رجوع الرکب بعد الکرب: تحقیق حول الاربعین الاولی لمقتل سید الشهداء علیه السلام

اشارة

سرشناسه:قاضی طباطبائی، محمد علی، 1291؟-1358.

عنوان قراردادی:تحقیق درباره اول اربعین حضرت سیدالشهداء (ع) .برگزیده .فارسی

عنوان و نام پديدآور:رجوع الرکب بعد الکرب: تحقیق حول الاربعین الاولی لمقتل سید الشهداء علیه السلام/ تالیف السیدمحمدعلی القاضی الطباطبایی؛ تلخیص و ترجمه و تحقیق محمد الکاظمی.

مشخصات نشر:مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1396.

مشخصات ظاهری:294 ص.

شابک:120000 ریال 978-600-06-0180-5 :

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم: 1400 (فیپا) .

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر:تحقیق حول الاربعین الاولی لمقتل سیدالشهداء علیه السلام.

موضوع:حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق -- اربعین

موضوع:Hosayn ibn Ali, Imam III, 625 - 680 -- Arba'in

موضوع:واقعه کربلا، 61ق.

Karbala, Battle of, Karbala, Iraq, 680

شناسه افزوده:کاظمی، محمد، 1360 -، مترجم

شناسه افزوده:بنیاد پژوهشهای اسلامی

شناسه افزوده:Islamic Research foundation

رده بندی کنگره:BP41/5/ق2ت30448 1396

رده بندی دیویی:297/9534

شماره کتابشناسی ملی:4797087

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص:1

كلمة الناشر

«وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالةِ وحَيرة الضلالة» .

إنّ هذه العبارة فقرة من فقرات زيارة الإمام الحسين سيّد الشهداء (علیه السلام) في يوم الأربعين من شهادته،وهي مروية عن الإمام الصادق (علیه السلام)،حيث علّم بها شيعته.وتفيد هذه العبارة الشريفة أنّ الحسين (علیه السلام) بذل مهجته،ووهب نفسه المقدّسة وأنفس أولاده وإخوانه وأنصاره في سبيل الله.والعلة الغائية من النهضة المقدسة الحسينية هي الله تعالی ورضاه، إذ قال الإمام الحسين في كلام له:«رضى الله رِضانا أهل البيت»(بحار الأنوار367:44 )،وقال في آخر لحظات عمره الشريف:«إلهي رضاً برضاك وتسليماً لأمرك،لا معبود سواك».

وهذه الحقيقة هي السرّفي بقاء بركات هذه النهضة المقدّسة.نعم،ما كان لله ينمو؛قال الله تعالى:«وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(الرحمن/27).

ويستفاد من هذه الفقرة أيضا أن حكمة النهضة الحسينية ونتيجتها هي استنقاذ العباد والمجتمع الإسلامي والبشري من الجهالة والضلالة.نعم،إنّ يومي عاشوراء والأربعين قد أسسا مدرسة فيها معالم ترسي قواعد الحياة الطيّبة للإنسان،ومن هذه المعالم: العلم والهداية والأخلاق والعزّة والعبودية والشجاعة والحرية وغير

ص: 1

ذلك ممّا يحتاج إليه الإنسان في حياته الدنيوية والأُخروية.إنّ زيارّة الأربعين قد جدّدت النهضة الحسينية وأحيتها،وخلّدتها في النفوس،فهي من الخصائص الحسينية،ومن علامات المؤمن،إذ رجع حرم الحسين (علیه السلام) إلى كربلاء في السنة الأولى من شهادته، وحضر فيها الصحابي الكبير جابر بن عبد الله الأنصاري مع من معه کربلاء لأجل زيارة الإمام الحسين (علیه السلام).

كما أنّ المحافل الحسينية مدارس لتعليم معالم عاشوراء وشدّ الرحال إلى کربلاء وزيارة الحسين في يوم الأربعين استلهاماً من السيرة العملية لأهل بيت الحسین (علیه السلام) ومن الحديث الشريف للإمام العسكري،مع ما فيها من المشاق والأخطار،وقد عمل الشيعة بهذه السيرة طول التاريخ،وفي زماننا هذا حضر الزيارته (علیه السلام) في أيام الأربعين أكثر من عشرين مليون زائر،ويشكل هذا الجم الغفير مؤتمر كبيرة قد عجز عن إقامته الاستكبار العالمي بجميع قواه وإمكاناته.وينبغي الاستثمار والاستفادة الثقافية والسياسية والاجتماعية من هذا الاجتماع المبارك العظيم أكثر فأكثر.ومن الآثار القيمة المؤلفة في تحقيق أهداف الأربعين أثر للشهيد السعيد آية الله السيد محمد علي القاضي الطباطبائي باللغة الفارسية،وقام مجمع البحوث الإسلامية بتلخيصه وترجمته ونشره،لأغناء المكتبة العربية وإنمائها.ونشكر الأخ الفاضل الحاج محمد الكاظمي لإقدامه على هذا العمل المبارك،ونهدي ثواب هذا العمل إلى روح المؤلف الشهيد السيد محمد علي القاضي الطباطبائي رضوان الله عليه.

مهدي شريعتي تبار

مدیر مجمع البحوث الإسلامية

ص: 2

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين،بارئ الخلائق أجمعين،وصلاته الدائمة الدائبة على سيّد خلقه وصفيّه الأكرم،محمّدِ المصطفى الهادي الأمين(صلی الله علیه واله)،وآلِه الغرر الكرام الميامين(علیهم السلام).

اللّهّم صلَّ على الحسين بن عليَّ المظلوم الشهيد،قتیلِ الكَفَرة،وطريح الفَجَر(1)..عبدِك وابن أخي رسولِك،الذي انتجبتَه بعلِمِك،وجعلتَه هادياً لن شئتَ مِن خَلقك،والدليلَ على مَن بعثتَه برسالاتك،ودّيانَ الدَّين بعِدلك،وفصلَ قضائك بين خَلقك،والمهيمن على ذلك كله، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته(2) .

اللهم إني أشهد أنه ولئك وابن نبيك،وصفك وابن صفيك،وحبيبك وابن حبيبك،ونجيك القائم بقسطك،والداعي إلى دينك بالحكمة والموعظة الحسنة،حتى

ص: 3


1- مصباح المتهجد:401،مفاتیح الجنان:801-الصلوات على الحجج الطاهرين(علیهم السلام)
2- کامل الزيارات:405-الباب79

خَذَلته أُمّة نبيّكَ وجحَدَته حقَّه.

اللّهمّ صلَّ عليه صلاةً تُعلي بها ذكره،وترفعُ بها درجتَه، وتُنير بها وجوةَ أوليائهوشیعته، وتلع بها من نصب له حربة وجد له حقّاً،يا إله العالمين،إنّك على كلّ شيء قدير(1) .

وبعد..

فإنّ الشعائر الحسينيّة المقدّسة قد احتلّت المساحات الأوسع من ثقافة الفرد الشيعّي،وصارت لها المكانة الأسمى والأسني من مشاعره ووجدانه،فإنّك لا تجد فردّا إلّا وهو يشارك ويساهم في شعيرة واحدةٍ-على الأقلّ-أو أكثر من الشعائر في السنة، إما بحضور مجالسي للعزاء في شهر محرم الحرام،أو ببكاء أو إبكاء،أو بسقي وإطعام،أو بالتوجه لزيارة سيد الشهداء الإمام الحسين(علیه السلام)ماشية أو راكبا، أو بلطم ولدم، أو بشبيه وتشبيه،أو بأي عمل راجح من الأعمال المتعارف عليها والموروثة عن أئمتّنا الطاهرين المعصومين (علیهم السلام) منذ الأزمنة الماضية.

ويعزى سبب ذلك إلى عدة أمور،منها:

1-الموروث الدينيّ،كالحة الوارد من أهل بيت العصمة (علیهم السلام) على إحياء أمر الحسين (علیه السلام) وإقامة العزاء والبكاء عليه وزيارته ولو مع الخوف والتقنية،مما يدعو الفرد الشيعيّ إلى التمسّك والتشبّث بها في كلّ الأحوال و جميع الظروف.

ص: 4


1- بحار الأنوار98: 267- 268ح42

2-الشعور بالخلاص الأمثل والفوز بالدرجة الأعلى،فإنّ مفردات الشعائر تتملّكها حالات من الإخلاص منقطعة النظير،يصعب فيها-وربما يستحيل-التمثيل والرياء،فهي حالات قلبية صادقة،تصدر من الفرد بواقع حب وحزن شديدين،مما تكون نتاجاتها أعمالا تكون سببا في نجاة العبد من الوقوع في دركات جهتم وتبعده عن سخط الله عز وجل وتوجب له غفرانه من الذنوب،والأخبار والأحاديث في ذلك جم غفيرة،غير خافية على من خبرها و جاس خلال الديار.

3-الحالة العاطفية والوجدانية المحركة لأحاسيس الفرد وخلجاته النفسية،فهو يتفاعل بفطرته بشعور ربما يكون لا إرادية في بعض الأحيان،ولذا نجد من الطبيعي أن يتأثر غير الشيعي أيضا ببعض مفردات کربلاء.

4-مخاطبة جميع الطوائف والأنواع،إذ يجد الجميع فيها–بمختلف طبقاتهم-ما يدعوهم إلى التأثر والتأل،فإن كربلاء ضمت الطفل والشاب والكبير والكهل بمختلف الأعمار، وفيها المرأة والرجل،وفيها الحر والعبد الأسود،وفيها العربي وغير العربي..وفيها الوالد الذي فقد ولده،والأم التي فقدت ولدها،والأخ الذي فقد أخاه..ولكل إنسان أن يتأثر بكربلاء من حيث ما يجد فيها تأثيرة أبلغ فيه.

5-تحول القضية إلى هوية،فإنها لم تعد مجرد طقوسي تؤدی کفرض،بل تتبلور في

كونها جزءا لا يتجزأ من كيان الإنسان،وهوية يمتاز بها عن غيره من الخلائق.

ولو جئنا على تعداد الدوافع والحوافز التي تدعو الفرد لإقامتها مع شرحها

وبيانها،لما وسعنا هذا الجمل السريع.ومن بين جميع الشعائر الحسينية كان لشعيرتي البكاء والزيارة الاهتمام الأكثر،

ص: 5

وذلك لا ينطبق عليها بشكل أوضح وأصدق من الموارد التي ذكرناها،کا ورد من الحث عليها والتأكيد والتوكيد الحثيث في روايات أهل البيت (علیهم السلام) وأحاديثهم الشريفة دون غيرهما،ودونك مصنفات أعلام الطائفة لتجد ما استفاض منها وتواتر،وفي(كامل الزيارات) لابن قولويه رحمة الله الكفاية لمن أراد الرجوع.أما زيارات الإمام الحسين (علیه السلام) فقد انقسمت إلى قسمين:عامة وخاصة.فالعامة هي التي يزار بها في كل وقت.

والزيارات الخاصة هي:زيارة الأول من رجب،زيارة النصف من رجب،زیارة النصف من شعبان،زيارة ليلة الأول من شهر رمضان ونصفه وآخره،زيارة ليالي القدر،زيارة عيد الفطر،زيارة يوم عرفة،زيارة عيد الأضحى،زيارة يوم عاشوراء،زيارة الأربعين.أضف إليها خصوصية زيارة الحسين الا في ليلة الجمعة ويومها.

ولكل منها وردت الأخبار الدالة والنصوص الخاصة والحائة عليها،تجدها في مضائها من كتب الأدعية والزيارات.

أما زيارة الأربعين،ففيها ما ژوي عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري (علیه السلام) من

ذكر علامات المؤمن،وعد منها زيارة الأربعين(1) .

وكان لهذه الأخيرة في عصورنا المتأخرة اهتمام بالغ من قبل شيعة أمير

ص: 6


1- أنظر:مصباح المتهجد:787،تهذيب الأحكام6: 52-الباب16في فضل زيارته(علیه السلام)/ح122

المؤمنين(علیه السلام)،فقد أبلوا بلاء حسنا في إقامتها بوجه حسن،وبذلوا فيها الغالي والنفيس من أجل إحيائها بأكمل صورة وأجلى هيبة،حتى صرنا نشهد توافد عشرات الملايين من الزائرين الكرام من مختلف محافظات العراق وشتى بقاع الأرض المعمورة ودول العالم، يتنافس فيها الجميع بالسعي الحثيث للزيارة أو خدمة الزائرین.

ولعلّ أكثر ما يدعو إلى الاهتمام بهذه الزيارة الشريفة هو مسألة ارتباطها برجوع

ركب آل الله (علیهم السلام) من سبي الشام إلى كربلاء وإرجاع الرأس الشريف!

إذن،فإن مسألة زيارة الأربعين لم يعد الاهتمام بها لأنها زيارة فحسب،بل هي حالة عزائية عامة،وبرکا عاطفي ووجداني متفجر،ليولد هذا السيل الجارف من الزائرين المتجهين إلى حيث مثوى الشهيد الغريب(علیه السلام).

وبعبارة أدق:إنّ زيارة الأربعين تجمع بين الدوافع التي تدعو إلى الزيارة والدوافع التي تدعو إلى العزاء والمواساة،وتكون نيتا الزيارة والعزاء حاضرتين في قلب الزائر وذهنه، فهو يزور بصورة المعري الحزين المواسي.

ويبدو-من خلال التتّبع-أنّ هذه الحالة كانت هي السائدة بين صفوف الزوار،وأنّ المرتكز في أذهانهم حين زيارتهم في الأربعين هو مسألة رجوع الركب الحسينيّ المقدّس ورجوع الرأس الشريف،ولذا كانوا يسمّونها زيارة(مردّ الرأس)!

بيد أن البحث العلمي أخفق في بعض العصور المتأخرة،فشكك في إمكانية حصول ذلك،بل وعد البعض استحالة كفاية الوقت لذهاب ركب السبايا خلال هذه المدة من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام ورجوعهم إلى كربلاء.

فانبرى قلم العلامة المحقق السيد محمد علي القاضي الطباطبائيّ رحمة الله للتصدي إلى

ص: 7

هذه الشبهة وردّها،وسعى لإحاطة الموضوع بكّل جوانبه وأبعاده ليدرأ هذا الفهم الخاطئ عن الأذهان.

المؤلّف في سطور

ولادته:

وُلد السيّد محمّد عليّ القاضي سنة1331ه في مدينة تبريز،في بيتٍ علمائيَّ

عريق،وكان والده السيّد محمّد باقر الطباطبائيّ من أبرز علماء تلك المنطقة.

دراسته:

بدأ بالدراسة مبكّراً على يد والده وعمّه آية الله السيّد أسد الله القاضي،ثمّ هاجر إلى قمّ المقدّسة في عام1359ه،حيث قضى عشر سنواتٍ حضر فيها دروساً عند أبرز أساتذتها،ثمّ رحل إلى مدينة النجف الأشرف ومكث فيها ثلاث سنوات.

صفاته وأخلاقه:

إشتهر الشهيد السعيد باستقامته وصبره،وكان رحمة الله متواضعاً مترفّعاً عن الشهرة والرئاسة،کما عُرف الشهيد بصفاء قلبه وتعلّقه بأهل البيت(علیهم السلام).

شهادته:

عند عودة السيد القاضي إلى منزله بعد صلاتَي المغرب والعشاء في(مسجد شعبان) بتبريز،أطلقت النار عليه زمرة المنافقين أعداء الثورة الإسلامية،فأصابت رأسه،فنُقِل على إثرها إلى المستشفى.

ص: 8

وفي منتصف ليلة11آبان1358ش(1400ه)مضى السيّد القاضي إلى ربّه،وتمّ تشييعه تشييعاً مهيباً من قِبَل أهالي مدينة تبریز.

عملنا في هذا الكتاب

اشارة

لّما وجدتُ ما لهذا الكتاب من فائدة،وما لصاحبه من الإحاطة والموسوعيّة التي

يقلّ لها النظير في جمع النصوص والشواهد والقرائن وردّ الأقوال بالدلائل،قمتُ بإجراء ثلاث عمليّاتٍ علميّة لإخراجه بهذه المحُلة:

أوّلاً:تلخيص الكتاب

وما تم حذفه من الكتاب في التلخيص هو عبارة عن:

1-التطویل غير الضروريّ في بعض المواطن،شرط أن لا يخلّ الاختصار بأصل

الموضوع وفكرة المؤلّف.

2-الخروج عن موضوع الكتاب،فإنّ المؤلّف-نظراً لموسوعيّته-يستطرد كثيراً

ويتفرّع خارجاً عن صلب الموضوع المؤلف من أجله الكتاب.

3-إثارة بعض الشبهات،أو إيراد الردود الطويلة على بعض الشبهات بما لايستوجب ذلك. 4-التشكيكات فيما لا يؤثر على سياق البحث،فإن القارئ للكتاب يجد أن المؤلف كثيراً ممّا يطعن في بعض المصادر أو يشكك في بعض القضايا التاريخيّة وغيرها ممّا لا دخل له في البحث أو لا يجدي نفعاً،بالإضافة إلى تشدّده أحياناً على بعض

ص: 9

الأعلام.

5-أمورٌ جزئيّةٌ أخرى تستدعي الاختصار للقارئ.

ثانياً:ترجمته من اللغة الفارسيّة إلى اللغة العربيّة

ولم أقصد هنا الترجمة الحرفيّة،فإنّ ذلك من المعيب أحياناً لما تمتاز كلّ لغةٍ بخصائصها الّتي تتميّز بها عن غيرها من اللغات،وكذا لما يقتضيه التلخيص،لكنّ هذا لا يعني خروج النصّ المترجَم عن مراد الّمؤلف رحمة الله.

وغايتي من الترجمة هو إضافة قيمة علمية نافعة للمكتبة العربية بوجه عام والمكتبة الحسينية بوجه خاصّ.

ثالثاً:تحقيقه

تضمّن ذلك إرجاع النصوص الشريفة والتاريخيّة وغيرهما إلى مصادرها الأصل، وضبطها ومطابقتها ومقابلتها مع المصادر المتّعددة لها،وسائر ما يقتضيه التحقيق والتدقيق.

هذا بالإضافة إلى التعليق على بعض الموارد،والإضافات والمناقشات العلمية في مواطن عدة من الكتاب،وقد أدرج جميع ذلك في الهوامش،وذلك لما رأيت ما هو ضروريٌّ أو نافعٌ إضافته للقارئ.

وكان في الَّمؤلف الأصل بعض الملاحظات في هوامشه،ميّزتها بعبارة(-منه رحمة الله) في آخرها.

*****

ختاماً:ما كان مِن حُسنٍ في هذا العمل المتواضع فهو من سيّدي ومولاي

ص: 10

وشفيعي أبي عبد الله الحسين (علیه السلام)،وهو الّذي عودّني وعودّ جميع محبّيه وشیعته على جوده ومَنّه وكرمه ولطفه،وما كان من خطأٍ أو زللٍ أو سهوٍ أو غفلةٍ فهو منّي،سائلاً عفوه وصفحه وغفرانه.والحمد لله ربّ العالمين،وصلّى الله على خير خلقه أجمعين،محمٍد وآله الطاهرین.

محمّد الكاظمي

رجب الأصبّ/1438ه

ص: 11

ص: 12

المقدَّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى والثناء عليه،وصلواته وسلامه وتحيّاته الدائبة الدائمة على خاتَم أنبيائه ورسله وأشرف سفرائه إلى خلقه(صلی الله علیه واله)،وعلى أوصيائه الطاهرين وخلفائه الزاكين(علیهم السلام).

ثمّ وافر التحيّات على شهداء نهج الحقّ والمضحّين،وباذلي الأرواح في سبيل الدَّین، جنود العقيدة وباذلي المُهَج،على الأخص قائدهم الحقّ سیّد الشهداء والمظلومين، إمام الإنس والجانّ أجمعين،الحسين بن عليّ(علیهما السلام)،الّذي روّى بدمه الأزکی شجرة الإسلام وأحياها،وأنقذ شجرة التوحيد بعد أنكادت تذبل أوراقها وتموت أغصانها بها جنتَه بنو أميّة- ألد أعداء الدين-من دسائس وخُدَع(1).

ص: 13


1- ما لا يتم تمييزه في بعض المواطن هو الفارق بين القول بأن الإمام الحسين (علیه السلام) بذل نفسه من أجل إحياء الدين وإحقاق الحق وعرض نفسه للقتل من أجل هذه الغاية، وبين القول أن بقتله صلوات الله عليه علت كلمة التوحيد ودام بقاء الدين، بمعنى أن إحياء الدين وإحقاق الحق كان مترتبة على قتله، لا القتل عليه. وما أراه أوفق للعبارات الواردة لنا عن المعصومين الأطهار (علیهم السلام) وما يفهم من نصوصهم الشريفة، هو التعبير الثاني لا الأول.. فمن ذلك: ما ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) في زيارته في النصف من شعبان: «أشهد انك قتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت [خ ل: حيت] قلوب شيعتك، ويضياء نورك اهتدى الطالبون إليك المصباح: 498، بحار الأنوار 98: 362 - عن: البلد الأمين). وكذا ما ورد في زيارته (علیه السلام) يوم الأربعين: «اللهم إني أشهد أن هذا قبر ابن حبيبك وصفوتك من خلقك، وأنه الفائز بكرامتك، أكرمته بكتابك، وخصصته وائتمنته على وحيك، وأعطيته مواریث الأنبياء، وجعلته څجة على خلقك . فاعذر في الدعاء، وبذل مهجته فيك (!) - ، ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة، والعمى والشك والارتياب، إلى باب الهدى من الردي» (کامل الزيارات: 400، إقبال الأعمال 3: 101، بحار الأنوار 98: 177). فيتضح بجلاء من هذه النصوص الشريفة وغيرها أن الحسين (علیه السلام) قد ترتب على قتله - الذي هو عين الحياة - حياة قلوب شيعته، وأنه بذل مهجته في الله تعالى وحده، وكان المترتب على أن أعطاه الله تعالى مواريث الأنبياء وجعله حجة على خلقه هو استنقاذ العباد من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب.. أما القول السائد بأن الإمام أبا عبد الله الحسين (علیه السلام) قد قتل من أجل الدين، فينقض عليه بأنه صلوات الله عليه هو عين الدين، فإن كان المراد من الدين هو الصلاة والصيام وسائر العبادات والطقوس، فهو أشرف منها وأعلى وأقدس وأكثر محرمة، وحاش لله تعالى أن يدع محرمة للحسين (علیه السلام) تنتهك من أجل ما هو دون ذلك حرمة وقداسة! ونقرأ في زيارة الناحية المقدسة: «فالويل للعصاة الفتاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان، وحرفوا آيات القرآن، وهملجوا في البغي والعدوان، لقد أصبح رسول الله (صلی الله علیه واله)من اجلك موتورة، وعاد كتاب الله عز وجل مهجورا ، وغودر الحق إذ قهرت مقهورا ، وفقد بفقدك التكبير والتهليل ، والتحريم والتحليل ، والتنزيل والتأويل ، وظهر بعدك التغيير والتبديل ، والالحاد والتعطيل ، والأهواء والأضاليل ، والفتن والأباطيل. المزار الکبیر:505 بحارالانوار241:98)

ص: 14

فمِن ذلك هبّ أشياع أهل البيت الأطهار(علیهم السلام)-بها وجدوه لِزاماً واجباً عليهم-لإحياء ملحمة كربلاء الخالدة بأيّ ثمنٍ كلّفهم ذلك،ليمنعوا أن تَبلى أو تُنسى تلك الواقعة المُفجِعة الّتي ارتكبتها دولة ملوك بني أُميّة،فلم يتوانوا في أيّام عاشوراء وذكرى شهادة سيّد الشهداء (علیه السلام) عن إقامة العزاء ومجالس الرثاء،وأن يجتمعوا حول قبره الشريف في أيام زيارته كما أمرهم أئمّتهم (علیهم السلام)،فيقيموا شعائرهم المقدّسة.

ومن جملة أيام العزاء تلك التي أولاها الشيعة اهتماما بالغة على إقامة العزاء وزيارة سيد الشهداء،(علیه السلام)هو يوم الأربعين في العشرين من صفر،وعلى ذلك جرت السيرة الذائبة للشيعة منذ زمن الأئمة الأطهار(علیهم السلام)،إذ يتّجهون من كلّ حدبٍ وصوب في العراق نحو کربلاء، ويسعون فيها لزيارة قبره المطهر..والحق يقال بأن شيعة العراق ومنذ زمن بني أمية وبني العباس قد بذلوا شجاعةً وشهامةً في هذا الجانب،وأوَلوا اهتماماً فائقاً لهذا الأمر، وهو ما يدعو إلى التمجيد والثناء!(1)

ص: 15


1- وللتاريخ نسجّل:لقد تحولت هذه الزيارة الشريفة في السنين الأخيرة إلى تظاهرة مليونية،يتحرك فيها شيعة العراق من جميع النواحي والقرى والمدن الصغيرة والكبيرة، ليشكلوا شبكة بشرية لا مثيل لها في العالم،وقد أخذت بالانتشار والتوسع حتى ناهزت حشود الزائرين في الأعوام الأخيرة-حسب بعض التقديرات-30مليون زائر توجهوا نحو كربلاء المقدسة.ولم تقتصر الزيارة على شيعة العراق-وإن كان لهم السهم الأوفر حضورة وخدمة-،بل تعدت إلى سائر البلدان،حيث أخذت جموع الزائرين بالتوافد على العراق لإحياء تلك المناسبة،حتى بلغ عدد المشاركين من سائر البلدان-وحسب إحصائية وزارة الداخلية العراقية في سنة1435ه/2013-المليون وثلاثمئة ألف زائر من البلدان العربية والإسلامية،بالإضافة إلى الأقليات الإسلامية في البلدان الأوربية(أنظر:موسوعة ويکیپیدیا).أقول:وقد تجاوز أعداد الزائرين لعام(1638ه/2019م) 27مليونة بحسب بعض الإحصائيات الرسمية،بل وأكثر من ثلاثين مليونة بحسب بعض التقديرات،تضمن العدد ما يتجاوز ال7ملايين زائر من بلدان إسلامية وأجنبية(80 دولة)، شارك فيها أكثر من50ألف موكب قدم الخدمة للزوار في مختلف الطرق،كما قدمت المواكب400مليون وجبة طعام للزائرين كأقل تقدير خلال20يوما،فضلا عن عشرات آلاف المنازل التي تستضيف الزائرين للإطعام وتهيئةالمبيت.وقد أقيمت المآتم ومآدب إطعام الزائرين بشكل يفوق كل الموازين،فقد صبت(سفرة السبطين)لتمتد على مسافة15کیلومتر متصة، وذلك من تقاطع گرمة بني سعد حتى سوق الشيوخ باتجاه ناحية الفضيلة جنوب العراق،لتوضع عليها أنواع الأطعمة والفواكه إطعامة وإكراما لزوار الإمام أبي عبد الله الحسين.إلا أن المنافسة جاءت من هيئة المواكب الحسينية في محافظة المثنى،حيث أقامت مائدة موحدة لإطعام الزوار القادمين من محافظتي ذي قار والبصرة،وهذه المرة لمسافة امتدت إلى17کیلومترة.ثم تلتها مأدبة طعام نفذها أصحاب المواكب الحسينية المنتشرة على طول طرق محافظة بابل وصولا إلى كربلاء المقدسة،لتكون بذلك أطول مأدبة حسينية تتجاوز55کیلومتر)،تنافس مأدبتي ميسان وذي قار،وتسجل رقما قياسيا عالميا.هذا والمواكب الحسينية ممتدة على جميع الطرق المؤدية إلى كربلاء شمالا وجنوبا،والناس يتسابقون لخدمة الزوار والحظي بسد حاجاتهم من طعام ومبيت،وهي جهود فردية بشرية غير مدعومة من أي حكومة أو جهات أو تشکیلات أو مؤسسات اجتماعيّة!بل وتحدى زوار الإمام الحسين علیه السلام الإرهاب وقوى الشر،إذ لم تمر سنة إلا ويتعرضون فيها للقتل وسفك الدماء،إلا أن ذلك كله لم يثن من عزيمتهم شيئا،وكانت الحرارة التي في قلوبهم والمعرفة المكنونة في نفوسهم دافعة للتوجه إلى نحو مثوى أبي عبد الله الحسين،دون الاعتناء بكل ما يحاربون به،والقصص والوقائع في ذلك كثيرة تحتاج إلى مجلدات من الكتب التوثيقها وتأريخها،لا يسع المقام لسردها اقول: انظر التعليقة الرقم 1 من الباب (تعلیقات و اضافات) من هذا الکتاب

ص: 16

إنّ يوم أربعين سيّد الشهداء (علیه السلام) في العشرين من صفر يحظى بشهرةٍ واسعة بين الشيعة،وعلى العموم يُعرف ذلك اليوم بيوم رجوع أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء بعد الخلاص من أسر الشام،وتُدعى تلك الزيارة ب(مرة الرأس).وقد وردت في المأثور عن أهل البيت (علیهم السلام) زيارةٌ خاصّة يزار بها سيّد الشهداء (علیه السلام) في ذلك اليوم(1) .

ص: 17


1- قال الشيخ الطوسي:وفي اليوم العشرين منه[أي:من صفر]كان رجوع حرم سیدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهما السلام) من الشام إلى مدينة الرسول(صلی الله علیه واله)،وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري (رضی الله عنه) صاحب رسول الله (صلی الله علیه واله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله(علیه السلام)،فكان أول من زاره من الناس.ويستحب زيارته (علیه السلام) فيه،وهي زيارة الأربعين،فروي عن أبي محمد العسكري (علیه السلام) أنه قال:«علامات المؤمنين[خ ل:المؤمن]خس:صلاة الإحدي والخمسين،وزيارة الأربعين،والتختم في اليمين،وتعفير الجبين،والجهربسم الله الرحمن الرحيم).ثم أورد زيارة الأربعين بهذا الإسناد على هذا النحو: أخبرنا جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعکبري قال:حدثنا محمد بن علي بن معمر،قال:حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال،عن سعدان بن مسلم،عن صفوان بن مهران قال:قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين:«نزور عند ارتفاع النهار وتقول:ولي الله وحبيبه،السلام على خليل الله ونجيبه[خ ل:ونجيه]السلام على صفي الله وابن صفيه...)-إلى آخر الزيارة الشريفة..(مصباح المتهجد:787.وانظر الزيارة أيضا في:تهذيب الأحكام6: 113/ح201).وقد أفرد الشيخ المفيد بابا في(مزاره)لفضل زيارة الأربعين،أورد فيه حديث«علامات المؤمن»المتقدم(المزار:53-باب فضل زيارة الأربعين)،وقال ابن المشهدي:زيارة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه يوم العشرين من صفر،وهي زيارة الأربعين..ثم أورد زيارته الشريفة(المزار:514)،کیا نقلها الشهيد الأول في المزار:185)،والكفعمي في(المصباح:489)،وعدها الحر العاملي من المستحبات المؤكدة في(وسائل الشيعة14: 478-باب تأكد استحباب زيارة الحسين (علیه السلام) يوم الأربعين من مقتله وهو يوم العشرين من صفر).ويجدر الالتفات إلى أن زيارة الأربعين من خصائص الإمام الحسين(علیه السلام)،إذ لم نجد فيها هو مأثور من ورود استحباب زيارة أحد من الأنبياء أو الأوصياء والأئمة أو الأولياء في يوم الأربعين من شهادته أو وفاته

ولم نجد بين علماء الإماميّة حتّى القرن السابع الهجريّ مَن أثار الشبهة والإشكال حول هذا الموضوع،ولم نعثر على شيء من هذا على ما يسبق ما ذكره السيّد الأجلّ

رضيّ الدين عليّ بن طاووس الحسني الله في كتابه(الإقبال)!(1)

ص: 18


1- إن شبهة السيد ابن طاووس مبتنية على أن الأسارى من أهل البيت (علیهم السلام) أقاموا شهرة في الشام،إلا أنه لم يتبين مصدر هذا القول من الروايات والتواريخ المعتبرة. كما أن من المستبعد جدا احتمال بقائهم في الشام لمايقارب السنة،ولا يمكن الاعتماد على هذا الاحتمال بوجه،ولم يوجد له شاهد يدل عليه كما سيأتي تحقيقه.نعم،وجدنا في بعض كتب الفرقة الإسماعيلية قولا يشير إلى أنهم توقفوا شهرة ونصف، إلا أنه-فضلا عن عدم تطابقه مع ما ذكره السيد-لا يمكن الاعتماد عليه؛ وذلك بناء على شواهد سيأتي ذكرها لاحقا-منه رحمة الله. أقول: ما ذكره السيدة رحمة الله في الإقبال هذا نصه: وجدت في المصباح أن حرم الحسين (علیه السلام) وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين (علیه السلام) يوم العشرين من صفر، وفي غير المصباح أتهم وصلوا کربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر، وكلاهما مستبعد؛ لأن عبيد الله بن زیاد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم، ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها، ولأنه لا حملهم إلى الشام ژوي أتهم أقاموا فيها شهرة في موضع لا يكنهم من حر ولا برد، وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما من يوم قتل (علیه السلام) إلى أن وصلوا العراق أو المدينة. وأما جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك، ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر، لأنهم اجتمعوا على ما روی جابر بن عبد الله الأنصاري، فإن كان جابر وصل زائرة من الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيؤه أكثر من أربعين يوما، وعلى أن يكون جابر وصل من غير الحجاز من الكوفة أو غيرها (إقبال الأعمال 3: 100 - الباب 3 الفصل 5).

أمّا مَن أثار الشبهة هذه وأصرّ عليها من علمائنا في العصور المتأخّرة ممّا يقرب عصرنا، فهو العلامة المتبحر المحدث الحاج میرزا حسين النوري،صاحب (مستدرك الوسائل)،إذ حاول في كتابه(اللؤلؤ والمرجان)بكلّ ما استطاع أن ينفي مجيء أسرى أهل البيت (علیه السلام) في الأربعين الأولى في سنة61للهجرة،بل سعى إلى أن يعتبره من المحالات.

ثمّ تبعه تلامذته،حتى عد بعضهم الواقعة من الأكاذيب،وآخر من الأساطير..

والحال أن المشهور بين علماء الإمامية أن الإمام زین العابدين (علیه السلام) قد أعاد الرأس الشريف وألحقه بالجسد الأطهر في كربلاء بعد أربعين يوما من مقتله(علیه السلام)،أي:في الأربعين الأولى.إلا أن بعض الشبه التي تثار من قبل أحد الكبار-العلّامة المحدّث

ص: 19

النوريّ رحمة الله-تشق طريقها إلى العقول،تؤدي إلى الإعراض عما هو مشهور ومرتكز في أذهان الشيعة،حتى يبلغ الأمر إلى منزلة الإنكار والتكذيب،ولا قاسوا الأمور بمقاييس أزمانهم عدوه محالا.وعلى الجانب الآخر:لما رأى بعضهم أن الإنكار يعارض المشهور بين الشيعة وعلماء الإمامية من مجيء الأسرى إلى كربلاء في الأربعين الأولى وإلحاق الرأس الشريف بالجسد المبارك،اضطر للقول بطي الأرض،وأرادتصحيح القضية بجعل مجيء الإمام السجاد (علیه السلام) أمرا خارقة للعادة.

وبالنظر إلى ما رشح من قلم العلامة النوري رحمة الله من شبهات وإشكالات أدت إلى تشویش الأفكار،فقد أثيرت هذه الشبه على مدى سنين طويلة في أيام الأربعين من كل عام، وتكرر ذكرها على الألسنة،كما أن جملة من المغرضين سعوا إلى التأكيد عليها وإثارتها.

وبهذه المناسبة(في عام1392ه)فإن بعض المتدينين من أهل التقوى سألوني

طالبين الإجابة،وكان سؤالهم على النحو التالي:

ملاد المسلمين..ما هو قولكم في هذه المسألة التاريخية؟أي:ورود أهل بیت الحسين(علیه السلام)إلى كربلاء أو المدينة بعد رجوعهم من الشام،والتي وردت في كتب التاريخ بصور مختلفة!فإن العالم الجليل المحدث النوري رحمة الله في كتابه(اللؤلؤ والمرجان)قد أجرى تحقيقا بشأن هذا الموضوع،حاصله أن الخبر المذكور في كتاب(اللهوف)للمرحوم السيد

ابن طاووس رحمة الله مخدوش من جهات عدة...إلى آخر السؤال،وسيشار إلى فقراته مع التحقيق إن شاء الله تعالى.

ص: 20

إنّ من المستحسن أنّ يتمّ نقل شبهات العلّامة المحدّث النوري رحمة الله وإشكالاته في كتابه (اللؤلؤ والمرجان)واحدة واحدة بشكل ملخَّص،وأن يتمّ البحث حولها،وسيتضح بعد التحقيق أن القول برجوع أسرى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأولى في شهر صفر سنة61للهجرة هو الأقوى،وأنّ الأمارات والقرائن الّتي تعضد هذا القول أكثر وأوفر،وما يُعتمَد عليه هو المشهور بين علمائنا دون سائر الأقوال الشاذّة

ص: 21

ص: 22

الإشكال الأول وجوابه

لقد استدلّ المحدّث النوريّ رحمة الله بأنّ السيّد رضيّ الدين رحمة الله عليّ بن طاووس الحسني (ت664ه)في(اللهوف)والشيخ الفقيه ابن نما رحمة الله في(مثير الأحزان)-وهما من أكابر فقهاء الشيعة الإمامية وعلمائهم ومن رؤساء المذهب الاثني عشريّ-قد ذكرا أنّ نساء الحسين (علیه السلام) وعياله لا رجعوا من الشام وبلغوا العراق،قالوا للدليل:مرَّ بنا على طریق كربلاء،فوصلوا إلى موضع المصرع،فوجدوا جابر بن عبد اللهالأنصاري رحمة الله...ثمّ اتجهوا بعدها إلى المدينة(1) .لكن السيد ابن طاووس قد ألف كتابه(اللهوف) في

ص: 23


1- قال السيّد ابن طاووس في(اللهوف في قتلى الطفوف:116- 110):قال الراوي:لا رجع نساء الحسين (علیه السلام) وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق،قالوا للدليل:لما بنا على طريق كربلاء،فوصلوا إلى موضع المصرع،فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عل،فوافوا في وقت واحد،وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم،وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد،واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أيام...قال الراوي:ثمّ انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة وقال ابن نما في (مثير الأحزان: 86): ولا مر عيال الحسين (علیه السلام) بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد، فتلاقوا بالحزن والاكتئاب والنوح على هذا المصاب الفرح لأكباد الأحباب، وناحت عليه الجن، وكان نفر من أصحاب النبي (صلی الله علیه واله)- منهم المسور بن مخرمة ورجال - يستمعون النوح ويبكون.

