لحكم.

فلا إشكال في مثله في جواز تبديل أحدهما بالآخر للفاعل ولا يحرم من

ص: 158

هذه الجهة على المكرِه وإن حرم عليه الظلم ، فلو أكره غيرَه على السفر لا يعاقب على إلزامه بترك الصلاة التامّة ، فإنّها في السفر محرّمة لا مصلحة فيها ، ومن قبيل تبديل عنوان بعنوان آخر في عرضه .

وقد لا يكون كذلك ، بأن يكون العنوان المتعلّق للحكم مبغوضاً بنحو الإطلاق وإنّما أجاز المولى في بعض الأحيان إتيان مبغوضه إلجاءً ، كمن أجاز قطع يده لحفظ نفسه ، فإنّ قطعها مبغوض مطلقاً ، لكن ربّما يختار الإنسان مبغوضه الفعلي لدفع محذور أشدّ منه فيتأسّف على وقوع تلك الواقعة التي ألزمته على التسليم على المبغوض .

وفي مثله تحصيل هذا العنوان قبيح ، والإكراه على تحصيله كذلك .

ثمّ إنّ الظاهر من أخذ العناوين العذرية في موضوع الترخيص هو كونه من قبيل الصورة الثانية ، إلاّ أن دلّ دليل على خلافه ، ولهذا قلنا بعدم جواز إهراق الماء وتحصيل العذر والفقدان اختياراً ، واستثنى الشارع الأقدس الباغي والعادي من المضطرّ في أكل الميتة ، بل لو اضطرّ الفاعل نفسه بارتكاب محرّم قد يجب عليه إتيانه ومع ذلك يعاقب على الفعل بحكم العقل كالمتوسّط في الأرض المغصوبة .

والحاصل : أنّ مثل المورد تفويت لغرض المولى ، وإلقاء للنفس أو الغير في ارتكاب مبغوضه وهو قبيح عقلاً ، حرام شرعاً ، وإن لم يكن مخالفة للأمر .

الجهة الثالثة : كلّ مورد يكون الإكراه على محرّم مع بقائه على ما هو عليه من الحرمة على المباشر كالإكراه على القتل ، يكون وزره على المباشر ، قصاصاً كان أو عقاباً ، وعلى المكره استحقاق العقاب ، وربّما يجعل له جزاءً

ص: 159

في الدنيا ، كما وردت رواية صحيحة بأنّ الآمر بالقتل يحبس حتّى يموت(1) .

والمكره - بالفتح - في الصورة الثالثة من الصور المتقدّمة ، فلا وزر عليه في الارتكاب حتّى يكون وزره على غيره .

والمكره - بالكسر - ربّما لا يكون عليه وزر بل له أجر كما تقدّم ، وقد يكون عليه وزر الظلم .

وفي الصورة الثانية لا وزر على المأمور ، وعلى المكرِه وزر الظلم والإكراه بإيجاد المبغوض وتفويت المصلحة ، ولا دليل على كونه بمقدار وزر الفاعل لو كان مختاراً .

نعم ، ورد في باب إكراه الزوجة على الجماع نهاراً في شهر رمضان أنّ على المكرِه كفّارتين وضرب خمسين سوطاً ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وضرب خمسة وعشرين سوطاً ، وعليها مثل ذلك(2) .

ووردت روايات بأنّ من اغتصب امرأة فرجها ، يقتل ، محصناً كان أو غير محصن(3) ، مع أنّ غير المحصن لا يقتل .

وقد ذكر الفقهاء بلا نقل خلاف أنّ ضمان التلف على المكره - بالكسر - دون المكرَه(4) ، والمقام لا يسع تحقيقه .

ص: 160


1- الكافي 7 : 285 / 1 ؛ وسائل الشيعة 29 : 45 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 13 .
2- الكافي 4 : 103 / 9 ؛ وسائل الشيعة 10 : 56 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 12 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 28 : 108 ، كتاب الحدود ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 17 .
4- راجع شرائع الإسلام 3 : 186 ؛ مسالك الأفهام 12 : 165 ؛ جواهر الكلام 37 : 57 .
منها : كون فعل الشخص سبباً للحرام

قال الشيخ : «وثانيها : أن يكون فعله سبباً للحرام ، كمن قدّم إلى غيره محرّماً ، ومثله ما نحن فيه . وقد ذكرنا أنّ الأقوى فيه التحريم ؛ لأنّ استناد الفعل إلى السبب أقوى ، فنسبة فعل الحرام إليه أولى ، ولذا يستقرّ الضمان على السبب دون المباشر الجاهل ، بل قيل : إنّه لا ضمان ابتداءً إلاّ عليه»(1) .

أقول : إن كان فعله سبباً للحرام الفعلي وحصول المعصية فلا إشكال في قبحه عقلاً وحرمته ، لا لقوّة السبب ، بل لأنّ مطلق تحريك الغير وأمره بالمنكر محرّم قبيح . فمن قدّم الحرام إلى العالم به ليأكله ، ارتكب محرّماً .

وأمّا مع جهل الفاعل المباشر بالواقعة : فإن قلنا بأنّ المجهول موضوعاً بقي على مبغوضيته ، كما قلنا في الاضطرار والاستكراه ، فلا يجوز التسبيب وغيره ، لا لقوّة السبب وضعف المباشر بل هو نظير المحرّم الفعلي بلا افتراق بينهما من هذه الجهة .

وإن قلنا بعدم بقائه على مبغوضيته «وإنّ اللّه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه» كما في رواية(2) ، ويظهر من بعض الروايات جواز إيجاد الجهل ومرجوحية السؤال لرفعه(3) ، فالتسبيب إليه جائز ؛ لأ نّه تسبيب

ص: 161


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 .
2- رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني) : 29 - 30 ؛ وسائل الشيعة 1 : 107 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 25 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 487 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 47 و50 .

إلى الحلال الغير المبغوض .

هذا على القواعد ، لكن يظهر من جملة من الروايات عدم جواز ذلك .

منها : الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الإعلام(1) . ويظهر منها بإلغاء الخصوصية عدم جواز التسبيب ونحوه في سائر المحرّمات .

ومنها : ما وردت في العجين النجس من الأمر ببيعه ممّن يستحلّ(2) . وفي رواية ، الأمر بدفنه والنهي عن بيعه(3) .

وما وردت في الميتة المختلطة بالمذكّى من الأمر ببيعه من المستحلّ دون المسلم(4) .

وما وردت في إراقة المرق الكثير ، أو إطعامه الكلب أو الكافر(5) .

ثمّ إنّ ما نحن فيه ؛ أي بيع المتنجّس مع عدم الإعلام ، ليس من قبيل السبب ؛ لعدم اشتراط الأكل ولا التواطؤ عليه . وصرف إمكان أن يأكل منه ، لا يوجب السببية .

ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ من كون فعل الشخص سبباً للحرام ،

ص: 162


1- تقدّمت في الصفحة 146 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 3 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 24 : 187 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 36 .
5- راجع وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وقوّة السبب وضعف المباشر، ما أشرنا إليه من أنّ الفعل المجهول بقي على مبغوضيته ، ومعه لا يجوز التسبيب إلى ارتكاب الجاهل ، وأنّ وجود المبغوض مستند إلى السبب بنحو أقوى .

وليس مراده صدق آكل النجس وشاربه على السبب ، حتّى يستشكل عليه بأنّ عنوان المحرّم إذا كان اختيار مباشرة الفعل ، كما هو ظاهر أدلّة المحرّمات ، لا ينسب إلى السبب ، بل ولا إلى العلّة التامّة ، فمن أوجر الخمر في حلق الغير قهراً لا يصدق عليه أ نّه شرب الخمر ، بل في مثله لا يتحقّق عنوان المحرّم رأساً ؛ فإنّ الشارب غير مختار ، والعلّة غير شارب . نعم ، إذا كان عنوان المحرّم ما هو أعمّ صادق على السبب والمباشر كعنوان الإتلاف ، صحّ ما ذكر . ووجه أقوائية السبب ، أنّ عنوان الإتلاف صادق على فعلهما ، مع زيادة الاختيار في السبب(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ نظر الشيخ ظاهراً إلى ما ذكرناه ، فالسبب موجب لوجود المبغوض في الخارج ، وهو أقوى في ذلك من المباشر الجاهل . مضافاً إلى أنّ التفريق بين المقامين بما ذكره كأ نّه في غير محلّه ، فإنّ الإتلاف لا يصدق حقيقةً إلاّ على فعل المباشر، والانتساب إلى السبب مجاز بلا شبهة .

فمن قدّم مال الغير إلى جاهل فأكله ، لا يكون ممّن أتلف ماله حقيقة ، بل الآكل هو المتلف ، ولا فرق بين آكل المال ومتلفه ؛ فإنّه أتلفه بأكله . فكما لا يصدق الآكل حقيقة على القادم ، لا يصدق المتلف عليه أيضاً على الحقيقة .

ص: 163


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 21 - 22 .

نعم ، يصحّ الانتساب المجازي في الثاني دون الأوّل ، وهو الفارق بينهما .

فإذا كان دليل الضمان نحو : من أتلف مال الغير فهو ضامن ، لا يصحّ الحكم بالضمان في الصورتين .

لكنّ المستفاد من الأخبار المختلفة كقوله : «من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»(1) وغيره(2) ، أنّ الضمان لا يدور مدار صدق الإتلاف ، بل يترتّب على التسبيب والمباشرة ، والمراد من التسبيب ليس معناه المصطلح بل أعمّ من ذلك . وللكلام محلّ آخر(3) .

ثمّ إنّ المثال الذي ذكره المستشكل للعلّة التامّة مورد مناقشة ، والأمر سهل .

ثمّ إنّ الشيخ تعرّض لصورتين اُخري-ين(4) لا فائدة في التعرّض لهما .

حول كلام الشيخ فيما يدلّ على قاعدة التغرير

لكن لا بأس بالتنبيه على أمر : وهو أ نّه قدّس سرّه جعل المورد تارة : من مصاديق قاعدة التغرير ، واُخرى : من باب التسبيب ، وثالثة : من باب عدم المانع ، واختار الحرمة في العنوانين الأوّلين ، وفصّل في الثالث .

وقد تقدّم حال العنوانين ، لكن نقول في المقام : إنّ المورد إن كان منطبق العناوين الثلاثة ، فإن دلّ دليل على حرمتها أو حرمة عنوانين منها نفسياً ،

ص: 164


1- تهذيب الأحكام 10 : 230 / 905 ؛ وسائل الشيعة 29 : 241 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 8 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 29 : 241 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 8 و9 .
3- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 487 و493 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 - 76 .

فمقتضاه عدم التداخل وبقاء كلّ عنوان على حرمته وكون المصداق الخارجي منطبق المحرّمات بلا تداخل ، كسائر موارد انطباق العناوين الواجبة أو المحرّمة على شيء .

لكن لا تدلّ الروايات التي في الباب ولا غيرها ممّا تمسّك بها ، على قاعدة تغرير الجاهل .

أمّا الاُولى فلعدم دلالتها إلاّ على وجوب الإعلام لئلاّ يقع المشتري في الحرام الواقعي .

لكن وجوبه ذلك هل للزوم تركه للتغرير ، أو لكون تركه مستلزماً لتحقّق التسبيب بتسليط المشتري على شيء يتداول أكله وكان ذلك منفعته الشائعة فهو تسبيب ، أو نظيره ممّا هو زائد على عنوان التغرير ؟ فغير معلوم . بل احتمال أن يكون للتسبيب أو نحوه أقرب إلى مفادها ؛ إذ من المحتمل أن يكون وجوب الإعلام مختصّاً بمورد البيع والتسليط ، فيكون له دخالة فيه بنحو جزء السبب ، فكأ نّه قال : إذا بعته وسلّطته على المبيع الذي في مظنّة الأكل عادة ، يجب عليك إعلامه لئلاّ تصير سبباً لوقوعه في الحرام الواقعي .

وبهذا يظهر عدم دلالتها على وجوب الإعلام بنحو الإطلاق ولو علم بابتلاء المكلّف بالحرام ؛ لقصورها عن الدلالة عليه كذلك ، ولا على قاعدة التغرير .

ولو نوقش في دلالتها على حرمة التسبيب فلا أقلّ من عدم دلالتها على شيء من العناوين المنطبقة على المورد .

وأمّا ما دلّت على حرمة الفتوى بغير علم ، كصحيحة أبي عبيدة ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدىً من اللّه ، لعنته

ص: 165

ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(1) ، فلا تدلّ على قاعدة الغرور ؛ لاحتمال أن يكون المراد بها الطعن على من أفتى بالقياس والاستحسان ، وعمل الناس بفتياه مع علمهم بذلك .

فيكون المقصود أنّ للعامل المرتكب للحرام وزراً ونظير وزره على المفتي بغير علم ولا هدى من اللّه تعالى ، نظير قوله : «من سنّ سنّة حسنة فله أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنّة سيّئة فله وزر من عمل بها»(2) . فإنّ المراد من تحميل وزره عليه بقرينة مقابله ، أنّ وزره عليه من غير نقصان عن وزره . وعليه فلا ربط لها بقاعدة التغرير.

ويحتمل بعيداً أن يكون المراد التشديد على المفتي المذكور بأن لعنته ملائكة الرحمة والعذاب ، وعليه أوزار من عمل بفتياه ؛ كان الوزر من العمل بهذه الفتيا أو غيره ، نظير أن يقال : من عمل كذا كان عليه وزر الأوّلين والآخرين .

ولو سلّمت دلالتها على أنّ من أفتى كذلك كان عليه وزر العامل بفتياه ، لا تدلّ على القاعدة ؛ لأنّ فتيا من التزم الناس بالعمل بقوله عقلاً وشرعاً سبب لوقوعهم في الحرام ، وليس ذلك من حيث التغرير .

ص: 166


1- الكافي 7 : 409 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- لم نجد رواية بهذه الألفاظ ، ولكن في كتب الأحاديث روايات يمكن استفادة هذا المضمون منها ، فراجع وسائل الشيعة 16 : 173 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 16 ، الحديث 5 و7 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 228 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 15 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 14 : 410 / 19100 و19102 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 74 .

ولا يخفى : أ نّه ليس المراد بالوزر على هذا الاحتمال وزر عمل الجاهل المعذور؛ ضرورة أ نّه لا وزر له بل يكون مثاباً؛ لانقياده بل ربّما يكون فعله طاعة.

فلا بدّ أن يحمل على الوزر التقديري ؛ أي وزر العمل على فرض عدم معذوريته ، أو حمله على نحو الضمانات ، وأمّا فعل الحرام الواقعي فلا قبح له ولا وزر على الفاعل المعذور في ارتكابه .

وممّا ذكرناه يظهر النظر في دلالة روايات دلّت على أنّ تقصير صلاة المأمومين على الإمام(1) .

فإنّها مع ضعفها ومخالفتها لجملة اُخرى دالّة على عدم ضمان على الإمام(2) - تأمّل - لا تدلّ على أ نّه لصرف التغرير ؛ فإنّ إمام الجماعة الذي التزم قوم بالصلاة معه إذا صلّى بهم ، يكون حاله حال من قدّم إلى غيره محرّماً ، فيكون لفعله نحو تسبيب أو نظيره زائداً على التغرير .

وأمّا ما جعله مؤيّداً (3) : فلا يخفى ما فيه ، فإنّه لو فرض تحريم سقي المكلّف

الجاهل الحرام ، لا يدلّ ذلك على القاعدة كما مرّ(4) ، فضلاً عمّا هو مفاد رواية أبي بصير(5) . وأضعف منه تأييده الثاني .

ص: 167


1- راجع تحف العقول : 179 ؛ بحار الأنوار 85 : 92 / 58 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 371 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 36 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 74 .
4- تقدّم في الصفحة 165 .
5- تهذيب الأحكام 9: 114 / 497؛ وسائل الشيعة 25 : 309 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 10 ، الحديث 5 .

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه لا دليل معتمد على قاعدة التغرير. وقد مرّ أنّ العقل حاكم بجواز التسبيب إلى ما كان مباحاً ظاهراً (1) فضلاً عن تغرير الجاهل به إلاّ إذا اُحرزت مبغوضيته ولو في حال الجهل .

وليعلم ، أنّ قاعدة التغرير في الباب غير ما في باب الضمان ؛ فإنّ لها فيه مدركاً معتمداً .

الموضع الثالث في وجوب كون الاستصباح تحت السماء

حكى غير واحد الشهرة على وجوب كون الاستصباح تحت السماء(2) . وعن «السرائر» نفي الخلاف عن عدم جوازه تحت الظلال(3) . وعن «المبسوط» أ نّه روى أصحابنا أ نّه يستصبح به تحت السماء دون السقف(4) .

وسيأتي الكلام في حال الشهرة ، لكن لو سلّم وجود شهرة جابرة للرواية أو فرضت صحّتها ، كان مقتضى الجمع العقلائي بينها وبين الروايات المتضافرة التي في مقام البيان(5) ، حملها على الاستحباب .

ص: 168


1- تقدّم في الصفحة 161 - 162 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 81 - 83 ؛ جواهر الكلام 22 : 15 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 78 .
3- السرائر 3 : 122 .
4- المبسوط 6 : 283 .
5- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

بيانه يحتاج إلى مقدّمة : وهي أنّ طهارة دخان المتنجّس التي أفتى بها الفقهاء ليست لدليل تعبّدي ، بل لقصور دليل نجاسة الدهن المتنجّس - مثلاً - عن شموله للدخان والبخار ، وعدم دليل على نجاستهما ، وعدم جريان استصحاب النجاسة ، فمقتضى الأصل الطهارة .

فلو فرض في مورد علم بعدم الاستحالة وبقاء أجزاء الدهن اللطيفة وتصاعدها مع الدخان ، يحكم بكونه نجساً ؛ لفرض عدم تحقّق الاستحالة الرافعة للموضوع .

نعم ، لو كانت الأجزاء صغيرة جدّاً ؛ بحيث يحتاج في دركها إلى المكبّرات ، لا تكون موضوعة للنجاسة . وأمّا لو اجتمعت وصارت مقداراً محسوساً ولو قليلاً وصغيراً ، تكون نجسة ؛ لعدم الاستحالة وعدم احتمال صيرورة الصغر موجباً للطهارة .

هذا إذا علم عدم الاستحالة . ولو شكّ في ذلك كان الدخان محكوماً بالطهارة ؛ لقصور الأدلّة الاجتهادية عن إثبات نجاستها ، وعدم جريان الاستصحاب ؛ لاختلاف القضيّة المتيقّنة مع المشكوك فيها ، أو الشكّ في وحدتهما .

لكن مع ذلك كان الاحتياط حسناً ، سيّما إذا كانت الأدخنة كثيفة والدهن غليظاً وكثيفاً تصير معرضية الأجزاء الدهنية للتصاعد قويّة وربّما صار مظنوناً ومعه يحسن الاحتياط عنها لما يشترط فيه الطهارة .

ثمّ إنّ التدخين تحت الظلال والسقف إذا كان مدّة معتدّاً بها كالساعة والساعتين ، يوجب ذلك تراكم الأدخنة وورودها في منافذ البدن كالاُذن والأنف

ص: 169

والحلق ، وتراكمها فيها ربّما يكون مظنّة اجتماع الأجزاء اللطيفة الدهنية الغير المستحيلة ولا أقلّ من احتماله ، سيّما إذا كانت البيوت ضيّقة وسقوفها منخفضة ، كما كانت كذلك نوعاً في تلك الأعصار ، وسيّما مثل الأدهان التي مورد السؤال .

فإذا ورد نهي عن الاستصباح بها تحت السقف ، والأمر بالاستصباح تحت السماء لا ينقدح في ذهن العقلاء منهما التعبّد المحض الغير المرتبط بالنجاسة ، بل المفهوم منهما بمناسبة الحكم والموضوع أنّ النجاسة صارت موجبة للحكم بذلك ، فيفهم أهل العرف نجاسته إن كان حكم الشارع بالتحرّز إلزامياً .

ولهذا يظهر من شيخ الطائفة رحمه الله علیه في عبارته الآتية(1) : أنّ قوماً من أصحابنا قالوا بنجاسة دخان المتنجّس ، للرواية المرسلة المتقدّمة(2) .

وهو حقّ لو علمنا بلزوم الاجتناب . فيفهم من دليله تخطئة الشارع العرف في وقوع الاستحالة ، أو حكم بلزوم الاحتياط في هذه الشبهة؛ لمعرضية عدم الاستحالة .

لكن مع ورود روايات كثيرة مطلقة(3) في مقام البيان لم يكن فيها أثر من هذا القيد في مقابل رواية واحدة ناهية عن الإسراج تحت السقف ، يكون الجمع العقلائي بينها حملها على الاحتياط الاستحبابي المطلوب في مثل المقام ، سيّما مع كونها مخالفة للاُصول .

ص: 170


1- يأتي في الصفحة 174 .
2- تقدّمت في الصفحة 168.
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

والحمل على التعبّد المحض الغير المربوط بالنجس الاحتمالي أو المظنون ، غير مساعد لفهم العرف والعقلاء ومناسبات الحكم والموضوع .

كما أنّ الحمل على لزوم الاحتياط ورفع اليد عن الاُصول والقواعد والإطلاقات الكثيرة الواردة في الباب ، بعيد جدّاً ، ومخالف لارتكاز العقلاء في مقام جمع الأدلّة .

فما ربّما يقال : إنّ مقتضى تعلّق الحكم على العنوان وإطلاقه عدم جواز الاستصباح به ولو لحظة بل ولو كان السقف مرتفعاً إلى الثريّا ، ناشٍ من عدم التأمّل في الرواية وارتكاز العقلاء ، فإنّ العناوين مختلفة ؛ فربّما لا تكون لها نفسية حتّى يأتي فيها ما ذكر ، نظير قوله في روايات الباب : «وأعلمهم إذا بعته»(1) ، فإنّ الإعلام بحسب حكم العرف ليس إلاّ للتحفّظ عن الابتلاء ، فمع العلم بعدمه لا يجب كما مرّ(2) . وليس لأحد أن يقول : إنّ مقتضى الإطلاق وجوبه ولو مع لغوية الإعلام ؛ ضرورة عدم الإطلاق لمثله ، والمقام من قبيله ، فإنّ أهل العرف لا يفهمون من النهي عن الاستصباح تحت السقف إلاّ للتنزّه عن النجس المحتمل أو المظنون ، فلا إطلاق له يشمل ما ذكر .

والإنصاف : أنّ الجمع بينها وبين المطلقات المتقدّمة بما ذكرناه وأشار إليه

شيخنا الأعظم(3) ، من أجمل الجموع وأوهن التصرّفات .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 154 - 155 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 79 .

ثمّ إنّا لا نقول بأنّ النهي لمراعاة عدم تنجّس السقف حتّى يقال : إنّ تنجّسه لا مانع منه ، بل نقول : إنّ ذلك لمراعاة حال المكلّف المبتلى بالدخان تحت السقف ، لا لكون تنجّس بدنه ممنوعاً شرعاً ونفساً ، بل لما يشترط فيه الطهارة ، فالأجزاء الدخانية المجتمعة في الفم يحتمل فيها النجاسة ويحسن معه الاحتراز ؛ لمراعاة عدم الابتلاء بأكل النجس المحتمل ، وكذا ما اجتمع منه في منفذ الاُذن والأنف ، بل وما اجتمع منه في السقف ربّما يوجب التنجيس ، فيحسن التنزّه منه للصلاة وغيرها .

حال الشهرة والإجماع في المسألة

هذا ، مع أ نّها رواية مرسلة(1) غير مجبورة ؛ لعدم ثبوت الشهرة في المسألة عند قدماء أصحابنا ، فضلاً عن ثبوت الشهرة بالعمل بها .

بل لو ثبتت الشهرة واحتمل استنادهم إليها ، تصير معلّلة لا يجوز الاتّكال عليها ؛ لاحتمال أن يكون نظرهم إلى جمع الروايات بتقييد المطلقات بها ، سيّما وهو جمع عقلائي معروف لولا التنبّه بما قدّمناه .

كما أ نّه لو ثبتت ولم يحتمل استنادهم إليها ، كانت حجّة بلا إشكال في مثل تلك المسألة التي وردت فيها روايات مطلقة في مقام البيان وترك الأصحاب العمل بإطلاقها ، فلا يجوز مع ذلك العمل بالإطلاق وترك الشهرة في المسألة المخالفة للقواعد .

ص: 172


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 168 ، الهامش 4 .

إلاّ أن يقال باحتمال أن يكون مستندهم في الحكم : قاعدة عدم جواز الانتفاع بالنجاسات ، ولم يعملوا بتلك الروايات ؛ للخدشة في إطلاقها ، وهو كما ترى .

وكيف كان : فثبوت الشهرة محلّ إشكال بل منع لو لم نقل بثبوت الشهرة أو الإجماع على الجواز ، كما ربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» قال في الأطعمة : «مسألة 19 : إذا ماتت الفأرة في سمن أو زيت أو شيرج أو بزر نجس كلّه ، وجاز الاستصباح به ، ولا يجوز أكله ولا الانتفاع به لغير الاستصباح ، وبه قال الشافعي» . ثمّ نقل أقوال القوم ثمّ قال : «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» ثمّ قال :

«وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن والزيت ، فقال : «استصبحوا به ولا تأكلوه» . وهو إجماع الصحابة ، وروي ذلك عن علي علیه السلام وابن عمر» .

ثمّ قال : «مسألة 20 : إذا جاز الاستصباح به فإنّ دخانه يكون طاهراً ولا يكون نجساً» ثمّ تمسّك بالأصل وعدم الدليل على النجاسة(1) .

أقول : إطلاق المسألة الاُولى يقتضي جواز الاستصباح تحت السقف ، سيّما مع التمسّك بأخبار الطائفة ، فإنّ الأخبار المشار إليها هي ما تقدّمت من المطلقات التي في مقام البيان الدالّة على الجواز مطلقاً ، وسيّما مع تمسّكه في مقابل من قال بعدم جواز الانتفاع برواية أبي سعيد المطلقة .

وتؤكّد الإطلاق بل كون نظره إلى الاستصباح تحت السقف ، المسألة الاُخرى التي ذكرها بعد الاُولى ؛ فإنّ جواز الاستصباح به مع طهارة الدخان لا ربط بينهما

ص: 173


1- الخلاف 6 : 91 - 93 .

إلاّ من جهة أ نّه إذا لم يجز بحكم الشارع الاستصباح تحت السقف ، يدلّ ذلك على نجاسته ؛ لما قدّمنا ذكره من فهم أهل العرف والعقلاء(1) فيدلّ ذلك على أنّ عمدة نظر الشيخ إلى الاستصباح تحت السقف في المسألة الاُولى وقد ادّعى الإجماع على جوازه .

وعن «المبسوط» : «الأدهان إذا ماتت فيها فأرة ، نجس (نجسة - ظ) ويجوز عندنا وعند جماعة الاستصباح به في السراج ، ولا يؤكل ، ولا ينتفع به في غير الاستصباح ، وفيه خلاف . وروى أصحابنا أ نّه يستصبح به تحت السماء دون السقف . وهذا يدلّ على أنّ دخانه نجس ، غير أنّ عندي أنّ هذا مكروه ، وأمّا دخانه ودخان كلّ نجس عندنا ليس بنجس . وأمّا ما قطع بنجاسته ، قال قوم : دخانه نجس ، وهو الذي قدّمناه من رواية أصحابنا . وقال آخرون وهو الأقوى : إنّه ليس بنجس»(2) ، انتهى .

وهذه العبارة أيضاً شاهدة بأنّ مراده في «الخلاف» من الاستصباح ، أعمّ ممّا تحت السماء .

والخلاف الذي أشار إليه يحتمل أن يكون من العامّة ، ورواية الأصحاب تلك الرواية غير فتواهم بها . ويحتمل أن يكون خلاف بين أصحابنا ، لكنّه غير معتدّ به عنده ، فأفتى بخلافه مع وجود رواية الأصحاب . وكيف كان : يظهر من «الخلاف» أنّ الجواز مطلقاً إجماعية .

ص: 174


1- تقدّم في الصفحة 170 .
2- المبسوط 6 : 283 .

ولو قيل بظهور عبارة «المبسوط» في أنّ المسألة خلافية عند أصحابنا ، فلا أقلّ من عدم الشهرة الجابرة أو المعتبرة في عصر شيخ الطائفة وقبله .

ولهذا قال العلاّمة في محكيّ «المختلف» في جواب ابن إدريس المدّعي بأنّ : ما ذهب أحد من أصحابنا إلى أنّ الاستصباح به تحت الظلال مكروه ، بل محظور بلا خلاف منهم : «إنّ هذا الردّ على شيخنا جهل وسخف ؛ فإنّ الشيخ أعرف بأقوال علمائنا والمسائل الإجماعية والخلافية»(1) ، انتهى .

وهو كذلك ، فالشيخ ادّعى الإجماع على الجواز أو أخبر بخلافية المسألة ، فلا يمكن تصديق الحلّي فيما ذكره .

وقد يتوهّم من عبارة «الخلاف» في البيوع بأنّ الشيخ ادّعى الإجماع على لزوم كون الاستصباح تحت الظلال .

وهو خطأ ؛ لأ نّه ادّعى ذلك على جواز البيع لمن يستصبح تحت السماء ، لا على عدم جوازه تحت الظلال .

قال : «يجوز بيع زيت (الزيت ظ) النجس لمن يستصبح به تحت السماء . وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه مطلقاً . وقال مالك والشافعي : لا يجوز بيعه بحال . دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى : )وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا( ، وقوله : )إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ( . وهذا بيع وتجارة ، وأيضاً دلالة الأصل . والمنع يحتاج إلى دليل» . ثمّ تمسّك عليهم بما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه أذن في الاستصباح بالزيت النجس ، وهو دليل على جواز بيعه

ص: 175


1- مختلف الشيعة 8 : 349 .

للاستصباح ، وأنّ لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب(1) ، انتهى .

وهو - كما ترى - ادّعى الإجماع وورود الأخبار على جوازه للاستصباح تحت السماء مقابل مالك والشافعي ، ولهذا تمسّك بالآية والأصل والرواية من طريقهم ، وإنّما تمسّك بدليل الخطاب إذا قلنا به وعلى نحو التعليق .

فلو كانت المسألة بشقّيها؛ أي الجواز للاستصباح تحت السماء وعدمه له تحت الظلّ إجماعية ، لتمسّك به فيهما ولا يدّعيه في خصوص الاُولى ، ولا يبعد دعوى ظهور عبارته في جوازه مطلقاً .

فتحصّل من جميع ما تقدّم أنّ المسألة ليست مشهورة ولا إجماعية لو لم نقل بقيام الشهرة على الجواز ، فمقتضى إطلاق الأدلّة والقواعد الجواز .

الموضع الرابع الانتفاع بالدهن المتنجّس لغير الاستصباح

الأقوى جواز الانتفاع بهذا الدهن لغير الاستصباح ، كعمل الصابون وطلي الأجرب والسفن ، وكذا يجوز بيعه لذلك ؛ للأصل وعموم أدلّة تنفيذ البيع ، وقد سبق الكلام في أنّ الأصل جوازهما بما لا مزيد عليه(2) . مضافاً إلى أنّ الظاهر من أخبار الباب الجواز ، فإنّ قوله في صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «وإن

ص: 176


1- الخلاف 3 : 187 .
2- تقدّم في الصفحة 145 و148 .

كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك»(1) ، ظاهر في أنّ المقصود عدم الأكل وجواز الانتفاع بسائر الجهات ، وإنّما خصّ الاستصباح بالذكر لمجرّد المثال ، وأ نّه أوضح المنافع بعد الأكل ، بل المنافع الاُخر غير معتدّ بها .

فاختصاصه بالذكر وإن وقع في روايات عديدة(2) لكن ظاهر جعله مقابل الأكل في الصحيحة ورواية إسماعيل حيث قال فيها : «وأمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا»(3) ، أنّ سائر الانتفاعات غير الأكل جائز ، وإلاّ لقال : وأمّا غيره فلا .

بل المتفاهم من سائر الروايات أيضاً ذلك ؛ لمساعدة أهل العرف مع إلغاء الخصوصية .

فيمكن أن يقال : إنّه لو فرض إطلاق دليل على عدم جواز الانتفاع بالنجس لجاز تقييده بها ، فيقال بجواز الانتفاع في المتنجّسات دون النجاسات .

ص: 177


1- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- راج-ع وس-ائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .
3- قرب الإسناد : 128 / 448 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 5 .

ص: 178

القسم الثاني في الاكتساب بما يكون المقصود منه حراماً ولو شأناً

اشارة
وهو على أنواع :
اشارة

ص: 179

ص: 180

النوع الأوّل : ما لا تكون له منفعة مقصودة إلاّ الحرام

وهو اُمور ، منها :

هياكل العبادات المخترعة مثل الأصنام

ويأتي فيها ما تقدّم في القسم الأوّل(1) من البحث عن حرمة بيعها والمعاوضة عليها بعنوانهما ، وعن حرمة ثمنها بعنوانه ، وعن بطلان المعاملة بها المترتّب عليه كون ثمنها مقبوضاً بالمعاملة الفاسدة .

ثمّ إنّ المعاملة كالبيع مثلاً قد تقع بها للغاية المحرّمة ، كمن باع الصنم للعبادة بنحو التواطي عليها أو بنحو الاشتراط في ضمن العقد .

وقد يبيع ممّن يصدر منه الحرام كبيعها ممّن يعبدها ، أو ممّن يبيعها ممّن يعبدها كبيع الصنم من مسلم يبيعه من الوثني .

ص: 181


1- تقدّم في الصفحة 11 و23 و26 .

وقد تقع المعاملة مع العلم بعدم ترتّب الحرام عليها : إمّا للعلم بأنّ المسلم المشتري لا يسلّمها إلى الوثني ، أو لانقراض الطائفة التي تعبدها ، كما لو اُخرج صنم من الحفريات عن الآثار القديمة البائدة الهالك أهلها وانقرضت الطائفة التي تعبدها ، وإنّما يشتريها قوم لحفظ الآثار العتيقة ، كما تعلّق به أغراض العقلاء أحياناً ، وإنّما تشتريها لهيئتها وصورتها الصنمية بما أ نّها من الآثار القديمة .

وقد تباع لغرض كسرها ، وهو تارةً : يرجع إلى المشتري ، كمن أراد أن يشتهر بين الناس بأ نّه كاسر الأصنام ، أو أراد الثواب الاُخروي ، واُخرى : إلى البائع كمن عجز عن كسرها أو كان له مؤنة أراد تحميلها على المشتري ، إلى غيرها من الصور .

لا ينبغي الإشكال في حرمة بيعها وبطلانه في الصور التي يترتّب عليها الحرام ؛ لاستقلال العقل بقبح ما يترتّب عليه عبادة الأوثان ومبغوضيته ، بل قبح تنفيذ البيع وإيجاب الوفاء بالعقد المترتّب عليه عبادة غير اللّه تعالى . بل لو ادّعى

أحد القطع بأنّ الشارع الأقدس الذي لا يرضى ببيع الخمر وشرائها وعصرها ولعن بائعها ومشتريها وحرّم ثمنها وجعله سحتاً ، لا يرضى بذلك في الصنم ولا يرضى ببيعه وشرائه ونحوهما .

بل يستفاد من الأدلّة أنّ تحريم ثمن الخمر وسائر المسكرات وتحريم بيعها وشرائها ، للفساد المترتّب عليها ، ومعلوم أنّ الفساد المترتّب على الأوثان وبيعها وشرائها ، اُمّ جميع المفاسد ، وليس وراء عبّادان قرية .

بل يظهر من الروايات المنقولة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام

ص: 182

وأبي عبداللّه علیه السلام مستفيضة(1) ، أنّ مدمن الخمر كعابد وثن ، أنّ عبادته شرّ منه

يترتّب عليها فوق ما يترتّب عليه ، فكيف يمكن ذلك التشديد في الخمر لقلع الفساد دون الأوثان ؟ !

مضافاً إلى دلالة الروايات العامّة المتقدّمة كرواية «التحف» وغيرها (2) على بعض المقصود ، وإشعار بعض ما وردت في الخمر ، كقوله علیه السلام : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(3) على بعض ، وخصوص صحيحة ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلامأسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط ؟ فقال : «لا بأس به» ، وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً ؟ قال : «لا»(4) ، ورواية عمرو بن حريث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ؟ قال : «لا»(5) ، يدلّ على بعضه .

نعم ، الظاهر أنّ دلالة الاُولى بالفحوى ؛ لأنّ الصلبان شعار التنصّر وليست كالصنم .

ص: 183


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 317 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 .
2- تقدّمت في الصفحة 12 - 14 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 و6 .
4- الكافي 5 : 226 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 373 / 1084 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 2 .

وفي وجوب كسرها وعدم الضمان ، شهادة على عدم ماليتها لدى الشارع ، فلا يصحّ بيعها وشراؤها ؛ لتقوّمهما بها ، فخرجت بذلك عن شمول أدلّة تنفيذ البيع تحكيماً .

هذا، مع دعاوي عدم الخلاف والإجماع على اُمور : منها التكسّب بهياكل العبادة كالصنم(1) .

بل عن «الرياض» الاستدلال على حرمة التكسّب بها بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة(2) ، وإن أنكر الاستفاضة صاحب «مفتاح الكرامة»(3) .

وعن «المنتهى»(4) حكاية عدم الخلاف على حرمة عملها المستلزمة لحرمة

التكسّب بها على ما قيل(5) . وعن «مجمع البرهان» الإجماع عليها (6) .

وفي «مفتاح الكرامة» بعد نقل الإجماع وعدم الخلاف عن بعض ، قال : «والأمر سهل؛ إذ الإجماع معلوم»(7) .

وفي «الجواهر» : «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه»(8) .

ص: 184


1- راج-ع مستند الشيعة 14 : 88 ؛ جواهر الكلام 22 : 25 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 111 .
2- رياض المسائل 8 : 49 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 105 .
4- منتهى المطلب 15 : 370 .
5- مفتاح الكرامة 12 : 104 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 41 .
7- مفتاح الكرامة 12 : 105 .
8- جواهر الكلام 22 : 25 .

هذا حال ما علم ترتّب الحرام عليه ، ولا يبعد إلحاق ما يكون مظنّة لذلك به ، بل صورة احتمال ترتّبه أيضاً احتياطاً ؛ لأهمّية الموضوع وشدّة الاهتمام به ، فلا يقصر عن الأعراض والنفوس ، بل أولى منهما في إيجاب الاحتياط .

بعض الصور المستثناة من حرمة بيع الأصنام

نعم ، الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للصورة التي يعلم بعدم ترتّب الحرام عليها ، سيّما في صورة انقراض الطائفة الخبيثة العابدة لها وعدم احتمال عابد لها ولو في الاستقبال احتمالاً عقلائياً ؛ ضرورة عدم شمول الأدلّة اللفظية ولا معقد عدم الخلاف والإجماع لها وانصرافها عنها .

بل لا يبعد عدم شمولهما لما إذا بيع الصنم الذي مورد العبادة ممّن يخرجه عن تحت يد عابديه ويحفظه بعنوان الآثار العتيقة في المحالّ المعدّة لها ، فينقطع بذلك عن أيدي عبدته ، وإن لا يخلو عن إشكال في هذه الصورة .

بل يمكن إجراء استصحاب وجوب الكسر وحرمة البيع ونفي المالية وبطلان المعاملة وسحتية الثمن فيها ، على إشكال ناشٍ من الإشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام المستكشفة عن حكم العقل ، لا لما ذكره شيخنا الأعظم(1) ؛ فإنّا قد فرغنا عن تصوير جريانها ودفع إشكاله ، بل لما ذكرناه في محلّه : من عدم جريان استصحاب الحكم الجزئي ؛ لأنّ الحكم المستكشف من مناط عقلي لا يمكن أوسعيته عن موضوعه ومناطه ، ولا استصحاب الكلّي ؛ لأنّ

ص: 185


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 215 .

الجامع بين الحكمين انتزاعي عقلي لا حكم شرعي ، ولا موضوع ذو حكم كذلك ، والتفصيل يطلب من مظانّه(1) .

وبهذا يستشكل جريانه في بعض صور اُخر ، كما إذا وجد صنم يعلم بأ نّه كان معبوداً في عصر الإسلام ، ثمّ انقرض عبدته ولا يحتمل عودهم ، فإنّ الأدلّة كما مرّت قاصرة عن إثبات الأحكام لها لو بيعت لغرض حفظ العتيقة ، وقد عرفت حال الاستصحاب .

إلاّ أن يقال : إنّ تلك الأحكام سيّما وجوب الكسر وسلب المالية غير مستكشفة من حكم العقل محضاً حتّى يأتي فيها ما ذكر ، بل حكمه من مؤيّدات ثبوت أحكامها شرعاً ، والأدلّة الشرعية نحو الإجماع والأخبار المتفرّقة في الأبواب غير قاصرة عن إثباتها ، ومعه يمكن ثبوت تلك الأحكام بمناطات أعمّ ممّا أدركها العقل ، ومعه يجري الاستصحاب . والمسألة تحتاج إلى مزيد غور .

ثمّ إنّ الاستصحابات المشار إليها إنّما تجري لو اُحرز تعلّق الأحكام بصنم ولو من باب التطبيق وشكّ في بقائها ، وأمّا إذا احتمل عدم التعلّق فلا . وذلك مثل صنم يحتمل صنعته بعد انقراض عابديه لأغراض اُخر .

بل لا يجري فيما إذا علم كونه مصنوعاً في أعصار قبل الإسلام مع انقراض عبدته في تلك الأعصار ولو علم بعبادتهم له ؛ لعدم جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة .

بل يمكن منع جريان الاستصحابات المتقدّمة بأن يقال : إنّ حرمة البيع غير

ص: 186


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 12 .

ثابتة للصنم رأساً في صورة بيعه للإخراج عن يد عابديه ، وفيما لا يترتّب عليه الحرام ، فلا قضيّة متيقّنة حتّى تستصحب ، وكذا حال سائر العناوين المتقدّمة حتّى وجوب الكسر . وبالجملة : ليس الشكّ في بقاء الأحكام المذكورة .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الأشبه بالقواعد عدم المنع عن البيع في الصور الأخيرة سيّما مثل ما خرج من حفريات باد أهلها وانقرض عبدته ولم يرج عودهم .

حكم بيع الأصنام لأغراض صحيحة

وممّا ذكرناه تظهر قوّة صحّة البيع لغرض إدراك ثواب الكسر ، أو غرض آخر في كسره موجب لماليته ومرغوبية اشترائه .

إلاّ أن يقال باستلزام ذلك لبعض الإشكالات العقلية :

منها : أنّ الفساد المترتّب على هياكل العبادة ، علّة لإسقاط ماليتها وإيجاب كسرها ، وإيجاب الكسر سبب لترتّب الثواب عليه لإيجابه ، فلو صار ذلك علّة لماليتها ، يلزم أن يكون الشيء علّة لثبوت نقيض معلول علّة علّته ، وذلك مستلزم لنفي علّة علّته المستلزم لعدم ذاته .

ومنها : أنّ إيجاب الكسر مضادّ لماليته ، فلو ثبتت المالية به يلزم إيجاد الشيء مضادّه المستلزم لعدم ذاته .

ومنها : أنّ إيجاب الكسر لو صار سبباً للمالية يلزم منه عدم إيجابه ، بل عدم جوازه ؛ لأ نّه مال محترم ، فيلزم من إيجاب الكسر عدمه .

والجواب عنها : أنّ الفساد لا يمكن أن يصير علّة لإسقاط المالية الآتية من قبل معلوله ؛ أي إيجاب الكسر ؛ للزوم كون الشيء علّة لعدم معلول معلوله ، وهو

ص: 187

مستلزم لعدم معلوله المستلزم لعدمه ، فهو علّة لسلب المالية الثابتة لها من

غير ناحية الكسر .

وأيضاً أنّ إيجاب الكسر على فرض مضادّته للمالية لا يمكن أن يكون مضادّاً للمالية الآتية من قبله ؛ لاستلزام أن يكون الشيء ضدّ معلوله ، فيكون ضدّاً للمالية التي من غير ناحية الكسر .

وأيضاً أنّ المالية الآتية من قبل وجوب الكسر لا يمكن أن تكون مانعة عن وجوبه ، فالمالية من غير تلك الناحية مانعة عنه .

ثمّ إنّ صحّة البيع لغاية الكسر تتوقّف على إحراز أنّ المشتري يشتريه لتلك الغاية ؛ لأنّ ماليته تتوقّف على هذه الغاية ، ومع الشكّ في كونه لها ، يشكّ في ماليته ، فلا تصحّ المعاوضة عليه ، بل صحّة صلحه وهبته ونحوهما أيضاً تتوقّف على ذلك الإحراز ؛ لعدم جوازها إلاّ لتلك الغاية .

وهذا الفرع غير ما تعرّض له العلاّمة في محكيّ «التذكرة» : «أ نّه إذا كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة ليكسر وكان المشتري ممّن يوثق بديانته فإنّه يجوز بيعها على الأقوى»(1) ، انتهى .

فإنّ الظاهر من اعتبار القيمة للمكسور ، أنّ مصحّح البيع قيمة المادّة وماليتها ، فلو قلنا في الفرع الذي تعرّضه بعدم اعتبار الوثوق في صحّته لا نقول به في هذا الفرع المتوقّف ماليتها وصحّة المعاوضة عليها على كون الاشتراء للكسر ، كما لا يخفى .

ص: 188


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 108 ؛ تذكرة الفقهاء 10 : 36 .

وليس الثواب المترتّب على الكسر وكذا سائر فوائد الكسر ، نظير الفوائد المترتّبة على الأشياء ، الموجبة لماليتها وصحّة بيعها ، كان المشتري يشتريها لتلك الفائدة أم لا ؛ لأنّ تلك الفوائد موجبة للمالية مطلقاً من غيرتوقّف على قصد انتفاع المشتري ، وكذا صحّة المعاملة لا تتوقّف عليه ، بخلاف فائدة الكسر ، فإنّها ليست موجبة للمالية المطلقة بحيث يقال بصحّة البيع معها مطلقاً ، فتدبّر .

فلا بدّ فيه من البيع ممّن يطمئنّ ويوثق به ، أو قامت القرائن على أ نّه يبتاع لتلك الغاية ولو بالتسبيب إن لم يضرّ بالفورية ، لو قلنا بوجوب الكسر فوراً .

ثمّ إنّ بيع الصنم وابتياعه تارة : يكونان بداعي هيئته كابتياع الوثني مثلاً ، واُخرى : بداعي مادّته كما كانت من الأحجار الكريمة ، وثالثة : بداعيهما ؛ بأن تكون لهما مرغوبية صارت داعية إلى ابتياعه .

وهذه الصور من صور بيع الأصنام يأتي فيها ما تقدّم .

وليس المراد من بيع الصنم بيع هيئته ؛ فإنّها ليست بصنم ولا متعلّقة للمعاملة لدى العقلاء ، بل الصنم عبارة عن الموجود المتهيّئ بتلك الهيئة الخاصّة ، والهيئة ليست طرفاً لإضافة المعاملة في مورد من الموارد ، بل طرفها هو الموجود المتصوّر بحيثية تقييدية ، أو الموجود لأجل الصورة بالحيثية التعليلية .

فبيع الصنم محرّم باطل في الصور المتقدّمة التي قلنا بهما ، سواء بيع بداعي الهيئة أو المادّة أو بداعيهما .

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الفرع المتقدّم المحكيّ عن «التذكرة» كان المفروض فيه بيع الصنم الخارجي لا بيع مادّته . فعليه تصحّ الشرائط التي اعتبرها : من كون المادّة ذات قيمة ، وكون البيع للكسر ، وكون المشتري موثوقاً به ؛ فإنّ البيع إذا تعلّق

ص: 189

بالصنم الخارجي ولم تكن لمادّته قيمة ، يبطل ؛ لعدم اعتبار قيمة الهيئة ، والفرض

عدم قيمة للمادّة ، فلا يكون مالاً يبذل بإزائه المال . ومفروض العلاّمة ليس ما كان الكسر موجباً للمالية كما فرضناه سابقاً ؛ فإنّ ذلك الفرض مغفول عنه نادر الاتّفاق .

وأمّا اشتراط كونه للكسر ؛ لأ نّه مع عدمه يصير مشمولاً لأدلّة بطلان بيع الصنم ، وهو وإن كان بإطلاقه محلّ إشكال كما تقدّم ، لكنّ الظاهر أنّ المفروض في كلامه غير تلك الصور النادرة المتقدّمة .

وأمّا اشتراط كون المشتري موثوقاً به فهو شرط ظاهري لإحراز شرط المعاملة ، وهو كون الابتياع للكسر ، ومع عدم الوثوق به لا يحرز غالباً .

فالشرائط وقعت في محلّها ، على ما هو ظاهر عبارة «التذكرة» ، وهو وقوع البيع على الهياكل الصحيحة للكسر .

وقد حملها الشيخ الأنصاري على خلاف ظاهرها ، ثمّ تنظّر فيها (1) .

نعم ، ما أورده على العلاّمة وارد على المحقّق الثاني ، على ما في العبارة المنقولة عن «جامع المقاصد» ؛ فإنّ المفروض فيها وقوع البيع على المكسور ، لا على الصحيح ، قال : «لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها ، وكان المشتري موثوقاً به وأ نّه يكسرها ، أمكن القول بصحّة البيع»(2) ، انتهى .

أقول : تأتي قوّة صحّته ولو لم يكن المشتري موثوقاً به ، بل ولو مع العلم بعدم الكسر .

ص: 190


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 115 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 116 ؛ جامع المقاصد 4 : 16 .
فرع : حكم بيع مادّة الأصنام

ما تقدّم هي صور بيع الأصنام ، وأمّا بيع مادّتها ، فالتحقيق عدم الصحّة لو لم تكن لها قيمة رأساً ، أو كانت لها قيمة بلحاظ الصورة ، كما قد يتّفق أن تصير مادّة بلحاظ تصوّرها بصورة ذات قيمة ، أو تصير قيمتها زائدة عن قيمتها الأصلية ، وهذا غير فرض كون قيمة الصنم الخارجي بلحاظ الهيئة .

أو كانت لها قيمة لكن لا يمكن محو الصورة عنها إلاّ بإبطالها عن المالية .

أو كانت لها قيمة لكن لا يمكن إبطال الصورة رأساً .

ففي جميع الصور بطل البيع على الأقوى :

أمّا الاُولى فظاهرة . وأمّا الثانية فلأنّ المالية الآتية من قبل الصورة ساقطة لدى الشارع الأقدس ؛ إذ الحكم بإبطال الهيئة الموجب لإبطال مالية المادّة ، لا يجتمع مع اعتبار ماليتها ، فلا ضمان على كسرها الموجب لإبطال ماليتها ومالية مكسورها .

ومنه يظهر الحال في الثالثة ، فإنّ إيجاب الكسر بلا ضمان ، ملازم لإسقاط مالية المادّة .

وفي الرابعة يجب غرقها أو دفنها حسماً لمادّة الفساد . فلا مالية لها على جميع التقادير ، فلا يصحّ بيعها .

وكذا لا يصحّ لو كانت لها قيمة مستهلكة في قيمة الصورة لو باعها بالقيمة المساوية لقيمة الصورة ؛ لأنّ البيع كذلك مع سقوط الصورة عن المالية ، وفي محيط التشريع ، سفهي غير عقلائي ، فلا تشمله أدلّة تنفيذ المعاملات ، ولا يمكن

ص: 191

كشف رضا الشارع فيها، ومعه تقع باطلة .

وأمّا إذا كانت للمادّة قيمة مستهلكة فبلحاظ سقوط قيمة الصورة يكون بيع المادّة بلحاظ قيمتها عقلائياً مورداً لإمضاء الشارع وتنفيذه المعاملات . فلو باع المادّة بقيمتها يصحّ .

وكذا لو كانت للمادّة قيمة ملحوظة غير مستهلكة فباعها بقيمتها أو أكثر ما لم يصل إلى حدّ السفه .

ثمّ إنّ في تلك الصور يصحّ البيع ولو مع شرط إبقاء الصورة فضلاً عن عدم الاشتراط ، أو اشتراط الكسر ، كان المشتري موثوقاً بديانته أم لا .

بل مقتضى القاعدة صحّته ولو باعه من وثني يبتاعه للعبادة وشرط على البائع عدم الكسر ، بناءً على عدم كون الشرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ ما وقعت عليه المعاملة هي المادّة ، ولا مانع من بيعها لكونها غير الصنم . وكون الشرط فاسداً والتسليم إعانةً على الإثم ، لا يوجبان بطلان المعاملة .

ولو قيل : إنّ البيع المذكور موجب لإشاعة الفساد ، بل يمكن بهذه الحيلة ترويج سوق بيع الأصنام وآلات الملاهي والقمار ، والمقطوع من مذاق الشارع عدم إمضاء تلك المعاملات .

يقال : إنّ المقطوع به من مذاق الشارع عدم تصحيح الشرط الكذائي ، وتحريم تسليم المبيع مع الهيئة الموجبة للفساد ، لا بطلان المعاملة على المادّة ؛ أي الخشب والحجر ونحوهما ، أو حرمة بيعها وثمنها . ولا فرق بين ما ذكر وبين بيع شيء كالفرس والشرط على البائع بتسليم صنم إليه ، أو صنع آلة لهو له ، فإنّ الشرط فاسد ، والتسليم والصنع محرّمان ، دون المعاملة على الشيء المباح .

ص: 192

ولا يلزم منه تشي-يع الفساد وترويج الباطل ، كما هو واضح .

فتحصّل ممّا مرّ : أنّ بيع المادّة في الفرض مطلقاً ، صحيح من غير توقّف على اشتراط الكسر وكون المشتري موثوقاً به ، كما قال به المحقّق الثاني في عبارته المحكيّة(1) .

آلات القمار واللهو ونحوها

ثمّ إنّ البحث عن آلات القمار وآلات اللهو وأواني الذهب والفضّة والدراهم المغشوشة ، نظير البحث عن هياكل العبادات ، فلا داعي إلى التكرار .

نعم ، لا يأتي فيها ما قلناه في الهياكل من الوجه العقلي على البطلان ، ولا ما ذكرناه من فحوى أدلّة حرمة الخمر .

وإن أمكن دعوى الجزم بعدم تنفيذ الشارع المعاملات الواقعة على آلات القمار واللهو التي لا يقصد منها إلاّ الفساد والحرام .

هذا ، مع دعوى عدم الخلاف والإجماع عليه(2) ، بل ادّعى السيّد صاحب «الرياض» الإجماع المستفيض عليه(3) ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة المؤيّدة ، وإن ضعفت أسنادها .

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 190 .
2- راجع مستند الشيعة 14 : 88 ؛ جواهر الكلام 22 : 25 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 116 .
3- رياض المسائل 8 : 49 .
الأخبار الواردة في خصوص آلات القمار

وتدلّ في خصوص آلات القمار رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلامفي قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( . وفيها : «وأمّا الميسر : فالنرد

والشطرنج . وكلّ قمار ميسر» إلى أن قال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم»(1) .

ورواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت . . .»(2) .

وفي رواية المناهي : «ونهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع النرد»(3) .

ويمكن إسراء الحكم لسائر آلاته بإلغاء الخصوصية على إشكال .

نعم ، في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(4) .

ولعلّ عموم التنزيل وعدم الفصل بين أربعة عشر وغيرها وإلغاء الخصوصية عنها ، كافٍ في المطلوب .

ص: 194


1- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 4 .
3- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 6 .
4- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .

وعن تفسير أبي الفتوح عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رواية ، وفيها : «وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار واُمور الجاهلية» إلى أن قال : «إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام»(1) .

تدلّ على المطلوب في آلات اللهو ، ولا تخلو من إشعار أو دلالة بالنسبة إلى سائر آلات الفساد . فلا إشكال في الحكم إجمالاً .

نعم ، لو كانت لبعض الآلات منفعة محلّلة ، تنسلك في القسم الآتي . كما أنّ أواني الذهب والفضّة كذلك ؛ لعدم حرمة اقتنائها بل وتزيين الرفوف بها على الأقوى .

وكذا لو قلنا بجواز الانتفاع بالسكّة المغشوشة كالتزيين وغيره ، تنسلك في القسم الآتي .

ص: 195


1- روض الجنان وروح الجنان 15 : 281 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 79 ، الحديث 16 .
النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة

النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة ، فيما إذا كان لشيء منفعة محرّمة ومحلّلة ، كأواني الذهب والفضّة .

وهو على أقسام :
منها : أن يكون المبيع كلّياً مقيّداً

بنحو لا ينطبق إلاّ على المحرّم ، كبيع العنب الذي ينتهي إلى التخمير ، فيكون المبيع حصّة من العنب كسائر الكلّيات المقيّدة ؛ بأن يقال : كما أنّ العنب الأحمر لا ينطبق إلاّ على مصاديق خاصّة ، فإذا تعلّق به البيع يكون المبيع حصّة من الكلّي لا تنطبق إلاّ على مصاديقها ، يصحّ تقييد الكلّي بأيّ قيد تراضى عليه المتعاقدان . فإذا باع العنب المنتهي إلى التخمير كان مصداق المبيع ، هو العنب المتعقّب به ، لا العنب المطلق . فإذا تسلّمه المشتري ولم يستعمله في التخمير ، يكشف عن عدم كونه مصداقاً للمبيع .

منها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً

ومنها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً

مع توصيفه بالوصف المتقدّم ، فيكون المبيع ، الموجود المنتهي إلى التخمير . فلو لم ينته إليه يكشف عن عدم كونه مبيعاً ، أو عن تخلّف الوصف .

ص: 196

منها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخّر

ومنها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخّر ، كان المبيع كلّياً أو جزئياً ، بحيث يكشف عدم الانتهاء عن عدم كونه مصداقاً للمبيع ، أو عدم كونه مبيعاً .

والظاهر بطلان البيع في هذه الصور ؛ لعدم عقلائية الملك الحيثي .

والفرق بين هذا القيد وقيد كون العنب أحمر أو أصفر ، أنّ مصداق الأحمر بعد تسليمه يكون ملكاً طلقاً للمشتري ، وأمّا العنب المنتهي إلى التخمير فليس ملكاً له إلاّ من حيث التخمير دون سائر الحيثيات ، ولم يعهد لدى العقلاء هذا النحو من الملكية ، وإلاّ لجاز بيع الرداء الذي تحت السقف مثلاً ، فلا يكون ملكه إلاّ حصّة من الرداء ، أو حيثية منه ، فإذا خرج عن تحت السقف خرج عن ملكيته ، وأنت خبير بأنّ هذا النحو من الملكية غير عقلائية ولا معهودة .

فالعنب المنتهي إلى التخمير لو صار ملكاً ، لازمه عدم ملكية العنب بنحو الإطلاق وبجميع الحيثيات ، بل حصّة أو حيثية خاصّة منه ، فلا يكون بما أ نّه مأكول أو غير ذلك مبيعاً ، ولا ملكاً للمشتري ، وهو مخالف لاعتبار العقلاء ، وكذا الحال في التعليق والشرط .

نعم ، يمكن المناقشة في الإشكال في الصورة التي يكون المبيع شخصياً ، بأن يقال : إنّ المبيع هو الموجود الخارجي ، والقيد من قبيل الوصف الذي يكون تخلّفه غير مبطل ، لكن يأتي فيها الإشكال الآتي في الصورة الآتية ؛ أي اشتراط عدم الانتفاع إلاّ بالمحرّم .

منها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في المحرّم.

ومنها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في المحرّم .

ص: 197

وهو قد يرجع إلى شرطين : أحدهما : أن لا يتصرّف في المحلّل ، وثانيهما : أن يصرفه في المحرّم .

وقد يشترط عليه شرطاً واحداً ، وهو عدم التصرّف في المحلّل من دون شرط الصرف في المحرّم .

ومن هذا القبيل ما إذا تواطئا عليه ؛ بحيث يقع العقد مبنيّاً عليه ، وأمّا مع التواطي عليه بحيث لا يرجع إلى بناء العقد عليه فهو خارج عن الفرض .

والأقوى بطلان البيع في تلك الصور ؛ سواء رجع الاشتراط إلى شرطين أم لا ، وسواء كان الشرط في ضمن العقد أم بحكمه كما أشرنا إليه ؛ لأنّ مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد . فإنّ اعتبار الملكية موقوف على كون الشيء ذا منفعة - ولو في الجملة - يصحّ للمالك الانتفاع به ، فلو فرض كون شيء مسلوب الانتفاع مطلقاً لا يعتبره العقلاء مالاً ولا ملكاً .

لا أقول : إنّ الملكية والمالية نفس الانتفاعات ، بل أقول : إنّ مناط اعتبارهما لدى العقلاء صحّة الانتفاع ولو في الجملة ، فمسلوب الانتفاع بقول مطلق ليس ملكاً ولا مالاً .

كما أ نّه لو سلب مطلق الانتفاعات عن شيء بالنسبة إلى شخص لا يعتبره العقلاء ملكاً ومالاً له في بعض الأحيان .

فحينئذٍ نقول : إذا شرط البائع على المشتري أن لا ينتفع بالمبيع مطلقاً ، فهو في قوّة بيع شيء بشرط عدم صيرورته ملكاً للمشتري ، فيكون مخالفاً لمقتضى العقد وموجباً لبطلانه ؛ سواء قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا ؛ لأنّ الخلاف في الشرط الفاسد إنّما هو في الشروط التي لا يضرّ اشتراطها بقوام المعاملة ، وأمّا

ص: 198

الشروط المنافية لماهيتها وقوامها ، فلا ينبغي الكلام في مفسديتها ؛ لرجوعها إلى التناقض في الجعل والتنافي في الإنشاء .

والمقام من قبيل ذلك ؛ فإنّ العنب مثلاً مسلوب المنفعة بحسب قانون الشرع من حيث التخمير ، فإذا كان مفاد الشرط تحريم الانتفاع بالمحلّل ، يرجع إلى انتقال شيء مسلوب المنفعة مطلقاً ، فلا تعتبر معه الملكية للمشتري ، فيكون الشرط في قوّة البيع بشرط عدم الملكية ، وإن لم يكن بعينه هو .

لا يقال : إنّ هذا الشرط لا ينافي مقتضى العقد في محيط العقلاء وبحسب نظرهم ، والبطلان الشرعي غير المنافاة لمقتضى العقد .

فإنّه يقال : يكفي في مخالفته لمقتضى العقد مخالفته له في محيط القانون اللازم الإجراء عقلاً ، ولهذا لا يصحّ بيع الخمر؛ لإسقاط الشارع ماليتها ، فلا تكون معاملتها مبادلة مال بمال بلحاظ القانون الإلهي .

وإن شئت قلت : إسقاط الشارع مالية شيء تخطئة العقلاء في حكمهم ، ففي المقام إنّ شرط عدم الانتفاع بالمحلّل في حكم شرط سلب المنفعة مطلقاً ولو بلحاظ الشرع ، فيكون مخالفاً لمقتضاه .

أو قلت : إنّ اشتراط عدم الانتفاع بالخمر إلاّ في المحرّم ، ينحلّ إلى شرطين كما تقدّم : أحدهما : شرط عدم الانتفاعات المحلّلة ، وهو من الشروط السائغة ؛ لعدم كونه مخالفاً للشرع . والثاني : شرط الانتفاع بالمحرّم ، وهو باطل . فلا محالة يكون المشتري محروماً عن الانتفاع بالمبيع مطلقاً شرعاً وشرطاً ، وهو المنظور من المخالفة لمقتضى العقد لدى العقلاء ، فإنّ الشيء المسلوب المنفعة مطلقاً لا يعدّ ملكاً ولا مالاً .

ص: 199

ويمكن الاستدلال على المطلوب بوجه آخر ، وهو أنّ مالية الأشياء - كما تقدّم - إنّما هي بلحاظ المنافع المترتّبة عليها ، فما لا منفعة له مطلقاً ليس بمال ، فإذا اشترط على المشتري أن لا ينتفع من العنب مثلاً إلاّ الانتفاع بالمحرّم ، فلا محالة يكون البيع بلحاظ الانتفاع بالمحرّم والمالية الآتية من قبله ، مع أنّ هذه المالية ساقطة شرعاً .

فمالية العنب الآتية من قبل المنافع المحلّلة ساقطة فرضاً حسب اشتراط البائع ، فلا يمكن أن يكون البيع صحيحاً بلحاظ المالية الآتية من قبلها ، والمالية الساقطة شرعاً لا تصلح للمبادلة ، فيكون دليل إسقاطها حاكماً على أدلّة تنفيذ البيع بإخراج المعاملة عن موضوع أدلّته وإدخالها في أكل المال بالباطل .

ولك أن تجعل هذا الأخير وجهاً ثالثاً للبطلان ، وهو الاستدلال بالآية الكريمة(1) بعد تحكيم ما دلّت على سقوط المالية الآتية من قبل المنفعة المحرّمة على الآية صدراً وذيلاً ، كما أشرنا إليه .

ولا يعتبر في الحكومة أن يؤخذ في الدليل الحاكم عين العنوان الذي اُخذ في المحكوم ، فكما أنّ قوله : الخمر ليست بمال ، حاكم على الآية إخراجاً وإدخالاً ، كذلك ما دلّت على إهراقها وإتلافها بلا ضمان ، الظاهر منها إسقاط ماليتها ، حاكمة عليها .

بل لا يبعد تحكيم الدليل اللبّي على الدليل اللفظي ، فإذا قام الإجماع على عدم مالية الخمر يكون منقّحاً لموضوع أكل المال بالباطل ، فإنّ أكل الثمن

ص: 200


1- النساء (4) : 29 .

في مقابل ما ليس بمال أكل له بالباطل ، ومخرجاً عن التجارة تعبّداً ولو لم يطلق على مثله الحكومة كما قوّيناه في الاُصول(1) ، فلا مشاحّة فيه بعد كون الإنتاج واحداً .

وهنا تقريب رابع للبطلان بأن يقال : إنّ الثمن واقع في مقابل العنب بشرط الانتفاع الخاصّ ، وهذا الانتفاع لم يحصل للمشتري ، فيكون المال المأخوذ بلحاظه ، أو بلحاظ المالية الآتية من قبله ، مأخوذاً بلا حصول العوض ، ومثله ليس بمعاملة ؛ لأ نّها متقوّمة بتبادل الانتقالين ، ومع فقده لا تتحقّق ، تأمّل .

وقد ظهر ممّا ذكر : أنّ القول بالبطلان هاهنا غير مبنيّ على القول بمفسدية الشرط الفاسد .

ولهذا قلنا بالبطلان ولو مع شرط عدم الاستفادة بالمحلّل ، والسكوت عن الاستفادة بالمحرّم ، فإنّه شرط سائغ لكن يبطل البيع لا لفساد الشرط بل للوجوه المتقدّمة .

وتؤيّده الروايتان الواردتان في النهي عن بيع الخشب ممّن يتّخذه صلباناً ، والتوت ممّن يصنع الصليب أو الصنم(2) ، بل وما وردت في لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها وحارسها وبائعها . . .(3) ، المستفاد منها أنّ بائع العنب للخمر أيضاً ملعون ، ومعلوم أنّ ملعونيته لأجل عمله ، فعمله مبغوض .

ص: 201


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 269 .
2- تقدّمتا في الصفحة 183 .
3- تقدّمت في الصفحة 46 .

بل يمكن أن يقال : لا يجتمع مبغوضية البيع بعنوانه مع تنفيذه والإلزام بالعمل على وفقه .

نعم ، لو كانت المبغوضية بعنوان آخر كالإعانة على الإثم ، كما هو محتمل في المقام ، لا تدلّ على البطلان . فلو نوقش في هذا ففي ما تقدّم غنىً وكفاية .

لكن يمكن المناقشة في أساس التقريبات المتقدّمة بأن يقال : إنّ الشيء تارةً : يكون بلا منفعة واقعاً وتكويناً ، واُخرى : يكون ذا منفعة ، لكن المالك أفرز جميع منافعه بصلح ونحوه ، وأراد بيعه بلا منفعة مطلقاً حتّى الانتفاع ببيع ونحوه ، أو أراد بيعه بلا منفعة بإفراز منافعه لنفسه .

ففيها تأتي التقريبات المتقدّمة ، حتّى تقريب المخالفة لمقتضى العقد ، أو كونه في قوّتها .

وأمّا إذا باع وشرط على المشتري أن لا ينتفع به مطلقاً ، أو بغير المنفعة المحرّمة ، فلا يكون مخالفاً لمقتضاه ولا في قوّتها ؛ لأنّ البيع إنّما تعلّق بذات الشيء ، وموجب لانتقال منافعه إلى المشتري ، لكن دليل الشرط صار موجباً لحرمانه عن التصرّف في ماله ، ولا يكون مفاد الشرط عدم الانتقال حتّى يقال بمخالفته لمقتضاه ، بل الشرط في الرتبة المتأخّرة عن اعتبار ملكية المبيع بمنافعه وانتقاله كذلك إلى المشتري ، فلا يمكن أن يكون الشرط رافعاً لموضوعه ، أو دافعاً له ، فلا يعقل أن يكون مخالفاً لمقتضى العقد الذي هو موضوع الشرط وتأثيره ، غاية الأمر أن يكون غير سائغ ؛ للزوم تضييع مال محترم به ، ففساد العقد مبنيّ على مفسدية الشرط .

وإن شئت قلت : إنّ هذا الشرط نظير نذر عدم التصرّف في ماله لو قلنا

ص: 202

بصحّته ؛ فإنّه لا يوجب خروج الملك عن الاعتبار لصاحبه أو سلب ماليته عنه ؛ لأنّ الملكية مفروضة في موضوعه ولا يعقل رفعها بدليله .

ويمكن دفعها بأن يقال : إنّ مالية الأشياء متقوّمة بوجود منفعة لها وإمكان الانتفاع بها ، فكما أنّ الشيء إذا كان مسلوب المنفعة مطلقاً تكويناً لا يعتبره العقلاء مالاً ولا ملكاً ، فكذلك إذا كان له منفعة غير ممكن الاستيفاء مطلقاً ولو عادةً ، كدرّة غرقت في البحر بحيث لا يرجى عودها إلى الأبد ، فإنّها لا تعتبر مالاً وملكاً لمالكه السابق .

هذا حال التكوين ، ومحيط التشريع والتقنين كذلك عند الملتزمين به ، ولهذا تزيد وتنقص المالية بواسطة الشروط ، فلو شرط على المشتري عدم الانتفاع بالفرو في الشتاء ، وعدم انتقاله إلى الغير ، تحطّ قيمته من خمسين إلى خمس .

بل الشروط لدى العقلاء أيضاً معتبرة لازم الوفاء عقلاً ووجداناً ، فشرط عدم الانتفاع بالشيء في محيط القانون والشرع ، بل عند العقلاء الملتزمين بأحكام العقل والوجدان والمجتنبين عن الخيانة والعدوان ، منافٍ لمبادلة المال بالمال ، وموجب لسقوط الشيء عن المالية من غير أن يلاحظ بطلان الشرط وصحّة المعاملة ، بل لولا بطلان الشرط ببطلان أصل المعاملة يمكن التأمّل في بطلانه .

وبالجملة : إنّ العقلاء لا يعدّون تلك المعاملة معتبرة ، وكذلك الأمر في محيط التقنين ، وليس ذلك من دفع الشرط لموضوعه ، أو رفعه له ، بل مثله يعدّ منافياً لمقتضى العقود لدى العقلاء ، نظير بيع الشيء مسلوب المنفعة أو بشرط مسلوبيتها.

ص: 203

فلا يكون ذلك الشرط من الشروط الغير السائغة ، بل هو من المنافية لنفس المعاملة ولو بنحو من اللزوم .

إلاّ أن يقال : إنّ تخلّف الشروط لا يوجب شيئاً إلاّ العصيان والخيار ، فمع التخلّف يصحّ المعاوضة ، فحينئذٍ يكون مالاً لدى العقلاء والشرع ، فلا يكون الشرط الكذائي مخالفاً لمقتضى العقد ولا في قوّتها ، ولا مخالفته موجباً للعصيان بل ولا الخيار في بعض الصور .

وفيه : أنّ المالية الآتية من قبل تخلّف الشرط والشرع أو المقارنة لذلك ، غير معتبرة لدى العقلاء ، وكذا لدى الشارع .

إن قيل : إنّ المالية لا تأتي من قبل تخلّفه ، بل صحّة المعاملة شرعاً في صورة مخالفة الشرط ، دليل على اعتبار الشرع مالية المبيع ، ففي المقام لو شرط على المشتري عدم التصرّفات المحلّلة وخالف وباعه ، صحّ بيعه وهو كاشف عن اعتبار الشارع ماليته .

يقال : إنّ صحّة بيع المشتري في الفرض متوقّفة على صحّة ابتياعه مع الشرط المتقدّم ، فلو كانت صحّة ابتياعه متوقّفة على صحّة بيعه ، لزم المحال ولا تفيد الصحّة في سائر الموارد لتصحيح ما نحن فيه ، فلو باع شيئاً وشرط على المشتري عدم بيعه من شخص ، فباعه منه صحّ ؛ لأنّ صحّة بيع الأوّل وشرطه معلومتان ، وتخلّف الشرط لا يوجب بطلان المعاملة فرضاً .

وأمّا في المقام تكون صحّة المعاملة مع الشرط المذكور مشكوكاً فيها ، فكيف يمكن الحكم بصحّة بيع المشتري والكشف بها عن صحّة البيع الأوّل .

فتوهّم أنّ صحّة البيع الثاني كاشفة عن صحّة الأوّل لا موجبة لها فلا دور ، في

ص: 204

غير محلّه ؛ لعدم إمكان كشفها عنها أيضاً بعد توقّف صحّتها على صحّة العقد الأوّل مع الشرط ، فتدبّر .

منها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه

ومنها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه ، فحينئذٍ : قد يكون الشرط بحيث لا يعتبر بلحاظه شيء وفي مقابله ولو لبّاً ، فيكون من قبيل التزام في التزام محضاً ، فلا شبهة في أ نّه من صغريات أنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا .

وقد يعتبر بلحاظه شيء ، كما لو باع ما قيمته مائة بخمسين وشرط عليه أن يستفيد منه المنفعة المحرّمة لغرض منه فيه ، كأن يكون بيته في جوار المشتري وأراد الاستفادة المحرّمة منه .

ففي مثله يمكن أن يقال : إنّه أيضاً من صغريات كون الشرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ الميزان في باب المعاملات ملاحظة محطّ الإنشاءات لا اللبّيات ، والمفروض أنّ إنشاء المعاملة وقع بين العينين ، والشرط خارج عن محطّها ، ولهذا لا يقسّط عليه الثمن أو المثمن ، ومجرّد كون زيادة ونقيصة فيهما بلحاظه ، لا يوجب دخوله في ماهية المعاوضة ، ومع عدم الدخول تكون المبادلة بين العينين ، والشرط زائد وباطل فيأتي فيه ما يأتي في الشروط الفاسدة .

ويمكن أن يقال : إنّ المالية الملحوظة من قبل الشرط ، إذا لم تحصل للطرف مع خروج شيء بلحاظها من كيسه ، يكون أخذه بلا عوض لبّاً ومن قبيل أكل المال بالباطل حقيقة .

فإذا باع ما قيمته مائة بخمسين وشرط عليه شيئاً يوازي خمسين ولم يحصل

ص: 205

له ذلك ، يكون مقدار المالية الواردة في كيس الطرف بلا حصول ما بلحاظه له من أكل المال بلا عوض وبباطل ، ولا شبهة في أنّ البائع في المعاملة المفروضة لم يسقط مالية ماله ولم يجعله للمشتري مجّاناً ، بل جعله بلحاظ الشرط الذي بنظره مال وذو قيمة .

وبعبارة اُخرى : إنّ العقلاء لا ينظرون إلى ألفاظ المعاملات بل عمدة نظرهم إلى واقعها ، وفي اللبّ تكون المقابلة بين العين مع لحاظ الشرط ، ومع عدم حصول الشرط له يكون ما بلحاظه بلا عوض واقعاً ، وهذا من أكل المال بالباطل .

لا يقال : يأتي ما ذكر في الشروط الصحيحة أيضاً في صورة تخلّفها ، كما لو شرط عربية فرس خارجي فبان عدمها ، مع أنّ في تخلّفه الخيار بلا إشكال .

فإنّه يقال : لو قام دليل من إجماع أو غيره على الصحّة في موارد تخلّف الشرط والوصف ، نقول بمقتضاهما في موردهما على خلاف القواعد دون غيره ، فمورد النقض نظير ما نحن فيه .

والأقرب في النظر العاجل هو الوجه الأوّل ، وإن لا يخلو من كلام . ويأتي الكلام فيهما في أبواب الشروط إن شاء اللّه وساعدنا التوفيق منه تعالى .

ثمّ إنّ الكلام في الإجارة نظيره في المقام ، مع أوضحية البطلان فيها في بعض الفروع . كما لو آجر بيتاً ليباع فيه الخمر أو آلات القمار ، فإنّ البطلان فيه واضح . ويظهر حال سائر الصور ممّا تقدّم .

ثمّ إنّ هنا روايات لا بأس بالتعرّض لها ، كرواية صابر ، أو جابر ، قال سألت

ص: 206

أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : «حرام أجره»(1) .

وأنت خبير بأ نّها مع ضعفها سنداً ولو كان الراوي صابراً (2) ، مخالفة للقواعد العقلائية والشرعية المحكّمة ؛ ضرورة أنّ إجارة البيت إذا لم تكن للانتفاع المحرّم لم تكن اُجرته حراماً .

ومجرّد بيع المستأجر فيه الخمر لا يوجب حرمة الاُجرة ، وإلاّ لزم حرمة اُجرة الدكاكين والبيوت التي يقع فيها عمل محرّم ، أو بيع حرام ، وهو كما ترى .

فلا محيص عن حملها على ما إذا آجره لذلك . والمظنون أن يكون «فيباع» مصحّف «ليباع» .

وربّما تشهد له رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من اكترى دابّة أو سفينة ، فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير أو ما يحرم ، لم يكن على صاحب الدابّة شيء ، وإن تعاقدا على حمل ذلك فالعقد فاسد ، والكري على ذلك حرام»(3) .

وصحيحة ابن اُذينة ، قال كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن الرجل

ص: 207


1- تهذيب الأحكام 7 : 134 / 593 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن عبد المؤمن ، عن صابر (جابر) . ضعف سندها باعتبار جابر ، أو باعتبار صابر مولى بسّام ، فراجع تنقيح المقال 1 : 201 / السطر 29 (أبواب الجيم) ؛ و2 : 90 / السطر 9 (أبواب الصاد) .
3- دعائم الإسلام 2 : 78 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 32 ، الحديث 1 .

يؤاجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ؟ قال : «لا بأس»(1) .

فإنّ التفصيل في رواية «الدعائم» ونفي البأس في الصحيحة ، موافقان للقاعدة المحكّمة بناءً على عدم كون المراد بالصحيحة إجارتهما لذلك ، كما هو الظاهر منها أيضاً .

منها : المعاوضة على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام.

ومنها : المعاوضة على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام .

ولها صور ؛ لأ نّه تارةً : تقصد المعاوضة بين العين الموصوفة مع لحاظ زيادة القيمة لأجل الصفة ، كمن باع الجارية المغنّية المعدّة للتغنّي ولاحظ لصفة تغنّيها زيادة قيمة .

واُخرى : تقصد المعاوضة على الموصوفة بلا لحاظ قيمة لأجلها .

وثالثة : تلاحظ الصفة من جهة أ نّها صفة كمال فتزاد لأجلها القيمة من غير نظر إلى عملها الخارجي ، فإنّ زيادة القيم فيما هو موصوف بصفة كمال ، وإن كانت غالباً للانتفاع بها لا لنفسها بما هي كمال ، لكن قد تتعلّق الأغراض بها بما هي ، فتزاد القيمة لأجلها .

ورابعة : هذه الصورة بلا ازدياد القيمة .

وخامسة : تلاحظ الصفة من حيث إنّها كمال قد يستفاد منها الحلال كالتغنّي

ص: 208


1- الكافي 5 : 227 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 2 .

في الأعراس ، وفي هذه الصورة تارةً تكون المنفعة المحلّلة نادرة ، واُخرى شائعة ، . . . إلى غير ذلك .

والكلام في وجه الصحّة في الصور المذكورة هو الكلام في الشروط بما مرّ(1) .

وكذا في وجه الفساد في الصور التي يبذل فيها المال بلحاظ الصفة ، سواء كان بلحاظ ظهور آثارها كما هو الشائع المتعارف في زيادة القيم أم بلحاظ نفسها من حيث هي صفة كمال .

إلاّ أنّ وجه البطلان في المقام لعلّه الأوضح منه في الشروط ؛ لأنّ الشروط من قبيل التزام في التزام ، وأمّا في المقام ، فالأوصاف من قيود المبيع ، فمقابلة المال لبّاً في مقابلها أوضح .

فيمكن أن يقال : كما أنّ الجارية المغنّية إذا لم تكن لها قيمة إلاّ بلحاظ وصف التغنّي فبيعت موصوفة بمائة دينار ، تكون المعاملة باطلة ؛ لأنّ ذاتها لا قيمة لها فرضاً وصفتها ساقطة القيمة شرعاً ، ففي محيط الشرع لا تكون لها قيمة ويكون أكل المال بهذا اللحاظ أكلاً بالباطل ؛ لتحكيم دليل إسقاط المالية عنها على الآية الكريمة بوجه أشرنا إليه(2) .

وكذا لو كانت لها قيمة في غاية القلّة - كدرهم

- مع قطع النظر عن صفة التغنّي فبيعت موصوفة بمائة دينار ، يكون أخذ المال بإزائها بلحاظ وصفها أكلاً له بالباطل ، وتكون المعاملة في محيط الشرع سفهية .

ص: 209


1- تقدّم في الصفحة 197 - 206 .
2- تقدّم في الصفحة 200 .

فكذلك لو بيعت موصوفة مع لحاظ مقدار من المالية لصفتها ، وأخذه بلحاظها مع سقوطها عن المالية في لحاظ الشارع ، فإنّ أكل المال في مقابل شيء بلحاظ ما لا مالية له ، أكل له بالباطل .

والأوجه بالنظر بحسب القواعد وإن كان الصحّة ؛ لما تقدّم في الشروط(1) ،

لكنّه غير خالٍ من المناقشة والتأمّل .

هذا حال ما يلاحظ بإزاء الصفة مال ، وأمّا مع عدم لحاظه فمقتضى القواعد صحّتها ؛ لإطلاق الأدلّة وعمومها وعدم وجه للفساد . ومجرّد توصيف المبيع بصفة يترتّب عليها الحرام لا يوجب بطلان المعاملة . ولو فرض صدق الإعانة على الإثم عليها في بعض الأحيان لا يقتضي ذلك بطلانها ، كما يأتي الكلام فيه(2) .

وبما ذكرناه يظهر التأمّل في كلام شيخنا الأعظم(3) ، حيث نفى الإشكال عمّا لو لوحظ من حيث إنّه صفة كمال قد تصرف إلى المحلّل ، فيزيد لأجلها الثمن ، وكانت المنفعة المحلّلة لتلك الصفة ممّا يعتدّ بها .

واختار الصحّة أيضاً فيما كانت المنفعة المحلّلة نادرة ، وزادت القيمة لأجل صفة الكمال التي قد تصرف إلى المحلّل .

وذلك لأنّ زيادة القيمة ليست لأجل صفة الكمال بما هي كذلك ، بل تفاوت القيم في الأشياء بلحاظ الانتفاع بها ، فصفة الكمال المنتفع بها توجب

ص: 210


1- راجع الصفحة 197 وما بعدها .
2- يأتي في الصفحة 218 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 128 .

زيادة القيمة بمقدار مرغوبية الانتفاع .

ولو فرض بذل بعض الأشخاص أحياناً مالاً بلحاظ نفس صفة الكمال ، فهو لا محالة لأجل بعض أغراض اُخر ، لا بواسطة مالية الصفة بذاتها من غير جهة انتفاع وإبراز .

فعليه إنّ بذل المال إن كان للصفة بلحاظ إبرازها المحلّل ، وتتقدّر القيمة بلحاظها بتلك الحيثية ، فلا إشكال في صحّة المعاملة بحسب القواعد ، كانت المنفعة نادرة أم لا . نعم ، لا بدّ في النادرة كونها ذات قيمة لدى العقلاء .

وإن زاد القيمة بمقدار الصفة بتمام الحيثيات المحلّلة والمحرّمة ولوحظت للمحلّلة فقط جزافاً ، يأتي فيه الإشكال المتقدّم من احتمال صدق أكل المال بالباطل عليه ، سيّما إذا كانت المنفعة النادرة ممّا لا قيمة لها ، فإنّ لحاظ

القيمة لما لا قيمة لها لا يجعلها ذات قيمة ، كما أنّ لحاظ زيادتها لا يجعلها زائدة ، فبذل المال بلحاظ ما لا مالية لها ، والزيادة بلحاظ ما لا زيادة لها ، بذل بلا حصول مقابله لبّاً ، وهو نظير ما تقدّم من احتمال كونه من قبيل أكل المال بالباطل .

هذا بحسب القواعد .

وأمّا بحسب الأخبار ، فالظاهر شمول مثل قوله في التوقيع : «وثمن المغنّية حرام»(1) ، وقوله في صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد : «إنّ ثمن الكلب والمغنّية

ص: 211


1- كمال الدين : 483 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 3 .

سحت»(1) ، وقوله في رواية الطاطري : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام»(2) للجارية المغنّية التي شغلها التغنّي وكانت معدّة لذلك ، سواء كان الثمن المجعول في مقابلها بلحاظ كونها مغنّية ومنشأً لهذا الأثر كلاًّ أو بعضاً ، أم جعل بلحاظ نفس ملكة التغنّي مقطوع النظر عن العمل ، أو مع النظر إلى الأثر المحلّل كالقراءة بحسن صوتها أو التغنّي لزفّ الأعراس ، أو بلحاظ ذاتها ، أو صفتها الاُخرى كالخياطة ؛ لصدق كون ثمنها ثمن المغنّية ، فإنّها عبارة عن الذات الموصوفة بالصفة المعدّة لذلك ، والثمن يجعل في مقابل الموجودة في الخارج وهي الجارية المغنّية .

ومجرّد عدم لحاظ كون الثمن لصفتها لم يخرجها عنها ولا يضرّ بصدق كون الثمن ثمن المغنّية .

نعم ، لو جعل الثمن بإزاء وصفها - أي الخياطة - لم يصدق أ نّه ثمن المغنّية ، أو باع الكلّي الموصوف بالخياطة وسلّم الخيّاطة المغنّية ، فكذلك ، لكنّ الأوّل مجرّد فرض لا واقعية له ، بل هو باطل بجهة اُخرى ، والثاني خروج عن الفرض والمسألة .

وبالجملة : إنّ المبيع هو الجارية الموجودة في الخارج التي هي المغنّية ، والثمن الذي بإزائها ثمن هذه الموجودة المغنّية .

ص: 212


1- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 120 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 7 .

وهذا نظير بيع المسكر الخارجي ويجعل الثمن بلحاظ كونه مادّة سيّالة لا بلحاظ مسكريته ؛ فإنّه من الواضح صدق كون الثمن بإزائه ثمن المسكر ، ومجرّد اللحاظ لا يوجب بطلان الصدق .

إن قلت : لعلّ نكتة تحريم ثمنها وجعله سحتاً ، هي سقوط مالية صفة التغنّي فيكون أكل المال بلحاظ الصفة الساقطة من قبيل أكل المال بالباطل ، فالحكم بالحرمة والسحتية دائر مدار لحاظ مالية لها ، كما تقدّم الكلام فيه(1) ، فإذا لم يجعل الثمن بلحاظها لم يكن أكلاً للمال بالباطل .

قلت : الظاهر المتفاهم عرفاً من الروايات(2) أنّ الحكم بحرمة ثمنها وبيعها وشرائها ، إنّما هو للفساد المترتّب عليها ، فأراد الشارع قلع الفساد ، أو تقليله ،

ولا ينقدح في الأذهان منها كون التحريم لأجل كونه أكلاً للمال بالباطل ، بل مع احتمال ذلك فالمرجع إطلاق الأدلّة .

فإذا كانت الجارية مغنّية ، وأراد المشتري منها التغنّي ، وتشبّث بحيلة لتصحيح المعاملة وتملّك الجارية ، وأراد البائع أيضاً تصحيحها وحلّية ثمنها بجعل الثمن بإزاء ذاتها مجرّدة عن الصفة ، أو بلحاظ سائر أوصافها دون صفة التغنّي ، أو بإزائها للأثر المحلّل؛ فراراً من الحرام إلى الحلال ، لا يمكن لهما ذلك ولا تصحّح تلك الحيلة البيع ؛ لصدق أنّ ثمنها ثمن المغنّية؛ لما عرفت .

وهذا نظير أن ينهى المولى عن ضرب الجارية المغنّية فضربها لكونها خيّاطة ، أو لذاتها؛ حيلة لعدم مخالفته .

ص: 213


1- تقدّم في الصفحة 200 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 .

إن قلت : إنّ الأخبار محمولة على الغالب ، وهو مورد بيع المغنّيات وتزييد القيمة لصنعتها .

قلت : لو سلّم أنّ الغلبة صارت موجبة للانصراف في موارد اُخر ، لا توجب ذلك في المقام ؛ لأنّ مناسبة الحكم والموضوع وفهم العرف من الروايات نكتة الجعل ، توجبان التعميم بل إلغاء الخصوصية لو كانت واردة في مورد خاصّ ، فالانصراف ممنوع والإطلاق محكّم .

نعم ، لو تابت المغنّية عن عملها وتركت الاشتغال به ، فالظاهر صحّة بيعها وإن قلنا بصدق المشتقّ ؛ لكون المبدأ هو الملكة العلمية لا الصنعة والعمل ؛ لانصراف الأخبار عن هذه الصورة . بل يقوى احتمال عدم صدق المشتقّ ؛ لاحتمال أن يكون المبدأ التغنّي الذي من قبيل الحرفة ، فيكون الصدق لاتّخاذه حرفة كالمكاري والتاجر ، فإذا تركت الحرفة وأعرضت عنها بطل الصدق ، كما أنّ الظاهر انصرافها عمّا إذا كان غرض المتعاملين حفظها عن التغنّي وكان البائع غير قادر عليه ، ولو كانت صفة التغنّي دخيلة في زيادة الثمن .

نعم ، يأتي فيه الإشكال المتقدّم وهو احتمال صدق أكل المال بالباطل .

وأمّا إذا كان غرض المشتري ذلك دون البائع ، فالظاهر بطلانه ؛ لشمول الأخبار له ، سواء علم قصد المشتري ، أم لا .

ثمّ لو قلنا باستفادة البطلان من قوله : «ثمن المغنّية سحت» أو «حرام» كما هو الأرجح بالنظر ، فهو ، وإلاّ صحّت المعاملة ، وإن حرّم ثمنها تكليفاً بعنوان كونه ثمنها .

ص: 214

هذا حال مثل قوله : «ثمن المغنّية حرام وسحت» مع قطع النظر عن مورد الروايات .

وأمّا بالنظر إليه فلا بدّ من نقلها وبيان مفادها :

فمنها : صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام :

جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار وقد جعل لك ثلثها . فقال : «لا حاجة لي فيها ، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(1) .

والظاهر منها أنّ الجواري كانت موجودة عند بعض الموالي ، وجعل ثلث قيمتهنّ لأبي الحسن علیه السلام .

فالقاعدة تقتضي صحّة الوصيّة لو قلنا بأنّ للجواري المغنّيات قيمة بلحاظ سائر أوصافهنّ ، أو بلحاظ ذواتهنّ ، وإن زعم الموصي بأنّ لهنّ قيمة بلحاظ التغنّي ، وهذا الزعم الباطل لا يوجب بطلانها .

فلو فرض أنّ لهنّ قيمة واقعية ملحوظة لدى الشارع ، كان ثلثها لأبي الحسن علیه السلام .

فردّه الوصيّة دليل على أنّ بيعهنّ مطلقاً حرام ، وثمنهنّ سحت ، سواء تباع بلحاظ قيمة التغنّي ، أو بلحاظ غيره ، وإلاّ لقال : بعهنّ بلحاظ سائر أوصافهنّ .

واحتمال أن يكون ردّها لمنافاة القبول لمقام شرافته وتنزّهه ، مخالف للظاهر من قوله : «إنّ ثمنها سحت» فإنّ ظاهره أنّ ردّها لأجل حكم الشارع بأنّ ثمنهنّ

ص: 215


1- قرب الإسناد : 350 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .

سحت ، مع أنّ القبول بالنحو المتقدّم لا ينافي مقامه علیه السلام .

كما أنّ احتمال أن يكون الموصى به قيمتهنّ بلحاظ الصفة المحرّمة ، فجعل ثلث مالية تلك الجهة له علیه السلام ، فتكون الوصيّة باطلة ، بعيد عن ظاهر الرواية ، مع أنّ ترك الاستفصال دليل على الحرمة مطلقاً .

كما أنّ احتمال أن لا تكون لهنّ قيمة إلاّ بلحاظ صفة التغنّي بعيد غايته ، بل مقطوع الخلاف .

ومنها : رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : أوصى إسحاق بن عمر بجوارٍ له مغنّيات أن نبيعهنّ ونحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن علیه السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولىً لك يقال له إسحاق بن عمر ، أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : «لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت»(1) .

يمكن الاستدلال بها على البطلان مطلقاً ، بأن يقال : لو كان لبيع المغنّيات وجه صحّة ووجه فساد ، كان مقتضى القاعدة حمله على الصحّة لا الحكم بكون الثمن سحتاً ، فالحكم به وردّ الثمن دليل على أن لا وجه صحيح في بيعهنّ .

إلاّ أن يقال بظهورها في أنّ البيع وقع بلحاظ كونها مغنّية ولوحظت زيادة القيمة لأجلها ، كما هو الغالب الشائع من بيع المغنّيات .

ص: 216


1- الكافي 5 : 120 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 5 .

أو يقال بعدم جريان أصالة الصحّة فيما كان الغالب على خلافها كما في المقام .

ومع ذلك فترك الاستفصال لا يخلو من إشعار بالبطلان مطلقاً .

ومنها: صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : «خرجت وأنا اُريد داود بن عيسى بن علي ، وكان ينزل بئر ميمون ، وعليّ ثوبان غليظان ، فلقيت امرأة عجوزاً ومعها جاريتان ، فقلت : يا عجوز ، أتباع هاتان الجاريتان ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا يشتريهما مثلك . قلت : ولِمَ ؟ قالت : لأنّ إحداهما مغنّية والاُخرى زامرة . . .»(1) .

ويمكن الاستدلال بها للبطلان مطلقاً بأن يقال : لو كان الاشتراء بلحاظ سائر أوصافهنّ جائزاً ، لم يقرّرها عليه ، أو أشار إليه في نقله لمعمّر بن خلاّد .

إلاّ أن يقال : إنّ العجوز كانت لم تبعهما إلاّ بلحاظ قيمة وصفهما .

منها : حكم بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام

ومنها : بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام ، كبيع الخشب ممّن يعمل صنماً أو بربطاً ونحوهما ، وبيع العنب ممّن يعمل خمراً ، فتارة : يعلم البائع أ نّه يصرفه

في الحرام وأراد ذلك فعلاً ، واُخرى : يعلم بعدم إرادته الحرام ، لكن يعلم بتجدّد إرادته لذلك ، وعليه تارة : يكون البيع أو تسليم المبيع له موجباً لإرادته ، كما لو

ص: 217


1- الكافي 6 : 478 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 4 .

كان العنب جيّداً صالحاً للتخمير ، فإذا باعه صار موجباً لإرادته ، واُخرى : يكون تجدّدها لا لذلك ، وعلى أيّ حال تارةً : يكون البيع بداعي توصّله إلى الحرام أو برجاء ذلك ، واُخرى : لا يكون كذلك ، وعلى أيّ حال تارةً : يترك الحرام مع تركه البيع ، واُخرى : لا يترك لوجود بائع غيره .

والأولى صرف الكلام أوّلاً إلى الحكم الكلّي ، ثمّ الكلام في الروايات الخاصّة . فيقع الكلام في مقامين :

يقع الكلام في مقامين :
المقام الأوّل : فيما يمكن أن يستدلّ به على الحكم

وهو اُمور :

1 - الاستدلال بحكم العقل بقبح إعانة الغير على المعصية

أحدها : حكم العقل بقبح إعانة الغير على معصية المولى وإتيان مبغوضه ، فكما أنّ إتيان المنكر قبيح عقلاً ، وكذا الأمر به والإغراء نحوه قبيح ، كذلك تهيئة

أسبابه والإعانة على فاعله قبيح عقلاً موجب لاستحقاق العقوبة .

ولهذا كانت القوانين العرفية متكفّلة لجعل الجزاء على معين الجرم وإن لم يكن شريكاً في أصله . فلو أعان أحد السارق على سرقته وهيّأ أسبابه وساعده في مقدّماته ، يكون مجرماً في نظر العقل والعقلاء وفي القوانين الجزائية .

وقد ورد نظيره في الشرع فيما لو أمسك أحد شخصاً وقتله الآخر وكان ثالث نظر لهما ، أنّ على القاتل القود ، وعلى الممسك الحبس حتّى يموت ،

ص: 218

وعلى الناظر أو الربيئة تسميل عينيه(1) .

ولا منافاة بين ذلك وبين ما حرّرناه في الاُصول من عدم حرمة مقدّمات الحرام مطلقاً (2) ؛ لأنّ ما ذكرناه في ذلك المقام هو إنكار الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّماته ، وما أثبتناه هاهنا إدراك العقل قبح العون على المعصية والإثم لا لحرمة المقدّمة ، بل لاستقلال العقل على قبح الإعانة على ذي المقدّمة الحرام وإن لم تكن مقدّماته حراماً .

وهذا عنوان لا يصدق على إتيان الفاعل المقدّمات ، ولهذا لا يكون المجرم في إتيان مقدّماته مجرماً ، بل يكون مجرماً في إتيان نفس الجرم . نعم ، لو أتى بالمقدّمات ولم يوفّق بإتيان الحرام كان متجرّياً .

وبالجملة : يرى العقل فرقاً بين الآتي بالجرم بمقدّماته وبين المساعد له في الجرم ولو بتهيئة أسبابه ومقدّماته ، فلا يكون الأوّل مجرماً في إتيان المقدّمات زائداً عن إتيان الجرم ، وأمّا الثاني فيكون مجرماً في تهيئة المقدّمات ، فيكون في نظر العقل المساعد له كالشريك له في الجرم وإن تفاوتا في القبح .

والظاهر عدم الفرق في القبح بين ما إذا كان تهيئة المقدّمات بداعي توصّل الغير إلى الجرم وغيره ، فإذا علم بأنّ السارق يريد السرقة ويريد ابتياع السلَّم لذلك ، يكون تسليم السلّم إليه قبيحاً وإن لم يكن التسليم لذلك ، وإن كان الأوّل أقبح .

ص: 219


1- راجع وسائل الشيعة 29 : 50 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 17 ، الحديث 3 .
2- راجع مناهج الوصول 1 : 347 .

كما لا فرق في نظر العقل بين الإرادة الفعلية والعلم بتجدّدها ، سيّما إذا كان التسليم موجباً لتجدّدها .

كما لا فرق بين وجود بائع آخر وعدمه ، وإن تفاوتت الموارد في القبح لكنّها مشتركة في أصله .

ثمّ إنّ حكم العقل بالقبح في تلك الموارد ثابت ولو لم يصدق على بعضها عنوان الإعانة على الإثم والتعاون ونحوهما ، فإنّ العقل يدرك قبح تهيئة مقدّمات المعصية والجرم ، صدق عليها تلك العناوين أم لا .

ولعلّ ما ورد في الكتاب(1) والأخبار من النهي عن التعاون على الإثم والعدوان ، أو معونة الظالمين(2) ، أو لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر غارسها وحارسها وبائعها ومشتريها وحاملها وساقيها (3) ، وكذا ما وردت من حرمة بيع المغنّيات(4) ، وإجارة المساكن لبيع بعض المحرّمات(5) ، كلّها لذلك أو لنكتته .

ثمّ إنّه بعد إدراك العقل قبح ذلك - أي الإعانة على الإثم وتهيئة أسباب المنكر والمعصية - لا يمكن تخصيص حكمه وتجويز الإعانة عليها في مورد ، كما لا يمكن تجويز المعصية . كما يشكل التخصيص أيضاً لو كان الدليل عليه مثل

ص: 220


1- المائدة (5) : 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 55 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 80 ، و17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .
3- تقدّمت في الصفحة 46 .
4- تقدّمت في الصفحة 211 - 212 .
5- راجع وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .

قوله حكاية عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه لعن الخمر وغارسها . . . ، بناءً على إلغاء الخصوصية عن الطوائف العشر إلى كلّ معين لشربها ، أو إلى كلّ معين لمعصية ، لكن الثاني ممنوع ؛ لأ نّه مخصوص بالخمر ولا يتعدّى إلى غيرها ، ولا يجوز إلغاء الخصوصية عنها .

نعم ، لو كان الدليل مثل قوله : )وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( لا منع من تخصيصه .

2 - الاستدلال بآية حرمة التعاون على الإثم

ثانيها : قوله تعالى : )وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالعُدْوَانِ((1) .

وربما استشكل عليه الفاضل الإيرواني تارة : بأنّ مؤدّاها الحكم التنزيهي بقرينة مقابلته للأمر بالإعانة على البرّ والتقوى الذي ليس للإلزام قطعاً . واُخرى :

بأنّ قضيّة باب التفاعل هو الاجتماع على إتيان المنكر ، كأن يجتمعوا على قتل النفوس ونهب الأموال ، لا إعانة الغير على إتيانه على أن يكون الغير مستقلاًّ وهذا معيناً له بإتيان بعض مقدّماته(2) .

ويرد على الأوّل : أ نّه لو سلِّمت في سائر الموارد قرينية بعض الفقرات على الاُخر بما ذكر ، لا يسلَّم في المقام ؛ لأنّ تناسب الحكم والموضوع وحكم العقل شاهدان على أنّ النهي للتحريم .

ص: 221


1- المائدة (5) : 2 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 97 .

مضافاً إلى أنّ مقارنة الإثم والعدوان الذي هو الظلم لم تبق مجالاً لحمل النهي على التنزيه ؛ ضرورة حرمة الإعانة على العدوان والظلم كما دلّت عليها الأخبار المستفيضة ، وحمل العدوان على غير الظلم كما ترى .

وعلى الثاني : أنّ ظاهر مادّة العون عرفاً وبنصّ اللغويين ، المساعدة على أمر ، والمعين هو الظهير والمساعد(1) ، وإنّما يصدق ذلك فيما إذا كان أحد أصيلاً في أمر وأعانه غيره عليه .

فيكون معنى )لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( لا يكن بعضكم لبعض ظهيراً ومساعداً ومعاوناً فيهما ، ومعنى تعاضد المسلمين وتعاونهم أنّ كلاًّ منهم يكون عضداً ومعيناً لغيره ، لا أ نّهم مجتمعون على أمر .

ففي «القاموس» : «تعاونوا واعتونوا : أعان بعضهم بعضاً»(2) ونحوه في «المنجد»(3) .

وفي «مجمع البيان» في ذيل الآية قال : «أمر اللّه عباده بأن يعين بعضهم بعضاً

على البرّ والتقوى» إلى أن قال : «ونهاهم أن يعين بعضهم بعضاً على الإثم . . .»(4) .

وكون التعاون فعل الاثنين لا يوجب خروج مادّته عن معناها ، فمعنى تعاون زيد وعمرو ، أنّ كلاًّ منهما معين للآخر وظهير له ، فإذا هيّأ كلّ منهما مقدّمات عمل الآخر يصدق أ نّهما تعاونا .

ص: 222


1- المصباح المنير : 438 ؛ مجمع البحرين 6 : 285 ؛ لسان العرب 9 : 484 .
2- القاموس المحيط 4 : 252 .
3- المنجد : 539 .
4- مجمع البيان 3 : 240 .

وبالجملة : كون التفاعل بين الاثنين لا يلازم كونهما شريكاً في إيجاد فعل شخصي ، فالتعاون كالتكاذب والتراحم والتضامن ممّا هي فعل الاثنين من غير اشتراكهما في فعل شخصي .

ولو كان المراد من حرمة التعاون على الإثم هو الشركة فيه ، يكون مقتضى الجمود على ظاهر الآية هو حرمة شركة جميع المكلّفين في إتيان محرّم ، وهو كما ترى .

فالظاهر من قوله : )وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( عدم جواز إعانة بعضهم بعضاً في إثمه وعدوانه وهو مقتضى ظاهر المادّة والهيئة . ولو قلنا بصدق التعاون والتعاضد على الاشتراك في عمل فلا شبهة في عدم اختصاصه به .

ثمّ إنّ المحكيّ عن المحقّق الثاني الإيراد على التمسّك بآية حرمة التعاون على الإثم لتحريم بيع شيء ممّا يعلم عادةً التوصّل به إلى محرّم ، بأ نّه لو تمّ هذا

الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس . والجواب عن الآية المنع من كون محلّ النزاع معاونة ، مع أنّ الأصل الإباحة وإنّما المعاونة مع بيعه لذلك(1) ، انتهى .

وفصّل هذا الإجمال في «مفتاح الكرامة» و«الجواهر» بأ نّه قامت السيرة على معاملة الملوك والاُمراء فيما يعلمون صرفه في تقوية الجند والعساكر المساعدين لهم على الظلم والباطل ، وإجارة الدور والمساكن والمراكب لهم لذلك ، وبيع المطاعم والمشارب للكفّار في نهار شهر رمضان مع علمهم بأكلهم فيه ، وبيعهم بساتين العنب منهم مع العلم العادي بجعل بعضه خمراً ، وبيع

ص: 223


1- حياة المحقّق الكركي وآثاره ، حاشية إرشاد الأذهان 9 : 318 .

القرطاس منهم مع العلم بأنّ منه ما يتّخذ كتب ضلال(1) .

أضف إليها ما ورد من جواز بيع المختلط بالمذكّى من المستحلّ ، وجواز بيع العجين النجس منه(2) ، وجواز إطعام المرق النجس لأهل الذمّة(3) ، وجواز سقيهم مع تنجّس الماء بملاقاتهم(4) . . . إلى غير ذلك .

أقول : أمّا صدق الإعانة فيما نحن فيه فسيأتي الكلام فيه(5) ، وقد عرفت أنّ حكم العقل بالقبح لا يتوقّف على صدق عنوان الإعانة(6) .

وأمّا الموارد التي ذكروها وادّعوا فيها السيرة :

فالجواب أمّا عن السيرة ببيع المطاعم من الكفّار وما هو نظير ذلك كبيع العنب لهم مع العلم بجعل بعضه خمراً ، فحكم العقل بالقبح وصدق الإعانة على الإثم فرع كون الإتيان بما ذكر إثماً وعصياناً ، وهو ممنوع ، لا لكون الكفّار غير مكلّفين بالفروع أو غير معاقبين عليها ، فإنّ الحقّ أ نّهم مكلّفون ومعاقبون عليها ، بل لأنّ أكثرهم - إلاّ ما قلّ وندر - جهّال قاصرون لا مقصّرون :

أمّا عوامّهم فظاهر ؛ لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم ، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب ، نظير عوامّ المسلمين ؛

ص: 224


1- مفتاح الكرامة 12 : 128 ؛ جواهر الكلام 22 : 32 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 9 : 409 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 19 ، الحديث 3 .
5- يأتي في الصفحة 235 .
6- تقدّم في الصفحة 220 .

فكما أنّ عوامّنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب ، من غير انقداح خلاف في أذهانهم لأجل التلقين والنشو في محيط الإسلام ، كذلك عوامّهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة ، والقاطع معذور في متابعة قطعه ولا يكون عاصياً وآثماً ولا تصحّ عقوبته في متابعته .

وأمّا غير عوامّهم فالغالب فيهم أ نّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفولية والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة ، بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشوئهم .

فالعالم اليهودي والنصراني كالعالم المسلم لا يرى حجّة الغير صحيحة وصار بطلانها كالضروري له ؛ لكون صحّة مذهبه ضرورية لديه لا يحتمل خلافه .

نعم ، فيهم من يكون مقصّراً لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عناداً أو تعصّباً ، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك .

وبالجملة : إنّ الكفّار كجهّال المسلمين منهم قاصر ، وهم الغالب ، ومنهم مقصّر . والتكاليف اُصولاً وفروعاً مشتركة بين جميع المكلّفين عالمهم وجاهلهم ، قاصرهم ومقصّرهم . والكفّار معاقبون على الاُصول والفروع لكن مع قيام الحجّة عليهم لا مطلقاً ، فكما أنّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أ نّهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين ، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل بحكم العقل واُصول العدلية .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ ما ادّعي من السيرة على بيع الطعام في نهار شهر رمضان من الكفّار وسائر ما هو نظيره ، خارج عن عنوان الإعانة على الإثم أو تهيئة

ص: 225

أسباب المعصية ؛ لعدم الإثم والعصيان غالباً ، وعدم العلم ولو إجمالاً بوجود مقصّر فيمن يشتري الطعام وغيره . هذا مع غفلة جلّ أهل السوق لولا كلّهم عن هذا العلم الإجمالي وعدم انقداح ما ذكر في أذهانهم .

فدعوى وجود السيرة مع العلم التفصيلي أو الإجمالي والتوجّه والتذكّر لذلك ، غير وجيهة جدّاً .

وأمّا بيع القرطاس مع العلم باتّخاذ كتب الضلال من بعضه فمضافاً إلى ما تقدّم وعدم العلم الإجمالي رأساً ، إنّ دفع إضلال الناس من الاُمور التي يهتمّ به الشارع الأقدس ، فكيف يمكن القول بجواز بيع القرطاس ممّن يعلم أ نّه يكتب فيه ضدّ الإسلام وردّ القرآن الكريم - والعياذ باللّه - صدق عليه عنوان الإعانة على الإثم

أم لا ؟

وأمّا ما ذكر من السيرة على معاملة الملوك - لو سلّم حصول العلم الإجمالي المذكور ؛ أي حصول العلم بصرفه في الظلم والعدوان - فلا تكشف تلك السيرة عن رضا الشارع بعد ما وردت تلك الروايات الكثيرة في باب معونة الظالم(1) ؛ حيث يظهر منها حرمة إيجاد بعض مقدّمات الظلم ولو لم يقصد البائع ذلك .

وإن شئت قلت : إنّ السيرة ليست من المسلمين المبالين بالديانة ، وليست المعاملة معهم مع العلم بالصرف في الظلم إلاّ كبيع الخمر وآلات الطرب الذي هو رواج في سوق المسلمين . ولا يمكن عدّه من سيرتهم الكاشفة ولا من سيرتهم بما هم مسلمون .

ص: 226


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 55 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 80 ، و17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .

أو قلت : إنّ تلك السيرة مردوعة بالروايات المستفيضة ، وإنّما الاتّكال عليها لكشفها عن رضا الشارع ، ومع تلك الروايات الصالحة للردع لا يمكن ذلك .

هذا ، مع أنّ ترك المعاملة مع عمّال الاُمراء والسلاطين كان مظنّة للضرر ومخالفاً للتقيّة ، سيّما في أعصار الأئمّة علیهم السلام ، ومعه لا يمكن الكشف

عن الحكم الواقعي .

3 - الاستدلال بأدلّة وجوب النهي عن المنكر

ثالثها : أدلّة وجوب النهي عن المنكر ، بأن يقال : دفع المنكر كرفعه واجب ، ولا يتمّ إلاّ بترك البيع .

وربّما نسب هذا الوجه إلى المحقّق الأردبيلي(1) ، لكن لا يظهر منه ذلك ، بل الظاهر منه استبعاد جواز بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يصنع خمراً أو يظنّ ذلك ، مع وجوب النهي عن المنكر .

قال : «وممّا يستبعد الجواز وعدم البأس - وهو الباعث على تأويل كلامهم - أن يجوز للمسلم أن يحمل خمراً لأن يشرب والخنزير لأن يأكله من لا يجوز له أكله ، وباع الخشب وغيره ليصنع صنماً والدفوف والمزامير ، مع وجوب النهي عن المنكر ، وإيجاب كسر الهياكل وعدم جواز الحفظ ، وكسر آلات اللهو ، ومنع الشرب ، والحديث الدالّ على لعن حامل الخمر وعاصرها المذكور في «الكافي» وقد تقدّم ، وكذا ما تقدّم في منع بيع السلاح لأعداء الدين فإنّه

ص: 227


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 141 .

يحرم للإعانة على الإثم وهو ظاهر»(1) ، انتهى .

وهو في كمال الإتقان ، وحاصله : دعوى منافاة أدلّة النهي عن المنكر - المستفاد منها أنّ سبب تشريعه لو كان شرعياً، قلع مادّة الفساد والعصيان ، سيّما

مع تلك التأكيدات فيه والاهتمام به من وجوبه بالقلب واليد واللسان ، ودلالة بعض الأحاديث على إيعاد العذاب لطائفة من الأخيار؛ لمداهنتهم أهل المعاصي ، وعدم الغضب لغضب اللّه تعالى(2) ، والنهي عن الرضا بفعل المعاصي(3) ، والأمر بملاقاة أهلها بالوجوه المكفهرّة(4) ، وغيرها ، وكذا سائر ما ذكره - مع تجويز بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، والخشب ممّن يجعله صنماً وصليباً أو آلة لهو وطرب ، مع أنّ فيه إشاعة الفحشاء والمعاصي وترويج الإثم والعصيان وملازم للرضا بفعل العاصي . وليس مراد الأردبيلي من قوله : لأن يشرب الخمر ، ولأن يأكل لحم الخنزير ، وليصنع صنماً ، كون البيع لغاية ذلك ، كما هو موهم كلامه ، فراجع كلامه في «شرح الإرشاد» حتّى يتّضح مرامه .

وكيف كان : لا بأس بصرف الكلام في الاستدلال بأدلّة النهي عن المنكر بنحو ما قرّره شيخنا الأعظم قدّس سرّه ؛ توجيهاً لكلام المحقّق الأردبيلي .

فنقول : إنّ دفع المنكر كرفعه واجب بناءً على أنّ وجوب النهي عن المنكر

ص: 228


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 51 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 146 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 8 .
3- راجع وسائل الشيعة 16 : 137 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 5 و7 و18 .
4- راجع وسائل الشيعة 16 : 143 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 6 .

عقلي ، كما صرّح به شيخنا الأعظم(1) . وحكي عن شيخ الطائفة وبعض كتب العلاّمة وعن الشهيدين والفاضل المقداد أ نّه عقلي(2) .

وعن جمهور المتكلّمين منهم المحقّق الطوسي عدم وجوبه عقلاً بل يجب شرعاً (3) .

والحقّ هو الأوّل ؛ لاستقلال العقل بوجوب منع تحقّق معصية المولى ومبغوضه وقبح التواني عنه ، سواء في ذلك التوصّل إلى النهي أو الاُمور الاُخر الممكنة .

فكما تسالموا ظاهراً على وجوب المنع من تحقّق ما هو مبغوض الوجود في الخارج ، سواء صدر من مكلّف أم لا؛ لمناط مبغوضية وجوده ، كذلك يجب المنع من تحقّق ما هو مبغوض صدوره من مكلّف ويرى العبد صدوره منه ، فإنّ المناط في كليهما واحد ، وهو تحقّق المبغوض وإن اختلفا في أنّ الأوّل نفس وجوده مبغوض ، والثاني صدوره من مكلّف مبغوض .

فإذا همّ حيوان بإراقة شيء يكون إراقته مبغوضة للمولى ويرى العبد ذلك وتقاعد عن منعه ، يكون ذلك قبيحاً منه ويستحقّ للعقوبة ، لا لأهمّيته بل لنفس مبغوضيته ، كذلك لو رأى مكلّفاً يأتي بما هو مبغوض مولاه ؛ لاشتراكهما في المناط ، والحاكم به العقل .

ص: 229


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 142 .
2- اُنظر جواهر الكلام 21 : 358 ؛ الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : 146 ؛ قواعد الأحكام 1 : 524 ؛ الدروس الشرعية 2 : 47 ؛ الروضة البهيّة 2 : 33 ؛ نضد القواعد الفقهية : 264 .
3- تجريد الاعتقاد : 309 ؛ كشف المراد : 428 .

فإن قلت : على هذا لا يمكن تجويز الشارع ترك النهي عن المنكر .

قلت : هو كذلك لو كان المبغوض فعلياً ولم يكن للنهي مفسدة غالبة ، فلو ورد منه تجويز الترك يكشف عن مفسدة في النهي أو مصلحة في تركه لو كان ذلك متصوّراً في التروك والأعدام .

فدعوى الطباطبائي في تعليقته على «المكاسب» عدم قبح ترك النهي عن المنكر(1) ، في غير محلّها .

نعم ، ما أشار إليه الشيخ الأنصاري من الاستدلال عليه بوجوب اللطف(2) غير وجيه ؛ لما أشار إليه المحشّي المحقّق بكفاية ترهيب اللّه تعالى ونهيه في اللطف(3) .

ثمّ إنّ العقل لا يفرّق بين الرفع والدفع بل لا معنى لوجوب الرفع في نظر العقل ؛ فإنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه ، فالواجب عقلاً هو المنع عن وقوع المبغوض ، سواء اشتغل به الفاعل ، أو همّ بالاشتغال به وعلم بكونه بصدده وكان في معرض التحقّق .

وما يدركه العقل قبحه هو هذا المقدار الذي ادّعاه شيخنا الأنصاري ، لا التعجيز بنحو مطلق حتّى يشمل مثل ترك التجارة والزراعة والنكاح . . . إلى غير ذلك .

نعم ، الظاهر عدم الفرق بين إرادته الفعلية وما علم بتجدّدها بعد البيع،

ص: 230


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 60 .
2- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 142 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 60 .

سيّما إذا كان البيع سبباً له ، كما مرّ(1) .

ولو بنينا على أنّ وجوب النهي عن المنكر شرعي فلا ينبغي الإشكال في شمول الأدلّة للدفع أيضاً لو لم نقل بأنّ الواجب هو الدفع ، بل يرجع الرفع إليه حقيقةً ؛ فإنّ النهي عبارة عن الزجر عن إتيان المنكر ، وهو لا يتعلّق بالموجود إلاّ

باعتبار ما لم يوجد ، فإنّ الزجر عن إيجاد الموجود محال عقلاً وعرفاً ، فإطلاق أدلّة النهي عن المنكر شامل للزجر عن أصل التحقّق واستمراره ، فلو علم من أحد إرادة إيجاد الحرام وهمّ به واشتغل بمقدّماته مثلاً ، وجب نهيه عنه ، فإنّ المراد بالمنكر الذي يجب النهي عنه طبيعته لا وجوده .

بل لو فرض عدم إطلاق فيها من هذه الجهة وكان مصبّها النهي عن المنكر بعد اشتغال الفاعل به ، لا شبهة في إلغاء العرف خصوصية التحقّق بمناسبات الحكم والموضوع .

فهل ترى من نفسك أ نّه لو أخذ أحد كأس الخمر ليشربها بمرئى ومنظر من المسلم يجوز له التماسك عن النهي حتّى يشرب جرعة منها ثمّ وجب عليه النهي ؟

وهل ترى عدم وجوب النهي عن المنكر في الدفعيات والوجودات الصرفة الدفعية ؟ ولعمري إنّ التشكيك فيه كالتشكيك في الواضحات .

ثمّ لو قلنا بوجوب دفع المنكر فتارةً : يكون بوجوده الساري منكراً كشرب الخمر وتخميرها ، واُخرى : بصرف وجوده .

ص: 231


1- تقدّم في الصفحة 220 .

وعلى الأوّل تارةً : يكون المشتري مريداً لتخمير كلّ عنب يشتريه ، واُخرى : لا يريد إلاّ تخمير مصداق واحد .

لا ينبغي الإشكال في الحرمة على الأوّل من الأوّل ؛ لأنّ دفع كلّ مصداق من المنكر واجب فرضاً ، والمفروض أنّ كلّ عنب يشتري الخمّار يجعله خمراً ، فترك كلّ بيع دفع عن منكر مستقلاًّ، فهو واجب .

وأمّا بناءً على أنّ المنكر صرف وجود التخمير مثلاً أو لا يخمّر المشتري إلاّ

مصداقاً واحداً من المبيع ، فهل يجوز بيعه إلاّ فيما إذا تركه غيره - فلو علم بناء غيره على البيع يجوز له ذلك ؛ لأنّ دفع المنكر غير مقدور عليه؛ لفرض وجود بائع آخر ، فهو كثقيل يجب على جمع رفعه ولا يمكن ذلك إلاّ باجتماع جميعهم ، فلو علم بعضهم عدم إقدام بعض على الرفع لا يجب عليه إعمال القوّة ، فإنّه لغو - أو لا يجوز ؟ لأنّ دفع المنكر واجب مطلق على كلّ مكلّف ، ولهذا يجب على كلّ منهم دفعه ولو بمنع الغير عن المخالفة ، ولو اجتمع الكلّ على بيع أعنابهم دفعة واحدة ممّن يعلم أ نّه يجعلها خمراً ، يكون الكلّ عاصياً ؛ لانتقاض الدفع الواجب بفعلهم .

فلو اجتمع القوم عدا واحد منهم كان ما عداه عاصياً ولو فرض تحقّق البيع منه لو كان الغير تاركاً ، وذلك لأنّ انتقاض الدفع الواجب غير جائز شرعاً أو قبيح عقلاً ؛ لكونه مخالفة للأمرعقلاً وعرفاً .

ومجرّد بناء الغير على الانتقاض لا يكون عذراً ، فالبائع الواحد وإن لا يقدر على الدفع لكنّه قادر على انتقاضه وعلى المخالفة ، وهذا كافٍ في تحقّق المعصية مع تحقّقه بفعله وانتقاض الدفع ببيعه .

ص: 232

فلو أمر المولى عبيده بدفع السارق عن سرقة ماله وكان متوقّفاً على بقاء الباب مسدوداً ، يجب على كلّ منهم دفعه بحفظ سدّ الباب ، فلو علم بعضهم أنّ بعض العبيد يريد فتح الباب وتمكين السارق ، لا يوجب ذلك البناء والعلم بفتحه على أيّ حال أن يكون معذوراً في فتح الباب وتمكين السارق ، فلو فتحه كان الفاتح عاصياً لا الباني على الفتح ، وهذا بوجه نظير أن يتعذّر قاتل مظلوم محقون الدم بأ نّه صار مقتولاً على أيّ تقدير ، فلو لم أقتله قتله غيري .

وتنظير المقام بحمل الثقيل غير وجيه ، فإنّ الواجب هناك هو الحمل وهو أمر بسيط لا يتحقّق إلاّ بالاجتماع ، ومع العلم بعدم اجتماعهم عليه ، لا يجب على العالم أن يعمل القوّة الغير المؤثّرة ؛ فإنّه لغو ، وأمّا في المقام فإنّ الواجب هو الدفع عن التخمير لأجل مبغوضية تحقّقه ، وكلّ واحد منهم مستقلّ في القدرة على نقضه ، فمن نقضه فهو عاصٍ ، لا من بنى على نقضه .

وبالجملة : عدم إمكان الدفع إنّما هو بعصيان الشركاء وعدم إمكان دفعهم عنه ، فكيف يمكن أن يكون ذلك موجباً لجواز نقضه وعصيانه قبل عصيانهم بمجرّد بنائهم عليه ؟ !

وإن شئت قلت : إنّ بيع الغير وتسليم العنب موجب لتعجيزه عن دفع المنكر ، لا بنائه عليه ، فما لم يتحقّق التسليم من الغير تكون القدرة على الدفع باقية له ؛ فإنّه قادر على إبقاء الدفع ونقضه ما دام الدفع لم ينتقض . فالانتقاض الموجب لتعجيز غيره محرّم وهو حاصل بفعل البائع فعلاً لا تقديراً وبناءً ، وهذا هو الأقوى .

وأمّا ما ذكره السيّد في تعليقته على المكاسب من أ نّه إذا أمر الشارع على

ص: 233

أمر بسيط غير مقدور على آحاد المكلّفين بل يتوقّف على اجتماع جماعة ، فلا محالة يكون الإيجاب راجعاً إلى المقدّمات بالنسبة إلى الآحاد، فتكون المقدّمات واجباً نفسياً وذلك العنوان البسيط الغير المقدور بالنسبة إلى الآحاد غرضاً في المطلوب لا مطلوباً أوّلياً ، ففي المقام يكون الواجب على كلّ مكلّف ترك بيع العنب لا عنوان دفع المنكر ؛ لعدم القدرة عليه ، ولا ترك بيع العنب الموصل إلى الدفع ؛ لأ نّه أيضاً غير مقدور عليه ، فترك بيعه واجب على كلّ منهم إلى أن وقع العصيان من أحدهم ، وأنّ البناء على العصيان لا يكون عصياناً (1) ، انتهى ملخّصاً .

ففيه أوّلاً : أنّ أوامر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تفي بما ذكره بعد ما كان وجوبهما شرعياً لا عقلياً كما هو مذهبه .

وذلك لأنّ تلك الأوامر كغيرها في سائر الأبواب ، متوجّهة إلى آحاد المكلّفين

ولو انحلالاً . فقوله تعالى : )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ((2) نظير قوله تعالى : )فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ . . .((3) منحلّ إلى أوامر متوجّهة إلى آحاد المكلّفين لا مجموعهم ، ولا يعقل أن تكون متوجّهة إلى الآحاد مستقلاًّ وإلى المجموع بلفظ واحد ، ولو فرض إمكانه ثبوتاً لا يستفاد منه إثباتاً .

فحينئذٍ : يكون إيجاب الدفع على طبق الرفع أيضاً متوجّهاً إلى الآحاد ،

ص: 234


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 61 .
2- آل عمران (3) : 104 .
3- التوبة (9) : 122 .

فلم يكن أمر متوجّهاً إلى المجموع حتّى يقال : لا بدّ من إرجاعه إلى السبب .

وثانياً : أنّ متعلّق الأوامر هو الرفع المفهوم منها الدفع أو الدفع أيضاً ، ولا يكون الدفع غير مقدور مطلقاً حتّى يقال : إنّ الأمر بالمسبّب الغير المقدور راجع إلى سببه ، وكونه في بعض الأحيان غير مقدور ، لا يوجب إرجاع الأمر إلى السبب بالنسبة إليه حتّى يكون مفاد الأمر الواحد في المقدور شيء وفي غيره شيء آخر .

ولو فرض فهم ذاك وذلك من الأوامر بإلغاء الخصوصية - على إشكال فيه في كلا المقامين سيّما الثاني - فلا يلزم منه الإرجاع إلى السبب ؛ فإنّ الأمر كما يمكن أن يتعلّق بآحاد المكلّفين ، يمكن أن يتعلّق بمجموع منهم ، فيكون الأمر واحداً والمأمور واحداً هو المجموع ، ويشترط فيه عقلاً قدرة المجموع لا الآحاد ، فتكون الطاعة بإيجاد المجموع والعصيان بتركهم أو ترك بعضهم ، وعليه أيضاً يفترق المقام عن حمل الثقيل بما تقدّم بيانه .

مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً

ثمّ إنّه قد تقدّم(1) أنّ المبنى للحرمة إن كان قبح تهيئة أسباب المعصية والإثم عقلاً ، فلا ينظر إلى صدق مفهوم الإعانة عرفاً ، فإنّ موضوع حكم العقل ليس عنوانها ، بل مطلق تهيئة أسباب المعصية قبيح عقلاً .

نعم ، لا يتجاوز الحكم من تحصيل الشرائط والأسباب إلى مطلق ما له دخل في تحقّق المعصية ، كتجارة التاجر العالم بأخذ العشر منه إذا لم تكن تجارته

ص: 235


1- تقدّم في الصفحة 220 .

لتقوية الظالم ؛ فإنّها ليست قبيحة عقلاً بلا ريب وليست من قبيل تهيئة الأسباب ، ولا فرق في نظر العقل بين الأقسام المتقدّمة في صدر البحث .

وكذا لو كان المستند حكم العقل بدفع المنكر ؛ فإنّ العقل لا يفرّق بين وجود إرادة المعصية فعلاً وبين تجدّدها ، ولا بين كون الداعي توصّل الغير إلى الحرام وغيره ، ولا وجود فاعل آخر وعدمه كما مرّ(1) .

وأمّا إن كان المستند هو الآية الكريمة الناهية عن التعاون على الإثم والعدوان ، فيقع البحث في مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً ؛ أي في هذا العنوان التركيبي المتعلّق للنهي :

تارةً : في أ نّه هل يعتبر في صدق الإعانة على الإثم وقوع الإثم في الخارج ؟

واُخرى : في أ نّه هل يعتبر في صدقها قصد المعين لتوصّل الفاعل إلى الحرام ؟

وثالثة : في أ نّه هل يعتبر قصد المعان عليه الحرام ، أو يكفي تخيّل المعين أ نّه قصده ؟

ورابعة : في أ نّه هل يعتبر علم المعين أو ظنّه بترتّب الإثم على ما يوجده ؟

وخامسة : في أ نّه هل يعتبر العلم بتوقّف الإثم على خصوص هذه المقدّمة أو لا ؟

أمّا الأوّل : فقد يقال باعتباره(2) ؛ لأنّ الظاهر من قوله : )لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ( أي على تحقّقه وهو لا يصدق إلاّ معه ، فإذا لم يتحقّق خارجاً وأوجد شخص بعض مقدّمات عمله لا يقال : إنّه أعانه على إثمه ؛ لعدم صدوره منه ، وما

ص: 236


1- تقدّم في الصفحة 230 .
2- عوائد الأيّام : 78 - 79 .

لا يصدر منه كيف يكون ذلك إعانة على إثمه ؟

وبالجملة : الإعانة على تحقّق الإثم موقوفة على تحقّقه وإلاّ يكون مِن توهّم الإعانة عليه لا نفسها ويكون تجرّياً لا إثماً ، ولهذا لو علم بعدم تحقّقه منه لا يكون إيجاد المقدّمة إعانة على الإثم بلا شبهة .

ولكن يمكن أن يقال : إنّ المفهوم العرفي من الإعانة على الإثم هو إيجاد مقدّمة إيجاد الإثم وإن لم يوجد ، فمن أعطى سلّماً لسارق بقصد توصّله إلى السرقة فقد أعانه على إيجادها ، فلو حيل بين السارق وسرقته شيء ولم تقع منه يصدق أنّ المعطي للسلّم أعانه على إيجاد سرقته وإن عجز السارق عن العمل ، فلو كان تحقّق السرقة دخيلاً في الصدق فلا بدّ وأن يقال : إنّ المعتبر في صدق الإعانة إيجاد المقدّمة الموصلة ، أو الالتزام بأنّ وجود السرقة من قبيل الشرط المتأخّر لصدق الإعانة . وكلاهما خلاف المتفاهم العرفي منها بل هما أمران عقليان .

أو يقال : لا يصدق عرفاً الإعانة على الإثم حتّى وجدت السرقة ، فالفعل المأتيّ به لتوصّل الغير إلى الحرام مراعىً حتّى يوجد ذو المقدّمة ، وبعده يقال : إنّه أعانه عليه . وهو أيضاً خلاف الواقع .

أو يقال : إنّ صدق الإعانة عليها فعلاً باعتبار قيام الطريق العقلائي على وجود الإثم ، وبعد التخلّف يكشف عن كونها تجرّياً لا إعانة . وهو أيضاً غير صحيح ؛ لأنّ الطريق العقلائي عليه لا يتّفق إلاّ أحياناً ، ومع عدم القيام أيضاً يقال : أعانه على إيجاده ، فمن أعطى جصّاً لتعمير مسجد يقال : إنّه أعان على تعميره قبل تحقّقه بل مع عروض مانع عنه ، ولهذا يصحّ أن يقال : إنّي أعنت فلاناً على

ص: 237

تعمير المسجد ولم يقع منه ذلك بلا شائبة تجوّز .

وإن شئت قلت : فرق بين كون الإثم بمعنى اسم المصدر وكونه بمعنى المصدر في صدق الإعانة ، فلو كان بمعنى اسمه يعتبر في صدقها الوجود ، بخلاف ما إذا كان بمعنى المصدر ، والمقام من قبيل الثاني .

وأمّا مورد النقض ؛ أي عدم الصدق مع العلم بعدم تحقّقه منه ، فعدم الصدق باعتبار فقد قيد آخر معتبر فيه كما يأتي الكلام فيه .

لكن مع ذلك كلّه لا يخلو الصدق من خفاء والمسألة من غموض وإن كان الصدق أظهر عرفاً .

وأمّا الثاني : فالأقرب اعتباره ؛ فإنّ الظاهر أنّ إعانة شخص على شيء عبارة عن مساعدته عليه وكونه ظهيراً للفاعل ، وهو إنّما يصدق إذا ساعده في توصّله إلى ذلك الشيء ، وهو يتوقّف على قصده لذلك .

فمن أراد بناء مسجد فكلّ من أوجد مقدّمة لأجل توصّله إلى ذلك المقصد يقال : ساعده عليه وأعانه على بناء المسجد .

وأمّا البائع للجصّ والآجر وسائر ما يتوقّف عليه البناء إذا كان بيعهم لمقاصدهم وبدواعي أنفسهم ، فليس واحد منهم معيناً ومساعداً على البناء ولو علموا أنّ الشراء لبنائه .

نعم ، لو اختار أحدهم من بين سائر المبتاعين الباني للمسجد لتوصّله إليه ، كان مساعداً بوجه ، دون ما إذا يفرق بينه وبين غيره؛ لعدم قصده إلاّ الوصول بمقصده .

فالبزّاز البائع لمقاصده ما يجعل ستراً للكعبة ليس معيناً على البرّ والتقوى ،

ص: 238

ولا البائع للعنب بمقصد نفسه ممّن يجعله خمراً معين على الإثم ومساعد له فيه .

بل لو أوجد ما يتوقّف عليه مجّاناً لغرض آخر غير توصّله إلى الموقوف لا يصدق أ نّه أعانه وساعده عليه .

والتشبّث ببعض الروايات والآيات لنفي اعتباره(1) مع أنّ الاستعمال فيها من قبيل الاستعارة ونحوها ، في غير محلّه .

وأمّا الصدق على إعطاء العصا والسكّين على مريد الظلم والقتل حينهما ، فلعلّه لعدم التفكيك في نظر العرف بين إعطائه في هذا الحال وقصد توصّله إلى مقصده ، ولهذا لو جهل بالواقعة لا يعدّ من المعاون على الظلم ، فلو أعطاه العصا لقتل حيّة واستعملها في قتل إنسان ، لا يكون معيناً على قتل الإنسان . وبالجملة : إنّ الصدق العرفي في المثال المتقدّم لعدم التفكيك عرفاً ، ولهذا لو اعتذر المعطي بعدم إعطائه للتوصّل إلى الظلم مع علمه بأ نّه أراده ، لا يقبل منه .

والظاهر اعتبار ثالث القيود ، فمع عدم قصد المعان عليه الإثم ، لا يكون الإعانة على فعله إلاّ إعانة على ما يتوهّم أ نّه إثم .

وعدم اعتبار رابعها وخامسها ، فمن أعصر خمراً برجاء أن يشرب منها شارب أو أعطى سكّيناً لظالم ليعمل به القتل لو احتاج إليه ، يعدّ عملهما الإعانة على الإثم سيّما إذا تحقّق في الخارج ، بل لا يبعد اعتبار التحقّق في الصدق فيهما .

ثمّ إنّه على القول باعتبار القصد وتحقّق الإثم في مفهومها ، لقائل أن يقول

ص: 239


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 134 - 135 .

بإلغاء القيدين حسب نظر العرف والعقلاء بالمناسبات المغروسة في الأذهان ، بأن يقال : إنّ الشارع الأقدس أراد بالنهي عن الإعانة على الإثم والعدوان قلع مادّة الفساد ، والمنع عن إشاعة الإثم والعدوان ، وعليه لا فرق بين قصده إلى توصّل الظالم بعمله وعدمه مع علمه بصرفه في الإثم والعدوان ، فالنهي عن الإعانة إنّما هو لحفظ غرضه الأقصى ، وهو القلع المذكور ، فيلغي العرف خصوصية قصد التوصّل .

وكذا يمكن أن يقال : إنّ الإعانة على الإثم والعدوان لما تصير عادة موجبة لتشويق العصاة على عملهم وجرأتهم على الإثم والعدوان ، نهى الشارع عن إعانة من همّ بمعصية ؛ سياسةً لأن يرى العامل بالمنكر نفسه وحيدةً في العمل لا معين له فيه ، والوحدة قد توجب الوحشة المؤدّية إلى الترك ، كما أنّ رؤية المعين على عمل موجبة للجرأة ، فالشارع نهى المسلمين عن تهيئة أسباب المعصية لمن أرادها ؛ لقلع مادّة الفساد وانصراف الناس عن الإثم والعدوان .

وإلى بعض ما ذكرناه أشارت رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

وفيها : «لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا»(1) .

فتحصّل من ذلك أ نّه بعد إلغاء الخصوصية عرفاً تستفاد من الآية حرمة تهيئة أسباب المعصية لمن همّ بها ، سواء كانت التهيئة لأجل توصّله إليها أم لا ، وسواء تحقّق الإثم أم لا . ويؤيّده حكم العقل أيضاً بقبحها ، ولكن مع ذلك لا يخلو إلغاء

ص: 240


1- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

الخصوصية وفهم العرف من الآية ما ذكرناه من تأمّل وإن لا يخلو من وجه .

ثمّ إنّ هذا كلّه في كلّي المسألة .

حرمة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً

وأمّا في خصوص الخمر فالظاهر المتفاهم من المستفيضة الحاكية عن لعن الخمر وغارسها وحارسها وبائعها ومشتريها . . .(1) أنّ اشتراء العنب للتخمير حرام ، بل كلّ عمل يوصله إليه حرام ، لا لحرمة المقدّمة ، فإنّ التحقيق عدم حرمتها ، ولا لمبغوضية تلك الاُمور بعناوينها ، بل الظاهر أنّ التحريم نفسي سياسي لغاية قلع مادّة الفساد .

فإذا كان الاشتراء للتخمير حراماً ؛ سواء وصل المشتري إلى مقصوده أم لا ، تكون الإعانة عليه حراماً ؛ لكونها إعانة على الإثم بلا إشكال ؛ لأنّ قصد البائع وصول المشتري إلى اشترائه الحرام والفرض تحقّق الاشتراء أيضاً ، فبيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً حرام وإعانة على الإثم .

هذا إذا قلنا بعدم استفادة حرمة إيجاد مقدّمات تحصيل الخمر من الروايات مطلقاً ؛ سواء كان بقصده أم لا ، فمن غرس العنب وعلم أ نّه سيجعل خمراً ، لا يحرم عليه إذا لم يكن غرسه لذلك .

وأمّا إن قلنا باستفادة الحرمة مطلقاً من تلك التشديدات والتضي-يقات الواردة فيها ، فيكون البيع كالاشتراء حراماً لا لمحض الإعانة على التخمير .

ص: 241


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 ، 4 ، 5 ، وقد تقدّمت في الصفحة 46 .
المقام الثاني : في حال الروايات الواردة في المقام

وهي على طائفتين :

إحداهما : ما يمكن توجيهها بوجه لا تنافي ما تقدّم من حكم العقل والنقل(1) ، كصحيحة البزنطي ، قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن بيع العصير فيصير خمراً قبل أن يقبض الثمن ، فقال : «لو باع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعله حراماً لم يكن بذلك بأس ، فأمّا إذا كان عصيراً فلا يباع إلاّ بالنقد»(2) .

بأن يقال : إنّ السؤال عن ثمن العصير ، والجواب أيضاً عن ثمن ما يعلم أ نّه يجعل حراماً وكذا عن ثمن العصير ، فلا تنافي بين نفي البأس عن ثمن العصير وبين حرمة الإعانة على الإثم المنطبق عنوانها على البيع .

نعم ، في قوله : «فأمّا إذا كان عصيراً» إشعار أو ظهور في الجملة في جواز بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً . لكن يمكن أن يقال : إنّ السؤال لمّا لم يكن في العصير عن ذلك ينزّل الجواب عليه ، وهو إثبات البأس ولو بنحو الكراهة بالنسبة إلى بيع العصير نسية ؛ لكونه في معرض الفساد .

وكيف كان : ليس لها ظهور معتدّ به في المنافاة لما تقدّم .

هذا، مع أنّ الضمير في قوله: «يجعله حراماً» يرجع إلى العصير لا إلى ثمرته ، فيمكن أن يقال : إنّه نفى البأس عن بيع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعل العصير حراماً

ص: 242


1- تقدّم في الصفحة 218 وما بعدها .
2- الكافي 5 : 230 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 1 .

ولا يعلم بأ نّه يجعل هذه الثمرة حراماً .

وكرواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله حراماً (1) ، قال : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس»(2) .

بأن يقال فيها أيضاً : إنّ السؤال إنّما هو عن ثمن العصير وكذا الجواب ، فلا ربط لهما بأصل المعاملة وحرمتها ، مع إمكان أن يقال : إنّ لفظة «أو» للترديد ،

فيكون الابتياع مردّداً بين كونه للحلال أو الحرام ومعه لا بأس ببيعه أيضاً .

والطائفة الثانية : ما لا يمكن توجيهها أو يكون بعيداً مخالفاً للظاهر .

كصحيحة رفاعة بن موسى ، قال سئل أبو عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمّره، قال : «[حلال] ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟»(3).

ومكاتبة ابن اُذينة ، قال كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(4) .

ص: 243


1- الموجود في المصادر الروائية : «خمراً» بدل «حراماً» كما أورده المصنّف كذلك في الصفحة 140 .
2- الكافي 5 : 231 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 603 ؛ وسائل الشيعة 17 : 231 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 8 .
4- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 5 .

ورواية أبي كهمس ، وفيها : ثمّ قال : «هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً»(1) .

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بيع عصير العنب ممّن

يجعله حراماً ، قال : «لا بأس به ، تبيعه حلالاً فيجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه»(2) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ حملها على وهم البائع أنّ المشتري يعمل هذا المبيع خمراً ، أو احتمال أن يكون الضمير راجعاً إلى مطلق العصير كما احتمله الأردبيلي ، بعيد جدّاً ، كما يظهر منه أيضاً أنّ الحمل على خلاف الظاهر ؛ لعدم إمكان الالتزام بها (3) .

وهو كذلك ؛ فإنّها مخالفة للكتاب - أي آية النهي عن التعاون على الإثم - والسنّة المستفيضة وهي الحاكية للعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها . . . بالتقريب المتقدّم(4) .

ولا يصحّ القول بتقييد الآية والسنّة ؛ لإباء العقول عن ذلك، فإنّ الالتزام بحرمة التعاون على كلّ إثم إلاّ بيع التمر والعنب الذي يشترى للتخمير ، بأن يقال : إنّ الإعانة على غرسها وحرسها وحملها وغير ذلك كلّها محرّمة سوى خصوص

ص: 244


1- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .
2- الكافي 5 : 231 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 4 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 50 .
4- تقدّم في الصفحة 240 .

الاشتراء له ، أو الالتزام بأنّ الإعانة على كلّ إثم حرام إلاّ على شرب الخمر الذي هو من أعظم المحرّمات ، كما ترى .

وتوهّم : أنّ الإعانة على الاشتراء الحرام وهو ليس من المحرّمات المهتمّ بها ، مدفوع بأنّ المفهوم من الآية ولو بمؤونة حكم العقل أنّ مطلق تهيئة أسباب الإثم منهيّ عنه ، والبيع ممّن يعلم أ نّه يبتاع للتخمير من مقدّمات التخمير بل الشرب المهتمّ به ، مضافاً إلى أ نّه يظهر من بعض الروايات أنّ الإعانة على الإثم كنفس الإثم(1) .

كما أنّ الالتزام بعدم حرمة الإعانة على الإثم مطلقاً فراراً عن التفصيل المستبعد بل الغير الممكن ، غير ممكن ؛ إذ مقتضاه مخالفة الروايات للكتاب على نحو التباين ؛ لما تقدّم(2) من عدم إمكان حمل النهي في الآية على التنزيه ، وكذا

لا يصحّ تخصيص السنّة ؛ فإنّ لسانها آبية عنه .

فتلك الروايات بما أ نّها مخالفة للكتاب والسنّة المستفيضة ، وبما أ نّها مخالفة لحكم العقل كما تقدّم ، وبما أ نّها مخالفة لروايات النهي عن المنكر ، بل بما أ نّها مخالفة لاُصول المذهب ومخالفة لقداسة ساحة المعصوم علیه السلام ؛ حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأئمّة علیهم السلام كانوا يبيعون تمرهم ممّن يجعله خمراً وشراباً خبيثاً ولم يبيعوه من غيره ، وهو ممّا لا يرضى به الشيعة الإمامية ، كيف ! ولو صدر هذا العمل من أواسط الناس كان يعاب عليه . فالمسلم بما هو مسلم والشيعي

ص: 245


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .
2- تقدّم في الصفحة 221 .

بما هو كذلك ، يرى هذا العمل قبيحاً مخالفاً لرضا الشارع ، فكيف يمكن صدوره

من المعصوم علیه السلام ؟

واحتمال أن يكون البيع مشتملاً على مصلحة غالبة أو تركه على مفسدة كذلك توجب الجبران ومعه لا قبح فيه بل لعلّ القبح في تركه ، فاسد ؛ فإنّه مع كمال بعده في نفسه بل بطلانه - لأنّ في مثل تلك العناوين الاعتبارية ليست مصلحة ذاتية لا تصل إليها العقول ، نعم ، قد تكون في بعض الأحيان مصلحة التسهيل أو مفسدة التضييق موجبة لمثل ذلك ، لكنّهما في المقام غير محقّقة ؛ لأنّ في ترك البيع لخصوص الخمّار ليس تضييقاً ولا في تسهيله مصلحة جابرة لمثل مفسدة ترويج الخمر وتشييع تلك الفاحشة - إنّه مخالف لظاهر الأخبار ؛ فإنّ مفادها أنّ الجواز لأجل كون البيع في إبّان حلّيته ، وأ نّه إذا حلّ شربه وأكله

حلّ بيعه وأنّ الوزر على صانعه ، وهو مخالف لجميع ما تقدّم من العقل والنقل .

فنعم ما قال السيّد في «الرياض» ؛ حيث قال : «في مقاومة هذه النصوص - وإن كثرت واشتهرت وظهرت دلالتها بل وربّما كان في المطلب صريحاً بعضها ؛ لما مرّ من الاُصول والنصوص المعتضدة بالعقول - إشكال ، والمسألة لذلك محلّ إعضال ، فالاحتياط فيها لا يترك على حال»(1) ، انتهى .

وليته جزم بذلك وردّ تلك النصوص إلى أهلها ، فإنّا مأمورون بذلك .

ولك أن تقول أيضاً : إنّ تلك النصوص معارضة مع الرواية الواردة في المنع عن بيع الخشب للصنم والصليب :

ص: 246


1- رياض المسائل 8 : 55 .

كصحيحة عمر بن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط ؟ فقال : «لا بأس به» . وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً ؟ قال : «لا»(1) .

ورواية عمرو بن حريث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ، قال : «لا»(2) .

ولرواية صابر ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ؟ قال : «حرام أجره»(3) .

بناءً على عدم الفصل بين تلك الموارد وعدم الفرق بين الإجارة وغيرها ، وأنّ المراد من الأخيرة إجارة البيت ممّن يعلم أ نّه يبيع فيه الخمر ، والترجيح لتلك الروايات بالوجوه المتقدّمة .

وممّا تقدّم يظهر حال صحيحة ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام

أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ؟ قال : «لا بأس»(4) .

ص: 247


1- الكافي 5 : 226 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 373 / 1084 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 134 / 593 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 227 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 2 .

مع احتمال أن تكون الإجارة لا لذلك وجهل المؤجر بالواقعة .

فقد ظهر ممّا ذكرناه النظر فيما أفاد الشيخ الأعظم : «من أنّ القول الفصل ، التفصيل بين الصليب والصنم وبين الخمر والبرابط ، والعمل بمضمون الروايات في مواردها لو لم يكن قولاً بالفصل»(1) ، انتهى .

مع أنّ التفصيل بين الصليب والخمر بعيد ، بعد كون الصليب ظاهراً هو ما يصنع شبيه ما صلب به المسيح علیه السلام على زعمهم ، وإنّما يكرمونه لذلك

ولا يعبدونه كما يعبد الصنم ، كما زعم .

قال في كتاب «المنجد» الذي مصنّفه منهم : «الصليب العود المكرّم الذي صلب عليه السيّد المسيح»(2) .

والظاهر منه أ نّه عين ذلك العود ، وهو بعيد ، ولعلّ مراده ذكر الأصل والمنشأ .

فما عن «المغرب» : «هو شيء مثلّث كالتمثال تعبده النصارى»(3) كأ نّه وهم .

فحينئذٍ : فالحكم بجواز بيع العنب والخشب ممّن يصنع الخمر والبرابط ، وعدم جواز بيع الخشب ممّن يعمل الصلبان ، لا يخلو من بعد ؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر أشدّ حرمة من تكريم عود يتخيّل كونه تكريماً للسيّد المسيح علیه السلام ، بل لو كان حراماً لا يبعد أن يكون لوجه التشريع ، أو لكونه شعار النصارى ، وإن يمكن أن يقال : صيرورته شعاراً لهم ، أوجبت الاهتمام به وتحريم التسبيب إليه زائداً على غيره .

ص: 248


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 131 - 132 .
2- المنجد : 431 .
3- المغرب في ترتيب المعرب 1 : 478 .
بيان الحكم الوضعي للبيع المحرّم في المقام

ثمّ لو قلنا بحرمة البيع فهل يقع صحيحاً أو لا ؟

والتفصيل أن يقال : إنّ المعاملة قد تقع معاطاة وقد تقع بالصيغة .

فالأقوى صحّتها على الأوّل ؛ لأنّ المحرّم عنوان آخر منطبق على المعاملة الخارجية ، سواء كان المستند حكم العقل بقبح تهيئة أسباب المحرّم أو وجوب دفع المنكر أو حكم الشرع بوجوب دفعه أو حرمة التعاون عليه ؛ لأنّ موضوعات تلك الأحكام عناوين غير نفس المعاملة وبينهما عموم من وجه ، والموضوعات الخارجية مجمع لهما ، ولكلّ منهما حكمه .

ومن ذلك يدفع استبعاد تنفيذ الشارع سبباً يؤدّي إلى مبغوضه ؛ لأنّ التنفيذ لم يقع إلاّ على عنوان البيع ونحوه وهو ليس بمبغوض ، وكون عنوان آخر منطبق على ما ينطبق عليه عنوان المعاملة مبغوضاً ، لا يوجب تنفيذ المبغوض .

وعلى الثاني تقع المزاحمة - بعد وقوع المعاوضة

- بين دليل حرمة التعاون على الإثم ودليل وجوب تسليم المثمن .

فإن قلنا بترجيح الثاني يجب عليه التسليم ويعاقب على الإعانة على الإثم . أمّا على ما رجّحناه في محلّه(1) : من بقاء الحكم في المتزاحمين على ما هو عليه من الفعلية ، فواضح ؛ لأ نّه خالف الحكم المحرّم الفعلي بلا عذر . وأمّا على القول بسقوط النهي فلارتكابه المبغوض بلا ع-ذر ، وه-و بوج-ه نظير المتوسّط في

ص: 249


1- راجع مناهج الوصول 2 : 22 .

أرض مغصوبة أو نظير إيقاع النفس في مهلكة العطش اختياراً ؛ فيجب عليه حفظ نفسه بشرب الخمر ويعاقب عليه .

وإن قلنا بترجيح الأوّل فلا يجوز له التسليم .

فحينئذٍ ربّما يقال : إنّ المعاوضة لدى العقلاء متقوّمة بإمكان التسليم والتسلّم ، ومع تعذّره شرعاً أو عقلاً لا تقع المعاوضة صحيحة ، ففي المقام يكون تسليم المبيع متعذّراً شرعاً ؛ لعدم جوازه فرضاً وعدم جواز إلزامه عليه لا من قبل المشتري ولا الوالي ، ومع عدم تسليمه يجوز للمشتري عدم تسليم الثمن ، والمعاوضة التي هو حالها ليست عقلائية ولا شرعية فتقع باطلة .

وفيه : أنّ ما يضرّ بصحّة المعاوضة هو العجز عن التسليم تكويناً ، أو نهي الشارع عن تسليم المبيع بعنوانه حيث يستفاد منه ردع المعاوضة ، والمقام ليس من قبيلهما ؛ لعدم العجز تكويناً ، وعدم تعلّق النهي عن تسليم المبيع بعنوانه ، بل النهي عن الإعانة على الإثم صار موجباً لعدم التسليم .

وبعبارة اُخرى : إنّ المانع العقلي أو الشرعي عن مقتضى المعاملة عرفاً الذي منه التسليم لو صار موجباً لبطلانها ، لا يوجب أن يكون مطلق المانع ولو بجهات خارجية كذلك . وهذا نظير ما لو كان أحد المتبايعين مديوناً للآخر ، ناكلاً عن أدائه ، فحبس الدائن متاعه المبتاع لاستيفاء دينه ، فإنّ جواز ذلك لا يوجب مضادّته لمقتضى المعاوضة ، بل هي صحيحة ووجب على المديون تسليم العوض وعدم النكول في مقابل نكول الآخر لاستيفاء دينه .

ففي المقام لا يكون ترك التسليم ولا حكم الشرع به ، منافياً لمقتضى المعاوضة بعد ما كان ذلك لغرض آخر خارج عن المعاملة ومقتضاها .

ص: 250

وإن شئت قلت : إنّ البائع قادر على التسليم وغير ممتنع عنه بشرط رجوع المشتري عن قصد التخمير ، فنكول البائع إنّما هو بتقصير من المشتري وتسبيب منه ، وفي مثله لا يكون النكول منافياً لمقتضى المبادلة ، بل يجب عليه تسليم الثمن ولا يجوز له النكول في مقابل نكوله المسبّب عن تقصيره .

نعم ، لا يبعد الاستناد إلى رواية «تحف العقول» على البطلان لولا ضعفها ، لا إلى الفقرة التي ذكرها شيخنا الأعظم في أوّل مكاسبه وفي المقام(1) ، بل إلى فقرة اُخرى ساقطة عن قلمه الشريف أو النسخة التي كانت عنده . فما هو الموجود في «التحف» هكذا :

«وكذلك كلّ بيع (مبيع . ظ) ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب من أبواب الضلالة ، أو باب من أبواب الباطل ، أو باب يوهن به الحقّ ، فهو حرام محرّم، حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه . . .»(2) .

بأن يقال : إنّ أبواب الباطل تشمل مطلق المعاصي ، سيّما مع وقوعها في مقابل أبواب الضلالة ، وباب يوهن به الحقّ .

فالحديث متعرّض لما يوجب الضلالة ، ككتب الضلال وبيع القرطاس لذلك .

ولما يوجب الوهن في الإسلام ، كبيع السلاح لأعداء الدين ، ومنه بيع العنب مثلاً ممّن يجعله خمراً ويبيعه علناً في شوارع المسلمين ، أو جنب المشاهد

ص: 251


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 5 و145 .
2- تحف العقول : 333 .

المعظّمة ، ممّا يوجب الوهن في الإسلام .

ولما يكون باباً من أبواب الباطل وهو سائر المعاصي ، ولهذا اُطلق الباطل على كثير منها في الأخبار كالقمار والشطرنج والسماع ونحوها :

ففي رواية الفضيل قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس : النرد والشطرنج حتّى انتهيت إلى السِدر(1) ، فقال : «إذا ميّز اللّه الحقّ من الباطل مع أيّهما يكون ؟» قلت : مع الباطل ، قال : «فما لك وللباطل ؟»(2).

وقد فسّر قوله تعالى : )لاَ تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((3) بالسرقة والقمار ونحوهما (4) .

وجه الدلالة على البطلان أنّ الظاهر كما قالوا أ نّها سيقت لإفادته ، مضافاً إلى أنّ العرف يرى التنافي بين تحريم المعاملة ومبغوضيتها ، وبين تنفيذها وإيجاب الوفاء بها . هذا في غير بيع الخمر والتمر ممّن يشتري للتخمير ، وأمّا فيه فالظاهر من الروايات المستفيضة الحاكية للعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الطوائف الدخيلة في شرب الخمر ، مبغوضية اشتراء العنب للتخميرولو بإلغاء الخصوصية عرفاً لو لم نقل بفهم العرف منها مبغوضية البيع ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً .

ومع مبغوضية الاشتراء ، أو هو مع البيع بعنوانهما ، يستبعد تنفيذ المبايعة ،

ص: 252


1- في المجمع : السِدَر كعِبَر لعبة للصبيان . :[منه قدس سره ] راجع مجمع البحرين 2 : 435 .
2- الكافي 6 : 436 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 324 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 3 .
3- النساء (4) : 29 .
4- مجمع البيان 3 : 59 ؛ تفسير جوامع الجامع 1 : 391 ؛ نور الثقلين 1 : 472 / 198 .

بل يكون الجمع بينهما من قبيل الجمع بين المتنافيين عرفاً ، وقد عرفت أنّ

الحرمة فيها ليست مقدّمية(1) .

والفرق بينه وبين ما تقدّم من تصحيح البيع المنطبق عليه عنوان محرّم ، واضح .

ودعوى : أنّ التحريم دليل على الصحّة ، في غير محلّها ؛ فإنّ المبغوض هو المعاملة العقلائية الرائجة بينهم من بيع الخمر والعنب للتخمير وأمثالهما ، ومع مبغوضيته لا محالة يتصدّى الشارع لدفعه في عالم التشريع وهو ملازم لردعه ، سيّما أنّ الردع موجب لتقليل مادّة الفساد ، والتنفيذ موجب لتكثيرها ؛ لأنّ كثيراً من الناس يرتكبون بعض المعاصي ويتنزّهون عن أكل مال الغير بغير حقّ واشتغال ذمّتهم به .

ص: 253


1- تقدّم في الصفحة 219 و241 .
النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام

النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام ؛ أي ما له شأنية ذلك .

والأقوى بحسب القواعد عدم حرمته بهذا العنوان وصحّة المعاملة عليه .

وبيع السلاح لأعداء الدين ليس من مستثنيات هذا العنوان ، بل له عنوان خاصّ ينبغي البحث عنه مستقلاًّ :

بيع السلاح من أعداء الدين

فنقول : ينبغي تقديم أمر قبل النظر إلى الأخبار ، وهو أنّ موضوع البحث ليس مطلق ما ينطبق عليه عنوان السلاح كائناً ما كان ، بل الموضوع ما كان سلاح الحرب فعلاً ، وهو يختلف بحسب الأزمان ، فربّما كان شيء في زمان ومكان سلاح الحرب دون آخر ، ففي الأزمنة القديمة كانت الأحجار الخاصّة والفلاخن والأخشاب آلة له ، ثمّ انقرض زمانها وخرجت تلك الآلات عن صلاحية السلاح فقامت مقامها أسلحة اُخرى كالسيف والرمح والعمود والنيزك والترس والدرع

ص: 254

ونحوها ، ثمّ انقرضت هي وقامت مقامها غيرها إلى هذه الأعصار .

فالمراد من السلاح في موضوع البحث سلاح اليوم ؛ أي الذي يستعمل في الحروب لا ما انقرضت أيّامه وخرجت عن الاستعمال فيها .

فإن أراد بعض أعداء الدين وأهل الحرب حفظ الأسلحة القديمة لقدمتها وكونها عتيقة ، لا مانع من بيعها وخارج عن موضوع بحث بيع السلاح من أهل الحرب بلا ريب ، كما لا يخفى .

وكذا ليس المراد مطلق أعداء الدين ، فإنّ كلّ مخالف لنا في ديننا فهو عدوّنا في الدين ، لكن موضوع البحث أخصّ منه وهو الدولة المخالفة للإسلام أو الطائفة الكذائية ، فلا ينبغي الكلام في جواز بيعه من يهودي في بلد المسلمين تابع لهم لولا جهات اُخر .

ثمّ اعلم : أنّ هذا الأمر - أي بيع السلاح من أعداء الدين - من الاُمور السياسية التابعة لمصالح اليوم ، فربّما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح بل إعطاءه مجّاناً لطائفة من الكفّار .

وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويّ لا يمكن دفعه إلاّ بتسليح هذه الطائفة ، وكان المسلمون في أمن منهم ، فيجب دفع الأسلحة إليهم للدفاع عن حوزة الإسلام ، وعلى والي المسلمين أن يؤيّد هذه الطائفة المشركة المدافعة عن حوزة الإسلام بأيّة وسيلة ممكنة .

بل لو كان المهاجم على دولة الشيعة دولة المخالفين مريدين قتلهم وأسرهم وهدم مذهبهم ، يجب عليهم دفعهم ولو بوسيلة تلك الطائفة المأمونة .

وكذا لو كانت الكفّار من تبعة حكومة الإسلام ومن مستملكاتها وأراد الوالي

ص: 255

دفع أعدائه بهم ، إلى غير ذلك ممّا تقتضي المصالح .

وربّما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح وغيره ممّا يتقوّى به الكفّار مطلقاً ، سواء كان موقع قيام الحرب أو التهيّؤ له أم زمان الهدنة والصلح والمعاقدة .

أمّا في الأوّلين فواضح ، وأمّا في الأخيرة فحيث خيف على حوزة الإسلام ولو آجلاً ، بأن احتمل أنّ تقويتهم موجبة للهجمة على بلاد المسلمين والسلطة على نفوسهم وأعراضهم ، فنفس هذا الاحتمال منجّزة في هذا الأمر الخطير ، لا يجوز التخطّي عنه ، فضلاً عن كون تقويتهم مظنّة له أو في معرضه .

ولا فرق في ذلك بين الخوف على حوزة الإسلام من غير المسلمين ، أو على حوزة حكومة الشيعة من غيرها ، كانت المخافة عليها من الكفّار أم المخالفين .

فلو كانت للشيعة الإمامية حكومة مستقلّة ومملكة كذلك ، كما في هذه الأعصار بحمد اللّه تعالى ، وكانت للمخالف أيضاً حكومة مستقلّة ، وكان زمان هدنة ومعاقدة بين الدولتين ، لكن خيف على المذهب ودولته منهم ولو آجلاً ، لا يجوز تقويتهم ببيع السلاح ونحوه .

وبالجملة : إنّ هذا الأمر من شؤون الحكومة والدولة ، وليس أمراً مضبوطاً ، بل تابع لمصلحة اليوم ومقتضيات الوقت ، فلا الهدنة مطلقاً موضوع حكم لدى العقل ولا المشرك والكافر كذلك .

والتمسّك بالاُصول والقواعد الظاهرية في مثل المقام في غير محلّه .

والظاهر عدم استفادة شيء زائد ممّا ذكرناه من الأخبار . بل لو فرض إطلاق لبعضها يقتضي خلاف ذلك ؛ أي يقتضي جواز البيع فيما خيف الفساد وهدم أركان الإسلام أو التشيّع أو نحو ذلك ، لا مناص عن تقييده أو طرحه ، أو دلّ

ص: 256

على عدم الجواز فيما يخاف في تركه عليهما كذلك ، لا بدّ من تقييده وذلك واضح .

فمن الأخبار : حسنة أبي بكر الحضرمي ، أو صحيحته ، قال : دخلنا على أبي عبداللّه علیه السلام فقال له حكم السرّاج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها ؟ فقال : «لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»(1) .

ورواية هند السرّاج ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : أصلحك اللّه ، إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلمّا عرّفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك ،

وقلت : لا أحمل إلى أعداء اللّه ، فقال : «احمل إليهم ، فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - وبعهم . فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك»(2) .

وهاتان الروايتان صارتا منشأً للقول بالتفصيل(3) ، تارةً : بين زمان الهدنة وغيره مطلقاً ، واُخرى : التفصيل كذلك في خصوص البيع من المخالفين والأخذ بإطلاق ما تأتي للمنع عن البيع من الكفّار .

والتحقيق : أنّ الروايتين قاصرتان عن إثبات هذا التفصيل في المقامين ؛ لأنّ

ص: 257


1- الكافي 5 : 112 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 112 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- الحدائق الناضرة 18 : 208 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 148 .

السؤال فيهما عن حمل السلاح إلى الشام في عصر الصادقين علیهما السلام ، وهو عصر لم تكن للشيعة الإمامية مملكة مستقلّة وحكومة على حدة ، بل كان المسلمون كافّة تحت حكومة واحدة هي سلطنة خلفاء الجور - لعنهم اللّه - فلم يكن في حمل السلاح إلى الشام خوف على حوزة الشيعة وبلادهم ؛ لعدم الموضوع لهما ، ولهذا نزّلهم منزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ حيث إنّ كلّهم جمعيّة واحدة تديرهم حكومة واحدة لم تكن في تقويتها تقوية على خلاف حوزة الشيعة الإمامية وحكومتها ؛ لعدم تشكيلهما ، بل كانت تقوية للمسلمين مقابل الكفّار ، كما أشار إليه في الرواية الثانية .

فلا يجوز التعدّي عن مثل تلك الهدنة التي كانت كهدنة في عصر أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إلى مطلق الهدنة والسكون، كما إذا كانت لنا سلطنة مستقلّة ودولة على حدة ، ولهم كذلك ، وكانت بيننا هدنة وتعاقد ومع ذلك يكون في تقويتهم فساد أو مظنّته بل احتماله ؛ بحيث خيف على دولة التشيّع وحكومته من ذلك .

ويستفاد من تعليل الثانية أنّ كلّ مورد يدفع عدوّ قويّ بعدوّ مأمون منه ، يجوز بيع السلاح منه لدفعه .

وكيف كان : لا يمكن القول بجواز بيع السلاح ونحوه من الكفّار أو المسلمين المخالفين بمجرّد عدم الحرب والهدنة ، بل لا بدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم وصلاح المسلمين والملّة . كما أنّ في عصر الصادقين علیهما السلام كان من مقتضيات الزمان جواز دفع السلاح إلى حكومة الإسلام وجنودها ؛ لمدافعة المشركين من غير ترقّب فساد عليه ، وكلّما كان كذلك يجوز بل قد يجب ، فلا يستفاد منهما أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل كما تقدّم .

ص: 258

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام ، قال : سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ؟ قال : «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس»(1) .

ورواية الصدوق في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، كفر باللّه

العظيم من هذه الاُمّة عشرة» إلى أن قال : «وبائع السلاح من أهل الحرب»(2) .

وهما صارتا منشأً لقول جمع بعدم جواز البيع منهم مطلقاً .

والتحقيق : عدم إطلاقهما لما تقدّم ، ولا لعدم الجواز فيما إذا لم يكن خوف منهم ولا في تقويتهم احتمال ضرر على المسلمين كما لو كانوا تحت سلطة الإسلام بحيث لا يخاف منهم أصلاً .

أمّا الثانية: فلأنّ الحكم فيها معلّق على أهل الحرب ، والظاهر المتفاهم منهم : الجماعة المستعدّون للحرب ولم تكونوا منقادين للمسلمين وتكون مباينة بينهم وبين المسلمين .

ومعلوم أنّ أهل الحرب ؛ أي الطغاة على المسلمين ، يخاف منهم على حوزة الإسلام أو على نفوس المسلمين أو طائفة منهم ، سيّما مع قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كفر باللّه العظيم» الذي لا يقال ، إلاّ إذا كانت المعصية عظيمة .

واحتمال أن يكون المراد بأهل الحرب مطلق الخارج عن الذمّة كيهودي خرج عنها في بلد المسلمين ، مقطوع الفساد .

ص: 259


1- مسائل علي بن جعفر : 176 / 320 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 6 .
2- الفقيه 4 : 257 / 821 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 7 .

وأمّا الاُولى: فمع إمكان المناقشة في إطلاقها - بأن يقال : إنّها بصدد بيان جواز حمل مال التجارة غير السلاح ، لا بيان عدم جواز بيع السلاح حتّى يؤخذ بإطلاقها - أنّ موردها حمل السلاح إلى ممالك المشركين المباينين للمسلمين في الحكومة والسلطنة . والمشركون المجاورون للمسلمين في ذلك العصر ، وهم مورد السؤال بحسب الطبع ، من ألدّ أعداء المسلمين ، وكانت بينهما المخالفة والمباينة ، وفي مثله لا يجوز ؛ سواء كان الحمل إلى الكفّار أو إلى المخالفين .

والظاهر من المباينة التي ذكرت في رواية الحضرمي هي المقابلة للهدنة التي كانت بين أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ أي عدم الاجتماع تحت راية واحدة وتمايز الفريقين في الحكومة والسياسة .

وفي مثله لا يجوز حمل السلاح لا إلى الكفّار ولا إلى المخالفين .

كما أ نّه إذا كانت الهدنة بالمعنى المتقدّم المشار إليه في الرواية ؛ أي نحو هدنة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وكان بلاد المشركين تحت راية سلطان الإسلام وحكومة المسلمين ، وكانت في تقويتهم تقوية جنود الإسلام وحدوده ، يجوز البيع منهم ؛ لعدم دليل على المنع ، بل قيام الدليل على الجواز وهو قضيّة اقتضاء صلاح حوزة الإسلام والمسلمين ، بل لا تبعد استفادته من رواية الحضرمي وهند السرّاج(1) بدعوى : أنّ موضوع جواز حمل السلاح هو الهدنة وكون

المسلمين والكفّار بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المخلوطين من المنافقين والمؤمنين ، فالميزان هو الهدنة بهذا المعنى من غير خصوصية للمخالفين .

ص: 260


1- تقدّمتا في الصفحة 257 .

فالمتحصّل من الروايات عدم الفرق بين المخالفين وغيرهم في الحكم ، وعدم التفصيل بين الهدنة والمحاربة ، كما نسب إلى المشهور(1) .

وفي زمان الهدنة بالمعنى المتقدّم يجوز البيع مطلقاً من مخالف ومشرك ، كما يجوز فيما إذا كان الطرف مدافعاً عن حوزة الإسلام أو التشيّع مع الأمن منه ، كما هو مفاد رواية السرّاج وموافق لحكم العقل .

ولا يجوز في زمان عدم الهدنة بالمعنى المتقدّم وهو زمان البينونة وامتياز الحكومات بعضها من بعض ؛ سواء كانت بينها تصالح وتعاقد أم لا ، من غير فرق بين أن تكون الهدنة كذلك بين أمير المؤمنين علیه السلام ومعاوية - عليه اللعنة - أو بينه وبين الكفّار .

وقد عرفت عدم إطلاق لرواية علي بن جعفر والرواية الحاكية عن وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

نعم ، مقتضى إطلاق رواية السرّاد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : إنّي أبيع السلاح ، قال : فقال : «لا تبعه في فتنة»(2) ، ورواية الصيقل ، قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب : «لا بأس به»(3) ، جواز البيع في غير مورد الفتنة ، وجوازه من السلطان مطلقاً .

ص: 261


1- اُنظر الحدائق الناضرة 18 : 206 .
2- الكافي 5 : 113 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1128 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 5 .

لكنّهما إن سلّم إطلاقهما مقيّدتان بحكم العقل القطعي بما إذا لم يخف على حوزة الإسلام أو الشيعة ، وبرواية أبي بكر الحضرمي المفصّلة بين عصر الهدنة، والمباينة بالمعنى المتقدّم .

مع إمكان المناقشة في إطلاق الثانية بأنّ الظاهر منها أنّ المراد بالسلطان هو السلطان المخالف ، فموردها مورد الهدنة التي ذكرها في رواية الحضرمي .

وفي الاُولى بأنّ الظاهر منها السؤال عن تكليفه الشخصي في ذلك العصر ، ولم يكن البيع من الكفّار المستقلّين في الحكومة مورد ابتلائه ، بل كان بائعاً للسلاح في داخلة مملكة الإسلام ، والمراد بالفتنة هي الفتنة الحاصلة بين طائفتين من المسلمين لا بين المسلمين وغيرهم ، فإنّه لا معنى لعدم الجواز من المسلمين في الصورة ، مع أ نّه في رواية السرّاج صرّح بالجواز في صورة مدافعة المسلمين عن الكفّار .

وبالجملة : لا إطلاق فيها يشمل جوازه من المشركين المستقلّين في الحكومة أو المخالفين المستقلّين فيها .

والإنصاف أ نّه لا يستفاد من الروايات شيء وراء حكم العقل .

ثمّ إنّ الكلام في بطلان المعاملة كالكلام في بطلان معاملة بيع العنب للتخمير أو ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً . فالأرجح البطلان كما تقدّم(1) .

فلو قلنا في المقام بالصحّة فلوالي المسلمين نقض البيع حسب ما تناسب المصالح العامّة .

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 249 .

القسم الثالث في الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

اشارة

ص: 263

ص: 264

حرمة الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

وجه عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة

ولعلّ عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة ؛ لإمكان التمسّك لحرمة نفس المعاملة بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((1) بدعوى شمول الأكل بالباطل لتملّك مال الغير بلا مال في قباله ، فيصدق على بيع البائع ونقله ما لا مالية له إلى غيره بعوض له مالية - باعتبار تضمّنه لنقل المال ؛ أي العوض إلى نفسه - أ نّه أكل مال المشتري - أعني تملّكه - بالباطل ، فيكون حراماً بمقتضى الآية .

وإمكان التمسّك بها لحرمة الثمن لا بعنوان التصرّف في مال الغير بل بعنوان أكل المال بالباطل ، بدعوى ظهورها في أ نّه محرّم بهذا العنوان .

ويمكن المناقشة في الاُولى : بأنّ الأكل بالباطل وإن كان كناية ولا يراد به

ص: 265


1- النساء (4) : 29 .

الأكل مقابل الشرب ، لكن لا يستفاد منه إلاّ سائر التصرّفات الخارجية نظير الشرب واللبس ، لا مثل إنشاء البيع والصلح ونحوهما ممّا لا يعدّ تصرّفاً عرفاً ، ولا أظنّ أن يلتزم أحد بحرمة إنشاء المعاملة على مال الغير مع عدم رضا صاحبه ، مع وضوح حرمة التصرّف في مال الغير بلا رضاه ، فشمول الآية لمثل التملّك الإنشائي ممنوع .

وفي الثانية : بأنّ الظاهر أنّ الباطل عنوان انتزاعي من العناوين المقابلة للتجارة التي هي حقّ ، مثل القمار والسرقة والخيانة ونحوها .

فأكل المال بالقمار حرام ؛ لكونه أكل مال الغير بلا سببية التجارة التي جعلها الشارع ولو بإمضاء ما لدى العقلاء سبباً للنقل ، فلا يكون حراماً تارةً : بعنوان كونه مال الغير الذي لم ينتقل إليه بسبب شرعي ، واُخرى : بعنوان كونه باطلاً ، بل الباطل عنوان مشير إلى العناوين الاُخر .

نعم ، نفس عنوان القمار حرام مستقلّ ، وأخذ الثمن في مقابل ما لا منفعة له حرام من جهة كونه تصرّفاً فيه بلا سبب ناقل ، لا لانطباق عنوان آخر عليه حتّى يكون محرّماً بعنوانين .

وربّما يتمسّك للتحريم برواية «تحف العقول» ؛ حيث إنّ ظاهر صدرها وهو قوله : «وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع ممّا لا يجوز له ، وكذا المشتري الذي يجوز له شراؤه ممّا لا يجوز ، فكلّ مأمور به . . .»(1) .

ص: 266


1- تحف العقول : 332 .

حصر جميع الأقسام المحلّلة في الضابط الذي يذكره بعد ذلك للمحلّلات ، وما لا منفعة فيه خارج عنه؛ لعدم صلاح الناس فيه ، فإذا خرج منه دخل في المحرّم بمقتضى ما مرّ من ظهور صدرها في عدم خروج شيء من أقسام المحلّل عن الضابط(1) .

وفيه : أنّ الرواية متعرّضة لوجوه التجارات العقلائية المتعارفة بين الناس كالأمثلة المذكورة فيها في شقّي الصحّة والفساد ، وليست متعرّضة لما لا صلاح ولا فساد فيها ، كما هو مفروض المقام ؛ لعدم إقدام العقلاء على مثلها ، فلم تكن للتعرّض لها فائدة معتدّ بها . ويشهد له قوله في صدرها سأله سائل فقال : كم جهات معايش العباد التي فيها الاكتساب والتعامل بينهم ووجوه النفقات ؟ فقال : «جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم ممّا يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات . . .»(2) .

فهي متعرّضة لما فيه الصلاح أو فيه الفساد محضاً أو من جهة من الجهات .

إن قلت : إنّ مقتضى إعطاء الضابط ذكر جميع المعاملات ، وإنّما ذكر ضابط المحلّل ، وما كان في مقابله هو محرّم ، والضابط المذكور في المحرّم مفهوم الضابط المتقدّم . وإنّما ذكر مصداق المتعارف للمفهوم وترك ما لا يتعارف من المعاملات وما لا منفعة فيه عرفاً أصلاً ؛ إذ عدم المنفعة يكفي في ردعهم عنها وعدم إقدامهم عليها ، فلم يكن كثير اهتمام في ذكرها والردع عنها ، بخلاف ما له

ص: 267


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 57 .
2- تحف العقول : 331 .

منفعة عرفية ولو محرّمة ؛ لإقدام الناس عليها (1) .

قلت : ليس في الرواية شيء يمكن أن يدّعى أنّ له مفهوماً ، بل ذكر فيها أوّلاً بنحو الإجمال أنّ المكاسب منها حرام ومنها حلال ، ثمّ ذكر تفسير التجارات بنحو الإجمال أيضاً بقوله : «وتفسير التجارات . . .» مقدّمة لبيان التفصيل ، وأشار إلى المحلّل والمحرّم بحيث فهم منه أ نّه بصدد بيان كلا الضابطين ، وفي مثله لم يكد أن يكون الكلام دالاًّ على المفهوم لو فرضت دلالته عليه في سائر الموارد .

مضافاً إلى أنّ النكتة التي صارت سبباً لترك ذكر ما لا منفعة له في قسم المحرّمات ، وهي كفاية عدم الداعي للناس في إيقاع هذا النحو من المعاملة في ردعهم عنها ، يمكن أن تكون نكتة لعدم التعرّض لها في الضابطين .

وإنّما تعرّضنا لما ذكر مع عدم صلوح الرواية لإثبات حكم ؛ لتعرّض بعض أعيان المدقّقين لها بما لا مزيد عليه(2) . وفي كلامه الشريف موارد نقض وإبرام تركناها مخافة التطويل .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ عدّ هذا النوع في المقام لا يخلو من وجه ، وإن كان الأقوى ما عرفت .

صور ما لا منفعة فيه

ثمّ إنّ ما لا منفعة معتدّ بها لدى العقلاء على أنحاء :

منها : ما لا منفعة له مطلقاً لا عاجلاً ولا آجلاً ، ولا يرجى منه المنفعة كذلك ،

ص: 268


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 58 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 57 - 58 .

ولا يكون في نفس المعاملة به منفعة عقلائية ، أو غرض عقلائي نوعي أو شخصي ، كما لو توهّم المتعاملان منفعة فيما لا نفع له فأوقعا المعاملة ثمّ انكشف الخلاف .

ومنها : ما لا منفعة فيه مطلقاً ، لكن كان للمشتري غرض عقلائي نوعي أو شخصي في اشترائه ، كما لو هجمت الهوامّ المؤذية بالزراعات على مملكة فتعلّق غرض الوالي بدفعها من ناحية اشترائها بثمن غالٍ تشويقاً إلى جمعها ، أو على مزرعة شخصية فأراد صاحبها ذلك .

ومنها : ما له منفعة لا يعتدّ بها العقلاء ، فحينئذٍ تارةً : تكون بحيث يعدّ بلا منفعة لديهم ، واُخرى : تكون له منفعة لكنّها نادرة قلّما يتّفق الانتفاع بها .

ثمّ قد يكون عدم النفع لخسّته كالخنفساء مثلاً ، أو لقلّته كحبّة من الحنطة؛ فإنّ لها منفعة بمقدارها لكن لا تعدّ منفعة عقلائية .

وقد تكون له منفعة عقلائية لكن ابتذاله وكثرته جعله كما لا منفعة له ولا يقابل لذلك بالمال ، كماء الشطوط لسكّان سواحلها .

حكم الصورة الاُولى ممّا لا منفعة فيه

فعلى أوّل الفروض فإن كان عدم المنفعة لخسّته فلا ينبغي الإشكال في بطلانها ، وهو المتيقّن من معقد الإجماع المحكيّ عن «المبسوط» (1) وغيره .

ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك ، عدم صدق واحد من عناوين المعاملات عليها ؛ لأنّ حقيقة المعاوضة ونحوها كالهبة مجّاناً متقوّمة بتبديل الإضافات الخاصّة .

ص: 269


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 132 ؛ المبسوط 2 : 167 .

فالبيع عبارة عن مبادلة مال بمال ، أو عين بعين لا مطلقاً؛ فإنّ المبادلة المطلقة

لا معنى لها، ولا في ذاتهما أو أوصافهما الحقيقية ولا في مطلق الإضافات ، بل في إضافة خاصّة هي إضافة الملكية أو الأعمّ منها ومن إضافة الاختصاص . والهبة عبارة عن تمليك عين مجّاناً أو مقابل تمليك عين مثلاً ، وحقيقتها أيضاً نقل الإضافة الخاصّة أو تبديلها . وسيأتي التفصيل في مظانّه إن شاء اللّه تعالى(1) . ويأتي أيضاً بيان الحال في بيع الكلّي في الذمّة ممّا قد يقال : إنّه ليس من قبيل التبادل في إضافة الملكية(2) .

ولو قلنا بأنّ البيع تمليك عين بعوض وأمثال ذلك ، لا يوجب فرقاً فيما نحن بصدده .

وكيف كان : فمع عدم اعتبار العقلاء الملكية أو الاختصاص لشيء بالنسبة إلى شخص ، لا يمكن تحقّق العناوين المتقوّمة بهما وهو واضح ، ولا ريب في أنّ اعتبار الملكية وكذا الاختصاص لدى العقلاء ليس جزافاً وعبثاً بل للاعتبارات العقلائية كلّها مناشئ ومصالح نظامية ونحوها .

فاعتبار الملكية والاختصاص فيما لا ينتفع به ولا يرجى هي منه رأساً ولا يكون مورداً لغرض عقلائي نوعي أو شخصي ، لغو صرف وعبث محض .

فمثل البرغوث والقمّل ليس ملكاً لأحد ، ولا لأحد حقّ اختصاص متعلّق به .

فما ربّما يقال : إنّ للإنسان حقّ اختصاص بالنسبة إلى فضلاته ، ليس وجيهاً على إطلاقه .

ص: 270


1- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 1 : 13 .
2- البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 24.

فالنخامة الملقاة على الأرض ليست ملكاً لصاحبها ، ولا له حقّ اختصاص بها ، أعرض عنها أم لم يعرض .

وبالجملة : اعتبار الملكية وحقّ الاختصاص تابع لجهة من جهات المصالح ، وما لا نفع فيه مطلقاً ولا غرض لأحد في اقتنائه لا يعتبر ملكاً ولا مختصّاً بأحد .

فأساس المعاملات المتقوّمة بالإضافتين منهدم رأساً ، بل الظاهر عدم صدق شيء من عناوين المعاوضات والمعاملات مع فقد المالية مطلقاً ، فإعطاء قمّل وأخذ برغوث ليس بيعاً ولا معاقدة ولا تجارة لدى العرف والعقلاء ؛ لما عرفت من عدم مناط الاعتبار فيما لا نفع ولا مالية له .

فما قيل : من أنّ البيع عبارة عن تبديل عين بعين ، من غير اعتبار المالية فيهما (1) ، ساقط لا ينبغي أن يصغى إليه .

كما أنّ توهّم الافتراق بين البيع وبين العقد والتجارة بما قيل : إنّ البيع لو لم يصدق مع عدم المالية لكن صدق التجارة ، والعقد لا يتوقّف عليها فيكفي في تصحيح المعاملة التمسّك بدليل نفوذهما (2) ، غير وجيه ؛ لاشتراك الجميع في عدم الصدق وفي عدم المناط لاعتبار العقلاء ؛ ولأنّ المعاوضة بين العينين لو صدقت عليها عناوين البيع والصلح والإجارة ونحوها ، صدقت عليها التجارة والعقد ، ومع عدم صدق شيء من العناوين الخاصّة كيف تصدقان عليها ، بل عدم صدق التجارة ليس بأخفى من عدم صدق البيع ، بل لو فرض الشكّ في الصدق

ص: 271


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 86 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 158 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 112 .

كفى في عدم جواز التمسّك بالأدلّة أو ببناء العقلاء .

ومن هنا يظهر جواز التمسّك بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ . . .((1) فإنّ الظاهر منه أنّ الأكل بغير التجارة مطلقاً منهيّ عنه .

فالأمر دائر بين الأمرين لا ثالث لهما ، فإذا لم تصدق على موردٍ التجارة عن تراضٍ يدخل في مقابله .

بل لو شكّ في صدق أكل المال بالباطل في مورد لكن علم عدم صدق تجارة عن تراض فيه ، يرفع الشكّ عنه وينسلك في الأكل بالباطل . كما أ نّه لو فرض الشكّ في صدق التجارة وعلم أ نّه أكل المال بالباطل يرفع الشكّ عنه .

فالعلم بكلّ طرف إثباتاً ونفياً رافع للشكّ عن الآخر كذلك ، كما هو الشأن في المنفصلتين الحقيقيتين .

نعم ، لو فرض صدق الأكل بالباطل وصدق التجارة عن تراضٍ في مورد ، يقع التعارض بين صدر الآية وذيلها بناءً على دلالتهما على الحكم الوضعي ؛ أي بطلان المعاملة وصحّتها ، ولا ترجيح لأحدهما .

وأمّا الاستدلال على البطلان بسفهية المعاملة(2) فغير وجيه ؛ لأنّ البطلان من ناحيتها على فرض القول به ، إنّما هو بعد فرض صدق المعاملة ، وأمّا مع عدم الصدق كما في المقام فلا موضوع لها . وسيأتي الكلام في ذلك في بعض الأقسام الآتية .

ويلحق بما تقدّم في البطلان ما لا منفعة عقلائية له ولم يتعلّق به غرض

ص: 272


1- النساء (4) : 29 .
2- رياض المسائل 8 : 55 .

عقلائي ، كما لو اشترى الزيز لاستماع صوته والجُعَل لرؤية تلاعبه مع العذرة .

وذلك لأنّ المعاملة سفهية غير عقلائية، والأدلّة العامّة كقوله تعالى : )أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ((1) و)أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((2) و)تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ((3) غير شاملة لها ؛ إمّا لعدم صدق تلك العناوين عليها كما لا يبعد ومع الشكّ فالمرجع أصل الفساد ، أو لانصرافها عنها فإنّها أدلّة إمضائية لما لدى العقلاء وليست بصدد تأسيس أمر زائد على ذلك ، سيّما مثل الأعمال السفهية التي هي اُضحوكة العقلاء وتتنفّر عنها الطباع السليمة .

فتوهّم شمولها لها (4) فاسد جدّاً ، كتوهّم عدم الاحتياج إلى الدليل اللفظي في الإمضاء ، بل يكفي عدم الردع في الكشف عنه ، وذلك لأنّ المفروض أ نّها ليست عقلائية ، فلا تكون متعارفة ، ولم تكن كذلك بمرأى ومنظر من الشارع حتّى يستكشف الإمضاء من عدم الردع ، بل لو فرض تعارف أمر سفهي بين أراذل الناس لا يمكن كشف رضا الشارع عنه لو لم يصل إلينا الردع ؛ لغاية بُعد رضاه بما هو سفهي تنبو عنه الطباع والعقول السليمة وتتنفّرعنه العقلاء مع كونه مربّي العقول ومتمّم المكارم ، بل لا يبعد صدق الأكل بالباطل على مثلها .