مقتبل عمره،فهو خالٍ من التحقيق!

ثم استشهد المحدث النوري رحمة الله على معاه بفقرتين،وسعى لإسقاط نقل السيد

الأجلّ عن الاعتبار من الناحية التحقيقيّة،لكنّه تصوّر باطلٌ وخيالٌ محض.

وفي معرض الجواب عن إشكال المحدّث النوريّ رحمة الله يمكن أن يقال:

إنّ منقولات کتاب(اللهوف)للسيّد رحمة الله لمحّا يعتمَد عليها جدّاً،ولا نجد بين كتبالمقاتل ما يساويه اعتبار و اعتماداً عليه،وهو من المرتبة الأولى بين الكتب المعتبرة في المقاتل،فإن كان السيد الله قد ألفه في أول شبابه فإنه لم يقم بالتغيير فيه طيلة فترة حياته وحتى آخر عمره،ولو كان فيه ما يخالف رأيه لاحقا لقام بتصحيحه وتنقيحه،لكنّ نسخ(اللهوف)-وخاصة في قصة مجيء أسرى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء-متطابقة دون اختلاف،وقد اتفقت جميع النسخ المتوفرة على نقل تلك القصة.

هذا كله على فرض صحة المدعى من أن السيدة رحمة الله قد ألف كتابه في مقتبل عمره،فإن هذا أول الكلام!فمن أي عبارة لابن طاووس يفهم أن(اللهوف)قد صنفه في أوائل سني عمره؟

لقد قال في(کشف المحجّة):

ص: 24

وهيّا الله جل جلاله ما فتح علی سرائري،وأذن في إظهارها ظواهري،من كتب صنفتها بقدس تدبيره،وشريف تعریفه جل جلاله وتذكيره...ومنها:كتاب(مصباح الزائر وجناح المسافر)،في بداية ما شرع في التأليف..(1) .

وغاية ما يُستدلّ من قوله هذا هو أنّ كتاب(المصباح)کان من أوّل ما شرع فيه التأليف،لا أنه بالضرورة ألفه في بدايات شبابه،ليكون ذلك شاهداً على مدّعی المحدّث النوري!فمن أين يعلم أن السيد قد شرع في التأليف منذ ذلك الوقت؟

ثم من أين تبين أنه شرع بتصنيف(اللهوف)بعد فراغه من(مصباح الزائر)مباشرة؟ فإن من الممكن أن يكون قد اشتغل بتصنيفه بعد سنين عدّة،ولو تأمل القارئ في عبارة(اللهوف)لانكشف له أنها شاهد على ما ذكرناه.

قال في(اللهوف):

إني لما جمع کتاب(مصباح الزائر وجناح المسافر)،ورأيته قد احتوى على أقطار محاسن الزيارات و مختار أعمال تلك الأوقات،فحامله مستغني عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف،أو حمل مزار کبير أو لطيف،أحببت أيضا أن يكون حامله مستغنية عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين(علیه السلام)،فوضع هذا الكتاب ليضم إليه(2) .

ص: 25


1- کشف المحجة لثمرة المهجة:137-139
2- اللهوف في قتلي الطفوف:10- المقدّمة

فإنّ عبارته هذه تصحّ فيما لو كان قد ألّفه بعد(المصباح)بعدة سنين،وما يشهد على أنّه لم يؤلفه بعده مباشرة حين الفراغ منه،بل بعد مدة من الزمن،هو ما أشار في(اللهوف)إلى بعض تأليفاته حيث قال:

والّذي تحقّقناه أنّ الحسين (علیه السلام) كان عالماً با انتهت حاله إليه،وكان تكليفه ما اعتمد عليه.أخبرني جماعة-وقد ذكر أسماءهم في كتاب(غیاث سلطان الوری السكّان الثرى)-بإسنادهم إلى أبي جعفر محمّد بن بابويه القتي فيها ذكر في(أماليه)..(1) .

إنّ كتاب(غیاث سلطان الورى)من نفائس تأليفات السيّد ابن طاووس المصئَّفة في الفقه،ولشدّة احتياطه في الدين لم يصتف مؤلَّفاً آخر في هذا المجال،ومن المستبعد أن يكون كتابه الفقهي هذا قد صفه في أول شبابه ومقتبل بلوغه.إنّ شخصا بهذا المستوى من الورع والتقوى في الإفتاء ليستبعد منه الكتابة في الفقه في أول سني بلوغه،فيعلم عنه أنّ كتاب(اللهوف)لم يؤلفه إلا بعد سنين طويلة ثمّ ألحقه ب(المصباح).

إن ادعاء المحدث النوري رحمة الله أنّ السيد قد ألف(المصباح)في أول شبابه أو أنه من مؤلفاته الأولى،وعلى هذا فإنّ(اللهوف أيضا ك(المصباح)،ادعاء غيرتام ولم يثبت بحجة!

أضف إلى هذا أن السيد قد أشار في تأليفاته إلى إتقان كتاب(اللهوف)وقيمته

ص: 26


1- اللهوف في قتل الطفوف:18-في أخذ البيعة ليزيد

وجَودة ترتيبه،وإن كان ثمة موط منه ممّا يشكل عليه لَأصلحه قطعاً.

قال في(کشف المحجّة):

...منها كتاب(الملهوف على قتل الطفوف)في قتل الحسين(علیه السلام)،غريب الترتيب والتلفيق،وهو من فضل الله جل جلاله الذي دلّني عليه(1) .

إنّ كتاب(کشف المحجة)قد ألفه في الواحد والستين من سني عمره،وقد عد فيه تأليف(اللهوف) من فضل الله جل جلاله الذي دله عليه،فهل يمكن أن يصدق أن يكون هذا الكتاب قد اشتمل على خلل في نقولاته ولم ينبر السيد لإصلاحه وسد صدعه،فيتركه على حاله، ثم يوصي الناس بقراءته؟!

كما قال أيضاً في(الإقبال):...ويقرأ كتابنا الّذي سمّيناه بكتاب(اللهوف على قتل الطفوف)(2) .

ص: 27


1- کشف المحجة لثمرة المهجة:138
2- إقبال الأعمال3: 57 قال رضوان الله عليه: فيها نذكره من عمل يوم عاشوراء: فمن مهات يوم عاشوراء عند الأولياء، المشاركة للملائكة والأنبياء والأوصياء في العزاء، لأجل ما ذهب من الحرمات الإلهية، ودرس من المقامات النبوية، وما دخل ويدخل على الإسلام بذلك العدوان من الذل والهوان، وظهور دولة إبليس وجنوده على دولة الله جل جلاله و خواص عبيده، فيجلس الإنسان في العزاء لقراءة ما جرى على ذرية سيد الأنبياء صلوات الله جل جلاله عليه وعليهم، وذكر المصائب التي تجددت بسفك دمائهم والإساءة إليهم، ويقرأ كتابنا الذي سميناه بكتاب اللهوف على قتل الطفوف.

والحال أنّ السيّد رحمة الله كان مشتغلاً بتصنيف(الإقبال)في السبعين من عمره،أي: قبل خمس سنواتٍ من وفاته.

وقال-فيما ورد في مجلد إجازات(البحار)-:

وصنّفتُ كتاب(الملهوف على قتل الطفوف)،ما عرف أن أحدا سبقنيإلى مثله،ومن وقف عليه عرف ما ذكره من فضله(1) .

وهو قول متين.

وهذا يتضح أيضا من أقواله في موارد متعددة من كتبه النفيسة،فإن السيد حتى وإن كان قد ألف كتابه(اللهوف)في أيام شبابه،بيد أنه كان معتقدة حتى أواخر عمره باعتباره وإتقانه،وأنه لم يسبقه أحد إلى مثله،هذا بالإضافة إلى أنه قد ذكر في آخر اللهوف أنّ:

من وقف على ترتيبه ورسمه مع اختصاره وصغر حجمه،عرف تميّزه

على أبناء جنسه،وفهم فضيلته في نفسه(2) .وبغض النظر عن هذا كله،فأنّي لنا أن نكون قاعدة كلية بأن كل من ألف مصفا في أيام شبابه كان ذلك بالضرورة خلية من التحقيق والإتقان!فإن الكثير من علمائنا ألفوا الكثير من الكتب في شبابهم، وكانت كتبهم تلك مشتملة على الإتقان والتحقيق،

ص: 28


1- بحار الأنوار104: 42-في إيراد أوائل کتاب الإجازات للسيد رضي الدين علي بن طاووس الحسنّي
2- اللهوف في قتلى الطفوف:122

بل وعُدت من نفائس المؤلَّفات في مجالها،فإنّ(تهذيب الأحكام)للشيخ الطوسي رحمة الله مثلاً قد ألفه في الخامسة والعشرين من عمره،وكان مشتغلاً بجمعه وتصنيفه في أيام شبابه.

وكذا العكس،فإنّ التأليف في أواخر العمر أو أواسطه لا يعني بالضرورة إتقانه أو خلوّه عن الشبهات والإشكالات،بل قد يكون الأمر بالعكس تماماً،إذ ربّها خلا من الإتقان والتحقيق والنظريّات الدقيقة إضعف القوى في آخر العمر!ولا تنسَ أنّ العلّامة المحدّث النوري له نفسه لم يؤلّف كتابه(فصل الخطاب)في أيام شبابه و مقتبل عمره،فتبصَّر.

ثمّ إنّ الّعلامة النوري و قد ذكر أنّ(اللهوف)لا يشبه سائر مؤلّفات السيّد رحمة الله؛

فإنّه لم يَسنِد مروياته فيه،وبهذا يتضح أنه كان من تأليفاته في أيام شبابه،وأنه لم يكن في حينها ضليعا في التأليف والتصنيف.

والعجب هنا من شدة إصرار المحدث على تشديد الإشكالات وإثارة الشبهات حول مجيء أسرى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء،ساعياًَ-بكل ما استطاع-إلى إسقاط كتب الإمامية المعتبرة ک(اللهوف)عن الاعتبار والتشكيك في مروياته، فتشبث بمثل هذا الكلام،في الوقت الذي هو بين جلي لكل منصف غير متعسف أن السيد ابن طاووس قد صنف(اللهوف)لأجل أن يحمله زوار قبر أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) ويصطحبوه معهم في سفرهم إلى الزيارة،وأن يقرأه أرباب المنابر في مجالس عزائهم ومآتهم،قد كان المألوف في تلك العصور أن يقرؤوا المصائب والمراثي من الكتب،

ص: 29

وكان هذا يعم ما يفعله القارئ الذاكر؛لكي لا يضيف من عنده في نقل الوقائع والمصائب،وكان ملتزمة بالنصوص التي وردت في الكتب المعتبرة،وهذا كان دیدن الرائين في ذلك الوقت،يقرؤون من كتب المقاتل ويكتفون بما ورد فيها.

فلو كان السيد ابن طاووس رحمة الله في(اللهوف)قد نقل مروياته والأخبار التي رواها بأسانيدها،لا صار كتابه بهذا الترتيب واللطافة والظرافة،ولما صار مناسبة للقراءة فيه في مجالس العزاء ومآتم سيد الشهداء(علیه السلام)،ولما صار سهلا للاقتناء والحمل واصطحاب الزائر له،بل لأصبح كتاب ضخما،ولهذا ذكر مروياته والأخبار فيه بحذف أسانيدها.

وهذا بحد ذاته لا يضر،فالسيد ابن طاووس رحمة الله معتمد لدى عامة علماء الإمامية رضوان الله عليهم في دقته ووثاقته وأمانته وضبطه لنقل الأحاديث والتواريخ والوقائع،وبالقطع فإن ما نقله في(اللهوف)وما ذكره فيه من أوله إلى آخره لم يكن إلا بالنقل عن الكتب المعتبرة،ولم يكن عدم ذكره لأسانيدها إلا للجهة التي ذكرناها.| ولذا فإن جميع مروياته في(اللهوف)وما احتواه هذا الكتاب يعتمد عليها ويطمئن لها عند علماء الإمامية، وهو أصح وأكثر اعتبارا من جميع التواريخ والمقاتل المؤلفة لعلماء الشيعة والعامّة(1) .

ص: 30


1- لا يخفى على المتبع سعة اطلاع السيد ابن طاووس رحمة الله والجمّ الغفير من الكتب والمصادر والمخطوطات الّتي كانت متوفرة لديه في مكتبته،هذا فضلا عما ذكره المؤلف رحمة الله

ولا نترك الإشارة إلى أنّ البعض يُذعن بأن السيّدة رحمة الله في(اللهوف)وابن نما في(مثير الأحزان)قد صرحا برجوع أسارى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء لزيارة القبر المطهر السيد الشهداء(علیه السلام)،لكنه يقول:لا يستدل بهذين النقلين أن مجيئهم كان في العشرين من صفر في سنة61للهجرة؛لأنها لم يصرحا بيوم الورود وتاريخه.

قال السيّد ابن طاووس في(اللهوف):

قال الراوي:لا رجع نساء الحسين (علیه السلام) وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق،قالوا للدليل:مر بنا على طريق كربلاء.فوصلوا إلى موضع المصرع،فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول الله (صلی الله علیه واله) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(علیه السلام)،فوافوا في وقت واحد،وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم،وأقاموا المأتم المقرحة للأكباد،واجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أيّاماً(1) .

ولمّا ابن نما فقال في(مثير الأحزان):ولا مر عيال الحسين (علیه السلام) بكربلاء،وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد،فتلاقوا بالحزن

والاكتئاب،والنوح على هذا المصاب،المقترح لأكباد الأحباب(2) ..فنقول:إنّ السيّد وابن نها رحمة الله وإن لم يصرحا بيوم المجيء،ولكن لا شكّ أنّ

ص: 31


1- اللهوف في قتل الطفوف:114
2- مثير الأحزان:86

مرادهما من مرور نساء الحسين (علیه السلام) وعياله ورجوعهم إلى كربلاء ولقائهم بجابر الأنصاري انه كان في الأربعين الأولى،أي:في العشرين من صفر سنة61للهجرة، ولم يؤرخ غيرهما غير هذا،وقد فهم عامة الشيعة وعلماء الإمامية ذات المعني من عبارتيها،وإن بعض الاحتمالات والحدسيات التي أثيرت في الأزمنة المتأخرة والقريبة من عصرنا وفي زماننا هذا ما هي إلا حدسیات واحتمالات ناشئة من الإشكالات والشبهات الملقاة في الأذهان التي شوشتها والأفكار التي أدت إلى اضطرابها،وإلا فلا دليل لها غير هذه الاستبعادات الناشئة عن تلك الشبه،ولذا فإن أعاظم علمائنا حين ذكروا أمر رجوع الركب إلى كربلاء قد حددوه باليوم العشرين من صفر ولم يذكروا لذلك احتمالا غيره.حتى أن الشيخ العلامة المتبحر فخر الدين الطريحي النجفي رحمة الله-وهو من أكابر علماء الإمامية وأجلائهم،صاحب(مجمع البحرين) الموسوعة الشهيرة في غريب الحديث والمطبوعة مكررة،المتوفى سنة1085ه. قال في(المنتخب):

...وأمر[یزید]بردّ الأسارى إلى أوطانهم،قال:فسار القائد،وكان يتقدمهم تارة ويتأخر عنهم تارة،فقلن النساء له:بحق الله عليك إلا ما عجت بنا على طريق كربلاء. ففعل ذلك حين وصل إلى قرب الناحية.وكان قدومهم إلى ذلك المصرع يوم العشرين من صفر،فوجدوا هناك

جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من نساء بني هاشم،فتلاقوا في وقتٍ واحد، فأخذوا بالنوح والبكاء وإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام،فلمّا

ص: 32

انقضت توجهوا إلى نحو المدينة(1) .لقد اتفق عامة المؤرخين وأرباب المقاتل على أن تشرف جابر الأنصاري رحمة الله بزيارة قبر سيد الشهداء (علیه السلام) كان في الأربعين الأولى،وما صرح به أكابر العلماء من وصول أسرى أهل البيت (علیهم السلام) والإمام السجاد (علیه السلام) إلى كربلاء ولقائهم بجابر الله كان-بلا شك-منطلقا عن رأيهم أن ذلك جرى في نفس الوقت الذي تشرف به جابر بالزيارة،لا تلك الاحتمالات والحدسيات الواهية التي ذكرهاأمثال صاحب كتاب(الطراز المذهّب)(2) وغيره.

فإنّ أمثال أبي ريحان البيرونّي،الحكيم والرياضيّ الشهير،قد صرّح في كتابه القيّم (الآثار الباقية)أنّ رأس الحسين (علیه السلام) المبارك قد ألحق ببدنه في يوم العشرين، وقد زار أربعون من أهل بيته قبره بعد رجوعهم من الشام(3).وأبو ريحان من علماء القرن

ص: 33


1- المنتخب2: 453
2- أنظر:ناسخ التواريخ(الطراز المذهَّب):503
3- قال فيه: صفر: في اليوم الأول أدخل رأس الحسين (علیه السلام) مدينة دمشق، فوضعه لیزیدا بين يديه ونقر ثناياه بقضيب كان في يده، وهو يقول: لست من عتبة ان لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل فأهلّوا و استهلّوا فرحا ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل وفي العشرين ژد رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته، وفيه زيارة الأربعين، وهم حرمه

الرابع الهجريّ تقريباً،توفي سنة441للهجرة(1) ،وكتابه في غاية الاعتبار(2) .ثمّ إنّ بعضاً من تلامذة المحدث النوري رحمة الله و قد صاغ إشكالا على عبارة: (رُد رأس الحسين إلى جثّته)الواردة في كلام أبي ريحان البيرونيّ وجمع غفير من علمائنا،مفاده أن عباراتهم لم تشتمل على ألفاظ من قبيل(رجع)و(إرجاع)و(رجوع)،ولعلّ(رُدّ)كان على نحو طي الأرض!

وهو إشكال لا وجه له،ولا دليل على حصول الأمر بالإعجاز وخوارق العادات،فلا يعتني به؛إذ إنّ عبارة البيروني لحقتها:(بعد انصرافهم من الشام)،وهي عبارة صريحة تفيد إلحاق الرأس الأطهر بالبدن المبارك بعد العودة والرجوع من الشام.

لذا فإن بعض المعاصرين لما لم يستطع في كتابه إنكار مجيء أسرى أهل البيت (علیهم السلام) ومخدرات الرسالة إلى كربلاء، أقر بذلك، ولكنه قال في آخر كلامه:إنّ عبارة السيّد

ص: 34


1- أنظر:أعيان الشيعة9: 66،الكنى والألقاب1: 78،الأعلام 314:5
2- قال الطهراني في(الذريعة6:1/الرقم69):الآثار الباقية عن القرون الخالية: للفيلسوف المنجم الماهر خواجة أبي ريحان محمد بن أحمد البيرونيّ،من توابع السند،الخوارزمي،المتوقى-كما في(اكتفاء القنوع)و(الأعلام)وغيرهما-سنة440. تاریخ لطيف،مشتمل على فوائد كثيرة،ألفه باسم الأمير شمس المعاليقابوس بن وشمگیر والد الأمير منوچهر في سنة390...ويظهر منه،في بحث عدد شهر رمضان-تشیّعُه!

ابن طاووس لا يعلم منها أن هذا الرجوع كان في الأربعين الأولى،وعلى كل حال لم يكن في نفس العام قطعاً.

ولا وجه لكلامه هذا،وما هو إلا صياغة إشكال عقيم وجمود!فإن حصل القطع الصاحب هذا الكلام بهذا المدعي،فلا يمكن صرفه عن قطعه،إلا أن يتأمل أكثر في التواريخ والمقاتل،فيتضح له أن قطعه هذا لا يتطابق مع الواقع،وأن يدير صياغة إشكالاته واحتمالاته واستبعاداته،فينكشف له بطلان قطعه.ولكن لا يحصل لنا القطع بقطعه،لا حجية لقطعه،فإن قطع القطاع حجة عليه لا على غيره،كما هو المقرر في الأصول.

ومما سيأتي شرحه لاحقا سيحصل الاطمئنان للقراء الأعزاء إن شاء الله تعالى أنّ مجيء أسرى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء قد كان في السنة الأولى،وما هو مشهور بين الشيعة الإمامية أن الرأس المبارك للإمام أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه قد ألحق بجسده الزاكي الأطيب هو الصحيح،قد أرجعه إلى كربلاء الإمام زين العابدین (علیه السلام) مع أهل البيت الحسيني بعد أربعين يوما من المقتل،وكان هذا المجيء على النحو العادي،لا بطي الأرض وأمثاله مما يدعى عن محض خيالي من دون دليل،وأن بقاء الأسارى من أهل البيت (علیهم السلام) في دمشق ما كان سوى أيام معدودة،وأن استئذان ابن زیاد من يزيد اللعين حول الأسرى كان عبر الحمام الزاجل،وأن إنكار المرحوم المحدث النوري رحمة الله وادعاءه بأن الحمام لم يستخدم في نقل الرسائل إلا في أواخر حکم بني العباس وتم إعماله في زمن الفاطميين في الموصل، ما هو إلا ادعاء بلا وجه،وهو خالي من التحقيق،كما سيأتي كلّ ذلك إنّ شاء الله تعالى.

ص: 35

ص: 36

الإشكال الثاني وجوابه

قال العلّامة المحدّث النوريّ رحمة الله:

إنّ مجيء سبايا أهل البيت (علیهم السلام) في الأربعين الأُولى يتنافى مع جهات عدّة: الأُولى:إنّ السيّد رحمة الله نفسه في(الإقبال)استبعد مجيء أهل البيت (علیهم السلام) إلى کربلاء في يوم العشرين من صفر سنة61ه،لأنّ عبُيد الله بن زیاد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم،ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه،وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها..(1) .

ص: 37


1- قال في(إقبال الأعمال3: 100-الباب3الفصل 5): ووجدت في المصباح أن حرم الحسين (علیه السلام) وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين (علیه السلام)يوم العشرين من صفر،وفي غير المصباح أتهم وصلوا کربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر،وكلاهما مستبعد؛لأن عبيد الله بن زیاد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم،ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه،وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها،ولأنه لا حملهم إلى الشام روي أنهم أقاموا فيها شهرة في موضع لا يكنهم من حر ولا برد،وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما من يوم قتل (علیه السلام) إلى أن وصلوا العراق أو المدينة.وأما جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك،ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر؛لأنهم اجتمعوا على ما روی جابر بن عبد الله الأنصاري،فإن كان جابر وصل زائرة من الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيؤه أكثر من أربعين يوما،وعلى أن يكون جابر وصل من غير الحجاز من الكوفة أو غيرها

وفي مقام الردّ على هذه الشبهة يُقال:إنّ أمثال هذه الاستبعادات لَمها يحصل في الذهن بعد ألفٍ ومئات السنين من وقوع القضايا،وتكون باعثة لإيجاد الشبهة والشك في وقوع القضيّة،وذلك لعدم المعرفة بكيفية استئذان ابن زیاد، وقياس ذلك بمیزان الزمن الحاضر.

أولاً:إنّ السيّد ابن طاووس رحمة الله نفسه ما كان مترددة في أصل رد الرأس المبارك السيد الشهداء (علیه السلام) وإلحاقه بالجسد المبارك، وقد صرح بذلك في(الإقبال)،وإنّ لم يجر

علما بكيفية ذلك وبحمله من الشام إلى الحائر الشريف،وفي كيفية إلحاقه بالجسد الأطهر في القبر المطهر،وبتفاصيل الأمر وجزئياته(1) ،ولكنّنا سنقل-فيما يأتي-أنّ

ص: 38


1- قال في(إقبال الأعمال3: 98-الباب3الفصل4) إعلم أن إعادة الرأس المقدس لمولانا الحسين صلوات الله عليه إلى جسده الشريف يشهد به لسان القرآن العظيم المنيف، حيث قال الله جل جلاله: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)» (سورة آل عمران: 169)، فهل بقي شك حيث أخبر الله أنه من حيث استشهد حي عند ربه مرزوق مصون؟ فلا ينبغي أن يشك في هذا العارفون. وأما كيفية إحيائه بعد شهادته وكيفية جمع رأسه الشريف إلى جسده بعد مفارقته، فهذا سؤال يكون فيه سوء أدب من العبد على الله جل جلاله أن يعرفه كيفية تدبير مقدوراته، وهو جهل من العبد وإقدام ما لم يكلف العلم به و لاالسؤال عن صفاته و أماتعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله والوقت ألذي قتل فيه الحسين ونقله الله جل جلاله إلي شرف فضله كان الإسلام مقلوبا والحق مغلوبا و ماتكون الإعادة بأمور دنيوية والظاهر أنها بقدرة الإله [الإلهية]لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف كلها منقولات و لم أذكر إلي الآن أنني وقفت و لارويت تسمية أحد ممن كان من الشام حتي أعادوه إلي جسده الشريف بالحائر عليه أفضل السلام و لاكيفية لحمله من الشام إلي الحائر علي صاحبه أكمل التحية والإكرام و لاكيفية لدخول حرمه المعظم و لا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتي عاد إليه وهل وضعه موضعه من الجسد أو في الضريح مضموما إليه؟ فليقتصر الإنسان علي مايجب عليه من تصديق القرآن من أن الجسد المقدس تكمل عقيب الشهادة و أنه حي يرزق في دار السعادة ففي بيان الكتاب العزيز مايغني عن زيادة دليل وبرهان

الإمام زين العابدین (علیه السلام) هو الّذي أرجع الرأس المقدّس إلى كربلاء وألحقه بالجسد الطاهر،وقد حصل هذا بعد أربعين يوما من عاشوراء.

إذن، فإن استبعاد السيد ابن طاووس رحمة الله مبني على أن السبايا أقاموا في الشامشهرة-كما ذكر هو،وهذا ما لا يعلم ناقله ولا ورد في رواية معتبرة أو خبر معتم عليه،بل التواريخ المعتبرة صرحت بخلاف ذلك،من أنهم ما بقوا سوى أيام معدودة،ثانية أو عشرة على أكثر تقدير بحسب قول الطبريّ(1).

ص: 39


1- (1) قال المجلسي رحمة الله-في خبر طویل-:روي في بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا:...فلا أصبح[یزید]استدعی بحرم رسول الله(صلی الله علیه واله)،فقال له:أيما أحب إليك:القام عندي أو الرجوع إلى المدينة؟ولكم الجائزة السنية!قالوا:نحب أولا أن ننوح على الحسين.قال:افعلوا ما بدا لكم.ثم أخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق،ولم تبق هاشمي ولا قرشي إلا ولبت السواد على الحسين،وندبوه-على ما قل-سبعة أيام،فلمّا كان اليوم الثامن دعاه يزيد وعرض عليهن المقام،فأبين وأرادوا الرجوع إلى المدينة،فأحضر لهم المحامل وزنها،وأمر بالأنطاع الإبريسم وصب عليها الأموال،وقال:يا أم كلثوم، خذوا هذا المال عوض ما أصابكم.فقالت أم كلثوم:یا یزید،ما أقل حياءك وأصلب وجهك!تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم؟!(بحار الأنوار189:45- 197الباب 39/ح36).وروى مثله الميرزا النوري الطبرسي في(مستدرك الوسائل3: 327/ح 3702)،عن فخر الدين الطريحي في المنتخب مرسلا. ولم نعثر عليه في الطبري!

أجل،فلم تمض مدة يسيرة إلا وانقلبت الأمور على يزيد،وامتلأت القلوب بالبغض والعداوة له،وجرى لعنه وذمه على الألسن،وحينها أدرك يزيد بها ورط نفسه من قبيح عمله وشنیع فعله(1)،فصار يتظاهر بعدم رضاه بما فعله ابن زیاد لعنه الله من

ص: 40


1- روى الطبرسي قائلا: روت ثقات الرواة وعدوهم أنه لا أدخل علي بن الحسين زين العابدین (علیه السلام) في جملة من لحمل إلى الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي (علیه السلام) وأهاليه على يزيد، قال له: يا علي، الحمد لله الذي قتل أباك ! قال علي : «قتل أبي الناس». قال يزيد: الحمد لله الذي قتله فكفانيه! قال علي : (على من قتل أبي لعنة الله، أفتراني لعن الله عز وجل ؟1،. قال يزيد: يا علي، اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة، وما رزق الله أمير ال... من الظفر! فقال علي بن الحسين: «ما اعرفني بما تريده، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلی الله علیه واله)، ثم قال: «أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومني، أنا ابن المروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن من لا يخفى، أنا ابن من علا فاستعلي فجاز سدرة المنتهى، فكان من ربه قاب قوسين أو أدني.فضج أهل الشام بالبكاء حتي خشي يزيد أن يرحل من مقعده، فقال للمؤذن: أذن، فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، جلس علي بن الحسين عليه السلام علي المنبر، فلما قال: أشهد أن لا اله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، بكي علي بن الحسين عليه السلام، ثم التفت الي يزيد، فقال: يا يزيد هذا أبوك أم أبي؟ قال: [ صفحه 318] بل أبوك فانزل، فنزل(علیه السلام)...ثم قال له علي بن الحسين يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي فإن كنت لا بد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم رسول الله ص فقال له يزيد لعنه الله لا يردهن غيرك لعن الله ابن مرجانة فو الله ما أمرته بقتل أبيك و لو كنت متوليا لقتاله ما قتلته ثم أحسن جائزته و حمله و النساء إلى المدينة (38:2). أقول: وفي الخبر دلالة واضحة أن يزيد كان شايتا فرحا بمقتل الحسين (علیه السلام)، وأنه كان يريد التنكيل بالإمام زين العابدین (علیه السلام) وبالعترة النبوية الحسينية، لكن خطبة سيد الساجدين (علیه السلام)في وضجيج أهل الشام وما حصل من اللغط أخاف يزيد وأرعبه، حتى خشي أن تذهب هذه الفضيحة المدوية بكرسيه وعرشه، فصار يلعن ابن مرجانة ويتذرع بأنه ما أمره بقتل الحسين (علیه السلام)، وأنه لو كان متوليا القتاله لما قتله! وهذا من شخف القول الذي لا ينطلي على متبصر عارف بأن يزيد كان هو الآمر، وكان هو الفرح الشامت بالفاجعة التي حلت والرزية التي عظمت، وزاد ذلك بأن با اب زیاد لعنه الله وأكرمه لصنيعه و قبیح فعله، كما سيأتيك بعد قليل.

فعله و قتله للحسين (علیه السلام) وإن كان قد حباه وأحسن إليه في السر (1)، كل ذلك ليخفف

ص: 41


1- قال الطبري: ... ولما جلس یزید بن معاوية، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلوا عليه، والناس ينظرون ... فرأي هيئة قبيحة، فقال: قبح الله ابن مرجانة، لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا ... ثم قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشیر، جهزهم با يصلحهم، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا، وابعث معه خيلا وأعوان فيسير بهم إلى المدينة. ثم أمر بالنسوة أن ينزل في دار على حدة معهن ما يصلحهن، وأخوه معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها، قال: فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة الا استقبلتهن تبكى وتنوح على الحسين فأقاموا عليه المناحة ثلاثا وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا على بن الحسين إليه ... قال ولما أرادوا أن يخرجوا دعا يزيد على بن الحسين ثم قال لعن الله ابن مرجانة أما والله لو أنى صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدى ولكن الله قضى ما رأيت كاتبني وأنه كل حاجة تكون لك قال وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول(تاریخ الطبري 4: 302 و 353 - سنة إحدى وستين). وقال بعدها في موضع آخر: ... ودخلوا على يزيد، فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه ، فسمعت الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز و كانت تحت يزيد فتقنعت بثوبها و خرجت فقالت : يا أمير المؤمنين أ راس الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، ففاعولى عليه ، وحدي على ابن بنت رسول الله (علیه السلام) و صريحة قريش ، عجل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله . (تاريخ الطبري356:4). أقول: وقد حاول الطبري كثيرا تلميع الصورة القذرة المتسخة لقرد بني أمية يزيد بن معاوية، وسعى جاهدة ليسرد هذه الأخبار وأمثالها، لكنه عثر بعدها فقال: ثم أني للناس فدخلوا، والرأس بين يديه، ومع یزید قضيب فهو ينكت به في ثغره، ثم قال: إن هذا وإيانا كما قال الصين بن الحمام المري: یفلق هامة من رجال أحبة إلينا، وهم كانوا أعين وأظلما قال: فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقال له: أبو برزة الأسلمي: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين ؟! أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا، لربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشفه، أما إنك یا یزید تجيء يوم القيامة وابن زیاد شفيقك، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم شفيعه. ثم قام فوتی (تاریخ الطبري 4: 356). أما والله لئن فعل ابن زیاډ فعلته الشنيعة بقتله لريحانة رسول الله الله وسبطه، فقد بالغ يزيد الرجس اللئيم بهتك حرمته والتمثيل برأسه الطاهر الأقدس، هذا فضلا عن المبالغة في مهانة آل الله وأحفاد رسول الله ، فأنی له أن يلقي باللائمة على ابن مرجانة وقد فعل هو من الأفاعيل ما كانت أشنع وأفظع !!! ثم إنه بعد ذلك استدعى ابن زیاد لعنه الله من الكوفة، وشكره على فعله بالحسين (علیه السلام) وأهل بيته، وقرب مجلسه ورفع منزلته. قال المسعودي: وجلس ذات يوم على شرابه، وعن يمينه ابن زیاد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه فقال: إسقني شربه تروي مشاشي ثم مل فاسق مثلها ابن زیا صاحب السر والأمانة عندي ولتسدید مغنمي وجهادي ثم أمر المغنين فغنوا به (مروج الذهب 3: 67 - فسوق يزيد وعاله). وقال ابن الأثير: وقيل: لما وصل رأس الحسين إلى يزيد حشت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله، وسته ما فعل، ثم لم يلبث إلا يسيرة حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم، فندم على قتل الحسين (الكامل في التاريخ : 87 - حوادث سنة 61). فكيف له أن يبرئ نفسه من قتل الحسين ، ثم يكرم ابن زیاد قاتل الحسين لا ويحبوه ويتخذه ندیم له في شكره وعربدته، بل ويعده صاحب سره والأمانة عنده؟!!

ص: 42

من وطأة ردود الفعل والانقلاب عليه، فأذن في تلك الأيام-مكر وخداعة-بإقامة العزاء على الحسين ع في قصره،وإلا فكيف يتصور أن يأذن ظالم متسلط متجبر کیزید عليه اللعنة بعزاء البناتاليتامى والنساء المترقلات والأخوات المفجوعات على سید الشهداء عل؟فمن ذلك يتضح أن الأمور قد خرجت عن سيطرته.

ص: 43

ولهذا فقد ذكروا أن يزيد لم يكن باستطاعته حبس أسرى العترة النبوية أكثر في الشام،وما يتوهم من أنهم بقوا شهرة أو سنة-بحسب حدسيات بعضهم-ما هو إلا تصورات باطلة لا شاهد لها من التاريخ!

وثانية:إنّ استبعاد السيّد ابن طاووس رحمة الله في(الإقبال)والمحدث النوريّ رحمة الله في(اللؤلؤ والمرجان)ناشئ عن لحاظ الوضع الاعتيادي،وقد غفلا عن ملاحظة أحوال التردد والسفر في تلك الأزمان،ولو نظرنا بتعمق إلى ذلك التاريخ لوجدنا أنهم كانوا يذهبون خلال أيام معدودة من العراق إلى الشام وبالعكس،وبملاحظة التاريخ سنجد شواهد كثيرة أنهم كانوا يطؤون هذه المسافات الطويلة خلال أقصر الفترات،عشرة أيام أو ثانية،بل وخلال أسبوع واحد،مستخدمين بذلك الإبل الذلولة والخيول العربية سريعة الجري،والتي يمكن أن يقال أنها ندرت في زماننا بل وانقرضت.

ومن هذه القرائن والشواهد:

1-يوجد بين الشام والعراق طريق مستقيم،كان يسلكه عرب عقيل في ذلك الوقت،يبلغون العراق عبره خلال أسبوع واحد،وحيث إن أغلب العجم ليس لهم علم ودراية بأحوال الطرق في الصحراء الكبيرة بين العراق والشام،فقد أثيرت في أذهانهم أغلب الشبهات والإشكالات حول رجوع الأسارى من العترة النبوية ورجوعهم إلى العراق بسبب ذلك،وقد عدوا قضية الأربعين من المحالات،لكن السيد العلامة واسع الاطلاع السيد محسن الأمين العاملي رحمة الله في(أعيان الشيعة)-وهو من علماء الشيعة الإمامة في العصر المتأخر،ومن علماء الشيعة قبل عصرنا-قد أشار

ص: 44

إلى هذا الأمر وصدقه،وكان رحمة الله من سکنة دمشق ومن أهل الشام وجبل عامل، وهو أعرف بأحوال تلك الأزمنة وأوضاعها،وسنورد نص كلامه-إن شاء الله تعالى-فيها سيأتي من الكلام لاحقا.

2-كذلك كان عرب صليب يذهبون من حوران للنجف في نحو ثمانية أيام،وقد

أشار إلى هذا السيد محسن الأمين العاملي رحمة الله أيضا.

3-ژوي بالسند المعتبر عن يعقوب بن شعيب(من أولاد ميثم التمار،ومن ثقات أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه)،عن صالح بن میثم قال:أخبرني أبو خالد التار،قال:كن مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة،فهبت ريح وهو في سفينة من شفن الرمان،قال:فخرج فنظر إلى الريح،فقال:شدوا برأس سفينتكم،إنّ هذه(1) ريح عاصف،مات معاوية الساعة!قال:فلا كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام،فلقيته فاستخبرته،فقلت له:يا عبد الله،ما الخبر؟قال:النّاس على أحسن حال،ثوقي أمير ال...،وبايع الناس یزید!قال:قلت:أي يوم وفي؟قال:يوم الجمعة(2) .

فمن هذا الخبر يتضح جليا أنهم كانوا يصلون من الشام إلى العراق والكوفة في فترة أسبوع واحد،وقد صح إخبار ميثم التمار رضوان الله عليه،ولا يحتمل أن الإخبار كان بواسطة الحمام الزاجل؛إذ يقول أبو خالد:فلا كانت الجمعة المقبلة قدم برید من الشام،فلقيه فاستخبره،فقلت له:...