ويلحق به أيضاً بيع ما لا مالية له لقلّته كحبّة من خردل ، أو لكثرته وشيوعه كالثلج في الشتاء مع عدم تعلّق غرض عقلائي بالمعاملة ، وذلك أيضاً لسفهيتها .

ص: 273


1- المائدة (5) : 1 .
2- البقرة (2) : 275 .
3- النساء (4) : 29 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 111 .

فلو عاوض منّاً من ثلج بمنّ منه في الشتاء ، أو منّاً من ماء بمنّ من تراب في

ساحل البحر مع عدم غرض عقلائي خارجي ، يعدّ سفهاً .

بل لا يبعد عدم صدق عنوان المعاملة عليها ولا أقلّ من الشكّ فيه ، ولو نوقش فيه فلا ريب في انصراف الأدلّة عنها بما تقدّم ذكره .

ويلحق به أيضاً ما له منفعة نادرة جدّاً بحيث تعدّ لدى العقلاء كلا منفعة لندوره ، كما لو سمع أحد أنّ في أقصى البلاد الإفريقية حيّة كان علاج لذعه لذع العقرب فاشترى عقرباً وحفظه لذلك مع عدم احتمال ابتلائه به ، فإنّ المعاملة سفهية باطلة .

فالميزان في الصحّة : عقلائية المعاملة والخروج عن السفهية ، سواء كانت متعلّقة لغرض شخص خاصّ - كمن ابتلي بمرض لا يبتلى به غيره وكان دواؤه شيئاً لا يرغب فيه أحد ، فإنّ اشتراءه لغرضه عقلائي، والمعاملة من أوضح مصاديق المعاملات العقلائية وتشملها الأدلّة - أو لأغراض عقلائية نادرة لا بمثل الأمثلة المتقدّمة .

حكم الصورة الثانية وبيان الضابط الكلّي

وأمّا الثانية من الصور المتقدّمة ؛ أي ما لا تكون له منفعة مطلقاً أو عقلائية لكن كان في المعاملة غرض عقلائي موجب لاشترائه كالمثال المتقدّم .

فالتحقيق صحّتها وعقلائيتها ؛ وذلك لأنّ مالية الشيء تابعة وجوداً ومرتبة للعرضة والتقاضا ، فما لا منفعة له مطلقاً لو تعلّق باشترائه وحفظه أو اشترائه وإعدامه غرض سياسي أو غيره من الأغراض العقلائية فصار ذلك منشأً للرغبة

ص: 274

إلى اشترائه ، أوجبت تلك الرغبة وذلك التقاضا حدوث المالية فيه . فلو تعلّق

غرض دولة باشتراء ما لا منفعة له من ناحية من النواحي لأغراض سياسية فأوجدت بقدرتها السوق لذلك المتاع ، صار ذا قيمة لدى العقلاء من غير لحاظ أنّ اشتراءه بأيّ غرض كان .

وبالجملة : الشيء صار متموّلاً بمجرّد حدوث التقاضا ، ويخرج المتموّل عن كونه كذلك بمعدوميته مطلقاً ، كما أنّ مراتب التموّل أيضاً تابعة لكثرة العرضة أو التقاضا .

فلا ينبغي الإشكال في صحّة تلك المعاملات ، وصدق البيع والتجارة والعقد عليها ، وكذا صدق مبادلة مال بمال . والحكم بالبطلان يحتاج إلى دليل هو مفقود .

ويمكن إدراجها ولو بإلغاء الخصوصية في صدر رواية «تحف العقول» ، فإنّها وإن تعرّضت للأشياء التي فيها صلاح العباد أو وجه من وجوه صلاحهم في معاشهم وحياتهم ، لكن يمكن أن يقال : الاشتراء لدفع المضارّ أو جلب منافع مشروعة غير كامنة في نفس المتعلّقات داخل فيها بإلغاء الخصوصية أو فهم العرف علّة الحكم . ولو نوقش فيه فالرواية ساكتة عنه ، ولا شبهة في عدم شمول ذيلها لمثل تلك المعاملة المترتّب عليها دفع مضارّ عن العباد أو جلب منافع لهم .

فتحصّل من جميع ما تقدّم ضابط الصحّة والفساد .

وأمّا القول(1) باعتبار كون المنفعة غير نادرة ، ولو مع كون الندرة بحيث

ص: 275


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 158 - 159 .

لم تخرج بها المعاملة عن العقلائية ، بدعوى اعتباره شرعاً ، إمّا لقيام الإجماع

عليه ، أو لدلالة بعض الروايات ، كما عن «عوالي اللآلي» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «لعن اللّه اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا ثمنها ، وإنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء ، حرّم عليهم ثمنه»(1) ، وعن «الدعائم» قريب منها (2) ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم أيضاً في حديث : «قاتل اللّه اليهود ، إنّ اللّه لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه - أي أذابوه - ثمّ باعوه وأكلوا ثمنه»(3) ، بناءً على أنّ للشحوم منفعة نادرة محلّلة على اليهود فيقال : لولا أنّ المنفعة النادرة كالمعدومة في نظر الشارع ، لما منعهم عن بيعه لأجلها ، ومثل رواية «التحف» .

ففيه ما لا يخفى : أمّا الإجماع فلأنّ العمدة هو الإجماع المحكيّ عن «المبسوط» : «كلّ ما ينفصل من الآدمي من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغيره ، لا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأ نّه لا ثمن له ولا منفعة فيه»(4) .

وعن موضع آخر منه : «فإن كان ممّا لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر الحشرات»(5) .

وهما - كما ترى - دعوى الإجماع وعدم الخلاف على ما لا منفعة فيه

ص: 276


1- عوالي اللآلي 1 : 181 / 240 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- دعائم الإسلام 1 : 122 .
3- الخلاف 3 : 186 ، مسألة 311 ؛ صحيح مسلم 3 : 394 / 71 ؛ صحيح البخاري 3 : 179 / 477 .
4- المبسوط 2 : 167 .
5- المبسوط 2 : 166 .

ولا ينتفع به حتّى الثانية ؛ لأنّ المذكورات من قبيل الأمثلة بنظره وتشخيصه

لا من معقد الإجماع ؛ ضرورة أ نّه لم يدّع الإجماع ولم يقم ذلك على عنوان الأسد والذئب وغيرهما ، والظاهر من معقدهما ما لا ينتفع به مطلقاً وما لا منفعة له كذلك . ولو حملا على عدم الانتفاع العقلائي كما تقدّم(1) لا بأس به ، لكن التعدّي إلى ما يكون له المنفعة العقلائية النادرة ممّا لا وجه له .

وأضعف منه التمسّك بالروايات ؛ فإنّها مع الغضّ عن سندها ظاهرة في أنّ اليهود باعوها للمنفعة المحرّمة كما يشعر به التعليل الوارد فيها ، مع عدم معلومية حلّية بعض المنافع لهم . ورواية «التحف» متعرّضة للمعاملات المتعارفة ، بل يمكن التمسّك بها لصحّة المعاملة في بعض الصور المتقدّمة ، فالأقوى هو ما تقدّم(2) .

ص: 277


1- تقدّم في الصفحة 274 .
2- تقدّم في الصفحة 274 .

ص: 278

القسم الرابع في الاكتساب بما هو حرام في نفسه

اشارة

ص: 279

ص: 280

حكم الاكتساب بما هو حرام في نفسه

والبحث فيه تارة : عن حرمة عنوان الكسب وأنّ الإجارة على المحرّم محرّمة أو لا ، واُخرى : عن حرمة الثمن بعنوان كونه ثمن الحرام ، وثالثة : عن حكمه الوضعي .

وقد تقدّم أنّ المقصود الأصلي بالبحث هاهنا هو العنوانان الأوّلان(1) ، وأنّ الثالث استطرادي يناسب البحث عنه في شرائط العوضين في الإجارة .

فنقول : يمكن الاستدلال على حرمة نفس الإجارة بقبح الاستئجار والإيجار على معصية اللّه - تبارك وتعالى - فكما أنّ نفس الاستئجار والإيجار للقبائح العقلية ، قبيحة بحكم العقل والعقلاء كإيجار شخص - والعياذ باللّه - نفسه أو من يتعلّق به من نواميسه لارتكاب الفاحشة ، كذلك هما قبيحتان لمعصية اللّه التي هي أيضاً من القبائح العقلية . فالمدّعى إدراك العقل قبح عنوان المعاملة على القبائح ، وأ نّها واسطة لثبوت القبح لنفس المعاملة .

ودعوى أنّ القبح فاعلي لا فعلي نظير التجرّي ، غير وجيهة ؛ ضرورة أنّ

ص: 281


1- تقدّم في الصفحة 11 و23 و26 .

عنوان إجارة النواميس قبيح عقلاً ، ولا ينافي ذلك كشفها عن دناءة الفاعل وسوء سريرته وفقدان الشرف والعزّ .

ويمكن الاستدلال على حرمة الاستئجار عليها بفحوى أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ بأن يقال : إنّ المستفاد عرفاً من تلك الأدلّة أو من فحواها ، أنّ الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف محرّمان ، بل مطلق ما يوجب الإغراء على المحرّم والترغيب إليه والتشويق إليه محرّم ، سواء ارتكب الطرف أم لا . ولا ريب في أنّ استئجار المغنّية للتغنّي والمصوّر للتصوير المحرّم ، دعوة لهما إلى إتيان الحرام وتشويق إليه وإغراء عليه ، بل قبول الإجارة أيضاً نحو ترغيب للمستأجر إليه .

مضافاً إلى إمكان الاستفادة من قوله تعالى : )الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ . . .((1) .

بدعوى أنّ العنوانين ليس لصرف معرّفيتهم ، بل الآية الكريمة في مقام تعييرهم وتقريعهم وذكر ما هو قبيح عقلاً ومحرّم شرعاً من أعمالهم .

وبدعوى أن لا خصوصية لعنوان الأمر بالمنكر ، بل المراد أعمّ ممّا يفيد فائدته من الترغيب والتشويق إليه .

وبدعوى أ نّه ليس المراد من الأمر بالمنكر ما يرجع إلى ردّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وإلى مخالفته في قوانينه ، بل الظاهر أنّ الأمر بالمنكر بالحمل الشائع والنهي عن المعروف كذلك ، من صفات المنافقين ويكون محرّماً ، سواء كان الغرض ردّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أم لا ، تأمّل . وتؤيّده رواية «التحف» .

ص: 282


1- التوبة (9) : 67 .

نعم ، بناءً على أنّ المستند فحوى أدلّة الأمر بالمعروف والآية الكريمة ، لا يستفاد منهما حرمة الاستئجار والإجارة بعنوانهما ، بل المحرّم ما ينطبق عليهما في الخارج ، بخلاف ما لو كان المستند الوجه الأوّل ورواية «التحف» .

وببعض ما تقدّم يمكن الاستئناس بحرمة الثمن أيضاً .

ويدلّ عليه قوله : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(1) .

بتقريب أن لا خصوصية لعنوان الثمن في نظر العرف بل الظاهر منه أنّ تحريم الشيء لا يلائم مع تحليل ما يقابله ، سواء صدق عليه عنوان الثمن أم كان عنوانه أجراً واُجرة ونحوهما .

وقد تقدّم أنّ الرواية وإن كانت ضعيفة لكن لا يبعد استنقاذ مضمونها من سائر

الروايات في الأبواب المتفرّقة(2) .

ويمكن الاستدلال على بطلانها ببعض ما تقدّم في بعض المسائل المتقدّمة(3)؛ بأن يقال : إنّ المحرّم ليس مالاً في نظر الشارع ، ولهذا لو منع شخص عن تغنّي جارية مغنّية أو العبد المغنّي ، لا يكون ضامناً بالنسبة إلى تلك المنفعة المحرّمة بلا إشكال وإن كانا أجيرين لذلك ، وما لا يكون مالاً في محيط التشريع لا تكون المعاملة عليه معاملة . وإن شئت قلت : إنّ سلب المالية عن شيء وإسقاطها ، دليل على ردع المعاملة به .

ويمكن الاستدلال عليه بوجه آخر ، وهو أنّ مقتضى ذات المعاملة لدى العقلاء

ص: 283


1- عوالي اللآلي 2 : 110 / 301 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 3 : 301 / 2964 .
2- تقدّم في الصفحة 25 و49 - 51 .
3- تقدّم في الصفحة 200.

إمكان التسليم والتسلّم ، ومع منع الشارع عن تسليم المنفعة المحرّمة وتسلّمها ، لا يعقل أن تكون المعاملة نافذة عنده ، فمنع التسليم والتسلّم دليل على ردع المعاملة ، فتقع باطلة .

والإشكال المتقدّم(1) في بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، غير وارد في المقام بما قرّرناه ؛ لأ نّه هناك لم يكن تسليم طرف المعاوضة بذاته محرّماً بل المحرّم عناوين اُخر منطبقة عليه ، وكان للبائع أن يقول : إنّي لا أمتنع عن التسليم

بشرط عدم جعله خمراً ، فالتقصير متوجّه إلى المشتري ، ولم يحرّم الشارع تسليم العنب المقابل في المعاوضة ، بخلاف المقام؛ فإنّ تسليم المنفعة التي مقابلة الثمن ومورد الإجارة ممنوع شرعاً .

وبوجه آخر ، وهو أنّ الآية الكريمة أعني : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((2) وإن كان الموضوع فيها البطلان العرفي والعقلائي لا الشرعي ، لكن بتحكيم ما دلّ على نفي المالية أو نفي تسليم المنفعة ينسلك في مفاد الآية ؛ فإنّ أخذ مال الغير بلا انتقال منفعة إليه أكل المال بالباطل، ويؤيّده النبوي

ورواية «التحف» .

فائدة استطرادية في ذکر بعض المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها في ضمن مسائل:

قد جرت عادة القوم بذكر كثير من المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها ولو لم يتعارف ذلك ، ونحن نذكر منها ما هو المهمّ بنظر البحث إن شاء اللّه تعالى في ضمن مسائل :

ص: 284


1- تقدّم في الصفحة 250 - 251 .
2- النساء (4) : 29 .

المسألة الاُولى : في حرمة التصوير

في حرمة عمل ذوات الأرواح المجسّمات فقط

الظاهر عدم الخلاف والإشكال في حرمة التصوير في الجملة .

وعن بعض أنّ في المسألة أقوالاً أربعة(1) : حرمة التصوير مطلقاً من جهة التجسيم وغيره، وذوات الأرواح وغيرها . والتخصيص بالمجسّمة، والتعميم من الجهة الثانية . والتخصيص بذوات الأرواح، والتعميم من الجهة الاُولى . والتخصيص من الجهتين فيكون المحرّم عمل ذوات الأرواح المجسّمات .

والأقوى هو الأخير ، وهو المتيقّن من معقد الإجماع المحكيّ(2) . وتدلّ عليه مضافاً إليه الأخبار الآتية .

ص: 285


1- راجع الحدائق الناضرة 18 : 98 ؛ حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 63 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 161 ؛ جواهر الكلام 22 : 41 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 54 .

وأمّا سائر الصور فلا دليل على حرمتها ؛ فإنّ الأخبار على كثرتها تدور مدار

عنوانين هما التصوير والتمثيل باختلاف التعابير إلاّ رواية النواهي المذكور فيها النقش(1) .

ولا يبعد أن يكون الظاهر من تمثال الشيء وصورته بقول مطلق هو المشابه له في الهيئة مطلقاً ؛ أي من جميع الجوانب لا من جانب واحد .

وتمثال الوجه أو مقاديم البدن تمثاله بوجه لا مطلقاً ، كما أنّ تمثال خلفه كذلك . وإطلاق التمثال على تمثال الوجه أو المقاديم بنحو من المسامحة كإطلاقه على تمثال الخلف ، وإن صار في الأوّلين شائعاً حتّى على خصوص الوجه مع عدم كونه حقيقياً بلا إشكال .

وأمّا الصورة فهي بمعنى الشكل الذي هو الهيئة ، وهيئة الشيء - كتمثاله - ما يكون شبهه في جميع الجوانب . وإطلاقه على النقوش والتصاوير بنحو من المسامحة ، ولذا يطلق على تمثال الوجه فقط .

والإطلاق الشائع على النقش والرسم في الروايات(2) - على فرض تسليمه وعدم دعوى أنّ الوسائد وغيرها ممّا وردت فيها الروايات لعلّها كانت الصور والتماثيل فيها بنحو التجسيم كهيئة غزال مثلاً نائم أو قائم بحيث كان صدق عليه

ص: 286


1- الفقيه 4 : 3 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، و5 : 303 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 .

الغزال المجسّم - كان لأجل القرائن ، ولهذا لو سئل عن العرف أنّ هذه الصورة أو المثال صورته من جميع الوجوه لأجاب بالنفي ، ولا أقلّ من كون الصدق الحقيقي محلاًّ للشكّ ، سيّما مع الشواهد المذكورة في الجواهر وغيره(1) ، وشواهد اُخر تأتي الإشارة إلى بعضها .

الروايات الواردة في المقام

ولو نوقش فيما ذكر وادّعي الصدق العرفي في المجسّم وغيره فنقول :

إنّ ظاهر طائفة من الأخبار بمناسبة الحكم والموضوع ، أنّ المراد بالتماثيل والصور فيها هي تماثيل الأصنام التي كانت مورد العبادة :

كقوله : «من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام»(2) .

وقوله : «من صوَّر التماثيل فقد ضادّ اللّه»(3) . وفيه احتمال آخر ينسلك به في الطائفة الثانية .

وقوله : «أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً ، أو قتله نبي ، ورجل يضلّ الناس بغير علم أو مصوّر يصوّر التماثيل»(4) .

ص: 287


1- جواهر الكلام 22 : 41 - 42 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 158 - 161 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 459 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 208 ، كتاب الطهارة ، أبواب الدفن ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 3 .
4- منية المريد : 281 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 4 .

وقوله : «إنّ من أشدّ الناس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون»(1) . . . وأمثالها .

فإنّ تلك التوعيدات والتشديدات لا تناسب مطلق عمل المجسّمة أو تنقيش الصور ؛ ضرورة أنّ عملها لا يكون أعظم من قتل النفس المحترمة أو الزنا أو اللواطة أو شرب الخمر وغيرها من الكبائر . والظاهر أنّ المراد منها تصوير التماثيل التي هم لها عاكفون .

مع احتمال آخر في الأخيرة وهو أنّ المراد بالمصوّرون: القائلون بالصورة والتخطيط في اللّه تعالى ، كما هو مذهب معروف في ذلك العصر(2) .

والمظنون الموافق للاعتبار وطباع الناس : أنّ جمعاً من الأعراب بعد هدم أساس كفرهم وكسر أصنامهم بيد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمره ، كانت علقتهم بتلك الصور والتماثيل باقية في سرّ قلوبهم ، فصنعوا أمثالها حفظاً لآثار أسلافهم وحبّاً لبقائها ، كما نرى حتّى اليوم علاقة جمع بحفظ آثار المجوسية وعبدة النيران في هذه البلاد حفظاً لآثار أجدادهم ، فنهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عنه بتلك التشديدات والتوعيدات التي لا تناسب إلاّ للكفّار ومن يتلو تلوهم ؛ قمعاً لأساس الكفر ومادّة الزندقة ودفعاً عن حوزة التوحيد .

وعليه تكون تلك الروايات ظاهرة أو منصرفة إلى ما ذكر .

وعليه تحمل رواية ابن القدّاح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال

ص: 288


1- صحيح مسلم 4 : 334 / 98 ؛ صحيح البخاري 7 : 307 / 835 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 7 : 268 .
2- راجع الكافي 1 : 100 / 1 .

أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في هدم القبور وكسر الصور»(1) .

ورواية السكوني عنه ، قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته»(2) .

فإنّ بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام لذلك دليل على اهتمامه به ، والظاهر أنّ الصور كانت صور الهياكل والأصنام ومن بقايا آثار الكفر والجاهلية .

ولا يبعد أن يكون الكلب في الرواية الثانية بكسر اللام ، وهو الكلب الذي عرضه داء الكلب وهو داء شبه الجنون يعرضه فإذا عقر إنساناً عرضه ذلك الداء .

وما في بعض الروايات من نكتة نجاسة الكلب : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله(3) ، فهو سرّ التشريع على فرض ثبوت الرواية ، وإلاّ فلم يأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقتل مطلق الكلاب حتّى كلاب الصيد والماشية ، بل جعل لها دية .

كما أنّ ما في رواية السكوني عن أمير المؤمنين علیه السلام : «الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله»(4) من سرّ التشريع ، فإنّ أمر

ص: 289


1- الكافي 6 : 528 / 11 ؛ وسائل الشيعة 5 : 305 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 528 / 14 ؛ وسائل الشيعة 5 : 306 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 8 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 206 / 20 ؛ وسائل الشيعة 23 : 398 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 45 ، الحديث 1 .

النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقتل الكلاب الغير المؤذية بعيد جدّاً لا يمكن تصديقه .

وأمّا احتمال أن تكون الكلاب أو بعضها مورد تعظيم اُناس وعبوديتهم فبعيد ولم ينقل إلينا ، وإن لا يبعد شيء من جهّال الناس ، كما اتّخذوا البقر والشيطان معبوداً .

ولعلّ أمره بهدم القبور ، لأجل تعظيم الناس إيّاها بنحو العبادة للأصنام وكانوا يسجدون عليها ، كما يشعر به بعض الروايات الناهية عن اتّخاذ قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم قبلة ومسجداً :

فعن الصدوق ، قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ لعن اليهود ؛ حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(1) .

ويشهد له بُعد بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام لهدم القبور وكسر الصور لكراهة بقائهما، وسيأتي جواز اقتناء الصور المجسّمات(2) .

وأمّا على ما ذكرناه يكون الحكم على وجه الإلزام كما يساعده الاعتبار .

وتؤيّد ما ذكرناه صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، قال : سمعت الرضا علیه السلام يقول : «قال قائل لأبي جعفر علیه السلام : يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل ، فقال : الأعاجم تعظّمه وإنّا لنمتهنه»(3) ؛ أي نحتقره .

ص: 290


1- الفقيه 1 : 114 / 432 ؛ وسائل الشيعة 5 : 161 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 26 ، الحديث 3 .
2- يأتي في الصفحة 317 .
3- الكافي 6 : 477 / 7 ؛ وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 1 .

وما عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : «دخل قوم على أبي جعفر علیه السلام وهو على بساط فيه تماثيل ، فسألوه ، فقال : أردت أن أهينه»(1) .

وفي رواية : «قال جبرئيل علیه السلام : إنّا لا ندخل بيتاً فيه تمثال لا يوطأ»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ التحقير والإهانة بالصور في مقابل تعظيم الأعاجم ؛ لأ نّهم كانوا يعبدون أصناماً وتماثيل وكانوا يعتقدون أ نّها مثال أرباب الأنواع التي يعتقدون أ نّها وسائل إلى اللّه تعالى .

وبالجملة : لا تستفاد من تلك الروايات حرمة مطلق المجسّمات فضلاً عن غيرها، بل هي مربوطة ظاهراً بعمل الأصنام وحفظ آثار الجاهلية وحفظ عظمتها الموهومة ، ولا يبعد القول بحرمتها مطلقاً وحرمة اقتنائها لذلك ووجوب محوها .

وأمّا الطائفة الاُخرى : فالظاهر منها حرمة عمل المجسّمات ، وهي ما دلّت على تكليف المصوِّر بالنفخ : كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح»(3) . وقريب منها روايات اُخر مستفيضة(4) ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الأمر بالنفخ ليس لمطلق التعجيز

ص: 291


1- مكارم الأخلاق 1 : 286 / 889 ؛ وسائل الشيعة 5 : 310 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 8 .
2- الكافي 6 : 528 / 13 ؛ وسائل الشيعة 5 : 309 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 527 / 4 ؛ وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 305 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الحديث 5 ، 12 ، و17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 - 9 .

بلا تناسب ، بل كأ نّه لم يبق من صورة الحيوان شيء سوى النفخ ، فإذا نفخ فيه

صار حيواناً ، وهو ظاهر في المجسّمة ذات الروح .

وليس مراد من يدّعي(1) أ نّها ظاهرة فيها ، أنّ نفخ غير المجسّمة ؛ أي الأعراض محال ، حتّى يقال في جوابه تارةً : بأ نّه للتعجيز وهو مع الاستحالة أوقع ، واُخرى : بإمكان النفخ في الجواهر الموجودة في الصبغ ، وثالثةً : بإرادة تجسيم النقش مقدّمة للنفخ ، ورابعةً : بإمكان ذلك بملاحظة محلّه بل بدونها كأمر الإمام علیه السلام بالأسد المنقوش على ما حكي(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

فإنّها أجنبيّة عن المدّعى ؛ لأنّ المراد أنّ الظاهر المتفاهم منها أنّ ما صنعه إذا نفخ فيه صار حيواناً معهوداً ، وهو لا يكون إلاّ في المجسّمات .

ويؤيّده أنّ المظنون بل الظاهر من بعض الروايات أنّ سرّ التحريم إنّما هو اختصاص المصوّرية باللّه تعالى ، وهو الذي يصوّر ما في الأرحام ، و)هُوَ اللّه ُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ((4) .

فإذا صوّر إنسان صورة ذي روح يقال له : انفخ فيها كما نفخ اللّه فيما صوّر ؛ إرغاماً لأنفه وتعجيزاً ، وهو أيضاً يناسب المجسّمة ، كما تشعر به أو تدلّ عليه الرواية المرسلة المحكيّة عن «لبّ اللباب» للراوندي ، وفيها : «ومن صوّر

ص: 292


1- جواهر الكلام 22 : 42 .
2- الأمالي ، الصدوق : 127 / 19 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 95 / 1 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 184 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 103 .
4- الحشر (59) : 24 .

التماثيل ، فقد ضادّ اللّه»(1) ، بناءً على كون المضادّة في مصوّريته ، فلا يكون في غيرها مضادّة له ؛ لأ نّه تعالى لم ينفخ روحاً في غير المجسّمات .

والحاصل : أنّ الظاهر من تلك الطائفة هو حرمة عمل المجسّمة من ذي الروح ، لا غيره من سائر الصور المتقدّمة ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات حرمتها :

أمّا ما تقدّمت فلما عرفت .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : «لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان»(2) - التي ادّعى الشيخ الأنصاري أ نّها أظهر من الكلّ(3) ، فلا ظهور فيها رأساً :

لعدم معلومية وجه السؤال أوّلاً ؛ لاحتمال أن يكون السؤال عن اللعب بها ، كما في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام أ نّه سأل أباه عن التماثيل ، فقال : «لا يصلح أن يلعب بها»(4) . سيّما مع ما ترى من حمل السؤال المطلق على الاستفتاء من اللعب بها ، أو عن اقتنائها ، أو عن تزويق البيوت بها ، أو عن

ص: 293


1- اُنظر مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 619 / 54 ؛ وسائل الشيعة 17 : 296 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 3 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 .
4- المحاسن : 618 / 52 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 15 .

جعلها في البيت ، أو مقابل المصلّي كما في جملة من الروايات(1) .

ودعوى الانصراف إلى تصويرها (2) ممنوعة . بل يمكن أن يقال : إنّ السؤال عن التماثيل إنّما هو بعد الفراغ عن وجودها ، فيكون ظاهراً أو منصرفاً إلى سائر التصرّفات فيها .

وعدم ظهورها في الحرمة ثانياً . وما يقال : إنّ البأس هو الشدّة والعذاب المناسبان للحرمة(3) كما ترى ، فإنّ استعمال «لا بأس» في نفي المرجوحية

والكراهة شائع .

وعدم الإطلاق في ذيلها ثالثاً ؛ لأنّ تماثيل الشجر لو اختصّت بالمجسّمات فإثبات البأس في الحيوان أيضاً كذلك ، ولو شملت بالإطلاق النقوش والرسوم فلا يكون في عقد المستثنى إطلاق ؛ لكون الكلام مسوقاً لبيان الصدر وعقد المستثنى منه ، لا الذيل .

ودعوى اختصاص السؤال بالنقوش بمناسبة عدم تعارف تجسيم الشجر وتالييه(4) ، غير وجيهة ؛ لإمكان أن يقال : إنّ المتعارف في تلك الأزمنة هو عمل الحجّاري وتصوير الأشياء بالحجر والجصّ بنحو التجسيم ، وأمّا النقش والرسم

ص: 294


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 1 ، و5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 17 ، و17 : 296 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 105 - 106 .
3- مستند الشيعة 14 : 106 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 .

فتعارفهما غير معلوم ، ولا أقلّ من عدم إحراز تعارف ترسيم المذكورات دون تجسّمها بنحو يوجب الانصراف ، فإنكار الإطلاق ضعيف جدّاً .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الكلام في رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل»(1) ؛ لعدم معلومية متعلّق النهي كما تقدّم .

ويظهر من بعض ما تقدّم أيضاً الكلام في رواية «تحف العقول» ، حيث قال في الصناعات المحلّلة : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني»(2) .

فإنّه - مضافاً إلى ضعفها - في مقام بيان الصنوف المحلّلة لا المحرّمة ، فلا إطلاق في عقد المستثنى يشمل المجسّمات وغيرها ، وسيأتي بيان معنى المثل واحتمال أن يكون المراد بها الأصنام .

وقد يقال(3) : إنّ أظهر ما في الباب هو رواية الحسين بن زيد ، عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه ، في حديث المناهي ، وفيها : «ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم»(4) .

ص: 295


1- المحاسن : 614 / 36 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 11 .
2- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 63 .
4- الفقيه 4 : 5 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف السند ، وعدم ذكر ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في تلك

النواهي بل نقلت نواهيه بنحو الإجمال ، وهي مشتملة على المكروهات وغيرها ، فلا تدلّ على التحريم ، لا لأنّ السياق مانع عن استفادته حتّى يقال مضافاً إلى منع مانعيته إنّ نواهيه صلی الله علیه و آله وسلم كانت متفرّقة وإنّما جمعها أبو عبداللّه علیه السلام في رواية واحدة ، بل لأنّ أبا عبداللّه علیه السلام لم ينقل ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وليس قوله : نهى عن كذا وكذا إلاّ إخباراً على سبيل الإجمال ، ومن الواضح أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لم يقل في تلك الموارد : إنّي أنهاكم

عن كذا وأنهاكم عن كذا إلى آخرها ، بل كان له صلی الله علیه و آله وسلم نواهي مختلفة بألفاظ مختلفة ، بعضها على سبيل التحريم وبعضها على سبيل التنزيه ، حكاها أبو عبداللّه علیه السلام من غير ذكر ألفاظه ، فلا دلالة فيها على التحريم إلاّ في بعض فقراتها - أنّ المنهيّ عنه هو النقش على الخاتم ، وهو أمر آخر غير التصوير الذي نحن بصدده ؛ لإمكان أن يكون النقش عليه محرّماً أو مكروهاً لا لحرمة التصوير بل لمبغوضية انتقاشه ، نظير النهي عن زخرفة المساجد مثلاً أو إنشاد الشعر فيها .

وبهذا يظهر الكلام في رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ، وينهى عن تزويق البيوت» قال أبو بصير : فقلت : وما تزويق البيوت ؟ فقال : «تصاوير التماثيل»(1) .

ورواية جرّاح المدائني عنه علیه السلام ، قال : «لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا

ص: 296


1- الكافي 6 : 526 / 1 ؛ وسائل الشيعة 5 : 303 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 1 .

سقوف البيوت ، فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كره ذلك»(1) .

فإنّ النهي عن تزويق البيوت وتصوير السقوف لا يدلّ على حرمة التصوير ، كما أنّ النهي عن البناء على القبور لا يدلّ على حرمة البناء أو كراهته ، وهذا واضح .

وربّما يستدلّ(2) على الإطلاق بموثّقة أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في

قول اللّه عزّ وجلّ : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ((3) فقال : «واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنّها الشجر وشبهه»(4) .

وفيه : أ نّها نقل قضيّة خارجية لم يتّضح أنّ التماثيل التي يعملون له هي المجسّمات أو غيرها ، ولا معنى لإطلاق قضيّة شخصية .

مضافاً إلى أنّ التماثيل المذكورة على ما يظهر من «مجمع البيان» هي المجسّمات المعمولة من نحاس وشبه ورخام ونحوها (5) . مع أنّ إنكار أبي عبداللّه علیه السلام لا يدلّ على كونها محرّمة على سليمان النبي علیه السلام، بل لعلّها كانت مكروهة عليه كراهة شديدة لا يليق ارتكابها بمثل النبي ، فالتمسّك بها لإثبات المطلوب ضعيف جدّاً .

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 : 461 / 1505 ؛ وسائل الشيعة 5 : 306 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 9 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 187 .
3- سبأ (34) : 13 .
4- الكافي 6 : 527 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 295 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 1 .
5- مجمع البيان 8 : 599 .

وأمّا رواية عبداللّه بن طلحة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من أكل السحت

سبعة» ، إلى أن قال : «والذين يصوّرون التماثيل»(1) .

فمضافاً إلى ضعفها ، لا إطلاق فيها ؛ لأ نّها في مقام العدّ ولا إطلاق فيها في المعدود كما مرّ نظيره(2) . مع أنّ كون السحت راجعاً إلى بيعها أو عملها غير

متّضح ، كما أنّ سحتية أجر العمل لا تلازم حرمته ؛ لإمكان أن يكون عدم التقابل بالمال لجهة اُخرى ، تأمّل .

وليست الرواية عندي حتّى أرى تتمّتها . وكيف كان : لا يصلح مثلها لإثبات حكم .

كما لا تصلح لذلك رواية «الخصال» عن أمير المؤمنين علیه السلام : «إيّاكم وعمل الصور ، فإنّكم تسألون عنها يوم القيامة»(3) .

لضعف سندها ، بل لا يبعد ظهور قوله : «عمل الصور» في عمل المجسّمة وانصرافه عن ترسيمها ونقشها .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل صالح لإثبات حرمة غير المجسّمات من ذوات الأرواح .

بل لقائل أن يقول : إنّ الأدلّة على فرض إطلاقها وعمومها وشمول مثل قوله :

ص: 298


1- مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 111 و112 .
3- الخصال : 635 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 1 .

«من مثّل مثالاً فكذا ، ومن صوّر صورة فكذا» تماثيل جميع الموجودات ، وأنّ ذكر النفخ فيها لمجرّد التعجيز لا للتناسب ، يوجب ذلك وهناً على المطلقات والعمومات .

لأنّ عدم ذكر المتعلّق فيها يدلّ على العموم ، وهذه العناوين ؛ أي التصوير والصورة والتمثال ، تصحّ إضافتها إلى كلّ موجود جسماني بل وروحاني وكذا إلى أجزاء وأعضاء كلّ موجود بل بعض أعضائه فيصدق تمثال الرأس وصورة الرجل واليد والشجر وساقه وورقه وهكذا .

فحينئذٍ يكون إخراج جميع الموجودات كلاًّ وبعضاً عن العمومات والإطلاقات وإبقاء الصور التامّة للحيوان فقط تحتها من التخصيص الكثير المستهجن .

فيكشف ذلك عن قرائن حافّة بها حين الصدور خرجت بها عن الاستهجان ، والمتيقّن هو حرمة المجسّمات المدّعى عليها الإجماع(1) .

ودعوى الانصراف إلى خصوص الصور التامّة أو خصوص صور الحيوانات ، كما ترى .

نعم ، في رواية محمّد بن مروان : «من صوّر صورة من الحيوان يعذَّب حتّى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها»(2) . لكنّها ضعيفة ؛ لاشتراك ابن مروان

ص: 299


1- راجع جامع المقاصد 4 : 23 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 54 و57 ؛ رياض المسائل 8 : 58 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 161 ؛ جواهر الكلام 22 : 41 .
2- الخصال : 108 / 76 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 7 .

وعدم ثبوت وثاقته(1) فلا يمكن إثبات الحكم بها . لكن الإنصاف أنّ هذا الوجه قابل للمناقشة ، واللّه العالم .

فروع :
الأوّل : حرمة تصوير الأصنام

لا شبهة في حرمة تصوير الأصنام للعبادة بها أو لإبقاء آثار السلف الفاجر ، من غير فرق بين المجسّمة وغيرها ، ولا بين الإيجاد التسبيبي والمباشري ، ولا بين صور الروحانيين وغيرها ، ولا الحيوان وغيره .

فلو عمل صورة بعض أرباب الأنواع المتوهّمة التي كانت مورد تعبّدهم أو صورة شجرة كذائية كان حراماً مطلقاً ولا يجوز إبقاؤها واقتناؤها .

وذلك لما نعلم من مذاق الشارع الأقدس أ نّه لا يرضى ببقاء آثار الكفر والشرك للتعظيم أو لحبّ بقاء آثارهما والفخر بها ، كما ترى من بعض أولاد الفرس من الحرص على إبقاء الآثار القديمة المربوطة بالمجوس وعبدة النيران .

وقد مرّ أنّ جملة من الأخبار راجعة إلى هذه الناحية(2) . فالفروع الآتية إنّما هي في غير تلك الصور الخبيثة .

ولا ينافي ذلك لما قدّمناه سابقاً من تجويز بيع الصنم الذي انقرض عصر عابديه وإنّما يشتريه بعض الناس لحفظ الآثار العتيقة(3) ؛ لأنّ المنظور في ذلك

ص: 300


1- راجع تنقيح المقال 3 : 182 (أبواب الميم) .
2- تقدّمت في الصفحة 287 - 288 .
3- تقدّم في الصفحة 185 .

المقام جواز المعاوضة عليه إن كان المقصود مجرّد ذلك ، لا حفظ شعار الأجداد ، كما في المقام .

كما لا ينافيه بعض الروايات الواردة في الوسائد المنقوشة بالنقوش التي كانت

الأعاجم يعظّمها ، لو كان المراد منها صور أرباب الأنواع ونحوها ممّا كانت مورد تعظيمهم ، بعد ما لم يكن الحفظ للتعظيم بل للتحقير كما في الروايات أو لمجرّد استفادة التوسّد والافتراش(1) ، فإنّ الأحكام تختلف بالجهات والحيثيات . هذا، مع عدم معلومية كون النقوش من قبيلها أو من سلاطينهم أو غير ذلك .

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الظاهر من الأدلّة هو حرمة تصوير الصور وتمثيل المثال ، وهما لا يشملان إلاّ للمصنوع بيد الفاعل مباشرة؛ بمعنى صدور عمل التصوير منه وبيده ، كما كانت صنعة الصور كذلك في عصر صدور الروايات، فلا يشملان لإيجاد الصور كيف ما كان .

فلو فرضت مكينة صنعت لإيجاد المجسّمات وباشر أحد لاتّصال القوّة الكهربائية بها فخرجت لأجلها الصور المجسّمة منها ، لم يفعل حراماً ولم تدلّ تلك الأدلّة على حرمته ؛ لعدم صدق تصوير الصور وتمثيل المثال عليه . فلو نسبا إليه كان بضرب من التأويل والتجوّز ، فإنّ ظاهر «من صوَّر صوراً» أو «مثّل مثالاً» سيّما في تلك الأعصار صدورهما من قوّته الفاعلة ، فيكون هو المباشر لتصويرها .

فكما أنّ قوله : «من كتب كتاباً» لا يشمل من أوجد الكتابة بالمطابع المتعارفة

ص: 301


1- راجع وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 .

أو أخذ الصورة منه ، فمباشر عمل المطبعة وأخذ الصور ليس كاتباً ولا كتب شيئاً ، كذلك صاحب المكينة العاملة للصور وكذا المصوّر ليسا مصوّرين وممثّلين للصور والمثل إلاّ بضرب من التأويل والتجوّز ، ولا يصار إليه إلاّ بدليل وقرينة ، من غير فرق بين الصور المنطبعة في الزجاجة والمنعكسة منها إلى الصحائف ، وإن كان عدم الصدق في الأوّل أوضح .

نعم ، لو كان وجود شيء مبغوضاً في الخارج كان إيجاده بأيّ نحو كذلك ، لاتّحاد الإيجاد والوجود ذاتاً، وإنّما اختلافهما بالاعتبار ، تأمّل .

لكن لم يحرز في المقام ذلك ، بل سيأتي أنّ الأقوى جواز اقتناء الصور وعدم وجوب كسرها (1) ، فعليه لا دليل على حرمة إيجادها بأيّ نحو كان .

إلاّ أن يدّعى أنّ ذلك المدّعى لو تمّ في مثل قوله : «من صوّر صورة أو مثالاً» لا يتمّ في مثل قوله : «مثّل مثالاً» ، فإنّ الظاهر منه حرمة مثول المثال وهو شامل

للإيجاد ، أو مخصوص به ، أو يدّعى إلغاء الخصوصية عرفاً وفهم الإيجاد التسبيبي من الأدلّة بإلغائها .

وهما أيضاً محلّ إشكال ومنع ؛ لأنّ الظهور المدّعى إنّما هو لهيئة الفعل؛ فإنّها ظاهرة في الإيجاد المباشري إلاّ مع قيام قرينة من غير فرق بين الموارد ، بل الظاهر من قوله : «من مثّل صورة أو مثالاً» هو تصوير الصورة وتمثيلها بقدرته وعلمه بذلك الصنع ، والمباشر لاتّصال القوّة بالمكينة أو لإلقاء الجصّ في القالب ربّما لا يكون مصوّراً وعالماً بالتصوير ولا قادراً عليه .

ص: 302


1- يأتي في الصفحة 317 .

نعم ، في بعض الأحيان تقوم القرينة على التعميم ، أو على التخصيص بغير المباشرة ، وهو أمر آخر .

وأمّا في مثل المقام - الذي كان المتداول في التصوير والتمثيل تحصيلهما بمباشرة اليد وقدرة الصنع ، وربما يفعل بمثل المكائن والقوالب كما في هذا العصر ولم يكن ذلك أيضاً متداولاً في تلك الأعصار حتّى يكون التداول قرينة على إرادة الأعمّ - فالظاهر من الأدلّة هو النحو الأوّل ، والتعميم يحتاج إلى دليل

وهو مفقود .

ودعوى إلغاء الخصوصية أيضاً ممنوعة ، ولا أقلّ من الشكّ فيه . نعم، لو كان وجودها مبغوضاً كان الأمر كما ذكر ويأتي الكلام فيه ، ولكن الاحتياط بتركه مطلقاً لا ينبغي أن يترك .

الثاني : حكم تصوير الجنّ والشيطان والمَلَك

هل تلحق صورة الجنّ والشيطان والمَلَك بالصورة الحيوانية أو لا ؟

قد يقال : إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ذلك(1) .

لكن يمكن إنكار إطلاقها بأن يقال : العمدة في الأدلّة هو المستفيضة المشتملة على قوله : «يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ»(2) ، وأمّا غيرها فقد تقدّم أنّ جملة

ص: 303


1- مفتاح الكرامة 12 : 166 ؛ جواهر الكلام 22 : 43 .
2- راجع وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 2 ، 5 ، 12 ، و17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 ، 7 و9 .

منها مربوطة بعمل تماثيل الهياكل المعبودة(1) ، وجملة اُخرى لا إطلاق فيها ، ولو وجد فيها ما له إطلاق فضعيف سنداً (2) .

وأمّا المستفيضة المشار إليها ، فالظاهر منها أنّ المحرّم هو تمثال موجود يكون نحو إيجادها بالتصوير والنفخ كالإنسان وسائر الحيوانات ، فمع تصوير صورة حيوانية وتتميم تصويرها وبقاء نفخ الروح فيها ولو بنحو من المسامحة ، كأ نّه تشبّه بالخالق في مصوّريته ما في الأرحام ، فيقال له يوم القيامة : أيّها المصوّر ، انفخ فيها كما نفخ اللّه تعالى في الصور بعد تسويتها .

وأمّا مثل الجنّ والشيطان والملك - ممّا تكون كيفية إيجادها بغير التصوير والتخليق التدريجيين ، وبغير التسوية والنفخ ، بل إيجادها بدعية دفعية سواء قيل بكونها مجرّدة أم لا ، ولا يكون فيها نفخ روح كما في الحيوانات - فخارج عن مساق تلك الأخبار التي هي المعتمدة في حرمة عمل المجسّمات ، لاستفاضتها واعتبار أسناد بعضها كمرسلة ابن أبي عمير(3) .

هذا، مضافاً إلى أنّ المظنون بل الظاهر من مجموع الروايات أنّ وجه تحريم الصور والتماثيل هو التشبّه بالخالق جلّت قدرته في المصوّرية التي هي من صفاته الخاصّة ، والتصوير الخيالي من المذكورات ليس تشبّهاً به تعالى ؛ لأ نّه لم يصوّرها كذلك حتّى يكون التصوير تشبّهاً به .

إلاّ أن يقال : إنّه صار شبيهاً به في مطلق التصوير ، وهو كما ترى .

ص: 304


1- تقدّمت في الصفحة 287 .
2- تقدّمت في الصفحة 295 - 299 .
3- تقدّمت في الصفحة 291 .

ولا يلزم ممّا ذكرناه الالتزام بجواز تصوير حيوان غير موجود ، كالعنقاء مثلاً ، أو مخلوق ذي رؤوس عديدة ؛ لأ نّا لا نقول باختصاص الأدلّة بالحيوانات الموجودة في الخارج ، بل نقول باختصاصها بما يكون موجوديته كموجودية الحيوانات بالتخليق والتصوير ، والمذكورات ليست كذلك .

مع أنّ الالتزام بعدم الحرمة في بعض مصاديق مورد النقض ليس ببعيد وليس بتالي فاسد .

نعم ، يمكن التمسّك برواية «التحف» لحرمة صور الروحاني-ين من الملائكة وغيرها ، حيث قال فيها في تفسير الصناعات المحلّلة : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني»(1) .

بدعوى أنّ الظاهر منها حرمة مطلق مثل الروحاني ، بل الظاهر خروج الإنسان والحيوانات منها ، فإنّ الروحاني ظاهر في موجود غلبت جهة الروح فيه ، والألف والنون من زيادات النسب ، فالروحاني مقابل الجسماني .

ففي رواية عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه خلق العقل ، وهو أوّل خلق من الروحانيين»(2) .

قال المحدّث المجلسي : «يطلق الروحاني على الأجسام اللطيفة وعلى الجواهر المجرّدة إن قيل بها» ، قال في «النهاية» : في الحديث : «الملائكة الروحانيون» . يروى بضمّ الراء وفتحها ، كأ نّه نسب إلى الرُوح والرَوح

ص: 305


1- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 1 : 20 / 14 .

وهو نسيم الريح ، والألف والنون من زيادات النسب ، ويراد به أجسام لطيفة لا يدركها البصر(1) ، انتهى .

وفي «المجمع»(2) نحو ما عن «النهاية»(3) .

وعن الجوهري : زعم أبو الخطّاب أ نّه سمع من العرب من يقول في النسبة إلى الملائكة والجنّ : رُوحاني ، بضمّ الراء ، والجمع روحانيون . وزعم أبو عبيدة أنّ العرب تقوله لكلّ شيء فيه الروح(4) ، انتهى .

وكيف كان : فالمتفاهم منه ولو انصرافاً غير الحيوانات بل والإنسان ، وإنّما يطلق على علماء الشرائع بدعوى غلبة الجهات الروحية فيهم كأ نّهم ليسوا من عالم الأجسام .

فعليه تدلّ الرواية على حرمة تصوير الروحانيين الغائبين عن الحواسّ مطلقاً .

لكن يمكن المناقشة فيه بعد الغضّ عن سندها واغتشاش متنها ، بأنّ الظاهر من مجموعها صدراً وذيلاً في تفسير الصناعات أنّ المراد بمثل الروحاني مثل هياكل العبادة ؛ لأنّ المذكور في جميع فقرات الرواية من ملاك الحلّية والحرمة ، هو كون الشيء صلاحاً للعباد ، أو كان فيه وجه من وجوه الصلاح ، أو كون الشيء فساداً محضاً ، أو فيه جهة فساد ، وأنّ ما فيه جهة صلاح

ص: 306


1- مرآة العقول 1 : 66 .
2- مجمع البحرين 2 : 364 .
3- النهاية ، ابن الأثير 2 : 272 .
4- الصحاح 1 : 367 .

وجهة فساد لا يحرم إلاّ إذا صرف في الفساد .

فيستفاد منها أنّ مثل الروحانيين التي فيها الفساد من جهة عبادة الناس إيّاها وتعظيمها المنافية للتوحيد والتنزيه محرّم صنعتها ، وأمّا ما ينتفع الناس بها ولو في التزيين وسائر الأغراض العقلائية كتماثيل الموجودات كانت روحانيين أم لا فهي محلّلة .

وإن شئت قلت : إنّ سائر فقرات الرواية حاكمة على تلك الفقرة ومفسّرة إيّاها .

ويؤيّد هذا الاحتمال ذكر الأصنام والصلبان في الضابطة التي ذكرت مقابلة ضابط الحلّية ، فقال : «إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً ، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام . . .»(1) إلى آخر فقراتها .

والإنصاف أ نّها قاصرة عن إثبات الحرمة لمطلق صور الروحاني-ين . وسيأتي تتمّة لفقه الحديث(2) .

ثمّ على فرض تسليم دلالتها على حرمة مطلق مثل الروحاني ، فلا شبهة في عدم شمولها للحيوان والإنسان كما تقدّم .

وعليه يكون مقتضى الجمع بين منطوقها وبين ذيل صحيحة ابن مسلم(3) أنّ تصاوير غير الروحاني مكروه ، ومقتضى الجمع بين مفهوم الرواية

ص: 307


1- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 328 .
3- تقدّمت في الصفحة 293 .

ومنطوق الصحيحة حرمة تصوير الروحاني ؛ لأخصّية المفهوم منه .

لكنّ الالتزام بكراهة غير الروحاني مخالف للإجماع(1) والروايات المتضافرة .

ومقتضى الجمع بين الروايات ورواية «التحف» أنّ تصوير الروحاني-ين ومطلق الحيوان محرّم ؛ لأنّ مفهوم رواية «التحف» أخصّ من منطوق صحيحة ابن مسلم فيقيّده ، ومفاد الروايات المتقدّمة المخصوصة بالحيوانات أخصّ من منطوق رواية «التحف» التي عدّ فيها من المحلّلات جميع صنوف التصاوير عدا الروحاني فيقيّد بها .

فيصير حاصل المجموع حرمة تصاوير ذوات الأرواح من الروحاني وغيره .

لكن جميع ذلك فرع جواز الاعتماد على رواية «التحف» لإثبات حكم وهو ممنوع ، فعليه تكون حرمة تصوير الروحانيين بلا دليل ، بل دلّت صحيحة ابن مسلم على جوازه ، بل لا يبعد دلالة رواية محمّد بن مروان(2) عليه ، بناءً على حجّية مفهوم القيد في مثل المقام ؛ لأنّ الحيوان مخصوص أو منصرف إلى غير الملائكة والجنّ والشيطان بلا شبهة . بل لولا كون الحكم في تصوير الإنسان من المسلّمات لكان للمناقشة فيه أيضاً مجال ، لانصراف الحيوان عنه أيضاً .

والعلم بحرمة تصوير الإنسان وعدم الفصل بينه وبين الحيوانات ، لا يوجب كون المراد من الحيوان ما هو مصطلح قوم أو مطلق ذي الروح أو كون ذكره في

ص: 308


1- تقدّم في الصفحة 285 .
2- تقدّمت في الصفحة 299 .

الأخبار لمطلق التمثيل كما قرّبه السيّد رحمه الله علیه في حاشيته(1) .

وأمّا ما قال من أنّ المتعارف من تصوير الجنّ والملائكة ما هو بشكل واحد من الحيوانات ، فيحرم من هذه الجهة ، بناءً على عدم اعتبار قصد كونه حيواناً مع فرض العلم بكونه صورة له(2) .

ففيه : - مضافاً إلى ما اختاره من اعتبار القصد في صور المشتركات وليس ببعيد - أنّ الصور المتعارفة من تصويرهما ممتازة عرفاً عن صور الحيوانات وإن كانت شبيهة من بعض الوجوه بالإنسان ، لكن العرف يراها غير صورة الإنسان ، ففرق بين كون صورة للإنسان أو لموجود آخر شبيه به . والصور المعمولة من قبيل الثانية .

وأمّا التشبّث برواية أبي العبّاس ففيه ما لا يخفى ، وقد تقدّم الكلام فيها (3) .

فالأقوى عدم الحرمة وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك ؛ لاحتمال إطلاق بعض الأخبار أو فهم المناط منها أو إلغاء الخصوصية أو كون المراد بالحيوان مطلق ذي الروح ولو لمناسبات ، أو غير ذلك .

نعم ، لو فرض ما صوّر يكون مثالاً لحيوان أو الإنسان فإن قلنا بحصول التميّز بينهما بالقصد كتميّز سائر المشتركات كما لا يبعد ، فيتبع الحكم القصد .

فلو قصدهما وقلنا بصدق العنوانين عليها ، أو قصد نفس الصورة الخارجية بلا قصد عنوان وقلنا بانطباقهما عليها ، أو قلنا بعدم اعتبار القصد والانطباق

ص: 309


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 109 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 297 .

عليها قهري ، فالأقوى حرمتها من حيث انطباق عنوان الحيوان عليها في جميع الصور .

ولا يكون المورد من قبيل تزاحم المقتضيات ولا تعارض الأدلّة ؛ لأنّ الحكمين على عنوانين بينهما عموم من وجه ، أمّا على ما قلناه من امتياز الصور المتعارفة للملائكة والجنّ عن صورة الحيوان والإنسان ، فواضح ، وكذا على ما ذكره السيّد الطباطبائي(1) من أنّ الصور المتعارفة من قبيل صورة الإنسان ، لكنّه

تصوّر صورة غير حيواني للملائكة والجنّ ، وعلى أيّ تقدير بين العنوانين عموم من وجه .

فحينئذٍ لا منافاة ولا مزاحمة بين الدليلين ، فعنوان صورة الملائكة حلال ، وعنوان صورة الحيوان حرام ، وانطباق العنوانين بسوء اختيار المكلّف ، فالصورة الخارجية مجمع العنوانين ، ومحرّمة من حيث ، ومحلّلة من حيث أو حيثيات ، من غير تزاحم أو تعارض ، نظير شرب الماء المغصوب ، فإنّه من حيث شرب الماء ليس بمحرّم ، ومن حيث التصرّف في مال الغير أو إتلافه حرام ، كما أنّ شرب المائع النجس المغصوب محرّم من جهتين ، فما في حاشية السيّد المتقدّم لا يخلو من خلط وإشكال .

نعم ، لو كان بينهما تلازم؛ بمعنى عدم انفكاك صورة الملك عن صورة الحيوان في المقام ، ودلّ دليل بالخصوص على جواز تصوير الملائكة ، ودليل على حرمة تصوير الحيوان الذي يشترك معها في الصورة ، يقع التعارض بين

ص: 310


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 109 .

الدليلين وهو خارج عمّا نحن فيه ومجرّد فرض .

كما أ نّه لو فرض دليل على حرمة صورة مطلق الحيوان ، ودليل على جواز صورة الملك ولا تكون صورته إلاّ صورة حيوان خاصّ ، يخصّص دليل الحرمة بدليل الجواز الملازم لجواز تصوير الحيوان الذي تلازم صورته للملك .

الثالث : حكم ما لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة

لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة ، فالظاهر قصور الأدلّة عن إثبات الحرمة لفعل كلّ من الفاعلين أو أكثر بعد عدم صدق عنوان : «صوّر الصور» أو «مثّل المثال» على واحد منهما بلا ريب ؛ ضرورة أنّ التمثال والصورة عبارة عن مجموع الصورة الخارجية ، والأجزاء لا تكون تمثالاً لحيوان ولا صورة له ، والفاعل للجزء لا يكون مصوّراً للحيوان ، من غير فرق بين اشتغالهما بتصويره من الأوّل إلى الآخر أو تصوير أحدهما نصفه والآخر نصفه الآخر ، أو عمل واحد منهما الأجزاء وتركيب الآخر بينها ؛ لعدم الصدق في شيء منها ، فإنّ الظاهر من قوله : «من صوّر صورة» ، كون صدور الصورة ؛ أي هذا الموجود الخارجي الذي يقال له التمثال ، من فاعل ، والفرض عدم صدورها منه . وهو نظير قوله : من قال شعراً ، أو من كتب سطراً ، أو من مشى من بلده إلى مكّة .

واحتمال أن يكون المراد بهما ، أ نّه من أوجد هيئة الصورة أو هيئة المثال وهو صادق على من أتمّهما ، إمّا بإتيان النصف الباقي ، أو بتركيب الأجزاء ، بعيد عن ظاهر اللفظ ومخالف للمتفاهم من الأخبار .

فإن قلت : إنّ المراد من قوله : «من صوّر صورة» أو «مثّل مثالاً» ليس

ص: 311

الأشخاص الخارجية، بل المراد أشخاص الفاعلين ، وفي المفروض أنّ الصورة صادرة من فاعل مختار قاصد وهو مجموع الاثنين ، فهما فاعل واحد ومصوّر واحد ، وذلك كما في قوله : «من قتل نفساً ، ومن ردّ عبدي فله كذا» ، فإنّه صادق على الواحد والاثنين ، ولا يلزم منه استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد بتوهّم أنّ المراد من لفظة «مَن» كلّ شخص وكلّ شخصين وهكذا ، وذلك لأنّ المراد كلّ شخص فاعل ، فكأ نّه قال : كلّ فاعل ، والفاعل يصدق على الاثنين والواحد ؛ بمعنى أنّ الاثنين فاعل واحد فلا يكون مستعملاً في الوحدات والاثنينات(1) .

قلت : إنّ الجمع بين العامّ الاستغراقي والمجموعي في كلام واحد وحكم واحد لا يمكن ؛ فإنّ الاستغراق الملازم للانحلال يتقوّم بعدم لحاظ الوحدة بين الأشخاص ، والعامّ المجموعي متقوّم بلحاظها ، ففي قوله : أكرم العلماء إن لم يلحظ في تعلّق الحكم وحدة الموضوع ولم يعتبر المجموع واحداً ، ينحلّ إلى أحكام عديدة حسب تعدّد الأفراد ، وإن لوحظت الوحدة والاجتماع يكون حكم واحد لموضوع واحد ، ولا يعقل الجمع بين المجموعي والاستغراقي ، أي لحاظ الوحدة وعدم لحاظها ، هذا في المتعلّق .

وكذا الحال في المكلّف ، ففي قوله : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) إمّا أن لا يلاحظ كون المؤمنين نفساً واحدة ، فيكون كلّ مؤمن مكلّفاً بالوفاء ، وإمّا أن يلاحظ ذلك ، فلايمكن الانحلال إلى أحكام كثيرة حسب تعدّد المؤمنين ؛

ص: 312


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 114 .
2- المائدة 5 : 1.

لأنّ المكلّف حينئذٍ يكون عنواناً واحداً هو مجموع المؤمنين .

ففي ما نحن بصدده - بعد ما كان كلّ فاعل مستقلاًّ في فعله وفاعلاً لجزء من الصورة ، ولا يمكن أن يكون الاثنان أو أكثر واحداً إلاّ مع اعتبار الوحدة - إمّا أن تعتبر الوحدة في من يكون لفظة «مَن» كناية عنه أو لا ، فعلى الأوّل لا يعقل جعل الحكم استقلالاً ، وعلى الثاني لا يعقل جعله للمجموع ، والجمع بينهما جمع بين اللحاظين المتنافي-ين . ومجرّد توهّم جعل الحكم على الأشخاص الفاعلين أو على عنوان الفاعل لا يصحّح ذلك ، فلو قال : الفاعل للصورة كذا ، يأتي فيه ما ذكرناه من الإشكال . والمثالان المذكوران نقضاً أي قوله : «من قتل نفساً» ، وقوله : «من ردّ عبدي» نظير ما نحن فيه في عدم الإمكان . نعم، قد تقوم قرينة على عدم الفرق بينهما وقد يعلم بحصول المناط في الصورتين وهو أمر آخر .

ويمكن أن يناقش فيما ذكرناه ويقال : إنّ «من» منطبق على الأفراد والوحدات الحقيقية قهراً ، وإذا لوحظ الاجتماع في الوحدات ينطبق على الوحدات الاعتبارية لأجل الاعتبار ، كما في ادّعاء كون الشجاع أسداً وإطلاق الأسد على معناه ، فينطبق على الفرد الحقيقي والادّعائي ، ففي المقام لا يحتاج الانطباق على الأفراد الحقيقية إلى لحاظ ، والأفراد الاعتبارية إنّما تحتاج إليه ، ولا يضرّ لحاظ الاجتماع لتحقّق الأفراد الاعتبارية زائدة على الأفراد الحقيقية بالانحلال ، ففي الحقيقة يكون اللحاظ موجباً لتوسعة دائرة الانحلال لا للجمع بين اللحاظين المتنافي-ين .

لكنّه على فرض صحّته ثبوتاً يحتاج إلى تكلّف وتعسّف وقيام قرينة ، وهي مفقودة في المقام . مع أنّ كلمة «مَن» وأمثالها من قبيل المطلق لا العامّ ،

ص: 313

فلا يراد بها الأفراد حتّى يأتي فيها ما ذكر .

نعم ، يمكن جعل الحكم للعنوان وإيجاد أفراد اعتبارية له في التشريع بنحو الحكومة ، لكنّه يحتاج إلى اعتبار مستأنف زائداً على مفاد الأدلّة .

وهو وإن كان غير ممتنع لكنّه غير ثابت ؛ ضرورة أنّ الظاهر من الأخبار نحو قوله : «من صوّر» و «من مثّل» هو الأشخاص الحقيقية ، لا الأعمّ منها والاعتبارية ، كما اعترف به صاحب المقالة المتقدّمة لكنّه قال : «إنّ المناط موجود فيما نحن فيه أيضاً»(1) وهو كما ترى ؛ لأنّ المناط غير معلوم .

وما يمكن أن يستشعر من الروايات من أ نّه مضادّ للّه تعالى في مصوّريته ، فيمكن أن يقال فيه : إنّ كلّ واحد من الفاعلين لم يفعل ما يضادّ اللّه تعالى، فإنّه

تعالى مصوّر الصورة المنفوخة فيها ، وكلّ من الفاعلين لم يفعل ذلك والمجموع منهما ليسا شخصاً واحداً مضادّاً له تعالى ، مع أنّ في كون المناط ذلك بحيث يكون كالعلّة في التعميم والتخصيص منعاً . وأسوأ منه توهّم إلغاء الخصوصية عرفاً ، سيّما مع ما في الأخبار من أ نّه يؤمر بالنفخ ، الظاهر منه أنّ المصوّر شخص واحد بخصوصية كونه مصوّراً وهي منفيّة في المقام .

وأمّا التشبّث(2) ببعض الأخبار لإثبات الحكم بالنسبة إلى الاثنين وأكثر كقوله علیه السلام : «نهى عن تزويق البيوت»(3) ، بدعوى أ نّه أعمّ من أن يكون صادراً عن واحد وما زاد .

ص: 314


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 115 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 296 .

وكقوله علیه السلام : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني»(1) .

وكقوله في صحيحة محمّد بن مسلم : «ما لم يكن من الحيوان»(2) .

وكقوله في تفسير قوله تعالى : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ . . .( : «واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء»(3) ، فإنّ ظاهره حرمة عملهم لها ولو كان بالاشتراك ، وبالجملة : يظهر منها مبغوضية الصورة ولو صدرت من أكثر من واحد .

ففيه : ما لا يخفى ؛ لما تقدّم(4) أنّ الرواية الاُولى راجعة إلى تزويق البيوت وأجنبيّة عمّا نحن بصدده ، مع إمكان المناقشة في إطلاقها من الجهة المنظورة ؛ لإمكان أن يكون تزويق البيوت محرّماً على صاحب البيوت ولو بالتسبيب وإن لم يكن بعض التصوير محرّماً على الفاعل ، تأمّل . وكيف كان : لا يصحّ الاستناد إليها للمقام .

والثانية أيضاً أجنبيّة عن المقام كما تقدّم(5) ويأتي بعض الكلام فيها إن شاء اللّه ، مع أ نّها بصدد بيان صنوف الحلال والحرام ولا إطلاق فيها من حيث الفاعل . وكذا صحيحة ابن مسلم ؛ لما تقدّم(6) ويأتي .

وأضعف منها التمسّك برواية أبي العبّاس ؛ ضرورة عدم معلومية الواقعة

ص: 315


1- تقدّم في الصفحة 305 .
2- تقدّم في الصفحة 293 .
3- تقدّم في الصفحة 297 .
4- تقدّم في الصفحة 297 .
5- تقدّم في الصفحة 306 .
6- تقدّم في الصفحة 262 .

الخارجية . ونفي تماثيل الرجال والنساء أجنبيّ عن الدلالة على حرمة عملهم ولو بالاشتراك . وعدم دلالتها على حرمة ذلك على سليمان النبي علیه السلام

كما تقدّم (1).

والإنصاف عدم نهوض الأدلّة لإثبات الحكم وإن كان الاحتياط في الدين يقتضي التجنّب عنه ولو بالاشتراك ؛ لذهاب بعض الأساطين إلى حرمته(2) ، ومظنونية تحقّق المناط ، وعدم رضا اللّه تعالى بكون الشخصين أيضاً مشابهاً له في مصوّريته ، واحتمال مساعدة العرف للتعدّي وإلغاء الخصوصية ، واحتمال شمول رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل»(3) للمقام ، بناءً على أ نّها غير الرواية المتقدّمة(4) ، كما هو الظاهر ، وبناءً على أنّ النهي عن تصوير

التماثيل . . . إلى غير ذلك .

حكم تصوير بعض الأجزاء

ثمّ إنّ الظاهر من حرمة تصوير الصور وتمثيل المثال حرمة الاشتغال بها إذا انتهى إلى تحقّق الصورة ، كما هو الظاهر من مثل قوله : لا تكتب سطراً ، ولا تقل

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 297 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 114 .
3- المحاسن : 614 / 36 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 11 .
4- تقدّمت في الصفحة 296 و314 .

شعراً . فإذا اشتغل بالكتابة والإنشاء فعل حراماً واشتغل به مع إتمام السطر

والشعر . فلو بدا له فلم يتمّها أو منعه مانع ، لم يفعل الحرام وإن كان متجرّياً على المولى .

وبالجملة : ليس المحرّم تصوير الأجزاء ؛ لأنّ الحكم متعلّق بعنوان تصوير الصورة ، وتصوير بعض الأعضاء ولو بقصد الإتمام ليس تصوير الصورة ، وليس المحرّم هو الجزء الأخير فقط أو حصول الهيئة ؛ فإنّ الحكم لم يتعلّق بإحداث الهيئة حتّى يقال : إنّ الجزء الأخير محقّقها ، على تأمّل فيه أيضاً ، بل الحكم متعلّق بالتصوير المنطبق على تمام الأجزاء إلى حصول الصورة ، كما أنّ المحرّم في كتابة السطر تمام الأجزاء . وإن شئت قلت : إنّ المحرّم هو العنوان الذي لا ينطبق إلاّ على تمام الأجزاء ، تأمّل .

الرابع : حكم اقتناء الصور المحرّمة

هل يجوز اقتناء الصور المحرّمة أو يجب كسرها ؟

حول كلام المحقّق الأردبيلي في المقام

قال الشيخ الأنصاري : «المحكيّ عن «شرح الإرشاد» للمحقّق الأردبيلي أنّ المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال الأصحاب ، عدم حرمة إبقاء الصور»(1) ، انتهى .

ص: 317


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 190 .

أقول : الحاكي صاحب «مفتاح الكرامة»(1) عن مبحث لباس المصلّي من «شرح الإرشاد» ، لكن فيه : «ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة ، وكذا الصورة في الخاتم»(2) .

وليس فيه ذكر من أقوال العلماء ، ولعلّه حكى عن نسخة اُخرى غير المطبوعة .

وما ذكره في ذلك المبحث لعلّه غير منافٍ لما ذكره في المقام ؛ حيث قال ما حاصله : تدلّ روايات كثيرة على جواز إبقاء الصور مطلقاً وهو يشعر بجوازه .

ثمّ نقل بعض الروايات فقال : «بعد ثبوت التحريم فيما ثبت يشكل جواز الإبقاء ؛ لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم عدم خلق شيء يشبه بخلق اللّه وبقائه لا مجرّد التصوير ، فيحمل ما يدلّ على جواز الإبقاء على ما يجوز منها ، فهي من أدلّة جواز التصوير في الجملة على البُسُط والستر والحيطان والثياب ، وهي التي تدلّ الأخبار على جواز إبقائها فيها ، لا ذو الروح التي لها ظلّ على حدتها التي هي حرام بالإجماع»(3) ، انتهى .

ويرجع كلامه إلى دعويين :

إحداهما : أنّ ما دلّت على تحريم التصوير تدلّ على تحريم الإبقاء . والثانية : أنّ ما دلّت على جواز الإبقاء تشعر بجواز التصوير . فصارتا موجبتين لحمل الأخبار المجوّزة للإبقاء على ما يجوز تصويره كتصوير

ص: 318


1- مفتاح الكرامة 12 : 163 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 93 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 56 .

غير ذي الظلّ من ذوات الأرواح على البسط ونحوها ، والأخبار المانعة عن التصوير على غيرها ممّا يحرم إبقاؤها أيضاً .

وتقريب دعواه الاُولى : أنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي إن لم تكن من الماهيات التي لها بقاء بل حدوثها معانق لزوالها ، فلا محالة يكون النهي عن وجودها وإيجادها بالمعنى المصدري وهما متّحدان خارجاً مختلفان اعتباراً .

وإن كانت من الماهيات التي لها بقاء وثبات في الخارج ، فلا ينتقل ذهن العرف والعقلاء من النواهي مثلاً على أنّ المبغوض صرف هذا المعنى المصدري وحاصله ؛ أي الإيجاد والوجود ، بل المتفاهم العرفي من الأوامر والنواهي المتعلّقة بها أنّ تلك الماهية القارّة الذات محبوبة أو مبغوضة له، وإنّما أمر بإيجادها لمحبوبيتها بوجودها المستقرّ المستمرّ ونهى عنها لمبغوضيتها كذلك ، ولا تنتقل الأذهان إلى الإيجاد والوجود بنحو الاستقلال كما لا تتوجّه إلى احتمال أن يكون في نفس الأمر والنهي مصلحة ، وذلك لأنّ تلك العناوين التوسّلية والتوصّلية لا ينظر إليها استقلالاً إلاّ مع قيام قرينة أو مع لا بدّية .

فلو أمر المولى بإيجاد شيء له البقاء كبناء الأبنية وغرس الأشجار وكتابة الكتب ونحوها ، لا ينقدح في الأذهان منه أنّ نفس الإيجاد المصدري مطلوبة ، لا الماهية المستقرّة الوجود . وكذا لو نهى عن ماهية كذائية كعمل الأصنام والصور وآلات اللهو والقمار ، كما يظهر للمراجع إلى الأمثال والنظائر .

وعليه يكون المدّعى هو التفاهم العرفي لا الملازمة العقلية حتّى ينتقض ببعض الموارد ، كما توهّم الفاضل الإيرواني نقضه بمثل الزنا والنتيجة

ص: 319

الحاصلة منه ، فإنّه حرام مع وجوب حفظ حاصله(1) . ولا ينقضي تعجّبي من نقضه ومثاله الأجنبيّ عن المقام .

وأمّا إنكار الشيخ الأنصاري ذلك بقوله : «إنّ الممنوع هو إيجاد الصورة وليس

وجودها مبغوضاً حتّى يجب رفعه»(2) ، فإن رجع إلى نفي الملازمة عقلاً فلا ينافي التفاهم العرفي وهو كافٍ في المقام ، وإن رجع إلى إنكار فهم العرف فهو غير وجيه؛ لمساعدة العرف لما ذكر بالتقريب المتقدّم ، إلاّ أن قامت القرينة على خلافه . والإنصاف أنّ المدّعى بنحو ما قرّرناه متين لا محيص عنه .

لكن يرد عليه : بأنّ المقام ممّا قامت القرينة على أنّ المحرّم والمبغوض هو هذا المعنى المصدري ، لا الماهية بوجودها البقائي . وذلك لأنّ عمدة المستند في المسألة كما تقدّم هي المستفيضة المشتملة على الأمر بالنفخ(3) ، والظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع أنّ الأمر به لأجل تعجيزه عن تتميم ما خلق ، وكأ نّه يقال له : إذا كنت مصوّراً فكن نافخاً كما كان اللّه كذلك ، فيفهم منها أنّ الممنوع

والمبغوض هو التشبّه به تعالى في مصوّريته ، فهذا المعنى المصدري هو المنظور إليه .

وبعبارة اُخرى : إنّ المناسبة توجب عطف الأنظار إلى المعنى المصدري الذي لولاها لكان غير منظور فيه مستقلاًّ كما تقدّم .

وبما ذكرناه يظهر النظر في دعواه الاُخرى ، وهي أنّ جواز الإبقاء مشعر بجواز

ص: 320


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 136 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 193 .
3- تقدّم في الصفحة 303 .

التصوير ، فإنّها أيضاً موجّهة لولا القرينة على خلافها .

ثمّ إنّه على فرض تسليم ما ذكره المحقّق الأردبيلي لو دلّ دليل ولو بعمومه أو إطلاقه على جواز إبقاء المجسّمات ، لا يكون معارضاً للروايات الدالّة على حرمة التصوير المستفاد منها حرمة الإبقاء ؛ ضرورة أنّ حرمة الإبقاء المستفاد منها ليست بدلالة لفظية أو ملازمة عقلية حتّى ينافيها ، بل لانتقال ذهن العرف من النهي عن إيجاد تلك الماهية إلى أنّ الماهية بوجودها القارّ مبغوضة والنهي عن الإيجاد توصّلي ، لكن لو ورد ما دلّ على جواز إبقاء التماثيل تنعطف الأذهان إلى أنّ المبغوض والمنهيّ عنه هو العنوان المصدري .

وإن شئت قلت : إنّ بين الأدلّة جمع عقلائي ، أو قلت : إنّ تلك الاستفادة إنّما هي في صورة سكوت القائل ، فلا تنافي بين الأدلّة .

بيان الأخبار الدالّة على جواز الاقتناء

وأمّا الأخبار فعلى طائفتين :

إحداهما : ما تتعرّض للوسائد والستور والأثواب المصوّرات(1) وهي كثيرة ، أو تشتمل على نفي البأس إذا كانت التماثيل عن اليمين أو الشمال أو تحت الرجل حال الصلاة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : اُصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها ؟ قال : «لا ، اطرح عليها ثوباً ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كانت

ص: 321


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، و5 : 170 ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 32 ، و : 308 ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 .

في القبلة فألقِ عليها ثوباً وصلّ»(1) . ونحوها غيرها (2) .

فلا يبعد أن يستظهر منها بمناسبات أنّ التماثيل غير المجسّمات وإن لا يبعد دعوى الإطلاق فيها أو في بعضها ؛ لاحتمال أن تكون المصوّرات فيها مختلفة من حيث التجسيم وغيره كما يتعارف في أعصارنا ، لكنّه لا يخلو من إشكال وإن كان الإطلاق أظهر في مثل الصحيحة ، تأمّل .

والطائفة الثانية : ما يمكن دعوى الإطلاق فيها أو دعوى ظهورها في المجسّمات :

فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهما السلام عن التماثيل في البيت ، فقال : «لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوباً»(3) .

والظاهر أنّ السؤال عن وجودها في البيت ، فأجاب بعدم البأس إلاّ إذا كانت في القبلة فيلقى عليها الثوب ، وإلقاؤه لأجل الصلاة، ومقتضى عمومها عدم الفرق بين المجسّمات وغيرها .

وليس قوله : «أو تحت رجليك» قرينة على الاختصاص بغيرها ، ضرورة أنّ الطبيعة إذا كانت ذات أفراد مختلفة يمكن إلقاء بعضها تحت الرجل ، يصحّ

ص: 322


1- تهذيب الأحكام 2 : 226 / 891 ؛ وسائل الشيعة 4 : 438 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 .
3- الكافي 3 : 391 / 20 ؛ وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 1 .

أن يقال فيها ما ذكر . ألا ترى عدم الشبهة في شمول العموم للصور المنقوشة على الجدران مع عدم إمكان إلقائها تحت الرجل ، فلا إشكال في عمومها .

وتوهّم أنّ التماثيل في تلك الأعصار كانت غير مجسّمات فالدليل منصرف عنها ، فاسد ، لعدم إحراز ذلك بل يمكن أن يقال : تلك الأعصار لأجل قربها بعصر صنعة الأصنام المجسّمات كانت فيها صنعة المجسّمات متعارفة ، مع أنّ قلّة الأفراد لا توجب الانصراف ، مضافاً إلى أنّ الدليل من قبيل العموم لا الإطلاق .

وأضعف منه توهّم كون الدليل في مقام بيان حكم آخر وهو الصلاة في البيت ، فلو قال : لو كان في البيت صنم أو آلة لهو هل يجوز الصلاة فيه ؟ فأجاب بعدم البأس ، لا يدلّ على جواز إبقائهما .

وذلك لأنّ السؤال كما تقدّم إنّما هو عن التماثيل في البيت ، والظاهر منه أنّ

السؤال عن وجودها فيه ، وقوله : «إذا كانت بحذاء القبلة ألق عليها الثوب» ، لا يدلّ على أنّ السؤال عن الصلاة، والظاهر أ نّه علیه السلام أجاب عن مسؤوله مع شيء

زائد ، فقال : «لا بأس» ؛ أي لا بأس بوجودها في البيت ، و«إذا كانت بحذاء القبلة ألق عليها الثوب» لمكان الصلاة . فالإنصاف أنّ المناقشة فيها في غير محلّها .

وأمّا توهّم أنّ تلك الرواية عين روايته المتقدّمة آنفاً فكما أ نّها في مقام بيان حكم آخر فكذلك هي ، ففيه ما لا يخفى بعد كون ألفاظهما مختلفة والمسؤول عنه في إحداهما أبو جعفر علیه السلام وفي الاُخرى أحدهما . وبالجملة : لا حجّة على وحدتهما بعد استفادة حكم زائد من إحداهما .

ومنها : رواية علي بن جعفر علیه السلام أو صحيحته عن أخيه موسى علیه السلام ، قال :

ص: 323

وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل ، أيصلّى فيها ؟ قال : «لا تصلّ فيها وشيء منها مستقبلك ، إلاّ أن لا تجد بدّاً فتقطع رؤوسها ، وإلاّ فلا تصلّ»(1) .

فإنّ عمومها شامل للمجسّمات لو لم نقل بأنّ الظاهر من قوله : «فتقطع رؤوسها» الاختصاص بها .

وهي كالصريحة في أنّ إبقاءها جائز في نفسه ، فإن أمكنه الصلاة في محلّ آخر أبقاها على حالها وإن لم يجد بدّاً فتقطع رؤوسها للصلاة .

ومنها : روايته الاُخرى أو صحيحته ، قال : وسألته عن البيت فيه صورة طير أو سمكة أو شبهه ، يلعب به أهل البيت ، هل تصلح الصلاة فيه ؟ قال : «لا ، حتّى يقطع رأسه أو يفسده . وإن كان قد صلّى ، فليس عليه الإعادة»(2) .

ولا يبعد ظهورها في المجسّمات ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ أهل البيت كانوا يلعبون بنفس الصورة لا بشيء فيه ذلك ، وهو يناسب المجسّمات ، بل الظاهر من قوله : «فيه صورة طير أو سمكة» أنّ الصورة بنفسها فيه ، لا أنّ فيه شيئاً عليه الصورة ، تأمّل . كما يشعر قوله : «ويقطع رأسه» بذلك أيضاً .

ولو نوقش فيما ذكر فلا شبهة في إطلاقها فتشمل المجسّمات .

كما لا شبهة في تقريره للعب أهل البيت بها وتجويزه ذلك ، فجواز الإبقاء واللعب بها مفروغ عنهما .

ص: 324


1- قرب الإسناد : 186 / 693 ؛ وسائل الشيعة 4 : 442 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 21 .
2- قرب الإسناد : 185 / 690 ؛ وسائل الشيعة 4 : 441 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 18 .

وعليها تحمل روايته الاُخرى أو صحيحته ، قال : وسألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ، ولم يعلم بها وهو يصلّي في ذلك البيت ، ثمّ علم ؛ ما عليه ؟ فقال : «ليس عليه فيما لا يعلم شيء ، فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس التماثيل»(1) .

ضرورة أنّ المفروض أنّ الرجل يصلّي في ذلك البيت ، فالأمر بالنزع والكسر لمكان الصلاة كما في سائر الروايات ، لا للوجوب نفساً كما هو واضح سيّما مع اقتران الكسر بالنزع .

ومنها : رواية المثنّى عن أبي عبداللّه علیه السلام: «أنّ علياً علیه السلام كره الصور في البيوت»(2) ، ونحوها رواية حاتم بن إسماعيل عنه علیه السلام(3) ، ورواية يحيى بن أبي العلاء الموثّقة - بناءً على كونه يحيى بن العلاء كما قيل(4) - عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره الصور في البيوت»(5) .

والظاهر منها أنّ الكراهة إنّما تعلّقت بخصوص كونها في البيوت ، فلو كان

ص: 325


1- قرب الإسناد : 186 / 692 ؛ وسائل الشيعة 4 : 441 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 20 .
2- الكافي 6 : 527 / 5 ؛ وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- المحاسن : 617 / 47 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 14 .
4- تنقيح المقال 3 : 319 / السطر 29 (أبواب الياء) .
5- المحاسن : 617 / 46 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 13 .

إبقاؤها محرّماً لما يناسب ذلك التعبير كما هو واضح .

كما أنّ الظاهر أنّ الكراهة هي بالمعنى المعروف ، ولا يبعد أن تكون لأحد وجهين على سبيل منع الخلوّ : إمّا لأجل أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ، كما ورد في روايات متضافرة : «أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا بيتاً فيه كلب» ، وفي بعضها : «ولا بيتاً فيه بول مجموع في آنية» ، وفي بعضها : «ولا جنب»(1) .

أو لأجل أنّ البيت معدّ للصلاة فيه ويكره وجود الصورة في بيت يصلّى فيه مطلقاً ، أو إذا كانت بحذاء القبلة .

وكيف كان : يظهر من تلك الروايات جواز إبقائها وإن كانت مكروهة في خصوص البيوت ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المجسّمة وغيرها .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت ، إذا غيّرت رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ التقييد بالبيوت لما ذكرناه آنفاً ، فدالّة على أنّ البأس فيها بلا تغيير مختصّ بالبيوت ، فتشعر أو تدلّ على جواز الإبقاء والاقتناء .

وكذا في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل ؛ يصلّى فيه ؟ فقال : «تكسر رؤوس التماثيل

ص: 326


1- راجع وسائل الشيعة 5 : 174 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 33 .
2- الكافي 6 : 527 / 8 ؛ وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 3 .

وتلطّخ رؤوس التصاوير ويصلّى فيه ولا بأس»(1) .

فإنّها أيضاً راجعة إلى الصلاة في مسجد فيه التصوير ، ولا ينافي جواز إبقائها في غير المسجد ، أو فيه في غير حال الصلاة ، فالأمر بالكسر والتلطيخ لرفع البأس عن الصلاة فيه ، لا لحرمة إبقائها ، كما هو واضح .

فاحتمال أن تكون تلك الرواية شاهدة جمع بين الروايات وشاهدة على دعوى المحقّق الأردبيلي - بأن يقال : إنّ الأمر بكسر رؤوس التماثيل لكونها مجسّمة ، وبتلطيخ رؤوس التصاوير لكونها غير مجسّمة ، وإنّما أمر بتلطيخها لأجل الصلاة ، فتشهد الرواية بأنّ ما دلّت على الكسر وقطع الرأس إنّما هي في المجسّمات ، وما دلّت على جواز الإبقاء وإلقاء ثوب مثلاً عليها فهي في غيرها - غير وجيه ؛ لما ذكرناه من أنّ الكسر واللطخ إنّما هما لرفع البأس عن الصلاة كما هو ظاهر الرواية ، لا لوجوبهما مطلقاً ، ومعه لا شهادة لها على المدّعى بل يستشعر منها جواز الإبقاء لو لم نقل بدلالتها عليه .

الأخبار المستدلّ بها على حرمة الاقتناء والجواب عنها

ثمّ إنّه قد تقدّم في خلال الكلمات المتقدّمة - من أوّل البحث إلى هاهنا

- الجواب عمّا استدلّ بها على حرمة الاقتناء ، كالتشبّث برواية أبي العبّاس(2) في تفسير قوله تعالى : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ . . .( .

ص: 327


1- قرب الإسناد : 205 / 793 ؛ وسائل الشيعة 5 : 172 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 32 ، الحديث 10 .
2- تقدّمت في الصفحة 297 .

ورواية القدّاح وغيرها من بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين في هدم القبور وكسر الصور(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم النافية للبأس عمّا لا يكون شيئاً من الحيوان(2) . . . إلى غير ذلك .

وقد يستدلّ عليها برواية «تحف العقول»(3) بوجهين :

أحدهما : أنّ المستفاد من الحصر فيها أنّ اللّه تعالى ما حرّم شيئاً إلاّ ما يكون فيه الفساد محضاً ، ولا شبهة في أنّ الانتفاع من الصورة الحاصلة بالتصوير كالاقتناء والبيع والشراء ونحوها من منافع التصوير عرفاً ، ولهذا صحّ بذل المال بإزاء التصوير بملاحظة الفوائد الحاصلة من الصورة الحاصلة ، فلو كانت تلك المنافع محلّلة لما حرّم اللّه تعالى التصوير بمقتضى الحصر .

وبعبارة اُخرى : إنّها تدلّ على أنّ ما حرّمه اللّه يكون فيه الفساد محضاً ، والفرض أنّ التصوير حرام فلا بدّ وأن لا يكون فيه منفعة محلّلة كالاقتناء ونحوه.

وثانيهما : أنّ المستفاد منها أنّ التصوير المحرّم فيه الفساد محضاً ، فيضمّ إلى قوله : «وكلّ ما منه وفيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات» . فيستنتج منهما حرمة جميع التقلّبات ، ومنها الاقتناء(4) .

ص: 328


1- تقدّمت في الصفحة 288 - 289 .
2- تقدّمت في الصفحة 293 .
3- تحف العقول : 335 .
4- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 66 .

وفيه : - مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ التصوير أمر والصورة الحاصلة منه شيء آخر مستقلّ في الوجود ؛ فإذا كان التصوير محرّماً يكون فيه الفساد محضاً ولا يجوز تعليمه وتعلّمه وأخذ الأجر عليه وسائر التقلّبات فيه ، وهو غير مربوط بالصورة الحاصلة منه - أنّ الظاهر من الرواية ، من أوّل تعرّضها لتفسير الصناعات إلى آخرها بعد التأمّل الأكيد فيها ، أنّ ما كان فيه الفساد محضاً حرّم اللّه تعالى جميع وجوه التقلّب فيه كالبرابط والمزامير ونحوهما ممّا ذكر فيها ، فإنّ

قوله : «وذلك إنّما حرّم اللّه . . .» تعليل لكلامه السابق الدالّ على أنّ ما فيه مصلحة للعباد - كالأمثلة فيها - حلال جميع تقلّباته وإن كانت تلك الصناعة قد يستعان بها على وجوه الفساد والمعاصي وتكون معونة على الحقّ والباطل .

وذلك لأنّ المحرّم من جميع الجهات وجميع التقلّبات ما كان فيه الفساد محضاً .

والظاهر أنّ قوله : «وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها» تفسير لما أجمل فيها ؛ أي قوله : «إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منه الفساد محضاً» ويكون المراد من هذه الفقرة مقابل الفقرات السابقة أنّ الصناعة التي هي حرام بجميع شؤونها هي التي يجيء منه الفساد محضاً كالأمثلة المذكورة .

فلا تدلّ الرواية على أنّ كلّ محرّم يجيء منه الفساد محضاً ، بل تدلّ على أنّ المحرّم بجميع شؤونه هو ما يجيء منه الفساد محضاً .

فالكاشف إنّاً من الفساد المحض هو المحرّم بجميع الشؤون لا المحرّم في

ص: 329

بعضها ، وعليه فلا تدلّ على مطلوبهم ولو كان الحصر حقيقياً .

هذا، مضافاً إلى أنّ الظاهر منها التعرّض للصنائع التي نشأت الحرمة فيها عن

الفساد الكائن في المصنوع كالبرابط والمزامير وسائر الأمثلة المذكورة فيها ، دون ما كانت الصنعة محرّمة لفساد فيها لا المصنوع كما في المقام حيث تكون الحرمة متعلّقة بالتصوير لفساد فيه ؛ لكونه تشبّهاً باللّه تعالى في مصوّريته ، وتشهد لما ذكرناه فقرات الرواية سيّما قوله : «وما يكون منه وفيه الفساد . . .» .

ولعلّه مراد الشيخ الأنصاري من أنّ الحصر إضافي(1) ، فلا يرد عليه ما في تعليقة الطباطبائي من : «أنّ الحصر الإضافي يكفي في المقام ؛ إذ يستفاد منه أنّ عمل الصور الذي هو حرام ليس داخلاً تحت ما فيه وجه الصلاح ووجه الفساد ؛ لأنّ ما كان كذلك ليس بمحرّم بمقتضى الحصر ، ومن المعلوم أ نّه ليس داخلاً فيما فيه الصلاح محضاً فلا يبقى إلاّ أن يكون داخلاً فيما فيه الفساد محضاً»(2) ، انتهى .

وذلك لأنّ الرواية ساكتة عن الصنعة التي ليس في متعلّقها فساد، فالحصر إنّما هو فيما تعرّضت له لا غيره ، فصنعة التصوير الذي يكون في نفسها فساد خارجة عنها موضوعاً .

لكنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ ليس ما ذكرناه كما يشهد به قوله : «نعم، يمكن أن يقال : إنّ الحصر وارد في مساق التعليل وإعطاء الضابطة . . .»(3) . الظاهر منه

ص: 330


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 194 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 120 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 194 .

تصديقه بأنّ الحصر لو كان حقيقياً يدلّ على المطلوب ، مع أ نّه على ما ذكرناه

فالحصر حقيقي ولا يدلّ عليه ، فتدبّر .

حول كلام المحقّق الشيرازي

ومن بعض ما تقدّم ذكره في معنى حديث «تحف العقول» يظهر النظر في كلام المحقّق التقيّ في تعليقته ، وهو أنّ الحصر إن كان حقيقياً يكشف عن عدم تحقّق مصداق يكون محرّماً ويجوز اقتناؤه ، وذلك لأنّ العامّ لا يصير مجملاً بمجرّد احتمال وجود فرد للعامّ يعلم بخروجه عن الحكم على تقدير وجوده في الخارج ، فإذا قال : «أكرم جيراني» وعلم أ نّه على تقدير وجود عدوّ له في جيرانه إنّه لا يريد إكرامه ، فإنّه لا يوجب إجمال العامّ بل يحكم بوجوب إكرامه ويكشف حال الفرد بأ نّه ليس عدوّه . ففيما نحن فيه إذا ثبت حرمة الاكتساب بالتصوير ، لكن لا يعلم أ نّه يجوز سائر الانتفاعات به حتّى خرج عن العامّ المستفاد من الحصر تخصيصاً ؛ لأنّ ذلك إثبات لحرمة الاكتساب في غير ما يكون فيه الفساد محضاً ، فيكون تخصيصاً في العموم المستفاد من الحصر ، أو يكون ممّا يحرم جميع الانتفاعات به؛ لعدم كون جهة صلاح فيه ، فالمتعيّن الثاني عملاً بأصالة العموم السليم عمّا يصلح للمعارضة(1) ، انتهى ملخّصاً .

وذلك لما عرفت أنّ مفاد الرواية بعد التأمّل في مجموعها ، هو أنّ كلّ ما يحرم من جميع الوجوه ، ففيه الفساد محضاً ، وكلّ ما كان فيه الفساد محضاً ، فهو حرام من جميع الوجوه ، لا أنّ كلّ حرام ، ففيه الفساد محضاً ، فعليه يكون الحصر

ص: 331


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 67 .

حقيقياً ، ولا يستفاد منه الحكم المطلوب ، ولا يكون المورد من قبيل العامّ المذكور ، لو سلِّم في مورده جواز التمسّك به لكشف حال الفرد .

بل قد عرفت أ نّها كما يظهر من فقراتها ، متعرّضة لموضوعات فيها فساد محض أو صلاح كذلك ، أو فيها صلاح وإن تستعمل أحياناً في الفساد .

والحصر إن كان حقيقياً لا يوجب استفادة حكم خارج عن مدلول الكلام ، فكأ نّه قال : الحرمة الناشئة من الموضوعات منحصرة بما فيها الفساد ، والحرمة الناشئة من نفس العمل ، كما في المقام ، خارجة عن مفادها موضوعاً ، وهو لا يوجب إضافية الحصر .

في جواز بيع الصور وسائر التقلّبات فيها إذا كان اقتناؤها جائزاً

ثمّ بعد جواز اقتنائها يكون بيعها وسائر التقلّبات فيها جائزاً على مقتضى القواعد .

وتوهّم دلالة رواية «التحف» على عدم الجواز ، بدعوى أنّ المستفاد منها أنّ الصورة المحرّمة لا يجوز بيعها وشراؤها وسائر التقلّبات فيها، خرج منها الاقتناء وبقي الباقي ، فاسد ، أمّا على ما ذكرناه في معنى الرواية من الوجهين فواضح ، وأمّا على ما ذكروه فلأنّ موضوع الحكم على عدم جواز جميع التقلّبات هو ما يكون فيه الفساد محضاً ، والمفروض أنّ التصوير ليس كذلك ؛ لأنّ فيه جهة صلاح وهي الاقتناء .

وإن شئت قلت : إنّ المقام ليس من قبيل العامّ المخصّص حتّى يقال : إنّه حجّة فيما بقى ، بل الحكم في الموضوعات مستفاد من ضمّ صغرى هي أنّ التصوير

ص: 332

مثلاً محرّم ، إلى كبرى هي أنّ كلّ محرّم ففيه الفساد محضاً ، فيستنتج أنّ الصورة فيها الفساد محضاً ، فيجعل صغرى لكبرى اُخرى هي أنّ كلّ ما فيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّبات فيه ، فالصورة كذلك .

فإذا دلّ الدليل على جواز الاقتناء خرج التصوير عن عنوان الصغرى ؛ ضرورة أ نّه بعد جواز الاقتناء لا يكون فيه الفساد محضاً ، فلا تنطبق عليها الكبرى ، فلا تستنتج النتيجة المطلوبة . ولعلّ ما ذكرناه هو مراد السيّد في تعليقته(1) .

وكيف كان : لا دليل على حرمة البيع وسائر التقلّبات فيها كيفما كانت .

عدم جواز أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم

ثمّ إنّ أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم غير جائز ؛ لأنّ الإجارة لذلك

حرام وفاسد ؛ لما ذكرناه فيما سلف من أنّ الفعل المحرّم الذي يجب على الناس منع الفاعل عنه بأدلّة النهي عن المنكر ، لا يكون محترماً ومالاً ، ولهذا لا يضمن المانع عنه اُجرة المثل للعمل بلا شبهة ، فلو منع مانع عبد غيره من عمل الصورة المجسّمة ، لا يكون ضامناً ، فلا يكون ذلك العمل مالاً لدى الشارع ، فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، ويكون الأخذ أكلاً للمال بالباطل كما تقدّم تقريره ، فراجع(2) .

ص: 333


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 122 .
2- تقدّم في الصفحة 282 - 284.

المسألة الثانية : في الغناء

ماهية الغناء

فقد اختلف الكلمات في ماهيته وحكمه ، ففسِّر بالسماع ، وبالصوت ، وبالصوت المطرب ، وبالصوت المشتمل على الترجيع ؛ أو هو مع الإطراب ، وبالترجيع ، وبالتطريب ؛ وبه مع الترجيع ، وبرفع الصوت مع الترجيع ، وبمدّه ، وبمدّه مع الترجيع والتطريب ؛ أو أحدهما ، وبتحسين الصوت ، وبحسنه ذاتاً ، وبمدّه وموالاته ، وبالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب ، وبمدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، أو ما يسمّى في العرف غناءً وإن لم يطرب ، وبالصوت اللهوي ، وبألحان أهل المعاصي والكبائر ، وبما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص ، وبالصوت المعدّ لمجالس اللهو ، وبالصوت المثير لشهوة النكاح . . . إلى غير ذلك(1) . وعن المشهور أ نّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب(2) .

ص: 334


1- راجع مستند الشيعة 14 : 124 - 125 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 167 - 169 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 291 - 296 .
2- مفاتيح الشرائع 2 : 20 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 167 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 291 .
تفسير الشيخ محمّد رضا الأصفهاني للغناء

وقد تصدّى العلم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلاّمة الشيخ محمّد تقيّ رحمهما اللّه لتفسيره في رسالة لطيفة مستقلّة فقال :

«الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس ، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً» .

ثمّ تصدّى لتشييده بذكر مقدّمة حاصلها :

«أنّ الغناء من أظهر مظاهر الحسن ولأجله يطلبه من يطلبه ، فلا بدّ لبيان ناموس الحسن : فأقول :

الحسن وإن كان ممّا تحيّر فيه العقول ويدرك ولا يوصف ولكنّه في المركّبات لا يخرج عن حدّ التناسب ، فأينما وجد فالتناسب سببه ، فالخطّ الحسن ما تناسبت واواته وميماته ، والشعر الحسن ما تناسبت ألفاظه ومعانيه ، ولا يوصف الحيوان بالحسن إلاّ إذا تناسبت أعضاؤه ، ولا يقال للوجه : إنّه جميل إلاّ إذا تناسبت أجزاؤه ، وهكذا .

والصوت بين مظاهر الحسن من أكثرها قبولاً للتناسب ، فإذا كان الصوت متناسباً بمه ، وزيره ، ونبراته ، ومدّه ، وارتفاعه ، وانخفاضه ، واتّصاله ، وانفصاله ، سمّي بالغناء .

وقد وضع لبيان هذه النسب وأقسامها فنّ الموسيقى الذي هو أحد أقسام العلوم الرياضية .

ص: 335

ويخصّ فنّ تناسب الآلات باسم الإيقاع ، والعود بينها ميزان الغناء ، يعرف به صحيح الغناء من فاسده ، كما يعرف بالمنطق صحيح القضايا من فاسدها . وعلى أوتارها الأربعة وكيفية شدّها والإصبع التي يضرب بها يعرف أقسام الغناء .

ثمّ قال : وإذا اُنشد الشعر على طبق مقرّرات الفنّ ، أوجب لسامعه إذا كان من متعارف الناس ، الطرب الخارج عن المتعارف ، حتّى يكاد أن يفعل فعل المسكر فيصدر من الشريف الحكيم ما يأنف منه الأنذال من أقوال وأفعال يشبه أقوال السكارى وأفعالهم ، وفي كتب المحاضرات والتأريخ نجد حكايات إن تأمّلتها علمت أنّ ولع الغناء بالعقل لا يقصر عن الخمر بل يربو عليه .

ثمّ قال : تقييد الصوت بصوت الإنسان لمتابعة العرف ؛ فإنّ أصوات البلابل وإن تناسبت وأطربت لا يسمّى غناءً ، وبقيد التناسب يخرج ما أوجب الطرب بغيره من حسن الصوت اللغوي ذاتاً أو لحسن صاحبه ، أو لحسن ألفاظه ومعانيه ونحو ذلك ، وبقيد المتعارف يخرج الخارج عنه ، فلا اعتبار بمن هو كالجماد كما لا اعتبار بمن يطرب بأدنى سبب كما أنّ الحال كذلك في حدّ المسكر ، وبقولي : تكاد أن تذهب بالعقل يخرج الطرب الخفيف ، إذ لا اعتبار به كما لا اعتبار بالفرح والنشاط الحاصلين من بعض المشروبات المفرّحة ما لم يبلغ مرتبة يزيل العقل عن المتعارف .

وبالجملة : الطرب في الغناء كالسكر في الشراب ، والعلّة في تحريمه عين العلّة فيه وهو إزالة العقل .

ثمّ تصدّى لبيان عدم الاختلاف في كلمات علماء اللغة في ذلك وأنّ مغزى

ص: 336

الجميع واحد وإن اختلف التعبير .

ثمّ قال : وفذلكة القول أنّ الغناء هو الصوت المتناسب الذي من شأنه بما هو متناسب أن يوجد الطرب أعني الخفّة بالحدّ الذي مرّ .

فما خرج منه فليس من الغناء في شيء وإن كان الصائت رخيم الصوت حسن الأداء وأحسن كلّ الإحسان ، ووقع من سامعه أقصى مراتب الاستحسان .

كما أ نّه من الغناء الصوت المتناسب وإن كان من أبحٍّ رديّ الصوت ولم يطرب بل أوجب عكس الطرب كما قيل :

إذا غناني القرشي دعوت اللّه بالطرش

فبين كلّ من الغناء والصوت المستحسن عموم من وجه ، وهو محرّم أيضاً كالغناء الحسن؛ لعموم الأدلّة، إلاّ أن يدّعى انصرافها إلى ما أوجب الطرب الفعلي.

ولقد أحسن الشيخ قدّس سرّه في قوله : ما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص .

وكأ نّه تحاول ما ذكرناه ، فإنّ النسب الموسيقية تنطبق على النسب الإيقاعية ، ولذلك يطابق أهل اللهو بينهما .

وقد اعترض اُستاذ الصناعة على الرشيد بأنّ مغنّيك يغنّي بالثقيل وعوّادك يضرب بالخفيف ، فالصوت الخالي عن النسبة لا يكون غناءً وإن أوجب الطرب وقصد به اللهو ، كما أنّ مجرّد تحريك الأوتار لا يقال له ضرب ولا يكون محرّماً ، وكذلك مجرّد تحريك الأعضاء لا يكون رقصاً ما لم يكن على النسب المعيّنة»(1) انتهى ملخّصاً .

وإنّما نقلناه بتفصيل ؛ أداء لبعض حقوق-ه ولاشتمال-ه عل-ى تحقي-ق وفوائ-د .

ص: 337


1- الرسائل الأربعة عشرة ، الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء : 219 - 225 .
المناقشة في بعض ما ذكره الشيخ محمّد رضا الأصفهاني في الغناء

والإنصاف أنّ ما ذكره وحقّقه أحسن ما قيل في الباب ، وأقرب بإصابة الواقع وإن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة ، كانتهائه حدّ الإطراب بما يكاد أن يزيل بالعقل ، وأنّ العلّة في الغناء عين العلّة في المسكر ، وذلك لعدم الشاهد عليه في العرف واللغة :

لصدق الغناء على ما لم يبلغ الإطراب ذلك الحدّ ولم يكن من شأنه ذلك أيضاً .

فإنّ للغناء أقساماً كثيرة ومراتب كثيرة غاية الكثرة في الحسن والإطراب :

فربّما بلغ فيه غايته كما لو كان الصوت بذاته في كمال الرقّة والرخامة وكان

الصائت ماهراً في البحور الموسيقية ، وكان البحر مناسباً له كالبحر الخفيف مثلاً ، فحينئذٍ لا يبعد أن يكون مزيلاً للعقل ، ومهيّجاً للحليم ، وموجباً لصدور أعمال من الشريف الحكيم ما لا يصدر من الأنذال والأرذال ، وإن كانت القضايا المحكيّة عن بعض أهل الكبائر كبعض خلفاء الاُمويّين والعبّاسيّين لم يثبت كونها لمحض الغناء ، فإنّ مجالس تغنّيهم كانت مشحونة بأنواع الملاهي والمعاصي ، كشرب الخمور وأنواع آلات اللهو والترقّص وغيرها حتّى القضيّة المعروفة من وليد - لعنه اللّه - مع مغنّيه(1) لم يحرز كونها للغناء محضاً .

وربّما لا يكون بتلك المرتبة كما لعلّه كذلك غالباً .

ص: 338


1- راجع مروج الذهب 3 : 227 - 228 .

وكلمات اللغويّين أيضاً لا يساعده ؛ لعدم تقييد مهرة الفنّ بحصول تلك المرتبة ، بل هم بين من فسّره بخفّة تعتري الإنسان لشدّة حزن أو سرور(1) أو خفّة لسرور أو حزن(2) .

نعم ، في «المنجد» : «طرب: اهتزّ واضطرب فرحاً أو حزناً»(3) . ولعلّ مراده الاهتزاز والاضطراب في الروح ، كما عن الغزالي تفسيره بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب(4) ، وأراد بالأوّل الخفّة الحاصلة من السرور ، وبالثاني

الخفّة الحاصلة من الحزن ، فيوافق غيره .

ويرد عليه أيضاً : أنّ الظاهر منه في مقدّمته وتحديده أنّ السبب الوحيد للحسن في المركّبات هو التناسب وأنّ الصوت بتناسبه موجب للطرب أو له شأنيته .

مع أ نّه - مضافاً إلى منافاته لما قال : إنّ من الغناء الصوت المتناسب وإن كان من أبحٍّ رديّ الصوت ولم يطرب بل أوجب عكس الطرب ، ثمّ تمثّل بقول الشاعر ، فإنّ صريح كلامه في الحدّ أنّ الغناء هو ما يكون مطرباً ، وصريحه هاهنا أنّ من الغناء ما لم يطرب بل أوجب العكس . وتوهّم أنّ المراد بالثاني عدم حصوله بالفعل وإن كان له شأنيته فاسد ؛ لأنّ صوت أبحٍّ رديّ الصوت لا شأنية له لإيجاد الطرب بالحدّ المذكور غالباً بل دائماً ، وأمّا صيرورته أحياناً موجباً

ص: 339


1- الصحاح 1 : 171 .
2- أساس البلاغة : 277 .
3- المنجد : 462 .
4- إحياء علوم الدين 2 : 391 .

للاُضحوكة والفرح ، فلا يوجب أن يكون مطرباً كالغناء ؛ لأنّ الطرب هو الخفّة والحال الخاصّ الذي يحصل بالتغنّي لا مطلق الفرح . مضافاً إلى أ نّه لا يعتبر في الغناء مطلقاً فعلية الطرب ، وعلى التوهّم المتقدّم يلزم اعتبار الفعلية في نوع منه - إنّ كون السبب الوحيد في المركّبات هو التناسب ، ممنوع .

ففي المقام لو لم يكن للصوت رقّة ورخامة ولطف وصفاء ولو في الجملة لا يصير بالتناسب حسناً ، كصوت القرشي المنكر الذي يدعو اللّه السامع بالطرش .

وبالجملة : الصوت المنكر الرديّ لا يكون غناءً عرفاً وإن كان صائته من مهرة الفنّ وأوجده بكمال التناسب ، والظاهر أنّ تسمية القائل صوت القرشي غناءً من باب التهكّم والاستهزاء ، كتسمية البخيل بحاتم ، والجبّان بالأسد .

بل لو كان صوت من أبحٍّ رديّ الصوت مع تناسب يعلم به بعض المطربين والمهرة ويكون موجباً للطرب والخفّة ، لا يكون غناءً، فإنّ بعض المطربين - على ما حكي - يكون بكيفية صوته مع رداءته موجباً لتفريح الحضّار وحصول الخفّة لهم بالحدّ الذي ذكر أكثر من المغنّي الذي يكون بغناه موجباً له ، إلاّ أن يقال : إنّ الطرب الحاصل من الغناء غير الفرح الحاصل من الصوت المذكور سنخاً ، كما لا يبعد . وكيف كان : ليس صوت مثل القرشي غناءً ؛ سواء حصل منه الطرب أم لا .

وأمّا دعواه بأنّ مرجع جميع التعاريف إلى ما ذكره ، ففيها ما لا يخفى بل يمكن أن يقال : إنّ ما ذكره غير موافق لواحد منها .

نعم ، الظاهر أنّ المراد بالسماع أو الصوت هو الاصطلاحي منهما لكنّهما ليسا

ص: 340

تعريفاً حقيقة ، كما لا يخفى . ورجوعهما إلى تعريفه محلّ إشكال يظهر ممّا ذكرناه ونذكره .

كما أنّ التوجيه الذي ارتكبه لكلام الشيخ الأنصاري ؛ أي قوله : ما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص ، فالظاهر بل المعلوم غير وجيه ؛ لعدم كون مراده من هذا الكلام هو بيان تناسب النسب الموسيقية والإيقاعية .

التحقيق في تعريف الغناء

فالأولى تعريف الغناء ب «أ نّه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتي ولو في الجملة ، وله شأنية إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس» .

فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبحّ الرديّ الصوت .

وإنّما قلنا له شأنية الإطراب ؛ لعدم اعتبار الفعلية بلا شبهة ، فإنّ حصول الطرب تدريجي قد لا يحصل بشعر وشعرين فتلك الماهية ولو بتكرار أفرادها لها شأنية الإطراب .

وهذا بوجه نظير ما ورد في المسكر بأنّ ما كان كثيره مسكراً فقليله حرام(1) فإنّ الحكم تعلّق بالطبيعة التي من شأنها الإسكار ولا ينافي عدم مسكرية قليلها . وماهية الغناء كذلك ، فلا ينافي عدم مطربية بعض مصاديقه فعلاً .

وقيد التناسب لأجل أنّ الصوت الرقيق الرخيم إن لم يكن فيه التناسب الموسيقى لا يكون مطرباً ولا غناءً ، بل لا يتّصف بالحسن حقيقة . فالمدّ الطويل

ص: 341


1- راجع وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17 .

لا يكون غناءً ولا مطرباً ولو كان في كمال الرقّة والرخامة . ولو قيل : إنّه حسن ، يراد به رقّته ورخامته وصفاؤه الذاتي .

والتقي-يد بشأنية الطرب لمعرّفية التناسب الخاصّ ؛ أي التناسب الذي من واحد من الألحان الموسيقية، فهو في الحقيقة من باب زيادة الحدّ على المحدود.

وبما ذكرناه : تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور ، وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ؛ فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ ولا الترجيع ، ففي كثير

من أقسامه لا يكون مدّ ولا ترجيع .

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما ، فظنّ أ نّه متقوّم بهما .

كما أنّ المطربية الفعلية غير معتبرة فيه بما مرّ وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء ليس بغناء .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهية الغناء من غير نظر إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي ، ولعلّ موضوعه أعمّ أو أخصّ وسيأتي الكلام فيه .

فتحصّل من ذلك : أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهي والباطل ، ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر ، بل كثير من الألحان اللهوية وأهل الفسوق والأباطيل خارج عن حدّه ، ولا يكون في العرف والعادة غناءً ، ولكلّ طائفة من أهل اللهو والفسوق والتغنّي شغل خاصّ في عصرنا ، ومحالّ خاصّة معدّة له ، ولشغله وصنعته اسم خاصّ يعرفه أهل تلك الفنون .

ثمّ إنّ مقتضى كلمات كلّ من تصدّى لتحديد الغناء أ نّه من كيفية الصوت

أو الصوت نفسه ، وليست مادّة الكلام دخيلة فيه ، ولا فرق في حصوله بين

ص: 342

أن يكون الكلام باطلاً أو حقّاً وحكمة أو قرآناً أو رثاءً لمظلوم ، وهو واضح

لا ينبغي التأمّل فيه .

حكم الغناء

في الاستدلال بالأخبار على حرمة الغناء بذاته

وأمّا حكمه فقد وردت روايات مستفيضة أو متواترة على حرمته ، وه-ي على طوائف :

منها : ما وردت في تفسير قوله تعالى : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) بأ نّه الغناء : كصحيحة هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله تعالى : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( ، قال : «الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء»(2) .

وقد فسِّر به في رواية زيد الشحّام(3) ومهران بن محمّد(4) وأبي بصير(5)

ص: 343


1- الحجّ (22) : 30 .
2- تفسير القمّي 2 : 84 ؛ وسائل الشيعة 17 : 310 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 26 .
3- الكافي 6 : 435 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 .
4- الكافي 6 : 431 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 .
5- الكافي 6 : 431 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 9 .

وعبد الأعلى(1) وغيرهم(2) .

والظاهر المتفاهم من عنوان قول الزور هو القول الباطل باعتبار مدلوله كالكذب وشهادة الباطل والافتراء ، والغناء كما عرفت من كيفية الصوت ، أو الصوت بكيفية ، وهو عنوان مغاير لعنوان الكلام والقول .

وفسّرت الآية بقول القائل للمغنّي : «أحسنت» في صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللّه علیه السلام(3) ، مع أنّ قول «أحسنت» ليس بنفسه باطلاً وزوراً ، وإنّما اُطلق عليه باعتبار تحسين الغناء .

فيقع الكلام في كيفية إرادة الكلام الباطل باعتبار مدلوله والغناء الذي صوت أو كيفيته بكلام واحد ، وكذا كيفية إرادة قول القائل : «أحسنت» من قول الزور ، هل هي من قبيل المجاز اللغوي المشهور مع استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد ؛ أي في معنىً حقيقي ومجازي بعلاقة كعلاقة الحالّ والمحلّ ؟

أو من قبيل الحقيقة الادّعائية على ما سلكناه في المجازات(4) تبعاً لبعض مشايخنا رحمه الله علیه (5) ؛ بمعنى استعمال قول الزور في معناه ، وادّعاء أنّ

ص: 344


1- معاني الأخبار : 349 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 308 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 20 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 8 و24 .
3- معاني الأخبار : 349 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 309 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 21 .
4- مناهج الوصول 1 : 62 .
5- راجع وقاية الأذهان : 103 .

الغناء منه ، وكذا قول القائل للمغنّي «أحسنت» ؟

أو من قبيل إطلاق قول الزور وإرادة مطلق الباطل بنحو من الادّعاء حتّى يدخل فيه المزامير والمعازف وغيرهما ؟

أو أراد من قول الزور القول المشتمل على الباطل مدلولاً وعلى الغناء جميعاً ، حتّى لا تدلّ الآية ولا الروايات المفسّرة لها على حرمة الغناء بنفسه ؟

أو أراد بقول الزور القول المشتمل على الباطل ، إمّا نحو اشتمال الكلام على مدلوله ، أو نحو اشتمال الموصوف على صفته . وإضافة القول إلى الزور لاتّحاده معه اتّحاد الصفة مع الموصوف ، فالقول زور باعتبار اشتمال مدلوله على الباطل وزور باعتبار صفته وهو الصوت الخاصّ ، فيكون الغناء مستقلاًّ محكوماً بوجوب الاجتناب ، والكلام المشتمل على الباطل بحسب مدلوله أيضاً محكوم به ؟

ولعلّ هذا الاحتمال الأخير أو ما يرجع إليه ممّا تقدّم أقرب الاحتمالات إلى ظواهر الأخبار المفسّرة كما اختاره بعض المدقّقين(1) ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ قول الزور هو الغناء أو هو من قول الزور ، ومع قيام القرينة العقلية بأ نّه ليس من مقولة

القول يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر جميع الأخبار المفسّرة الدالّة على أنّ الغناء الذي هو صوت خاصّ هو قول الزور بتمام مصاديقه ، وحملها على قسم خاصّ متحقّق مع كلام خاصّ مدلوله الباطل والزور كما احتمله الشيخ واختاره(2) .

ص: 345


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 89 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 287 - 290 .

وبعبارة اُخرى : إنّ الظاهر من الأخبار هو أنّ الغناء تمام الموضوع لصدق قول الزور عليه ومستقلّ فيه ، فعلى الاحتمال الذي رجّحه الشيخ لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر مع عدم حفظ ظهور الآية أيضاً ، فإنّ ظاهرها حرمة قول الزور ، والحمل على الغناء بما ذكر ، حمل على غير مدلولها بحسب فهم العرف . بل هو حملها على قسم خاصّ منه ، تأمّل .

وبين حفظ ظهور الأخبار وحملها على الغناء بالمعنى الحقيقي المعروف مع حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة ، وإن نعمّمها لأمر آخر لم نعمّمها له لولا الأخبار ، وهو إرادة الزور باعتبار الوصف الحاصل له وهو الغناء .

والحاصل : أ نّه بناءً على ما رجّحه الشيخ في معنى الآية بضميمة الروايات إنّ الغناء ليس قول الزور ولا هو من قول الزور ، وأمّا على ما ذكرناه فإنّه هو ؛ لاتّحادهما خارجاً وصدق أحدهما على الآخر بالحمل الشائع .

ولو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقلّ من دخول الغناء تعبّداً فيه ، ومقتضى إطلاق الأدلّة أ نّه بذاته وبلا قيد قول الزور .

نعم ، هنا إشكال آخر ، وهو أنّ قول الزور إن كان مطلق الباطل المقابل للحقّ - والمراد بالباطل ما لا يكون فيه غرض عقلائي وما لا دخالة له في المعاش والمعاد - فلا شبهة في عدم حرمته بهذا الإطلاق وبهذا العرض العريض .

فيدور الأمر بين حفظ ظهور هيئة الأمر في قوله : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(

في الوجوب ، وتقييد قول الزور بقسم خاصّ وهو المحرّمات الشرعية ، فتكون

ص: 346

الآية لبيان إجمال ما فصّل في الشريعة من المحرّمات ، كقوله تعالى : )وَيُحَرِّمُ

عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ((1) بناءً على أنّ المراد بها المحرّمات .

وبين حفظ إطلاق قول الزور وحمل الأمر على الرجحان المطلق .

ولا ترجيح للأوّل إن لم نقل أ نّه للثاني ؛ لشيوع استعمال الأمر في غير الوجوب وبُعد رفع اليد عن الإطلاق .

وعليه لا دلالة للآية الكريمة ولا للأخبار الدالّة على أنّ قول الزور الغناء على حرمته .

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ سياق الآية وذكر قوله : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( في تلو )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ( يوجب قوّة ظهور في أنّ الأمر للوجوب سيّما مع إشعار مادّة الاجتناب بذلك ، فيصير قرينة على أنّ المراد من قول الزور ليس مطلق القول الباطل .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ قول الزور ليس مطلق القول الباطل بالمعنى المتقدّم ، بل باطل خاصّ عرفاً كالكذب والافتراء والسخرية ونحوها ، فلا يقال عرفاً لمطلق القول الذي لا دخالة له في المعاد والمعاش إ نّه قول الزور بل لعلّه لا يكون باطلاً .

ويؤيّده تفسير الآية بالأقوال المحرّمة كالكذب وتلبية المشركين : «لبّيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك» . وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه

قام خطيباً فقال : «يا أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه» ثمّ قرأ :

ص: 347


1- الأعراف (7) : 157 .

)فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) ، وهو مؤيّد لما ذكرناه من السياق .

فتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الآية الكريمة بضمّ الروايات المفسّرة تدلّ على حرمة الغناء بذاته إذا كان مقروناً بقول ، وبإلغاء الخصوصية عرفاً يستفاد منها حرمته مطلقاً ولو وجد في مهمل لا يقال له قول أو وجد في الصوت بلا كلام .

بل يمكن أن يقال : إنّ الغناء المتحقّق في الكلام لا يقوم جميع قرعاته ورجعاته بالكلام بل يقع كثير منها في خلاله وقبله وبعده ، ولا شبهة في أنّ الصوت الكذائي بمطلق وجوده غناء ، فتدلّ الروايات على حرمته ولو بتلك القطعات الغير القائمة بالألفاظ ، ولا شبهة في عدم الفرق بين تلك القطعات المحرّمة والصوت المتحقّق بلا كلام إن كان غناءً .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في طائفة اُخرى من الروايات وهي المفسّرة لقوله تعالى : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ((2) :

كرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام - ولا يبعد أن تكون موثّقة

- قال : سمعته يقول : «الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار» ، وتلا هذه الآية : )وَمِنَ

ص: 348


1- مجمع البيان 7 : 131 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 10 .
2- لقمان (31) : 6 .

النَّاسِ . . . ((1) وقريب منها روايات اُخر(2) .

ووجه دخوله في )لَهْوَ الْحَدِيثِ( هو الوجه في دخوله في قول الزور .

نعم ، هنا كلام آخر ، وهو أنّ الظاهر من الآية أنّ لهو الحديث قسمان ، والمحرّم منه هو ما يشترى وتكون الغاية به إضلال الناس عن سبيل اللّه ، وغاية ما تدلّ الروايات هو كون الغناء داخلاً فيها ، ومقتضاه أن يكون الغناء قسمين : محرّم هو ما يوجب الإضلال ومحلّل هو غيره .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالإضلال عن سبيل اللّه ليس خصوص الإضلال عن العقائد ، بل جميع الواجبات فعلاً والمحرّمات تركاً من سبل اللّه ، وكلّ شيء يوجب ترك واجب أو فعل محرّم يكون صادّاً عن سبيل اللّه ومضلاًّ عنه . فلو تعلّم أحد أحاديث لهوية ليحدّثها على قوم يوجب تحديثها ولو اقتضاءً ترك معروف أو فعل منكر ، يصدق عليه أ نّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه .

فحينئذٍ نقول : لولا الروايات المفسّرة كان ظاهر الآية حرمة اشتراء لهو الحديث ؛ أي الأخبار الموجبة بمدلولها لإلهاء الناس وإضلالهم عن سبيل اللّه ، كما ورد في سبب نزولها أنّ النضر بن الحرث كان يخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم ويحدّث قريشاً ويصرفهم عن استماع القرآن(3) ، فلم تكن شاملة

ص: 349


1- الكافي 6 : 431 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 ، 11 ، 16 ، 20 و25 .
3- مجمع البيان 8 : 490 ؛ أسباب النزول ، الواحدي : 244 .

للغناء الذي هو من كيفيات الصوت ولا دخل له بمدلول الحديث ومضمونه .

لكن بعد تفسيرها به وقلنا بدخوله فيها بالتقريب المتقدّم في الآية المتقدّمة

يصدق على من تعلّم الغناء للتغنّي أ نّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه ، إمّا لأ نّه بنفسه حرام وبإيجاده يخرج المغنّي والسامع عن سبيل اللّه ، وإمّا لأ نّه

بذاته مع تجريده عن معاني الألفاظ ومع سماعه وعدم فهم المعنى ممّا يترتّب عليه - ولو اقتضاءً - الصدّ عن سبيل اللّه والغفلة عن ذكر اللّه ، وربّما ينجرّ به إلى فعل الكبائر وترك الواجبات كما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «الغناء رقية الزنا»(1) .

ومع العلم بأنّ ذلك من مقتضيات ذات الغناء وتعلّمه للتغنّي ، يصدق أ نّه تعلّم للإضلال ، أي تعلّم ما يترتّب عليه ذلك .

فلا يقال : إنّ التغنّي بالمواعظ والقرآن لا يترتّب عليه ذلك ؛ لأنّ هذا من مقتضيات نفس الغناء لو جرّد عن مداليل الألفاظ ، والمفروض أنّ الغناء بذاته داخل في الآية كما هو مفاد الأخبار .

مع أنّ مقتضى إطلاق الأخبار أنّ مطلق الغناء داخل في الآية وأوعد اللّه عليه النار .

مع أ نّه قلّما يتّفق لشخص أن يكون غاية تعلّمه للغناء أو تغنّيه ، الإضلال عن سبيل اللّه والصدّ عنه .

فعليه يكون عدّ الغناء من الآية بنحو الإطلاق على الاحتمال المتقدّم في الإشكال كحمل المطلق على الفرد النادر جدّاً . فقوله : «الغناء ممّا وعد اللّه

ص: 350


1- جامع الأخبار : 433 / 1212 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 14 .

عليه النار»(1) في الآية مع عدم دخوله فيها إلاّ ما هو نادر كالمعدوم يعدّ مستهجناً قبيحاً .

فلا بدّ وأن تحمل اللام على النتيجة أعمّ من كونها غاية أو لا ، فلا ينافي ذلك

ما ورد في شأن نزولها ، كقوله تعالى : )فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً((2) وكقول الشاعر : «لدوا للموت وابنوا للخراب»(3) .

والإنصاف : أنّ دلالة الطائفتين المتقدّمتين على حرمة الغناء بذاته لا تأمّل فيها .

وأمّا ما دلّت على دخوله في قوله : )وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ((4) كصحيحة ابن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله : )وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ( قال : «هو الغناء»(5) ففي دلالتها على الحرمة تأمّل وإشكال .

ودلّت على حرمته بذاته أيضاً روايات كثيرة ربّما يدّعى تواترها وسيأتي الكلام في بعضها :

كصحيحة ريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن

ص: 351


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- القصص (28) : 8 .
3- راجع نهج البلاغة : 493 ، الحكمة 132 .
4- الفرقان 25 : 72 .
5- الكافي 6 : 433 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 5 .

الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت»(1) .

والظاهر منها حرمته كما يشهد به نحو التعبير فيها .

ونحوها في الدلالة أو أظهر منها رواية عبد الأعلى الموثّقة على الأظهر ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيّيكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَاْلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

لاَعِبِينَ(»(2) .

وكصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام ، قال : سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه ؟ قال : «لا»(3) .

وفي رواية سعد بن محمّد الطاطري ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ؟ فقال : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق»(4) .

ص: 352


1- عيون أخبار الرضا 2 : 14 / 32 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 14 .
2- الكافي 6 : 433 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 15 .
3- مسائل علي بن جعفر : 148 / 186 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 32 .
4- الكافي 5 : 120 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 7 .

والرواية إلى سعد موثّقة بابن فضّال ، وعن الشيخ في «العدّة» أنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريّون(1) .

وكصحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداك ، إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار ، وقد جعل لك ثلثها ، فقال : «لا حاجة لي فيها ، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(2) .

وسحتية ثمنها لأجل صفة التغنّي وكون الغناء حراماً .

وكحسنة نضر بن قابوس ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل كسبها»(3) . . . إلى غير ذلك .

ما نسب إلى بعض الأعاظم من إنكار حرمة الغناء بذاته

ثمّ إنّه ربّما نسب إلى المحدّث الكاشاني وصاحب «الكفاية» الفاضل الخراساني إنكار حرمة الغناء واختصاص الحرمة بلواحقه ومقارناته من دخول الرجال على النساء واللعب بالملاهي ونحوهما ، ثمّ طعنوا عليهما بما لا ينبغي(4) .

ص: 353


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 150 .
2- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .
3- الكافي 5 : 120 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 4 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 172 .

وهو خلاف ظاهر كلام الأوّل في «الوافي»(1) ومحكيّ «المفاتيح» والمحكيّ عن الثاني(2) ، بل الظاهر منهما أنّ الغناء على قسمين : حقّ وباطل ، فالحقّ هو التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار ، والباطل ما

هو متعارف في مجالس أهل اللهو كمجالس بني اُميّة وبني العبّاس .

قال في «الوافي» ما محصّله : إنّ الظاهر من مجموع الأخبار اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اُميّة وبني العبّاس من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالأباطيل ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرها ، دون ما سوى ذلك كما يشعر به قوله علیه السلام : «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» .

ثمّ ذكر عبارة «الاستبصار» فقال : «يستفاد من كلامه أنّ تحريم الغناء إنّما هو لاشتماله على أفعال محرّمة ، فإن لم يتضمّن شيئاً من ذلك جاز . وحينئذٍ فلا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس ولا سيّما وقد ورد الرخصة به في غيره ، إلاّ أن يقال : إنّ بعض الأفعال لا يليق بذوي المروءات وإن كان مباحاً . فالميزان حديث «من أصغى إلى ناطق فقد عبده» وقول أبي جعفر علیه السلام : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟» . وعلى هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار - إلى أن قال : - وبالجملة : لا يخفى على ذوي الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حقّ الغناء من باطله ،

ص: 354


1- الوافي 17 : 218 .
2- اُنظر مستند الشيعة 14 : 128 - 129 ؛ مفاتيح الشرائع 2 : 21 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 428 - 432 .

وأنّ أكثر ما يتغنّى المتصوّفة في محافلهم من قبيل الباطل»(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ ظاهر هذه العبارة بل صريحها صدراً وذيلاً أنّ الغناء على قسمين : قسم محرّم وهو ما قارن تلك الخصوصيات ؛ بمعنى أنّ الغناء المقارن لها حرام ، لا أنّ المقارنات حرام فقط ، ولهذا حرم أجرهنّ وتعليمهنّ والاستماع منهنّ ، ولولا ذهابه إلى تحريمه ذاتاً لا وجه لتحريم ما ذكر .

وقسم محلّل وهو ما يتغنّى بالمواعظ ونحوها . فقد استثنى من حرمة الغناء قسماً هو التغنّي بذكر اللّه تعالى ، كما استثنى بعضهم التغنّي بالمراثي(2) ، وبعضهم التغنّي بالقرآن(3) ، وبعضهم الحداء(4) ، وبعضهم في العرائس(5) .

وهذا أمر لم يثبت أ نّه خلاف الإجماع أو خلاف المذهب حتّى يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف(6) ، وقد اختاره النراقي في «المستند» وبعض من تأخّر عنه(7) ، كما لا يستوجبه من استثنى القرآن وغيره .

فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان كما صنع الشيخ الأنصاري(8) .

فالأولى النظر إلى ما يمكن أن يستدلّ به على هذا التفصيل :

ص: 355


1- الوافي 17 : 218 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .
3- مجمع البيان 1 : 86 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 428 - 432 .
4- شرائع الإسلام 4 : 117 ؛ قواعد الأحكام 3 : 495 ؛ الدروس الشرعية 2 : 126 .
5- النهاية : 367 ؛ المختصر النافع : 116 ؛ تحرير الأحكام 2 : 259 ؛ المهذّب 1 : 346 .
6- راجع مفتاح الكرامة 12 : 173 .
7- مستند الشيعة 14 : 141 و150 .
8- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 299 - 308 .

ما يمكن أن يستدلّ به على التفصيل في حرمة الغناء

فمنها : دعوى قصور الأدلّة عن إثبات حرمة مطلق الغناء(1) ؛ لعدم الإطلاق فيما تدلّ على الحرمة ، وعدم الدلالة عليها فيما يمكن دعوى الإطلاق فيها كقوله : «الغناء شرّ الأصوات»(2) و«الغناء غشّ(3) النفاق»(4) ونحوهما .

وفيه : أ نّه لا قصور في إطلاق كثير من الروايات :

كالروايات المفسّرة لقول الزور بالغناء(5) ، وقد تقدّم(6) كيفية دخوله في الآية .

والقول بمعارضة تلك الأخبار لما فسّره بقول «أحسنت» للمغنّي ، وبما فسّره بشهادة الزور ؛ لأنّ الحمل يقتضي وحدة معناهما وما عرفت يدلّ على أ نّه غيره .

قد عرفت الجواب عنه في بيان الأخبار المفسّرة لها . مضافاً إلى أنّ الحمل يقتضي الاتّحاد ولو وجوداً ، فلو كان الغناء من مصاديقها يصحّ الحمل ويقال : إنّه الغناء أو أنّ الغناء هو ، فلا تعارض بين الأدلّة المفسّرة .

ولا يجوز رفع اليد عن الإطلاق بعد إمكان أن يكون الكلّ مندرجاً فيه

ص: 356


1- مستند الشيعة 14 : 136 .
2- المقنع : 456 ؛ وسائل الشيعة 17 : 309 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 22 .
3- في أكثر المصادر «عشّ» بدل «غشّ» .
4- الكافي 6 : 431 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 10 .
5- تقدّمت في الصفحة 343 .
6- تقدّم في الصفحة 343 - 348 .

ولو لم نعلم وجهه . بل لا يجوز الغضّ عن الإطلاق ولو لم يندرج فيه أو لم نعلم اندراجه ؛ لإمكان الإلحاق حكماً .

وكالأخبار المفسّرة للهو الحديث(1) ، فإنّها أيضاً مطلقة بلا إشكال .

والقول بأنّ الغناء الخاصّ الذي يشتري ليضلّ عن سبيل اللّه ويتّخذها هزواً داخل فيها لا غير(2) .

قد عرفت الجواب عنه(3) ولزومه للاستهجان في الأخبار الدالّة على أنّ الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار بقوله : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى . . .( .

فلا ينبغي الشبهة في إطلاقها .

وكالمحكيّ عن الرضا علیه السلام بطرق عديدة : منها : ما رواه الصدوق صحيحاً عن الريّان بن الصلت الثقة ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي(4) ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت»(5) .

ص: 357


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- مستند الشيعة 14 : 134 .
3- تقدّم في الصفحة 350 - 351 .
4- في مرآة العقول : «العيّاشي» ، وزاد بعد الزنديق «الديّوث» . [منه قدس سره] راجع مرآة العقول : 100 (المطبوع سنة 1325 ه- . ق).
5- عيون أخبار الرضا 2 : 14 / 32 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 14 .

وتقريب الدلالة : أنّ الظاهر من إنكار الرضا علیه السلام الترخيص أنّ قول أبي جعفر علیه السلام يدلّ على حرمته ، وإلاّ فلو دلّ مقالته مع السائل على أنّ الغناء من الباطل الجائز الارتكاب ولو مع حزازة ، فنقل السائل عنه تجويزه نقلاً بالمعنى ، فلم يمكن إنكاره عليه . فالإنكار دليل على عدم كون الغناء مرخّصاً فيه في كلام أبي جعفر علیه السلام ، وكان الرضا علیه السلام مستدلاًّ على حرمته بقوله ، وروى السائل خلافه كذباً عليه ، ولا شبهة في إطلاق الرواية .

ومنه يظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال بأنّ التكذيب راجع إلى عدم ترخيص أبي الحسن علیه السلام أو عدم ترخيصه بقول مطلق .

فإنّ المراد بالترخيص ليس نحو قوله : أنت مرخّص فيه ، بل ما يستفاد من كلامه ، ولا شبهة في أ نّه لو لم يدلّ كلام أبي جعفر علیه السلام على التحريم لما قال الرضا علیه السلام : إنّه كذب ، والفرض أنّ كلامه مطلق .

والإنصاف أنّ إنكار دلالتها في غير محلّه .

والعجب من النراقي حيث قال : إنّ الباطل لا يفيد أزيد من الكراهة ، ومع ذلك

قال : إنّ تكذيبه ليس للمنع بل لذكره خلاف الواقع(1) .

وذلك لأنّ ذكر ما يدلّ على كراهته في مقام الجواب ترخيص له ، فأين خلاف الواقع حتّى يصحّ التكذيب سيّما مع هذا التعبير الشديد ؟ !

ومنها : رواية عبد الأعلى الحسنة الموثّقة - فإنّ عبد الأعلى هو ابن أعين ، وقد عدّه الشيخ المفيد من فقهاء أصحاب الصادقين والأعلام والرؤساء المأخوذ

ص: 358


1- مستند الشيعة 14 : 137 .

عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ

واحد منهم(1) ، ولا إشكال في إفادته التوثيق ، كما عن المحقّق الداماد الجزم بصحّة رواياته(2) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا (3) نحيّ-يكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَاْلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

لاَعِبِينَ* لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ((4) . ثمّ قال : «ويل لفلان ممّا يصف» رجل لم يحضر المجلس»(5) .

وهي تدلّ على حرمة الغناء بمثل تلك العبارة الغير اللهوية الغير الباطلة بل

الشريفة على نسخة حيّونا . ولو لم يكن محرّماً كان رخّصه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فلم ينكره أبو عبداللّه علیه السلام ذلك الإنكار مع التمسّك بالآية الدالّة على قذف اللّه الحقّ بالباطل ليدمغه وتعقيبه بقوله : «ويل لفلان ممّا يصف» . والظاهر أنّ المراد به رجل غائب كان ينسب إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الترخيص فيه .

فلا شبهة في دلالتها على الحرمة ولا في إطلاقها لقول حقّ أو باطل .

ص: 359


1- مصنّفات الشيخ المفيد ، جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية 9 : 25 .
2- اُنظر تنقيح المقال 2 : 132 / السطر 6 (أبواب العين) .
3- وفي مرآة العقول : «جيئونا جيئونا نجيئكم» والظاهر صحّة ما في الوسائل . [ منه قدس سره] راجع مرآة العقول 22 : 304 .
4- الأنبياء (21) : 16 - 18 .
5- الكافي 6 : 433 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 15 .

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه ، قال : «لا»(1) .

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، فلا مجال لإنكار إطلاقها .

ومنها : دعوى انصراف الأدلّة إلى الغناء المتعارف المعهود في زمن بني اُميّة وبني العبّاس ، كما هو من متمسّكات الكاشاني والخراساني في جملة من كلامهما (2) .

وفيه : - مضافاً إلى عدم مجال لهذه الدعوى في بعض الروايات ، كصحيحة علي بن جعفر الأخيرة الظاهرة في المنع عن الجلوس عند من يتغنّى من غير أن يكون هنا معاصٍ اُخر كالمزامير وغيرها كما هو ظاهرها ، وكحسنة عبد الأعلى الدالّة على أنّ التغنّي بمثل ألفاظ التحيّة أيضاً حرام ومن الباطل ، وهي مفسّرة لسائر الروايات أيضاً وشارحة للمقصود من كون الغناء باطلاً بأ نّه بذاته باطل ولهو وزور لا بملحقاته وبمدلول الكلام المعروض له ، بل يدفع بها توهّم الانصراف في سائر الروايات أيضاً ؛ لحكومتها على غيرها وتعميمها لو فرض الانصراف للحكومة ، كما لا يخفى على المتأمّل - أنّ كون غالب أفراد ما يتعارف في عصر الخبيثتين من اشتمالها على محرّمات اُخر ممنوعة . كيف ؟ وإنّ التغنّي بالأشعار عند الناس كان متعارفاً في كلّ عصر ، وربّما يتّفق معه سائر المحرّمات . وكون المتعارف عند سلاطين الطائفتين أو الاُمراء في عصرهم

ص: 360


1- مسائل علي بن جعفر : 148 / 186 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 32 .
2- تقدّم في الصفحة 353 .

وسائر الأعصار ذلك ، لا يوجب أن يكون نوع التغنّيات كذلك حتّى يدّعى الانصراف .

مضافاً إلى أنّ كثرة أفراد طبيعة في قسم لا توجب الانصراف ؛ فإنّ الإطلاق عبارة عن الحكم على طبيعة من غير قيد ، فلا بدّ في دعوى الانصراف من دعوى كون الكثرة والتعارف واُنس الذهن بوجه تصير كقيد حافّ بالطبيعة ، وهو في المقام ممنوع سيّما في مثل مقارنات الطبيعة لا مصاديقها وأصنافها .

مضافاً إلى أنّ اللازم من دعوى الانصراف إلى أشباه ما تتعارف في عصر الاُمويين والعبّاسيين ، الالتزام بتخصيص تحريمه بما يكتنف بجميع ما يتعارف في مجالسهم الملعونة من دخول الرجال على النساء وشرب الخمور وارتكاب الأفعال القبيحة والفواحش وضرب أنواع الملاهي والتلهّي بالأشعار المهيّجة المورثة لإثارة الشهوات ورقص الجواري والغلمان إلى غير ذلك ، ومع فقد بعضها يقال بالجواز ، فلا وجه لتجويز خصوص ما يكون من قبيل التغنّي بالقرآن والفضائل ، لقصور الأدلّة - بناءً عليه - عن إثبات حرمته ولو مع الأشعار الملهيّة

والمهيّجة ؛ لكون المتعارف في عصرهم أخصّ منه ، ولا أظنّ التزامهم به .

فدعوى الانصراف كدعوى عدم الإطلاق في الضعف .

ومنها : التمسّك بروايات(1) عمدتها صحيحة أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال» .

ص: 361


1- مستند الشيعة 14 : 139 .

كذا في «الوسائل» عن المشايخ الثلاثة(1) وفي «الفقيه»(2) ، لكن في «مرآة العقول» : «ليست» بسقوط الواو(3) .

بدعوى : أنّ قوله : «وليست بالتي . . .» مشعر بالعلّية أو دالّ عليها ، فتدلّ على أنّ المحرّم قسم منه وهو المقارن للمعاصي كدخول الرجال على النساء .

وفيه : أنّ في الرواية على نسخة إثبات الواو احتمالات :

كاحتمال أن تكون الجملة حالية عن فاعل تزفّ ، والمعنى أنّ أجر المغنّية حلال إذا تزفّ العرائس ولم يدخل الرجال على النساء .

وأن تكون الجملة بمنزلة التعليل ، فتدلّ على عدم حرمة الغناء بذاته ويحرم أجر المغنّية لا للغناء ، بل لدخول الرجال وسماع صوتها ورؤية وجهها وسائر حركاتها الملازمة له .

وأن يكون المراد بها إفادة حرمة قسم من الغناء ، وهو المقارن لدخول الرجال عليهنّ .

فعلى الاحتمال الأوّل تدلّ على استثناء قسم خاصّ منه ، وهو الذي في العرائس مع الشرط المذكور .

وعلى الثاني تكون الرواية معارضة لجميع الأدلّة الدالّة على أنّ الغناء حرام

ومخالف مضمونها للإجماع(4) .

ص: 362


1- وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- الفقيه 3 : 98 / 376 .
3- مرآة العقول 19 : 80 / 3 .
4- الخلاف 6 : 307 ، مسألة 55 ؛ جواهر الكلام 22 : 44 .

وعلى الثالث توافق كلام الكاشاني وموافقيه على إشكال ، وهو أنّ الظاهر من قوله : «وليست بالتي . . .» كون دخولهم عليهنّ بعنوانه موضوع الحكم ، لا عنواناً مشيراً إلى نوع خاصّ من الغناء أو مجالس خاصّة ، وهم لا يلتزمون بظاهر الرواية ، ولا وجه لحملها على خلاف ظاهرها .

ولا ترجيح ظاهر في أحد الاحتمالات المتقدّمة يمكن الاتّكال عليه لو لم نقل بترجيح الأوّل حتّى يلتئم بين الأدلّة ، أو الاحتمال الثاني في نفسه لو لا مخالفته لما ذكرناه ؛ لأنّ الظاهر من قوله : «لا بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال» أنّ الفساد مترتّب عليه وليس في الغناء بما هو فساد ولعلّ الحرمة في دخولهم لأجل كونهم أجنبيّاً يحرم التغنّي عندهم لا لذات الغناء .

والإنصاف أنّ طرح الأدلّة الظاهرة الدلالة بمثل هذه الرواية المشتبهة المراد مع اختلاف النسخ غير جائز ، سيّما مع مخالفة مضمونها لجميع الأقوال سواء في ذلك نسخة إثبات الواو وإسقاطها .

مع احتمال أن تكون هي عين رواية اُخرى لأبي بصير(1) ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن كسب المغنّيات ، فقال : «التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ( » التي يدّعى دلالتها على أنّ

ص: 363


1- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .

قسماً منه حرام ، وهو المقارن لدخول الرجال على النساء ، والتي تدعى إلى الأعراس فعدم حرمته ليس لخصوصية فيها بل لعدم دخولهم عليهنّ فيكون الحكم دائراً مداره .

وفيه : - مضافاً إلى ورود بعض ما تقدّم من الإشكالات عليها أيضاً ككون الظاهر أنّ الحكم دائر مدار عنوان دخول الرجال ومع عدمه يحلّ ولو بكلمات لهوية ومقارنات محرّمة ولم يلتزم به القائل - أنّ الظاهر منها التعرّض لقسمين من الغناء وعدم تعرّضها لسائر الأقسام ، وليس فيها مفهوم وإلاّ لتعارض بين مفهوم الصدر والذيل .

وجعل الجملة الثانية كناية عن عدم دخولهم عليهنّ خلاف الظاهر ، فلا تدلّ على مدّعاهم بوجه .

نعم ، فيها إشعار به لا يقاوم الروايات الدالّة على أ نّه بذاته حرام كصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة وحسنة عبد الأعلى(1) بل وغيرها بعد تفسيره في رواية عبد الأعلى .

وقد يقال : إنّ الظاهر من رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام

- قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : «لا بأس به ما لم يعص به»(2) - والمرويّ عن تفسير الإمام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم - في حديث طويل ، ذكرت فيه شجرة طوبى وشجرة الزقّوم والمتعلّقون بأغصان كلّ واحدة منهما ،

ص: 364


1- تقدّمتا في الصفحة 358 - 360 .
2- قرب الإسناد : 294 / 1158 ؛ وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 5 .

قال : «ومن تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه»(1) ؛ أي من الزقّوم - أنّ الغناء على قسمين : محلّل ومحرّم ، فإن كان المراد من محرّمه هو ما يقترن بالمعاصي ثبت عدم حرمته بنحو الإطلاق ، وإن كان المراد منه غناءً نهى عنه الشارع يكون عنواناً مجملاً ، فيكون العمومات والإطلاقات مخصّصة ومقيّدة بالمجمل ، والعامّ المخصّص والمطلق المقيّد به ليس حجّة(2) .

وفيه : بعد تسليم المقدّمات أنّ ذلك مسلّم لو لم يعلم بأنّ الغناء على قسمين ولم يتبيّن قسم الحلال من الحرام ، وأمّا في المقام الذي علم أنّ له قسماً محلّلاً هو الغناء في العرائس كما يأتي(3) فلا يوجب قوله في تفسير الإمام إجمالاً ، هذا بالنسبة إليها مع ضعفها سنداً ويأتي الكلام في رواية علي بن جعفر .

وأمّا التشبّث بما اشتملت على كلمة «مجلس» أو «بيت»(4) - كرواية الحسن بن هارون ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله . . .»(5) ، وصحيحة زيد الشحّام ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة»(6) ، ورواية إبراهيم بن محمّد عمّن ذكره عنه علیه السلاموفيها :

ص: 365


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 648 .
2- مستند الشيعة 14 : 139 - 140 .
3- يأتي في الصفحة 390 .
4- مستند الشيعة 14 : 140 .
5- الكافي 6 : 433 / 16 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 16 .
6- الكافي 6 : 433 / 15 ؛ وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 1 .

«لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها» ، بعد السؤال عن الغناء(1) - لتأييد اختصاص حرمته بنوع خاصّ منه .

ففيه ما لا يخفى من الوهن ؛ لعدم المفهوم فيها ، وعدم دلالتها على الاختصاص ، وعدم دلالتها على اقترانه بغيره من المحرّمات . نعم ، فيها إشعار به .

كما أنّ التشبّث بأنّ ظاهر الأدلّة دخول الغناء في اللهو والباطل ونحوهما وهي غير محرّمة بنحو الإطلاق ، فلا دليل على حرمته .

قد تقدّم الجواب عنه في خلال ما تقدّم الكلام في الأدلّة(2) .

فتحصّل من جميع ذلك حرمة الغناء بذاته ، فلا بدّ من التماس دليل على الاستثناء .

المستثنيات من الغناء

في استثناء أيّام العيد والفرح

ويمكن أن يقال باستثناء أيّام الفرح منه كعيد الفطر والأضحى وسائر الأعياد المذهبية والملّية ؛ لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام ، قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : «لا بأس به ما لم يزمر به»(3) .

ص: 366


1- الكافي 6 : 434 / 18 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 12 .
2- تقدّم في الصفحة 348 - 350 .
3- مسائل علي بن جعفر : 156 / 219 .

والظاهر أ نّها عين الرواية المتقدّمة إلاّ أنّ فيها : «ما لم يعص به» . وربّما يحتمل أن يكون «ما لم يزمر به» في الاُولى مصحّفاً عن «ما لم يؤزر به» وهو غير بعيد ، فيكون إحداهما نقلاً بالمعنى ، وفي نسخة : «يؤمر به» ، وهي خطأ .

وكيف كان : فالظاهر أنّ علي بن جعفر كان عالماً بحرمة الغناء لكن لمّا كانت

أيّام العيد والفرح مناسبة للتلهّي والتفريح في الجملة صارت موجبة لشبهته . ويحتمل أن يكون وجه حصول الشبهة صحيحة أبي بصير المرويّة عن أبي عبداللّه علیه السلام في تجويز أجر المغنّية في الأعراس(1) ، فاحتمل أنّ سائر أيّام الفرح والأعياد كذلك فسأل عنه فيها ، فأجاب علیه السلام بعدم البأس ما لم يعص به ، أو ما لم يزمر به .

وبعد عدم جواز حمل «ما لم يعص به» على ظاهره - فإنّه من توضيح الواضح - فيه احتمالات : أبعدها ما احتمله الشيخ الأنصاري ، وهو أنّ المراد بالسؤال الصوت الحسن الأعمّ من الغناء المحرّم ، وبالجواب تجويز قسم منه وهو ما ليس بغناء ، وتحريم قسم وهو الغناء(2) .

والإنصاف أنّ هذا الحمل يساوق الطرح .

ولعلّ ما دعاه على هذا الحمل البعيد بناؤه على تعارضها مع الروايات الكثيرة المستفيضة أو المتواترة ، فرأى أنّ التصرّف فيها أوهن من رفع اليد عنها .

مع أنّ بينها وبين الروايات جمعاً عقلائياً وهو حمل المطلقات عليها

ص: 367


1- تقدّمت في الصفحة 361 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 305 - 306 .

وتجويز الغناء في أيّام الأعياد المقتضي-ة للسرور والفرح ، فقوله : «ما لم يعص به» أي ما لم

يكن سبباً لمعصية ، أو ما لم يقترن بها ، أو ما لم يتّحد معها ، كما لو كان التغنّي بالفحش والكذب ونحوهما من المحرّمات .

وبالجملة : الظاهر المتفاهم منها أنّ الغناء في الأعياد وأيّام الفرح لا بأس به بذاته ما لم يقترن بمعصية . وهو بوجه نظير ما ورد في بعض الروايات من رفع القلم في بعض الأعياد(1) ، والمراد به أيضاً على فرض صحّته ما يناسب أيّام العيد والسرور كالتغنّي والتلهّي لا مطلق المعاصي .

والظاهر أنّ المراد بقوله : «ما لم يزمر به» ما لم يتغنّ في المزمار ، من زمر أو زمَّر من التفعيل غنّى بالمزمار ، فتدلّ على جواز الغناء في الأعياد دون المزامير مع احتمال أن يكون «ما لم يؤزر» فتوافق الاُولى .

لكن يشكل العمل بها ؛ لعدم قائل ظاهراً باستثنائه فيها بل عدم نقل احتماله من أحد ، مع بعد تجويزه في العيدين الشريفين المعدَّين لطاعة اللّه تعالى والصلاة والانقطاع إليه تعالى كما يظهر من الأدعية والأذكار والعبادات الواردة فيهما وفي الأعياد المذهبية بل بعض الأعياد الملّية ، وضعف الرواية المشتملة على قوله : «ما لم يعص به» بعبداللّه بن الحسن المجهول وإن كان كثير الرواية عن علي بن جعفر ، والظاهر إتقان رواياته ، وعن «الكفاية» أ نّه مرويّ في «قرب الإسناد» للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح(2) وإن قال بعض

ص: 368


1- بحار الأنوار 95 : 353 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1: 433؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 304.

المدقّقين : ما رأيت ذلك في «الكفاية» في باب الغناء والمكاسب ، وفي كتاب القضاء والشهادات(1) .

وكيف كان : لم يصل الاعتماد عليها بحدّ يمكن تقييد الأدلّة سيّما تلك المطلقات المستفيضة بها .

والرواية الاُخرى صحيحة ، لكن قوله : «ما لم يزمر به» يحتمل وجوهاً : منها ما تقدّم ، ومنها ما احتمله الشيخ الأنصاري ، أي لم يرجع به ترجيع المزمار ، أو لم يتغنّ به على سبيل اللهو ، أو لم يقصد منه قصد المزمار(2) .

وليس ظهورها في الأوّل معتدّاً به أمكن معه تقييد المطلقات الكثيرة . فالأحوط بل الأقوى عدم استثناء أيّام العيد والفرح .

في استثناء المراثي والقراءة بالقرآن

وأمّا المراثي والقراءة بالقرآن فربّما يقال باستثنائهما . واستدلّ عليه بعمومات

أدلّة الإبكاء والرثاء وقراءة القرآن ، بدعوى أنّ التعارض بينها وبين أدلّة حرمة الغناء من وجه ، ومقتضى القاعدة تساقطهما والرجوع إلى الأصل(3) .

ومقتضى ذلك توسعة الجواز بكلّ مورد ينطبق عليه أو يلازمه عنوان مستحبّ كإكرام الضيف وإدخال السرور في قلب المؤمن وقضاء حاجته ، بل توسعة نطاقه إلى سائر أبواب الفقه فيقال بمعارضة كلّ دليل في المستحبّات مع

ص: 369


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 97 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 306 .
3- مستند الشيعة 14 : 144 - 147 .

أدلّة المحرّمات إذا كان بينهما عموم من وجه كالمقام ، بل يأتي الكلام في أدلّة المكروهات مع الواجبات والمحرّمات .

وأنت خبير بأ نّه مستلزم لفقه جديد واختلال فيه ، ولم يختلج ذلك التعارض والعلاج في ذهن فقهاء الشريعة ، وليس مبنى فقه الإسلام على نحوه ، وهو كافٍ في فساد هذا التوهّم .

نعم ، لا بأس ببيان سرّ عدم وقوع التعارض بين أدلّة المستحبّات والمحرّمات :

يظهر من الشيخ الأنصاري فيه وجوه(1) ، وإن يتراءى من تعبيراته أ نّه بصدد بيان وجه واحد :

منها : «أنّ مرجع أدلّة الاستحباب إلى إيجاده بسبب مباح لا المحرّم» .

ويحتمل أن يكون مراده منه انصراف أدلّته إلى إيجاده بطريق مباح وكيفية مباحة ، فلا تكون مقدّمته محرّمة ، ولا ينطبق عليه عنوان محرّم . وهذا التعميم يظهر من التأمّل في كلامه .

ويحتمل أن يكون مراده إهمال أدلّته ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى مورد المحرّم .

ومنها : ما ذكره في مقام بيان السرّ . وحاصله : «أنّ أدلّة المستحبّات تفيد أحكاماً نحو الحكم الحيثي فلا ينافي طروّ عنوان آخر من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه» .

ص: 370


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 308 .

وبعبارة اُخرى : إنّ دليل المستحبّ يدلّ على استحباب شيء لو خلّي ونفسه؛ أي مع خلوّه عمّا يوجب لزوم أحد طرفيه .

ومنها : ما ذكره بقوله : «والحاصل أنّ جهات الأحكام الثلاثة ؛ أعني الإباحة والاستحباب والكراهة ، لا تزاحم جهة الحرمة والوجوب ، فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدى الجهات الثلاث» .

وهذه الوجوه لا ترجع إلى واحد ؛ لأنّ مبنى تزاحم المقتضيات على إطلاق الأدلّة وفعليتها وهو ينافي الوجهين الأوّلين ، ومبنى انصراف الأدلّة أو إهمالها غير مبنى كون الحكم حيثياً غير فعلي .

فكأ نّه أجاب عن الاستدلال بواحد منها أو بأنّ حال أدلّة المستحبّات لا تخلو من واحد منها .

وفيه : أنّ دعوى إهمال جميع أدلّتها في غاية البعد بل مخالفة للواقع ولظواهر الأدلّة ، كما أنّ دعوى الانصراف في الجميع كذلك ، ولا يمكن إثباتها سيّما بعد كون متعلّق الأحكام في باب المطلقات نفس الطبائع من غير نظر إلى أفرادها فضلاً عن مزاحماتها .

فالحكم إن تعلّق بطبيعة كالغناء أو الرثاء أو القراءة ولم يقيّد الموضوع بقيد مع تمامية مقدّمات الحكمة يكون مطلقاً ؛ أعني أنّ الطبيعة بلا قيد موضوعه ، فلا تكون الأفراد بما هي موضوع الحكم فيها ، ولا ينقدح في ذهن السامع أفراد نفس الطبيعة ولا أفراد طبيعة اُخرى أو عنوانها حتّى يقال : ينصرف الحكم أو الموضوع إلى أفراد خاصّ أو صنف خاصّ من الطبيعة فضلاً عن الأفراد الغير المزاحمة لخصوص حكم آخر .

ص: 371

نعم ، ربّما يتّفق أن تكون الطبيعة مقارنة بحسب الوجود لشيء توجب اُنس الذهن أو تكون أفرادها من حيث الكثرة والمعهودية بوجه موجب للانصراف ، ولكن في مثل المقام لا وجه معتمد لدعواه .

ويتلوهما في الضعف دعوى كون الاستحباب حكماً حيثياً في جميع الموارد؛ ضرورة أنّ الظاهر من كثير من الأدلّة فعلية الحكم .

وأمّا قضيّة تزاحم المقتضيات ففرع عدم سقوط الأدلّة بالتعارض وإلاّ فلا طريق لإثبات المقتضي .

وقد يقال في توجيهه : بأنّ الحكم الاستحبابي معلّق على عدم تحقّق اقتضاء الحرام ، وأمّا التحريمي فلا تعليق فيه بالنسبة إلى اقتضاء الاستحباب ؛ لعدم مزاحمته معه ، فحينئذٍ لا يعارض المعلّق المنجّز(1) .

ويرد عليه : أ نّه مخالف لأدلّة الاستحباب الظاهرة في الحكم الفعلي ؛ فإنّ ظهورها في الفعلية كاشف عن عدم تحقّق مقتضى التحريم وتحقّق مقتضى الاستحباب ، فإطلاق دليله كاشف عن عدم الحرمة واقتضائها كالعكس ، فلا وجه للحكم بتعليقية أحدهما .

وقد يجاب عنه : بأنّ دليل الحرام قرينة على هذا التعليق ؛ فإنّه إذا تحقّق في أحد المتعارضين احتمال تصرّف مفقود في الآخر ، تعيّن التصرّف فيه وإبقاء الآخر على ظهوره وهو من الجمع المقبول .

ففي المقام حمل دليل الاستحباب على التعليق ممكن ؛ لأنّ فعلية

ص: 372


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 102 .

الاستحباب متوقّفة على عدم تحقّق مقتضى الحرمة ، بخلاف دليل الحرمة ، فإنّه غير قابل للتعليق على عدم تحقّق مقتضى الاستحباب ؛ لأنّ مقتضاه لا يزاحم مقتضى الحرام ، فالفعلية مع اجتماع المقتضي-ين للحرمة .

فإذا كان دليل الاستحباب قابلاً للحمل على التعليق دون دليل الحرمة ، تعيّن

حمله عليه وإبقاء دليلها على ظاهره(1) ، انتهى .

وفيه: - مضافاً إلى أنّ ذلك ليس من الجمع المقبول ؛ فإنّه هو الجمع العرفي العقلائي لا العقلي الدقيق العلمي الذي لا سبيل للعرف إلى نيله كما فيما ذكره ، ولا دليل على أنّ الجمع بأيّ وجه ممكن أولى من الطرح وأولى من عمل التعارض ، بل الميزان فيه عدم اندراج الدليلين في الخبرين المختلفين والمتعارضين الوارد في أدلّة العلاج بحسب نظر العرف ، وبالجملة : هذا الوجه ليس موجباً لإخراج الأدلّة عن التعارض على فرضه - : أنّ مقتضي الاستحباب يمكن أن يزاحم مقتضي الحرام في بعض ملاكه فيخرج الحرام عن كونه حراماً . فعليه يمكن أن يكون التعليق في دليل الحرام أيضاً ، ولا يتعيّن التصرّف في دليل الاستحباب لتحقّق احتمال التصرّف في كليهما فيبقى التعارض بحاله .

ويمكن أن يقال في المقام ونظائره : إنّ الأحكام في المطلقات لم تتعلّق إلاّ بنفس الطبائع دون أفرادها ، ولم تكن ناظرة إلى أحوال الأفراد فضلاً عن كونها ناظرة إلى طبيعة اُخرى وأفرادها أو حال المزاحمات بين الأفراد أو المقتضيات في حال انطباق العناوين على الموضوعات الخارجية .

ص: 373


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 103 .

وعليه يكون حكم كلّ عنوان عليه فعلياً من غير تعارض بين الدليلين ، فإنّ مصبّ التعارض بين الأدلّة هو مقام الدلالة والمدلول ، والفرض أنّ الحكم متعلّق بالطبائع، وكلّ طبيعة تغاير الاُخرى ، فلا مساس بين الدليلين ولا الحكمين المتعلّقين بالطبيعتين .

فلا تعارض بين قوله : البكاء والإبكاء - مثلاً

- مستحبّ وبين قوله : الغناء حرام في مقام الدلالات وتعلّق الأحكام بالموضوعات .

وأمّا مقام انطباق العناوين على الأفراد الخارجية ، فخارج عن باب تعارض الأدلّة والدلالات ؛ لعدم كون الأفراد من مداليل الأدلّة في المطلقات ، فالعناوين التي بينها عموم من وجه بحسب التصادق خارج عن باب التعارض .

فتحصّل من ذلك : أنّ حرمة الغناء على عنوانه باقية فعلية ، واستحباب قراءة القرآن والرثاء على أبي عبداللّه الحسين علیه السلام كذلك ، من غير تعارض بين

الدليلين أو تزاحم بين المقتضيين .

نعم ، العقل في مقام الامتثال يحكم بلزوم الاحتراز من باب حفظ الغرض الأهمّ ، فلو سمّي هذا عدم مزاحمة مقتضى المستحبّات لمقتضى المحرّمات فلا بأس به بعد وضوح المراد .

فالترجيح في مقام الامتثال بحكم العقل غير مرتبط بمقام جعل الأحكام على عناوين الموضوعات .

هذا بحسب القواعد ، وأمّا لو فرض مورد يكون بقاء الاستحباب مخالفاً لارتكاز المتشرّعة يكشف ذلك عن قيد في دليل الاستحباب .

كما لو فرض أنّ إكرام الضيف بالمحرّم لم يكن مستحبّاً بارتكاز المتشرّعة أو

ص: 374

بدليل آخر يكشف ذلك عن قيد في دليل استحبابه .

كما ورد في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا تسخطوا اللّه برضا أحد من خلقه»(1) ، تأمّل .

ثمّ لو قلنا بتعارض الأدلّة فالترجيح لأدلّة حرمة الغناء بوجوه تأتي الإشارة إليها قريباً إن شاء اللّه ، بناءً على دخول العامّين من وجه على فرض تعارضهما في أدلّة العلاج ولو مناطاً أو بإلغاء الخصوصية أو باستفادته من روايات العلاج .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ التمسّك لجواز التغنّي بالقرآن والمراثي بالأصل بعد تعارض الأدلّة غير وجيه .

كما أنّ التشبّث بتعارف التغنّي في المراثي في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا من غير نكير وهو يدلّ على الجواز غالباً كما قال به المحقّق الأردبيلي(2) غير وجيه :

لأنّ التمسّك؛ إمّا بسماع المشايخ وعدم منعهم وإنكارهم ، فلا حجّة فيه بعد اختلاف الاجتهادات ، مع ممنوعية كون عملهم عليه ، بل فيهم من منعه أو قام من مجلسه .

ولعلّ كثيراً منهم لا يمنعه لاشتباه في الموضوع والشكّ في تحقّقه ، كما أنّ الأمر كذلك غالباً بل الغالب عدم تحقّقه .

أو يكون باتّصال سيرتهم إلى زمن المعصومين علیهم السلام ، فهو ممنوع ؛ لأنّ تلك

ص: 375


1- الفقيه 4 : 288 / 864 ؛ وسائل الشيعة 16 : 154 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .

المجالس المرسومة في هذه الأعصار لم تكن معهودة قبل عصر الصفوية بهذا الرواج ، وأمّا في عصر الأئمّة علیهم السلام وبعده إلى مدّة مديدة فلا شكّ في عدم تعارف انعقادها رأساً ، فضلاً عن التغنّي فيها بمرأى ومنظر من المعصومين علیهم السلام حتّى يكشف عدم الردع عن الجواز أو الاستحباب .

وأمّا ما أيّد به مذهبه ؛ من أنّ التحريم للطرب على الظاهر ولهذا قيّد بالمطرب

وليس في المراثي الطرب بل ليس إلاّ الحزن(1) .

ففيه : منع كونه للطرب ، بل الممنوع بمقتضى إطلاق الأدلّة طبيعة الغناء الذي

عبارة عن صوت مطرب ولو اقتضاءً ، وقد تقدّم أنّ الموادّ غير دخيلة في حرمة الغناء وموضوعه(2) .

بل لو لم يحصل الطرب في المراثي فإنّما هو لمضامين الكلام ، وأمّا نفس الصوت بما هو ، مطرب مع كونه غناءً ، فموضوع المحرّم متحقّق ولو فرض منع موادّ الكلام عن حصول الطرب فعلاً .

مضافاً إلى ممنوعية عدم حصول الطرب أحياناً ، فإنّ الغناء قد يكون محزناً ، والطرب خفّة ربما تحصل من الحزن أو شدّته .

بقي الكلام في الأخبار التي تمسّك بها (3) :

كموثّقة حنّان بن سدير ، قال : كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي فقالت : يا عمّ ، أنت تعلم أنّ معيشتي من اللّه ثمّ من هذه الجارية ،

ص: 376


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 63 .
2- تقدّم في الصفحة 342 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .

فاُحبّ أن تسأل أبا عبداللّه علیه السلام عن ذلك ، فإن كان حلالاً ، وإلاّ بعتها وأكلت من ثمنها حتّى يأتي اللّه بالفرج ، فقال لها أبي : واللّه إنّي لاُعظم أبا عبداللّه أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام :

«أتشارط ؟» فقلت : واللّه ما أدري تشارط أم لا ، فقال : «قل لها : لا تشارط وتقبل ما اُعطيت»(1) .

وصحيحة أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت»(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

بدعوى : أنّ النوح لا يكون إلاّ مع التغنّي ، أو أنّ مقتضى الإطلاق شمول الغناء .

وفيه : منع عدم كون النوح إلاّ معه ، بل الظاهر أنّ عنوان الغناء غيره وهما بحسب الحقيقة مختلفان بل متقابلان ، ففي «المنجد» : «ناحت المرأة الميّت وعلى الميّت : بكت عليه بصياح وعويل وجزع»(4) .

ولو فرض أ نّه نفس الصوت الخاصّ لا البكاء فخصوصيته مغايرة لخصوصية الغناء كما يشهد بها العرف ، وتشهد بها رواية «دعائم الإسلام» عن

ص: 377


1- الكافي 5 : 117 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 359 / 1028 ؛ وسائل الشيعة 17 : 127 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 .
4- المنجد : 845 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة» ؛ يعني النوح والغناء(1) . ورواية عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر ، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة ، وقلوب من يعجبه شأنهم»(2) . وعن القطب الراوندي في «دعواته» عن الحسن بن علي علیهما السلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (3) ، وعن «جامع الأخبار» عن حذيفة اليمان عنه صلی الله علیه و آله وسلم نحوها (4) .

والظاهر من مقابلة ترجيع الغناء والنوح أ نّهما مغايران كما هو كذلك عرفاً وخارجاً ، فلا تكون تلك الروايات شاهدة على مذهبه .

فلو سلّم إطلاقها فلم يسلّم مساوقتهما وملازمتهما ، فحينئذٍ يأتي فيها ما تقدّم

في الجواب عن أخبار استحباب الإبكاء والرثاء(5) .

ص: 378


1- دعائم الإسلام 1 : 227 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 4 .
2- الكافي 2 : 614 / 3 ؛ وسائل الشيعة 6 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 1 .
3- الدعوات : 24 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 272 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 1 .
4- جامع الأخبار : 130 / 260 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 272 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 4 .
5- تقدّم في الصفحة 370 وما بعدها .

ولو فرضت معارضتهما فلا ريب في ترجيح روايات حرمة الغناء عليها ؛ لموافقتها للمشهور ؛ فإنّ مقتضى إطلاق الأصحاب وعدم استثنائهم غير الأعراس والحداء قصره عليهما أو على أوّلهما كما يأتي الكلام فيه ، وإنّما حكى عن بعضهم استثناء مراثي أبي عبداللّه علیه السلام المحقّق الثاني في محكيّ

«جامع المقاصد»(1) فأخذه عنه بعض من تأخّر(2) . فالشهرة مع عدم الاستثناء ، وهي إمّا مرجّحة أو موهنة للأخبار المخالفة لها .

ومخالفتها للعامّة على ما حكي عن مذاهبهم أنّ التغنّي من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً (3) .

وعن إحياء الغزالي عن الشافعي : «لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع»(4) . وقد حكي حمل بعضهم ما عن أبي حنيفة أ نّه يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب على النوح المحرّم(5) .

وموافقتها للكتاب بوجه لا يخلو من إشكال .

وربّما يستشهد(6) للجواز بما عن الصادق علیه السلام أ نّه قال لمن أنشد عنده

ص: 379


1- جامع المقاصد 4 : 23 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 ؛ مستند الشيعة 14 : 144 .
3- الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 42 .
4- إحياء علوم الدين 2 : 408 .
5- الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 43 .
6- مستند الشيعة 2 : 144 .

مرثية : «اقرأ كما عندكم» أي بالعراق(1) .

ويتّضح الجواب عنه ممّا تقدّم ، مع عدم معلومية كيفية إنشاده عنده وكيفية القراءة بالعراق .

فالأقوى عدم استثناء المراثي والفضائل والأدعية ، وكذا عدم استثناء قراءة القرآن ، كما تدلّ عليه بالخصوص روايات :

منها : رواية عبداللّه بن سنان المتقدّمة . ويظهر منها أنّ ألحان العرب المأمور بقراءة نحوها غير ألحان أهل الفسوق والكبائر وغير الترجيع بالغناء كما أنّ الواقع كذلك وجداناً ؛ فإنّ القرّاء في العراق والحجاز وسائر الأقطار العربية يقرؤون القرآن بأصوات حسنة وألحان عربية لا تكون من سنخ التغنّي وأصوات أهل الفسوق .

ومنها : ما عن «عيون الأخبار» بأسانيده عن الرضا علیه السلام عن آبائه عن علي علیه السلام ، قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين ، وبيع الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتّخذوا القرآن مزامير ، وتقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين»(2) .

ومنها : ما عن تفسير علي بن إبراهيم بسنده ، عن عبداللّه بن عبّاس ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في حديث قال : «إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات ،

ص: 380


1- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من الجوامع الروائية ، ولكن ورد مضمونه في بعض الروايات . اُنظر وسائل الشيعة 14 : 594 ، كتاب الحجّ ، أبواب المزار ، الباب 104 ، الحديث 3 .
2- عيون أخبار الرضا 2 : 42 / 140 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 274 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 12 .

واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء» إلى أن قال: «فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه ، ويتّخذونه مزامير ، ويكون أقوام يتفقّهون لغير اللّه ، وتكثر

أولاد الزنا ، ويتغنّون بالقرآن» إلى أن قال : «ويستحسنون الكوبة والمعازف» إلى أن قال : «اُولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس»(1) .

والظاهر أنّ المراد باتّخاذ القرآن مزامير قراءته على نحو إيقاع المزامير فإنّ التصويت فيها ليس قرآناً وقراءة .

بيان المراد ممّا دلّت على استحباب القراءة بصوت حسن

ومنها يظهر المراد في روايات مستفيضة دالّة على استحباب قراءة القرآن بصوت حسن :

فعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «حسِّنوا القرآن بأصواتكم ، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً»(2) .

وفي موثّقة أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس ، فقال : «يا أبا محمّد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ، ورجِّع بالقرآن صوتك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ الصوت الحسن يرجّع فيه ترجيعاً»(3) .

ص: 381


1- تفسير القمّي 2 : 304 ؛ وسائل الشيعة 17 : 310 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 27 .
2- وسائل الشيعة 6 : 212 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 6 .
3- الكافي 2 : 616 / 13 ؛ وسائل الشيعة 6 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 5 .

وما حكي عن بعض الأئمّة من قراءته بصوت حسن ، كما عن علي بن الحسين علیه السلام أ نّه أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته(1) .

فإنّ المراد بالصوت الحسن مقابل اتّخاذ القرآن مزامير والترجيع به ترجيع الغناء والتغنّي به ، كما في الروايات المتقدّمة .

وليس المراد بالصوت فيها ما هو المصطلح لأرباب السماع والموسيقى ، بل المراد ما هو المتفاهم منه عرفاً وما هو معناه لغة ولهذا وصفه بالحسن . ولا ملازمة بين الصوت الحسن والغناء وإن لم يتّصف الصوت بالحسن إلاّ بتناسب بين قرعاته ، لكن ليس كلّ صوت متناسب قرعاته غناءً ؛ ضرورة أنّ الألحان العربية متناسبة القرعات ومع ذلك لا تكون غناءً كما جعلت مقابله في الرواية المتقدّمة ويشهد به الوجدان .

والمراد بالترجيع في موثّقة أبي بصير ليس ترجيع الغناء كما تفسّره الرواية المتقدّمة ، ولو حمل على ترجيع الغناء صارت معارضة لجميع الروايات الدالّة على تحريم الغناء بل يصير مضمونها مخالفاً للإجماع(2) والضرورة ؛ فإنّ الظاهر من التعليل أنّ الصوت الحسن الذي يرجّع به ترجيعاً محبوب عند اللّه ، فلو كان المراد به الغناء لزم منه أن يكون الغناء كذلك ، وهو كما ترى .

ص: 382


1- الكافي 2 : 616 / 11 ؛ وسائل الشيعة 6 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 4 .
2- الخلاف 6 : 307 ، مسألة 55 ؛ جواهر الكلام 22 : 44 .

وحملها على الغناء في القرآن بتقييدها بالأدلّة المتقدّمة(1) غير وجيه ؛ لأ نّه مضافاً إلى منافاته للتعليل الظاهر في إلقاء الكبرى الكلّية مستلزم للتقييد الكثير

المستهجن وإن قلنا بجوازه في العرائس والحداء .

فلا شبهة في أنّ المراد بترجيع القرآن الصوت الحسن في مقابل ترجيع الغناء ، وهو الذي يحبّه اللّه تعالى وورد به ترغيب أكيد ، وهو الذي حكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «لم تعط اُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال والصوت الحسن والحفظ»(2) فإنّ الغناء ليس من إعطاء اللّه تعالى ابتداءً ، بل لا بدّ فيه من التعلّم ، والظاهر من الرواية أ نّه كالجمال والحفظ .

وممّا ذكرناه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق ، قال : سأل رجل علي بن الحسين عن شراء جارية لها صوت ، فقال : «ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنّة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء ، فأمّا الغناء فمحظور»(3) .

فإنّ التفسير لو كان للإمام علیه السلام فهي شاهدة جمع بين الأخبار كبعض ما تقدّم ، وإن كان من الصدوق - كما هو الأقرب - فالصوت في الرواية محمول على الصوت الحسن فتصير كسائر الروايات .

وأمّا الحمل على الغناء - بدعوى أنّ الصوت قد يراد به الغناء كما فسّره به

ص: 383


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 432 .
2- الكافي 2 : 615/ 7 .
3- الفقيه 4 : 42 / 139 ؛ وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 2 .

بعض اللغويين(1) ، وفي «المنجد» : «الصوت معروف ؛ كلّ ضرب من الغناء»(2) ، وفسّره به في رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة(3) - فبعيد عن الصواب سيّما مع تنكيره ، فإنّ الظاهر منه أنّ لها صوتاً حسناً لا أ نّها تعلم بعض المقامات الموسيقية وبحورها ، بل الظاهر أنّ هذا الاصطلاح على فرض ثبوته متأخّر عن زمن السجّاد علیه السلامولعلّه صار مصطلحاً في عصر الرشيد .

في استثناء الحداء

ثمّ إنّه يظهر من المحقّق في كتاب الشهادات استثناء الحداء من الغناء حكماً (4) ، وهو المحكيّ عن العلاّمة في «القواعد»(5) والشهيد في «الدروس»(6) والخراساني ، بل عنه دعوى الشهرة عليه(7) ، وفي «شرح الفقيه» للمجلسي الأوّل أنّ ظاهر أكثر الأصحاب استثناء الحداء(8) ، وفي «الرياض»(9) و«المستند»(10) : اشتهر استثناؤه .

ص: 384


1- أقرب الموارد 1 : 668 ؛ لسان العرب 7 : 436 .
2- المنجد : 439 .
3- تقدّمت في الصفحة 377 - 378 .
4- شرائع الإسلام 4 : 117 .
5- قواعد الأحكام 3 : 495 .
6- الدروس الشرعية 2: 126 .
7- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 .
8- لوامع صاحبقراني 7 : 345 .
9- رياض المسائل 8 : 63 .
10- مستند الشيعة 14 : 143 .

لكن تأمّل صاحب «مفتاح الكرامة» في الشهرة(1) ، وجزم في «الجواهر» بعدمها واحتمل تحقّقها على الخلاف(2) . ولعلّه لإطلاق الأصحاب وعدم استثنائهم ذلك ما عدا المحقّق ومن عرفت ممّن هو بعده .

والإنصاف عدم ثبوت الشهرة المعتمدة في طرفي القضيّة .

وقد يستدلّ(3) على الاستثناء - أو يؤيّده - بما روي أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم قال لعبداللّه بن رواحة : «حرِّك بالنوق» فاندفع يرتجز . وكان عبداللّه جيّد الحداء وكان مع الرجال . وكان أنجشة(4) مع النساء ، فلمّا سمعه تبعه ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لأنجشة : «رويدك رفقاً بالقوارير ؛ يعني النساء»(5) .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف السند - أنّ الظاهر منها أنّ ابن رواحة ارتجز لتحريك النوق . والإنشاد ببحر الرجز يخالف الغناء ، ولا يحصل به الخفّة والطرب الخاصّ بالغناء ، بل يحصل منه التهيّج الخاصّ بالحرب ونحوه .

فيمكن أن يقال : فيها إشعار بعدم جواز الحداء والتغنّي للإبل ، فإنّ تركه والأخذ بالرجز ، مع مناسبة الأوّل للسوق ، مشعر بممنوعيته .

وأمّا قوله : «وكان عبداللّه جيّد الحداء» إخبار من الراوي ، ولا يدلّ على حَدْوِه بالتغنّي .

ص: 385


1- مفتاح الكرامة 12 : 176 .
2- جواهر الكلام 22 : 50 - 51 .
3- راجع مسالك الأفهام 14 : 181 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 177 .
4- أنجشة : مولىً للنبي صلى الله عليه و آله وسلم . القاموس [منه قدس سره] راجع القاموس المحيط 2 : 289 .
5- المغني ، ابن القدامة 12 : 43 ؛ المجموع 20 : 230 .

نعم ، في محكيّ «مناقب» محمّد بن علي بن شهر آشوب قال : وكان حادي بعض نسوته صلی الله علیه و آله وسلم خادمه أنجشة فقال لأنجشة : «ارفق بالقوارير» وفي رواية : «لا تكسر القوارير»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ صدره من كلام ابن شهر آشوب لا رواية عن المعصوم - أنّ المظنون أ نّه نقل بالمعنى حسب اجتهاده من قطعة من الرواية المتقدّمة مع أنّ في معنى الحادي كلاماً يأتي عن قريب .

واستدلّ عليه(2) بموثّقة السكوني بإسناده ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : زادُ المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناً»(3) . وإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

وفي «شرح الفقيه» للمجلسي(4)، و«الفقيه» المطبوع في عصرنا سنة 1376(5)، وفي «الوافي»(6) : «الخنا» ، وكذا في «مجمع البحرين» في كلمة حداء ، وفسّره بالفحش، قال: وفي بعض النسخ : «جفاً» ، وذكر الحديث في مادّة «جفا» أيضاً (7)،

ص: 386


1- المناقب 1 : 147 ؛ مستدرك الوسائل 8 : 213 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 28 ، الحديث 2 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 103 .
3- الفقيه 2 : 183 / 823 ؛ وسائل الشيعة 11 : 418 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 37 ، الحديث 1 .
4- لوامع صاحبقراني 7 : 345 .
5- الفقيه 1 : 226 (طبع سنة 1376) .
6- الوافي 12 : 396 / 33 .
7- مجمع البحرين 1 : 96 و89 .

فالمظنون أن يكون الصحيح «الخنا» بمعنى الفحش .

لكن جعل في نسخة «الوسائل» «الجفا» في المتن ، و«الخنا» فوق السطر مع علامة النسخة ، وقال : «وفي نسخة : ليس فيه حنان» ثمّ قال : «والحنان من معانيه الطرب»(1) ، انتهى .

لكن لم أر شاهداً على ما ذكره . نعم ، الحنين من حنّ يحنّ جاء بمعنى الطرب(2) وهو غير الحنان .

ثمّ إنّ الرواية موثّقة لا إشكال فيها سنداً ؛ فإنّ إسماعيل بن أبي زياد السكوني كثير الرواية ومتقنها ، وعن الشيخ في مواضع من كتبه أنّ الإمامية مجمعة على العمل بروايته، وقد صرّح المحقّق في محكيّ «المسائل العزّية» بأ نّه من الثقات(3).

والإجماع على العمل برواياته إجماع على العمل بروايات الحسين بن يزيد النوفلي ، فإنّ رواية السكوني من غير طريقه نادرة جدّاً ، فيكون المنصرف من رواياته ما هي بطريقه مع أ نّه أيضاً ممدوح بل حسن .

ما هو معنى الحداء ؟

إنّما الإشكال في دلالتها ، منشؤه الشكّ في معنى الحداء ؛ هل هو بمعنى سوق الإبل مطلقاً بأيّة وسيلة كان كما هو ظاهر «القاموس» ، قال : «حدا الإبل وبها

ص: 387


1- وسائل الشيعة 2 : 188 ، الباب 37 من أبواب آداب السفر (ط - الحجري) ؛ وسائل الشيعة 11 : 418 ، الهامش 1 .
2- القاموس المحيط 4 : 218 ؛ أقرب الموارد 1 : 240 .
3- اُنظر تنقيح المقال 1 : 128 / السطر 2 (أبواب الهمزة) ؛ العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ الرسائل التسع ، المسائل العزّية : 64 .

حدواً وحُداءً وحِداءً : زجرها وساقها»(1) . بناءً على أنّ «ساقها» معنىً آخر له مقابل «زجرها» .

أو سوقها بمطلق الصوت الأعمّ من الغناء ، كما يظهر منه في كلمة «دَي دَي» ،

قال : «ما كان للناس حداء ، فضرب أعرابي غلامه وعضّ أصابعه ، فمشى وهو يقول : «دَي دَي» أراد يا يَدَي ، فسارت الإبل على صوته ، فقال له : ألزمه ، وخلع عليه ، فهذا أصل الحداء»(2) انتهى ، تأمّل .

أو مشترك بين سوق الإبل مطلقاً والتغنّي لها كما هو محتمل «الصحاح» و«المنجد» و«مجمع البحرين»(3) ، ففي الأوّل : «الحدو : سوق الإبل والغناء لها»

وقريب منه في تالييه .

أو هو سوق الإبل بالغناء ، كما هو محتمل عبارة «الصحاح» وبعده وظاهر «الوافي» و«المسالك» و«شرح الفقيه» للمجلسي و«الرياض» و«المستند» و«مجمع البرهان»(4) وغيرها (5) ، ففي الأوّل : «هو سوق الإبل بالترنّم» ، وفي «المسالك» : «سوق الإبل بالغناء لها» ونحوه غيره . والظاهر منهم تفسيره مطلقاً لا ما هو موضوع الحكم الشرعي أو مورد استثناء الفقهاء .

ص: 388


1- القاموس المحيط 4 : 317 .
2- القاموس المحيط 4 : 331 .
3- راجع الصحاح 6 : 2309 ؛ المنجد : 122 ؛ مجمع البحرين 1 : 96 .
4- الوافي 12 : 396 ؛ مسالك الأفهام 3 : 126 ؛ لوام-ع صاحبقراني 7 : 345 ؛ رياض المسائل 8 : 63 ؛ مستند الشيعة 14 : 143 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 59 .
5- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 116 .

أو هو مباين للغناء ، كما هو صريح «مفتاح الكرامة» تمسّكاً بشهادة العرف(1) ، وكأ نّه مال إليه في «الجواهر» (2) ؟

فإن كان عبارة عن التغنّي للإبل فتكون الرواية أخصّ مطلقاً من أدلّة التحريم ولا مانع من تقييدها لها سواء في ذلك النسخ المختلفة ؛ لأنّ كونه مطرباً من لوازم الغناء ، فلا يرجع إليه القيد ولو كان الحنان بمعنى الطرب .

إلاّ أن يقال : المأخوذ في الغناء هو المطربية الاقتضائية والمراد بالحنان هو المطربية الفعلية .

لكنّه مع بعده يفيد استثناء الغناء إلاّ إذا أثّر الطرب فعلاً .

وكذا لو كان أحد معنييه التغنّي لها والآخر السوق بغير صوت .

وأمّا لو كان أعمّ من التغنّي ؛ بمعنى كونه إمّا مطلق سوق الإبل بصوت أو غيره، بالتغنّي أو لا، أو بمعنى سوقها بمطلق الصوت ، فتصير الرواية أعمّ من وجه من روايات التحريم ، فيأتي فيها ما تقدّم من الكلام(3) . وعلى فرض عمل المعارضة تقدّم عليها روايات التحريم بوجوه .

مضافاً إلى أ نّه على فرض الأعمّية تصير مجملة ؛ لاحتمال رجوع القيد المجمل إليه ، وإن لا يبعد ظهوره في الرجوع إلى الشعر؛ لتأخّره وكون الضمير مفرداً وعدم احتمال رجوعه إلى المتقدّم فقط .

وكيف كان : فالمتحصّل ممّا ذكرعدم استثناء الحداء من الغناء .

ص: 389


1- مفتاح الكرامة 12 : 177 .
2- جواهر الكلام 22 : 51 .
3- تقدّم في الصفحة 369 .
في استثناء زفّ العرائس

نعم ، لا شبهة في استثناء زفّ العرائس منه في الجملة ؛ لرواية أبي بصير المحكيّة بطرق عديدة صحيحة ومعتمدة :

ففي صحيحته قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال»(1) .

وليس في سندها من يتأمّل فيه غير أبي بصير وهو يحيى بن أبي القاسم بقرينة علي بن أبي حمزة في روايته الاُخرى(2) ؛ فإنّ الظاهر أنّ الروايات الثلاث عنه(3) رواية واحدة .

وهو ثقة على الأظهر ، فالإشكال على سندها ضعيف .

وأضعف منه الإشكال على دلالتها ؛ ضرورة أنّ حلّية الأجر ملازمة عرفاً لحلّية العمل .

وفي روايته الاُخرى المعتمدة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن كسب المغنّيات ، فقال : «التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدع-ى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى

ص: 390


1- الكافي 5 : 120 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 - 3 .

لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ(»(1) .

وفي روايته الثالثة الضعيفة بحَكَم الخيّاط(2) عنه علیه السلام قال : «المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها»(3) . فالحُكم في الجملة ثابت لا إشكال فيه .

ودعوى(4) : أنّ تحريم الغناء بالأدلّة المتواترة ، وفيها ما لا تقبل التخصيص كما تقدّم ، بل لعلّ قبحه عقلي؛ لكونه موجباً للفجور والفسوق ، فلا يمكن تخصيصها سيّما بتلك الرواية الواحدة التي يمكن الخدشة في سندها ودلالتها .

غير وجيهة ؛ لمنع إبائها عن التقييد . ومجرّد انطباق عنوان الباطل والزور عليه لا يوجب ذلك سيّما في زفّ الأعراس الذي يناسب نحو ذلك .

وليس حرمته أشدّ من الربا ، ولا لسان أدلّته أشدّ وأغلظ من أدلّته وهي مخصّصة بموارد كالربا بين الوالد والولد، والزوج والزوجة، وغيرهما .

وليس ملازماً للدخول في المحرّمات والفجور والفسوق ، بل لا يتّفق في مجالس النساء إلاّ نادراً ، ولو فرض في مورد سببية له لا يحكم بالجواز ؛ لعدم إطلاق في دليل التجويز من هذه الحيثية .

نعم ، الظاهر اختصاص الجواز بالمغنّية لا المغنّي وبمجلس العرس المختصّ

ص: 391


1- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .
2- تنقيح المقال 1 : 356 / السطر 25 (أبواب الحاء) .
3- الكافي 5 : 120 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 2 .
4- راجع مفتاح الكرامة 12 : 179 .