ص: 45


1- في بحار الأنوار:(هذا)
2- إختيار معرفة الرجال1: 293/خ135،بحار الأنوا42: 127-الباب122/خ10

4 - قد اشتهر بين المؤرخين - بل ويمكن أن يقال أنهم تسالموا - أن معاوية بن صخر بن حرب الأموي قد هلك في النصف من رجب سنة 60 للهجرة، وقد بعث یزید لعنه الله إلى والي المدينة المنورة رسالة يأمره فيها بأخذ البيعة من سيد الشهداء (علیه السلام). حينها دعا والي المدينة الإمام (علیه السلام) وأخبره بموت معاوية، واقترح عليه مبايعة يزيد، فامتنع الإمام (علیه السلام)، لكن مروان الأموي طريد رسول الله (صلی الله علیه واله) أشار على الوالي أنه إن لم يبايع الحسين بن علي (علیهما السلام) الليلة فإنك لن تظفر به أبدا، فغضب الإمام الحسين (علیه السلام) من کلام الوزغ ابن الوزغ، وخرج من المجلس، على تفصيل مذکور و بیان مشروح في كتب التاريخ (1).

ص: 46


1- روى الصدوق رحمة الله بإسناده عن عبد الله بن منصور قال: سأل جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (علیهما السلام)، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله (صلی الله علیه واله). فقال: «حدثني أبي، عن أبيه قال: ... قال : فلما هلك معاوية وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان ، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : إن أمير المونين أمرك أن تبايع له ، فقال الحسين عليه السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحق الذين أودعه الله - عزّ وجلّ - قلوبنا وأنطق به ألسنتنا ، فنطقت بإذن الله - عزّ وجلّ - ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ؟ فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عبد الله يزيد أمير المونين من عتبة بن أبي سفيان أما بعد : فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام . فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة : أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي .فبلغ ذلك الحسين فهم بالخروج من أرض الحجاز إلي أرض العراق...(أمالي الصدوق: 210 - المجلس 30/ ح 239). وقال المفيد: فلا مات معاوية - وذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة - كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان على المدينة من قبل معاوية -أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له، و لا يرخص له في التأخر عن ذلك، فأنفذ الوليد الي الحسين عليه السلام في الليل، فاستدعاه، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم: ان الوليد قد استدعاني في الوقت، و لست آمن من أن يكلفني فيه أمرا لا اجيبه اليه، و هو غير مأمون،، فكونوا معي اذا دخلت عليه [438] ، فاجلسوا علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا، فدخلوا عليه لتمنعوه عني.فسار الحسين عليه السلام الي الوليد بن عتبة، و وجد عنده مروان بن الحكم، فنعي اليه الوليد معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام، ثم قرأ كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين عليه السلام: اني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي ابايعه جهرا، فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين عليه السلام: فتصبح و تري رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف علي اسم الله تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس.فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع، لا قدرت منه علي مثلها أبدا، حتي تكثر القتلي بينكم و بينه، أحبس الرجل، و لا يخرج من [ صفحه 154] عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك، و قال: أنت يابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت والله و أثمت و خرج يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله عصيتني لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه ابدا. ... (الإرشاد 2: 32).

إن الإمام الحسين (علیه السلام) خرج يوم الثامن والعشرينمن المدينة(خائفاً يترقّب)، قاصداً مكّة المعظمة،أي:بعد هلاك معاوية بثلاثة عشر يوما،وخلال تلك المدة الوجيزة كان وصول خبر موت معاوية من الشام إلى والي المدينة وسائر ما جرى من الوقائع،هذا والحجاز أبعد من العراق، وبحسب قول العلامة المحدث النوري رحمة الله فإن

ص: 47

وصول الخبر يقتضي فترة أكثر من عشرين يوماً،هذا فضلا عن رسالة يزيد الأخرى إلى الوالي بعد إخباره بامتناع سيّد الشهداء (علیه السلام) عن البيعة.

إن جميع تلك المراسلات تمت عبر الحمام الزاجل،كما سيأتي تفصيله لاحقا.

5-نقل الطبري في(تاريخه)أنّ بسر بن أرطأة-وهو من جلاوزة معاوية بن صخر-قد أمهل أبا بكرة ليسير من الكوفة إلى الشام،فجاء أبو بكرة إلى معاوية وعاد بعد سبعة أيام، ليبلغ سر بن أرطأة بالأمر الذي أرسل من أجله(1) .

فيعلم من هذا الخبر أن أبا بكرة قد بلغ الشام في ثلاثة أيام ونصف،وعاد إلى

ص: 48


1- قال في(تاريخ الطبري4: 127-الصلح بين الحسن بن علي (علیه السلام) معاوية):حدثني عمر بن شبة،قال:حدثني علي بن محمد،قال:لا صالح الحسن بن علي معاوية أول سنة41،وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب عليها،فأراد معاويه أن يبعث رجلا من بني القين إليها،فكلمه عبد الله بن عباس أن لا يفعل ويبعث غيره،فبعث بسر بن أبي أرطأة،وزعم أنه أمره بقتل بني زياد. فحدثني مسلمة بن محارب،قال:أخذ بعض بني زياد فحبسه،وزياد يومئذبفارس كان علي بعثه إليها إلى أكراد خرجوا بها،فظفر بهم زیاد وأقام بإصطخر،قال: فركب أبو بكرة إلى معاوية وهو بالكوفة،فاستأجل بسرة فأجله أسبوعين ذاهبا وراجعة،فسار سبعة أيام،فقتل تحته دابتين،فكلمه،كتب معاوية بالكف عنهم. قال:وحدثني بعض علمائنا أن أبا بكرة أقبل في اليوم السابع وقد طلعت الشمس وأخرج بسر بني زياد ينتظر هم غروب الشمس ليقتلهم إذا وجبت، فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحه ينتظرون أبا بكرة،إذ رفع لهم على نجيب أو برذون يكده ويجهده،فقام عليه،فنزل عنه وألاح بثوبه،وكبر وكبر الناس،فأقبل يسعى على رجليه حتى أدرك بسرة قبل أن يقتلهم،فدفع إليه كتاب معاوية فأطلقهم

الكوفة في ثلاثة أيام ونصف أيضاً.

6-جاء في كتاب(قرّة العين في أخذ ثأر الحسين(علیه السلام))،للعالم العلّامة عبد الله بن محمّد،وهو من الكتب المعتبرة كما صرّح البعض،بعد أن ذكر ذهاب عُميرة إلى يزيد الرجس لعنه الله برسالة عبد الله بن عمر زوج أخت المختار لتوسطه بالإفراج عن المختار،نقل أنّ عُميرة لمّا أخذ رسالة يزيد إلى عبيد الله بن زیاد يأمره فيها بفك الأسر عن المختار،قال:وخرجت من دمشق،ولم أزل سائرة حتى وصل الكوفة بعد أحد عشر يوماً(1) .

7-وجاء فيه أيضاً أنّ مروان ضمّ إلى عامر بن ربيعة مئة ألف فارسي وأمره أنّ يسير إلى حرب المختار،فسار هو ومن معه وجعل يجد في المسير،حتى وصل إلى الكوفة في مدّة عشرة أيّام(2) .

8-يمكن أن نعد من المستات التاريخية أنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) قد خرج من مكة المعظمة يوم الثامن من ذي الحجة،قاصدة كربلاء مع جملة من أهل بيته وأصحابه،وأنّ المسافة ما بين مكة والكوفة هي ثلاثمئة وثانون فرسخ تقريباً.

ومن القرائن الكثيرة والعلائم والأمارات غير المحصورة يعلم أن الإمام في ما كان يجد السير ولا يحث الخطى متسارعة،وكان في طريقه يدعو بعض من التقى به إلى نصرته،ولا شك أن هذا النوع من المسير يكون باعث على التأخير في طي المسير،كما أنّ

ص: 49


1- أنظر:قرة العين في أخذ ثار الحسين(علیه السلام):159
2- أنظر:قرة العين في أخذ ثار الحسين(علیه السلام):182

الركب الحسينيّ قد توقف ليومين حين اعترضه الحرّ بن يزيد الرياحيّ على مقربة من الكوفة،حتّى بلغ أرض كربلاء يوم الثاني من المحرم،وهذا يعني أن الحسين إلا قد طوى تلك المسافة البعيدة من مكة إلى كربلاء في غضون أربعة وعشرين يوماً تقريباً،أي أن الركب الحسيني المقدس كان يسير خمسة عشر فرسخا يوميا تقریبا بیسر.

9-جاء في الكثير من الكتب المعتبرة-ما لو أردنا استقصاءها أطال المقام بذكرها-التصريح بأن سبايا أهل البيت (علیهم السلام) قد وردوا الشام في الأول من صفر سنة61للهجرة.

فقد صرح أبو ریحان البيروني(ت440ه)في كتابه(الآثار الباقية)قائلاً:

صفر:في اليوم الأول أدخل رأس الحسين (علیه السلام)في مدينة دمشق،فوضعه ایزیدا بين يديه ونقر ثناياه بقضيب كان في يده،وهو يقول:لستُ من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل...(1)

وقال زكريا القزويني في(عجائب المخلوقات):

اليوم الأول منه[من صفر]عید بني أمية،أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق(2) .

وقريبٌ من عبارة القزوينيّ حررها كثير ٌمن علماء الخاصة والعامّة(3) .

ص: 50


1- الآثار الباقية:331
2- عجائب المخلوقات والحيوانات:68
3- قال الكفعمي:صفر...وفي أوله أدخل رأس الحسين (علیه السلام) دمشق،وهو عيد عند بني أمية(المصباح:510).وقال الشيخ البهائي العاملي:الأول فيه...حل رأس أبي عبد الله الحسين ال إلى دمشق،وجعلوه بنو أمية عيدة(توضیح المقاصد:5).وقال الشيخ عباس القمي:وفيه-على بعض الأقوال في السنة الحادية والستين أدخل دمشق رأس سيد الشهداء فجعله بنو أمية عيد لهم،وهو يوم تتجدد فيه الأحزان(مفاتیح الجنان:453-الفصل8).وانظر أيضا:تقويم الشيعة:77.أقول:قيل بأن رأس الحسين أدخل على يزيد الرجس قبل وصول السبايا،لأن ابن زیاد دفعه إلى حر بن قيس ودفع إليه رؤوس أصحاب الحسين ال وسرحه إلى يزيد بن معاوية قبل تسريح السبايا!وهو قول غير سليم فيما يبدو لنا؛فقد قال المفيد:ثم إن عبيد الله بن زیاد بعد إنفاذه برأس الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهزوا،وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه،ثم شرح بهم في إثرالرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن،فانطلقوا بهم حتى الحقوا بالقوم الذين معهم الرأس(الإرشاد2: 119).فعبارة الشيخ المفيد ظاهرة في أنهم لحقوا بالرأس الشريف،وأنّ دخولهم إلى الشام كان مع دخول الرأس،كما يظهر ذلك أيضا من أخبار أخرى،بل وفي بعض الأخبار أن عبيد الله بن زیاد سرحهم جميعا مع الرأس(أنظر:تاریخ الطبري354:4)

ومع أن أسارى أهل البيت عليهم السلام بقوا مدة - غير معلومة على وجه التحقيق - في الكوفة في سجن ابن زیاد (1)، وقد بعث حينها ابن زیاد إلى يزيد يستجوبه في أمرهم

ص: 51


1- لم نعثر في كتب التاريخ وأقوال المؤرخين على أقوال صريحة وواضحة تؤكد مدة بقائهم لافي الكوفة وفي الحبس على وجه التحديد، ولذا اختلفت الاحتمالات وتباينت بين بقائهم أياما معدودة وبين بقائهم شهرة أو أكثر. قال المؤرخ الشهير الميرزا محمد تقي سپهر: لا يخفى أن ثقات المحدثين والمؤرخين قد اتفقوا على أن عمر بن سعد بعث برؤوس الشهداء بعد شهادة الإمام الحسين (علیه السلام) إلى ابن زیاد، ثم سرح أهل البيت إلى الكوفة، فجرى ما جرى لهم في مجلس ابن زیاد من شماتته بهم وإساءته لهم. ثم إنه أمر بهم فحبسوا، وكتب إلى يزيد بن معاوية يستأمره في ما يصنع بالرؤوس والأسرى، فكتب يزيد إليه يأمره بتسريحهم إلى الشام، فسحهم ابن زیاد إلى الشام. فيلزم من ذلك انقضاء فترة زمانية منذ يوم عاشوراء إلى أن أرسل ابن زیاد الكتاب إلى يزيد، وهيا الرؤوس والأسرى، ووصول الرسول إلى الشام وعودته بالجواب، وتسريحهم بأثقالهم إلى الشام، فلا يبعد أن تكون المدة التي انقضت في هذه الأمور ولوازمها أربعين يوما، فمن السائغ أن نقول: إن أهل البيت وصلوا إلى كربلاء يوم الأربعين - أي: في العشرين من شهر صفر - في طريقهم إلى الشام، فأقاموا هناك المآتم والعزاء، وارتفعت أصواتهم بالعويل والبكاء، وكان جابر قد خرج من المدينة مبادرة إلى زيارة الحسين (علیه السلام) في كربلاء، فالتقوا جميعا يوم العشرين من صفر عند سيد الشهداء (علیه السلام). أما إذا قلنا بأنهم حضروا يوم الأربعين العشرين من صفر في طريق عودتهم من الشام، فإن ذلك مما لا يقبله عاقل؛ وذلك لأننا نحتاج إلى أن نضاعف المدة التي قررناها ضعفين، ومع ذلك لا يمكن أن يصادف رجوعهم يوم العشرين من صفر، سيما إذا لاحظنا ما اكتنف تلك الرحلة من حمل النساء والأطفال والمرضى والجرحى من قبيل الإمام زين العابدين (علیه السلام) والحسن المثنى وغيرهم، فلا يمكن أن تكون حركتهم بشكل يجعلهم قادرين على الحضور في كربلاء يوم العشرين من صفر، حتى لو كانوا قد شرحوا نحو الشام يوم العاشر من المحرم (ناسخ التواريخ 62:3- وصول أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين). أقول: أولا: على الرغم من أن قد يكون هذا القول وجه يستحسن، إلا أنه يتعارض مع ما مر عليك من تصريح البيروني في (الآثار الباقية: 331) من أن رأس الحسين (علیه السلام) المبارك قد ألحق ببدنه في يوم العشرين، وقد زار أربعون من أهل بيته قبره بعد رجوعهم من الشام، وكذا رواية السيد ابن طاووس رحمة الله (اللهوف: 114) من أن مرورهم (علیهم السلام) بكربلاء كان بعد رجوعهم من الشام. ثانيا: هو يتعارض أيضا مع ما مر عليك قبل قليل وما سيأتي من أقوال من أن رأس الحسين (علیه السلام) قد أدخل دمشق في الأول من صفر، وهذا لا ينسجم مع كلام الميرزا محمد تقي سپهر رحمة الله، إذ يفترض - بناء على هذا القول - گون الرأس الأقدس في الكوفة تلك الفترة. ثالثا: لم يذكر المؤرخ سپهر شاهدة على ما استساغة أو ما يعضده من خبير وما شاكل، ومثل هذا الاستحسان لا يرقى لإسقاط الأخبار التاريخية. رابعا: لقد تكفل المصنف في هذا الكتاب بإطناب وإسهاب ببيان أن الفترات كافية جدا لوصول الرسائل عبر البريد أو الحمام الزاجل، وطي المسافات ورجوعهم خلالها، وعدم بقائهم في الشام فترة طويلة كما تصوره البعض، فيكون وصولهم يوم الأربعين عائدين من الشام موافقة اللحساب وللأخبار.

ص: 52

ليقتلهم أو يسرّحهم إلى الشام،ثمّ وصول أوامر یزید بتوجيههم إلى الشام(1) ، فإنهم

ص: 53


1- قال الطبري:قال هشام:وأما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال:لمّا قتل الحسين وجيء بالأثقال والأسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله،فبينا القوم محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه کتاب مربوط،وفي الكتاب:خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية،وهو سائر كذا وكذا يوما وراجع في كذا وكذا،فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل،وإن لم تسمعوا تكبيرة فهو الأمان إن شاء الله. قال:لما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقي في السجن ومعه کتاب مربوط وموسی،وفي الكتاب:أوصوا واعهدوا،فإنّما ينتظر البريد يوم كذا وكذا.فجاء البريد ولا يسمع التكبير،وجاء كتاب بأن سرح الأسارى.إلى أنّ قال:فدعا عبيد الله بن زیاد محفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير ال...یزید بن معاوية.قال:فخرجوا حتى قدموا على يزيد(تاریخ الطبري354:4). وانظر أيضا:الكامل في التاريخ4 :84-حوادث سنة61

وإن بقوا مدّة في قيدهم بالكوفة،فإنّ فترة خمسة عشر يوماً أو عشرة أيّام كافيةٌ لبلوغهم الشام ودخولهم إليها في الأوّل من صفر كما قررناه،وكذا الأمر في عودتهم من الشام إلى كربلاء،وإنّ أمثال أبي ريحان البيروني-وقد قارب عصره ذلك العصر-لم يستبعد طي تلك المسافة خلال تلك المدة،ولو كان لذكر واستنكر،وهو أخبر من تلاه من العصور المتأخّرة.

وعلى هذا،فإن القول برجوع ركب السبايا في العشرين من صفر عام61للهجرة هو القويّ المعتمد عليه؛لعدم الجزم بالمدة التي قضوها في الشّام،بل لاطمئناننا بعدم مكوثهم طويلا فيها،فإنّ ملاحظة الأوضاع السياسية للدولة الأموية استوجبت عدم مقدرة يزيد على حبس الأسارى في دمشق أكثر من أيام معدودة،إذ إن الوضع السياسي الأموي بدأ بالتدهور وآل إلىالاضمحلال بعد وقعة كربلاء،وصار الرأي العام مناهضة ليزيد،فلم تكن فاجعة الطفت الأليمة ولا سبي مخدرات الرسالة وحملهم على غجف النياق بلا أقتاب ولا حمل رأس الحسين عل على الرمح يطاف به في الكوفة والشام بالأمر الهين،بل كان ذلك كله مقدمة لافتضاح أعداء الرسالة،وكان لقيام سید الشهداء ليلا ونهضته أن تؤتي ثمارها،فكانت أخبار تلك الفجائع الفظائع تنتشر في أطراف البلاد وأكنافها، وكانت النفوس شخذ حقد وحنق على بني أمية وآل أبي سفيان أعداء العترة النبوية يوما بعد يوم.

ص: 54

فكيف يمكن ليزيد أن يحبس أسارى العترة النبويّة مدّة طويلة والوضع هكذا،وأنّ يقيدهم في دمشق لمدة شهرٍ-مثلاً-في مكان لا يحميهم من برد ولا حر؟!لذا أدخلهم قصره،وأجلس الإمام زین العابدین (علیه السلام) معه على الطعام،أراد بذلك حيل ومكرة وتزويرة وامتصاص الغضب الناس أن يلقي باللائمة على ابن زیاد وأن يحمله مسؤولية قتل الحسين(علیه السلام)،وأجاز بسياسته الماكرة أن يقيموا النوح على أبي عبد الله(علیه السلام) فيداخل سرادق قصره(1) ،لعله أن يستطيع إبعاد هذا العار والخزي عنه،لكنه غفل أن التاريخ سيكشف الحقائق.

لذا فإن احتمال بقاء عترة الرسالة مدة طويلة في الشام احتمال لا أساس له، بعيد عن التأمل في التاريخ،لا يعتمد عليه،وإن قبله بعض الأكابر توقما!

هذا والحال أن المحدث النوري رحمة الله نفسه قد نقل عن(تاريخ الطبري)أنّ ركب الأسارى لم يمكث في دمشق أكثر من عشرة أيّام(2) ،لذا فإن احتمال بقائهم شهراً لا أصل له،ولم يعثر على مثل هذا القول في كتاب معتبر،وإن ما توهمه بعض أصحاب الكتب الضعيفة من أنهم مكثوا ستة أشهر أو سنة كاملة ما هو إلا من نسج خيالهم مما

ص: 55


1- قال الطبري فی(تاريخه 4: 303):...ثمّ أمر بالنسوة أنّ ينزلن في دار على حدة،معهن ما يصلحهن،وأخوه معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها، قال:فخرجن حتى دخلن دار یزید،فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين،فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً،وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين إليه
2- أنظر التعليقة الرقم2من باب(تعليقات وإضافات)من هذا الكتاب

لا أساس ولا سند معتبر له.

10-قل عن هارون العبّاسيّ وأبي حنيفة(1) أنها كانا يريان هلال ذي الحجة في الكوفة أو بغداد،ثم يسيران لأداء مناسك الحج إلى مكة المعظمة،وكانا يدركان أيام الحج وأعمالها(2) .

ومن المعلوم أن هارون كان يسير بالجمال التي كان يكتريها من صفوان الجمّال(3) ،

ص: 56


1- أبو حنيفة هذا هو سعيد بن بنان سابق الحاج،لا النعمان بن ثابت أحد أئمة المذاهب الأربعة.قال المجلسي رحمة الله:أبو حنيفة اسمه سعيد بن بیان،و(سابق) صححه في(الإيضاح)وغيره بالباء المودة،وفي أكثر النسخ بالياء من السوق، وعلى التقديرين إنها لقب بذلك لأنه كان يتأخر عن الحاج ثم يعجل ببقية الحاج من الكوفة ويوصلهم إلى عرفة في تسعة أيام أو في أربعة عشر يوماً،وورد لذلك ذمه في الأخبار،لكن وثقه النجاشي(مرآة العقول9:145،بحار الأنوار73: 45)
2- روى الكشي رحمة الله قائلا:حدثني محمد بن الحسن البراني وعثمان بن حامد، قالا:حدثنا محمد بن يزداد،عن محمد بن الحسين،عن المزخرف،عن عبد الله بن عثمان قال:كر عند أبي عبد الله (علیه السلام)أبو حنيفة السابق وأنه يسير في أربع عشرة، فقال:لا صلاة له(إختيار معرفة الرجال2: 602/ح576).وروى الصدوق قائلا:روي أيوب بن أعين قال:سمع الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله(علیه السلام):إنّ أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة.فقال:(ما لهذا صلاة،ما لهذا صلاة،(من لا يحضره الفقيه2: 292/ح2493)
3- أنظر:إختيار معرفة الرجال2: 760-في صفوان بن مهران الجبال/ح828-عنه:بحار الأنوار72: 378-باب الركون إلى الظالمين وحبهم وطاعتهم/ح34،وسائل الشيعة16: 259-الباب37ح21508،معجم رجال الحدیث10: 132/الرقم5931

وأنّها كانت سريعةً في سَيرها بما يكفي لوصولها إلى مكّة خلال تلك الفترة الوجيزة!

11-روى الشيخ المفيد رحمة الله مسنداً عن خيران الأسباطي قال:قدمت على أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام) المدينة،فقال لي:«ما خبر الواثق عندك؟»، قلت:جعل فداك،خلفته في عافية،أنا من أقرب الناس عهدا به،عهدي به منذ عشرة أيام.قال:فقال لي:«إنّ أهل المدينة يقولون:إنّه قد مات»،فقلت:أنّا أقرب الناس عهدا به.قال:فقال لي:إنّ الناس يقولون:إنه مات»،فلما قال لي:إنّ الناس يقولون،علمت أنه يعني نفسه!ثم قال لي:«ما فعلجعفر؟»،قلت:تركته أسوأ الناس حالا في السجن.قال:قال لي:«أما إنه صاحب الأمراء،ثم قال:«ما فعل ابن الزيات؟»،قلت:الناس معه والأمر أمره.فقال:«أما إنه شؤم عليه».قال:ثمّ إنه سكت،وقال لي:«لابد أن تجري مقادير الله وأحكامه،یا خیران مات الواثق،وقد قعد جعفر المتوكل،وقد تل اب الزيات»،قلت:متي جعلت فداك؟!قال:«بعد خروجك بستة أيام»(1) .

يستفاد من هذه القضية والتي ژويت في غير(الإرشاد)أيضا من الكتب المعتبرة والمصادر المّهمة(2) -أنهم كانوا يطوون تلك المسافة الطويلة والتي تقرب من ثلاثمئة وثمانين فرسخا بين العراق والمدينة خلال عشرة أيام فقط،وأن هذا الفعل كان أمرا

ص: 57


1- الإرشاد2: 301-باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام) وأخباره وبراهينه وبيناته
2- أنظر:الكافي1: 498-باب مولد أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام)/ح1،روضة الواعظين: 244-مجلش في ذكر إمامة أبي الحسن علي بن محمد و مناقبه(علیه السلام)،الهداية الكبرى:314-الباب الثاني عشر

معروفاً في ذلك الوقت،كما قال خيران حينها سأله الإمام الهادي (علیه السلام) عن الواثق: خلفه في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به،عهدي به منذ عشرة أيام. هذا والحال أن خیران يكون قد خرج للسفر بعد لقائه بالواثق بيوم على الأقل، كما أنه يكون قد التقى بالإمام (علیه السلام)بعد وصوله من السفر بيوم أو أقل للتهيؤ للتشرف بالحضور عند الإمام (علیه السلام).

12-نقل الشيخ الفقيه قطب الدين الراونديّ عن يحیی بن هرثمة قال:دعاني المتوكّل فقال:اختر ثلاثمئة رجل ممن تريد، واخرجوا إلى الكوفة فخلفوا أثقالكم فيها،واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة،فأحضروا علي بن محمد بن الرضا[(علیهم السلام) ]إلى عندي مكرمة معظ مبج.قال:ففعلت،وخرجنا،وكان في أصحابي قائد من الشُّراة(1) ،وكان لي كاتب يتشیع،وأنا على مذهب الحشَوية(2) ،وكان ذلك الشاري ناظر ذلك الكاتب،وكنت أستريح إلى مناظرتها لقطع الطريق،فلا صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب:أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من[خ ل:في]الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبر؟فانظر إلى هذه البرية،أين من

ص: 58


1- قال الطُّريحي:الشراة:جمع شار،كقضاة جمع قاضي،وهم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام،وإنما لزمهم هذا اللقب لأنهم زعموا أنهم شروا دنیاهم بالآخرة،أي:باعوا،أو شروا أنفسهم بالجنة؛لأنهم فارقوا أئمة الجور(مجمع البحرین:شرا)
2- الحشوية:هم القائلون أن علياً (علیه السلام)وطلحة والزبير لم يكونوا مصيين فيحربهم،وأن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم،وأنهم يتولونهم جميعا ويتبرؤون من حربهم،ويردون أمرهم إلى الله عزّوجلّ(أنظر:فِرَق الشيعة:14)

يموت فيها حتّى يملأها الله قبور کا تزعمون؟!قال:فقلت للكاتب:أهذا من قولكم؟قال:نعم.قلت:صدق،أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبور؟!وتضاحكنا ساعةً[خ:من كلام الشيعيّ]إذ انخذل الكاتب في أيدينا.قال: ويسرنا حتى دخلنا المدينة،فقصد باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (علیهم السلام) فدخلت إليه،فقرأ كتاب المتوكل،فقال:«انزلوا،وليس من جهتي خلاف».قال:فلا صرتُ إليه من الغد،وكنّا في تموز أشد ما يكون من الحر،فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين(1) له ولغلمانه،ثمّ قال للخياط:«اجمع عليها جماعةً من الخيّاطين،واعمد على الفراغ منها يومك هذا،وبکَّر بها إلي في هذا الوقت». ثم نظر إلي وقال:

يا يحيى،اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم،واعمل على الرحيل غدة في هذا الوقت.قال:فخرج من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين،وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز،وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام،فيما يصنع بهذه الثياب؟!ثم قلت في نفسي:هذا رجل لم يسافر،وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب،وأتعجب منالرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا؟فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت،فإذا الثياب قد أحضرت،فقال لغلمانه: «ادخلوا وځذوا لنا معكم لبابيد(2) وبرانس(3) »ثم قال:«ارحل يا يحيی».فقلت في نفسي:وهذا أعجب من الأول،أيخاف

ص: 59


1- ضرب من الثياب
2- اللبادة-وزان تفاحة-:ما يلبس للمطر،واللبد-بالتحريك:الصوف(مجمع البحرين:لبد)
3- البس:كل ثوب رأسه منه ملتزق به،دراعة كان أو ممطرة أو جبة(العين:برنس)

أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس؟!فخرج وأنا أستصغر فهمه،فيرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت،وأرعدت وأبرقت،حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردة مثل الصخور،وقد شد على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس، وقال الغلمانه:«ادفعوا إلى يجي لبادة وإلى الكاتب برنس».وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا،وزالت ورجع الحر كما كان،فقال لي: «يا يحيى»أنزل[خ ل:مُر]أنت من بقي من أصحابك ليدفن[خ ل:فادفن]من[قد]مات من أصحابك»،[ثم قال:]«فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا!».قال[يحيي]:فرميتُ بنفسي عن دابتي وعدوث إليه،فقبل ركابه ورجله، وقلت:أنا أشهد أن لا إله إلا الله،وأنّ محمدا عبده ورسوله،وأنّكم خلفاء الله في أرضه،وقد كنت كافرة،وإنني الآن قد أسلم على يديك یا مولاي.قال يحيى: وتشيعت،ولزمت خدمته [خ ل:حديثه]إلى أن مضى(1) .

فيعلم من هذه القضية التاريخية مما سبق من كلام يحيى إذ قال:(إنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيّام)،أنّ المسافة من المدينة المنّورة إلى سامراء كانت تِطوى في مدة عشرة أيام بشكل طبيعي.

وكذا نقل عنه هذا الخبر الإربلي(2) .

13-قال اليعقوبي:أراد أبو بكر أن يغزو الروم،فشاور جماعةً من أصحاب

ص: 60


1- الخرائج والجرائح1: 393-الباب11/ح2
2- کشف الغمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام)3: 183

رسول الله،فقدّموا وأخّروا...ودعا يزيد بن أبي سفيان وأبا عُبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص،فعقد لهم،وقال:إذا اجتمعتم فأمير الناس أبو عبيدة.وقدمت عليه العشائر من اليمن،فأنفذهم جيشا بعد جيش،فلا قدمت الجيوش الشام كتب إليه أبو عبيدة يعلمه إقبال ملك الروم في خلق عظيم، فجعل يسرح إليه الجيش بعد الجيش،والأول فالأول ممن يقدم عليه من قبائل العرب،ثمّ تتابعت عليه كتب أبي عبيدة بكل أخبار جمع الروم،فوجه أبو بكر عمرو بن العاص في جيش من قريش وغيرهم،ثمّ كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يسير إلى الشام ويخلف المثنى بن حارثة بالعراق،فنفذ خالد في أهل القوة ممن كان معه،وخلف المثنى ابن حارثة الشيباني في بقية الجيش بالعراق، وسار خالد نحو الشام...فقيل:إن خالدة سار في البرية والمفازة ثمانية أيام حتى وافاهم، فافتتحوا بصری و فحل وأجنادین من فلسطين،وكانت بينهم وبين الروم وقعات بأجنادين صعبة،في كل ذلك يهزم الله الروم فتكون العاقبة للمسلمين(1) .

وقد يتصور أن خالد كان يسير بأقصى سرعته جادا في المسير،وإلا لما كان يصل بتلك المدة القصيرة!لكنه تصوير في غير محله؛فإن القرائن والوقائع والحوادث التي ضبطها لنا التأريخ يتحصل منها أن طي تلك المسافة خلال عشرة أيام أو ثمانية كما فعل خالد مسرعة أمرا عاديا في ذلك الزمان.

ثمّ إن خالد بن الوليد لما كان مُسرعاً أمكنه الوصول في خلال ثمانية أيّام،فإنّ

ص: 61


1- تاريخ اليعقوبيّ2: 132

الإسراع نفسه كان دافعاً لدى الجلاوزة المأمورين بإيصال ركب السبايا إلى الشام،فقد كانوا يخشون ثورة الناس عليهم،ولم يكن لابن زیاد أن يحبسهم طويلا في الكوفة،لأنه كان قد حبس رؤساء قبائل العرب وشيوخهم في سجونه المخيفة،وكان بقاء أساری أهل البيت (علیهم السلام) يهدده بالخطر،ولذا عجل في تسريحهم إلى الشام،وأوصلهم إليها في الأول من صفر.أما من اتبع تلك الشبهات وأراد أن يتخذ منها دليلا وإن كان واهية،فقد قال:

نعم،ربما كان يسير عرب عقيل في زمان السيد الأمين العاملي وعرب صليب والقوافل في القرون الماضية تلك المسافة في ثمانية أيام،لكنهم كانوا يقطعونها كبرید،وقد كانت لهم اللياقة البدنية لمثل ذلك،كما أن مراكبهم كانت من الإبل السريعة والحيل الخاصة ومقصوصات التب-بناء على قول صاحب(صبح الأعشی)(1)،وهي مجَّهزة لمثل هذه

ص: 62


1- قال القلقشندي: معرفة معنى لفظ البريد لغة واصطلاحا: أما معناه لغة، فالمراد منه مسافة معلومة مقدّرة باثني عشر ميلا، واحتجّ له الجوهريّ بقول مزرّد «1» يمدح عرابة الأوسيّ: فدتك عراب اليوم أمّي وخالتي وناقتي النّاجي إليك بريدها! يريد سيرها في البريد. وقد قدّره الفقهاء وعلماء المسالك والممالك بأنه أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف ذراع بالهاشميّ.... قال الجوهري: ويقال أيضا على البريد: المرتب، يقال: حمل فلا على البريد. قال: ويطلق أيضا على الرسول برید. ثم اختلف فيه، فقيل: إنه عربي، وعلى هذا ذهب الخليل إلى أنه مشت من برد الحديد إذا أرسلت ما يخرج منه، وقيل: من أبردته إذا أرسلته، وقيل: من برد إذا ثبت، لأنه يأتي بها تستقر عليه الأخبار، يقال: اليوم يوم بارد سمومه، أي: ثابت وذهب آخرون إلى أنه فارسي معرب. قال أبو السعادات ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر: وأصله بالفارسية: بریده دم، ومعناه: مقصوص التب، وذلك أن ملوك الفرس كانت من عادتهم أنهم إذا أقاموا بغلا في البريد قضوا ذنبه، ليكون ذلك علامة لكونه من بغال البريد (صبح الأعشى في صناعة الإنشا 411:14). وقال ابن الأثير: كلمة فارسية، يراد بها في الأصل البغل، وأصلها: بریده دم، أي: محذوف الذنب، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، فأعربت وقفت، ثم شقي الرسول الذي يركبه بريدة (النهاية في غريب الحديث والأثر115:1). أقول: ومدعی ابن الأثير هذا لا يعلم صحته، وفي مقام التعارض يقدم قول الخليل رحمة الله الذي هو أعرف بأصل الكلمة ومناشئ اللغة!

المهامّ، لكنّ حال قافلة أهل البيت (علیهم السلام) يختلف عن مثل هذه القوافل قليلة الحجم والأفراد!

1-إنّ ركب الأسارى كان يتشكل من بضع بناتٌ ضعيفات البُنية منهارات القوى، ومِن الإمام السجّاد (علیه السلام) الّذي كان يشكو العلّة والمرض،وهذا لا يتلاءم مع سرعة المشي.

2-ومن جهة أخرى فإن المراكب والمواشي التي كانوا يستقلّونها ما

ص: 63

كانت من الخيل والإبل السريعة،فإنّ أمثال تلك المراكب کانت نادرّة في

كلّ عصر،ولم يكن ليهيؤوها ويعدوها للجيوش الكبيرة،وكانت بحاجة لرجال متمرسين على ركوبها،وبحسب ما جاء في(كامل البهائي)فإنّ الأرجاس حملوا أهل البيت والإمام السجاد على رواحل منهم،لأن القوم انتهبوا ثقلهم فلم يتركوا عندهم شيئاً(1) .وفي معرض الردّ على المتمسّك بهذه الشبهات یُقال:يعلم من جميع أدلتكم في دعم هذه الشبهات أنكم لا تملكون سوى الاستبعادات،وإنّ مجرد الاستبعاد لا يكون برهاناً بوجه!

إن جلاوزة الدولة الأموية سعوا جاهدين-بعد فاجعة كربلاء وخوفا من ثورة الناس-أن يسرعوا بإيصال أسارى العترة النبوية إلى الشام،فحملوا النساء الثكالى على نفس تلك الرواحل،ولذا هلكت من هلكت منهن وأسقطت بعضهن حملها في ذلك الطريق(2)،إذ لم يطقن وعورة ذلك الطريق وشدته وسرعة المسير،لكنّ ظلم

ص: 64


1- أنظر:كامل البهائي2: 359-الفصل5. وانظر التعليقة الرقم3من باب(تعليقات وإضافات)من هذا الكتاب
2- قال الحموي في (معجم البلدان 2: 186): جوشن: جبل في غربي حلب، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر، وهو معدنه، ويقال: إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضی الله عنه ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك، فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزة وماء، فشتموها ومنعوه، فدعت عليهم، فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف ب: مشهد التقط، ويسمى: مشهد الدكة، والسقط يسمى: محسن بن الحسين (رضی الله عنه). وقال الشيخ عباس القمي رحمة الله في (منتهی الآمال 1: 588): تشرف بزيارة ذلك المشهد، وهو بالقرب من حلب، ويدعونه هناك ب: الشيخ محسن، وله عمارة رفيعة ومشهد قد شيد على صخور كبيرة، لكنه فعلا عدا عليه الخراب بسبب الحروب التي وقعت هناك. وقال صاحب نسمة السحر نقلا عن ابن طي قوله في تاريخ حلب: إن سيف الدولة قام ببناء مشهد خارج مدينة حلب؛ لأنه شهد ذات ليلة نورة ينبعث من ذلك المكان، فلا أصبح ركب إلى هناك، وأمر بحفر الموقع، فوجد صخرة كتب عليها: هذا محسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فأمر بجمع العلويين والسادة فسألهم، فقال بعضهم: لا أخذوا أهل البيت أسرى أيام یزید بن معاوية، عبروا بهم من حلب، وحدث أن إحدى زوجات الحسين (علیه السلام) أسقطت جنينها هناك. فأمر سيف الدولة ببناء المشهد.

بني أميّة وتعدّيهم كان أشدّ وأفظع،وإنّ استبعادات أمثالكم هي ما تُنتج أمثال هذه الشبهات الواهية.

ثمّ بناءّ على ما جاء في(کامل البهائيّ)من أنّ الأرجاس حملوا أهل البيت والإمام السجّاد (علیهم السلام) على رواحل منهم،فلا شكّ أنّ تلك الرواحل كانت من جياد الخيل والجِمال السريعة،لا كما تصوره المشکَّك،وليته تصورّها أنها كانت كسائر ثِقلهم..