بالنساء لا غير ، بل الأحوط الاقتصار بزفّ العرائس لا غير ؛ لأ نّه مقتضى الرواية

الاُولى والثالثة .

وأمّا الثانية وإن كان مفادها أعمّ لكن الظاهر عدم كونها رواية مستقلّة ، مع أنّ مفهوم غيرها أخصّ من منطوقها فيقيّد به .

والظاهر من التقييد بزفّ العرائس في مثل المقام الاحتراز عن غيره ، فالأحوط الاقتصار عليه بل لا يخلو من قوّة ، لكن لا بذلك التضييق بل لا يبعد الجواز في مقدّمات الزفّ ومؤخّراته المتداولة .

نعم ، لا يستثنى المجالس الاُخر المستقلّة في أيّام الأعراس على الأحوط الأقوى .

كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص حضور النساء ، وعدم التغنّي وأخذ الأجر مع حضور الرجال وإن كانت الروايات مشعرة بأنّ المراد بقوله : «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» المجالس المعهودة التي تغنّت المغنّيات للرجال مقابل مجالس الأعراس ، لكن لا يكفي الإشعار لتقييد الروايات ؛ لاحتمال أن يكون المنع لمطلق دخول الأجنبيّ ؛ لكون صوتها بنحو التغنّي عورة وإن لم نقل بأنّ كلامها كذلك .

بل الأحوط عدم دخول المحرم أيضاً ؛ لأنّ إسماع الغناء واستماعه محرّم ولو كان الإسماع لمحرم ، وإنّما الخارج زفّ الأعراس مع عدم دخول الرجال ، ومع وجود الرجال ولو كانوا من المحارم يكون التغنّي حراماً وكذا أخذ الأجر عليه .

إلاّ أن يقال : إنّ زفّ الأعراس إلى بيت الأزواج وتجويز الغناء لذلك ملازم

ص: 392

لسماع الأجانب فضلاً عن بعض المحارم ، فالتجويز للزفّ ملازم لتجويز الإسماع .

لكن مقدار الملازمة هو الإسماع الاتّفاقي للعابر ونحوه ، ولا يلزم منه جوازه للداخل لتلك الغاية .

أو يقال : إنّ الرواية منصرفة عن المحارم . وهو ليس ببعيد وإن كان الأحوط ما ذكر .

كما أنّ الأحوط عدم جواز أخذ الأجر للتغنّي المتّحد خارجاً مع محرّم كالتغنّي بالكذب والفحش .

نعم ، لا بأس بأخذ الأجر للغناء وإن اقترنت معه المحرّمات الخارجية ، كما لو كان مقترناً بآلات اللهو . وإن كانت المغنّية ضاربة لها مع تغنّيها يجوز أخذه في مقابل تغنّيها لا العمل المحرّم المقارن له .

تنبيه

حكم سائر الأصوات اللهوية

بناءً على ما ذكرناه في موضوع الغناء من اعتبار الحسن الذاتي والرقّة في الصوت في الجملة ، لا يدخل فيه سائر الأصوات اللهوية كالتصنيفات المصطلحة بالألحان المعهودة عند أهل المعاصي والفسّاق .

فلا تكفي الأدلّة الدالّة على حرمة الغناء بعنوانه لإثباتها لها؛ لعدم صدقه عليها ، بل لا تكون موجبة للخفّة المعهودة المعتبرة في الغناء وإن يحصل به السرور ونحوه ، ولا تصحّ دعوى إلغاء الخصوصية عرفاً كما هو ظاهر .

ص: 393

نعم ، يمكن دعوى اندراجها في قول الزور ولهو الحديث بضميمة الأخبار المفسّرة لهما بالغناء ، بأن يقال : إنّ الظاهر من الروايات المفسّرة أنّ الغناء مندرج

تحت عنوانهما .

واحتمال الإلحاق الحكمي أو الموضوعي الراجع إلى الحكمي نتيجة بعيد جدّاً ، بل فاسد مخالف للروايات :

كقوله : «قول الزور الغناء»(1) ، وقوله في جواب السؤال عن قول الزور : «الغناء»(2) .

وكقوله : «الغناء ممّا قال اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى . . .(»(3) .

وأوضح منها قوله : «الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» وتلا هذه الآية : )وَمِنَ

النَّاسِ . . .((4) .

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في اندراجه في مفادها ، ولا شكّ في عدم اندراج عنوانه بما هو فيه .

وقد مرّ(5) أنّ الأقرب في وجه الاندراج أن يقال : إنّ إضافة القول إلى الزور

ص: 394


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 ، 8 و20 .
2- وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 9 .
3- الكافي 6 : 431 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 .
4- الكافي 6 : 431 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 6 .
5- تقدّم في الصفحة 344 .

تارةً تكون باعتبار بطلان مقوله ، واُخرى باعتبار بطلان كيفية الصوت أو الصوت

بالكيفية الباطلة .

ولولا قرينية الروايات لكانت الآية وكذا الآية الاُخرى ظاهرة في الاعتبار الأوّل ، لكن بعد قيام القرينة يكون مفادهما أعمّ ، فيكون معنى الآية - والعلم عنده تعالى - يجب الاجتناب عن قول هو زور بمقوله أو بعارضه الذي هو صوت باطل .

فاندراج الغناء فيه من قبيل اندراج مصاديق العناوين فيها ، فالحكم متعلّق بالصوت الزور والصوت اللهوي فيندرج فيه سائر الأصوات اللهوية .

ويؤيّده ما أرسل في «مجمع البحرين» ، قال : «وروي أ نّه يدخل في الزور الغناء وسائر الأقوال الملهيّة»(1) .

إلاّ أن يناقش فيه بأنّ غاية ما تدلّ الروايات اندراج الغناء في الآية ، ولم يظهر منها كيفيته ، ولا يكون الاندراج بالنحو المذكور للظهور المستند إلى الكلام ولو بمؤونة الأخبار ؛ لعدم قرينيتها لكيفية الاندراج .

فيمكن أن يكون ذلك بنحو من الكناية أو غيرها من أنحاء الدلالات الخفيّة التي لا يعلمها إلاّ المخاطب بالكتاب العزيز وأهل بيته الخاصّ به .

وبالجملة : لم يظهر من الروايات أنّ اندراج الغناء في الآيتين بعنوان اللهو من حيث الصوت حتّى يشمل سائر الأصوات اللهوية .

والحاصل أ نّه ليس نحو الاندراج بما تقدّم إلاّ مظنوناً بالظنّ الخارجي

ص: 395


1- مجمع البحرين 3 : 319 .

الغير الحجّة ، لا المستند إلى الظهور ولو بقرينة ، ولم يقم دليل على نحو الاندراج .

ويمكن الاستدلال على حرمتها بما دلّ على حرمة مطلق اللهو ، كما هي ظاهر جملة من الفقهاء كالمحكيّ عن «المبسوط» و«السرائر» و«المعتبر» و«القواعد» و«المختلف» وغيرها (1) ، وإن كان ظاهر جمع آخر خلافها ، ففي «المقنع»(2) و«الهداية»(3) و«الفقه الرضوي»(4) ومحكيّ «الغنية»(5) عطف سفر الصيد على سفر المعصية ب «أو» الظاهر في مغايرتهما . وظاهر «الخلاف»(6) و«النهاية»(7) أيضاً عدم كونه محرّماً :

قال في الأوّل : «سفر الطاعة واجبة كانت أو مندوباً إليها مثل الحجّ والعمرة والزيارات وما أشبه ذلك فيه التقصير بلا خلاف ، والمباح عندنا يجري مجراه في جواز التقصير ، وأمّا اللهو فلا تقصير فيه عندنا» .

ص: 396


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 41 ؛ المبسوط 1 : 136 ؛ السرائر 1 : 327 ؛ المعتبر 2 : 471 ؛ قواعد الأحكام 1 : 325 ؛ مختلف الشيعة 5 : 49 ، مسألة 13 ؛ رياض المسائل 9 : 408 .
2- المقنع : 126 .
3- الهداية ، الصدوق : 143 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 162 .
5- غنية النزوع 1 : 73 .
6- الخلاف 1: 567، مسألة 319 .
7- النهاية : 122 .
ما دلّت على حرمة اللهو من الآيات والروايات

وكيف كان : يمكن أن يستدلّ عليها برواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : )فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ((1) ، قال : «الباغي : باغي الصيد ، والعادي : السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة»(2) .

وقريب منها ما روي عن عبدالعظيم الحسني في أطعمة «الجواهر» و«المستند»(3) . وفيها : «والعادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً»(4) .

بتقريب أنّ المتفاهم عرفاً من تحريم الميتة ونحوها على من خرج لسفر الصيد ، لدى الاضطرار حتّى عند خوف الموت - سواء قلنا بعدم جواز أكله حتّى يموت ، أو قلنا بوجوب حفظ نفسه بأكل الميتة وهي محرّمة عليه ويعاقب على أكلها كالمتوسّط في أرض مغصوبة على بعض المباني - أنّ حرمة السفر صارت موجبة لذلك ، وأنّ الترخيص لدى الاضطرار منّة من المولى على عبيده ، ومع

ص: 397


1- البقرة (2) : 173 .
2- الكافي 3 : 438 / 7 ؛ وسائل الشيعة 8 : 476 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- جواهر الكلام 36 : 429 ؛ مستند الشيعة 15 : 31 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 83 / 354 ؛ وسائل الشيعة 24 : 214 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 1 .

حصول الاضطرار بسبب أمر محرّم وبسبب طغيان العبد على مولاه منعه عن ذلك التشريف .

فبمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ المنع عند الاضطرار وهذا التضييق والتحريج إنّما هو لارتكاب العبد قبيحاً ومحرّماً ، ولو كان السفر مباحاً رخّصه اللّه تعالى وذهب العبد لترخيصه فلا يناسب المنع عنها عند الاضطرار لسدّ رمقه . ويشهد له مقارنته للسارق .

والظاهر أنّ ذكر الباغي والعادي مثال لمطلق العاصي المتجاوز الطاغي ، بل عنوانهما أعمّ لكلّ ذلك ، وأنّ التفسير لبيان بعض المصاديق .

كما فسّر الباغي بالخارج على الإمام العادل أيضاً في مرسلة البزنطي عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) ، وفسّر العادي بالمعصية طريق المحقّين(2) .

وعن تفسير الإمام بالقوّال بالباطل في نبوّة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام(3) .

وعن تفسير العيّاشي : «الباغي : الظالم ، والعادي : الغاصب»(4) .

ص: 398


1- الكافي 6 : 265 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 216 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 5 .
2- مجمع البيان 1 : 467 ؛ وسائل الشيعة 24 : 216 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 6 .
3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 585 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 201 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 74 / 151 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 200 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 40 ، الحديث 1 .

ويشهد له أنّ الآية الكريمة نزلت في البقرة(1) والأنعام(2) والنحل(3) بمضمون واحد ، وفي المائدة : )فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ((4) .

ومن نظر في الآيات الأربع لا يشكّ في أ نّها بصدد بيان حكم واحد ويكون المراد من قوله : )غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ( هو المراد من قوله : )غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ(

أي غير متمايل له ، وتكون الآية الاُولى بصدد تفصيل ما أجمل في الأخيرة أو ذكر مصاديقها .

والظاهر من مجموعها أنّ الترخيص بما أ نّه للامتنان مقصور على من لم يكن اضطراره بسبب البغي والتمايل إلى الإثم .

والخارج على الإمام علیه السلام اضطرّه إليه تمايله إلى الإثم المنتهي إلى تحقّقه ، والخارج إلى التصيّد كذلك .

وحمل قوله : )غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ( على الميل إلى أكل الميتة واستحلالها ، وحمل الحال على المؤكّدة بعيد عن ظاهر الكلام وعن ظاهر سائر الآيات الموافقة لها في الحكم .

فتحصّل ممّا ذكرناه حرمة الخروج إلى الصيد .

فيضمّ إلى ذلك ما دلّت على أن ليس التقصير في سفر الصيد لكونه مسير

ص: 399


1- البقرة (2) : 173 .
2- الأنعام (6) : 145 .
3- النحل (16) : 115 .
4- المائدة (5) : 3 .

باطل وكونه لهواً : كرواية ابن بكير المعتمدة أو الصحيحة ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة أيقصّر الصلاة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، فإنّ التصيّد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه»(1) .

وموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة هل يقصّر من صلاته أم لا ؟ قال :

«إنّما خرج في لهو ، لا يقصِّر . . .»(2) الحديث .

فينتج أنّ اللهو والباطل محرّم .

وبالجملة : يستفاد من رواية حمّاد بن عثمان المفسِّرة للآية حرمة سفر الصيد بالتقريب المتقدّم ، ومن الروايات المعلّلة لعدم التقصير بأنّ التصيّد مسير باطل وأ نّه خرج للّهو ، أنّ اللهو محرّم .

لكن إثبات حرمة سفره برواية حمّاد مشكل ؛ لضعفها بمعلّى بن محمّد ، فإنّه مضطرب الحديث والمذهب بنصّ النجاشي(3) والعلاّمة(4) ، ويعرف حديثه وينكر عن ابن الغضائري(5) . وقول النجاشي : كُتُبه قريبة ، لا يوجب الاعتماد عليها .

ص: 400


1- الكافي 3 : 437 / 4 ؛ وسائل الشيعة 8 : 480 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 9 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 3 : 218 / 540 ؛ وسائل الشيعة 8 : 478 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- رجال النجاشي : 418 / 1117 .
4- خلاصة الأقوال : 409 / 2 .
5- الرجال ، ابن الغضائري : 96 / 141 .

ومجرّد كونه شيخ الإجازة لا يكفي في الاعتماد ؛ إذ لا دليل مقنع عليه مع عدم

ثبوت كونه شيخاً .

مضافاً إلى إمكان المناقشة في بعض ما تقدّم من استفادة الحرمة من الآيات وإمكان إرجاع سائر الآيات إلى الأخيرة ، وحملها على الاحتمال المتقدّم كما حملها عليه المفسّرون(1) .

بل في «الجواهر» : الاتّفاق ظاهراً على تفسير المتجانف للإثم بالميل إلى أكل

الميتة استحلالاً ؛ أي اقترافاً بالذنب(2) .

وغير ذلك كإمكان المناقشة في استفادة حرمة مطلق اللهو بنحو قوله : «إنّه مسير باطل» أو «إنّه خرج للّهو» لاحتمال دخالة خصوصيات سفر الصيد اللهوي في الحكم كالخروج مع البزاة والصقورة ونحوهما ، فإلغاء الخصوصية مشكل ، تأمّل .

فإثبات حرمة اللهو مطلقاً بما ذكر مشكل أو ممنوع .

ويمكن الاستدلال عليها بوجه آخر وهو إثبات كون اللهو باطلاً؛ إمّا باندراجه فيه أو مساوقته له ، فيجعل صغرى لكبرى حرمة كلّ باطل ، فينتج حرمة مطلق اللهو .

أمّا الصغرى : فتدلّ عليها رواية عبداللّه بن المغيرة -

رفعها - قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في حديث : «كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث : في تأديبه

ص: 401


1- مجمع البيان 3 : 247 ؛ التبيان في تفسير القرآن 3 : 437 ؛ روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 6 : 248 .
2- جواهر الكلام 36 : 430 .

الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ؛ فإنّهنّ حقّ»(1) .

والمستفاد منها - مضافاً إلى أنّ كلّ لهو باطل ما عدا الثلاث - أنّ أمثال المستثنى ممّا لها غاية عقلائية داخلة في اللهو ، وأنّ اللهو الحقّ منحصر في الثلاث .

وموثّقة عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم ، حيّونا حيّونا نحيّكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ . . .((2)» .

بتقريب أنّ أبا عبداللّه علیه السلام استدلّ على بطلان زعمهم بالآيات الكريمة ، ولا يتمّ الاستدلال إلاّ باندراج الغناء في اللهو واندراج اللهو في الباطل الذي أزهقه اللّه بالحقّ ودمغه ، فلو كان اللهو مرخّصاً فيه وكان حقّاً ، أو كان على قسمين : منها ما رخّص فيه لم ينتج المطلوب ، فلا بدّ في تمامية الاستدلال أن يكون كلّ غناء لهواً وكلّ لهو باطلاً لينتج أنّ كلّ غناء باطل .

ثمّ جعل النتيجة صغرى لكبرى هي : كلّ باطل مزهق مدموغ ممنوع ، فينتج كلّ غناء ممنوع بحكم اللّه تعالى فأنتج منه : أ نّه كيف رخّص رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ما منعه تعالى .

فتحصّل منه مساوقة اللهو للباطل ، أو اندراجه فيه ، كما ظهرت كيفية دلالتها على حرمة الباطل أيضاً .

ص: 402


1- الكافي 5 : 50 / 13 ؛ وسائل الشيعة 19 : 250 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 352 .

ورواية محمّد بن أبي عبّاد - وكان مستهتراً بالسماع ويشرب النبيذ - قال :

سألت الرضا علیه السلام عن السماع ، فقال : «لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيّز الباطل واللهو ، أما سمعت اللّه يقول : )وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً(»(1) .

وظاهرها أنّ السماع منطبق عليه العناوين الثلاثة وإن لم يظهر منها مساوقة العناوين .

نعم ، لا تخلو من إشعار على مساوقة الباطل واللهو ، كما تشعر بها الروايات المتقدّمة التي في بعضها «أنّ التصيّد مسير باطل» وفي بعضها «إنّما خرج في لهو» . والعمدة في الباب موثّقة عبد الأعلى .

وأمّا الكبرى : فتدلّ عليها الموثّقة بالتقريب المتقدّم .

وصحيحة الريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان وقلت : إنّ

العبّاسي ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ؛ سألني عن الغناء فقلت إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ،

فقال : قد حكمت»(2) .

وقد تقدّم(3) وجه دلالتها على حرمة الغناء . ويدلّ ذيلها على أنّ حرمة الباطل كانت مفروغاً عنها ، وإنّما ألزم أبو جعفر علیه السلام الرجل السائل بأنّ الغناء من الباطل

ص: 403


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 128 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 308 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 19 .
2- تقدّمت في الصفحة 351 - 352 .
3- تقدّم في الصفحة 358 .

فيكون حراماً ؛ إذ لا شبهة في أنّ الرجل كان سؤاله عن جواز الغناء وعدمه ، فإنّ

جوازه كان معروفاً عند العامّة كما تقدّم(1) ، فصار موجباً للشبهة ، فأجاب بعدمه مستدلاًّ بأ نّه باطل .

وتدلّ عليها أيضاً جملة من الروايات الدالّة على أنّ الشطرنج وغيره من الباطل:

كموثّقة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سأل عن الشطرنج ، وعن لعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث ، فقال : «أرأيتك إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟» قال : مع الباطل ، قال : «فلا خير فيه»(2) .

ولا ريب في أنّ قوله : «فلا خير فيه» يراد به الحرمة ؛ لقيام الضرورة على حرمة الشطرنج والقمار بأقسامه .

ومرسلة يعقوب بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «الشطرنج من الباطل»(3) . ونحوها غيرها (4) .

وظاهر تلك الطائفة أنّ الباطل معلوم الحرمة ولذا كان في مقام بيان حرمة المذكورات اكتفى باندراجها فيه، كما تقدّم في رواية الريّان من قوله : «قد حكمت» .

ص: 404


1- تقدّم في الصفحة 379 .
2- الكافي 6 : 436 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 5 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 315 / 153 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 13 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 2 .

لكن يمكن المناقشة فيما تقدّم بأن يقال : إنّ الاستشهاد بالآيات لا يكون من قبيل الاستدلال المنطقي والاستنتاج من صغرى وكبرى في مقابل الخصم الغير المعتقد بإمامته ؛ للزوم كون الاستدلال حينئذٍ بالظاهر المتفاهم عرفاً حتّى يجاب به الخصم . ولا ريب في أنّ الظاهر من الآية الاُولى المستشهد بها في الرواية : أ نّه تعالى لم يخلق شيئاً لعباً بل لغاية بما يليق بذاته المقدّسة .

ومن الثانية : أ نّه تعالى لم يتّخذ اللهو ، وقد فسِّر بالمرأة والولد والصاحب(1) ، ولو يراد أعمّ منها يكون المعنى أ نّه لم يتّخذ مطلق اللهو ، وبمناسبة السابقة أ نّه

تعالى غير لاهٍ كما أ نّه غير لاعب .

ومن الثالثة : أ نّه تعالى مضافاً إلى تنزّهه عمّا ذكر يجعل الحقّ غالباً وقاهراً

على الباطل بإقامة البيّنة عليه كما فسّرت بها ، ومن يكون كذلك لا يكون لاهياً ، وهو وجه المناسبة بينهما .

وفي «تفسير البرهان» عن يونس بن عبد الرحمان - رفعه - قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلاّ غلب الحقّ الباطل ، وذلك قوله تعالى : )بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ(»(2) .

ولا يبعد أن تكون الرواية غير مرفوعة ؛ لأنّ يونس لاقى أبا عبداللّه علیه السلام

وإن قال النجاشي : «إنّه لم يرو عنه وإن لاقاه»(3) ، لكن مع ورود ما هو ظاهر في روايته عنه علیه السلام لا حجّة على كونها مرفوعة ، ولعلّ النجاشي لم يطّلع على

ص: 405


1- التبيان في تفسير القرآن 7 : 236 ؛ مجمع البيان 7 : 67 .
2- البرهان في تفسير القرآن 6 : 455 .
3- رجال النجاشي : 446 / 1208 .

روايته عنه لندرتها ، كما أنّ ظاهر النجاشي أ نّه رأى أبا عبداللّه علیه السلام مرّة واحدة بين الصفا والمروة(1) مع أ نّه في رواية العبيدي : سمعت يونس بن عبد الرحمان

يقول : رأيت أبا عبداللّه علیه السلام يصلّي في الروضة بين القبر والمنبر ولم يمكنني أن أسأله عن شيء(2) .

ولا دلالة فيها أيضاً أ نّه لم يرو عنه مطلقاً ، ولعلّ مستند النجاشي على عدم

روايته قول البرقي في الرواية المتقدّمة : رفعه(3) .

وفي «تفسير البرهان» عن أيّوب بن الحرّ ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «يا أيّوب ، ما من أحد إلاّ وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلْبه ، قَبِلَه أم تركه ، وذلك

قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : )بَلْ نَقْذِفُ . . .(»(4) .

فظهر أنّ الآيات الثلاث إخبار عن تنزّهه تعالى عن اللعب واللهو وأ نّه تعالى يقذف الحقّ والحجج الدالّة عليه على الباطل فيدمغه ، فلا يستفاد منها بحسب ظاهرها حرمة الغناء ولا اللهو والباطل .

مضافاً إلى أنّ اللعب واللهو والباطل عناوين مختلفة لعلّ بينها عموماً من وجه ومعه لا يمكن الاستنتاج القياسي ، كما لا يخفى .

وعليه يمكن أن يكون الاستشهاد لمجرّد مناسبة بين تنزيه اللّه تعالى عن عمل اللهو والباطل وتنزيه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن ترخيص الغناء ، فلا يصحّ

ص: 406


1- رجال النجاشي: 446 / 1208.
2- اختيار معرفة الرجال : 485 / 918 .
3- المحاسن : 226/ 152 .
4- البرهان في تفسير القرآن 6 : 456 .

الاستدلال بها على حرمة مطلق اللهو .

نعم ، فيها إشعار على عدم ترخيصه مطلقه ، أو أنّ الغناء غير مرخّص فيه لكونه لهواً ، لكنّه ليس بحيث يمكن الاستناد إليه على حرمة مطلقه ؛ لاحتمال أن يراد بها أنّ الذي يبطل الباطل لا يرخّص الغناء وما هو بمنزلته ، وليس كلّ لهو وباطل كذلك .

وأمّا رواية ابن المغيرة الدالّة على أنّ «كلّ لهو المؤمن باطل . . .»(1) ، فهي مع الغضّ عن سندها من أدلّ الدليل على أنّ مطلق الباطل ليس بحرام ؛ لأ نّها دلّت بواسطة استثناء المذكورات على أنّ ما يترتّب عليها الأغراض العقلائية كتأديب الفرس لهو باطل ما سوى الثلاثة ، والضرورة قائمة بعدم حرمة أمثالها .

ثمّ إنّه لا بدّ من حملها على أنّ كلّ لهو المؤمن باطل حكماً ، وإلاّ فما له غاية عقلائية ليس بباطل موضوعاً ولا يمكن الحكم بالحرمة؛ لما عرفت ، فيكشف منها أنّ الباطل منه ما يكون محرّماً ، ومنه غير محرّم بل مكروه .

وأمّا ما ذكرناه من دلالة الروايات على مفروغية حرمة الباطل ولهذا استشهد لحرمة الشطرنج وغيره من أنحاء القمار والغناء بكونها باطلاً ، فبعد فرض التسليم لا بدّ من حملها على معهودية حرمة قسم خاصّ من الباطل ، وإلاّ فمطلقه لم يكن معهوداً حرمته بل كثير منه معهود حلّيته بلا شبهة .

مضافاً إلى احتمال أن تكون الروايات الواردة في أنّ الشطرنج والسدَّر

ص: 407


1- تقدّم في الصفحة 401 .

ونحوهما باطل(1) إشارة إلى انسلاكها في قوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((2) ، كما يشعر به قوله : «لا خير فيه»(3) ، وتشهد به جملة من الروايات المفسّرة للآية الكريمة بالقمار :

كصحيحة زياد بن عيسى الحذّاء ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجلّ : )وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ( فقال : «كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك»(4) .

وفي رواية اُخرى عنه علیه السلام : «يعني بذلك القمار»(5) . وقريب منها غيرها (6) .

وبالجملة : لا دلالة في تلك الروايات على حرمة مطلق الباطل أو اللهو بل تدلّ إمّا على حرمة أكل المال به ، أو على حرمة نوع خاصّ .

ثمّ لو فرض قيام الدليل على حرمة الباطل ، لكن كون الغناء والأصوات اللهوية منه عرفاً محلّ إشكال ؛ لأنّ الباطل بمعنى الفاسد الذي لا يترتّب عليه

ص: 408


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 2 ، 5 ، 13 ، والباب 104 ، الحديث 3 .
2- النساء (4) : 29 .
3- تقدّم في الصفحة 404 .
4- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 164 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 1 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 235 / 98 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 8 .
6- راجع وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

الأثر ، والذي لا مصرف له ، والذي لا غرض فيه ، وشيء منها لا ينطبق على الغناء ونحوه ممّا هو متعلّق الأغراض العقلائية ، ولولا منع الشارع الأقدس لما عدّ نحوه في الباطل والهزل واللغو ، فالاستدلال على حرمته بحرمة تلك العناوين على فرض ثبوتها غير وجيه .

واستدلّ(1) على حرمة مطلق اللهو بجملة من الروايات :

منها : رواية سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم علیه السلام ، فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك»(2) .

ولا يخفى ما فيه : فإنّ قوله : «من هذا الضرب» إشارة إلى المعازف والملاهي ، فكأ نّه ضروب الملاهي والمعازف التي يتلذّذ بها الناس من ذلك ، والملاهي جمع الملهاة ، فلا تدلّ على حرمة مطلق اللهو ولا الغناء .

ومنها : ما عن «المجالس» للحسن بن محمّد الطوسي بسند ضعيف ، عن أبي الحسن علي بن موسى علیه السلام ، عن آبائه ، عن علي علیه السلام ، قال : «كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر»(3) .

ص: 409


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 43 - 46 .
2- الكافي 6 : 431 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 313 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 5 .
3- الأمالي ، الطوسي : 336 / 681 ؛ وسائل الشيعة 17 : 315 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 15 .

وفيه : - مضافاً إلى بُعد أن يراد بالكلّية جميع صنوف الملهيّات وإلحاقها بالميسر حكماً ؛ لأنّ الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي غير مناسب للبلاغة ، ومجرّد اشتراكها في الإلهاء لا يصحّح الدعوى ، فلا يبعد أن يكون المراد بالكلّية صنوف المقامرة كما ورد «كلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) - أنّ المراد بالملهيّ عن ذكر اللّه ليس الغفلة عن التوجّه إليه تعالى بالضرورة .

فلا يبعد أن يكون المراد به ما يوجب الغفلة عنه تعالى بحيث لا يبالي بالدخول في المعاصي كما هو شأن المقامرات واستعمال الملاهي .

أو كان المراد غفلة خاصّة تحتاج إلى البيان من قبل اللّه تعالى .

وبهذا يظهر الكلام في رواية أعمش عن جعفر بن محمّد علیهما السلام في حديث شرائع الدين ، حيث عدّ فيها من جملة الكبائر الملاهي وقال : «والملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار»(2) .

وقوله : «مكروهة» يراد بها التحريم ، أو تكون بالنصب ويكون المراد أ نّها تصدّ عن ذكر اللّه كرهاً واستلزاماً بلا إرادة من الفاعل ، تأمّل .

وذلك لأنّ التمثيل بالغناء وضرب الأوتار لإفادة سنخ ما يكون صادّاً عن ذكر اللّه تعالى ، فإنّ ضرب الأوتار والغناء ونحوه توجب في النفس حالة غفلة عن اللّه تعالى وأحكامه ، ويكون الاشتغال بها موجباً للوقوع في المعاصي ، كما ورد في

ص: 410


1- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .
2- الخصال : 610 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .

الغناء أ نّه «رقية الزنا»(1) ، وفي البربط : «من ضرب في بيته أربعين صباحاً سلّط اللّه عليه شيطاناً» إلى أن قال: «نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه»(2).

وفي رواية : «فلا يغار بعدها حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار»(3) .

وقال اللّه تعالى : )إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلوةِ((4) . فلا دلالة فيها على حرمة مطلق اللهو .

ومنها : رواية الفضل بن شاذان المرويّة عن «العيون» ، وهي حسنة أو صحيحة ببعض طرقها (5) ، وفيها في عدّ الكبائر : «والاشتغال بالملاهي»(6) .

وفيه : أنّ الظاهر منها آلات اللهو لا مطلق الملهيّات .

إلى غير ذلك ممّا هي دونها في الدلالة .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل على حرمة مطلق اللهو ولا على مطلق الأصوات اللهوية .

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 350 .
2- دعائم الإسلام 2 : 208 / 760 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 217 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 79 ، الحديث 8 .
3- الكافي 6 : 433 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 1 .
4- المائدة (5) : 91 .
5- راجع ما يأتي في الجزء الثاني : 91 .
6- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

نعم ، الأحوط الاجتناب عن بعض صنوف الأصوات اللهوية كالتصانيف الرائجة بألحان أهل الفسوق ؛ لاحتمال مساواتها مع الغناء في دخولها في الباطل الذي ورد فيه : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟» في صحيحة الريّان بن الصلت(1) ، واحتمال إلغاء الخصوصية من الغناء وإلحاقها به

ودخولها في التي تصدّ عن ذكر اللّه وألهت عنه ، وإن كان للمناقشة فيها مجال . واللّه العالم بالحال .

ص: 412


1- تقدّم في الصفحة 352 .

المسألة الثالثة : في حرمة الغيبة

في كون الغيبة من الكبائر

الغيبة حرام بالأدلّة الأربعة ، والظاهر أ نّها من الكبائر .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بقوله تعالى : )وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ((1) .

بناءً على أنّ ذيل الآية الكريمة تنبيه على تجسّم عمل المغتاب في الآخرة بصورة أكل لحم ميتة أخيه ، وهو إيعاد بالعذاب .

كما تدلّ على أصل تجسّمها الآيات والأخبار الكثيرة ، وفي المورد بعض الروايات :

مثل ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم إنّه نظر في النار ليلة الإسراء فإذا بقوم يأكلون

ص: 413


1- الحجرات (49) : 12 .

الجيف ، فقال : «يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟» قال : «هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس»(1) .

وتشعر به أو تدلّ عليه ما عن «جامع الأخبار» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اجتنبوا الغيبة ، فإنّها إدام كلاب النار»(2) .

وبناءً على أ نّه تعرف الكبيرة بإيعاد اللّه العذاب عليها ولو لم يكن إيعاداً

بالنار صريحاً ، كما يظهر من صحيحة عبد العظيم الحسني المفصّلة التي فيها كثير من الكبائر(3) .

أو كان المراد من ذيلها التنزيل الحكمي ؛ بمعنى أنّ الغيبة بمنزلة أكل لحم ميتة

الأخ في الحكم ، بناءً على أنّ أكل الميتة من الكبائر ، كما تدلّ عليه حسنة الفضل ابن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، وفيها عدّ أكل الميتة من الكبائر(4) ، ومعلوم أنّ ميتة الآدمي إمّا داخلة في إطلاقها ، أو أكلها أعظم من ميتة غيرها .

ويدلّ على هذا الاحتمال بعض الروايات :

ص: 414


1- مستدرك الوسائل 9 : 125 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 43 .
2- جامع الأخبار : 413 / 1145 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 31 .
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
4- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

مثل ما عن تفسير الإمام العسكري علیه السلام : «إعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم أعظم في التحريم من الميتة ، قال اللّه عزّ وجلّ : )وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( »(1) .

والظاهر أنّ قوله : «أعظم في التحريم من الميتة» مبنيّ على ما قلناه من أعظمية حرمة ميتة الإنسان سيّما الأخ من غيرها في ارتكاز المتشرّعة .

وإن أمكنت المناقشة في الاستدلال بالآية على كونها كبيرةً ، بل على أصل تحريمها بأنّ من المحتمل أن يكون المراد بذيلها تنظير الغيبة والتفكّه بأعراض الناس بأكل لحم ميتة الأخ في تنفّر الطباع السليمة عنه وانتقاص أعراضهم كأكل لحومهم ، فيكون إرشاداً إلى حكم العقل ، فلا تدلّ على التحريم فضلاً عن كونها كبيرة .

وتدلّ على هذا الاحتمال ؛ أي كونه تنظيراً وتشبيهاً موضوعاً ، جملة من الروايات :

كما في «مجمع البيان» في شأن نزول الآية ، قال : نزلت في رجلين من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اغتابا رفيقهما وهو سلمان ، إلى أن قال : فقال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟» قالا : يا رسول اللّه ، ما تناولنا يومنا هذا لحماً . قال : «ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة»(2) .

وعن «جامع الأخبار» قال صلی الله علیه و آله وسلم : «كذب من زعم أ نّه ولد من حلال

ص: 415


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 586 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 1 .
2- مجمع البيان 9 : 203 .

وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة»(1) .

وعن القطب الراوندي: مرّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بناس من أصحابه فقال لهم : «تخلّلوا» فقالوا : ما أكلنا لحماً ، فقال : «بلى مرّ بكم فلان فوقعتم فيه»(2) .

وعن «العيون» و«معاني الأخبار» بإسناده عن الرضا علیه السلام ، عن أبيه ، عن الصادق علیه السلام قال : «إنّ اللّه يبغض البيت اللحم» إلى أن قال : «إنّما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة»(3) .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير أقرب إلى فهم العرف وإن كان إنكار دلالتها على أصل التحريم مكابرة ، فدلالتها على الحرمة غير قابلة للإنكار؛ لظهورها وسياقها وعدم فهم مجرّد الإرشاد منها .

نعم ، لا تدلّ على كونها كبيرة لما قلناه من أقربية الاحتمال الأخير ، ولا أقلّ في عدم ظهورها في أحد الأوّلين .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بقوله تعالى : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ((4) .

إمّا بدعوى أنّ الغيبة ملازمة لحبّ شيوعها ، تأمّل .

ص: 416


1- جامع الأخبار : 413 / 1145 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 31 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 126 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 52 .
3- عيون أخبار الرضا 1 : 314 / 87 ؛ معاني الأخبار : 388 / 24 ؛ وسائل الشيعة 12 : 283 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 17 .
4- النور (24) : 19 .

أو بدعوى أنّ المراد من حبّ شيوعها ولو بملاحظة ورود الآية في ذيل قضيّة الإفك(1) ، هو نفس إشاعتها ، أو يقال : إنّ حبّ شيوعها إذا كان كذلك فنفس الإشاعة أولى به .

وبدعوى أنّ المراد بتشييع الفاحشة إظهارها وإفشاؤها .

واحتمال أن يكون المراد به حبّ شيوع نفس الفاحشة والمعصية بين المسلمين(2) ، بعيد عن ظاهر اللفظ وسياق الآية .

وإن كان الاستدلال بنفس الآية للمدّعى لا يخلو من تكلّف وتعسّف ، فالأولى الاستدلال بها بضميمة بعض الروايات :

كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( »(3) .

ومرسلاته بحكم الصحاح ، لكن في محكيّ «أمالي» الصدوق روايتها عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عنه علیه السلام(4)، وهو إمّا النهدي(5) الثقة، وهو الأقرب بناءً على أنّ ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة ، والظاهر أ نّها عين المرسلة .

ص: 417


1- راجع تفسير القمّي 2 : 99 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 104 .
3- الكافي 2 : 357 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 6 .
4- الأمالي ، الصدوق : 276 / 16 .
5- رجال النجاشي : 359 / 965 ؛ تنقيح المقال 3 : 110 / السطر 17 (أبواب الميم) .

أو من آل أعين ، وهو حسن لو لم يكن ثقة باعتبار عدّه ابن أبي عمير في محكيّ «الأمالي» بسند صحيح من مشايخه مع أبان بن عثمان وهشام بن سالم(1) .

بل يمكن الاستشهاد على وثاقته بإرسال ابن أبي عمير عنه على هذا الاحتمال .

لكن يحتمل أن يكون إرساله عن هشام كما في الرواية الآتية ولا بأس به بعد وثاقة هشام(2) .

وكيف كان : فالرواية صحيحة دالّة على أنّ مطلق الغيبة داخل في الآية الكريمة ، فتدلّ على أنّ المراد بالآية ليس الحبّ فقط ولا الشياع بمعناه المعروف ، بل مطلق الإظهار وكشف الستر .

ولو كان المراد به الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي كما سنشير إليه في استماع الغيبة(3) فلا يضرّ بالاستدلال على المطلوب .

وكما في «تفسير البرهان» عن تفسير علي بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اُذناه كان من الذين قال اللّه فيهم : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ( »(4) .

ص: 418


1- راجع تنقيح المقال 3 : 110 / السطر 11 (أبواب الميم) ؛ الأمالي ، الصدوق : 15 / 2 .
2- تنقيح المقال 3 : 301 / السطر 20 (أبواب الهاء) .
3- يأتي في الصفحة 498 - 499 .
4- البرهان في تفسير القرآن 7 : 66 / 7583 ؛ تفسير القمّي 2 : 100 .

وفي «مجمع البحرين» : وروي فيما صحّ عن هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) .

وعليه فلا شبهة في كونها من الكبائر ولو فسّرت بما أوعد اللّه تعالى عليه النار .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بالأخبار الكثيرة البالغة حدّ التواتر إجمالاً المشتملة على الإيعاد على النار والعذاب من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة

الطاهرين علیهم السلام(2) .

بناءً على أنّ إيعادهم عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كما دلّت عليه الروايات بل هو من الواضحات .

وبناءً على أنّ إيعاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالعذاب والنار يكشف عن كون المعصية كبيرة ، كما يظهر من صحيحة عبدالعظيم الحسني ، حيث استدلّ أبو عبداللّه علیه السلامفيها على كون ترك الصلاة متعمّداً كبيرة بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من ترك الصلاة متعمّداً من غير علّة فقد برئ من ذمّة اللّه وذمّة رسوله»(3) .

فالخدشة في كونها كبيرة في غير محلّها .

وما في رواية ضعيفة عن جابر قال : كنّا مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مسير فأتى

ص: 419


1- مجمع البحرين 4 : 355 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 .
3- عيون أخبار الرضا 1 : 285 / 33 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .

على قبرين يعذَّب صاحبهما فقال : «إنّهما لا يعذَّبان في كبيرة ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس . . .»(1) غير صالحة لمعارضة ما تقدّم .

كما أنّ ما عن الصدوق(2) وغيره(3) بل عن الأصحاب كما في «مجمع البيان»(4) وعن الحلّي(5) أنّ الذنوب كلّها كبيرة وإنّما الصغر والكبر بالإضافة ، كأ نّه في غير محلّه ؛ لمخالفته للاعتبار والعقل والكتاب والروايات ، بل ما نسب إلى الأصحاب غير ثابت .

نعم ، للكبائر مراتب كما تشهد به الكتاب والسنّة والعقل ، وليس المقام محلّ تحقيق المسألة ، والعهدة على محلّه .

اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن ، فيجوز اغتياب المخالف إلاّ أن تقتضي التقيّة أو غيرها لزوم الكفّ عنها .

وذلك لا لما أصرّ عليه المحدّث البحراني بأ نّهم كفّار ومشركون(6) - اغتراراً بظواهر الأخبار ، وقد استقصينا البحث معه في كتاب «الطهارة» عند القول

ص: 420


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) 1 : 124 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 120 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 26 .
2- الخصال : 411 - 412 .
3- مصنّفات الشيخ المفيد ، أوائل المقالات 4 : 83 - 84 .
4- مجمع البيان 3 : 61 .
5- السرائر 2 : 118 .
6- الحدائق الناضرة 18 : 148 ، و5 : 175 .

بنجاسة المخالف(1) وقلنا : إنّ الإسلام ليس إلاّ الشهادة بأن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وذكرنا الوجه في الأخبار الكثيرة الدالّة على أ نّهم كفّار أو مشركون - بل لقصور أدلّة حرمة الغيبة عن إثباتها بالنسبة إليهم :

أمّا مثل الآيتين المتقدّمتين فلأنّ الحكم فيهما معلّق على المؤمنين والخطاب متوجّه إليهم .

وتوهّم أنّ اختلاف الإيمان والإسلام اصطلاح حادث في عصر الأئمّة علیهم السلام دون زمان نزول الآية الكريمة(2) ، فاسد جدّاً .

أمّا أوّلاً: فلأنّ الأئمّة لا يقولون بما لا يقول به اللّه تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، كما هو من اُصول المذهب وتدلّ عليه الروايات ، فلا يكون الإيمان عند اللّه - تعالى

- و رسوله صلی الله علیه و آله وسلم غير ما عند الأئمّة علیهم السلام .

وأمّا ثانياً: فلأنّ الإيمان كان قبل نصب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علياً علیه السلام للولاية عبارة عن التصديق باللّه ورسوله ، ولم يكن قبل نصبه ، أو قبل وفاته على احتمال ، مورداً لتكليف الناس ومن الأركان المتوقّف على الاعتقاد بها الإيمان ؛ لعدم الموضوع له ، وأمّا بعد نصبه أو بعد وفاته صلی الله علیه و آله وسلم صارت الولاية والإمامة من أركانه .

فقوله تعالى : )إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ((3) هو جعل الاُخوّة بين المؤمنين الواقعيين ، غاية الأمر أنّ في زمان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان غير المنافق مؤمناً

ص: 421


1- الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 3 : 451 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 194 .
3- الحجرات (49) : 10 .

واقعاً ؛ لإيمانه باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، وبعد ذلك كان المؤمن الواقعي من قبل الولاية وصدقها أيضاً .

فيكون خطاب «يا أيّها المؤمنون . . .» متوجّهاً إلى المؤمنين الواقعي-ين وإن اختلفت أركانه بحسب الأزمان ، من غير أن يكون الخطاب من أوّل الأمر متوجّهاً إلى الشيعة حتّى يستبعد سيّما إذا كان المراد بالمؤمن، الشيعة الإمامية الاثني عشرية .

وأمّا الأخبار فما اشتملت على المؤمن فكذلك .

وما اشتملت على الأخ لا تشملهم أيضاً ؛ لعدم الاُخوّة بيننا وبينهم بعد وجوب البراءة عنهم وعن مذهبهم وعن أئمّتهم ، كما تدلّ عليه الأخبار(1) واقتضته اُصول المذهب .

وما اشتملت على المسلم فالغالب منها مشتمل على ما يوجبه ظاهراً في المؤمن :

كرواية سليمان بن خالد عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرّم اللّه ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»(2) .

ص: 422


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 176 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 17 .
2- الكافي 2 : 235 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 1 .

ورواية الحرث بن المغيرة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه»(1) .

ورواية أبيذرّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في وصيّ-ته له ، وفيها قال : «يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي اللّه ، وحرمة ماله كحرمة دمه» . قلت : يا رسول اللّه وما الغيبة ؟ قال : «ذكرك أخاك بما يكره»(2) .

ويمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية كرواية عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(3) وغيرهما ممّا فسّرت الغيبة ، حاكمة على سائر الروايات ، فإنّها في مقام تفسيرها اعتبرت الاُخوّة فيها ، فغيرنا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمين ، فتكون تلك الروايات مفسّرة للمسلم المأخوذ في سائرها بأنّ حرمة الغيبة مخصوصة بمسلم له اُخوّة إسلامية وإيمانية مع الآخر .

ومنه يظهر الكلام في رواية المناهي(4) وغيرها .

ص: 423


1- الكافي 2 : 166 / 5 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 3 .
2- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
3- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
4- الفقيه 4 : 8 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

والإنصاف أنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم ، بل لا ينبغي أن يرتاب في أنّ الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمّة الحقّ علیهم السلام .

مضافاً إلى أ نّه لو سلّم إطلاق بعضها وغضّ النظر عن تحكيم الروايات التي في مقام التحديد عليها ، فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحقّقون(1) .

بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرّقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم ، بل الأئمّة المعصومون أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم :

فعن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال : «الكفّ عنهم أجمل» ثمّ قال : «يا أبا حمزة ، إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا . . .»(2) .

والظاهر منها جواز الافتراء والقذف عليهم لكن الكفّ أحسن وأجمل ، لكنّه مشكل إلاّ في بعض الأحيان ، مع أنّ السيرة أيضاً قائمة على غيبتهم ، فنعم ما قال المحقّق صاحب «الجواهر» : إنّ طول الكلام في ذلك كما فعله في «الحدائق» من تضي-يع العمر في الواضحات(3) .

ص: 424


1- راجع جواهر الكلام 22 : 62 - 63 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 319 .
2- الكافي 8 : 285 / 431 ؛ وسائل الشيعة 16 : 37 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 73 ، الحديث 3 .
3- جواهر الكلام 22 : 63 .
حرمة غيبة الصبيّ المميّز

ثمّ إنّ الظاهر دخول الصبيّ المميّز المدرك للحسن والقبح المتأثّر عن ذكر معايبه فيها ؛ لإطلاق بعض الأدلّة وصدق الأخ عليه وكذا المؤمن والمسلم بعد كونه معتقداً بما اعتقد به المسلمون كما هو الغالب في المميّز المسلم .

مع اندراجه في الموضوع لو شكّ في الصدق بالآية الكريمة ، قال تعالى : )وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ((1) .

مع أنّ الشكّ في غير محلّه والآية نزلت على طبق العرف واللغة وليس فيها تنزيل وتأويل .

نعم ، الأدلّة منصرفة عن غير المميّز وعن المجنون ، واللّه العالم .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 425


1- البقرة (2) : 220 .
الأمر الأوّل : في تعريف الغيبة

قد عرّفت الغيبة بتعاريف في كتب اللغة والفقه وفي الأخبار :

ففي «الصحاح» : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه ، والاسم : الغيبة ، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه ، فإن كان صدقاً سمّي غيبة ، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً»(1) . ونحوه في «مجمع البحرين»(2) .

وفي «القاموس» : «وغابه : عابه وذكره بما فيه من السوء كاغتابه ، والغيبة فِعلة منه تكون حسنة أو قبيحة»(3) .

وفي «المنجد» : «غابه غيبة واغتابه اغتياباً : عابه وذكره بما فيه من السوء»(4) .

وعن «المصباح» : «اغتابه : إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حقّ . والاسم : الغيبة ، فإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت»(5) .

وعن «النهاية» : «هو أن يُذكر الإنسان في غيبته بسوء ممّا يكون فيه»(6) .

وفي «منتهى الإرب» ما ترجمته : «الغيبة : ذكر السوء خلف شخص وهي اسم

ص: 426


1- الصحاح 1 : 196 .
2- مجمع البحرين 2 : 135 .
3- القاموس المحيط 1 : 116 .
4- المنجد : 563 .
5- المصباح المنير : 458 .
6- النهاية ، ابن الأثير 3 : 399 .

الاغتياب إن كان صدقاً ، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً»(1) .

وقريب منه في «معيار اللغة» ، وفيه : «وعن بعضهم اغتابه : ذكره في غيابه بما

فيه من حسن أو عيب»(2) .

وفي «مجمع البيان» : «الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة»(3) .

هذه نبذة من كلمات اللغويين ، فقد ترى عدم توافقها واختلافها في جهات لا داعي في الخوض فيها .

وقال الشهيد الثاني في رسالته : «وأمّا بحسب الاصطلاح فلها تعريفان : أحدهما : المشهور ، وهو ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه ممّا يعدّ نقصاناً في العرف بقصد الانتقاص والذمّ ، والثاني التنبيه على ما يكره نسبته إليه . . .»(4) ، انتهى .

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ حدّ الغيبة على ما في الأخبار أن يقول في أخيه ما يكرهه لو سمعه ممّا فيه»(5) .

وعن النراقي الأوّل في «جامع السعادات» : «الغيبة وهي أن يذكر الغير بما يكرهه لو بلغه»(6) . وعن «أربعين» البهائي : «قد عرّفت الغيبة بأ نّها التنبيه حال

ص: 427


1- منتهى الإرب 3 : 937 .
2- معيار اللغة 1 : 127 .
3- مجمع البيان 9 : 205 .
4- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 11 .
5- جامع المقاصد 4 : 27 .
6- جامع السعادات 2 : 293 .

غيبة الإنسان المعيّن أو بحكمه على ما يكره نسبته إليه ممّا هو حاصل فيه ويعدّ

نقصاناً بحسب العرف ، قولاً أو إشارة أو كناية ، تعريضاً أو تصريحاً»(1) ، انتهى .

وفي «المستند» : «هي أن يذكر الإنسان من خلفه بما فيه من السوء ، فلو لم يكن من خلفه لم يكن غيبة»(2) .

وحكى الشيخ عن بعض من قارب عصره وهو النراقي الأوّل ظاهراً : «أنّ الإجماع والأخبار متطابقان على أنّ حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكرهه لو سمعه»(3) .

وأنت خبير بأنّ تلك التعاريف أيضاً مختلفة لا ترجع إلى أمر واحد .

والظاهر أنّ كلمات الفقهاء بل اللغويين غالباً مشوبة بمضامين الأخبار ومستفادة منها .

ويشهد له ما في «المجمع» فإنّه بعد تعريفه بما في «الصحاح» قال : «وتصديق ذلك ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم » ثمّ حكى قوله : «أتدرون ما الغيبة . . .»(4) .

فيشكل الاستناد إليها في تشخيص اللغة والعرف الساذج ، مع أنّ اختلافها بما ترى يمنع عن الاستناد إلى شيء منها .

فالأولى عطف النظر إلى ما يستفاد من أدلّة الباب من تشخيص القيود المعتبرة

ص: 428


1- الأربعون حديثاً ، الشيخ البهائي : 378 .
2- مستند الشيعة 14 : 159 .
3- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 323 ؛ جامع السعادات 2 : 295 .
4- مجمع البحرين 2 : 136 .

في الموضوع المورد لتعلّق الحرمة عليه ، أو ما يمكن الاستناد إليه من فهم العرف

والعقلاء في مفهومها .

ولا شبهة في أنّ بعض القيود المأخوذة في الأخبار شرعية ، كاعتبار الاُخوّة الإيمانية بين المغتابين ، كما هو المذكور في جميع الروايات التي بصدد بيان حدّها وحقيقتها .

وتحتمل شرعية بعض آخر أيضاً كاعتبار تحقّق العيب فيه مقابل البهتان .

فإنّ الظاهر عدم اعتباره في معناه اللغوي والعرفي كما هو ظاهر كلام «المصباح» حيث قال : «وإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت» ، وظاهر كلام الطبرسي المتقدّم ، والتعريف المحكيّ عن الشهيد الذي نسبه إلى المشهور وكذا تعريفه الآخر ، والظاهر منه حصر معنى الغيبة لدى الفقهاء بهما وأنّ عدم هذا القيد مفروغ عنه لديهم بل لدى غيرهم ، وظاهر معقد الإجماع المتقدّم ، وظاهر عنوان «الوسائل» حيث قال : «باب تحريم اغتياب المؤمن ولو كان صدقاً»(1) .

بل لعلّه ظاهر جملة من كلمات اللغويين مثل الجوهري والطريحي ؛ فإنّ قوله : «والاسم الغيبة وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه» ظاهر في كونه بصدد بيان ماهية الغيبة ، فبعد بيان ماهيتها بذلك وبقوله قبله : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه» قسّمها إلى قسمين : قسم يقال له الغيبة ، وقسم يقال

له البهتان ، فالمقسم غيبة ، والقسم كذلك .

ص: 429


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 .

فالغيبة على ما هو ظاهر كلامه وكلام من عبّر بمثله لها معنىً عامّ مشترك بين البهتان والغيبة بالمعنى الخاصّ ، فيرجع كلامهم إلى كلام صاحب «المصباح» الذي كالصريح في ذلك ، بل يمكن الاستظهار من كلام الجماعة أنّ هذا التقسيم للغيبة أمر حادث اصطلاحي ، فلو نوقش في الظهور فلا أقلّ من الاحتمال القريب .

وما ذكرناه محتمل «القاموس» أيضاً ، حيث كان من دأبه ذكر المعاني المتعدّدة لشيء متعاقباً ، فقوله : «غابه : عابه وذكره بما فيه» لا يبعد أن يكون من

قبيل تعداد المعاني لا العطف التفسيري .

نعم ، ظاهر «المنجد» أنّ العطف تفسيري ؛ لعدم جعل علامة التعداد بينهما .

وما ذكرناه هو الظاهر من شأن نزول )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( على ما في «مجمع البيان» :

قال : «وقوله : )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( نزل في رجلين من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، اغتابا رفيقهما ، وهو سلمان بعثاه إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليأتي

لهما بطعام ، فبعثه إلى اُسامة بن زيد خازن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم على رحله ، فقال : ما عندي شيء فعاد إليهما فقالا : بخل اُسامة ، وقالا لسلمان : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثمّ انطلقا يتجسّسان عند اُسامة ما أمر لهما به رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟» قالا : يا رسول اللّه ، ما تناولنا يومنا هذا لحماً ، قال : «ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة» فنزلت الآية»(1) ، انتهى .

ص: 430


1- مجمع البيان 9 : 203 .

ومعلوم أنّ سلمان واُسامة لم يكونا على ما وصفاهما ، فقد نزلت الآية حسب هذا النقل في مورد التهمة .

وظاهر الطبرسي الجزم بكون النزول لذلك ، ولا يخلو هذا النحو من الإرسال من مثله من نحو اعتبار .

وهو مقتضى إطلاق صحيحة هشام(1) ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه . . .»(2) ، فإنّ إطلاق «ما سمعته اُذناه» يشمل غير الموافق للواقع .

كما أنّ الآية الكريمة واردة في قضيّة الإفك ومربوطة بها ، فراجع الكتاب العزيز وإن كان إطلاقها يشمل البهت وغيره .

وهو الظاهر من بعض الروايات ، مثل ما عن «المجالس» بسنده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنّة أبداً ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النار خالداً فيها وبئس المصير»(3) .

ورواية داود بن سرحان - التي لا يبعد الاعتماد عليها - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغيبة ، قال : «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبثّ

ص: 431


1- تقدّمت في الصفحة 418 .
2- تقدّمت في الصفحة 417 .
3- الأمالي ، الصدوق : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 285 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 20 .

عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

بناءً على أنّ المراد من صدرها أن تنسب إليه ما لم يفعل ممّا كان مقتضى الديانة تركه ، كأن يقول : ظلم فلان ، مع أ نّه لم يفعل ذلك ، كما هو ظاهره .

والرواية المحكيّة عن «جامع الأخبار» عن سعيد بن جبير ، وفيها : «من اغتاب مؤمناً بما فيه»(2) ثمّ ساق كما في رواية «المجالس» المتقدّمة آنفاً .

وعن «مكارم الأخلاق» في رواية ، قلت : يا رسول اللّه ، وما الغيبة ؟ قال :

«ذكرك أخاك بما يكره»(3) .

وعن «سنن» البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «أتدرون ما الغيبة ؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : «ذكرك أخاك بما يكره»(4) .

فإنّ مقتضى كونه في مقام التحديد أن يكون مطلق ذكر الأخ بالمكروه غيبة ، كان فيه أم لا .

نعم ، هنا روايات لعلّها صارت منشأ توهّم اعتبار هذا القيد حتّى عند بعض أهل اللغة :

منها : رواية «مجالس» الشيخ وأخباره ، عن أبيذرّ في وصيّ-ته له : وفيها : «يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق» إلى أن قال : قلت : يا رسول اللّه ، وما الغيبة ؟

ص: 432


1- الكافي 2 : 357 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 288 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 1 .
2- جامع الأخبار : 412 / 1143 ؛ اُنظر مستدرك الوسائل 9 : 122 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 36 .
3- مكارم الأخلاق 2 : 378 / 2661 .
4- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 247 .

قال : «ذكرك أخاك بما يكره» قلت : يا رسول اللّه ، فإن كان فيه الذي يذكر به ؟ قال : «اعلم أ نّك إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه»(1) .

بدعوى أنّ مقتضى المقابلة بينهما أن يكونا عنوانين متباينين .

وفيه : أنّ مقتضى جوابه عن السؤال عن ماهية الغيبة بأ نّها «ذكرك أخاك بما يكره» في مقام التحديد أنّ ماهيتها عبارة عمّا ذكر ، كان فيه أم لا ، وكان سكوته عن ذكر القيد دليلاً على عدم دخالته فيها ، وكان عند أبيذرّ أيضاً مفروغاً عنه أنّ ذكره بما ليس فيه غيبة ، وإنّما سأل عن القسم الآخر هل هو غيبة أو لا ، وهو شاهد على أنّ ذكر ما لا يكون فيه داخل فيها عرفاً ، بل يكون دخوله أظهر ولم يحتج إلى السؤال ، فحينئذٍ لا يبقى ظهور لذيلها في مقابلتهما تقابل التباين لو سلّم ظهوره في نفسه ، بل الظاهر من الصدر والذيل أنّ ماهية الغيبة مطلق ذكر السوء ، وإذا لم يكن فيه يكون مع ذلك بهتاناً ، فيرجع إلى قول صاحب «المصباح» : «فإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت» .

وإن شئت قلت : إنّ ظهور التحديد في الإطلاق أقوى من ظهور التقابل في كونه على نحو التباين ، مع أ نّه ليس بظهور بل إشعار لولا الاحتفاف بما ذكر .

ومنها : رواية عبد الرحمان بن سيابة - والسند إليه صحيح وهو لا يخلو من مدح وحسن(2) - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغيبة أن تقول في أخيك

ص: 433


1- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- تنقيح المقال 2 : 144 / السطر 16 (أبواب العين) .

ما ستره اللّه عليه ، وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا ، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى احتمال أن تكون هي عين روايته الاُخرى عنه علیه السلام ، قال : «إنّ من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه ، وإنّ من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه»(2) الظاهرة في أنّ التعريف لقسم منهما، ولهما قسم أو أقسام اُخر، فتشعر أو تدلّ على أعمّيتها - أنّ الظاهر منها أ نّه بصدد بيان أمر آخر وهو اعتبار كون ما يكره ممّا ستره اللّه عليه مقابل الأمر الظاهر كالحدّة ، لا بصدد

بيان ماهية الغيبة مطلقاً ، ومعه لا يستفاد منها اعتبار كونه فيه ، وذكر البهتان بما ذكر لا يدلّ على مقابلتهما بنحو التباين ، بل يصحّ ذلك ولو لاشتماله على زيادة هي الافتراء .

النسبة بين الغيبة والبهتان

بل التحقيق أنّ بين عنواني الغيبة والبهتان عموماً من وجه ، فإنّ الغيبة عرفاً ذكر السوء خلف المغتاب ، كان فيه أم لا ، والبهتان الافتراء عليه ، كان حاضراً أم غائباً ، فلا تقابل بينهما بالتباين ويصحّ التقابل بينهما لما ذكر .

فلا تدلّ الروايات على أنّ التقابل بالتباين ، فلا معارضة بينها وبين ما

ص: 434


1- الكافي 2 : 358 / 7 ؛ وسائل الشيعة 12 : 288 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 2 .
2- الأمالي ، الصدوق : 276 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 14 .

تقدّمت ممّا هي في مقام تحديد الغيبة ، كما لا يخفى .

وبه يدفع توهّم عدم إمكان تعلّق حكمين وإرادتين على عنواني الأخصّ والأعمّ ؛ فإنّه على فرض صحّته إنّما هو في الأخصّ المطلق ، لا من وجه ، بل ولا مطلق الأخصّ المطلق ، بل فيما إذا أخذ عنوان الأعمّ في الأخصّ كالرقبة والرقبة المؤمنة ، لا فيما كانا كذلك بحسب الانطباق .

وبما ذكر يظهر حال غيرها ممّا تشعر بذلك :

كرواية منسوبة إلى يحيى الأزرق - وهو مجهول(1) ، والرواية ضعيفة وإن كان الراوي عنه أبان وهو من أصحاب الإجماع ؛ لما قرّرناه في محلّه(2) من عدم تصحيح نقل أصحاب الإجماع من بعدهم . نعم ، رجّحنا العمل بخصوص مرسلات ابن أبي عمير دون غيره ودون مسنداته - قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام :

«من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه ، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهتّه»(3) .

ورواية ابن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه ، وأمّا إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه عزّ وجلّ : )فَقَدِ احْتَمَلَ

ص: 435


1- تنقيح المقال 3 : 312 / السطر 17 (أبواب الياء) .
2- راجع الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 3 : 350 .
3- الكافي 2 : 358 / 6 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 3 .

بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (»(1) .

بل مرسلة الحسين بن سعيد عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه اللّه في طينة خبال حتّى يخرج ممّا قال فيه» . وقال : «إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا ستره اللّه عزّ وجلّ ، فإذا قلت فيه ما ليس

فيه فذلك قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : )فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (»(2) .

فإنّها مع إرسالها محمولة - ولو جمعاً بينها وبين ما في مقام التحديد - على ما هو صِرف غيبته بلا انطباق عنوان آخر عليه ، وأمّا إذا لم يكن فيه فمشمول مع ذلك لقوله تعالى : )احْتَمَلَ بُهْتَاناً ( . مضافاً إلى احتمال أن يكون فيها بصدد بيان قسم من الغيبة وهو الذي ستره اللّه عليه وكان فيه ، لا بصدد بيان ماهيتها الكلّية .

فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد في عنوان الغيبة ، فلو كان لعنوانها أثر خاصّ ، يترتّب على من اغتاب مؤمناً بما ليس فيه ، كما لو قلنا بوجوب الاستحلال منه أو الاستغفار له .

عدم اعتبار كراهة المغتاب في مفهوم الغيبة

والظاهر أنّ اعتبار كراهة المغتاب - كما هو ظاهر جملة من كتب اللغة ك «الصحاح» و«المصباح» و«معيار اللغة» و«مجمع البحرين»(3) وجملة من

ص: 436


1- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
2- مستدرك الوسائل 9: 127، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 133، الحديث 2.
3- تقدّمت في الصفحة 426 - 427 .

تعاريف الفقهاء(1) كالتعريفين المتقدّمين عن رسالة الشهيد الثاني والمحكيّ عن «أربعين» البهائي وعن «جامع المقاصد» قائلاً : «إنّ حقيقة الغيبة على ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه ممّا هو فيه» والإجماع المنقول المتقدّم(2) الذي حكاه شيخنا الأنصاري عن بعض من قارب عصره ولعلّه أوّل النراقيين - أيضاً من تخلّل الاجتهاد ودعوى دلالة الروايات عليه ، كما صرّح به المحقّق الثاني في عبارته المتقدّمة ، وادّعى الشيخ الأنصاري دلالة جملة من الأخبار عليه ، قال : وعلى هذا التعريف دلّت جملة من الأخبار ، مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم - وقد سأله أبوذرّ عن الغيبة - أ نّها «ذكرك أخاك بما يكرهه» ، وفي نبوي آخر قال صلی الله علیه و آله وسلم : «أتدرون ما الغيبة ؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم . قال : «ذكرك أخاك بما يكرهه»(3) ، انتهى .

والأقوى عدم اعتباره في ماهية الغيبة كما هو ظاهر «القاموس» ، و«نهاية» ابن أثير ، و«منتهى الإرب» ، و«المنجد» ، و«مجمع البيان» ، وعن بعض أهل اللغة ، وهو صريح النراقي في «المستند»(4) .

ولا في مفهومها العرفي ، وهو واضح ؛ لصدقها على ذكر السوء ولو لم يكرهه صاحبه ، ولهذا يقال : إنّه غير كارهٍ لاغتيابه أو راضٍ به من غير تأوّل .

ولا بحسب الأخبار ؛ فإنّ مقتضى إطلاقها عدم اعتباره :

ص: 437


1- تقدّمت في الصفحة 427 - 428 .
2- تقدّم في الصفحة 428 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 321 .
4- تقدّمت أقوالهم في الصفحة 426 - 427 .

كرواية داود بن سرحان وروايتي عبد الرحمان بن سيابة ورواية يحيى الأزرق وعبداللّه بن سنان المتقدّمات(1) ، وغيرها ممّا في «الوسائل»(2) و«المستدرك»(3) ، بل ومرسلة ابن أبي عمير(4) ، وصحيحة هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه : )إنَّ الَّذِينَ . . .(»(5) .

بل ورواية «عقاب الأعمال» ، وفيها : «ومن مشى في عيب أخيه وكشف عورته كان أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم ، وكشف اللّه عورته على رؤوس الخلائق»(6) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد بما ذكر فيهما هو الغيبة ، لا عنوان آخر غيرها كما تمسّك بهما الفقهاء في حرمتها (7) .

وأمّا النبويان المتقدّمان في كلام الشيخ(8) ، فالنسخ التي عندنا من

ص: 438


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 431 - 436 .
2- راجع وسائل الشيعة 12: 278، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152 و154.
3- راجع مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 و133 .
4- تقدّمت في الصفحة 417 .
5- تقدّمت في الصفحة 418 .
6- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 340 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 285 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 21 .
7- راجع المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 15 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 317 .
8- تقدّما في الصفحة 432 - 433 .

«الوسائل»(1) و«الوافي»(2) و«المستند»(3) حاكي-ين عن «مكارم الأخلاق» ، وفي «مجمع البحرين»(4) و«كشف الريبة» للشهيد قائلاً : «وقد جاء على المشهور قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم »، فساق الحديث(5) ، والمحكيّ عن «جامع السعادات»(6) للنراقي وعن «سنن» البيهقي : «ذكرك أخاك بما يكره»(7) لا «بما يكرهه» ، كما في نقل الشيخ(8) . ولعلّه رواهما عن «الجواهر»(9) وهو من غلط النسخة أو سهو قلمه الشريف ، والنسخة الصحيحة ما نقلناه .

والمظنون أن يكون لفظة «يكره» على صيغة المجهول، فتساوق مع ما في «منتهى الإرب» على ما تقدّم(10) .

ولو قيل باحتمال كونها على صيغة المعلوم محذوفاً مفعولها .

قلنا : مع بُعده في الجملة ، إنّ غاية الأمر تكون مجملة لا تصلح لتقييد المطلقات المتقدّمة .

ص: 439


1- وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- الوافي 26 : 198 .
3- مستند الشيعة 14 : 160 .
4- مجمع البحرين 2 : 136 .
5- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 11 - 12 .
6- جامع السعادات 2 : 293 .
7- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 247 .
8- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 321 - 322 .
9- راجع جواهر الكلام ، كتاب التجارة ، في بيان حرمة الغيبة ، طبع سنة 1325 ه . ق : 15 ؛ ولكن في الجواهر 22 : 63 (ط - دار الكتب الإسلامية) «بما يكره» .
10- تقدّم في الصفحة 426 .

واحتمال انصراف الأدلّة عمّا إذا رضي المغتاب أو لم يكرهه سيّما أنّ ترك الغيبة من حقوق الاُخوّة ومع عدم الكراهة أو الرضا بها يكون بمنزلة الإسقاط ، في غاية الوهن والضعف ؛ ضرورة أنّ إفشاء ما ستره اللّه تعالى على عباده من نحو المعاصي والقبائح والأعراض لا يجوز حتّى على الفاعل أو الموصوف - إذا أوجب هتكه وهتك عرضه - فضلاً عن غيره ، وهو ليس من الحقوق التي جاز إسقاطها ، وليس كلّ ما سمّي حقّاً بين الأخوين جائز الإسقاط ، فإنّ عدم الخيانة أيضاً عدّ من الحقوق .

ولعلّ الشارع لا يرضى بكشف ستر المؤمن مطلقاً ؛ رضي به أم لا .

وفي الحديث : «صونوا أعراضكم»(1) .

وظنّي ورود ما دلّت على عدم جواز هتك المؤمن عرضه ، وأنّ عرضه ليس بيده ، وفي الحديث : «ليس أن يذلّ نفسه»(2) و«إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلال نفسه»(3) ، تأمّل .

وبالجملة : دعوى الانصراف لا وجه لها . وقلّة الوجود لا توجب الانصراف، بل المناسبات تقتضي قوّة الإطلاق .

والإنصاف أنّ رفع اليد عن إطلاق الآيات والروايات والتشديدات

ص: 440


1- مجمع البحرين 4 : 214 .
2- كتاب سليم بن قيس: 416؛ مستدرك الوسائل 12: 211، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 11 ، الحديث 3 ؛ المبسوط ، السرخسي 5 : 23 .
3- راجع وسائل الشيعة 16 : 156 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 12 ، الحديث 3 .

والاهتمامات الواردة في حرمة غيبة المؤمن وإذاعة سرّه وهتكه وتعييبه وغير ذلك ، غير ممكن .

فالأظهر الأقوى عدم اعتبار هذا القيد ، وليس الكلام هاهنا في المتجاهر والمتهتّك الذي لا يبالي بما قيل أو يقال فيه .

ثمّ على ما ذكرناه من عدم اعتبار كراهته يسقط البحث عن أنّ المراد بكراهته كراهة وجوده أو كراهة ظهوره أو كراهة ذكره ، وأنّ المراد بالموصول هل هو نفس النقيصة أو الكلام الذي يذكر الشخص به ، إلى آخر ما قاله الشيخ الأنصاري(1) .

فإنّها مبنيّة على ثبوت الرواية بنحو ما نقلها ، أو ترجيح احتمال البناء للفاعل ، وكلاهما غير سديد ؛ أمّا الأوّل فقد تقدّم . وأمّا الثاني فالأرجح بالنظر البناء للمفعول ، فتكون الرواية مطابقة لسائر الأدلّة المستدلّ بها لحرمة الغيبة . ولو نوقش فيه فلا ترجيح للاحتمال الآخر ، فتكون مجملة كما تقدّم .

عدم اعتبار مستورية العيب في مفهوم الغيبة

ثمّ إنّ قيد مستورية العيب أيضاً ليس من قيود موضوعها عرفاً ولغةً ، كما تشهد به جميع الكلمات المتقدّمة من اللغويين والتعاريف المتقدّمة من الفقهاء ، فإنّه ليس في واحد منها ذكر عن اعتباره .

نعم ، ربّما يقال بظهور كلام صاحب «الصحاح» و«المجمع» في اعتباره ؛

ص: 441


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 322 .

حيث قالا : «وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه»(1) فإنّه ظاهر في التكلّم بشيء مستور .

وأنت خبير بما فيه ؛ فإنّ المراد بالإنسان المستور هو العفيف .

قال في «الصحاح» : «ورجل مستور وستير ؛ أي عفيف والجارية ستيرة»(2) .

وفي «القاموس» : «الستير : العفيف كالمستور»(3) ونحوهما في «المنجد»(4) .

والظاهر أنّ هذا القيد في تعريف «الصحاح» و«المجمع» مأخوذ من الرواية المنقولة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له» . رواها في «المستدرك» عن القطب الراوندي(5) ، ورواها الشهيد عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم (6) ، وعن «سنن» البيهقي عنه صلی الله علیه و آله وسلم (7) ، وفي «المستدرك» عن «اختصاص» الشيخ المفيد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام(8) .

فقد ظهر من كلمات اللغويين والفقهاء في مقام التحديد والتعريف

ص: 442


1- الصحاح 1 : 196 ؛ مجمع البحرين 2 : 135 .
2- الصحاح 2 : 677 .
3- القاموس المحيط 2 : 46 .
4- المنجد : 320 .
5- مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .
6- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 33 .
7- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 210 .
8- الاختصاص : 242 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .

عدم اعتباره في مفهوم الغيبة .

فحينئذٍ : تدلّ الآية أو الآيات والروايات بإطلاقها على حرمتها في عيب مستور وغيره ، ولا بدّ في استثنائه ومقدار ذلك من التماس دليل صالح لتقييدها وكان الأولى ذكره وكذا ذكر بعض ما تقدّم في المستثنيات ، والأمر سهل .

ومن الروايات التي يمكن الاستدلال بها على الاستثناء رواية عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(1) . وقريب منها رواية عبدالرحمان بن سيابة(2) .

ويحتمل أن يكون المراد بما ستره اللّه عليه ما يكون مستوراً تكويناً مقابل المكشوف تكويناً ، فمثل العمى والبرص والعور وطول القامة وقصرها مكشوف ولو فرض ستره بساتر كالعمامة والقميص ونحوهما ، ومثل الجبن والبخل والحرص والطمع مستور ولو فرض كشفها بالآثار .

والظاهر ضعف هذا الاحتمال ولو بقرينة سائر الروايات الآتية .

والأقوى الأظهر أنّ المراد بها مستوريتها عن الناس مقابل مكشوفيتها بينهم . فالبرص المستور عن أعين الناس يكون ممّا ستره اللّه تعالى عليه ، والبخل المكشوف لديهم بآثاره ممّا كشفه اللّه تعالى وهو من العيب الظاهر .

وهذا هو الموافق لسائر الروايات :

ص: 443


1- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .

كرواية داود بن سرحان ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغيبة ، قال : «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبثّ عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

ورواية عبد الرحمان بن سيابة ، حيث مثّل فيها للأمر الظاهر بمثل الحدّة والعجلة(2) .

وأوضح منهما رواية يحيى الأزرق ، قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام : «من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه»(3) .

فالميزان هو المستورية والمعروفية بين الناس .

ولا يخفى : أنّ المعروفية - في مقابل عدمها - ليست المعروفية بين جميع الناس ، بل المراد هو المعروفية العرفية ، كمن كان معروفاً في بلد أو طائفة وقبيلة بل عند جمع معتدّ به .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المعروفية في بلد مثلاً توجب جواز غيبته مطلقاً حتّى في بلد آخر ولدى أشخاص اُخر كان العيب مستوراً عنهم .

أو أنّ الجواز مقصور بغيبته لدى العارفين ، فإذا صار معروفاً لدى الناس جازت عندهم فقط .

ص: 444


1- تقدّمت في الصفحة 431 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
3- الكافي 2 : 358 / 6 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 3 .

أو أنّ الجواز وعدمه دائر مدار علم السامع وعدمه ولو لم يكن معروفاً لدى الناس . وبعبارة اُخرى : المعروفية عند الناس عرفاً موضوعة للجواز مطلقاً ، أو لدى العارفين .

أو أنّ الموضوع للجواز معلوميته لدى المستمع ، فتكون الغيبة المحرّمة عبارة عن كشف ستر المؤمن ؛ فمع علم السامع لم يكن ذكره كشفاً لستره ، ومع جهله يكون كشفاً ولو كان مكشوفاً لدى غيره بل في بلده ولدى الناس .

لعلّ الأقرب بنظر العرف ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو الأخير ؛ لصدق الستر عليه بالإضافة إلى هذا الشخص ، وليس المراد بالستر الستر من جميع الناس حتّى يكون الكشف عند واحد كافياً لجوازها .

إلاّ أن يقال : كما أ نّه ليس المراد به الستر من جميع الناس كذلك ليس المراد

بمثل قوله : «ممّا ستره اللّه عليه» ، الستر عن واحد واثنين مع مكشوفيته لدى أهل بلده ، ففي مثله لا يصدق أنّ ذلك ممّا ستره اللّه عليه .

كما أ نّه إن كان مستوراً لدى الناس وقد علم به واحد أو اثنان لا يقال : إنّ اللّه تعالى كشف عيبه .

فالستر والكشف وإن لم يكونا هو الكشف والستر لدى جميع الناس لكنّهما لدى العرف عبارة عن حصولهما بنحو معتدّ به ؛ بحيث يقال : إنّه معروف بذلك لدى الناس .

فحينئذٍ يقال : ستره اللّه عليه أو كشف اللّه ستره ، فلا يجوز ذكره حتّى لدى العارف به إلاّ مع معروفيته به .

إلاّ أن يقال : إنّ العرف ولو بمناسبات يفهم من مثل الرواية أ نّه ليس لأحد

ص: 445

كشف ما ستره اللّه على عبده ، ولا ذكره ولو لم يكن كشفاً ولم يكن مستوراً ، وأ نّه تعالى نهى عن بثّ الفاحشة وإشاعتها . وأمّا إذا لم يكن للذكر أثر في الطرف ويكون ذكره وعدم ذكره سواء بالنسبة إلى كشف الستر والعورة ، فالرواية قاصرة عن إثبات حرمته .

وبعبارة اُخرى : المفهوم منها أنّ العبد لا بدّ في ذلك أن يكون تابعاً للّه تعالى في أصل الستر ومقداره ؛ فإن ستره اللّه مطلقاً ستره كذلك وإن كشفه كشفه بمقداره ، لا أزيد .

لكنّه مشكل بعد إطلاق الكتاب والسنّة وبعد أخذ عناوين في الروايات المجوّزة ممّا يرى العرف عناية القائل بها ، نحو قوله : «قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد بعدم قيام الحدّ - مقابل قيامه - هو بيان تحديد مقدار الانتشار ، وأ نّه إذا صار محدوداً يصير لا محالة معروفاً بذلك وانتشر عيبه فلا يكون ذكره غيبة . فالظاهر منه العناية بذكر التحديد ، وليس قيام الحدّ وعدمه موضوعاً ، كما لا يخفى ، سيّما مع قرينية سائر الروايات .

وكذا قوله : «وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا»(2) ، ظاهر بمؤونة المثال في أنّ الميزان انتشار صفته كانتشار عجلته وحدّته ، فإنّهما لا يخفيان على نوع من عاشره .

ص: 446


1- تقدّم في الصفحة 444 .
2- تقدّم في الصفحة 434 .

وأوضح منهما رواية الأزرق التي علّق فيها الحكم على معرفة الناس(1) . فإلغاء الخصوصية من تلك الروايات مشكل بل ممنوع .

معنى الستر الوارد في رواية العيّاشي

وملخّص القول في مفادها : أنّ في رواية العيّاشي(2) - بعد الجزم بعدم كون المراد ممّا ستره اللّه عليه الستر التكويني كما تقدّم احتماله ، وبعد معلومية أنّ المراد المستورية أو المكشوفية لدى الناس - احتمالات :

منها : أن يكون الستر المطلق موضوعاً للحرمة مقابل الكشف في الجملة ؛ فإذا كان العيب مستوراً عن الناس مطلقاً يكون ذكره غيبة محرّمة ، وإذا لم يكن كذلك ولو بظهوره عند بعض الناس لا يكون ذكره غيبة مطلقاً .

ومنها : مقابل ذلك ، وهو أن يكون الستر في الجملة موضوعاً لها مقابل الكشف المطلق لا بمعنى كشفه لدى جميع الناس بل بمعنى كشفه عند من يعرف هذا الرجل ، بمعنى أنّ كلّ من يعرفه ، يعرفه بهذا العيب ، فإذا كان مستوراً عند بعض يكون ذكره غيبة .

ومنها : أن يكون المراد بالستر ومقابله ، الستر والكشف العرفي ؛ أي الستر بمقدار يقال عرفاً : إنّه مستور عن الناس ، والكشف كذلك ، فلا ينافي علم بعض ولا جهله .

ص: 447


1- تقدّمت في الصفحة 444 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .

وهذا الأخير أقرب الاحتمالات ، بل هو المتعيّن بملاحظة سائر الروايات :

فإنّ رواية داود بن سرحان(1) كالصريحة في هذا الاحتمال ؛ ضرورة أنّ قبل قيام الحدّ كان العيب معلوماً عند بعض كالقاضي والشهود بل ومأمور الإجراء ، فيظهر منها عدم الاكتفاء بهذا القدر من المعلومية ، بل لا بدّ من انتشار نحو انتشاره بجريان الحدّ ، كما أنّ هذا النحو من الانتشار ليس انتشاراً مطلقاً ولا مقابله مستورية مطلقة وكذا الحال في سائر الروايات .

وبالجملة : إنّ الظاهر منها هو الانتشار والاستتار العرفيان .

ثمّ المتيقّن منها أ نّه عند الانتشار والمعروفية عند الناس عرفاً لا يكون غيبة عند العارفين .

ويحتمل أن يكون مقتضى إطلاقها جوازها لدى غيرهم ، لكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لعدم الإطلاق في مفهوم رواية عبداللّه بن سنان(2) إن قلنا بأصل المفهوم ؛ لكونها في مقام تحديد الغيبة . وأمّا إطلاقه بالنسبة إلى العارف وغيره فغير ظاهر .

وكذا الحال في رواية عبد الرحمان بن سيابة بطريق الحسن بن محبوب ، بل هي أولى بعدم المفهوم ؛ لقوله : «إنّ من الغيبة أن تقول . . .»(3) . وكذا في رواية داود بن سرحان(4) .

فلا إطلاق في مفاهيم هذه الروايات .

ص: 448


1- تقدّم في الصفحة 444 .
2- تقدّمت في الصفحة 443 .
3- تقدّم في الصفحة 433 - 434 .
4- تقدّمت في الصفحة 444 .

ورواية الأزرق(1) مع ضعفها لا يبعد أن يقال فيها : إنّ الظاهر من قوله : «من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس» ، ذكره عندهم ، كما أنّ المراد بالجملة الثانية أن يذكره عند غير العارفين . فإطلاقها أيضاً مشكل .

بقيت رواية واحدة هي رواية عبد الرحمان بن سيابة بطريق يونس(2) .

فمع تسليم إطلاقها وعدم القول بانصرافها إلى ذكره عند من يعرفه بذلك ، لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الآيات والروايات الكثيرة بها .

مع كون الراوي عن يونس بن عبد الرحمان ، محمّد بن عيسى ، وقد استثناه ابن الوليد من رجال يونس وتبعه الصدوق وضعّفه جمع(3) . ونحن وإن لم نقل بضعفه لكن العمل برواياته في خصوص مورد الاستثناء مشكل سيّما في مثل المسألة .

وعدم ورود توثيق ممّن يعتمد على توثيقاته في عبد الرحمان بن سيابة ، بل رماه صاحب «المدارك» - على ما حكي(4) - بالجهالة(5) ، وإن لا يخلو من مدحٍ ما .

وكيف كان : يشكل تقييد الإطلاقات بمثلها . فالمسألة مشكلة ، والأحوط ما ذكر بل لا يخلو من قوّة .

نعم ، ما هو المتيقّن من مضمون الروايات لا بأس بالعمل به .

ص: 449


1- تقدّمت في الصفحة 444 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
3- تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .
4- تنقيح المقال 2 : 144 / السطر 23 (أبواب العين) .
5- مدارك الأحكام 8 : 180 .
اعتبار قصد الانتقاص في مفهوم الغيبة

وأمّا قصد الانتقاص فالظاهر اعتباره في مفهومها عرفاً ؛ فمن ذكر عيب مريض عند الطبيب ليعالجه من غير قصد التعييب والانتقاص لا يقال : إنّه اغتابه في العرف .

وتشهد له كلمات كثير من اللغويين(1) ك «الصحاح» و«المجمع» ، حيث فيهما : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه» . فإنّ معنى وقع فيه وقيعة أن يذكره بسوء ؛

ففي «المنجد» : «وقع في فلان : سبّه وعابه واغتابه»(2) ، وك- «نهاية» ابن أثير و«منتهى الإرب» و«معيار اللغة» و«المنجد» وصدر كلام «القاموس» . وما في ذيله : «والغيبة فِعلة منه تكون حسنة أو قبيحة» لا ينافي صدره ؛ لاحتمال أن يكون مراده تقسيم الغيبة إليهما فتكون الحسنة غيبة المتجاهر بقصد المنع عن المنكر مثلاً . بل لا يبعد أن يكون هذا ظاهر كلامه . ولعلّه يرجع إلى كلام الطبرسي ؛ حيث قيّد ذكر العيب بقوله : «بوجه تمنع الحكمة» .

أو أن يكون مراده أنّ لها معني-ين : أحدهما تعييبه وذكره بالسوء ، وثانيهما ذكره بما فيه من الحسن .

أو يكون مراده أنّ الغيبة عبارة عن تعييب غيره سواء كان التعييب بشيء قبيح أو حسن ، فإذا عابه بشيء ولو كان حسناً واقعاً اغتابه .

بل لعلّ الاعتبار مقتضى كلام كلّ من قيّده ب «ما يكرهه» ؛ من حيث ملازمة

ص: 450


1- تقدّمت في الصفحة 426 - 427 .
2- المنجد : 913 .

الإكراه نوعاً للذكر في مقام الانتقاص ، وعدمه نوعاً في غيره كمقام التلطّف والترحّم ونحوهما .

وهو صريح التعريفين في رسالة الشهيد والمحكيّ عن البهائي(1) ، بل مقتضى سائر التعاريف بناءً على ظهور «ما يكرهه» في ذلك .

وكيف كان : المتبادر من الغيبة اعتبار هذا القيد في مفهومها ، فيكون جميع الأدلّة التي علّق فيها الحكم على عنوانها ظاهرة فيه .

مضافاً إلى ظهور جلّها لولا كلّها - مع الغضّ عمّا ذكر - في اعتباره ، كآية

تحريمها (2) بمناسبة ذيلها ؛ فإنّ الظاهر من أكل لحم الأخ هو ذكره على سبيل الانتقاص . وهو الظاهر من جميع الروايات الواردة بهذا المضمون .

كما هو الظاهر من قوله : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ((3) فإنّ ذكر السوء والجهر به عبارة اُخرى عن التعي-يب سيّما مع استثناء مَن ظلم ، وقوله تعالى : )وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ((4) ، كما عن أهل اللغة والتفسير(5) والمتفاهم منهما عرفاً ، وقوله : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ . . .((6) .

وهو المتفاهم من جلّ الروايات لفظاً وسياقاً وبمناسبات الحكم والموضوع ،

ص: 451


1- تقدّم في الصفحة 427 - 428 .
2- الحجرات (49) : 12 .
3- النساء (4) : 148 .
4- الهمزة (104) : 1 .
5- مجمع البيان 10 : 818 ؛ القاموس المحيط 2 : 198 .
6- النور (24) : 19 .

فراجع ما وردت في حرمتها وما وردت في وجوب ردّها تجد صدق ما ذكرناه(1).

نعم ، هنا بعض روايات يمكن أن يكون منشأ توهّم عدم اعتباره :

منها : رواية [محمّد بن] الفضيل عن أبي الحسن موسى علیه السلام، قال : قلت له : جعلت فداك ، الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه ، فأسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات . فقال لي : «يا محمّد ، كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم ، ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته ، فتكون من الذين قال اللّه : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ (»(2) .

بدعوى : أ نّها في صدد بيان حرمة الغيبة ، ومقتضى إطلاق صدرها أنّ مجرّد ما يوجب شياع الفاحشة حرام وداخل في مفاد الآية .

أو يقال : إن سلِّم عدم كونها في مقام بيان حرمة الغيبة لكنّها في مقام بيان حرمة إذاعة الفاحشة ، ومقتضى إطلاق صدرها حرمة ذكر عيب الغير سواء كان بقصد الانتقاص أم لا ، فيكشف من إطلاق الرواية إطلاق الآية والمعنى المراد منها ، وهو أنّ المراد بإشاعتها مطلق فعل ما يوجب شياعها ، سيّما مع ذكر الآية

ص: 452


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، 154 و156 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، 135 و136 .
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 295 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 295 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 4 .

بنحو التفريع على الرواية، والمتفرّع على شيء يتبعه في الإطلاق والتقييد .

مع إمكان أن يقال بقيام قرينة عقلية على التعميم ، وهي أن لا فائدة في التنبيه

على دخول القاصد لإشاعة الفاحشة في عموم الآية ، وإنّما يحسن التنبيه على أنّ قاصد السبب - أي فعل ما يوجب إشاعة الفاحشة - قاصد لإشاعتها بالحمل الشائع وإن لم يكن قاصداً لها بالحمل الأوّلي . وكيف كان : فمطلق ذكر عيب الغير سواء كان بقصد الانتقاص أم لا بل ولو كان بقصد الترحّم والتلطّف داخل في إطلاق الصدر ، وإطلاقه كاشف عن معنى الآية ، سمّي غيبة أم لا(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ ما رُمناه في المقام هو تحصيل مفهوم الغيبة عرفاً أو ما

يعتبر في عنوانها بدليل شرعي ليترتّب عليه أحكامها الخاصّة ، وقد علمت أنّ الرواية ولو مع استشهادها بالآية قاصرة عن إثبات عنوانها - أنّ إطلاق صدرها لما لم يقصد الانتقاص ممنوع ؛ فإنّ الظاهر من مجموع الرواية سيّما قوله علیه السلام :

«ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته» أنّ النهي متعلّق بذكر عيوبه لشينه وهدم مروءته ، ولا أقلّ من أن يكون ذكره ملازماً له ، ومعه لا ينفكّ قصده عن قصد التعييب ولو بالحمل الشائع .

فلا تشمل ما إذا كان قصده من ذكره عدم التعييب ، بل ذكره عند الطبيب لعلاجه ، وعند الغنيّ للترحّم عليه ، وعند الحاكم لدفع الظلم عنه ؛ لعدم صدق أ نّه شانه وهدم مروءته واغتابه وعابه .

وليس المراد من قصد الانتقاص قصد عنوانه ، ولا من حبّ شيوع الفاحشة

ص: 453


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 326 - 327 .

في الآية حبّ عنوانه جزماً ، بل المراد حبّ شيوع ما هو فاحشة بالحمل الشائع وقصد الانتقاص كذلك .

فلا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر من الرواية : أنّ من ذكر عيب الغير وأذاعه وشانه وهدم مروءته داخل في الآية ، كما لا شبهة في أنّ مفاد الآية ليس إلاّ حرمة إفشاء الفاحشة ، وهو الظاهر عرفاً من قوله : يحبّ أن تشيع الفاحشة في فلان أو في الذين آمنوا . فحينئذٍ يكون ما في الرواية داخلاً في الآية من غير تصرّف فيها .

وأمّا ما اُفيد من القرينة العقلية ومن تفريع الآية على الرواية وتبعيتها في الإطلاق(1) فغير وجيه ؛ لأنّ ذكر الآية إنّما هو لإخافة المكلّف عن العذاب الأليم الموعود لمن يشيع الفاحشة في المؤمن ، لا التنبيه على أنّ قاصد السبب قاصد للمسبّب ، وليس ذكر الآية تفريعاً على نحو سائر التفريعات حتّى يقال : تتبعها في الإطلاق ، بل الظاهر أنّ ذكرها لمجرّد التنبيه على إيعاد اللّه تعالى والتذكير بأنّ

إذاعة عيب الناس موجبة للعذاب الأليم .

والإنصاف أنّ الرواية بعيدة عن إفهام ما ذكر من الوجه العلمي والفنّي .

ومنها : مرسلة ابن أبي عمير(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وصحيحة هشام(3) عنه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعته اُذناه فهو من الذين

ص: 454


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 105 - 106 .
2- تقدّمت في الصفحة 417 .
3- تقدّمت في الصفحة 418 .

قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ . . .(» بالتقريب المتقدّم(1) من أنّ ظاهر إطلاق الصدر شموله لكلّ قول في مؤمن ، ومن إطلاقه يكشف أنّ المراد بالآية معنىً أعمّ ممّا هو ظاهرها ؛ أي مطلق ذكر الغير بالعيب بأيّ قصد كان ، ولا يأتي في هذه الرواية ما في الرواية المتقدّمة وهو دعوى ظهورها في تعييب الناس .

وفيه : أنّ فيها احتمالين : أحدهما : أن يكون المراد بقوله ذلك إلحاق القائل في مؤمن بالآية موضوعاً ، كما هو ظاهر : «فهو من الذين قال اللّه . . .» .

فيدور الأمر حينئذٍ بين التصرّف في ظاهر الآية بما يشمل مطلق الذكر ولولا لحبّ شيوع الفاحشة ولو بالحمل الشائع وحفظ إطلاق الرواية .

وبين القول بقرينية الآية للمراد من قوله : «من قال في مؤمن . . .» بأنّ من اغتاب مؤمناً أو من عيّب مؤمناً فكذا .

ولا شبهة في رجحان الثاني ؛ فإنّه ظهور لفظي حافّ بالكلام مانع عن الإطلاق .

مع أنّ التصرّف في الآية بما ذكر من أبعد التصرّفات بل مناقض لظهورها بخلاف حمل الصدر على الاغتياب والتعييب ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ قوله : «من قال في مؤمن . . .» ظاهر في نفسه فيه فضلاً عن محفوفيته بالآية .

وثانيهما : أن يراد به الإلحاق الحكمي ، وعليه أيضاً لا يراد إلحاق مطلق القول في مؤمن بل بمقتضى المناسبة بين الملحق والملحق به يراد إلحاق اغتياب المؤمن وتعييبه به حكماً .

ص: 455


1- تقدّم في الصفحة 418 .

مضافاً إلى أنّ الإلحاق الحكمي خلاف ظاهر الرواية كما أشرنا إليه .

ومنها : الروايات الواردة في تفسير الغيبة ؛ كرواية عبد الرحمان بن سيابة(1) ، وداود بن سرحان(2) ، وعبداللّه بن سنان(3) ، ومرسلة أبان(4) .

فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قصد الانتقاص وعدمه .

وفيه : أنّ ظاهرها أ نّها بصدد بيان أنّ المستور غيبة دون غير المستور ، لا بصدد بيان أنّ المستور كذلك مطلقاً ، وبعبارة اُخرى: إنّها بصدد بيان حكم آخر ، وهو أنّ ما ستره اللّه غيبة لا ما هو أمر ظاهر ، وأمّا أنّ ما ستره اللّه مطلقاً أو بقيد يكون كذلك فليست في مقام بيانه .

وإن شئت قلت : إنّها ليست بصدد بيان إدخال ما ليس بغيبة عرفاً ولغةً فيها تعبّداً ، بل بصدد بيان إخراج قسم منها عنها ، فلا إطلاق لها في الجهة المنظورة .

وأمّا ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّها «ذكرك أخاك بما يكره»(5) ؛ فالظاهر منه بناءً على البناء للمجهول أنّ الغيبة ذكر السوء ، والمتفاهم منه عرفاً هو تعييب الغير كما هو المتفاهم من قوله تعالى : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ((6) .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 433 .
2- تقدّمت في الصفحة 431 .
3- تقدّمت في الصفحة 435 .
4- تقدّمت في الصفحة 435 .
5- تقدّم في الصفحة 432 .
6- النساء (4) : 148 .

وعلى البناء للمعلوم منصرف إلى التعييب والانتقاص ؛ لأنّ ذكره على غير جهته كذكره عند الطبيب ونحوه لا يكون ممّا يكرهه . ولو فرض نادراً كراهته فالرواية منصرفة عنه .

والإنصاف أنّ اعتبار هذا القيد آيةً وروايةً وعرفاً ممّا لا ينبغي أن ينكر .

انصراف الأدلّة عن الذكر عند النفس بلا سامع

ثمّ إنّ الظاهر انصراف الأدلّة وكلمات الأصحاب واللغويين عن الذكر عند نفسه بلا مخاطب أو سامع .

ودعوى إطلاقها - بتقريب أنّ قوله في تفسير الغيبة : «ذكرك أخاك بما يكره» ، وقوله : «إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته» ونحوهما (1) ، من قبيل قوله : «ذكر اللّه حسن»(2) ؛ فكما لا يعتبر في ذكر اللّه أن يكون عند مخاطب كذلك في المقام، ودعوى أنّ نكتة حرمة الغيبة هي الفساد المترتّب عليها؛ من كشف ستر المؤمن ، وحصول العداوة بين الأحبّة ونحوهما، غير ثابتة؛ لإمكان النهي عنها مضافاً إلى ذلك لحفظ لسان المغتاب - بالكسر - وعدم اعتياده بالفحش والتعييب، وتنزيه نفسه عن التفكّه بأعراض الناس ، فلا مانع من إطلاقها - ممنوعة ؛ ضرورة أنّ المتفاهم من جميع الأدلّة بل وكلمات القوم هو الذكر عند الغير . والقياس

ص: 457


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 432 .
2- الكافي 2 : 497 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 310 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 7 ، الحديث 2 .

بذكر اللّه الذي بين العبد وخالقه مع الفارق ، كما لا يخفى .

والإنصاف أ نّه مع خلوّ الأذهان عن الاحتمالات العقلية والمناقشات العلمية لا ينقدح فيها من الأدلّة إلاّ التعييب عند الناس .

بل الظاهر اعتبار هذا القيد في مفهومها العرفي ؛ فلا يقال لمن ذكر غيره عند نفسه : اغتابه وعابه .

فما أفاده شيخنا الأنصاري : أنّ ظاهر الأكثر دخول ذكره عند نفسه في تعريف الغيبة ، وحكى عن بعض معاصريه التصريح به(1) ، غير ظاهر ؛ فإنّ التعاريف المتقدّمة وكلمات اللغويين منصرفة عنه ، بل بعضها ظاهر في عدم الدخول ، كما أنّ الأدلّة كذلك .

نعم ، مع الغضّ عن الانصراف أو الظهور المذكور فالظاهر الدخول ؛ لما تقدّم من عدم دليل على أ نّها عبارة عن هتك ستر مستور(2) .

أمّا غير رواية داود بن سرحان ؛ أي روايتي ابني سنان وسيابة ورواية يحيى الأزرق فلما تقدّم من أنّ الستر في مقابل الكشف النفسي المطلق لكن بنظر العرف(3) ، فعليه إذا قال في أخيه ما يكون مستوراً عند الناس يكون مشمولاً للموضوع المأخوذ فيها ؛ لصدق أ نّه قال في أخيه وذكر أخاه ، فإنّ الذكر والقول لا يتوقّف صدقهما على وجود سامع ومخاطب .

ص: 458


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 332 .
2- تقدّم في الصفحة 441 .
3- تقدّم في الصفحة 443 .

وأمّا رواية داود وإن اشتملت على البثّ وهو النشر والإذاعة الغير الصادقين على ذكره لدى نفسه ، فربّما يقال : بما أ نّها في مقام التحديد تدلّ على الحصر ، سيّما مع ضمير الفصل وتعريف المسند إليه(1) .

لكن الظاهر أ نّه ليس فيها العناية بعنوان البثّ والنشر ، بل العناية بعنوان ما قد ستره اللّه عليه ، ولهذا ذكر فيها مقدار الستر وهو ما لم يقم عليه حدّ .

وإلاّ كان اللازم منه أن يكون البثّ والإذاعة محرّماً ، وهو لا يصدق مع الذكر عند واحد أو اثنين أو ثلاثة .

وتوهّم أ نّه بدليل آخر ، كما ترى ؛ فإنّها لو كانت في مقام بيان حدّها بجميع جهاتها كانت حاكمة على سائر الأدلّة .

مضافاً إلى أ نّها متعرّضة للأفعال المحرّمة بل ما تكون موجبة للحدّ ، فلو كانت في مقام التحديد من جميع الجهات كان لازمه قصرها بها ومعارضتها لسائر الأدلّة ، وهو كما ترى .

مع إمكان أن يقال : إنّ صدر الرواية غير مذكور فلا يعلم أ نّه سأله ما الغيبة مثلاً ، أو كان سؤاله بنحو لم يفهم منه القصر المدّعى. ويؤيّده إرجاع الضمير المذكّر .

فالقول الفصل هو ما تقدّم من الانصراف والظهور .

ص: 459


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 107 - 108 .
في اعتبار تعيين المغتاب

فهل يعتبر فيها أن يكون المغتاب مذكوراً بنحو التعيين ، فلا يكون ذكر أحد الشخصين بنحو الإبهام غيبة ، فضلاً عن ذكر مبهم في غير محصور ؟

والتفصيل أنّ المذكور بنحو الإبهام كقوله : أحدهما كذا أو واحد من التجّار كذا ، إمّا أن يكون معيّناً بحسب الواقع أو لا ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون معلوماً عند القائل أو عند المخاطب أو عندهما ، أو ليس معلوماً عند واحد منهما .

الظاهر شمول الأدلّة لجميع صور المعيّن واقعاً حتّى المجهول عندهما ؛ فإنّه لو قال : زيد كذا وكذا ، وكان مشتبهاً في غير محصور ، يصدق أ نّه ذكره أخاه بما يكره ؛ فإنّ صدق ذكره لا يتوقّف على عدم كونه من أطراف الشبهة ولا على علم المخاطب والمتكلّم به .

فكما أنّ قوله : لعن اللّه قاتل زيد، لعن عليه ؛ كان في أطراف المشتبه أم لا ، معلوماً لدى القائل أم لا ، كذلك لو ذكره بسوء .

ودعوى انصراف الأدلّة عن بعض الصور ، ناشئة من دعوى أنّ الغيبة عبارة عن هتك ستر مستور كما عليه شيخنا الأنصاري(1) .

فمع عدم مقبولية الدعوى الثانية تدفع الاُولى أيضاً ، وقد تقدّم ما في الثانية .

نعم ، لا شبهة في عدم حرمة غيبة من يكون مشتبهاً مطلقاً أو في غير محصور عند السامع ، فضلاً عن مجهوليته عندهما ، لا لقصور الإطلاقات أو كون الغيبة

ص: 460


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 324 - 325 .

بمعنى كشف الستر ، بل لقيام السيرة على عدم الاجتناب عنها وورود نحوها في الأخبار وآثار الأخيار .

والظاهر أنّ المراد بعدم الحصر ليس ما يقال في أطراف العلم الإجمالي بل الأمر في المقام أوسع .

وأمّا غير المعيّن واقعاً كما لو قال : أحدهما بخيل ، وكانا بخيلين أو كانا غير بخيلين - بناءً على عدم توقّف صدق الغيبة على اتّصاف المغتاب بالمذكور - فهل يكون غيبة بأن يقال : إنّ «أحدهما» صادق على كلّ واحد من المعيّنين بنحو ، ولهذا لو قال : اضرب أحدهما ، يكون ضرب كلّ واحد منهما امتثالاً ، فلو لم ينطبق عليه لما يكون كذلك ، فيصدق عليه أ نّه ذكر أخاه بما يكره ؛ لعدم الفرق بين ذكره تعييناً ، أو أخذ عنوان في موضوع الكلام منطبق عليه ، بل يكون مغتاباً لكلّ منهما لانطباق العنوان عليهما ، تأمّل ، أو لا يكون غيبة ؛ لعدم ذكر هذا بعينه ، ولا ذاك بعينه، بل اغتاب أحدهما لا بعينه وهو غير مشمول للأدلّة ؟

وجهان ، لا يبعد ترجيح عدم الجواز في المحصور ولو بإلغاء الخصوصيات والمناسبات .

ثمّ إنّ هنا مشكلة وهي أ نّه لا شبهة في شمول الأدلّة للاغتياب بنحو العامّ الاستغراقي ، كأن يقال : أهل بلد كذا ، أو طائفة كذائية كذا ، فإنّه ينحلّ إلى ذكر كلّ

واحد من أهل البلد والطائفة .

لكن ورد في روايات كثيرة في أبواب متفرّقة تعييب طوائف وأهل بلدان(1) ،

ص: 461


1- راجع بحار الأنوار 57 : 201 - 240 .

ممّا يكون ظاهرها الاستغراق والعموم والإطلاق .

ويمكن أن يقال : إنّها مع ضعف كثير منها محمولة على محامل ، ككون النظر إلى أهل بلدان وطوائف في تلك الأعصار التي كانت أهاليها من الكفّار أو المخالفين .

أو على أمر اقتضائي ، كقوله في بعض الطوائف : «إنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء»(1) .

أو كانت الصفة ظاهرة فيهم ، كما ورد في طائفة أ نّهم خلق مشوّه(2) . . . إلى غير ذلك من المحامل .

ص: 462


1- علل الشرائع : 393 / 4 ؛ وسائل الشيعة 20 : 83 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ،الباب 31 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 352 / 1 ؛ وسائل الشيعة 20 : 82 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 31 ، الحديث 1 .
الأمر الثاني : فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعمّ
في عدم ضابط عامّ للاستثناء

قال الشهيد في «كشف الريبة» : «اعلم أنّ المرخِّص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصّل إليه إلاّ به ، فيدفع ذلك إثم الغيبة»(1) .

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ ضابط الغيبة المحرّمة كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكّه به أو إضحاك الناس منه ، فأمّا ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير ، والتظلّم وسماعه ، والجرح والتعديل ، وردّ من ادّعى نسباً ليس له ، والقدح في مقالة أو دعوى باطلة خصوصاً في الدين»(2) ، انتهى .

فإن أرادا بما ذكرا من الضابط قصور إطلاق أدلّة الغيبة عن شمول مورد يكون للمغتاب غرض صحيح ، أو انصرافها عنه كما هو محتمل كلام الثاني وإن كان بعيداً عن ظاهر الأوّل .

ففيه منع ؛ لعدم قصور في الآية الكريمة بل سائر الآيات وكثير من الروايات(3) . فلها إطلاق من غير انصراف عن المورد المدّعى .

ص: 463


1- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 31 .
2- جامع المقاصد 4 : 27 .
3- تقدّمت في الصفحة 413 وما بعدها .

كما لا ينصرف أدلّة سائر المحرّمات نحو : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ . . .((1) و)إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .((2) عن موارد الصلاح .

وإن أرادا أنّ مصلحة احترام المؤمن أو مفسدة حرمة الغيبة لا تزاحم سائر المصالح مطلقاً ؛ لكون مصلحة حرمة المؤمن ومفسدة الغيبة ضعيفة لا تقاوم سائر المصالح المزاحمة كما هو ظاهر الشهيد ومحتمل «جامع المقاصد» .

ففيه منع كلّية ذلك ؛ لأنّ الغيبة من كبائر الذنوب كما تقدّم(3) ، وقد علم اهتمام الشارع بتركها من أدلّة الباب والتعبيرات الواردة فيها وفي حرمة المؤمن ، كما هو أحد الطرق إلى كشف أهمّية الأحكام ، فلا شبهة في أنّ مفسدتها أهمّ من كثير من المصالح سواء رجعت إلى المغتاب - بالفتح أو بالكسر - أو غيرهما . نعم ، هو ثابت في الجملة ، فلا بدّ من النظر في الموارد الخاصّة .

وإن أرادا أنّ الدليل قائم على استثناء مطلق موارد يكون للمغتاب فيها غرض صحيح ، فالظاهر فقدان ذلك بهذا العنوان العامّ .

نعم ، وردت روايات وأدلّة في موارد خاصّة ، لكن لا يمكن إلغاء الخصوصية عنها إلى كلّ ذي مصلحة وملاك .

مع أنّ عمدة ما وردت فيها الأدلّة المرخِّصة ، المتجاهر بالفسق والمتظلّم ، والترخيص فيهما ليس للتزاحم وتقديم جانب المقتضى ظاهراً ، فلا وجه لاحتمال إلغاء الخصوصية .

ص: 464


1- المائدة 5: 3.
2- المائدة (5) : 90 .
3- تقدّم في الصفحة 413 .

فالأولى صرف الكلام إلى موارد الاستثناء ، وكذا موارد يقال أو يحتمل أن يقال بترجيح مقتضاها على مقتضى الغيبة بعد ما لم يكن في الباب ملاك كلّي وضابط عامّ ، كما يظهر من العلمين المتقدّمين من دعوى الكلّية .

الأوّل: فيما يستثنى بالأدلّة الخاصّة
استثناء غيبة المتجاهر بالفسق في الجملة

فمن الأوّل : ما إذا كان المغتاب متجاهراً بالفسق ، وهذا في الجملة لا إشكال فيه .

وتدلّ عليه روايات كثيرة ، كالمستفيضة المتقدّمة الدالّة على أنّ الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه(1) ، وأنّ ما يعرفه الناس والأمر الظاهر ممّا فيه فليس بغيبة ؛ فإنّها غير مختصّة بالعيوب الخلقية كالشلل والعور ، كما يظهر من رواية داود بن سرحان(2) ويدلّ عليه إطلاق غيرها .

والمراد بالمتجاهر بالفسق والفاسق المعلن بفسقه أن يتجاهر به بمرأى من الناس وعند جماعة معتدّ بها ، والجهر عند أخصّائه وأصحابه ليس مراداً إلاّ إذا كانوا عدداً كثيراً معتدّاً به .

كما أ نّه ليس المراد التجاهر عند جميع أهل البلد بل إذا جهر بملأ من الناس يصدق أ نّه معلن ومتجاهر ، فإذا شرب الخمر في السوق بمرأى من العابرين

ص: 465


1- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
2- تقدّمت في الصفحة 431 .

يكون متجاهراً فتشمله الروايات :

كقوله : «إذا عرف الناس» و«إذا كان ظاهراً» ومفهوم «ما ستره اللّه عليه ، لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

وحسنة هارون بن الجهم بأحمد بن هارون عن الصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام ، قال : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»(2) .

ورواية أبي البختري عنه عن أبيه علیهما السلام ، قال : «ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوىً مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن بالفسق»(3) .

وما عن المفيد في «الاختصاص» عن الرضا علیه السلام ، قال : «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له»(4) .

وعن القطب الراوندي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثله(5) .

وما عن السيّد فضل اللّه الراوندي بإسناده عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «أربعة ليس غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الكذّاب إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر ، والمتفكّهون بالاُمّهات ، والخارج من الجماعة

ص: 466


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 435 و434 و432 .
2- الأمالي ، الصدوق : 42 / 7 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 176 / 645 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 5 .
4- الاختصاص : 242 .
5- راجع مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .

الطاعن على اُمّتي الشاهر عليها بسيفه»(1) .

وما عن علي علیه السلام : «من قال في أخيه المؤمن ممّا فيه ممّا قد استتر به عن الناس فقد اغتابه»(2) .

إلى غير ذلك ممّا له أدنى دلالة على المقصود :

كموثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال : «من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اُخوّته»(3) .

فإنّ دلالتها على المقصود مبنيّة على أن يكون المفهوم من قوله : «من عامل الناس فلم يظلمهم» وسائر الفقرات ، هو الإيجاب الكلّي حتّى ينطبق على من لم يبال في دينه والمجاهر بالفسق .

وعلى أنّ الجزاء كلّ واحد من الفقرات الأربع مستقلاًّ حتّى يكون مفاد الرواية : «إنّ من جاهر بفسقه لا تحرم غيبته ولم تكمل مروءته . . .» .

وأمّا إن كان المفهوم منها الإيجاب الجزئي ، أو كان الجزاء مجموع الاُمور الأربعة حتّى يكون المفهوم سلب المجموع الصادق على ثبوت بعضها فلا دلالة لها عليه .

ص: 467


1- النوادر، الراوندي : 133 / 171 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 128 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 2 .
2- مستدرك الوسائل 9: 114، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 132، الحديث 5.
3- الكافي 2 : 239 / 28 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 2 .

ودفع الإشكال الأوّل بأنّ شمولها لمطلق الفاسق غير مضرّ بعد خروج غير المعلن بالأخبار والإجماع(1) ، مدفوع بأ نّه موجب لخروج الفرد الشائع الكثير وإبقاء النادر القليل ولو بالنسبة ، تأمّل .

وصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين إلى أن قال : «والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس . . .» .

كذا في «الفقيه»(2) و«الوسائل»(3) ، وفي «الوافي»(4) وعن غيره : «حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه» ، وكذا نقلها الشيخ الأنصاري أيضاً (5) .

وعلى هذه النسخة لا ربط لها بما نحن بصدده .

وأمّا على ما في «الفقيه» فيمكن أن يقال : إنّ المراد بحرمة عثراته وعيوبه على المسلمين حرمة إظهارهما وذكرهما كما يحرم عليهم تفتيش سائر عيوبه .

فإن كان مفهوم قوله : «ساتراً لجميع عيوبه» أ نّه كاشف بجميعها أو بعضها ينطبق على المتجاهر .

ص: 468


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 114 .
2- الفقيه 3 : 24 / 65 .
3- وسائل الشيعة 27 : 391 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 1 .
4- الوافي 16 : 1007 / 16586 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 344 .

لكن الأظهر أنّ المقابل للساتر لجميع عيوبه الذي لا يصدق إلاّ على الساتر عن جميع الناس ، عدم الساتر كذلك ، فينطبق على الأعمّ من المتجاهر . وتخصيصه بالمتجاهر بالدليل يأتي فيه الإشكال المتقدّم ، مع أنّ الالتزام بجواز تفتيش عثرات المتجاهر مشكل .

ورواية علقمة بن محمّد عن الصادق علیه السلام ، وفيها : «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللّه تعالى ذكره داخل في ولاية الشيطان»(1) .

بناءً على ترتّب عدم جواز الاغتياب على كونه من أهل الستر ، فإذا لم يكن كذلك بل كان متجاهراً بذنبه يجوز غيبته .

لكن بعد تسليم كون «من اغتابه» عطفاً على الجزاء وتسليم ترتّب هذه الجملة على «أهل الستر» وتسليم أنّ مقابل أهل الستر المتجاهر بالفسق ، لا تدلّ على المقصود ؛ لأنّ مفادها أنّ من كان كذلك تكون غيبته موجبة للخروج عن ولاية اللّه والدخول في ولاية الشيطان وبانتفائه ينتفي هذا الحكم ؛ أي كون غيبته بهذا الحدّ من العظمة ؛ بحيث يخرج مغتابه عن ولاية اللّه ويدخل في ولاية الشيطان ، ومع انتفائه لا يلزم ثبوت جواز الغيبة .

فهو نظير أن يقال : من شتم فقيهاً يخرج عن ولاية اللّه ، حيث لا يدلّ على

ص: 469


1- الأمالي ، الصدوق : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 27 : 395 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 13 .

جواز شتم غير الفقيه ، بل غاية ما يدلّ انتفاء هذه الخاصّة عند انتفاء الفقاهة .

ثمّ إن كان المستند في جواز غيبة المتجاهر بالفسق مثل حسنة هارون بن الجهم ورواية أبي البختري(1) وما بمضمونهما يشكل الحكم بالجواز بمجرّد الإجهار بفسق .

لاحتمال أن يكون المراد من قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسقه» ، وقوله : «الفاسق المعلن بالفسق» هو الذي لم يستتر فجوره ولا يبالي بظهور كلّ فسق ، سيّما مع ما يقال : إنّ المصدر المضاف يفيد العموم بناءً على أنّ الفسق مصدر أو اسم مصدر وكان بحكمه فيه ، وما يقال : إنّ المفرد المحلّى أيضاً كذلك ، ولا أقلّ أن يكونا بحكم المطلق ، فيكونان مساوقين لقوله : «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه» فإنّ ارتكاب فسق واحد علناً مع الاستحياء عن سائر الفسوق ، لا يوجب إلقاء جلباب الحياء .

وبالجملة : فرق عرفاً بين قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسق» و«الفاسق المعلن بفسق» ، وبين ما في الروايتين ، فإنّ ذلك لا يصدق مع إجهار فسق ما .

لا أقول : إنّ الصدق يتوقّف على إجهار جميع فجوره بنحو الاستغراق وإن كان ذلك مقتضى ما تقدّم من العموم أو الإطلاق ، بل أقول : إنّه يتوقّف على أن لا يعتني بالناس في ذنوبه وألقى جلباب الحياء عن وجهه ، فحينئذٍ تصدق العناوين عليه عرفاً من غير توقّف على الإجهار بالجميع .

نعم ، إن كان المستند فيه المستفيضة المتقدّمة المفسّرة لها كقوله : «هو

ص: 470


1- تقدّمتا في الصفحة 466 .

أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبثّ عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) وغيره ممّا مرّ ، يكون الجهر بفسق ما موجباً لصدق عدم كونه مستوراً وكونه ممّا يعرفه الناس .

الجمع بين الروايات في المقام

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة مثل حسنة هارون بن الجهم وغيرها جواز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به ، لكنّها معارضة بالمستفيضة المتقدّمة تعارض العامّين من وجه .

فإنّ قوله : «الغيبة أن تقول لأخيك ما ستره اللّه عليه» بإطلاقه شامل لمن تجاهر في فسق آخر ، ومع تعارضهما فالترجيح للمستفيضة ؛ لكونها موافقة للكتاب والسنّة المعلومة .

بل يمكن أن يقال بعدم التعارض بينهما ؛ فإنّ العرف ولو بملاحظة ارتكازاته ومناسبات الحكم والموضوع يجمع بين الطائفتين بأنّ المتجاهر يجوز غيبته فيما تجاهر به دون ما استتر به ، ولا ينقدح في الأذهان التنافي بينهما وإن كانت النسبة العموم من وجه .

وإن شئت قلت : إنّ الروايات المفصّلة بين الأمر الظاهر والمستتر أقوى ظهوراً من المطلقات في الإطلاق ، بل لأحد إنكار إطلاقها ، أو دعوى انصرافها إلى الجواز فيما تجاهر به . بأن يقال : إنّ تجويزها كأ نّه معلول هتك عرض نفسه فإذا كان هاتكاً له لا يجب على غيره الكفّ عنه ، دون ما إذا كان مستتراً

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 432 - 433 .

غير هاتك فلا يجوز لغيره هتكه .

وكيف كان : فالأحوط الأظهر عدم جوازها فيما لم يجاهر به ، من غير فرق بين ما كان أدون ممّا جاهر به أو لا ، فما أفاده الشيخ الأنصاري(1) من إلحاق الأدون به غير ظاهر .

وهل تجوز فيما جاهر به في محيط لم يجاهر به وكان متستّراً عنه فيه ؟ الأحوط عدمه .

بل لا يبعد دعوى انصراف الأدلّة عنه ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان ، وبملاحظة الروايات المستفيضة الواردة في الاهتمام بأعراض المسلمين وحرمتها وعدم جواز إذاعة سرّهم واحتقارهم وإهانتهم .

في المراد بالمتجاهر بالفسق

ثمّ المراد بالمتجاهر من كان متجاهراً بالفسق غير مبالٍ عن ظهوره لدى الناس ، فمن جاهر بفسق مع توجيهه لدى الناس بوجه يمكن صحّته ولو بعيداً ، لم يكن متجاهراً جائز الغيبة ولو علم كذبه في محمله ، فضلاً عمّا إذا احتملت صحّته ولو بعيداً .

فلا بدّ في الحكم بالجواز من إحراز كونه متجاهراً بالفسق بما هو فسق ، من غير احتمال الصحّة أو احتمال اعتذاره بعذر غير معلوم الفساد ؛ لما علم من طريق العقل والنقل احترام المسلم والاهتمام بشأنه وأنّ عرضه كدمه لا بدّ فيه من الاحتياط .

ص: 472


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 346 .

ولا يجوز التمسّك بالاُصول في جواز الوقيعة فيه ، بدعوى أ نّه مع احتمال كونه متجاهراً بالفسق تكون الشبهة في العمومات مصداقية ومعها يكون الأصل البراءة ؛ فإنّه مخالف لمذاق الشارع الأقدس ، ولما يستفاد من الأخبار الكثيرة من كثرة الاهتمام بأعراض المؤمنين .

مع أنّ الأصل عدم كونه متجاهراً ، أو عدم تحقّق موضوع الجواز ، فإنّ الجهر به حادث مسبوق بالعدم فيحرز به موضوع حرمتها . نعوذ باللّه من تسويلات الشياطين، وحفظنا وإيّاكم من الوقيعة في أعراض المسلمين .

حكم الفاسق الغير المتجاهر

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة آية ورواية حرمة غيبة الفاسق الغير المتجاهر ولو كان مصرّاً بفسقه ، خلافاً للطريحي في «مجمع البحرين» ، فجوّز غيبته متمسّكاً بعدم عموم في الغيبة من طرقنا، والعمومات كلّها من طرق العامّة ، وبجملة من الروايات الدالّة على اختصاص التحريم بمن يتّصف بصفات مخصوصة ، كصحيحة ابن أبي يعفور ، وموثّقة سماعة بن مهران المتقدّمتين(1) .

بل يظهر منه أنّ الحكم بالجواز معروف ؛ حيث قال : «وبما ذكرناه يظهر أنّ المنع من غيبة الفاسق المصرّ - كما يميل إليه كلام بعض من تأخّر - ليس بالوجه»(2) .

ص: 473


1- تقدّمتا في الصفحة 468 و467 .
2- مجمع البحرين 2 : 136 .

وربّما يؤيّد(1) كلامه ببعض الروايات الضعيفة ، كالمرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :

«لا غيبة لفاسق» أو «في فاسق»(2) .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «قولوا في الفاسق ما فيه كي تحذره الناس»(3) .

وفيه : ما لا يخفى ، سيّما في إنكاره العموم من طرقنا ؛ فإنّ الآيات الكريمة المتقدّمة لا قصور في إطلاقها ، فقوله : )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً((4) مطلق في مقام البيان بلا ريب ، كما أنّ جملة من الروايات التي من طرقنا مطلقة يظهر للمتأمّل المراجع ، ولا ضير في نفي العموم الاصطلاحي ، ومراده أعمّ من الإطلاق .

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور(5) فمع اختلاف النسخ في نقلها ولعلّ الأصحّ نسخة «الوافي» (6) لا تدلّ على جواز غيبته ، بل تدلّ على جواز تفتيش عثراته ، وهو عنوان آخر غيرها . مع أنّ الالتزام بجواز تفتيش عثرات المتجاهر في غاية الإشكال ، مضافاً إلى احتمال أن يكون مقابل ساتر عيوبه كاشف عيوبه أو كاشف بعضها ، وهو منطبق على المتجاهر لا الفاسق المصرّ.

ص: 474


1- مستند الشيعة 14 : 165 .
2- عوالي اللآلي 1 : 438 / 153 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 6 .
3- لم نعثر عليها في المجامع الروائية ، راجع التبيان في تفسير القرآن 9 : 349 ؛ مستند الشيعة 14 : 165 .
4- الحجرات (49) : 12 .
5- تقدّم في الصفحة 468 .
6- تقدّم في الصفحة 468 .

ودلالة موثّقة سماعة(1) مبنيّة على أن يكون كلّ من الجمل الثلاث في الشرط مستقلاًّ ، ويكون المقابل لكلّ جملة إيجاباً جزئياً ، ويكون كلّ جملة من الجمل الأربع في الجزاء مستقلاًّ ولا يكون المجموع جزاءً واحداً، وكلّ ذلك محلّ إشكال.

مع أ نّه على فرض تمامية دلالتها معارضة بحسنة داود بن سرحان بل وروايتي عبد الرحمان بن سيابة(2) وغيرها ، والترجيح لهذه الطائفة لموافقتها للكتاب، أو المرجع إطلاقه .

وبهذا يظهر الكلام في سائر الروايات المتشبّث بها ، مضافاً إلى ضعفها .

فالأقوى عدم جواز غيبة الفاسق ولو كان مصرّاً بفسقه .

وربّما يتمسّك لجواز غيبة الفاسق أو المتجاهر برواية ابن أبي يعفور بطريق الشيخ وهو ضعيف ، وفيها : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه . . .»(3) .

وهي كما ترى أوجبت الغيبة في ترك المستحبّ أو فعل الحرام إن كان الإعراض حراماً .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ مفادها غير المطلوب ؛ لعدم التزامهم بوجوب غيبة الفاسق أو المتجاهر - أ نّها محمولة على المورد الذي كان الإعراض عن

ص: 475


1- تقدّمت في الصفحة 467 .
2- تقدّمت الروايات في الصفحة 431 و433 - 434 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 241 / 596 ؛ وسائل الشيعة 27 : 392 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 2 .

جماعة المسلمين مخالفة لإمام المسلمين أو في مظنّتها .

ولعلّ الحكم سياسي ؛ لأنّ الظاهر أنّ الإعراض عن جماعة المسلمين في عصر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أو ما قاربه كان إعراضاً عن والي المسلمين ومظنّة للتوطئة على ضدّ الإسلام ، وفي مثله يجب على المسلمين الوقيعة في المعرض وهجرانه ونحو ذلك .

وما ذكر وإن لا يلائم بعض فقرات الحديث لكن لا محيص عنه . هذا مع أ نّه منقول بطريق صحيح مع خلوّه عن هذه الزيادة(1) .

استثناء تظلّم المظلوم

ومنه تظلّم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متستّراً به . وهو في الجملة ممّا لا إشكال فيه بل جوازه في الجملة من الواضحات ؛ ضرورة أنّ نصب الوالي والقاضي في البلاد من قبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام

للانتصاف من الظالم ورفع الظلم عن المظلوم وعدم تضييع حقوق الناس ، ولا زال رفع الناس أمرهم وشكواهم إلى ولاة الأمر والقضاة من غير نكير .

وقد رفع الأنصاري شكواه من سمرة بن جندب إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم واغتابه عنده في دخوله في داره بلا استئذان ومع كون نسوته على حال غير مناسب لدخوله عليهنّ ، ولم يمنعه عن اغتيابه وذكره بالسوء(2) ، تأمّل .

ص: 476


1- الفقيه 3 : 24 / 65 ؛ وسائل الشيعة 27 : 391 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 425 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 1 و3 .

ورفع الناس أمرهم وشكواهم إلى أمير المؤمنين علیه السلام إلى ما شاء اللّه (1) .

بل رفع الأمر إلى الولاة والقضاة في دفع الظلامة مستلزم غالباً لاطّلاع حواشيهما وأصحابهما عليه ولم يعهد المنع منه .

وقد أوجب اللّه تعالى أداء الشهادة وحرّم كتمانها (2) ، وهو مستلزم في كثير من الموارد لكشف ستر الناس واغتيابهم . وهذا القدر ممّا لا شبهة في جوازه .

إنّما الكلام والإشكال في جوازها مطلقاً عند الحاكم وغيره للانتصاف من الظالم أو لا ، وفي مورد الظلامة وغيره في سائر عيوبه ، إلى غير ذلك من الموارد المشتبهة التي لا بدّ من التماس دليل على تسويغها .

وقد استدلّ(3) على المطلوب بل على إطلاقه باُمور :

منها : قوله تعالى : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللّه ُ سَمِيعاً عَلِيماً((4) .

والاستدلال به لأصل المطلوب يتوقّف على كون الاستثناء متّصلاً وكون الاستثناء من الجهر بالسوء ، وكان تقديره: لا يحبّ اللّه الجهر إلاّ جهر من ظلم ، فيكون بقرينة الاستثناء في مقام بيان الجهر بالسوء ، فيؤخذ بإطلاقه لأنواع الجهر بالسوء ، كالشتم والدعاء بالسوء والغيبة .

ويتوقّف إطلاق المطلوب على إحراز كونه في مقام بيان عقد الاستثناء أيضاً .

ص: 477


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 281 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 21 .
2- البقرة (2) : 283 ؛ المائدة (5) : 106 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 347 .
4- النساء (4) : 148 .

ويمكن الخدشة في جميع ذلك ؛ لعدم دافع لاحتمال كون الاستثناء منقطعاً ، سيّما مع عدم إمكان استثناء )مَنْ ظُلِمَ( من ظاهر الكلام فيحتاج إلى تقدير .

وما يقال : إنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال، إن لم يرجع إلى ظهور في الكلام لا يتّبع .

ويشكل دعوى الظهور في المقام بعد كون الاتّصال متوقّفاً على التقدير وهو خلاف الأصل أيضاً .

وقد حكي عن ابن الجنّي أ نّه منقطع(1) ، وعن ابن عبّاس وجماعة اُخرى قراءة )مَنْ ظلمَ( معلوماً (2) وعليه يكون منقطعاً ويكون المعنى : لكن مَن ظَلَم

لا يخفى أمره على اللّه تعالى ، بقرينة )سَمِيعاً عَلِيماً( أو كان التقدير : لكن من ظلم جهر بظلامته ومن ظلم جهر بظلمه .

وعدم دليل على أنّ الاستثناء يكون من الجهر، والتقدير : إلاّ جهر من ظلم ؛ لاحتمال كون التقدير في المستثنى منه ويكون التقدير: لا يحبّ اللّه الجهر من أحد بالسوء إلاّ من ظلم ، أو جهر أحد إلاّ من ظلم ، فيكون في مقام بيان الأشخاص لا الأقوال كما هو ظاهر عبارة «تفسير القمّي»(3) .

فكأ نّه قال : لا يجوز من أحد الجهر إلاّ ممّن ظلم ، وأمّا أنّ كلّ جهر لا يجوز فلا إطلاق لإثباته ، بل في مقام الإهمال من هذه الجهة ، فلا تدلّ الآية على حرمة الغيبة حتّى يتشبّث بالاستثناء لتجويزها ، ولو سلّم الإطلاق في

ص: 478


1- اُنظر مجمع البيان 3 : 201 .
2- نفس المصدر .
3- تفسير القمّي 1 : 157 .

المستثنى منه كما لا تبعد دعوى الفهم العرفي على تأمّل ، فلا يسلّم في المستثنى ؛ لعدم إحراز كونه في مقام البيان فيه .

فلو دلّت على أنّ كلّ من ظلم يجوز له الجهر بالسوء لا تدلّ على جواز التقوّل بكلّ سوء والإجهار بكلّ قول وعند كلّ أحد ومع معلومية الظالم وذكره باسمه ؛ لعدم إطلاق في عقد الاستثناء .

كما لعلّه يشهد له ما روي في «مجمع البيان» عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «في معناه أقوال : أحدها : لا يحبّ اللّه الشتم في الانتصار إلاّ من ظلم ، فلا بأس له

أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين ، عن الحسن والسدي ، وهو المرويّ عن أبي جعفر علیه السلام . ونظيره : )وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا((1) . قال الحسن : ولا يجوز للرجل إذا قيل له يا زاني أن يقابل له بمثل ذلك من أنواع الشتم»(2) ، انتهى .

وهو مبنيّ على عدم إطلاق فيها لا في المستثنى منه ولا في المستثنى .

نعم ، ظاهر رواية العيّاشي عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ( قال : «من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم

فهو ممّن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه»(3) .

ورواية الطبرسي في مجمعه عنه علیه السلام في قوله تعالى : «إنّ الضيف ينزل

ص: 479


1- الشعراء (26) : 227 .
2- مجمع البيان 3 : 201 .
3- تفسير العيّاشي 1 : 283 / 296 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 6 .

بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله»(1) .

إطلاق الآية وشمولها لأنواع الظلم وجواز غيبة الظالم مطلقاً .

لكنّهما مع ضعفهما معارضتان بما عن أبي جعفر علیه السلامآنفاً ، فإنّ الظاهر منها عدم جواز غيبة الظالم ، وإنّما يجوز الانتصار منه بما يجوز في الدين ، تأمّل .

ومنها : قوله تعالى : )وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى اْلأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ((2) .

وهو أوضح دلالة وأشمل مفاداً من الآية المتقدّمة ، سواء كان المراد من الانتصار طلب النصر كما هو أحد معانيه ؛ يقال : انتصر على خصمه إذا استظهر ، أو الانتقام من الظالم(3) .

أمّا على الأوّل فلأنّ مقتضى إطلاقه جواز الاستنصار وطلب النصر من كلّ من يرجو منه ذلك ، والياً كان أو غيره . ولازمه جواز ذكر مساءة الظالم وغيبته عند من يرجو منه النصر ، كان الظالم متجاهراً أم لا ، والسامع عالماً بمساءته أم لا .

وأمّا على الثاني فلأنّ جواز الانتقام من الظالم مستلزم لجواز الانتصار من الغير ، وإلاّ فقلّما يكون المظلوم بنفسه يمكنه الانتقام من ظالمه ، والانتصار ملازم

لذكر مساءة الظالم كما مرّ ، ولا أقلّ من أنّ إطلاق الانتصار يقتضي جواز انتقامه بمعاونة الغير كعشيرته وقبيلته إذا لم يمكنه بنفسه وهو ملازم للغيبة .

ص: 480


1- مجمع البيان 3 : 202 .
2- الشورى (42) : 41 - 42 .
3- المنجد : 812 .

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر الآية جواز إعانة الغير إذا استعانه المظلوم لدفع ظلامته والانتقام من الظالم ، فإذا جاز للمظلوم الانتقام من الظالم وتوقّف نوعاً على الاستعانة بغيره كعشيرته وأحبّته وغيرهما جاز لهم نصره بظاهر الآية ولو بملازمة عرفية .

نعم ، لا يجوز لهم التعرّض للظالم بأغراضهم لا لكونهم آلة ووسيلة للانتقام للمظلوم . هذا على المعنى الثاني ، وأمّا على المعنى الأوّل فالأمر أوضح .

وربّما يقال : أن لا إطلاق في الآية من جهة كيفية الانتصار ، بل هي بصدد بيان أنّ لكلّ مظلوم يجوز الانتصار(1) ، والمتيقّن منه جواز الاستنصار من الوالي والقاضي .

وفيه : أنّ الآية سيقت لبيان جواز الانتصار بعد الظلم مقابل الظلم الابتدائي ، فلا إشكال في إطلاقها من هذه الحيثية .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان عدم السبيل للمظلوم دون الظالم ، وبيان صرف مقابلتهما ، فلا إطلاق فيها من جهة كيفية الانتصار .

لكنّه أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّها بصدد بيان الجملة الاُولى كما تشهد به الآيات المتقدّمة عليها وإنّما ذكرت الجملة الثانية تطفّلاً .

وعلى ما قرّرناه يمكن الاستدلال عليه بمثل قوله : )فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ((2) ، وقوله : )وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ((3)

ص: 481


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 308 - 309 .
2- البقرة (2) : 194 .
3- الشورى 42 : 39 .

على كلام وتأمّل وإشكال .

وربّما يقال : إنّ تجويز الانتصار والانتقام للمظلوم بنفسه من الظالم يوجب الهرج والمرج ، وإنّما نصب الوالي والقاضي للانتصاف والانتصار وتنظيم اُمور الناس ، ومعه كيف يطلق ذلك للناس بأنفسهم ؟

لكنّه اعتبار ضعيف مخالف للإطلاق بل والاعتبار الصحيح ، وقد وقع نظيره في الشرع كتجويز التقاصّ للدائن(1) ، وتجويز الدفاع عن النفس والعرض والمال(2) ، ودفع المشرف على بيت الرجل(3) ، وقتل من سبّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو أحد

الأئمّة علیهم السلام(4) . . . إلى غير ذلك .

فهل ترى من نفسك وجوب القعود عن دفع السارق المهاجم على عرض الرجل وماله وعدم جواز دفعه ثمّ بعد فعله ما فعل يقال للمظلوم : لك الرجوع إلى المحاكم الصالحة ؟ ! وبالجملة لا وجه للاستبعاد بعد قيام الدليل .

وأمّا المؤيّدات التي ذكرها الشيخ الأنصاري كدليل نفي الحرج ، وأنّ في تشريع الجواز مظنّة الردع ، وغيرهما (5) فلا يخفى ما فيها؛ من عدم صلاحيتها للخروج عن إطلاق أدلّة التحريم كما اعترف به .

ص: 482


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 272 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 83 .
2- راجع وسائل الشيعة 15 : 119 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 46 .
3- راجع وسائل الشيعة 29 : 66 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 25 .
4- راجع وسائل الشيعة 28 : 211 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ القذف ، الباب 25 و27 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 348 .
عدم استثناء غيبة تارك الأولى

كما لا يجوز غيبة من ترك الأولى بالنسبة إلى شخص ، كما لو ترك بعض مراتب الضيافة ما لم يصل إلى الهتك والتحقير والإهانة ، أو استقضى حقّه وكان الأولى تركه ، فضلاً عن تارك الأولى الذي غير مربوط به كالغيبة في ترك المستحبّ ونحوه .

وإن أمكن الاستدلال على الجواز بروايات :

منها : ما عن «تفسير العيّاشي» عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ( ، قال : «من أضاف قوماً فأساء

ضيافتهم فهو ممّن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه»(1) .

وقريب منها باختلافٍ مرسلة الطبرسي(2) .

بأن يقال : إنّ الأمر دائر بين أحد التصرّفين :

إمّا التصرّف في الرواية وحمل إطلاقها على ما إذا ظلم المضيف ضيفه، وحفظ ظهور عنوان الظلم في الآية ، فإنّ إساءة الضيافة أعمّ من وقوعها على نحو الظلم .

أو التصرّف في الآية وحمل الظلم فيها على الأعمّ ممّا هو المتفاهم عرفاً، وحفظ إطلاق الرواية .

والثاني أولى ؛ لأنّ ظهور المفسّر حاكم على المفسّر - بالفتح - بل الظاهر من

ص: 483


1- تقدّم في الصفحة 479 .
2- تقدّمت في الصفحة 479 - 480 .

قوله : «فهو ممّن ظلم» الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي ، وإلاّ فمفهوم الظلم غير محتاج إلى البيان ، فالرواية بلسانها مفسّرة للآية ومنقّحة للموضوع أو ملحقة لمطلق الإساءة في الضيافة بالظلم ، ويتمّ المطلوب بدعوى إلغاء الخصوصية عن الضيافة وإسراء الحكم إلى سائر ما يكون إساءة ولو بنحو ترك الأولى .

والحمل على مورد الظلم حتّى يكون قوله : «فهو ممّن ظلم» من توضيح الواضح فبعيد .

لكن الخروج عن الأدلّة المحكمة بمثل هذه المرسلة الضعيفة غير ممكن ، مع إمكان أن يقال : إساءة الضيافة أخصّ من ترك الأولى ، بل لعلّها لا تنطبق إلاّ على الضيافة بنحو توهين وتحقير، وهو ظلم وليس تطبيقه على ذلك توضيح الواضح.

ومنها : رواية حمّاد بن عثمان ، قال : دخل رجل على أبي عبداللّه علیه السلامفشكا

إليه رجلاً من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكوّ ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما لفلان يشكوك ؟» فقال : يشكوني أ نّي استقضيت منه حقّي . قال : فجلس أبو عبداللّه علیه السلام مغضباً ثمّ قال : «كأ نّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ؟ ! أرأيتك ما

حكى اللّه عزّ وجلّ : )وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ( أترى أ نّهم خافوا اللّه أن يجور عليهم ؟ لا واللّه ، ما خافوا إلاّ الاستقضاء فسمّاه اللّه عزّ وجلّ سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء» .

كذا في «الوسائل»(1) ، و«الكافي» على نقل المجلسي في «مرآة العقول» ،

ص: 484


1- وسائل الشيعة 18: 348، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، الباب 16 ، الحديث 1.

لكنّه قال : وفي بعض النسخ القديمة بالصاد المهملة في الموضعين(1) .

وفي «الوافي» عن «الكافي» و«التهذيب» بالصاد المهملة في جميع المواضع(2) .

أقول: وأظنّ كونه بالضاد المعجمة في الموضعين الأوّلين ؛ لأنّ الدائن في مقام الدفاع عن الشكوى لا يناسب أن يقرّ بالاستقصاء وسوء المطالبة ، بل المناسب أن يقول : إنّي استقضيت حقّي فلا وجه لشكواه، وقول أبي عبداللّه علیه السلام : «كأ نّك إذا استقضيت» يناسب المعجمة طبقاً لمقالة الدائن . ثمّ لمّا كان الاستقضاء على كيفيتين : إحداهما بلا استقصاء وثانيتهما معه ، قال أبو عبداللّه علیه السلام : لم يكن كلّ استقضاء غير سوء ، بل منه ما ينطبق عليه سوء الحساب وهو الاستقصاء فيه ، فمن استقصى فقد أساء . فالمناسب للموضع الأخير بل لما قبله المهملة ، ويؤيّده أنّ مطلق الاستقضاء ليس إساءة، كما هو واضح .

وكيف كان : لا دلالة للرواية على المقصود ؛ أي جواز الغيبة في ترك الأولى ؛

لأنّ الشكوى إن كان بمعنى تظلّم المظلوم وذكر سوء ما فعل به كما فسّر به في اللغة(3) ، فالظاهر منه كون المطالبة كانت مقرونة للظلم كالإهانة والتحقير وغيرهما ، فتدلّ على جواز غيبة الظالم عند مثل أبي عبداللّه علیه السلام الذي يرجى منه دفع الظالم وظلمه سيّما أنّ المشكوّ كان من أصحابه .

وإن كان أعمّ فلا دلالة فيها على أنّ الشاكي اغتابه ؛ لإمكان الشكوى

ص: 485


1- مرآة العقول 19 : 54 .
2- الوافي 18 : 801 / 18332 .
3- لسان العرب 7 : 180 ؛ المنجد : 399 .

عنه بما لا يرجع إلى الانتقاص والغيبة .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من سياق الرواية وغضب أبي عبداللّه علیه السلام وتطبيق الآية أنّ مطالبته كانت بوجه منطبق عليه عنوان الظلم ، كالاستقصاء من الفاقد، الموجب لخجلته وهتكه .

وممّا ذكرناه من معنى الشكاية والاحتمالين فيها يظهر النظر في الاستدلال بمرسلة ثعلبة بن ميمون عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : كان عنده قوم يحدّثهم إذ ذكر رجل منهم رجلاً فوقع فيه وشكاه ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «وأ نّى لك بأخيك كلّه ؟ وأيّ الرجال المهذّب ؟»(1) .

نعم ، ظاهر «وقع فيه» أ نّه اغتابه ، فقوله : «شكاه» يصير ظاهراً حينئذٍ في تظلّمه وذكر سوء ما فعل به .

ولا يدلّ ذيله على أنّ شكواه كان في ترك الأولى ؛ لأنّ حقوق الاُخوّة بين واجبات ومستحبّات ، وترك شيء منهما مخالف للاُخوّة وكون الرجل مهذّباً .

نعم ، لا يخلو نحو تعبيره من إشعار بترك الأولى لكنّه لا يصل إلى حدّ الدلالة والظهور المتّبع .

مضافاً إلى عدم دليل على أنّ الرجل المذكور عنده كان معروفاً لدى الحضّار ،

فلعلّه شكا رجلاً مجهولاً للتشفّي أو لدعاء أبي عبداللّه علیه السلام له في دفع صنيعته به أو لعلّه كان متجاهراً بالفسق والظلم .

ص: 486


1- الكافي 2 : 651 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 56 ، الحديث 1 .
الثاني: فيما لا يكون من قبيل الاستثناء بل كان من باب التزاحم

ومن الثاني ؛ أي ما لا يكون من قبيل الاستثناء وكان من باب التزاحم أو يحتمل فيه ذلك ، موارد كثيرة ذكرها القوم .

وجملة القول فيها أ نّه لا بدّ في الحكم بالجواز في كلّ مورد من إحراز كونه من باب التزاحم بإحراز المقتضي والملاك في الطرفين ، وإحراز أهمّية مقتضي المقابل لعنوان الغيبة عن مقتضيها أو إحراز التساوي بينهما أو احتمال الأهمّية أو التساوي في مقتضي المقابل لها ، وعدم احتمال الأهمّية في الطرف؛ أي في مقتضي الغيبة مع فقد احتمالها في مقابلها .

فحينئذٍ يحكم العقل بجواز ارتكابها ، لا لما أفاده الشيخ الأنصاري ومن تبعه

من تبعية الحكم لأقوى المصلحتين وعدم حرمة الغيبة شرعاً في مورد أهمّية الغير(1) ، فإنّه خلاف التحقيق في باب التزاحم في مقام الامتثال .

والتحقيق : أنّ الحكمين المتزاحمين في مقامه بقيا على فعليتهما مطلقاً ، إلاّ أنّ العقل يحكم بمعذورية الفاعل والمكلّف عن ترك المهمّ بالاشتغال بالأهمّ أو ترك أحد المتساويين بالاشتغال بالآخر .

فترك الحكم الفعلي ومخالفته قد يكون لعذر ، فلا يعاقب عليه ، وقد يكون لا لعذر ، فيعاقب عليه . ولهذا لو ترك المتزاحمين فيما يمكن له تركهما استحقّ العقوبة على ترك كلّ واحد لمخالفته الحكم الفعلي بلا عذر مع قدرته على إتيانه.

ص: 487


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 351 و358 .

والتفصيل ورفع الإشكالات المتوهّمة يطلب من محلّه(1) .

وعلى ما ذكرناه من فعلية المتزاحمين لا بدّ في ارتكاب كلّ من إحراز العذر فيه ، ومع احتمال الأهمّية في أحدهما يكون ارتكابه بعذر محرز دون مقابله؛ لعدم إحرازه فيه .

ثمّ إنّ إحراز الأهمّية في الموارد الخاصّة أو احتمالها قد يكون بحكم العقل كأهمّية دم المؤمن من الوقيعة فيه ، وقد يكون بالنقل كما لو دلّت الأدلّة على أنّ فلاناً أشدّ من فلان ، أو يحرز من اهتمام الشارع بشيء أكثر من الآخر بحسب لسان الأدلّة وكيفية التعبير فيها أو بعدّه في الكبائر دون الآخر ، إلى غير ذلك .

جواز الغيبة في نصح المستشير

ثمّ إنّهم تعرّضوا لموارد لا بأس بذكر مورد منها؛ لورود روايات فيها ، وهو نصح المستشير .

وجوازها في مورده بنحو الإجمال والإيجاب الجزئي ثابت ، كما لو اُحرز في مورد أهمّية النصح من الوقيعة في المؤمن ، كما لو فرض أنّ في تركها يبتلى المؤمن بمفسدة عظيمة ، بل في بعض الموارد يجب النصح ولو لم يستشره، ولعلّه مراد الشيخ الأنصاري أيضاً (2) وإن أوهم ذيل كلامه بخلافه .

وكيف كان : لا بدّ في الحكم بجوازها في مطلق موارد النصح ، أو مطلق نصح المستشير من إحراز وجوب النصح مطلقاً ، أو مع الاستشارة وعدم جواز ردّ

ص: 488


1- راجع مناهج الوصول 2 : 15 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 352 .

الاستشارة وترك النصح ولو بالسكوت ، وإحراز كونهما من باب التزاحم وإحراز أهمّية النصح من الوقيعة في المؤمن أو احتمالها على نحو ما تقدّم .

وأمّا لو كان بين الدليلين التعارض فالظاهر عدم جواز الغيبة ، سواء قلنا باندراج العامّين من وجه في باب العلاج أم لا ؛ لأنّ عموم الكتاب مرجّح لأدلّة حرمة الغيبة على الأوّل ، ومرجع مع سقوط الدليلين على الثاني .

ولا تعارض الأخبار الكتاب وإن كان بينهما عموم من وجه ، ولا يسقط العامّ الكتابي بالمعارضة معها ؛ لأ نّه مع كونه مخالفاً لارتكاز المتشرّعة ولبناء الفقهاء

ظاهراً يمكن استفادته من أدلّة العلاج كرواية الميثمي(1) وغيرها .

وإن شئت قلت : إنّ الأخبار الواردة بأنّ «ما خالف قول ربّنا زخرف» أو «باطل» أو «لم نقله»(2) شاملة للعامّين من وجه في مورد تعارضهما ، وإنّما الخارج منها ما يكون بينهما جمع عرفي . ومعه يخرج موضوعاً عن مخالفته في محيط التشريع على ما ذكرناه في ميزان المعارضة ومحلّها ومحطّها (3) .

ولو قيل : إنّ الحكم في المتعارضين متعلّق بالطبائع والعناوين ، والتعارض بينهما بالعرض ، وهو خارج عن الأدلّة الدالّة على أنّ ما خالف قول ربّنا كذا .

قلنا : - مضافاً إلى أنّ الظاهر دخوله فيها ولو بإلغاء الخصوصية أو المناط القطعي - إنّه لو سلّم ذلك لكن المستفاد من الأدلّة - ولو بمناسبات - أنّ الخبر

ص: 489


1- وسائل الشيعة 27: 113، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 21.
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 110 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 12 ، 14 ، 15 و48 .
3- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 7 .

لا يعارض الكتاب ولا يسقط عموم الكتاب بمعارضته ، فلاحظ .

نعم ، الظاهر أنّ المورد من باب تزاحم المقتضيين وتحقّقه في كلّ من العنوانين مطلقاً .

في وجوب نصح المستشير

لكن الشأن في أصل وجوب نصح المستشير أو نصح المؤمن مطلقاً ، وعلى فرض وجوبه في أهمّيته من الغيبة ، وفي كليهما نظر :

أمّا الأوّل فلعدم الدليل عليه إلاّ روايات قاصرة الدلالة عن إثباته :

كصحيحة عيسى بن أبي منصور عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه»(1) .

ونحوها صحيحة الحذّاء(2) ، وصحيحة معاوية بن وهب(3) .

والظاهر منها ثبوت حقّ للمؤمن على المؤمن ، فإنّ الظاهر من «يجب له عليه» ثبوته عليه .

وأمّا كون ذلك شرعاً على نحو الوجوب والإلزام فلا دلالة عليه ، فهو كسائر الحقوق الثابتة للمؤمن على المؤمن ، ومادّة الوجوب لو كانت ظاهرة في

ص: 490


1- الكافي 2 : 208 / 1 ؛ وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 2 .

الوجوب الاصطلاحي لكن في مثل هذا التركيب ظاهرة في الثبوت ، ففرق بين قوله : وجب عليه كذا، وقوله : وجب للمؤمن على المؤمن كذا ، فإنّ الثاني غير ظاهر في الإلزام ، مع أنّ ظهور المادّة في الوجوب مطلقاً محلّ كلام .

وكرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه»(1) .

وفي دلالتها على الوجوب بعد الغضّ عن ضعف سندها (2) نظر ؛ لأ نّها في مقام بيان مقدار النصيحة وكيفيتها بعد الفراغ عن حكمها فلا تدلّ على وجوبها .

ورواية تميم الداري الضعيفة ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «الدين نصيحة». قيل: لمن يا رسول اللّه، قال: «للّه ولرسوله ولأئمّة الدين ولجماعة المسلمين»(3).

وأنت خبير بعدم دلالتها على الوجوب بل سياقها سياق الاستحباب .

وهنا طائفة اُخرى بلسان آخر :

كموثّقة سماعة ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أيّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله»(4) . ونحوها روايات(5) .

ص: 491


1- الكافي 2 : 208 / 4 ؛ وسائل الشيعة 16 : 382 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 4 .
2- ضعيفة بعمرو بن شمر ، راجع تنقيح المقال 2 : 332 / السطر 22 (أبواب العين) .
3- الأمالي ، الطوسي : 84 / 125 ؛ وسائل الشيعة 16 : 382 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 7 .
4- الكافي 2 : 362 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 383 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 36 ، الحديث 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 16 : 383 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 36 .

وهي لا تدلّ على وجوب النصيحة مطلقاً أو عند الاستشارة ، بل على أ نّه لو مشى في حاجته يجب عليه نصحه . وأمّا وجوب المشي في حاجته أو وجوب نصيحته فلا ، ولعلّه مع علمه بابتلائه بالمعصية كالغيبة لا يجوز له المشي فيها .

وكذا ما ورد في خصوص المستشير ، كقوله : «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه اللّه لبّه»(1) .

فلا يدلّ على الوجوب بل ظاهره الاستحباب .

مع أنّ ما وردت في نحو هذا المساق ممّا لوحظ فيها حال جماعة المسلمين وجمعيتهم لا إطلاق فيها لحال وقوع ضرر أو حرج أو هتك ونحوها على بعض آخر من المسلمين .

فوجوب نصح المسلم على فرضه حكم حيثي لا إطلاق له لحال إيقاع هتك لمسلم آخر بعد كون الملحوظ فيه حال المؤمنين وعدم ترجيح بعض على بعض.

ثمّ لو سلّم دلالتها على الوجوب وإطلاقها ومزاحمة المقتضيين لكن الظاهر من أدلّة الغيبة ومثل التعبيرات الواردة فيها أنّ ملاكها أقوى من ملاك النصح ، ولا أقلّ من أنّ ذلك الاهتمام صار موجباً لاحتمال أهمّية ملاكها . فالأقوى ملاحظة الموارد ؛ ففي كلّ مورد تحرز أهمّية النصح أو تحتمل كما أشرنا إليه يحكم بجوازها دون مطلق الموارد .

وممّا ذكرناه وفصّلناه يظهر حال سائر الموارد التي استثني منها ، فلا داعي لتطويل الكلام بذكرها ، واللّه الهادي .

ص: 492


1- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 70 ؛ وسائل الشيعة 17 : 208 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 49 ، الحديث 1 .
الأمر الثالث حرمة استماع الغيبة

يحرم استماع الغيبة بلا خلاف ، كما في «الجواهر»(1) و«مكاسب» شيخنا المرتضى(2)، وإن قال في «مفتاح الكرامة»: «إنّ الأصحاب تركوا ذكره لظهوره»(3).

وتدلّ عليه جملة من الروايات :

كالنبوي المعروف المنقول عن تفسير أبي الفتوح الرازي أ نّه قال : «السامع للغيبة أحد المغتابين»(4) .

وقال الشهيد في «كشف الريبة» : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «المستمع أحد المغتابين» . وقال علي علیه السلام : «السامع للغيبة أحد المغتابين»(5) ، انتهى .

وعن الغزالي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «المستمع أحد المغتابين»(6) .

وفي خبر المناهي : «نهى عن الغيبة والاستماع إليها»(7) .

ص: 493


1- جواهر الكلام 22 : 71 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 359 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 219 .
4- روض الجنان وروح الجنان 18 : 37 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 133 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 7 .
5- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 21 .
6- إحياء علوم الدين 3 : 214 .
7- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

وعن «جامع الأخبار» : وقال صلی الله علیه و آله وسلم : «ما عمِر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا (1) أسماعكم من استماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم»(2) .

وهذه إن كانت من مرسلات الصدوق فلا تخلو من اعتبار ، ولكن من المحتمل بل الظاهر أن تكون عطفاً على قوله : عن سعيد بن جبير ، فتكون من غير المرسلات المعتمدة .

وعن كتاب «الروضة» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك»(3) .

وعن الشيخ المفيد في «الاختصاص» : وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه نظر إلى رجل يغتاب رجلاً عند الحسن علیه السلام ابنه ، فقال : «يا بنيّ ، نزِّه سمعك عن مثل هذا ، فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك»(4) .

كذا في «المستدرك» في باب تحريم اغتياب المؤمن(5) ، ولكن فيه في باب

ص: 494


1- كذا في الطبعة الحجرية من المستدرك 2 : 106 ، الحديث 32 ، ولكن في الطبعة الجديدة ، فنزّهوا .
2- جامع الأخبار : 413 / 1146 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 32 .
3- مستدرك الوسائل 9 : 133 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 6 .
4- الاختصاص : 225 .
5- مستدرك الوسائل 9 : 114 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 9 .

وجوب ردّ غيبة المؤمن : وفي «الاختصاص» : «قال :نظر أميرالمؤمنين علیه السلام . . .»(1) .

والظاهر أنّ أصل الرواية ما في باب الاغتياب وإنّما أسقط عنها في الباب المتأخّر ، فتكون مرسلة غير معتمدة ؛ لعدم انتسابه إلى الإمام علیه السلام

جزماً .

بل الظاهر أنّ إرسال المفيد جزماً غير إرسال الصدوق كذلك - حيث لا نستبعد الاعتماد على مرسلاته - لأنّ المفيد كان من أهل النظر والاجتهاد ، ولعلّ انتسابه جزماً مبنيّ على اجتهاده ، بخلاف طريقة الصدوق وأبيه .

وكيف كان : ليست المرسلة معتمدة . مع أنّ في متنها إشكالاً ؛ لأنّ نهيه علیه السلام

ابنه علیه السلام إن كان من استماع الغيبة المحرّمة - والعياذ باللّه - كانت الرواية

مخالفة لاُصول المذهب ؛ ضرورة أنّ الحسن بن علي علیه السلام لا يستمع إليها . وإن كان من الاستماع الجائز فلا تدلّ على المقصود ، فهي مطروحة أو غير دالّة .

وعن الشيخ ورّام بن أبي فراس عن جابر : ولمّا رجم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه : هذا عقص كما يعقص الكلب ، فمرّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم معهما بجيفة فقال : «انهشا منها» قالا : يا رسول اللّه ننهش جيفة ! ؟ قال : «ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه»(2) .

ص: 495


1- مستدرك الوسائل 9 : 132 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 5 .
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 124 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 120 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 27 .

وعن الشيخ أبي الفتوح في تفسيره عن ابن عمّ أبي هريرة نحوها بنحو أبسط(1) .

ولعلّ تلك الروايات مع كثرتها ومعروفية الحكم ودعوى المشايخ عدم الخلاف ووضوح الحكم، كافية في ثبوت أصل الحرمة .

مع إمكان الاستدلال عليها بجملة من الروايات الظاهرة - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - في أنّ هتك ستر المؤمن وكشف عورته وسوءته وإذاعة سرّه محرّم و مبغوض ذاتاً ، وأنّ النهي عن الغيبة إنّما هو بلحاظ مراعاته وحفظ عرضه ومستوريته عن الكشف .

لا أقول : إنّ حرمتها مقصورة عليه ، بل أقول : إنّ المستفاد من جملة من الروايات ، كما وردت في تفسير الغيبة ب- : «أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(2) ، وكذا ممّا دلّت على حرمة إذاعة سرّه .

كصحيحة عبداللّه بن سنان ، قال : قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ قال : «نعم» قلت : يعني سفلته ؟ قال : «ليس حيث تذهب ، إنّما هو إذاعة سرّه»(3) .

وحسنة منصور بن حازم ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها»(4) . . . إلى غير ذلك .

ص: 496


1- روض الجنان وروح الجنان 18 : 38 .
2- تقدّمت في الصفحة 443 .
3- الكافي 2 : 358 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 294 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 1 .
4- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 295 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 296 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 6 .

وما نرى من اهتمام الشارع الأقدس بشأن المؤمن وعرضه أكيداً .

أنّ هتكه وكشف سرّه مبغوض ذاتاً ، وأنّ النهي عن الغيبة وإذاعة السرّ لمبغوضيته الذاتية لا لصدوره من مكلّف ، فإذا كان كذلك كان الاستماع إليها محرّماً إذا لزم منه إذاعة سرّه وكشف ستره لدى المستمع ، فإنّ كشف السرّ كما يتقوّم بالذكر ونحوه يتقوّم بالاستماع ونحوه .

وبالجملة : إذا كان هتك ستره مبغوضاً ، وحفظ عرضه مطلوباً ذاتاً كحفظ دمه كما هو مستفاد من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة(1) ، فهو ملازم لمبغوضية الذكر والسماع جميعاً ؛ لأنّ الكشف قائم بالتكلّم والاستماع .

فإذا علم السامع أنّ المتكلّم يريد كشف الستر المبغوض وجوده ذاتاً في الخارج ، وكان المبغوض قائماً بطرفين وأمكن له دفع تحقّقه وجب عليه ذلك وحرم عليه الاستماع ؛ لأنّ المفروض أنّ المبغوض ليس صدوره من المكلّف ، بل وجوده في الخارج نحو قتل النفس المحترمة .

بل لا يبعد الالتزام بوجوب منع المؤمن عن إفشاء سرّ نفسه وهتك عرضه ، ووجوب منع الطفل عن هتك ستر المؤمن وكشف سرّه .

نعم ، على هذا الوجه لا تثبت حرمة مطلق استماع الغيبة بناءً على ما تقدّم من أنّ حرمتها لا تختصّ بمورد كشف الستر ، إلاّ أنّ الظاه-ر ع-دم التفصيل بينهما ، تأمّل .

بل يمكن أن يقال : إنّ ما ذكر لا يكفي لإثبات الحرمة لعنوان الاستماع ، فإنّه

ص: 497


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 و156 - 158 .

سبب أو ملازم للمحرّم ، وما هو محرّم كشف الستر اختياراً .

إلاّ أن يقال : إنّ الكشف المبغوض صار سبباً لجعل الحكم على الغيبة والاستماع ، تأمّل .

أو يقال : إنّ ذلك التحليل والتجزئة عقلي ، والعرف يفهم من الأدلّة حرمة الاغتياب والاستماع المتّحدين مع الكشف ، تدبّر .

ويمكن الاستدلال للحرمة بل لكونه كبيرة بمرسلة ابن أبي عمير المنقولة مستندة أيضاً بسند صحيح ، وآخر حسن أو صحيح(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(»(2) .

بدعوى: أنّ الظاهر من قوله : «فهو من الذين . . .» هو أنّ المغتاب مصداق حقيقي للآية الكريمة ، والتنزيل الموضوعي بلحاظ الحكم خلاف ظاهره ؛ لأ نّه مجاز يحتاج إلى التأوّل والدعوى .

فتكون الرواية مفسّرة للآية بتعميم الحبّ للعمل الناشئ من الرضا والإرادة وتعميم الشياع لمطلق النشو والنشر الشاملين للذكر عند واحد كما هو مقتضى إطلاق الرواية .

فيصير مفاد الآية شاملاً لكلّ عمل اختياري موجب لنشو الفاحشة ورفع الستر عنها في الجملة ، فتشمل السامع كما تشمل المغتاب بلا افتراق بينهما ؛ لأنّ

ص: 498


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 417 - 418 .
2- تقدّم في الصفحة 417 .

السامع أيضاً عمل بفعله الاختياري وهو الاستماع ما هو موجب لنشو الفاحشة ورفع الستر عنها .

وليس مفاد الآية حرمة إشاعة الفاحشة حتّى يقال : إنّ الإشاعة عرفاً من فعل المغتاب ، بل مفادها حبّ شيوعها وهو أعمّ من الإشاعة .

وبالجملة : بعد تحكيم الرواية على الآية تفسيراً وتوضيحاً ، تدلّ الآية على حرمة الاستماع وكونه من الكبائر.

ويمكن أن يناقش فيه بأنّ الظاهر من الرواية وإن كان الاندراج الحقيقي لكن حمل الآية على ما ذكر والتصرّف في الحبّ والشياع بما ذكر خلاف ظاهر بل ظاهرين .

فدار الأمر بين ارتكاب خلاف ظاهر واحد شائع في الشرع والعرف وهو التنزيل الحكمي بلسان الاندراج الموضوعي مع قيام قرينة عقلية عليه وهو عدم كون الاغتياب داخلاً في مفادها وجداناً ، وبين ارتكاب خلاف ظاهرين بعيدين عن الأفهام غريبين عن الأذهان بلا قيام قرينة في نفس الآية الكريمة .

ولا شبهة في تعيّن الأوّل ، فعليه يكون مفاد الرواية تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة .

نعم، مقتضى إطلاقها كون الغيبة كبيرة دون استماعها .

حول كلام المحقّق الشيرازي في المقام

واستدلّ المحقّق التقيّ في تعليقته على «المكاسب» على حرمته بفحوى الأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة الرضا بوقوع المحرّم وأنّ على الداخل إثمين :

ص: 499

إثم الرضا وإثم الدخول ، فإنّ المراد في المقام حرمة الاستماع على وجه الرضا

بفعل المغتاب(1) ، انتهى .

ولو تمّ ما أفاده أمكن الاستدلال عليها بكونه من الكبائر ؛ لأنّ قوله في صحيحة أبي الصلت الهروي عن الرضا علیه السلام : «ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه»(2) وما عن أمير المؤمنين علیه السلام : «الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه»(3) يدلاّن على كونه من الكبائر بإطلاق التنزيل .

لكن الشأن في دلالتها ، فإنّ الظاهر منها أنّ المحرّم عنوان الرضا بفعل محرّم ، وهو شامل للرضا الذي له مظهر كما فيما نحن فيه ، ولا تدلّ على حرمة عنوان آخر مغاير له وهو الاستماع ولو كان على وجه الرضا . فإنّ الاستماع كذلك ينحلّ إلى الرضا الذي هو أمر قلبي والاستماع الذي من عمل الجوارح ، ولا تقتضي حرمة العنوان الأوّل حرمة الثاني ، لا باللفظ ولا بالفحوى ، ولا ملازمة بين حرمة الرضا بالغيبة مع حرمة استماعها على وجه الرضا .

ولو تمّ ما ذكره يكون على الداخل ثلاثة آثام : إثم أصل الدخول والعمل ، وإثم نفس الرضا حسب الروايات ، وإثم الدخول على وجه الرضا بالفحوى المدّعى ، وهو كما ترى مخالف للروايات .

ص: 500


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 118 .
2- عيون أخبار الرضا 1: 273 / 5؛ وسائل الشيعة 16: 138، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 5، الحديث 4 .
3- نهج البلاغة : 499 ، الحكمة 154 ؛ وسائل الشيعة 16 : 141 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 5 ، الحديث 12 .

مع أنّ ما ذكره من أنّ المراد في المقام حرمة الاستماع على وجه الرضا بفعل المغتاب غير ظاهر .

بل المراد في المقام حرمة الاستماع مطلقاً ولو استمع مع انزجاره عن فعل المغتاب وكراهته به . فكما أنّ الغيبة محرّمة مطلقاً ولو مع التنفّر عنها ، كذلك الاستماع . وليس المراد بالرضا هو الإرادة والاختيار وغيرهما من مبادي الفعل الاختياري ، كما لا يخفى على المتأمّل .

وأمّا روايات وجوب ردّ الغيبة فهي أجنبيّة عن الدلالة على حرمة الاستماع ، كما هي أجنبيّة عن الدلالة على جوازها ، بل تدلّ على أ نّه لو سمع الغيبة يجب عليه الردّ . بل قلنا في بعض المسائل السابقة : إنّ مقتضى أدلّة النهي عن المنكر الدفع عن المنكر الذي علم بإشرافه على الوجود(1) ، فكيف يجوز تمكين المغتاب على الغيبة وكشف ستر المؤمن بعذر إرادة الردّ ؟ !

في كون استماع الغيبة من الكبائر

وقد استدلّ شيخنا الأنصاري على كونه من الكبائر بالنبوي : «السامع للغيبة أحد المغتابين» لولا ضعف سنده(2) .

وفيه نظر يظهر بعد ذكر محتملات الرواية :

فمنها : أن يكون المغتابين على صيغة الجمع ، وكأنّ القائل بصدد إدراج السامع في المغتابين حكماً بلسان الإدراج الموضوعي وتنزيله منزلة المغتاب ،

ص: 501


1- تقدّم في الصفحة 230 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 359 .

فيكون المراد أ نّه واحد منهم حكماً ، كما لو قال : زيد أحد العلماء مع فرض عدم كونه عالماً ، فكأ نّه قال : السامع بمنزلة المغتاب .

فعلى هذا الفرض تمّت دلالتها ؛ لإطلاق التنزيل ، إلاّ على إشكال مشترك بين الاحتمالات تأتي الإشارة إليه .

لكنّه بعيد؛ لعدم فائدة في ذكر الجمع لإفادة هذا المعنى ، بل لو قال : السامع

مغتاب كان أولى وأدلّ ، كقوله : «الفقّاع خمر»(1) ، و«الطواف بالبيت صلاة»(2) .

ومنها : أن يكون على صيغة التثنية ، ويراد به تنزيل السامع منزلة المتكلّم بالغيبة ، سواء اُريد به أ نّه بمنزلة القائل بتلك الغيبة التي سمعها ، أو اُريد أ نّه بمنزلة المتكلّم بها وأنّ السامع كأ نّه المتكلّم بها .

وعليه أيضاً تمّت الدلالة ، لكن هذا اللسان كأ نّه ينافي التنزيل بلسان إثبات الموضوع ؛ لأنّ لسان إثباته يقتضي أن يكون بإيقاع الهوهوية لا الاثنينية والتغاير، كما في الرواية .

ومنها : أن يراد به جعل العدل للمغتاب ، فكأ نّه قال : السامع مغتاب آخر عدل المغتاب .

وعليه أيضاً لا تبعد تمامية دلالته ، بأن يقال : إنّ إطلاق العدلية يقتضي الاشتراك في جميع الآثار والأحكام .

ومنها : أن يراد بهذا الكلام الحكاية عن تنزيل سابق عليه ، فإذا كان السامع

ص: 502


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 359 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 .
2- راجع مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 38 ، الحديث 2 .

منزّلاً منزلة المغتاب يصير المغتاب اثنين : الحقيقي والتنزيلي ، والسامع أحدهما ، وهو الفرد التنزيلي .

وعلى هذا الاحتمال يشكل الاستدلال ؛ لعدم وقوفنا على دليل التنزيل وكيفية دلالته حتّى نتمسّك بإطلاقه ، ويكفي في الحكاية التنزيل ببعض الآثار كأصل الحرمة .

إلاّ أن يقال : إنّ حكاية العدلية بقول مطلق كاشف عن التنزيل كذلك ، وهو لا يخلو من وجه ، كما لا يخلو من تأمّل .

ومنها : أن يراد به التنبيه على أنّ الغيبة كما يتوقّف تحقّقها على المغتاب يتوقّف على السامع وهو شريكه في الإثم ، وليس حال السامع حال المضروب المتوقّف تحقّق الضرب عليه ، بل هو دخيل في كشف ستر المؤمن وهتكه ، وهو أحد المغتابين بهذا الاعتبار .

وعليه لا يكون في مقام بيان التنزيل حتّى نتمسّك بإطلاقه على كونه من الكبائر .

إلاّ أن يقال : يكفي كونه في مقام بيان كونه شريكاً فيتمسّك بإطلاق الشركة في الإثم على المطلوب .

إلاّ أن يناقش بأ نّه ليس في مقام بيان الشركة في الإثم أيضاً ، بل بصدد بيان سرّ كونه مأثوماً بأ نّه باستماعه مأثوم ، والمغتاب بكلامه ، فهو في مقام بيان أصل المأثومية مقابل عدم الإثم .

وهذا الاحتمال غير بعيد عن ظاهر اللفظ والاعتبار .

فتحصّل ممّا ذكر عدم ظهور الرواية في التنزيل المطلق ، حتّى يستفاد

ص: 503

منها كون الاستماع من الكبائر .

هذا مضافاً إلى ورود إشكال آخر ، وهو أنّ عمدة ما دلّت على كون الغيبة كبيرة مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة(1) ، وقد عرفت أنّ الأظهر فيها تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة(2) ، ومقتضى التنزيل المذكور أ نّها كبيرة .

وعليه يمكن أن يناقش في دلالة ما يدلّ على تنزيل المستمع منزلة المغتاب على كون الاستماع معصية كبيرة ، بأن يقال : إنّ التنزيل في لسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بأنّ المستمع أحد المغتابين يصحّ مع اشتراك المستمع للمغتاب في أحكام حال التنزيل ، ومقتضى إطلاقه اشتراكهما في جميع الأحكام في حال الدعوى والتنزيل . وهو لا يقتضي اشتراكهما في الأحكام النازلة المتعلّقة بالمغتاب بعد التنزيل والدعوى ، فإنّ صحّة الدعوى وإطلاق التنزيل لا تقتضيان أزيد من ثبوت جميع الأحكام حال التنزيل ، ومن المحتمل أن يكون تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة ، وإثبات حكم حبّ شياعها عليه بعد تنزيل المستمع منزلة المغتاب .

إلاّ أن يقال : إنّ الغيبة لو كانت كبيرة كانت كذلك من أوّل الأمر ، ولا يمكن انفكاك الكبيرة عن أصل المعصية .

لكنّه غير ثابت ؛ لأنّ الأحكام مجعولة وضعاً وتكليفاً ، ويمكن أن تكون الغيبة ذات مفسدة ضعيفة في أوّل البعثة ، فجعلت محرّمة ، ثمّ حدثت فيها مفاسد اُخرى

ص: 504


1- تقدّمت في الصفحة 498 .
2- تقدّم في الصفحة 498 .

شديدة ، كالمفاسد الاجتماعية ، فجعلت كبيرة واُوعد عليها النار الأليم ، فدعوى عدم إمكان التفكيك تحتاج إلى بيّنة مفقودة في المقام .

ودعوى : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم العالم بالأحكام الآتية لا محالة ينزّل الشيء منزلة الآخر في جميع الأحكام السابقة واللاحقة ، فالإطلاق يقتضي ترتّبها عليه مطلقاً ، غير سديدة ؛ لأنّ طريق علمه الوحي الإلهي ، والمفروض عدم الإيحاء إليه . ولو قلنا بأ نّه عالم بها لإحاطته باللوح المحفوظ فهو علم غير عادي ليس مناط جعل الأحكام في ظاهر الشريعة ، ولا شبهة في تدريجية الأحكام نزولاً وإجراءً وفعلية .

وبالجملة : الدعوى عدم الإطلاق بالنسبة إلى الأحكام المفقودة حال التنزيل وعدم ثبوته إلاّ في الأحكام المحرزة حاله .

وإن شئت قلت : إنّ غاية ما أثبتناه بحكم الإطلاق في قبال مدّعي كفاية التنزيل بلحاظ أظهر الآثار أنّ جميع الأحكام الثابتة للمنزّل عليه ثابت للمنزّل ، وأنّ أظهرية الآثار لا توجب رفع اليد عن الإطلاق إلاّ مع الانصراف .

وأمّا أنّ الإطلاق يقتضي ثبوت أحكام غير ثابتة للمنزّل عليه حال التنزيل للمنزّل في ظرف ثبوتها للمنزّل عليه فلا .

بل يمكن الإشكال في التنزيلات الواردة في لسان الأئمّة علیهم السلام بناءً على كشفها عن تنزيل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعين ما تقدّم .

نعم لو كان التنزيل منهم ، والدعوى والمجاز منهم ، لا كاشفاً عن تنزيله صلی الله علیه و آله وسلم يؤخذ بإطلاقه ، ولا ينظر إلى كيفية ثبوت الأحكام للمنزّل عليه ، ووجهه واضح .

ص: 505

بل يمكن أن يقال : إنّ التنزيل بنحو الإطلاق في لسان الأئمّة المتأخّرين عن

عصر الوحي يكشف عن التنزيل المطلق في لسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ولو قلنا بالكشف ؛ لأنّ التنزيل لو كان في بعض الأحكام لكان عليهم البيان بعد كون النقل لبيان الحكم الشرعي ، فمع تمامية مقدّمات الإطلاق يؤخذ بإطلاق الكاشف ويكشف إطلاق المنكشف .

فبقي الإشكال فيما إذا نقل تنزيل من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من غير طريقهم علیهم السلام .

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الاست-دلال بالنبوي لكون الاستماع كبيرة غير وجيه بوجوه .

في تبعية حرمة الاستماع لحرمة الغيبة

ثمّ إنّ المحرّم هل هو استماع الغيبة المحرّمة ، فتكون حرمته تابعة لحرمتها ، أو هو محرّم مستقلّ في قبال الغيبة ، من غيرتبعية لها في الحكم ؟

يمكن الاستدلال على استقلاله وعدم تبعيته بأخبار :

منها : حديث المناهي ، وفيه: «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن الغيبة والاستماع إليها ، ونهى عن النميمة والاستماع إليها»(1) .

بأن يقال : إنّ الظاهر أنّ النهي متعلّق باستماع طبيعة الغيبة ، لا الغيبة

ص: 506


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

المنهيّ عنها كما أنّ النهي عن الغيبة لم يتعلّق بالغيبة المنهيّ عنها .

وإن شئت قلت : إنّ الظاهر أنّ متعلّق النهي في الأوّل ومتعلّق المتعلّق في الثاني شيء واحد ، وهو نفس طبيعتها ، وكما أنّ مقتضى الإطلاق في قوله : «نهى عن الغيبة» حرمتها سواء حرم استماعها على المستمع أم لا فكذلك مقتضى إطلاق قوله : «والاستماع إليها» حرمته سواء حرمت الغيبة على المغتاب أم لا . وبذلك يعلم عدم تبعيته لها في الحكم . إلاّ أن يناقش في إطلاق حديث المناهي بأن يقال : إنّ نفس مناهي الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليست بأيدينا حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها ، والرواية الحاكية عنها إنّما جمع فيها شتات الأحاديث والنواهي الواردة بألفاظ غير مذكورة فيها ، وإنّما هي في مقام عدّها بنحو الإجمال والإهمال ، وليس فيها إطلاق .

وبالجملة : لا إطلاق في الحاكي؛ لكونه في مقام عدّ أصل المناهي بنحو الإهمال ، ولا أقلّ من عدم إحراز كونه في مقام بيان كلّ عنوان بخصوصياتها ، ولا علم لنا بالمحكيّ عنه .

ومنها : ما عن «جامع الأخبار» عن سعيد بن جبير ، قال صلی الله علیه و آله وسلم : «ما عمر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا أسماعكم من استماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم»(1) .

بأن يقال : إنّ إطلاق قوله : «فتنزّهوا أسماعكم» يقتضي عدم جواز الاستماع مطلقاً .

ص: 507


1- تقدّم في الصفحة 494 .

وكونه تفريعاً على الجملة السابقة المذكورة فيها الغيبة المحرّمة لا يوجب التقييد أو الانصراف .

وأمّا قوله : «فإنّ القائل . . .» إنّما هو بصدد بيان أنّ طبيعة المغتاب والمستمع شريكتان في الإثم ، لا أنّ كلّ مستمع شريك مع من اغتاب عنده حتّى يقال : إنّ المفروض جواز اغتياب المغتاب ومعه لا إثم عليه حتّى يشترك السامع معه ، فتكون هذه الفقرة قاصرة عن إثبات الحرمة في الفرض لا دالّة على جوازها .

وإن شئت قلت : إنّ المراد بقوله ذلك دفع توهّم أنّ السامع لا يكون مغتاباً فلا إثم عليه فقال : إنّ الإثم كما هو ثابت للمغتاب ثابت للسامع أيضاً فهما شريكان في الإثم .

إلاّ أن يناقش ويقال : إنّ المتفاهم من صدرها وذيلها والتفريع المذكور أ نّها متعرّضة للغيبة المحرّمة ولا إطلاق لها يشمل المحلّلة .

وقوله : «إنّ القائل . . .» فيه احتمالان : أحدهما: ما ذكر ، وثانيهما: أنّ كلّ مغتاب شريك مع من يستمع غيبته في الإثم ، ولا ينافي ذلك تعلّق الحكم بالطبائع ؛ لأنّ من يستمع غيبة المغتاب أيضاً من الطبائع .

ثمّ على فرض أن تكون الرواية بصدد دفع التوهّم المتقدّم لا إطلاق فيها ، فإنّها حينئذٍ بصدد بيان ذلك ، لا حكم الموضوع حتّى يكون لها إطلاق .

ومنها : ما عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك»(1) .

ص: 508


1- تقدّم في الصفحة 494.

بدعوى إطلاق المستمع للغيبة المحلّلة واختصاص الراضي بها بالغيبة المحرّمة لقيام القرينة ، ولم تقم في المستمع .

إلاّ أن يقال : إنّ عطف الراضي بها على المستمع لها وحمل محمول واحد عليهما قرينة على وحدة المراد منهما .

والإنصاف : عدم إطلاق في الروايات ؛ فإنّها بين مهملة ومنصرفة إلى المحرّمة .

وأمّا النبوي المتقدّم فقد عرفت أ نّه محتمل لمعانٍ(1) ، فعلى بعضها يدلّ على جواز الاستماع للغيبة المحلّلة ، وعلى بعضها يدلّ على عدم الجواز ، وعلى بعضها لا يدلّ على شيء منهما .

فإن قلنا بأنّ «المغتابين» على صيغة الجمع ، وقلنا بأنّ الظاهر منه عدم تنزيل

المستمع منزلة غيره بل تنزيل استماعه منزلة تكلّمه كما لا يبعد .

أو قلنا بأ نّه على صيغة التثنية لكن جعل السامع عدلاً للمغتاب ، والعدلية باعتبار أنّ استماعه بمنزلة تكلّمه .

أو قلنا بأ نّه كاشف عن تنزيل آخر وهو تنزيل استماعه منزلة تكلّمه ، تدلّ الرواية على حرمة الاستماع إلاّ في مورد جاز له الاغتياب .

وإن قلنا بتنزيل المستمع منزلة المغتاب وباقتضاء الإطلاق التنزيل في المحرّم والمحلّل ، تدلّ على جواز الاستماع إذا جاز للمغتاب الاغتياب .

وإن قلنا : إنّها بصدد بيان أصل الاشتراك ، ودفع توهّم اختصاص الحرمة

ص: 509


1- تقدّم في الصفحة 501 .

بالمغتاب ، فلا تدلّ على شيء منهما .

فهي مجملة من حيث اللفظ والمعنى ، وإن كان الأرجح تثنية الصيغة .

ويمكن أن يستدلّ على حرمة استماع الغيبة المحلّلة فيما إذا لزم منه كشف ستر المؤمن وإذاعة سرّه - بأن كان السامع جاهلاً بالعيب - بما تقدّم(1) من أنّ المستفاد من طوائف من الروايات حرمة عرض المؤمن ومبغوضية انهتاكه ذاتاً ، ولو كان مسلوب الإضافة عن الفاعل المختار والمكلّف العاقل ، وكما أنّ المغتاب لا يجوز عليه هتك المؤمن بقوله ، كذلك لا يجوز للسامع كشف ستره باستماعه .

فلو جاز ذلك على القائل لا يلزم أن يكون جائزاً على المستمع ؛ لعدم رفع احترام المؤمن بنحو الإطلاق ، ولهذا لا يجوز لسائر الناس اغتيابه بمجرّد جوازه لواحد منهم ، فالمرفوع احترامه بالإضافة لا مطلقاً .

ولو قيل : لازم تجويز الشارع اغتياب أحد للمغتاب ، تجويز استماعه وإلاّ كان ذلك لغواً .

يقال : لا ملازمة بينهما ؛ لإمكان أن يغتاب عند من جاز له استماع غيبته ، بل له إسماع الغير بغير اختياره كما يتّفق ذلك كثيراً ، فله أن يسمع غيره فجأة ، والمقصود في المقام إثبات جواز الاستماع اختياراً ، فلا ملازمة بين جواز الغيبة وجواز الاستماع الاختياري .

وهذا الأخير أوجه ما في المقام في حرمة استماعها مطلقاً ، لكنّه أيضاً لا يخلو من إشكال ؛ لعدم إحراز حرمة من أجاز الشارع غيبته ، والقدر المتيقّن

ص: 510


1- تقدّم في الصفحة 496 .

من الأخبار المشار إليها هو مبغوضية هتك غير من أجاز المولى هتكه ولو في الجملة ، ولا دليل على حرمة هتكه ذاتاً بنحو الإطلاق ، ولا يستفاد ذلك من الأخبار المتقدّمة ؛ لأنّ المستند لما ذكرناه ليس إطلاق دليل أو عمومه ، بل هو مستفاد من مجموع الأخبار استنقاذاً .

وأمّا عدم جواز غيبته لغير من اُجيز فلإطلاق أدلّة حرمة الغيبة من غير مقيّد ، لا لهذا الوجه .

فتحصّل ممّا ذكر: عدم دليل معتمد على حرمة استماع الغيبة المحلّلة .

حكم ما لو شكّ في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام

ثمّ لو شككنا في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام ، قد يقال : إنّ مقتضى أصالة الصحّة في قول المغتاب عدم جواز ردّه وردعه ، بل بمقتضى أماريتها تكشف عن جوازها واقعاً ، فيجوز للسامع استماعها ؛ لأنّ من آثار جوازها واقعاً جواز الاستماع أو من آثار عدم حرمتها واقعاً عدم حرمة استماعها .

هذا على فرض الترتّب بين الحكمين الواقعيين ، وعلى فرض عدم إحرازه تجري أصالة الصحّة ومعه لا تجري الاستصحابات الموضوعية أو الحكمية الحاكمة بعدم جواز الاستماع على فرض جريانها ؛ لحكومتها عليها ومعه لا مانع من جريان أصل البراءة عن الاستماع(1) .

ص: 511


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 214 .
حول جريان أصالة الصحّة في المقام

لكن في جريان أصالة الصحّة في مثل المقام إشكال ؛ لأنّ الدليل على الأصل المذكور ليس إلاّ بناء العقلاء أو هو مع سيرة المتشرّعة ، والقدر المتيقّن منهما هو

الأفعال التي لها وجهان : وجه صحّة وضعية ووجه فساد كذلك ، أعمّ من العقود والإيقاعات وسائر الأفعال كالصلاة والصوم وتجهيز الموتى وغيرها .

وأمّا في مطلق الأفعال كما لو دار الأمر بين كون الفعل الصادر مباحاً أو لا ، أو القول الكذائي مباحاً أو لا ، أو قبيحاً أو لا ، فلم يثبت بناء العقلاء أو المتشرّعة

على الحمل على الحلال الواقعي وترتيب آثاره عليه ، سيّما في مثل المقام الذي قد يستلزم الحمل على المباح الواقعي لحمل فعل مسلم آخر على الفساد والحرمة .

فإذا قال : ظلمني زيد أو جاهر بالفسق يكون حمل قوله على الصحّة واقعاً مستلزماً للبناء على ظلمه أو جهره به .

إلاّ أن يقال : إنّ الحمل على الصحّة في المقام حمل عليها باعتقاده ، لا على الصحّة الواقعية أو على الصحّة من حيث ، وهو لا ينافي البناء على صحّة عمل المغتاب - بالفتح - لجواز التفكيك بين اللوازم في الظاهر .

وهما كما ترى مخالفان لحجّية أصالة الصحّة ببناء العقلاء ؛ لعدم التفكيك في بنائهم .

ولا شبهة في أنّ بناءهم في العقود والإيقاعات ونحوهما ممّا لها وجه صحّة وفساد وضعاً على الحمل على الصحّة الواقعية لا الاعتقادية وترتيب الآثار

ص: 512

الواقعية لا الاعتقادية ، والحمل على الصحّة الاعتقادية في مورد والواقعية في آخر تفكيك في بنائهم بلا دليل .

والتفكيك في اللوازم وإن كان لا مانع منه ونحن بنينا على عدم حجّية مثبتات أصالة الصحّة(1) لكن التفكيك في المقام مشكل ، فإنّ البناء على صحّة قول من قال : «إنّ زيداً متجاهر بالفسق» واقعاً والبناء على عدم تجاهره واقعاً كأ نّهما لا يجتمعان ، تأمّل .

وبالجملة : إنّ بناء العقلاء أو سيرة المتشرّعة في مثل المورد غير محرزين وإن نفى الشيخ الأنصاري في الرسالة الإشكال عن جريانها في الأقوال ، واختار الجريان في الاعتقادات أيضاً :

قال في الأقوال : الصحّة فيها تكون من وجهين : الأوّل من حيث كونه حركة من حركات المكلّف فيكون الشكّ من حيث كونه مباحاً أو محرّماً ، ولا إشكال في الحمل على الصحّة من هذه الحيثية .

ثمّ ذكر الوجه الثاني والوجوه التي فيه وتمسّك في بعضها بأصالة الصحّة مع أنّ الظاهر عدم ابتنائه عليها ، فراجع .

وقال في الاعتقادات : إذا كان الشكّ في أنّ اعتقاده ناشٍ عن مدرك صحيح من دون تقصير عنه في مقدّماته أو من مدرك فاسد لتقصير منه في مقدّماته فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح ؛ لظاهر بعض ما مرّ من وجوب حمل اُمور المسلمين على الحسن دون القبيح(2) ، انتهى ملخّصاً .

ص: 513


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 421 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 381 - 383 .

وأشار ببعض ما مرّ إلى أدلّة لفظية ناقش فيها رحمه الله علیه .

وقال المحقّق التقيّ في تعليقته على «المكاسب» : كما يظهر ممّا ذكروه في تصرّف بائع الأمة ذي الخيار في أمته المبيعة باللمس ونحوه من أ نّه يحمل على الفسخ حملاً لتصرّفه على المباح ، فإنّ التصرّف في المبيع مع عدم الفسخ محرّم ، بل يحكم بفسخه قبل اللمس آناً ما ؛ لأنّ إرادة الفسخ باللمس تقتضي وقوع الجزء الأوّل منه محرّماً وهو منافٍ لظهور حال المسلم في كون عمله سائغاً جائزاً مع أنّ الأصل عدم الفسخ ، فيعلم من ذلك كون أصالة الصحّة معتبرة عندهم من باب الأمارية المقتضي للتقدّم على الاُصول(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ هذا النقل لا يصلح لإثبات حجّية أصالة الصحّة ؛ لعدم ثبوت إجماع أو شهرة به ، وقد عرفت حال بناء العقلاء والسيرة . مع أنّ حجّية هذا النحو من المثبتات كأ نّها مقطوعة الفساد ، وهذا نظير إثبات دخول الوقت بأصالة الصحّة إذا شكّ في صحّة صلاته لأجل الشكّ في دخوله .

نعم ، استدلّ المحقّق المذكور في مورد آخر على وجوب حمل فعل المسلم على السائغ بقوله تعالى في قضيّة الإفك : )لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ((2) .

قال رحمه الله علیه : «والضمير في )سَمِعْتُمُوهُ( راجع إلى ما عبّرعنه ب- )مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ((3) في الآية اللاحقة . دلّ بمقتضى كلمة )لَوْلاَ( الدالّة على التنديم

ص: 514


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 119 .
2- النور (24) : 12 .
3- النور (24) : 15 .

والتوبيخ على أنّ المساءة التي تنسب إلى الغير ممّا ليس للمخاطب به علم يجب

الحكم بكونه إفكاً وكذباً . وفيه دلالة على كون أصالة الصحّة في فعل المسلم من باب الظنّ النوعي .

وبقوله : )فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللّه ِ هُمُ الْكَاذِبُونَ((1) دلّ على أنّ المدّعين محكومون بالكذب ما لم يعلم صدقهم بإقامة الشهود .

وبقوله : )وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ((2) . والضمير في )إِذْ سَمِعْتُمُوهُ( أيضاً راجع إلى المرجع في الآية السابقة ، فيقتضي الحكم بكون ما ليس للإنسان به علم ممّا ينسب إلى غيره بهتاناً»(3) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ الآيات الشريفة غير مربوطة بحمل فعل المسلم على الصحّة بناءً على ما هو المعروف من أ نّها واردة في عائشة(4) ، فإنّ مورد أصالة الصحّة ما إذا وقع فعل من فاعل ولم يعلم أ نّه وقع على وجه الصحيح أو الفاسد ، وفي المقام لم يقع فعل مردّد بينهما بل كان الانتساب إفكاً وكذباً وكان السامع شاكّاً في صدور الفعل منها لا في صحّة فعلها بعد صدوره .

فالتعيير والتوبيخ إنّما هو على انتساب فاحشة إلى الغير بلا علم ، بل لعلّ مجرّد انتساب قبيح إلى الغير بلا علم داخل في الافتراء والإفك أو ملحق به .

ص: 515


1- النور (24) : 13 .
2- النور (24) : 16 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 121 .
4- راجع مجمع البيان 7 : 204 ؛ أسباب النزول، الواحدي: 223.

فالآيات الكريمة واردة في توبيخ من أشاع الفاحشة في المسلم بلا حجّة وعلم ، فهي غير مربوطة بأصل الصحّة .

ولو كانت القضيّة مربوطة بمارية القبطية زوجة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وكانت عائشة آفكة(1) لم تدلّ الآيات على وجوب حمل فعل المسلم على الصحّة أيضاً ، بل واردة فيما ذكرناه ، إذ لم يصدر فعل منها مردّداً بين الصحيح والفاسد .

إلاّ أن يقال : إنّ الإفك في مارية راجع إلى مبدأ ولدها ، وهو مردّد بينهما ، والتوبيخ لأجل عدم حمل فعلها على الصحّة .

لكنّه - كماترى - بعيد عن ظاهر الآيات كما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ القول بلا علم وحجّة افتراء وإفك ، وأنّ التوبيخ ورد لذلك ، لا على القول مع الحجّة والعلم على الخلاف .

بل يحتمل أن يكون مبنى التوبيخ قيام الاستصحاب العقلائي أو الشرعي على عدم صدور القبيح ، بناءً على أنّ البناء على العدم كافٍ في إثبات كون النسبة إفكاً ، تأمّل .

بل لقائل أن يقول : إنّ الآيات تدلّ على عدم حجّية أصالة الصحّة في الأقوال ، وإلاّ فمقتضى جريانها فيها وأماريتها على الواقع ثبوت الواقع بها ، فيخرج الموضوع عن الافتراء ، ولا وقع للتوبيخ مع حجّيتها .

ثمّ لو قلنا بجريان أصالة الصحّة في الأقوال والأفعال مطلقاً ، فالقدر الثابت منها ومن بناء العقلاء هو البناء على الصحّة الواقعية وترتيب آثارها في خصوص

ص: 516


1- راجع تفسير القمّي 2 : 99 ؛ تفسير الصافي 3 : 423 .

مورد المشكوك فيه ومورد جريان الأصل ، فإذا شكّ في صحّة الصلاة وفسادها تحمل على الصحّة واقعاً ويترتّب عليها آثارها ، وأمّا لو كانت صحّتها ملازمة لعنوان آخر فلا يثبت بها ، فلو صلّى وشكّ في صحّتها من أجل دخول الوقت وعدمه تحمل على الصحّة الواقعية لكن لا يثبت بها دخوله ولا كون المصلّي على طهر أو لباسه من محلّل اللحم لو شكّ فيها .

فعليه لا يترتّب على صحّة قول المغتاب جواز الاستماع ؛ لأنّ جريان أصالة الصحّة في قوله بما أ نّه فعل صادر منه وحركة من حركاته ، فيحمل على أ نّه مباح من هذه الجهة . لكن لا يثبت بها أنّ مقوله موافق للواقع وأنّ المغتاب - بالفتح - جائز الغيبة أو متجاهر مثلاً . فإنّ جواز الاستماع مترتّب على كون المغتاب - بالفتح - جائز الغيبة أو على كون قوله كاشفاً عن كون غيبة المغتاب من مستثنيات حرمتها ، وليس مترتّباً على صحّة فعل المغتاب وليس من آثار صحّة فعله بما أ نّه حركة من حركاته .

وبالجملة : إنّ المستثنى من حرمة استماع الغيبة ولو لفقد الدليل على حرمته هو موارد الاستثناء من حرمة الاغتياب واقعاً ، وبجريان أصالة الصحّة لا يثبت الاستثناء الواقعي .

إلاّ أن يقال : إنّ جواز الاستماع مترتّب على جواز الاغتياب واقعاً، وأصالة الصحّة في قول المغتاب تثبت إباحة اغتيابه ؛ لأنّ مقتضى أصالة الصحّة فرضاً إباحة الاغتياب واقعاً، فيترتّب عليه جواز الاستماع .

لكنّه مدفوع أوّلاً : بأ نّه لا دليل على ترتّب جواز الاستماع على عنوان جواز الغيبة وإباحتها ، بل الثابت أنّ في موارد استثناء الغيبة يستثنى الاستماع بناءً على

ص: 517

أنّ المستمع بمنزلة المغتاب ، ومفاد التنزيل أنّ كلّ مورد جازت الغيبة للمغتاب

جاز استماعها ، لا أنّ جواز الاستماع مترتّب على عنوان الإباحة ، ولا تصلح أصالة الصحّة لإثبات كون المورد من موارد الاستثناء .

وأمّا قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»(1) لا يدلّ على أنّ حرمة الاستماع مترتّبة على حرمة الغيبة ، بل ظاهرها أنّ المتجاهر لا غيبة له ولا يكون استماع ذمّه استماع الغيبة لو قلنا باستفادة ذلك منه أيضاً ، وأمّا استفادة

ترتّب حكم على حكم فلا .

وثانياً : أ نّه قد اتّضح فيما مرّ(2) أنّ الحكم بجواز الاستماع في موارد جواز الاغتياب إنّما هو لأجل عدم الدليل على حرمته فتجري أصالة البراءة والإباحة .

ومعلوم أنّ جريان أصالة الصحّة في فعل المغتاب لا يفيد في إحراز موضوع جريانهما ، وليس جريانهما من الآثار الشرعية للإباحة الواقعية، كما لا يخفى .

حول جريان الاستصحاب الموضوعي

ثمّ على فرض عدم جريان أصالة الصحّة أو معارضتها لأصالة الصحّة في فعل المغتاب - بالفتح - على القول بجريانها ، فالظاهر جريان الاستصحاب الموضوعي في بعض الأحيان كاستصحاب عدم كون المغتاب متجاهراً أو ظالماً ؛ لأنّ الاستثناءات من الغيبة اُمور مستقلّة غير مرتبط بعضها ببعض ، فمع معلومية عدم كون المغتاب - بالفتح - من موارد سائر المستثنيات وشكّ في كونه

ص: 518


1- تقدّم في الصفحة 466 .
2- تقدّم في الصفحة 506 - 511 .

من مورد منها كما لو شكّ في كونه متجاهراً وعلم بعدم كونه داخلاً في سائرها

يجري استصحاب عدم كونه متجاهراً ، ويحرز موضوع عدم جواز اغتيابه وسماع غيبته بالأصل والوجدان ، فيحكم بحرمتهما . فإن كان أثر مترتّباً على حرمته يترتّب عليها ، كوجوب الردّ إن قلنا إنّه مترتّب على الغيبة المحرّمة وقلنا بوجوبه ، فباستصحاب عدم كونه متجاهراً يحرز حرمة غيبته فيحكم بلزوم ردّها بالأدلّة الدالّة على لزوم ردّ الغيبة المحرّمة ؛ لترتّب الآثار الشرعية مع الواسطة

على الموضوع ، لا بالاستصحاب فقط ، بل به وبالأدلّة الاجتهادية المترتّبة بعضها على بعض كما قرّر في محلّه(1) .

وهل يجوز أو يجب نهيه عن الغيبة بأدلّة النهي عن المنكر باستصحاب عدم كون المغتاب - بالفتح - متجاهراً مثلاً أو لا ؟

لا إشكال في أنّ مجرّد استصحاب عدم كونه متجاهراً لا يترتّب عليه وجوب النهي عن المنكر ؛ لأنّ موضوعه صدور فعل منكر صادر عن فاعل على وجه المنكر عنده .

ولهذا لا يجب النهي في موارد اختلاف الاجتهادات أو الاختلاف في تشخيص الموضوعات .

فباستصحاب عدم كونه متجاهراً أو استصحاب كونها محرّمة عليه لا يثبت كونه منكراً عنده حتّى يترتّب عليه حكمه .

إلاّ أن يقال : يجري الاستصحاب التعليقي في القول الصادر منه بأ نّه: لو كان

ص: 519


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 177 .

صادراً منه قبل تجاهره بالفسق بنظر القائل وعدم مسوّغ آخر كان منكراً عنده والآن كذلك .

لكن جريان الاستصحاب التعليقي في غير التعليقات الشرعية ممنوع(1) .

ويمكن إجراء الاستصحاب التنجيزي بأن يقال : إنّ غيبة فلان كان منكراً لدى القائل في زمان والآن كذلك فيحرز به موضوع وجوب النهي عن المنكر ، بناءً على أنّ وجوب النهي عنه متعلّق بالعنوان الكلّي وأعمّ من الرفع والدفع .

نعم ، لو كان وجوبه مقصوراً على رفع المنكر الموجود لا يصحّ استصحاب العنوان الكلّي لإثبات منكرية الوجود الخاصّ إلاّ بالأصل المثبت .

وبالجملة : استصحاب كون الغيبة منكرة يفيد على فرض وجوب النهي عن طبيعة المنكر ، سواء صارت قطعة منها أو فرد منها موجودة أم كانت في معرض الوجود . فإذا جرى استصحاب كون الغيبة الكذائية منكرة ، وعلمنا بوجود طبيعة الغيبة أو بمعرضيتها للوجود ، يترتّب عليها وجوب النهي عن المنكر .

وهذا هو الأقوى ، كما ذكرناه فيما سبق .

هذا حال القواعد العامّة وإن لا يخلو الاستصحاب المذكور من كلام .

الروايات الواردة في المقام

لكن قد وردت في المقام جملة من الروايات لعلّ استفاضتها وكثرتها تغنينا عن النظر إلى أسنادها وضعف غالبها ، وهي على طائفتين :

ص: 520


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 147 .

إحداهما : ما اُخذ فيها عنوان نصر المؤمن وعونه ، وخذلانه وعدم نصره وعونه ، وهي الغالب منها :

كرواية وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام ، وفيها : «يا علي ، من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّه في الدنيا والآخرة»(1) .

ورواية أبي الورد عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره اللّه وأعانه في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه اللّه في الدنيا والآخرة»(2) . ونحوهما روايات اُخر(3) .

والإنصاف : أنّ هذه الطائفة قاصرة عن إثبات الوجوب والحرمة ، ولسانها يناسب الرجحان والكراهة كما في أشباهها ونظائرها ، فإنّ معنى الخذلان على ما في كتب اللغة(4) والمستفاد من موارد الاستعمال ومنها هذه الروايات هو ترك النصر والإعانة . فكأ نّه قال : فمن لم ينصر المؤمن لم ينصره اللّه في الدنيا والآخرة .

فكما أنّ من قوله : من نصره نصره اللّه في الدنيا والآخرة ، لا يستفاد

ص: 521


1- الفقيه 4 : 269 / 824 ؛ وسائل الشيعة 12 : 291 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 103 / 81 ؛ وسائل الشيعة 12 : 291 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 12 : 292 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 4 و8 .
4- لسان العرب 4 : 45 ؛ المنجد : 171 .

وجوب النصر كذلك من مقابله لا يستفاد الحرمة .

وقد وردت أمثال تلك التعبيرات أو أشدّ منها في مرتكب المكروه .

نعم ، هنا روايات علِّق الحكم فيها على الخذلان والنصر مطلقاً :

كرواية سليمان بن خالد - الصحيحة بأحد طريقيها (1) - عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون» إلى أن قال : «والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»(2) .

وصحيحة الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله»(3) .

ومرسلة ربعي بن عبداللّه عنه علیه السلام ، قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يغشّه ولا يحرمه»(4) .

وصحيحة أبي المغرا عنه علیه السلام ، قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه . . .»(5) .

ص: 522


1- الكافي 2 : 233 / 12 .
2- الكافي 2 : 233 / 12 ، و : 235 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 1 .
3- الكافي 2 : 167 / 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 4 .
4- الكافي 2 : 167 ، ذيل الحديث 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 5 .
5- الكافي 2 : 174 / 15 ؛ وسائل الشيعة 12 : 203 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 2 .

ودلالتها على الحرمة لا تنكر ، لكن الخذلان بمعنى ترك النصر والإعانة على ما في اللغة ، وهو بهذا المعنى العامّ لا يمكن الالتزام بحرمة تركه ، كما لا يمكن الالتزام بوجوب الإعانة والنصر الشاملين لأنحائهما نفساً ومالاً ويداً وفي جميع الموارد ، فإنّ عدم وجوبهما بهذا المعنى الوسيع من الواضحات ، وبناء المسلمين من الصدر الأوّل إلى الآن على إهمال النصر بهذا المعنى الوسيع ، فلو كان واجباً لصار ضرورياً مع كثرة الابتلاء به .

فلا بدّ إمّا من التصرّف في النصر والخذلان بحملهما على مورد خاصّ كنصره في وقوع ظلم عليه وهو أيضاً محلّ إشكال أو منع ، أو حمل الروايات على الاستحباب والكراهة المهتمّ بهما ، والتعبير بما فيها لإفادة شدّة الاهتمام كما ورد

نظيره بل أشدّ منه في حقوق الاُخوّة المستحبّة .

ففي رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : ما حقّ المسلم على المسلم ؟ قال : «له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب؛ إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية اللّه وطاعته ولم يكن للّه فيه نصيب» قلت له : جعلت فداك وما هي ؟ قال : «يا معلّى ، إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل» قلت : لا قوّة إلاّ باللّه ، قال : «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك . . .»(1) ثمّ عدّ حقوقاً لم يكن شيء منها واجباً بالضرورة كإرسال خادمه إلى منزله ليخدمه وعيادة مريضه

ص: 523


1- الكافي 2 : 169 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 205 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 7 .

وشهود جنازته وإعانته بنفسه وماله ولسانه ويده ورجله .

والإنصاف أنّ من تدبّر في هذا السنخ من الروايات ليطمئنّ بأنّ غلظة التعبيرات لإفادة الاهتمام لا لإفادة الوجوب أو الحرمة .

والطائفة الثانية : ما اُخذ فيها عنوان الردّ :

كالمرويّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال في خطبة له : «ومن ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن لم يردّ عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب»(1) .

ورواية المناهي ، وفيها : «ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ، ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرّة»(2) .

وفيهما دلالة على الوجوب ، لكن اُوليهما ظاهرة في أنّ ترك الردّ والإعجاب بالغيبة محرّم ولم يظهر منها أنّ تركه بنفسه محرّم أو الردّ واجب ، ولو كان المراد أنّ من ترك الردّ كان عليه وزر من اغتاب صارت مخالفة للرواية الثانية بل هما مخالفتان على أيّ تقدير ؛ لأنّ الظاهر من الاُولى أنّ وزره كالمغتاب ومن الثانية أ نّه كوزره سبعين مرّة ، ولا يصحّ حملها على الرادّ الغير المعجب ؛ ضرورة عدم إمكان زيادة وزر غير المعجب عليه مع اشتراكهما في ترك الردّ .

ص: 524


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 335 ؛ وسائل الشيعة 12 : 292 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالمثل في الاُولى مشابهة وزرهما سنخاً وهو لا ينافي زيادة أحدهما على الآخر مقداراً ، وهو بعيد .

أو يقال : إنّهما متعارضتان في حدّ الوزر لا في أصله ، وهو أيضاً مشكل ، ومعاملة الإطلاق والتقييد أشكل .

والإنصاف : أنّ إثبات وجوب الردّ بهما مشكل متناً فضلاً عن ضعفهما سنداً ، سيّما مع بعد كون وزر غير الرادّ للغيبة أكثر من المغتاب سبعين مرّة .

وتؤيّد عدم وجوبه رواية أبي الدرداء ، قال : نال رجل من عرض رجل عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فردّ رجل من القوم عليه ، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ردّ عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار»(1) .

فإنّه لو كان الردّ واجباً على من سمعها كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسائر الحضّار يردّون عليه ، إلاّ أن يقال : إنّه واجب كفائي ، وهو - كماترى - مخالف لظاهر الروايات .

وأمّا عدم نهيهم عنه فلعلّه لعذر كعدم احتمال التأثير أو انتهائه بردّ الرجل .

ويؤيّده أيضاً عدّه في خلال الحقوق التي جلّها أو كلّها غير واجب في رواية محمّد بن جعفر العلوي عن آبائه عن علي علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً . . .» ثمّ عدّها (2) .

ص: 525


1- الأمالي ، المفيد : 337 / 2 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 132 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 4 .
2- كنز الفوائد 1 : 306 ؛ وسائل الشيعة 12 : 212 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 24 .

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه لا دليل معتدّ به على وجوب النصر ولا على حرمة الخذلان ولا على وجوب الردّ أو حرمة تركه إن كان له عنوان آخر غير النهي عن المنكر .

وأمّا لو كان المراد النهي عن المنكر فلا شبهة في وجوبه مع شرائطه ، لكن حمله عليه خلاف الظاهر ظاهراً ، كما أنّ الانتصار والنصر عنوان آخر غير النهي عن المنكر وغير الردّ .

في مقتضى إطلاق الأدلّة

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ، سواء قلنا بوجوب النصر والردّ أو قلنا باستحبابهما ، عدم الفرق بين العلم بوجود العيب في المغتاب - بالفتح - وصحّة كلام المغتاب والعلم بعدمه والشكّ فيه ، كان له حالة سابقة معلومة أم لا ، وكذا عدم الفرق بين العلم بجواز غيبته للمغتاب والعلم بعدمه والشكّ فيه ، كان له حالة سابقة أم لا .

إلاّ أنّ الظاهر انصرافها عمّا إذا علم جواز اغتيابه للمغتاب وبقي سائر الصور تحت إطلاقها .

وتوهّم أنّ خروج جائز الغيبة يوجب أن تصير الشبهة في مورد الشكّ مصداقية(1) ، يدفعه أنّ المدّعى إطلاق الأدلّة لموارد الشكّ ، والانصراف منحصر بصورة العلم بالجواز . وقيام الاستصحاب في مورد جريانه مقام العلم

ص: 526


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 214 .

الموضوعي وإن لا يخلو من وجه لكنّه مشكل في المقام بل مطلقاً .

نعم ، ما ذكرناه إنّما هو في غير الحاكم والقاضي المعدّين للانتصاف ، فيجوز لهم سماعها ولو في موارد الشكّ ولا يجب عليهم الردّ لأنّ نصبهما لذلك .

ثمّ إنّ إطلاق الأخبار حاكم على أصالة الصحّة في قول المغتاب بناءً على جريانها وعلى الاستصحاب لو كان جريانه مقتضياً لجواز الغيبة .

نعم، يمكن أن يفرّق بين المتجاهر بالفسق وغيره بأن يقال : إنّ لسان أدلّة تجويز غيبته نفي الموضوع وهو حاكم على أدلّة وجوب النصر وحرمة ترك ردّ الغيبة ، فإذا شكّ في بقاء المتجاهر على صفته يستصحب الموضوع وينقّح به موضوع أدلّة لا غيبة له ، فيخرج عن موضوع أدلّة وجوب النصر والردّ .

ثمّ إنّ إطلاق الأخبار يقتضي وجوب النصر والردّ بأيّ نحو ممكن أو أيّ نحو شاء ولو بتكذيبه ومعارضته بالمثل . نعم ، في بعض الموارد تعارض تلك الأدلّة مع أدلّة اُخرى بالعموم من وجه ، فلا بدّ من العلاج ونحوه .

هذا بناءً على استفادة الحكم الإلزامي من الأدلّة .

وأمّا بناءً على استفادة الحكم الاستحبابي كما رجّحناه في أدلّة النصر(1) فلا يستفاد منه الإطلاق لصورة استلزام شيء موهن للمغتاب ، كتكذيبه وتحقيره ومعارضته بالمثل ؛ لأنّ تلك الأدلّة الواردة في شأن المؤمن واستحباب نصره وعونه لمّا وردت لمراعاة حال العموم لا إطلاق لها يشمل حال استلزام عون مؤمن لترك عون مؤمن آخر فضلاً عمّا استلزم تحقيره وتوهينه . فعليه تحمل

ص: 527


1- تقدّم في الصفحة 521 .

الروايات على نصر المؤمن بما لا ينافي المداراة مع المؤمن المغتاب بالنصيحة

والموعظة الحسنة واللسان الليّن لا التكذيب والتوهين .

وربما يتشبّث بالاستصحاب وحمل فعل المؤمن على السائغ لجواز تكذيب المغتاب أو وجوبه بأنّ كلامه إفك وبهتان ، بل حمل أخبار النصر والردّ عليه بالخصوص ، بل يتشبّث بالآيات الواردة في الإفك لذلك ، حيث إنّ مفادها توبيخ المستمعين الجاهلين بترك تكذيب القائل وانتسابه إلى الإفك والبهتان .

ويرد عليه : أنّ استصحاب عدم صدور الفعل عنه مع أ نّه ينفي موضوع أصالة الصحّة - لأنّ موضوعها الفعل الصادر عنه المردّد بين الصحيح والفاسد فلا ينبغي التمسّك بهما في مورد واحد - لا يثبت كون كلامه مخالفاً للواقع وأنّ المتكلّم به كاذب إلاّ بالأصل المثبت ، فإنّ بين عدم وقوع الفعل من الفاعل وكون كلام المخبر كذباً والمخبر كاذباً ملازمة عقلية .

نعم ، لا مانع من مقابلة المغتاب بنفي وقوع الفعل عنه بجريان الاستصحاب ، وهو غير تكذيبه . وكذا الحال في أصالة الصحّة على فرض جريانها ؛ لأ نّها ليست حجّة في اللوازم والملازمات ، بل غاية مفادها لزوم ترتيب آثار الواقع على المجري ، وفي المقام يجوز ترتيب آثار الصحّة الواقعية على فعل المغتاب - بالفتح - لكن ليس عدم موافقة كلام المغتاب للواقع وكونه كاذباً من آثارها .

وأمّا الآيات الكريمة فأجنبيّة عن أصالة الصحّة ومخصوصة بموردها؛ أي القذف ، ولهذا يحدّ الشهود إذا كانوا أقلّ من الأربعة؛ للقذف .

ولولا النصّ والفتوى لكان الشكّ في جواز الحكم بالكذب والبهت في

ص: 528

غير مورد نزولها وهو نساء النبي صلی الله علیه و آله وسلم لخصوصية في عرضه صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يمكن إلغاء الخصوصية عنه .

إلاّ أن يقال بإشعار قوله : )ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً((1) بعدم الاختصاص، أو دلالته عليه .

وعلى أيّ حال ؛ فإنّ الآيات غير مرتبطة بأصالة الصحّة ؛ لما ذكرناه من أنّ موضوعها الموجود بعد الفراغ عن وجوده لا المشكوك فيه سيّما المحكوم بالعدم بحكم الاستصحاب .

ص: 529


1- النور (24) : 12 .
الأمر الرابع في كفّارة الغيبة

مقتضى القواعد والاُصول

والأولى بيان مقتضى القواعد والاُصول والاحتمالات المتصوّرة مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ومفادها تفصيلاً :

فنقول : يحتمل بحسب التصوّر أن يكون الاستحلال والاستغفار الواردان في بعض الروايات(1) واجبين نفسي-ين حتّى الأوّل منهما ، فكان المقصود

بالاستحلال هو إظهار ذلّة المغتاب لدى المغتاب - بالفتح - فكما أ نّه بغيبته أهانه وحقّره أراد الشارع أن يحقّر ويذلّل نفسه بالاعتذار لديه والاستحلال عنه إرغاماً لنفسه .

ويحتمل أن يكونا واجبين شرطيين لصحّة التوبة فتكون صحّتها موقوفة عليهما ، أو على أحدهما تخييراً أو تعييناً ، فتكون نفس الاستحلال شرطاً لا تحليل المغتاب ، بالفتح .

ويحتمل أن يكونا واجبين لتكفير الغيبة بهما أو بأحدهما مستقلاًّ من غير احتياج إلى الاستغفار والتوبة .

ويحتمل في الاستحلال أن يكون واجباً للتوسّل به إلى تحليل المغتاب

ص: 530


1- يأتي في الصفحة 533 .

فيكون تحليله مكفّراً للسيّئة أو شرطاً لصحّة التوبة أو مطلوباً نفسياً .

وأيضاً يحتمل في التحليل أن يكون من قبيل غفران الذنب لا إسقاط الحقّ ، ويحتمل أن يكون من قبيل إسقاطه .

فالتصوّرات المذكورة في الاستحلال لا يتقوّم على كون اغتياب المؤمن موجباً لثبوت حقّ على المغتاب .

ثمّ في الاستحلال والاستغفار على التقديرات المذكورة احتمالات اُخر؛ ككون الاستحلال فقط واجباً ، أو الاستغفار فقط ، أو كليهما ، أو واحد منهما ، أو التفصيل بين إمكان الاستحلال وعدمه ، أو وصول الغيبة إلى المغتاب وعدمه ، أو ترتّب فساد عليه وعدمه ، إلى غير ذلك .

ثمّ إنّه لا إشكال في جريان البراءة مع الشكّ في وجوبهما مستقلاًّ أو في كونهما شرطاً لصحّة التوبة ، بناءً على أنّ التوبة واجبة نفساً لا لتكفير السيّئة ،

وبناءً على جريان البراءة في الشكّ في الأقلّ والأكثر .

ولا في أنّ الأصل الاشتغال ، بناءً على أنّ التوبة لتكفير السيّئة ومحوها ، أو لإسقاط حقّ اللّه تعالى العقوبة بناءً على ثبوت حقّ من اللّه تعالى على العباد في

المعاصي ؛ لأنّ استحقاق العقوبة بارتكاب الغيبة صار ثابتاً على العبد ، أو أنّ حقّ اللّه ثابت بارتكابها على ذمّة العبد ولا بدّ في إسقاطه من اليقين به ، وكذا لا بدّ عقلاً من اليقين بالمؤمِّن من العقوبة .

لكن مقتضى إطلاق أدلّة التوبة والاستغفار آية ورواية - البالغة حدّ التواتر - أنّ تمام الموضوع لتكفير السيّئات هو التوبة عنها أو مع الاستغفار من غير دخالة شيء آخر فيه .

ص: 531

نعم ، الظاهر اعتبار عدم حقّ الناس على التائب كما يدلّ عليه بعض الأخبار(1) .

ومع الشكّ في كون الغيبة من حقّ الناس يجري استصحاب عدم تعلّق حقّ عليه ، فيحرز به موضوع صحّة التوبة من غير أن يكون مثبتاً ؛ لأنّ إطلاق الأدلّة يقتضي أن يكون توبة العبد مكفّرة لسيّئته ، والأدلّة الدالّة على اعتبار عدم حقّ الناس عليه لا توجب تقييداً في عنوان التوبة ، بل يكون عدم ثبوت الحقّ عليه بمقتضاها موضوعاً لصحّة التوبة .

بل هو أولى بالجريان من جريان استصحاب كون الشخص على وضوء لصحّة الصلاة كما هو مورد أدلّة الاستصحاب مع ورود : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) فيها .

وبالجملة : مقتضى الاستصحاب عدم ثبوت حقّ على المغتاب ، فتصحّ توبته بمقتضى إطلاق الأدلّة .

بل لا يبعد جواز التمسّك بدليل الرفع(3) مع الغضّ عن الاستصحاب فينقّح به الموضوع . والتفصيل يطلب من محلّه .

هذا حال القواعد .

ص: 532


1- يأتي في الصفحة 534 - 535 .
2- الفقيه 1: 35 / 129؛ وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 6 .
3- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
مقتضى الأخبار

وأمّا الأخبار : فمنها ما هي مربوطة بالاستحلال ، وهي على طوائف :

منها : ما تدلّ على أنّ عدم الاغتياب وستر عورة المؤمن حقّ للمؤمن على المؤمن ، وهي روايات أوضحها دلالةً رواية الكراجكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً لا براء له منها إلاّ بالأداء أو العفو» . وفيها : «ويستر عورته» إلى أن قال : «ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه» . ثمّ قال علیه السلام : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

يقول : إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه»(1) .

فإنّ الظاهر منها صدراً وذيلاً أنّ تضييع حقّ ستر العورة وعدم الغيبة موجب لنحو عهدة للمغتاب لا براء له إلاّ بالعفو وأنّ من يدع من حقوق أخيه شيئاً يكون مطالباً به فيحكم له عليه يوم القيامة . فهي صريحة في ثبوت حقّ له عليه بتضييع حقّه يحتاج إلى العفو .

ومنها: ما دلّت على أنّ اللّه لا يغفر ذنب المغتاب حتّى يغفر صاحب الغيبة له(2).

ص: 533


1- كنز الفوائد 1 : 306 ؛ وسائل الشيعة 12 : 212 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 24 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 118 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 21 .

وفي بعضها : لا تغفر إلاّ أن يحلّله صاحبه(1) . وفي بعضها : «من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلّها»(2) . وفي بعضها : «لا يعذّب اللّه مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوء ظنّه واغتيابه للمؤمنين»(3) .

ومقتضى تلك الروايات بعد قرينية بعضها لبعض أنّ بالغيبة يثبت حقّ للمؤمن على أخيه ، وتحليله شرط صحّة توبته أو قبولها وأنّ الاستحلال لأجل براءته من حقّه والبراء لأجل صحّة توبته وغفران اللّه جلّ ذكره له .

كما تشهد به ما عن أمير المؤمنين علیه السلام في «نهج البلاغة» أنّ قائلاً قال بحضرته : أستغفر اللّه ، فقال : «ثكلتك اُمّك ، أتدري ما الاستغفار ؟ والاستغفار درجة العلّي-ين وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً ، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقي اللّه أملس ، ليس عليك تبعة . . .»(4) .

والظاهر أنّ الأوّلين عبارة عن حقيقة التوبة والأوسطين شرط صحّتها أو قبولها والأخيرين شرط كمالها .

والحاصل أنّ هذه الطائفة تدلّ من بين الاحتمالات المتقدّمة في صدر البحث

ص: 534


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 284 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 18 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 3 .
2- راجع إحياء علوم الدين 3 : 225 ؛ المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 60 .
3- راجع مستدرك الوسائل 9 : 115 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 11 .
4- نهج البلاغة : 549 ، الحكمة 417 .

على أنّ الاستحلال للتوسّل به إلى التحليل والبراءة من حقّ الغير وهي شرط صحّة التوبة أو قبولها .

ومنها : ما هي مربوطة بالاستغفار :

كرواية حفص بن عمر عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «سئل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر اللّه لمن اغتبته كلّما ذكرته»(1) .

كذا في «الوسائل»(2) . وفي «مرآة العقول» عن نسخة : «كما ذكرته»(3) .

وعن «الجعفريات» : «من ظلم أحداً فعابه فليستغفر اللّه له كما ذكره؛ فإنّه كفّارة له»(4) .

وعن «أمالي» الشيخ المفيد بسنده عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «كفّارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته»(5) .

وعن «كشف الريبة» عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «كفّارة من استغبته أن تستغفر له»(6) .

ولعلّ نسخة «الوسائل» في رواية حفص غير صحيحة وكانت مصحّفة عن «كما ذكرته» لتشابههما خطّاً . وعلى فرض صحّتها يمكن أن يراد به :

ص: 535


1- الكافي 2 : 357 / 4 .
2- وسائل الشيعة 12 : 290 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 155 ، الحديث 1 .
3- مرآة العقول 10 : 431 .
4- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 228 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 1 .
5- الأمالي ، المفيد : 171 / 7 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 3 .
6- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 60 .

كلّما اغتبته ، أي تستغفر اللّه له في كلّ مرّة اغتبته فتوافق سائر الروايات ، أو يراد به أنّ في كلّ ذكر من المغتاب والتوجّه إلى اغتيابه يستغفر اللّه له مرّة ، ولا يجب عليه تكراره إلاّ أن يغفل عنه ويتذكّر لاغتيابه مرّة اُخرى فيجب مرّة أيضاً .

وكيف كان : توهم تلك الروايات تكفير الذنب بالاستغفار له من غير احتياج إلى التوبة والاستغفار لنفسه ، لكن الظاهر المتفاهم منها أنّ الاستغفار له كفّارة وبراء ممّا عليه من حقّ أخيه وظلمه إيّاه ، وإن شئت قلت : إنّ تلك الروايات لا تصلح لمعارضة أدلّة وجوب التوبة أو تقييدها .

ثمّ إنّ هذه الروايات معارضة للروايات المتقدّمة ، فإنّ مقتضى ما تقدّمت توقّف صحّة التوبة على غفران المغتاب وتحليله ، ويؤكّدها ظهوراً قوله : «والغيبة أشدّ من الزنا»(1) . ومقتضى هذه الروايات تكفيرها بالاستغفار له وكونه

غير أشدّ من الزنا ، فلا شبهة في تعارضهما وعدم جمع مقبول بينهما .

نعم ، لا يبعد أن تكون موثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام شاهدة جمع بين الطائفتين ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من ظلم أحداً ففاته فليستغفر اللّه فإنّه كفّارة له»(2) .

فإنّ الظاهر منها ولو بقرينة سائر الروايات أنّ المراد الاستغفار لصاحبه

ص: 536


1- الأمالي ، الطوسي : 537 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- الكافي 2 : 334 / 20 ؛ وسائل الشيعة 16 : 53 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 78 ، الحديث 5 .

لا لنفسه بل لعلّه المتفاهم من نفسها ولو بالارتكاز ؛ فإنّ الظاهر أ نّه مع فوت المظلوم يكون الاستغفار لمراعاة حاله نظير الصدقة من ماله إذا فاته ، فتكون الرواية موجبة لحمل ما دلّت على وجوب الاستحلال والاستغفار منه على صورة وجدانه وعدم فوته كما هو ظاهر سوقها أيضاً ، ومع فوته يكون الاستغفار له مرتبة من أداء حقّه ، ولا مانع منه ظاهراً .

نعم ، يمكن الإشكال على رواية السكوني بأنّ مقتضاها أنّ الاستغفار موجب للبراءة عن الحقوق المالية أيضاً عند فقد صاحب الحقّ ، وهو كما ترى .

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ الظاهر من كون الاستغفار كفّارة أ نّه كفّارة الظلم من حيث هو لا الضمان الحاصل باليد أو الإتلاف ، فلا تنافي بينها وبين ما دلّت على وجوب التصدّق في المال .

وبالجملة : إنّ تلك الرواية مع اعتبارها سنداً حاكمة على الطائفتين من الروايات ومفسّرة لها وقرينة على المراد منها .

وأمّا رواية «مصباح الشريعة»(1) الدالّة على التفصيل بين وصول الغيبة إلى صاحبها وعدمه ، فلا تصلح للاستناد إليها ؛ لعدم ثبوت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها ، بل لا يبعد أن يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال ومن إنشاءاته .

هذا كلّه مع الغضّ عن أسناد الروايات والقرائن القائمة في متونها ، وإلاّ

ص: 537


1- مصباح الشريعة : 204 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 117 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 19 .

فأبواب المناقشة في الأسناد والدلالة في كثير منها مفتوحة ، حتّى في الصحيفة

المباركة السجّادية(1) ؛ فإنّ سندها ضعيف . وعلوّ مضمونها وفصاحتها وبلاغتها

وإن توجب نحو وثوق على صدورها لكن لا توجبه في جميع فقراتها واحدة بعد واحدة حتّى تكون حجّة يستدلّ بها في الفقه .

وتلقّي أصحابنا إيّاها بالقبول كتلقّيهم «نهج البلاغة» به لو ثبت في الفقه أيضاً ، إنّما هو على نحو الإجمال وهو غير ثابت في جميع الفقرات .

هذا، مع إمكان المناقشة في دلالتها أيضاً ؛ لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به هو الفقرة الثانية المبدوءة بقوله : «اللهمّ وأيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك أو مسّه . . . » .

ولا شبهة في لزوم تأويلها وحملها على ترك الأولى ونحوه وإلاّ فظاهرها مخالف لاُصول المذهب . وحملها على التلقين بغيره أو على الشرطية مع عدم تحقّق تاليها بعيد ، ولا أقلّ من تساوي احتمال ذلك واحتمال إرادة الحقوق الغير اللازمة ، مع أنّ طلب إرضائه من اللّه تعالى لا يدلّ على لزومه ، مضافاً إلى عدم دلالتها على أنّ كلّ مظلمة لا بدّ فيها من الاسترضاء ، فإنّ غاية ما يدلّ عليه أنّ في الأذى والظلم ما يكون من قبيل الحقوق ويحتاج إلى الاسترضاء ، لا أنّ كلّ مظلمة كذلك .

فقوله : «أيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك» ظاهر في الضمانات المالية ، وقوله : «أو مسّه من ناحيتي أذىً» أعمّ ممّا يوجب القصاص وغيره ، وقوله :

ص: 538


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 188 / 101 .

«أو لحقه بي أو بسببي ظلم» أعمّ من الجميع . فحينئذٍ قوله : «ففتّه بحقّه أو سبقته بمظلمته» لا يدلّ على أنّ كلّ ذلك موجب لثبوت حقّ عليه ، بل يدلّ على أنّ ما فاته بحقّه - أي ما هو موجب لثبوت حقّ كالضمانات - يحتاج إلى الاسترضاء لا أنّ كلّ أذىً ومظلمة يحتاج إليه .

وعلى هذا سقط احتمال دلالة سائر الفقرات عليه أيضاً .

ومن بعض ما ذكر يظهر الكلام في دعاء يوم الاثنين(1) ، نعم لا يأتي فيه الاحتمال الأخير لذكر خصوص الغيبة فيه ، لكن احتمال الحقّ اللازم فيه أبعد ، بل غير صحيح لذكر بعض ما لا يكون كذلك جزماً فيه .

نعم ، لا تبعد دعوى العلم أو الوثوق والاطمينان بصدور بعض الروايات .

وعليه يمكن أن يقال : إنّ مقتضى العلم الإجمالي بصدوره لزوم الأخذ بأخصّها، ومع التباين بينها يجب الاحتياط .

لكن يمكن أن يقال : - مضافاً إلى أنّ كثرة الروايات في مثل المقام الذي يرجع جميعها إلى عدد معدود ، لا توجب الوثوق بالصدور فضلاً عن العلم به ؛ فعليك بالرجوع إليها حتّى ترى أنّ كثيراً منها مرسلات عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم يحتمل أخذ بعض الرواة عن بعض . ومضافاً إلى أنّ مضامين الروايات مختلفة وجوباً واستحباباً، ومعه لا علم بتكليف إلزامي - إنّ موثّقة السكوني(2) الحاكمة على جميعها تمنع عن تنجيز العلم الإجمالي .

ص: 539


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 544 / 238 .
2- تقدّمت في الصفحة 536 .

وأمّا الرواية المذكورة فلا مناص عن العمل بها ؛ لكونها معتمدة موثّقة ، لكن

في دلالتها على المطلوب إشكال ؛ لأنّ قوله : «ففاته» ، قرينة على أنّ الظلم الذي يجب الاستغفار لصاحبه هو ما يمكن جبرانه عند وجود المظلوم، وليس مطلق الظلم ممّا يكون له جبران، وكون الغيبة كذلك أوّل الكلام .

بل لا تدلّ على وجوب الجبران عند عدم فوت صاحب المظلمة ، لعدم تعرّضه له .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر وجوب الاستغفار له فيدلّ على وجوب أداء الحقّ .

ويمكن أن يقال : إنّ الأمر دائر بين الأخذ بإطلاق قوله : «من ظلم أحداً» وحمل الاستغفار له على الاستحباب ؛ لعدم قائل ظاهراً بوجوب الجبران في مطلق الظلم ، أو حمل الظلم على ما يكون له جبران وإبقاء الأمر على ظاهره .

وكيف كان : فلا دليل معتمد على وجوب الاستحلال أو الاستغفار للمغتاب فإنّ ما له دلالة قاصرة سنداً وغالبها قاصرة سنداً ودلالة ، وبعض ما هو معتمد كرواية السكوني قد عرفت حالها، مع احتمال أن يكون الاستغفار المذكور هو الاستغفار لنفسه عن ذنبه وإن كان المظنون أن يكون الاستغفار لصاحبه كما أشرنا إليه(1) لكنّه ظنّ خارجي لا حجّية فيه ، تأمّل .

نعم، لو كانت روايات الاستغفار له تامّ السند لكان احتمال قرينيتها على المراد فيها قريباً .

وهنا احتمال آخر في متن الرواية وهو احتمال كون «ففاته» تصحيف

ص: 540


1- تقدّم في الصفحة 536 - 537 .

«فعابه» ، كما في رواية «الجعفريات» المتقدّمة(1) ؛ لتشابههما كتباً ، واحتمال العكس أبعد . وعليه تخرج الرواية عن شهادة الجمع ولا يرد عليها الإشكال المتقدّم في الحقوق المالية بل لعلّه صار قرينة على غلط النسخة .

لكنّ الإنصاف أنّ هذه الاحتمالات لا يعتنى بها ، واللّه الهادي .

كتبها العبد المفتاق إلى اللّه الكريم

مؤلّف هذه الوجيزة

السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني

عفى اللّه عنهما.

ص: 541


1- تقدّمت في الصفحة 536 .

ص: 542

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 543

ص: 544

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ

وَاشْكُرُوا للّه ِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ *

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) 172 - 173 62

(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ

الْخِنْزِيرِ) 173 61

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ) 173 397

(غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ) 173 399

(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى

عَلَيْكُمْ) 194 481

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ

لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) 220 425

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 14، 124، 273

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا) 275 175

ص: 545

الآية رقمها الصفحة

آل عمران (3)

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

الْمُنْكَرِ) 104 234

النساء (4)

(لاَ تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) 29 252، 265، 272،

284، 408

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 149

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 124، 175

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 273

(فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) 112 436

(احْتَمَلَ بُهْتَاناً) 112 436

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) 148 456

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) 148 451، 479، 483

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللّه ُ سَمِيعاً عَلِيماً) 148 477

(مَنْ ظُلِمَ) 148 478

(سَمِيعاً عَلِيماً) 148 478

ص: 546

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 312

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 273

(وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ

تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالعُدْوَانِ) 2 221

(ولاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) 2 221، 222، 223

(لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ) 2 236

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) 3 464

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ

الْخِنْزِيرِ) 3 60، 104

(فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ

مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 3 399

(غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ) 3 399

(يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ) 4 62

(يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ

لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) 4 59

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) 4 62

(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ

لَكُمْ) 5 62

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) 90 194، 464

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ 90 21، 56

ص: 547

الآية رقمها الصفحة

(مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) 90 57

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ

الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلَوةِ) 91 57، 411

الأعراف (7)

(لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ

وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ * الَّذِينَ

يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى

يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ

وَالاْءِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ

الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) 156 - 157 58

(فَسَأَكْتُبُهَا) 156 58

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) 157 347

التوبة (9)

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ

بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

الْمَعْرُوفِ) 67 282

(فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) 122 234

ص: 548

الآية رقمها الصفحة

الرعد (13)

(وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) 21 484

الأنبياء (21)

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ) 16 402

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا

بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ) 16 352

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا

بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ

لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا

فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى

الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ

الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) 16 - 18 359

(بَلْ نَقْذِفُ) 18 406

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ

فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) 18 405

الحجّ (22)

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) 30 347

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 343، 348

(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 343، 346، 347

ص: 549

الآية رقمها الصفحة

النور (24)

(لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ

وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا

إِفْكٌ مُبِينٌ) 12 514

(سَمِعْتُمُوهُ) 12 514

(ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ

خَيْراً) 12 529

(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ

اللّه ِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 13 515

(مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) 15 514

(وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ

لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ

عَظِيمٌ) 16 515

(إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) 16 515

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) 19 455

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) 19 451

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ

فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) 19 416، 417، 498

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ

فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى

الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ) 19 418، 452

ص: 550

الآية رقمها الصفحة

الفرقان (25)

(وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ) 72 351

(وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) 72 403

الشعراء (26)

(وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) 227 479

القصص (28)

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ

عَدُوّاً وَحَزَناً) 8 351

لقمان (31)

(وَمِنَ النَّاسِ) 6 349، 394

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى) 6 357، 394

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ

الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه) 6 363، 391

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ

الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ بِغَيْرِ

عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ

مُهِينٌ) 6 348

(لَهْوَ الْحَدِيثِ) 6 349

ص: 551

الآية رقمها الصفحة

سبأ (34)

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ) 13 315، 237

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ

وَتَمَاثِيلَ) 13 297

الشورى (42)

(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ

يَنْتَصِرُونَ) 39 481

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا

عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى

الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى

اْلأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) 41 - 42 480

الحجرات (49)

(إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ) 10 421

(وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) 12 415، 430، 474

(وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ

أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً

فَكَرِهْتُمُوهُ) 12 413

الحشر (59)

(هُوَ اللّه ُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) 24 292

ص: 552

الآية رقمها الصفحة

المدّثّر (74)

(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) 4 23، 60

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) 5 23، 59

الهمزة (104)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) 1 451

ص: 553

ص: 554

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل 295، 316

اتّخذ ثوباً لصلاتك 85

أتدرون ما الغيبة؟ 428، 432، 437

اجتنبوا الغيبة ، فإنّها إدام كلاب النار 414

أجر الزانية سحت 96

أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس 361، 390

اجعل ثوباً للصلاة 84

احمل إليهم ، فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم 257

إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس 140، 243

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 36، 82

إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه ، حتّى يذهب ثلثاه 144

إذا جاهر الفاسق بفسق 470

إذا جاهر الفاسق بفسقه 470

إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة 466، 518

إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته 457

إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة ، فلا 77

ص: 555

إذا فرغ فليغسل يده 129

إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس 259

إذا ميّز اللّه الحقّ من الباطل مع أيّهما يكون ؟ 252

إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ 354، 412

إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها 145

أرأيتك إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟ 404

أربعة ليس غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الكذّاب . . . 466

ارفق بالقوارير 386

استصبحوا به ولا تأكلوه 173

أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً ، أو قتله نبي 287

أعظم في التحريم من الميتة 415

اعلم أ نّك إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه 433

اعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم أعظم . . . 415

ألاّ انتفعتم بجلدها ؟ 90

ألاّ انتفعوا بجلدها ؟ 82

ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه . . . 524

التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس 363

أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر 20

أمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له ، فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا 146

أمّا السمن والعسل ، فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به 145

أمّا الميتة فإنّه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه ، ونحل جسمه ، وذهبت قوّته 62

أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ 89

إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام 195

ص: 556

إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه 533

إنّ أخوف ما أخاف على اُمّتي من بعدي ، هذه المكاسب المحرّمة 24

أنّ التصيّد مسير باطل 403

إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها 49، 51، 137، 183

إنّ الذي حرّم شربه حرّم ثمنه 153

إنّ الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه . . . 480

إنّ اللّه إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه 153

إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه 23، 38، 39، 49، 124،

283

إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه 40، 51

إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلال نفسه 440

إنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه 24

إنّ اللّه خلق العقل ، وهو أوّل خلق من الروحانيين 305

إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها 20

إنّ اللّه يبغض البيت اللحم 416

أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا بيتاً فيه كلب 326

أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه 496

إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت 211

إنّ ثمنها سحت 215

إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر . . . 24، 47

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن الغيبة والاستماع إليها 506

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار 69

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار ، وعن بيع الميتة والخنزير والأصنام 26

ص: 557

إنّ عليّاً علیه السلام كان يصلّي في سيفه وعليه الكيمخت 91

أنّ علياً علیه السلام كره الصور في البيوت 325

إنّ في كتاب علي علیه السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به 61، 79

إن كان جامداً فتطرحها وما حولها ، ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فاسرج به 64

إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء 35

إن كنت لا تثق به فلا تبعها على أ نّها ذكيّة ، إلاّ أن تقول : قد قيل لي : إنّها ذكيّة 97

أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب 82

إن لم تمسّه فهو أفضل 88

إنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء 462

إنّما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة 416

إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا ستره اللّه عزّ وجلّ 436

إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه 28، 143، 243

إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً 307، 329

إنّما خرج في لهو 400، 403

إنّ من أشدّ الناس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون 288

إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات ، واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء 380

إنّ من الغيبة أن تقول . . . 448

إنّ من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه 434

إنّه رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب 63

انهشا منها 495

أ نّه كره الصور في البيوت 325

إنّهما لا يعذَّبان في كبيرة ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس 420

أو تحت رجليك 322

ص: 558

أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، أو البيع للميتة 44

اُولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس 381

أو لحقه بي أو بسببي ظلم 539

أو مسّه من ناحيتي أذى 538

اُهدي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راوية خمر بعد ما حرّمت الخمر . . . 25

إيّاكم وعمل الصور ، فإنّكم تسألون عنها يوم القيامة 298

أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك . . . 523

أيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك 538

أيّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله 491

بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء 14، 37

الباغي : الظالم ، والعادي : الغاصب 398

الباغي : باغي الصيد ، والعادي : السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة 397

بعه وبيِّنه لمن اشتراه ، ليستصبح به 146

بلى مرّ بكم فلان فوقعتم فيه 416

بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة . . . 112

بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة 365

بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت 194

تكسر رؤوس التماثيل وتلطّخ رؤوس التصاوير ويصلّى فيه ولا بأس 327

تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وكانت شاة مهزولة . . . 78

ثكلتك اُمّك ، أتدري ما الاستغفار ؟ والاستغفار درجة العلّي-ين 534

ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع ، والإمام الجائر . . . 466

ثمن الخمر ، ومهر البغي ، وثمن الكلب الذي لا يصطاد ، من السحت 115

ثمن العذرة من السحت 68

ص: 559

ثم-ن الكلب الذي لا يصيد سحت 114

ثمن المغنّية سحت 214

ثمن الميتة سحت 108

ثمنها سحت 137

جميع التقلّب في ذلك حرام 12

جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم . . .أربع جهات 267

حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه 468

حرام أجره 207، 247

حرام بيعها وثمنها 15، 68

حرام ، وهو خمر ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر 21

حرِّك بالنوق 385

حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان . . . 65

حسِّنوا القرآن بأصواتكم ، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً 381

[حلال] ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟ 243

الحلال من البيوع ، كلّ ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك 13

خذ منه وبره ، فاجعلها في فخّارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها 129

خذها ثمّ أفسدها 52

خرجت وأنا اُريد داود بن عيسى بن علي ، وكان ينزل بئر ميمون . . . 217

خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه 21

دخل قوم على أبي جعفر علیه السلام وهو على بساط فيه تماثيل 291

الدين نصيحة 491

ذكر اللّه حسن 457

ذكرك أخاك بما يكره 423، 432، 433،

439، 456، 457

ص: 560

ذكرك أخاك بما يكرهه 437

الذي لا يصيد 115، 116

الذي يصيد 115

الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه 500

الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء 343

رقية الزنا 411

رويدك رفقاً بالقوارير ؛ يعني النساء 385

سئل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر اللّه لمن اغتبته 535

ساتراً لجميع عيوبه 468

السامع للغيبة أحد المغتابين 493، 501

السحت ثم-ن الميت-ة 95

السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي 111

سحت ، وأمّا الصَيود فلا بأس 114

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين 380

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم 83، 89

شراؤهنّ وبيعهنّ حرام 212

شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق 352

الشطرنج من الباطل 404

صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة 378

صونوا أعراضكم 440

الطواف بالبيت صلاة 502

ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة 415، 430

الغناء رقية الزنا 350

ص: 561

الغناء شرّ الأصوات 356

الغناء غشّ النفاق 356

الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله 365

الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار 394

الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار 348، 351

الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه 434، 435

الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه 423، 443

الغيبة أن تقول لأخيك ما ستره اللّه عليه 471

الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك 494، 508

الفاسق المعلن بالفسق . . . 470

فأمّا إذا كان عصيراً . . . 242

فتقطع رؤوسها 324

فتنزّهوا أسماعكم 507

فجميع تقلّبه في ذلك حرام 45

فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه ، ويتّخذونه مزامير 381

ففتّه بحقّه أو سبقته بمظلمته 539

الفقّاع خمر 502

فلا بأس بلبسه والصلاة فيه 81

فلا يغار بعدها حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار 411

فما لك وللباطل ؟ 252

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً . . . فهو من أهل العدالة والستر 469

فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه 44

فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته 12

ص: 562

فهو ممّن ظلم 484

فهو من الذين قال اللّه . . . 455

قاتل اللّه اليهود ، إنّ اللّه لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه 276

قال أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في هدم القبور وكسر الصور 289

قال جبرئيل علیه السلام : إنّا لا ندخل بيتاً فيه تمثال لا يوطأ 291

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها 378

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون 522

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم 422

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : زادُ المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناً 386

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر 20

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً 525

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه 491

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها 496

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من ظلم أحداً ففاته فليستغفر اللّه فإنّه كفّارة له 536

قال قائل لأبي جعفر علیه السلام : يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل . . . 290

قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلاّ ثمن كلب 112

قد حكمت 404

قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ 446

قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها بالإهاب 90

قل لها : لا تشارط وتقبل ما اُعطيت 377

قول الزور الغناء 394

قولوا في الفاسق ما فيه كي تحذره الناس 474

كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك 408

ص: 563

كأ نّك إذا استقضيت . . . 485

كأ نّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ؟ ! 484

كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء . . . 352، 357، 403

كذب من زعم أ نّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة 416

كذبوا ، إنّ اللّه يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ . . .( 352، 402

كفّارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته 535

كفّارة من استغبته أن تستغفر له 535

كفر باللّه العظيم 259

الكفّ عنهم أجمل 424

كلّ أعمال البرّ بالصبر 87، 88

كلّ أعمال البرّ بالصبر - يرحمك اللّه - فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً ، فلا بأس 85

الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله 289

الكلب الذي لا يصيد 117

كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه 101، 105

كلّ لهو المؤمن باطل 407

كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه . . . 402

كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر 409

كلّ ما قومر عليه فهو ميسر 410

كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم 194

لا ، اطرح عليها ثوباً ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك 322

لا ، إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، فإنّ التصيّد مسير باطل 400

لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك 322

لا بأس ، أمّا للمقتضي فح-لال ، وأمّا للبائع فحرام 125

ص: 564

لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّكم في هدنة 257

لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت 377

لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت ، إذا غيّرت رؤوسها منها 326

لا بأس ببيع العذرة 15، 68

لا بأس ببيعه حلالاً 143

لا بأس ببيعه حلالاً ليجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه 142

لا بأس بذلك ، إنّما إرادتك أن يتحوّل الخمر خلاًّ ؛ وليس إرادتك الفساد 53

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك 79

لا بأس به ، تبيعه حلالاً فيجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه 244

لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب 88

لا بأس به ما لم يزمر به 366

لا بأس به ما لم يعص به 364

لا بأس به ، وإن غلى فلا يحلّ بيعه 143

لا بأس ما لم يعلم أ نّه ميتة 82

لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان 293

لا بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال 363

لا تبع ما ليس عندك 14

لا تبعه في فتنة 261

لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا سقوف البيوت 297

لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجداً 290

لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها 366

لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته 289

لا تسخطوا اللّه برضا أحد من خلقه 375

ص: 565

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل 14

لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً 90

لا تصلّ فيها وشيء منها مستقبلك ، إلاّ أن لا تجد بدّاً فتقطع رؤوسها 324

لا تكسر القوارير 386

لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب 82

لا حاجة لي فيها ؛ إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت 113، 215، 353

لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر 216

لا ، حتّى يقطع رأسه أو يفسده . وإن كان قد صلّى ، فليس عليه الإعادة 324

لا صلاة إلاّ بطهور 532

لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا 475

لا غيبة لفاسق 474

لا ، ولو لبسها فلا يصلّ فيها 27

لا ، ولو لبسها فلا يصلّي فيها 81

لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيّز الباطل واللهو 403

لا يأكلها ولا يبيعها 27

لا يجوز الصلاة في وبره 14

لا يصلح أن يلعب بها 293

لا يصلح ثمنه 47

لا يعذّب اللّه مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوء ظنّه واغتيابه للمؤمنين 534

لا يلبس ولا يصلّى فيه ، إلاّ أن يكون ذكيّاً 80

لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 80

لعن اللّه اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا ثمنها 276

لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها . . . 19، 46

ص: 566

للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً لا براء له منها إلاّ بالأداء أو العفو 533

للّه ولرسوله ولأئمّة الدين ولجماعة المسلمين 491

لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض . . . 409

لم تعط اُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال والصوت الحسن والحفظ 383

لو أنّ الدار لي لقتلت بائعه ولجلدت شاربه 21

لو باع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعله حراماً لم يكن بذلك بأس 242

لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء . . . 240

له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب 523

اللهمّ وأيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك أو مسّه . . . 538

ليس أن يذلّ نفسه 440

ليست بالتي يدخل عليها الرجال 354

ليست يدخل عليها الرجال 392

ليس حيث تذهب ، إنّما هو إذاعة سرّه 496

ليس عليه فيما لا يعلم شيء ، فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس التماثيل 325

ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلاّ غلب الحقّ الباطل 405

ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه 495

ما خالف قول ربّنا زخرف 489

ما سمعته اُذناه 431

ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلِّ فيه 91

ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنّة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل 383

ما عمِر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين 494

ما عمر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا أسماعكم من استماع الغيبة 507

ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها ؟ ! 78

ص: 567

ما لفلان يشكوك ؟ 484

ما لم يزمر به 367، 368، 369

ما لم يعص به 367، 368

ما لم يكن من الحيوان 315

ما لم يؤزر به 367

ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟ 415، 430

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 36

المستمع أحد المغتابين 493

المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يغشّه ولا يحرمه 522

المسلم أخ-و المسلم هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه 423

المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها 391

المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل كسبها 353

ممّا ستره اللّه عليه 445

من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه اللّه لبّه 492

من أصغى إلى ناطق فقد عبده 354

من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم فهو ممّن ظلم 479، 483

من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن 164

من اغتاب مؤمناً بما فيه 432

من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنّة أبداً 431

من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره اللّه وأعانه 521

من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللّه ، لعنته ملائكة الرحمة 165

من اكترى دابّة أو سفينة ، فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير . . . 26، 207

من أكل السحت ثمن الخمر 114

ص: 568

من أكل السحت سبعة 298

من ألقى جلباب الحياء عن وجهه 470

من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له 442

من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له 466

من ترك الصلاة متعمّداً من غير علّة فقد برئ من ذمّة اللّه 419

من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام 287

من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس 449

من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه 435، 444

من ردّ عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار 525

من صوَّر التماثيل فقد ضادّ اللّه 287

من صوّر صورة من الحيوان يعذَّب حتّى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها 299

من ضرب في بيته أربعين صباحاً سلّط اللّه عليه شيطاناً 411

من ظلم أحداً . . . 540

من ظلم أحداً فعابه فليستغفر اللّه له كما ذكره؛ فإنّه كفّارة له 535

من عامل الناس فلم يظلمهم . . . كان ممّن حرمت غيبته 467

من قال في أخيه المؤمن ممّا فيه ممّا قد استتر به عن الناس فقد اغتابه 467

من قال في مؤمن . . . 455

من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اُذناه كان من الذين . . . 418

من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعته اُذناه فهو من الذين . . . 455، 417، 431،

438، 498

من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه اللّه في طينة خبال 436

من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلّها 534

من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح 291

ص: 569

النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر 194

نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه 411

نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها 89

نهى عن الغيبة 507

نهى عن الغيبة والاستماع إليها 493

نهى عن تزويق البيوت 314

واجعلها خلاًّ 52

وأعلمهم إذا بعته 171

والاستماع إليها 507

والاشتغال بالملاهي 411

والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه 468

والذين يصوّرون التماثيل 298

والعادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً 397

والغيبة أشدّ من الزنا 536

واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء 315

واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنّها الشجر وشبهه 297

والملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار 410

والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة 522

وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا 446

وأمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له فيبتاع للسراج، وأمّا الأكل فلا 177

وأمّا الميسر : فالنرد والشطرنج . وكلّ قمار ميسر 194

وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات . . . 44، 266

وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار واُمور الجاهلية 195

ص: 570

وإنّ اللّه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه 161

وإن كان ذائباً فأسرج به ، وأعلمهم إذا بعته 146

وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك 177

وأ نّى لك بأخيك كلّه ؟ وأيّ الرجال المهذّب ؟ 486

وبائع السلاح من أهل الحرب 259

وثمن المغنّية حرام 211

وثمن الميتة سحت 96

وذلك إنّما حرّم اللّه . . . 329

وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني 295، 305، 315

وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة 69

وكذلك كلّ بيع (مبيع . ظ) ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه 251

وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه . . . 13

وكلّ شيء يحلّ أكله . . . 81

وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كلّه حلال بيعه 44

وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه 80

وكلّ ما منه وفيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّب فيه 328

ولا بأس بثمن الهرّ 114

ولا بيتاً فيه بول مجموع في آنية 326

ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته 453

ولا يأكلها ولا يبيعها 89

ولكنّه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم 62

وما الكيمخت ؟ 91

وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه 26

ص: 571

وما يكون منه وفيه الفساد . . . 330

وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء . . . 329

ومن تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه 365

ومن ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ 524

ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه 500

ومن صوّر التماثيل ، فقد ضادّ اللّه 293

ومن مشى في عيب أخيه . . . كان أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم 438

ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم 295

ونهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع النرد 194

ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه . 533

ويستحسنون الكوبة والمعازف 381

ويستر عورته 533

ويغسل اللحم ويؤكل 63

ويل لفلان ممّا يصف 359

هذه لو انتفعوا بإهابها ؟ 90

هو الغناء 351

هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل 432، 444، 471

هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً 143، 144، 244

هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس 414

يا أبا حمزة ، إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا 424

يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق 432

يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي اللّه 423

يا أبا محمّد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك 381

ص: 572

يا أيّوب ، ما من أحد إلاّ وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلْبه 406

يا أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه 347

يا بنيّ ، نزِّه سمعك عن مثل هذا ، فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه 494

يأتي عنكم الخبران المختلفان . . . 17

يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ 414

يا علي ، كفر باللّه العظيم من هذه الاُمّة عشرة 259

يا علي ، من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّه 521

يا علي ، من السحت ثمن الميتة 96

يا علي ، من السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب وثمن الخمر 112

يأكل ثمنه 108

يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ، وينهى عن تزويق البيوت 296

يا محمّد ، كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك 452

يا معلّى ، إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل 523

يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضى دينه 27، 127

يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه 107، 108

يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه 490

يجعله حراماً 242

يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها 96

يعني بذلك القمار 408

يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 63

ص: 573

ص: 574

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 1،

19، 20، 21، 24، 25، 26، 46، 47،

48، 49، 54، 58، 69، 78، 82، 83،

89، 90، 96، 108، 112، 115،

123، 124، 136، 137، 173، 175،

182، 194، 195، 201، 220، 221،

244، 252، 257، 258، 259، 260،

261، 276، 282، 288، 289، 290،

295، 296، 297، 316، 328، 347،

350، 352، 359، 364، 378، 380،

381، 383، 386، 398، 401، 402،

406، 413، 414، 415، 416، 419،

421، 422، 423، 428، 430، 431،

432، 433، 437، 439، 442، 456،

466، 474، 475، 476، 482، 491،

493، 495، 496، 504، 505، 506،

507، 516، 521، 522، 524، 525،

529، 533، 535، 536، 539

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام، الإمام الأوّل 14،

37، 52، 61، 79، 83، 89، 91، 96،

112، 173، 259، 261، 289، 290،

298، 325، 328، 380، 409، 421،

467، 476، 477، 493، 494، 495،

500، 521، 525، 534

الحسن علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام،

الإمام الثاني

الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الثاني 378،

494، 495

الحسين، أبو عبداللّه علیه السلام = الحسين بن

علي علیه السلام، الإمام الثالث

ص: 575

الحسين بن علي علیه السلام، الإمام الثالث 374،

379

السجّاد علیه السلام = علي بن الحسين علیه السلام،

الإمام الرابع

علي بن الحسين علیه السلام، الإمام الرابع 383،

384

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام الخامس 19،

20، 35، 46، 85، 105، 125، 129،

145، 149، 165، 176، 182، 194،

252، 257، 290، 291، 321، 323،

326، 348، 351، 354، 357، 358،

381، 400، 403، 422، 424، 479،

480، 491، 521، 522

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس 13،

15، 17، 24، 25، 26، 27، 47، 51،

52، 53، 61، 62، 64، 68، 78، 79،

80، 83، 90، 91، 94، 95، 96، 97،

105، 106، 107، 111، 112، 114،

115، 125، 129، 130، 131، 140،

142، 143، 144، 145، 146، 183،

194، 207، 240، 243، 244، 247،

257، 261، 288، 291، 293، 295،

296، 297، 298، 305، 316، 325،

343، 344، 351، 352، 353، 359،

361، 363، 365، 367، 375، 377،

378، 379، 386، 390، 397، 398،

400، 402، 404، 405، 406، 408،

409، 410، 416، 417، 418، 419،

423، 431، 433، 435، 436، 438،

443، 444، 454، 466، 467، 468،

469، 479، 483، 484، 485، 486،

490، 491، 494، 496، 498، 508،

522، 523، 535، 536

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام

السادس)258، 358

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام

السادس)322

الكاظم، أبو الحسن الماضي، أبو الحسن

الأوّل علیه السلام = موسى بن جعفر علیه السلام،

الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام، الإمام السابع 20،

24، 27، 80، 90، 96، 107، 113،

ص: 576

215، 216، 259، 293، 323، 326،

352، 353، 366، 435، 444، 452

الرضا، أبو الحسن علیه السلام = علي بن

موسى علیه السلام، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام، الإمام الثامن 18،

21، 27، 45، 80، 85، 87، 88، 89،

91، 94، 96، 112، 121، 127،

194، 217، 242، 290، 291، 351،

357، 358، 380، 403، 414، 416،

442، 466، 500

الجواد علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

التاسع

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام التاسع 85، 87

الهادي، أبو الحسن علیه السلام = علي بن

محمّد علیه السلام، الإمام العاشر

علي بن محمد علیه السلام، الإمام العاشر 80

العسكري علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الحادي عشر

415

آدم 409

سليمان بن داود، النبي 297، 316

عيسى المسيح 248

ص: 577

ص: 578

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 94

أبان بن عثمان 418، 435، 456

إبراهيم بن أبي البلاد 113، 211، 215،

216، 353

إبراهيم بن محمّد 365

ابن أبي القاسم الصيقل = الصيقل،

القاسم بن أبي القاسم

ابن أبي عمير، محمّد 27، 64، 130،

131، 291، 304، 417، 418، 431،

435، 438، 454، 498، 504

ابن أبي ليلى، محمّد بن عبدالرحمان 82

ابن أبي نجران = عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن أثير = ابن الأثير

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 38، 92،

95، 109، 127، 134، 139، 147،

175، 420

ابن اُذينة = عمر بن اُذينة

ابن الأثير 437، 450

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 93

ابن الجنّي 478

ابن الجنيد = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

94، 95

ابن الشيخ الطوسي = الطوسي، الحسن

بن محمّد

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري 400

ابن القدّاح، عبداللّه بن ميمون القدّاح 288

ابن المغيرة = عبداللّه بن المغيرة

ص: 579

ابن الوليد 449

ابن الهيثم = محمّد بن الهيثم

ابن بابويه، محمّد بن علي 79، 94، 95،

96، 133، 259، 290، 357، 383،

417، 420، 449، 494، 495

ابن بكير، عبداللّه 400

ابن حمزة، محمّد بن علي 6، 30، 109

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 29، 73

ابن زهرة، حمزة بن علي 29، 30، 38،

39، 54، 73، 74

ابن سعيد، يحيى بن أحمد 122

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن سيّابة = عبدالرحمان بن سيّابة

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 411، 414

ابن شهر آشوب، محمّد بن علي 386

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 478

ابن عمّ أبو هريرة 496

ابن عمر 173

ابن فضّال 353

ابن مروان = محمّد بن مروان

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

أبو البختري 466، 470

أبو الجارود 20، 136، 194

أبو الخطّاب = محمّد بن الحسين بن أبي

الخطّاب

أبو الدرداء 525

أبو العبّاس = الفضل بن عبدالملك

البقباق

أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي 195،

493، 496

أبو الورد 521

أبو بصير 25، 53، 64، 115، 137، 140،

141، 144، 145، 152، 167، 194،

243، 295، 296، 316، 343، 361،

363، 367، 377، 381، 382، 390

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 424

أبو حنيفة 73، 124، 175، 379

أبو ذرّ 423، 432، 433، 437

أبو سعيد الخدري = الخدري، أبو سعيد

أبو عبيدة = الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو عبيدة الحذّاء 408

أبو علي بن أبي هريرة 54

أبو كهمس، الهيثم بن عبيد 143، 144،

244

أبو محمّد = أبو بصير

أبو مخلّد السراج 97

أبو مريم 79

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 432

أحمد بن الحسن بن إسماعيل ‘

ص: 580

الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد 85

أحمد بن هارون 466

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 92، 105،

109، 129، 134، 227، 228، 244،

317، 321، 327، 375

اُسامة بن زيد 415، 430، 431

إسحاق بن عمر 216

إسماعيل بن عبد الخالق 146، 152،

177

إسماعيل بن مرار 128

الأصفهاني، محمّدرضا 335، 338، 344

الأعمش 410

الأقطع، سليمان بن خالد 422، 522

أنجشة 385، 386

أنس بن محمّد 96، 112

الأنصاري = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الأنصاري، مرتضى، بن محمّد أمين 15،

86، 99، 109، 139، 147، 150،

151، 155، 161، 162، 163، 164،

171، 185، 190، 210، 228، 229،

230، 248، 251، 293، 317، 320،

330، 337، 341، 345، 346، 355،

367، 369، 370، 428، 437، 439،

441، 458، 460، 468، 472، 482،

487، 488، 493، 501، 513

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 124، 419،

495

الأهوازي، الحسين بن سعيد 436

الإيرواني، علي بن عبدالحسين 221،

319

أيّوب بن الحرّ = الجعفي، أيّوب بن الحرّ

البحراني، يوسف بن أحمد 420

برد الإسكاف 129

البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد 24،

406

البزنطي، أحمد بن محمّد 27، 89، 92،

96، 242، 398

البصري، الحسن 479

البطائني، علي بن أبي حمزة 88، 90، 91،

240، 390

بعض أعيان المدقّقين = الشيرازي،

محمّد تقي بن محبعلي

بعض الأساطين = اليزدي، محمّد كاظم

بن عبدالعظيم

ص: 581

بعض المدقّقين = الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض مشايخنا = الأصفهاني، محمّد

رضا

الشهيد = الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد = الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي

البهائي = الشيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

تميم الداري، أحمد 491

ثعلبة بن ميمون 486

جابر = الأنصاري، جابر بن عبداللّه

جابر = الجعفي، جابر بن يزيد

جرّاح المدائني 114، 296

الجرجاني، الفتح بن يزيد 80، 83

الجعفي، أيّوب الحرّ 406

الجعفي، جابر بن يزيد 19، 35، 46،

206، 491

جميل = جميل بن درّاج

جميل بن درّاج 52، 138

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 306،

429، 441

حاتم بن إسماعيل 325

الحارث بن مغيرة 423

الحذّاء، زياد بن عيسى 165، 306، 490

حذيفة اليمان = حذيفة بن اليمان

الصحابي

حذيفة بن اليمان الصحابي 378

الحرث بن المغيرة = الحارث بن مغيرة

الحسن = البصري، الحسن

الحسن بن علي = الوشّاء، الحسن بن

علي

الحسن بن علي بن أبي المغيرة 78

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسن بن هارون 365

الحسين بن زيد 295

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحسين بن يزيد 387

الحضرمي، أبو بكر 257، 260، 262

حفص بن عمر 535

حكم الخيّاط 391

حكم السرّاج 257، 262

الحلبي، عبيداللّه بن علي 105، 107،

142، 143، 244

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 344، 397، 400، 484

ص: 582

حمّاد بن عمرو 96، 112

الحميري، عبداللّه بن جعفر 96، 368

حنّان بن سدير 376

الخدري، أبو سعيد 173

الخراساني = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

الداماد، ميرمحمّد = الميرداماد، محمّد

باقر بن محمّد

داود بن سرحان 431، 438، 444، 448،

456، 458، 459، 465، 475

داود بن عيسى بن علي 217

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

24، 466

الراوندي = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

ربعي بن عبداللّه 522

الرشيد = هارون الرشيد

رفاعة بن موسى = النخّاس، رفاعة بن

موسى

الريّان بن الصلت 88، 91، 351، 357،

403، 404، 412

زرارة 83، 93، 125، 129، 130، 131،

133، 145، 176، 326، 400، 404

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

زياد بن عيسى الحذّاء = أبو عبيدة

الحذّاء

زيد الشحّام 343، 365

السدي 479

السرّاج = هند السرّاج

السرّاد، الحسن بن محبوب 261، 448

سعد بن محمّد الطاطري = الطاطري،

سعد بن محمّد

سعيد بن جبير 432، 494، 507

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 63، 95،

111، 289، 386، 387، 536، 537،

539، 540

سلاّر = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 67

سلمان 415، 430، 431

سليمان الإسكاف 129

سليمان بن جعفر 21

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن

خالد

سماعة بن مهران 14، 15، 16، 68، 70،

71، 77، 82، 83، 88، 409، 467،

473، 475، 491

سمرة بن جندب 137، 476

ص: 583

سودة بنت زمعة 78

سهل بن زياد الآدمي 79

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

السيّد اليزدي = اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

سيف بن التمّار 129

سيف بن سليمان التمّار 129

السيوري الحلّي، مقداد بن عبداللّه 94

الشافعي، محمّد بن إدريس 29، 41، 73،

124، 173، 175، 176، 379

شعيب 106

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن

مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي) 92، 229

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 384

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 74،

427، 429، 437، 439، 442، 451،

463، 464، 493

الشيخ = الأنصاري، مرتضى بن محمّد

أمين

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخ البهائي، محمّد بن الحسين 427،

437، 451

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الشيخ الطوسي = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الشيخ المرتضى = الأنصاري، مرتضى

بن محمّد أمين

الشيرازي = الشيرازي، محمّدتقي بن

محبعلي

الشيرازي، محمّدتقي بن محبعلي 99،

268، 331، 335، 499، 514

صابر 206، 207، 247

صاحب التنقيح الرائع = السيوري

الحلّي، مقداد بن عبداللّه

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

424

صاحب الرياض = الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

صاحب الصحاح = الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب الكفاية (كفاية الفقه) = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

ص: 584

صاحب المجمع (مجمع البحرين) =

الطريحي، فخر الدين بن محمّد

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

صاحب المصباح = الفيّومي، أحمد بن

محمّد

صاحب مفتاح الكرامة = العاملي،

الغروي، جواد بن محمّد

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 79، 94،

95، 96، 133، 259، 290، 357،

383، 417، 420، 449، 494، 495

صفوان بن يحيى 375

الصيقل، أبو القاسم 51، 84، 85، 86،

96، 261

الصيقل، القاسم بن أبي القاسم 84، 85،

86، 87

ضريس الكناسي = الكناسي، ضريس

الطاطري، سعد بن محمّد 212، 352،

353

الطباطبائي = الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 78، 93،

193، 246

الطباطبائي = اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

الطبرسي، فضل بن الحسن 23، 429،

431، 450، 479، 483

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 429،

441، 473

الطوسي، الحسن بن محمّد 409

الطوسي (الخواجه نصير الدين) = نصير

الدين الطوسى، محمّد بن محمّد

الطوسي، محمّد بن الحسن 18، 21، 28،

33، 38، 39، 66، 67، 72، 73، 74،

75، 76، 93، 109، 122، 124،

133، 138، 170، 173، 174، 175،

229، 353، 387، 432، 438، 475

عائشة بنت أبي بكر 515، 516

العامري، أبو عبداللّه 114

العامري، الوليد 114

العاملي، الغروي، جواد بن محمّد 134،

138، 184، 318، 385

العبّاسي 351، 357، 403

عبدالأعلى = عبدالأعلى بن أعين مولى

آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 344،

ص: 585

352، 358، 360، 364، 402، 403

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 114

عبدالرحمان بن أبي نجران 27، 127

عبدالرحمان بن الحجّاج 97

عبدالرحمان بن سيابة 433، 438، 443،

444، 448، 449، 456، 458، 475

عبدالعظيم الحسني = عبدالعظيم بن

عبداللّه علیه السلام

عبدالعظيم بن عبداللّه علیه السلام 397، 414،

419

عبداللّه بن أبي يعفور 468، 473، 474،

475

عبداللّه بن الحسن 368

عبداللّه بن المغيرة 290، 401، 407

عبداللّه بن حكيم 82

عبداللّه بن رواحة 385

عبداللّه بن سنان 101، 105، 378، 380،

423، 435، 438، 443، 448، 456،

458، 496

عبداللّه بن طلحة 298

عبداللّه بن عبّاس 380

عبيد بن زرارة 53

العبيدي، محمّد بن عيسى 406

عطاء بن يسار 20

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 5، 29،

38، 54، 67، 72، 73، 75، 78، 92،

94، 107، 108، 109، 175، 188،

190، 229، 384، 400

علقمة بن محمّد 469

علم الهدى، علي بن الحسين 38، 39،

67، 133

العلوي، محمّد بن جعفر 525

علي 52

علي بن أبي المغيرة 78، 83

علي بن أبي حمزة = البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن الحديد 52

علي بن جعفر 27، 80، 81، 83، 107،

259، 261، 293، 323، 326، 352،

360، 364، 365، 366، 367، 368

علي بن يقطين 20

العمّاري، الوليد 114

عمر بن اُذينة 27، 143، 183، 207،

243، 247

عمرو بن حريث 183، 247

العيّاشي، محمّد بن مسعود 113، 398،

447، 479، 483

عيسى بن أبي منصور 490

ص: 586

الغزالي، محمّد بن محمّد 339، 379،

493

الفاضل الخراساني = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

الفاضل المقداد، المقداد بن عبداللّه 55،

74، 94، 229

الفاضل الهندي، محمّد بن الحسن 92،

134

الفتح بن يزيد = الجرجاني، الفتح بن

يزيد

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 55، 74

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالملك البقباق 297، 309،

315، 327

الفضيل بن يسار 252، 522

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

353، 360، 363

الفيّومي، أحمد بن محمّد 430، 433

قابيل 409

القاساني، الحسن بن علي 113

قتادة 59

القدّاح 328

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 19،

292، 378، 416، 442، 466

القمّي، زكريّا بن آدم 63

القمّي، علي بن إبراهيم 380، 418، 478

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

كاشف الرموز = الآبي، الحسن بن أبي

طالب

كاشف اللثام = الفاضل الهندي، محمّد

بن الحسن

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 61، 79

الكراجكي، محمّد بن علي 533

الكليني، محمّد بن يعقوب 79، 123

الكناسي، ضريس 105

مارية القبطية 516

مالك 29، 124، 175، 176

المأمون، خليفة العبّاسي 414

المثنّى = المثنّى بن الوليد

المثنّى بن الوليد 325

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 93،

ص: 587

305، 384، 386، 388، 484

المحقّق التقي = الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 5، 32،

92، 93، 107، 108، 384، 385،

387

المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن 353، 360، 384

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 138،

190، 193، 223، 379، 437

محمّد بن أبي عبّاد 403

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 76

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب 306

محمّد بن الهيثم 144

محمّد بن حمران 417

محمّد بن سليمان 90

محمّد بن علي بن شهر آشوب = ابن

شهر آشوب، محمّد بن علي

محمّد بن عيسى بن عبيد 84، 85، 96،

449

محمّد بن فضيل 452

محمّد بن مروان 299، 308

محمّد بن مسكان 128

محمّد بن مسلم 24، 47، 51، 114،

124، 125، 137، 293، 307، 308،

315، 321، 322، 328، 348، 351

محمّد بن مضارب 16، 68

مسعدة بن صدقة 101

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي 261

معاوية بن سعيد 128

معاوية بن وهب 145، 146، 152، 490

معتب 97

المعلّى بن خنيس 523

المعلّى بن محمّد 400

معمّر بن خلاّد 194، 217

المفضّل بن عمر 62، 69

المفيد، محمّد بن محمّد 67، 122، 358،

442، 466، 494، 495، 535

منصور بن حازم 496

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 449

مهران بن محمّد بن أبي نصر 343

مهران بن محمّد = مهران بن محمّد بن

أبي نصر

الميثمي = الميثمي، أحمد بن الحسن بن

إسماعيل

الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل

146، 489

ص: 588

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 359

ميمونة 82، 90

النجاشي = النجاشي، أحمد بن على

النجاشي، أحمد بن علي 78، 400، 405،

406

النخّاس، رفاعة بن موسى 243

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 355،

358، 437

النراقي الأوّل = النراقي، مهدي بن

أبي ذرّ

النراقي، مهدي بن أبي ذرّ 427، 428،

437، 439

نصير الدين الطوسي، محمّد بن محمّد

229

النضر بن الحرث 349

نضر بن قابوس 353

النهدي، محمّد بن حمران 131، 417

الواسطي، أبو يحيى 66

ورّام بن أبي فراس = ورّام، مسعود بن

عيسى

ورّام، مسعود بن عيسى 495

الوشّاء، الحسن بن علي 21، 88، 112،

113

وليد بن عبدالملك 338

هارون الرشيد 337، 384

هارون بن الجهم 466، 470، 471

الهروي، أبو الصلت 500

هشام 343، 418، 419، 431، 438،

454

هشام بن سالم 418

هند السرّاج 257، 260، 261

يحيى الأزرق 435، 438، 444، 447،

449، 458

يحيى بن أبي العلاء 325

يحيى بن أبي القاسم 390

يحيى بن العلاء 325

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 230،

231، 233، 309، 310، 316، 330،

333

يعقوب بن شعيب 16، 68

يعقوب بن يزيد 404

يونس بن عبدالرحمان 27، 127، 128،

405، 406، 449

ص: 589

ص: 590

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 226، 343، 349، 350،

355، 361، 369، 374، 375، 378،

380، 381، 382، 383

إحياء علوم الدين 379

الاختصاص 442، 466، 494، 495

الأربعين للبهائي 427، 437

الإرشاد = إرشاد الأذهان

إرشاد الأذهان 94

الاستبصار 76، 354

الإفصاح 54

الأمالي للصدوق 417، 418

الأمالي للطوسي 409، 431، 432

الأمالي للمفيد 535

الانتصار 33، 39

الإنجيل 58

البرهان في تفسير القرآن 405، 406،

418

التحرير = تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 32

تحف العقول 11، 12، 34، 37، 40، 44،

46، 51، 60، 80، 83، 121، 153،

183، 251، 266، 275، 276، 277،

282، 283، 284، 295، 305، 308،

328، 331، 332

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 28، 29، 30، 39، 54، 55،

72، 73، 122، 137، 138، 188،

189، 190

تعليقة السيّد الطباطبائي على المكاسب

‘ حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي

تعليقة العلاّمة الشيرازي على المكاسب

‘ حاشية المكاسب للمحقّق

الشيرازي

تفسير أبي الفتوح الرازي = روض

ص: 591

الجِنان ورَوح الجَنان

تفسير البرهان = البرهان في تفسير

القرآن

تفسير العيّاشي 398، 483

تفسير الطبرسي = مجمع البيان

تفسير علي بن إبراهيم القمّي = تفسير

القمّي

تفسير القمّي 380، 418، 478

التفسير المنسوب إلى الإمام

العسكري علیه السلام

التنقيح = التنقيح الرائع

التنقيح الرائع 30، 31، 55، 74، 94

التوراة 58

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 142، 485

جامع الأخبار 18، 378، 414، 415،

432، 494، 507

جامع البزنطي 27

جامع السعادات 427، 439

جامع المقاصد 138، 190، 379، 427،

437، 463، 464

الجعفريات 14، 37، 91، 535، 541

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 184، 223، 287، 292،

385، 389، 397، 401، 424، 439،

493

حاشية المكاسب للمحقّق الشيرازي

331، 499، 514

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 230،

233، 309، 310، 330، 333

الحدائق الناضرة 87، 424

الخصال 298

الخلاف 28، 30، 31، 39، 42، 54، 72،

74، 122، 124، 125، 128، 133،

137، 173، 174، 175، 396

الدروس الشرعية 106، 384

الدعائم = دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 13، 18، 26، 45، 51،

69، 83، 89، 95، 121، 153، 207،

208، 276، 377، 384

الدعوات 378

رسالة الشهيد الثاني = كشف الريبة

رسالة الشيخ محمّدرضا الأصفهاني =

الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء

رسالة تحريم الفقّاع للشيخ الطوسي 21

الرسالة للشيخ الأنصاري = فرائد

الاُصول

ص: 592

روض الجنان و روح الجنان 195، 493،

496

فرائد الاُصول 513

الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء

335

الروضة 93، 494

الرياض = رياض المسائل

رياض المسائل 78، 93، 184، 193،

246، 384، 388

السرائر 27، 39، 94، 134، 147، 168،

396

سنن البيهقي 432، 439، 442

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 93

شرح الإرشاد لفخر المحقّقين 31، 55،

74

شرح الإرشاد للمحقّق الأردبيلى =

مجمع الفائدة والبرهان

شرح الفقيه للمجلسي = لوامع

صاحبقراني

الصحاح 388، 426، 428، 436، 441،

442، 450

الصحيفة السجّادية 538

الطهارة للإمام الخميني(سلام اللّه عليه)

420

العدّة في اُصول الفقه 353

عقاب الأعمال 18، 438

عوالي اللآلي 19، 24، 40، 50، 82، 90،

276

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 380، 411، 416

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 28، 38، 39، 41، 73، 122،

396

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 13، 18،

37، 40، 45، 51، 94، 121، 153،

396

الفقيه = من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 110، 222، 387،

426، 430، 437، 442، 450

قرب الإسناد 27، 368

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 94، 133، 384، 396

الكافي 18، 24، 113، 142، 227،

484، 485

ص: 593

كتاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 82

كتاب علي علیه السلام 61، 79

كتاب علي بن جعفر 107

كشف الريبة 427، 437، 439، 451،

463، 493، 535

كشف اللثام 135

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 353، 368،

369

لبّ اللباب 18، 292

لوامع صاحبقراني 384، 386، 388

المبسوط 31، 67، 72، 74، 75، 126،

133، 168، 174، 175، 269، 276،

396

المجالس = الأمالي للطوسي

مجمع البحرين 306، 386، 388، 395،

419، 426، 428، 436، 439، 441،

442، 450، 473

مجمع البرهان = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع البيان 23، 59، 222، 297، 415،

420، 427، 430، 437، 479

مجمع الفائدة والبرهان 184، 228،

317، 318، 388

المختصر النافع 93

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 133، 175، 396

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 449

مرآة العقول 362، 484، 535

المراسم 5، 32، 133

المسائل العزّية 387

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 38، 74، 92، 388

المستدرك = مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 438، 442، 494

المستند = مستند الشيعة

مستند الشيعة 355، 384، 388، 397،

428، 437، 439

مصباح الشريعة 537

المصباح المنير 426، 429، 430، 433،

436

معاني الأخبار 416

المعتبر 396

معيار اللغة 427، 436، 450

المغرب في ترتيب المعرب 248

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 354

مفتاح الكرامة 92، 134، 138، 184،

ص: 594

223، 318، 385، 389، 493

المقنع 18، 95، 133، 396

مكارم الأخلاق 432، 439

المكاسب للشيخ الأنصاري 230، 233،

251، 369، 493، 499، 514

المناقب = مناقب آل أبي طالب

مناقب آل أبي طالب 386

منتهى الإرب 426، 437، 439، 450

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 30، 31، 38، 39، 41،

54، 55، 73، 137، 184

المنجد 222، 248، 339، 377، 384،

388، 426، 430، 437، 442، 450

من لا يحضره الفقيه 18، 131، 362،

386، 468

الناصريات 39

النافع = المختصر النافع

نوادر الراوندي 24

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 33، 66،

67، 93، 138، 396

نهاية الإحكام 33، 66، 74، 75

النهاية = النهاية في غريب الحديث

والأثر

النهاية في غريب الحديث والأثر 305،

306، 426، 437، 450

نهج البلاغة 534، 538

الوافي 142، 354، 386، 388، 439،

468، 474، 485

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 87، 113، 114، 362،

387، 429، 438، 439، 468، 484،

535

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 28

الهداية للصدوق 396

ص: 595

ص: 596

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - إحياء علوم الدين . أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي (م 505) ، الطبعة المحقّقة الاُولى ، 5 مجلّدات + الفهارس ، بيروت ، دار الهادي ، 1412 ق / 1992 م .

2 - الاختصاص . المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الأربعون حديثاً . أبو الفضائل محمّد بن الشيخ حسين الجبعي العاملي المعروف ب- «الشيخ البهائي» (953 - 1031) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

5 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1410 ق .

ص: 597

6 - أساس البلاغة . أبو القاسم جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538) ، تحقيق عبدالرحيم محمود ، بيروت ، دار المعرفة ، 1402 ق / 1982 م .

7 - أسباب النزول . أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (م 468) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

8 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

9 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

10 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، طهران ، مكتبة جامع چهلستون ، 1400 ق .

11 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

12 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

13 - الأمالي . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب ب «الشيخ المفيد» (336 - 413) ، تحقيق الحسين اُستاد ولي وعلي أكبر الغفّاري ، قم ، الطبعة الثانية ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ق .

14 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف ب «الشيخ الصدوق» (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

15 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

16 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . =

موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ص: 598

«ب»

17 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

18 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

19 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

20 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .

21 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام، 1421 ق .

22 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

23 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

24 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ص: 599

25 - تفسير الصافي . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، مشهد ، دار المرتضى للنشر ، 1402 ق .

26 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

27 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

28 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

29 - تفسير جوامع الجامع . أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي السبزواري (م 548)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1423 ق .

30 - تفسير نور الثقلين . الشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112) ، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، 1412 ق / 1370 ش .

31 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) . أبو الحسين ورّام بن أبي فرّاس المالكي الأشتري (م 605) ، الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1368 ش .

32 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

33 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

34 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق

ص: 600

(م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

35 - التوحيد . المفضّل بن عمر الجعفي (م 160) ، تعليق كاظم المظفّر ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء ، 1404 ق / 1984 م .

36 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ث»

37 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

38 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

39 - جامع السعادات . المولى محمّد مهدي النراقي (م 1209) تصحيح السيّد محمّد كلانتر ، الطبعة الثالثة ، 3 مجلّدات ، النجف الأشرف ، مؤسسه مطبوعاتى إسماعيليان ، 1383 ق / 1963 م .

40 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

41 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

42 - جوابات أهل الموصل ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد

ص: 601

ابن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

43 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

44 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .

45 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى

لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

46 - حاشية المكاسب . العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، 1412 ق .

47 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

48 - حياة المحقّق الكركي وآثاره . المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً، قم ، منشورات الاحتجاج ، 1423 ق .

«خ»

49 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

50 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 602

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

51 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

52 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

53 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

54 - الدعوات . المولى أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه المشهور ب «قطب الدين الراوندي» (م 573) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام، الطبعة الاُولى ، قم ، انتشارات مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1407 ق .

«ر»

55 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

56 - الرجال لابن الغضائري . أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي ( القرن الخامس) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1422 ق .

57 - الرسائل الأربعة عشر . جمع من العلماء الأعلام ، تحقيق رضا الاُستادي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

ص: 603

58 - الرسائل التسع . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق رضا الاُستادي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413 ق / 1371 ش .

59 - الرسائل العشر. أبو العبّاس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1409 ق .

60 - رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني) . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي ابن الحسين الموسوي (355 - 436) قم، دار الشبستري للمطبوعات .

61 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (تفسير أبي الفتوح رازي) . حسين بن علي بن محمّد بن أحمد الخزاعي النيسابوري المشهور ب- «أبوالفتوح الرازي» (م قرن ششم) ، تحقيق دكتر محمّد جعفر ياحقي ودكتر محمّد مهديّ ناصح ، چاپ دوم ، 20 جلد مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوى ، 1377ش .

62 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

63 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

والطبعة الحجرية من الرياض مجلّدان ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، للطباعة والنشر ، 1404 ق .

«س»

64 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

ص: 604

65 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

66 - سنن الدارقطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

67 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

68 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

«ص»

69 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

70 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

71 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

72 - الصحيفة السجّادية الجامعة . الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، 1411 ق .

ص: 605

«ط»

73 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ع»

74 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

75 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

76 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهدي بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .

77 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

78 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

79 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

80 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن

ص: 606

محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ،

الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

81 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام، 1406 ق .

82 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبد الرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

83 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

«ق»

84 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

85 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، 1413 ق .

86 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

87 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

88 - كتاب سليم بن قيس الهلالي . سليم بن قيس الكوفي الهلالي (م 90) ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 607

89 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

90 - كشف اللثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 .

91 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر ، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

92 - كفاية الفقه المشتهر ب «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

93 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق عليّ أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .

94 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449)، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ،

1410 ق .

«ل»

95 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

ص: 608

96 - لوامع صاحبقراني المشتهر ب- «شرح الفقيه» . المولى محمّد تقيّ المجلسي (1003 - 1070) ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، انتشارات دار التفسير (إسماعيليان) ، 1419 ق / 1377 ش .

97 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

«م»

98 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

99 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985م .

100 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

101 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

102 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

103 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 609

104 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

105 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

106 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

107 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

108 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

109 - مروج الذهب ومعادن الجوهر . أبوالحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي (م 346) ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، بيروت ، المكتبة

الإسلامية ، 1368 ق / 1948 م .

110 - مسائل الناصريات . أبوالقاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

111 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

112 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

ص: 610

113 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

والطبعة الحجرية من المستدرك ، 3 مجلّدات ، طهران ، منشورات المكتبة الإسلامية ، 1382 ق .

114 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

115 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

116 - مصباح الشريعة . المنسوب إلى الإمام الصادق علیه السلام ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمى للمطبوعات ، 1413 ق / 1992 م .

117 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

118 - المصنّفات الأربعة ، (كشف الريبة ، مسكّن الفؤاد ، التنبيهات العلية ، حقيقة الإيمان) . الشيخ زين الدين بن علي العاملي المشهور ب- «الشهيد الثاني» (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاولى ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

119 - مصنّفات الشيخ المفيد . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ق / 1371 ش .

120 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

ص: 611

121 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

122 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

123 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر الدين بن عبدالسيّد بن علي المطرّزي (538 - 610) ، تحقيق محمود فاخوري وعبدالحميد مختار ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، حلب ، مكتبة اُسامة بن زيد ، 1979 م .

124 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

125 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

126 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

127 - مقباس الهداية في علم الدراية . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، تحقيق محمّد رضا المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1411 - 1413 ق .

128 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

129 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ

ص: 612

المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .

130 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي (القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

131 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

132 - مناقب آل أبي طالب . أبو جعفر رشيد الدين محمّد علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسه انتشارات علامه ، 1379 ق .

133 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

134 - المناهل . السيّد المجاهد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

135 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

136 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

137 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

138 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة

ص: 613

الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

139 - منية المريد . زين الدين عليّ بن أحمد العاملي المعروف بالشهيد الثاني (911 - 965) ، تحقيق رضا المختاري ، قم ، مكتبة الإعلام الإسلامي ، 1409 ق .

140 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبع-ة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

141 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

142 - نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإمامية . الفاضل المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوهكمري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه

العظمى المرعشى ، 1403 ق .

143 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

144 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

145 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364ش .

146 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

ص: 614

147 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق » .

«و»

148 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، 1412 ق .

149 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه ، 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

150 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

151 - وقاية الأذهان مع رسالتي سمطا اللآل في مسألتي الوضع والاستعمال وإماطة الغين عن استعمال العين في معنيين . الشيخ أبو المجد محمّد رضا بن محمّد حسين النجفي الأصفهاني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، 1413 ق .

«ه-»

152 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، 1418 ق .

ص: 615

ص: 616

7 - فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ··· ه-

مقدّمة بقلم آية اللّه السيّد محمّد الهاشمي ··· ط

المكاسب

تقسيم المكاسب وبيان المراد من المكاسب المحرّمة ··· 5

في متعلّق الحرمة ··· 7

أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قيل بتحريمها :

القسم الأوّل

في الاكتساب بالأعيان النجسة

وفيه جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في الحرمة التكليفية للاكتساب بالأعيان النجسة ··· 11

الجهة الثانية : في حرمة الأثمان المأخوذة بعنوان ثمن النجس أو الحرام ··· 23

الجهة الثالثة : في الحرمة الوضعية للاكتساب بالأعيان النجسة ··· 26

حول كلمات الفقهاء في المقامات الثلاثة ··· 28

بقيت فروع :

الفرع الأوّل : في إلحاق المائعات المتنجّسة بالأعيان النجسة ··· 35

ص: 617

الفرع الثاني : حول ما هو موضوع الحرمة في الأحكام الثلاثة ··· 43

مفاد الروايات في المقام ··· 44

كلمات الفقهاء في المقام ··· 54

البحث الكلّي حول الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات ··· 56

البحث في الانتفاع ببعض الأعيان النجسة الواردة فيها روايات بالخصوص ··· 65

حكم الانتفاع بالدم وبيعه ··· 65

حكم الانتفاع بالعذرة وبيعها ··· 66

الأخبار الواردة في المقام ··· 68

في بيان المراد من العذرة ··· 69

حكم الانتفاع بالميتة وبيعها ··· 77

الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على حرمة الانتفاع بالميتة ··· 77

الروايات الدالّة على جواز الانتفاع بالميتة في موارد خاصّة ··· 83

دعاوي الإجماع والشهرة على حرمة الانتفاع بالميتة ··· 92

جواز البيع فيما جاز الانتفاع ··· 95

فرع : حكم الانتفاع بالمشتبه بالمذكّى وبيعه ··· 98

حكم الانتفاع بالكلب وبيعه ··· 110

الأخبار الواردة في المقام ··· 111

المحتملات في عنوان الصَيود ونحوه والمقصود منها ··· 115

شمول عنوان الصيود ونحوه لمطلق الكلاب عدا المهملات منها ··· 118

جواز بيع جميع الكلاب النافعة ··· 121

حكم الانتفاع بالخنزير وبيعه ··· 125

جواز الانتفاع بأجزاء الخنزير والكلب ··· 128

حكم الانتفاع بالخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع ··· 136

ص: 618

حكم العصير ··· 138

تتميم : حكم الانتفاع بالمتنجّسات وبيعها ··· 145

الكلام يقع في مواضع :

الموضع الأوّل : في كون صحّة بيع الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به ··· 146

حكم المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً ··· 147

الموضع الثاني : في اشتراط الإعلام بالنجاسة وعدمه ··· 154

حول كلام الشيخ في أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية ··· 155

منها : كون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام ··· 155

منها : كون فعل الشخص سبباً للحرام ··· 161

حول كلام الشيخ فيما يدلّ على قاعدة التغرير ··· 164

الموضع الثالث : في وجوب كون الاستصباح تحت السماء ··· 168

حال الشهرة والإجماع في المسألة ··· 172

الموضع الرابع : الانتفاع بالدهن المتنجّس لغير الاستصباح ··· 176

القسم الثاني

في الاكتساب بما يكون المقصود منه حراماً ولو شأناً

وهو على أنواع :

النوع الأوّل : ما لا تكون له منفعة مقصودة إلاّ الحرام ··· 181

هياكل العبادات المخترعة مثل الأصنام ··· 181

بعض الصور المستثناة من حرمة بيع الأصنام ··· 185

حكم بيع الأصنام لأغراض صحيحة ··· 187

فرع : حكم بيع مادّة الأصنام ··· 191

ص: 619

آلات القمار واللهو ونحوها ··· 193

الأخبار الواردة في خصوص آلات القمار ··· 194

النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة ··· 196

وهو على أقسام :

منها : أن يكون المبيع كلّياً مقيّداً ··· 196

منها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً ··· 196

منها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخر ··· 197

منها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في الحرام ··· 197

منها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه ··· 205

منها : المعاوضه على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام كالمغنّية ··· 208

منها : بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام كبيع الخشب ممّن يعمل صنماً ··· 217

يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : فيما يمكن أن يستدلّ به على الحكم ··· 218

1 - الاستدلال بحكم العقل بقبح إعانة الغير على المعصية ··· 218

2 - الاستدلال بآية حرمة التعاون على الإثم ··· 221

3 - الاستدلال بأدلّة وجوب النهي عن المنكر ··· 227

مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً ··· 235

حرمة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً ··· 241

المقام الثاني : في حال الروايات الواردة في المقام ··· 242

بيان الحكم الوضعي للبيع المحرّم في المقام ··· 249

النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام ··· 254

بيع السلاح من أعداء الدين ··· 254

ص: 620

القسم الثالث

في الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

حرمة الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء ··· 265

وجه عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة ··· 265

صور ما لا منفعة فيه ··· 268

حكم الصورة الاُولى ممّا لا منفعة فيه ··· 269

حكم الصورة الثانية وبيان الضابط الكلّي ··· 274

القسم الرابع

في الاكتساب بما هو حرام في نفسه

حكم الاكتساب بما هو حرام في نفسه ··· 281

فائدة استطرادية في ذكر بعض المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها في ضمن مسائل :

المسألة الاُولى : في حرمة التصوير

في حرمة عمل ذوات الأرواح المجسّمات فقط ··· 285

الروايات الواردة في المقام ··· 287

فروع :

الأوّل : حرمة تصوير الأصنام ··· 300

الثاني : حكم تصوير الجنّ والشيطان والمَلَك ··· 303

الثالث : حكم ما لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة ··· 311

حكم تصوير بعض الأجزاء ··· 316

الرابع : حكم اقتناء الصور المحرّمة ··· 317

ص: 621

حول كلام المحقّق الأردبيلي في المقام ··· 317

بيان الأخبار الدالّة على جواز الاقتناء ··· 321

الأخبار المستدلّ بها على حرمة الاقتناء والجواب عنها ··· 327

حول كلام المحقّق الشيرازي ··· 331

في جواز بيع الصور وسائر التقلّبات فيها إذا كان اقتناؤها جائزاً ··· 332

عدم جواز أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم ··· 333

المسألة الثانية : في الغناء

ماهية الغناء ··· 334

تفسير الشيخ محمّد رضا الأصفهاني للغناء ··· 335

المناقشة في بعض ما ذكره الشيخ محمّد رضا الأصفهاني في الغناء ··· 338

التحقيق في تعريف الغناء ··· 341

حكم الغناء ··· 343

في الاستدلال بالأخبار على حرمة الغناء بذاته ··· 343

ما نسب إلى بعض الأعاظم من إنكار حرمة الغناء بذاته ··· 353

ما يمكن أن يستدلّ به على التفصيل في حرمة الغناء ··· 356

المستثنيات من الغناء ··· 366

في استثناء أيّام العيد والفرح ··· 366

في استثناء المراثي والقراءة بالقرآن ··· 369

بيان المراد ممّا دلّت على استحباب القراءة بصوت حسن ··· 381

في استثناء الحداء ··· 384

ما هو معنى الحداء ؟ ··· 387

في استثناء زفّ العرائس ··· 390

ص: 622

تنبيه : حكم سائر الأصوات اللهوية ··· 393

ما دلّت على حرمة اللهو من الآيات والروايات ··· 397

المسألة الثالثة في حرمة الغيبة

في كون الغيبة من الكبائر ··· 413

اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن ··· 420

حرمة غيبة الصبيّ المميّز ··· 425

ينبغي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في تعريف الغيبة ··· 426

النسبة بين الغيبة والبهتان ··· 434

عدم اعتبار كراهة المغتاب في مفهوم الغيبة ··· 436

عدم اعتبار مستورية العيب في مفهوم الغيبة ··· 441

معنى الستر الوارد في رواية العيّاشي ··· 447

اعتبار قصد الانتقاص في مفهوم الغيبة ··· 450

انصراف الأدلّة عن الذكر عند النفس بلا سامع ··· 457

في اعتبار تعيين المغتاب ··· 460

الأمر الثاني : فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعمّ ··· 463

في عدم ضابط عامّ للاستثناء ··· 463

الأولى صرف الكلام إلى المقامين :

الأوّل : فيما يستثنى بالأدلّة الخاصّة ··· 465

استثناء غيبة المتجاهر بالفسق في الجملة ··· 465

الجمع بين الروايات في المقام ··· 471

ص: 623

في المراد بالمتجاهر بالفسق ··· 472

حكم الفاسق الغير المتجاهر ··· 473

استثناء تظلّم المظلوم ··· 476

عدم استثناء غيبة تارك الأولى ··· 483

الثاني : فيما لا يكون من قبيل الاستثناء بل كان من باب التزاحم ··· 487

منها : جواز الغيبة في نصح المستشير ··· 488

في وجوب نصح المستشير ··· 490

الأمر الثالث : حرمة استماع الغيبة ··· 493

حول كلام المحقّق الشيرازي في المقام ··· 499

في كون استماع الغيبة من الكبائر ··· 501

في تبعية حرمة الاستماع لحرمة الغيبة ··· 506

حكم ما لو شكّ في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام ··· 511

حول جريان أصالة الصحّة في المقام ··· 512

حول جريان الاستصحاب الموضوعي ··· 518

الروايات الواردة في المقام ··· 520

في مقتضى إطلاق الأدلّة ··· 526

الأمر الرابع : في كفّارة الغيبة ··· 530

مقتضى القواعد والاُصول ··· 530

مقتضى الأخبار ··· 533

ص: 624

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 545

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 555

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 575

4 - فهرس الأعلام ··· 579

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 591

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 597

7 - فهرس الموضوعات ··· 617

ص: 625

المجلد 2

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 14 المکاسب المحرمة المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 548ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

اشارة

ص: 2

صورة

صورة

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ،

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ،

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين .

وبعد ، فهذا هو المجلّد الثاني من مهمّات مسائل المكاسب المحرّمة وما يتعلّق بها ويستطرد لها ممّا هي أصعب طريقاً ، وأحوج إلى التحرير والتحقيق ، وأكثر ابتلاءً من سائر مسائلها .

كتبها بيده الداثرة العبد المفتاق إلى اللّه الكريم السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني عفى اللّه عنهما .

ص: 5

ص: 6

المسألة الرابعة في حرمة القمار

حرمةاللعب بالآلات المعدّة للقمار

القمار حرام إجماعاً (1) وكتاباً وسنّة (2) ، إذا كان اللعب بالآلات المعدّة لذلك مع رهان . وهو المتيقّن من عنوان القمار والميسر في الكتاب والسنّة ومعقد الإجماع .

ولا فرق بين أنواعه من النرد والشطرنج وغيرهما ، حتّى اللعب بالجوز والبيض ؛ للصدق على اللعب بهما عرفاً ، ولو للتعارف بالمقامرة معهما . ولو شكّ في الصدق فلا شبهة في إلحاقه به نصّاً وفتوى .

إنّما الإشكال والكلام في صدق العنوانين على اللعب بالآلات بلا رهان ، وعلى اللعب بغيرها برِهان أو غيره .

ص: 7


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 184 - 185 ؛ جواهر الكلام 22 : 109 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .
2- راجع ما يأتي في الصفحة 8 و18 .

ولا ينبغي الريب في عدم صدقهما على الأخير وإن يظهر من بعضهم إطلاقهما على مطلق المغالبة(1) ، لكنّه خلاف المتبادر والمرتكز في الأذهان من القمار ، وخلاف كلمات اللغويين فيه وفي الميسر الذي هو أخصّ منه أو مساوق له ، على ما يأتي الإشارة إليه .

والظاهر عدم صدقهما على ما قبله أيضاً ؛ لأنّ القمار عرفاً ليس مطلق المغالبة برهان . فلا يقال لمن جعل الرهان بإزاء الغلبة في حسن الخطّ ، أو تجويد قراءة القرآن ، أو سرعة العدوّ أو الرمي ونحوها : إنّه مقامر ، ولا لفعلها : إنّه

قمار . والعرف أصدق شاهد عليه .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يشهد عليه ما ورد من جواز السبق والرماية مع شرط الجعل عليه(2) ، مع إباء قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(3) عن التخصيص ، وسيأتي أنّ الميسر هو مطلق القمار .

وأمّا عدم صدق الميسر فكذلك بناءً على أ نّه القمار ، وأوضح منه بناءً على التفسير الآتي(4) .

ولا يبعد عدم صدقهما على اللعب بالآلات بلا رهان ، كما تشهد به كلمات كثير من اللغويين ، كصاحب «القاموس» ، و «المجمع» ، و «المنجد» ،

ص: 8


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 186 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .
2- راجع وسائل الشيعة 19 : 254 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 4 .
3- المائدة (5) : 90 .
4- يأتي في الصفحة 10 .

و«منتهى الإرب»(1) ، ومحكيّ «لسان العرب»(2) ، فإنّها طفحت بقيد الرهان :

ففي «القاموس» : «قامره مقامرة وقماراً ، فقمره : راهنه فغلبه»(3) .

وفي «المنجد» : «قمر يقمِر قمراً : راهن ولعب في القمار» . ثمّ قال : «قامره

مقامرة وقماراً : راهنه ولاعبه في القمار» إلى أن قال : «تقامر القوم : تراهنوا ولعبوا في القمار» إلى أن قال : «القمار (مصدر) : كلّ لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئاً ، سواء كان بالورق أو غيره»(4) .

وفي «المجمع» : «القمار بالكسر : المقامرة . وتقامروا : لعبوا بالقمار ، واللعب

بالآلات المعدّة له على اختلاف أنواعها ، نحو الشطرنج والنرد وغير ذلك . وأصل القمار الرهن على اللعب بالشيء من هذه الأشياء ، وربّما اُطلق على اللعب بالخاتم والجوز»(5) .

ويظهر ذلك أيضاً من «المقنع»(6) الذي هو متون الأخبار بشهادة الصدوق(7) .

نعم ، يظهر من بعضٍ إطلاقه على مطلق المغالبة(8) . وهو غير ثابت ، وعلى فرض ثبوته أعمّ من الحقيقة ، وإن كان حقيقة فهو مخالف للعرف

ص: 9


1- منتهى الإرب 3 : 1057 .
2- لسان العرب 11 : 300 .
3- القاموس المحيط 2 : 125 .
4- المنجد : 653 .
5- مجمع البحرين 3 : 463 .
6- المقنع : 457 .
7- المقنع : 5 .
8- راجع مفتاح الكرامة 12 : 186 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .

العامّ ، وهو مقدّم على غيره ، تأمّل .

وأمّا عبارة «الصحاح»(1) فلم يظهر منها المخالفة لما قلناه ، وكان ما حكي عن ابن دريد مجملة ، ويظهر منه أ نّه يطلق على المغالبة في الفخر ، وهو على فرض صحّته يأتي فيه ما تقدّم آنفاً .

فالإنصاف : أنّ إثبات صدقه على ما ذكر مشكل ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، فلا يمكن إثبات حرمة الثلاثة بالمطلقات على فرض وجود الإطلاق .

وكذا بما دلّت على حرمة الميسر ، كالآية الكريمة وغيرها ؛ فإنّه - على

ما يظهر من اللغويين(2) بل من بعض الأخبار(3) - إمّا عبارة عن الجزور التي كانوا يتقامرون عليها ، أو عبارة عن اللعب بالقداح ، وهو لعب العرب . وعلى هذا التفسير أخصّ من القمار ، سواء فسّر باللعب بالآلات مطلقاً أو مع الرهان ، أم فسّر بالمغالبة مطلقاً ؛ لأنّ اللعب لا يكون إلاّ بالرهان .

ولا يبعد أن يكون كذلك على التفسير الأوّل ؛ لقوّة احتمال أن يكون كناية عن التفسير الثاني .

وكيف كان : لا تكون الصور الثلاث منطبقة عليه ولو مع إلغاء الخصوصية عن لعب العرب بالأزلام ؛ لأنّ غاية ما يمكن دعوى إلغائها هو حيث الآلات لا حيث الرهان .

بل الأقرب أنّ الميسر مطلق القمار ، كما فسّر به في بعض كتب اللغة

ص: 10


1- الصحاح 2 : 799 .
2- راجع القاموس المحيط 2 : 169 ؛ المنجد : 924 .
3- ستأتي هذه الأخبار .

ك «المجمع» و «المنجد»(1) ، وبعض كتب الأدب ، وكذا بعض التفاسير ك- «مجمع البيان» ، وحكي عن ابن العبّاس وابن مسعود ومجاهد وقتادة والحسن(2) .

ويؤيّده مقابلته للأزلام التي [هي] قمار العرب .

وتشهد له الروايات :

كرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لمّا أنزل اللّه على رسوله )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ( قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز»(3) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن الرضا علیه السلام قال: سمعته يقول: «الميسر هو القمار»(4).

وعنه علیه السلام : «إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر»(5) .

وهو المناسب لمادّة اليسر ، ففي «مجمع البيان» : «أصله من اليسر خلاف العسر»(6) . وفي «مجمع البحرين» : «الميسر القمار ، وقيل : كلّ شيء يكون منه

ص: 11


1- مجمع البحرين 3 : 520 ؛ المنجد : 924 .
2- مجمع البيان 2 : 557 .
3- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 165 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 4 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 339 / 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 10 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 339 / 182 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 11 .
6- مجمع البيان 3 : 369 .

قمار فهو الميسر حتّى لعب الصبيان بالجوز الذي يتقامرون به . . .» وقال : «ويقال : سُمّي ميسراً لتيسّر أخذ مال الغير فيه من غير تعب ومشقّة»(1) .

فتحصّل ممّا ذكر عدم استفادة حكم الصور الثلاث من الروايات وغيرها الواردة في حرمة القمار والميسر .

إلاّ أن يقال : إنّ حكم اللعب بالآلات بلا رهان يستفاد من قوله تعالى : )إِنَّمَا

الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( .

بناءً على أنّ المراد بالميسر فيها هو آلات القمار لا القمار ، بقرينة كون المراد

بالثلاثة الاُخر المذكورة الذوات ، وبقرينة حمل الرجس عليها ، وهو يناسب الذوات لا الأفعال إلاّ بتأوّل ، سواء اُريد به النجس المعهود كما ادّعى الإجماع عليه شيخ الطائفة في محكيّ «التهذيب» في مورد الآية(2) وهو واضح ، أم اُريد الخبيث(3) ، فإنّه أيضاً يناسب الذوات . وحمله على اللعب والشرب(4) لا يخلو من ركاكة .

وتشهد له جملة من الروايات : كرواية جابر المتقدّمة .

ورواية محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة - يعني إلى علي ابن محمّد علیهما السلام : إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ . . .( الآية ، فما الميسر جعلت فداك ، فكتب :

ص: 12


1- مجمع البحرين 3 : 520 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 278 .
3- زبدة البيان : 41 ؛ مجمع البيان 3 : 370 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .

«كلّ ما قومر به فهو الميسر»(1) .

وفي عدّة روايات عدّ النرد والشطرنج من الميسر(2) . والحمل على اللعب بها خلاف الظاهر . فحمل الرجس وعمل الشيطان في الآية المتقدّمة على المذكورات باعتبار ذاتها ؛ إذ كما يصحّ أن يقال : إنّ الخمر رجس خبيث ، يصحّ أن يقال : إنّ الشطرنج كذلك ، كما يشعر به الأمر - ولو ندباً - بغسل يد المقلّب له(3) . وكونها من عمل الشيطان باعتبار أ نّها مصنوعة بيد الإنسان بإغرائه ووسوسته ، فيصحّ أن يقال : إنّ ذات الخمر والآلات الحاصلة بإغرائه من عمله ، ولو بقرينية الروايات المتقدّمة .

وتدلّ عليه رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام ، فإنّه بعد بيان معنى المذكورات قال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشيطان»(4) .

فإنّ الظاهر منها أنّ نفس المذكورات التي لا يجوز بيعها رجس من عمل الشيطان .

فعليه يكون الأمر بالاجتناب عن الآلات ذواتها مقتضياً لحرمة الانتفاع بها

ص: 13


1- تفسير العيّاشي 1 : 105 / 311 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 322 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 3 و4 .
4- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .

انتفاعاً مقصوداً متعارفاً ، ولا شبهة في أنّ اللعب بها للتفريح والمغالبة من

الانتفاعات المقصودة المتداولة ، سيّما لدى الاُمراء وخلفاء الجور . وليس الأمر بالاجتناب مخصوصاً باللعب برهان ، بل أعمّ منه ، سيّما مع كيفية تعبير الآية الكريمة بأ نّه (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) .

نعم ، ورد في بعض الروايات تفسير الميسر بالقمار :

كرواية الوشّاء عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «الميسر هو

القمار»(1) وعن «تفسير العيّاشي» نحوها (2) .

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ . . .( : «وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر»(3) .

فيمكن حمل الروايات المتقدّمة على بيان المراد من الآية كما يظهر منها ، والروايتين المتقدّمتين آنفاً على تفسير الميسر مطلقاً ، لا المراد بالآية .

وأمّا الأخيرة فيحتمل فيها أن يكون المراد ب- «كلّ قمار» كلّ آلة له بقرينة «النرد والشطرنج» ، كما يحتمل أن يكون المراد بهما بقرينة «كلّ قمار» اللعب بهما ، ففيها إجمال .

بل يمكن أن يقال : إنّ الروايات في تفسير الميسر على طوائف :

منها : ما دلّت على أ نّه الآلات ، كالروايات المتقدّمة .

ص: 14


1- الكافي 5 : 124 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 165 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 11 .
3- تقدّم تخريجها آنفاً .

ومنها : ما دلّت على أ نّه الرهن ، كصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) .

ورواية العيّاشي في محكيّ تفسيره عن ياسر الخادم عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الميسر قال : «التفل من كلّ شيء» . قال : «والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره»(2) .

وضبط «التفل» مختلف في «الوسائل» : ففي مورد بالتاء والفاء(3) ، وفي مورد بالثاء المثلّثة والقاف(4) ، وفي مورد بالنون والعين(5) . ولم يظهر معنىً مناسب في اللغة لما فسّر في الرواية . ومن المحتمل أن يكون بالنون والفاء محرّكة ؛ بمعنى الغنيمة ، فيكون ما بين المتراهنين نفل وغنيمة .

ومنها : ما دلّت على أ نّه الآلات والرهن جميعاً ، كالمحكيّ عن «تفسير العيّاشي» عن الرضا علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر

ص: 15


1- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .
2- اُنظر تفسير العيّاشي 1 : 341 / 187 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 12 .
3- وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 12 .
4- وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 9 .
5- وسائل الشيعة 12 : 243 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 104 ، الحديث 9 (طبع مكتبة الإسلامية).

وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر»(1) .

فإنّ الظاهر منه أنّ الشطرنج وتالييه ذاتهما ميسر ، وكلّ ما قومر عليه أيضاً ميسر ، وما قومر عليه هو الرهن .

وإرجاع أحد المعطوف والمعطوف عليه إلى الآخر بأن يقال : إنّ المراد بالشطرنج وتالييه رهانها ، أو إنّ المراد بما قومر عليه ما قومر به ، خلاف الظاهر سيّما الأوّل منهما .

فيمكن أن تجعل الرواية شاهدة جمع لسائر الروايات ، بأن يقال : إنّ المراد بالتفاسير المذكورة التفسير بالمصاديق ، ويكون الميسر في الآية جميع المذكورات من الآلة والعمل والرهن ولو باستعمال اللفظ في أكثر من معنىً ، مع قرينية الروايات ، أو استعماله في جامع انتزاعي ، أو إرادة المعاني ولو بنحو من الكناية ، كما في غيره من الموارد الكثيرة الواردة في الكتاب العزيز المفسّرة بالروايات .

وعليه أيضاً يصحّ الاستدلال بالآية الكريمة على حرمة اللعب بالآلات بلا رهن بمثل ما تقدّم(2) .

وأمّا ما عن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه قال : «كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر»(3) ، فلا بدّ من تأويله ، أو تقي-يده ، أو ردّ علمه إليه ، مع أ نّه ضعيف سنداً .

ص: 16


1- تقدّمت في الصفحة 11 .
2- تقدّم في الصفحة 12 .
3- الأمالي ، الطوسي : 336 / 681 ؛ وسائل الشيعة 17 : 315 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 15 .

ثمّ إنّ ما ذكرناه من استفادة الحكم من الآية الكريمة لا ينافي ذيلها ، بتوهّم أنّ ما يوجب الوقوع في البغضاء والعداوة القمار برهن ، لا مطلق اللعب بالآلات للتفريح ونحوه .

وذلك - مضافاً إلى أنّ التنافس في الغلبة على الخصم ليس بأقلّ من التنافس في تحصيل الأموال التي تجعل رهناً ، سيّما عند أرباب التنزّه والمترفين ، وعليه يوجب ذلك الوقوع فيهما - أنّ الوقوع فيهما ليس علّة للحكم ؛ ضرورة حرمة الخمر والميسر برهن مطلقاً ، سواء حصل منهما العداوة والبغضاء أم لا ، كما لا يحرم مطلق ما يوقع فيهما ، فالوقوع فيهما أحياناً ومعرضيتهما لذلك نكتة الجعل ، ولا ريب في حصوله باللعب بلا رهن .

مضافاً إلى أنّ مفاد الآية(1) أنّ الشيطان يريد أن يوقعهما بينكم ، لا أنّ السرّ وقوعهما ، ولا يجب وقوع مراده دائماً ، بل يكفي كونهما في معرض ذلك ، ولا شبهة في أنّ اللعب بلا رهان في معرض ذلك ، ويكون آلة وشبكة للشيطان لإيقاع الفساد ، ولو كان في الآية نوع كناية أو استعارة لا يفترق أيضاً بين اللعب برهن وغيره .

والإنصاف أنّ استفادة الحكم من الآية ليست بعيدة .

ويمكن الاستدلال على المطلوب بروايات :

منها : رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( وفيها : «أمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر» . ثمّ عدّ

ص: 17


1- المائدة (5) : 91 .

الأنصاب والأزلام فقال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشيطان . . .»(1) .

بتقريب أنّ المراد من الميسر في الآية إن كان الآلات أو الأعمّ منها كما تشهد

به الرواية فقد مرّت دلالتها على المطلوب(2) ، وإن كان المعنى المصدري وكان التقدير في الخمر وغيرها ما يناسبها كالشرب والعبادة ، يكون المراد بالنرد والشطرنج في الرواية أيضاً اللعب بهما ، ويكون عطف كلّ قمار عليهما عطف العامّ على الخاصّ بقرينية كونها مفسّرة للميسر .

فعلى هذا يراد بقوله : «كلّ هذا بيعه وشراؤه . . .» الخمر وآلات القمار والأنصاب والأزلام ، فكأ نّه قال : «شرب الخمر واللعب بآلات القمار وعبادة الأنصاب حرام ، وبيع المذكورات والانتفاع بها حرام» ، فيكون المراد منها بقرينة المحمول متعلّقات الموضوعات ، فتدلّ على حرمة الانتفاع بآلات القمار ، سواء الشطرنج وغيره . والانتفاع المتعارف المطلوب من تلك الآلات بما هي آلات يعمّ اللعب للتنزّه والتفريح بلا رهن .

وأمّا ما أفاد شيخنا الأنصاري من الشاهدين على أنّ المراد بالقمار ليس المعنى المصدري(3) ، فغير وجيه ، سيّما مع بنائه في غير المورد على أنّ المقدّر في كلٍّ من المذكورات ما يناسبها(4) ؛ إذ مع استظهار ذلك من الآية لا محيص عن

ص: 18


1- تقدّمت في الصفحة 13 .
2- تقدّمت في الصفحة 16 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 373 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .

حمل الشطرنج والنرد على اللعب بهما وإرجاعهما إلى عنوان القمار لا العكس .

ومع الغضّ عنه لا يكون الشطرنج والنرد قرينة على أنّ المراد بكلّ قمار آلاته ؛ لاحتمال أن يراد بهما نفسهما ، وبكلّ قمار عنوان القمار ؛ أي المعنى المصدري ، فيكون المنظور إثبات شمول الآية للآلات وللقمار .

وعليه وإن يمكن الاستدلال بالآية ببركة الرواية ، لكن لا بطريق أفاده ، بل بإطلاق الاجتناب المأمور به .

وأمّا قوله : «كلّ هذا بيعه وشراؤه . . .» فلا يدلّ على ما رامه ؛ لأنّ المشار إليه ب- «هذا» ما يصحّ بيعه من المذكورات ؛ أي الخمر والشطرنج والنرد ونحوهما والأنصاب والأزلام ، من غير احتياج إلى ارتكاب خلاف الظاهر ؛ أي حمل القمار الظاهر في المعنى المصدري على الآلات ، سيّما أنّ إرادة الآلة من القمار لا تخلو من بعد بخلاف إرادتها من الميسر .

والإنصاف أنّ التمسّك بها لا يحتاج إلى ذلك التكلّف ، بل على احتمال يكون للآية الدلالة عليه وعلى احتمال للرواية .

ومنها : موثّقة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث ؟ فقال : «أرأيتك إذا ميّز اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟» قال : مع الباطل ، قال : «فلا خير فيه»(1) ، فإنّ «لا خير فيه» وإن لم يدلّ لو خلّي ونفسه على التحريم ، لكن مقتضى إطلاق الشطرنج وغيره شمولها للّعب برهان ، ولا شبهة في حرمته ، فيكون ذلك قرينة على أ نّه

ص: 19


1- الكافي 6 : 436 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 5 .

كناية عن حرمة الارتكاب . وجعله كناية عن معنىً أعمّ بعيد جدّاً .

ولا شبهة في أنّ ذكر المذكور فيها من قبيل المثال .

نعم ، لولا لعبة الأمير وما بعدها يمكن دعوى الخصوصية في الشطرنج ؛ لكثرة الروايات في خصوصه وتشديد الأمر فيه ، لكن مع ذكر غيره لا يبقى مجال لتوهّم الخصوصية ، فتدلّ على حرمة اللعب بكلّ آلة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين جعل الرهن وعدمه .

ودعوى الانصراف(1) غير مسموعة ، سيّما مع تداول المغالبة بلا رهن في

عصر الصدور بين الخلفاء وأتباعهم ، بل لا يبعد أن يكون كثير من الأسئلة مربوطة باللعب بلا رهن ؛ حيث كان محلّ الخلاف بين فقهاء العامّة :

فعن الشافعية : حلّية اللعب بالشطرنج(2) .

وعن الحنابلة : يكره اللعب به(3) .

وعن الشافعي : هو مكروه وليس بمحظور ، ولا تردّ شهادة اللاعب به إلاّ ما كان فيه قمار(4) .

وعنه : أنّ النرد مكروه وليس بمحظور لا يفسق فاعله(5) .

والخلاف إنّما هو مع اللعب بها بلا رهن وإلاّ فالقمار حرام عند الجميع .

ص: 20


1- جواهر الكلام 22 : 109 .
2- راجع الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 52 .
3- نفس المصدر .
4- راجع الخلاف 6 : 302 ؛ الاُمّ 6 : 208 .
5- راجع الخلاف 6 : 304 ؛ الاُمّ 6 : 208 .

ولعلّ فتوى بعض العامّ-ة بعدم حرم-ة اللعب بها بلا ره-ن لجلب نظر الخلفاء والاُم-راء .

ثمّ على ما ذكر يشكل استفادة الحرمة من الرواية ، وكذا الرواية الآتية ، إلاّ أن يقال : إنّ كون محطّ نظر السائل ما ذكر لا يوجب عدم الإطلاق ، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاقها .

ومنها : حسنة الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس : النرد والشطرنج ، حتّى انتهيت إلى السدر ؟ فقال : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟» قلت : مع الباطل ، قال : «فما لك والباطل ؟ !»(1) .

بتقريب تقدّم في الرواية السابقة .

ومنها : رواية «تحف العقول» ، قال في ذيلها : «وذلك إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً ، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام . وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها إلاّ أن تكون صناعة . . .»(2) .

ص: 21


1- الكافي 6 : 436 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 324 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 3 .
2- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّه عدّ الشطرنج وكلّ ملهوّ به ؛ أي سائر آلات القمار ممّا يجيء منه الفساد محضاً ، فلا يصحّ القول بأنّ في اللعب بها للتفريج صلاحاً ، وهو يؤيّد ما في صدرها من تفسير الصلاح بما فيه قيام الناس كالمأكول والملبوس لا مطلق ما فيه غرض كالتفريح والتفرّج .

وتدلّ على المطلوب فقرة اُخرى منها ، وهي قوله : «وكذلك كلّ بيع ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه ، أو يقوّى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي ، أو باب من الأبواب يقوّى به باب من أبواب الضلالة ، أو باب من أبواب الباطل ، أو باب يوهن به الحقّ ، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه ، إلاّ في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك»(1) .

ضرورة أنّ آلات القمار أوضح مصاديق الملهوّ به الذي يقوّى به باب من أبواب الباطل ويوهن به الحقّ ، واللعب بها ولو بلا رهن من مصاديق التقلّب فيها ، فلا إشكال في دلالتها لولا الخدشة في سندها .

ويمكن الاستدلال للعموم بروايات واردة في الشطرنج والنرد ، بضميمة ما دلّت على التسوية بينهما وبين غيرهما :

كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : )فَاجْتَنِبُوا

الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( ، قال : «الرجس من الأوثان هو

ص: 22


1- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 84 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

الشطرنج ، وقول الزور الغناء»(1) . ونحوها رواية زيد الشحّام(2) .

ودلالتهما لا تقصر عن دلالة رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سئل عن الشطرنج والنرد ؟ فقال : «لا تقربوهما»(3) . ولا شبهة في إطلاقها للّعب بلا رهن .

ورواية الحسين بن عمر بن يزيد عنه علیه السلام ، وليس في سندها إلاّ سهل الذي أمره سهل ، ومحمّد بن عيسى الذي لا يبعد وثاقته(4) ، قال : «يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن»(5) .

ونحوها رواية عمر بن يزيد الصيقل مع تفسير الشاهين بالشطرنج(6) .

ولفظ الصاحب وإن يشعر أو يدلّ على نحو إدمان ، لكن لا شبهة في صدقه على المقيم على اللعب بلا رهن ، والظاهر إطلاقهما له .

ص: 23


1- الكافي 6 : 436 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 435 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 1 .
3- معاني الأخبار : 224 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 320 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 10 .
4- رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ جامع الرواة 2 : 166 .
5- الكافي 6 : 436 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 6 .
6- الكافي 6 : 435 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 4 .

وموثّقة مسعدة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سئل عن الشطرنج ؟ فقال : «دعوا

المجوسية لأهلها لعنها اللّه»(1) .

وموثّقة السكوني عنه علیه السلام قال : «نهى رسول اللّه رحمهما اللّه عن اللعب

بالشطرنج والنرد»(2) ونحوها رواية المناهي عنه رحمهما اللّه (3) .

ورواية أبي بصير عن «مستطرفات السرائر» عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتّخاذها كفر واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير ، لا صلاة له حتّى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في فرج اُمّه . واللاهي بها ، والناظر إليها في حال ما يلهى بها ، والسلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء . . .»(4) .

والإنصاف أنّ الخدشة في دلالة الروايات وفي إطلاقها في غير محلّها .

نعم ، هي لا تدلّ على حرمة اللعب بمطلق الآلات ؛ لاحتمال خصوصية في

ص: 24


1- الكافي 6 : 437 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 437 / 17 ؛ وسائل الشيعة 17 : 320 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 9 .
3- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 6 .
4- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 4 .

النرد والشطرنج ، كما يظهر من التأكيدات الواردة فيهما ، سيّما الشطرنج ، لكن

يمكن الاستدلال على المطلوب بعموم المنزلة في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) .

والظاهر أ نّه بصدد نفي الخصوصية عن آلة خاصّة كالنرد والشطرنج وإلحاق سائر الآلات بهما .

هذا كلّه حال اللعب بالآلات المعدّة للقمار .

حكم اللعب بغير آلات القمار مع رهان

وأمّا اللعب بغيرها مع رهن ، فقد حكي عن جمع حرمته تكليفاً ، وعن بعض دعوى الإجماع أو عدم الخلاف فيه(2) .

لكن الاعتداد بها لا يجوز بعد تراكم الأدلّة واحتمال تشبّثهم بها ، بل من المحتمل أن يكون نقله من الاجتهاد في كلمات القوم واستظهار الحرمة تكليفاً منها ، مع إرادة كلّهم أو بعضهم الوضعية ، فلا اعتداد بنقل الإجماع وعدم الخلاف .

كما لا اعتداد بدعوى صدق القمار عرفاً على مطلق اللعب برهن ؛ لما قلنا من الجزم بعدم صدقه على التغالب في الخطّ والقراءة والعدو ونحوها (3) .

ص: 25


1- تقدّمت في الصفحة 15 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 375 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .

وكلمات اللغويين مختلفة: فربّما يظهر من إطلاق بعضهم كصاحب «القاموس» و«منتهى الإرب» ومحكيّ «لسان العرب» أ نّه مطلق المغالبة برهن(1) ، لكن صريح «مجمع البحرين» وظاهر «المنجد» أنّ للآلات المعهودة دخالة في الصدق(2) . ولا يبعد استظهار الدخالة من غيرهما ، كصاحب «الصحاح» و«أقرب الموارد»(3) ، كما لا يبعد دعوى عدم الإطلاق في عبارة «القاموس» وما بمثلها .

فلا يمكن استفادة صدقه على ما ذكر من كلماتهم لو لم نقل بالعكس .

كما أنّ دعوى استفادة كونه قماراً موضوعاً من بعض الروايات ، مثل ما فسّرت الميسر بكلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز ، أو قومر عليه(4) ، بدعوى أنّ المراد التغالب به أو عليه(5) .

ومن رواية إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ؟ قال : «لا تأكل منه ؛ فإنّه حرام»(6) ، حيث عدّهما من القمار مع عدم كونهما آلة له .

ومن رواية العلاء بن سيّابة عنه علیه السلام ، وفيها : وكان يقول : «إنّ الملائكة

ص: 26


1- القاموس المحيط 2 : 125 ؛ منتهى الإرب 3 : 1057 ؛ لسان العرب 11 : 300 .
2- مجمع البحرين 3 : 463 ؛ المنجد : 653 .
3- الصحاح 2 : 799 ؛ أقرب الموارد 2 : 1036 .
4- تقدّم في الصفحة 11 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 375 - 377 .
6- الكافي 5 : 124 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 7 .

تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار

حرام»(1) .

ليست وجيهة ؛ لأنّ عدّ اللعب بالجوز والبيض من القمار لعلّه لأجل تعارف اتّخاذهما آلة للقمار ، وأين هذا ممّا لا يكون كذلك ، مع أنّ الإطلاق أعمّ .

ودعوى إرادة مطلق المغالبة من قوله : «كلّ ما قومر عليه» أو «به»(2) كما ترى ، فإنّها بلا بيّنة .

وإطلاقه أحياناً على مطلق المغالبة أو على المغالبة في التفاخر - كما يظهر

من بعض اللغويين - لا يوجب حمل الأخبار عليه ، مع أنّ الظاهر من الجوهري في «الصحاح» أنّ المستعمل في غلبة التفاخر من قمر يقمُر بضمّ الميم ، وفي المغالبة في اللعب بكسرها (3) .

ورواية إسحاق لا تدلّ إلاّ على استعماله ، وهو أعمّ .

ورواية ابن سيّابة على خلاف المطلوب أدلّ ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ المسابقة في المذكورات ليست قماراً وأنّ غيرها قمار حرام ، مع أنّ الصدق في جميعها سواء ، فلا محالة تحمل الرواية على الإلحاق الحكمي ، وتنزيل غير القمار منزلته .

ص: 27


1- تهذيب الأحكام 6 : 284 / 785 ؛ وسائل الشيعة 19 : 253 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 377 .
3- الصحاح 2 : 799 .

واحتمال أن يكون المراد أنّ غير المذكورات قمار حرام وهي قمار غير حرام ، بعيد جدّاً . مع ما عرفت من إباء الآية الكريمة من التخصيص(1) ، مضافاً إلى أنّ الاستعمال أعمّ .

والإنصاف : أنّ الاستدلال للحكم بصدق عنواني القمار والميسر عليه في غير محلّه .

كما أنّ الاستدلال له بالآية الكريمة ؛ أي قوله : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( تارة بأن يقال : إنّ عطف الأزلام على الميسر ظاهر في كونه عنواناً مقابلاً له فيكون الاستقسام بالأزلام محرّماً لا بعنوان القمار ، وبإلغاء الخصوصية منها عرفاً يستفاد الحكم في مطلق استنقاذ المال باللعب ، فإنّ الظاهر المتفاهم منه أنّ كون الأزلام رجساً من عمل الشيطان ليس لخصوصية في القداح ولا في عددها ولا في الجزور التي كانوا يقتسمونها ، بل لاستنقاذ المال بوجه غير مستقيم كالتجارة ونحوها بتوسّط الأزلام ونحوها .

واُخرى بقوله : )إِنَّما يُريدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالبَغْضاءَ . . .((2) بدعوى أنّ ما يوجب ذلك يكون من عمل الشيطان ويجب الاجتناب عنه .

غير وجيه ؛ لأنّ استظهار مغايرة اللعب بالأزلام مع القمار بمجرّد العطف مع عدّ اللغويين الأزلام قمار العرب(3) ، غير صحيح . وتخصيصه بالذكر لعلّه لأجل

ص: 28


1- تقدّم في الصفحة 8 .
2- المائدة5: 91 .
3- مجمع البحرين 6 : 80 .

التعارف بينهم ، لا لأشدّية حرمته من غيرها حتّى يقال : إنّ الشطرنج كأ نّه أشدّ كما يظهر من التأكيد والتشديد في أمره .

وإلغاء الخصوصية وإن يمكن بالنسبة إلى بعض الآلات ، كتبديل الأزلام بالأوراق ونحوها ، لكن بالنسبة إلى مطلق اللعب برهن غير ممكن ، كالقراءة والخطّ والمصارعة ونحوها .

وقد مرّ أنّ ذيل الآية ليس تعليلاً(1) حتّى يدلّ على حكم غير المورد .

نعم ، لا يبعد جواز الاستدلال على المطلوب بقوله تعالى : )لاَ تَأكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ((2) .

بأن يقال : إنّه بعد معلومية أنّ قوله : )لاَ تَأْكُلُوا( كناية ، يحتمل أن يكون كناية عن مطلق التصرّفات ، فيكون المراد : لا تتصرّفوا في الأموال الحاصلة بالباطل إلاّ ما حصل بتجارة عن تراض .

ويحتمل أن يكون كناية عن تحصيل الأموال بالباطل ، فيكون النهي متعلّقاً على سبب تحصيلها ، فيكون المعنى : لا يجوز تحصيل المال بالأسباب الباطلة كالقمار والبخس والسرقة ونحوها .

ويرجّح هذا الاحتمال بالروايات الواردة في تفسيرها :

كصحيحة زياد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجلّ : )وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل( ؟ فقال : «كانت قريش تقام-ر الرجل

ص: 29


1- تقدّم في الصفحة 17 .
2- النساء (4) : 29 .

بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ اللّه تعالى نهاهم عن القمار بالمعنى المصدري ، لا عن التصرّف في الأموال .

ونحوها رواية العيّاشي عن أسباط بن سالم ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام

فجاء رجل فقال : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : )يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ( قال : «يعني بذلك القمار»(2) .

وقريب منها رواية محمّد بن عيسى المرويّة عن «نوادر» ابنه(3) .

وأظهر منها رواية العيّاشي الاُخرى عن محمّد بن علي عن أبي عبداللّه علیه السلام

في قول اللّه عزّ وجلّ : )يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل( قال : «نهى عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عن ذلك»(4) .

ويؤيّده استثناء التجارة عن تراض ، فكأ نّه قال : لا يجوز استنقاذ الأموال بشيء من الأسباب الباطلة ، لكن لا بدّ وأن يكون بنحو التجارة عن تراض .

ص: 30


1- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 164 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 1 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 235 / 98 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 8 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 / 414 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 14 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 236 / 103 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

فإذا كان النهي متعلّقاً بالأسباب التي تحصل بها الأموال كالقمار والبخس والربا والسرقة - كما فسّرت بها أيضاً على ما حكي(1) - ويكون المعنى : لا يجوز تحصيل المال بتلك الاُمور ، تدلّ الآية بإطلاقها على حرمة كلّ لعب يكون فيه رهن، وكذا لو كان المذكور جزء مدلولها .

واحتمال أن يكون النهي إرشاداً إلى البطلان ، غير وجيه ؛ لأنّ ما تدخل في الآية غالباً لا تكون من قبيل المعاقدات التي تتّصف بالصحّة والبطلان ، فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر النهي الدالّ على التكليف .

والإنصاف : أنّ الاستدلال بالآية لا يخلو من وجه ، وإن لا يخلو من مناقشة :

بأن يقال : إنّ غاية ما يمكن إثبات دخوله في الآية القمار ؛ لورود روايات فيه يصحّ أسناد بعضها . فحينئذٍ يمكن أن يكون النهي عن الأكل كناية عن تحصيل المال بأسباب كالقمار مقابل التجارة ، لا كالسرقة والخيانة . فمع تعلّق النهي بالتحصيل بالأسباب أو بالأسباب لا يستفاد منه الحرمة التكليفية ؛ لظهوره في الإرشاد إلى البطلان وعدم السببية ، كسائر الموارد من الأشباه والنظائر .

نعم ، لو قام دليل على دخول السرقة والظلم ونحوهما فيها لأمكن الاستدلال بها بما تقدّم .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ القمار الوارد في الأخبار المفسّرة بمعنى الرهن ، كما قيل : إنّه أصله(2) . فعليه يمكن حفظ ظهور الآية في دلالتها على حرمة التصرّف في الأموال الحاصلة بالباطل .

ص: 31


1- مجمع البيان 3 : 59 .
2- مجمع البحرين 3 : 463 ؛ جامع المقاصد 4 : 24 .

بل لقائل أن يقول : إنّ إدخال القمار في الآية تعبّدي لا مفاد لها كتفسير الأوثان بالشطرنج ، فلا يجوز رفع اليد عن ظاهرها بدخول مصداق تعبّدي فيها لا يعلم كيفية إرادته ودخوله .

وأمّا الروايات : فقد استدلّ الشيخ الأنصاري برواية ياسر الخادم عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الميسر ؟ قال : «التفل من كلّ شيء» قال : «والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره»(1) .

وبمصحّحة معمّر بن خلاّد : «كلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(2) .

وبرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : «كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز»(3) .

قال رحمه الله علیه : والظاهر أنّ المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن(4) .

والإنصاف عدم دلالتها على المطلوب ، فإنّ رواية ياسر تدلّ على حرمة ما يخرج بين المتراهنين ، وهو غير مطلوبنا في المقام . وكذا الصحيحة ، فإنّ ما قومر عليه هو المجعول بين المتقامرين ، وحرمته لا تدلّ على حرمة العمل ولو كان المقامرة بمعنى المغالبة فيها ، مع أ نّه غير مسلّم بل الظاهر منها وممّا عبّرت بمثلها

هو القمار المعروف .

ومن هنا لا يصحّ الاستدلال برواية جابر إن كان محطّه الكلّية المذكورة .

ص: 32


1- تقدّمت في الصفحة 15 .
2- تقدّمت في الصفحة 15 .
3- تقدّمت في الصفحة 11 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 376 - 377 .

وأمّا إن كان محطّه قوله : «حتّى الكعاب والجوز» بدعوى أنّ عدّ الجوز ممّا قومر به دليل على أنّ ما ليس بآلة القمار داخل فيه وملحق به ، وبإلغاء الخصوصية يثبت الحكم لسائر آلات اللعب برهن .

ففيه : - مضافاً إلى أنّ اللعب بالجوز والبيض ممّا اتّخذ آلة للتقامر لا يبعد صدق القمار عليه لأجل ذلك الاتّخاذ - أنّ إلغاء الخصوصية منه إلى غيره ممّا هو غير متّخذ آلة مشكل بل ممنوع ؛ لخصوصية فيما اتّخذ آلة لذلك دون غيره كالتخطيط وتجويد القراءة والسبق بالسباحة والعدو . . . إلى غير ذلك . فإلحاق ما اتّخذ آلة له به لا يدلّ على إلحاق غيره به .

فالعمدة في المقام روايات باب السبق والرماية :

كمرسلة الصدوق المرويّة في «الفقيه» في باب حدّ من شرب الخمر وما جاء في الغناء والملاهي ، قال : وقال الصادق علیه السلام : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، وقد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل»(1) .

قال المحدّث الكاشاني في ذيلها : «ويأتي هذا الحديث في باب عدالة الشاهد مسنداً مع ما في معناه ، وفي آخره : وما عدا ذلك قمار حرام»(2) .

وما حكى في الباب المشار إليه ، روايتان بسند واحد عن العلاء بن سيابة :

إحداهما : قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شهادة من يلعب بالحمام ؟ قال :

ص: 33


1- الفقيه 4 : 42 / 136 ؛ وسائل الشيعة 19 : 251 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- الوافي 15 : 149 ، ذيل الحديث 14821 .

«لا بأس إذا لم يعرف بفسق» . قلت : فإنّ من قبلنا يقولون : قال عمر : هو شيطان ؟ فقال : «سبحان اللّه ، أما علمت أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، فإنّها تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل»(1) .

وثانيتهما : بهذا الإسناد ، قال : سمعته يقول : «لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام ، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه

قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما عدا ذلك قمار حرام»(2) .

وأنت خبير بما في اجتهاد الكاشاني من كون المرسلة عين المسندة ، فإنّ ظاهر الصدوق في المرسلة أنّ قوله : «إنّ الملائكة لتنفر . . .» من كلام الصادق علیه السلام لا منقول عن رسول اللّه رحمهما اللّه ، وصريح الرواية الاُولى وظاهر الثانية أ نّه من كلام رسول اللّه رحمهما اللّه .

مضافاً إلى أنّ الرواية الاُولى الشبيهة بالمرسلة في الفقرات مشتملة على جملة زائدة ، وهي قوله : «فإنّها تحضره الملائكة» ، على ما في نسختي : «من لا يحضر» ، و«الوسائل» .

وأمّا الثانية فلا مجال لاحتمال وحدتها مع المرسلة .

فالظاهر استقلال المرسلة ، وهي من المرسلات التي يشكل طرحها للإرسال .

ص: 34


1- الوافي 16 : 1012 / 16589 .
2- الوافي 16 : 1012 / 16590 .

نعم ، لو كانت عين المسندة وقطعة منها يشكل الاستناد إليها ؛ لأجل العلاء بن

سيابة(1) ، لكن قد مرّ بُعد ذلك .

وكيف كان فالظاهر من المرسلة حرمة السباق فيما عدا المذكورات .

والمناقشة في دلالتها تارة : بأنّ الرهان يمكن أن يكون جمع الرهن وهو المال المرهون ، أو مصدراً بمعنى جعل المال رهناً لا بمعنى السباق واللعب .

واُخرى : بأنّ نفار الملائكة ولعنها لا يلازمان الحرمة ولا يدلاّن عليها ، لإمكان نفارهم عن المكروهات أو بعضها سيّما مثل اللعب واللهو ممّا ينافي قداستهم ، وأمّا اللعن فقد ورد في المكروهات أيضاً .

كأ نّها في غير محلّها ؛ لقوّة ظهور الرواية في الرهان بمعنى السبق سيّما مع استشهاده بمسابقة رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد ، بل هو دليل على أنّ المستثنى السباق بالمذكورات ، فإنّه لو كان المراد المال المرهون أو جعل الرهن دون المسابقة لما كان لاستشهاده بالسباق وجه وكان عليه الاستشهاد بجعل رسول اللّه رحمهما اللّه الرهن ، فإذا كان المستثنى ما ذكر يكشف عن المستثنى منه ، فلا إشكال من هذه الجهة .

وأمّا لعن الملائكة وكذا لعن اللّه تعالى ولعن رسوله رحمهما اللّه فالظاهر منه أنّ العمل الموجب له محرّم .

واستعماله أحياناً في مورد الكراهة ، كما عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : «لعن رسول اللّه رحمهما اللّه ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ،

ص: 35


1- راجع تنقيح المقال 2 : 257 / السطر 25 (أبواب العين) .

والراكب في الفلاة وحده»(1) ، وقد ورد في الدوابّ : «لا تلعنوها ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لعن لاعنها»(2) . لا ينافي ظهوره في الحرمة .

وقد ورد مادّة اللعن قرب أربعين مورداً في القرآن الكريم لا يكون مورد منها

في أمر مكروه أو شخص مرتكب له ، فراجع(3) . بل غالب استعماله في موارد التشديد على المحرّمات أو الأشخاص المرتكب لها أو الكفّار والمنافقين والشيطان وأمثالهم ، فلا شبهة في ظهوره في الحرمة .

وأوضح منها دلالة رواية العلاء بن سيابة الثانية ، بل هي صريحة في المطلوب ، لكنّها ضعيفة .

فالإنصاف أنّ الحرمة لو لم تكن أقوى فهي أحوط ، سيّما مع حكاية عدم الخلاف من بعض الأعاظم واستظهاره من جمع ، كما قال الشيخ الأنصاري : «فلا أظنّ الحكم بحرمة الفعل مضافاً إلى الفساد محلّ إشكال ولا محلّ خلاف كما يظهر من كتاب السبق والرماية وكتاب الشهادات»(4) ، انتهى .

وأمّا الاستشهاد بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل أكل هو وأصحاب له شاة ، فقال : إن أكلتموها فهي

ص: 36


1- الفقيه 2 : 181 / 810 ؛ وسائل الشيعة 11 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 30 ، الحديث 7 .
2- الفقيه 2 : 188 / 845 ؛ وسائل الشيعة 11 : 483 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام الدوابّ ، الباب 10 ، الحديث 6 .
3- راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : 766 ، مادّة لعن .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 378 .

لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه : أنّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ، قلّ منه أو كثر ، ومنع غرامته فيه»(1) بدعوى أنّ سكوت الإمام علیه السلام عن منع اللعب دليل على جوازه وإن كان باطلاً لا يوجب غرامة(2) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الاستشهاد إمّا بسكوت الباقر علیه السلام عن بيان الحكم ، ففيه أ نّه بصدد بيان قضاء مولانا أمير المؤمنين علیه السلام ، ولم يكن لاعب عنده حتّى ينهاه ، أو بأنّ سكوته عن بيان منع علي علیه السلام دليل على عدم منعه علیه السلام وهو دليل على الجواز ، ففيه أ نّه علیه السلام بصدد بيان قضائه علیه السلام في الواقعة لا مطلق ما وقع فيها ، ولهذا لم يذكر كيفية الدعوى والمدّعي والمدّعى عليه . ولعلّ أمير المؤمنين علیه السلام نهى ع-ن العمل ولم يك-ن أبو جعفر علیه السلام بصدد نقله ، مع أنّ الواقعة كانت قضيّة خارجية لم تظهر حالها ، فلا معنى لاستفادة شيء من سكوته .

ثمّ إنّ في الرواية إشكالاً ، وهو أنّ نفي الغرامة خلاف القواعد ؛ لأنّ المعاقدة إن كانت فاسدة كان الأكل موجباً للغرامة ؛ لأ نّه كالمقبوض بالبيع الفاسد . وما يقال : إنّ الإباحة المالكية ترفع الغرامة(3) ، ليس بشيء ؛ لأنّ ما يوجب رفعها هو الإباحة المطلقة لا في ضمن معاملة فاسدة ، فلو باع شاة في بيع فاسد وقال : خذها وكلها ، فهل يمكن دفع الغرامة بالإباحة المذكورة ؟

فالأولى أن يقال : إنّ كيفية الدعوى والمدّعي والمدّعى عليه غير مذكورة

ص: 37


1- الكافي 7 : 428 / 11 ؛ وسائل الشيعة 23 : 192 ، كتاب الجعالة ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 378 - 379 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 221 .

في الرواية ، ولم يكن أبو جعفر علیه السلام بصدد بيان تمام الواقعة ، بل كان بصدد بيان نحو القضاء .

فعليه يحتمل أن يكون المدّعي في الواقعة صاحب الشاة ، مع إظهار أصحابه العجز عن الأكل بعد تمامية المشارطة وقبل التصرّف في الشاة ، فأراد أخذ الغرامة التي جاءت بعهدة أصحابه بتوهّم صحّة المعاقدة ، فمنع أمير المؤمنين علیه السلام

الغرامة . والقول بعدم صدق الغرامة عليه وَهْم ، فإنّ الغرامة ما يلزم أداؤه من المال ، ولهذا يقال للمديون : الغريم ، فالمال المشارط عليه يقع على عهدة المتخلّف ، فيكون غرامة وصاحبه غريماً .

فمع هذا الاحتمال لا دلالة في الصحيحة على خلاف القواعد ، فتدبّر .

حكم المغالبة بغير عوض في غير ما استثني

وأمّا المغالبة بغير عوض في غير ما استثني فقد حكي عن الأكثر عدم جوازها (1) ، ويظهر من موارد من «التذكرة» الاتّفاق عليه(2) .

والظاهر أنّ دعوى العلاّمة معلّلة لا يمكن الاتّكال عليها ، سيّما مع عدم تعرّض قدماء أصحابنا لذلك ظاهراً ، وسيّما مع تقييد شيخ الطائفة المسابقة على الأقدام وبالمصارعة وبالطيور ، بعوض في موضوع الحرمة ، بل ظاهره في المسابقة بالسفن ونحوها التقييد أيضاً (3) ؛ لاستدلاله بما استدلّ لغيرها ، وهو

ص: 38


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 380 ؛ رياض المسائل 9 : 408 .
2- تذكرة الفقهاء 19 : 14 - 17 .
3- المبسوط 6 : 291 - 292 .

قوله : «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(1) .

وكيف كان فقد استدلّ الشيخ الأنصاري عليه بأدلّة حرمة القمار وادّعى صدقه على مطلق المغالبة(2) ، وهو كما ترى .

وقد مرّت كلمات اللغويين المشحونة باعتبار الرهن(3) .

ولا شبهة في عدم صدقه عرفاً على المغالبة في الخطّ والقراءة والمصارعة وغرس الأشجار وحفر الأنهار والبناء ونحوها مع رهن فضلاً عن عدمه .

والأولى الاستدلال له بمرسلة «الفقيه» المتقدّمة ، قال : قال الصادق علیه السلام : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان . . .»(4) .

بدعوى : أنّ المراد بالرهان مطلق المسابقة ، كما هو أحد معانيه على ما يظهر من اللغة ، بقرينة استشهاده بأ نّه «قد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل» ، فلو كان مراده من الرهان السباق برهن أو مال الرهانة لما يناسب الاستشهاد بذلك ، فتدلّ على حرمة مطلق المغالبة .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ الظاهر من الرهان السبق برهن ، وإطلاقه على المسابقة لعلّه للمناسبة بينهما ولزوم السباق له ، فيكون ذلك قرينة على أنّ مراده من الاستشهاد بالسباق هو ما يشتمل على الرهن ، فقد ورد : «أنّ

ص: 39


1- الكافي5 : 50 / 14 ؛ وسائل الشيعة 19 : 252 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 382 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .
4- تقدّمت في الصفحة 33 .

رسول اللّه رحمهما اللّه أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة»(1) ، ولعلّه كان مع اُسامة بن زيد .

ويشهد له رواية العلاء بن سيابة ، وفيها : «لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام ، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه

قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار حرام»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ استشهاده بسباق رسول اللّه رحمهما اللّه وعمله لنفي البأس في سباق صاحب السباق المراهن عليه لا مطلق السباق .

والحمل على مطلقه بدعوى أنّ محطّ نظره مطلق اللعب ، كما يظهر من قوله : «يلعب بالحمام» بلا قيد ، ومن استشهاده بمسابقة ذاتها ، بعيد جدّاً ، بل الأظهر أنّ استشهاده للسبق برهن ، واتّكل على وضوح المراد .

ومثله في البعد توهّم أنّ الاستشهاد بقوله رحمهما اللّه لا بعمله ، أو بعمله في أصل السبق وبقوله فيه برهن . فإنّ كلّ ذلك تكلّف وبعيد عن الأفهام .

فالتشبّث بالمرسلة وكذا برواية ابن سيابة في غير محلّه .

كالاستدلال بقوله : «لا سبق إلاّ في خفّ . . .»(3) ، أو بمثل قوله في الشطرنج وغيره : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟» قال : مع الباطل .

ص: 40


1- قرب الإسناد : 134 / 468 ؛ وسائل الشيعة 19 : 255 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 4 ، الحديث 4 .
2- الوافي 16 : 1013 / 16590 .
3- تقدّم في الصفحة 39 .

قال : «فلا خير فيه»(1) .

فإنّ قوله : «لا خير فيه» وإن كان كناية عن الحرمة ؛ لما مرّ(2) ، لكن لا يمكن الالتزام بحرمة مطلق الباطل ؛ لقيام الضرورة والسيرة على خلافها . فلا بدّ من حمله على قسم معهود منه . ولا يبعد أن يكون المراد به ما في قوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ( المفسّر بالقمار(3) ، وغاية اقتضاء إطلاقه حرمة أكل المال المتحصّل من الأسباب الباطلة ، أو حرمة تحصيل المال بها على ما تقدّم احتماله مع الجواب عنه(4) .

ومنه يظهر الجواب عن روايات يظهر منها حرمة مطلق الباطل(5) ، أو كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه ونحوها (6) .

نعم ، في «مقنع» الشيخ الصدوق : «ولا تلعب بالصوالج ، فإنّ الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك . وروي أنّ من عثرت دابّته فمات دخل النار . واجتنب الملاهي كلّها واللعب بالخواتيم والأربعة عشر وكلّ قمار ، فإنّ الصادقين علیهم السلام

قد نهوا عن ذلك أجمع»(7) ، انتهى .

مع ما في أوّله من الشهادة على أنّ كلّ ما فيه روايات مسندة موجودة

ص: 41


1- تقدّم في الصفحة 19 .
2- تقدّم في الصفحة 20 - 21 .
3- تقدّمت الروايات المفسّرة في الصفحة 29 - 30 .
4- تقدّم في الصفحة 29 - 31 .
5- تقدّمت في الصفحة 19 و21 .
6- تقدّمت في الصفحة 16 .
7- المقنع : 458 .

في الكتب الاُصولية عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات(1) ، ومع ما في ذيل هذه العبارة من الجزم بأنّ الصادقين علیهم السلام نهوا عن ذلك أجمع ، فلا إشكال في سندها .

وأمّا دلالتها فيمكن أن يقال : إنّ الملاهي مطلق آلات اللهو واللعب ، كما تشهد به كلمات اللغويين :

ففي «الصحاح» : «وألهاه أي شغله» إلى أن قال : «ألهو لهواً إذا لعبت به ، وتلهّيت به مثله»(2) .

وفي «القاموس» : «لها لهواً : لعب ، كالتهى ، وألهاه ذلك . والملاهي : آلاته»(3) .

وفي «المنجد» : «لها يلهو لهواً الرجل : لعب» إلى أن قال : «المِلْهى - بالكسر - آلة اللهو ، الجمع : مَلاه» . نعم فيه : «آلات الملاهي : آلات الموسيقى»(4) .

لكن يمكن أن يقال : إنّ الظاهر منه أ نّها مصداق من الملاهي بعد تفسير اللهو باللعب .

وفي «مجمع البيان» : «عن المجاهد : كلّ لعب لهو . وقيل : اللعب ما رغّب في الدنيا ، واللهو ما ألهى عن الآخرة»(5) .

فتحصّل من ذلك وجوب اجتناب آلات اللهو واللعب كآلات القمار ونحو

ص: 42


1- المقنع : 5 .
2- الصحاح 6 : 2487 .
3- القاموس المحيط 4 : 390 .
4- المنجد : 737 .
5- مجمع البيان 9 : 359 .

الصولجان والكرة ، بل يمكن إلغاء الخصوصية من الخواتيم والصولجان وإسراء الحكم إلى مطلق اللعب .

وعليه يمكن الاستدلال للمطلوب برواية سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المَعازف والملاهي شماتة بآدم علیه السلام . فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك»(1) .

ويمكن المناقشة في سند «المقنع» بأن يقال : إنّ ما في أوّله لا يدلّ على توثيق جميع ما في سلسلة السند ؛ لأ نّه قال : «إنّي صنّفت كتابي هذا وسمّيت كتاب «المقنع» لقنوع من يقرأه بما فيه ، وحذفت الأسناد منه لئلاّ يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يملّه (ولا يملّ . ظ) قارئه . إذ كان ما اُبيّنه فيه في الكتب الاُصولية موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهما اللّه »(2) ، انتهى .

وفيه احتمالان :

أحدهما : أ نّه بصدد الشهادة على موجودية ما في «المقنع» في الكتب الاُصولية ، فتكون شهادة على وجدانه فيها ، وإنّما ذكرت الأسناد فيما ذكرت لا لإثبات الكتب بل لأغراض اُخر كحفظ السلسلة ورجال الأسانيد كالأسناد الموجودة في عصرنا إلى الكتب الأربعة ، وبصدد شهادة اُخرى ، وهي توثيق صاحب الاُصول .

ص: 43


1- الكافي 6 : 431 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 313 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 5 .
2- المقنع : 5 .

وعلى هذا يكون ما فيه بمنزلة رواية صحيحة لو قلنا بقبول توثيق عدل واحد في رجال السند .

وثانيهما : أن يكون بصدد بيان وثاقة طرقه إلى الاُصول لا توثيق أصحابها ، بأن يكون قوله : «مبيّناً» حالاً ، لا خبراً بعد خبر ، فيكون مراده أنّ وجودها في الكتب معلوم مبيّن بوسيلة المشايخ الثقات .

ولعلّ هذا الاحتمال أقرب ، لبعد امتياز «المقنع» عن سائر كتبه سيّما مثل «من لا يحضر» .

مضافاً إلى أنّ ظاهر قوله : «واجتنب الملاهي كلّها» أ نّه نهى عنه ، بقرينة قوله : «فإنّ الصادقين علیهم السلام قد نهوا عن ذلك أجمع» . ومعه لا يبقى إلاّ إرسال الصدوق ، وهو وإن كان من الإرسالات التي قلنا : إنّه يشكل طرحها ، لكن يحتمل أن يكون مثل اللعب بالخواتيم ونحوها داخلاً في القمار عنده كما قال جمع : إنّ القمار مطلق المغالبة(1) . ومعه لا يبقى ظهور في أنّ كلّ ما ذكرها بعناوينها منهيّة عنه ، مع أنّ عين النواهي غير مذكورة . فمن المحتمل أن لا تدلّ - بجهات تقدّم بعضها - على الحرمة .

ص: 44


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .

فرعان :

حرمة المال المأخوذ بالقمار بعنوانه

أحدهما : أ نّه هل المأخوذ بالقمار والمال الذي جعل رهناً محرّم بعنوان ما يقامر عليه زائداً على حرمة التصرّف في مال الغير ، كما قلنا في ثمن الخمر والعذرة(1) ، أو كان حاله كالمقبوض بالعقد الفاسد ؟

يمكن الاستشهاد للأوّل بصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(2) .

وقريب منها رواية العيّاشي عن الرضا علیه السلام (3) .

فإنّ الظاهر منهما أنّ ما قومر عليه بمنزلة الميسر ، لا بنحو المجاز في الحذف ، بل على نحو الحقيقة الادّعائية بملاك ترتّب الآثار ، فيكون ما قومر عليه بعنوانه محرّماً ومنزّلاً منزلته ، وهذا أقرب من جعل الرواية مفسّرة للآية الكريمة ؛ أي : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ . . .( ؛ لأ نّه مع عدم إشعار فيها لذلك وإنّما احتمال أو ظنّ ناشٍ من ورود الميسر في الآية ، مع(4) أنّ الحمل على التفسير

ص: 45


1- تقدّم في الجزء الأوّل: 23 - 25 .
2- تقدّمت في الصفحة 15 .
3- تقدّمت في الصفحة 11 .
4- والظاهر أنّ لفظة «مع» زائدة .

يوجب ارتكاب خلاف ظاهر بعيد في الآية ، وهو استعمال الميسر وإرادة القمار وما قومر عليه . بل ما ورد في تفسيرها كروايتي جابر(1) ومحمّد بن عيسى(2) ليس فيهما ما قومر عليه ، بل فسّر فيهما بما قومر به ، فلا وجه لجعل مثل صحيحة معمّر بن خلاّد تفسيراً لها .

مضافاً إلى أ نّه لو جعلت مفسّرة أيضاً تدلّ على المقصود ظاهراً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ ما قومر عليه بما هو كذلك داخل فيها ومراد منها ، وإن لا يخلو من نحو مناقشة .

وكيف كان لا شبهة في ظهورها فيما ذكرناه ، بل يمكن استظهار حرمته على صاحب المال منها أيضاً ، بأن يقال : إنّ ما قومر عليه حرام لا بعنوان أكل مال الغير حتّى يقال : لا معنى لحرمته على صاحبه ، بل بعنوان انتزاعي آخر هو عنوان ما قومر عليه ، فيحرم بهذا العنوان على جميع الناس .

وبعبارة اُخرى : أنّ أخذ مال المقامرة من صاحبه بعنوان الغلبة في القمار والالتزام بمقتضى مقامرتهما يجعل المال معنوناً بعنوانٍ محرّم ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيه ولو صاحب المال .

نعم ، لو أخذ ماله بعنوان أنّ القمار ليس بسبب ، لا بأس به ويجوز تصرّفه فيه .

وأمّا احتمال خروج المال شرعاً عن المالية بمجرّد حصول التقامر عليه ضعيف جدّاً ، بل مقطوع الخلاف ، لكن الاحتمال المتقدّم موافق للأدلّة ولا يخالفه عقل أو نقل . وقد وقع نظيره في الشرع ، كحرمة الأكل على مائدة

ص: 46


1- تقدّمت في الصفحة 11 .
2- تقدّمت في الصفحة 12.

يشرب عليها الخمر(1) . فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الدليل بمجرّد الاستبعاد

أو تخيّله .

ولا يتوهّم أنّ ما ذكر نظير ما قيل في المغصوب : إنّه لا يجوز لصاحب المال أيضاً التصرّف فيه ، ولا يخفى ضعفه ؛ وذلك لأنّ حرمة المغصوب إنّما هو بعنوانه ، وهو التسلّط على مال الغير والاستيلاء عليه ، وحرمة تصرّفه باعتبار التصرّف في مال الغير عدواناً ، فلا معنى لحرمته على صاحب المال ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الحرمة متعلّقة بعنوان آخر غير التصرّف في مال الغير ، فتدبّر .

دلالة الكتاب والسنّة على أنّ القمار من الكبائر

الثاني : القمار بأقسامه من الكبائر ؛ لظاهر قوله تعالى : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ((2) . ولا ينافيه قوله تعالى : )وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ

مِنْ نَفْعِهِما( ؛ لأنّ أكبريته منهما لا تنافي كونه كبيرة في نفسه كما يقتضيه صدر الآية .

وفي رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن علیه السلام -

في باب تحريم الخمر - قال : «فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر والميسر ، وإثمهما كبير كما قال اللّه عزّ وجلّ»(3) .

ص: 47


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب 33 .
2- البقرة (2) : 219 .
3- الكافي 6 : 406 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 301 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 9 ، الحديث 13 .

ولروايتي الفضل بن شاذان(1) وأعمش(2) الواردين في عدّ الكبائر . وفي سندهما ضعف وإن قيل : إنّ سند الاُولى بأحد طرقه لا يخلو من حسن بل صحّح بعضهم ذلك(3) ، وقال الشيخ الأنصاري في باب الكذب : «إنّه لا يقصر عن الصحيح»(4) وسيأتي الكلام فيه(5) .

ويمكن الاستدلال على المطلوب برواية علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود في قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( وفي آخرها : «وقرن اللّه الخمر والميسر مع الأوثان»(6) .

ولا ريب في أ نّه ليس مراده من الإخبار بالمقارنة بينها صرف الإخبار بأمر ضروري لا فائدة فيه ، بل مراده بيان عظمة خطبهما وحرمتهما وأ نّه لهذه جعلهما قريناً للشرك .

ولعلّه تشير إلى ذلك ما دلّت على «أنّ شارب الخمر كعابد وثن»(7) ، وما دلّت

ص: 48


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 126 - 127 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .
2- الخصال : 610 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
3- راجع تنقيح المقال 2 : 233 / السطر 20 (أبواب العين) .
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 11 .
5- يأتي في الصفحة 91 .
6- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .
7- راجع وسائل الشيعة 25 : 317 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 .

على «أنّ الرجس من الأوثان : الشطرنج»(1) .

وقد استدلّ أبو عبداللّه علیه السلام في رواية عبد العظيم الحسني الصحيحة على أنّ شرب الخمر من الكبائر بقوله : «لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان»(2) . وهو إشارة إلى الآية المتقدّمة ، وليس مراده مجرّد تعلّق النهي بهما . بل المراد أنّ النهي عنهما مقارنان أو مشابهان في الكيفية ، فتدلّ على أنّ الخمر والميسر في العظمة والكبر كعبادة الأوثان وليس الاقتران بينها لصرف الجمع في التعبير بلا نكتة .

ويمكن الاستدلال عليه بما دلّت على أنّ الشطرنج كبيرة ، كرواية أبي بصير المحكيّة في «مستطرفات السرائر» عن جامع البزنطي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير . . .»(3) .

وهي كما ترى تدلّ على المقصود بجهات عديدة تظهر بالتأمّل فيها والمراجعة إليها . واشتمالها على ما يجب تأويله وهو قوله : «لا صلاة له حتّى يغسل يده» لا يوجب الوهن فيها ، كما أنّ الاستبعاد من بعض فقراتها لا يوجب ذلك .

ص: 49


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 1 و3 .
2- الكافي 2 : 287 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 320 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 24 .

وتدلّ أيضاً عليه مرسلة ابن أبي عمير(1) ورواية زيد الشحّام(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيهما : قال : «الرجس من الأوثان : الشطرنج» . بناءً على أنّ المراد تنزيله منزلته ، تأمّل .

ويؤيّده رواية الحسين بن عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر ، أو صاحب شاهين ، أو مشاحن»(3) .

وقريب منها رواية عمر بن يزيد(4) .

وهما وإن كانا في المزاولين بهما لكن تشعران أو تدلاّن على عظمتهما .

إلى غير ذلك ، فلا ينبغي الشبهة في كونه كبيرة .

ويتمّ المقصود في سائر أنواع القمار بعموم التنزيل في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام المتقدّمة(5) .

فلا يبعد استفادة التسوية بين أنواعه . بل لا يبعد أن يكون مراده من ذلك نفي

الفرق بين الشطرنج وغيره ، سيّما مع قوله : «وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر» .

ثمّ إنّه يستفاد من ذيل صحيحة معمّر أنّ التصرّف فيما قومر عليه أيضاً كبيرة ، لإطلاق التنزيل والهوهوية .

ويمكن الاستدلال عليه بموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كان

ص: 50


1- تقدّمت في الصفحة 22 .
2- تقدّمت في الصفحة 23 .
3- تقدّمت في الصفحة 23 .
4- تقدّمت في الصفحة 23 .
5- تقدّمت في الصفحة 15 .

ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل» وقال : «هو سحت»(1) . بضميمة روايتي الفضل بن شاذان وأعمش(2) ، وقد عدّ السحت فيهما من الكبائر ، فينقّح موضوعهما بالموثّقة ، لكنّهما ضعيفتان .

ص: 51


1- الكافي 5 : 123 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 6 .
2- تقدّم تخريجهما في الصفحة 48، الهامش 1 و2 .

المسألة الخامسة في الكذب

ماهية الصدق والكذب

وقد اختلفوا في ماهية الصدق والكذب :

والمشهور أنّ الأوّل مطابقة الخبر للواقع ، والثاني مخالفته له(1) .

وقد يقال : إنّ الأوّل مطابقة الحكم للواقع ، والثاني مخالفته له ، وأنّ رجوع

الصدق والكذب إلى الحكم أوّلاً وبالذات ، وإلى الخبر ثانياً وبالواسطة ، قال به التفتازاني(2) .

وهذا بوجه نظير قول من قال : «إنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة»(3) إن كان مراد التفتازاني بالحكم الإدراك الذهني والحكم النفسي، وسيجيء الاحتمالات في كلامه .

ص: 52


1- راجع المطوّل : 38 .
2- نفس المصدر .
3- الشفاء ، المنطق 1 : 25 ؛ الإشارات والتنبيهات ، شرح المحقّق الطوسي 1 : 32 ؛ الجوهر النضيد: 8.

أقول : لا شبهة في أنّ الكلام بنفسه مع قطع النظر عن صدوره من متكلّم مريد دالّ على المعنى . فلو نقشت بواسطة الحوادث الكونية كلمة : «السماء فوقنا» ، و«السماء تحتنا» فلا يمكن أن يقال : إنّا لا نفهم منهما شيئاً أصلاً ، أو هما لا يحكيان عن مدلولهما ، أو يقال : إنّ المدلول منهما شيء واحد ، أو إنّ مدلولهما ليس موافقاً ولا مخالفاً للواقع . فعليه تكون الجملة الاُولى صادقة ، والثانية كاذبة .

وتوهّم أنّ ما يحكيان عنه ليس بنحو الدلالة ، بل بنحو الخطور لاُنس الذهن(1) ، خلاف الوجدان . وهو أصدق شاهد على عدم الفرق في الدلالة بين الكلام الصادر من متكلّم شاعر وبين الصادر من غيره .

فبطل القول بأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة ، أو الوضع عبارة عن التعهّد بإرادة المعنى من اللفظ ، أو أنّ الدلالة عبارة عن إبراز ما في الضمير ، وما

فيه حاكٍ عن الواقع(2) .

مضافاً إلى أنّ الكلام الصادر من المتكلّم لا يحكي إلاّ عن الواقع ونفس الأمر مستقيماً ، من غير دلالة على المعاني الذهنية وصورها ، وهو وجداني جدّاً . فيكون الصدق والكذب من صفات الخبر أوّلاً وبالذات ، وإنّما يتّصف المتكلّم بكونه صادقاً أو كاذباً لأجل إخباره . فلا محالة تكون سعة اتّصافه بالصادق والكاذب تابعة لإخباره ؛ لعدم إمكان أن يكون الخبر صادقاً وقد أخبر به المتكلّم

ص: 53


1- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 43 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 41 - 43 ؛ أجود التقريرات 1 : 18 - 19 و46، الهامش ؛ مصباح الفقاهة 1 : 543 .

ومع ذلك لا يكون صادقاً ، وكذا في الكذب .

لكن نرى في العرف والعادة عدم إطلاق الكاذب على الخاطئ والمشتبه ، فلا يقال لمن صنّف كتاباً مشتملاً على أحكام اجتهادية مخالفة للواقع : «إنّه كاذب» ، ولا لمن أخبر بإعطاء شيء لزيد غداً فمنعه مانع عنه : «إنّه كذب وإن كان معذوراً» .

وبالجملة : إنّ العرف يطلقون على مثله الخطأ والاشتباه أو نحوهما ، ولا يقال : «إنّه كاذب» أو «كذب فلان» . ولازم ذلك أن يكون أمثال ذلك خارجة عن الصدق والكذب بالمعنى المصدري ، وإن لم تخرج عن أحدهما بمعنى حاصل المصدر ؛ أي نفس الكلام .

ويظهر من «المنجد» دخالة الاعتقاد فيه ، قال : «كذب ، ضدّ صدق : أخبر عن الشيء بخلاف ما هو ، مع العلم به»(1) .

ثمّ إنّ ما ذكرناه غير مقالة النظّام(2) ، فإنّه لم يفرّق بين الكلام والمتكلّم ؛ أي بين الصدق والكذب وبين الصادق والكاذب ، بل الظاهر عدم التزام أحد به .

ويمكن أن يقال : إنّ عدم انتساب [الكذب] إلى المفتي بالأحكام المخالفة للواقع ، وكذا غيره المخبر بمقالة كاذبة مع اعتقاده صدقها ، وأمثال ذلك ، إنّما نشأ

من أدب العشرة واحتراز الناس عن استعمال لفظ يشعر بالذمّ أو يدلّ عليه ، وانتسابه إلى غيره ولو مع إرادة خلاف ظاهره وإقامة قرينة عليه . والظاهر من

ص: 54


1- المنجد : 678 .
2- اُنظر المطوّل : 39 .

قوله : «كذب فلان» أو «هو كاذب في مقالاته» أ نّه كذب عمداً ، ولا أقلّ من إشعاره بذلك ، وهو نحو إهانة بالطرف أو خلاف أدب . بل قد يكون سلب انتساب بعض القبائح موجباً للهتك والإهانة ، فيحترز الناس عنه ، فإنّ في السلب أيضاً إشعاراً بالذمّ ، فلا يقال للرجل الشريف : «إنّه ليس بسارق ولا زانٍ» .

فعدم انتساب الكذب ، للاحتراز عن الإهانة . ولهذا نرى احترازهم عن ذلك مختلفاً باختلاف عظمة الطرف ، فاستعمل الخطاء والاشتباه ونحوهما مكانه وشاع الاستعمال فصار منشأً لتوهّم عدم الصدق ، وإلاّ فلا ينبغي الإشكال في صدق الكاذب على من أخبر بكلام مخالف للواقع .

وإنّما يختصّ ما ذكرناه بالكلام والأقوال دون الأفعال ، فيقال لمن شرب الخمر خطاءً : إنّه شربها ، وهكذا ؛ فلعلّه لكثرة الابتلاء بالأقوال المخالفة للواقع خطاءً ، فإنّ الكتب ملؤ من ذلك ، فصارت كثرة استعمال الخطاء ونحوه منشأ لذلك ، بخلاف الاشتباه في الأفعال ، فإنّ الابتلاء بها قليل في موارد الاستعمال ، فتدبّر .

ثمّ إنّ التفتازاني فسّر قول صاحب «التلخيص» : «صدق الخبر مطابقته للواقع» بمطابقة حكمه .

فلا يخلو مراده منه عن أن يكون إمّا الحكم النفساني والإدراك بأنّ هذا ذاك أو غيره ، أو الإدراك بوقوع النسبة أو لا وقوعها . كما يؤيّده قوله بعد ذلك - في مقام الجواب عن الإشكال بأنّ القضيّة المشكوك فيها ليست متّصفة بصدق ولا كذب ؛ لعدم الحكم فيها - : «إنّ الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها ، وحكم الذهن بشيء من النفي والإثبات وإن لم يتحقّق لكن إذا

ص: 55

تلفّظ بالجملة الخبرية مع الشكّ ، بل مع القطع بالخلاف ، فكلامه خبر لا محالة»(1) ، انتهى ملخّصاً .

فيكون حاصل مراده أنّ إدراك النفس وحكمها بأنّ هذا ذاك ، أو إدراكه بوقوع النسبة أو لا وقوعها متّصف بالكذب أوّلاً وبالذات ، ولأجله يتّصف الخبر به .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ لازمه أنّ المخبر بقوله : «السماء تحتنا» مع اعتقاده بأ نّها فوقنا لا يكون صادقاً ولا كاذباً ، ولا مقالته صدقاً ولا كذباً ؛ لأنّ اعتقاده

وإدراكه موافق للواقع ، وإخباره مخالف له ولاعتقاده ، فلا يكون إخباره صادقاً ؛ لمخالفته لهما ، ولا كاذباً ؛ لأنّ موصوفية الكلام بالكذب على هذا المبنى يكون ثانياً وبواسطة الإدراك النفساني المخالف للواقع ، وليس الأمر كذلك هاهنا ، فتدبّر .

أو كان مراده من الحكم إيقاع المتكلّم وجعله الخبر للمبتدأ .

وفيه : أنّ هذا فعل المتكلّم وليس له محكيّ يطابقه أو لا يطابقه .

أو كان مراده منه النسبة الحكمية .

وهو مع كونه خلاف ظاهرهم مقدوح فيه بأنّ النسبة الحكمية التصوّرية ليس لها واقع محكيّ يطابقها أو لا يطابقها ، والتصديقية منها عين الخبر ، فإنّه ليس إلاّ

ما يحكي عن كون هذا ذاك أو هذا لذاك .

ولو كان مراده منه الحكم بالوقوع أو اللا وقوع .

يرد عليه - مضافاً إلى ما تقدّم - : أنّ الحكم الكذائي مجرّداً عن متعلّقه

ص: 56


1- المطوّل : 38 - 39 .

لا يتّصف بالصدق والكذب ، بل لا تحقّق له ، وباعتبار متعلّقه يتّصف ثانياً وبالعرض بهما ؛ لما عرفت من أنّ الجملة الخبرية تدلّ على مفادها ولو لم يصدر من متكلّم شاعر ، فالحكم بالوقوع واللا وقوع لا دخالة له لاتّصافها بهما .

في عدم تقوّم الكذب بالقول واللفظ

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكذب لا يتقوّم بالقول واللفظ ، بمعنى كونه قولاً خارجاً من الفم معتمداً على المخارج مخالفاً مضمونه للواقع ، حتّى لا تكون الإشارة والكتابة بل المبالغات والكنايات والمجازات كذباً ، فإنّ الإشارة والكتابة ليستا ألفاظاً ، بل الاُولى فعل والثانية نقش حاكٍ عن الواقع .

وفي المبالغات وتاليتيها لم تستعمل الألفاظ في المعاني التي يراد الإخبار بها

جدّاً ، وليست من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له حتّى المجازات ، على ما هو التحقيق من أ نّها من قبيل الحقائق الادّعائية(1) ، لا كما ذكره السكّاكي في الاستعارة(2) ، بل باستعمال اللفظ في معناه الموضوع له وتطبيق المعنى على المراد الجدّي ادّعاءً .

ففي مثل «زيد أسد» استعمل لفظ الأسد في معناه ، وادّعي أنّ زيداً مصداق لماهية الأسد ، فعليه لا يكون قوله ذلك مع عدم شجاعة زيد كذباً :

أمّا بالنسبة إلى المفاد الاستعمالي فلعدم تعلّق الإرادة الجدّية به ، وسيأتي اعتباره في الصدق والكذب لا الجدّ مقابل الهزل بل مقابل الاستعمال .

ص: 57


1- راجع مناهج الوصول 1 : 62 .
2- مفتاح العلوم : 156 .

وأمّا بالنسبة إلى المعنى المراد ؛ أي الإخبار بالشجاعة ، فلعدم التلفّظ به .

وأوضح منها الحال في الكنايات والمبالغات .

ولا مطلق الإيصال إلى خلاف الواقع والإفهام له والدلالة عليه - حتّى يكون مثل نصب علامة الفرسخ على ما دونه للدلالة على الفرسخ ، وإظهار الكلام جزماً لإفهام اعتقاده بمضمونه ، والأذان قبل دخول الوقت للإعلام بدخوله ، والمشي على زيّ الأشراف والأغنياء لإراءة خلاف ما هو عليه - كذباً ، ولازمه أن يكون في بعض الأحيان كذب واحد أكاذيب كثيرة ، بل غير محصورة ، كمن أخبر بأنّ اليوم الكذائي جمعة ، وكان سبتاً ، فإنّ لازم كونه جمعة أن يكون بعده سبتاً ، وبعد بعده أحداً ، وهكذا ، وقبله خميساً ، وقبل قبله أربعاء ، وهكذا ، والالتزام بها كما ترى .

بل الظاهر أنّ الكذب بالمعنى المصدري عرفاً عبارة عن الإخبار المخالف للواقع ، والإخبار لم ينحصر باللفظ والقول الخارج من الفم ، بل يشمل الكتابة والإشارة ونحوهما عرفاً كما يطلق على ما في الصحف والمجلاّت واليوميات .

وفي مثل المجازات وتاليتيها يكون المتكلّم مخبراً عن لازم كلامه لا عن مضمونه .

فالقائل بأنّ زيداً كثير الرماد أخبر عن سخائه . فلو لم يكن زيد سخيّاً ولم يكن في كلامه تأوّل آخر يكون المخبر كاذباً والخبر كذباً ، وكذا في النظائر .

وفي مثل جعل النصب دون الفراسخ إذا لم يكتب عليها أنّ هذا رأس الفرسخ لم يكن مجرّد الوضع إخباراً وكذباً عرفاً ، والمؤذّن قبل الوقت لم يخبر بالوقت ، والماشي على غير زيّه لم يخبر بشيء ولا يقال : إنّه أخبرني بكذا ، ولوازم المخبر

ص: 58

عنه ليست بإخبار ، بل الإخبار إنّما هو عن الملزوم ، وهي لوازم المخبر عنه .