فقد روى ابن طاووس:قيل لمحمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال:قد أسِر ابئك بثغر الري.فقال:عند الله أحتسبه ونفسي،ما كنت أحبّ أن يؤسَر وأنا أبقى بعده.فسمع الحسين(علیه السلام) قوله،فقال:«رحمك الله،أنت في حِلَّ من بيعتي،فاعمل في فكاك ابنك»،فقال:أكلَتني السباعُ حي إن فارقتُك.قال:«فأعطِ ابنك هذه الأثواب والبرود

ص: 65

يستعين بها في فداء أخيه»،فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار. (1)

إنّ سيّد الشهداء (علیه السلام) كان عالماً با سيؤول إليه سفره،وكان عالماً بما سيجري على حرمه وعياله،لذا فقد جهز لهم من المراكب والرواحل ما تليق بشأنهم وتتناسب ورحلتهم الشاقة،وإن الوهم الحاصل من أتهم ما دام قد ذهبوا إلى الشام برواحلهم فلازمه التأخر في الوصول هو توهم فاسد.إن المتوهم في إثبات معاه تمسك برواية السيد ابن طاووس رحمة الله،إذ يقول:

لقد رأيت في كتاب(المصابیح)بإسناده إلى جعفر بن محمد عليه السلام قال : قال لي أبي محمد بن علي : سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له ، فقال : حملني على بعير يطلع بغير وطاء ، ورأس الحسين عليه السلام على علم ، ونسوتنا خلفي على بغال فأكف (2)، والفارطة (3)خلفنا وحولنا بالرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح...»(4)

ص: 66


1- اللهوف في قتلي الطفوف: 57 - عنه: بحار الأنوار 394:44
2- الوکف: العيب (لسان العرب، تاج العروس: وکف)، وفي هامش الإقبال: الذي زاغ له عظم عن مركزه ومعضله. وفي بحار الأنوار: «فاكف». قال المجلسي رحمة الله: قوله: «فاكف»، أي: أميل وأشرف على السقوط، والأظهر: «واكفة»، أي: كانت البغال بإكاف، أي: برذعة من غير سرج.
3- فرط الرجل يفرط فروطا: سبق وتقدم، فهو فارط (تاج العروس: فط)، والفارط: الذي يسبق القوم إلى الماء (العين: فط). قال المجلسي رحمة الله: فرط: سبق، وفي الأمر قضر به وضيعه، وعليه في القول أسرف، وفرط القوم تقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض، والنمط - بضمتين -: الظلم والاعتداء والأمر المجاوز فيه الحد، ولعل فيه أيضا تصحيفا.
4- إقبال الأعمال 3: 89 - الفصل 17 - عنه: بحار الأنوار 154:45 / ح 2.

ثم قال بعد نقله الرواية:

يعلم من هذه الرواية أن رواحل أهل البيت (علیهم السلام) ما كانت من جیادها،بل كانت من الجمال الضلعاء والبغال الهزيلة،ولا يمكن حينها ير تلك المسافات البعيدة بتلك المدة القصيرة.

ويقال في الرد:تسهل الرواية،وتصعب الدراية!

فإنه من الرواية نفسها يفهم أن مجريات الواقعة حصلت حين دخول الأسارى إلى الشام وإحضارهم عند يزيد في مدينة دمشق،حينما وقف الناس يتفرجون على الركب الأسير وهو يطاف به في أزقة المدينة.

إن عبارة الرواية:«سألك...عن حمل یزید له»،لا يعني حال السفر من الكوفة إلى الشام کا ترجمها المتمسك بالشبهات،بل المراد هو الحمل حين دخول الشام وإحضارهم إلى يزيد،إذ قال(علیه السلام):«ورا الحسين (علیه السلام) على علم،ونسوتنا خلفي»،فإن الرأس ما كان يرفع على السنان ويشهر إلا في بعض المواطن، کالكوفة ودمشق وبعض المنازل،أما في الطرق والصحارى فقد كانت الرؤوس الطاهرة توضع في صناديق،وكان جمع من الجلاوزة يحرسونها،وقد صرح بهذا جمع كثير من المؤرخين وأرباب المقاتل،لو أردنا سرد عباراتهم لطال بنا المقام، لكن صاحب الشبهة لم يطلع عليها.

كما أن المشكك افترض وجود طرق ثلاثة بين الشام والعراق لا رابع لها،وكون في ذهنه خرائط من تلقاء نفسه،ثم ألقى شبهاته من دون أن يكون أي منها دليلا،فإنه كانت للكثير من المدن طرق متعارفة تؤدي إليها في السابق،لكنها ترکَت ونسيت فيها

ص: 67

بعد بشكل كامل،فإن قيل اليوم لأحد أن طريقاً سهلا وقريبا كان يربط بين بغداد وتبريز في القرنين الثامن والتاسع الهجريين،لاستبعد ذلك،والحال أن السفر في تلك الأزمنة كان أيسر وأسرع بين تلك المدينتين،ولو أردنا شرح ذلك لطال بنا المقام.

14-إن النسابة الجليل يحیی بن الحسن بن جعفر الحجة ابن الأمير عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الإمام علي بن الحسين زين العابدین سلامالله عليها،وهو من العلماء الأقدمين ومن أولاد الأئمة الطاهرين(علیهم السلام)،الأعرف بتواريخ العترة النبوية وبيت الإمامة من غيره من الكتاب والمؤرخين،المشهور بالعبيدلي النسابة،صرح في كتابه(أخبار الزينبات)أن السيدة زينب الكبری سلام الله عليها توفيت في مصر سنة 62 للهجرة(1) .

ص: 68


1- قال في(السيدة زينب وأخبار الزينبات:58) ثم إن والي المدينة من قبل یزید - وهو عمرو بن سعيد الأشدق - اشتکی من إقامة السيدة زينب بالمدينة، فكتب بذلك إلى يزيد وأعلمه بأن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وأتها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين. فلما وصل الكتاب إلى يزيد وعلم بذلك، أمر بتفريقهم في الأقطار والأمصار، فاختارت السيدة زینب الإقامة بمصر طلبا لراحتها، واختار بعض أهل البيت بلاد الشام، فعند ذلك جهزهم ابن الأشدق، فخرجت السيدة هي ومن معها من أهل البيت، وفيهم سكينة بنت الحسين وأختها فاطمة. فلا اتصل خبر ذلك إلى والي مصر إذ ذاك، وهو مسلمة بن مخلد الأنصاري، توجه هو وجماعة من أصحابه وفي صحبتهم جملة من أعيان مصر ووجهائها إلى لقائها، فنقلوها من قرية بين طريق مصر والشام شرقي بلبيس (غرفت أخيرة بقرية العباسة؛ نسبة للعباسة بنت أحمد بن طولون)، ولم يبق بالمدينة من جماعتهم إلا زين العابدين، وأقام الحسن المثنى بخارجها. ووافق دخول السيدة إلى مصر أول شعبان سنة 61 من الهجرة / 181 م، وكان قد مضى على الموقعة نحو ستة أشهر وأيام بما يسع مدة أسفارها، فأنزلها مسلمة بن مخلد هي ومن معها في داره بالحمراء القصوى، ترويحة لنفسها، إذ كانت تشتكي انحرافا [أي: علة ، فأقامت بها 11 شهرة ونحو 15 يوما، من شعبان سنة 61 إلى رجب سنة 92، وتوفيت رضي الله عنها مساء يوم السبت ليلة الأحد لأربعة عشر يوما مضت من شهر رجب من السنة المذكورة، وبعد تجهيزها وشهود جنازتها دفنت بمحل سكناها على العادة في ذلك. ثم بعد وفاتها رجع من كان معها من أقاربها إلى المدينة ...

إن تصريح العبيدلي ينفي ويبطل جميعالاحتمالات والظنون التي صاغتها بعض الأقلام وتوهمتها من أن أسارى أهل البيت (علیهم السلام) بقوا في الشام سنة كاملة أو ستة أشهر،وأنهم مكثوا في الكوفة عدة أشهر،وغيرها من الاحتمالات والأوهام التي ما طرأت إلا بعد القرن السادس،خاصة في بعض الكتب التي قاربت عصرنا،فمن خلال تصريح العبيدلي يعلم أن السيدة زينب الكبرى (علیها السلام) قد عادت من الشام في نفس عام61للهجرة،وأنها كانت في رجب من تلك السنة في المدينة المنورة،ثم خرجت إلى مصر.

كما أن ما ذكره العبيدلي يأتي موافقا لقول المشهور من الإمامية من مجيء الركب الحسيني في الأربعين الأولى سنة61للهجرة إلى كربلاء،وهذه هي المرة الوحيدة التي قصدوا بها قبر أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) لزيارته،ولم يذكر أحد من المؤرخين أنهم قصدوا كربلاء في وقت آخر؟

ص: 69

ولا نترك الإشارة إلى أن الغاية من نقل قول النابة العبيدلي في تأريخ وفاة السيدة زينب الكبرى (علیها السلام) وتأييد قوله هو الإشارة إلى عدم مكوث أهل البيت(علیهم السلام) في الشام طويلا،لا أننا نريد تعيين يوم الأربعين بحسب قوله،كما أن ما ذكروه من احتمالات ضعيفة من أن أهل البيت بقوا في الكوفة عدة أشهر،لا يتوافق مع ما ذكره العبيدلي.

وهنا يجب أولا الإشارة إلى ترجمة العبيدلي ولو إجمالا،ثم نستطرق عباراته وما جاء فيها من نکات مهمة.

هو يحیی بن الحسن العبيدلي النشابة،كان سيدة جليل القدر عظیم الشأن، قيل: ولد في محرم سنة214(1) ،وتوفي في مكة سنة277للهجرة عن عمر بلغ ثلاثة وستين عاما،وهو أول من جمع الأنساب وضبط أنساب آل أبي طالب إلى ما يقرب من عصره.

من مصنفاته:(أخبار المدينة)،و(أخبار الزينبات)،وهذا الثاني قدم له حسن محمد قاسم،وطبع في مصر سنة1353للهجرة،وتوجد في مكتبتي نسخة خطية من الكتاب بخطي،استنسخته سنة1360للهجرة عن نسخة للعلامة الأستاذ السيد شهاب الدين المرعشي النجفي.ذكره النجاشي في كتابه،وعبر عنه بالعالم الفاضل الصدوق،وأنه روى عن

ص: 70


1- سيأتي بعد قليل قول النجاشي بأنه روي عن الإمام الرضا،وهذا يتنافى مع تاريخ مولده المذكور هذا

الرضا(علیه السلام)(1) .

لكن أمر روايته عن الإمام الرضا (علیه السلام) يتنافى مع تاريخ مولده؛لأنه ولد سنة214 کیا مر،والإمام الرضا (علیه السلام) استشهد عام203للهجرة(2) ،ولاعتمادنا على كلام النجاشي وتقديم قوله على قول غيره،يتضح أن العبيدلي قد ولد قبل ذلك بمدة يصح معها أن يروي عن الإمام الرضا(علیه السلام)،كما يحتمل قويا أن العبيدلي عمر تسعين سنة تقريبا،فلا يصح أنه توفي عن ثلاين وستين.

ومما مر يعلم أيضا السبب الذي جعل أستاذنا الباحث الطهراني رحمة الله في(الذريعة إلى تصانيف الشيعة)لم يشر إلى تاريخ مولد العبيدلي النسابة ولم يعتمد عليه،واكتفى بذكر تاریخ وفاته فقط،فقال:أخبار الزينبات،لشيخ الشرف يحيى العبيدلي النسابة،المتوفى سنة277،ذكر فيه الزينبات من ولد أبي طالب،ثم ولد ولده،طبع سنة1332بمصر(3) .

إذن،صار بينا أن العبيدلي من السادة الحسينيين الأجلاء،ويتصل نسبه الشريف بالإمام السجّاد سلام الله عليه بأربع وسائط،وأنه كان رجلا عالم فاضلاً صدوقاً، ومن

ص: 71


1- قال في(فهرست اساء مصتفي الشيعة:441/الرقم1189):يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(علیهم السلام)،أبو الحسين،العالم الفاضل الصدوق،روى عن الرضا(علیه السلام)
2- أنظر:إعلام الوری باعلام الهدی2: 41،وغيره من المصادر
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 323:1/الرقم1733

أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ورواة حديثه،ويكفي في جلالة قدره وعظم شأنه ما قاله فيه النجاشي،فتعتمد مروياتهويطمئن لها.قال هذا السيد الجليل والعالم العظيم في كتابه(أخبار الزينبات):

حدثني إبراهيم بن محمد الحريري،قال:حدثني عبد الصمد بن حسان السعدي، عن سفيان الثوري،عن جعفر بن محمير الصادق،عن أبيه،عن الحسن بن الحسن (1)قال:لما ملنا إلى يزيد،وكنا بضعة عشر نفساً،

ص: 72


1- هو الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى ، حضر الطف وقاتل ولم يقتل. قال الشيخ المفيد: كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين (علیه السلام) في وقته ... و کان الحسن بن الحسن حضر مع عمّه الحسین بن علی علیهما السّلام الطفّ،فلمّا قتل الحسین و اسر الباقون من أهله،جاءه أسماء بن خارجه فانتزعه من بین الأسری و قال: و اللّه لا یوصل إلی ابن خوله أبدا،فقال عمر بن سعد:دعوا لأبی حسّان ابن اخته،و یقال: إنّه اسر و کان به جراح قد أشفی منها. (الإرشاد 2: 23 - 20). وقال ابن نها: ... و اجتمع النّاس للنّظر إلى سبي آل الرّسول و قرّة عين البتول فأشرفت امرأة من الكوفة. و قالت: من أيّ الأسارى أنتنّ؟ فقلن: نحن أسارى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فنزلت و جمعت ملاءا و إزارا و مقانع و أعطتهنّ فتغطّين، و عليّ بن الحسين صلّى اللّه عليه و آله معهنّ، و الحسن بن الحسن المثنّى و كان قد نقل من المعركة و به رمق. (مثير الأحزان: 66 - المقصد الثالث). قال الراوي و كان مع النساء علي بن الحسين (علیه السلام) قدنهكته العلة و الحسن بن الحسن المثني و كان قدواسي عمه وإمامه في الصبر علي ضرب السيوف وطعن الرماح وإنما ارتث و قدأثخن بالجراح . وروي مصنف كتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثني قتل بين يدي عمه الحسين (علیه السلام) في ذلك اليوم سبعة عشر نفسا وأصابه ثماني عشرة جراحة فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلي الكوفة وداواه حتي برء وحمله إلي المدينة(اللهوف في قتلى الطفوف: 86 - المسلك الثالث - عنه: بحار الأنوار 108 : 45).

أمر أن نسير إلى المدينة،فوصلناها في مستهل...(1) .

ويا للأسف،فإن كلمة أو كلما سقطت بعد كلمة(مستهل)في النسخة الخطية والنسخة المطبوعة،وفي كليهما بياض،فلا يعلم أن تاريخ دخول أهل البيت (علیهم السلام) إلى المدينة كان في أول أي شهر،ولو ظفرنا على نسخة كاملة لاتضح هذا الموضوع الغامض،وإن كان يظهر من بعض التواريخ أن دخولهم كان في أول ربيع الأول سنة61للهجرة،بمعنى أنهم ساروا عشرة أيام للوصول من كربلاء إلى المدينة،مثلما أن الحجاج في ذلك الوقت سار تلك المسافة في ثمانية أيام أو عشرة.

ثم نقل العبيدلي بعدها خبرة قائلا:

وعلى المدينة عمر بن سعيد الأشدق...فجاء عبد الملك بن الحارث السهمي فأخبره بقدومنا،فأمر أن ينادي في أسواق المدينة:ألا إن زين العابدين وبني عمومته وعاته قد قدموا إليكم!فبرزت الرجال والنساء والصبيان صارخات باکیات، وخرجت نساء بني هاشم حاسرات، (2)

ص: 73


1- السيدة زينب واخبار الزينبات:16
2- ورد هذا اللفظ في بعض الأخبار، منها أيضا ما رواه ابن نها: ... وَ لَمَّا رَأَتِ اِمْرَأَهٌ مِنْ بَنِی بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ وَ قَدْ تَوَزَّعُوا سَلَبَ اَلنِّسَاءِ قَالَتْ یَا آلَ بَکْرٍ أَ تُسْلَبُ بَنَاتُ رَسُولِ اَللَّهِ لَأَحْکُمُ إِلَی اَللَّهِ یَا لَثَارَاتِ اَلْمُصْطَفَی فَرَدَّهَا زَوْجُهَا. وَ خَرَجَ بَنَاتُ سَیِّدِ اَلْأَنْبِیَاءِ وَ قُرَّهُ عَیْنِ اَلزَّهْرَاءِ حَاسِرَاتٌ مُبْدِیَاتٌ لِلنِّیَاحَهِ وَ اَلْعَوِیلِ یَنْدُبْنَ عَلَی اَلشَّبَابِ وَ اَلْکُهُولِ...(مثیرالا حزان:58- المقصدالثانی) کما جری استخدام اللفظ في بعض أبيات شعر الرثاء. والحسر لیس کشف الشعر، بل هو كشف عن ضرب من ضروب الثياب التي تلبس! قال الفراهيدي: الحسر: گشطك الشيء عن الشيء ... وامرأة حاسر: حسرت عنها وزعها العين: حسر). ونحوه قال ابن منظور في لسان العرب وغيره. أما و دِرْعُ المرأَةِ: قمیصُها،و هو أَیضاً الثوب الصغیر تلبسه الجاریة الصغیرة فی بیتها،و کلاهما مذکر،و قد یؤنثان. و قال اللحیانی: دِرْعُ المرأَة مذکر لا غیر،و الجمع أَدْراع . و فی التهذیب: الدِّرْع ثوب تَجُوب المرأَةُ وسطَه و تجعل له یدین و تَخِیط فرجَیْه. و دُرِّعت الصبیةُ إِذا أُلبِست الدِّرْع ،و ادَّرَعَتْه لبِسَتْه. و دَرَّعَ المرأَةَ بالدِّرْع : أَلبسها إِیاه. و الدُّرّاعةُ و المِدْرعُ : ضرب من الثیاب التی تُلْبَس،و قیل: جُبَّة مشقوقة المُقَدَّم. و المِدْرعةُ : ضرب آخر و لا تکون إِلاَّ من الصوف خاصة (لسان العرب: درع).

تنادي:وا حسيناه،وا حسيناه!فأقمنا ثلاثة أيام بلياليها ونساء بني

هاشم وأهل المدينة يجتمعون حولنا.حدثنا زهران بن مالك،فقال:سمعت عبد الله بن عبد الرحمان العتبي يقول:حدثني موسى بن سلمة،عن الفضل بن سهل،عن علي بن موسى قال:أخبرني قاسم بن عبد الرزاق وعلي بن أحمد الباهلي،قالا:أخبرنا مصعب بن عبد الله،قال:كانت زینب بنت علي-وهي بالمدينة-تؤلب الناس على القيام بأخذ ثأر الحسين،فلما قام عبد الله بن الزبير بمكة وحمل الناس على الأخذ بثار الحسين وخلع یزید،بلغ ذلك أهل

ص: 74

المدينة،فخطبت فيهم زينب وصارت تؤلبهم على القيام للأخذ بالثار،فبلغ ذلك عمرو بن سعيد،فكتب إلى يزيد علمه بالخبر،فكتب إليه أن فرق بينها وبينهم، فأمر أن ينادي عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء،فقالت:«قد علم الله ما صار إلينا،قتل خيرنا،وانشقنا کہا ساق الأنعام،وحملنا على الأقتاب،والله لا خرجنا وإن أهريقت دماؤنا!».فقالت لها زينب بنت عقیل:یا ابنة عاه،قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء(1) ،فطيبي نفسة وقري عينا، وسيجزي الله الظالمين،أتريدين بعد هذا هوانا؟ارحلي إلى بلد آمن.ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطف معها في الكلام وواسينها.وبالإسناد المذكور مرفوعة إلى عبيد الله بن أبي رافع قال:سمعت محمد أبا القاسم ابن علي يقول:لما قدمت زینب بنت علي من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان،ثارت فتنه بينها وبين عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة من قبل يزيد، فكتب إلى يزيد يشير عليه بنقلها من المدينة،فكتب له بذلك،فجهزها هي ومن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر،فقمتها لأيام بقيت من رجب.حدثني أبي،عن أبيه،عن جدي،عن محمد بن عبد الله،عن جعفر بن

ص: 75


1- إشارة إلى قوله تعالى:«وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»(سورة الزمر:74)

محمد الصادق،عن أبيه،عن الحسن بن الحسن قال:لما خرجت عمتي زینب من المدينة،خرج معها من نساء بني هاشم:فاطمة ابنة عم الحسين،وأختها سكينة(1) .وما ذكره العبيدلي من أن زينب الكبرى علیها السلام قدمت مصر لأيام بقيت من رجب،فلا شك أنه من سنة إحدى وستين للهجرة،لأنه ذكر بعدها أنها توفيت في رجب من عام اثنين وستين،وأنها أقامت بمصر أحد عشر شهرة ونحو خمسة عشر يوما.

قال:وبالسند المرفوع إلى رقية بنت عقبة بن نافع الفهري قالت:كنت فيمن استقبل زینب بنت علي لما قدمت مصر بعد المصيبة،فتقدم إليها مسلمة ابن مخلد وعبد الله بن الحارث وأبو عميرة المزني،فعزاها مسلمة وبكى،فبكت وبکی الحاضرون،وقالت:«هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ»(2) .ثم احتملها إلى داره بالحمراء،فأقامت به أحد عشر شهرة وخمسة عشر يوما،وتوفيت،وشهدت جنازتها،وصلى عليها مسلمة بن مخلد في جمع بالجامع،ورجعوا بها فدفنوها بالحمراء بمخدعها من الدار بوصيتها(3) .

ص: 76


1- السيدة زينب وأخبار الزينبات:17
2- سورة يس:52
3- السيدة زينب وأخبار الزينبات:19

ثم روى العبيدلي بعدها أنها(علیها السلام) توفيت يوم الأحد لخمسة عشر يوما مضت من رجب سنة67من الهجرة،وعين مكان دفنها(1) .

ومما نقله نستنتج بوضوح أن السيدة زينب الكبری سلام الله عليها لم تمكث طويلا في الكوفة والشام کا توهمه بعض المتأخرين،وأن ذلك ما هو إلاتصور لا أساس له ولا شاهد عليه من التاريخ، وما يقوى في الذهن ويطمئن له هو ما اشتهر من أنهم لا رجعوا إلى كربلاء في الأربعين الأولى بعد مقتل سيد الشهداء،ثم ساروا إلى المدينة،وأن السيدة زينب علي مكثت في المدينة ما يقارب أربعة أشهر وبضعة أيام،ثم دخلت مصر في أواخر رجب عام61للهجرة، فأقامت فيها أحد عشر شهرة وخمسة عشر يوما،حتى لحقت بالخبير العليم في شهر رجب عام67للهجرة،وإن قلنا بغير ذلك فلا شاهد لنا أنهم طلع وفدوا إلى كربلاء في وقت آخر،ومن قال بذلك فهو لا يعدو الوهم،ورواية العبيدلي لا تتوافق إلا بها قررناه.

15-كان أبو حنيفة سعيد بن بیان سائق الحاج الهمداني رحم الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق،وقد عده النجاشي في(رجاله)والعلامة في(خلاصته)والشيخ عبد النبي الجزائري في(رجله)وسائر علماء رجال الإمامية من الرواة الثقات. (2)

ص: 77


1- أنظر:السيدة زينب وأخبار الزينبات:19
2- عده الشيخ في أصحاب الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(علیه السلام)، قائلا: سعيد بن بیان، أبو حنيفة، سائق الحاج (الأبواب: 214/ الرقم 2807). قال النجاشي: أبو حنيفة سابق الحاج الهمداني، ثقة، روى عن أبي عبد الله ، له کتاب پرویه عدة من أصحابنا فهرست اساء مصتفي الشيعة: 180 / الرقم 476). وقال العلامة: سعید بن بیان - بالباء المنقّطه تحتها نقطه، ثمّ الیاء المنقّطه تحتها، نقطتین، والنّون بعد الألف - أبو حنیفه، سابق الحجّاج(10) الهمدانیّ قال النّجاشیّ: إنّه ثقه، روی عن أبی عبداللّه علیه السلام.(خلاصة الأقوال: 108 / الباب 3). وقال عبد النبي الجزائري: سعيد بن بيان، أبو حنيفة، سابق الحاج الهمداني رحمة الله، ثقة، روى عن أبي عبد الله سعید بن بیان : أبو حنیفه ، سائق الحاجّ ، کوفیّ» . الطبقه : روی عن بعض أصحابنا(حاوي الأقوال في معرفة الرجال 1: 412/ الرقم 301).

وكان يسمى:سائق الحاج،أي:أمير الحاج،وضبط في بعض الموارد ب:سابق الحاج-بالموحدة-،أي:كان يسبقهم في الوصول إلى مكة،وهو تصحيف،والأول أصح(1) .

ويظهر من بعض كتب الرجال-کرجال الكشي وغيره-أن هذا الرجل كان يذهب من الكوفة إلى مكة في أقصر مدة ممكنة،وكان يأخذ معه الحاج ليوصلهم في فترة لا تتجاوز الثمانية أيام أو عشرة أو أربعة عشر(2) .

وقد روي أنه ذكر عند أبي عبد الله (علیه السلام)قال أبو حنيفة السابق وأنه يسير في أربع عشرة،ققال:«لا صلاة له»(3) .

ص: 78


1- قال المجلسي رحمة الله:أبو حنيفة اسمه سعيد بن بیان،و(سابق)صححه في الإيضاح وغيره بالباء الموحدة،وفي أكثر النسخ بالياء من السوق،وعلى التقديرين إنها لقب بذلك لأنه كان يتأخر عن الحاج ثم يعجل ببقية الحاج من الكوفة ويوصلهم إلى عرفة في تسعة أيام أو في أربعة عشر يوما، وورد لذلك ذمه في الأخبار،لكن وثقه النجاشي(مرآة العقول9: 145،بحار الأنوار 73 :45)
2- أنظر:من لا يحضره الفقيه2: 292/ح2493،إختيار معرفة الرجال 606:2/ح576
3- إختيار معرفة الرجال2: 602/ح576

أي:لا صلاة كاملة؛لأن ذلك يؤدي إلى استعجاله في الصلاة،فقد روي عنه(علیه السلام) أيضا أنه قال:«أتي قنبر أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال:هذا سابق الحاج،وقد أتى وهو في الرحبة. فقال:لا قرب الله دیاره،هذا خاسر الحاج،يتوب البهيمة وينقر الصلاة، اخرج إليه فاطرده»(1) .

ولعل سابق الحاج هذا الذي عبر عنه أمير المؤمنين(علیه السلام)ب :«خاسر الحاج»،هو غير سعيد بن بيان من أصحاب أبي عبد الله الصادق(علیه السلام)،إذ في كل زمان كان هناك أمير للحاج(2) .

وروى الصدوق قائلا:روي أيوب بن أعين قال:سمع الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله(علیه السلام):إن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالقادسية(3) وشهد معنا عرفة.

فقال:«ما هذا صلاة،ما لهذا صلاة»(4) .

ومن هذا يتضح أن أبا حنيفة كان يسير تلك المسافة ويصل إلى مكة خلال ثمانية

ص: 79


1- إختيار معرفة الرجال2: 606/ح575
2- قال المامقاني في(تنقیح المقال في علم الرجال105:31):...ويبعد كل البعد أن يكون سائق الحاج في زمانه (علیه السلام)أبو حنيفة هذا الذي بقي إلى زمان الصادق،(علیه السلام)بل على إحدى نسختي الكتي إلى زمان أبي الحسن(علیه السلام)،ضرورة أن سائق الحاج لابد وأن يكون عمره ثلاثين سنة تقريبا،وأول زمان أبي الحسن عل سنة مئة وثمان وأربعين،فيكون بين زمان سوقه الحاج أولا وأخيرا فوق مئة سنة بكثير
3- القادسية:قرية قريبة من الكوفة من جهة الغرب على طرف البادية على نحو خمسة عشر فرسخ، وهي آخر أرض العرب وأول حدود سواد العراق(مجمع البحرين:قدس)
4- من لا يحضره الفقيه2: 292/ح2493

أيام فقط!إذن،فقد أصبح جليا مما قدمناه من شواهد و موارد أن قطع تلك المسافات بين العراق والشام أو بين العراق ومكة كان أمرا ممكنا بفترات زمنية قصيرة،وبذلك تنتقض جميع الاستبعادات التي ذكرها السيد ابن طاووس رحمة الله في (الإقبال)والمحدث النوري رحمة الله في(اللؤلؤ والمرجان)،ولا وجه لما ذكراه.

ومما يناسب هنا أن ننقل ما ذكره الفاضل القزويني رحمة الله في كتاب(تظلم الزهراء)

في الرد على السيد ابن طاووس.

قال الفاضل القزويني

قال السيد رحمة الله في كتاب(الإقبال):وجدت في(المصباح)أن حرم الحسين(علیه السلام) وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين (علیه السلام) يوم العشرين من صفر،[وفي غير (المصباح)أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر](1) .وكلاهما مستبعدان(2) ؛لأن عبيد الله ابن زیاد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم،ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه،وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها،ولأنه لما حملهم إلى الشام وي أنهم أقاموا فيها شهرة في موضع لا يكنهم من حر ولا برد،وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من

ص: 80


1- ما بين المعكوفتين أضفناه من المصدر
2- في المصدر:(مستبعد)

أربعين يوما من يوم قتله-(1) إلى أن وصلوا العراق أو المدينة.وأما جوازهم في عودهم إلى كربلاء فيمكن ذلك،ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر،لأنهم اجتمعوا على ما روي-مع جابر ابن عبد الله الأنصاري،فإن كان جابر وصل زائرة من الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيؤه[إلى](2) أكثر من أربعين يوما،أو على(3) أنكون وصل جابر(4) (من غير الحجاز،من الكوفة أو غيرها(5) .أقول:غاية ما قال رحمة الله-بعد تسليمه-محض استبعاد،ولا ينبغي بمحضه إنكار الروايات؛فإنا سمعنا من الموثقين قرب الكوفة من دمشق با قد تير للبريد أن يسير بثلاثة أيام، ولاسيما للولاة والحكام بالجور،وسيا مثل هذا الخبر الميشوم الذي هو عيد للشاميين.ومدة مقامهم في دمشق-على ما في المنتخب)-لا يعلم كونها زائدة على ثمانية أيام تقريبا(6) ،ولم نظفر على رواية دلت على مقامهم فيها مدة شهر، والله يعلم.وأيضا قد يذهب الحمام بالمكاتب بأسرع من ذلك.

ص: 81


1- في المصدر:(من يوم قتل(علیه السلام))
2- ليس في المصدر
3- في المصدر:(وعلى) بدلاً من:(أو على)
4- في المصدر:(جابر وصل)بدلا من:(وصل جابر)
5- إقبال الأعمال3: 100-الفصل5
6- أنظر:المنتخب2: 52-المجلس العاشر،عنه: مستدرك الوسائل3: 327/ح3702

واستبعاد مجيء جابر من أرض الحجاز أبعد من هذا؛لا ژوي أن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالكوفة أو بغداد وورد مكة وحج في تلك السنة،ولأن أخبار نواعيه (علیه السلام) من الجن والطير وانقلاب التربة دمة وغير ذلك أكثر من أن يخفى على أمثال جابر کا مضى بعضه،والله أعلم بحقيقة الحال،والتسليم لنا خير للمال(1) .

وهنا تجدر الإشارة إلى نكتتين:

الأولى:ذكر الفاضل القزويني رحمة الله أنه قد سمع من الموثقين قرب الكوفة من دمشق بها قد يتيسر للبريد أن يسير بثلاثة أيام،ولاسيما للولاة والحكام بالجور. وهذا يعني أن أمور البريد کانت بيدهم،فمن الممكن جدا أنهم أرسلوا العترة النبوية إلى الشام بير وسرعة البريد،فإن ذلك كان أمرة متداولا في ذلك الوقت، لأنهم كانوا يريدون إيصالهم إلى دمشق بأسرع وقت ممكن.

الثانية:قال رحمة الله:قد يذهب الحمام بالمكاتب بأسرع من ذلك.

ويعلم من عبارته هذه أن أخبار البلاط الأموي من الشام إلى العراق ومخاطبات ابن زیاد اللعين-ومنها استئذانه-كانت تتم عبر الحمام الزاجل،ولا وجه لإنكار المحدث النوري رحمة الله الاستخدام الحرام في زمان یزید!

ص: 82


1- تظلم الزهراء(علیها السلام)من إهراق دماء آل العباء:287

الإشكال الثالث وجوابه

ومما استدل المحدث النوري رحمة الله على ادعائه في نفي واستبعاد رجوع أسرى الرسالة إلى كربلاء في الأربعين الأولى،هو أن المؤرخين المعتمد عليهم لم يشيروا في سياق ذكر المقتل إلى ذلك..ثم ذكر عبارة الشيخ المفيد رحمة الله في(الإرشاد)کشاهير على ذلك،وحاصلها أن يزيد أمر النعمان بن بشير أن يخرج بالأسارى إلى المدينة،ولم يتطرق إلى مجيئهم إلى كربلاء(1) .

ص: 83


1- قال في(الإرشاد2: 122):ثم ندب يزيد النعمان بن بشير،وقال له:تجهز لتخرج بهؤلاء النسوان:لنسوة إلى المدينة. ولا أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين علیهما السلام فاستخلاه[خ ل:فاستخلى به]،ثم قال له:لعن الله ابن مرجانة،أم والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيه إياها،ولدفع الحتف عنه بكل ما استطعت،ولكن الله قضى ما رأيت، کاتبني من المدينة وأنه كل حاجة تكون لك.وتقدم بكسوته وكسوة أهله،وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشیر رسولا،تقدم إليه أن يسير بهم في الليل، ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طزفه[خ ل:طرفة عين]،فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم،وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم.فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم-کا وصاه یزید-ويرعونهم، حتى دخلوا المدينة

ثم استدل المحدث النوري رحمة الله أيضا بأن الشيخ المفيد في كتابه(مسار الشيعة)في ذكر وقائع شهر صفر ويوم العشرين منه لم يذكر مجيء أسارى أهل البيت (علیهم السلام) إلى کربلاء،وقد كان من الأولى أن يشير إلى ذلك(1) ،وكذا الشيخ الطوسي رحمة الله(2) ،والعلامة الحلي رحمة الله(3) ،والكفعمي رحمة الله(4) .ويقال في الرد على ما استدل به المحدث النوري:

أولا:إن من الواضحات أن عدم نقل جمع من المؤرخين لقصة ما،لا يكوندليلا على عدم وقوعها؛فإن الكثير من الحوادث التاريخية لم يسجلها بعض المؤرخين، ولو أوردنا شواهد على هذا لطال بنا الكلام.

ثانيا:لقد كانت عبارات الشيخ المفيد رحمة الله بتلك الطريقة مبنية على الاختصار،كما هو دأب السابقين في نقل القضايا التاريخية،وعلى ذلك شواهد عدة لا يسع المقام

ص: 84


1- قال في مسار الشيعة:46):وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سیدنا ومولانا أبي عبد الله (علیه السلام) من الشام إلى مدينة الرسول(صلی الله علیه واله)،وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله ابن حزام الأنصاري رضی الله عنه صاحب رسول الله (صلی الله علیه واله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبد الله الحسين،فكان أول من زاره من الناس[خ ل:المسلمين]
2- أنظر:مصباح المتهجد:787
3- أنظر:منهاج الصلاح:452-الباب8الفصل6
4- أنظر:البلد الأمين والدرع الحصين:274

لذكرها.

ثالثا:لقد كان من عادة الشيخ المفيد رحمة الله والشيخ الطوسي رحمة الله وأمثالها من الأعاظم هو التحقيق والتثبت من صحة النقل والقول في مقام الرواية،بل وحتى في نقولات التاريخ وغيره،ولذا كانوا يتحاشون النقل من دون السند،وكان من عادتهم عدم النقل إن لم يصلهم الخبر مسندة،كما هو الأمر واضح بالتأمل في (أمالي الشيخ المفيد)و(أمالي الشيخ الطوسي).

إذن،فهما وأمثالها من الأعاظم إن أعرضوا عن الإشارة إلى ذكر قضية الأربعين، فإن ذلك بسبب عدم وصول الأخبار إليهم مسنده عن مشايخهم،وهذا بنفسه لا يكون دليلا على أن أصل القضية لا حقيقة لها في الواقع!

والعجب من بعض القاصرين حينما يذكر في كتاب له أن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي أنكرا قضية الأربعين،ثم يذكر في موطن آخر من كتابه أنها سکتا عنها. والصحيح فيما ذكره هو الثاني دون الأول.

رابعا:إن الشيخ المفيد رحمة الله نفسه لم يصرح بذكر الكثير من الوقائع التاريخية في مصنفاته ولم يشر إليها،فهل يمكن لنا أن ندعي عدم صحتها أو عدم وجودها أصلا،بذريعة عدم ذكر الشيخ المفيد لها؟!