وما ذكرناه هو الموافق لفهم العرف . فعليه ليس الإخبار أو الخبر عبارة عن القول أو اللفظ المحتمل للصدق والكذب بل أعمّ منه وممّا قام مقامه ، لكن لا بنحو يشمل مطلق ما له حكاية .

ولعلّ السرّ فيه أنّ الصدق والكذب عبارة عن إلقاء الجملة الخبرية لإفادة مضمونها أو لإفادة جملة اُخرى .

فتندرج فيهما المجازات والمبالغات والكنايات إذا اُريد بها الإخبار ، وكذا يدخل الكتابة ، وإن احتمل فيها ما يأتي في الإشارة ، وهو أنّ الإشارة المستعملة مكان الجملة الإخبارية كالإشارة ب- «نعم» و«لا» في جواب هل زيد قائم ؟ فالظاهر أنّ إطلاق الصدق والكذب عليها باعتبار قيامها مقام القول عرفاً ، بخلاف سائر الأفعال الحاكية عن خلاف الواقع ، فإنّها ليست من مقولة الأخبار والأقوال ولا نائباً منابها ، بل لها دلالة مستقيمة على الواقع في مقابل الأخبار .

فأذان المؤذّن قبل الوقت ليس بكذب ؛ لأنّ مقالته ؛ أي فصوله بما أ نّها حاكية عن معانيها ، لا تحكي عن دخول الوقت لا مطابقة ولا التزاماً ، بل إيقاع هذا العمل كاشف عن دخول الوقت ؛ للتعارف والعادة .

ففرق بين الأعمال القائمة مقام الأقوال ، وغيرها ممّا هي كاشفة عن واقع لزوماً .

وأمّا لوازم المخبر به في المثال المتقدّم ؛ أي الإخبار بأنّ هذا يوم السبت ، فلا يقال فيها : إنّه أخبر باُمور غير محصورة ؛ لأ نّه لم يخبر إلاّ عن يوم السبت ،

واللوازم المذكورة لوازم المخبر عنه الوحداني . ففي قوله : زيد طويل النجاد ،

ص: 59

إخبار عن طول قامته أو شجاعته ، لا عن طول النجاد ، بخلاف قوله : هذا يوم السبت ، فإنّه إخبار عن مضمونه ، لا عن الأيّام الاُخر .

في عدم تقوّم الكذب على إفهام المخاطب

ثمّ إنّ الكذب هل يتقوّم على إفهام الغير مضمون الجملة ، فلا يقال للجملة التي لا مخاطب لها : إنّها صدق أو كذب ، أو لا يتوقّف إلاّ على صدور الجملة المخالفة للواقع من المتكلّم ؟

يمكن أن يقال : إنّ الصدق والكذب متفرّعان على الحكاية عن الواقع ، والحكاية فرع الدلالة أو هي هي ، ومعنى الدلالة الفعلية على شيء كون الكلام هادياً ومرشداً إلى الواقع أو إلى مفاد الجملة المنطبق عليه ، والدلالة الفعلية بما

أ نّها من الاُمور الإضافية تحتاج إلى الأطراف من الدالّ والمدلول والمدلول عليه ، فلا يتّصف الكلام بالدلالة الفعلية إلاّ إذا كان عند المتكلّم مخاطب مهديّ بكلامه بالفعل إلى مضمون الجملة الحاكية عن الواقع ، ومع فقد المهديّ بالفعل لا تكون الدلالة والهداية فعلية ؛ لأنّ المتضايفين متكافئان قوّة وفعلاً ، بل يكون الكلام دالاًّ اقتضاءً ؛ أي له اقتضاء الدلالة لا فعليتها ، وليس المتكلّم مهديّاً وهادياً

باعتبارين ؛ لأنّ كلامه ليس هادياً له إلى الواقع أو إلى مدلوله التصديقي .

ويؤيّد ذلك ما قال المحقّق الطوسي رحمه الله علیه بلفظه : «دلالة اللفظ لمّا كانت وضعية كانت متعلّقة بإرادة المتلفّظ ، الجارية على قانون الوضع ، فما يتلفّظ به ويراد به معنىً ما ويفهم عنه ذلك المعنى يقال : إنّه دالّ على ذلك المعنى»(1) .

ص: 60


1- الإشارات والتنبيهات ، شرح المحقّق الطوسي 1 : 32 .

وقول شارح «حكمة الإشراق» : «فالدلالة الوضعية تتعلّق بإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع ، حتّى إ نّه لو أطلق وأراد به معنىً وفهم منه لقيل : إنّه

دالّ عليه ، وإن فهم غيره فلا يقال : إنّه دلّ عليه»(1) .

وهما كما ترى ظاهران في أنّ الدلالة كما هي متوقّفة على إرادة اللافظ ، متوقّفة على فهم المخاطب ، فإذا لم يدلّ الكلام على مضمونه فعلاً لا يعقل مطابقته للواقع ومخالفته ؛ لكونهما متفرّعتين على الحكاية والدلالة ، ومع فقدهما لا يتّصف الكلام بالصدق والكذب ، والمتكلّم بالصادق والكاذب ، بل لازم ذلك عدم الكذب في الأخبار التي لا تفيد المخاطب فائدة خبرية ، كقوله : «السماء تحتنا» لمن يعلم مخالفته للواقع . فيعتبر فيه أن يكون الكلام دليلاً وهادياً بالفعل

إلى الواقع ، ومع العلم ليس كذلك .

ويمكن أن يناقش فيه : بأنّ الكذب ليس عبارة عن مخالفة مضمون الجملة بعد الدلالة بهذا المعنى الذي ظاهر كلام العلمين المتقدّمين ؛ أي بعد إرادة المتكلّم

وفهم السامع ، بل الصدق والكذب عبارة عن موافقة مضمونها ومخالفته للواقع . فحينئذٍ يقال : إنّ جملة «السماء تحتنا» و«السماء فوقنا» لا محالة يكون لهما مضمون ومعنىً مع قطع النظر عن فهم السامع ، وإلاّ لزم أن لا يفهم منهما معنىً إلاّ على وجه دائر ، فإذا كان لهما مضمون فلا محالة يكون معنىً تصديقياً لا تصوّرياً ، ولازمه مخالفة الاُولى للواقع دون الثانية ، وهما الصدق والكذب ، فإذا صدرتا من المتكلّم بنحو الجدّ يتّصف لا محالة بالصادق والكاذب .

ص: 61


1- شرح حكمة الإشراق : 36 .

فالدلالة بالمعنى المتقدّم غير دخيلة في صدق الكلام والمتكلّم وكذبهما .

ولو سلّمت دخالتها فيهما فيمكن أن يقال : إنّ الدلالة عبارة عن كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، فهذا المعنى التعليقي حقيقة الدلالة ، فلا تكون الدلالة اقتضائية وتعليقية ، بل معناها عبارة عن أمر تعليقي حاصل بالفعل ، فالكلام بهذا المعنى دالّ بالفعل على معناه ، لأ نّه بحيث يلزم من فهمه فهم المعنى ، وهو أمر فعلي ؛ أي هذا الأمر التعليقي حاصل بالفعل .

ولعلّ مراد العَلَمَين ليس ما يوهم ظاهر كلامهما ، بل يكون مرادهما أنّ اللفظ إذا اُطلق واُريد به المعنى بالإرادة الاستعمالية وكان بحيث يفهم منه المعنى على قانون الوضع ، كان دالاًّ . فقوله : «رأيت أسداً» إذا اُريد به الرجل الشجاع من غير قيام قرينة لا يدلّ عليه ؛ لعدم كونه مفهماً للمعنى المقصود ، بخلاف ما إذا عمل المتكلّم بقانون الوضع وأقام القرينة، فإنّه يدلّ على المعنى. وكذا الحال في مخالفة

قانون الوضع لو أطلق اللفظ وأراد المعنى الحقيقي لكن أقام قرينة المجاز .

فعليه لا يكون مرادهما ممّا ذكرا تبعية الدلالة للإرادة ولا تبعيتها لفهم المخاطب فعلاً بوجه ، تأمّل .

ثمّ إنّ ما ذكرناه أخيراً متفرّعاً على ما تقدّم غير وجيه ؛ لأنّ باب دلالة الألفاظ على معانيها غير باب مطابقة مضمون الكلام لنفس الأمر ، والثاني ليس من باب الدلالة في شيء ، وما هو من بابها عبارة عن إحضار المعاني في ذهن المخاطب بإلقاء الكلام ، وهو حاصل في الأخبار الضروري الصدق أو الكذب .

ولو قلنا : بأنّ الدلالة عبارة عن إرشاد المخاطب إلى معاني الألفاظ تكون في المقام حاصلة أيضاً ، فإنّها لا محالة تحضر المعاني في ذهن المخاطب ،

ص: 62

وكونها ضرورياً غير مربوط بالدلالة .

ثمّ إنّ المبالغات والمجازات والكنايات إنّما تتّصف بالصدق والكذب إذا اُريد بها الإخبار عن واقع ولو كان لازماً لها ، دون ما اُريد بها إنشاء المدح والذمّ ، فإنّها لا تتّصف بهما بالغة ما بلغت . وفهم المعنى التصديقي عن الإنشاء ليس بمخبر به ، نظير إنشاء البيع الذي ينتقل الذهن منه إلى كون البائع سلطاناً عليه ، وإنشاء الزواج الدالّ على كون المرأة خليّة ، فلا تتّصف لأجله بهما .

وأمّا قضيّة جواز مدح من يستحقّ الذمّ أو العكس فهي أمر آخر .

الميزان في صدق المتكلّم وكذبه

ثمّ إنّ التحقيق أنّ الميزان في صدق المتكلّم وكذبه استعمال الجملة الإخبارية في معنىً موافق أو مخالف للواقع ، فمع عدم الاستعمال فيه ، أو الاستعمال في معنىً مخالف لظاهر الكلام المخالف للواقع لم يكن كاذباً إذا كان المعنى المراد موافقاً للواقع .

فالمتلفّظ بألفاظ مهملة لا يكون كاذباً إذا لم يستعملها في معنىً . وكذا المتلفّظ بألفاظ لا يعلم اللافظ أ نّها موضوعة أو مهملة ، أو لا يعلم مضمون الجملة مطلقاً ، أو لا يعلم أ نّها إنشائية أو إخبارية ، كلّ ذلك بشرط عدم الاستعمال في خصوص معنىً مخالف للواقع ولو غلطاً وعلى خلاف قانون الوضع .

ولو علم أنّ لها معنىً كاذباً إجمالاً من غير العلم بخصوص المعنى ولو إجمالاً ، فلا يبعد عدم الاتّصاف به ، ويحتمل الاتّصاف إذا ألقى الكلام لإفادة المعنى الواقعي ، ولو علم أنّ مضمونها إمّا هذا أو ذاك وكان أحدهما موافقاً

ص: 63

والآخر مخالفاً ، فإن ألقى الكلام بلا استعمال في المعنى الكاذب أو في المعنى الواقعي لا يكون كاذباً ، وإلاّ فعلى الأوّل كاذب وعلى الثاني لو صادف المخالفة لا يبعد أن يكون كاذباً .

ولو علم أنّ الجملة موضوعة لخصوص معنىً غير موافق للواقع لكن لا يعرف معنى ألفاظها ، بأن لا يعلم أنّ في قوله : «رأيت أسداً» أيّ لفظ بمعنى الحيوان المفترس وإن علم أنّ مضمون الجملة مفيد لرؤيته ، فحينئذٍ إن استعمل مجموع الجملة في المعنى يكون كاذباً مع عدم الموافقة ، وإن لم يكن استعماله على قانون الوضع وكان غلطاً ، نظير أن يستعمل الأسد في رجل بلا نصب قرينة وقال : «رأيت أسداً» وأراد زيداً وكان مخالفاً للواقع ، فإنّه كاذب بلحاظ هذا الاستعمال ، وإن كان صادقاً بحسب ظاهر لفظه بأن رأى أسداً .

وبالجملة : الميزان في الكذب والصدق مخالفة المعنى المستعمل فيه وموافقته للواقع ، لا صحّة الاستعمال .

هذا إن استعمل مجموع الجملة في المعنى بلا لحاظ استعمال المفردات .

وأمّا إن لاحظ استعمالها ، فإن استعمل خصوص بعض الألفاظ في خصوص بعض المعاني وإن كان الاستعمال خطأ يتّصف بالكاذب والصادق .

وإن ألقى الكلام بلا إرادة استعمال ألفاظه في معانيه ، بل لغاية فهم المخاطب العارف بالمعنى ، لا يكون كاذباً على إشكال .

ولو ألقى الكلام ليكون كلّ لفظ منه حاكياً عن معناه الواقعي فالظاهر الاتّصاف إن أراد من الألفاظ معانيها الواقعية وإن لم يعرفها ، نظير الاستعمال في المعلوم بالإجمال ؛ أي واقعه المعلوم عند اللّه تعالى .

ص: 64

عدم كون التورية وخلف الوعد كذباً

وممّا ذكرناه من اعتبار الاستعمال في المعنى المخالف للواقع في الكذب لا يبقى إشكال في عدم كون التورية كذباً ؛ ضرورة أنّ المورّي استعمل الجمل في المعاني الموافقة للواقع ولو على خلاف قانون الوضع والمحاورات ، كاستعمال اللفظ المشترك في غير المعنى المسؤول عنه مثلاً ، فإن قال في جواب قوله : أزيد في الدار ؟ ليس زيد في الدار ، مريداً غير ما في السؤال ، أو قال : ليس في الدار ، مريداً غيره ، ليس كاذباً ؛ لأنّ المستعمل فيه موافق للواقع فرضاً ،

والظاهر المخالف له غير مستعمل فيه .

بل لو استعمل الألفاظ في معانيها وأراد بحسب الجدّ غيرها بنحوٍ من الادّعاء لا يكون كاذباً ، وهو ظاهر .

كما أنّ خلف الوعد ليس كذباً وهو معلوم ، وكذا الوعد ولو مع إضمار عدم الإنجاز ؛ لأ نّه إنشاء لا إخبار .

هذا جملة من الكلام في موضوعه .

حرمة الكذب وما يلحق به

وأمّا حكمه ، فحرمته في الجملة ضرورية لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها وإن كان في دعوى حكم العقل بها (1) نظر .

فالأولى البحث عن خصوصيات اُخر :

ص: 65


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 11 .

انصراف أدلّة الحرمة عن الكذب عند نفسه

منها : الظاهر أنّ الأدلّة منصرفة عن الكذب عند نفسه مع عدم مخاطب .

بل الظاهر انصرافها عن التكلّم به عند مخاطب لم يسمع الكلام لصممه ، أو لم يفهم معناه لعدم تميّزه أو جهله به ، فإنّ المتكلّم بالجملة الكاذبة عند المذكورين ليس بمخبر وإن صدر منه الكذب .

والمنع عنه باحتمال أن يكون مراد الشارع عن المنع عنه تنزّه لسان المتكلّم عن التقوّل بالكذب ، احتمال عقلي غير منافٍ لانصرافها . وفي الروايات إشعارات وتأييدات لذلك :

كقوله : «الكاذب على شفا مخزاة وهلكة»(1) .

وقوله : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه»(2) .

وقوله : «إنّ ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان»(3) .

وقوله : «إنّ الكذّاب يكذب حتّى يجيء بالصدق فلا يُصدَّق»(4) .

ص: 66


1- الفقيه 1 : 132 / 613 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 13 .
2- الكافي 2 : 341 / 13 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 5 .
3- الكافي 2 : 341 / 15 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 7 .
4- الكافي 2 : 341 / 14 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 6 .

وقوله : «الكذب يسوّد الوجه»(1) .

وقوله : «اجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة»(2) . إلى غير ذلك(3) .

حكم ما يفيد فائدة الكذب كالتورية والإنشاء والأفعال

وهل يلحق بالخبر الكاذب ما يفيد فائدته ، كالتورية والإنشاء ، كما حكى الشيخ الأنصاري عن بعض الأساطين : «إنّ الكذب وإن كان من صفات الخبر إلاّ أنّ حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه ، كمدح المذموم ، وذمّ الممدوح ، وتمنّي المكاره ، وترجّي غير المتوقّع . . .»(4) .

وكالأفعال المفيدة فائدته ، كتأوّه السالم لإفادة العلّة ، وتلبّس الغنيّ لباس الفقير لإفادة فقره ، وتلبّس الجاهل لباس العلماء لإفادة كونه منهم ، ونصب العلامة دون الفرسخ لإفادة كونها رأسه ، ونصب الرايات والبيارق لإفادة إقامة العزاء مع مخالفتها للواقع ، وأمثال ذلك ؟

ففي «الجواهر» : «قد يقال : إنّه وإن كان من صفات الخبر لكن يجري حكمه في الإنشاء المنبئ عنه مع قصد الإفادة . وأمّا الكذب في الأفعال فلا يخلو من

ص: 67


1- مستدرك الوسائل 9: 88، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 120، الحديث 22.
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 25 .
3- راجع وسائل الشيعة 12 : 243 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 83 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 15 .

إشكال . والتورية والهزل من غير قرينة داخلان في اسمه أو حكمه»(1) ، انتهى .

أو لا يلحق شيء منها به مطلقاً ، أو يفصّل بين الأخبار المفيدة فائدته ، كالتورية والهزل ، وبين غيرها ، أو بين الكلام المفيد فائدته وغيره ، فلا تلحق به الأفعال ؟

غاية ما يمكن الاستشهاد به لإلحاق الجميع ، أن يقال : إنّ العرف مساعد لإلغاء الخصوصية عن الكذب إلى كلّ ما يفيد فائدته ، فإنّه عبارة عن جملة إخبارية متقوّمة بألفاظ وهيئة خاصّة حاكية عن معنىً تصديقي مخالف للواقع . فإذا قيل : إنّ الكذب قبيح عقلاً أو حرام شرعاً ، لا يرى العقل والعرف قبحه وحرمته متعلّقين على الألفاظ الخاصّة والهيئات المخصوصة والمعاني التصديقية ، لا بنحو تمام الموضوع ولا جزئه ، سيّما مع أنّ الظاهر أن تكون الحرمة الشرعية بملاك القبح العقلي ، وإن كان العقل لا يحكم بالقبح المستلزم لصحّة العقوبة ، لكن يدرك أ نّه قبيح ومذموم ولو أخلاقاً ، وبعد حكم الشرع يرى أ نّه بمناطه ، مع أ نّه من الواضح لدى العقول أن لا دخالة للألفاظ هيئة ومادّة وكذا للمعاني بما أ نّها مستفادة من خصوص تلك الألفاظ في القبح والمذمومية ، بل يدرك أنّ الذمّ والقبح لإراءة خلاف الواقع وإلقاء ما يكون مخالفاً له .

وعلى هذا كلّ كلام أو فعل يفيد فائدته ملحق به إذا أوجده الفاعل لإفادة خلاف الواقع ، كالتورية والهزل والإنشاءات والأفعال المفيدة خلاف الواقع .

لا أقول : إنّ العلّة هي الإغراء حتّى يمنع ذلك بدعوى الإجماع على

ص: 68


1- جواهر الكلام 22 : 72 .

حرمة الكذب ولو لم يوجبه(1) .

بل أقول : إنّ تحريمه بملاك قبحه ، وهو موجود فيما يفيد فائدته .

أو أقول : إنّ العرف يرى أنّ الألفاظ ومعانيها التصديقية غير دخيلة في موضوع الحكم ولو بنحو جزء الموضوع ، وأنّ تمام الموضوع للحرمة هو ما يحكي عن خلاف الواقع بأيّ دالّ كان .

ويمكن تأييد المدّعى أو الاستشهاد له بما وردت في التورية وما يقتضي الجمع بينها :

كما روي عن «الاحتجاج» أ نّه سئل الصادق علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم علیه السلام : (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إنْ كانُوا يَنْطِقُون)(2) ؟ قال : «ما فعل كبيرهم ، وما كذب إبراهيم علیه السلام » . قيل : وكيف ذلك ؟ فقال : «إنّما قال إبراهيم : (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون) ، إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم» . ثمّ ذكر تورية يوسف علیه السلام وإبراهيم علیه السلام في قضيّة اُخرى وكيفية المواراة فيها (3) .

ويظهر منها أ نّهما ما كذبا موضوعاً بل أخبرا تورية .

والظاهر من عدّة من الروايات أ نّهما أرادا الإصلاح فلم يكن قولهما كذباً حكماً .

كرواية الحسن الصيقل ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا قد روينا عن

ص: 69


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 128 .
2- الأنبياء (21) : 63 .
3- الاحتجاج 2 : 256 / 228 .

أبي جعفر علیه السلام في قول يوسف علیه السلام : (أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(1) ؟ فقال : «واللّه ما سرقوا وما كذب» . وقال إبراهيم علیه السلام : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون( ؟ فقال : «واللّه ما فعلوا وما كذب» قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما عندكم فيها يا صيقل ؟» قال : فقلت : ما عندنا فيها إلاّ التسليم . قال : فقال : «إنّ اللّه تعالى أحبّ اثنين ، وأبغض اثنين : أحبّ الخطر(2) فيما بين الصفّين وأحبّ الكذب في الإصلاح ، وأبغض الخطر في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح ، إنّ إبراهيم علیه السلام إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا(إرادة الإصلاح ودلالة على أ نّهم لا يفعلون ، وقال يوسف علیه السلام إرادة الإصلاح»(3) .

ورواية عطاء عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح» . ثمّ تلا : )أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما سرقوا

وما كذب» . ثمّ تلا : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون( ثمّ

قال : «واللّه ما فعلوه وما كذب»(4) .

ويمكن الجمع بأن يقال : إنّ المنفيّ في رواية «الاحتجاج» موضوع الكذب

ص: 70


1- يوسف (12) : 70 .
2- الخطر : التبختر في المشي . [ منه قدس سره ]
3- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
4- الكافي 2 : 343 / 22 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 7 .

كما هو صريحها ، وفي الروايتين وما بمعناهما حكم الكذب ، فيكون المراد أنّ التورية محكومة بحكم الكذب إذا لم تكن للإصلاح ، ومع كونها له ليست بكذب ؛ أي حكماً أيضاً كما ليست به موضوعاً .

ويؤيّده ما دلّت على «أنّ المصلح ليس بكذّاب» كما في صحيحة معاوية بن عمّار(1) .

وعن كتاب «الإخوان» بسنده عن الرضا علیه السلام ، قال : «إنّ الرجل ليصدق على

أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه ، وإنّ الرجل ليكذب على أخيه ، يريد به نفعه ، فيكون عند اللّه صادقاً»(2) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام ، ق-ال : «الكلام ثلاثة : صدق ، وكذب ، وإصلاح بين الناس»(3) .

وبالجملة : مقتضى الجمع بين رواية «الاحتجاج» وغيرها أنّ التورية لا تجوز إلاّ مع إرادة الإصلاح ، وفي مورده مع إمكانها تجب أو ترجّح ، فيستفاد من مجموع الروايات عدم جواز التورية إلاّ في مورد الاستثناء ، وليس ذلك إلاّ لأجل إلحاق الصدق المفيد فائدة الكذب والموجب لإفادة خلاف الواقع بالكذب ، فيتعدّى إلى الإنشاء المفيد فائدته ، بل الأفعال إذا أفادت فائدته .

ص: 71


1- الكافي 2 : 342 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 3 .
2- مصادقة الإخوان : 76 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 255 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 10 .
3- الكافي 2 : 341 / 16 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 6 .

ويمكن تأييد ذلك برواية أبي بصير التي قد يقال : إنّها موثّقة ، قال : قيل لأبي جعفر علیه السلام - وأنا عنده - : إنّ سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أ نّك تكلّم على سبعين وجهاً لك منها المخرج ؟ فقال : «ما يريد سالم منّي ، أيريد أن أجيء بالملائكة ؟ واللّه ما جاءت بهذا النبيّون علیهم السلام ، ولقد قال إبراهيم علیه السلام : )إِنِّى سَقيمٌ((1) وما كان سقيماً وما كذب . ولقد قال إبراهيم علیه السلام : )بَلْ فَعَلهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( وما فعله وما كذب ، ولقد قال يوسف علیه السلام : )أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ(واللّه ما كانوا سارقين وما كذب»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ سالماً أراد الإيراد على أبي جعفر علیه السلام بأ نّه يورّي في الكلام ويأتيه على وجوه ليمكن له المفرّ عند الإيراد عليه ، فأجاب عنه بأ نّه لا بأس به في مورد تقتضي المصلحة كما فعل إبراهيم ويوسف علیهما السلام .

لكنّ الأظهر أنّ الرواية بصدد دفع الإشكال عن أصل التورية ، فيظهر منها أنّ

قول إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام من قبيل التورية . فيكون مفادها نحو مفاد رواية «الاحتجاج» .

فتحصّل ممّا مرّ أنّ مقتضى رواية «الاحتجاج» وأبي بصير كون كلام إبراهيم ويوسف علیهما السلام تورية . ومقتضى الروايات المتقدّمة أ نّهما أرادا الإصلاح فما كذبا . ومقتضى المجموع أنّ التورية كذب في وعاء التشريع ، ولها مصداقان : محبوب ومبغوض ، وإنّما سمّاها كذباً ؛ لادّعاء كونها ذلك .

ص: 72


1- الصافّات (37) : 89 .
2- الكافي 8 : 100 / 70 .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه ما وردت في استثناء عِدَة الرجل أهله - إذا لا يريد أن يتمّ لهم - من الكذب :

كرواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتمّ لهم»(1) .

ورواية المحاربي عن جعفر بن محمّد علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، عن النبي رحمهما اللّه قال : «ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعِدَتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس»(2) .

وفي رواية الحارث الأعور : «ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار . . .»(3) .

بأن يقال : إنّ حقيقة الوعد والوعيد ليست إخباراً عن واقع يطابقه أو لا يطابقه ، بل تعهّد وتهديد وإن كانا على نحو الإخبار وإلقاء الجملة الخبرية ، نظير الجعل بنحو الإخبار في باب الجعالة ، فإذا قال : «من ردّ ضالّتي اُعطيه كذا»

ص: 73


1- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
2- الخصال : 87 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 .
3- الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 .

ليس إخباراً ، بل إنشاء بصورة الإخبار أو إخبار بداعي الإنشاء .

فقوله : «إنّي اُعطيك غداً كذا» ليس إخباراً بل إنشاء قرار وعهد ، وله إنجاز وخلف ، لا صدق وكذب ، وإطلاق صادق الوعد والوعد المكذوب أو غير المكذوب ليس باعتبار الإخبار عن واقع ، بل بنحو من المشابهة والتأوّل ، كقوله : يبكي كذباً ، ويتأوّه ويتمنّى ويترجّى كذباً ، ونظائرها .

فتحصّل من ذلك أنّ عِدَة الرجل أهله ليست من قبيل الإخبار ، ومع ذلك استثناه من الكذب ، فيستكشف منه أنّ الكذب في المستثنى منه أعمّ من الكذب الحقيقي والحكمي الادّعائي ، فيصحّ الاستثناء منه ، فيستفاد منها أنّ كلّ ما كان له

نحو كشف عن الواقع ، ولو كان من قبيل الإنشاءات ، داخل في الكذب حكماً ، ومحرّم إلاّ ثلاثة .

ويؤيّد أيضاً بما دلّ على أنّ الهزل محرّم :

كمرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: «كان علي بن الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير ، في كلّ جدّ وهزل»(1) .

ورواية الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب ، هزله وجدّه»(2) .

بدعوى : أنّ الهزل مقابل الجدّ ، والجدّ إخبار حقيقة ، والهزل ليس بإخبار

ص: 74


1- الكافي 2 : 338 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2 : 340 / 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 2 .

جدّاً ، بل إلقاء الجملة الخبرية ، لا بداعي الإخبار ، بل بداعي المزاح والهزل ، فلا يكون له واقع لا يطابقه .

ودعوى : أنّ المراد من الكذب هزلاً الإخبار عن الواقع بداعي الهزل(1) خلاف الظاهر ؛ لأنّ الإخبار الحقيقي جدّ ، لأيّ غاية كان ، فالهزل المقابل له هو ما لا يكون إخباراً جدّاً ، لا أ نّه إخبار جدّاً لغاية الهزل .

فاتّضح منها أنّ ما يفيد فائدة الخبر كذب في عالم التشريع ، وإن لم يكن إخباراً عن الواقع .

هذا غاية ما يمكن الاستشهاد عليه لإلحاق غير الكذب به إنشاءً كان أو فعلاً .

ويمكن المناقشة في الأوّل : بأنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو في موارد يفهم العرف أنّ الموضوع الملقى ليس موضوعاً للحكم ، وإنّما أتى به للمثالية ، أو لجري العادة ، ونحو ذلك .

كقوله : «رجل شكّ بين الثلاث والأربع»(2) ، وقوله : «أصاب ثوبي دم رعاف»(3) ، أو «رجل أفطر يوماً من شهر رمضان»(4) ، ونظائرها (5) ممّا يرى العرف أنّ الحكم للشكّ والدم والإفطار ، لا للرجل والثوب .

ص: 75


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 15 ؛ مصباح الفقاهة 1 : 531 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب 10 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 2.
4- راجع وسائل الشيعة 10 : 44 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 8 .
5- راجع وسائل الشيعة 8 : 260 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 3 ، الحديث 8 ، 14 ، 19 ، 21 و23 .

وأمّا إذا كان الحكم متعلّقاً بموضوع واُريد إسراؤه منه إلى موضوع آخر بوجوه ظنّية كما نحن فيه ؛ حيث تعلّق الحكم على الكذب ، ولا يفهم العرف منه غيره ، لكن اُريد إسراؤه منه إلى ما يفيد فائدته بالوجوه الظنّية والاعتبارية ، فهو

قياس ، لا إلغاء خصوصية عرفاً .

وفي الثاني : بأنّ إثبات كون مناط الحرمة هو القبح العقلي غير ممكن في المقام ؛ لعدم دليل عليه بل يحتمل أن يكون عنده مناط آخر مجهول عندنا ، والكشف الظنّي لا يغني من الحقّ شيئاً .

وبالجملة : لا دليل على أنّ ما أدركه العقل من القبح هو العلّة للحكم وهو يدور مدارها توسعة وتضي-يقاً ، وصرف إحراز الاقتضاء لا يفيد شيئاً .

مع إمكان منع القبح في الأفعال والإنشاءات الكاشفة عن خلاف الواقع بمجرّد ذلك إذا لم ينطبق عليها عناوين اُخر . فمثل مدح من لا يستحقّ المدح ، وذمّ من لا يستحقّه ، وسؤال غير الفقير ، ونظائرها ، ليس قبحها بمناط الكشف عن غير الواقع ، بل نفس تلك العناوين قبيحة بذاتها لا بملاك الكذب ، ولهذا لا قبح في التعفّف ، وإن كان بغرض إفهام الغنى وأن يحسبه الجاهل غنيّاً من التعفّف ، ولا قبح في إنشاء البيع الكاشف عن مالكية المنشئ ، وإن كان بغرضه .

وبالجملة : إنّ الوجه المذكور ممنوع صغرى وكبرى .

وفي الروايات الواردة في عِدَة الرجل أهله(1) ، والواردة في الجدّ

ص: 76


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 ، 2 ، 5، وقد تقدّمت بعضها في الصفحة 73 .

والهزل(1) : بوقوع التعارض بين عنوان الكذب المأخوذ فيها الظاهر في الإخبار المخالف للواقع ، وبين عنواني العِدَة والهزل الظاهرين في غير الإخبار .

ولا يبعد تحكيم الصدر على الذيل ، وحمل العدة والهزل على نوع من الإخبار المخالف للواقع ، ولا أقلّ من التعارض الموجب للإجمال .

وفيما قلنا في وجه الجمع بين روايات التورية(2) : بأنّ هذا الجمع غير مقبول لدى العقلاء ، ولا يصحّ إثبات حكم شرعي بهذا النحو من الملازمات العقلية الخارجة عن فهم العرف .

مع أنّ لازم ما ذكر من الجمع دعوى كون التورية كذباً ، ليترتّب عليها آثاره من الجواز عند إرادة الإصلاح وعدمه عند عدمها ، ثمّ دعوى أنّ ما اُريد بها الإصلاح ليس بكذب ؛ أي ليس بكذب ادّعاءً؛ لإثبات جوازها عند إرادة الإصلاح ، وهو كما ترى أمر منكر مخالف للمحاورات العقلائية لإفهام المعاني ، بيانه :

إنّ قول أبي جعفر علیه السلام على ما في رواية الصيقل(3) : «ما كذب إبراهيم ويوسف علیهما السلام » ، وما عن رسول اللّه رحمهما اللّه في رواية عطاء : «لا كذب على مصلح»(4) ثمّ تلا الآية المربوطة بقضيتهما ونفي الكذب عنهما الظاهر في نفيه

ص: 77


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، وقد تقدّمت بعضها في الصفحة 74 .
2- تقدّم في الصفحة 72 .
3- تقدّمت في الصفحة 69 - 70 .
4- تقدّمت في الصفحة 70 .

حكماً لا موضوعاً ، إنّما يصحّ - في فرض كون قولهما بنحو التورية - إذا اُريد

بنفي الموضوع النفي ادّعاء ، مع أنّ التورية ليست بكذب حقيقة ، فلا بدّ في تصحيح ذلك أن يقال : إنّ التورية مطلقاً كذب ادّعاءً ، والمراد من نفيه عنهما في الروايتين نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الادّعائي ادّعاء ، فتدبّر .

مع أنّ مقتضى دعوى كونها كذباً جوازها عند إرادة الإصلاح ؛ فإنّ الكذب كذلك . ومقتضى دعوى عدم كونها كذباً ادّعاء عند إرادة الإصلاح عدم كون حكمها حكم الكذب الإصلاحي ، فيلزم منه نفي الجواز لإرادة الإصلاح ، لا إثباته لذلك . بل لازمه التعارض بين الروايات .

والإنصاف أنّ ما ذكرناه من الاستنتاج للتعميم ، غير وجيه خارج عن المحاورات .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل على إلحاق ما ليس بكذب به ، تورية كان أو إنشاء أو فعلاً ، مع أ نّه قد وردت التورية في روايات ظاهرة في جوازها مطلقاً :

كرواية محمّد بن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلاً من كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يستأذن عليه ، فيقول للجارية : قولي : ليس هو هاهنا . قال : «لا بأس ، ليس بكذب»(1) .

والظاهر أنّ المشار إليه كان محلاًّ خالياً ، حتّى يخرج الإخبار عن الكذب .

ومقتضى إطلاقها جواز التورية ولولا لإرادة الإصلاح .

ص: 78


1- السرائر ، المستطرفات 3 : 632 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 8 .

نعم ، في سند الروايات التي نقلها ابن إدريس من بعض الاُصول ككتاب البزنطي وابن بكير وغيرهما كلام ، وهو أ نّه لم يثبت عندنا أنّ تلك الاُصول كانت معروفة في عصر ابن إدريس نحو كتاب «الكافي» و «التهذيب» وغيرهما ممّا هي معروفة واضحة الصدور من أربابها بحيث لم نحتج إلى العنعنة في إثبات كونها منهم ، ولم يذكر ابن إدريس طريقه إليها ، ومن المحتمل أنّ ثبوت كونها منهم عنده بوجوه اجتهادية وقرائن لو قامت عندنا لم نتّكل عليها ؛ لاختلاف اجتهادنا معه ، وليس ابن إدريس ومن في طبقته ونظائره عندنا كصدوق الطائفة ونظائره ممّن كان عصره قريباً من عصر صاحب الاُصول ولم يكن دأبه الاجتهاد وإعمال النظر والاتّكال على القرائن الاجتهادية لإثبات شيء . ولهذا لا يبعد الاعتماد على مرسلاتهم التي أرسلوها إرسال المسلّمات دون مرسلات أضراب محمّد بن إدريس رحمه الله علیه .

مضافاً إلى أنّ في «مستطرفات السرائر» : ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير الحسين عنه عن أبي عبداللّه علیه السلام ، ثمّ ساق الحديث(1) ، ويظهر من الأحاديث المذكورة بعده أنّ أحاديثه منقولة عن عبداللّه بواسطة الحسين ، وهو يحتمل أن يكون الحسين بن سعيد الأهوازي ، لكنّه مجرّد احتمال أو ظنّ بذلك ، فلا حجّية في الرواية وإن أغمضنا عن الإشكال الأوّل .

وكرواية عبد الأعلى مولى آل سام، قال: حدّثني أبو عبداللّه علیه السلام بحديث، فقلت

ص: 79


1- السرائر : 490 (ط . القديم) . وفيه : «ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين الحسين عنه . . . » ، وفي 3 / 632 (ط .الجديد) : «ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير ابن أعين عنه . . .» .

له: جعلت فداك، أليس زعمت لي الساعة كذا وكذا ؟ فقال: «لا». فعظم ذلك عليّ، فقلت : بلى واللّه زعمت . قال : «لا واللّه ما زعمت» . قال : فعظم ذلك عليّ ، فقلت : بلى واللّه قد قلته. قال: «نعم قد قلته، أما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب؟»(1).

فإنّها ظاهرة الدلالة في جواز التورية مطلقاً ، فإنّ دفع عبد الأعلى عن إطلاق كلمة زعمت - التي بمعنى قلت وتستعمل في حقّ وباطل - ليس من الإصلاح الذي يجوّز الكذب أو ما بحكمه ، ولهذا لا يجوز الكذب في نظيره .

وكرواية أبي بصير المتقدّمة الواردة في قصّة سالم بن أبي حفصة(2) ، فإنّ أبا جعفر علیه السلام لم يعلّل جواز إلقاء كلام ذي وجوه وكذا تورية إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام بإرادة الإصلاح ، فيفهم منها أنّ إلقاء كلام ذي وجوه وإرادة بعض الوجوه المخفيّة لا مانع منه كما فعل يوسف وإبراهيم علیهما السلام .

ويظهر من ذيل رواية سويد بن حنظلة المنقولة في كتاب الطلاق - وعن «المبسوط» روايتها (3) - جوازها أيضاً ، قال : خرجنا ومعنا وائل بن حجر نريد النبي رحمهما اللّه فأخذه أعداء له ، وتحرّج القوم أن يحلفوا ، فحلفت باللّه أ نّه أخي ، فخلّى عنه العدوّ ، فذكرت ذلك للنبي رحمهما اللّه فقال : «صدقت ، المسلم أخو

المسلم»(4) .

ص: 80


1- الكافي2 : 342 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 256 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 142 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 72 .
3- المبسوط 5 : 95 .
4- الخلاف 4 : 490 ، مسألة 60 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 65 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 685 / 2119 .

فإنّ الظاهر منها وإن كان حلفه على الاُخوّة النسبية لكن يظهر منها نفي الكذب عن التورية ، ويفهم منه جوازه لذلك ، لا لإرادة الإصلاح وإن كان المورد كذلك . فلو كانت التورية غير جائزة إلاّ مع إرادة الإصلاح ، لكان عليه التنبيه عليه لا الحكم بالجواز لمجرّد نفي الكذب .

فتحصّل ممّا مرّ أنّ التورية وكذا الإنشاءات والأفعال المفيدة فائدة الكذب لا تكون محرّمة ؛ للأصل وقصور الأدلّة ، بل دلالة بعض الروايات على الجواز .

ثمّ إنّه قد يستشكل على رواية «الاحتجاج»(1) في توجيه تورية إبراهيم بأنّ كسر الأصنام صدر من إبراهيم علیه السلام وإن كانت الأصنام ينطقون ، فيلزم الكذب بالإخبار بالملازمة ، فإنّ ملاك الصدق والكذب في الشرطيات صدق الملازمة وكذبها (2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ كلام إبراهيم علیه السلام من قبيل التعليق على أمر محال لإثبات أنّ المعلّق عليه محال ، لا لإثبات الملازمة ، فالكلام سيق لنفي العمل لكونه معلّقاً على محال ، لا لتحقّقه بتحقّق المعلّق عليه ، نظير قوله تعالى : )وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الخِياطِ((3) ، فإنّه ليس بصدد الإخبار بالملازمة بين دخول الجنّة وولوج الجمل في سمّ الخياط ، ضرورة عدم التلازم بينهما ، بل بصدد بيان استحالة دخولهم الجنّة بالتعليق على محال عادي .

ص: 81


1- تقدّمت في الصفحة 69 .
2- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم المحرّمة: 128.
3- الأعراف (7) : 40 .

وبالجملة : نظائر هذا الكلام كناية عن عدم التحقّق أو استحالته لا إخبار بالملازمة ، كما هو واضح .

انصراف المطلقات عن الكذب في مقام الهزل

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأخبار المطلقة منصرفة عن الكذب في مقام الهزل وإن فرض الإخبار بالواقع لهذا الغرض ، لكن مع قيام قرينةٍ حاليةٍ أو مقاليةٍ شاهدةٍ على الهزل ، كما لو كان المجلس من المجالس التي اُعدّت له .

بل لا يبعد الانصراف عن أخبار غير مفيدة ، كما لو أخبر بخلاف واقع واضح لا يؤثّر في المخاطب شيئاً ، كالإخبار ببرودة النار وحرارة الثلج . بل ولو كان غير مفيد لمخاطب خاصّ ، كما لو علم المتخاطبين كذب القضيّة ، فإنّ المتفاهم من أخبار الباب والإشعارات التي فيها هو حرمة الكذب في الأخبار المتداولة المعمولة بين الناس لإفادة مضمونها :

كقوله : «ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان»(1) وقوله : «إنّ الكاذب على شفا مخزاةٍ وهلكةٍ»(2) . وقوله : «العبد إذا كذب كان أوّل من يكذّبه اللّه ، ونفسه تعلم أ نّه كاذب»(3) . . . إلى غير ذلك .

وبناءً على انصراف الأخبار عن الهزل لا يمكن إثبات حرمته بما وردت في

ص: 82


1- تقدّم في الصفحة 66 .
2- تقدّم في الصفحة 66 .
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 213 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 247 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 15 .

الكذب هزلاً ، فإنّها وإن كانت مستفيضةً ، فلا ينظر إلى ضعف أسنادها مع أنّ

بعضها لا يخلو من حُسنٍ كرواية الأصبغ(1) ، لكن فيها ما لا تدلّ على الحرمة : كرواية الأصبغ ، والحارث الأعور(2) ، بل مرسلة سيف بن عميرة(3) . فإنّ قول علي بن الحسين علیه السلام على ما في الرواية لولده في مقام النصيحة لتهذيبهم عن الذمائم ، لا يدلّ على التحريم ، مع أنّ في مادّة التقوى أيضاً إشعاراً بعدمه ،

فلا يبعد أن يكون الأمر لمجرّد الرجحان .

بل يمكن الخدشة في دلالة رواية أبي ذرّ ، وفيها : «يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له»(4) . فإنّ إنشاء الويل أعمّ من التحريم ، ولو سلّمت دلالتها كما يأتي بيانها - إن شاء اللّه تعالى - فلا تصلح لإثبات الحكم ؛ لضعفها سيّما في مثل المقام الذي ادّعى الأعلام السيرة على ارتكابه كما لا تبعد .

فالأقوى عدم الحرمة في الهزل مع قيام القرينة . ولا يخلو عدمها من رجحان في الأخبار غير المفيدة مطلقاً ، لكن الأحوط الاحتراز سيّما في الثاني .

وقد ادّعى بعض المدقّقين في تعليقته على «مكاسب» شيخنا المرتضى

ص: 83


1- تقدّمت في الصفحة 74 .
2- تقدّمت في الصفحة 73 .
3- تقدّمت في الصفحة 74 .
4- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .

الإجماع على حرمته ولو لم يكن فيه إغراء ؛ لكون المخاطب مثلاً عالماً بعلم المتكلّم بعدم مطابقة كلامه للواقع(1) .

حكم الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها

ثمّ إنّ مقتضى الاُصول العقلية والنقلية جواز الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها ؛ فلو شكّ في أنّ زيداً قائم يجوز له الإخبار بقيامه ؛ لأ نّه من الشبهة المصداقية لأدلّة الكذب .

إلاّ أن يدّعى وجوب الصدق ، لا بمعنى وجوبه مطلقاً ، بل بمعنى أ نّه لو أراد المتكلّم الإخبار يجب عليه أن يصدق ، فلا بدّ له من إحراز كونه صدقاً بعلم أو أمارة .

لكن إثبات ذلك مشكل بل ممنوع ، وإن أفتى به صاحب «الوسائل»(2) و «مستدركه»(3) ، فإنّ الأخبار لا تصلح لإثباته ، إمّا لقصور الدلالة كما هو كذلك غالباً ، أو لقصور السند ، فراجعها .

أو يقال بإلغاء الخصوصية ممّا وردت متواترةً(4) بحرمة الفتوى بغير علم ، وما وردت بحرمة القضاء وكذا الشهادة كذلك(5) .

ص: 84


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 128 .
2- وسائل الشيعة 12: 5، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 1.
3- مستدرك الوسائل 8 : 309 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 341 ، كتاب الشهادات ، الباب 20 .

وفيه : أنّ غاية ما يمكن إلغاؤها هو الكذب على اللّه تعالى وعلى رسوله رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام في خصوص الأحكام ولو كان بنحو الإخبار لا الفتوى . فلو أخبر عن اللّه أو عن رسوله رحمهما اللّه بأ نّه قال كذا في مورد الشبهة الحكمية ، يكون محرّماً ؛ لفحوى أدلّة حرمة الفتوى بغير علم ، دون الإخبار بالاُمور الاُخر ، كالإخبار بأنّ للنبي رحمهما اللّه صفةً كذائية أو نحو ذلك ، فضلاً عن الإخبارات العادية بالنسبة إلى غيرهم .

أو يقال : إنّ الإخبار في مورد الشكّ جزماً إخبار عن علم المخبر ، وهو كذب أو له مفسدته .

وفيه : منع كونه إخباراً عنه ، بل ينتقل السامع منه إليه . وقد تقدّم عدم الدليل على حرمة مثله ومنع كون مناط الكذب فيه .

والأولى : الاستدلال عليه - مضافاً إلى العلم الإجمالي المنجّز في الموارد المشكوك فيها ؛ فإنّ في كلّ مورد منها يعلم إجمالاً بأ نّه إمّا الإخبار عن الثبوت كذب محرّم أو الإخبار عن عدمه ، فلا يجوز عقلاً الإخبار بأحد الطرفين - بجملة من الروايات :

كحسنة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، عن آبائه في حديث قال : «ليس لك أن تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَلاَ تَقْفُ ما لَيْسَ

لَكَ بِهِ عِلْمٌ((1)»(2) .

ص: 85


1- الإسراء (17) : 36 .
2- علل الشرائع : 605 / 80 ؛ وسائل الشيعة 27 : 30 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 36 .

فإنّ الظاهر منها أنّ الآية الكريمة تشمل القول بغير علم ، فتكون هي مضافاً إلى الرواية دليلاً على المطلوب .

وفي «المجمع»(1) أ نّها أعمّ من القول بغير علم ، والاعتقاد بما لا يعلم ، وغيرهما .

والمتيقّن من الرواية هو القول بغير علم بقرينة استشهاده بالآية الشريفة ، ومقتضى إطلاقها عموم الحكم لجميع مصاديق الإخبار بغير علم ، ولا دليل على اختصاصها بالإخبار عن اللّه تعالى .

وصحيحة هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما حقّ اللّه على خلقه ؟ قال : «أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه»(2) ، ونحوها رواية زرارة(3) .

ويمكن المناقشة فيها بأنّ مطلق ثبوت حقّ منه تعالى على خلقه لا يدلّ على وجوب أدائه ، إذ لعلّه من الحقوق المستحبّة ، أو يقال : إنّ الحقّ فيها منصرف إلى ما هو من قبيل أحكام اللّه تعالى ، لا مطلق القول بغير علم .

وموثّقة زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم ، إنّ الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها

ص: 86


1- مجمع البيان 6 : 641 .
2- الكافي 1 : 50 / 12 ؛ وسائل الشيعة 27 : 24 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 10 .
3- الكافي 1 : 43 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 23 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 9 .

أبعد ما بين السماء والأرض»(1)

إلاّ أن يناقش فيها بأنّ ذيلها قرينة على أنّ المراد من القول بغير علم مثل الفتوى والإخبار عن اللّه تعالى لا مطلقاً .

إلاّ أن يقال : إنّ ذكر مصداق أهمّ المصاديق لا يصير قرينة على الاختصاص ، فالعبرة بإطلاق الصدر .

وأمّا المناقشة فيها باشتمالها على ما لا يجب جزماً وهو القول بأنّ اللّه أعلم ، ففي غير محلّها ؛ لأ نّه كناية عن عدم جواز القول بغير علم . فالظاهر المتفاهم منها عدم جوازه .

وتؤيّد المطلوب رواية أبي يعقوب إسحاق بن عبداللّه - والظاهر صحّتها - عن أبي عبداللّه علیه السلام «إنّ اللّه تعالى خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا ، وقال تعالى : )أَلَمْ يُؤخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلاّ الحَقّ((2) وقال : )بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْويلُه((3)»(4) .

ولكن الظاهر اختصاصها بالأحكام ونحوها .

ص: 87


1- الكافي 1 : 42 / 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 22 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 5 .
2- الأعراف (7) : 169 .
3- يونس (10) : 39 .
4- الكافي 1 : 43 / 8 .

ورواية زرارة : «إنّ من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك»(1) .

ويؤيّده أيضاً فحوى صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل : لا أدري ، ولا يقل : اللّه أعلم ، فيوقع في قلب صاحبه شكّاً ، وإذا قال المسؤول : لا أدري ، فلا يتّهمه السائل»(2) ، فتأمّل .

مضافاً إلى قبح الإخبار بغير علم ، بل الظاهر عدم جوازه في ارتكاز المتشرّعة ، وكان منزلته منزلة الكذب لديهم .

هذا مع قطع النظر عن الاستصحاب في بعض الموارد ، وإلاّ فقد يمكن التمسّك به لإحراز الموضوع . فإذا شكّ في طلوع الشمس بعد اليقين بعدم طلوعها يقال : إنّ الإخبار بطلوعها كان كذباً ، والآن كما كان فينقّح به موضوع الحرمة ، وهذا ليس باستصحاب تعليقي ، بل تنجيزي على عنوان كلّي قبل تحقّق مصاديقه ، كاستصحاب حرمة شرب الخمر وأكل الربا ، واستصحاب وجوب صلاة الجمعة الذي يرجع إلى فعل المكلّف ؛ أي عنوانه . ويجري الأصل الحكمي مع الغضّ عن الموضوعي على عنوان كلّي ، فينحلّ العلم الإجمالي حكماً .

نعم ، استصحاب عدم طلوع الشمس لا يثبت كون الإخبار بالطلوع كذباً ومحرّماً ، كما لا يخفى .

هذا بالنسبة إلى أصل المسألة . وأمّا لو قلنا بحرمة القول بغير علم هل يجري

ص: 88


1- المحاسن : 205 / 57 ؛ وسائل الشيعة 27 : 29 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 30 .
2- الكافي 1 : 42 / 6 .

الاستصحاب ويقوم مقام العلم الموضوعي بدليله فيستصحب عدم طلوعها ويخبر به أو لا ؟

الظاهر جريانه ؛ لما قلنا في محلّه من قيامه مقامه بدليله(1) .

هذا إذا قلنا بأنّ العلم المأخوذ في أدلّة حرمة القول بغير علم ، العلم الوجداني ، وأمّا إن قلنا بأنّ المراد به في نظائر المقام الحجّة ، كما هو الحقّ ، فلا إشكال في وروده عليها وإخراج موضوعه عن القول بغير علم .

ثمّ ينبغي التنبيه على أمرين :

ص: 89


1- راجع أنوار الهداية 1 : 85.

الأمر الأوّل في كون الكذب من الكبائر

الأمر الأوّل : إنّ الكذب هل هو من الكبائر مطلقاً أو لا كذلك ، أو يختلف حكمه باعتبار المخبر به ، أو لا يكون فيه اقتضاء الحرمة بذاته أصلاً ، وإنّما يحرم تبعاً لفساد متعلّقه ويصير كبيرة أيضاً بتبعه ، فإذا لم يكن في المتعلّق مصلحة ولا مفسدة لا يكون حراماً ؟

وهذا العنوان الأخير وإن كان تقديمه على التنبيه أنسب ، لكن لمّا كان تحقيقه متوقّفاً على ذكر الروايات أخّرناه عنه .

الاستدلال بالروايات على كون الكذب مطلقاً من الكبائر

وقد استدلّ على كونه مطلقاً كبيرة بروايات :

الاستدلال بروايتي العيون والخصال

منها : رواية «عيون الأخبار» بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام (1)، ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد علیه السلام في حديث

ص: 90


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 127/1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

شرائع الدين(1) ، حيث عدّ فيهما من الكبائر .

والثانية ضعيفة بلا إشكال .

وقد حاول بعضهم تحسين الاُولى أو تصحيحها (2) بأنّ للصدوق إلى الفضل ثلاثة طرق منها : عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوري ، عن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، عن الفضل بن شاذان ، وهو طريق حسن بل صحيح ؛ لأنّ الصدوق روى في كتاب «عيون الأخبار» روايته من ثلاث طرق وقال عقيب ذلك : وحديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس عندي أصحّ(3) ، وهو توثيق رجال السند سيّما عبد الواحد . ويؤيّده تصحيح العلاّمة رواية هو في سندها (4) ، وتبعه الشهيد الثاني محتجّاً بذلك وبكونه من المشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرّر ذلك الظاهر منه الاعتماد عليه(5) .

وفيه : أنّ قول الصدوق راجع إلى متن الرواية ، فإنّها بطريقها الآخر مشتملة على بعض الزيادات المخالف للمذهب ، كمعصية الأنبياء وغير ذلك(6) . مع أ نّه تصحيح السند بهذا الاصطلاح لعلّه غير معهود عند الصدوق وأمثاله .

ص: 91


1- الخصال : 610 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
2- راجع تنقيح المقال 2 : 233 / السطر 20 (أبواب العين) .
3- عيون أخبار الرضا 2 :127 ، ذيل الحديث 2 .
4- تحرير الأحكام 4 : 373 .
5- مسالك الأفهام 2 : 23 .
6- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 2 .

وتصحيح العلاّمة لعلّه لقرائن دالّة على صحّة المتن ، ولهذا حكي عن «مختلفه» تارة بأ نّه : «لا يحضرني حال عبد الواحد بن عبدوس» ، واُخرى : «إن ثبت وثاقته صار الخبر صحيحاً»(1) ، ومعه لا يمكن الاعتماد على تصحيحه .

وتكرّر نقل الصدوق وترضّيه لا يفيدان شيئاً يمكن الاتّكال عليه .

وعلي بن محمّد بن قتيبة أيضاً لا يخلو من كلام(2) ، وإن قال النجاشي : «اعتمد عليه الكشّي»(3) ، و[الشيخ] : «إ نّه فاضل»(4) .

وأمّا الطريق الآخر ففيه جعفر بن نعيم الشاذاني ، ولم يرد فيه شيء إلاّ ترضّي

الصدوق عليه(5) ، وهو غير كافٍ في الاعتماد عليه .

وأمّا المحكيّ عن الصدوق بأ نّي لم أذكر في مصنّفاتي إلاّ ما صحّحه شيخي ابن الوليد(6) فإن كان المراد تصحيح السند فيوجب ذلك الإشكال في تصحيحات ابن الوليد ؛ ضرورة اشتمال مصنّفاته على روايات ضعاف إلى ما شاء اللّه ، وإن كان المراد تصحيح المتن فهو غير مفيد لنا .

والطريق الثالث ضعيف ؛ لقنبر بن علي بن شاذان وأبيه(7) .

ثمّ إنّه يمكن الإشكال في إطلاقهما ، بأن يقال : إنّهما بصدد بيان عدّ الكبائر

ص: 92


1- مختلف الشيعة3 : 314 .
2- راجع تنقيح المقال 2 : 308 / السطر 28 (أبواب العين) .
3- رجال النجاشي : 259 / 678 .
4- رجال الطوسي : 429 / 2 .
5- راجع تنقيح المقال 1 : 228 / السطر 19 (أبواب الجيم) .
6- الفقيه 2 : 55 ، ذيل الحديث 241 .
7- راجع تنقيح المقال 2 : 30 / السطر 24 (أبواب القاف) .

لا بيان حال كلّ كبيرة . وبعبارة اُخرى : إنّهما بصدد بيان العدّ لا المعدود حتّى يؤخذ بإطلاقهما .

وهو نظير أن يقال : إنّ في الشريعة واجبات : الصلاة والصوم والحجّ . . . وفيها محرّمات : الربا والكذب والسرقة . . . ، حيث لا يمكن الأخذ بإطلاقه بالنسبة إلى كلّ واحد منها ، فيدفع به الشكّ في شرطية شيء أو مانعيته بالنسبة إلى الصلاة وغيرها ، أو بالنسبة إلى بعض المصاديق المشكوك فيه .

إلاّ أن يقال : يكشف الإطلاق فيهما من ذكر تقييدات فيهما ، كتقييد قتل النفس بالتي حرّم اللّه تعالى ، وأكل مال اليتيم بقوله : ظلماً ، وما اُهلّ لغير اللّه

بغير ضرورة ، وأكل الربا ببعد البيّنة ، وحبس الحقوق بغير عسر . فلولا كونهما في مقام البيان لا وجه لذكر القيود ، فإنّ البيان على نحو العدّ والإهمال لا يناسبه .

ويمكن أن يقال : إنّ ذكر تلك القيود إنّما هو بتبع ورودها في الكتاب الكريم ، حيث قال : )وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ التى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاّ بِالْحَقِّ((1) .

وقال : )إِنَّ الّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً((2) .

وقال : )إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ(إلى أن قال : )فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ((3) .

وقال بعد آية الربا : )فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ . . .((4) .

ص: 93


1- الإسراء (17) : 33 .
2- النساء (4) : 10 .
3- البقرة (2) : 173 .
4- البقرة (2) : 275 .

وقال في حقّ الغريم : )وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَة((1) .

والشاهد عليه أنّ هذه القيود في الموارد الخمسة وردت في الروايتين ، فيكون ذكرها بتبع الكتاب ، لا لكونه في مقام البيان من جميع الجهات .

إلاّ أن يدّعى أنّ الإشارة إلى القيود المذكورة في الكتاب أيضاً دليل على كونه في مقام البيان ، وفيه تأمّل .

والإنصاف أنّ الاتّكال عليهما لإثبات كون الكذب في الجملة كبيرة مشكل ، فضلاً عن إثبات كونه كذلك بجميع مصاديقه .

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام

وقد يستشكل عليهما وعلى كلّ ما دلّت على كونه من الكبائر بأ نّها معارضة لصحيحة عبد العظيم الحسني الحاكية لدخول عمرو بن عبيد على أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية : )الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِش((2) ثمّ أمسك ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «ما أسكتك ؟» قال : اُحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه (3) ، فعدّها ولم يعدّ منها الكذب .

ويمكن الجمع بأنّ المراد من الروايات التي عدّته كبيرة بيان ما يكون كبيرة في الجملة ولو بالنسبة إلى بعض مصاديقه ، ومن الصحيحة ما يكون كبيرة بجميع

ص: 94


1- البقرة (2) : 280 .
2- النجم (53) : 32 .
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .

مصاديقه . وحينئذٍ لا يبقى في الروايات دلالة على كون الكذب كبيرة .

ثمّ قال : إن قلت : لعلّ المراد بالصحيحة خصوص الكبائر الثابتة في الكتاب ، ومن الروايتين وغيرهما مطلقها ، كما يشهد به قوله : «اُريد أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه» فلا مانع من حمل الكذب فيهما على إطلاقه .

قلت : الظاهر إرادة معرفة مطلقها ؛ إذ من الظاهر تعلّق «من كتاب اللّه» ب- «أعرف» لا ب- «الكبائر» ، مع أنّ الكبائر المذكورة في الصحيحة أعمّ ممّا في كتاب اللّه ، كترك الصلاة وشيء ممّا فرضه اللّه ، فإنّه استشهد على كونه كبيرة بقول

رسول اللّه رحمهما اللّه فلا وجه للحمل المذكور ولا شاهد عليه . ويؤيّد ما ذكرناه أيضاً عدّ خصوص اليمين وشهادة الزور في تلك الرواية من الكبائر ؛ إذ مع كون مطلق الكذب منها لا وقع لذلك(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الجمع المذكور ليس جمعاً عقلائياً رافعاً للتعارض وإلاّ لصحّ الجمع بين قوله : أكرم العلماء ، ولا تكرم العلماء ، بحمل الأوّل على القرشي والثاني على غيره ، فلا وجه ولا شاهد لحمل الكبائر في مورد على قسم منها وفي مورد آخر على قسم آخر مع وحدة اللفظ والمقام - أنّ ما ذكره غير تامّ ؛ لأنّ الصحيحة مشتملة على ما لا يكون بجميع مصاديقه محرّمة فضلاً عن كونه كبيرة ، كالربا ، فإنّ كثيراً من مصاديقه جائز ، تأمّل ، وغير مشتملة على ما يكون كبيرة بجميع مصاديقه ، كالقمار واللواط والسرقة والتعرّب بعد الهجرة والقنوط من رحمة اللّه والاستخفاف بالحجّ وغيرها .

ص: 95


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 124 .

فلا يتمّ ما ذكره من الجمع . مع أنّ الظاهر من سؤال عمرو إرادة معرفة الكبائر

من كتاب اللّه ، فتصدّى أبو عبداللّه علیه السلام لذكر ما تكون كذلك في كتاب اللّه حتّى يوافق جوابه لمسؤوله ، وما لا يكون كتاب اللّه دالاًّ على كونها كذلك لا مجال لذكرها ؛ لعدم إمكان معرفتها منه .

ولعلّ ذكر ترك الصلاة والفرائض لأهمّيتها ، وإن لم يدلّ كتاب اللّه على كونها كبيرة . والظاهر أنّ المراد بالفرائض غير مطلق الواجبات ، بل من قبيل الحجّ والزكاة والصوم ونحوها من الاُصول .

نعم ، يبقى سؤال ، وهو ما وجه عدم ذكر بعض الكبائر التي دلّ الكتاب على كونه كبيرة ، كالميسر الذي فيه إثم كبير ، واللواط الذي سمّاه فاحشة وعذّب قوماً به ، والنقص في المكيال والميزان ، قال : )وَلاَ تَنْقُصُوا المِكْيالَ وَالمِيزانَ إِنّى أَريكمْ بِخَيْرٍ وَإِنّى أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَومٍ مُحيطٍ((1) والافتراء على اللّه تعالى إلى غير ذلك ؟

ويمكن أن يقال : إنّ عمرو بن عبيد اختنقه البكاء ولم يتمالك نفسه ، فخرج صارخاً قبل أن يتمّ أبو عبداللّه علیه السلام عدّ الكبائر ، ولعلّ فيها إشعاراً بذلك؛ حيث قال فيما قال : «وقطيعة الرحم ؛ لأنّ اللّه يقول : )وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّار((2) قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه» . وليس فيه ما يدلّ على سكوت أبي عبداللّه علیه السلام وإتمام كلامه ، فلا يمكن استفادة الحصر بالمذكورات

ص: 96


1- هود (11) : 84 .
2- غافر (40) : 52 .

فيها مع الاحتمال المذكور الذي لا يبعد إشعار الرواية به .

وأمّا ما جعله مؤيّداً لمرامه من عدّ خصوص اليمين وشهادة الزور فيها .

ففيه : - مضافاً إلى أنّ اليمين ليس من الإخبار بل إنشاء ، وحرمته بعنوانه غير حرمة الكذب ، وإنّما يقال : الأيمان الكاذبة باعتبار متعلّقها فلا وجه لجعله مؤيّداً - أنّ اختصاص ذكره وذكر شهادة الزور التي هي من كتمان الشهادة أيضاً لأجل استفادة حكمهما من كتاب اللّه وقد أراد السائل معرفة الكبائر منه .

نعم ، لو قلنا باستفادة كون مطلق الكذب كبيرة من الكتاب يتوجّه السؤال عن وجه اختصاصهما بالذكر . ويمكن أن يكون لأجل اختصاصهما به في الكتاب . وأمّا عدم ذكر الكذب المطلق فيها - كعدم ذكر كثير من الكبائر - فقد مرّ ما يمكن أن يكون وجهاً له .

الاستدلال بموثّقة محمّد بن مسلم

ومنها : موثّقة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «إنّ اللّه تعالى جعل

للشرّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب»(1) .

ونحوها رواية اُخرى ، إلاّ أنّ في ذيلها : «وشرّ من الشراب الكذب»(2) .

ويحتمل بعيداً أن يكون قوله : «شرّ من الشراب» غير مراد به التفضيل ، بل

ص: 97


1- الكافي 2 : 338 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ؛ كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 3 .
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 291 / 8 ؛ وسائل الشيعة 25 : 331 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 22 .

يكون «من» نشوية ، وأراد به أنّ الكذب شرّ ناشٍ من الشراب ؛ أي من جملة الشرور المترتّبة على الشراب الكذب .

كما تشهد به رواية محمّد بن سنان ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : «حرّم اللّه الخمر لما فيها من الفساد ، ومن تغيير عقول شاربها ، وحملها إيّاهم على إنكار اللّه عزّ وجلّ والفرية عليه وعلى رسله ، وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا . . .»(1) .

حيث جعل فيها الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى المؤمنات ناشياً من الخمر .

وتؤيّده الروايات الكثيرة القائلة بأنّ الخمر رأس كلّ إثم ومفتاح كلّ شرّ(2) .

ويؤيّده أيضاً أنّ قوله في الموثّقة : «إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً» يراد به مطلق الشرّ ، ومن البعيد أن يراد بذيله استثناء الكذب ، مع أنّ الشراب مفتاح الكذب أيضاً .

لكن مع ذلك كلّه أنّ ما ذكر خلاف المتفاهم العرفي .

ثمّ إنّ من المحتمل أن يكون المراد من الموثّقة بيان أمر تكويني ؛ أي بيان كيفية صدور الشرور من شاربها وإن كان ذلك بنحو الاستعارة والادّعاء ، بأن ادّعى أنّ طبيعة الشرّ في الإنسان كأ نّها موجود متمثّل جعل اللّه تعالى

ص: 98


1- علل الشرائع : 475 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 329 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 16 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 313 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 12 .

أقفالاً له لولاها لخرج معربداً مفسداً .

وذلك لأنّ طبيعة الشهوة والغضب والشيطنة في الإنسان مقتضية للفساد بنحو الإطلاق بلا قيد وشرط من ناحيتها . ومقتضى قوّة الشهوة الالتذاذ بكلّ ما يمكن بأيّ طريق كان بلا قيد مطلقاً ، وكذا مقتضى القوّتين الاُخريين ، وإنّما حاجزها وعقالها وأقفالها قوى وملكات اُخر جعلها اللّه تعالى في الإنسان وديعةً ، رأسها العاقلة ، وبعدها الحياء ، والشرف ، والخوف من اللّه ومن الناس ، وعزّ النفس وعظمتها ، وطلب الكمال وأمثالها .

ومفتاح كلّ تلك الأقفال ورافع تلك الحواجز الشراب ؛ بمعنى أنّ ذاته كذات المفتاح وشربه آليته الفعلية ، لا بمعنى ترتّب جميع الشرور على شربه فعلاً ، بل بمعنى رفع الحاجز عمّا هو مقتضٍ للفساد ، فلا يبالي معه بما فعل وما فعل به ، ويأتي بما يمكنه ويهويه من مشتهياته ومقتضيات قواه المائلة إلى الفساد، فلا يبالي بقتل النفس المحترمة ولا بالزنا بالمحارم ولا بغير ذلك . هذا حال الشراب .

وأمّا الكذب فهو شرّ منه في هذه الخاصّة من جهتين :

من جهة أنّ الشراب رافع الموانع عن الشرور ، والكذب محرّك وداعٍ إليها ، فإنّه قد يثير الشهوات والقوى الغضبية والشيطنة إلى العمل على مقتضياتها . فهو من هذه الحيثية شرّ منه .

ومن جهة أنّ المفاسد المترتّبة على الكذب لا يقاس بالمفاسد المترتّبة على الخمر ، لا بمعنى أنّ كلّ كذب كذلك ، بل بمعنى ملاحظة الطبيعتين في الجامعة البشرية .

فمقنّن القوانين لجميع عائلة البشر إذا نظر إلى الكذب ومفاسده بنحو الوجود

ص: 99

الساري ، وإلى الخمر ومفاسدها كذلك يرى أنّ مفاسد الكذب أكثر وأعظم ؛ لأنّ جميع الأديان الباطلة إنّما حدثت وانتشرت بالكذب . والكذب الواحد قد ينتهي إلى خراب البلدان وقتل النفوس الزكيّة وانتهاك حرمات عظيمة .

وبالجملة : لا تقاس المفاسد المترتّبة على الكذب في الجامعة البشرية على المفاسد المترتّبة على الخمر أو سائر المعاصي .

لكن على هذا الاحتمال لا يمكن إثبات حرمة الخمر بهذه الرواية فضلاً عن كونها كبيرةً ، فضلاً عن إثبات حرمة الكذب أو كونه كبيرةً في الجملة فضلاً عن جميع مصاديقه .

وذلك لأنّ تلك المفاسد لو كانت مترتّبة على الخمر أو على الكذب ولو بنحو المسبّبية والمعلولية ، لما توجب حرمتهما ؛ لما قرّر في محلّه من عدم حرمة مقدّمة الحرام وإن كانت علّة تامّة(1) فضلاً عمّا إذا لم تكن كذلك كما في المقام . فإنّ الخمر ليست علّة تامّة لما ذكر بل تكون رافعة للموانع ، وكذا الكذب وإن كان بعض مصاديقه داعياً إلى إتيان المحرّم لكن لا يكون علّةً تامّة له .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المقصود بالرواية أنّ الخمر صارت محرّمة لأجل تلك المفاسد لا لكون سبب المحرّم محرّماً ، بل كونها مفتاحاً لأقفال الشرور صار نكتة لجعل التحريم القانوني على جميع مصاديقها ، وللتوعيد عليها بالعذاب فصارت كبيرة . ولمّا كان الكذب شرّاً منها تكون شرّيته نكتة لجعل الحرمة على جميع مصاديقه ولكونه كبيرة .

ص: 100


1- مناهج الوصول 1 : 347 .

إلاّ أن يناقش فيه بأنّ تلك المفاسد لو كانت علّة للحرمة وكونها كبيرة لكان لما ذكر وجه ؛ لأنّ المعلول تبع لعلّته في التحقّق والشدّة والضعف والكمال والنقص . لكنّه احتمال فاسد ؛ لعدم دوران الحرمة مدارها ، بل عدم دوران كون الخمر كبيرة مدارها ، كما لا يخفى .

وأمّا إذا كانت المفاسد نكتة الجعل فلا بدّ في إثبات مقداره وكيفيته من دليل :

أمّا في الخمر فيظهر من جملة من الروايات أنّ جميع مصاديقها كبيرة قليلها وكثيرها ، وأنّ نكتة ذلك هي ما تترتّب عليها من المفاسد ، كصيرورة العبد بحال لا يعرف ربّه ، وصيرورته مشركاً ، وغير ذلك(1) .

ولا دليل على أنّ الكذب إذا كان ببعض مصاديقه شرّاً من الشراب بالمعنى المتقدّم صار ذلك علّة لجعل الحكم على جميع مصاديقه على نحو القانونية ، بل لعلّ شرّيته صارت موجبة لجعله على خصوص ما يترتّب عليه ذلك لا مطلقاً .

وذلك للفرق بين الخمر والكذب من جهة أنّ فساد الخمر نوعي بل عمومي لمتعارف الناس عند تعارف شربها ، فالشرب المتعارف يوجب السكر في متعارف الناس ويوجب صيرورة الشارب بحيث لا يعرف ربّه ، ولا يبالي بما فعل وما فعل به ، ولأجل تلك النوعية أو العمومية صارت محرّمة وكبيرة بجميع مصاديقها ضرباً للقانون . وأمّا الكذب وإن كان بملاحظة مجموع أفراده ومقايستها لمجموع أفراد الخمر يكون شرّاً منها ، لكن ليس شرّه عامّاً كشرّ شرب الخمر ولا يترتّب على كلّ مصداق منه شرّ . وترتّبه على بعض مصاديقه

ص: 101


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 313 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 12 .

لا يوجب جعل الحرمة على مصاديقه فضلاً عن جعلها كبيرة .

فلا يستفاد حرمة جميع مصاديقه ، أو كونه كبيرة من الرواية على هذا الاحتمال .

وكذا لا يستفاد منها الحرمة لو كان المراد بيان أنّ الكذب شرّ من الخمر في الخاصّة المترتّبة عليها بالنسبة إلى كلّ شخص ؛ أي أ نّه يوجب الدخول في المعاصي ويجعل النفس مائلة إلى الشهوات والمعاصي وإن لم نعلم كيفيته ، كما ورد : «إنّ الكذب يهدي إلى الفجور»(1) ، وورد : «أنّ الخبائث حطّت في بيت ومفتاحه الكذب»(2) .

وتوهّم أنّ الوجدانيات لا يمكن أن تخفى علينا في غير محلّه ؛ لأنّ كثيراً ما تخفى علينا ملكاتنا الخبيثة وخصوصيات أميالنا . ولعلّ شرّية الكذب من الشراب لكونه هادياً إلى الشرور ، بخلاف الخمر ، فإنّها رافعة للمانع .

فعلى هذا الاحتمال أيضاً لا تدلّ على حرمة الكذب والخمر ؛ لأنّ رافع مانع المحرّمات والهادي إليها لا يلزم أن يكون محرّماً نفساً فضلاً عن كونه كبيرةً ، بل ولا محرّماً بالغير ؛ لأنّ مقدّمة الحرام ليست بحرام .

وفيها احتمال آخر ، وهو أنّ الجملتين صدرتا على نحو من الادّعاء والمبالغة ، أو أنّ الثانية كذلك . بأن يدّعى أنّ الخمر رافعة لجميع الموانع عن

ص: 102


1- الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 .
2- الدرة الباهرة : 43 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 11 .

الشرور ، ويدّعى أنّ الكذب شرّ منها .

فحينئذٍ إمّا أن يدّعى أنّ الكذب شرّ منها في تلك الخصوصية ؛ أي كونه مفتاحاً للشرور ، أو يراد أ نّه شرّ منها من جميع الجهات .

فعلى الأوّل لا تدلّ على الحرمة فضلاً عن كونه كبيرة .

وعلى الثاني تدلّ على كونه كبيرة ؛ لأنّ المبالغة في شرّيته منها إنّما تصحّ إذا كان معصية عظيمة ، ومع كونه صغيرة لا تصحّ الادّعاء ولا مصحّح للمبالغة .

فإذا قيل : فلان أشجع من الأسد ، أو فلان أجمل من الشمس والقمر ، يكون ظاهراً في أنّ القائل في مقام تعظيم الكمال ، فيكون شجاعته وجماله بحدّ يصحّ أن يرجّحهما في مقام المبالغة على الأسد والشمس والقمر .

ولا يلزم بما ذكرناه خلاف الواقع والضرورة ، فإنّ الكذب في نفسه لا يكون أكبر من الخمر ، ولهذا لو دار الأمر بين ارتكاب أحدهما ولم يترتّب على الكذب مفاسد اُخر لا شبهة في وجوب اختيار الكذب ، وذلك لأنّ هذا المحذور غير لازم على فرض الادّعاء والمبالغة ، فتدلّ الرواية على أكبرية الخمر حقيقة ، وعلى كون الكذب كبيرة لا أكبريته منها .

وهنا احتمال آخر ، وهو كون الجملتين كناية عن كونهما كبيرة .

ثمّ إنّ مقتضى أصالة الظهور تعيّن الاحتمال الأوّل أو الثاني ، فإنّ فيهما أيضاً وإن كان التشبيه بالأقفال والمفاتيح على نحو الاستعارة والتجوّز لكن لا ادّعاء زائداً عليه ، ويكون قوله : «والكذب شرّ من الشراب» على نحو الحقيقة ، بخلاف سائر الاحتمالات فإنّ فيها نحو تأوّل زائداً عليه .

وعليه يسقط الاستدلال بالرواية للمقصود ، ولو منع ترجيح الأوّل فلا ترجيح

ص: 103

للحمل على ما يستفاد منه كونه كبيرة .

ثمّ على فرض استفادة الحرمة وكونه كبيرةً يقع الكلام في أنّ قوله : «والكذب شرّ من الشراب» هل يراد به أنّ هذه الطبيعة بنفسها مع الغضّ عن

لواحق اُخر شرّ من طبيعة الشراب كذلك ؟

أو يراد به أ نّها بوجودها الساري شرّ منها ؟ فيكون كلّ مصداق منها شرّاً من طبيعة الشراب أو كلّ مصداق منه .

أو يراد أنّ هذه الطبيعة على نحو الإهمال شرّ منه ولو باعتبار بعض مصاديقه ؟ فيكون الانتساب إلى الطبيعة : إمّا لعدم كونه في مقام البيان ، أو للادّعاء بأنّ الطبيعة ليست إلاّ ما يترتّب عليها الفساد الذي جعلها كبيرةً ، فيكون

الكلام مبنيّاً على دعوى أنّ المصاديق المترتّبة عليها المفاسد ، كالذي ينطبق عليه عنوان النميمة ، أو الافتراء على اللّه تعالى تمام حقيقته ، وغيرها بمنزلة العدم ، فحينئذٍ يستفاد منها كونه كبيرةً في الجملة لا بجميع مصاديقه .

وما ذكرناه من الاحتمالات تأتي في أمثال هذا التركيب ، كقوله : الرجل خير من المرأة ، والرطب خير من العنب ، إلى غير ذلك .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأوّل أظهر ، لكن في المقام لمّا لم يمكن الحمل عليه ؛ ضرورة عدم كون الكذب بنفسه شرّاً من الخمر ، وكذا لا يمكن الحمل على الاحتمال الثاني على نحو الحقيقة ، فلا بدّ من الحمل على حقيقة ادّعائية : إمّا دعوى كون الطبيعة بنفسها شرّاً من الشراب ، أو دعوى كونها بجميع مصاديقها كذلك ، أو دعوى كونها كذلك بلحاظ بعض المصاديق .

والأرجح الأوّل ثمّ الثاني . فعليه يستفاد منها كونه كبيرةً بنفسه أو بجميع

ص: 104

مصاديقه ، ولا يستفاد منها أكبريته من الشراب حقيقة ، بل هو ادّعاء يثبت به كونه كبيرةً .

لكنّ الشأن في ترجيح الاحتمال الذي يستفاد منه كونه كبيرةً من بين الاحتمالات المتقدّمة الكثيرة .

إلاّ أن يدّعى : أنّ الظاهر من الجملة الاُولى أنّ الشراب من الكبائر بجعل ما ذكر كنايةً عنه .

وظاهر الجملة الثانية بعد عدم إمكان الحمل على الحقيقة ، هو دعوى كون طبيعة الكذب بلا قيد شرّاً من الشراب .

ولازم هذه الدعوى كونه كبيرةً بنفسها . ولا يلزم منه إشكال كما توهّم ، فإنّه إذا قامت القرينة على عدم إرادة الحقيقة ، لا يجوز طرح الرواية ، بل تحمل على الحقيقة الادّعائية ، ولازمها كون الكذب بنفسه وعلى نحو الإطلاق شرّاً من الشراب ادّعاءً ، ولازم ذلك كونه كبيرة على نحو الإطلاق .

إلاّ أن يقال : مجرّد هذا التشبيه والدعوى لا يدلّ على كونه كناية عن كونها

كبيرةً ، كما ورد : «أنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»(1) مريداً به أنّ حبّها اُمّ الخطايا مع أ نّه غير محرّم بلا شبهة .

فيمكن أن يكون المراد بالرواية التنبيه على مفاسد الخمر والكذب ، لا بيان حرمتهما . ولا قرينة على كونه بصدد بيان الحرمة فضلاً عن كونهما كبيرةً .

فدعوى كون الجملتين كناية عن حرمتهما ، أو كونهما كبيرة ، عارية

ص: 105


1- الخصال : 25 / 87 ؛ وسائل الشيعة 16 : 9 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 61 ، الحديث 4 .

عن الشاهد ومخالفة لأصالة الظهور .

وبعبارة اُخرى : إنّ الجملة الاُولى بعد كونها استعارة تكون لها ظهور ثانوي لأجل قيام القرينة في المعنى الاستعاري ، وجعل هذا المعنى الاستعاري كنايةً عن أمر آخر ، وهو الحرمة أو كونه كبيرةً ، خلاف الظاهر لا بدّ فيه من قيام قرينة وهي مفقودة .

ويؤيّد ما ذكرناه أنّ حرمة الخمر كانت معلومةً في عصر صدور الرواية بالكتاب والسنّة لم يحتج إلى بيانها ، والمحتاج إليه بيان مفاسدها ومصالح منعها . فالجملة الاُولى سيقت لبيانها ، والثانية تبع لها في المفاد . فتدلّ على أ نّه شرّ من

الشراب في هذه المفاسد والتبعات ، فلا تكون الرواية بصدد بيان الحرمة حتّى يؤخذ بإطلاقها لحرمة جميع المصاديق ، بل لا يصحّ التمسّك بها لإثبات الحرمة ولو في الجملة ، تأمّل .

ومن بعض ما ذكرناه يظهر حال ما روي عن العسكري علیه السلام ، قال : «جعلت الخبائث كلّها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب»(1) .

الاستدلال بالمرسلة التي ذكرها الشيخ الأعظم

ومنها : المرسلة التي ذكرها الشيخ ، قال : واُرسل عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «ألا اُخبركم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ؛ أي الكذب»(2) .

ص: 106


1- جامع الأخبار : 418 / 1162 ؛ بحار الأنوار 69 : 263 / 46 و48 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 12 .

وعن ابن أبي جمهور ، عنه رحمهما اللّه قال : «ألا اُنبّئكم بأكبر الكبائر ؟» قلنا : بلى يا رسول اللّه . قال : «الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين» وكان متّكئاً فجلس ثمّ قال : «ألا وقول الزور» فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت(1) .

والتفسير في الاُولى يمكن أن يكون من الراوي ، فتكون الرواية دالّة على أعمّ من الكذب ، وإن كان من المرويّ عنه تختصّ به .

ودلالتهما على كون المذكورات كبيرة لا تنكر .

والإشكال بأنّ الضرورة قائمة بأنّ الكذب وكذا عقوق الوالدين ليس أكبر الكبائر ، لا يوجب طرحهما ، بل تصير قرينة على أنّ الكلام مبنيّ على المبالغة ، فيفهم أ نّهما كبيرة حيث يدّعى في مقام المبالغة أ نّهما أكبر الكبائر، كما مرّ نظيره(2).

ولا يبعد إطلاقهما ، وإن أمكنت المناقشة فيه بأن يقال : إنّه بصدد بيان أكبرية المذكورات عن غيرها بعد مفروغية حكمها ، لا بيان كونها محرّمة أو كبيرة ، أو يقال : إنّه بصدد عدّ أكبر الكبائر ، لا حال المعدود ، فلا إطلاق لهما من هذه الجهة .

الاستدلال برواية أنس

ومنها : رواية أنس ، قال : قال رسول اللّه رحمهما اللّه : «المؤمن إذا كذب بغير عذر ، لعنه سبعون ألف ملك ، وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش فيلعنه حملة

ص: 107


1- درر اللآلي 2 : 81 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 11 .
2- تقدّم في الصفحة 103 .

العرش ، وكتب اللّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية ، أهونها كمن يزني مع اُمّه»(1) .

ودلالتها على كونه كبيرةً لا تنكر ، ولو مع قطع النظر عن قوله : «وكتب اللّه . . .» ؛ لأنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان عظمة الذنب وكبره ، سواء كان بصدد الإخبار عن الواقع ، أو بصدد المبالغة .

نعم ، ظاهر ذيلها كونه بصدد الإخبار عن الواقع ، وإن كان عدد السبعين كناية عن الكثرة مبالغةً ، وهو مطروح ؛ لقيام الضرورة على أهونية الكذب من حيث هو عن الزنا ، فضلاً عن الزنا بالاُمّ ، وهو لا يوجب طرح صدرها الدالّ على كونه كبيرةً .

الاستدلال برواية أبي ذرّ

ومنها : رواية أبي ذرّ ، عن النبي رحمهما اللّه في وصيته له ، قال : «يا أبا ذرّ ، من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنّة» . قلت : وإنّا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ فقال : «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ؟ إنّك لا تزال سالماً ما سكتّ ، فإذا تكلّمت كتب لك أو عليك . يا أبا ذرّ ، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة في المجلس ليضحك بها ، فيهوي في جهنّم ما بين السماء والأرض ، يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له . . .»(2) .

ص: 108


1- جامع الأخبار : 417 / 1158 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 15 .
2- الأمالي ، الطوسي : 536 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .

والظاهر أنّ قوله : «يا أبا ذرّ ، ويل للّذي . . .» ، تفريع على قوله : «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار . . .» . واحتمال كونه كلاماً مستأنفاً غير مربوط بالصدر بعيد .

فتدلّ على أنّ الكذب موجب لدخول النار . وقد مرّ سابقاً (1) أنّ الظاهر من صحيحة عبد العظيم الحسني(2) أنّ إيعاد رسول اللّه رحمهما اللّه العذاب على شيء من شواهد كونه كبيرةً بل إيعاده إيعاد اللّه . ولم يظهر من الروايات الدالّة على أنّ الكبيرة ما أوعد اللّه عليه النار(3) أنّ اللازم إيعاده في الكتاب العزيز ونحوه ، فتدلّ الرواية على حرمة سائر أنواع الكذب بالفحوى .

ويمكن المناقشة فيها بأ نّها منصرفة إلى من يصدر منه كراراً ويشتغل به ، بل

لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك ، فيكون مصرّاً به والإصرار بالصغائر كبيرة على ما في الروايات(4) .

الاستدلال بالروايات الدالّة على عدم اجتماع الكذب والإيمان

ومنها : روايات كثيرة تدلّ - على اختلاف التعابير والمضامين - على أنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان :

كمرسلة الصدوق ، قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : «ألا فاصدقوا إنّ اللّه

ص: 109


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 419 .
2- تقدّمت في الصفحة 94 .
3- راجع وسائل الشيعة 15 : 315 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 45 .
4- راجع وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 و36 ، والباب 47 ، الحديث 11 ، والباب 48 ، الحديث 3 .

مع الصادقين ، وجانبوا الكذب فإنّه يجانب الإيمان»(1) .

وعن أبي جعفر علیه السلام : «الكذب خراب الإيمان»(2) .

وصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : «سئل رسول اللّه رحمهما اللّه : يكون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم. قيل : ويكون بخيلاً ؟ قال : نعم . قيل : ويكون كذّاباً ؟ قال : لا»(3) .

وعن النبي رحمهما اللّه قال : «ثلاث خصال من علامات المنافق : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف»(4) .

وعن «دعوات الراوندي»، قال رجل له رحمهما اللّه : المؤمن يزني؟ قال: «قد يكون

ذلك» قال : المؤمن يسرق ؟ قال : «قد يكون ذلك» قال : يا رسول اللّه ، المؤمن يكذب؟ قال : «لا قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ((5)»(6) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أ نّه

ص: 110


1- الفقيه 1 : 132 / 613 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 13 .
2- الكافي 2 : 339 / 4 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 4 .
3- المحاسن : 118 / 126 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 11 .
4- مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة، الباب 120، الحديث 9.
5- النحل (16) : 105 .
6- الدعوات : 118 / 275 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 13 .

ذكر رجلاً كذّاباً ، ثمّ قال : «قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ(»(1) إلى غير ذلك .

ولمّا استشهد بالآية الكريمة في الأخيرتين فالأولى صرف الكلام إلى مفادها مع قطع النظر عن الروايات .

قال تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ وَاُولئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ( .

يمكن تقريبها للمدّعى بأن يقال : إنّها وإن وردت بعد قوله تعالى : )وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قَالوا إِنَّما أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ((2) وبعد قوله : )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَ نَّهُم يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَر((3) لكنّه بصدد بيان كبرى كلّية ، وهي أنّ اختلاق الكذب مقصورة على )الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ( من غير اختصاص بالكذب على اللّه تعالى . ويؤكّد التعميم قوله : )وَاُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ(؛ لظهوره في أنّ الكاذب مقصور على غير المؤمن ، وأنّ غير المؤمنين بآيات اللّه هم الكاذبون منحصراً .

فيظهر منه أنّ الكذب مطلقاً من خواصّ غير المؤمن .

ولمّا كان في مقام تعظيم الكذب وتكبيره ، ولو بدعوى أنّ الكاذبين غير المؤمنين ، يفهم منه أ نّه عظيمة كبيرة ، وإلاّ لما صحّت الدعوى .

ص: 111


1- تفسير العيّاشي 2 : 271 / 71 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 10 .
2- النحل 16 : 101 .
3- النحل (16) : 103 .

وهنا احتمال آخر فيها ، وهو أ نّها بصدد ردّ القائلين وإنشاء ذمّهم ، لا الإخبار

بأمر واقعي حتّى يحتاج في تصحيحها إلى التأوّل والدعوى ، نظير ما نسب إلى زينب الكبرى I في جواب عبيد اللّه - لعنه اللّه - حيث قال : الحمد للّه . . . قالت : «إنّما يفتضح الفاجر ، وهو غيرنا»(1) . فإنّه ظاهر في إنشاء الذمّ ، لا الإخبار عن واقعة . ونظير قولك في ردّ من قال لك : أنت بخيل : «إنّ البخيل من يأكل مال الناس» فإنّ ذلك ردّ قوله بإنشاء ذمّ بالجملة الخبرية ، لا الإخبار بأنّ آكل مال الناس بخيل .

فيكون المقصود من قوله : )إِنَّما يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ( ردّ قولهم بإنشاء ذمّ لهم .

وهنا احتمال ثالث ، وهو أنّ الآية بصدد ردّهم بجملة إخبارية ، وهي أنّ الذين يقولون بأ نّك مفتر ، ويقولون يعلّمه بشر ، هم يفترون الكذب في انتساب الافتراء إليك ، وإنّهم هم الكاذبون .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أقرب إلى الذوق في المقام .

ثمّ إنّه لو سلّم رجحان الاحتمال الأوّل - ولو بضميمة الروايتين المتقدّمتين - يكون في دلالتها على حرمة الكذب مجال مناقشة ؛ لإمكان أن يكون المراد بدعوى قصر الكذب على غير المؤمن ونفي اتّصاف المؤمنين به ، هو أنّ الكذب لمّا كان صفة خبيثة دنيّة يناسب أرذال الناس ، والمؤمن شريف كامل لا يناسب صدوره منه ، فسلب الصفة عنه ليس لكونه معصية كبيرة ، بل لكونه صفة رديّة

ص: 112


1- الملهوف على قتلى الطفوف : 201 .

قبيحة قذرة لا تناسب مقام المؤمن . وعليه لا تدلّ على كونه محرّماً ، نظير قوله : «المؤمن لا يخلف الوعد» و«أ نّه لفي شغل عن اللهو» و«المؤمنون عن اللغو معرضون» . . . إلى غير ذلك .

وما ذكرناه من الاحتمال ، جارٍ في جميع الروايات التي تكون بهذا المضمون ، وقد مرّت جملة منها ، ولعلّ في بعضها شهادة على ما ذكرناه ، فراجع . مع أنّ في كلّ منها نحو مناقشة يظهر بالتأمّل فيها .

الاستدلال بالروايات الدالّة على أنّ قول الزور عدل الشرك

ومنها : جملة من الروايات التي يستفاد منها أنّ شهادة الزور عدل الشرك ، متمسّكاً فيها بقوله تعالى : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) :

كرواية «دعائم الإسلام» ، عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «فمن الزور أن يشهد

الرجل بما لا يعلم ، أو ينكر ما يعلم ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ للّه ِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ( فعدل تبارك اسمه شهادة الزور بالشرك»(2) .

وعن تفسير الشيخ أبي الفتوح ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه أ نّه قال في خطبة على المنبر : «إنّ شهادة الزور تعادل الشرك باللّه تعالى» . ثمّ تلا قوله تعالى :

ص: 113


1- الحجّ (22) : 30 .
2- دعائم الإسلام 2 : 508 / 1816 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 415 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 4 .

)فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) .

وقريب منها عن ابن أبي جمهور عن النبي رحمهما اللّه (2) .

فتدلّ هذه الروايات على أنّ مقارنة قول الزور للشرك في الآية الكريمة ليست بمجرّد كونه من المحرّمات ، بل لكونه عدلاً للشرك في كونه كبيرة خصّه تعالى بالذكر قريناً للشرك من بين سائر المحرّمات ؛ تنبيهاً على عظمه وكبره ، كما يوافقه الاعتبار .

وتؤيّده صحيحة عبد العظيم الحسني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في تعديد الكبائر ، وفيها : «وشرب الخمر ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها ، كما نهى عن عبادة الأوثان»(3) .

فتمسّك لكونه كبيرة بمقارنته في الكتاب العزيز لعبادة الأوثان ، مشيراً إلى

قوله تعالى : )إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ . . .((4) .

فيظهر منها أنّ المقارنة له في الذكر في الكتاب للتنبيه على عظمة الذنب وكبره ، ولهذا استفدنا منها كون القمار كبيرة .

فحينئذٍ نقول : إنّ قول الزور الذي جعل عدلاً للشرك يكون كبيرةً ؛ لعين ما ذكر في الرواية ، وهو أعمّ من شهادة الزور ، فيشمل الكذب مطلقاً ، فتدلّ الآية

ص: 114


1- روض الجنان وروح الجنان 13 : 324 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- درر اللآلي 2: 81؛ مستدرك الوسائل 17: 416، كتاب الشهادات، الباب6، الحديث 10.
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
4- المائدة (5) : 90 .

بإطلاقها بضميمة الروايات على أنّ الكذب مطلقاً من الكبائر .

إلاّ أن يناقش في الاستدلال بها - مضافاً إلى ضعف الروايات عدا الصحيحة التي يأتي الكلام فيها - بأنّ الزور يأتي في اللغة بمعنى الباطل والكذب والشرك باللّه وغيرها (1) . والحمل على مطلق الباطل ، الأعمّ من جميع المذكورات

وغيرها ، وجميع الأقاويل الباطلة ، خلاف الضرورة ، فإنّ مطلق الباطل ليس بحرام ضرورة . والحمل على خصوص الكذب يحتاج إلى شاهد بعد عدم إرادة مطلق الباطل ، ولعلّه أراد خصوص شهادة الزور كما يظهر من الروايات المتقدّمة ، فإنّ الظاهر منها أ نّه تعالى عدل بين خصوصها مع الشرك ، لا مطلق الكذب وتكون الشهادة من مصاديقه .

ويؤيّد عدم إرادة مطلق الكذب في الآية ، عدم استشهاد النبي رحمهما اللّه

والأئمّة علیهم السلام في شيء من الروايات الواردة في الكذب على كثرتها بالآية الكريمة ، إلاّ المرسلة التي ذكرها الشيخ(2) ، ولم أعثر على أصلها مع احتمال كون التفسير من الراوي . ومن البعيد دلالة الآية على حرمة الكذب مطلقاً ، وعدم استشهادهم بها في شيء من الروايات الكثيرة ، واستشهادهم بها لشهادة الزور على ما في الروايات المتقدّمة(3) . وللغناء على ما في روايات كثيرة(4) .

ص: 115


1- القاموس المحيط 2 : 43 ؛ مجمع البحرين 3 : 319 ؛ المنجد : 311 .
2- تقدّمت في الصفحة 106 .
3- تقدّمت في الصفحة 113 - 114 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 ، 8 ، 9 ، 20 و26 .

ولو سلّمت دلالتها على حرمة الكذب ، لكن يمكن أن يكون جعله عدلاً للشرك بملاحظة بعض مصاديقه ، كشهادة الزور - كما دلّت عليه الروايات - والكذب على اللّه تعالى ورسوله رحمهما اللّه ، والبدع ، ونحوها .

وكون الكذب بكثير من مصاديقه ذا مفسدة عظيمة ، يكفي في جعله مقارناً للشرك تعظيماً له ، ولا يلزم أن يكون بجميع مصاديقه كبيرةً . وجعله بإطلاقه قريناً له ، لا يوجب كونه بإطلاقه كبيرةً ، وليس إطلاق للآية من هذه الجهة يؤخذ به ، كما لا يخفى ، فتدبّر .

وأمّا صحيحة عبد العظيم علیه السلام فلا تكون مؤيّدةً للمطلوب ؛ لأنّ الآية النازلة في الخمر والميسر تفارق الآية في قول الزور ، فإنّ في قوله : )إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ((1) جعلت العناوين الأربعة أو الثلاثة موضوعة لقوله : )رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ(وللنهي، فتكون وحدة السياق ووحدة النهي شاهدة على المطلوب ، ولهذا استشهد أبو عبداللّه علیه السلام في الصحيحة لكون الخمر كبيرةً ، بأنّ اللّه تعالى نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، ولعلّ نظره إلى وحدة الأمر وكيفية الأداء في المذكورات .

ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بالاجتناب بمنزلة النهي وفي قوّته .

وأمّا قوله : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((2) يكون فيه الأمر بالاجتناب مكرّراً ، فلم تكن هذه الآية بمثابة الآية المتقدّمة ، ولعلّ في التكرار نحو إشارة إلى اختلافهما .

ص: 116


1- المائدة (5) : 90 .
2- الحجّ (22) : 30 .

الاستدلال بمرسلة الصدوق

ومنها : مرسلة الصدوق في ضمن تعديده لألفاظ رسول اللّه رحمهما اللّه عدّ منها قوله : «أربى الربا الكذب»(1) .

ويصحّ الاستدلال بها للمطلوب ، سواء قلنا بأنّ التفضيل على وجه الحقيقة أو على نحو المبالغة ؛ لعدم صحّة دعوى كون صغيرة أربى الربا الذي هو من أعظم الكبائر .

ويمكن المناقشة فيها بأنّ المذكور في المرسلة ألفاظ كثيرة منسوبة إلى رسول اللّه رحمهما اللّه ، والظاهر عدم صدورها في مجلس واحد ، بل كان في مقامات عديدة ، وقد جمعوها في رواية ، ولم يعلم أنّ تلك اللفظة في أيّ مقام صدرت منه رحمهما اللّه ، ولعلّه كان في مقام لم يكن له إطلاق ، تأمّل .

أو يناقش بأ نّه ليس بصدد بيان حكم الكذب بل بصدد ترجيحه على الربا ، فهي نظير قوله : «أكبر الكبائر الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور»(2) ؛ حيث قلنا بأ نّه بصدد بيان حكم آخر هو أكبرية هذا من ذاك بعد الفراغ عن أصل الحكم ، فلا يجوز التمسّك بإطلاقه(3) .

ص: 117


1- الفقيه 4 : 271 / 828 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 12 .
2- تقدّم في الصفحة 107 .
3- تقدّم في الصفحة 107 .

الاستدلال بروايات ضعيفة سنداً أو دلالة

ومنها : غير ذلك ممّا هو ضعيف سنداً ، أو دلالة ، أو جميعاً :

كما عن النبي رحمهما اللّه : «من أعظم الخطايا ، اللسان الكذوب»(1) .

وعن علي علیه السلام : «وعلّة الكذب أقبح علّة»(2) . وعنه علیه السلام : «ولا سوأة أسوء من الكذب»(3) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «وإيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور ، وإنّهما في النار»(4) .

وعن كتاب «الغيبة» للفضل بن شاذان بسند صحيح عن عبداللّه بن العبّاس ، قال : حججنا مع رسول اللّه رحمهما اللّه . . . ثمّ حكى عنه ما هو من أشراط الساعة إلى

أن قال : «ويكون الكذب عندهم ظرافة ، فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً»(5) .

وفي دلالتها إشكال ؛ لأنّ اللعن لا يدلّ على كبر المعصية .

فتحصّل ممّا ذكر عدم قيام دليل على كون الكذب بنحو الإطلاق من الكبائر .

ص: 118


1- مستدرك الوسائل 9: 85، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120، الحديث 7.
2- مستدرك الوسائل 9 : 87 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 18 .
3- الكافي 8 : 19 / 4 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 21 .
4- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 26 .
5- مستدرك الوسائل 11 : 372 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 49 ، الحديث 11 .

في أنّ الكذب كبيرة في الجملة

نعم ، لا شبهة في كونه كبيرةً في الجملة ؛ لأنّ الأخبار الدالّة عليه مستفيضة ، بل لعلّها متواترة من طرق الفريقين ، والمتيقّن منه الكذب على اللّه وعلى رسوله والأئمّة علیهم السلام ، وشهادة الزور ، والتهمة ، بناء على كونها من مصاديق الكذب .

وأمّا لو قلنا : إنّها أعمّ من وجه منه ، فحاله كالنميمة ممّا دلّت الروايات على كونها كبيرةً(1) ، فإذا انطبقت على الكذب لا يوجب صيرورته كبيرةً ، فإنّ الحكم المتعلّق على عنوان لا يسري إلى عنوان آخر متّحد معه في الوجود . كما أ نّه لو صار موجباً لفساد ، لا يوجب ذلك حرمته لأجله فضلاً عن صيرورته كبيرةً كما مرّت الإشارة إليه(2) .

بل يمكن أن يقال : إنّ الكذب في غير ما دلّ الدليل على كونه كبيرةً - كالموردين المتقدّمين - من الصغائر ؛ لرواية أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : «إنّ العبد ليكذب حتّى يكتب من الكذّابين ، فإذا كذب قال اللّه عزّ وجلّ : كذب وفجر»(3) .

ورواية الحارث الأعور عن علي علیه السلام ، قال : «لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور ،

ص: 119


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 306 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 164 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 149 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 144 .
2- تقدّمت في الصفحة 100 .
3- المحاسن : 117 / 125 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 10 .

والفجور يهدي إلى النار ، وما يزال أحدكم يكذب حتّى يقال : كذب وفجر ، وما يزال أحدكم يكذب حتّى لا تكذب(1) موضع إبرة صدق فيسمّى عند اللّه كذّاباً»(2).

والظاهر من رواية أبي بصير أنّ قوله : «فإذا كذب» ، تفريع على قوله : «حتّى

يكتب من الكذّابين» ، ومعناه أ نّه بعد كتبه منهم إذا كذب قال تعالى : كذب وفجر ، ومعناه - ولو بمناسبة المقام - فَسَقَ ، فإنّه أنسب من سائر معانيه ، فيظهر منه أ نّه

بعد كتبه منهم إذا كذب صار فاجراً فاسقاً ، مع أ نّه لو كان كبيرةً صار المرتكب له بمجرّد ارتكابه فاسقاً .

فتدلّ هي والتي بعدها على أنّ مجرّد تكرار الكذب لا يوجب الفسق ، بل لا بدّ فيه من كونه مدمناً وكذّاباً مطبوعاً على الكذب .

بل ظاهر الاُولى أ نّه بعد ذلك لا بدّ من صدور كذب منه، حتّى يقال: إنّه فاجر.

وتدلّ الروايتان على أنّ الإصرار الموجب للفسق في الكذب ، غير الإصرار في سائر المعاصي ، لو قلنا فيها بكفاية مطلق التكرار أو عدم التوبة . واحتمال أنّ المراد بقول اللّه : «فجر» أ نّه أخزاه وهتك ستره - كاحتمال أن يكون الفجور عند اللّه غير ما في ظاهر الشريعة ، وكاحتمال أ نّه تعالى لا يقول بكلّ فاجر : إنّه

فاجر فاسق - خلاف الظاهر .

ص: 120


1- كذا ، ولعلّه «لا تجد» . [ منه قدس سره ]
2- وسائل الشيعة 2 : 234 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 ، (الطبع الحجري) ، ولكن الموجود في الطبع الجديد من وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 «حتّى لا يبقى» بدل «حتّى لا تكذب» ، وفي الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 «حتّى لا يبقى في قلبه» .

ويؤيّد صغره قوله في الرواية الثانية : «الكذب يهدي إلى الفجور» . فإنّها مشعرة بعدم كونه منها ، بل تدلّ أيضاً على عدم كونه في نفسه موجباً للنار ، ويؤيّده أنّ في كثير من الروايات جعل الكذّاب موضوعاً للحكم .

ويظهر من جملة من الروايات أنّ ما يخالف الإيمان ، أو ما هو من علائم النفاق ، المطبوعية على الكذب :

كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الكذّاب هو الذي يكذب في الشيء ؟ قال : «لا ، ما من أحد إلاّ يكون ذلك منه ، ولكنّ المطبوع على الكذب»(1) .

وهي بمنزلة التفسير لما دلّ على أنّ الكذب يجانب الإيمان ، فإنّ قوله : «ما من أحد . . .» يدلّ على أنّ كلّ أحد وإن كان مؤمناً يبتلى بالكذب ، ولكنّ الكذّاب هو المطبوع عليه . ولعلّ السائل كان ذهنه مسبوقاً بأنّ الكذّاب فاجر فاسق ، أو أ نّه لا يكون مؤمناً ، فسأل ما سأل .

وأمّا احتمال أن يكون نظره إلى قوله تعالى : )سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الكَذّابُ الأَشِر((2) فليس بشيء ، فإنّه مربوط ببعض الاُمم السالفة ، ولا يناسب المقام ، فراجع(3) .

وأبعد منه احتمال أن يكون السؤال والجواب راجعاً إلى تفسير اللغة ، بل هو

ص: 121


1- الكافي 2 : 340 / 12 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 9 .
2- القمر (54) : 26 .
3- راجع مجمع البيان 9 : 289 .

مقطوع الخلاف ولا يناسب قوله : «ما من أحد . . .» .

وكرواية الحسن بن محبوب المرويّة عن «اختصاص» الشيخ المفيد ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : يكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : «نعم» . قلت : فيكون جباناً ؟ قال : «نعم» . قلت : فيكون كذّاباً ؟ قال : «لا» . ثمّ قال : «جبّل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة والكذب»(1) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «إنّ المؤمن ينطبع على كلّ شيء إلاّ على الكذب والخيانة»(2) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام : قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً ، وإن صام وصلّى وزعم أ نّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف . . .»(3) .

وقريب منها روايات اُخر(4) .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ الكذب في نفسه في غير بعض أنواعه الذي دلّ

ص: 122


1- الاختصاص : 231 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 84 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 5 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 23 .
3- الكافي 2 : 290 / 8 ؛ وسائل الشيعة 15 : 339 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 149 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 11 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 13 و28 .

الدليل على كونه كبيرةً ، صغيرةٌ .

نعم ، لا دلالة في رواية أبي خديجة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الكذب على اللّه وعلى رسوله من الكبائر»(1) على عدم غيره منها ؛ لأنّ نكتة اختصاصهما بالذكر ، بعد أهمّية الموضوع ، لعلّها كثرة القالة على رسول اللّه رحمهما اللّه . وتوهّم أ نّه في مقام التحديد ، كما ترى .

دفع كون تحريم الكذب باعتبار اللواحق

حكم العقل بقبح الكذب ذاتاً

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر لا بدّ من التعرّض له تتميماً للمرام ، وهو احتمال أن يكون الكذب من العناوين اللا اقتضائية ، حتّى من حيث الحرمة بحسب حكم الشارع ، فيكون تحريمه باعتبار اللواحق . ولا بأس بالإشارة إلى حكم العقل في المقام ، ثمّ إلى حكم الشارع الأقدس :

فنقول : يحتمل بحسب التصوّر : أن يكون الكذب قبيحاً ذاتاً ، ويكون علّة تامّة له لا ينفكّ عنه ، فيكون في موارد مزاحمته مع ما هو أقبح منه باقياً على قبحه ، وإن جاز أو لزم ارتكابه ؛ لاختيار العقل أقلّ القبيحين .

وأن يكون مقتضياً له ، بمعنى أنّ فيه اقتضاءه ويؤثّر ذلك في القبح إلاّ أنّ منعه مانع عن فعليته ، كاقتضاء النار للإحراق ، فلا ينافي ذلك الاقتضاء عدم التأثير

ص: 123


1- الكافي 2 : 339 / 5 ؛ وسائل الشيعة 12 : 248 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 139 ، الحديث 3 .

فعلاً . فعليه لا يكون الكذب المنجي للمؤمن من الهلكة قبيحاً فعلاً ، ومعنى كونه مقتضياً أ نّه لولا ذلك المانع لصار فعلياً ، فحينئذٍ يكون الكذب مزاحاً وفي موارد لا يترتّب عليه صلاح ولا فساد ، قبيحاً ؛ لاقتضائه الذاتي وفقدان ما يمنعه عن الفعلية . وليعلم أنّ الاقتضاء والتأثير والعلّية ، كلّها هاهنا ليست على حذو علل التكوين .

وأن يكون لا اقتضاء ذاتاً ، ويكون قبحه وحسنه بالوجوه والاعتبار ، وعروض جهات مقبّحة أو محسّنة ، ولا يكون قبيحاً ولا حسناً مع عدم عروض شيء منهما . وهذا هو المراد من كون القبح بالوجوه والاعتبار ، وإن يظهر من الشيخ الأنصاري(1) في المقام الثاني ما يشعر بخلاف ذلك .

والظاهر أنّ هذا الاحتمال أضعف الاحتمالات ، فإنّ العقل يدرك قبحه وحزازته في نفسه ، فيرى الكذب الذي لا يترتّب عليه مفسدة ومصلحة قبيحاً ، له حزازة بلا شبهة .

وإنّما الكلام في الاحتمالين الآخرين ، ولا يبعد ترجيح الأوّل ، بدليل أ نّه في المورد الذي يتوقّف إنجاء النبي رحمهما اللّه أو المؤمن على الكذب ، يرى العقل أ نّه لو كان إنجاؤه متوقّفاً على الصدق كان أحسن ، فلا يسوّي بين الكذب والصدق التقديري في هذا المورد . وهذا شاهد على أنّ العقل يدرك قبحه فعلاً لا اقتضاءً بالمعنى المتقدّم .

وإن شئت قلت : إنّ الكذب مع تجرّده عن كافّة المتعلّقات ، والنظر إلى ذاته

ص: 124


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 21 .

بذاته له قبح ما عقلاً لا ينفكّ عنه ، والجهات الخارجية لا تأثير لها في رفعه ، ولهذا يتمنّى العاقل أن يكون الصدق مكان الكذب منجياً للنبي رحمهما اللّه وليس

ذلك إلاّ لعدم رفع حزازته وقبحه وإن لزم ارتكابه ، وله نظائر تظهر بالتأمّل .

مناط حكم الشرع في الكذب غير مناط حكم العقل

ثمّ لو كان حكم الشارع بحرمته بملاك حكم العقل ، فلا محالة يتبعه فيه . فكما أنّ قبحه بناءً على أقوى الوجوه باقٍ ولو مع عروض المصالح ، تكون حرمته أيضاً باقية مع ذلك ، بناءً على ما قوّيناه في باب تزاحم المقتضيات ، وباب الأهمّ والمهمّ ، من أنّ الحكم باقٍ بفعليته في المزاحمين وفي الأهمّ والمهمّ جميعاً ، وإن كان المكلّف معذوراً في ترك المهمّ مع الاشتغال بالأهمّ ، وفي أحد المتزاحمين ، مع الإتيان بالمزاحم الآخر(1) .

فيكون الكذب على ذلك محرّماً فعلاً وإن كان معذوراً في ارتكابه .

وأمّا حديث وجوبه مقدّمة لإنجاء النبي رحمهما اللّه وهو لا يجتمع مع الحرمة قد فرغنا عن تهجينه ، ولو قلنا بوجوب المقدّمة ، فلا تنافي بينه وبين حرمة الكذب ؛ لما قلنا من أ نّه على فرض وجوبها ، يكون متعلّقه هو عنوان الموصل بما هو . والتفصيل يطلب من مظانّه(2) .

ولكنّ الشأن في كون الحكم الشرعي بمناط حكم العقل ، إذ لا دليل عليه ، وليس حكم العقل بقبحه في ذاته بمثابة تكشف منه الحرمة الشرعية .

ص: 125


1- مناهج الوصول 2 : 16 .
2- مناهج الوصول 1 : 333 .

بل يمكن الاستئناس لعدم وحدة المناطين ، بما دلّت - في باب جواز الكذب في الإصلاح - على حبّ اللّه تعالى الكذب في الإصلاح(1) ، فإنّه لو كانت حرمته بمناط حكم العقل لما صار محبوباً في شيء من الموارد ؛ لأنّ الكذب الإصلاحي على ذلك مبغوض بذاته وإن كان العبد معذوراً فيه ، فالحكم بالمحبوبية دليل على أنّ حكم الشارع بالتحريم والتجويز ليس بملاك حكم العقل ، والحمل على المحبوبية بالعرض خروج عن ظاهر الدليل بلا دليل .

ودعوى أنّ القبيح عقلاً لا يمكن أن يصير محبوباً شرعاً ، يمكن دفعها بأ نّه وجيه لو كان المناط منحصراً بما أدركه العقل ، أو كان المناط بحيث يكشف حكم الشرع منه ، ولعلّ فيه مناطات اُخر مجهولة علينا .

مقتضى الروايات حرمة الكذب مطلقاً

ثمّ بعد فرض عدم الدليل على وحدة المناط في حكم العقل والشرع ، لا بدّ من أخذ إطلاق أدلّة حرمة الكذب لو كان ، وكذا الأخذ بالمخصّص والمقيّد والحكم بعدم الحرمة في موردهما .

وهل يمكن أن يقال : إنّ حرمة الكذب في الشرع بالوجوه والاعتبار بالمعنى المتقدّم ، وإن كان قبحه بذاته عقلاً ؟ وليستأنس له بروايات :

كمرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «كان علي بن

ص: 126


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 و4 .

الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير ، في كلّ جدّ وهزل ، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير . . .»(1) .

بدعوى أنّ الظاهر من التعليل أنّ الأمر بالاتّقاء عن الصغير ليس لذاته ، بل لأجل عدم الابتلاء بالكبير ، فلو كان الكذب الصغير محرّماً ، لما يناسب هذا التعليل .

وهو نظير قوله في روايات التثليث : «ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم»(2) .

فالأمر بالاتّقاء عن الصغير إرشادي لغرض عدم الوقوع في المحرّم ، وهو الكذب الكبير .

ومعلوم أنّ كبر الكذب وصغره باعتبار ترتّب الفساد على المخبر به ومراتب الفساد ، وإلاّ فنفس الكذب من حيث ذاته لا يتّصف بهما .

ومن ذلك يمكن الاستئناس للمطلوب بأنّ الكذب في حدّ ذاته لا يكون شيئاً ، وإنّما حرمته وحلّيته وكبره وصغره باعتبار الوجوه المنطبقة عليه .

ورواية حمّاد و[ أنس بن] محمّد ، عن الصادق عن آبائه علیهم السلام في وصيّة

النبي رحمهما اللّه لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس» . وفيها أيضاً : «يا علي ، إنّ اللّه

ص: 127


1- الكافي 2 : 338 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 1 .
2- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 .

أحبّ الكذب في الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد»(1) . وقريب منها روايات(2) .

ورواية الصدوق عن الصادق علیه السلام : «اليمين على وجهين» إلى أن قال : «فأمّا اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولم تلزمه الكفّارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره»(3) .

وفي موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام في باب الحلف كاذباً للعشّار ، قال : «فاحلف لهم ، فهو أحلّ من التمر والزبد»(4) . وفي نسخة «أحلى» مكان «أحلّ» وكأ نّها أصحّ .

بدعوى أ نّه لو لم تكن حرمته بالوجوه والاعتبار ، لما صار أحبّ إلى اللّه ولا حسناً ولا أحلى - أو أحلّ - من التمر ولا مأجوراً عليه لأجل طروء عنوان ذي مصلحة عليه ، بل كان من قبيل تزاحم المقتضيات في مقام العمل ، وللكاذب عذر في اختيار أقلّ المحذورين والمبغوضين .

ويمكن أن يناقش فيه : بأنّ غاية ما يمكن أن يستشهد بتلك الروايات ،

ص: 128


1- الفقيه 4 : 259 / 824 و : 255 / 821 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 و4 .
3- الفقيه 3 : 231 / 1094 ؛ وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 .
4- الفقيه 3 : 230 / 1083 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 6 .

ما عدا الاُولى أنّ الكذب ليس علّة تامّة للحرمة ، وليست الحرمة لازم ذاته ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّه محبوب وحسن في الإصلاح . ومقتضى تزاحم المقتضيات - كما مرّ(1) - بقاء الموضوع على حرمته ومبغوضيته ، لا صيرورته محبوباً حسناً . والحمل على المحبوبية العرضية مع كونه مبغوضاً بالفعل ذاتاً ، بعيد جدّاً .

وأمّا الدلالة على أنّ حرمته بالوجوه والاعتبار فلا ؛ لإمكان أن يكون مقتضياً للحرمة ، ويكون العنوان الطارئ من قبيل المانع عن تأثيره ، فيمكن أن يكون ما فيه اقتضاء الحرمة والمبغوضية غير محرّم ولا مبغوض لأجل عروض المانع ، بل يمكن أن يصير محبوباً فعلاً ؛ لعدم التنافي بين المبغوضية الاقتضائية والمحبوبية الفعلية ، سيّما إذا كانت المحبوبية بالعرض ، كما في المقام ، فإنّ محبوبيته لأجل كونه في الصلاح ، فالصلاح محبوب بالذات ، وهو محبوب ثانياً وبالعرض .

وإذا دار الأمر بين الاحتمالين لا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلّة حرمة الكذب، لو فرض إطلاق فيها ، بل يمكن كشف حال الموضوع من إطلاقها والحكم بكونه مقتضياً للحرمة لولا عروض ما يمنعه عن تأثير مقتضاه بدليل دالّ عليه .

وأمّا الرواية الاُولى فلا دلالة لها على المطلوب ، بل ولا إشعار فيها به ؛ لأنّ الاجتراء على المعصية الكبيرة بارتكاب الصغيرة طبيعي للنفس ، فأشار في الرواية إليه ، والتعليل صحيح موجّه بعد كون المحرّمات ذات مراتب . نعم ، لو لا كونها كذلك لكان لما ذكر وجه .

ثمّ إنّ الظاهر وجود الإطلاق والعموم في أخبار كثيرة ربما توجب كثرتها

ص: 129


1- تقدّم في الصفحة 125 .

الاطمئنان والوثوق بصدور بعضها إجمالاً ، فلا ينظر إلى ضعف أسانيدها :

كرواية وصيّة النبي رحمهما اللّه لأبيذرّ رضى الله عنه ، وفيها : «ولا يخرجنّ من فيك كذبة أبداً» . قلت : يا رسول اللّه ، فما توبة الرجل الذي يكذب متعمّداً ؟ قال : «الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك»(1) .

وقبل هذه الفقرة فقرة يمكن دعوى الإطلاق فيها أيضاً، وإن لا يخلو من إشكال.

ورواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة . . .»(2) .

ونحوها رواية الطبرسي(3) عنه علیه السلام ، ولعلّهما واحدة .

وعن جعفر بن أحمد القمّي ، عن أحمد بن الحسين ، بإسناده ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث : والكذب كلّه إثم ، إلاّ ما نفعت به مؤمناً . . .»(4) وعن الطبرسي نحوه(5) .

ص: 130


1- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .
2- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
3- مشكاة الأنوار : 309 / 966 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 4 .
4- الأعمال المانعة من الجنّة : 59 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 95 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 7 .
5- مشكاة الأنوار : 309 / 967 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 3 .

وعن «جامع الأخبار» عن الصادق علیه السلام : «الكذب مذموم»(1) . وفي دلالتها إشكال .

وفي رواية أبي إسحاق الخراساني ، قال : «كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إيّاكم والكذب . . .»(2) .

وفي رواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه أحبّ - إلى أن قال - وأبغضَ الكذب في غير الإصلاح»(3) .

وفي رواية أنس ، المتقدّمة عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك . . .»(4) .

وعن «فقه الرضا» : «وإيّاكم والكذب ، فإنّه لا يصلح إلاّ لأهله»(5) .

وعن علي علیه السلام : «الكذب أقبح علّة»(6) . وعنه علیه السلام : «لا سوأة أسوء من الكذب»(7) .

ص: 131


1- جامع الأخبار : 418 / 1159 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 96 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 8 .
2- الكافي 2 : 343 / 21 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 8 .
3- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 107 .
5- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 339 ؛ مستدرك الوسائل 9 :87 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 17 .
6- تقدّم في الصفحة 118 .
7- تقدّم في الصفحة 118 .

وعنه علیه السلام : «أوصاني رسول اللّه رحمهما اللّه حين زوّجني فاطمة فقال : إيّاك والكذب ، فإنّه يسوّد الوجه»(1) .

وعن النبي رحمهما اللّه : قال : «واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة ، فإنّ فيه الهلكة»(2) .

وعنه رحمهما اللّه : «إيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور وإنّهما في النار»(3) .

وقد مرّ في الصحيح عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً»(4) . . . إلى غير ذلك . فلا ينبغي الإشكال في حرمته مطلقاً إلاّ ما استثني .

ص: 132


1- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 22 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 25 .
3- تقدّم في الصفحة 118 .
4- تقدّم في الصفحة 118 .

الأمر الثاني في مسوّغات الكذب

الأمر الثاني : في مسوّغات الكذب ، الأعمّ من الشرعية والعقلية ، وبالعنوان الأوّلي أو الثانوي .

في أنّ الضرورة من مسوّغات الكذب

قال الشيخ الأنصاري : يسوَّغ الكذب لوجهين : أحدهما : الضرورة إليه .

ثمّ جعل الإكراه والاضطرار ، وكذا الدوران بين المحذورين منه .

ثمّ بعد كلام جعل الأخبار الواردة في باب اليمين لنجاة مال نفسه أو غيره مربوطة بالمقام(1) .

مع أ نّه على فرض كونها مربوطة به يكون مقتضى إطلاقها جواز الكذب لمال نفسه ولو غير معتدّ به ، وصريح بعضها جوازه لمال غيره(2) .

وهذا العنوان غير التسويغ للضرورة ؛ إذ لا ينطبق عليه أحد العناوين المتقدّمة :

أمّا الإكراه والدوران بين المحذورين فظاهر ؛ إذ لا يجب على الإنسان حفظ مال نفسه فضلاً عن مال غيره إذا لم يكن تحت يده .

ص: 133


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 21 - 25 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 1 و9 و17 .

وأمّا الاضطرار فلا يصدق إلاّ مع كون المال بمقدار يكون دفعه موجباً للحرج .

ولو قلنا : إنّ مطلق دفع المال إلى الظالم حرجي ، لا يصحّ ذلك بالنسبة إلى مال الغير إذا لم يكن تحت يده ، ومقتضى إطلاق بعض الروايات جواز الحلف كاذباً في خلاص مال مسلم وإن لم يكن أمانة عنده وتحت يده .

فلو كانت تلك الروايات من أدلّة الباب ، لا بدّ من جعل المسوّغ زائداً على اثنين ، أو تعميم المسوّغ الثاني بما يشمل مورد الأخبار . والأمر سهل .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ المكلّف تارةً : يكون مكرهاً على الكذب ، فأكرهه المكره به بعنوانه .

واُخرى : يكون مضطرّاً إليه ، إذا كان في تركه ضرر عليه نفساً ، أو عرضاً ، أو مالاً بمقدار معتدّ به ، أو مطلقاً في بعض الأحيان .

وثالثة : يكون كذبه لترجيح أخفّ المحرّمين على الآخر ، كما لو كلّفه على شرب الخمر من لا يأمن سوطه وسلطانه ، فرجّح الكذب للتخلّص ، وهذا غير عنوان الاضطرار المرفوع بأدلّته، كما لا يخفى .

وسيأتي الكلام في تلك العناوين إن شاء اللّه .

فهل يمكن استفادة مورد رابع من الروايات الواردة في باب الحلف أو لا ؟ لا بدّ من نقل بعضها ليتّضح الحال :

فمنها : صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا علیه السلام في حديث ، قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف ؟ قال : «لا جناح عليه» . وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه ؟

ص: 134

قال : «لا جناح عليه» . وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال : «نعم»(1) .

ومنها : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : نمرّ بالمال على العشّار ، فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلّون سبيلنا ، ولا يرضون منّا إلاّ بذلك ؟ قال : «فاحلف لهم ، فهو أحلّ (أحلى خ . ل) من التمر والزبد»(2) .

ومنها : صحيحة الحلبي ، أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز (يحوز - خ . ل) بذلك ماله ؟ قال : «نعم»(3) .

ومنها : موثّقة اُخرى لزرارة ، قال : قلت له : إنّا نمرّ على هؤلاء القوم ، فيستحلفونا على أموالنا وقد أدّينا زكاتها ؟ فقال : «يا زرارة ، إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا» . قلت : جعلت فداك بالطلاق والعتاق ؟ قال : «بما شاؤوا»(4) .

إلى غير ذلك ممّا هي نحوها أو قريب منها .

وجه الاستفادة : دعوى إطلاقها للحلف الصادق والكاذب لإنجاء ماله أو مال غيره كائناً ما كان . فهو عنوان غير العناوين السالفة ، وغير الكذب في الإصلاح .

ويمكن المناقشة فيها : بأ نّها بصدد بيان حكم آخر ، وهو جواز الحلف .

ص: 135


1- الكافي 7 : 440 / 4 ؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 3 : 230 / 1083 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 6 .
3- الفقيه 3 : 231 / 1090 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 8 .
4- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 73 / 153 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 14 .

توضيحه : أنّ الحلف عبارة عن جملة إنشائية تأتي بها لتأكيد الجملة الإخبارية ، أو الإنشائية في بعض الأحيان ، وهي غير الجملة الإخبارية المؤكّدة بها ، ولا تتّصف بالصدق والكذب ، وإطلاقهما أحياناً عليها إنّما هو بنحو من التأويل والتسامح ، فيقال : اليمين الكاذبة أو الصادقة باعتبار متعلّقهما .

ولمّا ورد في الكتاب العزيز النهي عن جعل اللّه تعالى عرضة للأيمان فقال تعالى : )وَلاَ تَجْعَلُوا اللّه َ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ((1) ، وورد في الروايات النهي عنها كاذباً أو صادقاً (2) يمكن أن يكون ذاك وذلك منشأً للشبهة في أنّ اليمين غير جائزة حتّى لإنجاء المال والتخلّص من العشّار وغيره ، فسألوا عن حكم اليمين من حيث هي .

فلا إطلاق فيها يشمل اليمين المقارنة للجملة الكاذبة ؛ لأنّ جواز نفس اليمين غير مربوط ولا ملازم لجواز الكذب .

بل لا معنى للإطلاق بالنسبة إلى المقارن والمتعلّق ، فإنّ معنى الإطلاق هو كون نفس طبيعة موضوع حكم من غير دخالة شيء آخر فيه ، فتكون الطبيعة في أيّ مورد وجدت محكومة به ، واليمين من حيث هي إنشاء لا كذب فيها ، وإسراء حكم الكذب عليه من متعلّقه لا معنى له ، فتكون الروايات أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

وتؤيّد ما ذكرناه موثّقة زرارة الثانية ، فإنّ ظاهرها أ نّه مع أداء الزكاة كانوا يطلبون منه زكاة ماله ، فكان محطّ سؤاله اليمين الصادقة ، بأن حلف على أ نّه

ص: 136


1- البقرة (2) : 224 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 197 ، كتاب الأيمان ، الباب 1 ، الحديث 2 و5 و7 و9 .

ليس في المال زكاة أو حقّ للفقراء . والحمل على اليمين بجملة اُخرى كاذبة خلاف الظاهر ، فتشهد بأنّ مورد السؤال نفس الحلف .

ومنها يستكشف مورد سائر الأخبار .

وأمّا مرسلة الصدوق الآتية(1) فظاهرة بقرينة قوله علیه السلام : «إذا حلف كاذباً لم تلزمه الكفّارة» في إنشاء عهدة عليه ، أو الالتزام بعمل ، كأن يقول : لو كان هذا مال زيد ، عليّ كذا أو اُنفق كذا .

لكن يمكن دفع المناقشة ، بأن يقال : مقتضى القرائن الموجودة في نفس الأخبار أنّ محطّ السؤال والجواب فيها هو الحلف كاذباً : أمّا صحيحة إسماعيل ابن سعد ، فإنّ السؤال عن حلف السلطان بالطلاق ، منشؤه احتمال وقوعه مع عدم موافقة مقدّمه للواقع ، فإنّه مع صدقه لا يحتمل وقوعه . فقوله : «إن كان هذا مال زيد فامرأتي طالق» وإن كان إنشاءً ، لكن وقوع الطلاق عند العامّة إنّما هو فيما إذا كان مال زيد ، وكان القائل في مقام إنكاره .

فعليه كان محطّ الحلف بالطلاق والعتاق في مورد كان المسؤول بالحلف يحلف في مقام إنكار ما كان واقعاً أو إثبات ما لم يكن كذلك ، فيكون قوله : «وعن رجل يخاف على ماله من السلطان . . .» مورد الحلف كذباً أيضاً .

ومنه يظهر حال ما ورد فيها السؤال عن الحلف بالطلاق والعتاق :

كصحيحة معاذ بيّاع الأكسية - بناءً على وثاقته بشهادة المفيد(2) - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا نستحلف بالطلاق والعتاق ، فما ترى ، أحلف لهم ؟ فقال :

ص: 137


1- تأتي في الصفحة 140 .
2- الإرشاد ، الجزء الثاني ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11 : 216 .

«احلف لهم بما أرادوا إذا خفت»(1) .

وصحيحة إسماعيل الجعفي - بناءً على وثاقته بشهادة العلاّمة(2) والمجلسي وغيرهما (3) - قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : أمرّ بالعشّار ومعي المال ، فيستحلفوني ، فإن حلفت تركوني ، وإن لم أحلف فتّشوني وظلموني ؟ فقال : «احلف لهم» . قلت : إن حلّفوني بالطلاق ؟ قال : «فاحلف لهم» . قلت : فإنّ المال لا يكون لي ؟ قال : «تتّقي مال أخيك»(4) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : قلت : إنّي رجل تاجر أمرّ بالعشّار ومعي مال ؟ فقال : «غيّبه ما استطعت ، وضعه مواضعه» ، قلت : فإن حلّفني بالعتاق والطلاق ؟ فقال : «احلف له» . ثمّ أخذ تمرة فحفّ بها من زبد كان قدّامه فقال : «ما اُبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو أكلتها»(5) .

وهي كما ترى ظاهرة جدّاً في جواز الكذب والحلف كذباً . ونحوها موثّقة زرارة المتقدّمة وما هي بهذا المضمون ، فإنّ موردها بقرينة السؤال عن الحلف بالطلاق والعتاق هو الحلف كاذباً . لا أقول : في مورد الحلف بهما حتّى يقال : إنّه

ص: 138


1- المحاسن : 339 / 125 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 13 .
2- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 54 / 2 .
3- اُنظر تنقيح المقال 1 : 130 / السطر 29 ؛ مرآة العقول 21 : 216 .
4- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 74 / 156 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 17 .
5- الكافي 6 : 127 / 2 ؛ وسائل الشيعة 22 : 86 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 37 ، الحديث 1 .

إنشاء ، بل أقول : إنّ مورد الحلف بهما هو الكذب لولا الإنشاء ، فيستكشف منه أنّ مورد الأسئلة في غيره هو الحلف كذباً ، فقوله : فيستحلفوني ؛ أي يستحلفوني كذباً ، بالقرينة المذكورة .

وتشهد لما ذكرناه أيضاً ما اُشير فيها إلى التقيّة والضرورة والاضطرار :

كصحيحة أبي الصباح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قال : «ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة»(1) .

ورواية سماعة عنه علیه السلام قال : «إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره واضطرّ إليه» وقال : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه»(2) .

لأنّ الظاهر منها أنّ التقيّ-ة والاضطرار والإكراه صارت منشأً للجواز ، ولولا تلك العناوين المجوّزة لم يكن جائزاً ، بل رواية سماعة كالصريح بذلك .

ولا شبهة في جواز الحلف صادقاً مطلقاً ، كما فعل الأئمّة علیهم السلام كثيراً ، وقد حلف أبو عبداللّه علیه السلام في صحيح أبي الصباح المتقدّم ، وحلف أبو الصباح

بمحضره . والحمل على عدم الكراهة كما ترى ، بل هو مقطوع الخلاف .

وتشهد له أيضاً مرسلة يونس ، عن بعض أصحابه عن أحدهما ، في رجل حلف تقيّة ؟ فقال : «إن خفت على مالك ودمك فاحلف تردّه بيمينك ، فإن لم تر أنّ ذلك يردّ شيئاً ، فلا تحلف لهم»(3) .

ص: 139


1- الكافي 7: 442/15؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12، الحديث 2.
2- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 75 / 161 ؛ وسائل الشيعة 23 : 228 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 18 .
3- الكافي 7: 463/17 ؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 3.

فإنّ الظاهر أنّ النهي عن الحلف للحرمة ، فيكشف منه أنّ مورده الحلف كاذباً .

وأمّا مرسلة الصدوق فالظاهر منها جدّاً أنّ موردها الحلف كاذباً لا الإنشاء :

قال في «الفقيه» : وقال الصادق علیه السلام : «اليمين على وجهين : أحدهما . . .» إلى أن قال : «والاُخرى على ثلاثة أوجه : فمنها : ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً ، ومنها : ما لا كفّارة عليه ولا أجر له ، ومنها : ما لا كفّارة عليه فيها

والعقوبة فيها دخول النار ، فأمّا التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولا تلزمه الكفّارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره» إلى أن قال : «وأمّا التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم ، أو على حقّه ظلماً ، فهذه يمين غموس توجب النار ولا كفّارة عليه في الدنيا»(1) .

فإنّ الظاهر من الحلف كذباً هو الحلف على إخبار مخالف للواقع ، وليس نفي الكفّارة قرينة على كون الحلف لإنشاء الالتزام ، فإنّ نفيها كما يكون في إنشاء الالتزام لدفع الظلم كذلك يكون في الإخبار كاذباً ، كما صرّح فيها بنفي الكفّارة في اليمين الغموس ، ولا إشكال في أ نّها حلف في مقام الدعوى لإنكار حقّ الغير ، فكما قال فيها لا كفّارة عليه قال فيما تقدّم .

فلا شبهة في أنّ الظاهر من الروايات أنّ مصبّها الحلف كذباً ، وليس في مورد منها السؤال عن الأعمّ أو خصوص الصدق .

ص: 140


1- الفقيه 3 : 231 / 1094 ؛ وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 .

فعلى هذا يكون هذا عنواناً آخر غير عنوان الاضطرار والإكراه والدوران بين المحذورين ، وغير الكذب في الإصلاح لو خصّصناه به ولم نتعدّ إلى مطلق المصلحة ولو لنفسه ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه .

ولا يتوهّم أنّ مطلق إعطاء المال الظالم ظلماً ، حرج على المظلوم ، فيكون الجواز للاضطرار .

وذلك لممنوعيته بنحو الإطلاق ، فإنّ أخذ العشّار والوالي بعد تعارف أخذهما من الناس ليس بحرجي . مضافاً إلى أنّ مقتضى بعض الروايات جواز الكذب والحلف عليه لإنجاء مال غيره ، ولو لم يكن تحت يده ، كإطلاق ذيل صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة(1) ، ومرسلة الصدوق . ومن المعلوم أنّ الحلف على مال الغير الذي لا يكون أمانة عنده وتحت يده ليس لاضطرار وضرورة .

ثمّ إنّه بما ذكرناه من أنّ محطّ الروايات الحلف كاذباً ، تكون أخصّ مطلقاً من مطلقات حرمة الكذب ، فتوهّم التعارض بالعموم من وجه لعلّه ناشٍ من توهّم أعمّية موردها من الكذب ، وقد عرفت ما فيه .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأنصاري : من معارضتها لمفهوم رواية سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه» وقال : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه»(2) . فإنّ مفهومها عدم الجواز في غير حال الضرورة والإكراه ، والكذب مع إمكان التورية ليس

ص: 141


1- تقدّمت في الصفحة 134 .
2- تقدّم في الصفحة 139 .

مضطرّاً إليه ، فلا يجوز بمقتضى إطلاقه ، ويجوز لحفظ المال بمقتضى إطلاق الروايات ، فبعد التعارض يرجع إلى إطلاقات حرمة الكذب(1) .

ففيه : - مضافاً إلى عدم المفهوم للشرطية كما حقّق في محلّه(2) - أ نّه يمكن أن يقال : إنّ المورد ليس من مفهوم الشرط ، فإنّ قوله : «إذا حلف الرجل تقيّة» ظاهر في أنّ حلفه كان للخوف والتقيّة . والحمل على الأعمّ من التقيّة الخوفية والتقيّة المداراتية والتحبيبية خلاف الظاهر . وعليه لا يكون قوله : «إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه» إلاّ لبيان حال القيد ، ولا يكون شرطية مستقلّة ، وفي مثلها لا مفهوم لها ، إذ يكون ذكرها تبعاً للقيد وبياناً لحاله . فلو كان مفهوم فلا بدّ

أن يكون للقيد وهو لا مفهوم له .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ المفهوم للشرطية على القول به ليس لدلالة وضعية لفظية لأداة الشرط ؛ بمعنى عدم وضع أداته للعلّة المنحصرة وهو واضح ، بل بجهات اُخرى عمدتها الإطلاق .

وإنّما يمكن دعوى المفهوم فيما إذا كان المتكلّم بصدد بيان حال ما عدا مورد

التعليق ، كقوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(3) ، حيث يكون المتكلّم به بصدد بيان حدّ عدم الانفعال لإفادة انفعال الماء القليل . ولو نوقش في المثال فلا مشاحّة فيه .

ص: 142


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 24 - 26 .
2- مناهج الوصول 2 : 157 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و2 و5 و6 .

وفي رواية سماعة ليس المتكلّم بصدد بيان حال حرمة الكذب وحدودها ، بل بصدد بيان أنّ الاضطرار يرفع حكمه بعد مفروضيته .

وإن شئت قلت : سيقت الشرطية لبيان رفع الاضطرار حكم الكذب ، وفي مثله لا مفهوم لها ، ولهذا قال في ذيلها : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه . . .» إن كان هذا من تتمّة الحديث . فالمفهوم للشرطية محلّ إشكال من وجوه عمدتها عدم المفهوم لها رأساً .

ثمّ لو سلّمنا المفهوم لها في نفسها لكن في المقام تكون تلك الروايات المتقدّمة قرينة على عدم المفهوم ، فلا تقع المعارضة بينه وبين تلك الروايات ؛ ضرورة أنّ كثرتها في هذا المقام والمقامات الاُخر نظيره ، من غير تعرّض أو إشارة إلى التورية ، دليل على عدم اعتبار العجز عنها ، سيّما أنّ بعضها شاهدة على جواز الحلف كاذباً مع إمكان التورية :

كرواية معمّر بن يحيى ، الصحيحة على الظاهر ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ معي بضائع للناس ، ونحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار فيحلفونا عليها فنحلف لهم ؟ فقال : «وددت أ نّي أقدر على أن اُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها ، كلّ ما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة»(1) .

إذ من المعلوم أنّ المراد بالحلف المسؤول عنه هو الحلف كذباً كما تقدّم(2) . كما أنّ الظاهر أنّ مورد ودّ أبي جعفر علیه السلام الحلف لإنجاء أموال المسلمين مورد

ص: 143


1- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 73 / 154 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 16 .
2- تقدّم في الصفحة 137 .

السؤال المذكور ، لا سنخ مخالف له ، مع أنّ أبا جعفر علیه السلام لا يعقل إلجاؤه واضطراره إلى الكذب ، لقدرته على أنحاء التورية .

بل الظاهر منها ومن غيرها كمرسلة الصدوق(1) ، وموثّقة زرارة(2) المتقدّمة أنّ الكذب محبوب وحسن ومأجور عليه . فلو كان في مورد إمكان التورية محرّماً ولو مع غفلة الحالف ، لا يصير محبوباً وأحلى من التمر ، بل يكون محرّماً مبغوضاً وإن كان المكلّف معذوراً ، كسائر المبغوضات المأتيّ بها غفلة .

وما ذكره الشيخ الأنصاري لرفع الاستبعاد عن تقييد الأخبار بأنّ موردها مورد الغفلة عن التورية(3) - مضافاً إلى عدم تماميته في بعض الأخبار كما أشرنا

إليه ، ولا يناسبه التعبير بالمأجورية وكونه أحلى أو أحلّ من التمر والزبد - غير وجيه ؛ لإمكان أن يقال : إنّ كون التورية مغفولاً عنها يؤكّد الاستبعاد المذكور ، فإنّ الكذب لو كان محرّماً مع إمكان التورية ، وكان القيد ممّا يغفله العامّة ، كان

على المعصوم علیه السلام بيانه ، ولا يمكن الأمر بالحلف كاذباً في تلك الروايات الكثيرة ، من غير إشارة إلى أنّ جوازه موقوف على عدم إمكانها ، فتدبّر .

ثمّ إنّ هذه الروايات معارضة بروايات دلّت على حصر جواز الكذب بثلاثة :

كرواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة : رجل كائد في حروبه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا ، يريد بذلك

ص: 144


1- تقدّمت في الصفحة 140 .
2- تقدّمت في الصفحة 135 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 26 .

الإصلاح ما بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتمّ لهم»(1) . ومرسلة أبي يحي-ى الواسطي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «الكلام ثلاثة : صدق

وكذب وإصلاح بين الناس»(2) .

وتشعر بالحصر بعض ما تأتي(3) في المستثنى الآخر .

وحمل هذه الروايات على الحصر الإضافي بعيد ، بل لا وجه له في المقام . وتقي-يد الحصر ليس بجمع عقلائي مقبول عرفاً .

إلاّ أن يدّعى أنّ كثرة استعمال الاستثناء في أخبارنا في غير الحصر الحقيقي توجب وهناً في دلالته عليه .

بل القرينة العقلية قائمة في المقام على عدم الحصر ؛ لوضوح أنّ الكذب لإنجاء المؤمن من الهلكة غير مسؤول عنه ، وكذا في موارد دوران الأمر بينه وبين المحذور الأشدّ كالزنا وشرب المسكر .

مضافاً إلى أنّ في نفس تلك الروايات أيضاً اختلافاً كالروايتين المتقدّمتين .

والذي يسهّل الخطب ضعف الروايتين سنداً وضعف سائرها المشعرة بذلك سنداً ودلالة ، وكثرة الروايات المقابلة لها وفيها الصحيحة والموثّقة ممّا لا تصلح هي لمعارضتها .

ص: 145


1- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
2- الكافي 2 : 341 / 16 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 6 .
3- تأتي في الصفحة 150 .

فتحصّل ممّا مرّ جواز الكذب لتخلّص مال نفسه أو غيره ، وهو عنوان آخر غير ما تقدّم .

ثمّ يظهر من تلك الروايات جواز الكذب لتخلّص نفسه أو غيره من سائر المؤمنين من أنحاء الضرر النفسي والعرضي ، لإلقاء الخصوصية عرفاً ، وفحوى الروايات ، وإطلاق بعضها كمرسلة الصدوق ، الدالّة على مأجورية الكاذب إذا حلف في خلاص امرئ مسلم ، أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره(1).

ويظهر منها عدم خصوصية للعشّار وأعوان الظلمة ، بل هو مقتضى تعليق الحكم على الخوف على نفسه ، أو ماله ، أو مال غيره ، فإنّ الظاهر منه أنّ الموضوع للحكم ذلك ، ولا دخالة لظالم خاصّ فيه .

فاحتمال الخصوصية في عمّال الظلمة بدعوى أنّ دفع المال إليهم موجب لتقويتهم وتقوية سلطانهم ، فلهم خصوصية من بين الظلمة ، ضعيف مخالف لظواهر الروايات ، وصريح المرسلة .

ومقتضى إطلاق تلك الروايات ، جواز الحلف كاذباً وجواز الكذب في كلّ ضرورة وإكراه ، سواء تمكّن من التورية أم لا .

نعم ، لولاها ، وكان المستند في جوازه أدلّة نفي الاضطرار والإكراه ، كان عدم التمكّن منها معتبراً في جوازه ، من غير فرق بين الإكراه والاضطرار ؛ لعدم

ص: 146


1- تقدّم في الصفحة 140 .

صدقهما مع إمكانها بنحو لا يخاف المورّي عن كشف الواقعة لدهشة ووحشة مستولية عليه .

ودعوى صدق الإكراه ولو مع إمكانها ؛ لأنّ المكرِه أكرهه على الواقع وطلب منه الكذب ، وإن أمكن التخلّص عنه بالتورية ، فمع إمكانها لا يخرج الكذب عن وقوعه عن إكراه ، بخلاف الاضطرار ، فإنّه مع إمكانها لا يصدق أ نّه مضطرّ على الكذب(1) .

غير وجيهة ؛ لأنّ الإكراه على الواقع المجهول عن علم المكرِه غير ممكن ، ومع إمكان التورية والتفصّي عن إكراهه بها أو بغيرها ، لا يصدق أ نّه مكرَه على الكذب ، وإن كان مكرهاً على التنطّق بالألفاظ . والفرق بينه وبين الاضطرار بذلك غير ظاهر . فلو طلب منه قتل مؤمن محقون الدم وأمكنه التخلّص منه بقتل كافر مهدور ، لا يصدق أ نّه مكره على قتل المؤمن ؛ لأنّ المكره طلب منه قتل المؤمن .

وأمّا وجه افتراق الفقهاء بين الكذب ، حيث اعتبروا في جوازه عدم إمكان التورية(2) ، وبين العقود والإيقاعات والألفاظ المحرّمة كالسبّ والتبرّي ، فلم يعتبروا إمكانها في لغويتها (3) بل صرّح بعضهم بع-دم اعتبار العجز

ص: 147


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 28 .
2- راجع النهاية : 559 ؛ السرائر 2 : 435 ؛ شرائع الإسلام 2 : 129 ؛ المختصر النافع : 150 ؛ قواعد الأحكام 2 : 188 ؛ مسالك الأفهام 5 : 84 .
3- راجع النهاية : 510 ؛ السرائر 2 : 665 ؛ شرائع الإسلام 3 : 3 ؛ المختصر النافع : 197 ؛ قواعد الأحكام 3 : 122 .

عنها (1) كما حكاه الشيخ الأنصاري رحمه الله علیه (2) فلعلّه لذهابهم إلى عدم إطلاق في الروايات الواردة في باب الحلف ، فلا تشمل الحلف الكاذب بما تقدّم وجهه والجواب عنه(3) ، فيكون تجويزهم الكذب بمقتضى مثل حديث الرفع(4) وقد تقدّم أنّ المستند فيه إذا كان ذلك لا محيص عن اعتبار العجز عنها .

وأمّا عدم اعتباره في باب العقود والإيقاعات ، فلورود روايات خاصّة في لغويتها مع الإكراه(5) . ومقتضى إطلاقها عدم اعتباره ، ولهذا عطفوا عليها

السبّ والبراءة كما نسب إليهم الشيخ الأنصاري ، وذلك لورود روايات فيهما راجعة إلى قضيّة عمّار وغيرها من غير إشارة فيها إلى لزوم التورية مع الإمكان(6) .

ثمّ إنّه لا شبهة في اعتبار العجز عنها في الدوران بينه وبين محذور أشدّ الذي هو أحد العناوين المجوّزة له ، وذلك لوضوح أ نّه مع إمكانها ليس من دوران الأمر بين المحذورين ، إلاّ أن يقال بحرمة التورية بلا عذر ، كالكذب ، أو يقال : إنّ

الكذب عبارة عن التقوّل بكلام ظاهر في مخالفة الواقع وإن لم يكن ظاهره مراداً ، وهما فاسدان مرّ الكلام فيهما .

ص: 148


1- مسالك الأفهام 9 : 22 ؛ الروضة البهيّة 3 : 352 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 27 .
3- تقدّم في الصفحة 136 - 137 .
4- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 و3 .
5- راجع وسائل الشيعة 22 : 86 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 37 .
6- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .

في أنّ إرادة الإصلاح من مسوّغات الكذب

ومن مسوّغات الكذب إرادة الإصلاح ، والروايات الواردة في هذا الباب على طوائف :

منها : ما دلّت على استثناء الكذب في الإصلاح بين الناس :

كرواية الصدوق في وصيّة النبي رحمهما اللّه لعلي علیه السلام ، وفيها : «يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس»(1) . ونحوها رواية المحاربي(2) عن الصادق عن آبائه عنه رحمهما اللّه ورواية

الطبرسي(3) عن أبي عبداللّه علیه السلام وقريب منها رواية عيسى بن حسّان(4) ، ورواية «الجعفريات»(5) عنه رحمهما اللّه .

وفي مرسلة الواسطي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الكلام ثلاثة : صدق وكذب وإصلاح بين الناس . . .»(6) .

ص: 149


1- تقدّمت في الصفحة 127 .
2- الخصال : 87 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 .
3- مشكاة الأنوار: 309 / 966 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 144 .
5- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 170 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 1 .
6- تقدّمت في الصفحة 145 .

ومنها : ما دلّت على استثناء ما يراد به نفع المؤمن :

كرواية الصدوق عن الرضا علیه السلام ، قال : «إنّ الرجل ليصدق على أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه ، وإنّ الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعه فيكون عند اللّه صادقاً»(1) .

وعن الطبرسي في «المشكاة» عن الباقر علیه السلام ، قال : «الكذب كلّه إثم إلاّ ما نفعت به مؤمناً أو دفعت به عن دين المسلم»(2) ونحوها رواية جعفر بن أحمد القمّي بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام عن رسول اللّه رحمهما اللّه (3) .

وعن الشيخ المفيد بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني ، قال : قال الصادق علیه السلام : «أيّما مسلم سئل عن مسلم فصدق ، فأدخل على ذلك المسلم مضرّة ، كتب من الكاذبين ، ومن سئل عن مسلم فكذب ، فأدخل على ذلك المسلم منفعة ، كتب عند اللّه من الصادقين»(4) .

ومنها : ما دلّت على استثناء إرادة الصلاح :

كرواية وصيّة النبي رحمهما اللّه ، وفيها : «يا علي ، إنّ اللّه أحبّ الكذب في

ص: 150


1- مصادقة الإخوان : 76 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 255 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 10 .
2- مشكاة الأنوار : 309 / 967 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 3 .
3- تقدّمت في الصفحة 130 .
4- الاختصاص : 224 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 95 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 5 .

الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد»(1) .

وهذا أعمّ من عنوان الإصلاح بين الناس ، سيّما مع استثناء الكذب للإصلاح بين الناس أيضاً في هذه الوصيّة كما تقدّم .

ورواية الصيقل عن أبي عبداللّه علیه السلام في قضيّة إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام ، وفيها بعد ذكر حبّ اللّه تعالى الكذب في الإصلاح قال : «إنّ إبراهيم إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( إرادة الإصلاح ، ودلالة على أ نّهم لا يفعلون ، وقال يوسف علیه السلام إرادة الإصلاح»(2) .

ورواية عطاء عنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح» . ثمّ تلا : )أَيّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما سرقوا وما كذب» ثمّ تلا : )بَلْ فَعَلهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما فعلوه وما كذب»(3) .

والظاهر منهما أنّ إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام إنّما قالا ذلك إرادة الإصلاح ولم يكن قولهما كذباً محرّماً ، بل كان كذباً محبوباً عند اللّه ، فما كذبا عند اللّه .

والإصلاح الذي أراد إبراهيم هو التنبيه على فساد رأي عابدي الأوثان وإرجاعهم إلى الحقّ ، كما أنّ الإصلاح الذي أراد يوسف ظاهراً إبقاء أخيه عنده

ص: 151


1- تقدّمت في الصفحة 127 .
2- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
3- الكافي 2 : 343 / 22 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 7 .

ليجيء يعقوب النبي علیه السلام عنده . والحمل على إرادة إبراهيم علیه السلام الصلح بين نفسه والقوم ، وإرادة يوسف علیه السلام رفع الخصومة بينه وبين إخوته(1) ، كما ترى .

ويمكن الاستشهاد بهما ، بل برواية معاوية بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) على أنّ المراد من صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «المصلح ليس بكذّاب»(3) هو الأعمّ من الإصلاح بين الناس . مضافاً إلى أنّ كلمة «أصلح» و«مصلح» إذا اُضيفت إلى مثل «بين الناس» يكون معناها التوفيق بينهم ، وإذا قيل : أصلح الشيء - مقابل أفسده - وأصلح الأمر ، يكون بمعنى إيقاع الصلاح والفساد ، وإذا اُطلق وقيل : «المصلح ليس بكذّاب» يكون أعمّ ، فإذا كذب لإرادة نفع لأخيه أو دفع ضرر عنه يصحّ أن يقال : أراد الإصلاح بكذبه وأ نّه مصلح ، إلاّ أن يدّعى الانصراف إلى الإصلاح بين الناس .

ثمّ إنّ التعارض المتراءى بين مفهوم الحصر في رواية عيسى بن حسّان ورواية الطبرسي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وكذا مفهوم العدد في مقام التحديد في مرسلة الواسطي ورواية وصيّة النبي رحمهما اللّه وغيرهما ، وبين سائر الروايات ، يمكن دفعه بما أشرنا إليه سابقاً من أنّ القرينة العقلية قائمة بعدم إرادة الحصر

ص: 152


1- راجع مرآة العقول 10 : 337 - 338 .
2- اختيار معرفة الرجال : 294 / 519 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 9 .
3- الكافي 2: 342 / 19؛ وسائل الشيعة 12: 252، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 141، الحديث 3.

من الاستثناء في المقام(1) ؛ ضرورة أنّ العقل حاكم بأنّ الكذب للفرار من مفسدة أعظم من مفسدته غير مسؤول عنه . مضافاً إلى ما تقدّمت من الروايات في المسألة المتقدّمة المجوّزة للكذب لإنجاء ماله ، أو نفسه ، أو مال غيره أو نفسه(2) . فلا بدّ من التصرّف في الحصر بنحو لا يخالف ما تقدّم ، فيصير مفادها بعد رفع التعارض جواز الكذب لكلّ مصلحة ونفع ، كائناً ما كان .

ويمكن إرجاع الروايات الواردة في جوازه لتخلّص النفس والمال إليها ، فيكون الجواز فيها أيضاً للمصلحة والنفع .

إلاّ أن يقال : إنّ سند هذه الروايات عدا صحيحة معاوية بن عمّار ، والروايات المتقدّمة التي لها عنوان آخر ضعيفة . واستفاضتها وكثرتها وإن توجب الوثوق بصدور بعضها إجمالاً ، لكن لا بدّ معه من أخذ ما هو أخصّ مضموناً ، وهو الإصلاح بين الناس ، فيقال بجوازه فيه المتطابق عليه الروايات دون غيره .

مع أنّ الالتزام بجوازه في مطلق الصلاح والنفع غير ممكن ، بل لعلّه موجب لإخراج الأكثر البشيع . وأمّا الصحيحة فيمكن دعوى انصرافها إلى الإصلاح بين الناس كما تقدّم .

هل يجوز الكذب في الوعد مع الأهل أم لا ؟

ثمّ إنّ القول بجواز الكذب في الوعد مع الأهل كما ورد في الروايات مشكل ؛ لضعفها ، وإجمال المراد منها ، فإنّ الظاهر من استثناء عدة الأهل من الكذب ، أنّ

ص: 153


1- تقدّم في الصفحة 145 .
2- تقدّمت في الصفحة 134 وما بعدها .

المراد بها الإخبار عن خلاف الواقع ، والظاهر من عنوان العدة أ نّها إنشاء .

فيمكن أن تجعل العدة قرينة على تصرّف في الكذب ، فيراد به الأعمّ منه وممّا هو شبيه به ، كالوعد الذي لا يراد إنجازه .

ويمكن أن يجعل الكذب قرينة على أنّ المراد بالوعد الإخبار بالإعطاء مع عدم إرادة الإتيان به .

وكيف كان الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جوازه إلاّ مع إكراه أو اضطرار كما قد يتّفق ، ويمكن حمل الروايات على مورد الاضطرار ، تأمّل .

ص: 154

المسألة السادسة في معونة الظالم

اشارة

معونة الظالم في ظلمه محرّمة بلا إشكال ، وقد تقدّم(1) البحث عن حرمة الإعانة على الإثم مستقصى ، مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة في المقام .

هل تكون معونة الظالم من الكبائر مطلقاً أم لا ؟

إنّما الكلام في جهات اُخر : ككونها كبيرةً مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بما يأتي ، وكونها محرّمة ولو في غير ظلمه ، وغيرهما ممّا يأتي الكلام فيه .

فنقول : إنّ الظالم قد يكون ممّن يتلبّس بظلمٍ ما ، وقد يكون شغله ذلك كالسارق القاطع للطريق ، وقد يكون سلطاناً أو أميراً جائراً ، وقد يكون مدّعي الخلافة عن رسول اللّه رحمهما اللّه ويكون غاصباً لولاية أئمّة الحقّ علیهم السلام كخلفاء بني اُميّة وبني العبّاس - لعنهم اللّه - فهل تكون معونة جميع الطوائف في ظلمهم كبيرة؟

ص: 155


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 235 .

يمكن الاستدلال عليه في أوّل العناوين برواية طلحة بن زيد - وفي سندها محمّد بن سنان ، وهو لا بأس به(1) ، وعن شيخ الطائفة : أنّ كتاب طلحة معتمد(2) - عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم»(3) . ونحوها عن «كنز الكراجكي»(4) مرسلاً عن الباقر علیه السلام (5) .

بناءً على أنّ المراد بكونهم شركاء تسويتهم في درجة الإثم والعقوبة ، وبناءً على أنّ الظلم مطلقاً من الكبائر ، كما يستظهر من بعض الروايات .

ولو قيل بامتناع كونهم في درجة واحدة - ضرورة أنّ القتل أعظم من الرضا به والإعانة عليه - لصار ذلك قرينة على بناء الكلام على المبالغة ، كقوله : «شارب الخمر كعابد وثن»(6) وقد تقدّم(7) أنّ المبالغة إنّما تحسن وتصحّ إن كان المورد معصية عظيمة كبيرة . ولو كانت صغيرة لا تصحّ المبالغة فيها ،

ص: 156


1- راجع تنقيح المقال 3: 124 / السطر 18 (أبواب الميم).
2- الفهرست ، الطوسي : 149 / 372 .
3- الكافي 2 : 333 / 16 ؛ وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 2 .
4- الصحيح «جامع الأخبار» ، بدل «كنز الكراجكي» ؛ لأنَّ الحديث 14 و15 و16 من المستدرك معطوف على جامع الأخبار في ذيل الحديث 13 دون كنز الكراجكي ، كما لا يخفى . راجع مستدرك الوسائل 13 : 125 .
5- جامع الأخبار : 436 / 1224 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 16 .
6- الفقيه 4 : 255 / 821 ؛ وسائل الشيعة 25 : 320 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 ، الحديث 12 .
7- تقدّم في الصفحة 48 .

فالتسوية بينها مبالغة دليل على كونهما من الكبائر .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّه بعد حكم العقل بعدم التسوية بينهم كما يمكن أن يجعل الكلام مبنيّاً على المبالغة يمكن أن يقال : إنّ المراد بها شركتهم في أصل الإثم لا في درجته . وبعبارة اُخرى : يكون في مقام بيان أصل الشركة لا كيفية الاشتراك والتسوية ، فلا تدلّ إلاّ على أنّ المعين له يكون عاصياً .

فاستظهار الاحتمال الأوّل الدالّ على المقصود مشكل .

كما يشكل استفادة حرمة الإعانة في غير ظلمه منها .

وجه الاستفادة : أنّ الضمير في قوله : «والمعين له» ، يرجع إلى العامل ، ويكون مقتضى الإطلاق عدم جواز إعانة العامل ، سواء في ظلمه أم لا .

وفيه : أنّ الظاهر منه ولو لأجل مقارنته للراضي به الراجع ضميره إلى الظلم وبمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ المراد به المعين له في ظلمه ، مضافاً إلى أنّ الإطلاق فيه ممنوع ؛ لأ نّه في مقام بيان التسوية أو الاشتراك بين الثلاثة لا في مقام بيان حكم المعين له ، فلا إطلاق فيه .

وبرواية الصدوق بإسناده عن رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث ، قال : «من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنّم وبئس المصير»(1) . ونحوها عنه رحمهما اللّه في حديث المناهي(2) .

ص: 157


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 331 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 181 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 14 .
2- الفقيه 4 : 11/1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 6 .

بدعوى : أنّ الظاهر من قوله : «من تولّى خصومة ظالم» أنّ من قام بأمر خصومته بأن يقبل وكالته في تلك الخصومة الظالمانة ، أو أعان الظالم في الخصومة ، أو أعان المتولّي فيها بشّره ملك الموت بكذا .

فتدلّ على أنّ تولّي الخصومة من الظالم ، والإعانة عليها ، كبيرة موجبة للدخول في النار .

وقد تقدّم(1) أنّ الظاهر من صحيحة عبد العظيم الحسني(2) في عدّ الكبائر أنّ إيعاد رسول اللّه رحمهما اللّه النار على معصية ، كاشف عن كونها كبيرة .

إلاّ أن يناقش في الرواية : بأنّ المراد من الظالم فيها السلطان الجائر بقرينة سائر فقراتها المذكور فيها السلطان ، وهي قوله : «ومن خفّ لسلطان جائر» ، وقوله : «ومن دلّ سلطاناً على الجور» ، وقوله : «ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر» ، وقوله : «ومن سعى بأخيه إلى سلطان . . .» .

ويحتمل أن يكون المراد من تولّي خصومته ، القيام بأمر القضاء من قبله وإن كان بعيداً . بل الحمل على خصوص السلطان أيضاً بعيد بل غير صحيح في الرواية الثانية ، لكن الرواية لا تصلح لإثبات حكم ؛ لضعفها سنداً (3) .

ومضمرة ورّام بن أبي فراس المرسلة ، قال : قال علیه السلام : «من مشى إلى ظالم

ص: 158


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 419 .
2- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
3- لوجود رجال مجاهيل في سلسلة السند ، فراجع .

ليعينه وهو يعلم أ نّه ظالم فقد خرج من الإسلام»(1) .

وعن «كنز الكراجكي» عن رسول اللّه رحمهما اللّه نحوها تقريباً إلاّ أنّ في ذيلها «فقد خرج من الإيمان»(2) وعن «جامع الأخبار» عنه رحمهما اللّه نحوها (3) .

وعن السيّد فضل اللّه الراوندي في «نوادره» بإسناده الصحيح - على ما شهد به المحدّث النوري رحمه الله علیه في «مستدركه» - عن موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من نكث بيعة ، أو رفع لواء ضلالة ، أو كتم علماً ، أو اعتقل مالاً ظلماً ، أو أعان ظالماً على ظلمه وهو يعلم أ نّه ظالم ، فقد برئ من الإسلام»(4) .

ودلالة هذه الروايات على المطلوب لأجل تلك المبالغة العظيمة فيها ؛ ضرورة أنّ الخروج من الإسلام والإيمان والبراءة منه ليس على نحو الحقيقة ، بل بنحو المبالغة ، وهي لا تصحّ أو لا تحسن في الصغيرة ، فلو صحّت في بعض الأحيان لكن الظاهر المتفاهم من نحوها كونها كبيرة عظيمة في نظر القائل .

ص: 159


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 62 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 43 ، الحديث 15 .
2- كنز الفوائد 1 : 351 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 13 .
3- جامع الأخبار : 436 / 1223 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 13 .
4- النوادر ، الراوندي : 128 / 153 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 4 .

فلا ينبغي الإشكال في دلالتها في مورد الإعانة على الظلم ، سيّما مع اقترانها في الأخيرة مع نكث البيعة ورفع لواء الضلالة .

وأمّا الدلالة على الإعانة في غيره فلا ؛ لأنّ الظاهر حتّى من غير الأخيرة الإعانة في ظلمه لا مطلقاً ، ولا أقلّ من عدم إطلاقها ، مع محفوفيتها بما تصلح للقرينية ، بل مقتضى تقييد الأخيرة دخالة القيد في الحكم ، فتكون مقيّدة لإطلاقها مع فرض الإطلاق أو رافعة لإجمالها على فرضه .

وتوهّم دلالة قوله : «من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها» على الأعمّ للإطلاق الشامل للخصومة في غير مورد الظلم ، ضعيف مخالف لفهم العرف .

مع أ نّه مع إرادة الإطلاق لكان اختصاص الخصومة بالذكر بعيداً ، ومع التسليم فالرواية ضعيفة . لكن لا يبعد القول بكونها كبيرة في مورد الإعانة على الظلم ؛ لتظافر الروايات واعتبار بعضها وتصحيح الأخيرة ، ولم يحضرني كتاب الراوندي حتّى أنظر سندها .

وأمّا إعانة الظلمة الذين كان الظلم شغلاً وصفةً ثابتةً لهم ، كقطّاع الطريق دون الخلفاء والسلاطين ، فيمكن الاستدلال على كونها كبيرة في مورد الإعانة على ظلمهم ، مضافاً إلى الروايات المتقدّمة ، بجملة اُخرى :

منها : رواية ابن أبي يعفور ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق والشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، والنهر يكريه ، والمسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء وأنّ لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدّة بقلم . إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق

ص: 160

من نار حتّى يحكم اللّه بين العباد»(1) .

فإنّ صدرها وإن كان في مورد الدخول في أعمال خلفاء الجور أو الاُمراء من قبلهم ، لكن ذيلها بمنزلة كبرى كلّية تشمل جميع الظلمة ، سواء كانوا منهم ، أو مثل سلاطين الجور والحكّام من قبلهم ، أو مثل قطّاع الطرق وأمثالهم ممّن شأنهم وشغلهم الظلم .

ودعوى انصرافها إلى خصوص الطائفة الاُولى ، أو هي والثانية ، كأ نّها في غير محلّها .

ويظهر منها بقرينة صدرها أنّ إعانتهم في غير ظلمهم أيضاً محرّمة كبيرة ، فإنّ السؤال عن البناء والنهر وإصلاح المسنّاة ، وهي غير مورد الظلم .

إلاّ أن يقال : إنّ مورد السؤال غير مذكور فيها ، ومعلوم أنّ عدم ذكره كان للتقيّة والخوف ، ومن المحتمل أن يكون المعهود من مورده أمير المدينة مثلاً ونحوه ، وكان البناء والنهر والمسنّاة المدعوّ إليها من الأموال المغصوبة ، كالأراضي الخراجية التي كانت تحت يدهم غصباً ، أو من أموال الناس المغصوبة ، وكان الأعمال فيها إعانة عليهم في ظلمهم ، فإنّ إبقاء المغصوب تحت يد الظالم ظلم مستمرّ منه ، والتصرّف فيه ظلم . ولعلّ العمّال لمّا كانوا غير مستقلّين في التصرّف ، وكانوا يداً للغاصب عُدّوا معيناً لهم لا ظالماً في تصرّفهم .

وعلى هذا الاحتمال الجائي من إجمال السؤال، لا يمكن استفادة حرمة إعانة

ص: 161


1- الكافي 5 : 107 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 6 .

الخلفاء والاُمراء من قبلهم في غير مورد ظلمهم منها ، فضلاً عن سائر الظلمة .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . .» كناية عن عدم جواز مطلق الإعانة عليهم ، كانت في مورد ظلمهم أم لا ، فيدفع به الاحتمال المتقدّم . والقول بأنّ «ما اُحبّ» لا يدلّ على الحرمة بل يدلّ على الكراهة ضعيف جدّاً وإن قال به الشيخ الأنصاري(1) ، فإنّ قوله : «إنّ أعوان الظلمة» كبرى كلّية وبمنزلة تعليل لما تقدّم ، فكيف يصحّ الحمل على الكراهة ؟ فهو كقوله تعالى : )إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور((2) .

ويظهر منها أيضاً ببركة قوله : «ما اُحبّ . . .» أنّ الأعوان أعمّ ممّن تلبّس بإعانةٍ ما ، أو كان شغله الإعانة عليهم ؛ إذ لولا ذلك لأمكن دعوى الانصراف .

والتحقيق أن يقال : إنّ قوله : إنّ أعوان الظلمة كذا ، مع قطع النظر عن صدره ، له جهات من الظهور :

كظهور الظلمة في نحو الاُمراء والسلاطين والخلفاء ، أو الأعمّ منهم وممّن شغله ذلك .

وظهور الأعوان - ولو باعتبار الإضافة إلى الظلمة - فيمن شغله العون ، كالجُندي والقاضي والكاتب ونحوهم ، ولا تشمل من أعان في مورد أو موردين ، فلا يقال له : هو من أعوان الظلمة .

وظهور الجملة - ولو بمناسبة الحكم والموضوع والإضافة إلى الموصوف

ص: 162


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 58 .
2- لقمان (31) : 18 .

بوصف الظلم - في أنّ المعين معينهم في ظلمهم ، كعمّال الخلفاء والسلاطين بحسب النوع .

وبلحاظ صدر الرواية يقع التعارض بدواً بين الظهورين الأخيرين ، وبين قوله علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . .» ، فإنّ الظاهر أ نّه كناية عن مطلق العمل لهم .

بل وبين الظهورين أو الظهور الأخير وبين المذكورات في مورد السؤال ؛ لأنّ البنّاء ونحوه لا يكون معيناً للظلم ولا شغله الإعانة .

فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر الذيل وحمله بقرينة الأمثلة وقوله علیه السلام : «إنّي لا اُحبُّ . . .» على مطلق العمل لهم ، كان إعانة عليهم أو في ظلمهم أم لا ، فتكون التوسعة لذلك تعبّدية .

وبين جعل قوله علیه السلام كناية عن الدخول في أعمالهم التي كان إعانة عليهم في ظلمهم لا محالة بحسب النوع ، فيكون موافقاً للظهورين ، أو عن الإعانة لهم في ظلمهم بقرينة تطبيق الكبرى عليه ، فيكون موافقاً للأخير وكاشفاً ببركة الكبرى عن مورد السؤال المجهول عندنا ، كما تقدّم .

والأظهر ولو بمناسبة الحكم والموضوع وبأ نّه علیه السلام استشهد ظاهراً بالكبرى المذكورة - وعليه يكون حملها على ما تقدّم وإعمال التعبّد في غاية البعد - جعل الكبرى قرينةً على المعنى المكنّى عنه وأ نّه أحد المعنيين المتقدّمين ، فتكون حاصل المعنى المراد أنّ الدخول في ديوانهم المستلزم لكونه عوناً على ظلمهم محرّم أو أنّ الإعانة على ظلمهم محرّمة .

وأمّا الروايات الاُخر التي علّق فيها الحكم على أعوان الظلمة :

ص: 163

مثل موثّقة السكوني ، عن جعفر بن محمّد علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين أعوان الظلمة ، ومن لاق لهم دواة ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة قلم ؟ فاحشروهم معهم»(1) .

ورواية السيّد فضل اللّه الراوندي ، التي صحّحها المحدّث النوري(2) ، عن موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين الظلمة وأعوان الظلمة : من لاق لهم دواة ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة ؟ احشروه معهم»(3) .

وقريب منهما رواية ورّام بن أبي فراس ، إلاّ أنّ فيها : «وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتّى من برئ لهم قلماً . . .»(4) .

ورواية القطب الراوندي ، وفيها : «أين الظلمة وأعوانهم ، حتّى من لاق لهم دواة . . .»(5) .

ص: 164


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 309 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 11 .
2- مستدرك الوسائل 13: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 2.
3- النوادر ، الراوندي : 158 / 234 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 7 .
4- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 62 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 16 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 127 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 21 .

فالكلام فيها : أ نّه يحتمل في رواية السكوني أن يكون عطف «من لاق لهم . . .» على أعوان الظلمة بالواو لإفادة أمر زائد على الإعانة في ظلمهم ، فكأ نّه قال : إعانتهم في ظلمهم وفي غيره كالإعانة في الليق والربط والمدّ سواء .

فتكون بحسب هذا الظهور مخالفة لسائر الروايات ، فإنّ بعضها بلا عاطف ، فيكون ما بعد بياناً ، وفي بعضها عطف بحتّى لإفادة أخفى مراتب الإعانة فتكون المذكورات بحسب رواية السكوني مقابلة للإعانة ، وبحسب غيرها مصداقها .

لكنّ الأظهر الأولى حمل العطف في رواية السكوني على عطف الخاصّ على العامّ ، فتطابق بين الروايات ؛ لأظهرية غيرها منها ، كما لا يخفى .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في رواية ابن أبي يعفور(1) ، من وقوع التعارض بين صدرها وذيلها ، يأتي في تلك الروايات أيضاً ، لكن الأظهر في مفادها أنّ مطلق الإعانة على ظلمهم محرّم ومعصية كبيرة ، ولا تختصّ الحرمة بالاشتغال المعتدّ به . واحتمال أن يكون المراد بمن لاق ونحوه من كان شغله ذلك ، وهم .

وإنّما قلنا : على ظلمهم ؛ لأنّ ذكر مثل الدواة والقلم والكيس في تلك الروايات - ممّا هي آلات الظلمة سيّما الحكّام في ظلمهم لإنفاذ الأحكام وجمع المظالم - دليل على اختصاص الإعانة بمورد الظلم ، والمذكورات من الموارد الخفيّة للإعانة على الظلم ، لا مطلق الإعانة على الظالم . فلو كان المراد الثاني لكان عليه ذكر غيرها ممّا لا دخل له في ظلمهم ، كإعطاء كأس ماء ونحوه .

ص: 165


1- تقدّمت في الصفحة 160 .

وأمّا مرسلة «عوالي اللآلي» : أ نّه دخل على الصادق علیه السلام رجل ، فمتّ له بالأيمان أ نّه من أوليائه ، فولّى عنه وجهه ، فدار الرجل إليه وعاود اليمين ، فولّى

عنه ، فأعاد اليمين ثالثة ، فقال علیه السلام له : «يا هذا ، من أين معاشك ؟» فقال : إنّي أخدم السلطان ، وإنّي واللّه لك محبّ . فقال : «روى أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه أ نّه قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من السماء من قبل اللّه عزّ وجلّ : أين الظلمة ؟ أين أعوان الظلمة ؟ أين من برئ لهم قلماً ؟ أين من لاق لهم دواةً ؟ أين من جلس معهم ساعةً ؟ فيؤتى بهم جميعاً ، فيؤمر أن يضرب عليهم بسور من نار ، فهم فيه حتّى يفرغ الناس م-ن الحساب ، ثمّ يؤمر بهم إلى النار»(1) .

فهي مع ضعفها واشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به ، ظاهرة في أنّ الرجل كان معروفاً عند أبي عبداللّه علیه السلام ، ولهذا ولّى عنه وجهه ، ولعلّ خدمته كانت من قبيل ما صدق عليه الظلم أو الإعانة عليه ، فلا دلالة فيها على حرمة مطلق العون .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الروايات المتقدّمة ، لا تدلّ إلاّ على حرمة إعانة الظالم في ظلمه ، كما صرّح بالقيد في بعضها وهي ظاهر الروايات الأخيرة ، بل وغيرها .

وأمّا ما في بعض الروايات : «من علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه

ص: 166


1- عوالي اللآلي 4 : 69 / 31 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

حيّة طولها سبعون ألف ذراع فيسلّط اللّه عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً»(1) .

فموردها الإعانة على الظالم في ظلمه ، بل لا يبعد أن يكون المراد منه ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو السوّاط الذي كان شغله ضرب المظلومين والمجرمين بنظر حاكم الجور ، فهو من الظلمة ومعين الظلمة في ظلمهم .

وأمّا رواية ابن بنت الكاهلي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره اللّه يوم القيامة خنزيراً»(2) .

وفي رواية عن الكاهلي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين من ولد فلان حشره اللّه يوم القيامة حيراناً»(3) .

كذا في «الوافي»(4) و «الوسائل»(5) ويحتمل أن يكون «خنزيراً» مصحّف «حيراناً» أو بالعكس ، وكون الروايتين واحدة ، وكانت الاُولى أيضاً عن الكاهلي ، لكن لا يعبأ بهذا الاحتمال .

وعن الشيخ المفيد في «الروضة» ، عن ابن أبي عمير ، عن الوليد بن صبيح الكابلي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره اللّه

ص: 167


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 335 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 181 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 329 / 913 .
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 310 / 1 .
4- الوافي 17 : 161 / 17045 .
5- وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 9 و : 186 ، الباب 44 ، الحديث 6 .

يوم القيامة مسوّداً وجهه»(1) . وبني شيصبان كناية عن بني العبّاس ، وشيصبان اسم شيطان على ما في «القاموس»(2) .

فالظاهر منها أو من بعضها حرمة الدخول في ديوانهم بأن يصير من أعضاء ديوان الظالم أو ديوان غاصب الخلافة ، كالشرطي ، والجُندي ، والقاضي ، والأمير ، وحواشي السلطان ، وأمثالهم ، لا مثل خيّاط السلطان ، وبنّائه ، ومعماره ،

كما قال الشيخ الأنصاري(3) . ولعلّه أراد بما ذكر بيان المراد في رواية ابن أبي يعفور ، وإلاّ فالظاهر من قوله : «من سوّد اسمه . . .» هو ما ذكرناه . وقد مرّ أنّ الروايات الواردة في أعوان الظلمة ظاهرة أو منصرفة إلى أعوانهم في الظلم . فما أفاده من أنّ معمار السلطان وبنّاءه من أعوانه حقّ ، لكن تلك الروايات لا تدلّ على حرمة مطلق عون السلطان والظلمة .

وأمّا الروايات المتقدّمة آنفاً ، فالظاهر منها أنّ الدخول في ديوانهم وصيرورته من أعضاء حكومتهم محرّم . ولعلّه لأجل ملازمته للإعانة على الظلم ، أو لصيرورته موجباً لقوّة شوكتهم ، أو يكون نفس الدخول في ديوانهم إعانة على حكومتهم الجائرة الظالمة ، وإن كان مقتضى الجمود على ظواهرها أنّ الدخول فيه حرام ذاتاً لا لترتّب معصية أو عنوان آخر عليه . ويأتي بعض الكلام فيه في المسألة الآتية .

ص: 168


1- مستدرك الوسائل 13 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 17 .
2- القاموس المحيط 1 : 90 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 59 .

ولا يبعد اختصاص ذلك بخلفاء الجور الغاصبين لخلافة رسول اللّه رحمهما اللّه

والمدّعين لها ، والإسراء إلى غيرهم مشكل ؛ لخصوصية فيهم لعنهم اللّه .

كما لا يبعد الاختصاص في رواية يونس بن يعقوب ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «لا تعنهم على بناء مسجد»(1) .

والمراد من الإعانة على بناء المسجد ، ليس مطلق العمل فيه ولو لحوائج نفسه ، كالبنّاء ، والعملة العاملين لأجل حوائجهم ، من غير نظر إلى صاحب العمل . فإعانتهم أخصّ من ذلك ؛ ضرورة أ نّه لا يقال للتاجر الذي يتّجر لأغراضه وحوائجه : إنّه معين الفقراء ، أو معين الظلمة ، بمجرّد بيع المتاع منهم كبيعه من سائر الناس ، ولا لمن باع الآجر والجصّ من الباني للمسجد ، كبيعه من سائر الناس : إنّه أعانه على بناء المسجد .

نعم ، لو خصّ نفسه لبناء المسجد وانتخبه من سائر الأبنية ، مع تسهيل لأمره أو قصد التوصّل إليه ، يمكن أن يقال : إنّه معينه في بنائه . وكذا لو وقف نفسه للبيع

من الظالم ، والعمل له ، يمكن أن يقال : إنّه معينه . ويمكن توجيه نظر الشيخ إلى ذلك ، تأمّل .

بل لو صار شخص بنّاءهم ، أو معمارهم ، أو خيّاطهم ، لحوائج نفسه ، وإنّما انتخب ذلك لكونه أنفع له في معاشه ، لا يقال : إنّه معينهم .

وتشهد لما ذكر رواية صفوان الجمّال ، قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل علیه السلام ، فقال : «يا صفوان ، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً» .

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 941 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 8 .

قلت : جعلت فداك ، أيّ شيء ؟ قال : «إكراؤك جمالك من هذا الرجل» ، يعني هارون الرشيد . قلت : واللّه ما أكريته أشراً ولا بطراً ، إلى أن قال : «أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟» قلت : نعم . قال : «من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار . . .»(1) .

فإنّ صدرها لا يدلّ على الحرمة ، فإنّ عدم كون الشيء جميلاً حسناً أعمّ منه ، بل لعلّه يشعر بالكراهة .

كما أنّ التعليل بعدم جواز حبّ بقائهم ، دليل على أنّ إكراءه بنفسه غير محرّم ، وإلاّ لعلّل به لا بأمر خارج ، فتدلّ على أنّ العمل لهم لحوائج نفسه ليس بحرام . وأمّا حبّ بقائهم ، فأمر آخر ليس مورد بحثنا ، ومع حرمته لا توجب تحريم أمر آخر خارج عنه .

ويشهد له أيضاً صحيح الحلبي الآتي في المسألة الآتية(2) ، وفيها قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً ، فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم . قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(3) .

فإنّه كالصريح في أنّ العمل لهم بنيّة حوائجه لا بنيّة العون عليهم محلّل ، وأنّ الأجير لهم لم يرتكب حراماً .

ص: 170


1- اختيار معرفة الرجال : 440 / 828 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 17 .
2- تأتي في الصفحة 191 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .

ولا يخفى : أنّ عنوان الأجير والخادم ، غير عنوان الديواني والدخول في شؤون السلطنة كما مرّ .

وقد تقدّم أنّ إسراء الحكم من تلك الروايات الواردة في خلفاء الجور المدّعين لخلافة رسول اللّه رحمهما اللّه إلى غيرهم مشكل ؛ لخصوصية فيهم دون سائر الظلمة والسلاطين والاُمراء ، سيّما مثل سلاطين الشيعة واُمرائهم .

وممّا تقدّم يظهر الكلام في جملة من الروايات المأخوذة فيها عنوان المعونة أو العون :

كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، وعدّ فيها في جملة الكبائر معونة الظالمين ، والركون إليهم(1) .

وفي صحيحة أبي حمزة - بناءً على أنّ مالك بن عطيّة هو الأحمسي الثقة -(2) عن علي بن الحسين علیه السلام ، قال : «إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين»(3) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال : «يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم عديل الكفر ، والنظر إليهم على

ص: 171


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .
2- رجال النجاشي : 422 / 1132 .
3- الكافي 8 : 14 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث1 .

العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار»(1) .

وفي رواية شاذان بن جبرئيل ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث الإسراء وما رآه مكتوباً على أبواب النار ، ومن جملته : «ولا تكن عوناً للظالمين»(2) . فإنّ الظاهر أو المنصرف منها ولو بمناسبة الحكم والموضوع العون على ظلمهم ، سيّما مع التقييد في بعض ما تقدّم وغيره ، ومع ما تقدّم من رواية صفوان وصحيح الحلبي .

ويؤيّده رواية أعمش(3) ، حيث عدّ فيها من الكبائر ترك إعانة المظلومين ، ومعلوم أنّ المراد تركها فيما ظلموا لا مطلقاً .

والظاهر انصراف السلطان في رواية الجعفري إلى بني العبّاس - لعنهم اللّه - والسؤال والجواب ناظران إليهم ، فإنّهم محلّ الحاجة في ذلك الزمان . فلا يبعد القول بحرمة إعانتهم مطلقاً ، والسعي في حوائجهم والدخول في أعمالهم ، بل والنظر إليهم ، لكن الظاهر لزوم توجيه الأخير بوجه .

مع إمكان الخدشة في سند الرواية ، فإنّ العيّاشي وإن كان ثقة(4) ، وأدرك

ص: 172


1- تفسير العيّاشي 1 : 238 / 110 ؛ وسائل الشيعة 17 : 191 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 12 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 19 .
3- الخصال : 610 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
4- رجال النجاشي : 350 / 944 .

الجعفري وهو ثقة(1) ، لكن ليس لنا طريق صحيح إلى تفسيره . ومعروفيتها

بحيث أغنتنا عن السند غير ظاهرة ، ولم يذكر صاحب «الوسائل» طريقه إليه ، إلاّ أن يدّعى الاطمئنان والوثوق بكون ما عن تفسيره منه ، والعلم عند اللّه .

وأمّا الروايات الواردة في الدخول في أعمالهم ، والغشيان في سلطانهم ، والقرب من السلطان وحواشيه ، فليست من المسألة التي تعرّضنا لها ، ككثير ممّا تقدّم ، وإنّما تعرّضنا لها تبعاً للقوم ، وسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه في

المسألة الآتية .

ص: 173


1- رجال النجاشي : 182 / 483 .

المسألة السابعة في الولاية من قبل الجائر

حرمة الولاية من قبل الجائر

الولاية من قبل الجائر محرّمة ، كانت على المحرّمات ، أو المحلّلات ، أو ما اختلط فيها المحرّم والمحلّل .

وذلك لأنّ السلطنة مجعولة بجعل اللّه تعالى لرسول اللّه رحمهما اللّه وبجعله تعالى أو بجعل رسول اللّه رحمهما اللّه بأمره تعالى مجعولة لأمير المؤمنين علیه السلام والأئمّة

الطاهرين من بعده .

وأساس السلطنة وشؤونها غير أساس تبليغ الأحكام الذي هو من شؤون رسول اللّه رحمهما اللّه من حيث رسالته ونبوّته ، ومن شؤون الأئمّة بإرجاع رسول اللّه رحمهما اللّه الاُمّة إليهم في أخذها بأمره تعالى بضرورة المذهب ، وللروايات المتواترة من الفريقين ، كحديث الثقلين(1) وحديث سفينة نوح علیه السلام (2) وغيرهما .

ص: 174


1- راجع غاية المرام ، البحراني 2 : 304 ؛ خلاصة عبقات الأنوار 2 : 7 .
2- راجع غاية المرام ، البحراني 3 : 13 ؛ خلاصة عبقات الأنوار 4 : 13 .

وإنّما وجب طاعتهم ؛ لكونهم سلاطين الاُمّة وولاة الأمر من قبل اللّه تعالى ، لا لكونهم مبلّغين لأحكامه تعالى ؛ لأنّ المبلّغ لها لا أمر ولا حكم له فيما يبلّغها ، ولا يكون العمل طاعة له ، بل الحكم من اللّه والإطاعة له ، وإنّما أقواله وآراؤه كاشفات عن حكم اللّه تعالى .

وأمّا أوامرهم الصادرة منهم بما أ نّهم ولاة الأمر وسلاطين الاُمّة ، فتجب إطاعتها لكونهم كذلك ، ولكون الأمر أمرهم لا لكشفه عن أمر اللّه تعالى .

نعم، إنّما يجب طاعتهم لأجل أمر اللّه تعالى بها في قوله: )أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأمْرِ مِنكُمْ((1) ، ولجعل السلطنة والولاية لهم من قبله تعالى .

ولولا ذلك لم تجب ؛ لأنّ السلطنة والولاية مختصّة باللّه تعالى بحسب حكم العقل ، فهو تعالى مالك الأمر والولاية بالذات من غير جعل ، وهي لغيره تعالى بجعله ونصبه .

وهذه السلطنة والخلافة والولاية من الاُمور الوضعية الاعتبارية العقلائية . فالسلطنة بشؤونها وفروعها لهم من قبله تعالى ، ولا يجوز لأحد التصرّف فيها وتقلّدها أصلاً وفرعاً ؛ لأنّ تقلّدها غصب والتصرّف فيها وفي شؤونها ، كائنة ما كانت ، تصرّف في سلطان الغير .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الغصب بما أ نّه الاستيلاء على مال الغير أو حقّه عدواناً ، وعامل السلطان ولو من تقلّد من قبله أمر إمارة بلد ، أو ولاية ناحية ، أو

تقلّد أمر القضاء والوزارة ونحوها ليس مستولياً على شؤون السلطنة ، بل

ص: 175


1- النساء (4) : 59 .