ومنها-مثلا-قال الشيخ المفيد في(الإرشاد):

ولا رحل ابن سعد،خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين وأصحابه رحمة الله عليهم،فصلوا عليهم،ودفنوا الحسين (علیه السلام)

ص: 85

حيث قبره الآن،ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين شرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين(علیه السلام)،وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا،ودفنوا العباس بن علي عليه في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن(1) .ولم يقم الشيخ المفيد بالإشارة إلى مجيء الإمام زين العابدین علا لدفن الإمام وسائر الشهداء،وهو من المسلات عند الشيعة مما لا يمكن إنكاره!(2)

ص: 86


1- الإرشاد2: 114
2- روى الكشي رضوان الله عليه في رجاله، بإسناده عن إسماعيل بن سهل قال: حدثنا إسماعيل بن سهل، قال حدثني بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه، قال: كنت عند الرضا عليه السلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري، فقال له، ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى، قال مضى موتا؟ قال: نعم. قال له علی: إنّا روینا عن آبائک أنَّ الإمام لا یلی أمره إلاَّ إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن(علیه السلام): «فأخبرنی عن الحسین بن علی(علیهم السلام) کان إماماً أو کان غیر إمام؟، قال: کان إماماً، قال: فمن ولی أمره؟، قال: علی بن الحسین، قال: وأین کان علی بن الحسین(علیهماالسلام)؟، قال: کان محبوساً بالکوفه فی ید عبید الله بن زیاد، قال: خرج وهم لا یعلمون حتَّی ولی أمر أبیه ثمّ انصرف. فقال له أبو الحسن(علیه السلام): «إنَّ هذا أمکن علی بن الحسین(علیه السلام) أن یأتی کربلاء فیلی أمر أبیه، فهو یمکن صاحب هذا الأمر أن یأتی بغداد فیلی أمر أبیه ثمّ ینصرف ولیس فی حبس ولا فی إسار».... (إختيار معرفة الرجال 2: 763/ ح 883 - عنه: بحار الأنوار 169:45 / ح 16). وقال السيد عبد الرزاق المقوم رحمة الله في (مقتل الحسين(علیه السلام) : 319- 321): و في اليوم الثّالث عشر من المحرّم، أقبل زين العابدين لدفن أبيه الشّهيد عليه السّلام، لأنّ الإمام لا يلي أمره إلّا إمام مثله.... و لمّا أقبل السّجّاد عليه السّلام، وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين، لا يدرون ما يصنعون، و لم يهتدوا إلى معرفتهم، و قد فرّق القوم بين رؤوسهم و أبدانهم، و ربّما يسألون من أهلهم و عشرتهم. فأخبرهم عليه السّلام عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطّاهرة، و أوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميّين من الأصحاب، فارتفع البكاء و العويل، و سالت الدّموع منهم كلّ مسيل، و نشرت الأسديّات الشّعور و لطمن الخدود. ثمّ مشى الإمام زين العابدين إلى جسد أبيه و اعتنقه، و بكى بكاء عاليا، و أتى إلى موضع القبر و رفع قليلا من التّراب، فبان قبر محفور و ضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره و قال: «بسم اللّه و في سبيل اللّه و على ملّة رسول اللّه صدق اللّه و رسوله، ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العظيم». و أنزله وحده و لم يشاركه بنو أسد فيه، و قال لهم: إنّ معي من يعينني، و لمّا أقرّه في لحده، وضع خدّه على منحره الشّريف، قائلا: «طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطّاهر، فإنّ الدّنيا بعدك مظلمة، و الآخرة بنورك مشرقة، أمّا اللّيل فمسهّد، و الحزن سرمد، أو يختار اللّه لأهل بيتك دارك الّتي أنت بها مقيم، و عليك منّي السّلام يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته». و كتب على القبر: «هذا قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب الّذي قتلوه عطشانا غريبا». ثمّ مشى إلى عمّه العبّاس عليه السّلام، فرآه بتلك الحالة الّتي أدهشت الملائكة بين أطباق السّماء، و أبكت الحور في غرف الجنان، و وقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلا: «على الدّنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، و عليك منّي السّلام من شهيد محتسب و رحمة اللّه و بركاته». وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد: (إنّ معي من يعينني)، وترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب.

ص: 87

كما لم يشر إلى اختصاص حبیب بن مظاهر بالقبر الظاهر في الحائر الحسيني(1) ،ولا إلى قبر الحر بن یزید الرياحي. (2)

ص: 88


1- قال السيد هاشم البحراني رحمة الله:ولا انفصل ابن سعد من كربلاء،خرج قوم من بني أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء،ودفنوها على ما هي عليه الآن(مدينة المعاجز4: 121/خ1130).وقال السيد محسن الأمين:ويقال:إن بني أسد دفنوا حبیب بن مظهر في قبر وحده عند رأس الحسين (علیه السلام) حيث قبره الآن؛اعتناء به لأنه أسدي...ولم يذكر ذلك المفيد،ولكن اشتهار ذلك وعمل الناس عليه ليس بدون مستند(أعيان الشيعة113:1).وقال الشيخ السماوي-بعد نقله لكلام الشيخ المفيد في الإرشاد:وقال غيره:...ودفنت بنو أسد حبيبا عند رأس الحسين (علیه السلام) حيث قبره الآن؛اعتناء بشأنه(إبصار العين:219).أقول:ويبدو عدم وجود مصدر قديم يعين الموضع الفعلي لقبر حبیب رضوان الله عليه،إلا أن کلام السيد محسن الأمين لا يخلو من متانة؛إذ لا يتصور اشتهار ذلك منذ قرون وسيرة الناس عليه من دون أن يكون ناشئا عن مستند،خاصة مع ملاحظة ما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد من أن أصحاب الحسين (علیه السلام)دفنوا حوله في الحائر.نعم، على فرض عدم التسليم فربما احتمل أنه قبر جون مولى أبي ذر رضوان الله عليها؛ لا ژوي عن الباقر(علیه السلام):«عن علي بن الحسين (علیه السلام) أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى،فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه»(بحار الأنوار45: 23)
2- (2) قال السيد نعمة الله الجزائري رحمة الله في (الأنوار النعمانية 3: 225): و امّا من قتل مع الحسين عليه السّلام من أهل بيته فقال شيخنا المفيد نوّر اللّه ضريحه هم ثمانية عشر... وهم كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين ، إلا العباس، فإنه دفن في موضع قتله، وأما أصحاب الحسين (علیه السلام) الذين قتلوا معه فإنهم دفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل، غير أنا لا نشك في أن الحائر محيط بهم . هذا كلامه رحمة الله . اقول قد ترك رحمة الله ذكر الحر فإنه من الشهداء و ليس هو ممّا يحيط به الحاير الشريف بل هو بعيد عن قبر مولانا الحسين عليه السّلام بفرسخ و أزيد و قبره الآن معروف يزوره بعض النّاس.

کما لم يذكر شيئا عن محل القبر المطهر لسيدنا مسلم بن عقيل ب إلى جانب مسجد الكوفة الأعظم،والحال أن السيرة المستمرة وعمل الشيعة منذ زمن الأئمة علي إلى الآن على ذلك،وهم يزورونه في هذا الموضع،ودفنه فيه من المسلمات عندهم!(1)

إذن،فلا وجه لاستبعاد المحدث النوري رحمة الله لمجرد عدم ذكر الشيخ المفيد رحمة الله للواقعة،ولا يصلح لأن يكون برهانا في هذا المقام.

ص: 89


1- قال المؤرخ محمد حرز الدين:مرقد الشريف بالكوفة جنب المسجد الأعظم، متصل برکنه الشرقي الجنوبي،عامر مشيد،له حرم قديم البناء،في وسطه شباك فضي صغير،ومن قبل كان على قبره شباك خشبي مکسي ومزدان بالصفر الأصفر، فوق حرمه قبله عالية البناء زرقاء،رشت بالحجر القاشاني(مراقدالمعارف2:307/ الرقم 239).وفي عصرنا أمر المرجع السيد محسن الحكيم بصنع شباك للعباس ومسلم والقاسم بن موسی الكاظم ومقام أمير المؤمنين علي في مسجد الكوفة،وفي عام1384هجري قام الحاج محمد رشاد مرزة بتجديد بناء المرقد والصحن،وفي سنة1387هجرية قام الحاج محمد حسين رفيعي البهبهاني الكويتي بتذهیب القبة بأمر السيد الحكيم أيضا

ص: 90

الإشكال الرابع وجوابه

أورد المحدث النوري رحمة الله ما رواه الشيخ عماد الدين الطبري رحمة الله في(بشارة المصطفی)،بسنده عن الأعمش،عن عطية العوفي قال:

خرج مع جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله زائرین قبر الحسين بن علي بن أبي طالب،فلا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل،ثم اتزر بازار وارتدی بآخر،ثم فتح صرة فيها شع فتثرها على بدنه،ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى،حتى إذا دنا من القبر قال:ألبينيه!فألمسه،فخر على القبر مغشيا عليه، فرشش عليه شيئا من الماء،فلما أفاق قال:يا حسين-ثلاثا،ثم قال:حبيب لا يجيب حبيبه!ثم قال:وأنى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك(1) على أثباجك(2) ،وفرق بين بدنك ورأسك!فأشهد انك اب خاتم النبيين،وابن سيد المؤمنين،واب حليف التقوى،

ص: 91


1- الأوداج:العروق المحيطة بالعق التي يقطعها الذابح،واحدها:ودج(مجمع البحرين:وج)
2- الثبج:أعلى الظهر من كل شيء،والأثباج:جمع ثبج،وهو معظم الشيء وعواليه(العين،مجمع البحرين:ثبج)

وسليل الهدى،وخامس أصحاب الكساء،وابن سيد النقباء،وابن فاطمة سيدة النساء،وما لك لا تكون هكذا وقد غدتك كف سید المرسلين،وژبيت في حجر المتقين،ورضع من ثدي الإيمان،وطمت بالإسلام،فطبت حيا وطبت ميتا،غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك،ولا شاكة في الخيرة لك،فعليك سلام الله ورضوانه،وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحیی بن زکریا.ثم جال ببصره حول القبر وقال:السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين وأناخت برحله،وأشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة،وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر،وجاهدتم الملحدين،وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين،والذي بعث محمدا بالحق نبيا،لقد شاركناكم فيها دخلتم فيه.

قال عطية:فقلت له:يا جابر،كيف ولم نهبط وادية ولم تعل جبلا ولم نضرب بسيف،والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم،وأوتمت أولادهم وأرملت أزواجهم؟!فقال لي:يا عطية،سمع حبيبي رسول الله (صلی الله علیه واله)يقول:«من أحب قوما محشر معهم،ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم،والذي بعث محمدا بالحق نبيا،إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين (علیه السلام) وأصحابه،حذني نحو أبيات كوفان.

فلما صرنا في بعض الطريق قال لي:يا عطية،هل أوصيك؟وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك،أحبب محب آل محمد (صلی الله علیه واله) ما أحبهم،وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم وإن كان صواما قوامة،وارفق بمحب محمد وآل محمد،فإنه إن تزل له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له أخرى بمحبتهم،فإن محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى

ص: 92

النار(1) .ثم بعد أن نقل المحدث النور رحمة الله الخبر مجم؟قال:

ومن هذا الخبر الشريف المعتبر يعلم أن جابرة لم يمكث في ذلك المكان سوی ساعات،ولم يلتق بأحد،ولم يكن من المعهود أن يفد أهل البيت (علیهم السلام) ويلتقي جابر بهم،ثم لم ينقل عطية ذلك ولم يشر إليه أبدا!

هذا محصل كلام الشيخ النوري رحمة الله.

وما نقله من كتاب(بشارة المصطفی(صلی الله علیه واله))هو الموجود في النسخة المطبوعة في سنة1369للهجرة من طبعة المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف،ويعلم من القرائن-کیا هو مذكور في مقدمة الكتاب بقلم بعض الأفاضل-أن النسخ المخطوطة الموجودة من الكتاب في النجف كانت ناقصة،ولا توجد نسخة كاملة،ثم تم الحصول على نسخة من(المحمرة)،ظن الناشر والمصحح أن النسخة المطبوعة مكمله عن النسخة المحلة من المحمرة،وبالقطع فإن المحدث النوري رحمة الله قد أخذ عن النسخ الخطية الناقصة في النجف الأشرف،لكنه يعلم من القرائن أن النسخ المطبوعة في سنة1369أيضأ ناقصة وغير كاملة!

ولذا نرى أن السيد محسن الأمين قد نقل في كتابه(لواعج الأشجان)خبر مجيء جابر الأنصاري رحم الله إلى كربلاء عن(بشارة المصطفی)،ثم نقل في ذيله خبر مجيء الأسارى إلى كربلاء في ذلك الموضع حينها كان جابر فيها،راوية عن عطية أيضا،ولذا

ص: 93


1- بشارة المصطفى (صلی الله علیه واله) لشيعة المرتضی(علیه السلام):125/ح72

فمن المستحسن نقل عبارته ليتضح أن استدلال المحدث النوري لم يتم،ولا يمكن أن يكون نافية لمجيء أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء.

قال السيد محسن الأمين:

وعن كتاب(بشارة المصطفی)وغيره،بسنده عن الأعمش،عن عطية العوفي قال:خرج مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضی الله عنه زائرة قبر الحسين(علیه السلام)،فلا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل،ثم اتزر بازار وارتدى بآخف،ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه،ثم لم خط خطوة إلا ذكر الله تعالى،حتى إذا دنا من القبر قال:ألمشييه!فألمسه إياه،فخر على القبر مغشيا عليه،فرشش عليه شيئا من الماء،فلما أفاق قال:يا حسين-ثلاثا،ثم قال:حبيب لا يجيب حبيبه،ثم قال:وأنی لك بالجواب وقد شخبت أوداجكعلى أثباجك،وفرق بين بدنك ورأسك! أشهد أنك ابث خير النبيين،وابن سيد المؤمنين،وابن حليف التقوى،وسليل الهدى،وخامس أصحاب الكساء،وابن سيد النقباء،وابن فاطمة سيدة النساء، وما لك لا تكون هكذا وقد غدتك كف سید المرسلين،وتربيت في حجر المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان،وطمت بالإسلام،فطبت حا وطبت ميتا،غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك،ولا شاكة في حياتك،فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحیی بن زکریا.ثم جال ببصره حول القبر وقال:السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين (علیه السلام)

ص: 94

وأناخت برحله،أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة،وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر،وجاهدتم الملحدين،وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين،والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركناكم فيها دخلتم فيه.قال عطية:فقلت لجابر:فكيف ولم نهبط وادية ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف،والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم،وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟!فقال لي:يا عطية،سمع حبيبي رسول الله (صلی الله علیه واله) يقول:«من أحب قوما محشر معهم،ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم،والذي بعث محمد (صلی الله علیه واله) بالحق،إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين (علیه السلام) وأصحابه.قال عطية:فبينا نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام،فقلت:يا جابر،هذا سواد قد طلع من ناحية الشام!فقال جابر لعبده:انطلق إلى هذا السواد وائتنا بخبره،فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ،وإن كان زين العابدين فأنت حر الوجه الله تعالى.قال:فمضى العبد،فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول:يا جابر،قم واستقبل حرم رسول الله،هذا زين العابدين قد جاء بعاته وأخواته.فقام جابر يمشي حافي الأقدام مکشوف الرأس،إلى أن دنا من زین العابدین (علیه السلام)،فقال الإمام:«أنت جابر؟!»،فقال:نعم يا ابن رسول الله.فقال:«يا جابر،هاهنا والله لت رجالنا،وبكت أطفالنا،وشبيت نساؤنا،وحرقت خيامنا».

ص: 95

ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة(1) .وظاهر كلمات السيد الأمين أن عبارة:(قال عطية:فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام...)،هي جزء رواية عطية ذاتها التي نقلها عن كتاب(بشارة المصطفی)وغيره،إن لم تكن فيه فقد نقلها عن غيره وهو يعلم أنها منها فضمها إليها،ومن القرائن يعلم أن لخبر عطية زيادات قلت في بعض المصادر باختصار،وفي أخرى بتفصيل أو تقطيع.

يشهد لذلك ما نقله العلامة النوري رحمة الله نفسه عن(مصباح الزائر)،فقد قال في (اللؤلؤ والمرجان)بعد كلامه الذي نقلناه:

روى السيد في(مصباح الزائر)في أعمال يوم الأربعين،عن عطاء والظاهر هو عطية المذكور في الخبر السابق...ثم روی عن جابر زيارة سلم عليه (علیه السلام) لما أفاق،تعرف:زيارة آل الله،ثم زار علي[الأكبر]ابن الحسين (علیهما السلام) بزيارة مختصرة، وكذا الشهداء،ثم ذهب إلى قبر أبي الفضل العباس (علیه السلام)وزاره،ثم صلى ومضى. (2)

ص: 96


1- لواعج الأشجان:240،وانظر: أعيان الشيعة4: 47
2- قال السيد ابن طاووس في (مصباح الزائر: 286): قال عطا: كنت مع جابر بن عبد الله يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصا " كان معه طاهرا "، ثم قال لي: أمعك شئ من الطيب يا عطا؟ قلت: معي سعد، فجعل منه على رأسه وساير جسده، ثم مشى حافيا " حتى وقف عند رأس الحسين عليه السلام وكبر ثلاثا " ثم خر مغشيا عليه فلما أفاق سمعته يقول: السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه،....إلى آخر الزيارة -. ثم انحنى على القبر و مرغ خديه عليه، وصلى أربع ركعات. ثم جاء إلى قبر علي بن الحسين (علیه السلام) فقال: السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، لعن الله قاتلك، لعن الله ظالمك، أتقرب إلى الله بمحبتكم، وأبرأ إلى الله من عدوكم. ثم قبله وصلى ركعتين. والتفت إلى قبور الشهداء فقال: السلام علی الأرواح المنیخة بقبر أبی عبدالله، السلام علیکم یا شیعة الله و شیعة رسوله و شیعة أمیرالمؤمنین و الحسن و الحسین، السلام علیکم یا طاهرون، السلام علیکم یا مهدیون، السلام علیکم یا أبرار، السلام علیکم و علی ملائکة الله الحافین بقبورکم، جمعنی الله و ایاکم فی مستقر رحمته تحت عرشه. ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنين عليهما السّلام، فوقف عليه و قال: السّلام عليك يا أبا القاسم، السّلام عليك يا عبّاس بن عليّ، السّلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، أشهد لقد «1» بالغت في النّصيحة و أدّيت الأمانة، و جاهدت عدوّك و عدوّ أخيك، فصلوات اللّه على روحك الطّيّبة، و جزاك اللّه من أخ خيرا. ثمّ صلّى ركعتين و دعا إلى اللّه و مضى.

أقول:إن المحدث النوري رحمة الله قد صرح-فيما سبق-أن جابرة لم يمكث سوی ساعات،ولم يتشرف بزيارة القبر المطهر سوى هذه المرة،عاد بعدها نحو أبيات كوفان..إذن،فزيارة آل الله التي نقلها المحدث القمي في(مفاتیح الجنان)عن الشيخ المفيد في(المزار)والتي قرأ في النصف من رجب أيضا(1) ،هي جزء من رواية عطية،كما صرح المحدث النوري بأن عطاء هو عطية نفسه لا غيره كما توهم البعض،ومع ذلك كله فإن الشيخ عماد الدين الطبري رحمة الله لم يوردها في(بشارة المصطفی)،فيعلم من هذا أن رواية عطية هي رواية مفصلة،إلا أن المحدثين قطعوها،ثم تصور

ص: 97


1- أنظر:مفاتیح الجنان:648-زيارة النصف من رجب

بعضهم لاحقاً أن ما في(بشارة المصطفى)و(مصباح الزائر)وغيرهما هي روایات متعددة،وذلك غفلة منهم عن التقطيع الحاصل.

ويحتمل قوية أن الجزء المحذوف من رواية الطبري مما يتعلق برجوع أسارى أهل البيت(علیهم السلام)-على ما في بعض نسخ(بشارة المصطفی)،كالنسخة المطبوعة في النجف الأشرف في سنة1369ه،کا مر-هو لعدم مناسبة موضوع الكتاب،وأن موضعها هو كتب المقاتل،وكان محل الشاهد مما أورده الطبري هو ما يتعلق بكلام جابر عن رسول الله (صلی الله علیه واله)في شأن محبة آل محمد (علیهم السلام) ومحبيهم،وكانت غايته من نقل الخبر هو هذا.

وهكذا فعل السيد ابن طاووس،فقد اقتطع في(مصباح الزائر)الجزء المتعلق بالزيارة،وفي(اللهوف)ما يتعلق بالمقتل ورجوع السبايا إلى كربلاء !

ومن هنا يتضح جيدة أن ما نقله السيد محسن الأمين العاملي في(لواعج الأشجان)عن كتاب(بشارة المصطفى)وغيره هي رواية عطية ذاتها،لكنه أيضا لم ينقل جزءا مما هو موجود في النسخة المطبوعة(بشارة المصطفی)،وهو ما ورد بعد قول جابر:(على ما مضى عليه الحسين (علیه السلام) وأصحابه.قال:خذني نحو أبيات كوفان.فلا صرنا في بعض الطريق قاللي:يا عطية،هل أوصيك؟وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك!أحبب محب آل محمد (علیهم السلام) ما أحبهم،وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم وإن كان صواما قوامة،وارفق بمحب محمد وآل محمد،فإنه إن تزل له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له أخرى بمحبتهم،فإن محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار).

ص: 98

وهذا المقطع هو آخر ما جاء في رواية عطية،والمحدث النوري نقلها مترجمة إلى الفارسية في(اللؤلؤ والمرجان)،ولا يوجد فيها ذكر لزيارة آل الله،مع أن المعلوم من(مصباح الزائر)للسيد ابن طاووس رحمة الله أنها جزء من الرواية نفسها.

إذن، فيتحصل من كل ما مر أن رواية عطية رواية مفضلة،لكنها قطعت،وأخذ كل ما يناسب غرض تأليفه وما يقتضيه في النقل منها.

فلا يتم دليل المحدث النوري رحمة الله هذا أيضا على نفي واستبعاد رجوع أسارى أهل البيت (علیهم السلام) في الأربعين الأولى إلى كربلاء،ولا ما طعنه في رواية عطية المنقولة في (بشارة المصطفی)،كما هو الواضح للمتأمل.

وأما ما أثاره المحدث النوري رحمة الله من أنه لا يظن أن عاقلا يصدق مجيء الإمام السجاد(علیه السلام) إلى كربلاء ثم لا يروي عطيه عنه زيارة..

فنقول:إن مجيء الإمام (علیه السلام) مع مخدرات العترة المعصومة الطاهرة إلى كربلاء،وذلك بعد تكبدهم عناء الأسر والسبي،وبعد تخلصهم من جور یزید، وإتيانه(علیه السلام) بالرأس الأطهر الأقدس السيد الشهداء (علیه السلام) لإلحاقه بالبدن الأطيب، وحال بنات العصمة حين مشاهدتهن القبور المطهرة لسيد الشهداء (علیه السلام) والأقار من بني هاشم وسائر شهداء کربلاء في ذلك الموضع..كل ذلك مما يكون خارجة عن حدود تصوراتنا!

ولا يبعد أن الكتب التي تضمنت تفاصيل هذه القضايا والحوادث قد لفت،کما الف غيرها الكثير من المكتبات الإسلامية بسبب حملات التتار والمغول،ولم يبق منها

ص: 99

سوى أسمائها المدرجة في فهارس كتب الرجال والتراجم،وهذا مما لا يخفى على المتتبع المطلع.

ثم أضاف بعض المنحازين إلى الشبهات الواهية لتكثير الاحتمالات الفاسدة، فقال:إن الشيخ فخر الدين الطريحي(ت1085ه)أشار إلى يوم الزيارة وسکت عن السنة(1) .ثم نقل ما ذكره الفاضل القزويني رحمة الله في كتاب(تظلم الزهراء)عن كتاب (بشارة المصطفى)من رواية عطية العوفي ومجيء جابر إلى كربلاء(2) ،ثم قال أيضا:وفي هذا الحديث أيضا لا إشارة فيه لليوم والشهر والسنة.

فنقول:إن الجمود على أن الشيخ الطريحي رحمة الله لم يشر إلى السنة وأنه سكت عنها،أو أن غيره لم يتعرض لذكر اليوم والسنة،وما شاكل ذلك من هذه الكلمات لإلقاء الشبهات،ما هو إلا من الغفلة عن أن مراد الأعاظم من کلاتهم هو يوم العشرين من صفر لعام61للهجرة؛فإن هذا هو المعهود والمرتكز في أذهان الكبار من العلماء،وكذا بين عامة الشيعة من أن الرأس الأطهر لسيد الشهداء (علیه السلام) قد ألحق بجسده بعد أربعين يوما من عاشوراء،جاء به الإمام السجاد (علیه السلام) في الأربعين الأولى فدفنه،ولم يدع أحد من المؤرخين وأرباب المقاتل أن الرأس الشريف ألحقه شخص آخر،أو أن ذلك حدث في الأربعين الثانية،أي:بعد ثمانين يوما من عاشوراء،أو حين ذهاب الركب

ص: 100


1- أنظر:المنتخب2 :453
2- أنظر:تظلم الزهراء علیها السلام :288- 289

من الكوفة إلى الشام-کیا احتمل البعض أنهم جاؤوا إلى كربلاء حين ذهابهم-(1) ،فإن الرأس الأطهر حينها قد أرسل إلى الشام،فكيف يكون حينها قد دفن مع الجسد؟ولم يقل قائل من الإمامية أن الأساری بقوا في الشام ستة أشهر،أو أنهم جاؤوا في السنة التالية(26 للهجرة)إلى كربلاء.

كل هذا من ظنون بعض الأشخاص كصاحب هذه الشبهات،وما هي إلا احتمالات وتخمينات وتوهمات نشأت في العصور المتأخرة بسبب ما أثاره المحدث

ص: 101


1- قال المؤرخ الشهير الميرزا محمد تقي سپهر:لا يخفى أن ثقات المحدثين والمؤرخين قد اتفقوا على أن عمر بن سعد بعث برؤوس الشهداء بعد شهادة الإمام الحسين (علیه السلام) إلى ابن زیاد،ثم سرح أهل البيت إلى الكوفة،فجرى ما جرى لهم في مجلس ابن زیاد من شماتته بهم وإساءته لهم.ثم إنه أمر بهم فحبسوا،وكتب إلى يزيد بن معاوية يستأمره في ما يصنع بالرؤوس والأسرى،فكتب يزيد إليه يأمره بتسريحهم إلى الشام،فسحهم ابن زیاد إلى الشام.فيلزم من ذلك انقضاء فترة زمانية منذ يوم عاشوراء إلى أن أرسل ابن زياد الكتاب إلى يزيد،وهيأ الرؤوس والأسرى،ووصول الرسول إلى الشام وعودته بالجواب،وتسريحهم بأثقالهم إلى الشام،فلا يبعد أن تكون المدة التي انقضت في هذه الأمور ولوازمها أربعين يوما،فمن السائغ أن نقول:إن أهل البيت وصلوا إلى كربلاء يوم الأربعين-أي:في العشرين من شهر صفر-في طريقهم إلى الشام، فأقاموا هناك المآتم والعزاء،وارتفعت أصواتهم بالعويل والبكاء،وكان جابر قد خرج من المدينة مبادرة إلى زيارة الحسين (علیه السلام) في كربلاء،فالتقوا جميعا يوم العشرين من صفر عند سیدالشهداء(علیه السلام)(ناسخ التواریخ3: 12-وصول أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين).أقول:وقد تقدم ما ذكرناه مما يرد على هذا القول،فلا نعيد

النوري رحمة الله،من دون دلیل و حجة سوى تمسكه باستبعادات السيد ابن طاووس له في(الإقبال)،ولم نجد لها أثرا قبل ذلك.

حتى أن العلامة المجلسي رحمة الله أراد توجيه الاستبعاد بنحو لا يحيد فيه عن القول المشهور،فذكر أن من المسلمات عند الشيعة أن يوم الأربعين هو العشرون من صفر من سنة61،حتى أن من علماء العامة من صرح بأن الشيعة الإمامية قائلون بإلحاق الرأس المطهر لسيد الشهداء (علیه السلام) ببدنه بعد أربعين يوما من شهادته(1) .

ثم تصور المتشبث بالشبهات أن(عطا)هو غير(عطية)،زاعما نقض دعوی تقطيع الرواية،ومدعية أن رواية عطاء التي يرويها السيد ابن طاووسن رحمة الله في(مصباح الزائر)والتي يقول فيها المحدث النوري رحمة الله:الظاهر أن عطاء هو عطية،هي غير رواية عطية،غافلا عن صواب ما قاله المحدث النوري رحمة الله،وذلك لوجوه:

ص: 102


1- أنظر:بحار الأنوار45: 144- 145وفيه:قال ابن نها:...وحدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه:مشهد الكريم،عليه من الذهب شيء كثير، يقصدونه في المواسم ويزورونه،ويزعمون أنه مدفون هناك.والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه.وقال السيد:فأما رأس الحسين،فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه،وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه...أقول:... والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده،رده علي بن الحسين (علیهما السلام)،وقد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفو عند قبر أمير المؤمنين(علیه السلام)،وسيأتي بعضها،والله يعلم

الأول:تطابق أفعال جابر في كلا الروايتين،من قبيل اغتساله في الفرات واتزاره ونثره الشعد على بدنه،أما اختلاف الألفاظ في النقل أو الاختصار والتفصيل الناشئ عن الرواة فلا يوجب تعدد الرواية،ولا يظن أن من تأمل في الروايتين يشك باتحاد الواقعة،وإنالاختلاف في بعض ألفاظ القصة لا يعني مبایتها.

وقد تقرر في علم الدراية عدم منع نقل الحديث بالمعنى لمن كان عالما بالألفاظ ومدلولاتها خبيرة بمقاصدها ومعانيها،شرط أن يؤدي تمام المعني،كما لا يسقط ذلك الحديث عن حجيته.

الثاني:لم يكن مع جابر في وروده إلى كربلاء سوى غلامه وعطية العوفي،فلو كان عطاء هو غير عطية للزم أن يكونوا أربعة لا ثلاثة،وإن ادعي أن جابرة جاء مرة مع عطية وأخرى مع عطاء،وفي كلا المتين أدى جابر الزيارة بنفس الأعمال من الغسل وغيره،فعلى المدعي أن يثبت تعدد القضية،وكما قيل:دون إثبات ذلك خرط القتاد!

الثالث:ما يثبت أن عطاء هو عطية العوفي،هو التتبع والتحقيق في أسانید

الروايات الواردة في كتب الحديث،والتي عبرت أحيانا عن عطية بعطاء

إذن،فقد اتضح بطلان ادعاء أن عطاء هو غير عطية،كما اتضح عدم التفاته إلى تناقضه في القول حينها صرح في موطن أن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي أنكرا الأربعين ورجوع السبايا من الشام إلى كربلاء،وفي موطن آخر قال:إنها لم ينكرا،بل سکتا من دون نفي أو إثبات.وقد تبين لك الوجه في سكوتها وعدم تصريحها مما مر،فلا حاجة للتكرار.

أما من قال بأن جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم قدموا للزيارة

ص: 103

في الأربعين الثانية،فهو قول لا دليل عليه من مصادر التاريخ وكتب المقاتل،ولا شواهد عليه مما يعتمد،بل على خلافه ما اشتهر بين الشيعة الإمامية من أن الإمام السجاد (علیه السلام) قد ألحق الرأس المطهر لسيد الشهداء عل في كربلاء بعد أربعين يوما من شهادته،ولم يقل قائل بأن الإمام السجاد (علیه السلام) قد جاء إلى كربلاء في غير يوم الأربعين إلا بعد سنوات عدة.

ثم قال الميال إلى الشبهات:إن أهمية يوم الأربعين هي من جهة مرور أربعين يوما على شهادة سيد الشهداء عليلا،ولا تأثير للعلل الأخرى فيه،من قبيل مجيء جابر أو أهل البيت علي إلى كربلاء.

ولا قيمة لمعاه هذا،ويقال في الرد على هذا القول غير المعتبر:

من أين علمت أن مجيء جابر وأهل البيت (علیهم السلام) وإلحاق الرأس الشريف للإمام (علیه السلام) بجسده الأنور في ذلك اليوم لا يؤثر في خصوصيته؟!والحال أن كلام الأعاظم مقدم على مدعاك(1) .

ص: 104


1- قال أبو ريحان البيروني:وفي العشرين من صفرا د رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته،وفيه زيارة الأربعين،وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام(الآثار الباقية:331).وروى الشيخ الصدوق رحمة الله قائلا:حدثني بذلك محمد بن علي ماجيلويه رحمة الله ،عن عمه محمد بن أبي القاسم،عن محمد بن علي الكوفي، عن نصر بن مزاحم،عن لوط بن يحيى،عن الحارث بن کعب،عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليها:ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين (علیه السلام) فحبسن مع علي بن الحسين (علیهما السلام) في محبسي لا يكنهم من حر ولا قز،حتى تقت وجوههم،ولم يرفع ببیت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف العضرة،إلى أن خرج علي بن الحسين (علیه السلام) بالنسوة ورة رأس الحسين (علیه السلام) إلى كربلاء(أمالي الصدوق:231-المجلس30/ح243).وفي بعض مسائل الشريف المرتضى: مسألة:هل ما ژوي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله لا إلى الشام صحيح؟وما الوجه فيه؟الجواب:هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصتفين في يوم الطفت وأطبقوا عليه،وقد رووا أيضا أن الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف(رسائل الشريف المرتضى3: 130). وقال الشيخ الطوسي:وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سیدنا أبي عبد الله الحسين بن علي ابن أبي طالب (علیهما السلام) من الشام إلى مدينة الرسول(صلی الله علیه واله)،وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله ابن حرام الأنصاري رضی الله عنه صاحب رسول الله (صلی الله علیه واله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله(علیه السلام) ، فكان أول من زاره من الناس،ويستحب زيارته لا فيه،وهي زيارة(علیه السلام) الأربعين مصباح المتهجد:787).وقال ابن نها:والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه(مثير الأحزان:85).وقال سبط ابن الجوزي الحنفي:واختلفوا في الرأس على أقوال، أشهرها أنه رده أي:يزيد لعنه الله إلى المدينة مع السبايا،ثم ترد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه،قاله هشام وغيره(تذكرة الخواص:265-بنکر حمل الرأس إلى يزيد).وقال السيد ابن طاووس:فأما رأس الحسين(علیه السلام) فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف،وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه(اللهوف في قتلى الطفوف:116).وقال الشيخ المجلسي:والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده،رده على بن الحسين (علیه السلام)(بحار الأنوار145:45)

ص: 105

ص: 106

الإشكال الخامس وجوابه

وأما الدليل الخامس الذي ساقه المحدث النوري رحمة الله لإثبات مدعاه،فهو تمسكه بأن السبايا قد سلكوا بهم الطريق السلطاني من الكوفة إلى الشام،وهو الذي يمر عبر تکریت والموصل ونصيبين وحلب،ويغلب فيه القرى الكثيرة والمدن العامرة،وأن المنازل في ذلك الطريق بين الكوفة والشام تقرب من أربعين منزلا.

ثم تمسك في مدعاه هذا بالنقل عن(مقتل الحسين(علیه السلام))لأبي مخنف المتوفر حاليا، مع كونه-بحسب تصريح المحدث النوري رحمة الله نفسه وسائر الأعلام من المحققين-أنه من الموضوعات،قد سب كذبة إلى أبي مخنف لوط بن يحيی. نعم،لو كان أصل(المقتل)موجودة لكان من الكتب المعتبرة جدا،ولكن لا سبيل إلى ذلك!(1)

ص: 107


1- أبو مخنف: هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم أو سليم أو سلیمان، الأزدي الغامدي الكوفي، وأبو مخنف - بكسر الميم وفتح النون - کنیه. قال النجاشي: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الأزدي الغامدي، أبو مخنف، شيخ أصحاب الاخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلى ما يرويه، روى عن جعفر بن محمد عليه السلام. وقيل: إنه روى عن أبي جعفر [عليه السلام] ولم يصح. وصنف كتبا كثيرة، منها:.... کتاب قتل الحسين (علیه السلام) ... (فهرست اساء مصتفي الشيعة: 320 / الرقم 875). وقال الشيخ : لوط بن يحيى : يكنى أبا مخنف ، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن أصحاب الحسن والحسين عليهماالسلام ، على ما زعم الكشي ، والصحيح أنّ أباه كان من أصحاب علي عليه السلام ، وهو لم يلقه ، له كتب كثيرة في السير منها کتاب مقتل الحسین (علیه السلام)....الفهرست: 204 / الرقم.204) قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء : أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي : أبوه من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، له كتب كثيرة في السير كمقتل الحسين عليه السلام....(معالم العلماء: 128 / الرقم 649). وانظر أيضا: خلاصة الأقوال: 233 - الفصل 22 في اللام، معجم رجال الحديث140:15/ الرقم 9792. ويتضح من بعض التراجم له أنه كان ملما بأخبار العراق و الكوفة و الشيعة على وجه الخصوص، معتمد عليه فيها. قال ابن النديم: قرأت بخط أحمد بن الحارث الخراز : قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره (فهرست ابن النديم: 106 - أبو مخنف). ويعضد ذلك ما مر عليك من قول النجاشي من أنه شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة و وجههم! إلا أنه بالرغم من وثاقة أبي مخنف وأنه مسكون إلى روايته، بيد أن كتبه ومصنفاته قد أبیدت عن بكرة أبيها، ولم يتبق منها سوى ما تناقلته بعض الموسوعات التاريخية المتأخرة عن عصر أبي مخنف، کموسوعة تاريخ الأمم والملوك للطبري (ت 310 ه)، والتي نقلت عن أبي مخنف ما ينيف على 500 رواية في موضوعات مختلفة، منها 118 رواية حول فاجعة كربلاء . وقد حاول العديد من الباحثين والمحقّقين إحياء تراث أبي مخنف، من خلال استخراج مرويّاته من بطون المدوَّنات التاريخيّة: كمحاولة حسن الغفاريّ، ومحمّد هادي اليوسفيّ الغرويّ في إحيائهما كتاب مقتل الحسين عليه السلام لأبي مخنف، حيث كتب الأوّل مقتل الحسين عليه السلام وكتب الآخر وقعة الطفّ، وكلاهما متخذان من تاريخ الطبري، وغيرهما من المحاولات. والحديث عن كتابه المقتل هذا يطول، إلا أنه لابد من الإشارة إلى نقاط: الأولى: لا ريب ولا شبهة في أن لأبي مخنف كتابا حول فاجعة الطف، أسماه: (مقتل الحسين) أو(قتل الحسين )، وقد تقدم ذكر النجاشي والطوسي وابن شهر آشوب له، ولعل أقدم من ذكره هو ابن النديم (ت 438 ه). الثانية: ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مخنف هو أقدم المقاتل الحسينية وأسبقها، واعتبره أقدم المتون، وقال: هو أول متن روی لنا وقائع الطف. وهو لا يصح؛ فإن أول من كتب في المقتل الحسيني هو الأصبغ بن نباتة، ثم جاء بعده جابر بن یزید الجعفي، ثم بعدهما عمار الدهني، فلا يكون أبو مخنف هو أول من كتب في المقتل الحسيني، وإن جرى ذكر ذلك على بعض الألسن. الثالثة: إن مقتل الحسين (علیه السلام) لأبي مخنف مفقود، ولم يصل إلينا منه إلا ما انتقل إلينا عبر مطاوي الكتب، وإن المقتل المتداول بين الناس والمنسوب لأبي مخنف ليس له بإجماع المحققين، وما يبدو للمتابع أن هذه النسخة المتداولة ليست هي المقتل الأصلي لأبي مخنف، وهو كتاب لا يعرف مؤلفه ولا تاریخ تأليفه، وفيه من الغرائب والمتفردات ما يوحش المطلع على المتون التاريخية أحيانا، وإذا قورنت محتوياته بما رواه مثل الطبري عن أبي مخنف یکاد يورث الاطمئنان أن هذا الكتاب المتداول لا يمت إلى أبي مخنف بصلة، على فرض صحة ما رواه الطبري عنه، وربما كان هذا هو السبب الذي دعا بعض من يعتمده من المصنفين الفرس إلى تسميته ب (المقتل الصغير)، مما يوحي أن هذا المقتل غير المقتل المعهود لأبي مخنف. الرابعة: إن أقدم نص معروفي لدينا ممن نقل أحاديث هشام الكلبي في كتابه عن أبي مخنف هو: تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وهو لم يفرد لها تأليفة خاصة، وإنما ذكر الواقعة في أثناء تاريخه لحوادث سنة 60 و61 ه. للمزيد يمكنكم مراجعة دراسة منشورة بعنوان: (مقتل أبي مخنف الأزدي الكوفي، أشهر المقاتل الحسينية)، للشيخ عامر الجابري، نشرت عن مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، وكذا كتاب: السيدة بنت الحسين (علیه السلام) رقية (علیها السلام)، للسيد على أشرف الحسيني، باب المصادر التي ذكرت السيدة بنت الحسين رقية (علیها السلام) ، الترعة الأولى: أبو مخنف. أقول: وما تقدم من عدم صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه لا يعني رميه بالكامل وعدم الأخذ عنه تماما؛ لا سيأتيك من موازين وقواعد يجب أن تحكم النصوص التاريخية، يمكن على ضوئها الأخذ أو عدم الأخذ بها بحسبها؟

ص: 108

ص: 109

ومع أن المحدث النوري رحمة الله قد أقر بجعله،لكنه أراد أن يصحح نقله بالقرائن والأمارات من خلال النقل عن سائر الكتب والمقاتل على أن الركب سلك الطريق السلطاني.حتى قال:

ولو تأمل العاقل،فإن من الممتنعات السير خلال أربعين يوما من کربلاء إلى الكوفة،ثم من الكوفة إلى الشام-مع ملاحظة أدنى أيام التوقف بين البلدين-، ثم من الشام إلى كربلاء.ولو أغمضنا عتما ذكرناه،وافترضنا أن السير كان عبر البر من الناحية الغربية للفرات،فإن ذلك أيضا-بعد التأمل الصادق-نظير الأول؛فإن المسافة بين الكوفة والشام خطا مستقيما هي مئة وخمس وسبعون فرسخة،والحال أنهم دخلوا الكوفة في اليوم الثاني عشر،وفي الثالث عشر كان انعقاد مجلس ابن زیاد،ولا تكون أيام ذهاب القاصد إلى

ص: 110

الشام ورجوعه بأقل من عشرين يوما،كما في(الإقبال)!ثم نقل بقاء أسرى أهل البيت (علیهم السلام) في حبس الكوفة حتى وصول الخبر من يزيد،وقال:

وأما ما احتمله بعض أفاضل العلماء في حواشي مزار(البحار)من أنالاستئذان كان بواسطة الحمام الزاجل،فهو فاسد؛فإن ذلك لم يكن متداولا في عصر بني أمية وأول الدولة العباسية...وبالجملة،فقد تقدم ما في(الإقبال)من أنهم مكثوا شهرة في حبس الشام،ثم اشتغلوا سبعة بالعزاء بعد إفراجهم من الحبس... فلو قطعوا في رجوعهم في ذلك الطريق المستقيم ثمانية فراسخ في كل يوم، لصار مدة بلوغهم ما يقارب الاثنين وعشرين يوما،والحال أن ذلك لا يتيسر في ذلك الطريق؛لقلة الماء وسائر ما يحتاجونه في المسير،خاصة والركب نساء وأطفال وضعاف.إلى هنا ما تفضل به المحدث النوري رحمة الله من كلمات وأقوال،وما استدل به لإثبات معتقده.

ومما سطرناه مما تقدم عن سرعة المسير في تلك الأزمنة،وما هو موجود أيضا من شواهد كثيرة في متون التواريخ الإسلامية،حتى مع قبولنا بأنهم سلكوا بالأساری الطريق السلطاني إلى الشام،فإن سرعة سير الجمال الذلولة والدوات المدربة للبريد كما يتيسر بها طي ذلك الطريق بأقصر مدة،حتى مع فرض حمل الأسارى على مراکبهم.

ص: 111

لكن المحدث النوري رحمة الله قاس الأمر بمقاییس زمانه، ولذا سطر كل تلك الاستبعادات،حتى بلغ به الأمر أن عد الأمر من الممتنعات،والحال أن المسافة بين مكة والكوفة أكثر مما هي بين الشام والكوفة،والشواهد كثيرة-نقلنا بعضها-من أتهم كانوا يسلكون تلك المسافة خلال ثمانية أيام أو عشرة.

وأما مكوثهم في الشام شهرة فلا يعتمد عليه،ولا يعلم أن السيد رحمة الله من أين نقل هذا الخبر!

وأما حاجتهم إلى الماء وغيره مما يحتاجونه في عودتهم عبر الطريق المستقيم،فإن المحدث النوري رحمة الله نفسه صرح أن يزيد سيرهم بإجلال وإكرام، فقد وفر لهم-إذا-كل ما يحتاجونه من الماء وغيره.

كل ذلك الكلام ناشئ عن الاستبعادات التي تحصل في الذهن،ولكن يلزم في المقابل الأخذ بالمقربات أيضا؟

أما ما ذكره بعض الأفاضل من العلماء في الحواشي على المزار من(بحار الأنوار)،من أن استئذان ابن زیاد وجواب يزيد عليه كان بواسطة الحمام الزاجل، فهو كلام متين وصحيح يقرب جدا من الصواب،يعلم من صاحب القول أنه كان من البارعين،وإن عد المحدث النوري رحمة الله قوله فاسدا.

لقد تصور المحدث النوري عدم وجود ذلك الحمام قبل تربيته في الموصل في زمن الفاطميين،وأخذ نور الدين محمود ذلك الحمام من الموصل إلى الشام في سنة 565 للهجرة،والحال أنها كانت تربي منذ زمن النبي سليمان(علیه السلام)،بل وقبل ذلك، ولم تكن هذه القضية حديثة في الموصل في زمن الفاطميين،بل كانوا قد تعلموها من أسلافهم.

ص: 112

ولا يترك القول أن كل قضية،أو فعل حينما يصل في فترة من الفترات إلى مبلغ کاله واشتهاره،فإن أغلب تصورات عامة المؤرخين ستنصب على تلك الفترة،ثم يأتي الكتاب المتأخرون فيتصورون أن الفعل ذلك قد تم العمل به منذ تلك الفترة المحددة،ويغفلون عن أحوال القضية قبل تلك الفترة ولا يلتفتون إليها.

من ذلك مثلا ظهور قبر أمير المؤمنين (علیه السلام) في النجف في زمان هارون العباسي، والحال أن الإمام السجاد والإمام الصادق (علیهما السلام) كانا قبل ذلك يدلان شيعتهم على القبر الشريف ويرشدانهم إليه،وكان خواص الشيعة يزورونه(1) .

ثم إن في(تفسير الإمام العسكري(علیه السلام))-وهو من الكتب المعتبرة لدى المحدث النوري وما اعتمد عليه في النقل في مصنفاته-قد ورد التصريح باستخدام الحمام المرسال في زمن بني أمية،وفيه ما يثبت وجود التواصل بين الكوفة والشام بواسطة الحمام(2) .

ص: 113


1- أنظر:فرحة الغري في تعيين قبر امير المؤمنين علي بن أبي طالب في النجف،لأبي المظفر غیاث الدين عبد الكريم بن أحمد بن موسی بن جعفر بن طاووس العلوي الحسني
2- ورد في(تفسير الإمام العسكري:547وما بعدها): قال أمير المؤمنين:دو سيصيب[اكثر]الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف لبعض من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام بها كانوا يفسقون،كما أصاب بني إسرائيل الرجز».قيل:ومن هو؟قال: غلام من ثقيف،يقال له:المختار بن أبي عبيد» و إنّ هذا الخبر اتّصل بالحجّاج بن یوسف،علیه لعائن اللّه،من قول علیّ بن الحسین علیهما السّلام،فقال:أمّا رسول اللّه فما قال هذا،و أمّا علیّ بن أبی طالب،فأنا أشکّ هل حکاه عن رسول اللّه،و أمّا علیّ بن الحسین،فصبیّ مغرور یقول الأباطیل،و یغرّبها متّبعوه،اطلبوا إلیّ المختار. فطلب و أخذ،فقال:قدّموه إلی النطع و اضربوا عنقه فأتی بالنطع،فبسط و أنزل علیه المختار،ثمّ جعل الغلمان یجیئون و یذهبون لا یأتون بالسیف.قال الحجّاج:ما لکم؟ قالوا:لسنا نجد مفتاح الخزانه،و قد ضاع منّا و السیف فی الخزانه. فقال المختار:لن تقتلنی،و لن یکذب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم،و لئن قتلتنی لیحیینی اللّه حتّی أقتل منکم ثلاثمائه و ثلاثه و ثمانین ألفا. فقال الحجّاج لبعض حجّابه:أعط السیّاف سیفک یقتله به،فأخذ السیّاف بسیفه،فجاء لیقتله به،و الحجّاج یحثّه،و یستعجله،فبینا هو فی تدبیره إذ عثر و السیف فی یده،و أصاب السیف بطنه فشقّه و مات،و جاء بسیّاف آخر و أعطاه السیف،فلمّا رفع یده لیضرب عنقه لدغته عقرب و سقط فمات،فنظروا و إذا العقرب،فقتلوه. فقال المختار:یا حجّاج!إنّک لن تقدر علی قتلی،....و لکن یا حجّاج!إنّ اللّه قد قضی أن أقتل منکم ثلاثمائه و ثلاثه و ثمانین ألف رجل،فإن شئت فتعاط قتلی،و إن شئت فلا تتعاط،فإنّ اللّه تعالی إمّا أن یمنعک عنّی،و إمّا أن یحیینی بعد قتلک،فإنّ قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم حقّ لا مریه فیه. فقال للسیّاف:اضرب عنقه. فقال المختار:إنّ هذا لن یقدر علی ذلک،و کنت أحبّ أن تکون أنت المتولّی لما تأمره،فکان یسلّط علیک أفعی کما سلّط علی هذا الأوّل عقربا. فلمّا همّ السیّاف بضرب عنقه إذا برجل من خواصّ عبد الملک بن مروان قد دخل فصاح:یا سیّاف!کفّ عنه و یحک،و معه کتاب من عبد الملک بن مروان، فإذا فیه:بسم اللّه الرحمن الرحیم،أمّا بعد!یا حجّاج بن یوسف!فإنّه سقط إلینا طائر علیه رقعه فیها،إنّک أخذت المختار بن أبی عبید ترید قتله،و تزعم أنّه حکی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم أنّه سیقتل من أنصار بنی أمیّه ثلاثمائه و ثلاثه و ثمانین ألف رجل،فإذا أتاک کتابی هذا فخلّ عنه،و لا تتعرّض له إلاّ بسبیل خیر،فإنّه زوج ظئر ابنی الولید بن عبد الملک بن مروان،و قد کلّمنی فیه الولید، و إنّ الذی حکی إن کان باطلا فلا معنی لقتل رجل مسلم بخبر باطل،و إن کان حقّا فإنّک لا تقدر علی تکذیب قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم. فخلّی عنه الحجّاج،فجعل المختار یقول:سأفعل کذا،و أخرج وقت کذا، و أقتل من الناس کذا،و هؤلاء صاغرون،یعنی بنی أمیّه. فبلغ ذلک الحجّاج،فأخذ و أنزل لضرب العنق. فقال المختار:إنّک لن تقدر علی ذلک،فلا تتعاط ردّا علی اللّه. و کان فی ذلک إذ أسقط طائر آخر علیه کتاب من عبد الملک بن مروان: بسم اللّه الرحمن الرحیم،یا حجّاج!لا تتعرّض للمختار،فإنّه زوج مرضعه ابنی الولید،و لئن کان حقّا فتمنع من قتله کما منع دانیال من قتل بخت نصر الذی کان اللّه قضی أن یقتل بنی إسرائیل. فترکه الحجّاج،و توعّده إن عاد لمثل مقالته.

ص: 114

إذن،فهي تفضل به بعض الأفاضل في حواشي(بحار الأنوار)هو قول متين وسليم،ويغلب الظن أن استئذان ابن زیاد من يزيد الرجس حول تسريح أسارى أهل البيت (علیهم السلام) إلى الشام أو قتلهم،كان عبر الحمام،وليس ذلك بمستبعد.

ومن المناسب هنا أن نورد تحقیقات شيخنا المحقق المحدث العلامة الحاج علي واعظ الخياباني رحمة الله في كتاب(تتمة محرم الحرام)من مجلدات(وقائع الأيام)، فقد أوضح حقيقة هذا الموضوع بشكل كامل وبین.

قال شيخنا المحدث رحمة الله:

•كتاب ابن زیاد إلى يزيد وجواب ذلك الرجس:قال في(الملهوف):وكتب عبيد الله بن زیاد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين (علیه السلام) وخبر أهل بيته و...ولا وصل الكتاب إلى يزيد ووقف

ص: 115

عليه،أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين (علیه السلام) ورؤوس من قتل معه،وبحمل أثقاله ونسائه وعياله(1) .

•كيفية إيصال الكتاب وجوابه:

وأنا المؤلف الحقير أقول:لم أعثر حتى الآن في أي تأريخ أو تأليف من تصانيف الخاصة والعامة-مع وجود الفحص الشديد والتفتيش الأكيد على كيفية إيصال هذا الكتاب إلى الشام وجوابه إلى الكوفة،وأنه على أي نحو كان وبأي وسيلة، والحال أنه يستفاد-كما في(تذكرة الخواص)و(القمقام)-أن الأساری قد رحلوهم في اليوم الخامس عشر مع الرؤوس من الكوفة إلى الشام!وكما في(التذكرة)-بعد نقله مجلس عبيد الله-قال:ثم إن ابن زیاد حط الرؤوس في يوم الثاني،وجهزها والسبايا إلى الشام(2) .

وبحسب رواية الشيخ الكفعمي(3) والشيخ البهائي(4) والعلامة

ص: 116


1- أنظر:اللهوف في قتلي الطفوف:99
2- تذكرة الخواص:260-الباب التاسع: ذكر إنفاذ الرؤوس والسبايا إلى ابن زیاد-عنه:القمقام الزخار2: 131-في بيان دخول أهل بيت العصمة والطهارة مجلس ابن زیاد لعنه الله تعالى
3- المصباح:510،وفيه:وفي أوله أدخل رأس الحسين (علیه السلام) دمشق،وهو عيد عند بني أمية
4- توضیح المقاصد:5،وفيه:شهر صفر...الأول فيه...حل رأس أبي عبد الله الحسين (علیه السلام)إلى دمشق،وجعلوه بنو أمية عيداً

المجلسي(1) وأبي ريحان صاحب(الآثار الباقية)و(القمقام الزخار)(2) و(روضة الأذكار)(3) ،فإن رأس الحسين (علیه السلام) قد أدل الشام في اليوم الأول من صفر،ولم يعترض معترض أو يتساءل:كيف تم إرسال الكتاب إلى الشام بعد عاشوراء،وكيف عاد الجوابإلى الكوفة،كي يتسنى التحرك يوم الخامس عشر من المحرم من الكوفة والدخول إلى الشام في الأول من صفر؟فالحال أن في تلك الأزمنة وفي الجاهلية وصدر الإسلام الأول كانت هناك وسيلة سريعة وواسطة فورية توصل الأخبار المهمة والمكاتيب العمدة بين البلدان البعيدة في زمين قصير،وتلك هي عبارة عن الحمام المعلم،وقد كان هذا الأمر معمولا به منذ القدم في الموصل ومصر والشام والقسطنطينية والكوفة وبغداد وحلب والمدينة وسائر البلاد العظيمة.

ص: 117


1- أنظر:مستدرك سفينة البحار6: 294-وقائع شهر صفر
2- الآثار الباقية:331،وفيه:صفر:في اليوم الأول أدخل رأس الحسين (علیه السلام) مدينة دمشق، فوضعه ایزیدا بين يديه ونقر ثناياه بقضيب كان في يده
3- روضة الأذكار:72(مخطوط)،وفيه:در روز اول این ماه،سر مبارک حضرت امام حسين را داخل دمشق گردانیدند،و این روز عید بني أميه است.وترجمته:وفي الأول من هذا الشهر اصفرا أوردوا رأس الإمام الحسين(علیه السلام) المبارك إلى دمشق،وهو عيد بني أمية

إذن،فقد كان التواصل بين ابن زیاد والشاميتم بهذه الطريقة،حتى تستی لهم في اليوم الخامس عشر إنفاذ الرؤوس والأسرى،وإيصالهم إلى الشام في الأول من صفر.وهكذا كانت مراسلات الشام والمدينة بعد هلاك معاوية في الخامس عشر من رجب بين يزيد والوليد،حينما أراد يزيد أخذ البيعة من الحسين(علیه السلام)،ثم امتناعه(علیه السلام)،وإرسال يزيد لكتاب آخر يأمر فيه بقتل الحسين(علیه السلام)،ثم خروجه (علیه السلام) في ليلة الثامن والعشرين من رجب إلى مكة.

كل ذلك ما كان ليتم خلال الأيام العشرة إلا بهذه الطريقة وبواسطة الحمام المعلم.

•وصول خبر موت معاوية من الشام إلى المدينة في اليوم الثاني بواسطة الحام:روى أحمد بن تاج الدين الإسترآبادي-من محدثي الإمامية-في كتاب آثار أحمدي)،عن عبد الله الأنصاري قال:كن مع جماعة عند الحسين (علیه السلام)،فهبت ريح من جهة الشام،فقال رجل ممن حضروا-وكان موالية لمعاوية:يا ابن رسول الله، قد كان جدك يخبر الناس إذا هبت الريح،فإن استطعت أن تخبرنا عما تقول هذه الريح!فقال(علیه السلام):تقول:لقد مات حاكم الشام،وجرع كأسا مصبرة!فلا سمع ذلك الملعون كلام الإمام (علیه السلام) استعظمه،ولم يجر جوابا غير السكوت،حتى

ص: 118

بلغ الخبر[في اليوم التالي](1) بموت معاوية ولحوقه بدار الجزاء(2) .إذن،فيعلم أن وصول الخبر ما كان إلا بواسطة الحمام!

•تفصيل البيان في الحمام المعلم:ومن اللازم في هذا المقام-لإثبات هذا الأمر-أن نورد تفصيلا في تأسيس هذا الأمر.قال في(قاموس المعارف)(3) :الحمام المعلم أو الحمام البريد،هو الحمام الذي يشد بجناحه الرسالة ليرسل من بلد إلى آخر،وذلك بحسب تربيته وتعليمه مسبقا،فيوصلها إلى المكان المراد بسرعة.

ص: 119


1- في المصدر:(يوم)
2- آثار احدي:490،والرواية منقولة باللغة الفارسية فترجمناها. وفي(بحار الأنوار92: 127- 128/ح10):عن صالح بن میثم قال:أخبرني أبو خالد التار،قال:كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة،فهبت ريح،وهو في سفينة من سفن الرمان،قال:فخرج فنظر إلى الريح،فقال:شدوا برأس سفينتكم،إن هذا ريح عاصف،مات معاوية الساعة.قال:فلما كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام،فلقيته فاستخبره،فقلت له:يا عبد الله،ما الخبر؟قال:الناس على أحسن حال،وقي أمير...،وبايع الناس یزید!قال:قلت:أي يوم توقي؟قال:يوم الجمعة
3- هو من تأليفات العلامة محمد علي المدرس التبريزي الخياباني رحمة الله،صاحب(ريحانة الأدب)،المتوفى سنة1373ه يقع في6مجلدات،ولم يطبع بعد-حسب الظاهر،وكان الشيخ المحدث صاحب(وقائع الأيام)معاصرا له،وعاشا معا في مدينة واحدة

وقد كان ذلك متداولا في الأزمنة السابقة،وكذا في صدر الإسلام الأول بين المسلمين،وكان أول استخدامه في الموصل(1) ،ثم في مصر في عهد الدولة الفاطمية،ثم في زمن بني العباس للمراسلات بين بغداد والإسكندرية،وكانوا يسمونه:حمام حلب.ثم رتبوا له في القرن السابع الهجري في عهد الأيوبيين إدارة خاصة،وبنوا أبراج خاصة وكثيرة في قلعة القاهرة،وبلغ عدد الحمام المرسال في ذلك الوقت إلى ألف وتسعمئة.وبالجملة،فقد كان متداولا استخدام الحمام حتى أواسط القرن الخامس عشر،إلى حين نشأة التلغراف الإلكتروني(2) .

•حکایات الحمام المعلم:ولتوضيح المطلب و تأييد المقصد،يكون من المناسب أن ننقل بعض الحكايات:-حكاية العقبة وحفظ الله تعالى للنبي(صلی الله علیه واله) وأمير المؤمنين(علیه السلام)،وحمل المنافقين لخبر السماء على الإيصال بواسطة الحمام:قال في (حياة القلوب)في ذیل غزوة تبوك وقصة العقبة:إن بعض أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السلام) قالوا له:کاتب بهذا [أي:كيد

ص: 120


1- لا تخلو العبارة من تسامح،كما اتضح مما سبق،وربما يقصد رحمة الله أول اشتهار استخدامه
2- البرقية أو التلغراف(Telegraph):هو جهاز اتصالات استخدم في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لإرسال البرقيات والنصوص،يعتمد على ترميز الحروف بنبضات كهربائية،ويرسلها عبر الأسلاك إلى آخر يطبع تلك النبضات(أنظر:موسوعةویکیپیدیا)

المنافقين وتدبيرهم في قتله،ولطف الله بنبیه (صلی الله علیه واله)وحفظه له وأرسل إلى رسول الله.فقال علي:«رسول الله إلى رسول الله أسرع،وكتابه إليه أسبق».فلما اقترب رسول الله (صلی الله علیه واله) من العقبة التي دبر المنافقون فيها قتله نزل،ثم أخبرهم بما أوحى له الروح الأمين جبرئيل من الجمع الذين دبروا قتل علي (علیه السلام) على باب المدينة وحفظ الله له،فلما سمع الأربعة والعشرون أصحاب العقبة ما قاله (صلی الله علیه واله) في أمر علي (علیه السلام)،قال بعضهم البعض:ما أمهر محمدا بالمخرقة(1)،إن فيجا(2) مسرعا أتاه،أو طيرة من المدينة من بعض أهله وقع عليه!(3)

إذن،فيعلم أن المراسلة بواسطة هذا الحمام المعلم كان مما هو متداول في الحجاز في زمن الجاهلية، ولذا حمل المنافقون إخبار السماء على إيصال الحمام المرسال-حكاية الحجاج والمختار ومجيء الحمام بالخبر مرتين:قال في(جلاء العيون):قال الحجاج:اطلبوا إلى المختار؛فطلب وأخذ،فقال:قدموه إلى

ص: 121


1- الاختراق کالاختلاق،و تخترق الكذب كتخلقه،والمخارق:الأكاذيب(العين:خرق)
2- قال الفراهيدي:القيج:اشتق من الفارسية،وهو رسول السلطان على رجله(العين:فيج).وقيل:هو الذي يسعى بالكتب(لسان العرب:فيج)
3- أنظر:تفسير الإمام العسكري(علیه السلام):383،حياة القلوب4: 1250-الباب45

النطع(1) واضربوا عنقه.فأتي بالنطع فبيط، وأنزل عليه المختار،ثم جعل الغلمان يجيؤون ويذهبون لا يأتون بالسيف.قال الحجاج:ما لكم؟!قالوا:لسنا نجد مفتاح الخزانة،وقد ضاع ما،والسيف في الخزانة.فقال المختار:لن تقتلني، ولن يكذب رسول الله(صلی الله علیه واله)،ولئن قتلتني ليخييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمئة وثلاثة وثمانين ألفا.فقال الحجاج لبعض حجابه:أعط السياف سيفك يقتله به.فأخذ السياف بسيفه،فجاء ليقتله به،والحجاج يحثه ويستعجله،فبينا هو في تدبيره إذ عثر والسيف في يده،وأصاب السيف بطنه فشقه ومات،وجاء بسيافي آخر وأعطاه السيف،فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فات،فنظروا وإذا العقرب،فقتلوه.فقال المختار:یا حجاج،إنك لن تقدر على قتلي،ويحك يا حجاج!أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان لسابور ذي الأكتاف حين كان يقتل العرب ويصطلمهم،فأمر نزار ولده فوضع في زنبيل في طريقه،فلما رآه قال له:من أنت؟قال:أنا رجل من العرب،أريد أن أسألك:لم نقتل هؤلاء العرب ولا ذنوب لهم إليك،وقد قتلت الذين كانوا مذنبين وفي عملك مفسدين؟قال:لأتي وجدت في الكتب أنه يخرج منهم رجل

ص: 122


1- النطع-بالكسر والفتح-:بساط معروف،يصنع من الأديم(أنظر:العين،مجمع البحرین،لسان العرب:تطع)

يقال له:محمد،يدعي النبوة،فيزيل دولة ملوك الأعاجم ويفنيها،فأنا أقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل.قال:فقال له نزار:لئن كان من وجده من كتب الكذابين، فيما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين بقول الكاذبين!وإن كان ذلك من قول الصادقين فإن الله سبحانه سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل،ولن تقدر على إبطاله،ويجري قضاؤه وينفذ أمره ولو لم يبق من جميع العرب إلا واحد!فقال سابور:صدق،هذا نزار-بالفارسية يعني المهزول،كفوا عن العرب. فكفوا عنهم.ولكن-ا حجاج-إن الله قد قضى أن أقتل منکم ثلاثمئة وثلاثة وثمانين ألف رجل،فإن شئت فتعاط قتلي،وإن شئت فلا تتعاط،فإن الله تعالى إما أن يمنعك عتي،وإما أن يخييني بعد قتلك،فإن قول رسول الله(صلی الله علیه واله) حق لا مرية فيه. فقال للسياف:اضرب عنقه.فقال المختار:إن هذا لن يقدر على ذلك،وكن أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره،فكان يسلط عليك أفعی کا سلط على هذا الأول عقربة.فلا هم السياف بضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح:یا سیاف،کف عنه،ويحك!ومعه کتاب من عبد الملك بن مروان،فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.أما بعد یا حجاج بن يوسف،فإنه سقط إلينا طائر عليه رقعة،فيها أنك أخذت

ص: 123

المختار بن أبي عبيد تريد قتله،وتزعم أنه حكى عن رسول الله[(صلی الله علیه واله)]أنه

سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمئة وثلاثة وثمانين ألف رجل،فإذا أتاك كتابي هذا فخلى عنه،ولا تتعرض له إلا بسبيل خير؛فإنه زوج ظئر ابني الوليد بن عبد الملك بن مروان،وقد كلمني فيه الوليد،وإن الذي حکی إن كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخير باطل،وإن كان حقا فإنك لا تقدر على تكذيب قول رسول الله[(صلی الله علیه واله)].فخلى عنه الحجاج،فجعل المختار يقول:سأفعل كذا،وأخرج وقت كذا، وأقتل من الناس كذا.وهؤلاء صاغرون،يعني بني أمية.فبلغ ذلك الحجاج،فأخذ وأنزل لضرب العنق،فقال المختار:إنك لن تقدر على ذلك،فلا تتعاط ردا على الله. وكان في ذلك إذ أسقط طائر آخر علیه کتاب من عبد الملك بن مروان:بسم الله الرحمن الرحیم.یا حجاج،لا تتعرض للمختار،فإنه زوج مرضعة ابني الوليد،ولئن كان حقا فتمنع من قتله كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان الله قضى أن يقتل بني إسرائيل. فتركه الحجاج..(1) .

فيتعين أن التراسل العاجل في زمن بني أمية كان بواسطة الحمام،ففي المرتين يسقط طائر على الحجاج بن يوسف وعلى عبد الملك لإيصال

ص: 124


1- تفسير الإمام العسكري(علیه السلام):547وما بعدها-به عنه:جلاء العيون:800-الباب5

الخبر.

وكان حسان بن ثابت الأنصاري من الشعراء المخضرمين في الجاهلية وقد أدرك الإسلام،كذلك أشار في أشعاره إلى هذا الطير المعلم قال الشريف المرتضى في(الفصول المختارة):وقد كان منه(أي:حسان بن ثابت بعد رسول الله (صلی الله علیه واله)انحراف شديد عن أمير المؤمنين(علیه السلام)،وكان عثمانية،وحرض الناس على أمير المؤمنين(علیه السلام)،وكان يدعو إلى نصرة معاوية،وذلك مشهور عنه في نثره ونظمه ألا ترى إلى قوله:

يا ليت شعري وليت الطير تخبرني

ما كان بين علي وابن عفانا

ضحوا بأشم عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحة وقرآنا

ليسمعن وشيكة في ديارهم:

الله أكبر،یاثارات عثمانا(1)

حشره الله مع محبوبيه عثمان ومعاوية،وحفظنا من سوء العاقبة(2) .ثم بعد أن ذكر المحدث الخياباني رحمة الله ما مر،شرع بالنقل عن(تاريخ حلب)القاضي القضاة محب الدين أبي الفضل محمد بن شحنة الحلبي الحنفي،وسرد قضایا التتار وهجومهم على قلعة حلب،والبرج الذي هدموه التتار وقد كان بنيللحمام بأمر الملك المظفر،وذلك في سنة928ه،ثم شرع في بيان البرج الذي أسس في حديقة

ص: 125


1- الفصول المختارة:258
2- وقایع الأيام2: 300-307

ملك طهران لتعليم الحمام وتربيته..وحيث كان هذا خارجة عن مرادنا فقد أعرضنا عن نقله،ومن شاء فليراجع كتاب(وقائع الأيام في تتمة محرم الحرام).

إذن،فقد تحصل ما مر أن الحمام كان يستخدم للرسائل منذ صدر الإسلام الأول، بل منذ زمن الجاهلية،وما ادعاه بعض الأفاضل من العلماء في هامش المزار ل (بحار الأنوار)-من أن استئذان ابن زیاد من يزيد كان بواسطة الحمام-هو ادعاء صحيح،وما اعتبره المحدث النوري رحمة الله من فساد الماعی لا دليل له عليه.

وكذا يصح ما نقله سبط ابن الجوزي(1) وآخرون من أن أسارى العترة النبوية قد شيروا في يوم الخامس عشر من المحرم من سنة61ه من الكوفة إلى الشام، وأنهم أدخلوا إلى الشام في الأول من صفر،ومكثوا فيها ما يقارب الثمانية أيام، وكانت مدة مسيرهم من الكوفة إلى الشام هي خمسة عشر يوما،ساروا فيها بسرعة البريد کا مر شرحه،ثم عادوا فيمسير اثني عشر يوما تقريبا،ويقرب جدا أنهم قصدوا الكوفة من الشام عبر طریق مستقیم،ثم إذا اقتربوا من كربلاء طلبوا من الدليل أن يعرج بهم عليها لیزوروا قبر سيد الشهداء الحسين (علیه السلام) وقبور الشهداء(علیه السلام).

أما الذين أثاروا الشبهات وحاكوا الإشكالات حول مجيء أسارى العترة النبوية من الشام إلى العراق في يوم العشرين من صفر سنة61لهجرة في يوم الأربعين،حتى عدوه من المحالات،فإنهم لا إحاطة لهم ولا معرفة بأحوال البريد وسرعة سيرهم في

ص: 126


1- قد تقدم أن ابن الجوزي قال في(تذکرة الخواص:290)-بعد نقله مجلس عبيد الله-:ثم إن ابن زیاد حط الرؤوس في يوم الثاني،وجهزها والسبايا إلى الشام

تلك الأزمنة،ولا بعمل الحمام الزاجل ووجوده في زمن بني أمية،ولم يكن لهم من التحقيق الوافي حول قضيةالأسرى وذهابهم إلى الشام ورجوعهم واستئذان ابن زیاد من يزيد بشأنهم بواسطة الحمام،ولذا وقعوا في كل تلك الأخطاء والاستبعادات،وكانت إثاراتهم سببا لتشويش أفكار الناس وتشکیکهم.

ص: 127

ص: 128

الإشكال السادس وجوابه

أما ما أشكله المحدث النوري رحمة الله-سادسة-لاستبعاد مجيء ركب السبي إلى کربلاء في الأربعين الأولى،فهو ما يلي:

إذا كان الإمام السجاد (علیه السلام) وجابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله وجماعة من بني هاشم قد وصلوا إلى كربلاء في يوم واحد،فإن من غير المناسب أن يعتبر جابر أول زائر لسيد الشهداء (علیه السلام)،كما قال الشيخ المفيد في(مسار الشيعة): وهو أول من زاره!(1)

ص: 129


1- قال الشيخ المفيد:وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سیدنا ومولانا أبي عبد الله (علیه السلام) من الشام إلى مدينة الرسول،وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري رحمة الله صاحب رسول الله (صلی الله علیه واله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبد الله(علیه السلام)،فكان أول من زاره من الناس(مسار الشيعة:46).أقول:لا إشكال في أن أول من زار قبر سيد الشهداء (علیه السلام) هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد (علیه السلام)،وذلك عند حضوره لدفن الجسد الطاهر وسائر أجساد الشهداء مع بني أسد،كما تقدم الكلام في ذلك

ودليل المحدث النوري رحمة الله هذا علي ومهزوز جدا؛فإن وصول جابر والإمام في وسائر بني هاشم إلى كربلاء في نفس اليوم يستلزم في الواقع أيضا أن يكون جابر هو الزائر الأول،فإن جابر رحمة الله-بلا شك-قد وصل إلى كربلاء قبل وصول الإمام (علیه السلام) وسائر أفراد العترة النبوية وبني هاشم،ولم يكن معه سوی غلامه وعطية العوفي رحمة الله،ولم يقل قائل أبدا-کما لم أجد في موضع ما-أن شخصا رابعة كان معهم باسم عطاء،وكان ورود جابر وغلامه وعطية قبل وصول الإمام (علیه السلام)إلى کربلاء، فاغتسل عند ذلك جابر وحضر القبر المبارك،ثم كان بعد ذلك وصول الإمام (علیه السلام) مع مخدرات العصمة والطهارة بعد أداء جابر ومن معه الزيارة،ولذا-بحسب الظاهر-فإن جابر الأنصاري رضوان الله عليه كان بالفعل هو الزائر الأول،وإن كان معه عطية وغلامه،ولكن نظرة لجلالته وعظمته وكونه من کبار صحابة رسول الله (صلی الله علیه واله) ومن المعتمرين منهم وآخر من بقي منهم،فقد عد الزائر الأول،وقد نال هذا المقام الرفيع.وقد كان جابر على مرتبة عظيمة في أعين المسلمين،حتى أن الإمام الباقر (علیه السلام) كان يسند إليه بعض الروايات من باب التقية،لكي لا يكذبه العامة والنواصب. (1)

ص: 130


1- عن أبان بن تغلب، قال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام،قال: إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت، وكا يقعد في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهو معتم بعمامة سوداء، وكان ينادي: يا باقر العلم يا باقر العلم وكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر: فكان يقول: لا والله، لا أهجر، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي، اسمه اسمي، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول، قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة، إذ هو بطريق في ذلك الطريق، كتاب فيه محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فلما نظر إليه، قال: يا غلام أقبل، فأقبل: ثم قال: أدبر فأدبر فقال: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك؟ فقال: اسمي محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأقبل عليه يقبل رأسه، وقال: بأبي أنت وأمي، رسول الله صلى الله عليه وآله، يقرئك السلام، ويقول لك... ويقول لك». قال: «فرجع محمد بن علي ( عليهما السلام ) إلى أبيه علي بن الحسين وهو ذَعِرٌ، فأخبره الخبر، فقال له: يا بنيَّ! قد فعلها جابر؟ قال: نعم! قال: يابني! الزم بيتك». قال: «فكان جابر يأتيه طرفي النهار؛ فكان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر! يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله! فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين ( عليهما السلام )، فكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال: «فجلس فحدّثهم عن أبيه، فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قط أجرأ من ذا»! قال: «فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول الله؛ قال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قطّ أكذب من هذا يحدّث عمَّن لم يره»! قال: «فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبدالله، فصدَّقوه وكان جابر والله يأتيه يتعلّم منه».(إختيار معرفة الرجال217:1 ح 88).

وبغض النظر عما مر،فإن القول بأن جابرة أول من زار قبر الحسين(علیه السلام) هو قول الشيخ المفيد رحمة الله،وقد بينا سابقا أن الشيخ المفيد رحمة الله وأمثاله لم يبلغهم خبر ورود الإمام السجاد (علیه السلام) إلى كربلاء في الأربعين سندا عن مشايخهم،ولذا لم ير الشيخ المفيد رحمة الله إلى ذلك،ولكن بلغه خبر تشرف جابر مسندة،ولذلك أشار إليه وصرح به،وعده أول زائرللقبر المطهر،وهذا لا يعني أننا لا نستطيع إثبات وصول الإمام (علیه السلام) وسائر أفراد العترة المعصومة في الأربعين الأولى إلى كربلاء من طرق ومصادر أخرى!

ص: 131

ص: 132

الإشكال السابع وجوابه

أما الدليل السابع للشيخ المحدث النوري رحمة الله فهو:

إن أسارى أهل البيت (علیهم السلام) قد خرجوا من الشام قاصدين وطنهم المدينة المنورة،وما كان من المير لهم أن يقصدوا العراق لزيارة قبر سید الشهداء (علیه السلام) من دون علم يزيد الرجس،وكان يزيد رجلا خسیس دنيء

الطبع،وما كان ليسمح لهم بذلك أبدا.وهذا الدليل أيضا لا يعدو كونه مجرد احتمال،فإن يزيد أول أمرهم إلى النعمان أن يخرج بهم وأن يرفق بهم حتى يوصلهم إلى وطنهم،وأن يكون تحت طاعتهم لا يعصي لهم أمراً(1) لذا لا يبعد أن يكون الإمام زين العابدین (علیه السلام) قد أمره بأن يوجه

ص: 133


1- قال في(الإرشاد2: 122):ثم ندب يزيد النعمان بن بشير،وقال له:تجهز لتخرج بهؤلاء النسوان[خ ل:النسوة]إلى المدينة. ولما أراد أن يجهزهم، دعا علي بن الحسين عليهما السلام فاستخلاه [خ ل: فاستخل به] ثم قال له: لعن الله ابن مرجانة، أم والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولكن الله قضى ما رأيت؟ كاتبني من المدينة وأنه كل حاجة تكون لك. وتقدم بكسوته وكسوة أهله، وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل، ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه [خ ل: طرف عین]، فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم. فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم - كما وصاه يزيد - ويرعونهم حتى دخلوا المدينة.