الاستيلاء إنّما هو من السلطان وهو غاصب للخلافة والسلطنة بشؤونهما ، وعمّاله أياديه ، وليسوا مستولين على شؤونها ، حتّى الأمر الذي كانوا متولّين له بنصب من السلطان ، بل هو نظير غصب السلطان بلداً بوسيلة عمّاله ، فإنّ الغاصب له هو السلطان لا غير ، وأياديه لا يعدّون سلطاناً ومستولياً عليه ، وإن كان تصرّفهم فيه محرّماً بعنوان التصرّف في مال الغير بغير إذنه .

ففي المقام إنّ تقلّد أمر من شؤون السلطنة والخلافة محرّم ، لا بعنوان الغصب بل بعنوان التصرّف في سلطان الغير بلا إذنه وعدواناً .

لكن ما ذكرناه مختصّ ظاهراً بمن تولّى منصباً من قبله ، كالقضاء ، والحكومة ، والإمارة ، بل والولاية على الجباية وسائر أنحاء المناصب ، دون مثل الجندي ، وخدمة الدوائر ، ونظائرهم ؛ للفرق بين شؤون السلطنة بفروعها ، ومثل ما ذكر .

لأنّ تولّي الاُمور المتقدّمة تصرّف في شؤون السلطنة ، ولو لم يكن المتصرّف مستولياً ، ومع الاستيلاء غصب للشؤون ، بخلاف مثل الخادم والجندي ، فصيرورة شخص جندياً أو خادم دائرة غير تقلّد المناصب ، ليست محرّمة لا بعنوان الغصب ولا بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

فلا بدّ من التماس دليل آخر على حرمتها، ويأتي الكلام في الروايات الخاصّة.

وممّا تقدّم يظهر النظر فيما يظهر من المحقّق صاحب «الجواهر»(1) من أنّ الولاية على المحلّل حلال لو لا الأخبار الخاصّة ؛ إذ ظهر أ نّها محرّمة مع الغضّ

ص: 176


1- جواهر الكلام 22 : 157 .

عنها لكن لا بعنوان ذاتها بل بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

فلا بدّ في تقلّد شيء من المناصب وشؤون السلطنة من الإذن من ولاة الأمر أو المنصوب من قبلهم .

ثمّ إنّه يظهر منهم أنّ الولاية من قبل السلطان العادل الحقّ قد تصير واجبة عيناً ، إذا عيّنه أو يتوقّف القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه ، ومن قبل الجائر تحرم إذا كانت على محرّم ، وكذا إذا كانت على ما يشتمل على محرّم ومحلّل ، كالحكومة على بعض البلدان المشتملة على خراج ، ونظام ، وسياسة ، ومحرّمات ، كالكمرك وغيره إذا لم يأمن من اعتماد ما يحرم(1) ، والظاهر من التعبيرات أنّ الولاية بما ذكر صارت بعنوانها واجبة أو محرّمة .

فإن كان هذا الظاهر مراداً فهو غير وجيه ؛ لأنّ الوجوب في الموردين لم يتعلّق بذاتها وعنوانها :

أمّا في الأوّل فلأنّ الواجب عنوان إطاعة السلطان العادل ، لا عنوان الولاية ، وهما عنوانان ، ولا يلزم من وجوب أحدهما وجوب الآخر وإن كانا منطبقين على الوجود الخارجي .

وقد قالوا نظير ذلك في غير المقام ، كوجوب الوضوء والغسل بالنذر والعهد والقسم . ويرد عليهم نظير ما أوردناه في المقام .

وأمّا في الثاني فمضافاً إلى عدم وجوب المقدّمة شرعاً ، أ نّها لو كانت واجبة فالتحقيق أنّ الوجوب في المقدّمة لم يتعلّق بما هي مقدّمة بالحمل الشائع

ص: 177


1- النهاية : 356 ؛ المهذّب 1 : 346 ؛ السرائر 2 : 202 ؛ شرائع الإسلام 2 : 6 .

وبالعناوين الذاتية لها ، بل يتعلّق بعنوان الموصل بما هو كذلك ، كما هو محتمل

كلام «الفصول»(1) ، وهو عنوان آخر غير عنوان ذات المقدّمة .

فالولاية بعنوانها الذاتي لا تصير واجبة إذا توقّف واجب عليه .

ولأنّ التولية على أمر محرّم لا توجب حرمتها ، ولا تسري حرمة ذلك المحرّم إليها ؛ لعدم وجه للسراية . ومقدّمات الحرام ليست محرّمة لو فرضت كونها من مقدّماتها .

هذا مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة الآتية .

نعم ، قد عرفت أ نّها من قبل الجائر محرّمة ، سواء كانت على محلّل أو محرّم بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

في الروايات الدالّة على أنّ حرمة الولاية لأجل حرمة التصرّف في سلطان الإمام علیه السلام

وأمّا الروايات فيظهر من بعضها أنّ حرمتها لما أشرنا إليه :

كرواية أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال ، وما حرّمناه من ذلك فهو له حرام»(2) .

والظاهر أنّ المراد بما حرّمناه ذكر بعض مصاديق ما يقابل الجملة الاُولى ،

ص: 178


1- الفصول الغروية : 81 / السطر 4 .
2- تهذيب الأحكام 4 : 138 / 387 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 15 .

لا إثبات قسم ثالث غير مذكور ، فيكون المراد ما لم نحلّل له فهو حرام .

ودلالتها على المطلوب مبنيّة على أن يكون المراد من «شيء أصابه» عملاً من أعمالهم ، على أن يكون «من أعمال الظالمين» بياناً للشيء . فحاصل المعنى أنّ كلّ ولاية أو نحوها أصابها ، موقوفة حلّيتها على تحليلنا ، فتدلّ على أنّ عدم الجواز في غير صورة التحليل ، بجهة التصرّف في سلطانهم ، ومع إجازتهم لا يكون التقلّد لها عدواناً فيحلّ .

لكنّ الأظهر أنّ المراد بالشيء الأموال التي أصابها من أعمالهم . فحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد منه ما يقع في يده من الزكوات والغنائم وخراج الأراضي الخراجية ، إلى غير ذلك ممّا يكون جمعها والتصرّف فيها مختصّاً بوالي الحقّ ، ويكون ولاة الجور ظالمين في الأخذ والإعطاء فيها .

فتدلّ على أنّ تجويزهم وتحليلهم لما أصابوا موجب للحلّية ؛ لأنّ تحليلهم إجازة لما أخذه من غير حقّ ، فيتعيّن زكاة وخراجاً بإجازتهم في هذا المقدار ؛ إذ إعطاء الزكاة والخراج لوالي الجور لا يوجب وقوعهما وتعيّنهما ، لكونه غاصباً ، ومع إجازة والي الحقّ يتعيّنان . وتحليل ما أخذه المتقلّد لولاية ، إجازة لما أخذه ،

فوقع زكاةً وخراجاً ، فحلّ له .

وعلى هذا الاحتمال تدلّ بالملازمة على أنّ تصرّفاتهم وتقلّدهم للولاية محرّمة ؛ لأجل التصرّف في سلطان الغير .

وكذا لو كان المراد من شيء أعمّ منها ومن مجهول المالك . واحتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له ، لو لم نقل إنّ الظاهر اختصاصه بما تقدّم ؛ لظهور الحلّية بالتحليل في أ نّه يكون لصاحب الحقّ .

ص: 179

وأظهر منها ما هي نظيرها عن الكشّي في رجاله عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «من أحللنا له شيئاً [أصابه] من أعمال الظالمين فهو له حلال ؛ لأنّ الأئمّة منّا مفوَّض إليهم ، فما أحلّوا فهو حلال ، وما حرّموا فهو حرام»(1) .

وع-ن «اختصاص» الشيخ المفيد ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن ابن عميرة مثله(2) .

فهي كما ترى ظاهرة في أنّ التحليل متعلّق بالأعمال وتقلّدها . ولعلّ المراد

بالتفويض تفويض السلطنة وشؤونها ، فيكون تحليلهم لحقّهم وأ نّهم علیهم السلام

سلطان من قبل اللّه .

وعن السيّد هبة اللّه معاصر العلاّمة عن صفوان بن مهران ، قال : كنت عند

أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من الشيعة ، فشكا إليه الحاجة ، فقال له : «ما يمنعك من التعرّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله ؟» فقال : إنّكم حرّمتموه علينا . فقال : «خبّرني عن السلطان لنا أو لهم ؟» قال : بل لكم ، قال : «أهم الداخلون علينا ، أم نحن الداخلون عليهم ؟» فقال : بل هم الداخلون عليكم ، قال : «فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم في بعض حقّكم . . .»(3) .

ص: 180


1- لم نجده في رجال الكشي وإن نقل عنه في مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 26 .
2- الاختصاص : 330 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 139 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، ذيل الحديث 26 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 25 .

وعن «الاختصاص» عن إسحاق بن عمّار ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام

عن الدخول في عمل السلطان ؟ فقال : «هم الداخلون عليكم ، أم أنتم الداخلون عليهم ؟» فقال : لا بل هم الداخلون علينا ، قال : «لا بأس بذلك»(1) .

والظاهر منهما جواز دخول الشيعة في أعمالهم ؛ لكونها حقّهم من قبل أئمّتهم علیهم السلام ، وأنّ ذلك نحو استنقاذ لحقّهم وحقّ أئمّتهم علیهم السلام . ولعلّ ذلك إذن عامّ أو كاشف عنه للشيعة الإمامية .

ويؤيّد المطلوب رواية الحسن بن الحسين الأنباري ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان . . .(2) حيث إنّ الظاهر منها معهودية لزوم الإذن منهم وأ نّه مع عدم الإذن لا يجوز الدخول ومعه يجوز . ولا معنى للاستئذان فيما يكون محرّماً ذاتاً ، فلا بدّ وأن يكون محلّلاً

مع قطع النظر عن حقّهم علیهم السلام .

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كتّاب بني اُميّة ، - إلى أن قال : - فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي

لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا . . .»(3) .

ص: 181


1- الاختصاص : 261 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 141 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 111 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 1 .
3- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

والظاهر أنّ تعييرهم في الدخول في أعمالهم لأجل سلب حقّهم به ، وفيها إشعار بأنّ الولاية لهم وليس لغيرهم الدخول فيها .

وفيها احتمال آخر ، وهو أنّ الدخول في أعمالهم الموجب لشوكتهم وقوّتهم محرّم ، لا لكونه مقدّمة للحرام ، بل لتعلّق الحرمة عليه لتلك النكتة ، فكانت غير مربوطة بالروايات المتقدّمة .

وكيف كان ، الظاهر ممّا تقدّم أنّ عدم جواز التولية لأجل حرمة التصرّف في سلطانهم علیهم السلام .

وهنا طوائف اُخرى :

في الروايات الدالّة على حرمة الولاية ذاتاً

منها : ما تدلّ على الحرمة الذاتية :

كرواية «تحف العقول» ، وفيها : «فوجه الحلال من الولاية ، ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته» إلى أن قال : «فالولاية له ، والعمل معه ، ومعونته في ولايته ، وتقويته حلال محلّل ، وحلال الكسب معهم ، وذلك لأنّ في ولاية والي العدل وولاته ، إحياء كلّ حقّ وكلّ عدل» إلى أن قال : «وأمّا وجه الحرام من الولاية ، فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه ، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرّم ، ومعذّب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير ؛ لأنّ كلّ شيء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر ، وذلك أنّ في ولاية

ص: 182

الوالي الجائر ، دوس (دروس - خ . ل) الحقّ كلّه وإحياء الباطل كلّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد ، وتبديل سنّة اللّه وشرائعه ، فلذلك حرم العمل معهم ، ومعونتهم ، والكسب معهم ، إلاّ بجهة الضرورة ، نظير الضرورة إلى الدم والميتة . . .»(1) .

ولا يخفى أ نّها ظاهرة الدلالة على الحرمة ذاتاً . وما ذكر فيها من العلل علل للتشريع ، فكأ نّه قال : لمّا كانت المفاسد العظيمة مترتّبة على الولاية من قبل الجائر ، وأنّ الحكومات الجائرة الباطلة منشأ كلّ مفسدة ، حرّمها اللّه تعالى وحرّم الدخول فيها في أعمالهم والولاية من قبلهم ، وإلاّ فالمفاسد المذكورة لم تترتّب على كلّ ولاية ؛ ضرورة أنّ في عصر بني اُميّة وبني العبّاس - لعنهم اللّه -

لم يكن نبي ، لكنّ المنظور بيان علّة التشريع كلّياً ، فدلالتها على الحرمة الذاتية

غير خفيّة .

ورواية زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى علیه السلام -

إلى أن قال - : فقال لي : «يا زياد! لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم ، إلاّ لماذا ؟» قلت : لا أدري جعلت فداك . قال : «إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه . يا زياد ، إنّ أهون ما يصنع اللّه عزّ وجلّ بمن تولّى لهم عملاً ، أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه عزّ وجلّ من حساب الخلائق»(2) .

ص: 183


1- تحف العقول : 332 .
2- الكافي5 : 109 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 194 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 9 .

دلالتها على الحرمة الذاتية لأجل أنّ أبا الحسن علیه السلام مع كونه وليّ الأمر وصاحب الحقّ ، قال ما قال ، وعلّله بما ذكر ، واستثنى ما استثنى ، فلو كانت الحرمة للتصرّف في حقّهم فقط ، لما كان لذلك كلّه وجه .

وموثّقة مسعدة بن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ، يعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم ؟ قال : «ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك» . ثمّ قرأ أبو عبداللّه علیه السلام هذه الآية : )لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسرائيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ((1) إلى أن قال : «ثمّ احتجّ اللّه على المؤمنين الموالين للكفّار فقال : )تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ

يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ( إلى قوله : )وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ((2) فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة»(3) .

والظاهر من استثناء التقيّة أنّ المراد بالموالاة ليس المحبّة والوداد ، بل التولّي للاُمور والتصدّي لأعمالهم ، أو الأعمّ منه ومن الموالاة ظاهراً بإظهار المحبّة والوداد ، سيّما مع أنّ الظاهر من صدرها أنّ نفي التشيّع عن الجماعة ، ليس لخصوص الموالاة ، بل الظاهر أنّ من عمل لهم ودخل في أعمالهم ليس من الشيعة ويكون منهم ، ومعلوم أنّ هذا النفي والإثبات بوجه من التأويل ، وذلك لاشتراكهم حكماً .

ص: 184


1- المائدة (5) : 78 .
2- المائدة (5) : 80 - 81 .
3- تفسير القمّي 1 : 176 ؛ وسائل الشيعة 17 : 190 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 10 .

ودلالتها على الحرمة الذاتية واضحة .

ورواية سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال : «يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم ، عديل الكفر . . .»(1) .

والظاهر منها أنّ الثلاثة المذكورة محرّمة بعناوينها . واحتمال أن تكون الحرمة في الدخول في أعمالهم لأجل التصرّف في سلطان الغير بعيد .

ومن هذا القبيل الروايات المستفيضة عن الرضا علیه السلام حين سألوه عن وجه الدخول في ولاية العهد ، فأجاب بأنّ التقيّة أوجبت ذلك(2) وإن يحتمل فيها أن يكون جوابه كذلك لحفظ قلوب المستضعفين الظانّين بأنّ الدخول فيها منافٍ للزهد ، كما يشعر به بعض الروايات(3) أو لكون الدخول تقوية لسلطان الجور وتثبيت سلطانه ، فأجاب بما أجاب عليه الصلاة والسلام(4) .

ومن هذا القبيل رواية ابن بنت الكاهلي وغيرها عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من سوّد اسمه . . .»(5) .

ص: 185


1- تفسير العيّاشي 1 : 238 / 110 ؛ وسائل الشيعة 17 : 191 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 12 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 203 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 206 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 10 .
5- تقدّمت في الصفحة 167 .

والمراد الدخول في ديوانهم والتقلّد لأعمالهم أعمّ من التولية وغيرها . والظاهر منها أنّ الدخول والتقلّد محرّم بذاته ، لا أنّ الحرمة لانطباق عنوان محرّم

عليه كالتصرّف في سلطان الغير ، أو لأمر خارج كالابتلاء بالمحرّمات فيها .

في الروايات الدالّة على أنّ الحرمة لأمر خارج

ومنها : ما تدلّ على أنّ الحرمة لأمر خارج :

كصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمالهم ؟ فقال لي : «يا أبا محمّد ، لا ، ولا مدّة قلم . إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من

دينه مثله» أو «حتّى يصيبوا من دينه مثله» . الوهم من ابن أبي عمير(1) .

والظاهر منها أنّ النهي عن الدخول في أعمالهم للإرشاد إلى حفظ دينهم ، وأنّ الدخول فيها والإصابة من دنياهم ملازم لإصابتهم من دينه ، إمّا لملازمته للمعصية نوعاً ، أو لإرجاع الاُمور المحرّمة إليه ، أو لحصول المحبّة والوداد لهم قهراً .

ونحوها رواية جهم بن حميد ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أما تغشى سلطان هؤلاء ؟» قال : قلت : لا . قال : «ولم ؟» قلت : فراراً بديني ، قال : «وقد عزمت على ذلك ؟» قلت : نعم . قال لي : «الآن سلم لك دينك»(2) .

ص: 186


1- الكافي 5 : 106 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 5 .
2- الكافي 5 : 108 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 7 .

ورواية داود بن زربي ، قال : أخبرني مولى لعلي بن الحسين علیه السلام قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبداللّه علیه السلام الحيرة فأتيته فقلت : جعلت فداك ، لو كلّمت

داود بن علي أو بعض هؤلاء ، فأدخل في بعض هذه الولايات ؟ فقال : «ما كنت لأفعل» إلى أن قال : جعلت فداك ، ظننت أ نّك إنّما كرهت ذلك مخافة أن أجور وأظلم ، وإنّ كلّ امرأة لي طالق ، وكلّ مملوك لي حرّ ، وعليّ وعليّ إن ظلمت أحداً أو جرت عليه وإن لم أعدل . قال : «كيف قلت ؟» فأعدت عليه الأيمان ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : «تناول السماء أيسر عليك من ذلك»(1) .

بناءً على أنّ المراد أ نّه أيسر من العدل ، كما هو الأرجح ، فتكون دالّة أو مشعرة بالمطلوب .

في الروايات الظاهرة في الحرمة بلا عنوان

ومنها : ما هي ظاهرة في الحرمة بلا عنوان ، وإن لا يبعد دعوى دلالتها على الحرمة ذاتاً ، فتكون من الطائفة السالفة :

كصحيحة الوليد بن صبيح ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فاستقبلني

زرارة خارجاً من عنده ، فقال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «يا وليد ، أما تعجب من زرارة ؟ سألني عن أعمال هؤلاء ، أيّ شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له : لا ؟ فيروي(2) ذلك عليّ ؟» ثمّ قال : «يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟

ص: 187


1- الكافي 5 : 107 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 188 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 4 .
2- لا يبعد أن يكون بصيغة المجهول . [ منه قدس سره ]

إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ، ويستظلّ

بظلّهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا ؟»(1) .

ورواية يحيى بن إبراهيم ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : فلان يقرؤك السلام ، وفلان وفلان . فقال : «وعليهم السلام» قلت : يسألونك الدعاء . قال : «وما لهم ؟» قلت : حبسهم أبو جعفر . فقال : «وما لهم ؟ وما له ؟» فقلت : استعملهم فحبسهم . فقال : «فما لهم ؟ وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ هم النار ، هم النار ، هم النار» ثمّ قال : «اللهمّ اجدع عنهم سلطانهم» . قال : وانصرفنا

[فانصرفنا خ . ل ]من مكّة فسألنا عنهم ، فإذا قد اُخرجوا بعد الكلام ، بثلاثة أيّام(2) . إلى غير ذلك .

عدم المنافاة بين الأخبار

ثمّ إنّ هذه الطوائف لا منافاة بينها :

أمّا الأخيرة مع ما دلّت على الحرمة الذاتية فواضح .

وأمّا مع ما دلّت على الحرمة لأجل التصرّف في سلطانهم ، فلعدم المنافاة بين حرمتها ذاتاً ومن حيث التصرّف المذكور ، فإنّهما عنوانان مختلفان في محطّ تعلّق الحكم ومتّحدان خارجاً ، فلكلٍّ حكم مستقلّ .

ص: 188


1- الكافي 5 : 105 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 187 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 107 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 188 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 3 .

وقوله : «من أحللنا له شيئاً من أعمال الظالمين فهو حلال»(1) لا دلالة له على عدم الحرمة ذاتاً للولاية ، ولا على تحليلهم ما حرّمه اللّه تعالى ذاتاً أو جواز ذلك

لهم . بل لمّا كان في التحريم الذاتي استثناء كما سيأتي إن شاء اللّه ، يكون في مورد الاستثناء منه أيضاً احتياج إلى تحليلهم . فإنّ الحلّية الشرعية الذاتية الأوّلية

لا تنافي الحرمة من حيث الغصب أو التصرّف في حقّ الغير .

وبالجملة : إنّ قوله : «من أحللنا . . .» لا يتعرّض لمورد التحليل ولا لجوازه مطلقاً ، ومعلوم أ نّهم لا يحلّلون ما حرّمه اللّه تعالى ، لكن في مورد تحليل اللّه لا تحلّ إلاّ بإذنهم ورضاهم .

فلا منافاة بين تلك الطائفة ، وبين ما دلّت على الحرمة الذاتية أو على الحرمة بلا عنوان .

وأمّا بعض ما تقدّمت ممّا دلّت على استئذانهم في الدخول الظاهر منه أ نّه محلّل ، مع قطع النظر عن الاستئذان منهم ، فمحمول على الاستئذان في مورد الاستثناء عن الحرمة ذاتاً ، كما تشعر أو تدلّ عليه بعضها .

وقد أشرنا إلى أ نّه لا إطلاق فيها يشمل مطلق التولّي والتقلّد ، فإذاً لا منافاة بينهما بوجه .

وكذا بينها وبين ما تشعر أو تدلّ على الإرشاد ، فإنّ غاية ما فيها عدم الدلالة على الحرمة ذاتاً لا الدلالة على عدمها . فلو كان فيها إشعار به فلا يقاوم ظهور غيرها ، كما لا يخفى .

ص: 189


1- تقدّم في الصفحة 180 .

فتحصّل من جميع ذلك أنّ ما هو من قبيل المناصب والولايات وأمثالهما تحرم بعنوانين : أحدهما بعنوان التصرّف العدواني ، وثانيهما بعنوانها الذاتي . وما لا يكون كذلك ؛ أي ليس من المناصب وشؤون السلطنة والحكومة ، تحرم فيما تحرم بجهة واحدة ، وهي الدخول في أعمال السلطان ، وقد تقدّم المراد منه .

هذا إذا لم تنطبق عليه عناوين اُخر ، كإعانة الظالم في ظلمه ، وتقوية شوكة الظالمين ونحوهما .

مسوّغات الولاية من قبل الجائر

ثمّ إنّه يسوّغ الدخول في أعمالهم أمران :

الأمر الأوّل : القيام بمصالح العباد

أحدهما : القيام بمصالح العباد . وقد ادّعي عليه الإجماع وعدم الخلاف(1) .

واستدلّ عليه الشيخ الأنصاري بأنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر(2) .

وفيه : أنّ هذا الاستدلال أخصّ من المدّعى ، فإنّ المدّعى جواز الدخول والتولية لمصلحة ولو راجحة ، كما هو مورد دلالة الأخبار .

مضافاً إلى أنّ المدّعى استثناء المورد عن الحرمة ، كما اعترف به وتدلّ عليه

ص: 190


1- فقه القرآن ، الراوندي 2 : 24 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 72 .

الأخبار ، لا من باب ترجيح أحد المتزاحمين . ولو آل الأمر إلى مزاحمة المقتضيات ، فقلّما يمكن إحراز أهمّية الدخول في الولاية المحرّمة من جهتين ، بل قد تنطبق عليه عناوين محرّمة اُخر كتقوية شوكة الظالمين والإعانة للخلفاء الغاصبين ، إن قلنا بأنّ مطلق إعانتهم ولو في غير ظلمهم محرّمة كما سبق الكلام فيه(1) .

فلا يمكن ترجيح مقتضيات المصالح ودفع المفاسد على مقتضياتها إلاّ نادراً .

ذكر الروايات في المسألة

فالأولى التمسّك للمطلوب بالروايات الكثيرة الواردة في هذا المضمار ، وبيان مقدار دلالتها :

ففي صحيحة الحلبي ، قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل مسلم وهو في ديوان هؤلاء ، وهو يحبّ آل محمّد رحمهما اللّه ويخرج مع هؤلاء في بعثهم ، فيقتل تحت رايتهم ؟ قال : «يبعثه اللّه على نيّته» . قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم ؟ قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(2) .

وأرسل الصدوق في «المقنع» عنه علیه السلام نحو الفقرة الاُولى منها (3) .

ص: 191


1- تقدّم في الصفحة 168 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .
3- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 6 .

والظاهر منهما أنّ الدخول في ديوانهم والخروج معهم في غزوهم حرمةً وحلّيةً تابعان لنيّة الشخص ، فإن كان في نيّته الدخول للصلاح يحلّ ، وإن كان لغيره فلا . بل لعلّه يمكن استفادة الحلّية زائدة على مورد نيّة القيام بصلاح العباد ، سيّما مع ذيل الاُولى ، وإن لا يخلو من إشكال .

وكيف كان لا شبهة في دلالتهما على أنّ الدخول بنيّة القيام بمصالح العباد أو الإسلام جائز ، فهما مع صحّة اُولاهما سنداً لا خدشة في دلالتهما .

ثمّ إنّ الظاهر منهما أنّ الجواز فعلي لا حيثي ، فتدلاّن على أ نّه مع خلوص نيّة الصلاح كما يجوز شرعاً بالعنوان الأوّلي ويستثنى من المحرّم الذاتي الإلهي ، يكون الإمام علیه السلام راضياً بدخوله كذلك ، فيكشف منهما الرضا في كلّ مورد كذائي والإذن العامّ لمن دخل كذلك ، فيحلّ فعلاً ومن الحيثين .

وفي «مستطرفات السرائر» نقلاً من كتاب «مسائل الرجال» ، عن أبي الحسن علي بن محمّد علیه السلام أنّ محمّد بن [علي بن] عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العبّاس وأخذ ما يتمكّن من أموالهم ، هل فيه رخصة ؟ فقال : «ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر ، فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه» إلى أن قال : فكتبت إليه في جواب ذلك اُعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيء أتقرّب به إليهم ، فأجاب : «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً»(1) .

ص: 192


1- السرائر ، المستطرفات 3 : 583 ؛ وسائل الشيعة 17 : 190 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 9 .

وفي رواية زياد بن أبي سلمة ، عن أبي الحسن موسى علیه السلام

فقال لي : «يا زياد ، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلاّ لماذا ؟» قلت : لا أدري جعلت فداك . قال : «إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه . . .»(1) .

وهي وإن كانت متعرّضة لجواز دخوله علیه السلام لتلك الغايات ، لكنّ الظاهر أنّ ذلك لبيان مورد الجواز حتّى يستفيد منه السامع ، لا لبيان اختصاص الجواز به . فيكشف منها أيضاً الإذن العامّ والرضا المطلق للدخول في حقّهم مضافاً إلى الجواز شرعاً وذاتاً .

وفي رواية يونس بن عمّار (حمّاد - خ . ل) ، قال : وصفت لأبي عبداللّه علیه السلام

من يقول بهذا الأمر ممّن يعمل عمل (مع - التهذيب) السلطان ، فقال : «إذا ولّوكم يدخلون عليكم المرفق وينفعونكم في حوائجكم ؟» قال : قلت : منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعل . قال : «من لم يفعل ذلك منهم فابرأوا منه برئ اللّه منه»(2) .

وظاهر أنّ استفصاله وتخصيص البراءة بمن لم يفعل ، دالّ على أنّ من يفعل لا يكون بهذه المثابة ، فيدلّ على الجواز ذاتاً ، وعلى الإذن العامّ بما مرّ .

وعن الشيخ المفيد في «الروضة» ، عن علي بن جعفر ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : إنّ قوماً من مواليك يدخلون في عمل السلطان ، ولا يؤثرون

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 183 .
2- الكافي 5 : 109 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 12 .

على إخوانهم ، وإن نابت أحداً من مواليك نائبة قاموا ؟ فكتب : «اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، عليهم مغفرة من ربّهم ورحمة ، واُولئك هم المهتدون»(1) . ونحوها رواية اُخرى عنه(2) .

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان والدخول معهم ؟ قال : «لا بأس ، إذا وصلت إخوانك ، وعضدت أهل ولايتك»(3) .

وعن الوليد بن صبيح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من سوّد اسمه في ديوان

بني شيصبان ، حشره اللّه يوم القيامة مسوّداً وجهه ، إلاّ من دخل في أمرهم على معرفة وبصيرة ، وينوي الإحسان إلى أهل ولايته»(4) .

وعن محمّد بن سنان عنه علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان ، والدخول معهم ، وما عليهم فيما هم فيه ؟ قال : «لا بأس به إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته»(5) .

ص: 194


1- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 19 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 4 .
4- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 6 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث7 .

وعن رجال الكشّي في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عنه ، قال : قال أبو الحسن الرضا علیه السلام : «إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ، ومكّن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح اللّه به اُمور المسلمين ، إليهم

ملجأ المؤمنين من الضرر ، إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة ، اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، اُولئك اُمناء اللّه في

أرضه» إلى أن قال : «فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» . قال : قلت : بما ذا جعلني اللّه فداك ؟ قال : «يكون معهم فيسرُّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا ، فكن منهم يا محمّد»(1) .

فإنّ الظاهر من ذيلها الترغيب في دخول شيعته في أعمالهم لهذا المقصد وحمله على أ نّه لو كان معهم لفعل كذا خلاف الظاهر جدّاً ، مع أنّ تقريره لكونهم معهم على الفرض كافٍ في المطلوب ، سيّما مع هذه التوصيفات .

إلاّ أن يقال : إنّ ذلك وما هي نظيره لا دلالة فيها على جواز الدخول ؛ لأ نّه إخبار عن وجود أمثال هؤلاء في ديوانهم وأبوابهم ، ولعلّه كان دخولهم إجباراً وقهراً أو تقيّةً واضطراراً ، فالعمدة دلالة ذيلها .

نعم ، لا يبعد أن يكون قوله : «فكن منهم يا محمّد» لترغيبه بالإحسان إلى الشيعة لو كان ذلك في زمان تقلّده عملهم ، ويحتمل أن يكون صدوره في زمان لم يكن متقلّداً .

ص: 195


1- لم نجد هذا الحديث في رجال الكشّي . اُنظر رجال النجاشي : 331 / 893 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 76 .

وأمّا احتمال كون المذكورين في رواية محمّد بن إسماعيل ونظائرها من غير المتقلّدين لأمرهم ، بل من أشراف البلد الذين لهم ذهاب وإياب في أبوابهم(1) ، فهو خلاف ظاهر قوله : «ومكّن له في البلاد . . .» . بل خلاف ظاهر قوله : «بأبواب الظالمين» ، سيّما مع كون الراوي لها مثل محمّد بن إسماعيل ولبعضها علي بن يقطين ، وهما متقلّدان لأعمالهم ، ولعلّها صادرة لترغيبهم في البقاء على بابهم .

وتشهد له رواية محمّد بن عيسى بن يقطين ، قال : كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن علیه السلام في الخروج من عمل السلطان . فأجابه : «إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان ، فإنّ للّه عزّ وجلّ بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه ، وهم عتقاؤه من النار ، فاتّق اللّه في إخوانك» ، أو كما قال(2) .

ومنها يظهر المراد من قوله في رواية ابن بزيع «إنّ للّه بأبواب الظالمين . . .» .

فهذه جملة من الروايات .

ونحوها جملة وافرة اُخرى متوافقة المضمون دالّة على جواز الدخول في أعمالهم لإصلاح حال المؤمنين والقيام بمصالحهم . وتظافرها وكثرتها أغنانا عن النظر إلى الأسناد والمصادر ؛ للوثوق والاطمئنان بصدور جملة منها . مع أنّ فيها صحيحة الحلبي المتقدّمة(3) .

ص: 196


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 256 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 3 .
3- تقدّمت في الصفحة 191 .

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام : «إنّ للّه تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه»(1) .

بناءً على أنّ قوله ذلك لترغيبه في بقائه على شغله ، كما تشهد به مضافاً إلى

رواية محمّد بن عيسى المتقدّمة روايته الاُخرى ، أ نّه كتب إلى أبي الحسن موسى علیه السلام ، قال : إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان - وكان وزيراً لهارون - فإن أذنت جعلني اللّه فداك هربت منه ؟ فرجع الجواب : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه» ، أو كما قال(2) .

واحتمال التقيّة بعيد ولو بملاحظة سائر الروايات .

وأمّا رواية الحسين بن زيد عن الصادق علیه السلام في مناهي رسول اللّه رحمهما اللّه قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من تولّى عرافة قوم اُتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه ، فإن قام فيهم بأمر اللّه عزّ وجلّ أطلقه اللّه ، وإن كان ظالماً

هوى به في نار جهنّم وبئس المصير»(3) وقريب منها غيرها (4) .

فلا تدلّ على المقصود ؛ لأ نّها بصدد بيان التحذير عن الدخول في الرئاسة

ص: 197


1- الفقيه 3 : 108 / 451 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 1 .
2- قرب الإسناد : 305 / 1198 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 16 .
3- الفقيه 4 : 11 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 6 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 7 .

حتّى مثل رئاسة قبيلة ، لا في مقام بيان جواز الرئاسة فضلاً عن الرئاسة من قبلهم حتّى يؤخذ بإطلاقها .

ويحتمل أن تكون في مقام بيان أنّ الرئيس إن كان عادلاً فكذا ، وإن كان ظالماً فكذا .

وهي نظير قوله : «العالم إن كان عادلاً يجوز حكمه وقضاؤه ، وإن كان فاسقاً فلا» ؛ حيث لا تعرّض له لجواز تحصيل العلم ولا يجوز التمسّك بإطلاقه له .

ثمّ إنّ في المقام روايات ربما يقال بالتعارض بينها في نفسها ، وبينها وبين الروايات المتقدّمة المجوّزة للدخول في أعمالهم لغرض القيام بمصالح العباد .

كذيل رواية «تحف العقول» ، حيث قال : «فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة»(1) .

وظاهرها بملاحظة التنظير ، الضرورة في المعاش ، لا الاضطرار في الدخول للخوف منهم .

فتكون نحو موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام : سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ؟ قال : «لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2) .

ص: 198


1- تحف العقول : 332 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 330 / 915 ؛ وسائل الشيعة 17 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 3 .

وظاهرهما عدم جواز الدخول إلاّ عند الاضطرار في المعاش .

وفي رواية محمّد بن إدريس المتقدّمة : «ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه»(1) والمراد بالمكروه المحرّم بلا ريب بقرينة المقام وبقرينة ذيلها الآتي . فهي تدلّ على عدم الجواز إلاّ في مورد القهر والجبر .

وفي موثّقة مسعدة بن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان . . . إلى أن قال : «فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة»(2) .

ونحوها رواية علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال : «إن كنت لا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة» . قال : فأخبرني علي أ نّه كان يجبيها من الشيعة علانيةً ويردّها عليهم في السرّ(3) .

بناءً على أنّ الموالاة في الاُولى بمعنى النصر والدخول في أعمالهم ، وعلى أنّ المراد باللابدّية في الثانية كونها للخوف من سلطانهم وسوطهم لولا الدخول ، كما هو كذلك من مثل علي بن يقطين .

فهذه الروايات بمقتضى الحصر في كلّ عنوان منها تعارض بعضها بعضاً ، وتعارض مع ما تقدّمت من الروايات المجوّزة للدخول لنيّة صلاح المؤمن .

ص: 199


1- تقدّمت في الصفحة 192 .
2- تقدّمت في الصفحة 184 .
3- الكافي 5 : 110 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 8 .

عدم المعارضة بين الروايات لدى العرف والعقلاء

ويمكن أن يقال : لا معارضة بين أنفسها ؛ لأ نّها إذا عرضت على العرف والعقلاء يجمعون بينها بأنّ المجوّز للدخول مطلق العذر ، وإنّما ذكر في كلّ منها مصداق منه ، وإلاّ فلا ينقدح في الأذهان من الحصر في رواية «التحف» مثلاً إرادة سلب الجواز حتّى مع التقيّة أو القهر والجبر ، وهكذا في غيرها .

والإنصاف أنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ المراد سلب الجواز بلا عذر ، من غير خصوصية لعذر خاصّ بين الأعذار ، سيّما مع ملاحظة عمومات التقيّة ورفع الاضطرار والاستكراه .

وكذا لا معارضة بينها وبين الروايات المتقدّمة ؛ لأنّ الروايات الواردة في الأعذار متعرّضة للعناوين الثانوية ورتبتها متأخّرة عن الروايات المقيّدة والمخصّصة للعناوين الأوّلية .

وإن شئت قلت : إنّ موضوع أخبار الأعذار هو المحرّم الأوّلي ، والروايات المخصّصة رافعة لموضوعها في مورد التخصيص ، فتكون حاكمة عليها لا معارضة معها .

مضافاً إلى أنّ في تلك الروايات ما تشهد على أنّ المراد بها غير مورد الورود في الولاية للإصلاح أو لإيقاع المكروه عليهم :

ففي رواية محمّد بن إدريس بعد السؤال عن العمل لبني العبّاس والجواب بعدم الجواز فيما عدا مورد الجبر والقهر ، قال : فكتبت إليه في جواب ذلك اُعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم ، وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه ،

ص: 200

وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيء أتقرّب به إليهم ؟ فأجاب : «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً»(1) .

فيظهر منها صدراً وذيلاً أ نّه علیه السلام حمل العمل لبني العبّاس في المكاتبة الاُولى على العمل المتعارف الذي كانوا يدخلون فيه لأغراض أنفسهم ، فأجاب بعدم الجواز إلاّ مع الجبر والقهر ، فلمّا كتب إليه ثانياً بأنّ مدخله لمقصد كذا أجاب بأ نّه ليس بمحرّم ، بل فيه أجر وثواب .

وهذه شاهدة جمع بين سائر الروايات ، مع أنّ الموالاة في موثّقة مسعدة يمكن أن تكون بمعنى النصرة والإعانة ، فيكون الدخول في أعمالهم لغرض إيقاع المكروه عليهم ، أو غرض إعانة المؤمن ورفع المكروه عنه خارجاً عنها موضوعاً ، تأمّل .

ثمّ إنّ هاهنا روايات اُخر ربما يتوهّم التنافي بينها وبين ما تقدّمت :

كمرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق علیه السلام : «كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان»(2) .

ورواية زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى علیه السلام ، فقال لي : «يا زياد ، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟» قال : قلت : أجل . قال لي : «ولِم ؟» قلت : أنا رجل لي مروءة ، وعليّ عيال ، وليس وراء ظهري شيء . إلى أن قال : «فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك ،

ص: 201


1- تقدّمت في الصفحة 192 .
2- الفقيه 3 : 108 / 453 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 3 .

فواحدة بواحدة ، واللّه من وراء ذلك . . .»(1) .

وفي «المستدرك» ، عن السيّد هبة اللّه ، عن صفوان الجمّال ، قال : دخل

زياد بن مروان العبدي على مولاي موسى بن جعفر علیه السلام ، فقال لزياد : «أتقلّد لهم عملاً ؟» فقال : بلى يا مولاي . فقال : «ولم ذاك ؟» قال : فقلت : يا مولاي ، إنّي رجل لي مروءة ، عليّ عيلة ، وليس لي مال . فقال : «يا زياد ، واللّه لئن أقع من السماء إلى الأرض فأنقطع قطعاً ، ويفصلني الطير بمناقيرها مفصلاً مفصلاً ، لأحبّ إليّ من أن أتقلّدهم عملاً» . فقلت : إلاّ لماذا ؟ فقال : «إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره. إنّ اللّه وعد من يتقلّد لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار ، حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق . فامض وأعزز من إخوانك واحداً ، واللّه من وراء ذلك يفعل ما يشاء»(2) .

وكأ نّه سقط منها شيء وكان الأصل : واحداً بواحد . واحتمال إرادة إعزاز واحدٍ منهم بعيد جدّاً بل فاسد . ويشهد له رواية زياد المتقدّمة ، ويأتي احتمال وحدتهما (3) .

وعن الشيخ المفيد عن علي بن رئاب ، قال : استأذن رجل أبا الحسن موسى علیه السلام في أعمال السلطان ؟ فقال : «لا ، ولا قطّة قلم ، إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو

ص: 202


1- الكافي 5 : 109 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 194 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 9 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 135 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 15 .
3- يأتي في الصفحة 206 .

فكّ أسره» . ثمّ قال له : «كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم»(1) .

وعن الفضل بن عبد الرحمان ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أستأذنه في

أعمال السلطان ؟ فقال : «لا بأس به ما لم يغيّر حكماً، ولم يبطل حدّاً ، وكفّارته قضاء حوائج إخوانكم»(2) .

ورواية الحسن بن الحسين الأنباري ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان ، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أ نّي أخاف على خيط عنقي ، وأنّ السلطان يقول لي : إنّك رافضي ، ولسنا نشكّ في أ نّك تركت العمل للسلطان للرفض ، فكتب إليّ أبو الحسن علیه السلام : «فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فإن كنت تعلم أ نّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه رحمهما اللّه ثمّ تصيّر أعوانك وكتّابك أهل ملّتك ، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم ، كان ذا بذا وإلاّ فلا»(3) .

ورواية العيّاشي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قد ترى مكاني من هؤلاء القوم . فقال : «اُنظر ما أصبت ، فعد به على أصحابك ، فإنّ اللّه يقول : )إِنَّ

ص: 203


1- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 8 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 132 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 10 .
3- الكافي 5 : 111 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 1 .

الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات((1)»(2) .

فإنّ الظاهر من تلك الطائفة حرمة عمل السلطان ، وإنّما يكفّرها قضاء حوائج المؤمنين ، والتي مرّت تدلّ على نفي البأس ، بل والفضل والرجحان فيه لذلك .

ويمكن أن يقال : إنّ الورود في أعمالهم وديوانهم تارةً يكون لمحض إعزاز المؤمن وفكّ أسره ونحوهما ، واُخرى لذلك ولمعيشته ، وثالثةً لمحض المعاش ونحوه ، ورابعةً لمعونتهم وتقوية سلطانهم .

والأخبار الواردة في المقام :

طائفة منها: ناظرة إلى الاُولى، كذيل رواية ابن إدريس في «المستطرفات»(3) ، وبعض فقرات رواية زياد بن أبي سلمة(4) وزياد العبدي(5) حيث استثني فيهما من عدم جواز الدخول ما كان لمصلحة مؤمن . والظاهر أنّ منها أيضاً رواية محمّد بن إسماعيل المتقدّمة(6) .

وهذا النحو من الدخول راجح ، وفيه أجر وثواب .

وطائفة منها : ناظرة إلى الثانية ، كرواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان والدخول معهم ؟ قال : «لا بأس إذا وصلت إخوانك ،

ص: 204


1- هود (11) : 114 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 163 / 79 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 17 .
3- تقدّمت في الصفحة 200 - 201 .
4- تقدّمت في الصفحة 201 .
5- تقدّمت في الصفحة 202.
6- تقدّمت في الصفحة 195 .

وعضدت أهل ولايتك»(1) ، وما هي بمضمونها (2) .

فإنّ الظاهر منها السؤال عن الدخول في أعمالهم للمعيشة ونحوها من أغراضه ، فأجاب بنفي البأس إذا وصلت ؛ أي إذا قصدت ذلك في خلال عملك ، لا بمعنى كون القصد موضوعاً ، بل بمعنى القصد الطريقي ، فتدبّر .

والحمل على أنّ ذلك بوجوده الواقعي شرط الجواز بنحو الشرط المتأخّر ، بعيد غايته .

وطائفة منها : ناظرة إلى الثالثة ، وهي الروايات المتقدّمة المشتملة على قوله : «فواحدة بواحدة»(3) ، وعلى أنّ كفّارة عملهم قضاء حوائج الإخوان(4) .

وأمّا رواية زياد بن أبي سلمة ، فإنّ الظاهر من صدرها أ نّه كان وارداً في عمل

السلطان ومشتغلاً به لأجل معيشته ، وقد حذّره أبو الحسن عن العمل لهم إلاّ لإعزاز مؤمن ونحوه . والظاهر أنّ قوله علیه السلام : «فإن ولّيت . . .» بعد فرض كونه متولّياً لأمرهم وعاملاً لهم يراد به : إن ولّيت في اشتغالك بأعمالهم بما يحتاج إليك إخوانك فأحسن إليهم ، حتّى يكون لك عمل صالح في مقابل السيّء .

ولعلّه علیه السلام أشار بذلك وبقوله : «واللّه من وراء ذلك» إلى قوله تعالى : )خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّ-ئاً عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ

ص: 205


1- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 4 .
2- نفس المصدر ، الحديث 7 و21 .
3- تقدّمت في الصفحة 201 - 202 .
4- تقدّمت في الصفحة 201 .

رَحيمٌ((1) فيكون حاصل مفادها أنّ الوارد في أعمالهم لمعيشته ارتكب حراماً ، فإن أحسن إلى إخوانه يكون واحداً بواحد وعسى اللّه أن يتوب عليه .

وأظهر منها رواية زياد العبدي . ولا يبعد أن يكون هو زياد بن أبي سلمة ، بل ولا يبعد أن يكون العبدي مصحّف «القندي» ، ويكون زياد بن أبي سلمة زياد بن مروان القندي ، ولعلّ مروان كان مكنّى بأبي سلمة ، فإنّ الروايتين كأ نّهما في قضيّة واحدة نقلت الثانية بالمعنى ، ولهذا لا تخلو من نحو اغتشاش .

وإنّما قلنا : هي أظهر في المقصود ؛ لعدم اشتمالها على الشرطية ، بل قال : «امض وأعزز إخوانك . . .» . فأمره بالإعزاز لمن كان مشتغلاً بعملهم للهداية إلى طريق لو سلكه عسى اللّه أن يتوب عليه .

وأمّا رواية علي بن رئاب فلأنّ قوله : «كفّارة أعمالكم . . .» لا يراد به الدخول لإعزاز المؤمن ؛ لأ نّه - مضافاً إلى عدم تناسب الكفّارة مع نفي الحرمة عرفاً ، فإنّها لتكفير السيّ-ئة أو النقيصة الحاصلة منها - أنّ الدخول لذلك له أجر وثواب حسب الروايات المتقدّمة ، فلا معنى للكفّارة فيه .

فيكون ذاك وذا قرينة على أنّ المراد بأعمالهم ما دخلوا فيها لمقاصدهم ، كما هو كذلك بحسب النوع .

ومنه يظهر حال مرسلة الصدوق ورواية العيّاشي .

وأمّا رواية الحسن الأنباري فالظاهر أنّ أبا الحسن علیه السلام كان لم يصدّقه في دعواه الخوف على نفسه ، أو كان علیه السلام عالماً بعدم وقوع مكروه عليه لو لم يدخل

ص: 206


1- التوبة (9) : 102 .

في عملهم ، وإلاّ لأجازه بلا شرط . والمظنون بل المعلوم أنّ اشتراطه بما ذكر

تعليق على أمر غير مقدور له ، فإنّ التولّي لهم في ذلك العصر مع انتخاب جميع الكتّاب والأعوان من غيرهم ومن خصوص الشيعة ، كان غير ممكن عادةً ، كما أنّ المواساة للفقراء بحيث يكون المتولّي للأمر كأحد منهم كأ نّه غير ميسور له .

ففي الحقيقة إنّ هذه الرواية من الروايات الناهية عن الدخول في أعمالهم مطلقاً . مع أنّ ظاهرها مخالف للقواعد ، ولهذا حملناها على ما تقدّم .

كما أنّ رواية الفضل مخالفة لروايات الباب ؛ لأنّ الظاهر منها عدم حرمة التولّي ذاتاً ما لم يغيّر حكماً أو يبطل حدّاً . وقد عرفت دلالة الروايات على حرمته ذاتاً ، ومقتضى اُصول المذهب حرمة التولّي بغير إذنهم ، مضافاً إلى التنافي بين صدرها وذيلها . فإنّ نفي البأس ينافي الكفّارة كما مرّ .

فلا بدّ من حملها على أنّ كفّارة عملهم لمعيشته كذا ، فإنّه المتعارف في أعمالهم .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة جواز الدخول في أعمالهم للمقصد الراجح بما تقدّم ولو لزم من التصدّي جمع الزكوات والخراج من غير الشيعة وإيصالها إلى السلطان الجائر ، فإنّ التولّي لاُمورهم في مثل ولاية النواحي لا ينفكّ عن مثله ، فالسكوت عنه في تلك الروايات الكثيرة دليل على جوازه بالنسبة إلى من كان على مذهبهم ، وكان معتقداً بلزوم إيصال الخراج والزكوات والغنائم إليهم . ففي الحقيقة هو إلزامهم بما التزموا به ، مع أ نّه قد يكون التولّي لخصوص ذلك ، ومقتضى الإطلاق جوازه .

وحمل الروايات على ما لا يلزم من التولّي سوى إعزاز المؤمن ونحوه في

ص: 207

قوّة طرحها ؛ لعدم إمكان العمل بها ، أو ندرة ذلك جدّاً ، مع أ نّه لا دليل لحملها على ذلك سوى الحصر في بعضها ، وقد عرفت حاله .

وقد أشارت إلى ذلك رواية صفوان بن مهران ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام

إذ دخل عليه رجل من الشيعة - إلى أن قال : - فقال : إنّ لهم سيرة وأحكاماً ، قال :

«أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك ؟» قال : بلى . قال : «أجروهم عليهم في

ديوانهم ، وإيّاكم وظلم المؤمن»(1) .

بل في الروايات ما هي كالصريح في تولّيهم ذلك : كرواية علي بن يقطين المتقدّمة(2) ، الحاكية عن جبايته أموال الشيعة علانيةً والردّ إليهم سرّاً ، بعد توصية أبي الحسن علیه السلام ، وما اشتملت على كتابة أبي عبداللّه علیه السلام إلى النجاشي والي الأهواز وفارس(3) ، وغير ذلك . وسيجيء إن شاء اللّه ما ينفع بالمقام في جوائز السلطان .

كلام الشيخ الأعظم في الولاية المكروهة والمستحبّة

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري(4) جمع بين رواية مهران بن محمّد بن أبي نصر عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع اللّه

ص: 208


1- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 25 .
2- تقدّمت في الصفحة 199 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 333 / 925 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 13 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 75 - 76 .

عزّ وجلّ به من المؤمنين ، وهو أقلّهم حظّاً في الآخرة ؛ يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار»(1) .

وبين مثل رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع(2) ، بحمل الاُولى على من تولّى لهم لنظام معاشه قاصداً الإحسان في خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم ، وحمل الثانية على من لم يقصد بدخوله إلاّ الإحسان إلى المؤمنين ، فذهب إلى كراهة الأوّل واستحباب الثاني .

أقول : وفي رواية المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما من سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللّه به عن المؤمنين ، اُولئك أوفر حظّاً في الآخرة»(3) .

وأنت خبير بأنّ الجمع بين هذه الرواية وكذا الروايات المتقدّمة ، وبين رواية مهران بما ذكره ، غير مقبول عرفاً ، سيّما مع كون الورود في عملهم أو الصحابة لهم لغرض إلهي محض نادراً جدّاً .

فحمل بعض منها على ذلك مع شواهد عليه كما مرّ الكلام فيه وإن لا يبعد ، لكن حمل جميع تلك الروايات الكثيرة عليه بعيد جدّاً ، بل غير صحيح ، سيّما في الرواية المتقدّمة إذا كان قوله : «يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار» من تتمّة الحديث ، ليكون ذلك بمنزلة التعليل الدالّ على أنّ صحبة الجبّار علّة

ص: 209


1- الكافي 5 : 111 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 186 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 44 ، الحديث 4 .
2- تقدّمت في الصفحة 195 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 17 .

لأقلّية حظّه ، فمقتضاها أقلّية حظّ مطلق المصاحب ، سواء كان لمحض غرض راجح أم لا .

فتلك الرواية معارضة لرواية محمّد بن إسماعيل وغيرها ، ولا يصحّ الجمع المذكور .

والتفصيل بين الدخول بنحو الصحابة وغيرها أيضاً بعيد ؛ لأنّ موضوع رواية مهران ورواية المفضّل واحد ، والمراد بالمعية فيهما واحد وهو الصحابة كما فسّرت بها .

نعم ، لا شبهة في أنّ الورود لمحض الإحسان على المؤمنين أرجح وأفضل منه لغايتين ، لكن ذلك لا يوجب صحّة الجمع بين الروايات سيّما بين الروايتين المتقدّمتين .

ومن المحتمل أن يكون لفظ «حظّاً» في رواية مهران بتقديم الخاء المعجمة على الطاء غير المعجمة ، وكان التفسير من بعض الرواة ، وكان الأصل الذي فيه الرواية مأخوذاً بالمناولة لا بالقراءة وكان تفسيره لاشتباه وقع في الخطّ . وما ذكرناه وإن كان غير معتمد في نفسه لكن بعد ورود قوله : «أوفر حظّاً» في رواية اُخرى ، وبعد التصرّف فيها وورود روايات اُخر تؤيّدها ، لا بُعد فيه ، سيّما مع قرب وقوع الاشتباه في مثل الكلمة المذكورة التي يكون منشأ الاشتباه فيها تغيير محلّ النقطة قليلاً ، وفي مثله ليس الاحتمال المذكور مخالفةً معتدّاً بها للأصل العقلائي سيّما مع ورود الروايات على خلافه ، والأمر سهل .

ص: 210

في وجوب تصدّي الولاية فيما توقّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه

ثمّ إنّه قد يجب عقلاً تصدّي الولاية فيما كان جائزاً لتوقّف الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر عليه ، لكن حكي عن غير واحد استحبابه(1) .

وقد تصدّى الشيخ الأنصاري لتوجيه كلامهم بأنّ نفس الولاية قبيحة محرّمة ؛ لأ نّها توجب إعلاء كلمة الباطل وتقوية شوكته، وترك الأمر بالمعروف قبيح آخر، وليس أحدهما أقلّ قبحاً من الآخر ، فيكون المقام من قبيل تزاحم المقتضيين ، ويمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم تبلغ حدّ الإلزام .

ثمّ ذكر كلام المحقّق صاحب «الجواهر»(2) بأ نّه يمكن تقوية عدم الوجوب بتعارض ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف وما دلّ على حرمة الولاية عن الجائر ، بناءً على الحرمة الذاتية ، والنسبة عموم من وجه . . .(3) .

مقتضى القواعد مع قطع النظر عن الأخبار

أقول : وقوع التعارض بين الأدلّة وكذا التزاحم بين المقتضيات ، موقوف على إطلاق الأدلّة وكشف المقتضي في مورد التزاحم منها ، أو حكم العقل

ص: 211


1- النهاية : 356 ؛ المهذّب 1 : 346 ؛ السرائر 2 : 202 ؛ شرائع الإسلام 2 : 6 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 77 - 78 .
2- جواهر الكلام 22 : 164 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 79 - 81 .

استقلالاً بوجود المقتضي في المزاحمين .

ويمكن إنكار إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف لمورد توقّفه على الولاية من قبل الجائر ، بأن يقال : إنّ وجوب الأمر بالمعروف إنّما هو لإقامة الفرائض ، ولا إطلاق فيها يشمل ما يوجب سقوط فريضة أو ارتكاب محرّم ، فلا يقع التعارض بينها وبين أدلّة حرمة الولاية .

وليس المراد أنّ كلّ عامّين من وجه كذلك حتّى يقال باستلزامه نفي التعارض بينهما مطلقاً ، وهو خلاف ما عليه الفقهاء وخلاف الواقع ؛ لأنّ كلّ عنوان محكوم بحكم لا ينظر حكمه إلى حكم عنوان آخر ، بل يلاحظ الإطلاق بالنسبة إلى حالات الموضوع مع قطع النظر عن حكم آخر وبلا لحاظ إليه .

بل مرادنا أنّ في المقام خصوصية موجبة لذلك ، وهي أنّ موضوع أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بالواجبات والنهي عن المحرّمات ، ومن الواضح بحكم العقل والعقلاء أنّ إيجابهما ليس لاقتضاء في نفسهما بحيث يكون إنشاء الأمر والنهي أو نفسهما ذا مصلحة قائمة بهما ، بل هو للتوصّل بهما إلى فعل الواجب وترك الحرام ، ولهذا لا يجبان إلاّ مع احتمال التأثير . ويشهد له قوله : «إنّها فريضة تقام بها الفرائض»(1) .

فتلك العناوين التوصّلية إذا وقعت متعلّقة للأمر لا ينقدح في أذهان العرف والعقلاء إلاّ أنّ الأمر بها للتوصّل لا لمصلحة ذاتية نفسية . وبالجملة : إنّهما

ص: 212


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 119 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 1 ، الحديث 6 .

واجبان للغير لا غيريان ، فإذا كان كذلك لا يستفاد من أدلّة وجوبهما إطلاق يشمل ما يستلزم منه ارتكاب محرّم أو ترك واجب ، فإنّ ما وجب لإقامة الفريضة لا إطلاق لوجوبه لمورد إماتتها .

وإن شئت قلت : إنّ المتفاهم من أدلّة وجوبهما أ نّه معلّق بعدم استلزام ترك واجب أو فعل حرام ، ودليل حرمة الولاية مطلق في موضوعه على نحو التنجيز ، ولا يعارض المعلّق المنجّز ، بل دليله حاكم على دليل الحكم المعلّق ، فكما لا تعارض بين الأدلّة بما عرفت لا مجال للتزاحم بعد عدم إطلاق يكشف منه المقتضي وعدم استقلال العقل بوجود المقتضي حتّى في مورد لزوم ارتكاب الحرام .

هذا بالنسبة إلى المقتضي الذي قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وأمّا المقتضيات التي في المعروف والمنكر فلا وجه لتزاحمها مع مقتضي الحرمة في تقلّد الولاية ؛ لأنّ تزاحم المقتضيات إنّما هو في التكاليف المتوجّهة إلى مكلّف واحد . فإذا دار أمر مكلّف بين شرب الخمر وقتل النفس المحترمة يقدّم الشرب ، ومع تساوي المقتضيات يتخيّر . وأمّا مع دوران الأمر بين ارتكاب مكلّف محرّماً وارتكاب مكلّف آخر محرّماً ، فلا وجه لملاحظة المقتضيات ، ولا يجوز ارتكاب شخص محرّماً لدفع ارتكاب شخص آخر محرّماً ولو كان مقتضاه أهمّ . فلو توقّف ترك شرب الخمر من زيد على ارتكاب عمرو محرّماً دون شربها في المقتضي لا يمكن الالتزام بجوازه أو وجوبه .

نعم ، فيما إذا كان وجود شيء مبغوضاً مطلقاً ويجب على كلّ مكلّف دفعه يكون من قبيل تزاحم المقتضيات . فإذا توقّف إنجاء النبي رحمهما اللّه من

ص: 213

يد ظالم أراد قتله على شرب الخمر أو غيره من المحرّمات ، يجب عقلاً إنجاؤه

بارتكاب المحرّم .

هذا كلّه بناءً على أن يكون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرعياً ، وأمّا بناءً على كونه عقلياً ويرى العقل لزوم حفظ أغراض المولى التي لا يرضى بنقضها ، وقبح ترك المنع عن مخالفة المولى وعن نقض أغراضه من غير فرق بين كون الناقض نفسه أو غيره من سائر المكلّفين ، فلا يبعد القول بتزاحم المقتضيات القائمة بالمعروف والمنكر مع مقتضي حرمة التولّي من الجائر ، لكنّه في غاية الإشكال ، إلاّ في العظائم التي يعلم بلزوم حفظها كما أشرنا إليه .

وأمّا لو توقّف ترك شرب الخمر من زيد على ارتكاب عمرو معصية دونه ، فتجويز ارتكابه لدفعه في غاية الإشكال ، بل غير ممكن ، ولا أظنّ التزام فقيه به ، سواء قلنا بأنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عقلي أو نقلي .

ولو قيل : إنّ العبيد لمولى واحد بمنزلة شخص واحد في توجّه التكليف ، فكما يقع التزاحم في تكليف شخص واحد ، كذلك يقع في العبيد لمولى واحد ، أو قيل : إنّ حفظ أغراض المولى واجب على العبيد كلّهم ، ولا بدّ من رفع اليد عن غرضه المهمّ لإقامة الأهمّ كما في الموالي العرفية ، فإذا علم العبد أنّ نقض غرضه المهمّ موجب لحفظ غرضه الأهمّ يحكم العقل بلزوم حفظه .

يقال : إنّ ما ذكر غير مقنع . أمّا الأوّل فواضح ؛ لعدم دليل على كونهم كذلك . وأمّا الثاني فله وجه في الموالي العرفية ، فإنّ أغراضهم معلومة وموارد رضاهم وسخطهم واضحة لدينا ، وأمّا المولى الحقيقي فأحكامه ليست لأغراض راجعة إليه - والعياذ باللّه - بل أحكامه لمحض اللطف على العباد ولمصالحهم ، وفي مثله

ص: 214

لا يصحّ ما ذكر ، ولا يجوّز العقل مخالفته لدفع مخالفة الغير وإيقاع نفسه في

المهلكة لعدم وقوع غيره فيها . فهل ترى من نفسك جواز شرب الخمر إذا رأى المكلّف دوران الأمر بين شربه وشرب غيره وعلم أ نّه لو لم يشربها ، يشربها غيره ؟ فلو كان المورد من قبيل المتزاحمين لا بدّ من الالتزام بالتخيير في المورد ، وكذا الالتزام بلزوم ارتكاب القمار مثلاً لمنع شرب الخمر ، وهو مخالف لضرورة الفقه والعقل .

مقتضى الأخبار في المقام

هذا كلّه مع الغضّ عن أخبار الباب ، وأمّا بالنظر إليها فمحصّل الكلام فيه: أنّ من أراد التولّي لولاية الجائر ؛ فقد يعلم بأ نّه إذا تولاّها يمكن له دفع منكر أو منكرات أو إقامة فريضة أو فرائض ، وقد يظنّ ذلك ، وقد يحتمل ؛ بمعنى أ نّه يحتمل مع تولّيه تأثير أمره بخلاف ما إذا لم يتولّها .

وعلى أيّ تقدير : قد يكون المنكر موجوداً والمعروف متروكاً ، وقد لا يكون كذلك ، لكن علم أو ظنّ أو احتمل وجودها فيما يأتي ، وعلى أيّ تقدير : تارة يكون مأموناً من ارتكاب المعصية في ديوانهم ، واُخرى لا يكون ، أو يكون في معرض ارتكابها ، إلى غير ذلك من الفروض .

فهل يمكن استفادة جواز الدخول من الروايات الخاصّة في جميع الفروض أو لا ؟

أقول : ما يمكن أن يستدلّ به على المطلوب روايات :

منها : صحيحة الحلبي ، قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل مسلم وهو في

ص: 215

ديوان هؤلاء ، وهو يحبّ آل محمّد رحمهما اللّه ويخرج مع هؤلاء في بعثهم ، فيقتل تحت رايتهم ؟ قال : «يبعثه اللّه على نيّته» . قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم ؟ قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(1) .

وفي مرسلة الصدوق(2) قريب من الفقرة الاُولى .

بناءً على أنّ المراد بالرجل المسلم المحبّ لهم هو الشيعي ، فإنّ ترك الاستفصال عن أنّ وروده في ديوانهم هل هو بالقهر والجبر والتقيّة أو بالاختيار دليل على أنّ الوارد بالاختيار إذا كان وروده بنيّة صالحة يحشره اللّه على نيّته .

بل الظاهر أنّ وروده وخروجه إلى الغزو بالاختيار ؛ لأنّ الحشر على نيّته إنّما هو في مورده لا في مورد الجبر والقهر، مع أ نّه لو كان وروده بنحو الجبر فلا محالة كان خروجه كذلك أيضاً ، أو بحسب النوع ، فلا يبقى مجال لنيّته والحشر عليها .

مضافاً إلى أ نّه لو كان مقهوراً في الورود كان على السائل ذكر كونه مكرهاً ، وإلاّ فظاهر السؤال أ نّه كان مختاراً .

فلا شبهة في أنّ ظاهرها أنّ الورود والخروج كانا باختياره ، وأنّ الثواب والعقاب فيهما حسب نيّته : إن كان خيراً فيثاب وإن شرّاً فيعاقب . وتخصيصه بنيّة إصلاح حال الشيعة والإحسان إليهم يحتاج إلى مخصّص .

ص: 216


1- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .
2- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 6 .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الرجل المسلم : المحبّ ، مقابل المسلم الناصب ، وهو غير الشيعي . فحينئذٍ يكون قوله : «يبعثه اللّه على نيّته» كقوله : عليه ما عليه ، لا يدلّ على كونه مثاباً مع نيّة الخير ، فإنّ الثواب لا يكون إلاّ مع الولاية

والتصديق بإمامتهم علیهم السلام ، بل مع إطلاقها بالنسبة إلينا وإلى غيرنا يشكل أيضاً استفادة الحكم منها .

لكنّ الاحتمال بعيد ؛ لأنّ الظاهر أنّ السائل في الفقرة الاُولى كان شيعياً ، وفي الفقرة الثانية كان السائل هو الحلبي ، ومن البعيد جدّاً أن يسأل الشيعي ، سيّما مثل الحلبي العريق في التشيّع خلفاً عن سلف وأباً عن جدّ - رضوان اللّه عليهم - عن حال المخالف بعد موته لأجل الدخول في أعمالهم. بل الظاهر أنّ السؤال عن حال الشيعي بأنّ ذلك موجب لعقوبته؟ ولو كان المراد بالسؤال معرفة حكم المسألة فلا وجه للسؤال عن عمل غيرنا ، فإنّ فقهاء أصحابنا كانوا يسألون المسائل ويحفظونها في اُصولهم للبثّ في الشيعة ، فلا وجه للسؤال عن حال غيرهم .

مضافاً إلى أنّ قوله في ذيل الرواية : «إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم» ، يكشف المراد عن قوله : «يبعثه اللّه على نيّته» ، ويدفع الاحتمال المتقدّم ، بل هو كبرى كلّية لإفادة أنّ الأجر بحسب النيّات ، ولا شبهة في أ نّه راجع إلى من يليق بإعطاء الثواب والأجر عليه ، وهو الشيعي بحسب اُصول المذهب ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ السؤال عن الرجل من هذه العصابة .

ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في جواز الدخول مع نيّة الإحسان إلى الإخوان ، وقد مرّت جملة منها (1) .

ص: 217


1- تقدّمت في الصفحة 194 - 195 .

بدعوى إلغاء الخصوصية منها ، أو دعوى الفحوى والأولوية القطعية ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة ، فكيف يمكن جواز الدخول لصلة الإخوان المستحبّة ، وعدم جوازه مع توقّف فريضة عظيمة عليه ؟

والتحقيق : أنّ الروايات الواردة في الجواز على كثرتها ضعيفة سنداً ، لكنّ الوثوق والاطمئنان حاصل بصدور بعضها إجمالاً ، فلا بدّ من الأخذ بأخصّها مضموناً . فإنّها على طوائف :

منها : ما يظهر منها الجواز مطلقاً ، كرواية صفوان بن مهران(1) ، ورواية إسحاق بن عمّار(2) المرويّتين في «المستدرك» ، الظاهر منهما جوازه ؛ لكونه حقّهم.

ومنها : جوازه مع نيّة الإحسان إلى أهل ولايته إذا دخل على معرفة وبصيرة ، كرواية الوليد بن صبيح(3) .

ومنها : جوازه لإعزاز المؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه ، كرواية زياد بن أبي سلمة(4) ، وصفوان بن مهران(5) وعلي بن رئاب(6) .

ويظهر من هذه الطائفة الجواز لشيء من منافع الشيعة .

لكنّ الظاهر من قوله : «لإعزاز المؤمن . . .» أنّ الغاية للدخول إذا كانت نحو ذلك يجوز الدخول . وكون الإعزاز ونحوه غاية محرّكة لا يمكن إلاّ مع العلم أو

ص: 218


1- تقدّمت في الصفحة 180 .
2- تقدّمت في الصفحة 181 .
3- تقدّمت في الصفحة 194 .
4- تقدّمت في الصفحة 193 .
5- تقدّمت في الصفحة 202 .
6- تقدّمت في الصفحة 202 - 203 .

الوثوق والاطمئنان بأنّ الدخول فيها يمكّنه منه ، وإلاّ فمع احتماله أو ظنّه لا يمكن أن يصير الإعزاز غاية بل يكون رجاؤه غاية .

ومنها : ما دلّت على جوازه إذا وصل إخوانه وعضد أهل ولايته ، كما في رواية أبي الجارود(1) ، أو إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته ، كما في رواية محمّد بن سنان(2) ، أو إذا وصل إخوانه ، وعاد أهل ولايته ، كما في رواية أبي الجارود الاُخرى(3) .

ومنها : ما دلّت باختلاف التعابير على أنّ للّه في أبواب الظلمة من يدفع عن أوليائه ، كمرسلة الصدوق عن «الفقيه»(4) ، ومرسلته الاُخرى عن «المقنع»(5) ، وروايات محمّد بن عيسى بن يقطين(6) ، وسدير(7) ، وهشام بن سالم(8) ،

ص: 219


1- تقدّمت في الصفحة 204 .
2- تقدّمت في الصفحة 194 .
3- مستدرك الوسائل 17 : 137 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 21 .
4- الفقيه 3 : 108 / 452 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 2 .
5- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 5 .
6- تقدّمت في الصفحة 196، ويأتي آنفاً .
7- الاختصاص : 261 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 132 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 12 .
8- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 16 .

والمفضّل بن عمر(1) ، ومهران بن محمّد بن أبي نصر(2) ، وحمران بن [أعين(3)] ، نعم ومن جملتها صحيحة علي بن يقطين(4) لكن هي بنفسها لا تدلّ على المطلوب، والقرائن الشاهدة على كونها مربوطة به من الضعاف .

كما أنّ الاستناد في كون سائر تلك الطائفة كذلك لأجل قرينيتها ، كرواية محمّد بن عيسى بن يقطين ، قال : كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن علیه السلام في الخروج من عمل السلطان ، فأجابه : «إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان ، فإنّ للّه عزّ وجلّ بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه ، وهم عتقاؤه من النار ، فاتّق اللّه في إخوانك» ، أو كما قال(5) . وبعض روايات اُخر(6) .

والظاهر منها أنّ الدخول في أعمالهم والبقاء فيها جائز ، بل راجح للدفع عن أوليائه تعالى ، وأنّ عدم إجازته للخروج لذلك لا للخوف عليه من شرّ السلطان .

ص: 220


1- تقدّمت في الصفحة 209 .
2- تقدّمت في الصفحة 208 - 209 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 24 .
4- الفقيه 3 : 108 / 451 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 1 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 3 .
6- راجع مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 9 .

نعم ، لا يبعد ذلك الاحتمال في رواية اُخرى عنه تتضمّن الإذن للهرب من هارون - لعنه اللّه - فأجابه : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه» ، أو كما قال(1) .

ومن هذه أيضاً ما اشتملت على السؤال عن أنّ قوماً من الموالي يدخلون في عملهم ولا يؤثرون على إخوانهم . . . فأجاب : «اُولئك هم المؤمنون حقّاً» ، كرواية السيّاري(2) عن علي بن جعفر في مكاتبته إلى أبي الحسن علیه السلام . والظاهر منها أيضاً جواز الدخول لذلك ، وهي أيضاً قرينة على المراد في الروايات المتقدّمة .

فلا بدّ من الأخذ بأخصّ مضموناً منها ، والظاهر أنّ المتيقّن منها جواز الدخول مع العلم بأنّ في دخوله يدفع عن الشيعة ويحفظ منافعهم بوجه من الوجوه . ولعلّ من مجموع تلك الروايات الكثيرة جدّاً المتقاربة المضمون ، يحصل الاطمئنان بجواز الدخول لذلك مع علمه بتوفيقه .

وأمّا رواية الحسن بن الحسين الأنباري المتقدّمة(3) وإن كانت أخصّ منها ، لكن قد تقدّم(4) أنّ الظاهر منها أنّ أبا الحسن علیه السلام لم يصدّقه في دعواه ، وعلّق الجواز على أمر غير ممكن في العادة ، ولعلّه لخصوصية فيه عرفها منه .

ص: 221


1- تقدّمت في الصفحة 197 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- تقدّمت في الصفحة 203 .
4- تقدّم في الصفحة 206 - 207 .

هل يمكن إلغاء الخصوصية من مورد الجواز أم لا ؟

ثمّ إنّه يقع الكلام في أ نّه هل يمكن إلغاء الخصوصية منها ، أو القطع بالأولوية وإسراء الحكم إلى كلّ مصلحة أو نيّة حسنة ، أو إلى خصوص مورد التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً ، أو مع العلم أو الوثوق بالتأثير ؟

فيه تردّد ؛ من حيث إنّه لو كان مطلق المصالح سيّما التمكّن منهما من المجوّزات أو الموجبات للدخول في سلطانهم ، لأشاروا إليه في تلك الروايات الكثيرة جدّاً ، مع كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض المهمّة العظيمة ، ولم ينهوا عن الدخول بنحو مطلق تارةً وبنحو الحصر اُخرى في مواضع كثيرة ، ومعه كيف يمكن إلغاء الخصوصية أو دعوى الأولوية القطعية ؟

بل مع تظافر الروايات الدالّة على الحرمة ، إلاّ في مورد كان الورود لأجل مصالح الشيعة والدفع عنهم ، تقيّد صحيحة الحلبي(1) ، بناءً على إطلاقها لمطلق نيّة الخير .

هذا كلّه مع احتمال أن يكون التسويغ للورود في سلطانهم في تلك الأعصار تسويغاً سياسياً لمصلحة بقاء المذهب ، فإنّ الطائفة المحقّة في ذلك العصر كانت تحت سلطة الأعادي وكانت خلفاء الجور واُمراؤهم من ألدّ الأعداء لهذه العصابة ، فلولا دخول بعض اُمراء الشيعة وذوي جلالتهم في الحكومات ، والتولّي للاُمور لحفظ مصالحهم والصلة إليهم والدفع منهم لكان الأفراد السواد منهم في معرض الاستهلاك في الدول ، بل في معرض تزلزل الضعفاء منهم

ص: 222


1- تقدّمت في الصفحة 215 - 216 .

من شدّة الضيق عليهم ، فكانت تلك المصلحة موجبة لترغيبهم في الورود في ديوانهم .

وربما تشهد لما ذكرناه التعبيرات التي في بعض الروايات :

كرواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : قال أبو الحسن علیه السلام : «إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ومكّن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائنا ويصلح اللّه به اُمور المسلمين ، إليهم ملجأ المؤمنين من الضرّ ، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة ، اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، اُولئك اُمناء اللّه في أرضه ، أولئك نور اللّه في رعيّته

يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل السماوات ، كما تزهر الكواكب الدرّية لأهل الأرض ، أولئك نورهم يوم القيامة تضيء منه القيامة ، خلقوا واللّه للجنّة وخلقت الجنّة لهم ، فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» . قال : قلت : بماذا جعلت فداك ؟ قال : «يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا ، فكن منهم يا محمّد»(1) .

وكرواية أحمد بن محمّد السيّاري(2) ، وغيرهما (3) .

فإنّ الناظر فيها لا يستبعد بأن تكون تلك الفضائل والمرغّبات لأجل مصلحة

ص: 223


1- رجال النجاشي : 331 / 893 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- راجع مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 16 و17 و19 .

عظيمة فوق إكرام المؤمن ، بل في رواية محمّد بن إسماعيل إشارات إلى ما ذكرناه ، ولا يلزم أن يكون تلك المصلحة موجبة لإيجاب الدخول في ديوانهم سيّما بالنحو العموم ، ولعلّه مستلزم لمفاسد ، ولعلّهم علیهم السلام ألزموا بعض أصحابنا المؤثّرين في حفظ هذا المقصد على الدخول ، كما تشهد عليه ما دلّت على منع علي بن يقطين من الخروج عن ديوانهم :

ففي رواية علي بن يقطين : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه»(1) . وفي رواية اُخرى بعد عدم إذنه بالخروج علّله ب- «أنّ للّه بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه»(2) . ومن هذه يظهر المراد من الرواية المتقدّمة ، ويضعّف

احتمال أن يكون عدم إذنه للخوف على نفسه ، بل لا يبعد أن يكون الظاهر منهما أنّ دخوله كان بأمر منه علیه السلام وإلزامه ، لا لمحض الجواز أو الاستحباب .

المتيقّن من الأدلّة جواز الدخول لإصلاح حال الشيعة

وبالجملة : إنّ المتيقّن من مجموع الروايات أنّ جواز الدخول في ديوانهم - عليهم اللعنة - كان لإصلاح حال الشيعة ، ولعلّ سرّه ضعف الشيعة وقلّة عددهم والخوف من تشتّتهم ، ولا يجب التنبيه على غايات الأحكام والمصالح الكامنة فيها .

وعلى هذا الاحتمال يكون المقام من قبيل تزاحم المقتضيات ، وترجيح اقتضاء الدخول لحفظ الشيعة على اقتضاء حرمة الدخول من غير إشكال ،

ص: 224


1- تقدّمت في الصفحة 197 .
2- تقدّمت في الصفحة 220 .

وتوجّه الروايات القائلة بأنّ قضاء حوائج الإخوان ونحوه كفّارة عمل السلطان ، سيّما على ما بنينا عليه من بقاء المزاحم المهمّ على حرمته مع مزاحمته للأهمّ .

كما أ نّه على هذا الاحتمال لا يصحّ إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى مطلق مصلحة ، ولا دعوى الأولوية القطعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وما ذكرناه وإن كان مخالفاً لظاهر بعض الروايات غير المعتمدة ، لكنّ الاتّكال في المقام على استفادة الحكم من مجموع الروايات الضعاف التي حصل الوثوق بصدور بعضها ، ونتيجته ما عرفت .

فإسراء الحكم إلى جواز التولّي في ديوانهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكل ، بل غير صحيح حتّى في صورة العلم بأ نّه مع تولّيه يدفع ارتكاب منكر معمول وترك معروف متروك فضلاً عن غيرها . هذا حال الأخبار .

ذكر كلمات الأصحاب في المقام

وأمّا كلمات الأصحاب وإن توافقت ظاهراً من زمن شيخ الطائفة على اختلاف التعابير بجوازه ، لكن لا يظهر منها الإجماع أو الشهرة على جوازه لخصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد نسب إلى العلاّمة في «المنتهى» دعوى عدم الخلاف فيه ، وهو غير صحيح ؛ لأنّ دعواه ذلك في مسألة اُخرى ، قال : «أمّا السلطان الجائر فلا يجوز الولاية منه مختاراً ، إلاّ مع علم التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقّهما ، وصلة الإخوان ، ولا يكون في ذلك مرتكباً للمآثم أو غلبة الظنّ بذلك . أمّا إذا

ص: 225

انتفى العلم والظنّ معاً فلا يجوز الولاية من قبل الجائر بلا خلاف»(1) .

وأنت خبير بأنّ دعواه عدم الخلاف راجعة إلى مورد انتفاء العلم والظنّ . واحتمال الرجوع إلى جميع ما تقدّم مقطوع الفساد . فقول صاحب «مفتاح الكرامة» حكاية عن غيره : إنّ العلاّمة في «المنتهى» نفى الخلاف عن ذلك كلّه(2) ، ليس موافقاً للواقع .

كما أنّ دعوى الراوندي(3) الإجماع إنّما هي فيما إذا تمكّن مع التولّي من إيصال الحقّ لمستحقّه .

نعم ، ظاهر الشيخ في «النهاية»(4) ، وابن إدريس في «السرائر»(5) ، والمحقّق(6) ، والعلاّمة(7) ، ومن تأخّر منهم(8) جوازه لذلك .

وأنت خبير بعدم ثبوت إجماع معتبر أو شهرة معتمدة من ذلك ، سيّما مع كون المسألة ممّا كثرت فيها الأدلّة والروايات ، ولا يظنّ أن يكون لهم مستند سواها .

لكن مع ذلك تطابق فتاوى من عرفت يسلب الجرأة على المخالفة ، فالمسألة محلّ تردّد .

ص: 226


1- منتهى المطلب 15 : 455 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 375 .
3- فقه القرآن ، الراوندي 2 : 24 .
4- النهاية : 356 .
5- السرائر 2 : 202 .
6- شرائع الإسلام 2 : 6 .
7- منتهى المطلب 15 : 455 .
8- جامع المقاصد 4 : 44 .

الأمر الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر

اشارة

الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر ، كالاضطرار أو التقيّ-ة أو الإكراه .

وهذا أولى من جعل الثاني خصوص الإكراه ، فإنّه على ذلك يزيد المستثنى ممّا ذكر ؛ ضرورة جواز الدخول مع التقيّة ، وهي غير الإكراه . وتدلّ على الجواز معها عمومات التقيّة(1) ، وخصوص رواية مسعدة المتقدّمة(2) .

وكذا مع الاضطرار ، وهو غيره أيضاً . ويدلّ على الجواز معه - مضافاً إلى حديث الرفع(3) - موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام ، سُئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ؟ قال : «لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(4) . كما أ نّه يدلّ على الجواز مع الإكراه - مضافاً إلى الأدلّة العامّة(5) - خصوص بعض الروايات المتقدّمة(6) . وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 227


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 .
2- تقدّم في الصفحة 184.
3- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 330 / 915 ؛ وسائل الشيعة 17 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 3 .
5- تأتي في الصفحة 230 - 235 .
6- تقدّمت في الصفحة 192 .
التنبيه الأوّل شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات
اشارة

كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرّمة يباح به ما يلزمها من المحرّمات الاُخر ، سواء كانت لازمة لمنصبها ممّا لا تنفكّ عنه أو يقع الإكراه بخصوصها . وهذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه .

إنّما الإشكال في أنّ الأدلّة الدالّة على الجواز كحديث الرفع وغيره ، هل لها إطلاق بالنسبة إلى جميع المحرّمات ؛ سواء كانت حقّ اللّه محضاً أم من حقوق الناس أيضاً ، دماً كان أو عرضاً أو مالاً . أو تختصّ بخصوص حقّ اللّه ولا تشمل حقّ الناس ولو كان قليلاً وكان الإيعاد على كثير . أو يفصّل بين العظائم والمهمّات وغيرها ، سواء كانت من حقّ اللّه تعالى أو حقّ الناس . أو يفصّل بين المهمّات وغيرها في حقّ اللّه مع الاختصاص بخصوصه . أو يفصّل بين ما إذا كان الضرر الذي أوعد به المكره أعظم ممّا أكرهه عليه فيرتفع وبين غيره ؟

ما استدلّ به على اختصاص أدلّة الإكراه بحقّ اللّه وردّه

قد يقال باختصاص الأدلّة بحقّ اللّه محضاً وعدم شمولها لحقّ الناس . ويتشبّث له(1) تارةً : بأنّ المستفاد من أدلّة الإكراه أنّ تشريعه لدفع الضرر

ص: 228


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 - 87 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 262 - 263 .

فلا يجوز دفعه بالإضرار بالغير ولو كان الإضرار أدون .

واُخرى : بأنّ حديث الرفع(1) مسوق للامتنان على جنس الاُمّة ، ولا حسن في الامتنان على بعضهم بترخيص الإضرار ببعض آخر ، فإذا توقّف دفع الضرر على نفسه بالإضرار بالغير لم يجز :

وثالثةً : بأنّ دليل الإكراه لو عمّ للإكراه على الإضرار بالغير ، لعمّ نفي الاضطرار له أيضاً ، فإنّ سياقهما واحد ، ولا وجه للافتراق بينهما ، والتالي باطل ؛

لقبح تشريع الإضرار بالغير لدفع ضرر نفسه ، ولهذا لم يجوّز أحد هتك أعراض الناس ونهب أموالهم إذا توقّف عليه صون عرضه وماله ، مع أ نّه يجوز ارتكاب المحرّمات وترك الواجبات لذلك .

ورابعةً : بقوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة»(2) بتقريب أنّ المستفاد منه أ نّه كلّ ما شرّعت التقيّة لحفظه إذا بلغته فلا تقيّة ، ومن المعلوم أنّ التقيّة كما شرّعت لحقن الدماء شرّعت لحفظ الأعراض والأموال أيضاً ، ومقتضاه أ نّه إذا بلغت هتك الأعراض ونهب الأموال فليس تقيّة .

ويرد على الأوّل والثاني بل على الجميع أنّ الاختصاص بغير ما تعلّق به حقّ الناس مخالف لمورد نزول قوله تعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

ص: 229


1- الخصال : 417 / 9 ؛ التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2: 220 / 16؛ وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 31، الحديث 1.

بِالاْءِيمانِ((1) فإنّه بحسب قول المفسّرين وبعض الروايات المعتمدة نزل في قضيّة عمّار ، حيث اُكره على البراءة من النبي رحمهما اللّه وسبّه وشتمه ، ففي «مجمع البيان» : «أعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه» ثمّ قال : «وجاء عمّار إلى رسول اللّه رحمهما اللّه وهو يبكي فقال رحمهما اللّه : «ما وراءك ؟» فقال : شرّ يا رسول اللّه ، ما تركت حتّى قلت(2) منك وذكرت آلهتهم بخير ، فجعل رسول اللّه رحمهما اللّه يمسح عينيه ويقول : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» ، فنزلت الآية ، عن ابن عبّاس وقتادة»(3) ، انتهى .

وتدلّ عليه رواية مسعدة الآتية(4) ، وشأن نزول الآية لا يوجب تقييد إطلاقها أو تخصيص عمومها ، فقوله : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( مطلق شامل لمطلق الإكراه ، ولا وجه لاختصاصه بخصوص الإيعاد على القتل وإن كان شأن نزوله خاصّاً ، كما أنّ الحال كذلك في سائر الآيات .

فلا ينبغي الإشكال في إطلاقه ، سيّما مع كون العناية بهذه الفقرة ؛ أي الاستثناء ، كما دلّت عليه الرواية الآتية وكلمات المفسّرين .

بل الاختصاص بحقّ اللّه مخالف لظاهر الآية ، سواء كان قوله : )مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ( مربوطاً بما سبق من الآيات ، وهو قوله تعالى : )وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ( إلى أن قال :

ص: 230


1- النحل (16) : 106 .
2- في المصدر : «نلت» بدل «قلت» .
3- مجمع البيان 6 : 597 .
4- تأتي في الصفحة 232 .

)وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ( إلى أن قال : )إِنَّما يَفْتَرِى

الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ * مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ . . .((1) ، ويكون محصّل المعنى : من قال : إنّك مفتر وكاذب ، هو مفتر وكاذب وكافر ، إلاّ من اُكره . والظاهر منه أنّ كلّ مكره ليس عليه بأس ولا يكون مورد ذمّ اللّه تعالى في الافتراء على رسول اللّه وتكذيبه ، وهو واضح .

أو كان أوّل الكلام ، ويكون محصّل المعنى : أنّ من كفر باللّه بعد إيمانه بالارتداد وإيجاد أسبابه من القول والفعل ، فعليه غضب من اللّه وعذاب عظيم إلاّ من اُكره بإيجادها .

وعلى هذا الاحتمال لابدّ من أن يراد بالكفر في قوله : )مَنْ كَفَرَ( خصوص أسبابه ؛ أي من أوجد أسبابه ، أو الأعمّ منها حتّى يصحّ الاستثناء ، فإنّ الإكراه على الكفر الباطني والاعتقادي غير ممكن ، وعلى فرضه غير معفوّ ، كما أنّ في الآية تقييداً بقوله : )وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( ، فالمراد بالإكراه الإكراه على الأسباب ، ومقتضى إطلاقه جواز كلّ ما يوجب الكفر من تكذيب النبي رحمهما اللّه وسبّه وشتمه - والعياذ باللّه - مع كونه مكرهاً كما تدلّ عليه الروايات(2) .

وتدلّ على إطلاقها أيضاً رواية عمرو بن مروان - ولا يبعد أن تكون معتمدة - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : رفع عن اُمّتي أربع خصال :

ص: 231


1- النحل (16) : 101 - 106 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .

خطأُها ، ونسيانها ، وما اُكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: )رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنَا . . .((1) إلى أن قال : «وقوله : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(2) . وعن العيّاشي عنه علیه السلام نحوها (3) .

حيث تدلّ على أ نّه تعالى رفع عن الاُمّة ما اُكرهوا عليه مطلقاً بمقتضى الآية الكريمة .

ويمكن تقريب دلالة الآية أيضاً على رفع مطلق ما اُكرهوا عليه بأنّ الإكراه إذا صار موجباً لرفع الحرمة عن هتك عرض النبي رحمهما اللّه وتكذيبه في نبوّته

وكتابه ، وهو من أعظم المحرّمات ، وموجباً لرفع هدر دمه الذي من الوضعيات من جهة ، صار موجباً لرفع حرمة هتك سائر الأعراض ، فضلاً عن الأموال التي هي دون الأعراض ، ولرفع سائر الوضعيات أيضاً .

وتدلّ على عدم الاختصاص أيضاً رواية مسعدة بن صدقة - المعتمدة بل لا يبعد أن تكون موثّقة - قال : قيل لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ الناس يروون أنّ علياً علیه السلام قال على منبر الكوفة : «ستدعون إلى سبّي ، فسبّوني ، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرأوا منّي» ؟ فقال : «ما أكثر ما يكذب الناس على علي علیه السلام » . ثمّ قال : «إنّما قال : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى

ص: 232


1- البقرة (2) : 286 .
2- الكافي 2 : 462 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 2 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 272 / 75 ؛ وسائل الشيعة 16 : 218 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 10 .

البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد رحمهما اللّه ولم يقل : ولا تبرأوا منّي» . فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : «واللّه ما ذلك عليه ، وماله إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر ، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( فقال له النبي رحمهما اللّه : يا عمّار ، إن عادوا فعد فقد أنزل اللّه عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا»(1) .

ومعلوم أنّ الظاهر منها أنّ الآية لا تختصّ بقضيّة عمّار أو قضيّة نحو قضيّته هذا .

مع أنّ إطلاق قوله : «ستدعون إلى سبّي فسبّوني» ، وكذا إطلاق الإجازة بالبراءة يقتضي جوازهما بمجرّد الدعوة ممّن يخاف سوطه أو سيفه من غير اختصاص بالإيعاد على القتل ، وكلامه هذا ليس ظاهراً في كونه على وجه الإخبار بالغيب ، بل الظاهر قيام القرائن عليه ؛ لأنّ له علیه السلام كان أعداء علم من عداوتهم ذلك عادةً ، فلا معنى للحمل على موضوع خاصّ علمه علیه السلام

من طريق الغيب(2) ولا حجّة على رفع اليد عن إطلاق الدليل بمحض ذاك

الاحتمال .

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة بكر بن محمّد، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال: «إنّ التقيّة تُرس المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له» . فقلت له : جعلت فداك قول اللّه تبارك

ص: 233


1- الكافي 2 : 219/ 10 ؛ وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 2 .
2- مرآة العقول 9 : 173 .

وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( ؟ قال : «وهل التقيّة إلاّ هَذَا»(1) .

ورواية «الجعفريات» عن علي بن أبي طالب علیه السلام ، قال : «قلت : يا رسول اللّه ، الرجل يؤخذ يريدون عذابه ، قال : يتّقي عذابه بما يرضيهم باللسان ويكرهه بالقلب ، قال رحمهما اللّه : هو قول اللّه تبارك وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(2) .

ورواية عبداللّه بن عجلان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته فقلت له : إنّ الضحّاك قد ظهر بالكوفة ، ويوشك أن ندعى إلى البراءة من علي علیه السلام فكيف

نصنع ؟ قال : «فابرأوا منه» . قلت : أيّهما أحبّ إليك ؟ قال : «أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر ، اُخذ بمكّة فقالوا له : ابرأْ من رسول اللّه رحمهما اللّه ، فبرئ منه ، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - عذره )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(3) إلى غير ذلك .

فتحصّل ممّا ذكر عدم الاختصاص بحقّ اللّه تعالى محضاً ، وكذا بالإيعاد بالقتل ، وبقضيّة عمّار أو نحوها .

وإن شئت قلت : مقتضى إطلاق حديث الرفع وإطلاقات التقيّ-ة وعموماتها

ص: 234


1- قرب الإسناد : 35 / 114 ؛ وسائل الشيعة 16 : 227 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 6 .
2- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 180 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 269 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 28 ، الحديث 1 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 272 / 76 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 13 .

عدم الاختصاص . وإنّما نشأت دعوى الاختصاص من مجرّد استبعاد ، أو وجوه ظنّية ، ومع فرض شمولها بما تقدّم لبعض الأعراض المهمّة التي من حقوق الناس يرفع هذا الاستبعاد وتدفع تلك الوجوه .

مضافاً إلى أنّ دعوى كون حديث الرفع منّة أو شرّع ذلك لدفع الضرر ، فلا وجه لشموله ما هو خلاف المنّة أو موجب للضرر ، مدفوعة بأنّ ما ذكر من قبيل نكتة التشريع لا علّة الحكم ، نظير جعل العدّة لنكتة عدم تداخل المياه ، وفي مثله يتّبع إطلاق الدليل . ودعوى الانصراف ، ممنوعة ، سيّما بعد كون الآية في مورد حقّ الغير .

وأمّا التشبّث بقوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» بالتقريب المتقدّم(1) ، ففي غير مورده ، بل هو من الأدلّة على التعميم يظهر وجهه بعد نقل الروايات المشتملة عليه :

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّما جعلت التقيّة

ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة»(2) .

وفي موثّقة أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّما جعلت التقيّة

ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة»(3) .

ص: 235


1- تقدّم في الصفحة 229 .
2- الكافي 2 : 220 / 16 ؛ وسائل الشيعة 16 : 234 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 31 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 172 / 335 ؛ وسائل الشيعة 16 : 234 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 31 ، الحديث 2 .

وفي مرسلة الصدوق في «الهداية» قال : قال الصادق علیه السلام : «لو قلت : إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً ، والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(1) .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر منها أنّ عدم التقيّة منحصر بالدم والحصر في محلّه ؛ لأنّ المراد من قوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» أنّ التقيّة شرّعت في أوّل تشريعها لحقن الدم ؛ لأنّ أوّل تشريعها ونكتته ومورده قضيّة عمّار بن ياسر كما تقدّم(2) وكان موردها حقن الدم ، فقوله ذلك إشارة ظاهراً إلى تلك القضيّة وإشارة إلى نكتة عدم التقيّة في الدم ، فتكون الروايات دالّة على عموم التقيّة فيما عدا بلوغ الدم .

ولا وجه لرفع اليد عن هذا الظاهر بتخيّل أنّ الحصر غير صحيح(3) ؛ لأنّ التقيّة مشروعة في الأعراض والأموال أيضاً . وذلك لما عرفت من أنّ الحصر باعتبار مبدأ التشريع وصرف بيان نكتة عدم التقيّة مع بلوغ الدم ، وليس المراد منه حصر مورد التقيّة بالدم حتّى يأتي فيه ما ذكر ، فلا مجال للإشكال في العموم ، سيّما مع قوله في المرسلة : «التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم . . .» .

وبما ذكرناه يحفظ ظهور «إنّما» في الحصر وظهور الآية والروايات المتقدّمة . بل مع احتمال ما ذكر لا يصحّ رفع اليد عن الإطلاقات والأخبار المتقدّمة ، بل

ص: 236


1- الهداية ، الصدوق : 51 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 274 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 230.
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 .

لازمه وقوع المعارضة بين هذه الروايات ، وظاهر الكتاب والروايات المتقدّمة بعد عدم التفكيك بين الأعراض والأموال ، تأمّل .

نعم ، يأتي كلام في عموم هذه الروايات وإطلاقها من جهة اُخرى فانتظر .

وأمّا ما قيل : من أنّ تلك الروايات أجنبيّة عن الباب ؛ لأنّ المراد بها أنّ التقيّة

لحفظ الدم فإذا لم يحقن الدم على أيّ حال فلا مورد للتقيّة(1) .

ففيه: ما لا يخفى من ارتكاب خلاف الظاهر ؛ فإنّ من المعلوم أنّ الروايات الثلاث متوافقة المضمون ، فتكون الموثّقة المصرّحة بفاعل «بلغ» كاشفة عن فاعله في الروايتين ، وتذكير الضمير باعتبار الاتّقاء . ولا شبهة في أنّ الظاهر من قوله : «إذا بلغت التقيّة الدم» أنّ التقيّة إذا صارت موجبة لإراقته وهي منتهية إليه ، لا أنّ الدم إذا يهرق وتكون التقيّة لغواً لا أثر لها ، فإنّ حقّ العبارة لإفادة ذلك أن يقول : فإذا لم يحقن الدم فلا تقيّة .

مضافاً إلى أنّ الحمل على ما ذكر حمل على أمر واضح لعلّ ذكره لا يخلو من ركاكة .

وأمّا الإشكال الثالث ، وهو أنّ دليل الإكراه لو عمّ لعمّ دليل الاضطرار(2) .

ففيه : - مضافاً إلى عدم الملازمة بينهما ؛ إذ يمكن أن يدّعى عموم الأوّل لأجل مورد نزول الآية والروايات المتقدّمة دون الثاني - أنّ دليل الاضطرار أيضاً عامّ يشمل الاضطرار بمال الغير ، فإذا اضطرّ إلى شرب ماء أو أكل خبز غيره يرفع دليل الاضطرار حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، لكن لا يسقط

ص: 237


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 263 .

ضمانه ؛ لعدم الاضطرار إلى أكله أو شربه مجّاناً .

وبالجملة : كما ترفع حرمة الخمر بالاضطرار ترفع حرمة التصرّف في مال الغير به .

وأمّا إذا اُكره على إعطاء ماله ، فدفع مال الغير لدفع شرّه ، فليس ذلك مشمولاً لدليل الاضطرار ؛ لأ نّه مكره وملجأ في إعطاء ماله لدفع شرّ متوجّه إليه ، وإنّما أراد دفع شرّ متوجّه إليه بمال غيره .

وبعبارة اُخرى : إنّه ليس ملجأً بإعطاء مال غيره ولا مضطرّاً إليه ، بل ملجأ ومضطرّ إلى إعطاء مال نفسه ؛ لأ نّه الذي أراد منه المكرِه ، وإنّما أراد دفع شرّه بمال غيره .

وإن شئت قلت : شمول دليل الاضطرار نصّاً وفتوى لمورد تعلّق حقّ الغير ، كالاضطرار إلى أكل مال الغير ، دليل على عدم الاختصاص بحقّ اللّه تعالى . وعدم تجويزهم دفع إكراه المكره المتوجّه إليه بإعطاء مال غيره ، ليس لأجل عدم شمول دليل الاضطرار لحقّ الناس ، وإلاّ لزم عدم إفتائهم في المسألة المتقدّمة ، بل لأجل عدم صدق الاضطرار على التصرّف في مال الغير فيما إذا توجّه الإكراه إليه خاصّة .

للفرق بين الاضطرار على التصرّف في مال الغير ، وبين دفع الإكراه والإلجاء المتوجّهين إليه بمال غيره . فالمكره لأجل الإيعاد عليه إذا لم يدفع ماله مضطرّ إلى دفعه لا دفع بدله ، وإنّما أراد دفع الشرّ المتوجّه إليه ورفع إلجائه بإعطاء بدله مع عدم الاضطرار إليه ، بل لو أكرهه على دفع مال بلا انتساب إليه أو إلى غيره وكان عنده من مال نفسه ما يدفع به شرّه ، ليس له إعطاء مال

ص: 238

غيره ؛ لعدم الاضطرار إلى إعطاء مال الغير .

نعم ، لو لم يكن في الفرض عنده غير مال غيره ، يجوز دفعه بدليل رفع الإكراه ، كما لو اضطرّ إلى صرف مال ولم يكن عنده غير مال الغير يجوز صرفه بدليل رفع الاضطرار.

وأمّا ما قيل : من عدم الفرق بين قوله : أنت مخيّر بين إعطاء مالك ومال غيرك ، وبين قوله : أعطني مال غيرك وإلاّ أخذت مالك ، إلاّ بمجرّد العبارة(1) .

ففيه : ما لا يخفى ؛ لأ نّه في الفرض الأوّل أكرهه على أحدهما في عرض واحد فلا بدّ له من اختيار أقلّهما محذوراً عقلاً ، وفي الثاني أكرهه على خصوص مال الغير لا على ماله ومال غيره . والفرق بينهما في غاية الوضوح .

فإذا أكرهه على مال غيره يكون الشرّ متوجّهاً إلى الغير ويكون المكرَه وسيلة لإجراء ما أراد المكرِه . ودفع الشرّ عن الغير بإيقاعه على نفسه غير لازم ، بخلاف ما إذا أكرهه على مال نفسه ، فإنّه لا يجوز إعطاء مال الغير ؛ لأنّ الشرّ متوجّه إليه

لا إلى غيره . وقد عرفت أنّ صدق الاضطرار فيه أيضاً محلّ إشكال ، ولو سلّم الصدق فدعوى انصراف الأدلّة عن مثله قريبة ، بخلاف دعوى الانصراف في دليل الإكراه .

وإن شئت قلت : إنّ التلازم بين الفقرتين في التعميم وعدمه على فرضه ليس عقلياً ، بل عرفي بلحاظ وحدة السياق ، وهي من أدنى مراتب الظهور على تسليم أصله ، ومع قيام قرينة على التفرقة تقدّم عليه ، وفي المقام قامت الأدلّة على

ص: 239


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 265 .

شمول دليل الإكراه لحقّ الناس كما تقدّم الكلام فيه .

ولولا بعض الجهات لقلنا بأنّ مقتضى وحدة السياق التعميم في دليل رفع الاضطرار ، لكنّ العرف والعقلاء يفرّقون بين الإكراه على مال الغير وعرضه ، وبين الإكراه على ماله وعرضه وأراد دفعه بمال الغير أو عرضه ؛ فإنّ الإقدام على الأوّل ليس قبيحاً وليس من قبيل إيقاع الضرر المتوجّه إليه على غيره ، بخلاف الثاني ، ومقتضى الامتنان التجويز في الأوّل دون الثاني .

وما ذكر من جهات وخصوصيات موجبةٌ للتفرقة بين الفقرتين ، وكأ نّها صارت موجبة لفتوى الفقهاء أو معظمهم على جواز التقيّة في كلّ شيء إلاّ الدم ، وعدم جواز دفع الضرر المتوجّه إليه إلى غيره(1) .

هذا كلّه مضافاً إلى دليل الحرج ؛ لأنّ إيجاب تحمّل الضرر لدفع الضرر المتوجّه إلى الغير حرجي ، بخلاف عدم تجويز دفع الضرر المتوجّه إليه بإيقاعه على غيره .

وما قيل : إنّ ذلك في غير الفاعل الشاعر ، وأمّا هو فمباشرته جزء أخير من العلّة التامّة الموقعة للغير في الضرر ، وتجويز هذه المباشرة تجويز للإضرار بالغير دفعاً للضرر المتوعّد به عن نفسه وهو قبيح مخالف للامتنان(2) .

مدفوع : بما مرّ. وكون مباشرة الفاعل جزءاً أخيراً لوقوع الضرر ، لا يوجب عدم كون الضرر متوجّهاً إلى الغير ابتداءً ولو باستعمال الفاعل الشاعر كُرهاً ، فإنّ

ص: 240


1- راجع رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 122 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 266.

إرادة المكرِه - بالكسر - توجّهت إلى الإضرار بالغير أوّلاً ، ثمّ أراد تحصيله

بوسيلة المكرَه إرادةً غيرية مقدّمية ، فالمكرَه لو تحمّل الضرر اللازم للتخلّف عن أمره فإنّما تحمّله لصرف الضرر عن غيره ، وهو حرجي نفاه الشارع منّةً على العباد . وكون الفاعل شاعراً لا يدفع ما هو مناط في المقام .

ولعمري إنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري في غاية السداد(1) ، وما قال بعضهم إشكالاً عليه - وقد أشرنا إلى عمدته وجوابها - غير سديد ، فراجع تعليقة الفاضل الإيرواني على المكاسب(2) .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات سواء كانت متعلّقة لحقّ الناس أم لا .

مستثنيات إطلاق أدلّة الإكراه
اشارة

ثمّ إنّ هاهنا موارد يمكن القول باستثنائها من تلك الكلّية قد ذكرناها في «رسالة التقيّة»(3) ، ونذكر بعضها هاهنا :

استثناء ما يؤدّي إلى الفساد في الدين

منها : بعض المحرّمات التي في ارتكاز المتشرّعة من العظائم والمهمّات جدّاً ، كمحو كتاب اللّه الكريم - والعياذ باللّه - بجميع نسخه ، وتأويله بما يخالف الدين

ص: 241


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 - 89 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 - 266 .
3- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره : 10 .

أو المذهب بحيث يوجب ضلالة الناس ، والردّ على الدين أو المذهب بنحو يوجب الإضلال ، وهدم الكعبة المعظّمة ومحو آثارها ، وكذا قبر النبي رحمهما اللّه

والأئمّة علیهم السلام كذلك ، إلى غير ذلك .

فإنّ الظاهر أنّ الأدلّة منصرفة عن أمثال ذلك سيّما بعضها ، وإنّما شرّعت التقيّة لبقاء المذهب الحقّ ، ولولاها لصارت تلك الأقلّية المحقّة في معرض الزوال والاضمحلال والهضم في الأكثرية الباطلة ، وتجويزها لمحو المذهب والدين خلاف غرض الشارع الأقدس ، بل لعلّ بعض حقوق الناس كالأعراض الكثيرة المهمّة في ارتكاز المتشرّعة كذلك .

ففي تلك المقامات لابدّ من ملاحظة أقوى المقتضيين وأهمّ المناطين .

وتشهد لما ذكرناه موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله ، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1) .

بل يشكل تحكيم الأدلّة فيما إذا كان المكرَه -

بالفتح - من الشخصيات البارزة الدينية في نظر الخلق ، بحيث يكون ارتكابه لبعض القبائح موجباً لهتك حرمة المذهب ووهن عقائد أهله .

ص: 242


1- الكافي 2 : 168 / 1 ؛ وسائل الشيعة 16 : 216 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 6 .
استثناء ما يؤدّي إلى الدم

ومنها : الدم ، فقد نفى ابن إدريس الخلاف بين الأصحاب في نفي التقيّة في قتل النفوس(1) ، وكذا العلاّمة في كتاب «المنتهى» في باب الأمر بالمعروف(2) ، وفي «الرياض» : الإجماع على استثناء إنفاذ أمر الجائر في قتل المسلم(3) ، وكذا ادّعاه الأردبيلي(4) ، وبقسميه في «الجواهر»(5) ، وادّعاه في «المستند»(6) ، وهو ظاهر شيخنا الأنصاري(7) ، وهو منقول عن جماعة(8) .

والمستند فيه مضافاً إليه صحيحة محمّد بن مسلم ، وموثّقة أبي حمزة ، ومرسلة الصدوق المتقدّمات(9) الدالّة على نفي التقيّة إذا بلغت الدم .

لكن يمكن أن يناقش فيها بأنّ عنوان الإكراه غير عنوان التقيّة كما يظهر من الأخبار :

فإنّ التقيّة عبارة عن الاحتراز والتجنّب عن شرّ قوم مخالف للمذهب ، بإتيان أعمال توافق مذهبهم ، من غير أن أكرهوه على إتيانها وأوعدوه على تركها .

ص: 243


1- السرائر 2 : 203 .
2- منتهى المطلب 15 : 245 .
3- رياض المسائل 8 : 109 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 97 .
5- جواهر الكلام 22 : 169 .
6- مستند الشيعة 14 : 194 .
7- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 .
8- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 381 .
9- تقدّمت في الصفحة 235 .

ففي رواية مسعدة بن صدقة المعتمدة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان» إلى أن قال : «لأنّ للتقيّة مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله ، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1) .

وظاهر التفسير سيّما في مثل المقام أ نّه بصدد بيان الحقيقة ، ولعلّه أعمّ من التقيّة الخوفية والمداراتية .

ويظهر من جملة من الروايات أنّ التقيّة مقابل الإذاعة(2) ، وهي أيضاً بوجه داخلة في التفسير ، فإنّها عبارة عن كتمان المذهب خوفاً وتجنّباً من المخالف .

وأمّا الإكراه فعبارة عن تحميل الغير عملاً وإيعاده على تركه بما يلجؤه إلى العمل ، أو الإيعاد على فعل شيء بما يلجؤه على تركه .

وأيضاً التقيّة واجبة حسب الأدلّة الكثيرة(3) وراجحة في بعض الموارد(4) ، ودليل الإكراه(5) رافع للحكم ، فمقتضى دليل الرفع رفع الحرمة أو الوجوب عمّا

ص: 244


1- تقدّمت في الصفحة 242 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 203 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 1 و10 .
3- راجع وسائل الشيعة 16: 203، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 24.
4- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .
5- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 .

اُكره عليه ، لا جعل الوجوب أو الاستحباب لفعله أو تركه . ومقتضى دليل التقيّة

جعل الحكم لا نفيه .

وأيضاً ظاهر أدلّة التقيّة أ نّها شرّعت لحفظ دماء الشيعة وأعراضهم وأموالهم من غير خصوصية للمتّقي ، ودليل الرفع منّة على المكرَه ولوحظ فيه حفظ نفسه وعرضه وماله .

فبعد كونهما عنوانين مختلفين موضوعاً وحكماً ومورداً وغايةً لا وجه لتسرية الحكم من التقيّة إلى الإكراه ، بل ظاهر قوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن به الدم . . .»(1) أنّ تشريعها لحفظ الدم ، سواء كان دم المتّقي أو غيره من أفراد الشيعة ، فإذا بلغت الدم ؛ أي صارت موجبة لإراقة ما شرّعت لأجله ، فلا تقيّة .

وأمّا نفي الإكراه لمّا شرّع لحفظ مصلحة خصوص المكرَه ، فلا يكون بلوغه دم غيره مخالفاً لتشريعه ، فحينئذٍ يكون هذا الحكم مختصّاً بالتقيّة ، وبقي دليل نفي ما اُكرهوا على عمومه . ودعوى إلغاء الخصوصية ممنوعة ، بل لا مورد لها ؛ لأنّ خصوصية ما اُكره تخالف خصوصية التقيّة ، فإنّ في مورد الإكراه توجّه الشرّ إلى الغير ويكون المكره وسيلة وآلة للمكرِه ، ومورد التقيّة ليس كذلك نوعاً .

وأيضاً جعل التقيّة لحفظ مطلق دم الشيعة ، ورفع ما اُكره لحفظ خصوص المكره ، فكيف يمكن أن يقال بإلغاء الخصوصية عرفاً أو يدّعى وحدة المناط أو يدّعى أنّ سلب التقيّة في الدماء لأهمّيتها فلا فرق بين البابين ؟

ص: 245


1- تقدّمت في الصفحة 235 .
لكن يمكن دفع المناقشة :

مضافاً إلى أنّ التقيّة أعمّ لغة ؛ فإنّها بمعنى التجنّب والتحذّر والمخافة(1) ، فصدقت على التحرّز من كلّ مكروه وشرّ ، فإذا أكرهه على أمر فأتى به تجنّباً من شرّه يصدق عرفاً ولغةً أ نّه فعله تقيّة واتّقاءً ، فلا وجه لتقييد عمومات التقيّة

بخصوص ما ذكر بمجرّد كون مورد بعض الأخبار ذلك ، مع إمكان حملها على التفسير بالمصداق كما هو شائع وإلاّ لصارت مضامينها متناقضة ، بل رواية مسعدة أيضاً لا يبعد أن تكون ظاهرة في التفسير بالمصداق ؛ لأنّ قوله : «مثل أن يكون قوم» ظاهر في أنّ ما بعده أحد المصاديق المذكور من باب المثال . ومقابلتها للإذاعة والإفشاء في جملة من الروايات لا تدلّ على الحصر ، فقوله : «الحسنة التقيّة ، والسيّئة الإذاعة»(2) لا يدلّ على أنّ ما لا يقابل الإذاعة ليس تقيّة بل للتقيّة موارد غيرها .

ومضافاً إلى أنّ الظاهر من جملة من الروايات أنّ الإكراه أيضاً تقيّة :

كرواية محمّد بن مروان ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «ما منع ميثم رحمه الله علیه من التقيّة ؟ فواللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(3) .

ص: 246


1- القاموس المحيط 4 : 403 ؛ لسان العرب 15 : 377 ؛ المنجد : 915 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 203 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 1 و10 .
3- الكافي 2 : 220 / 15 ؛ وسائل الشيعة 16 : 226 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 3 .

وفي رواية درست عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف . . .»(1) .

مع ما في رواية عبداللّه بن يحيى أ نّه علیه السلام ذكر أصحاب الكهف فقال : «لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم» . فقيل له : ما كلّفهم قومهم ؟ فقال : «كلّفوهم الشرك باللّه العظيم ، فأظهروا لهم الشرك وأسرّوا الإيمان»(2) .

فيظهر من ضمّ الروايتين أنّ الإكراه أيضاً من التقيّة .

ومضافاً إلى روايات فيها صحاح :

ق-ال : «التقيّة في كلّ ضرورة»(3) أو «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم»(4) . ولا شبهة في أنّ المكرَه يكون ملجأً ومضطرّاً إلى إتيان ما اُكره عليه عرفاً ، وتكون الضرورة ألجأته إلى إتيانه ، وإلاّ لما يأتمر بأمر المكرِه فهو ضرورة

فيها التقيّة .

أ نّه لو بنينا على مقابلة العنوانين بل مباينتهما ، لأمكن الإلحاق في الأحكام بصحيحة بكر بن محمّد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إنّ التقيّة تُرس

ص: 247


1- تفسير العيّاشي 2 : 323 / 9 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 15 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 323 / 8 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 14 .
3- الكافي 2 : 219 / 13 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 1 .
4- الكافي 2 : 220 / 18 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 2 .

المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له» فقلت له : جعلت فداك قول اللّه تبارك وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ( ؟ قال : «وهل التقيّة إلاّ هذا ؟»(1) .

فإنّها إن دلّت على أنّ الإكراه تقيّة حقيقة فهو ، وإلاّ بما أ نّها دلّت على أنّ التقيّة ليست إلاّ الإكراه على سبيل المبالغة ، كقوله : هل الأسد إلاّ زيد ، تدلّ على الإلحاق الحكمي بلسان الهوهوية .

وبالجملة : إنّها حاكمة على أخبار التقيّة التي منها صحيحة محمّد بن مسلم وغيرها (2) : «إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة» بتنقيح موضوعها .

فتحصّل ممّا ذكرناه أ نّه كما أنّ التقيّة إذا بلغت الدم فهي منفيّة كذلك لا إكراه

بعد بلوغه .

مفاد قوله علیه السلام : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة»

ثمّ إنّ مفاد قوله : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة» هل هو حرمتها ، أو عدم وجوبها ؟

ومنشأ الاحتمالين أ نّه بعد معلومية أنّ نفي عنوان التقيّة من الحقائق الادّعائية ، ولابدّ فيها من مصحّح للدعوى :

فيحتمل أن يكون المصحّح لها حرمتها في الشريعة ، كقوله : )فَلا رَفَثَ

ص: 248


1- قرب الإسناد : 35 / 114 ؛ وسائل الشيعة 16 : 227 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 6 .
2- تقدّمت في الصفحة 235 .

وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِى الحَجِّ((1) ، وقوله : «لا تعرّب بعد الهجرة ، ولا وصال في صيام»(2) ، ونظائرها .

فيدّعى أنّ الحرمة الشرعية أوجبت سدّ طرق وجودها ، فليس لها تحقّق ووجود ، كسائر الجمل الإخبارية التي تستعمل في مقام الإنشاء ، كقوله : «يعيد صلاته ويغسل ثوبه»(3) ؛ فإنّها لم تستعمل في المعاني الإنشائية ، بل تستعمل في معانيها بادّعاء أ نّه لا يترك أو لا يوجد ، فيفهم منها الوجوب أو الحرمة .

ويحتمل أن يكون المصحّح نفي الحكم المتعلّق بها ، فإنّها واجبة ولا دين لمن

لا تقيّة له ، ومع نفي حكمها في الشريعة يصحّ أن يدّعى عدمها ، كقوله : «لا رضاع بعد فطام»(4) ، و«لا يمين في غضب . . . ولا في جبر ، ولا في إكراه»(5) ونظائرها .

ويمكن ترجيح هذا الاحتمال بأن يقال : إنّ كلّ موضوع ذي حكم في الشريعة إذا تعلّق النفي به يكون ظاهراً في نفيه بلحاظ حكمه ، إلاّ أن قامت قرينة على خلافه .

مضافاً إلى أنّ قوله : «إنّما جعلت التقيّة» أيضاً من الحقائق الادّعائية بلحاظ

ص: 249


1- البقرة (2) : 197 .
2- الكافي 5 : 443 / 5 ؛ وسائل الشيعة 20 : 384 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 5 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 19 ، الحديث 2 و3 .
4- الكافي 5 : 443 / 5 ؛ وسائل الشيعة 20 : 384 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 5 ، الحديث 1 .
5- الكافي 7: 442 / 16؛ وسائل الشيعة 23: 235، كتاب الأيمان، الباب 16، الحديث 1.

جعل الحكم عليها . والمناسبة بينه وبين الفقرة الثانية تقتضي أن يكون النفي

بلحاظ نفي هذا المجعول ، فكأ نّه قال : إنّما وجبت التقيّة لكذا ، فإذا بلغت الدم فلا وجوب .

لكن مع ذلك يكون الاحتمال الأوّل أرجح لو لم نقل بتعيّنه ؛ لفهم العرف مع خلوّ ذهنه عن الشبهات ، ولمناسبة الحكم والموضوع ، ولأنّ الظاهر أنّ الجملة سيقت لبيان أهمّية الدماء وأ نّه تعالى أوجب التقيّة لحقنها ، فإذا كان حقنها موجبة

لوجوبها وكونها ديناً ولا دين لمن تركها ، لا محالة يكون البلوغ إلى إراقتها موجباً لحرمتها .

فهذه قرائن على أنّ النفي ليس بلحاظ نفي الحكم لو سلّم الظهور المدّعى في الوجه المتقدّم . وكذا المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي أن يكون النفي بلحاظ التحريم ، والإثبات بلحاظ الإيجاب ، وهذا هو التناسب بين الفقرتين ، لا ما ذكرناه في الوجه السابق .

مضافاً إلى أنّ نفي الموضوع في المقام بلحاظ نفي حكمه غير صحيح ، ولا يكون هذا مصحّحاً لنفي الموضوع لخصوصية فيه ؛ لأنّ الأغراض الأكيدة في عامّة الناس قائمة بحفظ نفوسهم ونفوس من يتعلّق بهم ، بحيث لولا الخوف من عذاب اللّه تعالى والجزاء الشرعي والعرفي في الحكومات والسياسات لكان كلّ شخص يهمّ بحفظ نفسه ونفس عائلته ومتعلّقيه وإن توقّف على إراقة الدماء بالغة ما بلغت .

ففي مثل المورد إذا نفى الشارع وجوب التقيّة إذا بلغت الدم ولم يحرّمها لا شبهة في استعمال عامّة الناس - إلاّ من شذّ منهم - التقيّة لحفظ دمائهم ، بل

ص: 250

لحفظ أعراضهم ، بل لا يبعد استعمالهم لحفظ أموالهم المهمّة ، ومع عدم منع استعمالها في الشريعة وكثرة تحقّقها لشدّة اهتمام الناس بها لا يصحّ سلب الموضوع ادّعاءً ، فالإخبار الادّعائي بعدم تحقّق شيء كثير الوجود خارجاً وغير ممنوع شرعاً ، لا مصحّح له .

وبالجملة : نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم ، ليس صحيحاً بنحو الإطلاق بل لا بدّ من ملاحظة خصوصيات الموارد ؛ فقد يصحّ الدعوى ، وقد لا تصحّ ، والمقام من قبيل الثاني .

فإن قلت : فما تقول في قوله : «لا يمين في غضب»(1) ، و«لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها»(2) إلى غير ذلك ممّا هو كثير التحقّق ، ويكون نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم وعدم الانعقاد ؟

قلت : في مثل هذه الموارد يكون المصحّح لغوية وجود الموضوع ، فكأنّ ما لا يترتّب عليه أثر في الشرع ولا في العرف لا يكون موجوداً فيصحّ تعلّق النفي به . وأمّا في المقام فيترتّب على التقيّة آثار مهمّة عند العقلاء هي حفظ نفوسهم وسائر أغراضهم .

وبالجملة : لابدّ في نفي الموضوع التكويني الموجود خارجاً من ادّعاء ومصحّح له ، فقد يكون المصحّح ندرة الوجود ، وقد يكون عدم ترتّب آثار الوجود عليه ، وقد يكون عدم ترتّب الأثر المتوقّع منه عليه ، وقد يكون ممنوعية

ص: 251


1- تقدّم في الصفحة 249 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 216 ، كتاب الأيمان ، الباب 10 .

وجوده وسدّ طرق تحقّقه تشريعاً وليس في المقام مصحّح غير الأخير .

مع أنّ فهم الأصحاب ذلك من الروايات أيضاً من المؤيّدات القويّة لو لم نقل من الحجج الكافية ودليل على الظهور العرفي ، فتردّد بعض المدقّقين(1) فيه في غير محلّه .

في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين إيقاع النفس في الهلكة

ثمّ إنّه لو قلنا بعدم استفادة أحد الوجهين منها أو استفادة الوجه الثاني من

الوجهين فقد يقال : بمعارضة دليل حرمة القتل لدليل حرمة إيقاع النفس في

الهلكة ، ومزاحمة الحكمين أو مزاحمة حرمة قتل النفس لحرمة التسبيب لقتل النفس المحترمة ؛ أي نفس من يتعلّق به إذا كان الإيعاد بقتله ، ولا دليل على الترجيح فيتخيّر بينهما .

نعم ، قد يتحقّق الترجيح والأهمّية في أحد الطرفين ، كما لو أوعده على قتل بعض متعلّقيه لو لم يقتل جماعة عديدة ، أو أوعده على قتله وقتل جميع متعلّقيه لو لم يقتل واحداً (2) .

أقول : في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين محرّم آخر دونه ، لا ينبغي الإشكال في أقلّية محذور ارتكاب الثاني وعدم مزاحمته لمقتضى القتل ، والإيقاع في الهلكة في المقام ليس قتل نفسه مباشرة ولا تسبيباً ، بل لمّا أمكنه

ص: 252


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 139 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 139 - 140 .

صرف شرّ الغير عن نفسه كان ذلك الصرف واجباً ولو عقلاً ، أو عدم صرفه نحو إيقاع لها في الهلكة .

فصرف شرّ الغير عن نفسه واجب أو الإيقاع في الهلكة بهذا المعنى حرام ، لكنّه دون حرمة مباشرة القتل . ألا ترى أ نّه لو دار الأمر بين قتل جابر نفساً محترمة وبين قتلك نفساً محترمة اُخرى ، لا يمكن القول بالتخيير بين القتل مباشرة لحفظ النفس المحترمة وترك المباشرة وإيقاع الغير في الهلكة ، بدعوى مزاحمة المقتضيين وعدم الترجيح .

وأمّا قوله في دوران الأمر بين قتل المكره - بالفتح - شخصاً وقتل المكره - بالكسر - بعض من يتعلّق به ، بأنّ ذلك من قبيل الدوران بين حرمة القتل وحرمة التسبيب له .

ففيه : أنّ ذلك ليس تسبيباً لقتل من يتعلّق به . فإنّ التخلّف عن أمر المكرِه ليس سبباً عرفاً وعقلاً للقتل ، مع أنّ المباشرة للقتل أشدّ محذوراً من هذا المعنى المفروض وإن سمّي تسبيباً .

بل يمكن أن يقال : إنّه لو دار الأمر بين مباشرته لقتل شخص واحد ، وبين مباشرة المكرِه لقتل أشخاص عديدة ، لا يجوز مباشرة القتل ؛ لأنّ الواجب دفع قتلهم مع الإمكان ، لكن إذا توقّف على ارتكاب القتل مباشرة ، فلا دليل على جوازه وترجيح مقابله .

وهل هذا إلاّ نظير دوران الأمر بين ارتكابه شرب الخمر وارتكاب جمع كثير شربها ؟

وبالجملة : لم يتّضح وجوب حفظ النفوس بارتكاب قتل النفس .

ص: 253

نعم ، لو كان المتوعّد على قتله من يجب حفظه على أيّ تقدير كالنبيّ رحمهما اللّه

والوصيّ علیه السلام يجب قتل غيره لحفظه .

هذا مع قطع النظر عن دليل الحرج ، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى حكم العقل ، فإنّه على فرض كون المرفوع في الدم حكم التقيّة وسكوت الرواية عن حكم بلوغ الدم ، يكون مقتضى دليل نفي الحرج جواز ارتكاب الدم ؛ لما مرّ من أنّ الشرّ والضرر المتوجّه إلى الغير يكون وجوب دفعه بتحمّل الضرر على النفس حرجياً.

وإن شئت قلت : إيجاب حفظ نفس الغير أو حرمة قتله بإيقاع الضرر على نفسه حرجي ، سيّما إذا كان الضرر المتوعّد عليه من النفوس أو الأعراض المتعلّقة به ، فمع قيام الدليل الشرعي لا مجال لحكم العقل وترجيحه .

ولو قلنا بأنّ المستفاد من دليل نفي التقيّة في الدماء الحرمة ، فإن قلنا بأ نّه شامل لجميع أنحاء التقيّة في عرض واحد وكان مفاده تحريمها مطلقاً في الدم ، تكون النسبة بينه وبين دليل نفي جعل الحرج العموم من وجه ؛ لأنّ عدم التقيّة في الدم أعمّ من أن يلزم الحرج في تركه . وعليه يكون دليل نفي الحرج حاكماً عليه كحكومته على سائر الأدلّة . وكون دليل التقيّة من الأحكام الثانوية لا ينافي الحكومة المتقوّمة بلسان الدليل مع أنّ قوله : «فلا تقيّة» حكم أوّلي متعلّق بعنوانها.

وإن قلنا بأنّ روايات نفي التقيّة بلحاظ قوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم» ناظرة إلى قضيّة عمّار ، كما أشرنا إليه(1) ، تكون واردة مورد الإكراه

ص: 254


1- تقدّم في الصفحة 236 .

الذي هو مورد قضيّة عمّار ، فلا محالة لا يجوز إخراجه بدليل الحرج ؛ للزوم إخراج المورد ، وهو مستهجن . ومع بقاء مورد الإكراه كذلك ؛ أي عدم جواز إراقة الدم مع الإكراه والتوعيد على القتل، لا يجوز إخراج ما عداه بالضرورة ، فإنّ القتل إذا لم يجز مع التوعيد على القتل لا يجوز مع ما دونه وما هو أهون منه .

وبعبارة اُخرى : لا يصحّ التفكيك عقلاً وعرفاً في الدليل ، فلا بدّ من رفع اليد

عن تحكيم دليل الحرج في المقام ، وهو أهون من عمل التعارض ، مع أ نّه على فرضه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الآية(1) إمّا لكونه عملاً بالدليلين في الجملة أو للإجماع المدّعى(2) والشهرة المحقّقة المرجّحين على إطلاق الكتاب بل

المقيّدين له .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق قوله : «إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة» عدم الفرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر ، والعلم والجهل ، والذكورة والاُنوثة حتّى الحمل بعد ولوج الروح ، ولا بين المريض وغيره ، ولا بين من في حال النزع وغيره على تأمّل في الأخير ، بل والمستحقّ للقتل قصاصاً وغيره ، فإنّه محقون الدم وإن جعل اللّه لوليّه سلطاناً على قتله .

وأمّا المؤمن المستحقّ للقتل حدّاً كالزاني محصناً واللاطي ، فالظاهر أ نّه غير محقون ، كما تسالم عليه الفقهاء في كتاب القصاص وادّعي عليه الإجماع(3) ، بل

ص: 255


1- النحل (16) : 106 .
2- تقدّم في الصفحة 243 .
3- راجع غنية النزوع 1 : 403 ؛ السرائر 3 : 324 .

عن «الرياض» دعوى تظافر النصوص عليه(1) ، ولعلّه أراد بها ما دلّت على أ نّه يقتل ونحو ذلك ، تأمّل .

فدعوى شيخنا الأنصاري أنّ ظاهر المشهور عدم التقيّة فيه(2) ناشئة من إطلاقهم في المقام ، ولكن مقتضى تصريحهم بعدم محقونيته مطلقاً جواز التقيّة فيه ، وهو لا يخلو من وجه ، فإنّ الظاهر أنّ الحدّ ليس حقّاً للحاكم كالقصاص بالنسبة إلى وليّ الدم ، بل الحاكم لكونه مسيّس العباد وله السلطان والولاية يكون مختصّاً بإجراء الحدود وليس لغيره إجراؤها .

فلو قتل شخص من يجب قتله حدّاً اختياراً لا قصاص عليه ولا دية كما قالوا وليس عليه إلاّ الإثم ويرتفع مع الإكراه .

بل الظاهر انصراف قوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» عن مثله ؛ ضرورة أنّ التقيّة لم تجعل لحقن دم مثله ، فإطلاق أدلّة الإكراه والتقيّة محكّم .

كما أنّ غير المؤمن من سائر الفرق خارج عن مصبّ الروايات وأنّ التقيّة جعلت لحقن دم المؤمن خاصّة ، ومقتضى العمومات جواز قتل غيرهم بالإكراه وحال الضرورة .

ثمّ الظاهر أنّ الدم كناية عن القتل بأيّ سبب كان ، بإراقة الدم أو غيرها ، وما دون القتل جرحاً كان أو غيره خارج ، وداخل في جواز التقيّة أو وجوبها .

ص: 256


1- رياض المسائل 14 : 104 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 98 - 99 .

التنبيه الثاني حكم سائر أقسام التقيّة

اشارة

إنّ ما ذكرناه إنّما هو في الإكراه والتقيّة الإكراهية ، ولا بأس بالإشارة إلى حكم سائر أقسامها : من التقيّة المداراتية المشروعة لمراعاة حسن العشرة معهم ، والتقيّة الخوفية المشروعة لحفظ شأن من شؤون الشيعة ، سواء كان من المتّقي أو غيره من إخوانه المؤمنين ، والتقيّة الكتمانية ، في مقابل الإذاعة والإفشاء ، الواجبة لكتمان سرّهم ، كما وردت في كلّ منها أخبار عديدة .

فهل يجوز جميع أقسام التقيّة لما دون الدم ، فيجوز الإضرار بالغير مالاً وعرضاً لقسم من الأقسام المتقدّمة أم لا ؟

ربّما يقال : إنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم ، وموثّقة أبي حمزة(1) العموم ؛ لأنّ الظاهر منهما أنّ التقيّة فيما عدا الدم مشروعة كائناً ما كان ، وكانت التقيّة ما كانت ، وهو مقتضى عموم مرسلة الصدوق : «والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(2) .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ الروايتين الاُولي-ين إنّما سيقتا لإفادة عدم التقيّة في الدم ، وأ نّه إذا بلغت الدم فلا تقيّة ، ولا شبهة في إطلاقهما من هذه الجهة وفي هذا

الحكم ؛ أي حرمة التقيّة في الدم ، فيستفاد منهما السلب الكلّي في الدم .

ص: 257


1- تقدّمتا في الصفحة 235 .
2- تقدّمت في الصفحة 236 .

وأمّا في غيره فلا يستفاد منهما الإيجاب الكلّي بمعنى جواز جميع أنحاء التقيّة في غيره ، فيظهر منهما أ نّه مع عدم بلوغها الدم ، ففيه تقيّة بنحو الإجمال ، لا بنحو الإطلاق والكلّية بحيث يظهر منهما مشروعيتها بجميع أنحائها وأقسامها المتقدّمة ، وذلك من غير فرق بين القول بالمفهوم في الشرطية وعدمه ، فإنّ مفهومها على القول به أ نّه إذا لم تبلغ الدم ففيه تقيّة ، لا فيه جميع أنحائها ؛ لما

حقّق في محلّه أنّ مفهوم نحو تلك القضيّة الإيجاب الجزئي(1) . والمقام نظير قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(2) الدالّ بمفهومه أ نّه مع عدم البلوغ يتنجّس في الجملة .

ومنه يظهر الحال في المرسلة ، فإنّ قوله : «التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم» عامّ بالنسبة إلى أفراد ما عدا الدم من المال والعرض والجرح بما دون القتل ، لا بالنسبة إلى أنحاء التقيّة . فإذا ثبت في كلّ شيء تقيّة في الجملة ولو عند

الإكراه والتوعّد بالقتل يصحّ أن يقال : التقيّة في كلّ شيء ما عدا القتل ، ففي القتل

سلب كلّي وفي مقابله إيجاب جزئي .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في عدم عمومها وإطلاقها بالنسبة إلى موارد الإكراه ، سواء قلنا بأ نّه تقيّة عرفاً ولغةً وبحسب الأخبار ، أو يلحق بها حكماً بما تقدّم(3) ، أمّا على الأوّل فبالبيان المتقدّم ، وأمّا على الثاني فلأ نّه

ص: 258


1- مناهج الوصول 2 : 186 - 187 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 ، 2 و6 .
3- تقدّم في الصفحة 246 - 248 .

لا يزيد على الملحق به والمتفرّع عليه .

نعم ، لا نحتاج في إثبات الحكم مطلقاً في موارد الإكراه بهذه الرواية ، بل يكفي فيه مثل دليل الرفع وسائر ما تقدّمت الإشارة إليها (1) .

وممّا تقدّم يظهر عدم جواز الاستدلال على جوازها مطلقاً برواية أبي عمر الأعجمي عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث أ نّه قال : «لا دين لمن لا تقيّة له ، والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين»(2) .

فإنّها بصدد بيان أنّ فيما عدا النبيذ والمسح تقيّة . فيظهر منها أمران : أحدهما : عدم التقيّة مطلقاً فيهما . والثاني : ثبوتها لكلّ ما عداهما في الجملة ؛ لعدم كونها

بصدد بيان جواز أنحاء التقيّة ، فلا إطلاق فيها .

هذا ، مع احتمال أن يكون المراد بالمستثنى منه المحرّمات والواجبات الإلهية ممّا لا يتعلّق بها حقّ الناس ، بقرينة استثناء المذكورين وعدم استثناء الدم ، تأمّل .

نعم ، مقتضى عموم صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به»(3) ، وصحيحة اُخرى عنه وعن غيره ، قالوا : سمعنا أبا جعفر علیه السلام يقول : «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم

ص: 259


1- تقدّمت في الصفحة 230 - 235 .
2- الكافي 2 : 217 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 215 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 3 .
3- الكافي 2 : 219 / 3 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 1 .

فقد أحلّه اللّه له»(1) ، جوازها في كلّ شيء يضطرّ إليه ، كما إذا خاف على نفسه أو عرضه ، أو نفس من يكون بمنزلته من أهله وخاصّته وعشيرته الأقربين أو عرضهم ، أو على ماله الذي إذا سلب عنه يقع في الحرج والمشقّة الشديدة ، من غير فرق بين حقّ اللّه وحقّ الناس ما عدا الدم ؛ وأمّا غيره ممّا استثني في بعض الروايات ، كرواية الأعجمي ، فلا بدّ من تأويلها ، وقد تعرّضنا لها في رسالة التقيّة(2) .

وما ذكرناه من شمولها لحقّ الناس وإن كان بعيداً سيّما بعض مراتبه لكن لا محيص عنه بعد تطابق النصّ والفتوى عليه :

قال الشيخ في «النهاية» في باب الأمر بالمعروف : «فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها ، إلاّ لسلطان الزمان المنصوب من قبل اللّه تعالى» إلى أن قال :

«ولا يجوز له أن يحكم بمذهب أهل الخلاف ، فإن كان قد تولّى الحكم من قبل الظالمين فليجتهد أيضاً في تنفيذ الأحكام على ما يقتضيه شريعة الإسلام والإيمان ، فإن اضطرّ على تنفيذ حكم على مذهب أهل الخلاف بالخوف على النفس أو الأهل أو المؤمنين أو على أموالهم ، جاز له تنفيذ الحكم ما لم يبلغ ذلك قتل النفس ، فإنّه لا تقيّة في قتل النفوس»(3) .

وقال في المكاسب في جملة من كلامه : «فإن لم يتمكّن من إقامة حقّ على

ص: 260


1- الكافي 2 : 220 / 18 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 2 .
2- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره : 14 .
3- النهاية : 300 - 302 .

وجه ، والحال ما وصفناه في التقيّة ، جاز له أن يتّقي في جميع الأحكام والاُمور ، ما لم يبلغ ذلك إلى سفك الدماء المحرّمة»(1) .

أقول : والحال الذي وصفه في التقيّة هو الخوف على النفس أو على الأهل أو على بعض المؤمنين .

وفي «المراسم» : «وقد فوّضوا علیهم السلام إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدّوا واجباً ولا يتجاوزوا حدّاً» إلى أن قال : «فإن اضطرّتهم تقيّة به أجابوا داعيها ، إلاّ في الدماء خاصّة ، فلا تقيّة فيها»(2) .

وفي «السرائر» بعد دعوى الإجماع على عدم جواز إقامة الحدود إلاّ للإمام علیه السلام والحكّام من قبله قال : «فإن خاف على نفسه من ترك إقامتها فإنّه يجوز له أن يفعل في حال التقيّة ، ما لم يبلغ قتل النفوس» إلى أن قال : «فإن اضطرّ إلى تنفيذ حكم على مذهب أهل الخلاف بالخوف على النفس ، أو الأهل ، أو المؤمنين ، أو على أموالهم ، جاز تنفيذ الحكم ، ما لم يبلغ ذلك قتل النفوس ، فإنّه لا تقيّة له في قتل النفوس»(3) .

وفي «الشرائع» : «فإن اضطرّ إلى العمل بمذهب أهل الخلاف جاز ، إذا لم يمكن التخلّص عن ذلك ، ما لم يكن قتلاً لغير مستحقّ»(4) .

وفي «المنتهى» : «فإن اضطرّ إلى استعمال ما لا يجوز من ظلم مؤمن

ص: 261


1- النهاية : 357 .
2- المراسم : 261 .
3- السرائر 2 : 25 - 26 .
4- شرائع الإسلام 1 : 313 .

أو قهره جاز ذلك للضرورة ، ما لم يبلغ الدماء ، فلا يجوز التقيّة فيها على حال»(1) .

لكن يمكن المناقشة في إطلاق الحكم - مضافاً إلى غاية بُعده في بعض المراتب وإمكان أن يقال بأنّ تلك الأدلّة الصادرة على وجه الامتنان منصرفة عن الموارد التي يلزم منها وقوع الضرر أو الحرج على الغير ، تأمّل - أنّ مقتضى تلك الأدلّة عموماً وإطلاقاً وإن كان جواز التقيّة في كلّ مورد يضطرّ إليه ابن آدم من غيرفرق بين حقّ الناس وغيره ، لكن مقتضى حكومة دليل نفي الحرج ، كحكومته على سائر الأدلّة ، تخصيص الحكم بموارد لا يلزم منها الحرج على الغير بفعله .

ولازمه التفصيل في حقوق الناس بين ما إذا توجّه الشرّ والضرّ على الغير ، ويكون دفعه عنه مستلزماً لوقوع الدافع في شرّ وضرّ وحرج ، كما في الموارد المتقدّمة في كلام الشيخ وابن إدريس وغيرهما ، فإنّه لو فرض أنّ السارق أقرّ بالسرقة عند من كان منصوباً من قبل والي الجور للقضاء ، وكان مقتضى مذهبهم القطع بالإقرار مرّة واحدة كما قال به أبوحنيفة ومالك والشافعي(2) وخاف القاضي واضطرّ إلى الحكم على مذهبهم وإنفاذه ، ففي مثله يجوز له ؛ لأنّ الشرّ حسب إقراره ومذهبهم متوجّه إليه فإيجاب دفعه عنه بما يلزم منه وقوع الشرّ عليه حرجي .

ص: 262


1- منتهى المطلب 15 : 460 .
2- المبسوط ، السرخسي 9 : 182 ؛ الموطّأ 2 : 833 ؛ مختصر المزني : 264 .

وأمّا تجويزه لدفع اضطراره ليس حرجياً على غيره أو ينصرف الدليل عنه ؛ لأ نّه شرّ توجّه إليه لا من قبله بل من قبل إقراره ومذهب الباطل .

ولو سلّم كونه حرجياً ومنع الانصراف يتعارض دليل الحرج في مصداقين وتسلم أدلّة أنّ التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه .

وأمّا إذا توجّه الشرّ إلى المتّقي وأراد دفعه بالتوجّه إلى غيره ، كما لو ظنّ أ نّه إمامي وخاف منه على عرضه فأراد هتك عرض شيعي لدفع التوهّم والشرّ عن نفسه ، ففي مثله يكون تجويزه حرجاً على غيره وهو منفيّ .

وأمّا تحريم دفع ضرره بإيقاع شرّ على الغير فليس من الأحكام الحرجية ، فإنّ الضرر متوجّه إليه لا من قبل الشارع . نعم ، مع تجويزه إيقاع الشرّ على الغير يندفع اضطراره لكن مقتضى الأدلّة عدمه .

وهذا التفصيل غير مستبعد عقلاً وموافق للقواعد ، ولعلّ الفتاوى المتقدّمة مختصّة بالموارد التي من قبيل الأوّل .

وممّا ذكرناه يظهر الحال في مسألة اُخرى ، وهي أ نّه لو اضطرّ إلى أكل مال الغير دون خوف الموت فإنّه يجوز بدليل رفع الاضطرار فيما إذا لم يلزم منه حرج على غيره ، فإنّ دليل رفع الاضطرار يرفع الحرمة الشرعية ، ولكن المال مضمون عليه ؛ لعدم اضطراره على الأكل المجّاني ؛ لعدم معنىً له .

وأمّا لو فرض أنّ المضطرّ لا مال له رأساً ، ولا يتوقّع منه الجبران ، وكان صرف المال الذي اضطرّ إليه موجباً لوقوع الحرج على صاحبه ، فالظاهر عدم جوازه ؛ لحكومة دليل نفي الحرج على الأدلّة الثانوية أيضاً ، حتّى مثل حديث الرفع ، فإنّ الرفع القانوني نحو جعل وحكم من الشارع .

ص: 263

ولو نوقش فيه فقوله : )ما جَعَلَ عَلَيْكُم . . .((1) دالّ - ولو بمناسبة كونه في مقام الامتنان وأنّ هذه الملّة سهلة سمحة - على أنّ مطلق أحكامه وضعاً ورفعاً ليست حرجية .

هذا كلّه في التقيّة الإكراهية والاضطرارية .

حكم التقيّة إذا خاف على عرض مؤمن أو ماله

وأمّا إذا لم يخف على نفسه أو ما يتعلّق به ولم يكن مكرهاً ، فهل تجوز أو تجب التقيّة بارتكاب المحرّمات لو خاف على عرض بعض المؤمنين ، أو ماله ، دون نفسه التي لا يوازنها شيء ؟

الظاهر عدم جواز التمسّك له بمطلقات أدلّة التقيّة ؛ لأنّ عنوانها غير صادق

ظاهراً إلاّ على الخوف على ما يتعلّق بالمتّقي من النفس والعرض والمال ، سواء كان منه أو ممّن يتعلّق به الذي بمنزلته ، وأمّا الخوف على سائر الناس فليس مورد التقيّة ، ولا هي صادقة عليه . فقوله : «التقيّة تُرس المؤمن وحرزه»(2) ظاهر في أ نّها حافظها عن توجّه الضرر إليه ، فلا بدّ في المقام من التماس دليل آخر .

ربّما يتمسّك : برواية «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين علیه السلام على جواز ارتكاب المحرّمات ولو أعظمها ، كالتبرّي عنه علیه السلام ، وفيها : «ولئن تبرَأْ منّا ساعة بلسانك وأنت موالٍ لنا بجنانك ، لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ، ومالها الذي

ص: 264


1- الحجّ (22) : 78 .
2- الكافي 2 : 221 / 23 ؛ وسائل الشيعة 16 : 205 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 7 .

به قيامها ، وجاهها الذي به تمسّكها ، وتصون من عرف بذلك (من - ظ .)

أولياءنا وإخواننا ، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك ، وتنقطع به عن عمل في الدين ، وصلاح إخوانك المؤمنين . وإيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها ، فإنّك شائط بدمك ودماء إخوانك ، معرِّض لنعمتك ونعمتهم للزوال ، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين اللّه ، وقد أمرك اللّه بإعزازهم ، فإنّك إن

خالفت وصيّتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا»(1) .

وأنت خبير : بأ نّها أخصّ من المدّعى .

أمّا الفقرة الاُولى منها فلا دلالة فيها على جواز البراءة فيما إذا خاف على مال مؤمن أو عرضه ، فإنّ قوله : «وتصون من عرف بذلك . . .» ظاهر في صيانة نفوسهم ، سيّما مع ذكر النفس والمال والجاه بالنسبة إلى المتّقي . فلو كان الخوف على غيره في المال والجاه كالخوف على نفسه فيهما لكان أولى بالذكر ، ولا أقلّ من قصور دلالتها على جميع مراتب الخوف .

وقوله : «وصلاح إخوانك» عطف على قوله : «عن عمل في الدين» ؛ أي تنقطع عنه وعن صلاح إخوانك ، فلا ربط له بالمقام .

وأمّا الفقرة الثانية؛ أي قوله: «وإيّاك ثمّ إيّاك...»، فظاهرها من أوّلها إلى آخرها أ نّها مربوطة بزمان كان الشيعة في الأقلّية التامّة وفي معرض الزوال والهضم لو ترك التقيّة وفشا أمرهم ، ولا شبهة في أنّ ضرر تركها والحال هذه أكثر من ضرر

ص: 265


1- الاحتجاج 1 : 556 / 134 ؛ وسائل الشيعة 16 : 228 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 11 ، والمتن مطابق مع الوسائل.

النصب والكفر على المذهب الحقّ ، فإنّ في تركها مظنّة ذهاب أهل الحقّ ومذهبهم في مثل ذلك العصر الذي كانت عدّتهم محصورة جدّاً ، وكذا في مثل عصر الصادقين علیهما السلام والكاظمين علیهما السلام ، حيث كان تركها موجباً لاطّلاع ولاة الجور وأعداء دين اللّه - لعنهم اللّه - على حزب الحقّ وتحزّبهم في الخفاء لإبقاء

الحقّ وإحياء سنّة اللّه تعالى، وذلك كان موجباً لإراقة دمائهم وزوال نعمتهم وذلّهم

تحت أيدي أعداء اللّه . وأين ذلك ممّا نحن بصدده من جواز ارتكاب المحرّمات حتّى مثل سبّ الأئمّة علیهم السلام - والعياذ باللّه - عند الخوف على هتك مؤمن أو جمع منهم أو الخوف على أموالهم من غير ترتّب تلك المفاسد على تركها ؟

وما ذكرناه فيها جارٍ في سائر الروايات الواردة في التقيّة أو في المقام :

كالمحكيّ عن «تفسير الإمام علیه السلام » قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من صلّى الخمس كفّر اللّه عنه من الذنوب» إلى أن قال : «لا تبقي عليه من الذنوب شيئاً إلاّ الموبقات التي هي جحد النبوّة ، أو الإمامة ، أو ظلم إخوانه ، أو ترك التقيّة حتّى يضرّ بنفسه وإخوانه المؤمنين»(1) .

وعنه قال الحسن بن علي علیه السلام : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه على خلقه أجمعين بشدّة مداراتهم لأعداء دين اللّه ، وحسن تقيّتهم لأجل إخوانهم في اللّه»(2) .

ص: 266


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 231 / 111 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 259 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 6 .
2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 355 / 244 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 262 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 27 ، الحديث 3 .

وعنه عن أمير المؤمنين علیه السلام : «التقيّة من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين»(1) إلى غير ذلك .

فإنّ الظاهر أنّ جعل ترك التقيّة من الموبقات وقريناً لجحد النبوّة والإمامة ليس لمحض حفظ مال مؤمن أو عرضه مثلاً ، بل لمّا كان تركها في تلك الأزمنة موجباً لفساد في الدين أو المذهب صار بتلك المنزلة ، وإلاّ فمن الواضح أنّ الموجِب بتركها لنهب مال مؤمن لا يكون مرتكباً لموبقة قرينة لجحدهما ، وكذا الحال ظاهراً في مداراة الأنبياء لأعداء دين اللّه وتقيّتهم لأجل إخوانهم ،

فإنّ الموجب لفضيلتهم ليس نفس المداراة والتقيّة ، بل لمّا كانت دعوتهم وإشاعة دينهم بين الناس موقوفة بمداراة أعداء اللّه وحفظ المؤمنين ، صارا بتلك المنزلة .

هذا مع الغضّ عن ضعف السند وعدم الإطلاق .

وممّا ذكرناه يظهر عدم صحّة التشبّث لإثبات المدّعى ؛ أي جواز ارتكاب المحرّمات ، بالروايات الكثيرة المتقدّمة الدالّة على جواز التولّي من قبل الجائر لصلاح حال الشيعة(2) .

لما عرفت(3) من أنّ الظاهر من مجموعها أو المتيقّن منها بعد ضعف أسنادها جواز التولّي فيما إذا كان صلاح المذهب ، ولولا التولّي لخيف تشتّت الشيعة

ص: 267


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 320 / 163 ؛ وسائل الشيعة 16 : 222 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 28 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 218 - 221 .
3- تقدّم في الصفحة 221 .

وذهاب حزبهم مع قلّة عددهم وضعفهم وقوّة أعدائهم وشدّة اهتمامهم - لعنهم اللّه - بهضمهم وهلاكهم ، كما هو ظاهر .

فلولا أمثال علي بن يقطين ، والنجاشي ، ومحمّد بن إسماعيل ومن يحذو حذوهم لخيف على الشيعة الانقراض ، وإلاّ فما أظنّ ارتضاء منصف بأنّ تلك الترغيبات الواردة منهم علیهم السلام ، سيّما في رواية ابن بزيع(1) ، للورود في ديوانهم لمحض حفظ مال من شيعي أو عرضه ، مع حرمة الورود فيه ذاتاً وملازمة ورود أمثالهم للابتلاء بمعاصي اُخر تقيّة .

فتجويز ذلك والترغيب الأكيد فيه ليس إلاّ لحفظ المصالح السياسية الكائنة في تلك الظروف ، المقدّم على ارتكاب أيّ معصية يبتلى بها في ديوانهم .

فكيف يمكن تجويز ارتكاب محرّم كشرب الخمر أو سبّ أمير المؤمنين علیه السلام

- والعياذ باللّه - في مثل زماننا لحفظ مال شيعي وعرضه ؟

وكذا لا يصحّ التشبّث بما ورد في روايات عديدة من جواز الحلف كذباً لإنجاء مال مؤمن من العشّار أو اللصّ وغيره ، كما في بعضها (2) ؛ ضرورة عدم جواز التعدّي منه إلى سائر المعاصي . كما أنّ الكذب في الصلاح جائز نصّاً وفتوى ، لكن لا يمكن التعدّي منه ، ولعلّه كما قالوا إنّ قبح الكذب بالوجوه والاعتبار ، ومع ترتّب الصلاح عليه لا يكون قبيحاً .

فلو توقّف إنجاء مال مؤمن من العشّار أو غيره وكذا الإصلاح بين المؤمنين

ص: 268


1- تقدّمت في الصفحة 195 .
2- وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 و16 .

على معصية اُخرى ، كسبّ النبي رحمهما اللّه وشرب الخمر لا يمكن الالتزام بالجواز ، كما هو واضح .

فتحصّل من جميع ذلك عدم دليل على جواز ارتكاب المحرّم لحفظ مال أو عرض ، فلو دلّ دليل على وجوب حفظ شيء مطلقاً لا بدّ من ملاحظة الأهمّ ومعاملة باب التزاحم .

ثمّ لو قلنا بجواز التقيّة في هذا المورد فلا شبهة في عدم جواز الإضرار بالغير لدفع الإضرار عن مؤمن آخر وهو واضح . والفرق بينه وبين التقيّة الاضطرارية ظاهر .

ص: 269

التنبيه الثالث الإشكال على ما ذكره الشيخ في معنى الإكراه

قال الشيخ الأنصاري في «كتاب البيع» : «إنّ حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً حمل الغير على ما يكرهه ، ويعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتّب على ترك ذلك الفعل مضرّ بحال الفاعل أو متعلّقه نفساً أو عرضاً أو مالاً»(1) .

وقال في المقام : «إنّ الإكراه يتحقّق بالتوعّد بالضرر على ترك المكره عليه

ضرراً متعلّقاً بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله ، ممّن يكون ضرره راجعاً إلى تضرّره وتأ لّمه»(2) ، انتهى .

أقول : إنّ ما ورد في الأخبار عنوانان : أحدهما : ما اُكرهوا عليه ، وثانيهما : ما استكرهوا عليه . ولا شبهة في رجوعهما إلى معنىً واحد ، كما أنّ الاستكراه أو الإكراه الوارد في بعض الأخبار راجعان إلى ذلك أيضاً ، فلا بدّ من النظر في معنى قوله : «رُفع ما اُكرهوا عليه»(3) عرفاً ولغةً . والظاهر أ نّهما متطابقان على أنّ معنى أكرهه عليه حمله على ذلك قهراً وكُرهاً ؛ بمعنى أنّ متعلّق القهر والكره الحمل ، فيكون معنى أكرهه على ذلك كقوله أجبره عليه وألزمه عليه ؛

ص: 270


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 311 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 90 .
3- الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .

أي حمله عليه قهراً وجبراً وإلزاماً وكرهاً .

وأمّا بناءً على ما ذكره الشيخ لا يكون الكره والقهر في الحمل على الفعل ، بل إذا كان الفعل مكروهاً له وهو يكرهه صدق الإكراه عليه ولو كان الحمل عليه بلا قهر وجبر بل يكون حمله عليه بالاستدعاء أو إعطاء المال عليه ؛ ضرورة صدق حمله على ما يكرهه . فإذا أمره من لا ينبغي مخالفته بأمر كرهه فأتاه صدق عليه أ نّه حمله على ما يكرهه .

وتوهّم أنّ الحمل بمعنى الإلزام والقهر باطل ؛ ضرورة أ نّه أعمّ منه ؛ إذ يصدق قوله : «حملني صديقي أو أخي على ذلك المكروه» بلا شائبة تأوّل .

وبالجملة : ليس في قوله : «أكرهه على ذلك» إلاّ مادّة واحدة هي الكُره ، فهي إمّا متعلّقة بالهيئة وما يستفاد منها ، فيكون المعنى حمله عليه كرهاً ؛ أي قهراً ،

فيكون نظير أجبره وألزمه ، أو راجعة إلى المتعلّق ، فيكون المعنى حمله على ما يكرهه ، فيكون الحمل مطلقاً غير مقيّد بالإلزام والقهر والكره . وتوهّم اعتبار الكره في كليهما كما ترى لا وجه له .

ومع الدوران بينهما لا شبهة في أنّ الأوّل موافق للعرف ، فلا يقال لمطلق الحمل والتحميل على ما يكرهه أ نّه أكرهه عليه ، وموافق لقاعدة الاشتقاق، كما يظهر بالنظر في الأمثال والنظائر ، ولكلمات اللغويين :

ففي «منتهى الإرب» في معنى الاستكراه : «و به ناخواست و ستم بر كارى داشتن، ومنه الحديث : "رفع عن اُمّتي الخطاء وما استكرهوا عليه" »(1) .

ص: 271


1- منتهى الإرب 4 : 1094 .

وفي «الصحاح» : «وأكرهته على كذا : حملته عليه كرهاً»(1) .

ونحوه في «المجمع»(2) .

وفي «معيار اللغة» : «أكرهته على الأمر إكراهاً : حملته عليه قهراً»(3) .

وفي «المنجد» : «أكره فلاناً على الأمر : حمله عليه قهراً . أكره الرجل : حمله

على أمر يكرهه»(4) .

ترى كيف يفرّق بين الجملتين ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ معنى أكرهه عليه : حمل عليه قهراً وكرهاً .

وعليه لا يتحقّق الإكراه على الأمر بالتوعّد بالضرر مطلقاً ؛ إذ قد يكون التوعّد به لا يوجب القهر على الفعل والإلزام عليه ، كما لو أوعد ابنك بأ نّك لو لم تفعل كذا لقتلت نفسي ، أو قالت أهلك : «لو لم تفعل كذا لهتكت سرّي» ، أو قال صديقك : «لو لم تفعل لهجرتك» وكانت هجرته شاقّاً عليك .

فإنّ في تلك الموارد ونظائرها لا يصدق أكرهه على العمل . نعم ، صدق حمله على مكروه .

بل ولا يتوقّف صدق أكره عليه على التوعّد بالمكروه ، فلو خاف المأمور شرّ الآمر كفى في الصدق ، أوعده على الشرّ أم لا ، فاعتبار الإيعاد لا يصحّ طرداً وعكساً .

ص: 272


1- الصحاح 6 : 2247 .
2- مجمع البحرين 6 : 360 .
3- معيار اللغة 3 : 765 .
4- المنجد : 682 .

كما أنّ اعتبار الظنّ على ترتّب الضرر غير ظاهر ، بل يكفي الخوف على ترتّبه وإن لم يحصل الظنّ به .

بل التحقيق أ نّه لا يعتبر كون المأمور به ممّا يكرهه المأمور ، بل ما يعتبر في الصدق - أي كان لازماً فيه - أن يكون المكره مقهوراً في اختياره ؛ بمعنى أ نّه ما اختاره إلاّ للخوف عن مخالفة أمر الجائر .

وعدم اختياره وإرادته له تارةً لأجل كراهته له ومنفوريته لديه ، واُخرى لكونه مخالفاً لصلاحه وإن كان مشتاقاً إليه كمال الاشتياق ، كالمشتهيات التي يتركها المؤمن خوفاً من عذاب اللّه ، فإنّه مع كمال اشتياقه بها يحمله العقل والدين على تركه .

بطلان تفسير الإرادة بالشوق المتأكّد

والظاهر أنّ توهّم اعتبار ذلك نشأ من توهّم أنّ الإرادة عبارة عن الشوق التامّ في طرف الفعل والكراهة التامّة في جانب الترك ، أو أ نّهما من مباديها دائماً .

ولهذا أنّ بعض أهل التحقيق لمّا رأى أنّ في الأفعال الصادرة من الفاعل ما لا يتعلّق به الشوق بل يتنفّر منه كمال التنفّر ومع ذلك يريده ويوجده كقطع يده ورجله للعلاج ، والانتحار لأجل بعض الدواعي الفاسدة ، قال بعد جعل الإرادة عبارة عن الشوق المتأكّد : «ما من فعل إرادي إلاّ ويصدر إمّا عن شوق طبيعي أو شوق عقلي» . وقال أيضاً : «إذا اشتدّ الشوق العقلي وغلب على الكراهة الذوقية فلا محالة يشرب الدواء»(1) .

ص: 273


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 2 : 39 .

وأنت خبير : بما فيه من التكلّف وعدم الموافقة للموازين العقلية لمحض توهّم أنّ الإرادة هي الشوق المتأكّد ، مع أنّ أصل المبنى فاسد ، فإنّ الإرادة من القوى الفعّالة الحاملة على الفعل والمحرّكة للعضلات نحوه ، والشوق والحبّ والبغض والكراهة من الاُمور التي لا فعّالية لها ، فالشوق لا يكون محرّكاً للعضلات بلغ ما بلغ من الشدّة ، والإرادة كثيراً ما تتعلّق بأشياء مع كمال الكراهة ومع فقدان الشوق رأساً .

وإدراك العقل المصلحة وترجيح الفعل على الترك بالقضاء العقلي أو القوّة الحاكمة والقاضية ، غير الشوق الذي ينفعل النفس به لا بمعنى فعّاليته بل بمعنى عروضه لها ، وليس الاشتياق من شؤون العاقلة ، بل العقل مدرك للمصالح والمفاسد ، ولا يليق به الحبّ والبغض وأضرابهما من الانفعاليات .

وما في مسفورات أهل النظر(1) من نسبة الشوق ونحوه إلى المبدأ - تعالى جدّه - لا بدّ من تأويله ، كما ورد في الكتاب والسنّة من أشباه ذلك ممّا لا يليق بظاهرها بساحة قدسه جلّ وعلا(2) ، ولعمري لا داعي للالتزام بما يخالف الوجدان والبرهان لتصحيح ما قال بعض أهل النظر(3) : إنّ الإرادة هي الشوق المؤكّد ، مع عدم برهان عليه .

فتحصّل من ذلك أنّ الإكراه على الشيء لا يعتبر في مفهومه كون ذلك الشيء

ص: 274


1- راجع الشفاء ، الإلهيات : 363 ؛ الحكمة المتعالية 7 : 149 .
2- راجع معاني الأخبار : 12 .
3- راجع القبسات : 473 ؛ الحكمة المتعالية 4 : 113 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 3 : 647 .

ممّا أكرهه الفاعل ، وهو واضح . وكذا لا يكون تحقّقه متقوّماً لذلك أو ملازماً له .

فالأولى في تحديد مفاد قوله : «اُكرهوا عليه» تبعية كلمات اللغويين الموافقة للعرف والاعتبار ، أو إيكال الأمر إلى العرف ، كما صنعه المحقّق صاحب «الجواهر»(1) .

ثمّ إنّ اعتبار عدم إمكان التفصّي عرفاً بما لا يحصل منه ضرر آخر معتدّ به ممّا لا ينبغي الريب فيه .

ص: 275


1- جواهر الكلام 32 : 11 .

التنبيه الرابع في التفصيل فيما ذكره الشيخ من أنّ قبول الولاية مع الضرر المالي اليسير رخصة

قال الشيخ الأنصاري قدّس سرّه : «قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضرّ

بالحال رخصة لا عزيمة ، فيجوز تحمّل الضرر المذكور ؛ لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، بل ربّما يستحبّ تحمّل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم»(1) ، انتهى .

مقتضى إطلاقه فيما لا يضرّ بالحال كونه رخصة حتّى مع اقتضاء التقيّة ذلك ومع كونه في دار التقيّة ، وهو مبنيّ على عدم وجوب التقيّة ، وهو غير تامّ ، فلا

بدّ في هذه الصورة من التفصيل بين ما إذا كان المورد من موارد التقيّة الواجبة ، فيكون القبول عزيمة ، وبين غيره إن قلنا بأنّ «رفع ما اُكرهوا عليه» على سبيل الرخصة كما اشتهر بينهم مطلقاً ولا يبعد في الجملة .

ومقتضى تخصيصه الحكم بالضرر المالي غير المضرّ ، أنّ القبول عزيمة مع المالي المضرّ بالحال . والظاهر أنّ المراد به ما كان دفعه موجباً للحرج ، وهو مبنيّ على أنّ رفع الحرج على سبيل العزيمة ، وهو خلاف المعهود منهم وإن رجّحناها في بعض الموارد أو مطلقاً في رسالة التيمّم(2) .

ص: 276


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 98 .
2- الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 111 .

وكذا مقتضاه أ نّه عزيمة مع الضرر العرضي والنفسي مطلقاً ، وهو محلّ تأمّل . فإنّها مبنيّة على حرمة جعل المؤمن نفسه في معرض الهتك والضرر أيّ ضرر كان ولو لم يبلغ حدّ التهلكة .

والمسألة بشقوقها محلّ إشكال وتأمّل وتحتاج إلى مزيد فحص وتحقيق .

ص: 277

ص: 278

القسم الخامس في الاكتساب بما يجب على الإنسان فعله

اشارة

ص: 279

ص: 280

حرمة التكسّب بالواجبات

في محطّ البحث

ممّا يحرم التكسّب به : ما يجب على الإنسان فعله عيناً أو كفايةً ، تعبّداً أو توصّلاً على المشهور ، وعليه الفتوى كما عن «المسالك»(1) .

وفي «الرياض» بعد تقييد الوجوب بالذاتي لإخراج التوصّلي ، كأكثر الصناعات الواجبة : «بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة ، وهو الحجّة»(2) .

وفي «مفتاح الكرامة» : «لم يعرف الخلاف إلاّ من علم الهدى» لكن قال : «حكي عن علم الهدى جواز الاُجرة على مثل التكفين والدفن ؛ لأ نّه واجب على الوليّ ولا يجوز لغيره إلاّ بإذنه»(3) ، انتهى . وعليه لا يكون هو مخالفاً في المسألة .

ص: 281


1- مسالك الأفهام 3 : 130 .
2- رياض المسائل 8 : 83 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 303 .

وكيف كان الظاهر من عنوان الفقهاء الأعمّ من التوصّلي والتعبّدي ، ومن ذهابهم نصّاً أو ظاهراً إلى الجواز في المستحبّات ، أنّ موضوع البحث هو الواجبات ؛ إمّا لأنّ وصف الوجوب ينافي الاكتساب كما صرّح به بعضهم ويأتي الكلام فيه ، أو أنّ الأمر تعبّدي ثابت بالإجماع والشهرة ، وأمّا التعبّدية فلا تنافي

الاكتساب عندهم ، ولهذا قالوا بجوازه في المستحبّات .

لكنّ المتأخّرين عمّموا البحث في التعبّديات مطلقاً مستحبّةً كانت أو واجبةً ، وفي الواجبات توصّلية أو تعبّدية .

فلا بدّ من البحث تارةً في أنّ وصف التعبّدية منافٍ للاكتساب أم لا ، واُخرى في أنّ وصف الوجوب منافٍ له أم لا ؟

حول إشكال منافاة وصف التعبّدية لأخذ الاُجرة

أمّا الأوّل فقد يقال - مضافاً إلى عدم المنافاة - : إنّ تضاعف الوجوب يؤكّد

الإخلاص . والقائل صاحب «مفتاح الكرامة»(1) . وفي «الجواهر» قال في مقام عدم المنافاة : «إنّ المنافاة واضح المنع ؛ ضرورة كون الإجارة مؤكّدة له باعتبار تسبيبها الوجوب أيضاً»(2) .

وسبقهما إلى ذلك السيّد في «الرياض» في المستحبّات ، قال في مقام بيان عدم المنافاة : «إنّ غايتها هنا عدم ترتّب الثواب لا حرمته مع إمكان ترتّبه حينئذٍ

ص: 282


1- مفتاح الكرامة 12 : 303 .
2- جواهر الكلام 22 : 117 .

أيضاً بعد إيقاع عقد الإجارة ، فإنّها بعده تصير واجبة وتصير من قبيل ما وجبت

بنذر وشبهه ، ولا ريب في استحقاق الثواب حينئذٍ . ووجهه أنّ أخذ الاُجرة حينئذٍ صار سبباً لوجوبها عليه ومعه يتحقّق الإخلاص في العمل ؛ لكونه حينئذٍ لمجرّد الإطاعة والامتثال للّه تعالى وإن صارت الاُجرة منشأً لتوجّه الأمر الإيجابي إليه»(1) ، انتهى .

والعجب منه رحمه الله علیه حيث صرّح قبل ذلك بأسطر بأنّ أخذ الأجر في الواجبات منافٍ للإخلاص . نعم ، بين كلامه وكلامهما فرق يتّضح عن قريب .

أقول : إنّ مراد الأوّلين من تأكّد الإخلاص ، وتضاعف الوجوب في كلام الثاني يحتمل أحد الاُمور :

إمّا أنّ الأمر في العبادي متعلّق بذات العبادة والأمر الإجاري أيضاً كذلك ؛ لأنّ قوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) بمنزلة قوله : صلّ ، وصم ، واعمل كذا وكذا . فالأمر الإجاري يؤكّد الأمر العبادي ، بل الأمر إذا تعلّق بموضوع عبادي يصير عبادياً ؛ إذ ليست العبادية من كيفيات الأمر بل هي من قيود المأمور به ، فإذا تعلّق بموضوع كذلك يصير عبادياً قهراً ، ولمّا كان الموضوع واحداً يؤكّد أحد الأمرين الآخر ، ولمّا كانا عباديين يؤكَّد الإخلاص .

وإمّا أنّ المراد بتضاعف الوجوب وتأكّد الإخلاص ، أنّ تعلّق الأمر الإجاري يوجب إمكان قصد الإخلاص به ، فإنّه وإن كان توصّلياً لكن مع قصد التقرّب يصير عبادياً بالمعنى الأعمّ . فالمكلّف قبل تعلّق الأمر الإجاري لا طريق له

ص: 283


1- رياض المسائل 8 : 83 .
2- المائدة (5) : 1 .

للإخلاص إلاّ قصد الأمر العبادي ، وبتعلّقه زاد طريق آخر يمكن معه قصد الإخلاص ، فلو نذر إتيانه زاد طريق آخر ، وهكذا .

ولعلّ مراد صاحب «الرياض» هذا الوجه ؛ إذ لم يعبّر بالتأكّد والتضاعف . لكنّ الأظهر أنّ مراده تبديل الأمر الاستحبابي بعد الإجارة بالوجوبي ؛ بمعنى سقوط ذلك وثبوت ذا بتوهّم وحدة متعلّقهما .

وإمّا أنّ المراد به أنّ متعلّق الأمر الإجاري والعبادي لمّا كانا متّحدين في الخارج ، فللعامل أن يقصدهما للّه تعالى ، فيكون الأمر بهذا المعنى مؤكّداً للإخلاص وموجباً لزيادته بتعدّد سببه ، ولعلّه أقرب إلى ظاهر الأوّلين .

ويرد على الوجه الأوّل : أنّ التأكيد في الأوامر ونحوها إنّما هو فيما إذا تعلّق أمر بموضوع لغاية وغرض ، فإذا كان الموضوع مهتمّاً به مثلاً يؤكّده الأمر إمّا بألفاظ التأكيد أو بتكرار الأمر ، وأمّا إذا كانت الأوامر بجهات عديدة فلا تكون من التأكيد في شيء . وفي المقام يكون الأمر العبادي كالأمر بصلاة الفريضة إنّما تعلّق بها بجهة وغرض غير جهة الأمر الإجاري . فلو فرض تعلّق الثاني أيضاً بذات العبادة لا يمكن أن يكون مؤكّداً للأوّل ، إلاّ أن لا يراد بالتأكيد معناه المعروف . مضافاً إلى أنّ الأمر الإجاري إنّما تعلّق بموضوع آخر هو الوفاء بالعقد ، فقوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( موضوعه العقود ومتعلّقه الوفاء ، والأمر الصلاتي تعلّق بالصلاة ، ولا يعقل تجافي أحدهما عن متعلّقه إلى متعلّق الآخر .

نعم ، إذا أوجد الصلاة وفاءً بإجارته وقلنا بصحّة الاستئجار يكون مصداق الصلاة معنوناً بعنوانين : ذاتي هو الصلاة وعرضي هو الوفاء بالإجارة ، وكذا في النذر وإطاعة الوالد ونظائرهما .

ص: 284

وما كان هذا شأنه لا يمكن أن يكون مؤكِّداً ؛ لأنّ موطن تعلّق الأوامر موطن اختلاف الموضوعات والمتعلّقات ، وموطن اتّحادها وهو الخارج لا يكون موطن تعلّقها .

فما يقال : إنّ الأمر الإجاري بمنزلة صلّ وصم وغير ذلك(1) ، غير تامّ وخلط بين موضوعات الأحكام ومتعلّقاتها ، وبين مصاديقها غير المأمور بها .

وبهذا ظهر الجواب عن الاحتمال الثاني ؛ فإنّ مبناه أيضاً زعم تعلّق الأمر الإجاري بنفس الموضوعات العبادية ، ومع اختلاف المتعلّقات والموضوعات كما عرفت لا معنى لقصد التقرّب بأمر متعلّق بموضوع أجنبيّ عن الآخر لتصحيح ذلك الأجنبيّ ، وهو واضح .

بل يظهر النظر بما تقدّم في الوجه الثالث أيضاً . فإنّ تعدّد الأوامر على موضوعات مختلفة لا يوجب تأكّد الإخلاص في أحد الموضوعات ، بل على الفرض يوجب تعدّده حسب تعدّدها .

هذا كلّه مع ورود إشكال أساسي على جميع الوجوه ، وهو أنّ الإشكال في المقام إنّما هو دعوى المنافاة بين قصد التقرّب وأخذ الأجر للعمل ، فلا يمكن للمؤجر الإتيان بالعمل المستأجر فيه ، ومع عدمه لا تصحّ الإجارة ، فلا أمر إجاري حينئذٍ حتّى يصحّح العبادية أو يؤكّد الإخلاص .

وبعبارة اُخرى : إنّ تأكيد الأمر الإجاري الإخلاص موقوف على وجوده ، وهو موقوف على صحّة الإجارة ، فلا يمكن تصحيحها بما ذكر .

ص: 285


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 134 .

وإن شئت قلت : إنّ صحّتها موقوفة على قدرة المؤجر إيجاد العمل المورد للإجارة ، وهو غير ممكن ؛ للتلازم بين أخذ الأجر وبطلان العمل العبادي ، فلا بدّ من دفع هذه الغائلة ، ومع عدم دفعها لا يمكن تعلّق أمر )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( حتّى

يقال : إنّه يؤكّده .

وقد تصدّى المحقّقون لدفعها بالداعي على الداعي تارةً ويأتي الكلام فيه ، وبالأمر الإجاري اُخرى .

وقد فصّله السيّد الطباطبائي في تعليقته بما ملخّصه : «إنّه مع الغمض عن الوجه السابق يمكن أن يقال : إنّه إذا لم يكن قصد الامتثال بالنسبة إلى الأمر الأوّلي المتعلّق بالعبادة ؛ لأنّ المفروض أنّ غرضه أخذ الاُجرة ، فبعد إيقاع عقد الإجارة يمكن أن يكون داعيه امتثال الأمر الإجاري ، ولا يضرّ توصّليته ؛ لأنّ الأمر التوصّلي والتعبّدي لا يفترقان إلاّ في المتعلّق ، فمع عبادية المتعلّق يكون الأمر تعبّدياً كما في المقام .

ودعوى أنّ المعتبر قصد الأمر الصلاتي مدفوعة أوّلاً بالمنع ، غاية الأمر يعتبر

فيه كون الداعي هو اللّه من أيّ وجه كان ، وثانياً أنّ أمر )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( في قوّة

قوله : صلّوا وصوموا . . . فالأمر الإجاري عين الأمر الصلاتي»(1) .

وقال في ذيل تصحيح العبادات الاستئجارية عن الغير بعد تكرار الوجهين المتقدّمين :

«إن قلت : إنّ ذلك مستلزم للدور ، فإنّ الوجوب من حيث الإجارة موقوف

ص: 286


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 133 - 134 .

على صحّتها ، وهي موقوفة على صحّة العمل الموقوفة على الوجوب .

قلت - ثمّ حكى وجهاً عن الشيخ وقال - : وثانياً وهو التحقيق في الجواب : أنّ المعتبر في متعلّق الإجارة ليس أزيد من إمكان إيجاده في الخارج في زمان الفعل ، وفي المقام إنّ تعلّق الإجارة والأمر الإيجاري سبب في هذا الإمكان . وبهذا أجبنا عن إشكال الدور في التعبّدي ، بناءً على كون قصد القربة من قيود المكلّف به ، بدعوى أنّ الأمر موقوف على تحقّق الموضوع ، والمفروض عدمه إلاّ بالأمر ، حيث قلنا : لا يعتبر في صحّة توجّه الأمر إلاّ إمكان إيجاد الموضوع ولو كان الأمر هو السبب»(1) ، انتهى .

وفيه : مضافاً إلى ما أشرنا إليه من أنّ الأمر الإجاري متعلّق بعنوان الوفاء بالعقد ، وهو أمر توصّلي ؛ لعدم اعتبار العبادية في متعلّقه ، ولو قصد الامتثال به يتقرّب بعنوان امتثال أمر الوفاء بالعقد ، ولا يعقل أن يكون مجرّد ذلك موجباً لامتثال الأمر الصلاتي أو مقرّباً لأجل أمرها ، بل لو تعبّد بالأمر الإجاري من غير التعبّد بالأمر الصلاتي لا يصير مقرّباً مطلقاً ؛ إذ لم يأت بمتعلّق الإجارة ولم يمتثل الأمر الإجاري أيضاً ، ومجرّد اتّحاد العنوانين في المصداق لا يوجب أن يصير إيجاد أحد العنوانين بداعوية أمره موجباً للتقرّب بعنوان آخر متّحد معه ولو لم يكن مأتيّاً به بداعوية أمره أو بداعٍ قربي آخر مربوط به .

ألا ترى أ نّه لو أمر بإكرام العالم وأمر بإكرام الهاشمي ، وكان الأمران تعبّديين غير ساقطين إلاّ بقصد التعبّد ، فأكرم المكلّف من ينطبق عليه العنوانان بداعوية

ص: 287


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 138 .

أمر العالم مع عدم داعوية أمر الهاشمي أصلاً ، لا يعقل سقوط الأمرين وتقرّبه بعنوانين ؛ لأنّ التقرّب بعبادةٍ فرع إتيانها بداعوية أمرها أو بجهة مقرّبة اُخرى قائمة بها أو راجعة إليها . ومجرّد اتّحاد العالم مع الهاشمي في الخارج لا يوجب حصول التقرّب قهراً على زعم الفاعل .

ومضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم تعقّل تجاوز الأمر من عنوان )أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ( إلى عنوان الصلاة والصوم ونحوهما ، وكذا الحال في النذر واليمين والعهد ، فإنّ أوامرها لا تتعلّق إلاّ بعنوان الوفاء بها ، فلا يمكن أن ينحلّ قوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( إلى صلّ وصم وهكذا ، ولا يكون في قوّة ذلك إلاّ على تأوّل ومسامحة وهو لا يصحّح العبادية ، فلا وجه محصّل لتصحيحها بالأمر الإجاري .

أنّ الإشكال في المقام ليس في منافاة عقد الإجارة أو الأمر الإجاري للإخلاص ، بل الإشكال في منافاة العمل المأتيّ به بإزاء الاُجرة للإخلاص ، ومع ذلك كيف يمكن له تسليم مورد الإجارة وإيجاده ؟ فلا يمكن معه تصحيح الإجارة ، فلا تصل النوبة إلى الأمر الإجاري حتّى يبحث في إمكان التقرّب به . فمع الغضّ عن رفع تلك الغائلة بالداعي على الداعي أو نحوه لا يمكن تصحيحها .

وليس الإشكال في المقام نظير الإشكال في التعبّدي والتوصّلي ؛ أي ليس الإشكال في أنّ المكلّف عاجز عن العمل من قبل فقد الأمر حتّى يقال : إنّ القدرة معتبرة وقت العمل والأمر محقِّقها .

بل الإشكال في أنّ التنافي الواقعي الحاصل بين الإخلاص وأخذ الأجر في مقابل العمل يوجب بطلان الإجارة ، وهذا العجز الآتي من قبل التنافي الواقعي

ص: 288

لا يعقل رفعه بالأمر الإجاري ، فالمقايسة بين البابين في غير محلّها .

ثمّ إنّ إشكال الدور وجوابه وإن كان راجعاً إلى باب النيابة لكن مناطه موجود في المقام وسيأتي الكلام في النيابة(1) .

ثمّ إنّه يرد على القائل بتصحيح العبادة بالأمر الإجاري أيضاً بأنّ مورد الإجارة على المفروض هو الواجب العبادي ، فالعبادية مأخوذة في موضوع الإجارة وموردها ، ومعنى العبادية ، مع قطع النظر عن الوقوع مورد الإجارة ، أن يكون المأتيّ به بداعوية الأمر المتعلّق به ، أو كونه للّه تعالى م-ن غير جهة تعلّق الإجارة وأمرها . والوفاء بهذا العقد لا يمكن أن يكون بإتيان الذات بقصد الأمر الإجاري ؛ لأنّ المأتيّ به بقصده لم يكن متعلّق الإجارة حتّى يكون إيجاده كذلك وفاءً بالعقد ومتعلّقاً للأمر بالوفاء .

وبالجملة : لا بدّ من محفوظية عباديتها قبل تعلّق الإجارة ومع الغضّ عن أمرها ؛ لكون العبادية بما هي مأخوذة في موضوعها ، وفي مثله لا يمكن الوفاء بعقدها إلاّ مع الإتيان بالعبادة بما هي عبادة بغير الأمر الإجاري .

نعم ، يمكن إيقاع الإجارة بما يقع عبادة من قبل الأمر الإجاري أو الأعمّ منه ، لكنّه خروج عن موضوع البحث في المقام .

في الجواب عن إشكال المنافاة بطولية داعي الامتثال

ثمّ إنّ المعروف في جواب الإشكال عن المنافاة للإخلاص ، طولية داعي الامتثال عن داعي أخذ الأجر فلا منافاة .

ص: 289


1- يأتي في الصفحة 346 .

وقد ردّ ذلك تارةً بمنع الطولية ، واُخرى بمنع إجدائها .

وخلاصة ما أفاده بعض أهل التحقيق في منع الطولية : «أنّ مورد الإجارة هو ذات العمل العبادي فينحلّ إلى الذات وحيثية الامتثال والعبادية ، والمؤجر يأتي بالذات بداعي تحقّق المستأجر عليه وداعي الامتثال ، فيكون من التشريك في أصل الفعل ، لا من قبيل غاية الغاية . والحاصل أنّ تحقّق عنوان المستأجر عليه يتوقّف على حصول أمرين : ذات العبادة وعنوان الامتثال ، والآتي بالذات إنّما يأتي بها بقصد تحقّق عنوان المستأجر عليه وقصد امتثال أمر اللّه ، ليتحقّق كلا الجزءين من المستأجر عليه ، فيكون من قبيل التشريك في القصد لا داعي الداعي»(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ مورد الإجارة هو العمل بداعي الامتثال ، ومعناه أنّ جعل الأجر في مقابل العمل المأتيّ به بداعوية الامتثال ؛ أي يكون الامتثال تمام الداعي والمحرّك له ، فلو أتى به بداعيين ؛ داعي الامتثال وداعي تحقّق عنوان المستأجر عليه ، لم يكن آتياً بمورد الإجارة والموضوع المستأجر عليه ولم يكن فعله وفاءً بعقد الإجارة ، ومعه كيف يمكن التشريك في مقام الوفاء مع كونه رافعاً له ومعدماً لموضوعه ؟ !

وبعبارة اُخرى : إنّ عقد الإجارة في مثل المقام لا ينحلّ إلى عقدين

ولا الإجارة إلى إجارتين ، حتّى يقال : إنّ لذات العمل وفاء ، أتى بها بداعي الامتثال أم لا ، وللامتثال وفاء ، بل وقعت الإجارة على عمل خاصّ لا يمكن

ص: 290


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 147 .

إيجاد موردها بلا تلك الخصوصية ، وهي العمل الذي يتحقّق بمحرّكية أمره فقط ،

أو كونه للّه خالصاً ، وفي مثله لا يمكن إيجاده بلا داعٍ إلهي أو بِداعٍ مشترك ،

فلا محيص في مقام الوفاء إلاّ بإتيانه بداعي اللّه وإن كان هذا بداعٍ آخر في طوله ، فالطولية مقتضى ذات تعلّق الإجارة بالعمل بداعي اللّه لا يمكن سلبها عنها . هذا هو التحقيق في الجواب .

وأمّا ما يقال في دفعه : إنّ ذات المقيّد والقيد ملحوظان بالمعنى الحرفي في مورد الإجارة لا بالمعنى الاسمي ، فلا يكون شيء منهما مورداً للغاية وللإجارة(1) .

فمع عدم وجاهته - ضرورة أنّ مورد الإجارة الصلاة المتقيّدة وهي ملحوظة استقلالاً وباللحاظ الاسمي - أنّ الأخذ حرفاً أو اسماً أجنبيّ عن دفع الإشكال فلا الاسمية في اللحاظ مضرّ بالمقصود ، ولا الحرفية دافع للإشكال على فرض وروده .

ثمّ إنّ المحقّق المستشكل أورد إشكالاً آخر ويظهر من بعض تعبيراته وتنظيراته أنّ إشكاله كبروي وفي عدم إجداء الداعي على الداعي ، ومن بعض تعبيراته أنّ إشكاله صغروي وفي عدم كون المقام من قبيل داعي الداعي ، ويحتمل أن يكون مراده أنّ داعي الداعي مرجعه إلى التشريك ونقص العلّية .

وكيف كان لا بدّ من تعرّض الاحتمالين أو الاحتمالات ، وسيأتي - إن شاء اللّه - الكلام في الكبرى .

ص: 291


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 219 .

وحاصل ما أفاده في منع الصغرى : «أ نّه ليس المراد بقولنا : يجب إتيان الفعل بداعي الامتثال ، الأعمّ من كون الامتثال بنفسه داعياً أو باعتبار ما اكتنف به من العوارض ، مثل كونه مستعقباً أو موجباً لأمر كذا ، فإنّها عوارضه . وبعبارة اُخرى :

الأعمّ من أن يكون القرب والامتثال علّة تامّة أو ناقصة للفعل ، بل لابدّ وأن يكون علّة تامّة ، والمقام ليس كذلك ، فإنّ الامتثال يصير علّة ناقصة إذا كان الغرض منه حصول مايترتّب عليه ، فإنّ علّيته من حيث ترتّب الأثر عليه ، بحيث تنتفي بفرض انتفائه ، وهو معنى نقص العلّية ، فإنّ معنى تمامها ترتّب المعلول عليه ولو فرض انتفاء كلّ موجود ووجود كلّ معدوم . والحاصل أنّ اعتبار خصوصية في الغاية تنتفي غائيتها بانتفائها ينافي علّيتها التامّة وتصير ناقصة»(1) ، انتهى مورد الحاجة .

أقول : لا ينبغي الريب في أنّ العلّة لأثر في التكوين لا تمكن أن تكون ذات العلّة بقيد ترتّب الأثر عليها ، أو كونها مستعقبة أو موجبة للأثر ، بحيث أن تكون العلّة مركّبة من الذات وأحد العناوين والقيود المذكورة ؛ للزوم تقدّم الشيء على نفسه وكون الشيء من قيود علّة نفسه إن كان المراد الاستعقاب والإيجاب الواقعي-ين وبالحمل الشائع ، وإن كان المراد بها العناوين فمضافاً إلى عدم إمكان تأثيرها وجزئيتها للأثر الوجودي يلزم منه أن يكون المتأخّر متقدّماً ؛ لأنّ تلك العناوين بما أ نّها من المضايفات لا يمكن انتزاعها إلاّ بعد فعلية العلّة ووجود المعلول ، فيكون انتزاعها من العلّة والمعلول في رتبة واحدة . ومقتضى دخالتها

ص: 292


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 145 - 146 .

في العلّية تقدّمها على المعلول مضافاً إلى لزوم كون المتضايفات غير متكافئات .