الركب إلى العراق،وأن يكون النعمان قد أطاعه في ذلك،كما هو صريح التاريخ من أن العترة النبوية بعد خروجهم من الشام قد طلبوا من النعمان أن يرجع قطار القافلة إلى کربلاء(1) .

فمن أين يعلم أن يزيد لم يأمر النعمان سترة بأن العترة النبوية إن طلبوا منه الذهاب إلى العراق أن يقبل وأن لا يخرج عن أمرهم؟ولعل السياسة في ذلك الوقت أيضا كانت تقتضي ذلك من جهة الرفق بالعترة المعصومة،فإنالوضيعين واللؤماء يتحملون مخارج كثيرة لحيلهم وسياستهم وتزویراتهم وإصلاح أعمالهم، حتى أنهم ينفقون بيت مال المسلمين في موارد تافهة يحتملون بسببها استقرار رئاستهم في أيامهم المعدودة..فمن أين يعلم أن يزيد الرجس لم يلحظ كل ذلك؟بل اقتضى ذلك من أجل إسكات الناس والتخفيف من فورة غضبهم بعد اشتهار أمر شهادة ريحانة

ص: 134


1- قال السيد ابن طاووس في(اللهوف في قتلى الطفوف:119و115): قال الراوي:لما رجع نساء الحسين (علیه السلام) وعياله من الشام وبلغوا العراق،قالوا للدليل:م بنا على طريق كربلاء،فوصلوا إلى موضع المصرع...قال الراوي:ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة

رسول الله صلی الله علیه واله الذي أدى إلى غيضهم على يزيد،ومن أجل أن يلقي بمسؤولية قتل الإمام علا على عاتق ابن زیادويتنصل عنها بأنه لا علم له بما جرى،ليصد غضب الناس ويكبح فورتهم ضده،كل ذلك اقتضى أن يوقر الأسباب لزيارتهم لسيد الشهداء إلا ويهيئ ذهابهم إلى كربلاء ثم قال العلامة النوري رحمة الله:

إن راوي قصة مجيء أسارى أهل البيت(علیهم السلام) إلى كربلاء المروية في (اللهوف)مجهول.ويقال في الرد على قوله:كما اعترف المحدث النوري رحمة الله نفسه،فإن هذا النقل هو من قبيل نقولات التواريخ والوقائع والحوادث التي يذكرها المؤرخون في مصتفاتهم،وهذا ليس من قبيل روايات المحدثين المسندة لنبحث عن الراوي وأحواله،وليست هي من الأحكام الشرعية لتحرى عدالة الرواة ووثاقتهم ونرجع فيها إلى أقوال أصحاب الجرح والتعديل!

وإن كان بعض المتقدمين من المؤرخين-كالطبري وأمثاله-نقلوا مسندة بطرقهم،

حتى ظن البعض صحة ما نقلوا من أكاذیب و روایات موضوعة.

إذن،فمجرد ذكر الراوي للخبر لا يعني صحة الخبر ولا يستلزم الاعتماد عليه،بل يلزم أولا النظر في حال المؤلف للكتاب والتأكد من وثاقته وضبطه ودقته في النقل، فإن أحرزنا ذلك واطما

لوينه وأمانته وعدالته،اعتمدنا على كتابه وما نقله فيه من الحوادث والأخبار، وما لم يثبت فيه الخطأ في النقل كانت نقولاته محل اطمئنان

ص: 135

واعتماد (1)

ص: 136


1- من المناسب جدا هنا أن يلقي القارئ الكريم نظرة على المدخل من كتاب (المولى الغريب مسلم ابن عقيل (علیهما السلام) - وقائع السفارة 1: 97 – 98)، لساحة السيد على أشرف الحسيني حفظه الله ورعاه، فقد وضع بعض المعالم والشواخص، ورسم الحدود التي يمكن أن تضبط حركة القارئ أو الباحث على صفحات التاريخ، وتجعله يقبل أو يرد أو يتوقف - وهو واثق - في كل حادثة تتعلق بتاريخ أهل البيت (علیهم السلام) عامة وسيد الشهداء (علیه السلام) خاصة. وهذه الحدود والضوابط - باختصار - هي: أولا: اتهام النص التاريخي، فالنص المجرد عندنا مهم و قابل للمناقشة حتى تثبت صحته، بغض النظر عن السند؛ إذ لا مسوغ شرعي ولا عقلي ولا عرفي لتقديس المؤرخ بها هو مؤرخ، بل إنها رأينا - من خلال التتبع والممارسة . خلاف ذلك تماما. ولا يخفى أن الكلام هذا يتركز على المؤرخ وراويه، أما إذا كان ثمة عالم من علماء الدين الحق قد كتب في التاريخ فإن له مقامه ومنزلته واحترامه وتقديره الخاص الذي يليق به ويستحقه، بيد أنه يبقى في حصة التاريخ يروي عن المؤرخ، وتبقى مادته التي يحررها مادة تاريخية، ولسنا نعهد مؤرخة من هذا النمط في القرون الأولى، إلا إذا جعلنا (کتاب شلیم بن قیس) مادة تاريخية. ثانيا: السند، فإن لكل علم قوانین و ضوابط وأدوات وموضوعة تدور حوله مسائله وجزئياته وتفاصيله، ولا يصح توظيف قوانين علم وأدواته على علم آخر، إلا إذا كان ثمة اشتراك واتحاد في الموضوع. وهنا نريد الإشارة من بعيد إلى أن التاريخ وأسانيده وطرق إثبات الواقعة أو الحقيقة التاريخية يختلف تماما عن علم الدراية والفقه والأصول؛ فالشواخص والموازين الفاعلة في الفقه لإثبات الحكم الشرعي لا يصح تحكيمها في مجال التاريخ وإعمال نفس الضوابط، أو الارتكاز إلى ذات الأصول الفنية المتشددة المعمول بها في الفقه بغية الوصول إلى الحكم الشرعي الإلزامي، فإن لكل واحد من هذه العلوم طرقه ووسائله للوصول إلى المعلومة المبتغاة فيه. من هنا يُعدّ التداخل الّذي يحصل في تحكيم قواعد (التشدّد السنديّ) في تمحيص الحدَث أو المعلومة التاريخيّة خلطاً غير موفّق ولا مستقيم وغير مُنتِج، بل سيكون عقيماً. ولو أردنا إعمال مقاسات (التشدّد السنديّ) والتركيز على ميزان (الجرح والتعديل) في معالجات التاريخ، لَتبدّد التاريخ ومُحيَت صفحاته، ولَما سمعنا بما جرى في كربلاء، إلّا عمومات ونوادر ربّما صمدت في حقل الدراسات السنديّة، إذ أنّها وردت بأسانيد صحيحة عن أهل البيت(علیهم السلام). . . ثالثاً: ارتكاز المؤرّخ على بنائه العقليّ إنّ المؤرّخ مهما كان لابدّ أن يكون مرتكزاً إلى سوابقه ومرتكزاته وبنائه العقليّ والعقائديّ والنفسيّ ومؤهّلاته الذاتيّة، وغيرها من المؤثّرات في إدراك الحدث وفهمه وتقييمه وطريقة صياغته، سواءً كانت مرتكزاته اعتقاديّةً أو تربويّةً أو نفسيّة، أو بدوافع الأهواء والطمع بما عند السلطان، أو غير ذلك.. ولا نتصوّر ما يسمّونه بالموضوعيّة والتجرّد في طريقة صياغة الحدث عند غير المعصوم، ولو وُجد فهو أندر من النادر، بل ربّما لا يكون أبداً، فكلّ مَن يشهد حدَثاً ويرويه فهو يشهده ويرويه بمنظاره الخاصّ ووفق موازينه ومدركاته ومرتكزاته ومستوى فهمه. ويحق لمن يقرأ الحادثة ويريد أن يصوغها بطريقته الخاصة البحث والتأقل لاكتشاف مرتكزات الراوي، ثم مناقشته وفق مرتكزاته العقائدية التي يعتقدها (هو كمتل) حقا، ثم يصوره ويصوغه من جديد، أو يتوقف فيه أو يرفضه ويرده، بناء على موافقته أو مخالفته لمعتقداته ومرتكزاته. رابعاً: أخذ ما وافق الشروط المقرّرة إنّ المؤرّخ وإن كان متّهَماً فيما يرويه؛ لاختلاف المرتكزات والعقائد، أو اتّهامه بالكتابة للسلطان الجائر على الأقلّ، فإنّه وراويه لا يعدّ كاذباً مطلقاً بحيث لا يجوز الأخذ عنه بتاتاً، كما لا يُفترض فيه العصمة، فربّما نقل لنا خبراً وحدّثَنا حديثاً يخلط فيه الواقع بما يحقّق رضى السلطان وأغراضه، أو يوافق معتقدات المؤرّخ وأهوائه، والحسم في التمييز العرض على الثوابت المقرّرة، فما احتواه الخبر ممّا يوافقها فهو مقبول، وما خالفها فهو متوقّفٌ فيه أو مردود. وبناءً على هذا ربّما يكون في الخبر الواحد ما يُرَدّ وما يُقبَل وفق الموازين المقرّرة، لا اعتباطاً وتشهّياً وتحكيماً للهوى! خامساً: طرح ما خالف الأُصول الاعتقاديّة تُعدّ المتبنّيات العقائديّة والأُصول الموضوعة في العقيدة كبديهيّات ترجع إليها كلّ علوم الدين وما يتعلّق بتاريخ الإسلام وشريعته.فإذا ورد أيُّ حدَثٍ يخالف صراحةً ما نعتقده من ضروريّات المذهب الحقّ، ويكون غير قابلٍ للتأويل بما ينسجم معها، فهو مطروح! سادساً: أن لا يخالف التاريخ حديث أهل البيت(علیهم السلام) يُشترط في الخبر التاريخيّ أن لا يخالف الحديث الشريف المرويّ عن أهل بيت العصمة(علیهم السلام)، فإنّ الحديث المرويّ عنهم بطرقنا _ بغضّ النظر عن كونه نصّاً معصوماً وما يترتّب على ذلك _ فإنّه يبقى في أقلّ التقادير نصّاً تاريخيّاً ينتسب إلى المعصوم(علیه السلام)، فإذا تعارض المؤرّخ كابن سعدٍ والطبريّ والبلاذريّ وغيرهم مع ما يرويه الكلينيّ والبرقيّ والصدوق وغيرهم عنهم(علیهم السلام)، فإنّنا نقدّم ما يرويه أعلامنا، ضمن الأُصول المقرّرة. سابعاً: أن لا يخالف المسلّمات القطعيّة يُشترط في النصّ التاريخيّ أن لا يخالف مرتكزاتنا القطعيّة بالأشخاص والوقائع، فلو روى لنا التاريخ ما يفيد _ ولو إشارةً _ جُبن أحد الأولياء أو فراره من الزحف غير متحيّزٍ إلى فئة، أو ارتكابه ما لا يليق بالمؤمن، سيّما إذا كان الخبر غير قابلٍ للتأويل بما يناسب شخصيّة ذلك الوليّ. أو يروي لنا التاريخ ما يخالف المسلَّم التاريخيّ الثابت عن أهل البيت(علیهم السلام)، كتقييم شخص، أو رضاهم عنه، أو سخطهم عليه.مرفوضٌ مردود. ثامناً: أن لا يكون دفاعاً عن الظالم أن لا يكون في كلام المؤرّخ ما يكون دفاعاً عن ظلم الظالم، وتبريراً لمواقف السلطان الجائر الحاكم، وطمساً لمظلوميّة المظلوم، وتصويراً للحدَث بما يخدم صاحب البلاط والأجير والمأجور. ففي مثل هذه الحالات نتريّث، ثمّ نجمع الشواهد، وندرس القرائن، ونحلّل المواقف، فربّما كان أصل الحدث قد حصل وفعَلَه السلطان، غير أنّه كان موقفاً يُراد له أن يُسجَّل في التاريخ لتحقيق الأغراض المنشودة، فحينئذٍ قد نقبل صدور الحدث بشرط أن يكون ضمن بيان دوافعه، بحيث لا يشكّل تزكيةً للظالم، أو إثباتاً لفضيلةٍ له هو عارٍ عنها ممنوعٌ منها. وكذا إذا حدّثنا التاريخ بما يُثبِت منقبةً لعدوّ الله في موقفٍ يُثبت فيه ما لا يليق أو بضدّ تلك المنقبة لوليّ أهل البيت(علیهم السلام). تاسعاً: أن لا يخالف إجماع الشيعة أن لا يخالف بديهةً من بديهيّات الشيعة، والمجمَع عليه بينهم، وما اتّفقوا عليه، بشرط أن يكون المشهور المتّفَق عليه في الأعصار والأمصار غير معتمِدٍ على نصٍّ تاريخيّ معروف، وهو ما قد يُطلَق عليه ب (سيرة المتشرّعة)، كأن يشتهر عندهم عن طريق التناقل بالصدور كابراً عن كابر، أو استناداً إلى ما رُوي عندهم عن طريق أهل البيت(علیهم السلام)، وإن كان بالموازين الفنّيّة التخصّصيّة يُسمّى ضعيفاً. عاشراً: استكشاف بعض الأحداث من الوقائع اذ يمكن لمن قرأ التاريخ بتأمّلٍ أن يجمع عدّة أحداث يرويها المؤرّخون متفرّقةً ضمن عرض صورةٍ واحدة، فيجعلها مقدّماتٍ لاستخلاص نتيجةٍ تكون قوّتها بقوّة مقدّماتها. الحادي عشر: تفصيل المختصر ربّما اختصر المؤرّخ حدثاً كاملاً أو أحداثاً في عبارةٍ لأيّ غرضٍ من أغراضه، وحينئذٍ يمكن فكّها والاستفادة منها، ونثر ما في بطنها، ليخرج منها عسكرٌ كاملٌ أحياناً، أو حربٌ بكلّ تفاصيلها الثاني عشر: فكّ رموز كلام أهل البيت(علیهم السلام) يُلاحَظ أنّ أهل البيت(علیهم السلام) عوّدونا على التعبير عن الأحداث التاريخيّة بعباراتٍ مختصرةٍ جدّاً، أو أشاروا إليها بأُسلوب التشفير والترميز، أو دمج الأحداث الضخمة الكبيرة وضغطها في رموز وألفاظ جزلةٍ قويّةٍ عميقةٍ لا تتعدّى الجملة المكوّنة من ثلاث أو أربع كلمات، بل قد تكون كلمةً أو كلمتين، بَيد أنّها تحكي حدثاً يستوعب صفحاتٍ كثيرةً إذا ما فُكّت الرموز، وذلك للتقيّة أو لأسباب أُخرى: كقولهم: «سُبينا سبيَ تُركٍ وكابل»، أو: «سُبينا كما يُسبى الديلم». أو قولهم: «ذُبح جدّي الحسين(علیه السلام) كما يُذبَح الكبش». أو قول الرضا(علیه السلام): «يوم عاشوراء أذلّ عزيزنا». أو خطب الصدّيقة الصغرى(علیها السلام)، وخطب سيّدالساجدين(علیه السلام)، وخطب الإمام سيّد الشهداء(علیه السلام)، وهكذا.. الثالث عشر: ملاحظة تفرّق الحدَث يُلاحَظ تفرّق الحدَث عند المؤرّخ أحياناً كثيرة، فهو يستعرض حركة مولانا مسلم بن عقيل(علیهما السلام) مثلاً من مكّة إلى الكوفة ضمن عرضه لحركة قيام سيّد الشهداء(علیه السلام)، فيذكر انطلاقه من مكّة وهو يتحدّث عن أيّام إقامة سيّد الشهداء(علیه السلام) في مكّة، ثم يغيّب المشهد أحداث حركة المولى مسلم بن عقيل(علیهما السلام) ويستمرّ في الحديث عن قيام سيّد الشهداء(علیه السلام) وغيره من الأحداث، ثمّ يعود للحديث عن المولى الغريب(علیه السلام)، ممّا يؤدّي إلى تشتّت الذهن، وفتح المجال لتسريب الأكاذيب أو التلاعب بالحدث. الرابع عشر: الاستناد إلى غير المصادر العربيّة فللدارس أو الباحث والمحقّق أن ينفلت من طوق الاقتصار على المصادر العربيّة للوصول إلى الأحداث والوقائع أو الحقائق التاريخيّة، فإنّ لكلّ أُمّةٍ طريقها إلى التاريخ، وربّما سجّلَت بطرقها أحداثاً لم تكن في مرمى النظر للراوي الّذي يعتمده المؤرّخ الكاتب بالعربيّة، أو أنّه رصد ما لم يهتمّ به الراوي الآخر، أو لم يلتفت إليه فما رواه المؤرّخ البريطانيّ وسجّله من (مطر السماء دماً في بريطانيا يوم عاشوراء) لا يمكن للمؤرّخ الّذي يعيش بالجزيرة أو العراق أن يسجّله في نفس يوم عاشوراء من تلك السنة؛ لأنّه خارجٌ عن مرمى نظره ونظر راويه. النتيجة: تبيّن ممّا مرّ: أنّ الترّ والشاقول الّذي يُقاس إليه التاريخ فيُرَدّ إليه الزائد ويُلحَق به الناقص، والميزان الّذي على أساسه يُقوّم الحدث التاريخيّ المرويّ، إنّما هو:1. كتاب الله.2. سُنّة النبيّ(صلی الله علیه و آله) والأئمّة المعصومين(علیهم السلام).3. الاعتقادات الضروريّة الحقّة.4. المرتكزات الموافِقة للحقّ.فما وافق كلام أهل البيت(علیهم السلام) أو لم يخالفه قبلناه (ومنه تتألّف منظومة العقائد والمسلّمات والمرتكزات الحقّة).وما خالف ذلك فهو ساقطٌ لا يُعتمَد عليه، ولا يُعتَدّ به، ولا يُستدَلّ له!

ص: 137

ص: 138

ص: 139

وهنا ما نقله السيد رضي الدين علي بن طاووس الحسنية رحمة الله في(اللهوف)من مجيء سبايا أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء،وإن كان من دون ذكر اسم الراوي للخبر، إلا أنه مما يعتمد على نقله أكثر من نقل سائر من نقل الأحداث وإن كانت مستدة ومع ذكر راوي الخبر!

مع ملاحظة أن السيد ابن طاووس رحمة الله قد سعى إلى أن يختصر في(اللهوف)،فلم يذكر اسم الراوي،وحيث كان رحمة الله في النقل في غاية الاعتبار ومحل الاطمئنان والاعتماد،لذا يعتمد على أخباره ويطمئن لها أكثر من غيره وإن أسندها وذكر اسم الراوي فيها.

كما أن من خبر تب السيد واستأنس بمروياته رحمة الله،اتضح له هذا المعنى ووقف على دقته في النقل،والحال أنه لم يكن في زمانه متداولا-كما في عصرنا-أن يتم ذكر الجزء والصفحة للكتاب المنقول عنه،أو الطبعة إن كان له طبعات متعددة،لكنه رحمة الله كان يذكر خصائص الكتاب ويشير إلى الكراس والفصل والسطر الذي ينقل عنه،

ص: 140

ويصرح بنسخة الكتاب الذي كان تحت حيازته..

إذن،فمثله يعتمد عليه وعلى كتابه الذي ألفه ليقرأه الناس في مجالس عزائهم وماتهم على سيد الشهداء (علیه السلام)،ويعتمد على ما احتواه وإن کر مختصرة وبحذف اسم الراوي للخبر.

وبعيدا عما مر جميعا،وفيها بيتاه سابقا وما حققناه بشكل واضح،فإن ما نقله السيدة رحمة الله في(اللهوف)من مجيء الأسارى إلى كربلاء هو المعتمد،وإن خلا من ذكر اسم الراوي،إلا أن الراوي هو عطية العوفي الكوفي رضوان الله عليه، الذي جاء مع جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله إلى كربلاء،وما رواه السيد رحمة الله في(مصباح الزائر) هو ذات الرواية،مع اتحاد الراوي في كلا المقطعين من الرواية،فقد أخذ السيد من الرواية في كل موضع ما يناسب المقام،فيما ناسب الزيارة أدرجهفي(المصباح)،وما اشتمل على مصائب سيد الشهداء لما أورده في المقتل ككتاب(اللهوف المعتبر،كما أن صاحب بشارة المصطفى)أخذ منها الجزء المتعلق بحب العترة.

إلى هنا نقلنا ما ذكره العلامة المحدث النوري رحمة الله في(اللؤلؤ والمرجان)من الدلائل،وما سعى فيه ليستبعد مجيء سبايا أهل البيت الا إلى كربلاء في الأربعين من عام61للهجرة،وقمنا بمناقشتها والبحث فيها بما يناسب المقام، سواء كان ذلك مقنعة لأرباب العلم أم لا،فإن هذا ما توصل إليه رأينا،ولكل حريته في إبداء رأيه في الموضوع العلمي والتاريخي.

ص: 141

ص: 142

کلام بعض الأعلام في رجوع السبايا

من المناسب هنا أن نورد نص عبارة العلامة الكبير والمتتبع واسع الاطلاع السيد محسن الأمين العاملين في كتابه (أعيان الشيعة)،في موضوع مجيء أسارى أهل البيت الي في الأربعين الأولى،ليتضح للجميع رأيه وموافقته لما ذكرناه.

قال السيد الأمين رحمة الله في القسم الأول من الجزء الرابع من(أعيان الشيعة) على الصفحة271من طبعة دمشق:

ثم إن يزيد لعنه الله أمر برة السبايا والأسارى إلى المدينة،وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة،فلما بلغوا إلى العراق قالوا للدليل:متر بنا على طريق كربلاء.فلما وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول (صلی الله علیه واله) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(علیه السلام)،فتواقوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم،وأقاموا المآتم، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد،وأقاموا على ذلك أياما.والمشهور أنهم وصلوا کربلاء في العشرين من صفر،ومنه زيارة

ص: 143

الأربعين الواردة عن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) للحسين(علیه السلام).

وقد يستبعد ذلك بأن المسافة بين العراق والشام ثقطع في نحو من شهر، ولابد أن يكونوا بقوا في الشام مدة،فكيف يمكن استيعاب الذهاب والإياب والبقاء في الشام والذهاب للكوفة والبقاء فيها أربعين يوما؟ويمكن دفع الاستبعاد بأنه يوجد طريق بين الشام والعراق يمكن قطعه في أسبوع،لكونه مستقيما،وكان عرب عقيل يسلكونه في زماننا.تدل بعض الأخبار على أن البريد كان يذهب من الشام للعراق في أسبوع،وعرب صليب يذهبون من حوران للنجف في نحو ثمانية أيام،فلعلهم سلكوا هذا الطريق وتزودوا ما يكفيهم من الماء وأقلوا المقام في الكوفة والشام،والله أعلم.وما تفضل به السيد المطلع المتتبع الخبير الكبير متين جدا،وقد توهم من تصور أن أسارى العترة النبوية قد مكثوا وتوقفوا كثيرة في فترة أسرهم في الكوفة وفي الشام وفي الطريق.

کا احتمل البعض الآخر أن مجيئهم إلى كربلاء كان في الأربعين الثانية،أي:بعد ثمانين يوما من عاشوراء،وهذا أيضا مجرد احتمال،لم يقل به أحد من المؤرخين، كما لمعثر على هذا القول في الكتب المعتبرة،وليس هو إلا من ظنون من استبعد مجيئهم في الأربعين الأولى،ولم يطلع على أحوال البريد،ولذا لا قيمة لهذا القول.

والعجيب نسبة هذا القول إلى الشيخ الطوسي رحمة الله في(تهذیب الأحکام)،في حين لم نجد أثرا لذلك في ذلك الكتاب الشريف.

ص: 144

ومن عبارات من صرح بمجيء الأسرى في الأربعين إلى كربلاء،يستحصل أن ركب العترة النبوية أقام ثلاثة أيام في كربلاء للعزاء،وكان مجيؤهم على النحو الذي تم ذكره فيما مضى إجمالا، لكن المحدث المتتبع ملا باقر البهبهاني رحمة الله في كتابه(الدمعة الساكبة)قد نقل مجيئهم إلى كربلاء وحركتهم في تلك الصحارى مع بعض الإضافات،ولم يذكر المصدر الذي نقل عنه، مكتفية بنسبته إلى بعض الكتب القديمة،ولعلمنا بإحاطته وتتبعه فلابد أنه قد نقل الواقعة من مصدر موثوق،ومن الجيد أن ننقل عين عباراته بألفاظها:

قال:فلما بلغوا أرض كربلاء نزلوا في موضع مصرعه،ووجدوا جماعة من بني هاشم وغيرهم وقد وردوا إلى زيارة الحسين (علیه السلام)،فتلاقوا في وقت واحد،وأخذوا بالبكاء والنحيب واللطم،وأقاموا العزاء إلى مدة ثلاثة أيام،واجتمع إليهم نساء أهل السواد،فخرجت زینب (علیها السلام) في الجمع وأهوت إلى جيبها فشقته،ونادت بصوت حزين يقرح القلوب:وا أخاه،وا حسيناه،وا حبيب رسول الله،وابن مكة و منی،وابن فاطمة الزهراء،وابن علي المرتضی،آه،ثم آه!ووقعت مغشية عليها. وخرجت أم كلثوم لاطمة الخدين،تنادي برفيع الصوت:اليوم مات محمد المصطفى،اليوم مات علي المرتضى اليوم ماتت فاطمة الزهراء.وباقي النساء لاطات ناعيات نائحا،قائلات:وا مصیبتاه،وا حسناه،وا حسيناه.فلما رأت سكينة ما حل بالنساء،رفعت صوتها تنادي:وا محمداه،وا جداه!يعز عليك ما فعلوا بأهل بيتك،ما بين مسلوب

ص: 145

وجريح،ومسحوب وذبيح،وا حزني أسفا.

ثم أمر علي بن الحسين بشد رحاله،فشدوها،فصاحت سكينة بالنساء التوديع قبر أبيها،فدرن حوله،فحضنت القبر الشريف وبكت بكاء

شديدة،وحتت وأنت،وأنشأت تقول:

ألا يا کربلا نودعلي جسمة

بلاكفني ولا غسل دفینا

ألا يا كربلا نودع روح

الأحمد والوصئ مع الأمينا

قال:ثم فصلوا من كربلاء طالبين المدينه...(1) .

وقال الشيخ الجليل حسين البلادي البحراني في كتابه(حديث الأربعين)،في ذکر مجيء زين العابدین (علیه السلام) وعماته وأخواته إلى أرض کربلاء:

وأما زينب،فإنها أقبلت ومعها الحرم والأطفال،يعثرن في الأذيال،ويبكين بالدموع السجال،حتى أقبلن لذلك القبر المعظم،فتکابين عليه نادبات باکیات،وعلى الوجوه لاطات،ينادين:ها نحن أقبلن إليك من الشام،وعز عليك ما لقينا من العداة.

أحمي الضائعات،بعدك ضغنا

في يد النائبات حسری بوادي؟

أو ما تنظر الفواطم في الأس

وستر الوجوه منها الأيادي؟

تکلا ماترى هاون کفیل

حسرا بين عصبة الإلحاد

فما زالوا بذلك الحال،على ذلك المنوال،ناصبين المآتم،جارين للدموع

ص: 146


1- الدمعة الساكبة5 :162

السواجم،حتى عزموا على الرحيل إلى المدينة.فلما أرادوا ذلك وضع زین العابدین علیه السلام أصابعه على القبر الشريف فانفجر منه دم عبيط،فالتفت للحرم والأطفال ونادی-ودموعه في انهال-خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم وخاطبوا الجد:هذي تحفة السفر شوا على قبره ماء؛فصاحبه معطش،بكلوا أحشاه بالقطر فأخذن من تلك الدماء تحفة للأحبة،فيا لها من مصيبة،ويا لها من كربة! ثم ودعن تلك القبور وداعا يفطر الصخور،وانفصلوا طالبين المدينة، وهي لفراق أحبتها حزينة(1) .وما نقله عن الإمام السجاد (علیه السلام) من الإعجاز حين الوداع من وضع أصابعه على القبر وانفجار الدم العبيط،وإن لم يذكر-للأسف. مصدره،لكنه ليس بمستبعد؛فإننا-نحن الشيعة الإمامية الاثني عشرية-نعتقد أن للإمام جميع أوصاف النبي وكالاته،بمعنى أن للإمام جميع ما للنبي ما سوى النبوة،كما هو مبرهن ومقر في محله.

ويناسب هنا أن نورد أبيات الشاعر الجليل الشيخ باقر الحلي(2) ،التي أنشدها في

ص: 147


1- حديث الأربعين:31-ط النجف الأشرف
2- هو الشيخ باقر ابن الشيخ حبيب ابن الشيخ صالح،الطهازي الخفاجي.ولد في الحلة سنة1312ه،ونشأ بها،ثم انتقل به أبوه إلى ناحية الشنافية قمة الفرات الأوسط،وهناك نمت مدارکه وزاول الخطابة وخدمة المنبر الحسيني،وتولع بقرض الشعر باللغتين الفصحى والدارجة.وفي سنة1381ه(أنظر:ادب الطفت159:10)

رجوع سبايا أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين،وفيها ما على لسان حال السيدة زينب الكبرى (علیها السلام) وهي تقض ما جرى عليها في الشام وغيره..

زر قبر سبط الهاشمي الهادي

ولديه حزنة:واحسيناناد

زر قبره في الأربعين،وثق بها

يوم القيامة،فهي خير الزاير

واذر مدامع مقلتيك بعندم(1)

مستعبرة،متجلببا بسوا

حتي كانك جابرا لما أتي

مستقبلا للعابد السجاد

وافا من الشام المشومة أهلها

أسرته ظلما أمة الالحاد

وافا بأضعان الفواطم زائرا

لضرايح الشهدآء و الامجاد

و اذكر مصيبة زينب اذا بصرت

قبر الحسين هوت عليه تنادي

أحسين تعلم مالقينا في السبا

غصصا مقيما شجوها بفؤادي

نشكوا اليك مسيرنا بين العدي

و وقوفنا في مجلس ابن زياد

نشكوا اليك وثاقنا بحبالهم

و مساقنا قسرا لكل معادي

نشكوا اليك الدخول الي بلاد الشام

قد كانت لعمر ابيك شر بلاد

مستبشرين رجالهم و نسائهم

فكأنه عيد من الاعياد

عجبا بنات أمية في حجبها

و بنات أحمد للعيون بوادي

و علي يزيد ادخلونا حسرا

و العلج اظهر كامن الاحقاد

ص: 148


1- العندم:دم الأخوين(لسان العرب:عندم)

أمر الخطيب بمشهد و بمسمع

منا بأن يعلوا علي الاعواد

فغدي يسب أخا النبي و صهره

اذ كان مرغمها بيوم جهاد

هتف الدعي يزيد في أشياخه

و يقول نلت من النبي مرادي

يوم بيوم فالحسين بعتبه

كم كافحت اجداده أجدادي

كانوا و كنا لا نطيق نزالهم

في طعن ارماح و قرع حداد

حتي اذا دارت رحي الايام قد

ادركت اوتارا لاهل و دادي

أحسين هذا بعض ما شاهدته

رزء يصدع شامخ الاطواد

أحسين جئنا و الرؤس جميعها

معنا لندفنها مع الاجساد .

و نرش فوق قبوركم ماء عسي

نطفي بذاك حرارة الاكباد

منعو كوا ورد الفرات و مائه

طام و منكم كل قلب صادي

أحسين جئناكي نقيم عزاك في

وادي الطفوف و ياله من واد

أضحي لافواج الملائك مهبطا

و مزار شيعتنا مدا الاباد

بتنا ثلاثا هذه وا أخوتي

تدعو و تلك تصيح وا أولادي

احبابنا سمعا عتاب أحبة

لاحبة واصغوا الي الانشاد

أيطيب مثواكم بأجداث البلا

و نقيم بعد كموا بطول سهاد

ما كنت أحسب قبل دفن

جسومكم ان القبور تضم للؤتاد

قد تغمد الاسياف في اغمادها

اولم تكن تنضي من الاغماد

كيف السبيل الي الرحيل و لم نجد

من كافل عونا الي السجاد

ص: 149

قاسي مصائب فوق ما فيه من

الاسقام فرد بين جمع اعادي

و بجيده و يديه و الساقين ذا

أثر من الاغلال و الاصفاد

احبابنا لا نستطيع فراقكم

ان الفراق يفت في الاعضاد

هل موعد للملتقي فنسر في

رؤيا كموا و بكم يضئي النادي

و منازل شيدتموها للقري

كانت مناخ ركائب الوفاد

هي مهبط التنزيل شامخة الثري

و امان ملتجي ء من الاضداد

و بها تحط بني الرجآء رحالها

فتنال بذل مواهب و ايادي

هي كعبة الامال كم حجوالها

اهل النهي من حاضر او بادي

ابيات تقديس و تدرس بكم(1)

طابت لنا كالروض للرواد

من بعدكم اضحت و ما فيها سوي

ناع و باك معلن بحداد

قد أفجعتنا النائبات بفقدكم

و الدهر غادر جمعنا ببداد

و من العجائب و الغرائب انها

نشب الذآب لمقتل الاساد

يا وقعة ما مثلها من وقعة

لم انسها ابدا ليوم معادي(2)

ص: 150


1- كذا،ولعلها:(منکم)بدلا من:(بکم)
2- أنظر:مجمع مصائب اهل البيت علیهم السلام 3: 227-عن:حديث الأربعين

إلحاق الرأس بالجسد في الأربعين

ومن الشواهد الدالة على مجيء سبايا العترة النبوية في العشرين من صفر سنة61للهجرة إلى كربلاء،هو إلحاق الرأس المبارك لسيد الشهداء (علیه السلام) بجسده الأطيب الأنور،والذي صرح جمع بإلحاقه بعد أربعين يوما من شهادته،وعليه المشهور بين علماء الإمامية رضوان الله عليهم،کا صرح بذلك العلامة المجلسي رحم الله (1) .

ولا يعتمد على سائر الأقوال في دفن الرأس المطهر.قال السيد رضي الدين علي بن طاووس رحمة الله في(اللهوف):

...فأما رأس الحسين(علیه السلام)،فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف(علیه السلام)،وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه،ورویت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه،تركنا وضعها كي لا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب(2) .

ص: 151


1- قال الشيخ المجلسي رضوان الله عليه:والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأه مع جسده،رده علي بن الحسين (علیهما السلام)(بحار الأنوار145:45)
2- اللهوف في قتلى الطفوف:114

ومن تلك الأقوال التي أعرض السيد ابن طاووس عن ذكرها-طلبا للاختصار-هي: أنه بمصر،نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان،ثم نقلوه إلى القاهرة،وله فيها مشهد عظیم زار.حكاه سبط ابن الجوزي(1) .

بيد أن السيد محسن الأمين عقب بعد هذا القول قائلا:

أقول:حکی غير واحد من المؤرخين أن الخليفة العلوي بمصر أرسل إلى عسقلان-وهي مدينة كانت بين مصر والشام،والآن هي خراب-فاستخرج رأسا زعم أنه رأس الحسين (علیه السلام)،وجيء به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف الآن،وهو مشهد معظم يزار،وإلى جانبه مسجد عظيم رأيه في سنة إحدى وعشرين بعد الثلاثمئة والألف،والمصريون يتوافدون إلى زيارته أفواجة رجالا ونساء،ويدعون ويتضرعون عنده.وأخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر كأنه لا ريبفيه،لكن الشأن في كونه رأس الحسين(علیه السلام)!(2)

فلا علم لنا بذلك، ولم يثبت بوجه أبدا،خاصة وأن يد السياسة والرئاسة للحكام الفاطميين لعبت في ذلك،ولم تعلم غايتهم من نقل الرأس من عسقلان إلى مصر!فهل كان ذلك خوفا من الصليبيين بحسب الظاهر؟وهل كانوا يخشونهم فعلا؟وما هو

ص: 152


1- أنظر: تذکرة الخواص:266
2- لواعج الأشجان:249

السبب الذي يدعو الصليبيين إلى تخريب ذلك المشهد،كي يقوم الحكام الفاطميون خوفا بنقل الرأس المدفون في عسقلان إلى القاهرة؟

وما أحسن ما قيل:ألا قاتل الله السياسة والرياسة؛فيما دخلا شيئا إلا أفسداه.

وما تقل من القول في أن مدفن الرأس المطهر هو في القاهرة بعد أن تم نقله من عسقلان،لا يمكن أن نجد قائلا به من الشيعة،سوى بعض المتأخرين المعاصرين من يعتمد على التواريخ أكثر ويترك القول المشهور بين الشيعة من إلحاق الرأس المطهر بالبدن المبارك في كربلاء،كما قد صرح العلامة الأمين العاملي رحمة الله من أن القول المزبور هو من روايات العامة وأقوالهم(1) .

وأما ما ذكره البعض ونسبه إلى ظاهر التواريخ من أن الرأس المطهر قد شرق من مجلس یزید ودفنه بعض العلويين في عسقلان،فهو مما يدعو إلى الحيرة؛فإن القائل بدفن الرأس في عسقلان من العامة هو أن الرأس الشريف كان في خزانة يزيد في دمشق،فكفن ودفن في باب الفراديس،ثم نقله الفاطميون من هناك إلى عسقلان ودفنوه،ثم حمل من عسقلان في سنة548للهجرة يوم الأحد في الثامن من جمادی الآخرة إلى القاهرة،كما هو مذكور في كليات السيد محسن الأمين رحمة الله(2) ،لا أن الرأس الشريف شرق ودفن في عسقلان،لأن ذلك حصل متأخرة بعد زمن يزيد وسرقة الرأس الشريف؟

ص: 153


1- أنظر:لواعج الأشجان:250
2- أنظر:لواعج الأشجان:247وما بعدها-فصل في مدفن رأس الحسين(علیه السلام)

وقال ابن فضل الله العمري في(مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)-وهو من المصادر المعتبرة المشهورة-والمدى بعيد بين مقتل الحسين (علیه السلام) ومبنی مشهد عسقلان!(1)

فيتضح إذا أن القائل بأن الرأس المطهر قد شرق ودفن في عسقلان، قد ضم خبر سرقة الرأس إلى تاريخ دفنه سرا في عسقلان،فاستحصل من ذلك نتيجةموهومة لا يمكن الاعتماد عليها.