ثمّ بعد ما ثبت أنّ العلّة للمعلول نفس ذاتها بلا دخالة تلك القيود إذا فرض كون أثر غاية لإيجاد الفاعل علّته ، فلا محالة يكون تصوّر الأثر والتصديق بفائدته ولزوم تحقّقه منشأً لتحريك الفاعل نحو علّته ليس إلاّ ؛ لعدم إمكان داعوية العلّة الغائية إلى غير ما يترتّب عليه إلاّ خطأً وغلطاً . فلا محالة إذا رأى

الفاعل أنّ الأثر مترتّب على الذات بلا قيد يصير منبعثاً إليها فقط ، وهو واضح .

فحينئذٍ نقول : إنّ الأجر ، دنيوياً أو اُخروياً ، إلهياً أو خلقياً ، إذا فرض ترتّبه

على عبادة بما هي عبادة ، فلا محالة تكون العبادة بما هي عبادة ، علّةً لترتّبه عليها لا بما أ نّها مستعقبة للأثر أو موجبة لها لما تقدّم من محذور القيدية .

فعليه لا يمكن أن يصير الأثر علّة غائية لغير العبادة بما هي التي هي تمام العلّة للأثر الذي هو فائدة وجوداً وعلّة فاعلية الفاعل ماهية وتصوّراً .

فالقول بكون الامتثال علّةً ناقصةً ، إمّا لأجل أنّ تلك العناوين شريكة معه في العلّية فقد تقدّم استحالته ، أو لأجل أنّ العلّة وإن كانت ذاته بذاته لكنّ الغاية تدعو إلى العلّة وغير العلّة فقد اتّضح امتناعه ، فلا مناص عن أن تكون الغاية علّة للفعل بغاية الامتثال ؛ أي بمحرّكيته وداعويّته بلا دخالة شيء آخر ، وهو المطلوب .

فإذا كانت الاُجرة بإزاء العمل بداعي الامتثال وكان الأجير بصدد تسليم مورد الإجارة لأخذ الاُجرة بإزاء المستأجر عليه فلا محالة ينقدح في نفسه الداعي إلى إيجاد العمل للّه وبباعثية الأمر العبادي بلا تشريك فيه ؛ لما عرفت من امتناعه .

ص: 293

وبما ذكرناه يظهر النظر في الاحتمال الثالث في كلامه .

ثمّ إنّ ما ذكره في معنى العلّية التامّة صحيح ، لكن لا يراد بذلك إلاّ أ نّها بذاتها - بلا ضمّ ضميمة اُخرى وشريك في العلّية - علّةٌ ومؤثّر ، لا أ نّها علّة حتّى مع عدم علّة نفسها ؛ إذ مع عدمها تعدم . نعم ، لو فرض محالاً وجودها بلا علّة تكون مؤثّرة وموجدة للمعلول ، وفي المقام انتفاء الداعي الأعلى يوجب انتفاء ذات الداعي المعلولة له لا انتفاء شريكها مع بقاء ذاتها .

إن قلت : قد قرّر في محلّه أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى الجهات التقي-يدية وأنّ الغايات عناوين الموضوعات ، ولذا كان التحقيق بناءً على وجوب المقدّمة وجوب الموصلة منها (1) ؛ بمعنى أنّ الواجب هو الموصل بما هو موصل ؛ لأنّ

الإيصال إلى ذي المقدّمة غاية وجهة تعليلية ، فترجع إلى الجهة التقييدية ، فتتعلّق الإرادة بالموصلة بعنوانها من دون دخالة شيء آخر . ففي المقام لمّا كان أخذ الأجر غاية ، لابدّ وأن يكون عنواناً للموضوع وحيثية تقييدية له ، فلا محالة يكون تمام الداعي لإيجاد الفعل أخذ الأجر ، فيمحّض الفعل في غير اللّه ، ولا شركة لأمر اللّه وداعي اللّه فيه رأساً .

قلت : هذه مغالطة نشأت من مقايسة إرادة الفاعل ومقدّماتها على إرادة الآمر والمشرِّع ، أو قياس إرادة الفاعل ومقدّماتها على حكم العقل على الموضوعات العقلية ، وهو قياس باطل ومع الفارق :

فإنّ حكم العقل وكذا إرادة المشرّع المنكشفة بها موضوعها العناوين ، فإذا

ص: 294


1- مناهج الوصول 1 : 333 .

أدرك العقل الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة والمقدّمة الموصلة يكشف حكم الآمر على هذا العنوان ؛ أي الموصل ؛ لأنّ الغايات في الأحكام العقلية موضوع بحسب الواقع ، والجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية . وبالجملة : يكشف العقل بإدراك الملازمة وجوباً شرعياً على عنوان الموصل . وهذا وجوب شرعي مستكشف بالعقل بناءً على الملازمة .

وأمّا الفاعل فلم يتعلّق إرادته على العناوين والطبائع الكلّية في إيجاد الأمر الخارجي ، ولو تعلّقت أحياناً بها لا يكفي تعلّقها بها للإيجاد المساوق للتشخّص ، فلا محالة تنشأ من إرادته المتعلّقة بالطبائع إرادة متعلّقة بما يريد بمبادئها بتوسّط

بعض الصور الموجودة في الذهن ، فإذا اعتقد أنّ الأثر الكذائي المطلوب مترتّب على وجود كذا فلا محالة يصير تصوّر تلك الغاية مع سائر المبادئ باعثاً له نحو العلّة ؛ أي الذات التي يترتّب عليها الأثر بنفسها لا بقيد وعنوان ، فإنّ المفروض أنّ العلّة هي الذات لا شيء آخر ، فلا محالة ينبعث نحوها ، فتصوّر العطشان أنّ رفع العطش مترتّب على شرب الماء بلا ضمّ ضميمة ، وتصديقه به ، يبعثه مع سائر المبادئ إلى ذات شربه بلا ضمّ ضميمة أجنبيّة عن التأثير ، وهو واضح .

وقد مرّ أنّ المؤثّر في المعلول ذات العلّة ، ولا يعقل أن تكون العلّة ذاتها

المتقيّدة بترتّب الأثر عليه(1) .

ففي المقام يكون ما قابل الأجر الصلاة بداعي أمر اللّه تعالى ، فلا محالة يكون الأجر داعياً ومحرّكاً إلى ذات الصلاة بداعي اللّه تعالى من غير إمكان

ص: 295


1- تقدّم في الصفحة 292 - 293 .

دخالة الأجر واشتراكه مع داعي اللّه في إتيانها ؛ للزوم تأخّر المتقدّم وتقدّم المتأخّر بالذات .

وإن شئت قلت : إنّ تصوّر أخذ الأجر علّة فاعلية الفاعل بسائر المبادئ لإيجاد الصلاة بداعوية أمرها ، والصلاة بداعوية أمرها يترتّب عليها الأجر ، فلا يعقل تجافي علّة فاعلية الفاعل عن مقام علّيتها وتقدّمها ووقوعها في رتبة داعوية أمر الصلاة لإيجادها .

والإنصاف : أنّ القول بالتشريك أو التمحّض في غير اللّه تعالى بالبيان المتقدّم غير وجيه ، بل دعوى أمر غير معقول كما مرّ .

في اعتبار إلهية جميع الدواعي الطولية والعرضية في العبادة

ثمّ إنّه على تسليم الداعي على الداعي أوردوا عليه بعدم إجدائه في وقوع الفعل امتثالاً وقربياً ، حتّى قال بعض الأعاظم : إنّه لو كان هذا إشكالاً لكان أولى

وأحقّ من أن يكون جواباً (1) .

وحاصل دعواهم : أنّ الامتثال والتقرّب متوقّفان على وقوع جميع الدواعي الطولية والعرضية إلهية ، ومع كون بعض ما في السلسلة غير إلهي لا يقع الفعل عبادة ، وفرّقوا بين الغايات المترتّبة على الأفعال بجعل إلهي وغيرها بأنّ ما كان بجعله تعالى يرجع إليه ولم يضرّ بقربيته دون ما كان لغاية غير اللّه تعالى .

وبالجملة : بعد تسالمهم على صحّة العمل إذا كان الامتثال للطمع في أجر اللّه

ص: 296


1- منية الطالب 1 : 51 .

والخوف من عقابه استشكلوا في الغايات المتوقّعة من غيره تعالى(1) .

أقول : قبل الورود في الجواب لا بدّ من التنبيه على أمر :

وهو أنّ في المقام قد يكون الداعي إلى امتثال أمر اللّه تامّاً مستقلاًّ في نفسه ، بحيث ينبعث المكلّف منه ، سواء كان في مقابله أجر أم لا .

وقد يكون الداعي إليه مفقوداً ، بحيث لولا الأجر لما كان آتياً بالفريضة .

وقد يكون الداعي إليه ناقصاً وضعيفاً لا يصلح للبعث ويتمّ بالأجر .

وكذا الداعي إلى أخذ الأجر قد يكون مستقلاًّ تامّاً ، وقد يكون ضعيفاً ناقصاً أو مفقوداً .

فتصوير الداعي على الداعي يأتي في بعض الصور لا جميعها ، ومع رفع الإشكال عمّا هي أسوأ حالاً من الجميع يتمّ المطلوب، وهي الصورة التي لا داعي للفاعل أصلاً لإتيان الفريضة ، وإنّما يتحقّق داعيه بواسطة الاُجرة ؛ بمعنى أنّ الفاعل لا يهتمّ بأمر الشارع - والعياذ باللّه - ، لكن يهتمّ بعقوده وعهوده لمروءته .

ثمّ لو فرض بقاء الإشكال في هذه الصورة لا يلزم منه الحكم ببطلان جميع الصور المتقدّمة ؛ ضرورة أنّ من لا ينبعث بالأمر الإجاري ولا يكون الأجر أيضاً داعياً له ولو بنحو ضعيف ، لا يقاس في البطلان بمورد الداعي على الداعي .

فلو فرض أنّ الفاعل لا يؤثّر في نفسه الاُجرة رأساً ويأتي بمورد الإجارة لداعوية الصلاة فقط ، لا وجه للحكم ببطلانها ، سواء قلنا بصحّة الداعي على الداعي أم لا .

ص: 297


1- منية الطالب 1 : 51 .

بل لو كان الداعيان مستقلّين ، أو داعي الصلاة مستقلاًّ وداعي الأجر ضعيفاً ، يمكن القول بالصحّة ولو قلنا ببطلان ما يأتي بالداعي على الداعي ؛ لأ نّه من قبيل الضميمة المباحة ، كما نسب القول بالصحّة في مثلها إلى كاشف الغطاء(1) إذا كان الداعيان مستقلّين ، ومال إليه شيخنا العلاّمة - أعلى اللّه مقامه -(2) .

والأولى بالصحّة فرض ضعف الداعي غير الإلهي ، وإن كان الفرضان لا يخلوان من إشكال سيّما الأوّل منهما .

التحقيق : عدم اعتبار الإخلاص التامّ في العبادة

وكيف كان لو فرض في المقام عدم الداعي الإلهي رأساً في نفسه ، ودعاه إلى العمل بداعي اللّه الاُجرة ، فهل الداعي على الداعي يوجب صحّته ، أم يعتبر فيها أن يكون جميع الدواعي الطولية والعرضية إلهية ؟

وإن شئت قلت : لا شبهة في أنّ الأمر بنفسه في شيء من الموارد لا يكون محرّكاً وباعثاً تكوينياً نحو العمل ، بل هو إنشاء البعث الاعتباري ، فإنّ هيئة الأمر

وضعت لإيقاع البعث نحو المادّة ، وأمّا علّيتها تكويناً للانبعاث فغير معقول وإلاّ لزم عدم تفكيك العمل عن الأمر ، وهو كما ترى .

بل تصوّر الأمر أيضاً ليس محرّكاً ما لم يكن في نفسه مبادئ اُخر كالخوف والطمع والحبّ والمعرفة .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المعتبر في العبادة أن تكون المبادئ الموجودة في

ص: 298


1- كشف الغطاء 1 : 273 .
2- الصلاة ، المحقّق الحائري : 131 - 132 .

النفس الباعثة لإيجاد متعلّق الأمر امتثالاً له تعالى كلّها مربوطة به تعالى ، فيكون خوفه من اللّه ورجاؤه إليه وطمعه في إعطائه تعالى باعثاً لإطاعته ومحرّكاً له ، أم

لا يعتبر فيها إلاّ كون العمل للّه تعالى خالصاً بلا شركة شيء معه ، فإذا صار شيء دنيوي سبباً لإيجاد عمل للّه تعالى ، ولا يكون في إتيان الفعل بداعي اللّه شريكاً

وإن كان الإتيان بداعي اللّه معلولاً لداعي غير اللّه ، يقع الفعل عبادة ؟

التحقيق هو الثاني ؛ لأنّ الامتثال والإطاعة عقلاً ليس غير إتيان المأمور به حسب دعوة الآمر ولأجل موافقته ، كان الباعث الأقصى عليه ما كان . وكون نفس الأمر محرّكاً بلا غاية اُخرى ومبادئ اُخر محال ؛ لأنّ كلّ فعل اختياري لابدّ له من مبادئ ، كالتصوّر والتصديق بالفائدة وإدراك لزوم إيجاده واصطفائه وإرادته ، والأمر بما هو ، ليس محرّكاً تكويناً ولا مترتّباً عليه بما هو فائدة . ولو

فرض في مورد ترتّبها عليه يكون مبدأ المحرّك والغاية الباعثة هي تلك الفائدة ، لا نفس أمر الآمر بما هو ، فلا بدّ في تحرّك المكلّف حسب دعوة الآمر من غاية ، وتلك الغاية لا يعقل أن تحرّك العبد إلاّ نحو امتثال الأمر وإطاعة المولى ، فتحقّق الامتثال والطاعة ممّا لابدّ منه ، وإلاّ لتخلّفت المتحرّكية عن المحرّكية ، والمعلول

عن العلّة . ولا يعتبر في العبادة عقلاً إلاّ وقوع الفعل امتثالاً وإطاعة للّه تعالى ، وكان تحرّك العبد حسب دعوة أمره بلا شركة شيء آخر في هذه الرتبة .

وبالجملة : إذا كان الإتيان للامتثال والإطاعة محضاً وبلا دخالة شيء فيه يصير العمل عبادة ؛ لأنّ العبادة إطاعة المولى وحركة العبد على طبق أمره ، كانت الغاية لها ما كانت .

وقد عرفت بما لا مزيد عليه امتناع اشتراك الغايات في ترتّب الآثار على ذي

ص: 299

الغايات ، بل هي علّة العلّة لا شريكتها .

والشاهد على عدم اعتبار شيء آخر في صيرورة الفعل قربياً وعبادياً - مضافاً إلى ما ذكر - الأدلّة المرغّبة في العبادات بالوعد على ترتّب آثار اُخروية أو دنيوية عليها ، وتسالمهم على صحّة العبادة إذا كان الإتيان والإطاعة بطمع الجنّة أو لخوف النار بل بطمع سعة الرزق ونحوها ، مع أنّ كلّ ذلك خارجة عن الإلهية ، والغايات المذكورة غير اللّه تعالى .

وما يقال : إنّ طمع الأجر إن كان من اللّه ، والخوف إن كان من عذاب اللّه فهو غير مضرّ بالإخلاص ، دون ما كان الإتيان لطمع في غير اللّه تعالى كحطام الدنيا ومنها الاُجرة(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الداعي ليس عبارة عمّا يخطر في الذهن ، بل عبارة عن الغاية المحرّكة حقيقة ، ولا ينبغي الريب في أنّ المحرّك في تلك العبادات المأتيّ بها طمعاً وخوفاً هو نفس متعلّقات الإضافات وحاصل المصادر والنتائج من غير أدنى دخالة للإضافات وحيث الصدور من فاعل خاصّ . ولهذا صارت محرّكات مع فرض سقوط الإضافة إلى اللّه بل مع الإضافة إلى عدوّ اللّه تعالى .

توضيح ذلك : أنّ إعطاء اللّه تعالى الحور العين بإزاء عبادة ينحلّ إلى حصول الحور ، والإعطاء ، وإضافته إليه تعالى . والمحرّك للفاعل الذي طمعه ترتّب تلك الفائدة على عمله لا يخلو : إمّا أن يكون نفس حصول الحور العين له استقلالاً من غير دخالة إضافة اللّه تعالى والإعطاء ؛ أي المعنى المصدري ، أو

ص: 300


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 129 .

نفس الإضافة إليه تعالى فقط من غير دخالة للمضاف إليه والمعنى المصدري ، أو نفس المعنى المصدري بلا دخالة غيره ، أو يكون محرّكه مركّباً من الحور والإضافة إليه تعالى ؛ بمعنى أنّ المضاف بما هو مضاف أو الإضافة الخاصّة علّة ، إلى غير ذلك من أنحاء التركيب الثنائي أو الثلاثي .

ففي غير مورد واحد - وهو كون تمام العلّة الإضافة إلى اللّه تعالى بحيث لا يكون نظر الفاعل إلى المتعلّق إلاّ كونه كرامة اللّه تعالى ويكون تمام المحرّك

حيث الانتساب إليه جلّ وعلا - يكون لغير اللّه دخالة في التحريك والإيجاد ، إمّا بنحو تمام العلّة ، أو بنحو الاشتراك والجزئية . هذا بحسب التصوّر .

وأمّا بحسب الواقع فلا يمكن حصول تلك المرتبة الرفيعة إلاّ لخلّص أولياء اللّه تعالى والمحبّين المجذوبين له تعالى ، بحيث كان تمام نظرهم إليه لا إلى غيره ، وكان ما وراءه تعالى من الجنّة وغيرها مغفولاً عنها ، وهم غافلون عن غير اللّه ويشتغلون به عن غيره - صلّى اللّه عليهم - .

وأمّا غيرهم من متعارف الناس فلا يكون محرّكهم إلاّ النتائج ومتعلّقات الإضافات ، ولهذا لو فرض اعتقادهم بترتّب تلك الآثار المطلوبة على أفعالهم من غير توسيط فاعل ومن غير ربط أو إضافة إلى أحد لأوجدوها طمعاً للآثار وحرصاً على الشهوات والمستلذّات .

فلو فرضنا أنّ مفاتيح الجنّة والنار بيد عدوّ اللّه الشيطان الرجيم - والعياذ باللّه - وكان هو معطي الجنّة ومُدخل النار ، وكانت طاعة اللّه تعالى وعصيانه بلا جزاء أصلاً ، لكنّه تعالى أمر أن يعبدوه بلا جزاء وأن لا يعصوه بلا عقاب على عصيانه ، وأمر بمخالفة الشيطان ونهى عن طاعته ، وكان الشيطان أمر بمخالفة اللّه تعالى

ص: 301

ونهى عن طاعته ، وأعطى للمخالفين له تعالى الجنّة وأدخل المطيعين له تعالى النار ، لعلم اُولو الألباب أنّ المطيع للّه تعالى على الفرض كالكبريت الأحمر أو أندر منه .

ولعمري أنّ هذا واضح لمن تأمّل في غايات أفعاله وتدبّر في حالات نفسه ومكائدها ، وليس هذا معنىً دقيقاً عرفانياً خارجاً عن فهم الناس ، بل شيء يعرفونه مع التنبيه على المحرّك الأصلي في الأعمال وتميّزه عن غيره .

فالإضافة إليه تعالى إمّا ساقطة رأساً وكان المحرّك التامّ هو رجاء الوصول إلى المشتهيات النفسانية والنيل إلى الشهوات والأهواء ، أو الخوف من التبعات والعذاب ، كما أنّ الأمر كذلك بحسب النوع .

أو لها نحو دخالة ضعيفة أو قويّة على حسب مدارج العاملين ، وهو مقام المتوسّطين .

وأمّا الخلوص التامّ فلا يناله إلاّ كمّل الأولياء ، بل لا يصدّقه إلاّ الأوحدي من الناس - جعلنا اللّه منهم ، وعصمنا اللّه من إنكار مقامات أوليائه عليهم صلواته - .

وإلى ما أشرنا إليه [يشير] ما ورد عن المعصومين علیهم السلام من تقسيم العبادة تارة إلى عبادة الأجير ، وعبادة العبيد ، وعبادة الأحرار ، واُخرى إلى عبادة الحُرصاء وهو الطمع ، والعبيد ، والأحرار(1) .

إذ من المعلوم أنّ الأجير لا يكون مطمح نظره في العمل إلاّ النيل بالأجر ويكون عمله خالصاً لأجل الاُجرة من غير دخالة الإضافات ، والحريص يرغب

ص: 302


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 62 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 9 .

إلى المال من أيّ طريق حصل ولا دخالة في إخماد نار حرصه للإضافات .

ومن كان ناظراً إلى إضافة اللّه وإلى كرامة المولى لا إلى متعلّقاتها فهو ليس من الاُجراء ولا الحرصاء ، بل هو من العرفاء باللّه والمخلصين من أوليائه تعالى .

فتحصّل من جميع ذلك صحّة صلاة الخائف والطامع ، وهي دليل على أنّ العبرة في الصحّة ليست إلاّ إطاعة أمر اللّه تعالى بلا تشريك غيره فيها ، ولا ينظر

إلى غايات محرّكة للطاعة والعبادة .

وإن شئت قلت : إنّه بعد ما كان الداعي ليس عبارة عن الخطور ، بل هو المحرّك ، وبعد ما كان المحرّك التامّ وعلّة فاعلية الفاعل بحسب متن الواقع هو الخوف من العذاب أو الطمع إلى المشتهيات بلا دخالة شيء آخر فيه وإنّما يقال : أفعل كذا لأن يدخلني اللّه الجنّة أو لخوف الدخول في نار اللّه ، لمجرّد كون المورد كذلك ، وأنّ الجنّة والنار بيد اللّه وتحت قدرته ، لا لأنّ العلّة للإيجاد

الجنّة مع تلك الإضافة أو نفس الإضافة ، وهو نظير أن يقال : إنّ الشمس في الفلك الرابع مشرقة والنار في جهنّم محرقة ، حيث لا يراد نفي علّية الشمس والنار بذاتهما ، بل بيان للمورد والواقعة ، فإذا كان الأمر بحسب الواقع في متعارف الناس والمكلّفين كذلك لا يعقل أمرهم بما هو خارج عن تحت قدرتهم ؛ ضرورة أنّ حصول الخلوص التامّ طولاً وعرضاً لا يمكن لمتعارف الناس ؛ بل ولا لخواصّهم إلاّ من عصمه اللّه تعالى .

فلو كان الإخلاص التامّ معتبراً لسقط التكليف عن عامّة الناس ؛ لعجزهم عنه .

مع أ نّه لو كان الامتثال والعبادية لا يحصل إلاّ بالخلوص الكذائي كان على

ص: 303

اللّه تعالى وأوليائه علیهم السلام بيانه وإرشاد الناس إليه وتكليفهم به ، لا الترغيب فيما يضادّه وينافيه .

مضافاً إلى أنّ في الآيات والروايات ما تدلّ على أنّ للأعمال الحسنة آثاراً

ولوازم في النشأة الآخرة ، كظاهر قوله تعالى : )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . . .((1) .

وقد ورد حديث عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنّ هذه الآية أحكم آية في كتاب اللّه (2) فعليه يكون ظاهرها مراداً بلا تأوّل . والظاهر منها أنّ عمل الخير بنفسه مورد الرؤية .

ويؤكّده قوله : )يَومَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوا أَعْمالَهُمْ((3) .

فيظهر منها أنّ الأعمال نفسها متجسّدة مرئيّة فيها والناس ملتذّ بها .

فلو فرض أنّ الآتي بالصلاة للّه تعالى والمجيب لدعوة )أَقِمِ الصَّلَوةَ( إنّما يأتي بها ويطيعه تعالى طمعاً للوصول إلى الصورة البهيّة اللازمة لعمله ، فهل يمكن أن يقال : عمله باطل ، أو يقال : للجنّة خصوصية ؟

فلو قيل : إنّ أمثال ذلك خارج بدليل .

قلنا : مرجع هذا إلى عدم اعتبار الخلوص فيها ، وأنّ تلك الأفعال ليست بعبادة ، وهو خلاف الضرورة ، فإنّ الإجماع بل الضرورة على اعتبار الخلوص في العبادات ، وقصد غير اللّه مضرّ بها ، فيكشف منهما وممّا ذكرناه عقلاً ونقلاً أ نّه

ص: 304


1- الزلزلة (99) : 7 .
2- اُنظر مجمع البيان 10 : 800 ؛ تفسير الصافي 5 : 358 .
3- الزلزلة (99) : 6 .

لا يعتبر في العبادية إلاّ الخلوص في نفس العمل ؛ أي كونه امتثالاً له تعالى من غير تشريك في هذه الرتبة، ولا ينظر إلى مبادئ التحريك .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف ، فإنّ المعروف إن كان من العبادات ، والمكلّف التارك كان غير منبعث عن أمر اللّه تعالى فأمره والده أو من يحتشم منه أو من يحبّه ولا يرضى بمخالفته واقعاً ، فأتى بالتكليف الإلهي وامتثل أمر اللّه إطاعة لوالده أو غيره ، لابدّ وأن تقع صحيحة ، وإلاّ لزم أن يكون

الأمر بالمعروف مُعدماً لموضوعه ، بل موجباً لانقلابه بالمنكر ، فإنّ إتيان العمل العبادي لغير اللّه من المنكرات . وليس المراد بالأمر بالمعروف الموعظة الحسنة ، بل المراد به وما هو الواجب الأمر المولوي لغرض البعث به ، ولهذا لا يجب إذا لم يحتمل التأثير ، فإنّ معه لا يمكن الأمر حقيقة .

وبالجملة : لا شبهة في وجوب الأمر بالمعروف ، فلا بدّ وأن يكون الانبعاث ببعث الآمر في طول الإتيان بالعمل عبادة وإطاعة للّه تعالى غير مضرّ بالعبادية ، وهو المقصود .

ويؤيّد عدم مضرّية وقوع الشيء طاعة وامتثالاً مع عدم رجوع جميع السلسلة إلى المطاع ، أمر اللّه تعالى بإطاعة رسول اللّه رحمهما اللّه واُولي الأمر علیهم السلام ، فلو خرج المأتيّ به بواسطة كون الغاية إطاعة أمر اللّه تعالى عن طاعة الرسول رحمهما اللّه واُولي الأمر علیهم السلام لزم امتناع تعلّق الأمر بها ؛ لكونه معدماً لموضوعه .

وليس المراد بإطاعتهم أخذ الأحكام منهم أو العمل بالأحكام الشرعية الإلهية التي كانوا مبيّنين لها ؛ لأنّ كلّ ذلك ليس إطاعة لهم ، بل المراد إطاعة

ص: 305

أوامرهم السلطانية الصادرة منهم بما هم حكّام وسلاطين ، كالأمر بالغزو والجهاد

وغيرهما من شؤون السلطنة ، كما فصّلناه في رسالة «لا ضرر»(1) .

وبالجملة : فالقائل ببطلان العبادة في الموارد المذكورة ومنها مورد البحث :

إمّا أن يقول بعدم صدق الطاعة في تلك الموارد فيردّه العقل والنقل .

وإمّا أن يدّعي مع صدقها عدم صدق العبادة ، فيردّه أيضاً العقل والنقل . فإنّ إطاعة أمر اللّه تعالى وامتثاله خالصاً بمعنى عدم التشريك في إتيان العمل وعدم كونه لغير اللّه ولو بنحو جزء العلّة عبادة له تعالى .

وإمّا أن يقول باعتبار شيء زائد في حصول التقرّب وسقوط الأمر العبادي ، فهو مع بطلانه خلاف الفرض والمبحوث عنه في المورد .

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام والجواب عنه

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام المحقّق التقيّ في تعليقته ، من التشبّث بحكم العرف والعقلاء بأ نّهم لا يشكّون في أ نّه إذا جعل زيد اُجرة لعمرو في إطاعة شخص فأطاعه طلباً للجعل لا يستحقّ من هذا الثالث مدحاً ولا ثواباً . وكذا لو أمر المولى عبده بخدمة ثالث فأطاع العبد أوامره امتثالاً لأمر

المولى أ نّه لا يعدّ مطيعاً له ولا يستحقّ منه أجراً ومدحاً ، مع أنّ إطاعة هذا الثالث لحصول إطاعة المولى ، فإطاعته غاية لفعله وإطاعة المولى غاية لهذه الغاية(2) ، انتهى .

ص: 306


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره: 66 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 146 .

وفيه : - بعد الغضّ عن مسامحته في التعبير وجعل إطاعة المولى غاية لغاية ، وقد مرّ معنى الداعي على الداعي والمقصود منه(1) ويأتي الإشارة إليه - أنّ الاعتراف بمأجورية العبد عند مولاه في إطاعة الثالث وباستحقاقه للجعل على الجاعل في المثال الأوّل ملازم للاعتراف بحصول الامتثال والإطاعة للثالث ؛ ضرورة أنّ الجعل في مقابل طاعته وامتثال المولى لا يحصل إلاّ بإطاعة الثالث .

فلو توقّف صدق الطاعة على كون جميع المبادئ طولاً وعرضاً راجعاً إلى المطاع لما يمكن صدق الطاعة في المثالين ، فلا يمكن استحقاق الأجر والثواب من الجاعل والمولى ، فمع صدقها يسقط أمر الثالث بلا ريب ولو كان الامتثال والإطاعة معتبرة فيه .

وليس الإطاعة في الأوامر العقلائية مخالفة لها في الأوامر الإلهية ، فكما تحصل في مورد المثالين تحصل في أمره تعالى بلا افتراق من هذه الجهة بينهما ، وكما يسقط أمر الثالث في موردهما تسقط أوامر اللّه في نظائر الموردين .

واستحقاق الأجر والثواب وحصول القرب ليس شيء منها معتبراً في وقوع العمل عبادة . ولهذا أنكر طائفة من المتكلّمين والفقهاء استحقاقهما في إطاعة أوامر اللّه تعالى ولا يحصل العلم بالقرب الفعلي في العبادات .

وببالي أنّ المحقّق القمّي رحمه الله علیه قال في موضع من «القوانين» : «إنّ عباداتنا

ص: 307


1- تقدّم في الصفحة 293 .

لم يحصل بها القرب بل لعلّها موجبة للبعد»(1) ومع ذلك لا ينكرون صحّتها وسقوط الأمر بها .

وتدلّ على عدم الملازمة بين الصحّة وحصول القرب واستحقاق الثواب روايات مستفيضة دالّة على أنّ المقبول من الصلاة ما يؤتى بها بإقبال القلب وإنّما يصعد منها ما كان كذلك(2) .

فلا يعتبر في صحّة العبادة غير ما تقدّم .

وليس الكلام في المقام في الرياء ، ولعلّ فيه بحسب الأخبار تضييقاً ليس في غيره من الاُمور المباحة .

إبطال المحقّق الإيرواني الداعي على الداعي وردّه

وبما مرّ من المراد من الداعي على الداعي يظهر سقوط قول بعض الأفاضل ، حيث قال : «والحقّ بطلان الداعي على الداعي وإن بنى معظم أساتيدنا تصحيح أخذ الأجر في العبادات على أساسه . وأنت لو تأمّلت علمت أنّ الداعي - أعني المحرّك الباعث إلى العمل - لا يعقل في غير الأفعال الاختيارية . ودعوة الأمر ليست فعلاً من أفعال المكلّف فضلاً عن أن يكون اختيارياً ، ومع ذلك كيف يعقل أن يدعو أمر إلى أن يكون أمر آخر داعياً ؟ وهل الداعي يكون عن داعٍ مع أ نّه يلزم التسلسل في الدواعي ؟»(3) ، انتهى .

ص: 308


1- قوانين الاُصول 1 : 145 / السطر 15 .
2- راجع وسائل الشيعة 5 : 476 ، كتاب الصلاة ، أبواب أفعال الصلاة ، الباب 3 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 282 .

وأنت خبير : بأنّ حكمه ببطلان ما ذهب إليه معظم الأساتيد ناشٍ من قلّة التدبّر في مرادهم وعدم تحصيل مغزى مرامهم ، فتوهّم تارةً أنّ مرادهم أنّ أمراً من الأوامر صار موجباً لدعوة أمر آخر مع أنّ دعوته ليست فعلاً من المكلّف ، واُخرى أنّ لازم كلامهم أنّ الداعي بالداعي وهو موجب للتسلسل ، مع أنّ مرادهم بمعزل عمّا فهم ، بل المراد ما أشرنا إليه من أنّ الأمر يدعو إلى المتعلّق إنشاءً وإيقاعاً ، وليس علّة لتحرّك العبد بذاته ، بل بعد تحقّق بعض المبادئ كالخوف والرجاء وغيرهما في النفس صارت تلك المبادئ ومبادئ اُخر موجبة لتحرّك العبد حسب دعوة الأمر وتحريكه الإيقاعي وإطاعته لمولاه . وهذه المبادئ في طول إتيان العمل بداعوية الأمر ، فأين ذلك من كلامه من لزومه للتسلسل أو كون شيء موجباً لدعوة الأمر ؟ بل قلّما يتّفق إتيان فعل لا بداعي الداعي .

ثمّ لو شككنا في اعتبار الإخلاص في العمل زائداً عن الإخلاص العرضي فمقتضى الإطلاق فيما تمّت مقدّماته والإطلاق المقامي في بعض الأحيان عدم اعتباره ، ومع فقده فأصالة البراءة العقلية ومثل دليل الرفع تكون مرجعاً .

هذا كلّه فيما قيل أو يقال في منافاة التعبّدية وأخذ الأجر .

ص: 309

حول إشكال منافاة وصف الوجوب لأخذ الاُجرة

وأمّا منافاة وصف الوجوب له ، وهو الذي كان مورد نظر الفقهاء ، فقد استدلّوا عليه باُمور . ونحن نفرض المقام فيما إذا كان الواجب عينياً تعيينياً ثمّ نشير إلى

سائر الأقسام .

الكلام في الواجب العيني التعييني

استدلال الشيخ الأعظم على المنافاة وردّه

فمنها : ما أفاده العلاّمة الأنصاري قدّس سرّه ، قال : «فإن كان العمل واجباً عينياً تعيينياً لم يجز أخذ الاُجرة ؛ لأنّ أخذ الاُجرة عليه مع كونه واجباً مقهوراً من قبل الشارع على فعله أكل للمال بالباطل ؛ لأنّ عمله هذا لا يكون محترماً ؛ لأنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه ؛ لأ نّه يقهر عليه مع عدم طيب النفس والامتناع»(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ دليله الذي انتهى إليه بعد قوله : لأنّ ولأنّ ، أخصّ من المدّعى ، فإنّ مدّعاه عدم جواز أخذها في مطلق الواجبات الكذائية ، ودليله على عدم احترام عمله جواز استيفائه منه بلا توقّف على طيب نفسه وقهراً عليه بدليل الأمر بالمعروف ، مع أنّ دليل الأمر بالمعروف لا تكفي في مطلق الموارد ، كما لو كان الواجب موسّعاً سيّما مثل قضاء الفوائت وبعض صلوات الآيات ،

ص: 310


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .

فلا يمكن الاستيفاء بلا طيب نفسه ولا يجوز إلزامه بإتيانه ، فلا بدّ في استيفاء

المنفعة المطلوبة من عقد الإجارة .

لا أقول : استئجاره في إتيان العمل في زمان خاصّ ، حتّى يقال : إنّ الاستئجار له ليس استئجاراً للواجب .

بل أقول باستئجاره لإتيان الواجب لكن بعد الاستئجار يجوز له مطالبة حقّه بلا تقي-يد للموضوع ، مع أ نّه قد لا يمكن إلزامه على العمل وقهره عليه ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ ما كان مالاً عند العقلاء وتكون المعاملة عليه عقلائية منسلكة في التجارة عن تراضٍ ، فلا بدّ في دعوى كون أخذ الأجر عليه من أكل المال بالباطل من دليل تعبّدي مسقط لماليته أو لإضافته إلى مالكه حتّى يصير بتحكيم ذلك الدليل خارجاً عن موضوع الأوّل وداخلاً في الثاني ، أو دلّ دليل على عدم صحّة المعاملة كالإجارة الغررية ونحوها .

ومجرّد إيجاب الشارع وإمكان استيفاء المنفعة بغير عقد الإجارة لا يوجب سقوط الشيء عن المالية . كيف ؟ وقد فرض إمكان استيفاء المنفعة العقلائية المقوّمة للمالية لدى العقلاء بطريق آخر . فإمكانه بذلك لا يعقل أن يكون مُعدماً لماليته ، وكثيراً ما يمكن استيفاء منفعة بلا عقد إجارة مثلاً واستنقاذ عين بلا عقد بيع .

وأمّا جواز القهر عليه وإلزامه على الإيجاد بدليل الأمر بالمعروف فهو أجنبيّ عن جواز إلزامه لاستيفاء المنفعة وإن يترتّب عليه الاستيفاء قهراً .

وبالجملة : فرق بين جواز الإلزام على إعطاء عمله لاستيفاء المنفعة وبين جواز إلزامه على إيجاد الواجب الإلهي وإن ترتّب نفع للملزم - بالكسر - على

ص: 311

عمله . فلو سلّم منافاة جواز الإلزام على الوجه الأوّل لبقاء الاحترام للمال فلا يسلّم منافاته له على الوجه الثاني المورد لأدلّة الأمر بالمعروف . وقد تقدّم أنّ مجرّد إمكان الاستيفاء بوجه غير الإجارة لا يوجب إسقاط المالية . فالتعبير في المقام بقوله : «إنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه» الموهم لإعطاء حقّ من قبل الشارع لاستيفاء منفعة عمله كأ نّه في غير محلّه .

وكذا لا ملازمة عقلاً ولا عرفاً بين جواز الاستيفاء قهراً وبين سقوط المالية والاحترام كما في نظائره . فلو خاف على نفسه التلف يجوز بل يجب الانتفاع بمال الغير قهراً عليه ، كالدخول في حمّامه ولبس ثوبه وركوب دابّته مع امتناعه ، ومع ذلك يجوز الاستئجار منه بلا إشكال ويكون ضامناً مع الانتفاع بها .

بل جواز الاستيفاء مجّاناً لا يوجب بطلان المعاملة عليه أيضاً ولا تصير به خارجة عن التجارة عن تراضٍ ، كما جاز للمارّة الأكل مجّاناً ، ولا شبهة في جواز الاشتراء أيضاً ، إلاّ أن يقال في المقام بلزوم الاستيفاء مجّاناً، وهو

أوّل الكلام .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ شيئاً من المذكورات لا يصلح لإسقاط مالية العمل ولا لإسقاط الإضافة إلى الفاعل ولا يدلّ شيء منها على بطلان المعاملة .

وأمّا ما أفاده في ذيل كلامه من حكم العقلاء بأنّ أخذ الأجر على ما وجب من قبل المولى أكل للمال مجّاناً وبلا عوض(1) ، ففيه منع ، إلاّ إذا فهم من أمره المجّانية ، وهو ليس محلّ الكلام .

ص: 312


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .

والشاهد على ما ذكرناه أ نّه لو صرّح المولى بأ نّه لا بأس بأخذ الأجر فيما

أوجبت عليك ، لم يحكم العقلاء بالتنافي بين إيجابه ونفي بأس أخذه ، مع أ نّه يقع التنافي على ما أفاده . ولا أظنّ منه قدّس سرّه أ نّه لو ورد دليل معتبر على جواز أخذ الأجر في الواجب عمل معه معاملة المعارض للكتاب والسنّة ، بل الظاهر أنّ أخذ الأجر في مقابل فعل الحرام أيضاً لا يكون من قبيل أكل المال بالباطل عند العقلاء إذا لم يكن الفعل باطلاً عرفاً ، ولهذا إنّ العقلاء يعاملون على المحرّمات ولا يرون أخذ الأجر أو العوض فيها من قبيل الأكل بالباطل كالسرقة والظلم ، وليس الباطل هو الشرعي ، فالدليل على بطلانها غير ذلك ، كقوله : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» بتقريب قدّمناه(1) أو عدم إمكان تنفيذ المعاملة على المحرّمات وإيجاب الوفاء بها .

ما أجاب به المحقّق الأصفهاني عن مقالة الشيخ وما فيه

وربما يقال في جواب مقالة الشيخ : إنّ لمال المسلم حيثيتين من الاحترام :

إحداهما : حيثية إضافته إلى المسلم ، ومقتضى احترامه بهذه الحيثية أن لا يتصرّف أحد فيه بغير إذنه وله السلطنة على ماله وليس لأحدٍ مزاحمته في سلطانه .

ثانيتهما : حيثية ماليته ، ومقتضى حرمتها أن لا يذهب هدراً وبلا تدارك .

ومن الواضح أنّ الإيجاب والمقهورية وسقوط إذنه موجبة لسقوط احترامه

ص: 313


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 49 - 50 .

من الحيثية الاُولى دون الثانية ، ولذا جاز أكل مال الغير في المخمصة بلا إذنه مع بقائه على احترامه ، ولهذا يضمن قيمته بلا إشكال .

مضافاً إلى أنّ هدر المال غير هدر المالية ، والمضرّ الثاني لا الأوّل ، ولهذا

يصحّ المعاملة مع الكافر الحربي مع سقوط احترام ماله من الحيثيتين وذلك لعدم هدر مالية ماله(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه أوّلاً : أ نّه ليس للمملوك إلاّ إضافة واحدة إلى مالكه هي إضافة المملوكية ، ولها أحكام عقلائية وشرعية واحترامات كذلك ، ومع الغضّ عن تلك الإضافة لا حرمة له مطلقاً ؛ ضماناً كانت أو غيره ، فالحيثية الثانية في كلامه ؛ أي

ذات المالية ، مقطوع الإضافة لا حرمة لها ، وعدم الذهاب هدراً من آثار إضافة المال إليه ومن الأحكام العقلائية المترتّبة على إضافة المال إليه ؛ أي على إضافة المالكية ، لا حيثية مقابلة لها ، فإضافة المال إلى المسلم أو المال المضاف إليه موضوع تلك الآثار .

وجواز الأكل في المخمصة بلا إذن صاحبه وقهراً عليه ليس من جهة سقوط احترام الإضافة إلى المسلم ؛ لأنّ لازم سقوط احترامها عدم الضمان بلا ريب ؛ لأنّ موضوع دليل الضمان الإتلافي وغيره هو مال الغير المتقوّم بالإضافة .

وليس الضمان من جهة احترام ذات المال ساقط الإضافة أو مع سلب احترام إضافته ، بل لأجل أنّ حكومة دليل رفع الاضطرار إنّما هي على بعض الأحكام المترتّبة على إضافة المالكية ، وهو حرمة التصرّف فيه بلا إذنه ورضاه ، دون

ص: 314


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 197 - 199 .

الحكم الوضعي وهو الضمان ؛ لأنّ المضطرّ إنّما يضطرّ إلى الأكل وهو يسدّ رمقه ، لا الأكل المجّاني ، فليس مضطرّاً إلى الأكل المجّاني . فليس في الأكل في المخمصة سقوط الإضافة إلى المسلم وتحقّق الضمان بإتلاف ذات المال بلا إضافة إلى مالكه، وهو واضح .

وكذا الكلام في مال الكافر الحربي ، فإنّه لم تسقط الإضافة المالكية عن الحربي ، ولماله احترام في الجملة ، وفي إتلافه ضمان في الجملة .

ومجرّد أنّ للمسلم جواز تملّكه وأ نّه ملك أن يملك لا يوجب سقوط إضافته إليه وسقوط أحكام الإضافة واحترامها واحترامه مطلقاً ، ولهذا يورث ماله ويضمن التالف غير المسلم ، بل لا يبعد القول بضمان المسلم لو أتلفه بلا تملّك وإن جاز تملّك عوضه أيضاً . ومجرّد ملك أن يملك لا يوجب جواز التصرّف بلا إذنه ما دام في ملكه ولا سلب ضمانه إذا أتلفه ، إلاّ أن يقال بانصراف أدلّة الضمان عن مثل المورد ، والمسألة محتاجة إلى المراجعة .

وثانياً : أنّ مورد الكلام في المقام هو أخذ الاُجرة على إتيان الواجب وصيرورة المكلّف أجيراً على إيجاد ما وجب عليه ، وهو المعنى المصدري ؛ أي نفس الإضافة الصدورية .

وإن شئت قلت : إنّ الواجب عمل المكلّف وإيجاده ، لا حاصل عمله والمعنى الاسم المصدري . فعليه لو سقطت حرمة عمله من حيث الإضافة إليه ؛ أي من حيث الإضافة الصدورية فلا تقع الإجارة عليه صحيحة ؛ لأ نّها وقعت على ما سقطت حرمته .

وبعبارة اُخرى : إنّ للعمل اعتبارين مع وحدته الخارجية : اعتبار الإضافة إلى

ص: 315

العامل وهو إضافة صدورية وهي مقوّمة لاعتبار ملكية العامل له ، واعتباره في نفسه وكونه شيئاً بحياله وحاصلاً من إيجاد الفاعل وهو حاصل عمله لا نفسه . وما تعلّق به التكليف وإن كان الطبيعة لكن الأمر باعث إلى إيجادها بنحو قرّر في محلّه فيجب عليه إيجادها ، وكذا ما هو محلّ البحث صيرورته أجيراً في الواجب ؛ أي في الإيجاد الكذائي ، فلو سقطت حرمة عمله من حيث إضافته إلى الفاعل لا محيص عن القول بالبطلان .

فالأولى في الجواب ما تقدّم من أنّ الإيجاب والإلزام لا ينافي بقاء احترامه وإضافته وصحّة الاستئجار عليه .

استدلال المحقّق النائيني على المنافاة وردّه

ومنها : ما أفاده بعض أعاظم العصر ، قال في بيان منشأ بطلان الإجارة على المحرّمات والواجبات ما حاصله : «أ نّه يعتبر في الإجارة وما يلحق بها أمران :

الأوّل : أن يكون العمل ملكاً للعامل ؛ بأن لا يكون مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعي ؛ لأ نّه إذا كان واجباً عليه فلا يقدر على تركه ، وإذا كان محرّماً عليه لا يقدر على فعله . ويعتبر في صحّة المعاملة كون الفعل والترك تحت اختياره .

الثاني : أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر ، فلو لم يكن كذلك كما إذا تعلّق تكليف عليه مباشرة فلا تصحّ الإجارة عليه وإن انتفع به ، فإنّ مجرّد الانتفاع لا يصحّحها ؛ فإنّه معتبر في جميع المعاملات لإخراجها عن السفهية» .

ص: 316

ثمّ فرّع على ذلك بطلان الإجارة على الواجبات لفقد الأمرين وعلى المحرّمات لفقد الأوّل منهما (1) .

ويرد على الأمر الأوّل : أ نّه إن اُريد به أنّ التكليف يسلب الاختيار تكويناً فهو كما ترى وهو لا يريده جزماً .

فلا بدّ وأن يكون المراد بسلب الاختيار أ نّه بعد الإيجاب والتحريم ليس مختاراً من قبل الشارع في إيجاد الفعل وتركه ؛ أي لا يكون الفعل مباحاً عليه ومرخّصاً فيه ، ويراد بقوله : «فإذا كان واجباً لا يقدر على تركه» أ نّه لا يجوز تركه .

فهو كما ترى مصادرة واضحة ، فإنّ المدّعى أ نّه إذا أوجب اللّه تعالى عملاً لايجوز أخذ الأجر عليه ، والدليل المذكور أ نّه إذا كان واجباً لا يجوز تركه ويجب إتيانه وليس مرخّصاً في فعله وتركه فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، وهو عين المدّعى ويطالب بالدليل على أ نّه إذا كان كذلك لِمَ لا يجوز أخذ الأجر عليه ؟

وإن اُريد أ نّه إذا وجب تكليفاً سلبت القدرة الوضعية عنه فهو أيضاً مصادرة واضحة ، والإنصاف أنّ هذا لا يرجع إلى محصّل .

وعلى الأمر الثاني : بأنّ المراد بإمكان الحصول للمستأجر إن كان إمكان المملوكية له ؛ بمعنى أن يصير العمل أو نتيجته ملكاً له كملكية الهيئة الحاصلة بالخياطة ونحوها ، فلا شبهة في عدم اعتبار ذلك في صحّة الإجارة ؛ ضرورة صحّتها على تعمير المساجد والطرق والقناطير ، وكذا صحّتها على عمل للأجنبيّ .

ص: 317


1- منية الطالب 1 : 45 .

وإن كان المراد بإمكان الحصول له صيرورة العمل ملكاً له ؛ بمعنى كونه مالكاً للإبراء والإلزام فلا ريب في أنّ هذا المعنى حاصل له ، فله إبراؤه وإبرامها وفسخها مع الخيار ولهما الإقالة إلى غير ذلك من أحكام مالكية العمل أو المنفعة ، وبإبرائه أو فسخها يسقط حقّه المعاملي وإن وجب من قبل الشارع ويجب عليه الأمر بالمعروف بشرائطه .

وإن كان المراد من الحصول إمكان تحقّقه على نحو المعاقدة والمعاملة عليه فلا ريب في إمكان حصوله له بهذا المعنى ، فإنّ من له غرض عقلائي من نفع أو غيره في وجود عمل صادر من الغير واستأجره على إيجاده فأوجده على طبق غرضه فقد حصل العمل له .

وأمّا ما قال في خلال كلامه : إنّ مجرّد الانتفاع لا يصحّح الإجارة ، غير وجيه ؛ لأنّ الانتفاع العقلائي الموقوف على وجود عمل في الخارج يصحّحها كالاستئجار لتعمير المساجد ونحوه ، بل لا يعتبر في صحّتها الانتفاع أيضاً ، فإن كان لفعل أثر مورد لغرض عقلائي يصحّ الإجارة عليه وإن لم ينتفع المستأجر به . فالميزان في صحّتها كون العمل مرغوباً فيه لغرض عقلائي .

استدلال كاشف الغطاء على المنافاة وردّه

ومنها : ما عن شرح الاُستاذ على «القواعد» من أنّ المنافاة بين صفة الوجوب والتملّك ذاتية ؛ لأنّ المملوك والمستحقّ لا يملك ولا يستحقّ ثانياً (1) .

وفيه : - مضافاً إلى التنافي بين دعوى ذاتية التنافي بين صفة الوجوب

ص: 318


1- شرح القواعد ، كاشف الغطاء 1 : 279 .

والتملّك الظاهرة في أنّ التنافي لذاتهما لا لأمر آخر ، وبين تعليله الظاهر في أنّ التنافي بين المملوكين والمستحقّين بالذات لا بين صفة الوجوب والتملّك ، وتوجيه كلامه بأنّ مدّعاه اتّحاد ماهية الوجوب والتملّك أفحش - أ نّه :

إن أراد بما ذكر أنّ الإيجاب من الأسباب المملّكة ، فإذا تعلّق بعمل يوجب صيرورته للموجب ومع كونه له لا يمكن جعله لشخص آخر ؛ لعدم إمكان كون المملوك مملوكاً ثانياً .

ففيه : منع كونه مملّكاً لا عند العقلاء وهو واضح ؛ ضرورة أنّ الأب أو المولى إذا أمرا بعمل لا يصيران مالكين له لدى العقلاء بحيث يعدّان ذا مال بعهدة الولد والمملوك فصارا مستطيعين لأجل ذلك وصار المال موروثاً ، إلى غير ذلك من الآثار ، كإجارته بالغير نحو الدابّة ، ولا عند الشارع ؛ لعدم الدليل على جعل السببية له ، بل الدليل على خلافه ، فإنّ فعل الابن المأمور به لا يصير ملكاً لأبيه

بضرورة الفقه .

ولو ادّعى الفرق بين أوامر اللّه تعالى وأمر غيره ففيه ما لا يخفى ؛ لأنّ الإيجاب في جميع الموارد بمعنىً واحد ولو كان المنشئ له مختلفاً ، مضافاً إلى عدم الدليل على سببية إيجاب اللّه تعالى لتملّكه الاعتباري ولو قلنا بصحّة اعتبار الملكية له تعالى عند العقلاء بهذا المعنى الاعتباري ، وسنشير إليه وإلى فساده(1) .

وإن أراد بذلك أنّ الإيجاب مستلزم لقطع سلطنة المكلّف وحدوث سلطنة للمولى ولا معنى للملكية مع سقوط أنحاء السلطنة عن المالك فإنّ اعتبار

ص: 319


1- يأتي في الصفحة 321 .

الملكية عند العقلاء بلحاظ آثارها ومع عدم الأثر مطلقاً لا معنى لاعتبارها .

ففيه : أنّ المدّعى إن كان قطع جميع أنحاء السلطنة ومنها السلطنة على المعاملة والإجارة فهو مصادرة ؛ لأنّ الكلام في أ نّه هل يصحّ أخذ الأجر على الواجبات وأنّ الإيجاب يوجب بطلان الإجارة أو لا .

وبالجملة : نحن مطالب بالدليل على هذا المدّعى .

وإن كان المدّعى قطع بعض أنحائها ، وهو عبارة اُخرى عن سلب اختياره وسلطنته تشريعاً عن الفعل والترك ، وهو عبارة اُخرى عن الوجوب الرافع للترخيص فهو بهذا المعنى مسلّم لكن لا يوجب سلب الملكية ، فإنّ اعتبارها متقوّم بترتّب الأثر في الجملة ، فكثيراً ما سلب بعض أنحاء السلطنة عن المالك مع بقاء ملكيته عند العقلاء .

فتحصّل ممّا ذكر عدم المنافاة بين صفة الوجوب والتملّك وعدم منشئية الوجوب لملكية اللّه تعالى حتّى لا تجتمع ملكيته مع ملكية غيره .

بيان السيّد الطباطبائي في عدم المنافاة وما فيه

وأمّا ما في تعليقة الطباطبائي رحمه الله علیه من أنّ السرّ في عدم المنافاة أنّ ملكية المستأجر في طول طلب الشارع واستحقاقه(1) .

وقد نطقت بإمكان الملكية الطولية الألسن وصار كالأصل المسلّم ، وقد مثّلوا تارة بملكيته تعالى للأشياء وملكية رسول اللّه رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام لها مع ملكية كلّ مالك لملكه ، واُخرى بملكية العبد والمولى لمال العبد طولاً .

ص: 320


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 141 - 142 .

ففيه : أنّ الطولية المدّعاة في المقام عكس الطولية في المثالين ، فإنّ فيهما يقال : إنّ الناس مملوكون للّه تعالى مع أملاكهم ، والعبد وملكه لمولاه . وفي المقام

يقال : إنّ أمر اللّه تعالى أوجب ملكيته تعالى للعمل ، والمستأجر ملك ما ملك اللّه ، فاللّه تعالى ملك ذات العمل والمستأجر ملك المملوك له تعالى ، وهو بوصف مملوكيته في طول الذات .

وأنت خبير بأنّ هذا النحو من الطولية لا يصحّح اعتبار الملكية بل ينافيه ويناقضه . فهل يصحّ القول بأنّ الثوب ملك لزيد ، وبما أ نّه ملك لزيد ملك لعمرو ، وهل هذا إلاّ التناقض في الاعتبار لدى العقلاء والعرف ؟ والمسألة عرفية لا عقلية لابدّ في حلّها من المراجعة إلى الاعتبارات العقلائية ، لا الدقائق العقلية ، مع أنّ مثل هذه الطولية لا يدفع به التنافي في العقليات أيضاً ، فهل يمكن

تحريم شيء وإيجابه بوصف كونه محرّماً عقلاً ؟

مضافاً إلى أنّ الطولية في المثالين أيضاً ممّا لا أصل لها ، فإنّ ملكيته تعالى للأشياء بهذا المعنى الاعتباري المبحوث عنه في مثل المقام غير ثابتة ، بل لا معنى لها . فهل ترى من نفسك أ نّه تعالى ملك الأشياء بهذا المعنى المعروف ؟ مع أنّ لازمه أ نّه لو وهب بتوسّط نبي من أنبيائه شيئاً من عبده سقطت ملكيته وانتقلت إلى العبد ، فلو كان سبيل ملكيته للأشياء ما لدى العقلاء لابدّ من الالتزام

بآثارها ، وهو كما ترى .

والظاهر أنّ أولوية التصرّف والسلطان على التصرّفات الثابتة للّه تعالى عقلاً ، وللنبي رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام بجعله تعالى ، أوجبت توهّم كونهم مالكين للأشياء تلك المالكية الاعتبارية .

ص: 321

والسلطنة على سلب الملكية وإقرارها غير الملكية ، كما نشاهد في السلاطين العرفية والقوانين العقلائية ، فإنّ السلطان مثلاً ليس مالكاً للأشياء بحيث لو مات صار جميع ما في مملكته إرثاً لوارثه ويكون السلطان مستطيعاً باعتبار ملك رعيته ، بل يكون الملك للرعية ، والسلطان أولى بالتصرّف .

فللّه تعالى ولرسوله رحمهما اللّه وللأئمّة علیهم السلام سلاطين البشر سلطنة على النفوس والأموال ، من غير أن تكون الأموال ملكاً اعتبارياً لهم ؛ بحيث لو باعوا سلبت منهم الملكية والسلطنة .

وأمّا العبد وملكه فمسألة مشكلة يقع الكلام فيها تارةً في صحّة مالكيته ، واُخرى في كيفية مالكية المولى لماله على فرض مالكيته ؛ هل هو نظير مالكية اُولي الأمر أو نحو آخر ، فلا يصحّ جعل ما هو مشكل ومحلّ كلام شاهداً على غيره ، ولا حلّ مشكلة بمشكلة .

وأمّا قضيّة مالكيته تعالى بالإضافة الإشراقية التي قد يرى إدخالها في تلك المسائل فأمر غير مربوط بالمالكية المبحوث عنها في مثل المقام ، وعلى المحصّل أن يجتنب من إدخال مسائل غير مربوطة بالفقه فيه ؛ إذ في اختلاط العقليات - سيّما مثل تلك المسائل غير المنحلّة عند أهلها - بالعرفيات مظنّة اعوجاج أذهان المشتغلين واغتشاش أفكارهم .

ولهذا ترى مقايسة بعضهم(1) الملكية الاعتبارية العقلائية بالإضافة الإشراقية . وتوهّم أنّ مالكيته تعالى بتلك الإضافة متى تجتمع مع مالكية المخلوقين

ص: 322


1- مصباح الفقاهة 1 : 645 - 646 .

فلا محالة تجتمع مالكيتان اعتباريتان طولاً ، غفلة عن أنّ القياس مع الفارق .

فالمخلوق للّه تعالى يمكن أن يكون مملوكاً اعتبارياً لغيره ، والمملوك الاعتباري لشخص لا يعتبر مملوكاً لآخر لدى العرف والعقلاء .

وأعجب منه قياس الملكيتين المستقلّتين على مملوك واحد باجتماع أوصياء ووكلاء متعدّدين على شيء واحد مستقلاًّ فيهما (1) . مع أنّ الفارق لدى العرف والعقلاء أوضح من أن يخفى ؛ فإنّ الملكية نحو إضافة لازمها اختصاص المال بالمالك أو نحو اختصاص له به ، وكون شيء بكلّيته ملكاً مختصّاً بأكثر من واحد تناقض في الاعتبار .

وأمّا استقلال التصرّف اللازم للوصيّة ليس إلاّ نفوذ تصرّفه بلا احتياج إلى ضمّ نظر آخر وإجازته ، فلو باع أحد الوصيّين أو الوكيلين جميع دار من رجل ، وباع الآخر جميعها من آخر ، فهل يمكن القول بصحّتهما وعدم تعارضهما ؟ فلولا التنافي بين الملكيتين المستقلّتين على شيء واحد لم يقع التعارض بينهما ، فلا بدّ من القول بوقوعهما صحيحين وكلّ منهما صار مالكاً لجميعه ، وهو كما ترى واضح الفساد . وليس ذلك إلاّ لوضوح التنافي المذكور لدى العرف والعقلاء ، فقياس ملك التصرّف مع ملك العين مع الفارق ، والسند حكم العرف .

استدلال المحقّق النراقي في المقام وما فيه

ومنها : ما تمسّك به النراقي ، قال ما محصّله : «وإن كان واجباً مطلقاً ؛ أي غير متقيّد بأخذ الأجر عليه لا يجوز أخذ الأجر عليه وإن كان فيه منفعة للمستأجر

ص: 323


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 283 .

كإنقاذ ولده ؛ لأنّ إيجاب اللّه على الأجير تمليك للمستأجر ، ولأنّ منافع العبد

ملك اللّه تعالى ، وهو وإن أذن له أنحاء التصرّفات إلاّ أنّ إيجابه لفعل يوجب عدم إذنه في التصرّف وأخذ العوض ، بل الإيجاب تفويت تلك المنفعة وطلبها لنفسه وإخراجها من يده ومن كونها مملوكة له»(1) ، انتهى .

وفيه - بعد الغضّ عن التنافي بين صدر كلامه وذيله كما يظهر بالتأمّل ، وبعد الغضّ عن أنّ دليله الأوّل أخصّ من المدّعى ، لعدم كون جميع الواجبات التي فيها نفع للمستأجر مثل إنقاذ ولده الذي ربّما يتوهّم تمليك المنفعة له ، ضرورة أنّ مثل الحجّ واجب إلهي لا يتوهّم أن يكون إيجابه على المكلّف تمليكاً لمن له نفع فيه - : أنّ إيجاب اللّه ليس تمليكاً بوجه حتّى في مثل إنقاذ الغريق ، ولا جعل حقّ

حتّى في مثل تجهيز الميّت ، بل وجوبهما حكم شرعي محض ، ولهذا لا يترتّب عليهما شيء من أحكام الملك والحقّ ، فلا يجوز الإعراض والإسقاط ، ولا النقل ، ولا سائر التصرّفات المربوطة بالملك والحقّ ، ويجوز بل يجب الإنقاذ بلا إذن الغريق ووالده ومع نهيهما .

ودعوى أنّ منافع العبد مملوكة للّه لا للعبد وإن أجاز التصرّف فيها ، الملازمة لدعوى أنّ جميع الأعيان الخارجية أيضاً كذلك ، غريبة منه ، ومخالفة لضرورة الفقه من مملوكية الأعيان والمنافع للناس .

نعم ، وقع الكلام في أنّ عمل الحرّ قبل الإجارة ملك له أو لا ؟ وهو أمر آخر غير ما يدّعيه .

ص: 324


1- مستند الشيعة 14 : 177 .

وأمّا سائر دعاويه ، كقوله : «إنّ إيجابه يوجب عدم إذنه في التصرّف ، وأ نّه تفويت المنفعة ، وأ نّه طلب لنفسه وسلب المملوكية عن العبد» ، فكلّها مصادرات إن كان المراد م-ن سلب الإذن وغيره الأعمّ من الوضعيات ، وغير مفيدة لو لم يرد الأعمّ .

ثمّ إنّ هناك استدلالات ضعيفة لا يحتاج في دفعها إلى زيادة مؤونة ، من عدم ترتّب آثار الملك على العمل من الإبراء والإقالة ، ومن لغوية بذل العوض بما يتعيّن على الأجير ، ومن أنّ الواجب تعود منفعته إلى الأجير ، فأخذ الأجر عليها أكل للمال بالباطل ، ومن أنّ أدلّة إنفاذ العقود قاصرة عن الشمول للمورد أو شكّ في شمولها ، ومن أنّ المتبادر من إيجاب شيء طلبه مجّاناً (1) إلى غير ذلك .

تقرير آخر للاستدلال على المنافاة

ويمكن الاستدلال على المطلوب بأنّ جلّ الواجبات العينية التعي-ينية كالصلاة والصوم والحجّ ونحوها اعتبر فيها مضافاً إلى أصل الوجوب كونها على ذمّة العبد نحو الديون الخلقية .

أمّا الحجّ فلظاهر قوله تعالى : )وَللّه ِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ . . .((2) فإنّ اعتبار «له عليه» غير اعتبار الإيجاب ، وقد ورد في روايات إطلاق الدين عليه ،

ص: 325


1- مستند الشيعة 14 : 177 - 178 ؛ بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 197 .
2- آل عمران (3) : 97 .

كرواية الخثعمية(1) وغيرها (2) .

ومن الممكن استفادة هذا الاعتبار من قوله تعالى : )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ((3) .

ومن قوله تعالى : )إِنَّ الصَّلوةَ كانَتْ عَلَى المُؤمِنينَ كِتاباً مَوْقُوتاً((4) ، تأمّل .

مع أنّ وجوب قضاء الواجبات أقوى شاهد على ذلك الاعتبار ، فإنّه لو كان الحجّ مثلاً واجباً عليه تكليفاً محضاً بلا اعتبار كونه عليه لما كان معنىً لقضائه عنه بعد موته ؛ لأنّ التكليف ساقط عنه بل غير متوجّه به ، فلا بدّ وأن يكون في عهدته شيء لم يسقط عنه بسقوط التكليف وسقط بإتيان الغير كالولد الأكبر وغيره ، وليس إلاّ اعتبار أمر وضعي وكون تلك الواجبات ديناً عليه ، ولا محالة يكون الدائن الطالب هو اللّه تعالى .

إلاّ أن يقال بمقالة عَلَم الهدى ، من أنّ القضاء ليس نيابة عن الميّت ، وإنّما هو واجب أصلي خوطب به القاضي ، وسببه فوات الفعل من الميّت ، والميّت لا يثاب عليه(5) .

ص: 326


1- روض الجنان وروح الجنان 4 : 450 ؛ مستدرك الوسائل 8 : 26 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، الباب 18 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 11 : 67 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ، الباب 25 ، الحديث 4 و5 .
3- البقرة (2) : 183 .
4- النساء (4) : 103 .
5- الانتصار : 198 .

وهو كما ترى ، بل لابدّ من تأويل كلام السيّد كما أوّله بعضهم(1) .

وكيف كان يظهر ممّا مرّ أنّ الأعمال الواجبة ملك للّه تعالى ودين على العبد ، فلا يجوز إجارة نفسه لما لا يملكه ، ويكون ملكاً للغير .

ثمّ إنّ الاعتبار المذكور إنّما يكون في النذر بجعل العبد للّه على نفسه وتنفيذه تعالى ، وباب الكفّارات المعيّنة كلّها من قبيل الدين ، وفي المخيّرة إشكال عقلي قابل الدفع بتصوير جامع اعتباري أو انتزاعي ، وليس الكلام هاهنا في الواجب التخييري ، ويأتي الكلام فيه .

فاتّضح ممّا ذكر وجه عدم جواز أخذ الأجر على الواجبات التي بتلك المثابة ؛ ففي الزكاة والخمس لابدّ وأن تؤدّيان بعد الموت بعنوانهما مع ما يعتبر فيهما ، فيستكشف منه أنّ نفس العمل الواجب اعتبرت فيه العهدة والدينية ، ويلحق بها ما ليس كذلك ؛ لعدم القول بالفصل ، تأمّل .

بل يمكن دعوى منافاة أخذ الاُجرة على الواجب العيني التعي-يني في ارتكاز المتشرّعة .

ولعلّ الوجوه التي تشبّث بها الأعاظم والمحقّقون - مع ضعفها كما مرّ(2) - تشبّثات بعد الفراغ عن عدم الجواز في ارتكازهم ، مع أ نّه لم ينقل الجواز في الواجب المذكور من أحد وإنّما نقل الخلاف في الأجر على القضاء ونحوه من الكفائيات . والتعيّن فيها في بعض الأحيان عقلي لا شرعي .

ص: 327


1- رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 207 .
2- تقدّم في الصفحة 310 وما بعدها.

فالمسألة مظنّة الإجماع ، فالأقوى فيما يعتبر فيه العهدة والذمّة عدم الجواز ، وفي غيرها هو الأحوط بل لا يخلو من قوّة .

أخذ الاُجرة في الواجب التخييري

ثمّ إنّ بما ذكرناه يظهر الكلام في الواجب التخييري ، ولابدّ من تمحيض الكلام فيه من وقوع الإجارة على الواجب ، فالقول بالصحّة فيما إذا وقع العقد على خصوصية متّحدة مع الواجب لا عليه(1) أجنبيّ عن محطّ الكلام .

وتوجيه كلام الشيخ في الواجب التخييري بأنّ مراده الوقوع على الخصوصية(2) غير مرضيّ ، فإنّه خروج عن البحث لا تفصيل بين التخي-يري

وغيره .

بل التفصيل بين التعييني والتخييري ، سواء كان التخيير شرعياً أو عقلياً ، مقتضى الدليل الذي تمسّك به في إثبات عدم الجواز من سلب احترام عمله لأجل أنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه ؛ لأ نّه يقهر عليه مع امتناعه ، وأحد أطراف التخييري ليس كذلك ، فبقي على احترامه .

نعم ، لو ضاق الوقت أو عجز إلاّ عن أحد الأطراف بحيث يتعيّن عليه الإتيان به كان مقتضى دليله عدم الجواز لسلب احترامه ، وأنّ استيفاءه لا يتوقّف على طيب نفسه .

كما أنّ التفصيل المذكور لازم الاستدلال على المطلوب بأنّ الوجوب

ص: 328


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 136 .
2- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 207 .

الشرعي موجب لسلب قدرة العبد واختياره ، كما لا يخفى .

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من أنّ الواجبات التي اعتبر فيها الدينية والملكية للواجب تعالى لا يجوز الأجر عليها ، فلا يفترق بين التخييري والتعييني . فإنّ الإجارة على أحد الأطراف في التخييري الشرعي ، بحيث يكون مورد الإجارة هو الواجب ، إجارة على عمل ملكه اللّه تعالى؛ لأنّ كلّ طرف من طرفي التخيير إذا وجد يكون ملكاً له ، وكذا لو آجره على إتيان واجب في مكان كذا أو زمان كذا أو غيرهما من الخصوصيات في التخيير العقلي ؛ لأنّ العمل الخاصّ ملك له تعالى وإن اكتنف على أمر زائد ، والإجارة على ملك الغير المتخصّص بخصوصية زائدة باطلة .

وبالجملة : الإجارة إمّا وقعت على الخاصّ ، أو على الخصوصية ، فعلى الأوّل باطلة ؛ لوقوعها على ملك الغير ، وعلى الثاني خروج عن محطّ البحث .

تصوير تعلّق الملكية بالواجب التخييري

نعم ، هنا كلام آخر ، وهو تصوير الملكية في الواجب التخييري ، وأ نّه هل يمكن ملكية الأمر المردّد أو لا ؟

أقول : إن قلنا بأنّ الملكية بما أ نّها من الاُمور الاعتبارية لا تحتاج إلى محلّ معيّن موجود كالأعراض الخارجية المحتاجة إلى المحلّ ، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري واستشهد عليه بتصريح الفقهاء بصحّة الوصيّة بأحد الشيئين بل لأحد الشخصين(1) ، فلا كلام .

ص: 329


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 17 : 251 .

وإن قلنا بعدم إمكانه فيمكن أن يقال : إنّ اعتبار الدينية أو الملكية في الواجبات ليس من قبيل الانتزاع من الوجوب حتّى يتبعه في اللوازم ، بل لو كان منتزعاً من التكليف لكان اللازم سقوطه بسقوطه مع ثبوت الدين حتّى مع سقوط الوجوب بموت . وتخيّل كون الوجوب واسطة في الثبوت لا العروض باطل ؛ لأنّ المورد ليس من قبيله ، بل الانتزاعيات تابعة لمنشأ انتزاعها ثبوتاً وسقوطاً .

مضافاً إلى أنّ الدينية والملكية لو كانتا منتزعتين من التكليف لكان اللازم انتزاعهما من كلّ تكليف ، وهو واضح الفساد . وكذا الحال لو كان الوجوب واسطة للثبوت أو العروض ، فالوساطة ومنشئية الانتزاع فاسدتان ، مع أ نّه يكفي في المقام عدم الدليل على الانتزاعية فإذا لم يثبت ذلك يمكن أن تكون الملكية معتبرة لعنوان واحد هو جامع حقيقي بينها أو انتزاعي مع فقد الحقيقي كصاع من صبرة بنحو الكلّي في المعيّن لا بنحو الفرد المردّد .

وبالجملة : مع قيام الدليل على اعتبار العهدة والدينية في واجب تخييري كالتخييريات في باب الكفّارات بل وكالصلاة في الأماكن الأربعة بما ذكرناه من الوجه في ملكية المذكورات للّه تعالى ودينيتها ، لا يجوز رفع اليد عنه إلاّ مع قيام

الدليل على الامتناع ، ومع احتمال الإمكان فالدليل متّبع ، مع أنّ الإمكان فيها ثابت . ففي الكفّارة المرتّبة والمخيّرة معاً ، ككفّارة حنث اليمين حيث يجب فيه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام ، يمكن جعل عنوان واحد منها القابل للصدق على كلّ منها كالصاع من الصبرة على القادر وعلى العاجز عنها صيام ثلاثة أيّام . وقس عليه غيره ممّا هو أخفّ مؤونة في الاعتبار .

ص: 330

أخذ الاُجرة في الواجب الكفائي

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في الواجب الكفائي من حيث إمكان اعتبار العهدة والدينية ، فإنّه لو قلنا فيه بأ نّه واجب على كلّ مكلّف وإن سقط عنهم بإيجاد واحد منهم فلا إشكال في صحّة اعتبار العهدة عليهم والسقوط بأداء بعضهم .

وإن قلنا بأنّ المكلّف ، فيه واحد من المكلّفين قابل للانطباق على كلّ مكلّف في الخارج وإن لم يكن الانطباق إلاّ بنحو التبادل - بمعنى أ نّه لا يجب عليهم عرضاً كالصاع من الصبرة المبتاع ، فإنّه منطبق على كلّ صاع من صيعان الصبرة لكنّ المملوك ليس إلاّ صاعاً واحداً ، فهو منطبق على كلٍّ تبادلاً ، نعم قد يكون المكلّف في الكفائي واحداً بشرط لا ، وقد يكون لا بشرط ، والفرق واضح - فاعتبار العهدة والدينية أيضاً ممّا لا إشكال فيه .

وتوهّم أنّ الواحد العنواني كلّي وهو غير قابل لتوجّه التكليف عليه فاسد ؛ لأنّ صحّة التكليف تابعة لقابليته للبعث والانبعاث . وما تعلّق بالعنوان القابل للانطباق على الخارج قابل له ، بل التكاليف كثيراً ما تتعلّق بالعناوين ، كقوله : )للّه ِِ عَلَى النّاسِ((1) ، بل في مثل قوله : )يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) ، يكون التكليف متعلّقاً بعنوان قابل للانطباق على الأفراد في عمود الزمان ، وكثير من تكاليف أهل العرف كذلك ، فيقول المولى لعبيده : فليفعل واحد منكم كذا ، ومعلوم لدى العقل والعقلاء أ نّه لو ترك الجميع الأمر المتعلّق بواحد

ص: 331


1- آل عمران (3) : 97 .
2- المائدة (5) : 1 .

عنواني يكون الجميع مستحقّاً للعقوبة ؛ لانطباقه على كلّ منهم تبادلاً .

نعم ، لو قلنا بأنّ الواجب الكفائي نظير الواجب التخييري أو نظير الفرد المنتشر ففي صحّة العهدة تأمّل وإشكال وإن كان مقتضى كلام الشيخ الأعظم في نظيره صحّة الاعتبار(1) .

وكيف كان لو اعتبرت في الكفائي العهدة والدينية يكون الكلام فيه كالعيني ، فإنّ المفروض وقوع الإجارة على الواجب ، ومع كون العمل ملكاً للّه تعالى لا يصحّ تمليكه لغيره . لكن ليس في الواجبات الكفائية ظاهراً ما يعتبر فيها العهدة والدينية للّه تعالى ، ولا جعل استحقاق وعهدة لغيره . وقد مرّ(2) أنّ تجهيز الميّت وكذا إنقاذ الغريق بل وطبابة الطبيب ليست من هذا القبيل ، وليس فيها من آثار الحقّ والملك شيء .

فالأقوى صحّة الاستئجار في الكفائيات إلاّ أن ثبت في كفائي اعتبار الملكية له تعالى أو لغيره .

تنبيه : أخذ الاُجرة في الواجبات النظامية

وبما ذكرناه ظهر الكلام في الواجبات النظاميات على فرض تسليم كونها واجبات ، فإنّ وجوبها لا يقتضي الدينية والعهدة لأحد ، لا للّه تعالى ولا لغيره كما

تقدّم ، ولا دليل على اعتبارها زائدةً على الوجوب . فمقتضى القاعدة جواز أخذ الأجر عليها من غير ورود إشكال ولا شبهة نقض لما ذكرناه .

ص: 332


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 17 : 251 .
2- تقدّم في الصفحة 324 .

لكن الشأن في أنّ حفظ النظام واجب ، أو الإخلال به حرام ؟ وعلى الثاني يكون ما هو الجزء الأخير من العلّة التامّة للإخلال محرّماً ، بناءً على حرمة مقدّمة الحرام . فلو كان ذلك ترك ما يتوقّف عليه النظام يكون ذلك الترك محرّماً ، ومع اقتضاء حرمة الشيء وجوب ضدّه العامّ يكون الفعل واجباً .

وعلى الأوّل يجب ما يتوقّف عليه النظام ، بناءً على وجوب المقدّمة ، لكن التحقيق عدم وجوب المقدّمة مطلقاً (1) ، وعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه العامّ ولا عن ضدّه الخاصّ(2) ، وعلى فرض وجوبها واقتضائه لا يكون في التكليف التوصّلي اعتبار الدينية ولو فرض الاعتبار أو الانتزاع في غيره ، والاعتبار الخارج المستقلّ غير ثابت .

وتوهّم أنّ المستحقّ لتلك الواجبات النظامية من وجب النظام له ، غير وجيه ؛ ضرورة عدم ترتّب أثر من آثار الحقّ فيها كالنقل والإسقاط والاحتياج إلى الإذن ونفوذ النهي عن التصرّف وغيرها ، فهي على فرض وجوبها واجبات شرعية لغرض متعلّق بحفظ النظام أو لمبغوضية اختلاله .

وكيف كان : فنحن في فسحة من الإشكال المعروف ، وكذا من كان اعتماده في حرمة أخذ الاُجرة على الواجبات على أمر تعبّدي كالإجماع(3) .

لكن لابدّ للمتمسّك بالوجوه الاُخر كالوجوه العقلية من الدفاع عن الإشكال وبيان وجه التفرقة بينها وبين غيرها ، ومع عدم صحّة الدفاع

ص: 333


1- مناهج الوصول 1 : 342 .
2- مناهج الوصول 2 : 10 .
3- رياض المسائل 8 : 83 .

يعلم بطلان الوجه المتشبّث به ؛ إذ لا يمكن القول بالإخراج تخصيصاً . وقد ذكروا للتخلّص وجوهاً :

جواب المحقّق النائيني عن الإشكال في الواجبات النظامية

منها : ما ذكره بعض الأعاظم ، قال عقيب ما ذكره من اعتبار أمرين في الإجارة ونحوها : أحدهما : أن لا يكون الأجير مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعي ، وثانيهما : أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر ، كما تقدّم الكلام فيهما ما حاصله : «إنّ الواجبات النظامية ما عدا القضاء يجوز أخذ الأجر عليها لحصول الشرطين . أمّا الثاني فواضح . وأمّا الأوّل فلأنّ الواجب في النظام المعنى المصدري كالطبابة ، وما تقع بإزائه الاُجرة هو حاصل المصدر ؛ لأ نّه مال لا المصدر الذي معنىً آلي ، وهما وإن كانا متّحدين خارجاً إلاّ أ نّهما

مختلفان اعتباراً ، فللشارع تفكيكهما وإيجاب المصدر واعتبار ملكية اسمه ، والواجبات النظامية كذلك إلاّ القضاء ، فإنّ التكليف تعلّق بنتيجة عمل القاضي وهو فصله الخصومة فلا يجوز أخذ الأجر عليه . وأمّا المصدر فليس بمال .

وكيف كان : لو وجب بذل العمل وحرمة احتكاره يجوز أخذ الأجر عليه ، ولو وجب نتيجة العمل عليه فلا يجوز ؛ لأنّ المصدر آلي غير مالي واسمه خارج عن ملكه . ونظير الأعمال في الشقّين الأموال ، فإنّه قد يتعلّق تكليف أو وضع بنفس الملك كباب الخمس والزكاة فلا يجوز أخذ العوض عليه ، وقد يتعلّق تكليف بالتمليك والإعطاء فيجوز ، كوجوب بيع الطعام في المخمصة ، فإنّ

ص: 334

التكليف حرمة حبسه واحتكاره الطعام ولم يتعلّق بنفس المال»(1) ، انتهى .

وفيه : مضافاً إلى أنّ إمكان الحصول الذي ادّعى الظهور فيه غير ظاهر بالمعنى الذي تقدّم منه ، فإنّه اعتبر فيه زائداً على الانتفاع بالعمل حصول العمل له ، وبهذا المعنى لا يكون إمكانه ظاهراً في الواجبات النظامية ، فإنّ المعنى المصدري وكذا حاصله أمر غير باقٍ وغير حاصل للمستأجر ، والانتفاع بهما وإن كان ممكناً له لكنّه أنكر كفاية الانتفاع في الصحّة ، والبقاء الاعتباري في حاصل المصدر مشترك بين الواجبات النظامية وغيرها ، فلا بدّ له من القول بالصحّة مطلقاً ، وأثر العمل كالهيئة في المخيط وإن كان حاصلاً له لكنّه ليس مورد الإجارة ؛ لأ نّه ليس مصدراً ولا حاصله ، كما هو واضح .

مضافاً إلى أنّ الأثر حاصل له في بعض الواجبات غير النظامية ، كقرض الكفن وحفر القبر فيما إذا كان واجباً على شخص تعييناً ولو عقلاً ، وكذا لو كان للصلاة وغيرها أثر باقٍ حاصل للمستأجر ، كتعلّم أجزائها وكيفيتها ، فلا بدّ له من القول بالصحّة فيها أو عدم المانع من هذه الجهة .

أنّ التكليف في جميع الموارد متعلّق بالمصادر لا بأسمائها ، ونحن وإن قلنا في محلّه بأنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع(2) مقابل من قال بتعلّقها بالإيجاد لكنّه كلام آخر وفي مقام آخر ؛ إذ لا شبهة في أنّ مفاد الهيئة إيقاع البعث إلى المادّة وهي

ص: 335


1- منية الطالب 1 : 46 - 47 .
2- مناهج الوصول 2 : 55 .

نفس الطبيعة ، والبعث إليها تحريك إلى تحصيلها وهو ملازم لإيجادها عرفاً وعقلاً ؛ لأنّ الطبيعة ليست طبيعة بالحمل الشائع إلاّ بالوجود ، وبالأخرة يتعلّق التكاليف بأفعال المكلّفين ، سمّى إيجاد الطبيعة أو تحصيلها .

فما قال في جملة من كلامه : إنّ التكليف لو تعلّق بحاصل المصدر فكذا ، ليس على ما ينبغي ؛ لأنّ حاصل المصدر ليس مورد تعلّق التكاليف .

كما أنّ الإجارة في الأعمال تتعلّق بأعمال المؤجر لا بحاصل المصدر واسمه ، فإنّه مع قطع الإضافة عن الفاعل ليس قابلاً للاستئجار ؛ لكونه مستقلاًّ غير مربوط بالفاعل .

مع أنّ الإشكال في المقام هو قيام الضرورة والسيرة على الاستئجار بالنحو المتعارف في الواجبات النظامية ، ولا معنى لتصحيح أمر متخيّل غير منطبق على ما في يد المسلمين والجامعة البشرية . ومن الواضح أنّ الإجارة وقعت حيثما وقعت وتقع على الأعمال بالمعاني المصدرية ، فيستأجر الخيّاط ليخيط له ، والصبّاغ ليصبغ وهكذا . فحاصل المصادر ونتائج الأعمال وآثارها كلّها خارجة عن محطّ الإجارة ، وهو واضح جدّاً .

وأمّا مالية الأعمال كمالية حاصل المصادر ونتائج الأعمال فليست ذاتية ، بل يعتبرها العقلاء باعتبار تعلّق الأغراض العقلائية بها ، فالأعمال بالمعنى المصدري أموال لتعلّق الرغبات والأغراض بها .

وإن شئت قلت : إنّ في الأعمال كالخياطة والنجارة وغيرهما اُموراً ثلاثة : المصدر ، وحاصله - وهما متّحدان وجوداً ومختلفان اعتباراً - والأثر المرتّب عليه المعلول له . والأوّلان موجودان متصرّمان متقضّيان لا بقاء لهما إلاّ بالاعتبار في بعض الأحيان ، والثالث ربّما يكون من الموجودات القارّة الباقية .

ص: 336

فما وقع لدى العقلاء مورد الإجارة هو الشخص باعتبار عمله بالمعنى المصدري ، ومفاد الإجارة أو لازمها انتقال عمل المؤجر إلى المستأجر ؛ أي عمله بالمعنى المصدري ، وهذا بعينه متعلّق التكليف ، سواء كان الشيء من النظاميات أو غيرها ، أو من قبيل القضاء أو غيره . فالواجب على القاضي الحكم والقضاء بالمعنى المصدري ، وهو الفاصل للخصومة ، أو الواجب فصلها ، وكلاهما فعلان اختياريان ، لكن الأوّل بلا وسط والثاني مع الوسط .

وأمّا حاصل المصدر ونتائج الأعمال ؛ أي آثارها فلم يقعا مورد الإجارة ، بل لا معنى له ، كما هو واضح .

وأمّا المالية فلا يعقل أن تكون في اسم المصدر لا في المصدر ؛ فإنّها قائمة اعتباراً بالأشياء في الوجود الخارجي أو بلحاظه ، والفرض أنّ المصدر واسمه شيء واحد خارجاً وحقيقةً ، فكيف يعقل أن يكون الشيء الواحد مالاً وغير مال في ظرف وحدته ، فكأ نّه وقع الخلط بين المصدر واسمه وبين العمل وأثره .

ثمّ لو سلّمنا ما ذكره كان لازمه تصحيح إجارة مطلق الواجبات ، نظامية كانت أو غيرها ؛ ضرورة أنّ التكاليف الشرعية متعلّقة بأعمال المكلّفين بالمعنى المصدري ، ولو قيل بصحّة تعلّقها بحاصل المصدر لكنّه يحتاج إلى دليل وإلاّ فظاهر الأدلّة ما ذكر .

فحينئذٍ مورد تعلّق التكليف غير مورد تعلّق الإجارة ؛ لأنّ موردها بزعمه هو حاصل المصدر أو نتيجة العمل ، وهما غير متعلّقين للتكليف . فلو فرض أن يكون شيء منها متعلّقاً لغرض العقلاء لابدّ من القول بصحّة

ص: 337

الإجارة عليه . وحديث عدم الحصول للمستأجر قد مرّ ما فيه ، بل لازم كلامه أن يكون الاستئجار للمحرّمات صحيحة لولا دليل آخر غير ما تشبّث به ، فتدبّر .

وبما مرّ من البيان تظهر الخدشة في وجه افتراقه بين التكليف في باب الخمس والزكاة وبين التكليف في باب المخمصة ؛ بأنّ في الأوّل تعلّق بالملك وفي الثاني بالإعطاء ؛ لما مرّ من عدم معنىً لتعلّقه بغير أعمال المكلّفين ، ففي قوله تعالى : )آتَوُا الزَّكَوةَ((1) كقوله : )أَقِيمُوا الصَّلَوةَ((2) تعلّق التكليف بالإيتاء والإقامة بالمعنى المصدري .

فمتعلّق التكليف في باب الزكاة والخمس وباب الإعطاء في المخمصة شيء واحد ، والاختلاف بينهما في أمر آخر ، وهو أنّ ما وراء التكليف في باب الزكاة والخمس يكون اعتباران آخران :

أحدهما : جعل عشر الأموال الزكوية وخمس الغنائم لأربابهما بنحو الإشاعة ، كما هو الأقوى ، أو بغيره ، أو بنحو جعل الحقّ كما قيل(3) .

وثانيهما : اعتبار العهدة والدينية في نفس التكليف على الظاهر ، ولهذا لا يصحّ بيعهما ولا يصحّ أخذ الاُجرة على إعطائهما ، ولم يعتبر شيء منهما في باب المخمصة فيصحّ بيع المال من المضطرّ والإعطاء بضمان ، بل لا يبعد صحّة أخذ الأجر على الإعطاء على إشكال .

ص: 338


1- البقرة (2) : 277 .
2- الروم (30) : 31 .
3- مستند الشيعة 9 : 221 .

جواب الشيخ الأعظم عن الإشكال في الواجبات النظامية

ومنها : ما أفاده الشيخ الأنصاري قدّس سرّه من التفصيل بين الواجب العيني وبين الواجب الكفائي(1) ، فمنع أخذ الاُجرة على الأوّل دون الثاني ، وجعل من الثاني أخذ الطبيب الاُجرة على حضوره عند المريض إذا تعيّن عليه علاجه ، فإنّ العلاج وإن كان معيّناً عليه إلاّ أنّ الجمع بينه وبين المريض مقدّمة للعلاج واجب كفائي عليه وعلى أوليائه ، ومن الأوّل أخذها على بيان الدواء إذا تعيّن عليه فلا يجوز .

وأنت خبير : بأنّ ما ذكره ليس حلاًّ للإشكال الذي وقعنا فيه من أنّ الشهرة والسيرة على جوازه في الواجبات النظامية مطلقاً من غير تفصيل بين التعيّن بالعرض وغيره ؛ ضرورة أنّ بناء العرف من المتشرّعة وغيرهم على أخذ الاُجرة وإعطائها بإزاء الطبابة والعلاج لا على محض الحضور . نعم ، مع حضوره عند المريض يتزايد الأجر .

إن قلت : إنّ السيرة مستقرّة في الواجبات الكفائية ؛ ضرورة أنّ النظام قائم فعلاً ، والقائم بأمره لا ينحصر حتّى يتعيّن عليه ، والطبيب غير منحصر فلا يتعيّن عليه .

قلت : كلاّ ، فإنّ في هذا العصر الذي كثر فيه الأطبّاء كثرة مدهشة لا يكون في غالب القرى وكثير من صغار البلاد إلاّ طبيب واحد أو كحّال كذلك ، وكذا سائر من قام به النظام ، وكثيراً ما يتعيّن على الطبيب العلاج ، ولا يمكن للمريض

ص: 339


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 141 - 142 .

وأوليائه الإرجاع إلى الخارج ولا إحضار الطبيب منه ، ومع ذلك لا يختلج في ذهن أحد من المسلمين إلاّ من شذّ ممّن له حظّ من العلم عدم جواز أخذ الأجر على طبابته ، بل لو تفوّه أحد بذلك يعدّ من المنكَر .

هذا حال عصرنا ، فكيف بسائر الأعصار الغابرة التي قلّ فيها الطبيب فضلاً عن المتخصّص ، وكذا الحال في سائر ما يحتاج قيام النظام إليه .

والإنصاف أنّ ما ذكره قدّس سرّه مجرّد تصوّر غير مطابق للواقع ولا دافع للإشكال .

لكن مع الغضّ عنه لا يرد عليه ما أورد عليه بعض أهل التحقيق : من أنّ المتعيّن على الطبيب إن كان الطبابة فلا يعقل أن تكون مقدّماتها واجباً كفائياً ؛ ضرورة أنّ المقدّمة تابعة لذيها فلا يعقل وجوب ذي المقدّمة تعيّناً على أحد ووجوب مقدّماتها كفائياً .

وإن كان الواجب العلاج فيجب على الطبيب بإعلام الدواء وعلى الأولياء بالاستعلام ، فهنا واجبان تعيّنيان ، ولكلٍّ مقدّمات تجب تعيّناً عليه ، فلا وجوب كفائياً (1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : أنّ الواجب النفسي في المثال حفظ النفس ، وهو واجب كفائي وله مقدّمات ، منها العلاج ؛ أي بيان الدواء ، وهو متعيّن على الطبيب كما صرّح هو به في أسطر قبل ذلك ، وعليه لو قلنا بأنّ الوجوب المقدّمي مترشّح من ذي المقدّمة على جميع المقدّمات الطولية والعرضية ؛ أي المقدّمات ومقدّمات المقدّمات في عرض واحد ؛ لأنّ الملاك متحقّق في كلّها ، فلا يلزم من تعيّن بعض المقدّمات

ص: 340


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 214 .

على بعض المكلّفين تعيّن مقدّمات مقدّماتها عليه . فإذا وجب حفظ النفس وجوباً مطلقاً على جميع المكلّفين كفاية ، اجتماعاً أو انفراداً ، ترشّح منه على مبنى القوم وجوب مقدّمي على جميع المقدّمات كالعلاج ومقدّماته وهكذا ، ومع تعيّن بعض المقدّمات على بعض عقلاً لعجز غيره لا ت-تعيّن مقدّمات اُخرى عليه ، سواء كانت مقدّمات بلا وسط أو معه .

نعم ، لو قلنا بأنّ ترشّح الوجوب من ذي المقدّمة إلى المقدّمات طولاً بمعنى أنّ الوجوب مترشّح منه إلى المقدّمة بلا وسط ، ومن المقدّمة إلى مقدّمتها وهكذا ، ويكون الوجوب المقدّمي في مقدّمة المقدّمة تابعاً للمقدّمة في الكفائية والتعيّنية ،

لكان للإشكال وجه ، لكن المبنى غير وجيه .

هذا على مسلك القوم من ترشّحية وجوب المقدّمة عن ذيها قهراً ، وعلّية وجوبه لوجوبها .

ولكن على مذهبنا من أنّ الوجوب المقدّمي على فرضه مجعول اختياري متوقّف على مقدّمات ومبادئ كوجوب ذي المقدّمة(1) يقع الكلام على طور آخر ، ولعلّ لازمه عدم لزوم تبعيّة وجوب المقدّمة لذيها في بعض الأطوار.

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري تعرّض لنقوض اُخر غير الطبابة ، بعضها مربوط بالمقام وبعضها بالتعبّديات :

منها : جواز أخذ الوصيّ الاُجرة على تولّي أموال الطفل الموصى عليه حتّى فيما تعيّن عليه العمل ، فأجاب عنه سابقاً بأ نّه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع

ص: 341


1- مناهج الوصول 1 : 261 .

بجواز أخذ الاُجرة بعد العمل عليه كما أجاز للوصيّ أخذ اُجرة المثل أو مقدار

الكفاية ؛ لأنّ هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة(1) .

وقال في المقام : «وأمّا أخذ الوصيّ الاُجرة على تولّي أموال الطفل فمن جهة

الإجماع والنصوص المستفيضة على أنّ له أن يأخذ شيئاً ، وإنّما وقع الخلاف في تعيينه ، فذهب جماعة إلى أنّ له اُجرة المثل حملاً للأخبار على ذلك ، ولأ نّه إذا فرض احترام عمله بالنصّ والإجماع فلا بدّ من كون العوض اُجرة المثل . وبالجملة : فملاحظة النصوص والفتاوى في تلك المسألة ترشد إلى خروجها عمّا نحن فيه»(2) ، انتهى .

أقول : توهّم بعضهم(3) المناقضة بين هذا ودليله السابق ، فإنّ مبنى السابق

على أ نّه حكم شرعي لا من باب العوض ، واعترف في المقام باحترام عمله بالنصّ والإجماع ، فالعوض اُجرة عمله ، بل هو مناقض لأصل دليله على حرمة أخذ الأجر على الواجبات حيث تمسّك بعدم حرمة العمل المتعلّق للوجوب .

ويندفع بأنّ ما اعترف به هو قيام الإجماع والنصوص على أصل الأخذ ، وأمّا كونه على وجه اُجرة المثل فلم يعترف به ، بل حكاه عن جماعة في تعيين مقداره وأنّ له اُجرة المثل ؛ للأخبار ولاحترام عمله ، ولم يظهر ارتضاؤه بذلك ، بل قوله : «وبالجملة فملاحظة النصوص . . .» ظاهر في أنّ مدّعاه خروجها تخصّصاً لا تخصيصاً ، فيرجع هذا إلى ما سبق منه .

ص: 342


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 141 - 142 .
3- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 215 .

هذا ، ولكن الشأن في أنّ الشارع المقدّس إن جعل الأجر بإزاء عمله فقد أذن في أكل المال بالباطل ، وهو لا يلتزم به .

والقول بأ نّه أجاز الأخذ مجّاناً وبلا عوض وبلا لحاظ عمله خلاف الضرورة ، مع أ نّه أيضاً من قبيل إجازة أكل المال بالباطل .

وقد تصدّى بعض المحقّقين لدفعه بما حاصله : «أنّ المقصود نفي اعتبار المعاوضة المالكية بين عمل الوصيّ بعد وجوبه عليه وبين ما رخّص في أكله من مال الصغير ، بل اعتبار العوضية إنّما هو في نظر الشارع قبل وجوبه . والوجوب والرخصة متفرّعان عليه ، فاعتبار العوضية قبل تعلّق الوجوب ، وبهذا اللحاظ ليس أكلاً للباطل»(1) .

وفيه : أنّ اعتبار العوضية لشيء يكون في ظرف تحقّقه مسلوب المالية أكل للمال بالباطل ، وماليته قبل تعلّق الوجوب عليه ، مع الإشكال فيها كما يأتي ، وكذا صالحيته لها في نفسه لا تصحّح العوضية ولا يدفع بها الإشكال .

وبالجملة : أنّ الترخيص في أخذ المال إن كان بلا عوض ومجّاناً وعلى صرف التعبّد فهو مع كونه خلاف القطع مرجعه إلى الإذن في أكل المال بالباطل ، وإن كان بلحاظ العمل الخارجي فالمفروض أ نّه خارج عن المالية بالإيجاب ، وإن كان بلحاظ العمل تعلّق الوجوب فهو غير متحقّق ولا يكون مالاً قبل تحقّقه ؛ لكون المفروض أنّ في ظرف تحقّقه لا مالية له ، وما كان كذلك لا يعقل اعتبار ماليته قبل تحقّقه .

ص: 343


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 156 .

والإنصاف أنّ الوجه المذكور مع إعمال الدقّة فيه لا يفي بدفع الإشكال ، مع أنّ ظاهر الفتاوى والمتفاهم من النصوص عرفاً هو جواز الأخذ في مقابل العمل وإن اختلفوا في أنّ مقدار المأخوذ هل هو اُجرة المثل أو قدر كفايته أو أقلّ الأمرين .

والتوجيه المتقدّم على فرض صحّته في نفسه لا يدفع الإشكال ولا ينطبق على الواقع ، كالتوجيه الآخر لبعض أهل التحقيق(1) ، وهو أنّ الشارع اعتبر استحقاق الصغير بعمل الوصيّ بعوض، فلا عوض على الواجب، بل إيجاب العمل منبعث عن استحقاق الصغير له ، فهو من باب وجوب أداء ما يستحقّه الغير .

وأنت خبير : بأنّ هذه التكلّفات والوجوه الاختراعية المخالفة للنصوص والفتاوى إنّما يتشبّث بها إذا ألجأنا دليل عقلي قاطع على ارتكابها . وقد تقدّم أنّ

طريق التخلّص عن الإشكال المتقدّم لا ينحصر بما ذكره الشيخ ؛ للوجه الذي قدّمناه في مبنى حرمة أخذ الأجر على الواجبات(2) ، ومعه لا يستكشف اعتبار الشارع لذلك الذي ادّعاه الموجِّه المتقدّم في خلال كلامه ، مع بعض مناقضات فيه أغمضنا عنه مخافة التطويل . فتحصّل ممّا مرّ أنّ دفاع الشيخ الأعظم غير دافع .

ومنها : وجوب بذل العوض على المضطرّ ، فقد أجاب عنه الشيخ بأنّ العوض للمبذول لا للبذل(3) .

ص: 344


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 215 .
2- تقدّم في الصفحة 325 - 327 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 142 .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ المضطرّ ربّما يضطرّ إلى عمل من الغير ولا أظنّ بالتزامهم على عدم جواز أخذ الأجر معه - أنّ مقتضى دليله وهو أنّ جواز الاستيفاء قهراً وعلى رغمه يوجب سلب احترام عمله ، مسلوبية احترام مال يقهر المالك على إتلافه ، بل قد يكون الإلجاء والاضطرار مؤدّياً إلى أن يكون المالك مباشراً لإتلافه ، كما لو اضطرّ إلى طلي دواء لا يتمكّن منه إلاّ مالكه فيلزم

ويقهر على الطلي والإتلاف ولا أظنّ بأحد الالتزام بالمجّانية .

فما في تعليقة بعض المحقّقين من إبداء الفرق بين الأعمال والأعيان(1) ، غير وجيه .

ومنه يظهر الكلام في جواز أخذ الاُمّ المرضعة اُجرة إرضاع اللبأ إذا وجب عليها دفعاً وإشكالاً .

ومنها : أخذ الأجر على العمل العبادي النيابي ، فإنّ أخذه لو كان منافياً للإخلاص لكانت العبادات الاستئجارية على وجه النيابة باطلة والاستئجار عليها باطلاً ، والنصّ والفتوى متطابقان على صحّتها وصحّته ، فلا بدّ من الالتزام بعدم المنافاة .

ولقد تصدّى الشيخ الأعظم لدفع الإشكال وإبداء الفرق بين المقامين(2) .

ص: 345


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 156 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 .

تصحيح العبادات الاستئجارية

اشارة

في ماهية النيابة

ولا بأس بالإشارة إلى ماهية النيابة في اعتبار العقلاء قبل التعرّض لدفاع الشيخ ؛ ليتّضح ما يمكن أن يكون فارقاً بين المقامين :

فنقول : الظاهر اختلاف ماهية الوكالة والنيابة في اعتبار العقلاء ، فإنّ الوكالة عبارة عن تفويض أمر إلى الغير وإيكاله إليه ، من غير اعتبار كون الوكيل نازلاً منزلته في الاعتبار أو عمله نازلاً منزلة عمله ، وانتساب العمل إلى الموكّل باعتبار كونه فعلاً تسبيبياً له .

ففي الوكالة يكون الوكيل والموكّل ممتازين في عالم الاعتبار ، والفعل صادر مباشرة من الوكيل ، وتسبيباً من الموكّل . وليست الوكالة في العباديات ، فلا تصحّ في الحجّ والصلاة وغيرهما ممّا هي أفعال عبادي مباشري ، ونظيرها في العرف حضور أعيان المملكة في الأعياد لدى السلطان للسلام ، فإنّه مع عذر بعضهم عن الحضور يقبل ذلك النيابة لا الوكالة لدى العقلاء وهو دليل على اختلافهما .

وأمّا النيابة في العمل :

احتمال كون النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه

فيحتمل تصوّراً أن تكون عبارة عن تنزيل شخص نفسه منزلة غيره فيه ؛ بمعنى تبديل شخصية النائب بشخصية المنوب عنه في صقع الاعتبار ، فتكون مبنيّة على إنساء النائب وإفنائه وتحوّل وجوده بوجود المنوب عنه .

ص: 346

كما في باب الاستعارة على المذهب الحقّ(1) ؛ من كون بنائها على تناسي التشبيه والمشبّه والمشبّه به ، بل مبنيّة على دعوى كون شخص أسداً حقيقة ، فيحسن إثبات لوازم الأسد له ونفي لوازم غيره عنه .

وله أشباه في العرف ، كمجالس الشبيه والعزاء المعروفة في بعض البلاد ، فصار شخص شمراً وآخر ابن زياد إلى غير ذلك ، فإنّ في تلك الصحنة تتبدّل الأشخاص بشخصيات اُخر ، فهي مبنيّة على تناسي الشخصيات الحقيقية . ولها نظائر اُخر في مجالس اللهو سيّما في هذه الأعصار .

فحينئذٍ يكون ما صدر منه منتسباً إلى الشخصية الثانية ؛ أي المنوب عنه ومسلوبة عن الاُولى ، فلو كانت النيابة في الأعمال كذلك لا يعقل أن يقع الأجر في مقابل العمل ، فإنّ صقع إتيانه صقع فناء النائب ووجود المنوب عنه فقط والعمل عمله ولا معنى للأجر في عمل المنوب عنه .

وفي هذا الاعتبار لا يكون للعمل اعتباران ، فإنّ النائب وعمله منسيّان ، فالنائب هو المنوب عنه ليس إلاّ والعمل عمله ليس إلاّ .

فالاُجرة في هذا الاعتبار تقع بإزاء تنزيل النائب شخصه منزلة المنوب عنه وتبديل نفسه باُخرى في عمل ، فصقع العمل ليس صقع اعتبار الاُجرة ؛ إذ العمل عمل المنوب عنه فلا أجر له في عمل نفسه لنفسه .

فبقي إشكالان :

أحدهما : أنّ الأجر إن كان بإزاء التنزيل لابدّ من استحقاقه بمجرّد التنزيل

ص: 347


1- مناهج الوصول 1 : 62 .

الذي هو أمر اعتباري وبناء قلبي ، وإن كان بإزاء التنزيل والعمل يعود الإشكال

وينهدم هذا الأساس ، وكذا إن كان بإزاء التنزيل المقيّد بالعمل .

والجواب : أنّ الأجر بإزاء التنزيل في العمل ، وهو وإن لم يتحقّق إلاّ بالعمل ويتوقّف تحقّقه عليه لكن لا يكون العمل جزءاً أو قيداً له ، نظير أن يقع أجر على إرادة ضرب زيد بناءً على عدم انفكاكها عن المراد خارجاً ، فإنّ ذلك لا يوجب أن يكون الأجر بإزاء الضرب جزءاً أو قيداً .

ففرق بين جعل شيء جزءاً أو قيداً للمستأجر فيه ، وبين توقّف تحقّقه عليه . فما نحن فيه على فرض كون النيابة هي ما تقدّم بيانها لا محيص عن كونه من قبيل الثاني ؛ لعدم الجمع بين اعتبار النيابة بما ذكر ، وبين كون العمل جزءاً أو قيداً ؛ لأنّ اعتبار الجزئية والقيدية اعتبار كون العمل للمؤجر والنائب ، وهو مضادّ

لاعتبار النيابة .

وإن شئت قلت : إنّ العمل مترتّب على التنزيل ومتأخّر عنه رتبة فلا يعقل تقيّده به ؛ للزوم صيرورة المتأخّرعن الشيء في رتبته ،تأمّل .

أو قلت : إنّ النيابة مبنيّة على التناسي فرضاً والتقيّد المذكور مبنيّ على تذكّر العمل وهما متنافيان فالأجر في مقابل التنزيل غير المنفكّ من العمل .

وهذا بوجه نظير قوله : «نيّة المؤمن خير من عمله»(1) بناءً على كون المراد منه أنّ العمل الموجود بنيّة أحد الجزئين التحليليين منه خير من جزئه الآخر ، حتّى لا يرد عليه الإشكال المعروف ، فكما أنّ الخيرية للنيّة الملازمة للعمل من

ص: 348


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 6 ، الحديث 3 و15 .

غير دخالة العمل في موضوع الأفضلية لعدم تعقّل دخالته ، كذلك في المقام يكون الأجر بإزاء النيابة في العمل غير المنفكّة عنه وغير المتقيّدة به .

ثانيهما : أنّ الإخلاص لو كان معتبراً في العمل طولاً وعرضاً فلا شبهة في بطلان هذا العمل ؛ لأنّ أخذ الأجر محرّك الفاعل حقيقة في إتيان العمل ؛ ضرورة أ نّه لولا الأجر لما نزّل نفسه منزلته ولولا التنزيل في العمل لما عمل ، فالعمل مستند إلى الأجر بالأخرة .

والجواب بالفرق بين كون شيء غاية لعمل أو غاية للعمل المغيّى كباب الداعي على الداعي على ما تقدّم(1) وبين كون شيء متوقّفاً عليه من غير غائيته له .

مثلاً : لو استأجره للمسافرة يكون السفر لأجل الاُجرة ، ولازمه إتيان الصلاة قصراً ، فيصحّ أن يقال : لولا الاُجرة لما صلّى قصراً ؛ لأنّ القصر لأجل السفر والسفر للاُجرة .

لكن ليس هذا من قبيل ترتّب ذي الغاية على غايته ، بل من قبيل كون شيء من آثار المغيّى وأحكامه .

ففي ما نحن فيه لم يجعل الأجر في مقابل العمل النيابي على ما تقدّم من أنّ العمل عمل المنوب عنه ، ولا يعقل فيه الأجر في اُفق الاعتبار ، فلا يمكن أن يكون الأجر في سلسلة غاياته .

نعم ، لولا الأجر لما صار النائب منوباً عنه ولا ت-تبدّل شخصيته بشخصيته ، ولولا ذلك لما عمل .

ص: 349


1- تقدّم في الصفحة 293 .

وبالجملة : مع التحفّظ على الاعتبار المتقدّم وعدم الخلط تندفع الإشكالات .

إن قلت : إنّ ما ذكرت من الأمثلة اُمور تكوينية واقعية ، فأين هي من المورد الذي من الاعتباريات والتنزيليات ؟ فالمحرّك الواقعي ليس التنزيل والدعوى ، بل أمر واقعي هو الأجر .

قلت : بل المحرّك على هذا الفرض هو التنزيل وتبديل الشخصية بناءً وذهناً ، ولا شبهة في مؤثّريته ومبدئيته للإرادة والأعمال أحياناً . ألا ترى أنّ من نزّل نفسه منزلة السلطان لعباً ولهواً يؤثّر ذلك في نفسه بحيث يعمل أعماله ، بل ربّما يحصل في نفسه نحو تجبّر وتبختر وليس ذلك إلاّ لكون هذا التنزيل والبناء مؤثّراً في النفوس وصيرورته مبدأً للإرادة ، بل مبدؤها ليست الاُمور الخارجية وإنّما هو اُمور ذهنية وإدراكات نفسانية وربّما تكون أمثال ما ذكر مؤثّرة في النفس ومبدأً للإرادة والتحريك مع الغفلة والذهول عن الأجر رأساً .

وبالجملة : بعد ما عرفت من عدم إمكان الجمع بين كون النيابة ما ذكرت وبين وقوع الأجر بإزاء العمل لا محيص عن الالتزام ببعض ما ذكرناه .

وممّا ذكرناه يظهر الخلط في كلمات الشيخ الأعظم(1) ، حيث إنّه مع جعل اعتبار النيابة تنزيل الشخص منزلة المنوب عنه خلط في لوازمه وجعل للعمل الخارجي عنوانين : أحدهما : كونه فعل النائب ، والآخر : فعل المنوب عنه ، مع أنّ لازم هذا الاعتبار عدم انتساب الفعل إلى النائب بوجه كما مرّ .

فقوله : «فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب» يناقض

ص: 350


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 146 .

في اُفق الاعتبار لقوله : «وفعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب ؛ يعني تنزيل نفسه

منزلة المنوب عنه»(1) .

فإنّ فعل النائب ليس إلاّ عملاً قلبياً واعتباراً وادّعاءً ، نظير الحقائق الادّعائية

لكنّه ملازم أو موقوف في التحقّق الخارجي على العمل الخارجي . فالنيابة على هذا المبنى ليست من الأعمال الخارجية ولا يمكن أن يكون العمل الخارجي فعلاً للنائب بعد التنزيل . وما ذكره رحمه الله علیه مضافاً إلى مخالفته للاعتبار المتقدّم مستلزم لورود الإشكال السابق عليه ، كما يأتي بيانه .

ثمّ لو قلنا بأنّ حقيقة النيابة هي تنزيل الشخص مقام الشخص يمكن دفع بعض إشكالات اُخر عن النيابة في العبادات :

منها :(2) أنّ النائب لا أمر له بالنسبة إلى العمل ، والأمر متوجّه إلى

المنوب عنه حقيقة .

أمّا الأمر الحقيقي فواضح ؛ ضرورة أنّ الإضافات تشخّصها بتشخّص أطرافها فيستحيل خروجها من حدّ إلى حدّ ، فلا يمكن أن يتخطّئ الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه منه إلى نائبه ، ومعه لا يمكن انبعاثه ؛ لعدم تعقّل الانبعاث عن الأمر المتوجّه إلى الغير.

وأمّا الانتساب الاعتباري التنزيلي بلحاظ تنزيل النائب منزلة المنوب عنه فلا يفيد ؛ لأنّ الانبعاث حقيقة لا يمكن إلاّ عن البعث الحقيقي ، فمجرّد التنزيل الاعتباري الادّعائي لا يوجب توجّه الأمر إليه حقيقةً ، والتوجّه

ص: 351


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 146 .
2- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 229 .

الادّعائي لا يمكن أن يصير باعثاً حقيقة .

ويندفع بأنّ حقيقة النيابة إذا كانت لدى العقلاء ما تقدّمت(1) ، وقد أمضاها الشارع وأنفذها بالأخبار المتظافرة ، كروايات ابن مسلم ، وابن أبي يعفور ، والبزنطي ، وصفوان بن يحيى عن الصادق والرضا علیهما السلام : «أ نّه يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن»(2) ممّا هي ظاهرة في صحّة النيابة وجوازها ، يستكشف منهما ؛ أي من الأخبار الممضية ومن فرض كونها ما تقدّمت ، التوسعة في الأدلّة الواقعية من حيث توجّه التكليف إلى الوجود التنزيلي توسعة حقيقية بمقدار سعة دائرة الإمضاء والإنفاذ .

ففي الحجّ لولا دليل النيابة قلنا بلزومه على المستطيع مباشرة ، ومع عجزه لا يقوم غيره مقامه ، لكن بعد قيام الدليل بجوازها حيّاً في حال عجزه(3) وميّتاً(4) نستكشف بسقوطه عنه بالإتيان الأعمّ بوجوده التنزيلي ويستكشفُ منه توجّه التكليف بأعمّ .

لا يقال : لازم ذلك وجوبه على المتبرّع إذا نزّل نفسه منزلته .

فإنّه يقال : نعم ، يجب عليه بما أ نّه المنوب عنه ما دام تنزيله ، ولهذا يجب عليه نيّة الوجوب لكن لا يجب عليه التنزيل ولا إدامته .

ص: 352


1- تقدّمت في الصفحة 346 .
2- وسائل الشيعة 8 : 281 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 ، الحديث 23 ، 19 ، 21 وذيل الحديث 19 .
3- راجع وسائل الشيعة 11 : 63 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ، الباب 24 .
4- راجع وسائل الشيعة 11: 71، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 28.

نعم ، لو آجر نفسه للنيابة يجب عليه الوفاء بالإجارة بتنزيل نفسه منزلته في العمل ، ومعه ينوي الوجوب إن وجب على المنوب عنه ، ولو تركه يعاقب على ترك العمل بالإجارة إذا قلنا بوجوب الوفاء بالعقود ، ولا يعاقب على ترك الحجّ؛ لأنّ التكليف متوجّه إلى المنوب عنه لا النائب . وتوجّهه عليه بعد التنزيل توجّه إلى المنوب عنه أيضاً بوجوده التنزيلي ، فمع إتيانه سقط عنه ؛ لإتيانه بوجوده التنزيلي ، ومع تركه بقي على ذمّة المنوب عنه لا النائب .

وبالجملة : لازم أدلّة النيابة توسعة التكليف إلى الوجود التنزيلي ، وهذه توسعة حقيقية ببركة التحكيم والتعبّد ، كما قلنا بنظيرها في باب الإجزاء في المأتيّ به بالتكليف الظاهري ، حيث قلنا بأنّ مقتضى ظواهر الأدلّة الأوّلية كقوله :

«لا صلاة إلاّ بطهور»(1) وإن كان اشتراط الصلاة مثلاً بالطهارة الواقعية لكن بعد تحكيم قوله : «كلّ شيء طاهر»(2) على أدلّة الشروط صارت النتيجة توسعة دائرة الشرط إلى الطهارة الظاهرية ، فالصلاة المأتيّ بها بالطهارة الظاهرية مصداق حقيقي للصلاة ببركة التعبّد والتوسعة المستكشفة بدليل الأصل(3) .

ففي المقام يكون توجّه التكليف إلى الوجود التنزيلي حقيقياً ببركة استكشاف التوسعة من الأدلّة ، فيكون الانبعاث عن البعث .

مع إمكان أن يجاب في المقام بوجه آخر غير مبنيّ على ما ذكرناه ،

ص: 353


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 و6 .
2- المقنع : 15 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 583 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 4 .
3- مناهج الوصول 1 : 255 .

ومحصّله : عدم الاحتياج إلى توجّه الأمر إلى الآتي بها بعد قيام الدليل على سقوطها عن عهدة المنوب عنه بإتيان النائب ، نظير أداء دين الغير تبرّعاً ، غاية الأمر يقصد في المقام التقرّب والتعبّدية .

وممّا ذكرناه يظهر الجواب عن إشكال آخر(1) ، وهو أ نّه كيف يمكن تقرّب المنوب عنه بعمل النائب ؟ فإنّ القرب المعنوي كالحسّي ، فكما أنّ قرب شخص من آخر مكاناً لا يوجب قرب غيره فكذلك في القرب المعنوي .

وفيه : أنّ القرب المعتبر في العبادة لو كان من الحقائق الواقعية كالكمالات الروحانية من حصول نحو تنزّه وتجرّد عن المادّة لكان حصولها للمنوب عنه بفعل النائب ممتنعاً لكن لا يعتبر ذلك فيها جزماً . وأمّا القرب الاعتباري وسقوط الأمر أو سقوط المكلّف به عن عهدته بفعل الغير بمكان من الإمكان . ويستكشف ذلك كلّه من أدلّة النيابة ، فالنائب يأتي بالفعل بما أ نّه منوب عنه فيحصل قرب المنوب عنه لا قرب نفسه ، ولا وجه لحصول القرب له في العمل عن غيره اللهمّ إلاّ تفضّلاً ، فهذا القرب الاعتباري لا مانع من حصوله مع قصد تحصيله للغير ، كما أنّ سقوط التكليف أو المكلّف به ممكن ، فقياس القرب في المقام بالقرب الحسّي مع الفارق .

مضافاً إلى أنّ اعتبار نيّة التقرّب أو حصول القرب في العبادات غير ظاهر ؛ إذ لا دليل عليه ، فلا يعتبر فيها إلاّ الإخلاص وكونها للّه تعالى ، ومعه يسقط التكليف

أو المكلّف به عن عهدة المنوب عنه ، وهذا موجب لامتيازه عن غيره ممّن

ص: 354


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 233 .

يشتغل ذمّته ، ويمكن أن يصير ذلك موجباً للتفضّل عليه بإعطاء الثواب أو سقوط العقاب عنه .

بل يمكن أن يقال : إنّ عمل النائب عن المنوب عنه يوجب وصول صورة عمله البهيّة إليه ، كما ورد في بعض الروايات : «يدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والدعاء»(1) .

احتمال كون النيابة تنزيل العمل لا تنزيل الشخص

ويحتمل أن تكون النيابة في اعتبار العقلاء عبارة عن تنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه :

إمّا بأن يوجد العمل نازلاً منزلته ويكون بنفس وجوده عملاً للمنوب عنه فلا يكون منتسباً إلى النائب في وعاء الاعتبار بوجه ، فيكون الاُجرة للتنزيل لا للعمل .

وإمّا أن يكون التنزيل بعد تحقّق العمل ، فيكون عند وجوده عملاً للنائب وبالتنزيل للمنوب عنه .

فعلى الأوّل تندفع الإشكالات المتقدّمة بنحو ما مرّ ، بل لا يرد على هذا الفرض إشكال استحقاق الاُجرة بنفس التنزيل ، فإنّ التنزيل هاهنا تنزيل العمل فلا يمكن تحقّقه بغيره .

وإشكال المنافاة للإخلاص مندفع بأنّ الأجر في مقابل التنزيل وهو

ص: 355


1- وسائل الشيعة 8 : 279 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 ، الحديث 10 .

غير العمل وإن كان موقوفاً عليه ، بل يظهر ممّا تقدّم عدم إمكان كون الأجر

مقابل العمل في الفرض أيضاً ؛ لأنّ اعتبار تحقّق العمل عملاً للمنوب عنه ينافي اعتبار الأجر المتقوّم بكون العمل عملاً للأجير فلا يعقل الجمع بين الاعتبارين فلا يعقل أن يكون الأجر بإزاء العمل ، وقد مرّ أنّ التوقّف غير الغائية(1) .

وهذا بوجه نظير إعطاء الأجر للإفطار بالتمر مثلاً ، فإنّ ذلك الأجر لا يعقل أن يقع بإزاء الصوم ولو قيداً ؛ لأ نّه بإزاء ما يبطله أو ينتهي إليه . فالصوم لا يكون

بإزاء الأجر ، ولو توقّف تحقّق استحقاق الأجر بتحقّق الصوم فلا يكون الأجر له ولا غاية له ، ومجرّد التوقّف غير مضرّ.

وأمّا مطالبة الأمر في المقام للانبعاث ببعثه فقد تقدّم أ نّه لا تتوقّف صحّة العبادة على الأمر . ففي المقام لمّا فرض كون النيابة عبارة عن قيام العمل مقام عمل المنوب عنه عرفاً فمنه ومن دليل تنفيذ النيابة يعلم أنّ العمل النيابي موجب لسقوطه عن ذمّة الميّت ، فيصير ذلك موجباً لانبعاث المتبرّع إلى الإتيان عن جدّ ، كما يستكشف منها صحّة الإجارة للنيابة وقد مرّ إمكان حصول التقرّب له .

وعلى الثاني أيضاً يمكن دفع الإشكالات : أمّا أوّلها فبما مرّ .

وأمّا قضيّة الإخلاص فكذلك ، بأن يقال : إنّ الاُجرة على جعل العمل منزلة عمل المنوب عنه لا على ذاته ، نظير أخذ الأجر على إتيان عمل عبادي في مكان كذا ، فإنّ جعله فيه ليس عبادياً معتبراً فيه الإخلاص .

ص: 356


1- تقدّم في الصفحة 349 .

إلاّ أن يقال : بالفرق بين ما كان ذات العمل مطلوباً متعلّقاً للأمر ، فيكون القصد إلى إتيانه خالصاً وجعله في مكان خاصّ غير عبادي يصحّ أخذ الأجر عليه ، وبين ما لا يكون العمل مطلوباً كالمقام ، حيث لا يكون مطلوباً من النائب وإنّما هو في ذمّة المنوب عنه ، فإتيان النائب له بطمع الأجر لا للّه تعالى .

ففرق بين المقام والصورتين السابقتين ، فإنّ فيهما يكون الأجر مقابل التنزيل

ولا يعقل جعله مقابل العمل كما مرّ ، وأمّا في المقام فالعمل عمل النائب يأتي به ليجعله وسيلة لجلب النفع . فحينئذٍ لو قلنا بمقالة الشيخ من مخالفة ذلك للإخلاص(1) فلا مفرّ منه .

وأمّا الإشكالات الاُخر فيندفع بالتأمّل فيما سبق .

ثمّ إنّ لوازم النيابة في الصورتين الأخيرتين تخالف مع الصورة الاُولى ، ففيهما لابدّ من مراعاة شرائط صلاة المنوب عنه لا شرائط نفسه بل النائب يراعي في شرائط الفاعل ما هو تكليفه ، فلا يجب على الرجل الإخفات أو الستر نحو ستر المرأة لو كان نائباً عنها ، ويجوز الاقتداء به إن كان نائباً عنها أو عن الميّت ، بخلاف الصورة الاُولى .

التحقيق في النيابة

ولكنّ الإنصاف: أنّ ما لدى المتشرّعة وسائر العقلاء وظاهر النصوص في النيابة ليس شيئاً ممّا تقدّم ؛ ضرورة أنّ الاستئجار إنّما يقع في العمل عن الغير فيأخذ الأجر ويقع في عرف المتشرّعة ارتكازاً وعملاً في مقابل العمل عن الغير ،

ص: 357


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 143 - 144 .

فيأخذه ليعمل الحجّ عن غيره ، لا لتنزيل نفسه منزلة غيره في العمل ، ولا لتنزيل عمله كذلك ، وهو واضح غير قابل للخدشة ، كما هو ظاهر الأخبار الواردة في الحجّ عن الغير :

ففي رواية عبداللّه بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام ، إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين ديناراً يحجّ بها عن إسماعيل ، ولم يترك شيئاً من العمرة إلى الحجّ إلاّ اشترط عليه ، حتّى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسّر ثمّ قال : «يا هذا ، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجّة بما أنفق من ماله وكانت لك تسع بما أتعبت من بدنك»(1) .

ولعمري إنّها كالصريح في كون الأجر في مقابل العمل عنه .

فما تقدّم من التصوّرات أجنبيّة عن عمل المسلمين وعن مفاد النصوص كالرواية المتقدّمة وغيرها ممّا هي منقولة في كتاب الحجّ(2) التي هي ظاهرة الدلالة في ذلك .

فلا بدّ من دفع الإشكال عن هذه الواقعة التي بيد المسلمين ومفاد النصوص ، وهو لا يندفع بما تقدّم ولا بما أفاده الشيخ الأنصاري ، فيستكشف من النصوص صحّة العبادات الاستئجارية بنحو الداعي على الداعي ، ولا يرد عليها ما أوردناه على الاستئجار في عبادة نفسه(3) ، كما لا يخفى .

ص: 358


1- الكافي 4 : 312 / 1 ؛ وسائل الشيعة 11 : 163 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 11 : 166 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة ، الباب 2 و3 و4 .
3- تقدّم في الصفحة 325 .

وأمّا الإشكال بأ نّه كيف يسقط عمل عن عهدة شخص بفعل آخر ، وكيف يتقرّب المنوب عنه بفعل نائبه ، فليس موجّهاً بعد قيام الدليل ، وتقدّم الوجه فيهما .

فتحصّل من ذلك أنّ النيابة في الأعمال في ظاهر الشريعة ولدى المتشرّعة هي إتيان العمل عوض الغير وبدله كأداء الدين عنه كما صرّح به في رواية الخثعمية(1) . فهل ترى من نفسك أنّ المعطي لدين غيره وعن قبله ينزّل نفسه منزلة نفسه أو عمله منزلة عمله ؟ !

وبالجملة : ليس في النصوص إلاّ نحو قوله : «يحجّ عنه» أو «يصلّى عنه»(2) ، وليس مفاد ذلك إلاّ نحو قوله : «قضى دينه عنه»(3) .

ما يرد على كلام العلاّمة الحائري والشيخ الأعظم في المقام

وأمّا ما أفاده شيخنا العلاّمة في صلاته(4) ، ولعلّه يظهر من خلال كلمات الشيخ الأنصاري أيضاً (5) ؛ من أنّ المعتبر في صحّة الإجارة قرب المنوب عنه لا قرب العامل ، فالإشكال بمنافاة أخذ الأجر للقربة المعتبرة في العبادة كالجواب

ص: 359


1- روض الجنان وروح الجنان 4 : 450؛ مستدرك الوسائل 8 : 26 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، الباب 18 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 276 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ، الباب 9 ، الحديث 3 .
4- الصلاة ، المحقّق الحائري : 578 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 145 .

بالداعي على الداعي في غير محلّه .

فغير وجيه ؛ لأنّ حصول القرب على فرض اعتباره مترتّب على العمل الخالص للّه تعالى ، فإن أتى به بعد الخلوص لنفسه تصير مقرّبة ، وإن أتى به لغير يصير الغير مقرّباً ، فلا بدّ من لحاظ منشأ حصول القرب للمنوب عنه ، وليس هو إلاّ إتيان النائب العمل للّه . مع أنّ إتيانه للأجر ينافي كونه للّه تعالى ، فالأجر ينافي الإخلاص ومع عدمه لا يحصل القرب للمنوب عنه ، ولهذا لو أتى الأجير بالعمل رياءً لا يقع عن المنوب عنه ؛ لعدم صلاحيته لحصول القرب له ، فالإشكال في محلّه ، وكذا الجواب .

وأمّا الشيخ الأنصاري فلا تخلو كلماته عن اضطراب(1) . فإنّ الظاهر من بعضها أنّ الأجر للعمل المأتيّ به تقرّباً إلى اللّه تعالى نيابة عن غيره .

وهو ظاهر في كون الأجر في مقابل العمل المقيّد ، لكنّ الظاهر أ نّه غير المقصود منه بقرينة سائر كلماته .

ويظهر من بعضها أنّ الصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب بجهة وللمنوب عنه بجهة .

والظاهر من مجموع كلماته أ نّه أيضاً غير مراد ؛ أي لا يعني أنّ للصلاة وجودين اعتباراً حتّى يرد عليه بأ نّه ليس لها إلاّ وجود واحد ينسب إلى النائب بوجه وإلى المنوب عنه بوجه .

ويظهر من بعضها أنّ المنطبق على الصلاة الموجودة في الخارج على وجه

ص: 360


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 146 .

النيابة عنوانان : أحدهما : ذات الصلاة ، وهي منسوبة إلى المنوب عنه بوجه ، وثانيهما : نيابة النائب في فعلها ، وهي عنوان زائد على ذات الصلاة يقع الأجر بإزائه لا بإزاء ذات الصلاة .

والظاهر من مجموع كلماته بعد جعل بعضها قرينة على بعض أنّ هذا مراده .

قال : «فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان : نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال : ناب عن فلان ، وفعل كأ نّه صادر عن المنوب عنه ، فيمكن أن يقال على سبيل المجاز : صلّى فلان ، ولا يمكن أن يقال : ناب فلان . فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار على الأوّل الذي لا يعتبر فيه القربة»(1) ، انتهى .

وهذه العبارة قرينة على مراده في سائر الفقرات .

وكيف كان لو كان مراده تعدّد العمل كما توهّم فهو خلاف الواقع ؛ لأنّ الصلاة المأتيّ بها واحدة حقيقة واعتباراً ، وإنّما التعدّد في انتسابها إلى النائب

والمنوب عنه .

وإن كان مراده ما ذكرناه فهو مخالف لما عليه عمل المتشرّعة وظاهر الشريعة ؛ لما تقدّم من أنّ الأجر مجعول في مقابل العمل في عرف المتشرّعة وهو الظاهر من الأخبار(2) .

وبما ذكرناه يظهر النظر في وجه آخر منسوب إلى الشيخ ، وهو : «أنّ النيابة عنوان يلحق الفعل المنوب فيه وبه يصير متعلّقاً للإجارة ، وهو كون الصلاة عن

ص: 361


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 146 .
2- تقدّمت في الصفحة 357 - 358 .

فلان ، فالصلاة من حيث ذاتها عبادة ومن حيث وصفها ؛ أي كونها عن الغير ، معاملة محضة نظير الصوم والصلاة في البيت»(1) ، انتهى .

والظاهر أنّ ذلك أيضاً راجع إلى الوجه المتقدّم . ويرد عليه ما يرد عليه من أ نّه تصوّر وتخيّل غير مربوط بما بيد المتشرّعة وعليه عملهم ، وغير موافق للظواهر ، كما أنّ الظاهر رجوع الوجه الآخر المنقول عن رسالة القضاء(2) إلى ذلك ، وهو أنّ للصلاة قيدين : أحدهما : كونها عن قصد القربة ، وثانيهما : كونها عن الغير ويؤخذ الأجر على هذا القيد .

ويردّه ما يردّ سابقه مع أنّ تلك الوجوه لا تدفع أصل الإشكال ؛ ضرورة أنّ المؤجر لا يأتي بالعمل خالصاً للّه تعالى ، وإنّما يأتي به طلباً وطمعاً في الأجر ،

وبهذا يفترق فعل الأجير لعمل الغير عن فعله لعمل نفسه في مكان كذا مثلاً ؛ فأخذ الأجر لإتيان صلاته الفريضة في مكان كذا لا يضرّ بالإخلاص إذا أخذه للخصوصية بعد تحقّق داعيه لإتيان فريضته ، فالفرق بينهما واضح ، والتخلّص عن الإشكال ما تقدّم .

فتحصّل ممّا مرّ صحّة العبادات الاستئجارية . والسلام على محمّد وآله .

ص: 362


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 226 .
2- رسائل فقهية، القضاء عن الميّت ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 245 - 246 .

خاتمة

اشارة

وفيها مسألتان :

اشارة

ص: 363

ص: 364

المسألة الاُولى في جوائز السلطان الجائر وعمّاله

جوائز السلطان الجائر وعمّاله ، وصِلاتهم ، بل مطلق المال المأخوذ منهم مجّاناً أو بعوض ، لا يخلو عن صور تعرّض لمهمّاتها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .

وفیها مسألتان:

الصورة الاُولى : عدم العلم بوجود الحرام في جملة أموال الجائر

منها : أن لا يعلم أنّ في جملة أموال الجائر مالاً محرّماً يصلح أن يكون المأخوذ منه ، ولا يكون ما في يده طرف العلم الإجمالي . وبعبارة اُخرى : تكون الشبهة في أمواله بدوية .

والأولى عنوان المسألة بما ذكرناه ؛ أي جعل العنوان : «السلطان الجائر وعمّاله» كما هو صريح «نهاية» الشيخ(2) وظاهر المحقّق(3) ، ولهذا فسّر صاحب

ص: 365


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .
2- النهاية : 357 .
3- شرائع الإسلام 2 : 6 .

«الجواهر» الجائر في عبارة «الشرائع» بالسلطان الجائر(1) ، وهو ظاهر العلاّمة في «التذكرة» و «القواعد»(2) ، كما يظهر بالتأمّل . وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ مخالفة

قواعد العلم الإجمالي في المسائل الآتية لابدّ لها من مستند معتمد معمول عليه . وما يمكن أن يقال باستثنائه منها نصّاً وفتوى هو نحو جوائز السلطان الجائر وعمّاله . وإلحاق مطلق الظالم به كالسارق ، أو مطلق من لم يتورّع عن الحرام ، أو مطلق المال المخلوط به محلّ إشكال وكلام ، كما يأتي إن شاء اللّه .

وكيف كان : إنّ في جوائز السلطان وصِلاته وسائر ما يؤخذ منه بعوض أو بلا عوض شبهتين :

إحداهما : احتمال أن لا يكون المال منه وتكون يده عليه غاصبة ، وهو مدفوع في هذه الصورة بقاعدة اليد وإطلاق أدلّتها، وببعض الروايات الآتية ولو بالفحوى.

وثانيتهما : احتمال ممنوعية أخذ الجائزة والصلة وغيرهما من خصوص السلاطين الجائرين سيّما مثل الغاصبين للخلافة ، واحتمال عدم جواز أكل أموالهم والتصرّف فيها كاحتمال حرمة عشرتهم وصحابتهم والدخول عليهم ، وهو مدفوع بأصالة البراءة والحلّ .

ولعلّ تمسّك الشيخ الأعظم بالأصل(3) لدفع الشبهة الثانية لا الاُولى . فوقوع بعضهم كالفاضل الإيرواني في حيص وبيص ؛ من تمسّكه بالأصل أو حمل الأصل على قاعدة اليد(4) لعلّه في غير محلّه .

ص: 366


1- جواهر الكلام 22 : 170 .
2- تذكرة الفقهاء 12 : 152 ؛ قواعد الأحكام 2 : 12 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 309 .

ولعلّ ما ذكرناه ظاهر قوله : «فلا إشكال في جواز أخذه وحلّية التصرّف فيه؛ للأصل . . .»(1) ولو فرض عدم ظهوره فلا أقلّ أ نّه محتمله .

مضافاً إلى عدم الإشكال في الاحتياج إلى الأصل لدفع تلك الشبهة ، ولا تندفع بقاعدة اليد ، ولا بالعلم بكون المال ماله ؛ إذ احتمال أنّ جوائزه وعطاياه محرّمة علينا ولو علمنا أ نّها أمواله - لاحتمال مبغوضية مطلق التماسّ معهم بشؤونه سيّما ما كان مظنّة لجلب الحبّ والوداد - غير مدفوع إلاّ بالأصل . فالحكم بالجواز الفعلي والحلّية الفعلية يتوقّف على قاعدة اليد والأصل كليهما .

نعم ، تندفع الشبهتان ببعض الروايات الآتية ، فالتمسّك بالأصل مع الغضّ عنها .

ثمّ قال الشيخ الأعظم : «ربّما يوهم بعض الأخبار أ نّه يشترط في حلّ مال الجائر ثبوت مال حلال له ، مثل ما عن «الاحتجاج» عن الحميري أ نّه كتب إلى صاحب الزمان علیه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلّ لما في يده لا يتورّع عن أخذ ماله ، ربّما نزلت في قرية وهو فيها ، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه ، فيدعوني إليه ، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه ، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدّق بصدقة ، وكم مقدار الصدقة ؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر ، فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أنّ الوكيل لا يتورّع عن أخذ ما في يده ، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منه ؟

«الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه

ص: 367


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .

واقبل برّه ، وإلاّ فلا»(1) . بناءً على أنّ الشرط في الحلّية هو وجود مال آخر فإذا لم يعلم به لم يثبت الحلّ»(2) ، انتهى .

وهو مبنيّ على أن يكون السؤال في الرواية عن شخص غير مبالٍ في مال الوقف وغير متورّع عن أكله ، فيكون محطّ شبهته أنّ يد غير المتورّع معتبرة كسائر الأيادي ويعامل مع ما في يده معاملة ملكه ، أو أ نّها ساقطة لأجل عدم تورّعه وعدم مبالاته . وبعبارة اُخرى : إنّ من لم يتورّع عن مال الوقف تسقط يده فيما كانت معتبرة لو لم يكن كذلك ، ولا يكون السؤال عن حيث العلم الإجمالي أو التفصيلي بكون ما في يده حراماً حتّى تكون الرواية أجنبيّة عن الصورة المفروضة .

والظاهر أنّ السؤال ناظر إلى الوجه الأوّل ، والجواب بأ نّه «إن كان له معاش . . .» مناسب له ، بل لعلّه ليس أمراً تعبّدياً ؛ لكونه ظاهراً موافق بناء العقلاء

أيضاً في ترتيب الأثر على اليد ؛ لأنّ من لم يكن له طريق معاش سوى السرقة أو غصب مال الغيركالوقف ونحوه لا يعامل العقلاء مع ما في يده معاملة ملكه ولو في الشبهة البدوية .

وعلى أيّ تقدير : إنّ المراد من الجواب بعد فرض كون السؤال عن الحيثية المتقدّمة أ نّه إذا لم يكن للرجل مال ومعاش غير الوقف لا يؤخذ برّه ولو مع عدم العلم تفصيلاً أو إجمالاً بكونه من مال الوقف ، وهو عبارة اُخرى عن سقوط اعتبار يده فيما تعتبر يد غيره .

ص: 368


1- الاحتجاج 2 : 572 / 355 ؛ وسائل الشيعة 17 : 217 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 15 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 - 167 .

وعلى ما ذكرناه يسقط الإشكال على الشيخ من هذه الجهة بأنّ الرواية أجنبيّة عن الصورة الاُولى(1) .

نعم ، هنا إشكال آخر عليه ، وهو أنّ موضوع السؤال والجواب فيها وإن كان عن يد الشخص الذي لا يتورّع عن الحرام الذي في يده ، لكن المفروض وجود ممرّ حرام معلوم بالتفصيل عنده وكان غير متورّع عنه ، فأجاب في الفرض بما أجاب الذي قلنا إنّه موافق لبناء العقلاء ظاهراً ، وهو غير الصور المذكورة ؛ أي صورة العلم الإجمالي بكون حرام في يده أو عدمه . فمفروض السؤال والجواب حيثية غير مربوطة بالصور المذكورة في المقام .

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية أ نّه إن كان له مال آخر يجوز أخذ برّه ، وأمّا لزوم العلم الوجداني بكون المال غير الوقف وبكونه حلالاً فلا . فلو فرض إحراز كونه غير الوقف بالبيّنة وإحراز كونه حلالاً بكونه في يده يكون كافياً لتحقّق موضوع الرواية وتكون أدلّة حجّية البيّنة واليد حاكمة عليها ومنقِّحة لموضوعها .

فما أفاده الشيخ من لزوم العلم بمال حلال له(2) ، غير ظاهر إن أراد بالعلم هو الوجداني منه .

نعم ، ربّما يستشكل في إحراز اليد عنوان «مال آخر» الذي هو مذكور في الرواية ؛ لعدم الدليل على حجّية مثل تلك الأمارات لمثل هذه اللوازم(3) ، وللكلام فيه محلّ آخر .

ص: 369


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 310 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 167 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 163 .
الصورة الثانية العلم الإجمالي بوجود الحرام في أموال السلطان الجائر

ومنها : أن يعلم إجمالاً بأنّ في أموال الظالم مالاً حراماً يمكن أن تكون الجائزة منه تماماً أو بعضاً مع عدم العلم ولو إجمالاً بأنّ الجائزة مشتملة على الحرام . وبعبارة اُخرى : تكون الجائزة طرف العلم الإجمالي . وفيها صورتان :

إحداهما : صورة عدم تنجيز العلم الإجمالي لأجل الجهات المشتركة مع سائر المباحث ، ككون الأطراف غير محصورة ونحوه .

ثانيتهما : صورة عدم المانع من تنجيزه من هذه الجهات مع قطع النظر عن خصوصية المورد .

وفیها صورتان:

الاُولى : فيما لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة

وقبل الورود في المطلب لابدّ من التنبيه بأمر ربما صار الخلط فيه موجباً للخطأ في كثير من مباحث العلم الإجمالي :

وهو أنّ العلم بالتكليف بحسب الكبرى الكلّية قد يتعلّق بتكليف فعلي يعلم بعدم رضا المولى بتركه كائناً ما كان ؛ لأجل أهمّيته عنده ، نظير قتل النبي رحمهما اللّه

وقتل الولد في الموالي العرفية ، ومعه يسقط جميع الاُصول العقلية والشرعية وجميع الأمارات العقلائية والشرعية ، ويجب عقلاً الاحتياط التامّ ، حرجياً كان أم لا ، ولا عذر إلاّ العجز العقلي .

ص: 370

وذلك لأ نّه مع هذا العلم الوجداني بالتكليف الفعلي الكذائي لا يحتمل جواز الترخيص في العمل بالأمارات ولو في الشبهات البدوية وكذا في العمل بالاُصول ؛ لأنّ جواز الترخيص بها مساوق لاحتمال اجتماع النقيضين ؛ ضرورة أنّ العلم الوجداني بعدم رضا المولى بترك الواقع لا يجتمع مع احتمال الترخيص في تركه ، فإنّ إجازة العمل بالأمارة أو الأصل ولو في الشبهة البدوية ملازمة للترخيص في ترك الواقع على فرض تخلّفها عنه .

بل العلم بهذه المرتبة من الأهمّية بيان على التكليف الواقعي ، وإن شئت قلت : كاشف عن إيجاب الاحتياط ، وهو بيان وارد على قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

ففي هذه الصورة لا يمكن الترخيص في الشبهات البدوية فضلاً عن أطراف العلم أو بعضها ، وفي مثله يصحّ أن يقال : إنّ الترخيص في الأطراف ترخيص في المعصية وهو محال .

لكن هذه الصورة قليلة الاتّفاق في الشرعيات ، ويجب فيها على المولى عقلاً إيجاب الاحتياط في الشبهات البدوية مع عدم العلم بهذه المرتبة من الأهمّية .

وقد يتعلّق العلم بالحجّة ، كإطلاق دليل أو عموم عامّ أو نحو ذلك من ظاهر الكتاب والسنّة ، لا العلم بالتكليف الواقعي الفعلي ، فإطلاق الكتاب يقتضي حرمة الميتة والخمر ، كانتا معلومتين تفصيلاً أو إجمالاً أم مجهولتين ، ولكن العلم بالإطلاق لا يلازم العلم الوجداني بالتكليف الواقعي الفعلي ، وإن يلازم العلم بقيام الحجّة على الواقع ، لكن يحتمل وجداناً تخلّفها عن الواقع وإن لا عذر

ص: 371

للعبد مع قيام الحجّة في التخلّف عنها .

وفي هذه الصورة لا مانع عقلاً من الترخيص في المخالفة القطعية فضلاً عن الاحتمالية .

وهذه الصورة هي التي ينبغي أن يبنى عليها المباحث الآتية ومباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال ، فمع عدم امتناع الترخيص في الأطراف جميعاً أو بعضاً يلاحظ مقتضى الأدلّة المرخّصة ويؤخذ بها ، وإن اقتضت الترخيص في جميعها ، فإنّ الترخيص في الجميع يلازم غمض العين عن التكليف الواقعي لمصالح أهمّ منه ولو لم نعلم بها . فالترخيص في جميع الأطراف في هذه الصورة كالترخيص في الشبهة البدوية والترخيص في العمل بالأمارات في إمكانه ، كما أنّ الجميع مشتركة في الصورة الاُولى في الامتناع .

فمباحث العلم الإجمالي في باب القطع ينبغي أن تكون من قبيل الصورة الاُولى ، كما أنّ مباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال ، كعدم تنجيزه في الشبهة غير المحصورة ، أو في صورة الاضطرار إلى بعض الأطراف ، أو في صورة عدم الابتلاء به ، إلى غير ذلك من مباحث التنجيز واللا تنجيز والانحلال التعبّدي وغير ذلك ، ينبغي أن يبحث عنها في فرض الصورة الثانية ، فإنّها ساقطة مع الصورة الاُولى ، كما لا يخفى على اُولي النهى .

وبحثنا في المقام من قبيل الصورة الثانية ، فمع فرض هذه الصورة لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة أو كفرض الاضطرار إلى بعض الأطراف وغيرهما من موارد عدم التنجيز فحكمها حينئذٍ كالصورة الاُولى بعين ما ذكر فيها .

ص: 372

حول القول بكراهة أخذ الجوائز في المقام

ثمّ إنّه حكي عن جماعة كراهة الأخذ(1) . ونحن وإن بنينا على عدم التعرّض إلاّ لمهمّات المسائل لكن لا بأس هنا بالإشارة الإجمالية :

فنقول : إنّ هاهنا عناوين ، كراهة كلّ منها على فرض ثبوتها غير مربوطة بالآخر ، كما أنّ رفعها لا يكون على نسق واحد :

منها : عنوان الاستعطاء من السلطان وعمّاله .

ومنها : أخذ جوائزهم .

ومنها : التصرّف في نفس المأخوذ استعطاء بما هو مأخوذ كذلك أو بنحو الجائزة بلا استعطاء بما هو مأخوذ كذلك .

ومنها : التصرّف في المال المنسوب إليهم وإن لم يكن بنحو الاستعطاء أو الجائزة وعلم كونه ماله وحلّيته .

ومنها : التصرّف في المال وأخذه بما أ نّه مال مشتبه حلّيته وحرمته .

والظاهر أنّ الصورة الاُولى خارجة عن محلّ البحث وإن كان الاستعطاء مكروهاً مطلقاً ، ولعلّه من الجائر أشدّ ، كما هو ظاهر بعض الروايات الآتية .

وما استدلّوا لها في المقام بعضها راجع إلى العنوان الأخير ، وبعضها إلى الثاني

ص: 373


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 168 ؛ منتهى المطلب 15 : 465 ؛ مسالك الأفهام 3 : 141 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 86 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 261 ؛ رياض المسائل 8 : 105 .

أو الثالث أيضاً ، كما أنّ ما ذكر في رفع الكراهة من إخبار ذي اليد وإخراج الخمس على فرض صحّته إنّما هو راجع إلى رفع الكراهة الحاصلة بالعنوان الأخير دون غيره .

أقول : يمكن تعميم مثل قوله : «دع ما يريبك»(1) ، وقوله : «من ترك الشبهات نجا من المحرّمات»(2)، وكذا أخبار التثليث(3) والتوقّف(4) إلى جميع الصور المتقدّمة ، بأن يقال : في كلّ من تلك الصور شبهة الحرمة ، فكما أنّ في الأموال التي بيده ريباً وشبهة ، كذا في الاستعطاء وأخذ الجائزة من السلطان وعمّاله والتصرّف فيها بل في مطلق المال المنسوب إليهم ، فقوله : «دع ما يريبك» شامل لجميعها .

لكنّ الظاهر عدم ثبوت الكراهة الشرعية التابعة لحزازة ذاتية من تلك الأخبار على كثرتها ؛ لأنّ لسانها لسان الإرشاد إلى عدم الابتلاء بالمحرّمات ، كما يظهر من قوله : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» ، وقوله : «والمعاصي

ص: 374


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 167 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 43، 54 و63 .
2- الكافي1 : 68 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 :157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 .
3- راجع وسائل الشيعة 27 : 157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 ، 27 ، 28 ، 52 و68 .
4- راجع وسائل الشيعة 27 : 154 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 2 ، 13 ، 15 ، 48 و57 .

حمى اللّه ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها»(1) .

مضافاً إلى أنّ الناظر في الأخبار الواردة في عدم جواز الفتياء بغير علم والقضاء كذلك(2) ، وما ورد من نحو قوله : «بيّن رشده ، وبيّن غيّه»(3) ، وغير ذلك ممّا وردت في العلم يقطع بأنّ المراد منه فيها على كثرتها كتاباً وسنّة ليس خصوص العلم الوجداني بل الأعمّ منه وممّا حصل من ظاهر الكتاب والسنّة .

فمن أفتى بظاهر الكتاب والسنّة وقضى على موازين القضاء أفتى وقضى بعلم.

وبيّن الرشد ما دلّ الدليل الشرعي على رشده لا خصوص ما علم وجداناً ، وكذا المراد من الريب والشكّ والجهل ونحوها المقابل له ليس الوجداني منها .

فعليه تكون أدلّة اليد وسائر الأمارات حاكمة أو واردة على مثل تلك الروايات ومعدمة لموضوعها تعبّداً وتحكيماً .

كما أنّ الريب من جهة الشبهة الحكمية مدفوع بمثل حديث الرفع(4) الحاكم عليها .

نعم ، يبقى سؤال قلّة المورد أو فقدانه في تلك الأدلّة ، وللكلام فيه محلّ آخر .

وكيف كان إثبات الكراهة الشرعية بها غير وجيه .

ص: 375


1- الفقيه 4 : 53 / 193 ؛ وسائل الشيعة 27 : 161 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 22 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
3- وسائل الشيعة 27: 157، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12 ، الحديث 9.
4- الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1.

نعم ، يمكن الاستدلال لها في بعض تلك العناوين المتقدّمة أو جميعها ببعض روايات خاصّة :

كرواية حريز - ولا يبعد صحّتها ؛ إذ ليس في سندها ما يناقش فيه إلاّ سهل بن زياد ، وهو سهل ، وفي طريق «الكافي» بدل حريز «حديد» ، وهو ابن حكيم الثقة - قال سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «اتّقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع ، وقوّوه بالتقيّة والاستغناء باللّه - عزّ وجلّ - عن طلب الحوائج إلى صاحب السلطان . إنّه من خضع لصاحب سلطان ولمن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمله اللّه - عزّ وجلّ - ومقته عليه ، ووكّله إليه ، فإن هو

غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع اللّه - جلّ اسمه - البركة منه ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حجّ ولا عتق ولا برّ»(1) .

فإنّ الظاهر من صدرها استحباب الاستغناء عن طلب الحوائج من صاحب السلطان ، بل لا يبعد استفادة كراهة طلبها منه أيضاً .

والفقرة الثانية ؛ أي قوله : «من خضع . . .» ظاهرة في شدّة كراهة الخضوع له طلباً لما في يده ولو بنحو الجائزة المترتّبة على جلب قلبه .

والفقرة الثالثة ؛ أي قوله : «فإن هو غلب على شيء . . .» إن كانت مربوطة بخصوص الخاضع لطلب الدنيا فلا دلالة فيها إلاّ على عدم البركة والخير في المال الذي يصير إليه بتلك الوسيلة ولو بنحو الجائزة ، فتدلّ على كراهة التصرّف في المأخوذ جائزة في هذا الفرض لا مطلقاً .

ص: 376


1- الكافي 5 : 105 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 330 / 914 ؛ وسائل الشيعة 17 : 178 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 4 .

وإن كانت أعمّ من ذلك ويراد بها من صار إليه شيء من أمواله مطلقاً ، فلا بركة فيه تدلّ على كراهة المأخوذ منهم عطيّة وجائزة ونحوهما . ولا يبعد على هذا الفرض استفادة كراهة القبول أيضاً ، تأمّل .

والأظهر الاحتمال الأوّل ، فلا دلالة فيها على كراهة مطلق الجائزة .

نعم ، تدلّ على كراهة قسم منها . واحتمال رجوع الضمير إلى طالب الحوائج ، بعيد .

وأمّا سائر الروايات فلا دلالة فيها على الكراهة الشرعية ، لا في المال ولا في سائر العناوين المتقدّمة :

أمّا قوله : «إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . .» فإنّه في ذيل صحيحة أبي بصير(1) وبمنزلة التعليل لحرمة الدخول في أعمالهم . والظاهر أنّ المراد منه أ نّهم استعملوكم في الحرام لا محالة ، فلا يمكن استفادة الكراهة من التعليل الوارد في الدخول المحرّم .

وأمّا المرويّ عن موسى بن جعفر علیه السلام : «واللّه لولا أ نّي أرى من اُزوّجه بها من عزّاب . . .»(2) فلأنّ وجه عدم قبوله غير معلوم ، ولعلّه للاحتراز عن المشتبه احتياطاً ، ومعه لا تدلّ على الكراهة الشرعية .

وبمثلها يجاب عن رواية «العلل» مرسلة : «وكان الحسن علیه السلام والحسين علیه السلام

ص: 377


1- الكافي 5 : 106/5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 5 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 77 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 216 ، كتاب المتاجر ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 11 .

يأخذان من معاوية الأموال فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما ولا على عيالهما ما

تحمله الذبابة بفيها»(1) .

نعم ، قد تشعر بالكراهة صحيحة الوليد بن صبيح ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فاستقبلني زرارة ، إلى أن قال : «يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويستظلّ بظلّهم»(2) .

إذ لا يبعد أن يكون ذلك تقريراً على حزازة أكل طعامهم . . . ، ولولا قوله :

«يستظلّ بظلّهم» ، لكان من المحتمل أن يراد من السؤال عن الأكل والشرب دفع احتمال نجاستهم ، فلا يخلو ما ذكر من الإشعار بالحزازة .

ولكن إثبات الكراهة بذلك مشكل ، فلا دليل عليها . بل لا يبعد دلالة بعض الروايات على عدمها :

كقوله : «لا بأس بجوائز السلطان»(3) ، وقوله : «جوائز العمّال ليس بها بأس»(4) .

ص: 378


1- علل الشرائع 1 : 218 / 2 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 44 ، الحديث 16 .
2- الكافي 5 : 105 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 187 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 1 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 163 / 421 ؛ وسائل الشيعة 17 : 218 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 16 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 336 / 931 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 5 .

بناءً على أنّ البأس أعمّ من الحرمة أو استعماله غالباً في الكراهة ، وإن احتمل في المقام بمناسبة غلبة شبهة الحرمة رجحان إرادة نفيها ، لا نفي الكراهة أو الأعمّ منها .

وكقوله : «إنّ الحسن والحسين علیهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية»(1) .

إذ كان بصدد بيان الحكم من حكاية عملهما ، فلا يبعد ظهورها في نفي البأس مطلقاً لولا رواية «العلل» المتقدّمة .

وكبعض الروايات الدالّة على إجازة الأخذ والحجّ بها ، وأوضح منها رواية عمر أخي عذافر المشتملة على حكاية ذهاب متاعه و وعد عامل المدينة إعطاء عوضه ، وفيها : «فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك ، فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه»(2) .

فإنّ الظاهر منها أ نّه مع عدم الطلب لا حزازة في أخذه ولا في المأخوذ ؛ لأ نّه من دعوة اللّه تعالى وعطيّته ، مضافاً إلى أنّ الطلب مكروه لا حرام ، والظاهر منها

رفع ما ثبت بالطلب .

وهذه الرواية رافعة لإجمال رواية حريز المتقدّمة لو كان فيها إجمال .

فتحصّل من ذلك أنّ في المأخوذ مع الاستعطاء أو بالملق والخضوع حزازة وفي التصرّف فيه كراهة ، وبدون ذلك لا دليل على كراهته الشرعية .

ص: 379


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 935 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 4 .
2- الكافي 8 : 221 / 278 ؛ وسائل الشيعة 17 : 215 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 8 .

ثمّ إنّ الكراهة لو كانت من ناحية الاستعطاء أو الملق والاستعطاف ، أو لأجل كون الأخذ والاستفادة منه معرضاً لحصول المحبّة له ، أو قلنا بكراهة نفس الأخذ فلا ترفع بإخبار ذي اليد ولا بإخراج الخمس ، وهو واضح . بل الظاهر عدم رفعها مطلقاً بإخباره بما هو ذو اليد .

نعم ، لو قلنا بأنّ المراد من مثل قوله : «دع ما يريبك» هو الريب الوجداني وقلنا باستفادة الكراهة منه يمكن أن يقال : برفعها بإخبار من يوثق بصدقه كان بذي اليد أم لا ، لرفع الريب عرفاً .

وكذا لا يرفع بإخراج الخمس وإن قلنا باستحبابه ؛ لعدم الملازمة بين استحبابه وعدم الكراهة في التصرّف في البقيّ-ة ، والأمر سهل .

الثانية : فيما لو كان العلم الإجمالي منجّزاً كالشبهة المحصورة
حول جريان أصالة الحلّ في المقام

وأمّا الصورة الثانية - وهي صورة عدم المانع من تنجيز العلم الإجمالي بالجهات العامّة المذكورة في محلّها - فمع الغضّ عن أخبار الباب وغيرها ؛ قد يقال : إنّ العلم الإجمالي حاصل بأنّ هذا المال الذي أجاز الجائر في تصرّفه أو أعطاه جائزة لغير الجائر أو غيره ممّا في يده ، ومقتضاه الاجتناب عن الجميع ، ولو قلنا بأنّ الخروج من محلّ الابتلاء مؤثّر في عدم تنجيزه؛ فإنّ الأموال التي تحت يد الجائر غير خارج عنه ؛ ضرورة عدم استهجان الخطاب بالنسبة إليها ، وأ نّها مورد ابتلائه من حيث إمكان الابتياع وإجازة التصرّف ونحو ذلك .

ص: 380

وبالجملة : اعتبار عدم الخروج بهذا النحو عن محلّ الابتلاء خلاف الضرورة مع الغضّ عن فساد أصل المبنى ، فالعلم الإجمالي موجب للتنجيز .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ العلم الإجمالي بأنّ «هذا» لزيد المغصوب منه أو «ذلك» غير مفيد ؛ لأنّ مال زيد مثلاً بما هو ماله وبهذا العنوان ليس موضوعاً للحكم ، وما هو موضوع له هو مال الغير بلا إذنه أو مال أخ مسلم بغير طيب نفسه ، ولم يتعلّق علم إجمالي بهذا العنوان ؛ لأنّ ما في يد الجائر غير المأذون فيه

من قبله - كما هو مفروض المسألة - معلوم تفصيلاً أ نّه للغير ولامرئ مسلم لا يطيب نفسه بالتصرّف فيه كما هو معلوم الحرمة تفصيلاً ، فالحكم الشرعي وموضوعه معلومان تفصيلاً بالنسبة إلى ما في يد الجائر وإن لم يعلم أ نّه له أو لغيره ، وما أجاز في التصرّف فيه مشتبه بدوي بالنسبة إلى الموضوع ذي الحكم ، وكذا بالنسبة إلى الحكم وإن علم إجمالاً أنّ هذا لزيد أو ما في يد الجائر .

وبالجملة : ما علم إجمالاً ليس موضوعاً للحكم ، ولا إجمال فيما هو موضوع له .

وهذا بوجه نظير ما علم تفصيلاً بكون مائع خمراً ، وعلم إجمالاً بأ نّها إمّا من هذا العنب أو ذاك ، فإنّ العلم الإجمالي غير متعلّق بموضوع ذي حكم فلا يكون منجّزاً في عرض العلم التفصيلي ، فالعلم الإجمالي المذكور لا يمنع عن أصالة الحلّ .

وقد يقال : «لا مسرح لإجراء أدلّة حلّ ما لم يعلم بحرمته في المقام ؛ يعني في باب إباحة التصرّف في جوائز السلطان أصلاً ؛ لأ نّه إن كان هناك أصل أو أمارة تقتضي جوازه كاليد وأصالة صحّة تصرّف المسلم على تقدير جريانهما

ص: 381

فالحلّ مستند إليه ، وإلاّ فأصالة عدم ملك المجيز لما أجازه ، أو عدم سبب ملك

المجاز له ، بل أصالة عدم ملك المجاز حاكمة على أصالة الحلّ»(1) ، انتهى .

أقول : أمّا اليد وأصالة الصحّة فيأتي الكلام فيهما (2) ، وأمّا الاُصول الموضوعية المذكورة ففي جريانها إشكال :

أمّا أصالة عدم سبب الملك التي قرّرها المورد المحقّق - طاب ثراه - بأنّ

ما في يد الجائر صار ملكاً له بسبب حادث كالشراء والصلح والتوريث ونحوها ، وكلّها مسبوق بالعدم ، فأصالة عدم حدوث سبب الملك حاكمة على أصالة الحلّ(3) .

فيرد عليها بأنّ ما هو موضوع للحكم الشرعي ؛ أي حرمة التصرّف أو عدم حلّيته ، هو ملك الغير بغير إذنه أو مال الأخ المسلم لا بطيب نفسه ، وهذا الحكم ثابت معلوم مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة بهذا المضمون ويؤيّده الروايات(4) .

فالاستصحاب إن أحرز موضوع هذا الحكم يصير حاكماً على أصالة الحلّ ، فلا بدّ من النظر في أنّ الأصل المذكور أو سائر الاُصول الموضوعية المذكورة هل يصلح لإحراز موضوع الدليل الاجتهادي أو لا ؟

ص: 382


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 168 .
2- يأتي في الصفحة 388 و390 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقىّ الشيرازى على المكاسب ، قسم المحرّمة : 167 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 120 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 3 ، الحديث 1 و3 .

فنقول : إنّ أصالة عدم حدوث سبب الملك لا تفيد ، سواء قلنا بأنّ السببية مجعولة استقلالاً ، أو قلنا بأنّ المجعول هو المسبّب عقيب وجود السبب ؛ لأ نّه على الأوّل يكون ترتّب السبب على المسبّب عقلياً وإن كانت السببية شرعية ، فأصالة عدم وقوع السبب لا تثبت عدم ملكية ما بيد الجائر وإن اُغمض عن الإشكال المطّرد في نحو تلك الاُصول العدمية بعد كون الجعل متعلّقاً بالجانب الوجودي .

وكذا على الثاني ؛ لأنّ السببية غير مجعولة على الفرض ، فعدم حدوث السبب لا أثر له رأساً ، وأصالة عدم حدوث الملك له غير أصالة عدم حدوث السبب ، إلاّ أن يقال : إنّه على هذا الفرض يكون السبب موضوعاً لترتّب المسبّب الشرعي عليه ، فبنفيه ينفي ، مع الغضّ عن الإشكال المطّرد .

ثمّ لو بنينا على إثبات عدم ملكية الجائر بأصالة عدم السبب لكن عدم ملكيته ليس موضوعاً لحرمة التصرّف وعدم الحلّ ، بل الموضوع ملك الغير بغير إذنه في التصرّف أو التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ومال الأخ المسلم بغير طيب نفسه ، والأصل المذكور لا يفيد لإثبات الموضوع .

ومن هنا يظهر الكلام في أصالة عدم ملكية المجيز لهذا المال ، وكذا أصالة عدم ملك المجاز .

إن قلت : إنّ احتمال الحلّ ناشٍ من احتمال كونه مال الجائر ، وأصالة عدم كونه ماله يدفع هذا الاحتمال تعبّداً .

قلت : إنّ الحلّ لازم أعمّ لكون المال مال الدافع ومال غيره مع إذنه ، وكونه من المباحات ، وكونه مال الآخذ المجاز واقعاً ، لكن لمّا علم وجداناً أو بطريق

ص: 383

معتبر عدم كونه إلاّ مال الدافع أو المغصوب منه لا محالة يكون احتمال الحلّ

منحصراً بكونه مال الدافع ، فتكون الملازمة بين عدم كونه مال الدافع وبين عدم الحلّ مطلقاً علمية ، وفي مثله لا يثبت إلاّ بالأصل المثبت ، فإنّ نفي اللازم الأعمّ

بنفي أحد الملزومات للملازمة العلمية عقلي ومن الأصل المثبت .

ثمّ هنا أصل آخر تمسّك به المحقّق المتقدّم - طاب ثراه - وهو أصالة عدم وقوع الإذن من المالك في مورد إذن الجائر(1) .

وهو بهذا الظاهر مخدوش ؛ لأ نّها من قبيل استصحاب الكلّي لإثبات حال الفرد ، فإنّ استصحاب عدم وقوع الإذن من المالك لا يثبت أنّ هذا الموجود ملك لمالك لم يأذن فيه .

وإن أراد منها أصالة عدم كون الإذن المحقّق الصادر من الجائر من المالك على أن يكون اللام في الإذن للعهد .

فيرد عليه : أنّ الإذن المحقّق ليست له حالة سابقة بالكون الناقص . واستصحاب عدم الكون المحمولي غير مفيد . وبالجملة : يرد عليه ما يرد على أصالة عدم القرشية ، والتفصيل في محلّه(2) .

مضافاً إلى أ نّه مع تسليم جريانه أيضاً غير مفيد ؛ لأنّ استصحاب عدم كون الإذن المحقّق من مالكه لا يثبت عدم إذنه مطلقاً ولو بغير هذا الفرد إلاّ بالملازمة

العلمية نظير ما تقدّمت الإشارة إليه آنفاً .

ص: 384


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 167 .
2- مناهج الوصول 2 : 288 ؛ أنوار الهداية 2 : 94 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 - 114 .

نعم ، يمكن تقرير الأصل بوجه آخر ، بأن يقال : إنّ هذا المال كان سابقاً لمالك لم يأذن في التصرّف فيه ، لا بنحو المعلوم بالإجمال أو الفرد المردّد حتّى يقال : بأ نّه لا شكّ في هذا المعنى الإجمالي أو الفرد المردّد حتّى يستصحب ، ولا تتّحد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ؛ لأنّ موضوع المتيقّنة مجمل أو مردّد ، وليس هذا المعنى المجمل أو المردّد مشكوكاً فيه .

بل يشار إلى الفرد الواقعي والمالك الحقيقي فيقال : إنّ هذا المال كان لمالك موجود مشخّص واقعاً لم يأذن فيه وإن لم أعرفه ، وهو لا يضرّ بالعلم بالواقع ، فيستصحب هذا العنوان ، وهو عين العنوان المأخوذ في الدليل الاجتهادي ، فينقّح به الموضوع ويترتّب عليه الحرمة ويدفع به موضوع أصالة الحلّ .

إلاّ أن يقال : بورود نظير شبهة الغروب والمغرب في المقام ، فكما يقال بعدم جريان استصحاب عدم الغروب هناك ؛ لأ نّه إن كان عبارة عن سقوط القرص فهو معلوم التحقّق وإن كان زوال الحمرة فهو معلوم العدم ، فلا شكّ في البقاء ، بل الشكّ في انطباق مفهوم الغروب على هذا أو ذاك ، وهو أجنبيّ عن الاستصحاب ، يقال هاهنا بأن لا شكّ في الواقع ؛ لأنّ الإجازة من الجائر متيقّنة ، ومن الطرف الآخر متيقّنة العدم ، والشكّ في انطباق المالك على الجائر أو الطرف ، فليس في البقاء .

لكنّ الظاهر عدم وقع للشبهة لا هناك ولا هاهنا ؛ لتحقّق الشكّ وجداناً في بقاء النهار هناك وإن كان منشؤه في الواقع الاشتباه في المفهوم ، فدوران الأمر بين الأمرين المعلوم كلّ منهما على فرض محقّق الشكّ في بقاء النهار .

فالشكّ في بقائه تارة يكون لأجل الشكّ في ذهاب الحمرة بعد إحراز

ص: 385

المفهوم ، واُخرى لأجل الشبهة في المفهوم ، وهي محقّقة الشكّ وجداناً لا منافيته .

وكذلك في المقام ؛ لأنّ الشكّ في بقاء عدم إذن المالك الواقعي وجداني وإن كان منشؤه العلم الإجمالي بأنّ مالكه هو الجائر المجيز أو غيره . وبالجملة : لا يمكن إنكار هذه الواقعة ؛ أي العلم بعدم إجازة المالك الواقعي لهذا المال والشكّ في بقائه وتبدّله .

نعم ، هنا شبهة اُخرى هي أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها . وبعبارة اُخرى : يعتبرتعلّق الشكّ بعين ما تعلّق به اليقين ، وليس في المقام كذلك ؛ لأنّ العلم قد تعلّق بشيء والشكّ بالآخر .

ويتّضح ذلك بالتدبّر في مورد استصحاب الكلّي من القسم الثاني ، كالفرد المردّد بين طويل العمر وقصيره بعد مضيّ زمان احتمال بقاء القصير ، فإنّه قد يراد فيه استصحاب الكلّي بين الحيوانين منقطع الإضافة عن الخصوصيات ، فلا كلام فيه هاهنا ، بل الظاهر وحدة القضيتين وعدم الإشكال من هذه الجهة .

وقد يراد استصحاب شخص الحيوان الموجود في الخارج ، بأن يقال : قد علم تحقّق حيوان شخصي خارجي وجزئي حقيقي قبل مضيّ زمان العلم بزوال القصير ، وبعده شكّ في بقاء ذلك الجزئي ، فيستصحب .

وفيه : أنّ القضيّة المتيقّنة هاهنا غير القضيّة المشكوك فيها ؛ لأنّ اليقين تعلّق بحيوان مردّد بين القصير والطويل ؛ ضرورة عدم تعلّقه بخصوص الطويل أو القصير ، والشكّ في البقاء لم يتعلّق بالحيوان المردّد بينهما ، بل هنا احتمالان

كلٌّ تعلّق بأحد طرفي الترديد : احتمال بقاء الحيوان وهو متعلّق بالطويل ،

ص: 386

واحتمال عدمه وهو متعلّق بالقصير .

وبعبارة اُخرى : ما هو محتمل البقاء وهو الطويل محتمل التحقّق من أوّل الأمر ، كما أنّ ما هو محتمل الزوال محتمل التحقّق ، وما هو يقيني التحقّق ومحتمل البقاء هو الكلّي الجامع بينهما .

وإن شئت قلت : إنّ المتيقّن هو المعلوم بالإجمال إذا لوحظ الموجود الخارجي بخصوصيته ، فإنّ الحيوان في الخارج وإن كان جزئياً حقيقياً لكن العالم مردّد بين كونه طويل العمر أو قصيره ، وهذا عبارة اُخرى عن العلم الإجمالي والفرد المردّد بحسب وجدان العالم ، والشكّ في البقاء لم يتعلّق بهذا المعلوم بالإجمال ؛ لأنّ معنى تعلّقه به أن يشكّ في بقاء هذا المعلوم المجمل المردّد ، فإذا علم بوجود حيوان مردّد بين الفرس والحمار وشكّ في موت ما هو المردّد المجمل بأن احتمل موته سواء كان فرساً أو حماراً كان الشكّ متعلّقاً بعين ما تعلّق به اليقين وتكون القضيتان متّحدتين .

وأمّا في المقام فليس كذلك ؛ لأ نّه لا يحتمل زوال الحيوان المردّد بين الطويل والقصير ، كما هو واضح .

وما نحن فيه كذلك ؛ لأنّ المال الذي لم يتعلّق به إذن المالك معلوم بالإجمال ومردّد بين كونه للجائر أو غيره ، وبعد إذن الجائر علم بتبدّل عدم إذنه بالوجود ، وعلم ببقاء عدم إذن الطرف لو كان مالكاً ، لكنّ الشكّ في بقاء عدم إذن المالك لأجل احتمال كون المالك غير الجائر لا لاحتمال عدم التبدّل سواء كان المالك جائراً أم غيره ، فمحتمل البقاء محتمل التحقّق لا متيقّنه .

وبالجملة : المتيقّن معلوم بالإجمال ، ومحتمل البقاء أحد المحتملين دون

ص: 387

الآخر ، فاستصحاب عدم وقوع الإذن من المالك كاستصحاب عدم التمليك منه غير جارٍ ، فتدبّر ، فإنّه حقيق به .

وأمّا استصحاب الكلّي فلا مسرح له في المقام ؛ لأنّ أحد طرفي الترديد مالك والآخر غير مالك ، ولا يعقل أن يكون الجامع بينهما القابل للصدق عليهما المالك غير الآذن ، مع أنّ في استصحاب الجامع في المقام إشكالاً نغمض عنه .

ثمّ إنّ الظاهر جريان الأصل الحكمي ، وهو أصالة بقاء حرمة التصرّف في المجاز فيه من قبل الجائر ؛ لأنّ عدم جوازه قبل إجازته كان معلوماً بالتفصيل وإن كان منشؤه معلوماً إجمالاً ، وهو نظير العلم بنجاسة مائع تفصيلاً مع التردّد في أنّ نجاسته من وقوع قطرة من دم زيد فيه أو عمرو ، فالتردّد في المنشأ لا في المعلول .

فالعلم التفصيلي متعلّق بحرمة التصرّف في المال المأخوذ ، والشكّ في بقائها عيناً .

ففرق بين المقام وما تقدّم ، كما يظهر بالتأمّل .

كما أنّ استصحاب عدم النقل بعد تمليك الجائر لا مانع منه .

حول جريان قاعدة اليد في المقام

ثمّ إنّه ربما يتوهّم أنّ اليد معتبرة في المأخوذ بعد العلم التفصيلي بحرمة ما في يد الجائر(1) .

وفيه : أنّ ما قلنا في عدم تأثير العلم الإجمالي وعدم منجّزيته في

ص: 388


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 168 .

حرمة التصرّف ، لا قبل الإجازة ولا بعدها ، للعلم التفصيلي بحرمة الجميع قبلها

وحرمة ما في يد الجائر بعدها . وأنّ العلم بأنّ هذا مال زيد أو مال الجائر لا يؤثّر

في حرمة التصرّف .

غير جارٍ هاهنا ؛ لأنّ اليد أمارة عقلائية أنفذها الشارع ، وهي كاشفة عن مالكية ذي اليد ، ويترتّب على ما في يده جميع آثار الملكية الواقعية من البيع والشراء والصلح والإجارة ونحوها ، بل يجوز الشهادة على ملكية ذي اليد ، ومع العلم الإجمالي بأنّ بعض ما في يده ليس منه تسقط يده عن الأمارية والحجّية ، سواء كان مستندها الدليل الشرعي ، كقوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، أو بناء العقلاء ؛ لعدم البناء جزماً على ترتيب آثار ملكية ذي اليد على مالين يعلم بأنّ أحدهما مغصوب ولا على أحدهما المعيّن ، فلا محالة تسقط عن الاعتبار ، وذلك من غير فرق بين كون المالين تحت يده أو نقلهما أو نقل واحداً منهما إلى غيره ، ومن غير فرق بين ما إذا أجاز في تصرّفهما أو تصرّف واحد منهما أو لا . فالعلم التفصيلي بحرمة التصرّف أجنبيّ عن المقام ، مع أنّ اعتبار إجازة التصرّف فيه ونفوذ تمليكه مستنداً إلى اليد موقوف على اعتبارها قبلهما ، فلا يعقل توقّف حجّيتها على أحدهما .

نعم ، لو قلنا بأنّ المستند لها هو الدليل التعبّدي ؛ أي قوله : «من استولى على

شيء . . .» ، بناءً على عدم وروده إمضاءً لما في يد العقلاء ، يمكن أن يقال : إنّ إطلاقه يقتضي حجّيتها ولو في موارد لم يحرز بناء العقلاء على العمل أو اُحرز

ص: 389


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .

عدم بنائهم عليه ، فيصحّ أن يقال : إنّه مع خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء

مطلقاً ، بناءً على سقوط أثر العلم به أو مع سقوط العلم بوجه آخر ، تكون اليد حجّة بالنسبة إلى سائر الأطراف ، فيفصّل بين كون المستند في اعتبار اليد بناء العقلاء ، فيقال بعدم اعتبارها مطلقاً ، وبين كونه الدليل الشرعي ، فيفصّل بين سقوط العلم عن التنجيز وعدمه .

هذا بناءً على إطلاق أدلّة اعتبار اليد بالنحو المشار إليه ، لكنّه لا يخلو من تأمّل .

ويمكن دعوى بناء العقلاء على ترتيب آثار اليد في بعض الأطراف المبتلى به مع كثرة الأطراف وإن لم تبلغ حدّ غير المحصورة ، والمسألة محتاجة إلى الفحص والتأمّل .

حول جريان أصالة الصحّة في المقام

وأمّا أصالة الصحّة المتشبّث بها للمقصود(1) :

فإن كان المراد منها : أصالة الحمل على المباح في دوران الأمر بين حرمة العمل وحلّيته فيقال : إنّ تصرّف الجائر في الجائزة بنحو الإجازة في التصرّف فيها أو الإعطاء لها محمول على الإباحة الواقعية ، ولازمها ملكيته ونفوذ إجازته وتمليكه فيدفع بها احتمال حرمة تصرّف المجاز ، واحتمال عدم النقل إليه والاُصول الحكمية محكومة لأصالة الصحّة ولو قيل بعدم حكومتها على الاُصول الموضوعية ؛ لما عرفت من عدم جريانها فليس في المقام إلاّ أصالة

ص: 390


1- شرح القواعد ، كاشف الغطاء 1 : 339 .

حرمة التصرّف وأصالة عدم الانتقال .

فيمكن أن يناقش فيها بأنّ المحرز من بناء العقلاء على اعتبار أصالة الصحّة - وكذا الأدلّة الشرعية التي يظهر منها مفروغية اعتبارها في الأبواب المتفرّقة الكثيرة كجواز الاكتفاء بتجهيز الميّت الصادر من المسلم مع احتمال فساده ، والأدلّة المرغّبة إلى الجماعة مع احتمال بطلان صلاة الإمام والمأمومين الحائلين في الصفوف ، وأدلّة تنفيذ الوكالة وجواز ترتيب الآثار على فعل الوكيل وكذا الوصيّ ، إلى غير ذلك من الأدلّة الظاهرة في جواز الاتّكال على فعل الغير من أوّل الفقه إلى آخره ، وقلّما كان في الفقه موضوع نحو أصالة الصحّة في وفور الأدلّة على اعتباره وإن لم يكن شيء منها بعنوانها لكن يعلم منها مفروغيتها - هو حمل الفعل الذي له جهة صحّة وجهة فساد على الصحّة الواقعية مع الشرائط المقرّرة في محلّه(1) .

فبناء العقلاء على ترتيب آثار الصحّة على أفعال تقع تارة صحيحة واُخرى فاسدة كالعقود والإيقاعات ، وكانوا يشهدون على ما ملكه الغير ببيع وصلح ونحوهما ، ويتزوّجون المطلّقات ولا يعتدّون باحتمال الفساد .

ولم يحرز بناؤهم على حمل فعل مردّد بين الحرمة والحلّية التكليفية على الحلّية الواقعية فيحلفون على كون فعله حلالاً ويشهدون عليه مع احتمال الحرمة ، بل خلافه محرز .

إذ الدوران بين الحرمة والحلّية ليس من دورانه بين الصحّة والفساد بالمعنى

ص: 391


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 398 .

المتقدّم الذي هو موافق للعرف والاعتبار . وهذا العنوان وإن لم يكن موضوع دليل لفظي ، بل هو عنوان مأخوذ في كلام الفقهاء ، لكن يمكن الاستئناس به ؛ لاختصاص حجّيتها بالمورد المتقدّم .

وكيف كان نحن لا نحتاج إلى الدليل على العدم ، بل يكفي عدم الدليل على اعتبارها في المورد .

وإن اُريد منها الصحّة الوضعية ؛ أي نفوذ إجازته وصحّة هبته وجائزته ليستكشف منها ملكية الجائر ويترتّب عليها آثارها .

ففيه : أنّ المسلّم من بناء العقلاء والأدلّة الشرعية غير مورد العلم الإجمالي

سواء كان منجّزاً أم لا ، مضافاً إلى أ نّه لا يثبت بأصالة الصحّة إلاّ صحّة العقد ونحوه ، وكون المال لغيره لا ينافيها كما قرّر في محلّه(1) .

مضافاً إلى إمكان الاستدلال على عدم جواز ترتيب تلك اللوازم ؛ أي كشف الملكية ونحوها عليها بقوله في رواية حفص بن غياث الواردة في اعتبار اليد : «ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ سلب اعتبار اليد موجب لاختلال نظم السوق ، مع أ نّه لو ترتّبت على أصالة الصحّة تلك اللوازم وثبتت بها الملكية وغيرها من الآثار لما اختلّ نظام السوق بواسطة عدم اعتبارها ، بل لما احتاج المسلمون إلى اعتبارها في قيام سوقهم ، ولو فرض في بعض الموارد النادرة الاحتياج إليه لما كان

ص: 392


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 421 .
2- الكافي 7 : 387 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 25 ، الحديث 2 .

موجباً لاختلاله مع عدم اعتبارها مطلقاً .

فتحصّل من جميع ما مرّ أنّ في بعض الموارد على بعض المباني تكون اليد حجّة ويصحّ الاستناد إليها ويدفع بها استصحاب حرمة التصرّف وعدم الانتقال ، وفي سائر الموارد تكون أصالة حرمة التصرّف وعدم الانتقال محكّمة وتقدّم على أصالة الحلّ تحكيماً .

هذا كلّه فيما علم إجمالاً بأنّ هذا المال المأخوذ مثلاً من الغير ، أو ذلك فيما هو في معدود ، وأمّا إذا علم أنّ في أموال فلان مالاً محرّماً وكان له طرق معاش محلّلة وبعض طرق محرّمة فالظاهر قيام بناء العقلاء والسيرة المتشرّعة على اعتبار يده ، وهذه الصورة خارجة من مفروض مسألتنا هذه ، وسيأتي الكلام فيها .

صورة تنجيز العلم الإجمالي في جميع الأطراف

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري تعرّض لمسألة اُخرى في ذيل المسألة الثانية(1) تكون من شقوقها أو مسألة مستقلّة ، وهي صورة تنجيز العلم الإجمالي جميع الأطراف .

وتفصيل القول فيه بوجه يتّضح الحال في مطلق العلم الإجمالي أ نّه تارة

يكون العلم الإجمالي من قبيل المقام ، وهو ما كان الأطراف مسبوقة بالعلم التفصيلي مع عدم إيجاب جريان الأصل فيها للمخالفة العملية ، فاستصحاب حرمة التصرّف في كلّ من الأطراف جارٍ وحاكم على أصالة الحلّ ، بناءً على

ص: 393


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .

جريانه في الأطراف في هذا الفرض ، وبناءً على عموم أدلّة الحلّ للأطراف المعلوم بالإجمال .

وأمّا في سائر الصور وفي مطلقها بناءً على سقوط الاُصول في الأطراف بالمعارضة أو عدم جريانها :

فربّما يقال : مقتضى إطلاق أدلّة الحلّ وخصوص صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(1) ، حلّية جميع الأطراف وسقوط العلم الإجمالي رأساً ، وقد تقدّم(2) عدم محظور عقلي فيه .

وفيه : أنّ في الصحيحة احتمالات :

أحدها : أنّ المراد بالشيء هو الموجود المتشخّص كما هو ظاهره ، والضمائر راجعة إليه . فيكون المعنى : كلّ موجود شخصي في الخارج فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى يتميّز الحلال والحرام ويعرف الحرام بعينه . فيختصّ بمورد اختلاط الحلال والحرام وحصول موجود شخصي عرفي ، كاختلاط الخلّ والخمر . وهذا بعيد جدّاً سيّما مع عدم تحقّق الغاية مطلقاً أو نوعاً .

ثانيها : هذا الاحتمال ، لكن مع إرجاع ضمير «فيه» إلى جنس الشيء المتشخّص استخداماً . فالمعنى : كلّ متشخّص في جنسه نوع حلال ونوع حرام

ص: 394


1- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 372 .

مع الجهل بانطباق أحد العنوانين عليه فهو حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه باندراجه تحت النوع الحرام . فيختصّ بالشبهة البدوية ، أو يعمّ أطراف العلم الإجمالي بإطلاقه .

ثالثها : أن يراد بالشيء الطبيعة ، فالمعنى : كلّ طبيعة قسم منها حلال وقسم حرام فهي حلال حتّى تعرف القسم الحرام فتدعه . وهذا كالثاني في الاختصاص بالشبهة البدوية أو الإطلاق .

رابعها : أن يراد بالشيء مجموع شيئين فصاعداً مع اعتبار الوحدة . فيراد : كلّ مجموع فيه حلال وحرام ؛ أي بعضه حلال وبعضه حرام فذلك المجموع حلال أبداً حتّى تعرف الحرام فتدعه .

وأمّا احتمال أن يكون المراد من قوله : «فيه حلال وحرام» احتمالهما ، فبعيد غايته .

فعلى الاحتمال الأوّل والرابع تكون واردة في خصوص المعلوم بالإجمال أو المختلط بنحو ما مرّ ، لكنّ الاحتمالين ضعيفان مخالفان لفهم العرف ، أمّا الأوّل فظاهر . وأمّا الرابع فلأنّ حمل «كلّ شيء» على كلّ مجموع واحد بالاعتبار في غاية البعد .

فالأظهر هو الاحتمال الثالث .

ويؤيّده ورود نظيرها في ذيل روايات الجبن : كرواية عبداللّه بن سليمان ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن ؟ فقال لي : «لقد سألتني عن طعام يعجبني» إلى أن قال : قلت : ما تقول في الجبن ؟ قال : «أو لم ترني آكله ؟» قلت : بلى ولكنّي أحبّ أن أسمعه منك ، فقال : «ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه

ص: 395

حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(1) .

فإنّ السؤال عن الطبيعة ولو بلحاظ وجودها ، لا عن خصوص مصداق أو مصاديق منضمّة بعضها ببعض . ولعلّ منشأ سؤاله علمه بأن يجعل في بعض الأمكنة فيه الميتة ، كما ربّما تشهد به رواية أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن ؟ فقلت له : أخبرني من رأى أ نّه يجعل فيه الميتة ؟ فقال : «أمِنْ أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين ؟ ! . . .»(2) .

فعليه لا يراد بها خصوص المعلوم بالإجمال ، بل إمّا يراد بها خصوص المشتبه بدواً ، أو مقتضى إطلاقها التعميم ، لكنّ الأخذ بهذا الإطلاق مشكل أو ممنوع :

أمّا أوّلاً : فلإعراض الأصحاب عنه ، فإنّه لم ينقل جواز ارتكاب الجميع إلاّ

عن شرذمة من المتأخّرين(3) ، والكلام هاهنا في مطلق المعلوم بالإجمال ، لا خصوص الجوائز ، وسيأتي الكلام فيها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ العقل وإن لا يأبى عن تجويز ارتكاب جميع الأطراف لماتقدّم(4) لكنّ العرف والعقلاء يأبون عنه بعد ما لا يحتمل تخصيص الواقع ؛ لأنّ

ص: 396


1- الكافي 6 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .
3- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 177 .
4- تقدّم في الصفحة 372 .

الحكم الظاهري لا يخصّص الأحكام الواقعية حتّى يحتمل في مورد التخصيص عدم الاقتضاء في الموضوع .

ولا يحتمل أن يكون عروض الشبهة موجباً لتغيير مفسدته ، فلا محالة يكون الموضوع باقياً على مفسدته ، لكن في الشبهة البدوية يكون التحليل الظاهري لمصلحة في التوسعة أو مفسدة في التضييق تكون في نظر الشارع الأقدس مراعاتها أهمّ من المفسدة المبتلى بها في بعض الأحيان ، بخلاف أطراف العلم الإجمالي ، فإنّ ترك العقول بحالها من إلزام الاجتناب لا يوجب مفسدة غالبة على مفسدة الواقع ولا يكون في ترك الأطراف مضيقة وحرج .

وإن شئت قلت : إنّ ما ذكرناه سابقاً (1) من عدم كون الترخيص في جميع الأطراف ترخيصاً في المعصية، إنّما هو بنظر العقل الدقيق المخالف لنظر العرف ، وأمّا بهذا النظر فيكون الترخيص في جميع الأطراف مستبعداً أو قبيحاً ، فتكون مثل تلك الرواية قاصرة عن إثباته .

فلو صحّ ذلك فلا بدّ من الالتزام بجواز إيقاع المكلّف نفسه في الشبهة فيخلط الحرام بالحلال عمداً فيرتكب الجميع ، وهو كما ترى .

وتوهّم أنّ الرواية متعرّضة لحال ما كان مشتبهاً بطبعه وبلا اختيار تحكّم .

وبالجملة : أنّ الرواية في محيط العرف مخصّصة أو منصرفة عن أطراف العلم الإجمالي .

وأمّا موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «كلّ

ص: 397


1- تقدّم في الصفحة 372.

شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك . والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة»(1) .

ففي كونها من أدلّة أصالة الحلّ إشكال منشؤه عدم انطباق شيء من الأمثلة المذكورة فيها على أصالة الحلّ ؛ لأنّ احتمال السرقة في المال الذي اشتراه من الغير مدفوع باليد الحاكمة عليها ، وكذا الحال في المملوك . واحتمال اُختية امرأة تحته وكذا احتمال كونها رضيعته مدفوع ببناء العقلاء على عدم الاعتناء بتلك الاحتمالات فيما بأيديهم .

ولعلّ منشأه قاعدة اليد ، فإنّها لا تنحصر على مورد الشكّ في ملكية الأعيان ، بل الاستيلاء واليد على كلّ شيء أمارة عقلائية على ملكيته له بالمعنى الأعمّ .

فمن استولى على موقوفة بعنوان التولية عليها ويعمل عملها معها يبني العقلاء على ولايته وأنّ يده واستيلاءه أمارة عليها . ومن استولى على امرأة استيلاء زواج يحكم العقلاء بكونها زوجته ويعمل معها معاملة زوجيته الواقعية من غير اعتناء باحتمال أ نّها اُخته أو رضيعته .

هذا بالنسبة إلى استيلاء الغير واضح .

والظاهر أ نّه كذلك لو شكّ المستولي بعد استيلائه ، سيّما مع معاملته مع

ص: 398


1- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .

المستولى عليه معاملة الملكية أو الزوجية ، فمن كانت تحته امرأة يعامل معها معاملة الزواج ثمّ شكّ في أ نّها اُخته أو رضيعته لا يعتني به ؛ لأنّ الاستيلاء الزواجي كاشف عن زوجيته ، ولو اعتنى بشكّه يعدّ مخالفاً لطريقة العقلاء ، كما أنّ الأمر كذلك فيما استولى عليه من الأموال .

ولعلّ قوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، يعمّ مطلق الاستيلاء ، فيعمّ كونه له لمطلق الاختصاص الأعمّ من الاختصاص الملكي ، ولو استشكل فيه فلا ينبغي الإشكال في بناء العرف .

مع أنّ مقتضى الاستصحاب عدم كونها رضيعته . وأمّا استصحاب عدم كونها اُخته النسبية فجريانه مبنيّ على جريان الأصل في الأعدام الأزلية .

وكيف كان ليس شيء من الأمثلة مورد جريان أصالة الحلّ .

فلا بدّ من دفع الإشكال :

إمّا بأن يقال : إنّ الأمثلة المذكورة لم تذكر مثالاً لقوله : «كلّ شيء هو لك . . .» ، بل ذكرت على سبيل التنظير باُمور عقلائية للتشابه بينها وبين أصالة الحلّ بوجه ، فكأ نّه قال : كما أنّ في الموارد المذكورة يبنى على الحلّ كذلك يبنى عليه في مطلق ما شكّ فيه من غير نظر إلى وجه البناء عليه ، فتكون الرواية بصدد بيان أصالة الحلّ والأمثلة تقريب بالأذهان بوجه .

أو يقال : إنّ قوله : «هو لك» جملة وصفية لقوله : «كلّ شيء» و«حلال» خبره ، فكأ نّه قال : كلّ شيء استوليت عليه حلال حتّى تعلم خلافه . بدعوى أنّ

ص: 399


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .

الأمثلة قرينة عليه ، وفي ضمير الفصل إشعار به ، فتكون الرواية بصدد بيان جواز

ترتيب آثار الحلّية على ما استولى عليه تأسيساً أو إرشاداً إن قلنا بموافقته لبناء العقلاء .

أو يقال : إنّ المراد بقوله : «كلّ شيء هو لك حلال» ليس أصالة الحلّ بقرينة الأمثلة بل المراد بيان الحلّية المنكشفة بتلك الأمارات تأسيساً أو إرشاداً ، والمراد بالمعرفة هي الوجدانية ، أو الأعمّ منها ومن البيّنة المقدّمة عليها ، كما جعل في ذيلها الاستبانة وقيام البيّنة غاية للحلّ .

أو يقال : إنّ المراد بالحلال معنىً عامّ بنحو الجمع في التعبير يشمل مورد الأصل والأمارة لا خصوص واحد منهما .

فقد ظهر أ نّها من أدلّة أصالة الحلّ على بعض الاحتمالات .

والإنصاف أنّ الاتّكال عليها لأصالة الحلّ وإجراءها في أطراف العلم مشكل في مشكل ، ولو سلّم ذاك وذلك يأتي فيها ما قلناه في صحيحة ابن سنان .

تمسّك السيّد الطباطبائي بالروايات الواردة في شراء السرقة والربا

ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي تمسّك بروايات لعدم لحوق حكم الشبهة المحصورة في المقام بل مطلقاً ؛ أي في غير الجوائز وغير السلطان وعامله في الجملة وفي جميع الأطراف(1) :

منها : ما وردت في شراء السرقة والخيانة ، كصحيحة أبي بصير ، قال : سألت

ص: 400


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي : 172 - 174 .

أحدهما عن شراء الخيانة والسرقة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(1) .

ورواية الجرّاح المدائني عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «لا يصلح شراء السرقة

والخيانة إذا عرفت»(2) .

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(3) .

أقول : أمّا الكلام في السلطان وعامله فسيأتي إن شاء اللّه .

وأمّا في غيرهما فمحصّل الكلام فيه : أنّ الروايتين الأخيرتين مساقهما كمساق سائر ما وردت في شراء السرقة والخيانة ، كقوله في حديث المناهي : «ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها»(4) .

وقوله : «من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها»(5) .

ص: 401


1- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1088 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1089 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .
4- الفقيه 4 : 9 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 333 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 1 .
5- الكافي 5 : 229 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 337 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وقوله في بيع الجارية المسروقة : «إذا أنبأهم أ نّها سرقة فلا يحلّ ، وإن لم يعلم فلا بأس»(1) .

هو التفصيل بين العلم والجهل ، لا العلم الإجمالي والتفصيلي ، فلا دلالة فيها على مطلوبه .

مع أنّ توهّم نفي البأس عن بعض الأطراف بالخصوص بلا مرجّح ، كما ترى ، تأمّل . وعن كليهما دفعة أو تدريجاً مخالف للروايات المذكورة ؛ ضرورة أنّ من اشترى مجموع أمرين يعلم كون أحدهما سرقة ، أو اشترى مخلوطاً من المسروق وغيره فقد اشترى السرقة وهو يعلم وصدق أ نّه اشترى السرقة مع معرفته بأ نّها سرقة .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من مرسلة ابن أبي نجران عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها»(2) أنّ الشركة في العار أمر عقلائي لا تعبّدي . ومن الواضح أنّ شراء أطراف ما علم كون بعضها سرقة دفعةً أو تدريجاً عار وعيب لدى العقلاء ويعدّ مشتريها آكل مال السرقة . والظاهر أنّ شراء بعض الأطراف أيضاً لا يخلو من عار وعيب ، بخلاف مورد الشكّ البدوي مع قيام الطرق العقلائية على ملك البائع .

وبالجملة : إنّ الظاهر من تلك الروايات هو تجويز المجهول لا المعلوم بالإجمال .

ص: 402


1- قرب الإسناد : 267 / 1064 ؛ وسائل الشيعة 17 : 338 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1، الحديث 12 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة السابقة ، الهامش 5 .

وتوهّم الإطلاق غير وجيه ، وعلى فرض التسليم فلا شبهة في الانصراف .

وأمّا صحيحة أبي بصير(1) فيمكن أن يقال فيها : إنّ الاختلاط مع غيره في مقابل السرقة بعينها هو الاشتباه بغيره ، فإنّ قوله : «بعينها» تأكيد للسرقة ، كأ نّه قال : السرقة نفس السرقة ، ولا شبهة في أنّ المختلط بمعنى الامتزاج إذا اشترى يقع الاشتراء بالسرقة بعينها ونفسها ، وكذا إذا اشترى المعلوم بالإجمال بأطرافه يصدق أ نّه اشترى السرقة بعينها .

فتلك الجملة قرينة على أنّ الاختلاط ليس هو الامتزاج ليلزم التناقض بين الجملتين ، بل يراد به الاشتباه شبهة بدوية .

ولو سلّم دلالتها على جواز شراء المختلط بالحرام فالظاهر أنّ السؤال عن الحكم الوضعي ؛ أي صحّة الشراء ، كما هو كذلك في جميع الأسئلة الواردة في الأسباب الشرعية والعقلائية . فالمراد أنّ شراء السرقة غير جائز ، وأمّا إذا اختلط بغيره فيصحّ شراؤه ؛ لأ نّه مال يمكن تطهيره بإخراج خمسه أو التصالح أو الصدقة ، فلا ربط لها بعدم اعتبار العلم الإجمالي .

وبالجملة : إنّ تصحيح شراء المختلط لا يدلّ على جواز أكل المشتري إيّاه ؛ لعدم كونها في مقام بيان غير صحّته ، ولو فرض إطلاقه فلا محالة وجب إخراج خمسه بأدلّة ثبوته في المال المختلط بالحرام .

ولو اُغمض عن ذلك فلا بدّ وأن يقال : إنّ الاختلاط موجب للتحليل واقعاً وخروج الملك عن ملكية صاحبه ودخوله في ملك الغاصب ليصحّ الشراء ، وهو

ص: 403


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

- بعد الغضّ عن مخالفته للقواعد المحكّمة وعدم إمكان تركها إلاّ بأدلّة قاطعة صريحة معمول عليها ، وهذه الرواية مع الاحتمال المتقدّم لا تصلح لذلك - موجب لوقوع التعارض بينها وبين سائر الروايات المتقدّمة ؛ لأنّ سلب العلم ولو إجمالاً عن الطريقية والحجّية غير ممكن ، فلا بدّ من التصرّف في المعلوم . فلا

بدّ وأن يقال : إنّ موضوع الحكم في الصحيحة هو المال المختلط ، علم به أم لا . فشراء المال المختلط بالسرقة صحيح واقعاً ، علم بها أم لا .

ومضمون تلك الروايات أنّ شراء المعلوم باطل ، إجمالاً كان العلم أم تفصيلاً ، مختلطاً كان المعلوم أم لا .

فتتعارض الطائفتان تعارض العموم من وجه ، والترجيح مع سائر الروايات بوجوه لو قلنا بعمل العلاج في تعارض العامّين من وجه ، ومع القول بالتساقط فمقتضى القواعد العامّة عدم الجواز .

ومنها : ما وردت في باب الربا :

كصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «أتى رجل أبي فقال : إنّي ورثت مالاً ، وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي ، وقد أعرف أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحلّ أكله . فقال أبو جعفر علیه السلام : «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكلْه هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهل وسع له جهله حتّى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه

ص: 404

العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا»(1) .

وقريب منها صحيحته الاُخرى(2) ، ورواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أربى بجهالة ثمّ أراد أن يتركه ؟ قال : «أمّا ما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل» . ثمّ قال : «إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام . . . »(3) وذكر الحديث المتقدّم .

وأنت خبير : بأنّ مورد بحثنا بعد الفراغ عن الحكم الواقعي ، وعدم الفرق بحسب إطلاق الأدلّة والطرق الاجتهادية بين المعلوم والمجهول ؛ أي كان الحكم متعلّقاً بنفس الطبيعة من غير قيد وإنّما العلم كان طريقاً محضاً إلى الواقع .

وأمّا إذا اختلف الحكم الواقعي بحسب حال العلم والجهل فهو خارج عن محطّ البحث .

ونحن وإن لم نكن بصدد تنقيح المسألة المعنونة عند الفقهاء في باب الربا لكن من الواضح للمراجع أنّ المبحوث عنه عندهم في المال الربوي الحاصل بجهالة والمال المورّث ممّن كان يربي هو الحكم الواقعي ، فذهب ابن الجنيد إلى التفصيل بين المختلط والمعزول في الربا بجهالة وفي المورّث ممّن يربي(4) ،

ص: 405


1- الكافي5 : 145 / 5 ؛ وسائل الشيعة 18 : 129 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 15 / 66 ؛ وسائل الشيعة 18 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 6 .
3- الكافي 5 : 146 / 9 ؛ وسائل الشيعة 18 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 4 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 5 : 109 .

وقوّاه بعض المتأخّرين استناداً إلى تلك الروايات(1) ، فيظهر أنّ مورد كلامهم غير ما نحن بصدده .

وأمّا صحيحة الحلبي المتقدّمة فالظاهر من قوله فيها : «فإنّ المال مالك» أنّ المختلط ماله واقعاً ، ولمّا كان احتمال كون الاختلاط من النواقل بعيداً جدّاً لا يبعد أن يقال : إنّ الأمر بردّ الربا المعروف إلى صاحبه إن كان معروفاً محمول على الاستحباب .

بل يمكن أن يقال : إنّ الأمر بالردّ لمّا تعلّق بصورة واحدة ، وهي معروفية المال وصاحبه ، تكون سائر الصور ؛ أي صورة اختلاطه مع معروفية الصاحب وعدمها ، وصورة كون الصاحب غير معلوم مع معروفية المال وعدمها ، داخلة في عدم لزوم الردّ ، وذكر أحد مصاديق المفهوم غير عزيز ، ويكون التعليل للجميع ، لا لخصوص صورة الاختلاط ، فيكون الحمل على الاستحباب حينئذٍ أقرب .

وعليه يمكن أن يكون المفروض في السؤال والجواب صورة جهالة المورّث بحكم الربا ، بالقرينة المذكورة وبمحفوفية الرواية بما لا يبعد أن تكون قرينة عليه زائدة على ما ذكرناه وهو قوله : «فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى . . .» . فإنّ الظاهر أنّ التناسب بينه وما تقدّم هو مفروضية جهالة المورّث .

ويؤيّده أيضاً رواية أبي الربيع المتقدّمة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، حيث

استشهد علیه السلام بعد بيان حكم الربا بجهالة بقول أبيه علیه السلام ، وهو ما في رواية الحلبي بعينها ، وهو شاهد على أنّ مورد قول أبي جعفر علیه السلام أيضاً هو الربا بجهالة .

ص: 406


1- رياض المسائل 8 : 287 .

ويحتمل أن يكون مورد السؤال فيها هو الربا مع عدم العلم بكونه بجهالة أو لا ، فحينئذٍ لا يبعد القول بأمارية يد المورّث لما في يده ؛ لإطلاق قوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، ولبناء العقلاء ، فحينئذٍ يكون قوله : «فإنّ المال مالك» لأجل انتقاله إليه ممّن يكون ماله بأمارة شرعية فيحمل الأمر بردّ الربا المعروف على الاستحباب ، بل لو قلنا في تلك المسألة بالتفصيل كما قال به ابن الجنيد يكون ذلك في الحكم الواقعي كما أشرنا إليه .

وقريب ممّا ذكرناه يقع الكلام في صحيحة الحلبي الاُخرى .

وكيف كان إثبات ما رامه السيّد رحمه الله علیه بهذه الروايات مشكل بل ممنوع .

هذا كلّه في غير روايات الباب .

في التمسّك بالروايات الواردة في جوائز السلطان وعمّاله

وأمّا الروايات الخاصّة بجوائز السلطان وعمّاله :

فمنها : صحيحة أبي ولاّد ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلاّ من أعمالهم ، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ وربّما أمر لي بالدراهم والكسوة ، وقد ضاق صدري من ذلك ؟ فقال لي : «كل وخذ منه ، فلك المهنأ (الحظّ - خ . ل) وعليه الوزر»(2) .

ص: 407


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 940 ؛ وسائل الشيعة 17 : 213 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 1 .

والظاهر أنّ الرجل المسؤول عنه من هو داخل في ديوان السلطان نحو الوزير والمستوفي والوالي . وبالجملة المراد منه أهل الديوان لا من يعمل للسلطان شخصه كالخيّاط ونحوه ، ولا غير الديواني كمن يعمل للسلطان كالسرّاج والصيقل .

ويظهر من الجواب أنّ المراد منه غير الشيعي المجاز من قبل الأئمّة علیهم السلام في الدخول في أعمالهم ، وهو واضح .

ويراد بقوله : «ليس له مكسب» ، أن لا معيشة له إلاّ من أعمالهم ، وليس المراد الكسب المساوق للتجارة ظاهراً حتّى يقال : إنّ المراد منه الأجير للسلطان في عمل .

والظاهر أنّ تقييد مورد السؤال بما ذكر ليس لمجرّد بيان الواقعة من غير نظر

إلى احتمال دخالته في الحكم ، بل هو لأمر ارتكازي عقلائي ، وهو أنّ من لا مكسب له ولا طريق لمعيشته إلاّ الحرام لا يعتني العقلاء بيده ولا يعملون مع ما في يده معاملة ملكه ، نظير ما مرّ في رواية «الاحتجاج»(1) في قضيّة وكيل الوقف ، حيث قيّد فيها جواز أخذ برّه بكون معاش ومال له غير الوقف ، وقد قلنا : إنّ الجواب موافق ظاهراً لبناء العقلاء في اعتبار اليد(2) .

وعلى ذلك يكون التقييد لاحتمال دخالته في الحكم ، فكأ نّه قال : من لا معاش له إلاّ من عمل السلطان يجوز أخذ جائزته والأكل من طعامه ؟ لا للعلم

ص: 408


1- تقدّمت في الصفحة 367 .
2- تقدّم في الصفحة 368 .

التفصيلي بحرمة ما في يده ؛ فإنّ العلم به ممنوع نوعاً ؛ لاحتمال كون ما أعطاه من غير الحرام كإرث أو هديّة ونحوهما ، وقلّما يتّفق للوارد على الوالي والعامل العلم التفصيلي بحرمة عطيّته ونحوها ، مضافاً إلى أنّ السؤال معه بعيد جدّاً .

وقوله : «ولك المهنأ وعليه الوزر» لا يراد به ظاهراً أنّ الوزر في ذلك المال محقّق معلوم حتّى نحتاج في توجيهه(1) إلى أنّ المفروض في السؤال معلومية حرمته على العامل ، سواء كان من الخراج ونحوه أو من صلب مال السلطان أو من الظلم على العباد ، وكان قوله : «لا مكسب له غير أعمالهم» لإفادة ذلك ، وإن احتمل الحلّية للآخذ ؛ لاحتمال جواز بعضها للشيعة .

بل الظاهر أنّ ذلك تعبير عرفي يقال في مورد المشتبه عند السائل ، فيقال لمن يأكل من طعام المضيف : إنّ حظّه لك ووزره عليه ؛ أي إن كان فيه وزر . فالتعبير جارٍ على ما تعارف عند الناس ، وليس له ظهور في فرض الوزر الفعلي المحقّق .

وبالجملة : ليس ذيل الرواية قرينة على فرض العلم التفصيلي ، بل الصدر قرينة على الذيل لو سلّم ظهور ما له .

نعم ، الظاهر في مفروض السؤال هو مورد العلم الإجمالي مع خصوصية زائدة هي قوّة احتمال كون الجائزة من الحاصل في أعمالهم ؛ إذ لا مكسب له غيره .

ومن ترك الاستفصال يستفاد أنّ الحكم جارٍ فيما إذا علم إجمالاً باشتمال

ص: 409


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 178 - 179 .

أموال العامل على محرّم غير نحو الخراج والزكاة ، سيّما مع كثرة الظلم في ديوانهم وأخذهم مال الناس زائداً على الأموال المفروضة في الإسلام .

ثمّ الظاهر أنّ مورد الرواية هو كون الجائزة والضيافة من أطراف المعلوم بالإجمال ، وسائر الصور خارجة عنه حتّى مورد العلم الإجمالي باشتمالهما على محرّم ؛ لغاية بُعد حصول العلم لمن ورد على العامل وصار ضيفاً له بغتة على اشتمال ضيافته أو جائزته على العين المحرّمة .

فمورد السؤال والجواب هو الصورة التي قلنا فيها بحرمة التصرّف بحكم الاستصحاب ؛ أي ما إذا كان بعض الأطراف مجازاً أو جائزة دون سائر ما في يد المجيز ، فالصورة التي فرضها الشيخ الأنصاري في ذيل الصورة الثانية(1) خارجة عن مورد الرواية ، وإنّما موردها هو الصورة الثانية . وقد عرفت(2) حال اليد وأصالة الصحّة والخروج عن محلّ الابتلاء .

فصحيحة أبي ولاّد مخالفة لاستصحاب حرمة التصرّف في المال ، وللعلم الإجمالي الموجب لسقوط اليد عن الاعتبار ؛ لما عرفت من سقوطها ولو لم تكن الأطراف أو بعضها جائزة التصرّف له .

إلاّ أن يقال : إنّ جريان الاستصحاب وسقوط اليد عن الاعتبار إنّما هو في موردٍ علم إجمالاً أنّ هذا المجاز أو الجائزة من مال الغير أو ذاك الذي تحت يد المجيز ، ويلحق به ما إذا لم يكن للمجيز معيشة إلاّ من الحرام كالسرقة وقطّاع

ص: 410


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .
2- تقدّم في الصفحة 388 وما بعدها .

الطريق وغيرهما ممّن كان طريق معاشه منحصراً في غير المشروع . وأمّا من كان

له طرق مشروعة لمعاشه فيده معتبرة ولو علم إجمالاً بأنّ في أمواله مغصوباً أو محرّماً ؛ لما مرّ(1) أنّ بناء العقلاء وسيرة المتشرّعة على معاملة الملكية مع ما في يد التاجر وغيره ولو مع العلم بأنّ في أمواله محرّماً ، وتدلّ عليه الرواية المتقدّمة

في متولّي مال الوقف(2) .

فيمكن أن يقال في المقام : إنّ مورد السؤال هو جائزة من يلي عمل السلطان ولا مكسب له غيره . والظاهر أنّ ضيق صدره لأجل اعتقاده بأنّ ما في يد العامل حرام نوعاً ولو كان من قبيل الخراج والمقاسمة والزكاة ؛ لعدم أهليتهم لأخذها ، ولعلّه الظاهر من تقييده بأن لا مكسب له غير أعمالهم ، وقد قلنا (3) بسقوط اليد لدى العقلاء إذا كان ذو اليد ممّن لا شغل له إلاّ الحرام .

والجواب بالحلّ لعلّه لأجل كون نوع ما في يد العمّال من الخراج والمقاسمة والزكاة ، ممّا أخذها السلطان بدعوى ولايته الشرعية حلالاً أخذه وشراؤه وكان الزارع المأخوذ منه فارغ الذمّة منها شرعاً كما يأتي الكلام فيه .

فحينئذٍ يكون يد العامل الذي لا شغل له إلاّ عمل السلطان على الجوائز والأموال الاُخر كيد التاجر الذي لا شغل له إلاّ التجارة وإن علم أنّ في تجارة هذا وما في يد ذاك محرّماً ، فكما أنّ يد التاجر كاشفة عن ملكيته ومعتبرة لدى العقلاء والمتشرّعة كذلك يد العامل على الأموال التي تحت استيلائه كاشفة عن

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 393 .
2- تقدّمت في الصفحة 367 .
3- تقدّم في الصفحة 408 .

كونها مأخوذة خراجاً ومقاسمة ونحوهما لا ظلماً وعدواناً ، فهذه اليد معتبرة لدى العقلاء والمتشرّعة بعد حلّية ما ذكر وإن علم إجمالاً أنّ في جملة الأموال التي تحت يدهم مالاً مغصوباً .

فلا يبعد أن تكون الروايات الواردة في حلّ الجوائز موافقة للقاعدة بعد البناء على حلّية الخراج ونحوه وجواز أخذها وشرائها من السلاطين وعمّالهم .

ولو نوقش في كاشفيتها عن كون المأخوذ خراجاً ونحوه فلا أقلّ من اعتبارها لدى العقلاء وعدم الاعتناء بكونه مأخوذاً ظلماً وعدواناً .

وإن شئت قلت : كما أنّ ما في يد عامل الصدقات من قبل السلطان العادل يعامل معه معاملة ملكيته الأعمّ من الملكية الشخصية والسلطنة على جهة الولاية فيشتري العقلاء والمتشرّعة منه ما في يده وإن علم أنّ في جملة الأموال التي تحت يده حراماً ولا يعتنى باحتمال كون المحرّم هذا المبيع ، كذلك في المقام بعد الفرض المتقدّم .

وبعبارة اُخرى : إنّ وجه التوقّف عن الأخذ والمعاملة معه إمّا احتمال كونه من مال الصدقة فالمفروض أ نّه أجاز وليّ الأمر الحقيقي لذلك ، أو العلم الإجمالي باشتمال ما في يده على المظلمة فقد عرفت عدم اعتناء العقلاء بذلك في الأشباه والنظائر .

وإن أبيت عن كلّ ما ذكر فلا ينبغي الإشكال في أنّ الروايات الواردة في الباب على كثرتها لا تدلّ على الحلّ في غير المورد المتقدّم ؛ أي مورد العلم الإجمالي بأنّ في أموال العامل محرّماً واحتمل كون المأخوذ منه .

وأمّا سائر الصور الأربع وكذا الصورة التي تعرّض لها الشيخ الأنصاري في

ص: 412

ذيل الصورة الثانية(1) فلا دلالة لها عليه ؛ لأنّ قوله : «جوائز السلطان لا بأس به»(2) ، وقوله : أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها ؟ قال : «نعم» ، قلت : وأحجّ بها ؟ قال : «نعم»(3) ، ونحوهما (4) ، منصرفة إلى ما هو المعمول المتعارف المعهود من جائزة السلاطين وعمّالهم من غير علمهم بأ نّها محرّمة أو فيها محرّم ، بل من غير العلم بأنّ هذا أو ذاك محرّم .

وبالجملة : ليست الروايات بصدد تحليل مال الغير على الآخذ بمجرّد كون المأخوذ منه سلطاناً أو عاملاً له .

وإن شئت قلت : إنّ الروايات بصدد بيان جواز أخذ جائزتهم ، لا تحليل المحرّم المعلوم بالتفصيل أو الإجمال ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة .

نعم ، لمّا كانت الصورة الثانية كالملازم لجوائزهم ؛ بمعنى أنّ العلم بكون بعض أموالهم محرّماً حاصل لنوع الناس ، فلا محالة تكون هذه الصورة مشمولة للحكم .

وتشهد لما ذكرناه روايات :

ص: 413


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .
2- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 163 ؛ وسائل الشيعة 17 : 218 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 16 ، وفي المصدر : «لا بأس بجوائز السلطان» .
3- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 942 ؛ وسائل الشيعة 17 : 213 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 3 و5 .

منها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أ نّه يظلم ؟ قال : «اشتر منه»(1) .

وقريب منها رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عنه علیه السلام (2) .

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم ؟ قال : «يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً»(3) .

وهي كالنصّ فيما ذكرناه ، فإنّه استثنى فيها صورة العلم تفصيلاً أو إجمالاً بأنّ فيه الحرام .

ومنها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أ نّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ؟ قال : فقال : «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ؛ لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه»(4) .

وليس المراد بقوله ذلك العلم التفصيلي وتجويز شراء ما علم إجمالاً أنّ فيه حراماً ، بل المراد به ما هو المتعارف من شراء الصدقات ، حيث لا يعلم بأنّ في

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 938 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 132 / 582 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 375 / 1093 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 2 .
4- الكافي5 : 228 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 5 .

مورد الشراء محرّماً وإن علم بأنّ في أموال العامل محرّماً . ويمكن أن يكون

«بعينه» تأكيداً للحرام فيعمّ العلم الإجمالي أيضاً .

وبالجملة : ليس المراد تجويز شراء أموال المظلوم إلاّ إذا علم تفصيلاً وهو واضح .

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم تنافيها لما ذكرناه ومعارضتها لتلك الروايات :

منها : صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أحدهما عن شراء الخيانة والسرقة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(1) .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(2) .

وقريب منها رواية أحمد بن محمّد بن عيسى في «نوادره» ، عن أبيه(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، حيث دلّت على جواز شراء الخيانة والسرقة المعروفة

بعينها من السلطان وعمّاله .

وأنت خبير بأنّ في الصحيحة احتمالات :

ص: 415


1- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1088 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 ؛ وسائل الشيعة 17 : 220 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 6 .

أحدها : أن يراد بالمسروق من متاع السلطان ما كان لشخصه ، ولعلّ نفي البأس لكونه ناصباً ، وقد ورد فيه : «خذ ماله أينما وجدت»(1) .

وعلى هذا الاحتمال لا تنافي بينها وبين ما تقدّمت ، لكنّه بعيد عن مذاق الشارع ، سيّما بالنسبة إلى السلطان الذي تقتضي التقيّة المداراة معه للمصالح العامّة ويكون في تركها مظنّة الفتن العظيمة . والظاهر أنّ سيرة الأئمّة علیهم السلام

المعاملة معهم في أملاكهم وأموالهم معاملة الملاّك .

ولا ينافي ذلك أن يكون الحكم الأَوّلي هدر دمهم ومالهم ، كما أنّ الزواج معهم أيضاً صحيح واقعاً في دار التقيّة ؛ لأنّ أحكامها واقع ثانوي .

ثانيها : أن يراد به ما سرق من السلطان بما هو سلطان ؛ أي يجوز شراء ما سرق من بيت المال ، باعتبار أنّ بيت المال من المسلمين وليس للسلطان الجائر ولاية عليه .

وهو أيضاً بعيد ؛ لما تقدّم في الوجه الأوّل .

ثالثها : أن يراد به متاع السلطان المسروق من الناس والمأخوذ منهم خيانة ، فيراد تجويز شراء المسروق إذا كان السلطان وعمّاله سارقاً ، فيراد به التفصيل بين السلطان الجائر وغيره فأجاز شراء مال المظلوم سرقة من السلطان لا من غيره .

وهو أبعد الوجوه ، بل ينبغي القطع بفساده ؛ لمخالفته للقواعد المحكمة العقلية والشرعية وللأخبار المتقدّمة ولظاهر الرواية .

ص: 416


1- تهذيب الأحكام 4 : 122 / 350 ؛ وسائل الشيعة 9 : 487 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه ، الباب 2 ، الحديث 6 .

رابعها : أن يراد بمتاع السلطان ما أخذه بعنوان السلطنة الشرعية من الخراج وغيره خيانة على الإسلام وعلى أئمّة الحقّ الولاة للأمر ، ولا بأس بتسمية هذا سرقة .

وهو أقرب الاحتمالات من حيث موافقته للعقل ولسائر الروايات ولسيرة الأئمّة وأصحابهم ، فلا بدّ من حملها عليه وإن لا يخلو من مخالفة ظاهر .

ولو نوقش فيه فلا أقلّ من عدم ظهورها في الاحتمال الثالث حتّى يتوهّم مخالفتها لما تقدّم .

وعليه تحمل الروايتان الاُخريان ، فيراد من «شيء اشتريته من العامل» هو ما يكون العامل بما هو عامل كفيلاً لبيعه .

وأمّا احتمال تجويز شراء المال المسروق من الناس إن كان السارق عاملاً فينبغي القطع بفساده ، فلا يراد بتلك الروايات إثبات مزيّة للسلطان أو العامل زائدةً على تجويز الشراء من بيت المال منهم .

بل لا أظنّ ممّا وردت في الروايات السابقة من تحليل جوائز السلطان وعمّاله وإن علم أ نّهم يظلمون الناس ويأخذون منهم زائداً عن الحقّ المقرّر عليهم إرادة إثبات مزيّة لهم على ولاة الحقّ . بل الظاهر أ نّه اُريد بها تجويز الأخذ منهم على نحو الأخذ من الوالي العادل ، لا إثبات الجواز فيما لا يجوز لو كان المعطي السلطان العادل وعمّاله .

ولهذا قلنا : إنّ تلك الروايات موافقة للقواعد بعد جواز شراء الصدقات والخرائج . وعليه يلحق به كلّ مورد يكون من قبيل المقام ، لا لإلغاء الخصوصية من الروايات ، فإنّه ممنوع ، بل لاقتضاء القواعد ذلك .

ص: 417

ثمّ بما ذكرناه في مفاد الروايات يتّضح عدم معارضتها لرواية «الاحتجاج» المتقدّمة الواردة في بعض وكلاء الوقف المستحلّ لما في يده وفيها : «الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه وإلاّ فلا»(1) . فإنّ موردها - وهو عدم ممرّ يحلّ لنا الأخذ منه - غير مورد الروايات ، حيث كان في أيديهم من الصدقات والخرائج وهي حلال لنا .

ص: 418


1- تقدّمت في الصفحة 367 .
الصورة الثالثة العلم التفصيلي بحرمة المأخوذ من السلطان الجائر
اشارة

ومنها : أن يعلم تفصيلاً حرمة ما يأخذه . فحينئذٍ تارة : يعلم بإمكان ردّه إلى مالكه أو من بحكمه ، واُخرى : يعلم بعدم إمكانه ، وثالثة : يشكّ في ذلك . وعلى التقادير قد يعلم برضا مالكه بأخذه ، وقد يعلم بعدم رضاه ، وقد يشكّ فيه . وعلى التقادير قد يحصل العلم بالحرمة قبل وقوعه في يده ، وقد يحصل بعده .

الإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية

وقبل التعرّض لحال الصور لا بأس بالإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية وحدود دلالتها :

فنقول : منها : موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث «أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها ، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه»(1) .

والظاهر من نفي الحلّية في مقابل الحلّية بطيب نفسه هي الواقعية ، لا الأعمّ منها ومن الظاهرية حتّى يقال(2) باستفادة حكمين منها؛ أحدهما: نفي الحلّ

ص: 419


1- الكافي 7 : 274 / 5 ؛ الفقيه 4 : 66 / 195 ؛ وسائل الشيعة 29 : 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 177 - 178 .

الواقعي وإثباته لدى طيب نفسه، وثانيهما: نفي الحلّية الظاهرية الذي بمنزلة

جعل الاحتياط عند الشكّ في طيب نفسه ، فكأ نّه قال : لا يحلّ ماله مطلقاً واقعاً وظاهراً إلاّ مع طيب نفسه فيحلّ معه واقعاً ، فيكون الاستثناء من قسم من المستثنى منه .

فإنّ هذا الاحتمال مخالف للظاهر وموجب للتفكيك بين الصدر والذيل وإن لا يمتنع الجمع بينهما بجعل واحد .

وعلى ما استظهرناه ربّما يقال بجواز التصرّف في أموال المسلم مع الشكّ في رضاه لو لم يحرز عدم رضاه بالأصل ، وهو مخالف فتوى العلماء وسيرة العرف على ما حكي وادّعي(1) وهو غير بعيد . ويمكن الاستشهاد له بموثّقة أبي بصير في باب حرمة سبّ المؤمن عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله كحرمة دمه»(2) .

بدعوى كونه بصدد بيان الكيفية في حرمة المال لا أصل الحرمة ، بدليل تغيير اُسلوب البيان فيها ، ومقتضى إطلاق التشبيه وجوب الاحتياط لدى الشكّ كما وجب في الدم ، ولذا اشتهر بينهم وجوبه فيه كما يجب في الدم .

وربما يقال : إنّ الظاهر عرفاً في مثل المورد الذي جعل الطيب سبباً

ص: 420


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 182 .
2- الكافي2 : 359 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 297 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 158 ، الحديث 3 .

لجواز التصرّف هو عدم جوازه إلاّ بإحراز السبب وقيام الحجّة(1) .

وفيه : أنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان الحكم الواقعي في المستثنى والمستثنى منه .

فإن اُريد بما ذكر أنّ الإحراز غاية للحكم الواقعي فمع كونه خلاف ظاهر استثناء عنوان الطيب الظاهر في الواقعي منه لا إحرازه كما في جميع العناوين المأخوذة في الأحكام ، يلزم الالتزام بحرمة التصرّف واقعاً مع طيب نفس صاحب المال واقعاً ما لم يحرز ، وهو كما ترى ، ولا أظنّ التزامهم به .

وإن جعل إحراز الطيب استثناءً من الحكم الظاهري فلا حكم ظاهري مجعول إلاّ أن يجعل نفي الحلّ أعمّ من الظاهري والواقعي والاستثناء لخصوص الظاهري .

أو قيل بعموم المستثنى والمستثنى منه ، فيراد منه لا يحلّ المال واقعاً وظاهراً إلاّ مع طيب نفسه واقعاً فيحلّ واقعاً ، وإلاّ مع إحرازه فيحلّ ظاهراً .

وكلّ ذلك تعسّفات لا ينبغي التقوّل بها .

ثمّ الظاهر أنّ انتساب عدم الحلّ إلى ذات المال مبنيّ على ادّعاء وتنزيل ، كما في الأشباه والنظائر على ما هو التحقيق ، لا على حذف المضاف كما قيل(2) ، فيكون مقتضى إطلاق التنزيل ونفي حلّية الذات نفي حلّية مطلق التصرّفات .

ودعوى الانصراف إلى التصرّفات الراجعة إلى نفع المتصرّف لا ما يرجع إلى نفع صاحب المال(3) ، غير وجيهة ، بل الظاهر منه تحديد حمى المالكية وتثبيت

ص: 421


1- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم المحرّمة: 182.
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 183 .
3- نفس المصدر .

سلطنة المالك والمنع عن دخالة الغير في سلطانه ، فلا وجه لدعوى الانصراف عن التصرّف النافع له برغم أنفه المخالف لسلطنته ، من غير فرق بين كون منعه لذلك لغرض عقلائي أو لا .

وأبعد منها دعوى كونه القدر المتيقّن منه ، خصوصاً مع عدم عموم لفظي إلاّ باعتبار حذف المتعلّق الراجع في تشخيصه إلى العرف(1) .

فإنّ القدر المتيقّن لا يضرّ بالإطلاق ، وإلاّ لما سلم إطلاق في الفقه ، وحذف المتعلّق ممنوع كما أشرنا إليه .

وبالجملة : دعوى عدم حلّية الذات إنّما تحسن إذا كان جميع التصرّفات غير حلال ، أو نزّل حلالها منزلة العدم ، وهو يحتاج إلى دلالة .

نعم ، يمكن دعوى الانصراف عن مورد لم يكن في نفس المالك رضاً ولا كراهة فعلاً ولو ارتكازاً إذا كان التصرّف لمجرّد الإيصال إليه .

بل يمكن الاستئناس للحكم في هذه الصورة بل وصورة الشكّ في الرضا بأخبار اللقطة(2) ؛ إذ إطلاقها يقتضي جواز الالتقاط مع الشكّ في رضا صاحبه ومع العلم بخلوّ نفسه من الطرفين .

نعم ، الظاهر عدم إطلاقها لحال العلم بعدم الرضا .

فأدلّة حرمة التصرّف وكذا دليل جعل الاحتياط في الأموال مع الشكّ على فرض وجوده منصرفة عن مثل المقام ، فعليه يجوز أخذ المال للردّ إلى صاحبه مع العلم بخلوّ ذهنه ومع الشكّ في رضاه .

ص: 422


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 183 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 .

ثمّ الظاهر من طيب نفسه هو الفعلي منه ولو بنحو الارتكاز والاختزان في النفس وإن كان غافلاً عنه ، فلا يعتبر الالتفات إلى طيب نفسه ، بل يكفي ما هو المخزون فيها .

كما لا يكفي التقديري منه مع عدم تحقّقه فعلاً ، وإلاّ لزم الالتزام بجواز التصرّف مع كراهته الفعلية إذا أحرز أ نّه على تقدير التفاته بجهة كعلمه وورعه يصير راضياً وتطيب نفسه به ، وهو كما ترى .

ثمّ إنّ الكلام في هذه الرواية جارٍ في سائر ما بمضمونها أو قريب منها .

حال الصور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم التكليفي

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى حال الصور المتقدّمة من حيث الحكم التكليفي والوضعي .

فنقول : أمّا لو علم برضا صاحب المال فلا إشكال في جوازه في جميع الموارد .

كما لو علم عدم رضاه ولو بأخذه وردّه إليه ، فلا ينبغي أيضاً التأمّل في حرمته ؛ لإطلاق الأدلّة ، سواء كان عدم الرضا أو المنع بجهة عقلائي أم لا . ودعوى الانصراف وعدم الإطلاق قد عرفت ما فيهما .

وقد يقال بتعارض الرواية مع نحو قوله : عون الضعيف صدقة ، كموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام : «عونك الضعيف من أفضل الصدقات»(1) .

ص: 423


1- الكافي 5 : 55 / 2 ؛ وسائل الشيعة 15 : 141 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 59 ، الحديث 2 .

بدعوى : أنّ أخذ المال من الغاصب والردّ إلى صاحبه من العون عليه .

ومع نحو قوله : «كلّ معروف صدقة» كما في صحيحة معاوية بن وهب(1) . فإنّ ذلك معروف فيكون مستحبّاً كالصدقة .

بل مع نحو قوله : )ما عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ((2) . فإنّ ما ذكر إحسان على صاحبه .

فمع عدم رضاه أو منعه يمكن أن يقال بسقوطهما بالتعارض والرجوع إلى أصالة الحلّ ، بل يمكن أن يقال بحكومتها عليها . نعم ، لو كان المنع لغرض عقلائي فالظاهر عدم جوازه ؛ لعدم صدق الإحسان ونحوه ، أو مع صدقه يكون مشوباً بالإساءة فيقدّم جانب الحرمة(3) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ سنخ تلك الروايات الواردة في المستحبّات لا إطلاق لها حتّى يزاحم المحرّمات - أنّ التصرّف في مال الغير بلا إذنه أو مع منعه ظلم عليه لا إعانة وإحسان ، ومنكر لا معروف ، فيكون خارجاً عن مفادها موضوعاً . ولو سلّم فلا شبهة في انصرافها عن مثل المورد ، فلا وجه للتعارض بينها وبين ما تقدّم .

بل لقائل أن يقول : إنّ تنزيل العون والمعروف منزلة الصدقة يستشعر منه عدم

ص: 424


1- الكافي 4 : 26 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 285 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- التوبة (9) : 91 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 181 و183 .

جواز التصرّف بغير إذن صاحبه ، كما أنّ الصدقة لا تصحّ ولا تجوز بجهة محرّمة . فكما لا تجوز الصدقة بمال الغير أو بماله إذا تعلّق به حقّ الغير، كذلك لا يجوز العون والإحسان مع كون مورده التصرّف في مال الغير بلا إذنه أو مع منعه .

نعم ، قد عرفت جواز الأخذ لمجرّد الإيصال إلى صاحبه في مورد خلوّ ذهنه عن الرضا والكراهة ولو ارتكازاً ، وإن لا يجوز سائر التصرّفات لتعليقها على طيب نفسه الظاهر في الفعلية . وكذا يجوز في مورد الشكّ في طيب نفسه ؛ لكونه من الشبهة المصداقية للأدلّة ، ولانصراف دليل جعل الاحتياط في مورد الشكّ عنه على فرض وجود دليل لفظي كما أشرنا إليه(1) . ولو كان الحكم إجماعياً يكون المتيقّن منه غير المورد .

هذا إذا لم يلحق مورد الشكّ في عدم الرضا بالعلم به بالأصل ، فلا بدّ من بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه ولا جريانه .

بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه

فنقول مقدّمة : إنّ المحتمل في قوله : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه»(2) :

أن يكون بصدد بيان حكم المستثنى ؛ أي الحلّية مع الطيب ، فيكون المراد من قوله : «لا يحلّ ماله إلاّ بالطيب» أ نّه لا يتحقّق الحلّ إلاّ بالطيب الذي سببه ، ومع فقده ينتفي المسبّب ، لا بصدد جعل عدم الحلّ على موضوعه . فحاصل المراد أنّ

ص: 425


1- تقدّم في الصفحة 422 .
2- تقدّم في الصفحة 419 .

الحلّ مسبّب عن الطيب وينتفي بانتفائه ، وهو أمر عقلي لا مجعول شرعي .

وأن يكون بصدد بيان حكم المستثنى منه ؛ أي جعل عدم الحلّ مع فقد الطيب .

وأن يكون بصدد بيان حكمهما فيكون المجعول عدم الحلّ مع فقد طيب نفسه والحلّ مع تحقّقه . وتظهر الثمرة عند الشكّ في بعض الموارد .

ثمّ إنّ قوله : «لا يحلّ» يمكن أن يكون بصدد بيان مجعولية هذا الأمر العدمي

بنفسه وإن فرض استلزامه للحرمة . ويمكن أن يكون كناية عن مجعولية الحرمة ، نظير قوله : «إنّ الخبر الكذائي لا يوافق القرآن» أو «إنّ فلاناً لا يوافق الفلان في

كذا» حيث يراد به المخالفة ،وقوله : «فلان لا يرضى بذلك» ويراد به كراهته لا نفي رضاه ، وهو الأظهر .

والأظهر أ نّها بصدد بيان حكم المستثنى منه ، كما يظهر من صدرها ؛ أي قوله :

«فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم . . .»(1) ، أو بصدد بيان الجملتين لا بيان خصوص المستثنى .

ثمّ إنّه على القول بجعل السببية في مثل المقام(2) ؛ أي جعل سببية الطيب للحلّ ، أو عدمه لعدمه ، لا يفيد الاستصحاب على جميع الاحتمالات ؛ لأنّ نفي المسبّب بنفي سببه عقلي وإن كان جعل السببية شرعياً ، كما أنّ ترتّب المسبّب على سببه عقلي لا شرعي .

فلو قلنا بجعل سببية الطيب للحلّ فاستصحاب عدم الطيب لنفي الحلّ عقلي ،

ص: 426


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 419 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 180 .

بل نفي الحلّ على الفرض الأوّل ممّا تقدّم عبارة عن سلب الحكم الشرعي ، لا إثبات الحكم ؛ أي عدم الحلّ . فإثباته بهذا السلب أيضاً عقلي ، ولو اُغمض عنه فإثبات الحرمة بسلب الحلّ أيضاً عقلي .

وأمّا على القول بجعل المسبّب عقيب السبب في مثل المقام ، فإثبات المسبّب باستصحاب سببه لا مانع منه ، وأمّا نفيه بنفيه لا يخلو من كلام .

هذا على الاحتمال الأوّل ، وأمّا على غيره فإن قلنا بجعل المسبّب عقيب السبب فلا إشكال في أنّ استصحاب عدم الطيب لعدم الحلّ غير مثبت وإن كان إثبات الحرمة به مثبتاً ، إلاّ أن يكون المجعول حرمة التصرّف .

فالأصل إنّما يجري إن كان المجعول المسبّب عقيب السبب وقلنا بأ نّه الحرمة عقيب عدم طيب نفسه .

ثمّ إنّ جريان الاستصحاب موقوف على إحراز موضوع الدليل الاجتهادي به ، وهو إنّما يحرز وينقّح إذا كان الموضوع بقيوده مجرى الأصل .

ففي المقام موضوع عدم الحلّ - أي الحرمة - مال امرئ مسلم بلا طيب نفسه ، فلا بدّ من تنقيحه بالأصل حتّى يترتّب عليه الحكم ، فإن كان ذلك بقيوده مسبوقاً بالتحقّق يجري الأصل .

فلو علم أنّ صاحب المال الكذائي كان لا يطيب بالتصرّف فيه وشكّ في تبديله يستصحب ويحكم بالحرمة من غير فرق بين اعتبار طيبه سابقاً أو لا .

كما لو كان صاحب المال غير بالغ واحتمل عند بلوغه حصول طيب نفسه ، فاستصحاب عدم طيب نفسه قبل البلوغ كافٍ لإثبات الحرمة حال البلوغ ؛ لكفاية كون الموضوع ذا أثر حال الشكّ .

ص: 427

إلاّ أن يناقش في المثال بأنّ موضوع الحكم هو امرؤ كذا وهو رجل بالغ ، وبإلغاء الخصوصية تدخل المرأة فيه ، لا غير البالغ ، فيأتي فيه الإشكال الذي في الفرض الآتي ، فتدبّر .

وأمّا إن علم بعدم طيب نفسه قبل انتقال المال إليه فاستصحاب عدم طيب نفس صاحب المال الذي هو موضوع الحكم لا يجري ؛ لعدم الحالة السابقة اليقينية للمستصحب ، وما هو مسبوق بالتيقّن هو عدم طيب نفسه بهذا المال لا بما هو مضاف إليه ، وهو مع قطع الإضافة ليس موضوعاً للحكم ، وإثبات الإضافة بعد الجرّ إلى زمان الملكية عقلي وليس الموضوع مركّباً بل بسيط مقيّد .

وبهذا يظهر عدم جريان استصحاب عدم الطيب بعدم المغصوب منه أو بعدم المغصوب ، فتدبّر .

هذا حال الحكم التكليفي ، وأمّا الوضعي منه فنقول :

حال صور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم الوضعي

إنّ الأخذ إمّا أن يكون بعد العلم بالحرمة أو قبله ، وعلى التقديرين قد يكون مع العلم برضاه ، وقد يكون مع العلم بعدمه ، أو مع العلم بخلوّ ذهنه منهما ، أو مع الشكّ في رضاه وعدمه ، أو خلوّ ذهنه وعدمه .

وعلى أيّ تقدير تارة : يكون الأخذ بإكراه واضطرار تقيّة ، وتارة : يكون باختيار .

فإذا كان بعد العلم به ومع الاختيار فالضمان وإن لم يثبت ظاهراً لكن ثبوته واقعاً تابع لعدم رضاه واقعاً ، كما أنّ عدمه تابع لرضاه واقعاً ، ولا دخل للعلم

ص: 428

والجهل فيهما ، فمع العلم برضاه جاز الأخذ ظاهراً لكنّه موجب لضمان اليد ، ومع العلم بعدمه لا يجوز ظاهراً ومتجرٍّ فيه وإن لم يضمن واقعاً ، وفي صورة الشكّ أيضاً يكون الضمان الواقعي تابعاً لعدم رضاه .

نعم ، مع إحراز عدم طيب نفسه بالأصل كما في بعض الصور يحكم بضمانه ، ومع عدم جريانه فالحكم به تابع لمقدار دلالة دليل الاحتياط في الأموال ، فإن دلّ على لزومه في الحكم الوضعي أيضاً يحكم بالضمان احتياطاً ، وإن قلنا باختصاص دليله بالتكليف وعدم دليل على الوضعي كما لا يبعد فلا يحكم به ؛ لكون الشبهة مصداقية لأدلّته .

ومع العلم بعدم كراهته ورضاه فعلاً لو أخذه بقصد الردّ إليه يكون محسناً ولا ضمان عليه .

نعم ، هنا كلام وهو أنّ نفي السبيل عن المحسن هل يختصّ بمن كان محسناً فعلاً وفاعلاً ، أو بمن كان محسناً فعلاً ، أو بمن كان محسناً فاعلاً وإن لم يكن كذلك واقعاً ؟

فمن أخذ ضالّة ليردّها إلى شخص بتخيّل أ نّه صاحبها وكان غيره لم يضمن على الأخير دون غيره ، ومن أخذها ليردّها إلى شخص بتخيّل أ نّه غير صاحبها وكان صاحبها فتلف قبل الردّ لم يضمن على الثاني .

مقتضى الاشتقاق وإن كان الاختصاص بالثاني لكن مقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع الاختصاص بالثالث .

ولو كان مكرهاً أو مضطرّاً لأجل التقيّة في أخذه فمع رضاه لا إشكال فيه ، ومع عدمه يمكن أن يقال : إنّ الأخذ الإكراهي والاضطراري كلا أخذ بمقتضى

ص: 429

دليل الرفع(1) ، الرافع لذات ما اُكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه ، ومقتضى رفع الذات رفع جميع آثاره وضعاً وتكليفاً ، وهو حاكم على دليل ضمان اليد والإتلاف ؛ لأنّ موضوعهما الأخذ والاستيلاء والإتلاف ، ودليل الرفع يرفعهما ويجعلهما بمنزلة العدم .

نعم ، لابدّ للآخذ من ارتكاب ما هو أقلّ محذوراً ، فيقصد الردّ إلى صاحبه ، ومع قصد التملّك يضمن ، وكذا مع عدم قصد ردّه إليه ؛ لإطلاق دليل اليد .

ودعوى عدم إطلاقه(2) غير وجيهة ، كدعوى أنّ الأخذ بمنزلة عدمه(3) مطلقاً ، فإنّه لا يضطرّ إلى أخذه بلا قصد ردّه ولا يكره عليه كذلك ، بل هو مضطرّ إلى مهملة الأخذ لا مطلقه ولا قسم خاصّ منه .

إن قلت : إنّ دليل الرفع ينفي ما يضطرّ إليه وهو لا يضطرّ إلى الأخذ بلا ضمان ، ومقتضاه نفي الحكم التكليفي لا الوضعي .

قلت : لا يعقل تقييد الموضوع بحكمه ، فالرفع إنّما يتعلّق بالأخذ الذي هو موضوع ضمان اليد لا بالأخذ الضماني . وبعبارة اُخرى : إنّ موضوع الضمان هو الأخذ والاستيلاء ولا يعقل أن يكون الأخذ الضماني ، ودليل الرفع يرفع الموضوع .

ص: 430


1- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- منية الطالب 1 : 62 .
3- نفس المصدر .

إن قلت : لازم ذلك عدم الضمان في الأكل في المخمصة وهم لا يلتزمون به .

قلت : فرق بين المقامين ، فإنّ في المخمصة لا يضطرّ إلاّ إلى سدّ الرمق وهو يحصل بنفس المال ، لا بمال الغير ، ولا بالمال المجّان . وفي المقام يضطرّ إلى أخذ مال الغير ، لا أخذ ذات المال وهو مرفوع ، تأمّل . مع أنّ مقتضى امتنانية دليل الرفع عدم المجّانية في الأكل ، وأمّا في المقام فلمّا كان الضمان على الجائر لا يكون نفي الضمان عن الآخذ منافياً للامتنان .

هذا كلّه إذا كان الأخذ بعد العلم بالحرمة .

وأمّا إذا كان قبله فلا يخلو إمّا أن يكون شاكّاً ملتفتاً أو غافلاً ، أو قاطعاً بأ نّه مال الجائر .

فعلى الأوّل إمّا أن يكون يد الجائر معتبرة عنده وأمارة على ملكيته أو لا .

فعلى الثاني يستصحب عدم طيب نفس صاحب المال إن كان المال مسبوقاً بكونه للغير مع عدم طيب نفسه ، بأن يكون هذا المعنى الموضوع للحكم بجميع قيوده مسبوقاً باليقين ، وأمّا إذا كان بعض قيوده مسبوقاً به وبعض آخر حاصلاً بالوجدان فلا يجري الأصل ولا يحرز به الربط ؛ لكونه مثبتاً .

وهذا نظير ما لو كان موضوع جواز التقليد الفقيه إذا كان عادلاً أو الفقيه العادل ، فإنّه إذا كان الموضوع مسبوقاً باليقين بقيوده يجري الاستصحاب ، بخلاف ما لو كان فقاهته مسبوقة بالتحقّق دون عدالته وكانت عدالته محرزة بالوجدان حال الشكّ في فقاهته ، فإنّ إجراء استصحاب كونه فقيهاً لإحراز موضوع الدليل بالأصل والوجدان غير صحيح ؛ لعدم إثبات الكون الرابط أو التوصيف به إلاّ بالأصل المثبت .

ص: 431

نعم ، لو كان الموضوع مركّباً ، كأن دلّ الدليل على أنّ التقليد يصحّ من رجل عالم وعادل ، يمكن إحرازه بالأصل والوجدان وإن لا يخلو من كلام .

والمقام من قبيل الأوّل ، فلا يجري الأصل ، وفي صورة عدم جريانه لا يجوز الأخذ مع الاختيار إلاّ للإيصال إلى صاحبه مع الإمكان ولإجراء حكم مجهول المالك مع عدمه .

ومع الاضطرار والإكراه يأتي فيه الكلام المتقدّم .

وأمّا مع القطع بكونه مال الجائر ، أو الغفلة أو الالتفات وبنائه على اعتبار يده وأخذه بعنوان التملّك فيقع الكلام فيه في مقامين :

أحدهما : في أ نّه هل يكون الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجباً للضمان أو لا ؟

الثاني : بناءً على الضمان هل يبقى حكمه مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال أو لا ؟

في أنّ الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجب للضمان

أمّا الأوّل : فعن الشهيد والطباطبائي عدم الضمان مع الجهل(1) .

واستدلّ الأوّل بأنّ يده يد أمانة فيستصحب .

ولعلّ مراده أ نّه بحكم الأمانة في عدم الضمان ، ولعلّ موضوع كلامه هو القسم الشائع من المأخوذ ، وهو مورد جهله بأ نّه مال الغير مع الالتفات والاتّكال على يده ، لا مطلق الجهل .

ص: 432


1- مسالك الأفهام 3 : 142 ؛ المصابيح في الفقه ، قسم التجارة : 55 (مخطوط) .

ولعلّ وجهه أ نّه مع الاتّكال بالأمارة الشرعية في الأخذ بعنوان التملّك يرفع الضمان ، ويكون حاله حال الأمانة ، بتخيّل أنّ الأمر بالعمل بالأمارة أو الإذن به ينافي التضمين ، وهو كما ترى .

ولعلّ موضوع كلامه مطلق الجهل ، ووجه عدم الضمان أنّ «رفع ما لا يعلمون»(1) أعمّ من الوضعي كسائر فقراته .

وفيه : أنّ دليل جعل الاحتياط حاكم على «ما لا يعلمون» ، تأمّل . مع أنّ شموله لمورد قيام الأمارة على الخلاف ومورد القطع به غير ظاهر ، مضافاً إلى عدم التزام الأصحاب بذلك .

وقد يقال : إنّ دليل اليد لا يشمل مورد الجهل ؛ لأنّ ظاهره الاختصاص بما إذا

أخذ المال قهراً على المالك(2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة إطلاقه لجميع أنحاء الأخذ ، فالأوفق بالقواعد هو الضمان .

في بقاء الضمان مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال

المقام الثاني : وينبغي تعميم البحث إلى كلّ ما كان أخذه موجباً للضمان سواء علم بالواقعة حال الأخذ أم لا .

قد يقال : إنّه إذا نوى الحفظ والردّ إلى صاحبه زال الضمان ، وذلك لدخوله

ص: 433


1- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- منية الطالب 1 : 63 .

تحت عنوان الإحسان الموجب لعدم الضمان المخصّص لعموم على اليد في الابتداء والأثناء . والحاصل: أ نّه إذا انقلبت اليد من العدوان والخيانة إلى الإحسان والأمانة ينقلب الحكم(1) .

وربّما يردّ ذلك بأنّ يد الإحسان غير مقتضٍ للضمان وهو لا يزاحم اليد المقتضية للضمان .

وفيه : أنّ مدّعاه تخصيص دليل اليد بدليل الإحسان ، وليس المقام من قبيل تزاحم المقتضي مع اللامقتضي ؛ إذ لازمه الضمان حتّى إذا كان محسناً من أوّل الأمر ، وهو كما ترى .

فالجواب عن القائل بالانقلاب أنّ مقتضى دليل الإحسان هو نفي السبيل عن المحسن بما هو محسن ، لا نفيه ولو عمّا يقتضي إساءته أو غير إحسانه ، ومقتضى دليل اليد أنّ حدوثها على الشيء موجب للضمان مستمرّاً إلى زمان التأدية ، فموجب الضمان حدوث اليد غير الإحسانية فقط ، وليس للاستيلاء الإحساني أثر في الضمان حتّى يرفع بدليل الإحسان .

وبعبارة اُخرى : إنّ الموجب للضمان اليد العدوانية ، وهي غير مرفوعة بدليل الإحسان ، وما صدر عنه إحساناً ليست موجبة للضمان حتّى يرفع .

فتحصّل منه أنّ مقتضى القواعد عدم الانقلاب ، ولهذا لا يلتزمون به في يد الغاصب .

ص: 434


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 181 .
في وجوب ردّ المأخوذ إلى صاحبه

وعلى أيّ تقدير يجب على الآخذ ردّ المأخوذ إلى صاحبه بعد العلم بالقضيّة مع العلم بعدم رضا صاحبه بقاءه عنده ، بل مع الشكّ أيضاً ، بدليل الاستصحاب فيما جرى فيه والاحتياط في الأموال .

ودليله في صورة عدم رضاه - مضافاً إلى حكم العقل وإلى أ نّه ظلم وعدوان - إطلاق الأدلّة ، فإنّ إطلاق قوله في مثل صحيحة الشحّام : «لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(1) عدم حلّ حفظه وحبسه وغيرهما وإن فرض عدم صدق التصرّف عليها ؛ لأنّ مفادها أعمّ منه . ودعوى تقدير التصرّف قد مرّ بطلانها (2) .

ولازم عدم الحلّ التخلّص عنه بأقرب ما يمكن التخلّص كالمتوسّط في الأرض المغصوبة وذلك بحكم العقل .

وأمّا التشبّث بأدلّة وجوب ردّ الأمانات(3) فغير سديد ؛ لأنّ المورد ليس من قبيل الأمانات ، بل من الغصب أو نظيره ، إلاّ أن يدّعى الأولوية وهي غير ظاهرة ، فالدليل عليه ما عرفت .

ويدلّ عليه في الغاصب صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال

ص: 435


1- الكافي 7 : 273 / 12 ؛ وسائل الشيعة 29 : 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 421 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 184 .

رسول اللّه رحمهما اللّه : من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقّه لم يزل اللّه معرضاً عنه ، ماقتاً لأعماله التي يعملها من البرّ والخير ، لا يثبتها في حسناته حتّى يردّ المال

الذي أخذه إلى صاحبه»(1) . ونحوها مرسلةً رواية اُخرى(2) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «من أخذ عصا أخيه فليردّها»(3) .

والصحيحة تدلّ على وجوب الردّ فوراً ولو كان وجوباً عقلياً ؛ للتخلّص عن غضب اللّه .

والظاهر من الردّ الإيصال إلى صاحبه وإيقاعه تحت سلطانه ويده ، ولا يكفي مجرّد التخلية بينه وبين صاحبه ، وهو موافق لحكم العرف والعقلاء ، بخلاف باب الوديعة ، حيث إنّ ارتكاز العقلاء والمناسبات تقتضي صرف ظواهر الأدلّة لو دلّت على وجوب الردّ ، كما عليه الفقهاء أيضاً (4) .

وما ذكرناه مناسب لأخذ الغاصب بأشقّ الأحوال ، بل الظاهر لزوم الردّ والإيصال وإن كان ضررياً أو حرجياً ؛ لما ذكر من أخذه بالأشقّ ، ولانصراف دليلهما عنه .

وهل المأخوذ بغير عدوان وغصب وإن كان على وجه الضمان كالأخذ مع

ص: 436


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 322 / 9 ؛ وسائل الشيعة 16 : 53 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 78 ، الحديث 6 .
2- مستدرك الوسائل 17 : 89 ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، الحديث 8 .
3- عوالي اللآلي 3 : 473 / 5 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 88 ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، الحديث 6 .
4- الحدائق الناضرة 21 : 426 ؛ رياض المسائل 9 : 162 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 184 - 185 .

الجهل أو الجبر يلحق بالغصب ، أو بالوديعة فلا يجب إلاّ التخلية ؟

الأقرب إلحاقه بالغصب في وجوب إيصاله إلى صاحبه والتخلّص عنه بأقرب الطرق ؛ لعدم حلّ الأموال إلاّ بطيب نفس صاحبها . نعم ، لو كان الإيصال حرجياً يمكن رفعه بدليله .

في وجوب الفحص عن المالك لو كان مجهولاً

ثمّ لو كان المالك مجهولاً فهل يجب الفحص عنه أو لا ؟

اختار الشيخ الأعظم الثاني(1) ، تمسّكاً بإطلاق جملة من الروايات :

كرواية علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كُتّاب بني اُميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبداللّه علیه السلام ، فاستأذنت له ، فأذن له ، فلمّا أن دخل سلّم

وجلس ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه ، إلى أن قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال : «إن قلت لك تفعل ؟» قال : أفعل . قال له : «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به . . .»(2) الحديث .

فإنّ مقتضى إطلاقها جواز التصدّق بلا فحص . والحمل على مورد اليأس عن معرفة صاحبه كالحمل على عدم معرفته بعد الفحص خلاف الظاهر .

ص: 437


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 185 .
2- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

نعم ، لا يبعد انصرافه عن مورد يعلم بالعثور عليه بالفحص ، سيّما إذا علم بمعرفته بالفحص قليلاً .

وبالجملة : إنّ ترك الاستفصال دليل العموم ، بل ذيلها دالّ على عدم لزوم الفحص ؛ إذ من البعيد بل غير الممكن أ نّه كان تفحّص عن صاحب الأموال الكثيرة والأشخاص المتفرّقة ويئس عن معرفتهم في أشهر قلائل ، مع أنّ عدم ذكره الفحص دليل العدم .

والعمدة هي ترك الاستفصال والإطلاق ، وإلاّ فمن الممكن المناقشة في حجّية قول الراوي في بقائه أشهراً قلائل . والإنصاف تمامية دلالتها لولا ضعف سندها .

إلاّ أن يقال : لا معنى للإطلاق وترك الاستفصال في المقام ؛ لأ نّه قضيّة شخصية يحتمل علم الإمام علیه السلام بالواقعة ، وأنّ المورد لا يجب فيه الفحص، فتدبّر .

وأمّا سائر الروايات ففي إطلاقها إشكال :

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ؟ قال : «لا يصلح ثمنه» إلى أن قال : ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها»(1) .

فإنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان أفضلية هذه الخصلة من غيرها ، فكأنّ له خصالاً

ص: 438


1- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .

معهودة هي أفضلها ، لا بصدد بيان وجوب التصدّق . وكيف كان لا إطلاق فيها ، كما لا يخفى .

ومنه يظهر الكلام في رواية أبي أيّوب(1) .

وكرواية أبي علي بن راشد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام قلت : جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلمّا وفيت المال خبّرت أنّ الأرض وقف ؟ فقال : «لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في مالك ، وادفعها إلى من وقفت عليه» . قلت : لا أعرف لها ربّاً ؟ قال : «تصدّق بغلّتها»(2) .

فإنّ الظاهر من قوله : «لا أعرف لها ربّاً» أنّ من المحتمل عنده أن لا يكون له ربّ رأساً وأن وقفت الأرض لمطلق الخيرات ، وإلاّ كان حقّ التعبير في مجهول المالك أن يقول : لا أعرف ربّه .

والحاصل أنّ الظاهر أنّ الوقف كان مجهول المصرف لا مجهول المالك ، مع أنّ في متنها أيضاً كلاماً .

وكرواية علي بن ميمون الصائغ ، قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه ، فما أصنع به ؟ قال : «تصدّق به؛ فإمّا لك وإمّا لأهله»(3) .

ص: 439


1- الكافي 5 : 231 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 2 .
2- الكافي 7 : 37 / 35 ؛ وسائل الشيعة 17 : 364 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 17 ، الحديث 1 .
3- الكافي 5 : 250 / 24 ؛ وسائل الشيعة 18 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 16 ، الحديث 1 .

فإنّ الظاهر من قوله : «إمّا لك وإمّا لأهله» أنّ كون الذرّات للغير غير معلوم ، وكان نظره التخلّص من المحتمل . ويحتمل أن تكون الذرّات معرضاً عنها ، ويراد بما ذكر التخيير بين التملّك والتصدّق لنفسه أو التصدّق عن أهله ، تأمّل .

وأمّا روايته الاُخرى(1) ففي معلوم المالك ، فلا يمكن العمل بظاهرها .

وكيف كان ليس في الروايات ما يمكن الاستناد إليها لترك الفحص الواجب عقلاً والمؤيّد بما دلّت على وجوب الفحص في عدّة موارد ، فالأقوى وجوبه عقلاً .

وقد يقال : إنّ من بيده المال المجهول مالكه إن علم بعثوره على مالكه بالفحص يجب عليه .

ولو شكّ فيه فإمّا أن يكون التردّد بين من يقدر على إيصال المال إليه ومن لا يقدر ، أو بين من يقدر على الإيصال إلى كلّ منهم . وعلى الأوّل يجب الفحص إذا كان تردّده بعد العلم بكونه محصوراً بين المقدورين ، وبدونه لا يجب الفحص ؛ لأنّ خروج بعض الأطراف المعيّن من العلم الإجمالي عن مورد التكليف يوجب عدم وجوب الاحتياط بالنسبة إلى البعض الآخر ، بل يرجع فيها إلى أصالة البراءة ، ومع سقوط التكليف فلا مقتضى للفحص(2) ، انتهى .

لازم ما ذكره إجراء البراءة في الشكّ في القدرة على الإيصال ابتداء ، ومبناه على ما يظهر من كلامه أنّ القدرة من القيود الشرعية المستكشفة بالعقل .

ص: 440


1- تهذيب الأحكام 6 : 383 / 1131 ؛ وسائل الشيعة 18 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 187 .

ويرد عليه - بعد الإشكال في مبناه بما قرّر في محلّه(1) من أنّ القدرة ونحوها من الأعذار العقلية لامتثال التكاليف ، لا قيودها شرعاً أو عقلاً ، وأنّ التكاليف الكلّية القانونية فعليات على موضوعاتها من غير تقييد بالعلم والقدرة والالتفات وغيرها ، فحينئذٍ يجب الاحتياط عقلاً مع الشكّ في القدرة ، ويجب الفحص - أنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو قلنا بأنّ الواجب على الغاصب ونحوه الإيصال إلى صاحب المال وجوباً شرعياً ، وأمّا إن قلنا بعدم وجوبه شرعاً ، بل ليس في المال المغصوب ونحوه إلاّ حرمة الاستيلاء على أموال الناس عدواناً وبلا حقّ وحرمة التصرّف فيها ونحوه كالحفظ والحبس ، وإنّما يجب الإيصال تخلّصاً عن المحرّم المعلوم عقلاً ، فلا شبهة في وجوب الفحص عقلاً ولو عند الشكّ في القدرة . ونحوه ما إذا قلنا بتكليفين : وجوب الإيصال وحرمة التصرّف والاستيلاء ونحوهما .

والإنصاف أ نّه لا يمكن مساعدة القائل المدقّق التقيّ في المبنى ولا البناء .

ثمّ إنّه هل يتعيّن عليه الفحص ، أو يتعيّن الردّ إلى الحاكم ، فإنّه وليّ الغائب ،

والردّ إليه بمنزلة الردّ إلى صاحبه ، أو يتخيّر بينهما ، بأن يقال : يجب عليه التخلّص من الحرام وهو يحصل بأحدهما ؟

الظاهر عدم تعيّن الردّ إلى الحاكم ، وعدم التخيير ؛ لأنّ ولاية الحاكم على الغائب ليس على نحو الإطلاق ؛ إذ لا دليل عليه ، وإنّما هي ثابتة فيما إذا لم يمكن الردّ إلى صاحبه الغائب أو المفقود حسبة ، وليس للغاصب ومن بحكمه

ص: 441


1- مناهج الوصول 2 : 20 .

ترك الفحص ، والردّ إلى الحاكم ، بل وليس للحاكم القبول إلاّ في بعض الموارد حفظاً للتضي-يع . ومؤونة الحفظ وغيره على الغاصب .

نعم ، يمكن نفي وجوبها على غير الغاصب ولو كانت يده يد ضمان ؛ لنفي الحرج والضرر بناءً على ثبوت نفي الضرر كنفي الحرج ، كما هو المعروف عند المتأخّرين .

فالأقوى وجوب الفحص وتعيّنه عليه ، إلاّ أن يقال بدلالة حسنة داود بن أبي يزيد أو صحيحته على تعيّن الردّ إلى الحاكم :

روى عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال رجل : إنّي قد أصبت مالاً ، وإنّي قد خفت فيه على نفسي ، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه . قال : فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «واللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟» قال : إي واللّه . قال : «فأنا واللّه ، ما له صاحب غيري» . قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره . قال : فحلف . فقال : «فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه» . قال : فقسّمته بين إخواني(1) .

بدعوى إطلاقها لكلّ مال مجهول ، غصباً كان أو غيره ، وأنّ المراد بكون المال

له علیه السلام أ نّه وليّ أمره ، لا مالكه الخاصّ كما في الأشباه والنظائر حتّى في سهم الإمام علیه السلام على احتمال غير بعيد ، فيكون الفقيه قائماً مقامه ، فإطلاقها يقتضي وجوب إرجاع كلّ مجهول مالكه إلى الحاكم إلاّ ما خرج كاللقطة .

وفيه : منع إطلاقها ؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد به اللقطة ، بل لا يبعد ظهور

ص: 442


1- الكافي 5 : 138 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 450 ، كتاب اللقطة ، الباب 7 ، الحديث 1 .

قوله : «أصبت مالاً» في الإصابة والعثور عليه فجأة ومن باب الاتّفاق كاللقطة دون المأخوذ جائزة أو غصباً .

مضافاً إلى احتمال أن يكون السؤال بعد الفحص واليأس ، أو الفحص سنة كما عن الصدوق(1) ، وربّما يشعر به قوله : «ولو أصبت صاحبه . . .» مضافاً إلى أنّ الأمر بالتصدّق مع عدم اليأس عن صاحبه وإمكان العثور عليه بعيد جدّاً ، بل مقطوع الخلاف .

مع أ نّها قضيّة شخصية يشكل فهم الحكم الكلّي منها . فتحصّل من ذلك تعيّن الفحص عليه .

تعيين مقدار الفحص

ثمّ إنّ مقتضى القواعد لزوم الفحص إلى أن حصل اليأس ، سواء حصل قبل تمام السنة أم لا . ولو لم يحصل إلى الزائد عن السنة يجب ، إلاّ أن يقال : مقتضى إطلاق أدلّة اللقطة ثبوت أحكامها ولو أخذها غصباً وعدواناً أو ضماناً .

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام - في حديث - قال : واللقطة يجدها الرجل ويأخذها ؟ قال : «يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهي كسبيل ماله»(2) . ونحوها غيرها (3) .

ص: 443


1- الفقيه 3 : 189 ، ذيل الحديث 17 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 389 / 1163 ؛ وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 .

ولا ينبغي الإشكال في إطلاقها للأخذ الإحساني والغصبي وغيرهما .

وتوهّم أنّ الحكم بأ نّه كسبيل ماله بعد تعريف السنة حكم إرفاقي لا يناسب الغاصب ، مدفوع بأنّ الحكم الإرفاقي يناسب أيضاً الغاصب التائب الذي أراد إيصال المال إلى صاحبه بتعريف السنة ، فإذا كان مقتضى الإطلاق إسراء الحكم إلى الغاصب ومن بحكمه لا مانع من إسرائه إلى مطلق المأخوذ غصباً أو ضماناً .

إلاّ أن يقال - مضافاً إلى أنّ الالتزام بالحكم في الملتقط غصباً وعدواناً مشكل ، ولعلّ الفقهاء لا يلتزمون به - إنّه لو فرض جواز الأخذ بالإطلاق لكن لا يصحّ إسراء الحكم من اللقطة إلى غيرها . ودعوى إلغاء الخصوصية باطلة ؛ لعدم مساعدة العرف معه .

كما أنّ إسراء الحكم إلى المقام من النصّ الوارد في إيداع اللصّ غير ممكن :

فعن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً ، واللصّ مسلم ، هل يردّ عليه ؟ فقال : «لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل ، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها . . .»(1) .

فإنّ إسراء الحكم إلى غير الوديعة لا يصحّ وإن لا يبعد الإسراء إلى مطلق الغاصب كما عن الفقهاء(2) .

ثمّ إنّ الظاهر من صدر الرواية أ نّه سأل عن حكم ما في يد اللصّ مع الشكّ

ص: 444


1- تهذيب الأحكام 6 : 396 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 25 : 463 ، كتاب اللقطة ، الباب 18 ، الحديث 1 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 187 .

في كونه منه ، سيّما بلحاظ قوله : «واللصّ مسلم» الظاهر أو المشعر بأنّ السؤال

عن اعتبار يد اللصّ المسلم ، وإن كان الجواب ظاهراً في مفروغية كون ما أودعه للغير ، فيمكن أن يجعل الحكم قرينة على أنّ الموضوع المال المسروق .

إلاّ أن يقال بإمكان أن تكون يد اللصّ لدى الشارع الأقدس أمارة على كون ما في يده للغير ، فيجب ترتيب آثار ملكية غيره ، فيؤخذ بظاهر الصدر ويحمل الحكم على مفروغية كونه للغير ؛ لقيام الأمارة عليه وهي يد اللصّ الذي شغله ذلك ؛ لحصول الغلبة التي يمكن أن تكون مبنى حجّية اليد .

لكن الإنصاف أنّ ذلك بعيد عن فهم العرف من الرواية . وكيف كان لا يمكن فهم حكم المقام منها .

مقتضى القواعد في مصرف مجهول المالك

ثمّ بعد الفحص واليأس يقع الكلام في تكليفه على حسب القواعد .

قال السيّد الطباطبائي : «مع قطع النظر عن النصوص الاحتمالات عديدة : وجوب التصدّق ، ووجوب الإمساك والوصيّة به حين الموت ، ووجوب الدفع إلى الحاكم ، والتخي-ير بين اثنين منها أو الثلاثة» . ثمّ قال : «وجه الثالث : أنّ الحاكم وليّ الغائب ، فيجب الدفع إليه ؛ لأ نّه بمنزلة الدفع إليه ، ولا بأس به وإن

كان في تعيّنه نظر ، إلاّ أن يقال : إذا جاز وجب ؛ لأ نّه القدر المتيقّن حينئذٍ ، لكنّه

مشكل ؛ لإمكان تعيّن الأوّلين أيضاً .

نعم ، الوجه الأوّل يمكن دفعه بما ذكره المصنّف من أ نّه مع الشكّ يكون الأصل الفساد . لكن يمكن أن يقال : إنّ الأصل المذكور لا يقتضي حرمة التصدّق

ص: 445

حتّى يتعيّن الآخر ؛ لأنّ المفروض احتمال وجوبه كما يحتمل وجوب غيره ، والعقل حاكم بالتخيير في مثل ذلك ، فيجوز التصدّق بمعنى الدفع إلى الفقير ، وإن كان لا يجوز له أخذه ولا للمتصدّق ترتيب آثار الملك ، والثمر هو جواز الدفع بدون الإعلام ، فيجوز له التصرّف حينئذٍ»(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ مقتضى عدم حلّية مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه وحرمة إبقاء التسلّط والاستيلاء عليه عدواناً وبلا حقّ ، حرمة التصرّف فيه بالتصدّق وحرمة الإمساك ، فيندفع احتمالهما تعييناً أو تخييراً ، فيبقى احتمال وجوب الردّ إلى الحاكم ، ولا يدفع بما ذكر ، بل مقتضى ولاية الحاكم وكونه بمنزلة صاحبه وجوب الردّ إليه تخلّصاً عن الإمساك المحرّم ، أو توسّلاً إلى الواجب إن قلنا بوجوب الردّ والإيصال شرعاً ؛ لحكومة دليل ولايته على دليل عدم حلّ مال المسلم ودليل وجوب ردّ المغصوب .

فتحصّل منه أنّ غير احتمال الردّ إلى الحاكم مدفوع بالدليل .

مضافاً إلى أ نّه مع فرض جريان أصالة فساد الصدقة وأصالة عدم وقوعه صدقة لا يبقى مجال للردّ إلى الفقير بغير جهة الصدقة ؛ لعدم احتمال جواز إتلاف مال الغير وإعطائه بالفقير بغير وجه الصدقة فضلاً عن احتمال وجوبه . فالمحتمل مدفوع بالأصل ، وغير الصدقة لا يحتمل .

فمقتضى القواعد مع الغضّ عن النصوص الخاصّة وجوب الإرجاع إلى الحاكم .

ص: 446


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 194 .
مقتضى الأخبار في مصرف مجهول المالك

وأمّا الأخبار فمنها المطلقات المتقدّمة(1) . وفي دلالتها على وجوب التصدّق تعييناً أو تخييراً إشكال .

أمّا رواية علي بن أبي حمزة(2) في قضيّة بعض كتّاب بني اُميّة - لعنهم اللّه - فلاحتمال أن يكون أمر أبي عبداللّه علیه السلام إذناً له في التصدّق ، وكان أمر المجهول بيد الإمام علیه السلام ، ولا إطلاق فيها يدفع هذا الاحتمال .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم(3) ورواية أبي أيّوب(4) فلاحتمال أن يكون قوله : «يتصدّق بثمنه» على صيغة المجهول . فعليه لا يكون بصدد بيان

فاعل الصدقة ، وإن كان المظنون كونه على صيغة المعلوم لكن الظنّ غير حجّة .

وتوهّم أنّ السائل سأل عن وظيفته فلا بدّ من كون الجواب عنها مدفوع بأنّ جوابه في الصحيحة قوله : «لا يصلح ثمنه» . وأمّا قوله : «إنّ أفضل خصال . . .» فكلام مستأنف .

نعم ، لا يبعد ذلك في رواية أبي أيّوب ، وإن احتمل مع قراءة «أن يتصدّق» بصيغة المجهول أنّ الصدقة أحبّ ، ففهم الراوي عدم جواز أكل ثمنه ، تأمّل .

ص: 447


1- تقدّمت في الصفحة 437 - 439 .
2- تقدّمت في الصفحة 437 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- الكافي 5 : 231 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 2 .

مضافاً إلى ما تقدّم من عدم إطلاق فيها (1) ، نظير قوله : «أحبّ الأشياء عندي صلاة الليل» ، حيث لا إطلاق فيه يدفع الشكّ في شرط أو مانع .

وأمّا رواية أبي علي بن راشد(2) فموردها غير المورد ؛ لما تقدّم(3) أنّ ظاهرها عدم معرفة ربّ للموقوفة رأساً ، وهو غير مجهول المالك المعلوم ملكيته لشخص ، كما أنّ رواية [ علي بن ] ميمون الصائغ(4) أيضاً غير موردنا .

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة ، كيف يصنع ؟ قال : «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» . قلت : فإن لم يعرفوها ؟ قال : «يتصدّق بها»(5) .

فلا يبعد دلالتها على المقصود بأن يقال : إنّ موردها يد ضمان بل عدوان وغصب ، فإنّ إخراج المال من مكّة إلى الكوفة بغير حقّ ولا فحص عن صاحبه يوجب الضمان ويكون عدواناً ، ومقتضى إطلاق الذيل وجوب الصدقة عليه عند اليأس عن صاحبه .

وتوهّم أنّ الأمر بالصدقة بعد التعريف عند صاحب البيت دليل على وجوب

ص: 448


1- تقدّم في الصفحة 439 .
2- تقدّمت في الصفحة 439 .
3- تقدّم في الصفحة 439 .
4- تقدّمت في الصفحة 439 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 391 / 1171 ؛ وسائل الشيعة 25 : 448 ، كتاب اللقطة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

الصدقة قبل الفحص ، مدفوع بأنّ الفحص إنّما يجب توصّلاً ومقدّمة ، لا تعبّداً ونفساً ، ولا شبهة في أنّ وجدان دراهم مدفونة في بيوت مكّة التي هي محلّ ورود الحجّاج من البلاد المتفرّقة النائية في سنين كثيرة يوجب اليأس عن معرفة صاحبها كما هو واضح ، فالأمر بالتصدّق في مورد اليد الغاصبة والضامنة مع إلغاء الخصوصية عن المورد موجب لفهم عموم الحكم إلى كلّ يد غصب وضمان ، ولا يحتمل عرفاً خصوصية الدفن ولا بيوت مكّة ولا الدراهم .

إلاّ أن يقال : إنّ في مورد الرواية خصوصية لا يمكن إلغاؤها ، وهي احتمال كون الدراهم المدفونة لا ربّ لها ؛ لاحتمال أ نّها من السنين القديمة التي انقرض أربابها ، فلايكون من مجهول المالك المعلوم أنّ له مالكاً . ولو فرض وجود مورد في المقام كذلك يمكن التفصيل بينه وبين غيره لهذه الرواية وللرواية الواردة في الوقف كما تقدّمت(1) .

والتمسّك باستصحاب بقاء مالكها ، أو أنّ لها ربّاً لإلحاق غيرها بها محلّ إشكال من وجوه . مع أنّ احتمال خصوصية الدفن حاصل ولا يصحّ إلغاؤها ، كما نرى اختلاف الأحكام مع اختلاف خصوصية في الموضوع نظير المقام ، كالدار يوجد فيها الورق ، والدابّة يوجد في جوفها الشيء ، والسمكة يوجد في جوفها المال(2) .

وأمّا صحيحة يونس بن عبد الرحمان ، قال سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام وأنا

حاضر ، إلى أن قال : فقال : رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى

ص: 449


1- تقدّمت في الصفحة 439 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 447 ، كتاب اللقطة ، الباب 5 و9 و10 .

منازلنا ، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا ، فأيّ شيء نصنع به ؟ قال : «تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة» . قال : لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع ؟ قال : «إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه» . قال له : على مَن جعلت فداك ؟ قال : «على أهل الولاية»(1) .

فغير مربوطة بالمقام ؛ لأنّ وجود المتاع من الرفقة عند بعضهم كان برضا صاحبه وإذنه ، ثمّ نسي فبقي عنده ، فلا تكون يده غاصبة أو ضامنة . مضافاً إلى احتمال أن يكون أمره بالتصدّق إذناً منه علیه السلام . فاستفادة حكم المورد منها في غير محلّها .

ومنه يظهر الكلام في موثّقة هشام بن سالم الراجعة إلى أجير يقوم في الرحى ، ففيها الأمر بالدفع إلى المساكين(2) . ونحوها احتمالاً صحيحة منه أيضاً (3) . ويعلم الحال أيضاً في رواية نصر صاحب الخان(4) ، ورواية حفص بن غياث(5) .

ص: 450


1- تهذيب الأحكام 6 : 395 / 1189 ؛ وسائل الشيعة 25 : 450 ، كتاب اللقطة ، الباب 7 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 177 / 781 ؛ وسائل الشيعة 18 : 362 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ، الباب 22 ، الحديث 3 .
3- الكافي 7 : 153 / 1 ؛ وسائل الشيعة 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 1 .
4- الكافي7 : 153 / 3 ؛ وسائل الشيعة 26 : 297 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 3 .
5- تقدّمت في الصفحة 444 .

وبالجملة : يشكل استفادة حكم المورد من الروايات الآمرة بالتصدّق .

وأمّا مرسلة الحلّي في «السرائر»(1) فغير حجّة . ودعوى جبرها بالشهرة المحقّقة(2) غير ظاهرة ؛ لعدم معلومية استناد المشهور على فرض ثبوت الشهرة بها . ونفس الشهرة على فرضها غير حجّة في المقام ؛ لقرب استنادهم بالأخبار الكثيرة المتقدّمة وغيرها وتخلّل الاجتهاد فيها .

ثمّ إنّ جملة من الروايات الدالّة على لزوم حفظه والوصيّة به كصحيحة هشام ابن سالم ، وذيل موثّقته ، وصحيحة معاوية بن وهب(3) ، ورواية الهيثم(4) فموردها عدم اليأس عن معرفة صاحبه ؛ ضرورة أنّ الأمر بالطلب لا يحسن إلاّ في مورد الاحتمال العقلائي بالمعرفة ؛ إذ الطلب بدونه لغو ، فالأمر فيها محمول على مورد الرجاء وعدم اليأس ، مع أنّ في نفسها شواهد على ذلك . ولو فرض الإطلاق في بعضها يجب تقييده بمثل صحيحة يونس بن عبدالرحمان المتقدّمة . فالقول بالتخيير بين التصدّق والحفظ(5) في غير محلّه ، بعد كون الحكمين في موردين ورتبتين ؛ إذ مع الرجاء يجب الفحص ولا يجوز التصدّق ، ومع اليأس مورد التصدّق لو قلنا به .

ص: 451


1- السرائر 2 : 204 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 188 .
3- الكافي7 : 153 / 3 ؛ وسائل الشيعة 26 : 297 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 2 .
4- الكافي7 : 154 / 4 ؛ وسائل الشيعة 26 : 298 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 4 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 196 .

فتحصّل من جميع ذلك أنّ مقتضى الأدلّة والقواعد وجوب الفحص، ومع اليأس الرجوع إلى الحاكم ، ولكن مؤونة الحفظ وغيره على الآخذ كمؤونة الفحص .

هذا كلّه لو لم نقل بإطلاق حسنة داود بن أبي يزيد أو صحيحته(1) وقلنا باختصاصها باللقطة ، وإلاّ فالأمر أوضح ؛ لحكومتها على الأدلّة الآمرة بالتصدّق ، فيكشف منها أنّ الأمر به من قبيل الإذن .

نعم ، لو قيل بدلالة الروايات على الإذن الكلّي لا يبقى مجال للبحث ولا ثمرة له ؛ لعدم لزوم الرجوع إلى النوّاب بعد إذنهم العامّ .

إلاّ أن يقال : إذن كلّ إمام معتبر حال حياته كإذن النوّاب ، لكنّه غير وجيه ، بل لعلّه خلاف اُصول المذهب . فالأحوط بل الأقوى وجوب الرجوع إلى الحاكم ؛ للإشكال في رواية ابن أبي يزيد كما تقدّم(2) وعدم إطلاق في الباب ، ولا اعتماد على الشهرة المحكيّة بما مرّ .

لكن مع ذلك لا يبعد عدم لزوم الإرجاع إلى الحاكم ؛ لكثرة موارد الأمر بالتصدّق في مجهول المالك مع السكوت عن الإرجاع إلى الحاكم ، وقوّة احتمال الإطلاق في بعض الروايات ، كصحيحة ابن مسلم(3) وأوضح منها رواية أبي أيّوب(4) ، مؤيّدة بالشهرة المنقولة(5) ، لكن الأحوط التصدّق بإذن الحاكم وتوكيله .

ص: 452


1- تقدّمت في الصفحة 442 .
2- تقدّم في الصفحة 442 - 443 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- تقدّمت تخريجها في الصفحة 447، الهامش 4 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 188 .

ولا ينبغي الريب في أنّ مصرف المال التصدّق بعد اليأس ، كما هو مفاد الأدلّة ومقتضى قاعدة لزوم إيصال المال إلى صاحبه حتّى الإمكان ، فإنّ الحفظ مع اليأس يعدّ لغواً ، وتؤيّده الروايات الواردة في مجهول المالك وإن اختلفت مواردها .

في ضمان المتصدّق إذا لم يرض به صاحبه

ثمّ لو قلنا بتعيّن التصدّق عليه فتصدّق فجاء صاحبه ولم يرض به فهل يضمن مطلقاً أو لا كذلك ، أو يفصّل بين يد الضمان وغيره ؟

اختار الشيخ الأعظم الضمان(1) بعد الإشكال في أدلّة الضمان وفي إطلاق ما دلّت على وجوب التصدّق ، بدعوى تحكيم استصحاب الضمان فيما تقتضي اليد الضمان على البراءة في اليد غير المقتضية له بعد عدم القول بالفصل .

وردّ ذلك بأنّ التحقيق جريان استصحاب عدم الشغل بالبدل حتّى في مورد يد الضمان ؛ لأنّ معنى ضمان اليد أ نّه إذا تلف يضمن ، فما لم يتلف لا ضمان فيستصحب .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ مقتضى ظاهر دليل ضمان اليد أنّ الاشتغال بالعين تنجيزي لا تعليقي ويأتي في محلّه تحقيقه(2) - أ نّه لو بنينا على التعليق يجري الاستصحاب التعليقي ، فإنّ الإتلاف ولو بالتصدّق قبل الفحص موجب للضمان

ص: 453


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 194 - 195 .
2- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 1 : 377 - 378 .

ويكون التعليق شرعياً فرضاً ، والاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي كما قرّر في محلّه(1) ، فلا إشكال من هذه الجهة ، وإنّما الإشكال من جهة تحكيمه الاستصحاب على البراءة في المقام ؛ لأنّ الإجماع على عدم الفصل غايته إثبات التلازم بين الحكمين الواقعيين ، وإثبات أحد المتلازمين باستصحاب الآخر مثبت ولو كان التلازم شرعياً ، فإنّ تحقّق الملازم بتحقّق ملازمه عقلي .

هذا إن ادّعى عدم الفصل بين الحكمين الواقعيين كما هو ظاهره من دعوى التحكيم ، وإن ادّعى التلازم بين الحكمين الظاهريين فلا وجه للتحكيم بل الوجه التعارض .

هذا ، مضافاً إلى جريان استصحاب عدم الضمان في الطرف الآخر أيضاً ، فمع عدم القول بالفصل وإجدائه يتعارض الأصلان . فالأقوى بحسب الأصل التفصيل .

كما أنّ الأقوى بحسب قاعدة اليد والإتلاف الضمان مطلقاً ، ودعوى انصراف دليله إلى ما كان الإتلاف عليه لا له(2) في غير محلّها . كدعوى ظهور الإتلاف في العلّية التامّة(3) وهي في المقام مفقودة ؛ لأنّ الضمان موقوف على عدم إجازة المالك بما ذكره الشيخ من ضمانه أوّلاً ورفعه بالرضا بالصدقة ، وإن أمر بالتأمّل لكنّه أوجه ؛ لأنّ التصدّق بعد فرض عدم جواز الرجوع إلى الفقير - وقد ادّعى

ص: 454


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 161 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 195 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 194 .

الشيخ الأعظم عدم القول بجوازه - إتلاف لماله عرفاً ومقتضٍ للضمان ، فلا وجه

لكونه مراعىً بأمر متأخّر غير دخيل في الإتلاف .

وربّما يقال : لا دليل على ضمان الإتلاف يؤخذ بإطلاقه ، وما اشتهر أنّ «من أتلف مال الغير فهو ضامن» مستنقذ من الموارد الجزئية(1) .

وفيه : أنّ دليله موثّقة أبي بصير في باب حرمة سباب المؤمن عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق» إلى قوله : «وحرمة ماله كحرمة دمه»(2) . فإنّه في قوّة قوله : «من أتلف مال الغير فهو

ضامن» ؛ لأنّ معنى حرمة ماله أ نّه لا يذهب هدراً بل هو محترم لابدّ من جبره ، كدمه فإنّه لا يطلّ دم رجل مسلم ؛ أي لا يهدر .

وبالجملة : التصدّق بمال الغير موجب للضمان ولو كان يده يد أمانة وإحسان . وتوهّم أنّ التصدّق إحسان(3) في غير محلّه .

هذا مع الغضّ عن أخبار وجوب التصدّق ، وأمّا بالنظر إليها فالظاهر استفادة عدم الضمان منها ؛ للملازمة العرفية بين إلزامه على التصدّق والإتلاف وعدم الضمان . وأمّا في باب اللقطة فلم يكن التصدّق متعيّناً عليه ، بل هو مختار بين الأخذ لنفسه ، والحفظ لصاحبه ، والتصدّق بالضمان .

ص: 455


1- مصباح الفقاهة 1 : 721 .
2- الكافي 2 : 360 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 297 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 158 ، الحديث 3 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 195 .

مضافاً إلى دلالة رواية داود بن أبي يزيد(1) عليه ، بناءً على أنّ المراد بالإصابة أعمّ من اللقطة . وكذا رواية علي بن أبي حمزة(2) .

هذا حال الصورة الثالثة .

وأمّا الصورة الرابعة فقد أحال الشيخ الأعظم تحقيقها على كتاب الخمس(3) ، ونحن نقفوا أثره .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 442 .
2- تقدّمت في الصفحة 437 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 198 ؛ الخمس ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11 : 243 .
المسألة الثانية حكم الخراج والمقاسمة إذا أخذهما السلطان الجائر
اشارة

مقتضى القواعد أنّ ما أخذه السلطان الجائر المستحلّ لأخذ الخراج والمقاسمة باسمهما ، ومن الغلاّت وغيرها بعنوان الزكاة ، عدم وقوعها خراجاً وزكاة ، وبقاؤها على ملك صاحبها ، وعدم نفوذ تصرّفاته من البيع ونحوه ، وبقاء الخراج والزكاة على ذمّة المالك أو في أمواله . هذا ممّا لا إشكال فيه .

كما لا إشكال عقلاً في جواز إنفاذ ما أخذه كذلك أخذاً وإعطاءً ، وإنفاذ معاملاته على المأخوذ ، وعدم قبح شيء من ذلك عقلاً بل هو مستحسن ؛ لرفع الحرج والضرر عن صاحب الزكاة والخراج وعن سائر المسلمين ، بل قد يلزم عقلاً إذا توقّف نظام الممالك الإسلامية عليه ، فلا بدّ في ذلك من اتّباع الأدلّة ولا يجوز طرح ظاهر دليل معتمد بتوهّم مخالفته للعقل .

ولا يخفى : أ نّه لا ملازمة بين إنفاذ المأخوذ زكاة وخراجاً ووقوعهما كذلك وإنفاذ المعاملة عليها وضعاً ، وبين حلّية الأخذ وحلّية التصرّفات في المأخوذ على الجائر ؛ لإمكان صحّة شيء وضعاً وحرمته تكليفاً ، فلا مانع

ص: 457

من حرمة البيع وقت النداء وصحّته .

فلو دلّ دليل على نفوذ أعمال السلاطين في أخذ المذكورات والمعاملة عليها لا يكشف منه حلّية تصرّفاتهم وأخذهم وإعطائهم تكليفاً ؛ لأنّ كلّ ذلك تصرّف في سلطان الوالي العادل ، فله المنع عن تصرّفاتهم والإنفاذ على فرض وقوعها .

وقد استفيض نقل الإجماع وعدم الخلاف والشهرة(1) على جواز الشراء من السلطان الجائر ، وتدلّ على جوازه بل جواز مطلق المعاملة جملة من الروايات :

الاستدلال بالروايات على جواز الشراء من الجائر

منها : صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أ نّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ؟ قال : فقال : «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» . قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا ، فنقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما تقول في شرائها منه ؟

فقال : «إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس» . قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه ؟ فقال : «إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل»(2) .

ص: 458


1- اُنظر جواهر الكلام 22 : 180 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 201 .
2- الكافي 5 : 228 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 5 .

وهي بفقراتها الثلاث تدلّ على المطلوب ؛ أي نفوذ أخذ الجائر ؛ بمعنى وقوع ما أخذه صدقة ، وجواز الشراء منه ونفوذه بل جواز سائر المعاملات عليه .

أمّا الفقرة الاُولى فدلالتها ظاهرة ، سيّما مع تسمية ما زاد عن الحقّ الواجب حراماً ومفروضية كون المأخوذ حقّاً واجباً عليهم .

والمناقشة فيها (1) تارة : بأنّ السائل في مقام السؤال عن حكم آخر ، وليس بصدد السؤال عن السلطان الجائر ، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، وقوله : «يأخذون منهم أكثر . . .» لا يدلّ على كون السلطان جائراً ؛ لأنّ عمّال السلطان العادل يمكن أن يصدر منهم الظلم أحياناً بلا اطّلاع من السلطان عليه ، وضمير الجمع لا يرجع إلى السلطان بل إلى عمّاله الذين يأخذون الصدقات ، ومعلوم أنّ السلطان لا يأخذ بنفسه ، بل لعلّ مفروضية كون الأخذ حقّاً قرينة على أنّ السؤال عن السلطان العدل .

واُخرى : بأنّ الالتزام بمضمونها غير ممكن ؛ لأ نّه مخالف للقواعد ؛ لتجويزه الشراء في غير مورد واحد ، وهو العلم التفصيلي بالحرام ، ومقتضاه جوازه مع العلم الإجمالي حتّى اشتراء جميع أطرافه دفعة ؛ لصدق عدم معرفته بالحرام بعينه ومفصّلاً ، وهذا موهن لها فيشكل العمل بها .

مدفوعة : بأنّ الظاهر الذي كالنصّ أنّ السؤال عن السلطان الجائر الذي كانت صدقاتهم محلّ الابتلاء . والسؤال عن كلّي لم يكن محلّ الابتلاء رأساً ولا متوقّعاً لذلك مقطوع الخلاف . ويشهد له أيضاً قوله : «الرجل منّا يشتري من السلطان» ؛

ص: 459


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 101 ؛ رياض المسائل 8 : 96 .

إذ من المعلوم أنّ المراد به هو الشيعة الإمامية ، قبال السلطان الذي ليس منّا . فالحمل على عمّال سلطان العدل وفرض ظلمهم لا ينبغي احتماله ، فلا إشكال من هذه الجهة . كما أ نّه من المحتمل في قوله : «حتّى تعرف الحرام بعينه» أن يكون قوله : «بعينه» تأكيداً للحرام لا قيداً للمعرفة ، ومعه لا تكون الرواية مخالفة للقواعد .

مضافاً إلى أنّ إطلاقها مخالفة لها ، فيتقيّد عقلاً ، فلا يصحّ طرحها . وليس في السؤال ما يدلّ على أنّ المعلوم بالإجمال في مورد الشراء ، بل الظاهر أنّ مراده أنّ السلطان إذا كان في أمواله مظلمة يجوز الشراء منه أم لا .

والإنصاف : أنّ الخدشة فيها في غير محلّها ، وقد تقدّم(1) أنّ الحكم ليس مخالفاً للعقل ، بل موافق للاعتبار والعقل لتنظيم أمر المسلمين والإسلام مع عدم بسط يد السلطان العادل وتسهيل الأمر على الاُمّة ، فلا معنى لردّها بعد الإقرار بظهورها وصحّتها واعتماد الأصحاب عليها والعمل بها .

وأمّا احتمال رجوع ضمير «لا بأس به» إلى الإبل المذكور أخيراً ويراد به : لا بأس بشراء الإبل إلاّ ما علم أ نّه حرام ، وقد علم أنّ إبل الصدقات حرام حسب القواعد وإنّما أجمل في الكلام تقيّة(2) ، فلا ينبغي الإصغاء إليه ؛ إذ هو في غاية السقوط ، كما لا يخفى .

كما أنّ الظاهر من الفقرتين الأخيرتين أنّ السائل أراد السؤال عن مسألتين مربوطتين بعمّال الصدقات ومقسّمها وشراء ما أخذوا بعد ما سأل الحذّاء مسألته .

ص: 460


1- تقدّم في الصفحة 457 .
2- اُنظر مستند الشيعة 14 : 206 .

والحمل على غيرها (1) خلاف ظاهر الكلام وسياقه وفهم العقلاء منه . واحتمال

كون الفقرتين مستقلّتين في مجلس غير مجلس سؤال الحذّاء ضعيف ، مع أنّ ظاهر المصدّق والقاسم هو عمّال السلطان . فلا إشكال فيها ، لا سنداً ، ولا دلالة ، ولا عملاً .

والظاهر أنّ تعليق نفي البأس في الفقرة الثانية بالأخذ والعزل لأجل أنّ قبلهما لا يتعيّن زكاة وصدقة ، ولا ولاية للجائر مطلقاً حتّى تصحّ معاملته للملك المشاع بناءً على إشاعة الزكاة كما هي الأرجح ، وإنّما نفذت تصرّفاته بعد الأخذ والعزل حفظاً للمصالح وتسهيلاً على العباد .

ثمّ إنّه لا دلالة في الرواية على سقوط الضمان من الجائر ؛ لأنّ مجرّد وقوع ما أخذه صدقة وصحّة الشراء من إبل الصدقات وغيره لا يلازم سقوط الضمان عنه ؛ لأنّ الزكاة بعد حصولها لابدّ في صرفها من تصرّف وليّ أمرها أو إذنه ، والظالم ليس بوليّ ، فلا بدّ من رفع ضمانه من دلالة دليل على صحّة صرفه في مصارفها الشرعية ، والصحيحة لا دلالة عليها ، وإن كان المظنون قويّاً وقوعها مصرفاً إذا صرفها في المصارف الشرعية ، والتفكيك بين الوقوع في الأخذ وبين الوقوع في الإعطاء في غاية البعد ، لكن مجرّد الاستبعاد ليس بحجّة .

نعم ، تدلّ على ذلك ، بل وعلى جميع المطالب المتقدّمة ، حسنة أبي بكر أو صحيحته ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام وعنده إسماعيل ابنه ، فقال : «ما

يمنع ابن أبي السمّاك أن يخرج شباب الشيعة ، فيكفونه ما يكفيه الناس ،

ص: 461


1- السراج الوهّاج : 108 .

ويعطيهم ما يعطي الناس ؟» ثمّ قال لي : «لم تركت عطاءك ؟» قلت : مخافة على ديني . قال : «ما منع ابن أبي السمّاك أن يبعث إليك بعطائك ؟ أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً»(1) .

فإنّ الظاهر من صدرها وذيلها أنّ ما أعطى من بيت المال شباب الشيعة وكذا لو أعطى نصيبه ابن أبي السمّاك من بيت المال يقع على ما هو عليه ومصرفاً شرعياً ، كما أنّ التعبير ببيت المال وأنّ لأبي بكر فيه نصيباً دليل على أنّ المأخوذ

من الناس وقع خراجاً وزكاة .

فتدلّ الرواية مضافاً إلى ما دلّت عليه السابقة على خروج الغاصب من الضمان لو عمل في الصدقات على طبق الشرع .

والخدشة فيها بأنّ الدخول في أعمالهم محرّم وقد سوّغه فيها (2) في غير محلّها ؛ لإمكان أن يكون لدخول شباب الشيعة مصلحة مجوّزة لذلك .

كما أنّ احتمال كون نصيبه من بيت المال من وجوه اُخر غير ما هو المعهود من بيت المال(3) لا يصغى إليه . فالرواية ظاهرة الدلالة ، نقيّة السند ، معمول بها .

وتدلّ على المطلوب ؛ من وقوع المذكورات على ما هي عليها وسقوطها عن المأخوذ منه وصحّة شرائها ، جملة من الروايات التي وقع السؤال فيها عن الاشتراء عن العامل :

ص: 462


1- تهذيب الأحكام 6 : 336 / 933 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 6 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي1 : 227 .
3- السراج الوهّاج : 105 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 104 .

كصحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أ نّه يظلم ؟ فقال : «اشتر منه»(1) .

ونحوها رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه (2).

وكموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم ؟ قال : «يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً»(3) .

فإنّ اختصاص العامل بالذكر كراراً في الروايات يدلّ على أنّ السؤال ليس عن مطلق الظالم أو عن مطلق من بيده مال الغير ، بل يكون عن الصدقات التي في يد العامل .

فتكون تلك الروايات نظير رواية أبي عبيدة(4) ، فهي تدلّ على المقصود في الجملة ؛ إذ لا إطلاق لها فتكون في مقام بيان حكم آخر .

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(5) .

ص: 463


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 938 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 132 / 582 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 375 / 1093 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 2 .
4- تقدّمت في الصفحة 458 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .

ونحوها رواية [أحمد بن] محمّد بن عيسى(1) مرسلة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، بل وصحيحته عن أبي بصير عن أحدهما علیهما السلام وفي ذيلها : «فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(2) .

ضرورة أنّ المراد من السرقة والخيانة التي أجاز اشتراءها ونفي البأس عنه ليست إلاّ ما أخذها السلطان وعمّاله عن الناس باسم الخراج والزكاة بغير حقّ خيانة وسرقة أو كان بحكمها ؛ ضرورة عدم خصوصية للسلطان الجائر وعمّاله في ذلك ؛ أي في السرقة من أموال الناس .

والشاهد عليه مع وضوحه الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم جواز شراء ما يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً ، وما عرف أ نّه حرام بعينه .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في دلالتها على نفوذ المعاملات وسقوط الزكاة ونحوها عن ذمّة صاحبها .

نعم ، لا دلالة لها على سقوط الضمان على الوالي الجائر .

الاستدلال بالأخبار الواردة في تقبّل الخراج

وتدلّ عليه أيضاً ما دلّت على جواز تقبّل خراج الأراضي الخراجية وجزية الرؤوس ، بل ما دلّت على جواز تقبّل الأرض من السلطان :

ص: 464


1- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 ؛ وسائل الشيعة 17 : 220 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 6 .
2- الكافي 5 : 228 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .

فمن الاُولى موثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي بطريق الصدوق عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يتقبّل خراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير ، وهو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون أيشتريه ؟ وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه ؟ فقال : «إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره وتقبّل به»(1) .

ورواها الكليني باختلاف يسير(2) ، وفي روايته إرسال .

ومن الثانية رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك ؟ قال : «نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك» . قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّاة ، إلى أن قال : «إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها فلا بأس بما ذكرت»(3) .

ورواية الفيض بن المختار ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبّلها من السلطان ثمّ اُؤاجرها من آخرين على أنّ ما أخرج اللّه

ص: 465


1- الفقيه 3 : 141 / 621 ؛ وسائل الشيعة 17 : 355 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 12 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 195 / 12 .
3- الكافي 5 : 272 / 2 ؛ وسائل الشيعة 19 : 127 ، كتاب الإجارة ، الباب 21 ، الحديث 3 .

منها من شيء كان لي من ذلك النصف أو الثلث أو أقلّ من ذلك أو أكثر ؟ قال : «لا بأس»(1) .

ويدلّ عليهما جميعاً صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «لا بأس أن يتقبّل الأرض وأهلَها من السلطان»(2)؛ إذ الظاهر أنّ المراد بأهلها جزية رؤوسهم.

أمّا دلالة الاُولى والثالثة فظاهرة . وأمّا الثانية فلدلالتها على نفوذ عمل السلطان في استئجار الأراضي الخراجية ، فتدلّ على أنّ ما أخذه اُجرة وقعت كذلك ؛ لصحّة الإجارة ، فتدلّ على نفوذ عمله وصحّة إجارة الأراضي التي أمرها أصالة بيد الحاكم العدل .

وقد يورد على دلالتها بأ نّها بعد ما كانت في مقام بيان حكم آخر بعد الفراغ

عن أنّ السلطان آخذ لا محالة عن مستعملي الأرض الضريبة ، فلا دلالة على جواز أصل التقبّل ، بل جوازه مفروغ عنه . ولعلّ جوازه لأجل أنّ السلطان يأخذ ما يأخذه البتّة ، وبعد ذلك كلّ مستعملي الأراضي يرضون لا محالة أن يتقدّم واحد ويضمن للسلطان ما هوآخذ منهم ، ثمّ يدفعون ما هو عليهم لهذا المتقبّل ، فإنّ ذلك أمان لهم من جور الجائرين واعتداء المأمورين ، فهم يدفعون بطيب النفس لهذا ليدفع عنهم الظلامات(3) ، انتهى .

ص: 466


1- اختيار معرفة الرجال : 354 / 663 ؛ وسائل الشيعة 19 : 128 ، كتاب الإجارة ، الباب 21 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 201 / 888 ؛ وسائل الشيعة 19 : 59 ، كتاب المزارعة والمساقاة ، الباب 18 ، الحديث 3 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 354 .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي في مقام بيان جواز التقبّل من السلطان، كما لا يخفى - أنّ ما ذكره من طيب نفس مستعملي الأرض بما ذكره غريب ؛ ضرورة أنّ الفرار من الأفسد إلى الفاسد ومن الظلم الكثير إلى الظلم القليل بالنسبة لا يوجب طيب النفس بالفاسد وبالظلم ، ومعلوم أ نّهم لا يرضون بأداء الخراج وجزية الرؤوس ، وإنّما يطيب نفسهم بوقوع هذا الظلم بيد من لا يجوز فوق ذلك ، وهذا غير طيب النفس على أصل الأداء ، مع أنّ طيب نفسهم لا يفيد بعد كون الأمر بيد وليّ الأمر العادل .

ومن هنا يظهر فساد ما لو يقال : إنّ من المحتمل أن يكون مستعملي الأرض ممّن يعتقد بلزوم أداء الخراج إلى الوالي الجائر بتوهّم أ نّه على الحقّ ، فكان أداؤهم بطيب نفسهم ؛ لما عرفت من أنّ طيب نفسهم لا تأثير له . مضافاً إلى أنّ هذا الطيب المبنيّ على أمر فاسد لا يفيد ، فهو نظير طيب النفس في المعاملة الفاسدة مع أنّ المقبوض بها كالمقبوض غصباً .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في دلالة الروايات على المقصود ، فلا ينبغي إطالة الكلام فيه .

وينبغي التنبيه على بعض الاُمور :

ص: 467

الأمر الأوّل حكم الشراء من السلطان قبل الأخذ

مقتضى القواعد اختصاص الحكم بما يأخذه السلطان ، فإنّه المتيقّن من نفوذ أمره ، ويحتاج في النفوذ على الذمم أو على المال المشاع قبل الأخذ إلى دليل ، وقد دلّ الدليل على نفوذه بالنسبة إلى تقبّل الخراج وجزية الرؤوس . بل لو فرض وجود دليل على جواز المعاملة مع ما أخذ من الخراج وجزية الرؤوس يستفاد منه جوازها بالنسبة إلى الذمم أيضاً ؛ لأنّ جعل الخراج والجزية بيد الوالي ، فإذا دلّ دليل على جواز المعاملة على المأخوذ يكون دالاًّ على صحّة جعله ونفوذه على الذمم ، ولازمه العرفي جواز الحوالة على ما جعله ونفوذها .

وأمّا الزكاة والخمس ممّا كان المجعول بجعل إلهي غير مربوط بالوالي فلا دليل على نفوذ أمره قبل أخذه ، بل ظاهر الفقرة الثانية من صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة(1) عدم نفوذه إلاّ بعد الأخذ والعزل ، كما أشرنا إليه سابقاً (2) .

واحتمال أن يكون ذلك لأجل كون الزكاة حقّاً لا ملكاً فلا ملكية إلاّ بعد الأخذ

والعزل(3) ضعيف ؛ لما قرّر في محلّه من كونها ملكاً بنحو الإشاعة والاشتراك(4) .

ص: 468


1- تقدّم في الصفحة 458.
2- تقدّم في الصفحة 461 .
3- مستند الشيعة 9 : 221 .
4- راجع العروة الوثقى 4: 84، الهامش 3.

كما أنّ احتمال كون زكاة الأغنام قبل العزل مجهولة فاسد بعد البناء على الإشاعة .

نعم ، لو كانت من قبيل الكلّي في المعيّن يمكن أن تكون النكتة ما ذكر ، لكنّه مع ضعفه يمكن توصيفه بما يخرجه عن الجهالة .

وكيف كان عدم الجواز لا يحتاج إلى دليل خاصّ ، بل يكفي عدم الدليل على النفوذ .

ودعوى إلغاء الخصوصية عن الخراج والجزية ، وإسراء الحكم إلى الزكاة والخمس في غير محلّها ؛ لاحتمال الفرق بين المجعول الإلهي وبين ما جعله الوالي .

كما أنّ التشبّث بعدم الفرق بين ما جعله اللّه تعالى وما جعله رسول اللّه رحمهما اللّه أو أمير المؤمنين علیه السلام ، ومقتضى ترك الاستفصال في الأدلّة جواز التقبّل حتّى فيما بقي الجعل من زمان رسول اللّه رحمهما اللّه وأمير المؤمنين علیه السلام ، فإذا نفذ فيما جعلا نفذ فيما جعله اللّه تعالى .

غير وجيه ؛ باحتمال الفرق وعدم الدليل على التسوية وكفى الاحتمال في عدم جواز الإسراء . مضافاً إلى عدم العلم ببقاء ما جعله رسول اللّه رحمهما اللّه

وأمير المؤمنين علیه السلام إلى ذلك الزمان ، ومجرّد الاحتمال غير كافٍ . ولعلّ ترك الاستفصال في مثل صحيحة الحلبي(1) لعدم بقاء مجعولهما .

فالأقوى بحسب القواعد والأخبار التفصيل بين المجعول الإلهي وما جعله الوالي .

ص: 469


1- تقدّمت في الصفحة 466.

ثمّ لا يخفى أنّ نقل الإجماع وعدم الخلاف في هذه المسألة التي ظاهر كلمات أكثر الفقهاء أو كلّهم على ما قال الشيخ الأعظم : اختصاصه بالمأخوذ(1) ، موهون لا يتّكل عليه ، كما أنّ إبداء القول الثالث ، كالتفصيل المتقدّم مع اقتضاء الدليل ، وعدم ثبوت الإجماع على عدم الفصل ، لا مانع منه .

ثمّ إنّ استشهاد الشيخ الأنصاري لعدم الفرق بين المأخوذ وغيره بظاهر الأصحاب في باب المساقاة ، حيث يذكرون أنّ خراج السلطان على المالك إلاّ أن يشترط خلافه(2) غير ظاهر ، فإنّه لو فرض توجّه ظلم إلى مالك الأشجار أو الأراضي فمع جعل المساقاة أو المزارعة لا معنى لتوجّهه وتعلّقه إلى المُزارع والساقي ، وأمّا إذا شرط عليهما أداء المظلمة فهو شرط سائغ يجب الوفاء به ، فلا تدلّ كلماتهم في المساقاة ولا في المزارعة على ما رامه .

الأمر الثاني حكم أداء الزكاة ونحوها إلى الجائر

مقتضى القواعد الأوّلية حرمة أداء الزكوات والأخماس ، وكذا الخراج والمقاسمة وجزية الرؤوس إلى حكّام الجور إذا أمكن ذلك ولم يكن مخالفاً للتقيّة فلا بدّ لحرمة منعهم ووجوب التأدية إليهم من قيام الدليل عليه .

ويمكن التفصيل في هذه المسألة أيضاً بالنظر إلى الأدلّة الخاصّة بين الخراج

ص: 470


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 211 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 212 .

وجزية الرؤوس ، ممّا يكون التعيين بجعل الوالي ، وبين الزكوات والأخماس ، ممّا هو بجعل اللّه تعالى بأن يقال : إنّ اللازم العرفي من تنفيذ جعل الوالي ما ضرب على الأرض خراجاً وعلى الرؤوس جزية لزوم أدائه ، فإنّ السلاطين عدولاً كانوا أو فسّاقاً إنّما جعلوا الخراج والجزية على الناس بأن يؤدّوا إليهم لا

إلى غيرهم ، وكان صرفها في مصارفها بيدهم من غير اختيار لأحد فيه ، فإذا دلّ الدليل على نفوذ جعل الوالي الجائر كان لازمه العرفي أو مدلوله المطابقي هو وجوب الردّ إليه وعدم جواز التخلّف والخيانة .

وهو نظير ما إذا ورد دليل على إنفاذ معاملة كان مفادها انتقال سلعة بثمن ، فإنّ لازم ذلك صيرورة كلّ من السلعة والثمن منتقلاً إلى من انتقل إليه بحسب الجعل ، ولازمه العرفي حرمة المنع والخيانة والسرقة .

فإذا ضرب الوالي على كلّ جريب من أرض درهماً بأن يؤدّى إليه ما ضرب عليها ليصرفه في المصارف المعهودة ، ودلّ دليل على نفوذ ذلك كان لازمه صيرورته مالك التصرّف شرعاً بحسب الوضع ولو حرم عليه تكليفاً كما مرّ(1) ، ولازم ذلك عرفاً حرمة منعه ووجوب أدائه إليه .

وتشعر بذلك أو تدلّ عليه صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر علیه السلام أ نّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها ؟ فقال : «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر ، إنّما عليك العشر فيما

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 458 - 459 .

يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(1) .

فإنّ الظاهر منه أنّ عليه ما قاطعه عليه السلطان أن يردّ عليه ، فإنّه المتفاهم عرفاً من نظائره لولا قرينة أو دليل على خلافه .

وأمّا الزكوات ونحوها فلا دلالة بل ولا إشعار في أدلّة إنفاذ المعاملات على المأخوذ منها على وجوب أدائها إلى السلطان ، وهو واضح . مضافاً إلى قيام الدليل على وجوب منعها عنهم :

وهو صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبداللّه علیه السلام في الزكاة ، قال : «ما أخذوا منكم بنو اُميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم ، فإنّ المال لا يبقى على هذا أن يزكّيه مرّتين»(2) .

ورواية أبي البختري عن جعفر علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام : «أنّ علياً علیه السلام كان يقول : اعتدّ في زكاتك بما أخذ العشّار منك واخفها عنه ما استطعت»(3) .

فالتفصيل بينهما غير بعيد .

وأمّا رواية علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال : «إن كنت لابدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة» قال : فأخبرني علي أ نّه

ص: 472


1- الكافي 3 : 513 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 188 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الغلاّت ، الباب 7 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 543 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 252 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 20 ، الحديث 3 .
3- قرب الإسناد : 153 / 562 ؛ وسائل الشيعة 9 : 254 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 20 ، الحديث 8 .

كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(1) .

فمع إرسالها وكونها في قضيّة شخصية راجعة إلى علي بن يقطين ، ولعلّ ما كان يتولّى أو في اُهبة تولّيه من الأراضي لم تكن أراضي الخراج المعهودة ، تأمّل ، أنّ الظاهر من قوله : «أموال الشيعة» أنّ ما أخذ منهم كان أموالهم وأخذ منهم جوراً وظلماً ، ولا بأس بإطلاق الجباية عليه بعد جعل السلطان ظلماً ، ولهذا كان يردّ عليهم خفاء وهم لا يؤدّون الخراج إلى وليّ المسلمين بحقّ مع أ نّه غير جائز .

ومن المحتمل أن يكون ذلك إذناً منه علیه السلام لعلي بن يقطين بأن يأخذ ما على الشيعة من الخراج وغيره ويردّ إلى مستحقّيهم ، فليس المراد من الردّ إليهم الردّ إلى من أخذ منهم .

ومنه يظهر الكلام في رواية أحمد بن زكريّا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان ، قال : وافقت أبا جعفر علیه السلام في السنة التي حجّ فيها ، ثمّ حكى قضيّة كتابة أبي جعفر علیه السلام إلى والي سجستان وإمحاء الوالي خراجه من ديوانه وقوله : لا تؤدّ خراجاً ما دام لي عمل(2) .

فإنّها أيضاً مع ضعفها واردة في قضيّة شخصية لا يعلم أنّ الخراج المأخوذ منه كان من الأراضي الخراجية أو من ملكه الشخصي .

ص: 473


1- الكافي 5 : 110 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 8 .
2- الكافي5 : 110 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 195 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 11 .

وأمّا رواية ابن جمهور المشتملة على كتابة أبي عبداللّه علیه السلام إلى النجاشي

والي الأهواز وفارس(1) فلا دلالة لها رأساً ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّه أمر بأداء الخراج من ماله عنه ، فراجع .

ثمّ لا يبعد أن يكون التفصيل المذكور ظاهر جملة من الأصحاب ، وقد حكى عباراتهم شيخنا الأنصاري(2) ، وأوّلها بما هو خلاف ظاهرها ، فإنّهم تعرّضوا لخصوص الخراج والمقاسمة وأفتوا بحرمة الجحود والإنكار والمنع مع دعوى الاتّفاق عليه ، ولا أظنّ إسراءهم الحكم إلى الزكاة مع ورود رواية صحيحة(3) على وجوب المنع .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري تعرّض لفروع وتنبيهات اُخر سيأتي حكم بعضها إن شاء اللّه تعالى في خلال كتاب البيع . ونحن نختم الكلام هاهنا ، حامداً له تعالى ، شاكراً لنعمائه ، مصلّياً على محمّد وآله الطاهرين ، لاعناً على أعدائهم أجمعين .

وكان ذلك في يوم السبت ثامن شهر جمادى الاُولى سنة ثمانين وثلاثمائة

بعد الألف .

كتبها بيده الداثرة العبد المفتاق إلى اللّه الكريم

السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني

عفا اللّه عنهما .

ص: 474


1- تهذيب الأحكام 6 : 333 / 925 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 13 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 214 .
3- تقدّمت في الصفحة 472، الهامش 2.

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 475

ص: 476

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) 173 93

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ

إِثْمَ عَلَيْهِ) 173 93

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) 183 326

(وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 188 29

(فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى

الْحَجِّ) 197 249

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) 219 12

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ

فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) 219 47

(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) 219 47

(وَلاَ تَجْعَلُوا اللّه َ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) 224 136

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ.) 275 93

ص: 477

الآية رقمها الصفحة

(آتَوُا الزَّكَوةَ) 277 338

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى

مَيْسَرَةٍ) 280 94

(رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنَا) 286 232

آل عمران (3)

(للّه ِ عَلَى النَّاسِ) 97 331

(وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) 97 325

النساء (4)

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتامَى

ظُلْماً) 10 93

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ

بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 29 30

(لاَ تَأْكُلُوا) 29 29

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 29 41

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَراضٍ) 29 29

(أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِى

الْأَمْرِ مِنْكُمْ) 59 175

(إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤمِنينَ

كِتَاباً مَوْقُوتاً) 103 326

ص: 478

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(يا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ) 1 331

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 283، 284،

286، 288

(لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ

عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) 78 184

(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَ نْفُسُهُمْ) 80 184

(وَلكِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) 81 184

(إِنَّمَا الْخَمْرُ) 90 14

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) 90 12، 17، 28،

45، 48

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ) 90 114

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ) 90 8، 11، 116

(رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) 90 14، 116

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ

الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) 91 28

ص: 479

الآية رقمها الصفحة

الأعراف (7)

(وَلاَ

يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ

فِى سَمِّ الْخِيَاطِ) 40 81

(أَ لَمْ يُؤخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ

لاَ يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلاَّ الْحَقِّ) 169 87

التوبة (9)

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) 91 424

(خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً

عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ

غَفُورٌ رَحيمٌ) 102 206

يونس (10)

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا

يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) 39 87

هود (11)

(وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى

أَرَيكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ

عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) 84 96

(إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) 114 204

ص: 480

الآية رقمها الصفحة

يوسف (12)

(أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) 70 70، 72، 151

النحل (16)

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ

بِما يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) 101 230

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ

بِما يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ

أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) 101 111

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَ نَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ

بَشَرٌ) 103 111، 231

(إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ

يُؤمِنُونَ) 105 110، 111، 112

(إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ

بِآيَاتِ اللّه ِ وَاُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 105 111

(إِنَّما يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ

بِآياتِ اللّه ِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ * مَنْ

كَفَرَ بِاللّه ِ) 105 - 106 231

(الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّه ِ) 105 111

(واُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 105 111

(مَنْ كَفَرَ) 106 231

(مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ

أُكْرِهَ) 106 230

ص: 481

الآية رقمها الصفحة

(إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ) 106 230، 232، 233،

234، 246، 248

(وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ) 106 231

الإسراء (17)

(وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاَّ

بِالْحَقِّ) 33 93

(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) 36 85

(أَقِمِ الصَّلَوةَ) 79 304

الأنبياء (21)

(قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ

إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 69

(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) 63 70، 72، 151

(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إنْ

كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 70، 151

(فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 69

الحجّ (22)

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 22، 113،

114، 116

ص: 482

الآية رقمها الصفحة

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ للّه ِ غَيْرَ

مُشْرِكِينَ بِهِ) 30 - 31 113

(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ) 78 264

الروم (30)

(أَقِيمُوا الصَّلَوةَ) 31 338

لقمان (31)

(إِنَّ اللّه َ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) 18 162

الصافات (37)

(إِنِّى سَقِيمٌ) 89 72

غافر (40)

(وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) 52 96

النجم (53)

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الاْءِثْمِ

وَالْفَواحِشَ) 32 94

القمر (54)

(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) 26 121

ص: 483

الآية رقمها الصفحة

الزلزلة (99)

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا

أَعْمَالَهُمْ) 6 304

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) 7 304

ص: 484

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟ 170

أتقلّد لهم عملاً ؟ 202

اتّقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع ، وقوّوه بالتقيّة 376

أتى رجل أبي فقال : إنّي ورثت مالاً ، وقد علمت أنّ صاحبه . . . 404

اجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة 67

أجروهم عليهم في ديوانهم ، وإيّاكم وظلم المؤمن 208

احلف لهم بما أرادوا إذا خفت 138

إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها فلا بأس بما ذكرت 465

إذا أنبأهم أ نّها سرقة فلا يحلّ ، وإن لم يعلم فلا بأس 402

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 142، 258

إذا بلغت التقيّة الدم . . . 237

إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة 248

إذا حلف الرجل تقيّة . . . 142

إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره 139، 141

إذا حلف كاذباً لم تلزمه الكفّارة 137

إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل : لا أدري 88

ص: 485

إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل 401، 415، 463

إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره وتقبّل به 465

إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه 450

إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من السماء من قبل اللّه عزّ وجلّ : أين الظلمة ؟ 166

إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟ 21، 40

إذا ولّوكم يدخلون عليكم المرفق وينفعونكم في حوائجكم ؟ 193

إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه 142

أرأيتك إذا ميّز اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟ 19

أربى الربا الكذب 117

الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك 130

الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين 107

أكبر الكبائر الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور 117

إكراؤك جمالك من هذا الرجل 170

ألا اُخبركم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور 106

ألا اُنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ 107

ألا فاصدقوا إنّ اللّه مع الصادقين ، وجانبوا الكذب فإنّه يجانب الإيمان 110

إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره 202

إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه 183، 193

الآن سلم لك دينك 186

ألا وقول الزور 107

أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك 208

أمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر 17

أما تغشى سلطان هؤلاء ؟ 186

ص: 486

إمّا لك وإمّا لأهله 440

أمّا ما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل 405

امض وأعزز إخوانك . . . 206

أمِنْ أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين ؟ ! 396

إنّ إبراهيم إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( إرادة الإصلاح 151

إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . . 377

إنّ أفضل خصال . . . 447

إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها 438

إنّ التقيّة تُرس المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له 233، 248

إنّ الحسن والحسين علیهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية 379

أنّ الخبائث حطّت في بيت ومفتاحه الكذب 102

أنّ الرجس من الأوثان : الشطرنج 49

إنّ الرجل ليصدق على أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه 71، 150

إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر 11، 16

إنّ العبد ليكذب حتّى يكتب من الكذّابين 119

إنّ الكاذب على شفا مخزاةٍ وهلكةٍ 82

إنّ الكذّاب يكذب حتّى يجيء بالصدق فلا يُصدَّق 66

إنّ الكذب يهدي إلى الفجور 102

إنّ اللّه أحبّ . . . 131

إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه 313

إنّ اللّه تعالى أحبّ اثنين ، وأبغض اثنين : أحبّ الخطر فيما بين الصفّين . . . 70

إنّ اللّه تعالى جعل للشرّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب 97

إنّ اللّه تعالى خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا . . . 87

ص: 487

إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً 98

أنّ المصلح ليس بكذّاب 71

إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش 27

إنّ الملائكة لتنفر . . . 34

إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان . . . 39

إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش 33

إنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان . . . 244

إنّ المؤمن ينطبع على كلّ شيء إلاّ على الكذب والخيانة 122

أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر 234

أنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة 105

إن خفت على مالك ودمك فاحلف تردّه بيمينك 139

إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام . . . 405

أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة 40

أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها 419

إنّ شهادة الزور تعادل الشرك باللّه تعالى 113

اُنظر ما أصبت ، فعد به على أصحابك 204

إن عادوا لك فعد لهم بما قلت 230

أنّ علياً علیه السلام كان يقول : اعتدّ في زكاتك بما أخذ العشّار منك 472

إن قلت لك تفعل ؟ 437

إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل 458

إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس 458

إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه 368

إن كنت لا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة 199، 472

ص: 488

أنّ للّه بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه 224

إنّ للّه بأبواب الظالمين . . . 196

إنّ للّه تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه 197

إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ومكّن له في البلاد . . . 195، 223

إنّما جعلت التقيّة . . . 236، 249، 256

إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم 229، 235، 245، 254

إنّما قال : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي . . . 232

إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم 217

إنّ ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان 66

إنّ من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك 88

إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً 69

إنّها فريضة تقام بها الفرائض 212

أ نّه يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن 352

أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون 86

إنّي لا اُحبُّ . . . 163

إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان 196، 220

أوصاني رسول اللّه رحمهما اللّه حين زوّجني فاطمة فقال : إيّاك والكذب 132

اُولئك هم المؤمنون حقّاً 221

اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، عليهم مغفرة من ربّهم ورحمة 194

أو لم ترني آكله ؟ 395

أهم الداخلون علينا ، أم نحن الداخلون عليهم ؟ 180

إيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور وإنّهما في النار 132

إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين 171

ص: 489

أيّما مسلم سئل عن مسلم فصدق ، فأدخل على ذلك المسلم مضرّة . . . 150

أين الظلمة وأعوانهم ، حتّى من لاق لهم دواة . . . 164

بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتّخاذها كفر واللعب بها شرك 24، 49

بيّن رشده ، وبيّن غيّه 375

تتّقي مال أخيك 138

تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة 450

تصدّق بغلّتها 439

تصدّق به؛ فإمّا لك وإمّا لأهله 439

التفل من كلّ شيء 15، 32

التقيّة تُرس المؤمن وحرزه 264

التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم 236، 258

التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم 247، 260

التقيّة في كلّ ضرورة 247

التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به 259

التقيّة من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين 267

تناول السماء أيسر عليك من ذلك 187

ثلاث خصال من علامات المنافق : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان . . . 110

ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعِدَتك زوجتك . . . 73

ثمّ احتجّ اللّه على المؤمنين الموالين للكفّار . . . 184

جبّل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة والكذب 122

جعلت الخبائث كلّها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب 106

جوائز السلطان لا بأس به 413

جوائز العمّال ليس بها بأس 378

ص: 490

الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه . . . 418

حتّى الكعاب والجوز 33

حتّى تعرف الحرام بعينه 460

حتّى يصيبوا من دينه مثله 186

حتّى يكتب من الكذّابين 120

حرّم اللّه الخمر لما فيها من الفساد ، ومن تغيير عقول شاربها 98

الحسنة التقيّة ، والسيّئة الإذاعة 246

خبّرني عن السلطان لنا أو لهم ؟ 180

دع ما يريبك 374، 380

دعوا المجوسية لأهلها لعنها اللّه 24

الرجس من الأوثان : الشطرنج 50

الرجس من الأوثان هو الشطرنج ، وقول الزور الغناء 23

رُفع ما اُكرهوا عليه 270

رفع ما لا يعلمون 433

سئل رسول اللّه رحمهما اللّه : يكون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم 110

ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال 396

سبحان اللّه ، أما علمت أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان 34

شارب الخمر كعابد وثن 156

شرّ من الشراب 97

صدقت ، المسلم أخو المسلم 80

العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم 156

العبد إذا كذب كان أوّل من يكذّبه اللّه ، ونفسه تعلم أ نّه كاذب 82

عونك الضعيف من أفضل الصدقات 423

ص: 491

غيّبه ما استطعت، وضعه مواضعه 138

فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك ، فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه 379

فاحلف لهم ، فهو أحلّ (أحلى خ . ل) من التمر والزبد 128، 135

فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله 437

فإذا بلغت الدم فلا تقيّة 248

فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه 442

فالولاية له ، والعمل معه ، ومعونته في ولايته ، وتقويته حلال محلّل . . . 182

فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر والميسر ، وإثمهما كبير كما قال اللّه 47

فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك 464

فأمّا اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولم تلزمه الكفّارة فهو . . . 128

فإنّ المال مالك 406، 407

فأنا واللّه ، ما له صاحب غيري 442

فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم . . . 426

فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى . . . 406

فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم في بعض حقّكم . . . 180

فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك 201

فإنّها تحضره الملائكة 34

فإن هو غلب على شيء . . . 376

فقد خرج من الإيمان 159

فكن منهم يا محمّد 195

فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة 198

فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً 132

فما لك والباطل ؟ ! 21

ص: 492

فما لهم ؟ وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ هم النار 188

فمن الزور أن يشهد الرجل بما لا يعلم ، أو ينكر ما يعلم 113

فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات 374

فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة 199

فوجه الحلال من الولاية ، ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته 182

فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك 203

فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه 195

فيه حلال وحرام 395

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين أعوان الظلمة 164

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه على خلقه أجمعين 266

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً ، وإن صام وصلّى 122

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : رفع عن اُمّتي أربع خصال : خطأُها ، ونسيانها . . . 231

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق 455

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية 420

قال رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث : والكذب كلّه إثم ، إلاّ ما نفعت به مؤمناً . . . 130

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح 70، 151

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من تولّى عرافة قوم اُتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان 197

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من صلّى الخمس كفّر اللّه عنه من الذنوب 266

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : م-ن نكث بيعة . . . فقد برئ من الإسلام 159

قد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل 39

قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل أكل هو وأصحاب له شاة . . . 36

قلت : يا رسول اللّه ، الرجل يؤخذ يريدون عذابه ، قال : يتّقي عذابه . . . 234

قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز 11

ص: 493

الكاذب على شفا مخزاة وهلكة 66

كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إيّاكم والكذب 131

كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك 30

كان علي بن الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير 74، 127

كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل 51

الكذب أقبح علّة 131

الكذب خراب الإيمان 110

الكذب على اللّه وعلى رسوله من الكبائر 123

الكذب كلّه إثم إلاّ ما نفعت به مؤمناً أو دفعت به عن دين المسلم 150

الكذب مذموم 131

الكذب يسوّد الوجه 67

الكذب يهدي إلى الفجور 121

كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم 203

كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان 201

كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه . . . 472

الكلام ثلاثة : صدق ، وكذب ، وإصلاح بين الناس 71، 145، 149

كلّ شيء طاهر 353

كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه 394

كلّ شيء هو لك . . . 399

كلّ شيء هو لك حلال 400

كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه 398

كلّفوهم الشرك باللّه العظيم ، فأظهروا لهم الشرك وأسرّوا الإيمان 247

كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة . . . 73، 130، 145

ص: 494

كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر 16

كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز 32

كلّ ما قومر به فهو الميسر 13

كلّ ما قومر عليه . . . 27

كلّ ما قومر عليه فهو ميسر 32

كلّ معروف صدقة 424

كل وخذ منه ، فلك المهنأ (الحظّ - خ . ل) وعليه الوزر 407

كلّ هذا بيعه وشراؤه . . . 19

كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم 13، 18

لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه 197، 221، 224

لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة 198، 227

لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا 401، 415

لا بأس إذا لم يعرف بفسق 34

لا بأس ، إذا وصلت إخوانك ، وعضدت أهل ولايتك 194، 205

لا بأس أن يتقبّل الأرض وأهلَها من السلطان 466

لا بأس بجوائز السلطان 378

لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام 34، 40

لا بأس به إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته 194

لا بأس به ما لم يغيّر حكماً، ولم يبطل حدّاً ، وكفّارته قضاء حوائج إخوانكم 203

لا بأس ، ليس بكذب 78

لا تأكل منه ؛ فإنّه حرام 26

لا تبقي عليه من الذنوب شيئاً إلاّ الموبقات التي هي جحد النبوّة ، أو الإمامة 266

لا تعرّب بعد الهجرة ، ولا وصال في صيام 249

ص: 495

لا تعنهم على بناء مسجد 169

لا تلعنوها ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لعن لاعنها 36

لا دين لمن لا تقيّة له ، والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين 259

لا رضاع بعد فطام 249

لا سبق إلاّ في خفّ . . . 40

لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر 39

لا سوأة أسوء من الكذب 131

لا صلاة إلاّ بطهور 353

لا صلاة له حتّى يغسل يده 49

لا، قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ( 110

لا كذب على مصلح 77

لا ، ما من أحد إلاّ يكون ذلك منه ، ولكنّ المطبوع على الكذب 121

لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان 49

لأنّ للتقيّة مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له 244

لا واللّه ما زعمت 80

لا ، ولا قطّة قلم ، إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره 203

لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب ، هزله وجدّه 74

لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في مالك ، وادفعها إلى من وقفت عليه 439

لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه 435

لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه 425

لا يحلّ ماله إلاّ بالطيب 425

لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل 444

لا يصلح ثمنه 438، 447

ص: 496

لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت 401

لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له 119

لا يمين في غضب 251

لا يمين في غضب . . . ولا في جبر ، ولا في إكراه 249

لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها 251

لعن رسول اللّه رحمهما اللّه ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده . . . 36

لقد سألتني عن طعام يعجبني 395

لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض . . . 43

لم تركت عطاءك ؟ 462

لو قلت : إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً 236

لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم 247

لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب . . . 181

اللهمّ اجدع عنهم سلطانهم 188

ليس شيء ممّا حرّم اللّه . . . 143

ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه 139، 141

ليس لك أن تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَلاَ تَقْفُ . . .( 85

ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك 184

ما اُبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو أكلتها 138

ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . . 162، 163

ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء وأنّ لي ما بين لابتيها . . . 160

ما أخذوا منكم بنو اُميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم 472

ما أسكتك ؟ قال: اُحبّ أَن أعرف الكبائر من كتاب اللّه 94

ما أكثر ما يكذب الناس على علي علیه السلام 232

ص: 497

ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك . . . 414، 458

ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف 247

ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة 139

ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم 86

ما عندكم فيها يا صيقل ؟ 70

ما فعل كبيرهم ، وما كذب إبراهيم علیه السلام 69

ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر ، فاللّه قابل العذر 192، 199

ما كذب إبراهيم ويوسف علیهما السلام 77

ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع اللّه عزّ وجلّ به من المؤمنين 208

ما من سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللّه به عن المؤمنين 209

ما منع ابن أبي السمّاك أن يبعث إليك بعطائك ؟ 462

ما منع ميثم رحمه الله علیه من التقيّة ؟ فواللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه 246

ما يريد سالم منّي ، أيريد أن أجيء بالملائكة ؟ واللّه ما جاءت بهذا النبيّون 72

ما يمنع ابن أبي السمّاك أن يخرج شباب الشيعة ، فيكفونه ما يكفيه الناس 462

ما يمنعك من التعرّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله ؟ 180

المصلح ليس بكذّاب 152

ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان 82

من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار . . . 170

من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال 178، 180، 189

من أخذ عصا أخيه فليردّها 436

من استولى على شيء منه فهو له 389، 399، 407

من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها 401، 402

من أعظم الخطايا ، اللسان الكذوب 118

ص: 498

من أعمال الظالمين 179

من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقّه لم يزل اللّه معرضاً عنه 436

من ترك الشبهات نجا من المحرّمات 374

من تولّى خصومة ظالم 158

من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها . . . 157، 160

من خضع . . . 376

من سوّد اسمه . . . 168، 185

من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين من ولد فلان حشره اللّه . . . 167

من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره اللّه . . . 168، 194

من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره اللّه يوم القيامة خنزيراً 167

من علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه حيّة 167

من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً 192، 201

من كثر كذبه ذهب بهاؤه 66

من لم يفعل ذلك منهم فابرأوا منه برئ اللّه منه 193

من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أ نّه ظالم فقد خرج من الإسلام 159

المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك 107، 131

الميسر هو القمار 11، 14

النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدة 15، 25، 45

نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك 465

نعم قد قلته، أما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب؟ 80

نهى رسول اللّه رحمهما اللّه عن اللعب بالشطرنج والنرد 24

نهى عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله 30

نيّة المؤمن خير من عمله 348

ص: 499

وأبغضَ الكذب في غير الإصلاح 131

واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة ، فإنّ فيه الهلكة 132

وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتّى من برئ لهم قلماً . . . 164

والاُخرى على ثلاثة أوجه : فمنها : ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً 140

والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره 15، 32

والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة 257

والكذب شرّ من الشراب 103، 104

واللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟ 442

واللّه لولا أ نّي أرى من اُزوّجه بها من عزّاب . . . 377

واللّه ما ذلك عليه ، وماله إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر 233

واللّه ما سرقوا وما كذب 70

واللّه ما فعلوا وما كذب 70

واللّه ما فعلوه وما كذب 70، 151

واللّه من وراء ذلك 205

والمعاصي حمى اللّه ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها 375

وأمّا التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم 140

وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج . وكلّ قمار ميسر 14

وأمّا وجه الحرام من الولاية ، فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته 182

وإيّاكم والكذب ، فإنّه لا يصلح إلاّ لأهله 131

وإيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور ، وإنّهما في النار 118

وتصون من عرف بذلك . . . 265

وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم . . . 242

وحرمة ماله كحرمة دمه 455

ص: 500

وددت أ نّي أقدر على أن اُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها 143

وذلك إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد 21

وشرب الخمر ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها ، كما نهى عن عبادة الأوثان 114

وشرّ من الشراب الكذب 97

وعلّة الكذب أقبح علّة 118

وقد عزمت على ذلك ؟ 186

وقرن اللّه الخمر والميسر مع الأوثان 48

وقطيعة الرحم ؛ لأنّ اللّه يقول : )وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّار( 96

وكذلك كلّ بيع ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه 22

وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر 50

ولئن تبرَأْ منّا ساعة بلسانك وأنت موالٍ لنا بجنانك ، لتبقي على نفسك 264

ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور 73

ولا تكن عوناً للظالمين 172

ولا سوأة أسوء من الكذب 118

ولا يخرجنّ من فيك كذبة أبداً 130

ولك المهنأ وعليه الوزر 409

ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق 392

وما لهم ؟ وما له ؟ 188

ومكّن له في البلاد . . . 196

ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم 127

ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها 401

ومن خفّ لسلطان جائر 158

ومن دلّ سلطاناً على الجور 158

ص: 501

ومن سعى بأخيه إلى سلطان . . . 158

ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر 158

وهل التقيّة إلاّ هَذَا؟ 234، 248

وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار . . . 108، 109

ويكون الكذب عندهم ظرافة ، فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً 118

هم الداخلون عليكم ، أم أنتم الداخلون عليهم ؟ 181

هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم 170، 191، 216

يا أبا ذرّ ، من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنّة 108

يا أبا ذرّ ، ويل للّذي . . . 109

يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له 83

يا أبا محمّد ، لا ، ولا مدّة قلم . إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . . 186

يا زرارة ، إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا 135

يا زياد ، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ 201

يا زياد! لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ . . . 183، 193

يا زياد ، واللّه لئن أقع من السماء إلى الأرض فأنقطع قطعاً 202

يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم . . . 171، 185

يا صفوان ، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً 169

يا علي ، إنّ اللّه أحبّ الكذب في الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد 128، 151

يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب . . . 127، 149

يا وليد ، أما تعجب من زرارة ؟ سألني عن أعمال هؤلاء . . . 187

يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ 187، 378

يا هذا ، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجّة بما أنفق من ماله 358

يا هذا ، من أين معاشك ؟ 166

ص: 502

يبعثه اللّه على نيّته 191، 216، 217

يتصدّق بثمنه 447

يدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والدعاء 355

يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها 448

يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً 414، 463

يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهي كسبيل ماله 443

يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار 209

يعني بذلك القمار 30

يعيد صلاته ويغسل ثوبه 249

يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر . . . 23، 50

يكون معهم فيسرُّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا 195، 223

يلعب بالحمام 40

اليمين على وجهين . . . 128، 140

ص: 503

ص: 504

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد رحمهما اللّه =محمّد بن

عبداللّه رحمهما اللّه ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه رحمهما اللّه ، نبي الإسلام 5،

11، 24، 32، 33، 34، 35، 39، 40،

70، 73، 77، 80، 85، 95، 98، 106،

107، 108، 109، 110، 113، 114،

115، 116، 117، 118، 119، 122،

123، 124، 125، 127، 130، 131،

132، 149، 150، 151، 152، 155،

157، 158، 159، 164، 166، 169،

171، 172، 174، 175، 197، 203،

213، 230، 231، 232، 233، 234،

242، 254، 266، 269، 305، 320،

321، 322، 362، 370، 404، 406،

419، 420، 436، 455، 469، 474

أمير المؤمنين علیه السلام =علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 16،

36، 37، 38، 74، 109، 118، 119،

127، 131، 149، 150، 174، 232،

234، 264، 267، 268، 304، 469،

472

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 132

الحسن علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الثاني

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 266،

377، 379

الحسين علیه السلام =الحسين بن علي علیه السلام ،

الإمام الثالث

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 377،

379

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 74،

83، 127، 171، 187

الباقر، أبو جعفر علیه السلام =محمّد بن

ص: 505

علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 11،

13، 14، 17، 21، 32، 36، 37، 38،

70، 72، 74، 77، 80، 86، 97، 110،

113، 126، 128، 130، 135، 138،

143، 144، 150، 156، 178، 180،

186، 188، 194، 204، 235، 259،

395، 396، 404، 405، 406، 414،

420، 435، 455، 458، 471، 473

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 19،

22، 23، 24، 26، 29، 30، 33، 34،

39، 43، 49، 50، 69، 70، 71، 73،

78، 79، 86، 87، 88، 90، 94، 96،

114، 116، 121، 122، 123، 127،

128، 130، 131، 135، 137، 139،

140، 141، 144، 145، 149، 150،

151، 152، 156، 160، 164، 166،

167، 169، 180، 181، 184، 185،

186، 187، 188، 191، 193، 194،

197، 198، 199، 201، 203، 208،

209، 215، 227، 231، 232، 233،

234، 235، 236، 242، 244، 246،

247، 259، 352، 358، 376، 378،

394، 397، 401، 402، 404، 405،

406، 407، 414، 415، 419، 423،

437، 438، 439، 442، 443، 444،

447، 461، 463، 464، 465، 466،

472، 474

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 266

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 464

الكاظم، أبو الحسن الأوّل، أبو إبراهيم علیه السلام

‘ موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 35،

47، 85، 159، 164، 169، 183،

184، 193، 196، 197، 199، 201،

202، 203، 205، 208، 220، 221،

377، 448

الرضا، أبو الحسن علیه السلام =علي بن

موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 11،

14، 15، 25، 32، 45 50، 71، 90،

98، 110، 131، 134، 150، 171،

ص: 506

181، 185، 195، 203، 206، 223،

352، 449، 472

أبو الحسن، أبو الحسن علي بن محمّد علیه السلام

‘ علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 12،

192، 439

العسكري علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

106

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه

الشريف)، الإمام الثاني عشر 367

آدم 43

نوح، النبي 174

إبراهيم، النبي 69، 70، 72، 77، 80،

81، 151، 152

داود بن يسا، النبي 184

عيسى المسيح 184

يعقوب، النبي 152

يوسف، النبي 69، 70، 72، 77، 80،

151، 152

ص: 507

ص: 508

4 - فهرس الأعلام

إبراهيم بن عنبسة 12

ابن أبي السمّاك 461، 462

ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين

107، 114

ابن أبي عمير، محمّد 22، 50، 167، 186

ابن أبي نجران=عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي يزيد=داود بن أبي يزيد

ابن أبي يعفور=عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 78، 79،

199، 200، 204، 226، 243، 262،

451

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

405، 407

ابن الجنيد=ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

ابن العبّاس=ابن عبّاس، عبداللّه

ابن الوليد 92

ابن بابويه، محمّد بن علي 9، 33، 34،

41، 44، 79، 91، 92، 109، 117،

128، 137، 140، 141، 144، 146،

149، 150، 157، 191، 201، 206،

216، 219، 236، 243، 257، 443،

465

ابن بزيع=محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 78، 79

ابن بنت الكاهلي=ابن بنت الوليد بن

صبيح الكاهلي

ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي 167،

185

ابن جمهور، محمّد 474

ابن حكيم=حديد بن حكيم الأزدي

ابن دريد، محمّد بن الحسن 10

ابن زياد، عبيداللّه 347

ص: 509

ابن سنان=عبداللّه بن سنان

ابن سيابة=العلاء بن سيابة

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 48، 51،

90، 91، 118، 171

ابن عبّاس، عبداللّه 11، 230

ابن عميرة=سيف بن عميرة

ابن مسعود، عبداللّه 11

ابن مسلم=محمّد بن مسلم

أبو إسحاق الخراساني 131

أبو البختري 472

أبو الجارود 13، 14، 17، 48،

194،204، 219، 396

أبو الربيع الشامي=الشامي، أبو الربيع

أبو الصباح=أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني 139

أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي 113

أبو أيّوب=هود أبو أيّوب الأنصاري

أبو بصير 24، 49، 72، 80، 119، 120،

186، 377، 400، 403، 415، 420،

455، 464، 471

أبو جعفر=الدوانيقي، أبو جعفر منصور

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 171،

178، 180، 235، 243، 257

أبو حنيفة 262

أبو خديجة، سالم بن مكرم الجمّال 123

أبو ذرّ 83، 108، 109

أبو سلمة 206

أبو عبيدة=الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو علي بن راشد 439، 448

أبو ولاّد=حفص بن سالم

أبو يعقوب إسحاق بن عبداللّه 87

أحمد بن الحسين 130

أحمد بن زكريّا الصيدلاني=

الصيدلاني، أحمد بن زكريّا

أحمد بن محمّد بن عيسى 415، 464

الأحمسي=مالك بن عطية

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 243

اُسامة بن زيد 33، 34، 35، 39، 40

أسباط بن سالم 30

الاُستاذ=كاشف الغطاء، جعفر بن خضر

إسحاق بن عمّار 26، 27، 181، 218،

414، 448، 463

إسماعيل، ابن الإمام الصادق علیه السلام 358،

461

الأشعري، إسماعيل بن سعد 134، 137،

141

الأصبغ بن نباتة 74، 83

الأصفهاني، محمّد حسين 273، 313،

ص: 510

340، 344

الأعجمي، أبو عمر 259، 260

الأعمش 48، 51، 90، 172

الأنباري، الحسن بن الحسين 181،

203، 206، 221

أنس 107، 131

أنس بن محمّد 127

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 18،

32، 36، 39، 48، 67، 83، 106،

115، 124، 133، 141، 144، 148،

162، 168، 169، 190، 208، 211،

241، 243، 256، 270، 271، 276،

287، 310، 313، 328، 329، 332،

339، 341، 344، 345، 346، 350،

357، 358، 359، 360، 361، 365،

366، 367، 369، 393، 410، 412،

437، 453، 454، 455، 456، 470،

474

الأهوازي، الحسين بن سعيد 79

الإيرواني، علي بن عبدالحسين 241،

308، 366

البزنطي، أحمد بن محمّد 49، 79، 352

البصري، الحسن 11

البطائني، علي بن أبي حمزة 181، 437،

447، 456

بعض الأساطين=كاشف الغطاء، جعفر

بن خضر

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض أعاظم العصر=النائيني، محمّد

حسين

بعض الأفاضل=الإيرواني، علي بن

عبدالحسين

بعض المحقّقين=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض المدقّقين=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض أهل التحقيق=الشيرازي، محمّد

تقي بن محبعلي

بعض أهل التحقيق=الأصفهاني، محمّد

حسين

بكر بن محمّد 233، 247

التفتازاني، سعد الدين=التفتازاني،

مسعود بن عمر

التفتازاني، مسعود بن عمر 52، 55

التقي=الشيرازي، محمّد تقي بن

محبعلي

جابر=الجعفي، جابر بن يزيد

الجرّاح المدائني 401

ص: 511

جعفر بن نعيم=الشاذاني، جعفر بن نعيم

الجعفري، سليمان 171، 172، 173،

185

الجعفي، إسماعيل 138

الجعفي، جابر بن يزيد 11، 12، 32، 46

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 26، 27

جهم بن حميد 186

الحائري، عبدالكريم 298، 359

الحارث الأعور 73، 83، 119

حديد بن حكيم الأزدي 376

حديد بن حكيم=حديد بن حكيم

الأزدي

الحذّاء، زياد بن عيسى 29، 414، 435،

458، 460، 461، 463، 468

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 84، 173

حريز=السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن محبوب=السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسن=البصري، الحسن

الحسين 79

الحسين بن زيد 197

الحسين بن عمر بن يزيد 23، 50

الحضرمي، أبو بكر 461، 462

حفص بن سالم 407، 410

حفص بن غياث 392، 444، 450

الحلبي، عبيداللّه بن علي 135، 170،

172، 191، 196، 215، 217، 222،

404، 406، 407، 443، 466، 467،

469

الحلّي=ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عمرو 127

حمران بن أعين 220

الحميري، محمّد بن عبداللّه 367

الخثعمية 326، 359

الخطيب القزويني، محمّد بن عبدالرحمان

55

داود بن أبي يزيد 442، 452، 456

داود بن زربي 187

داود بن علي 187

درست بن منصور 247

الدوانيقي، أبو جعفر منصور 188

الراوندي=القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

159، 160، 164

زرارة 19، 86، 88، 128، 135، 136،

138، 144، 187، 259، 378

زياد العبدي 204، 206

ص: 512

زياد بن أبي رجاء 86

زياد بن أبي سلمة 183، 193، 201،

204، 205، 206، 218

زياد بن عيسى=الحذّاء، زياد بن عيسى

زيد الشحّام 23، 50، 435

زينب الكبرى=زينب بنت علي بن أبي

طالب (سلام اللّه عليها)

زينب بنت علي بن أبي طالب (سلام اللّه

عليها) 112

الساباطي، عمّار بن موسى 198، 227

سالم بن أبي حفصة 72، 80

السجستاني، حريز بن عبداللّه 376، 379

سدير 219

السرّاد، الحسن بن محبوب 122

السكّاكي، يوسف بن أبي بكر 57

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 24، 50،

164، 165، 423

سماعة بن مهران 43، 139، 141، 143،

401، 415، 419، 463

سويد بن حنظلة 80

سهل بن زياد الآدمي 23، 376

السيّاري، أحمد بن محمّد 222، 223

السيّد اليزدي=اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

السيّد=الطباطبائي، علي بن محمّد

علي

السيّد=علم الهدى، علي بن الحسين

سيف بن عميرة 74، 83، 126، 180

شاذان بن جبرئيل=شاذان القمّي

شاذان القمّي 172

الشاذاني، جعفر بن نعيم 92

شارح حكمة الإشراق=قطب الدين

الشيرازي، محمّد بن مسعود

الشافعي، محمّد بن إدريس 20، 262

الشامي، أبو الربيع 23، 405، 406

الشحّام=زيد الشحّام

الشرتوني، سعيد 26

شمر 347

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 91،

432

الشيخ=الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ=الأنصاري، مرتضى بن محمّد

أمين

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخ الأنصاري=الأنصاري، مرتضى

بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن

الحسن

ص: 513

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

الشيرازي=الشيرازي، محمّد تقي بن

محبعلي

الشيرازي، محمّد تقي بن محبعلي 83،

94، 252، 290، 291، 306، 343،

345، 382، 384، 441

الصائغ، علي بن ميمون 439، 448

صاحب أقرب الموارد=الشرتوني،

سعيد

صاحب التلخيص=الخطيب القزويني،

محمّد بن عبدالرحمان

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

176، 211، 275، 366

صاحب الرياض=الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

صاحب الصحاح=الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب القاموس=الفيروز آبادي

الشيرازي، محمّد بن يعقوب

صاحب المجمع (مجمع البحرين)=

الطريحي، فخر الدين بن محمّد

صاحب مفتاح الكرامة=العاملي

الغروي، جواد بن محمّد

صاحب المنجد=المعلوف، لويس

صاحب الوسائل=الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

صاحب منتهى الإرب=الصفي پوري،

عبدالرحيم بن عبدالكريم

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن على

صفوان الجمّال 169، 172، 180، 202،

208، 218

صفوان بن مهران=صفوان الجمّال

صفوان بن يحيى 352

الصفي پوري، عبدالرحيم بن عبدالكريم

9، 26

الصيدلاني، أحمد بن زكريّا 473

الصيقل، الحسن 69، 70، 77، 131،

151

الصيقل، عمر بن يزيد 23، 50

الضحّاك 234

الطباطبائي=الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 282،

284

الطباطبائي=اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

الطبرسي، علي بن الحسن 130، 149،

150، 152

ص: 514

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 8

طلحة بن زيد 156

الطوسي، محمّد بن الحسن 12، 38، 92،

156، 225، 226، 260، 262، 365

الطيالسي، محمّد بن خالد 180

العاملي الغروي، جواد بن محمّد 226،

282

عبّاس بن هلال 110

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 79،

80

عبدالأعلى مولى آل سام=عبدالأعلى

بن أعين مولى آل سام

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 414، 463

عبدالرحمان بن أبي نجران 402

عبدالرحمان بن الحجّاج 121

عبدالعظيم الحسني=عبدالعظيم بن

عبداللّه علیه السلام

عبدالعظيم بن عبداللّه علیه السلام 49، 94، 109،

114، 116، 158

عبداللّه بن أبي يعفور 160، 165، 168،

352

عبداللّه بن العبّاس 118

عبداللّه بن بكير بن أعين=ابن بكير،

عبداللّه

عبداللّه بن سليمان 395

عبداللّه بن سنان 358، 394، 400

عبداللّه بن عجلان 234

عبداللّه بن يحيى 247

عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس=

العطّار النيسابوري، عبدالواحد بن

محمّد

عبدالواحد=العطّار النيسابوري،

عبدالواحد بن محمّد

العبدي، زياد بن مروان 202

عبيداللّه بن زياد 112

عذافر 379

العطّار النيسابوري، عبدالواحد بن محمّد

91، 92

عطاء 70، 77، 151

العلاّمة الحائري=الحائري، عبدالكريم

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 38،

91، 92، 138، 180، 225، 226،

243، 366

العلاء بن سيابة 26، 27، 33، 35، 36،

40

علم الهدى، علي بن الحسين 281، 326،

327

علي بن إبراهيم=القمّي، علي بن

إبراهيم

ص: 515

علي بن أبي حمزة=البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن جعفر 85، 193، 221

علي بن رئاب 202، 206، 218

علي بن ميمون الصائغ=الصائغ، علي

بن ميمون

علي بن يقطين 47، 196، 197، 199،

208، 220، 224، 268، 472، 473

عمّار ياسر 148، 230، 233، 234،

236، 246، 254، 255

عمر (أخو عذافر) 379

عمر (الخليفة الثاني)=عمر بن الخطّاب

عمر بن الخطّاب 34

عمرو بن عبيد 94، 96

عمرو بن مروان 231

العيّاشي، محمّد بن مسعود 11، 14، 15،

30، 45، 110، 171، 172، 203،

206، 232

عيسى بن حسّان 73، 130، 144، 149،

152

العيص بن القاسم 472

الفضل بن شاذان=ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالرحمان 203، 207

الفضيل بن يسار 21

الفيروز آبادي، محمّد بن يعقوب 8، 26

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

33، 34

الفيض بن المختار 465

قابيل 43

قتادة 11، 230

قطب الدين الشيرازي، محمّد بن مسعود

61

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 110،

164، 226

القمّي=الميرزا القمّي، أبو القاسم بن

محمّد حسن

القمّي، جعفر بن أحمد 130، 150

القمّي، علي بن إبراهيم 48

قنبر بن علي بن شاذان 92

القندي، زياد بن مروان 206

الكابلي، الوليد بن صبيح 167، 187،

194، 218، 378

الكاشاني=الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 67، 298،

318

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 167

ص: 516

الكراجكي، محمّد بن علي 156، 159

الكشّي، محمّد بن عمر 92، 180، 195

الكليني، محمّد بن يعقوب 465

مالك 262

مالك بن عطيّة 171

المأمون، خليفة العبّاسي 171

مجاهد 11، 42

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 138

المحاربي 73، 149

المحقّق التقي=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 226،

365

المحقّق الطوسي=نصير الدين الطوسي،

محمّد بن محمّد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 195، 196،

204، 209، 210، 223، 224، 268

محمّد بن سنان 98، 156، 194، 219

محمّد بن علي 30

محمّد بن علي بن عيسى 192

محمّد بن عيسى 12، 23، 30، 46، 197

محمّد بن عيسى بن يقطين 196، 219،

220

محمّد بن قيس 36

محمّد بن مروان 246

محمّد بن مسلم 88، 97، 235، 243،

248، 257، 352، 438، 447، 452،

471

مسعدة بن زياد 24

مسعدة بن صدقة 184، 199، 201،

227، 230، 232، 242، 244، 246،

397

معاذ بيّاع الأكسية=معاذ بن كثير بيّاع

الأكسية

معاذ بن كثير بيّاع الأكسية 137

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي

378، 379

معاوية بن حكيم 152

معاوية بن عمّار 71، 152، 153

معاوية بن وهب 414، 424، 451، 463

المعلوف، لويس 8

معمّر بن خلاّد 15، 25، 32، 45، 46،

50، 110

معمّر بن يحيى 143

المفضّل بن عمر 209، 210، 220

المفيد، محمّد بن محمّد 122، 137،

150، 167، 180، 193، 202

مهران بن محمّد بن أبي نصر 208، 209،

210، 220

ص: 517

ميثم 246

الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن

307

النائيني، محمّد حسين 316، 334

النجاشي، أحمد بن علي 92

النجاشي (والي الأهواز) 208، 268،

474

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 323

نصر بن حبيب صاحب الخان 450

نصر صاحب الخان=نصر بن حبيب

صاحب الخان

نصير الدين طوسى، محمّد بن محمّد 60

النظّام 54

النوري (صاحب المستدرك)=النوري،

الحسين بن محمّد تقي

النوري، الحسين بن محمّد تقي 159،

164

النيسابوري، علي بن محمّد بن قتيبة 91،

92

وائل بن حجر 80

الواسطي، أبو يحيى 145، 149، 152

ورّام بن أبي فراس=ورّام، مسعود بن

عيسى

ورّام، مسعود بن عيسى 158، 164

الوشّاء، الحسن بن علي 14

الوليد بن صبيح=الكابلي، الوليد بن

صبيح

هارون الرشيد 170، 197، 221

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 465

هبة اللّه 180، 202

هشام بن سالم 86، 219، 450، 451

الهمداني، صالح بن سهل 150

هود أبو أيّوب الأنصاري 439، 447،

452

الهيثم بن أبي روح صاحب الخان 451

الهيثم=الهيثم بن أبي روح

صاحب الخان

ياسر الخادم 15، 32

يحيى بن إبراهيم 188

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 286،

320، 400، 407، 432، 445، 519

يونس بن حمّاد 193

يونس=يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 139، 449، 451

يونس بن عمّار 193

يونس بن يعقوب 169

ص: 518

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 8، 36، 80، 86، 426

الاحتجاج 69، 70، 71، 72، 81، 264،

367، 408، 418

الاختصاص 122، 180، 181

الإخوان=مصادقة الإخوان

أقرب الموارد 26

بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر 306

الرياض=رياض المسائل

البيع للإمام الخميني (سلام اللّه عليه)

474

تحف العقول 21، 182، 198، 200

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 38، 366

تعليقة السيّد الطباطبائي على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق اليزدي

تعليقة العلاّمة الشيرازي على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق الشيرازي

تعليقة المحقّق الإيرواني على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق الإيرواني

تفسير أبي الفتوح=روض الجِنان

وَروح الجَنان

تفسير الإمام العسكري علیه السلام 266

تفسير العيّاشي 11، 14، 15، 110، 171،

173

تفسير علي بن إبراهيم=تفسير القمّي

تفسير القمّي 48

التلخيص=تلخيص المفتاح

تلخيص المفتاح 55

التهذيب=تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 12، 79، 193

جامع الأخبار 131، 159

ص: 519

جامع البزنطي 49

الجعفريات 149، 234

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 67، 176، 211، 243،

275، 282، 366

حاشية المكاسب للمحقّق الإيرواني 241

حاشية المكاسب للمحقّق الشيرازي 83،

306، 345

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 286،

320

روض الجِنان وَروح الجَنان 113

الخصال 90

الخمس للشيخ الأنصاري 456

دعائم الإسلام 113

الدعوات 110

رجال الكشّي 180، 195

رسالة التقيّة للإمام الخميني (سلام اللّه

عليه) 241، 260

رسالة التيمّم=الطهارة للإمام الخميني

(سلام اللّه عليه)، التيمّم

رسالة القضاء للشيخ الأنصاري 362

رسالة لا ضرر للإمام الخميني (سلام اللّه

عليه)=بدائع الدرر في قاعدة نفي

الضرر

رياض المسائل 243، 256، 281، 282،

284

السرائر 226، 261، 451

الشرائع=شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 261، 366

شرح حكمة الإشراق 61

شرح القواعد لكاشف الغطاء 318

الصحاح 10، 26، 27، 42، 272

الصلاة للحائري 359

الطهارة للإمام الخميني (سلام اللّه عليه)،

التيمّم 276

العلل=علل الشرائع

علل الشرائع 377، 379

عوالي اللآلي 166

العيون=عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 90، 91

الفصول الغروية 178

فقه الرضا علیه السلام =الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 131

الفقيه=من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 8، 9، 26، 42، 168

القواعد=قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 318، 366

ص: 520

القوانين=قوانين الاُصول

قوانين الاُصول 307

الكافي 79، 376

كتاب البزنطي 49، 79

كتاب الراوندي=النوادر للسيّد فضل

اللّه الراوندي

كتاب طلحة 156

كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين 78، 79

كتاب الغيبة لفضل بن شاذان 118

كتاب مسائل الرجال 192

كنز الكراجكي=كنز الفوائد

كنز الفوائد 156، 159

لسان العرب 9، 26

المبسوط 80

المجمع=مجمع البحرين

مجمع البحرين 8، 9، 11، 26، 272

مجمع البيان 11، 42، 86، 230

المختلف=مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 92

المراسم 261

المسالك=مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 281

المستدرك=مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 84، 159، 202، 218

المستطرفات=مستطرفات السرائر

مستطرفات السرائر 24، 49، 78، 79،

192، 204

المستند=مستند الشيعة

مستند الشيعة 243

المشكاة=مشكاة الأنوار في غرر

الأخبار

مشكاة الأنوار في غرر الأخبار 150

مصادقة الإخوان 71

معيار اللغة 272

مفتاح الكرامة 226، 281، 282

المقنع 9، 41، 43، 44، 191، 219

المكاسب للشيخ الأنصاري 83، 241،

260، 270

منتهى الإرب 9، 26، 271

المنتهى=منتهى المطلب

منتهى المطلب 225، 226، 243، 261

المنجد 8، 9، 11، 26، 42، 54، 272

من لا يحضره الفقيه 33، 34، 39، 44،

140، 219

النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى 30،

415

النوادر للسيّد فضل اللّه الراوندي 159،

160

ص: 521

النهاية=النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 226،

260، 365

الوافي 167

الوسائل=وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 15، 34، 84، 167، 173،

358

الهداية للصدوق 236

ص: 522

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ،

1413 ق .

3 - الاختصاص . المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

4 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

5 - الارءشاد في معرفة حجج اللّه على العباد ، ضم-ن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 11 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336

- 413) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، جزءان في

ص: 523

مجلّد واحد ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

6 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

7 - الإشارات والتنبيهات ، مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، دفتر نشر كتاب ، 1403 ق .

8 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

9 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

10 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

11 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

12 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

13 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=

موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

14 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

15 - بحوث في الفقه ، (يحتوي على صلاة الجمعة، صلاة المسافر، الإجارة). الشيخ محمّد

ص: 524

حسين الأصفهانى (م 1361) ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 ق .

16 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

17 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

18 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن ابن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

19 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

20 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

21 - تفسير الصافي . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، مشهد ، دار المرتضى للنشر ، 1402 ق .

22 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

23 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

24 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى، قم، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

ص: 525

25 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) . أبو الحسين ورّام بن أبي فرّاس المالكي الأشتري (م 605)، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1368 ش.

26 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

27 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

28 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385-460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ث»

29 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

30 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

31 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد . محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

32 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

ص: 526

33 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

34 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

35 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر (648 - 726) ، قم ، انتشارات بيدار ، 1413 ق .

«ح»

36 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .

37 - حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، ذوي القربى ، 1418 ق .

38 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى

لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

39 - حاشية المكاسب . العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، 1412 ق .

40 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

41 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي .

ص: 527

«خ»

42 - الخصال . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

43 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

44 - خلاصة عبقات الأنوار . السيّد حامد الحسيني النقوي (1246 - 1306)، تلخيص علي الحسيني الميلاني ، 9 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة البعثة ، 1406 ق .

45 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

46 - الخمس ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 11 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«د»

47 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

48 - الدرر اللآلي . الشيخ محمّد بن عليّ الأحسائي ، مخطوط في المكتبة المرعشيّة ، تحت رقم 267 ، قم .

49 - الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، المشهد الرضوي ، مؤسّسة الآستانة الرضوية ، 1365 ق .

ص: 528

50 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

51 - الدعوات . المولى أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه المشهور ب- «قطب الدين الراوندي» (م 573) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، انتشارات مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1407 ق .

«ر»

52 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

53 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

54 - الرسالات الفقهية والاُصولية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

55 - رسائل فقهية ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 23 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1414 ق .

56 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (تفسير أبي الفتوح رازي) . حسين بن علي بن محمّد بن أحمد الخزاعي النيسابوري المشهور ب- «أبو الفتوح الرازي» (م قرن ششم) ، تحقيق دكتر محمّد جعفر ياحقي ودكتر محمّد مهديّ ناصح ، چاپ دوم ، 20 جلد مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوى ، 1377 ش .

57 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد

ص: 529

العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

58 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«ز»

59 - زبدة البيان في أحكام القرآن . مولانا أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية .

«س»

60 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

61 - السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ، المطبوع ضمن «الخراجيات» . الشيخ إبراهيم ابن سليمان المعروف ب- « الفاضل القطيفي» ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

62 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

63 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

64 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن

ص: 530

ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

65 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح وتعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

66 - شرح حكمة الإشراق . محمّد بن مسعود بن مصلح المشهور بقطب الدين الشيرازي (م 710) ، قم ، انتشارات بيدار .

67 - شرح قواعد الأحكام . الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي (كاشف الغطاء) (1156 - 1228) ، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، سعيد بن جبير ، 1422 ق / 2002 م .

68 - الشفاء. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً (الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

«ص»

69 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملاي-ين ،

1407 ق / 1987 م .

70 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

«ط»

71 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ع»

72 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

ص: 531

73 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

74 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

75 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

76 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني ( القرن التاسع) ، تحقيق الشيخ جعفر الكوثراني العاملي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الهادي للطباعة والنشر ، 1420 ق / 1999 م .

77 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

78 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250) ، قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .

79 - فقه القرآن . قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

80 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة

ص: 532

الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

81 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبدالرحمن الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

82 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

83 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

84 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

85 - القبسات . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب«الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق الدكتور مهدي المحقّق ، الطبعة الثانية ، طهران ، انتشارات و چاپ دانشگاه طهران ، 1374 ش .

86 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

87 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

88 - قوانين الاُصول . ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة 1310 ق .

ص: 533

«ك»

89 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

90 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء . الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (1156 - 1228) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

91 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449) ، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ، 1410 ق .

«ل»

92 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

93 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

94 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4

مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

95 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

ص: 534

96 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

97 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

98 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

99 - مختصر المزني . إسماعيل بن يحيى المُزني (م 264) ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

100 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

101 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

102 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ، (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

103 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

104 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15

ص: 535

مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

105 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

106 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

107 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار . أبو الفضل علي الطبرسي (م قرن هفتم) ، تحقيق مهدي هوشمند ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1418 ق .

108 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي الطباطبائي الملقّب ب- «بحرالعلوم» (م 1212) ، قسم التجارة من مخطوطة مكتبة آية اللّه الگلپايگاني تحت الرقم 31 / 107 .

109 - مصادقة الإخوان . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد علي الخراساني ، قم ، ليتوغراف الكرماني ، 1402 ق / 1982 م (بالاُوفست عن طبع منشورات مكتبة الإمام صاحب الزمان العامّة ، الكاظمية - العراق ، 1366 ق ).

110 - مصباح الفقاهة (تقريرات المحقّق آية اللّه الخوئي) . محمّد عليّ التوحيديّ ، 7 مجلّدات ، انتشارات وجداني ، 1371 ش.

111 - المطوّل في شرح تلخيص المفتاح . سعد الدين التفتازاني الهروي مسعود بن عمر بن عبداللّه (م 792) ، وبهامشه حاشية المير سيّد شريف ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي

النجفى ، 1407 ق .

112 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

ص: 536

113 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم . محمّد فؤاد عبدالباقي ، چاپ دوم ، طهران، انتشارات حرّ ، 1383 .

114 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد علي بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

115 - مفتاح العلوم . أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمّد بن علي السكّاكي (م 626) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1348 ق .

116 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

117 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

118 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

119 - الملهوف على قتلى الطفوف . أبو القاسم رضيّ الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني (م 664) ، تحقيق الشيخ فارس تبريزيان «الحسّون» ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

120 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

121 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

122 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 537

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

123 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

124 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

125 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

126 - الموطّأ . أبو عبداللّه مالك بن أنس بن مالك (93 - 179) ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1985 م .

127 - المهذّب . أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

128 - النوادر . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، 1408 ق .

129 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

130 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

ص: 538

«و»

131 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

132 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه ، 3 مجلّدات ، طهران ، دارالطباعة ، 1293 ق .

«ه-»

133 - الهداية[في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 539

ص: 540

7 - فهرس الموضوعات

المسألة الرابعة : في حرمة القمار

حرمة اللعب بالآلات المعدّة للقمار مع رهان لصدق عنواني القمار والميسر عليه ··· 7

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بغير الآلات بلا رهان ··· 8

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بغير الآلات مع رهان ··· 8

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بالآلات بلا رهان ··· 8

في استفادة حرمة اللعب بالآلات بلا رهان من الكتاب ··· 12

في الاستدلال على حرمة اللعب بالآلات بلا رهان بالروايات ··· 17

حكم اللعب بغير آلات القمار مع رهان ··· 25

في الاستدلال على الحكم بدعوى صدق القمار عرفاً على مطلق اللعب برهن ··· 25

في الاستدلال على الحكم بآية )انما الخمر والميسر . . .( ··· 28

في الاستدلال على الحكم بآية التجارة ··· 29

في الاستدلال على الحكم بالروايات ··· 32

حكم المغالبة بغير عوض في غير ما استثني ··· 38

فرعان :

الأوّل : حرمة المال المأخوذ بالقمار بعنوانه ··· 45

الثاني : دلالة الكتاب والسنّة على أنّ القمار من الكبائر ··· 47

ص: 541

المسألة الخامسة : في الكذب

ماهية الصدق والكذب ··· 52

في عدم تقوّم الكذب بالقول واللفظ ··· 57

في عدم تقوّم الكذب على إفهام المخاطب ··· 60

الميزان في صدق المتكلّم وكذبه ··· 63

عدم كون التورية وخلف الوعد كذباً ··· 65

حرمة الكذب وما يلحق به ··· 65

انصراف أدلّة الحرمة عن الكذب عند نفسه ··· 66

حكم ما يفيد فائدة الكذب كالتورية والإنشاء والأفعال ··· 67

انصراف المطلقات عن الكذب في مقام الهزل ··· 82

حكم الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها ··· 84

ينبغي التنبيه على أمرين :

الأمر الأوّل : في كون الكذب من الكبائر ··· 90

الاستدلال بالروايات على كون الكذب مطلقاً من الكبائر ··· 90

الاستدلال بروايتي العيون والخصال ··· 90

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام ··· 94

الاستدلال بموثّقة محمّد بن مسلم ··· 97

الاستدلال بالمرسلة التي ذكرها الشيخ الأعظم ··· 106

الاستدلال برواية أنس ··· 107

الاستدلال برواية أبي ذرّ ··· 108

الاستدلال بالروايات الدالّة على عدم اجتماع الكذب والإيمان ··· 109

الاستدلال بالروايات الدالّة على أنّ قول الزور عدل الشرك ··· 113

الاستدلال بمرسلة الصدوق ··· 117

ص: 542

الاستدلال بروايات ضعيفة سنداً أو دلالة ··· 118

في أنّ الكذب كبيرة في الجملة ··· 119

دفع كون تحريم الكذب باعتبار اللواحق ··· 123

حكم العقل بقبح الكذب ذاتاً ··· 123

مناط حكم الشرع في الكذب غير مناط حكم العقل ··· 125

مقتضى الروايات حرمة الكذب مطلقاً ··· 126

الأمر الثاني : في مسوّغات الكذب ··· 133

في أنَّ الضرورة من مسوّغات الكذب ··· 133

في أنّ إرادة الإصلاح من مسوّغات الكذب ··· 149

هل يجوز الكذب في الوعد مع الأهل أم لا ؟ ··· 153

المسألة السادسة : في معونة الظالم

هل تكون معونة الظالم من الكبائر مطلقاً أم لا ؟ ··· 155

أقسام الظالم ··· 155

معونة الظلمة الذين يتلبّسون بظلمٍ ما ··· 156

معونة الظلمة الذين يكون الظلم شغلاً لهم وغيرهم من الاُمراء والسلاطين والخلفاء ··· 160

المسألة السابعة : في الولاية من قبل الجائر

حرمة الولاية من قبل الجائر ··· 174

في الروايات الدالّة على أنّ حرمة الولاية لأجل حرمة التصرّف في سلطان الإمام ··· 178

في الروايات الدالّة على حرمة الولاية ذاتاً ··· 182

في الروايات الدالّة على أنّ الحرمة لأمر خارج ··· 186

في الروايات الظاهرة في الحرمة بلا عنوان ··· 187

ص: 543

عدم المنافاة بين الأخبار ··· 188

مسوّغات الولاية من قبل الجائر ··· 190

ثمّ إنّه يسوّغ الدخول في أعمالهم أمران :

الأمر الأوّل : القيام بمصالح العباد ··· 190

ذكر الروايات في المسألة ··· 191

عدم المعارضة بين الروايات لدى العرف والعقلاء ··· 200

كلام الشيخ الأعظم في الولاية المكروهة والمستحبّة ··· 208

في وجوب تصدّي الولاية فيما توقّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه ··· 211

مقتضى القواعد مع قطع النظر عن الأخبار ··· 211

مقتضى الأخبار في المقام ··· 215

هل يمكن إلغاء الخصوصية من مورد الجواز أم لا ؟ ··· 222

المتيقّن من الأدلّة جواز الدخول لإصلاح حال الشيعة ··· 224

ذكر كلمات الأصحاب في المقام ··· 225

الأمر الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر كالاضطرار أو التقيّة أو الإكراه ··· 227

وينبغي التنبيه على اُمور :

التنبيه الأوّل : شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات ··· 228

ما استدلّ به على اختصاص أدلّة الإكراه بحقّ اللّه وردّه ··· 228

مستثنيات إطلاق أدلّة الإكراه ··· 241

استثناء ما يؤدّي إلى الفساد في الدين ··· 241

استثناء ما يؤدّي إلى الدم ··· 243

مفاد قوله علیه السلام : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة» ··· 248

في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين إيقاع النفس في الهلكة ··· 252

التنبيه الثاني : حكم سائر أقسام التقيّة ··· 257

ص: 544

حكم التقيّة إذا خاف على عرض مؤمن أو ماله ··· 264

التنبيه الثالث : الإشكال على ما ذكره الشيخ في معنى الإكراه ··· 270

بطلان تفسير الإرادة بالشوق المتأكّد ··· 273

التنبيه الرابع : فيما ذكره الشيخ من أنّ قبول الولاية مع الضرر المالي اليسير رخصة ··· 276

التفصيل بين ما إذا كان المورد من موارد التقيّة الواجبة وبين غيره ··· 276

القسم الخامس

الاكتساب بما يجب على الإنسان فعله

حرمة التكسّب بالواجبات ··· 281

في محطّ البحث ··· 281

حول إشكال منافاة وصف التعبّدية لأخذ الاُجرة ··· 282

في الجواب عن إشكال المنافاة بطولية داعي الامتثال ··· 289

في اعتبار الهية جميع الدواعي الطولية والعرضية في العبادة ··· 296

التحقيق : عدم اعتبار الإخلاص التامّ في العبادة ··· 298

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام والجواب عنه ··· 306

إبطال المحقّق الإيرواني الداعي على الداعي وردّه ··· 308

حول إشكال منافاة وصف الوجوب لأخذ الاُجرة ··· 310

الكلام في الواجب العيني التعييني ··· 310

استدلال الشيخ الأعظم على المنافاة وردّه ··· 310

ما أجاب به المحقّق الأصفهاني عن مقالة الشيخ وما فيه ··· 313

استدلال المحقّق النائيني على المنافاة وردّه ··· 316

استدلال كاشف الغطاء على المنافاة وردّه ··· 318

بيان السيّد الطباطبائي في عدم المنافاة وما فيه ··· 320

ص: 545

استدلال المحقّق النراقي في المقام وما فيه ··· 323

تقرير آخر للاستدلال على المنافاة ··· 325

أخذ الاُجرة في الواجب التخييري ··· 328

تصوير تعلّق الملكية بالواجب التخييري ··· 329

أخذ الاُجرة في الواجب الكفائي ··· 331

تنبيه : أخذ الاُجرة في الواجبات النظامية ··· 332

جواب المحقّق النائيني عن الإشكال في الواجبات النظامية ··· 334

جواب الشيخ الأعظم عن الإشكال في الواجبات النظامية ··· 339

تصحيح العبادات الاستئجارية ··· 346

في ماهية النيابة ··· 346

احتمال كون النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه ··· 346

احتمال كون النيابة تنزيل العمل لا تنزيل الشخص ··· 355

التحقيق في النيابة ··· 357

ما يرد على كلام العلاّمة الحائري والشيخ الأعظم في المقام ··· 359

خاتمة

فيها مسألتان :

المسألة الاُولى : في جوائز السلطان الجائر وعمّاله ··· 365

وفيها صور :

الصورة الاُولى : عدم العلم بوجود الحرام في جملة أموال الجائر ··· 365

الصورة الثانية : العلم الإجمالي بوجود الحرام في أموال السلطان الجائر ··· 370

وفيها صورتان :

الاُولى : فيما لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة ··· 370

ص: 546

حول القول بكراهة أخذ الجوائز في المقام ··· 373

الثانية : فيما لو كان العلم الإجمالي منجّزاً كالشبهة المحصورة ··· 380

حول جريان أصالة الحلّ في المقام ··· 380

حول جريان قاعدة اليد في المقام ··· 388

حول جريان أصالة الصحّة في المقام ··· 390

صورة تنجيز العلم الإجمالي في جميع الأطراف ··· 393

تمسّك السيّد الطباطبائي بالروايات الواردة في شراء السرقة والربا ··· 400

في التمسّك بالروايات الواردة في جوائز السلطان وعمّاله ··· 407

الصورة الثالثة : العلم التفصيلي بحرمة المأخوذ من السلطان الجائر ··· 419

الإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية ··· 419

حال الصور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم التكليفي ··· 423

بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه ··· 425

حال صور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم الوضعي ··· 428

في أنّ الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجب للضمان ··· 432

في بقاء الضمان مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال ··· 433

في وجوب ردّ المأخوذ إلى صاحبه ··· 435

في وجوب الفحص عن المالك لو كان مجهولاً ··· 437

تعيين مقدار الفحص ··· 443

مقتضى القواعد في مصرف مجهول المالك ··· 445

مقتضى الأخبار في مصرف مجهول المالك ··· 447

في ضمان المتصدّق إذا لم يرض به صاحبه ··· 453

المسألة الثانية : حكم الخراج والمقاسمة إذا أخذهما السلطان الجائر ··· 457

الاستدلال بالروايات على جواز الشراء من الجائر ··· 458

ص: 547

الاستدلال بالأخبار الواردة في تقبّل الخراج ··· 464

ينبغي التنبيه على بعض الاُمور :

الأمر الأوّل : حكم الشراء من السلطان قبل الأخذ ··· 468

الأمر الثاني : حكم أداء الزكاة ونحوها إلى الجائر ··· 470

فهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 477

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 485

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 505

4 - فهرس الأعلام ··· 509

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 519

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 523

7 - فهرس الموضوعات ··· 541

ص: 548

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.