قال العلامة السيد محسن الأمين رحمة الله في ذكر الخامس من الأقوال في دفن الرأس الشريف:

الخامس:أنه بدمشق.قال سبط ابن الجوزي:حكى ابن أبي الدنيا،قال:وجد رأس الحسين (علیه السلام) في خزانة يزيد بدمشق،فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس.

ص: 154


1- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار1: 220،وفيه:مشهد الحسين بعسقلان: كان رأسه بها،فلما أخذها الفرنج نقل المسلمون الرأس إلى القاهرة،ودفن بها في المشهد المعروف به خلف القصرين على زعم من قال ذلك،والأغلب أنه لم يتجاوز دمشق؛لأنه إنها حمل إلى يزيد ابن معاوية،وكانت دمشق دار ملکه وملك بني أمية،ومن المحال أن يتجاوز الرأس المحمول إلى السلطان لغير حضرته.وله بدمشق مشهد معروف داخل باب الفراديس،وفي خارجه مكان الرأس على ما ذكروا.وقد جاء في أخبار الدولة العباسية أتهم حملوا أعظم الحسين ورأسه إلى المدينة النبوية حتى دفنوه بقبر أخيه الحسن،والمدى بعيد بين مقتل الحسين ومبنى مشهد عسقلان

وكذا ذكر البلاذري في(تاريخه)،قال:هو بدمشق في دار الإمارة،وكذا ذكر الواقدي-انتهى ويروى أن سليمان بن عبد الملك قال:وجدت رأس الحسين (علیه السلام) في خزانة یزید بن معاوية،فكسوته خمسة أثواب من الديباج،وصلي عليه في جماعة من أصحابي،وقبره.وفي رواية أنه مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك،فطلب فجيء به وهو عظم أبيض،فجعله في سفط وطيبه،وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعدما صلى عليه،فلا ولي عمر بن عبد العزيز سأل عن موضعه فنبشه وأخذه،والله أعلم ما صنع به.وقال بعضهم:الظاهر من دينه أنه بعث به إلى كربلاء فدفنه مع الجسد الشريف. وروى ابن نما عن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت،فوجد بها جونة(1) حمراء،فقال الغلامه سليم:احتفظ بهذه الجونة؛فإنها کنز من كنوز بني أمية.فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين (علیه السلام)وهو مخضوب بالسواد،فلقه في ثوب ودفنه عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق-انتهى.

ص: 155


1- الجونة-بالضم-:جونة العطار،وهي سفط مغشى بجلد،ظرف لطيب العطارة (مجمع البحرين:جون)

ثم قال بعد نقله لتلك الكلمات:

أقول:وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسين (علیه السلام) بجانب المسجد الأموي بدمشق،وهو مشهد مشيد معظم(1) .

فمن هذه الكلمات والعبارات يستحصل أن العثور على الرأس الشريف

ص: 156


1- لواعج الأشجان:248.أقول:روى الشيخ المفيد،بسنده عن علي بن خالد قال: كنت بالعسكر،فبلغني أن هناك رجلا محبوس أتي به من ناحية الشام مكبولا، وقالوا:إنه تنبأ.قال:فأتيت الباب وداري البوابين حتى وصلت إليه،فإذا رجل له فهم وعقل،فقلت له:يا هذا،ما قصتك؟فقال:إني كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال:إنه صب فيه رأس الحسين(علیه السلام)،فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى،إذ رأيت شخصا بين يدي،فنظر إليه فقال لي:مه،فقم معه،فمشي بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة،فقال لي:«أتعرف هذا المسجد؟»،فقلت:نعم،هذا مسجد الكوفة.قال:فصلی،فصليث معه،ثم انصرف وانصرف معه،فمشی قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول(علیه السلام)،فسلم على رسول الله(صلی الله علیه واله)،وصل وصليت معه،ثم خرج وخرجت،فمشى قليلا فإذا أنا بمكة، فطاف بالبيت وطفت معه،ثم خرج فمشى قليلا،فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله تعالى فيه بالشام،وغاب الشخص عن عيني،فبقيت متعجبا حولا مما رأيت،فلا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص،فاستبشرت به،ودعاني فأجبته،ففعل کا فعل في العام الماضي،فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت؟فقال:«أنا محمد بن علي بن موسی بن جعفر،...-إلى آخر الخبر الشريف(الإرشاد2: 289).فيتضح أن الموضع المعروف في الشام هو موضع تضب الرأس المقدس،لا مدفنه

-بحسب قول العامة-كان بعد فترة من الزمن،لا أنه شرق ودفن في عسقلان.

وكيف لنا الاعتماد والوثوق بهذه الأقوال المختلفة والآراء المتفرقة المتعارضة فيها بينها؟!أني لنا أن نرجح بعضها دون بعض؟ثم إلى أين يريد أن يصل من يتشبث بالتواريخ التي سطرتها مختلف الأيدي ليلصق خبر سرقة الرأس الأطهر بها،ثم يستنتج فكرة موهومه ليس لها أي قيمة،ويدرج في كتابه موضوعة لا أصل له أبدا؟

قال اليافعي اليمني المكي(ت768ه)في(مرآة الجنان):

وما كر أنه نقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح(1).إذن،فملخصالقول أن جمعة من مؤرخي العامة ادعوا أن الرأس المبارك للإمام الحسين (علیه السلام) قد وجد في خزانة يزيد الرجس،فدفنوه في باب الفراديس بدمشق،ويظهر أن الواقعة حدثت في زمن سليمان بن عبد الملك الأموي،ثم في زمن الفاطميين قل من باب الفراديس إلى عسقلان،ثم من هناك حمل إلى القاهرة في سنة548 أو 549 للهجرة،وبحسب مدعي البعض فإن ذلك حصل خوفا من الصليبيين.

لكن اليافعي ذكر أيضا أن يزيد أمر عمرو بن سعید برأس الحسين (علیه السلام)،فكفن ودفن في البقيع عند قبر أمه فاطمة(علیها السلام)،قال:هذا أصح ما قيل فيه.روي ذلك عن الزبير بن بكار أن الرأس محمل إلى المدينة(2) .وزبير بن بكار هذا من أعداء أهل البيت (علیهم السلام)(3)،فلا قيمة لقوله.

ص: 157


1- مرآة الجنان وعبرة اليقظان110:1
2- المصدر السابق
3- هو الزبیر بن بکار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبیر بن العوام بن خویلد، أبو عبد الله الأسدی المدینی العلامه... وکان ثقه ثبتا عالما بالنسب، عارفا بأخبار المتقدمین، ومآثر الماضین، وله الکتاب المصنف فی نسب قریش وأخبارهم. ولی القضاء بمکه، وورد بغداد وحدث بها» تاریخ بغداد - الخطیب البغدادی - ج 8 - ص 468-469.وانظر: وفيات الأعيان 2: 311. قال ابن الأثير الجزري: (قدم الزبير بن بكار العراق هارباً من العلويين؛ لأنه كان ينال منهم فتهدّوده فهرب منهم، وقدم على عمه مصعب بن عبد الله وشكا إليه حاله وخوفه من العلويين وسأله إنهاء حاله إلى المعتصم فلم يجد عنده ما أراد وأنكر عليه حاله ولامه.(الكامل في التاريخ 57 :7) حدث الشیخ الصدوق عن أحمد بن محمد بن إسحاق الخراسانی قال: سمعت علی بن محمد النوفلی یقول: استحلف الزبیر بن بکار رجل من الطالبیین علی شیء بین القبر والمنبر، فحلف فبرص، فانا رأیته وبساقیه وقدمیه برص کثیر. وکان أبوه بکار قد ظلم الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام فی شیء فدعا علیه، فسقط فی وقت دعائه علیه حجر من قصر فاندقت عنقه.(عيون اخبار الرضا (علیه السلام) 2: 263 - الباب 48/ ح 1). وقال فيه الشيخ المفيد رحمة الله:لم یکن موثوقا به فی النقل وکان متّهما فیما یذکره من بغضه لأمیر المؤمنین (علیه السّلام). وغیر مأمون فيما يدعيه على بني هاشم (المسائل السروية: 86).

وعلى فرض حمل الرأس إلى المدينة،فإنه لم يدفن فيها،والقبر الذي في البقيع هو قبر جدته فاطمة بنت أسد (علیها السلام)،لا قبر أمه فاطمة الزهراء (علیها السلام)ومن قال من المؤرخين بحمل الرأس إلى المدينة صرح برده إلى الجسد بكربلاء لاحقا ودفنه معه.

قال سبط ابن الجوزي في (تذکرة الخواص):

واختلفوا في الرأس على أقوال،أشهرها أنه رده إلى المدينة مع السبايا،

ص: 158

ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه،قاله هشام وغيره(1) .والحال أن سبايا أهل البيت (علیهم السلام) قد جاؤوا إلى كربلاء في الأربعين،فبالقطع أتهم قد دفنوا الرأس المطهر في كربلاء لما جاؤوا به معهم،ولم يأخذوه معهم إلى المدينة،وهذا القول للعامة يؤيد مشهور قول الإمامية من أن الرأس الشريف قد أرجع إلى کربلاء ودفن مع الجسد الأطهر.

وكان الوضع قد انقلب في الشام والناس تألبت ضد یزید-کیا صرح بذلك الطبري وسبط ابن الجوزي-عد شياع أخبار ما جرى على الحسين(علیهم السلام)(2) ،فقد كان يزيد مسرورة في أول الأمر،وقد أكرم ابن زیاد و حباه(3) ،لكنه لاحقا ألقى باللائمة على ابن زیاد،حتى قال:وما علي لو احتمل الأذى وأنزل الحسين معي في داري،

ص: 159


1- تذکرة الخواص:295-ذكر حمل الرأس إلى يزيد
2- تذکرة الخواص:295-ذكر حمل الرأس إلى يزيد
3- قال المسعودي:وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زیاد،وذلك بعد قتل الحسين،فأقبل على ساقيه فقال: إسقني شر تروي مشاشي ثم مل فاشق مثلها ابن زیا صاحب السر والأمانة عندي ولتسدید مغنمي وجهادي ثم أمر المغنين فغتوا به(مروج الذهب3:67-فسوق یزید وعاله) وقال ابن الأثير: وقيل:لما وصل رأس الحسین إلی یزید حسنت حال ابن زیاد عنده و زاده و وصله و سره ما فعل،ثم لم یلبث إلا یسیراً حتی بلغه بغض الناس له و لعنهم و سبّهم،فندم علی قتل الحسین(الكامل في التاريخ4 : 87 - حوادث سنة 61).

حفظاً لقرابة رسول الله ورعاية لحرمته؟لعن الله ابن مرجانة،لقد بعضني إلى المسلمين وزرع لي في قلوبهم البغضاء.ثم غضب على ابن زیاد ونوي قتله(1) .

ومن يعترف ببعض المسلمين له وزرع البغضاء في قلوبهم،كيف يبعث بالرأس

المطهر إلى المدينة؟فإن ذلك خلاف مکره ودهائه.قال مجاهد:فوالله لم يبق في الناس أحد إلا سبه وعابه وترکه!(2)

أقول:وذلك لأن الناس كلهم كانوا على علم بأن ما فعله ابن زیاكان بأمر يزيد، وما أمر النعمان به من احترام ركب الأسارى والرفق بهم حين رجوعهم من الشام إلا ليخفف من بعض الناس له،فقال له:تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة.وأمره أن يسير بهم في الليل،ويكونوا أمام الركب حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم،وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوء أو قضاء حاجته لم يحتشم(3) .

وهذا الحال لا يتناسب مع إشهار الرأس المطهر للإرعاب وإظهار القدرة

والسلطة،وإرساله إلى المدينة المنورة.

ص: 160


1- تذكرة الخواص:265-ذكر حمل الرأس إلى يزيد.أقول:لا يغرنك تعليله،فإن تظاهره بلعن ابن زیاد كان من أجل بغض الناس له،لا ندما على قتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي(صلی الله علیه واله)،وإن كان الندم لا ينفع حينها وأبواب التوبة مغلقة
2- تذکرة الخواص:262-فيكر حمل الرأس إلى يزيد
3- أنظر:الإرشاد2: 122

قال الحاج فرهاد میرزا معتمد الدولة:لمّا حالفنی التوفیق فزرت بیت الله الحرام کان ذلک من طریق الإسکندریّه و مصر، و فی یوم الأربعاء الثانی من شهر ذی القعده الحرام سنه 1292 تشرّفت بزیاره تلک البقعه، و الحقّ یقال: إنّه لمسجد جیّد، بنی بناءاً حسناً، و یعرف یومئذٍ بمسجد رأس الحسین علیه السلام، و تظهر علی المزار المطهّر آثار الکئابه التی تترک وقعاً مؤلماً فی الإنسان، و لا أری قول الیافعی صحیحاً فی هذا الباب لأنّ مصر من البلاد العظیمه فی الدنیا فلا یبنی فی مدینه القاهره مسجدٌ علی هذه الشاکله جزافاً. (1)

ويقصد من قول اليافعي ما تقدم من قوله: وما ذكر أنه نقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح .(2)

وما استدل به الحاج فرهاد میرزا من وجود المسجد الجيد والبناء الحسن لا يكون دليلا، فإن أيدي السياسة وطلاب الرياسة والحيلة والتزوير قد بنت أعظم من ذلك على مر التاريخ، ولو تطرقنا لشواهد ذلك أطال بنا المقام. إن مجرد وجود القبة العالية وبناء المسجد العظيم في مكان ما، لا يكون دليلا على صحة ما هو معروف بين الناس!

إلا أنه قد يقال: فإن لم يثبت دفن الرأس الشريف لسيد الشهداء (علیه السلام) في القاهرة في مسجد ومشهد الحسين (علیه السلام) ، بل المتحقق عدم دفنه في ذلك المكان عندنا، فلم كل هذه

ص: 161


1- القمقام الزخار 2: 217 - في بيان اختلاف أقوال المحدثين والمؤرخين من الفريقين في مسألة الرأس المقدس للإمام الحسين (علیه السلام) .
2- مراة الجنان و عبرة الیقطان110:1

الكرامات المنقولة عن كتب العامة من تلك البقعة العظيمة؟

نقول: إن صدور تلك الكرامات من ذلك المكان أو غيره من مساجد العبادة والأماكن المنسوبة لأولاد الأئمة (علیهم السلام) ، قد يكون بسبب العناية الإلهية الحاصلة من كثرة العبادة والتوسل وزيارة الأئمة المعصومين (علیهم السلام) عن بعد، فإن من تضرع إلى الله تعالى وتوسل بأوليائه وسلم عليهم وطلب نزول الرحمة، فلا شك أنه سيكون محل لطفهم وعنايتهم واستجابة دعائه وكشف ضه، فلا فارق في التوسل بهم(علیهم السلام) بعيدة أو قريبا، وإن كان للقرب من قبورهم الطاهرة خصوصية خاصة، ولكن التوسل من البعد والالتجاء إليهم جائر وراجح أيضا (1)، وهذا بحده لا يدل على أن المدفون في ذلك المكان هو الرأس الشريف للإمام (علیه السلام)(2).

ص: 162


1- أنظر: بصائر الدرجات: 279 - الباب 16 في الأئمة أنهم يعرفون من يمرض من شيعتهم ويحزنون ويدعون ويؤمنون على دعاء شيعتهم وهم غيب عنهم، وما في هذا المضمون وشبهه الكثير من الروايات الشريفة.
2- أقول: لا شك ولا ريب أن كل مكان ينتسب إلى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) أو إلى أحد من المعصومين الأطهار (علیهم السلام)، فإنه سيكتسب قدسية الانتساب، سواء صحت النسبة بحسب الأدوات العلمية المعمول بها أم لا، مع استبعادنا جدا حصول ذلك عن فراغ مطلق! أما حصول الكرامات والمعاجز في تلك الأماكن، فهي متحققة لما ذكره المصنف، بغض النظر عن صحة النسبة أو عدمها.

مراجعة للأخبار الواردة حول دفن الرأس الشريف في النجف الأشرف عند أمير المؤمنين (علیه السلام)

ما يلزم مراجعته وتحقيقه من الجهة الدينية - لا من جهة التاريخ و نقولات المؤرخين الذين خلطوا الصحيح بالسقيم و الوقائع الموثقة بغيرها - هو عبارة عن النظر في الأخبار الواردة عن دفن الرأس الشريف لسيد الشهداء (علیه السلام) عند أمير المؤمنين (علیه السلام) في النجف الأشرف.

ففي الخبر عن علي بن أسباط، رفعه قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «إنك إذا أتيت الغري رايت قبرين، قبرا كبيرا و قبرا صغيرا ، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين، وأما الصغير فراس الحسين بن علي (علیهما السلام) (1). وعن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله (علیه السلام)، فمرّ بظهر الکوفه(1) فنزل وصلّی رکعتین، ثمّ تقدّم قلیلاً فصلّی رکعتین، ثمّ سار قلیلاً فنزل فصلّی رکعتین ثمّ قال: هذا موضع قبر أمیرالمؤمنین. قلت: جعلت فداک، فما الموضعین اللّذین صلّیت فیهما؟ قال: موضع رأس الحسین علیه السلام، وموضع منبر القائم علیه السلام(2).

وفي خبر یونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) بالحيرة (3) أيام مقدمه

ص: 163


1- کامل الزيارات: 84 - الباب 9/ ح 82 - عنه: بحار الأنوار 97: 241 - الباب 2/ ح 22.
2- کامل الزيارات: 83 - الباب 9/ ح 81- عنه: بحار الأنوار 97: 261 - الباب 2/ ح 20.
3- الحيرة: موضع بجنب الكوفة (أنظر: العين: حیر). وقال الطريحي: وفي الحديث ذكر الحيرة بكسر الحاء، وهي البلد القديم بظهر الكوفة يسكنه النعمان بن المنذر والنسبة إليها حاري(مجمع البحرین حیر)

على أبي جعفر....ثمّ قال: يا يونس! فمر بإسراج البغل و الحمار، فلمّا أسرجا، قال: يا يونس! أيّهما أحبّ إليك البغل أو الحمار؟ قال: فظننت أنّ البغل أحبّ إليه لقوّته، فقلت: الحمار. فقال: أحبّ أن تؤتوني به. قلت: قد فعلت. فركب، و ركبت، و لمّا خرجنا من الحيرة، قال: تقدّم يا يونس! قال: فأقبل يقول تيامن تياسر، فلمّا انتهينا إلى الذّكوات(1) الحمر، قال: هو المكان؟ قلت:

نعم. فتيامن، ثمّ قصد إلى موضع فيه ماء، و عين، فتوضّأ، ثمّ دنى من أكمة(2)، فصلّى عندها، ثمّ مال عليها، و بكى، ثمّ مال إلى أكمة دونها، ففعل مثل ذلك. ثمّ قال:يا يونس! افعل مثل ما فعلت. ففعلت ذلك. فلمّا تفرّغت قال لي: يا يونس! تعرف هذا المكان؟ فقلت: لا. فقال: الموضع الّذي صلّيت عنده أوّلا هو قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، و الأكمة الأخرى رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام إنّ الملعون عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه لمّا بعث رأس الحسين عليه السّلام إلى الشّام ردّ إلى الكوفة. فقال: أخرجوه عنها لا يفتن به أهلها، فصيّره اللّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام. فالرّأس مع الجسد، و الجسد مع الرّأس .(3)

والعبارة الأخيرة من الحديث الشريف تحتمل وجهين أو ثلاثة، وظاهرها - کما

ص: 164


1- الذکوات جمع ذکاه : الجمره الملتهبه من الحصی، ومنه الحدیث: «قبر علی (علیه السّلام) بین ذکوات بیض» (مجمع البحرین: ذکا).
2- الأكمة: تل من قف، والجميع: الأم والأكم والآكام، وهو من حجر واحد (العين: أكم، وانظر: مجمع البحرين: أكم).
3- کامل الزيارات: 86 - الباب 9/ ح 86 - عنه: بحار الأنوار 97: 263 - الباب 2 ح 29.

قال جمع من أهل التحقيق : أي: بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد بكربلاء (1) واحتمال هذا الوجه قوي جدا.

ولكن يشكل عليه أن في ذلك الزمان - أي: في سنة 61 للهجرة - لم يكن قبر أمير المؤمنين (علیه السلام) معروفة لعامة الناس، فكيف يتحقق ما ژوي من أنه «لما حمل رأسه إلى الشام، سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين (علیه السلام)(2)؟ كما أن هذا لا يتوافق مع ما اشتهر بين الإمامية من إلحاق الإمام السجاد (علیه السلام)الرأس أبيه ببدنه في كربلاء بعد عودته من الشام!

ص: 165


1- قال الشيخ المجلسي رحمة الله: قوله:قوله فالرّأس مع الجسد أي بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد بكربلا، أو صعد به مع الجسد إلى السّماء كما في بعض الأخبار أو أنّ بدن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كالجسد لذلك الرّأس و هما من نور واحد.(بحار الأنوار 178:45)
2- الكافي 4: 571 - باب موضع رأس الحسين (علیه السلام)/ ح 1. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن زكريا، عن يزيد بن عمر بن طلحة قال: قال لی أبو عبداللَّه علیه السلام وهو بالحیره: أما ترید ما وعدتک؟ قلت: بلی- یعنی الذهاب إلی قبر أمیر المؤمنین صلوات اللَّه علیه- قال: فرکب ورکب إسماعیل (ابنه معه) ، ورکبت معهما حتّی إذا جاز الثویه وکان بین الحیره والنجف عند ذکوات بیض، نزل ونزل إسماعیل ونزلت معهما، فصلّی وصلّی إسماعیل وصلّیت، فقال لإسماعیل: قم فسلِّم علی جدّک الحسین علیه السلام، فقلت: جعلت فداک، ألیس الحسین علیه السلام بکربلاء؟ فقال: نعم، ولکن لمّا حمل رأسه إلی الشام سرقه مولی لنا فدفنه بجنب أمیر المؤمنین علیه السلام. أقول: وقد يدفع هذا الإشكال بأن الدافن ما دام مولى لهم فلعله كان عارفة بموضع قبر أمير المؤمنين (علیه السلام) بتعليم منهم، أو أنه دفنه بالكوفة فكان بجنب قبر أمير المؤمنين (علیه السلام) مصادفة.

قال السيد أسد الله الحسيني التنكابني رحمة الله في (مصائب الهداة) (1)بعد نقل الأقوال في دفن الرأس الشريف:

لكن خبر حمل الإمام السجاد (علیه السلام) أشهر وأظهر وأصح.

أما الشيخ المحدث الكبير الحر العاملي رحمة الله ، فإنه لا نقل الأخبار التي أشرنا إلى بعضها قال:

وقد روى السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (الملهوف) وغيره أن رأس الحسين (علیه السلام) أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء، وذكر أن عمل العصابة على ذلك، ولا منافاة بينهما (2). واكتفي بهذه العبارة المجملة وختم بيانه.

ولعل عدم المنافاة بين عمل الأصحاب وتلك الروايات أتهم وضعوا الرأس عند قبر أمير المؤمنين (علیه السلام) حين أخذه إلى الشام أو في العودة، ثم دفن مع الجسد الأزکی في کربلاء. كما أن صاحب (جواهر الكلام )بعد نقله للروايات المزبورة قال: لكن عن ابن طاووس أن رأس الحسين(علیه السلام) أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء، وذكر أن عمل العصابة على ذاك، ولعله لا منافاة؛ لإمكان دفنه مدة ثم نقل إلى كربلاء.

ص: 166


1- طبع في طهران سنة 1332 ه والمتوفر لدينا نسخة حجرية.
2- وسائل الشيعة 403:14 - الباب 32.

ثم قال رحمة الله بعد ذلك:

ولا بأس بالصلاة وزيارته في مكان وضعه.

قال المفضل بن عمر: جاز الصادق(علیه السلام) بالقائم المائل في طريق الغري، فصلى عنده ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: «هذا موضع رأس جدي الحسين(علیه السلام)، وضعوه هناه (1). ولعل حقيقة الأمر أن في هذه الروايات سرا من الأسرار التي لم تنكشف لنا، وربما تكون قد صدرت عن الأئمة(علیهم السلام) في تلك الأزمنة لأسباب خاصة نجهلها.

ومن أجل إتمام الفائدة ننقل نص عبارات العلامة المحقق السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم النجفي رحمة الله في مقتل الحسين (علیه السلام) فقد قال:

الراس مع الجسد: لمّا عرف زين العابدين الموافقة من يزيد، طلب منه الرّؤوس كلّها، ليدفنها في محلّها، فلم يتباعد يزيد عن رغبته، فدفع إليه رأس الحسين مع رؤوس أهل بيته، و صحبها، فألحقها بالأبدان.نصّ على مجيئه بالرّؤوس إلى كربلاء في «حبيب السّير» كما في نفس المهموم ص 253 و رياض الأحزان ص 155.و أمّا رأس الحسين عليه السّلام: ففي روضة الواعظين للفتّال ص 165، و في مثير الأحزان لابن نما الحلّي ص 58: إنّه المعوّل عليه عند الإماميّة، و في

ص: 167


1- جواهر الكلام93:20

اللّهوف لابن طاووس ص 122: عليه عمل الإماميّة. و في إعلام الورى للطّبرسيّ ص 151، و مقتل العوالم ص 154، و رياض المصائب و البحار: إنّه المشهور بين العلماء، و قال ابن شهر آشوب في المناقب ج 2 ص 200: ذكر المرتضى في بعض رسائله أنّ رأس الحسين أعيد إلى بدنه في كربلاء، و قال الطّوسيّ: و منه زيارة الأربعين، و في البحار عن العدد القويّة لأخ العلّامة الحلّي، و في عجائب المخلوقات للقزوينيّ ص 67: في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين عليه السّلام إلى جثّته، و قال الشّبراويّ: قيل: أعيد الرّأس إلى جثّته بعد أربعين يوما، و في شرح همزّية البوصيريّ لابن حجر أعيد رأس الحسين بعد أربعين يوما من قتله. و قال سبط ابن الجوزيّ: الأشهر أنّه ردّ إلى كربلاء، فدفن مع الجسد، و المناويّ في الكواكب الدّريّة ج 1 ص 57: نقل اتّفاق الإماميّة على إنّه أعيد إلى كربلاء، و إنّ القرطبيّ رجحه، و لم موسوعة الامام الحسين(عليه السلام)، ج 5، ص: 562 يتعقّبه، بل نسب إلى بعض أهل الكشف و الشّهود، أنّه حصل له اطّلاع على أنّه أعيد إلى كربلاء.

ثم قال بعد الذي أورده:

وعلى هذا فلا يعبأ بكل ما ورد بخلافه، والحديث بأنه عند قبر أبيه بمرأى من هؤلاء الأعلام، فإعراضهم عنه يدلنا على عدم وثوقهم به، لأن إسناده لم يتم ورجاله غير معروفين (1)

ص: 168


1- مقتل الحسين(علیه السلام): 362-393.أقول: ترجيح الأخبار عند المتقدمين و إعراضهم عن بعضها لا يكون بالضرورة بسبب قواعد الرجال المستحدثة.

ومن الكتب المعتبرة جدة والقديمة التي صرحت بإلحاق الرأس المطهر ببدنه في کربلاء في العشرين من صفر: (الآثار الباقية) لأبي ريحان البيروني، إذ يقول فيه:

وفي العشرين (1) رد رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته، وفيه زيارة الأربعين، وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام (2).

وكذا (عجائب المخلوقات) لزكريا بن محمد القزويني، إذ يقول:

اليوم الأول منه عيد بني أمية، أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضی الله عنه إلى جنته (3).

وكذلك (توضیح المقاصد) للشيخ البهائي، حيث قال:

الأول فيه ... حل رأس أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) إلى دمشق، وجعلوه بنو أمية عيد) (4)

فمن جميع هذه النقولات يعلم أن يزيد وإن كان ممانعة في أول الأمر من إعطاء الرأس الأزكى، لكنه لاحقا ستم الرؤوس - مع ما شلب من الركب الحسيني - إلى الإمام زين العابدين(علیه السلام) ، وفي الشام مقام عرف للرؤوس الشريفة.

ص: 169


1- أي: من صفر، وكذا فيما سيأتي من كلام زکریا بن محمد القزويني وكلام الشيخ البهائي.
2- الآثار الباقية: 331.
3- عجائب المخلوقات: 68.
4- توضیح المقاصد: 5.

وقد اعتمد السيد في (الإقبال) هذا القول أيضا، وهو أن رأس الحسين (علیه السلام) قد ترد إلى بدنه في كربلاء، وإن تردد - حيث أنه احتمال بقاء ركب السبا في الشام شهرة - في كون الرجوع كان في الأربعين الأولى (1)، والحال أن جمعة من المؤرخين صرحوا بذلك کا مرت عباراتهم. يقول المحدث الجزائري رحمة الله في (الأنوار النعمانية) في ضمن كلام له:

خرج علي بن الحسين (علیهما السلام) بالنسوة، ورد رأس الحسين (علیه السلام) إلى کربلاء (2)

وقال الشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار):

ذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من القتل (3) .

إذن، فما صح لدى علماء الإمامية وعليه عمل الطائفة هو أن الرأس الطاهر لسید الشهداء (علیه السلام) قد أرجعه الإمام زین العابدین (علیه السلام) مع سائر الرؤوس إلى كربلاء، وألحقه

ص: 170


1- أنظر: إقبال الاعمال 3: 98 - الباب 3 الفصل 4.
2- العبارة من رواية رواها الصدوق رحمة الله في (الأمالي: 231 - المجلس 31/ح 263)، ونصها: عن لوط بن یحیی، عن الحارث بن کعب، عن فاطمه بنت علی (صلوات الله علیهما): ثمّ إنّ یزید (لعنه الله) أمر بنساء الحسین علیه السلام ، فحُبسن مع علی بن الحسین علیهما السلام فی محبس لا یکنهم من حر ولا قر حتی تقشرت وجوههم، ولم یُرفع ببیت المقدس حجر عن وجه الأرض إلّا وجد تحته دم عبیط، وأبصر الناس الشمس علی الحیطان حمراء کأنّها الملاحف المعصفره، إلی أن خرج علی بن الحسین علیهما السلام بالنسوه، وردّ رأس الحسین علیه السلام إلی کربلاء»
3- نور الأبصار: 299 - فصل: اختلفوا في رأس الحسين(علیه السلام)

بالبدن الزاكي في العشرين من صفر من سنة 61 للهجرة.

فوا لهفاه على ما كان عليه حال المخدرات وبنات العصمة حينما أراد الإمام السجاد (علیه السلام) وضع الرأس الزاكي لأبيه الحسين (علیه السلام) في قبره المبارك وإلحاقه بدنه!

وفي بعض التواريخ المعتبرة أن الرباب بنت امرئ القيس الكلبية - زوج الحسين (علیه السلام) الوفية المخلصة - أقامت عند قبر الحسين (علیه السلام) في كربلاء سنة كاملة، ثم عادت بعد ذلك إلى المدينة، حتى ماتت من شدة غمها وحزنها وأسفها على أبي عبد الله الشهيد صلوات الله عليه، فقد كانت مع ركب الأسى والسبا حين أخذ إلى الشام، ثم عادت معهم في الأربعين إلى كربلاء، لكنها أقامت ولم ترجع إلى المدينة إلا بعد عام. قال ابن الأثير:

وكان مع الحسين امراثه الرباب بنت امرئ القيس، وهي أم ابنته سكينة، ولت إلى الشام فيمن يل من أهله، ثم عادت إلى المدينة ... وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت، حتى بلبيت وماتت كمدة، وقيل: إتها أقامت على قبره سنة، وعادت إلى المدينة فاتت أسفا عليه(1) وفي أحوالها أيضا بعد مقتل سيد الشهداء(علیه السلام) ، ما رواه الكليني بإسناده عن مصقلة الطحان قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام)علي يقول: «لا قتل الحسين (علیه السلام)، أقامت امراثه

ص: 171


1- الكامل في التاريخ : 88. وانظر التعليقة الرقم 7 من الباب (تعليقات وإضافات) من هذا الكتاب.

الكلبية عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتى جفت دموعهن و ذهبت فبينما هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل فدعتها فقالت لها ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك قالت إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق(1) قال فأمرت بالطعام و الأسوقة - فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت إنما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على الحسين عليه السّلام قال و أهدى للكلبية جونا لتستعين بها على مأتم الحسين عليه السّلام فلما رأت الجون قالت ما هذه قالوا هدية أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين عليه السّلام فقالت لسنا في عرس فما نصنع بها ثم أمرت بهن فأخرجن من الدار فلما أخرجن من الدار لم يحس لهن حسا كأنما طرن بين السماء و الأرض و لم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر.(2)

والجؤن - کصرد : جمع جوني، وهو ضرب من القطا . سود البطون والأجنحة (3)

فلا أهدي لزوجة الحسين (علیه السلام) تلك الجؤن لتستعين على المأتم، قالت: لسنا في عرس! أي: إن هذا النوع من الأطعمة اللذيذة لا يناسب مأتم سيد الشهداء (علیه السلام)، بل يناسب مجالس الفرح والسرور، فأمرت بإخراجهن من الدار، فلما أخرجن لم ير لهن أثر، كأنها رت بين السماء والأرض.

هذا هو مفاد المعنى الحاصل من الرواية، لكن العلامة المجلسي رحمة الله ذكر وجوها

ص: 172


1- السويق: دقيق مقلو، يعمل من الحنطة أو الشعير (مجمع البحرين: سوق).
2- الكافي 1: 466 - باب مولد الحسين بن علي (علیهما السلام) / ح 8 - عنه: بحار الأنوار 45: 170 / ح 18.
3- أنظر: مجمع البحرين، والصحاح: جون.

غريبة في (مرآة العقول)(1)، ثم قال:

وقيل : كأن النساء كن من الجن، أو كن من الأرواح الماضيات تجسدن - انتهی.

وبالجملة الخبر لا يخلو من تشويش واضطراب الفظا ومعنى .. (2)

قلت: لا اضطراب في ألفاظ الخبر ولا تشويش في معناه کما عرفت. نعم، لا شك في ضعف سند الخبر على المشهور، ومصقلة مهمل في كتب الرجال، ولم يذكر له في الكافي غير هذا الخبر ، ولكن وجود الخبر(3) في (الكافي) يكفي في هذا الموضوع

ص: 173


1- قال رحمة الله في (مرآة العقول 5: 372): وقال الجوهري: الجون: الأسود، وهو من الأضداد، والجمع: جون - بالضم - و الجوني من الخيل و من الإبل الأدهم الشديد السواد، و الجونة أيضا العطار و الجمع جون بفتح الواو، و الجوني ضرب من القطا، سود البطون و الأجنحة، و هو أكبر من الكدري، انتهي. و أقول: كان الجون هنا كصرد جمع الجوني، و إن لم يذكر اللغويون جمعه أو يكون جونا بالضم صفة محذوف أي طيورا جونا يعني بيضا أو سودا، و فاعل أهدي محذوف أي رجل من قبيلته أو أهدي الله، فقولهم أهداها فلان علي الظن و الأصوب جون بالضم، و أهدي علي بناء المفعول، و كان فقدهن علي سبيل الإعجاز لكونها لتعزيته عليه السلام فلعلها ذهب بها إلي الجنة. و قيل: الجون بالضم جمع جونة و هي ظرف للطيب.
2- مرآة العقول 5: 373.
3- قال السيد الخوئي: عده البرقي من أصحاب الصادق(علیه السلام). روي عن أبي عبد الله (علیه السلام)، وروى عنه يونس (معجم رجال الحديث 196:19 / الرقم 12419). أقول: ومجهولية الراوي عند أكثر الرجاليين لا يعني والأخذ بالرواية عند المتقدمين، وقد تقدم الكلام في الحدود والضوابط للتعامل مع النصوص.

التاريخي.

و ما ذکرناه من معنی الخبر هو المتعین فی معناه و لا یحتمل غیره و الیه اشار الفضال الصالح المازندرانی رحمه الله تعالی فی شرحه علی الکافی فراجع.(1)

ثم جاء من اعتبر بقاء السيدة الرباب (علیها السلام) في كربلاء عاما من المحالات، وأثار حولها الشبهات قائلا:

يستفاد من خبر مصقلة أن الرباب أقامت العزاء في المدينة لا في كربلاء، ثم إن الإمام السجاد (علیه السلام) ما كان ليترك زوج الحسين (علیه السلام) عند قبر أبيه سنة كاملة. فيقال في الرد عليه:

لا استبعاد في بقاء السيدة المكرمة عند القبر المطهر، فإن ذلك كان متعارف في صدر الإسلام، وكان يفعل ذلك الزوجات الوفيات للسادة والأشراف، وكن يقمن عليهم العزاء والمآتم.

فإن من المسلمات التاريخية أن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) لما مات ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين على قبره فسطاطة، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها: إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط. فلتا أظلم الليل سمعت قائلا يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا

ص: 174


1- أنظر : شرح أصول الكافي 7: 230.

فانقلبوا (1).

قال المحدث الشيخ عباس القمي رحمة الله :

الذي ذكرناه عن زوجته فاطمة من انّها ضربت على قبره فسطاطاً وكانت تصوم النهار وتقوم الليل إلى سنة نقله الشيخ المفيد وكثير من علماء الشيعة والسنة وكان هذا شايعاً بين النساء المحترمات الحانيات. (2). ثم نقل المحدث القمي قضية السيدة الجليلة الرباب عن ابن الأثير.

وفی عیون الأخبار وفنون الآثار لعماد الدین إدریس القرشی عن أبی نعیم بإسناده عن أم سلمه رضوان الله علیها أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسین بن علی)علیه السلام(ضربت قبّه سوداء فی مسجد رسول الله صلّی الله علیه وآله ولبست السواد (3) إذن، فقد كان هذا الأمر جاريا، ولم يصلنا عن الأئمة (علیهم السلام) منع، ولولا كبر عمر أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها لما كان مستبعدا أن تقصد کربلاء وتنصب قبتها هناك عند قبر الحسين (علیه السلام).

على كل حال، فإن مثير الشبهات قد سلم بأن السيدة الجليلة الرباب لم تعش أكثر من سنة بعد مقتل الإمام الحسين (علیه السلام) ، حتى ماتت في المدينة المنورة، إذن فلا وجه للاحتمالات والأوهام من أن أهل البيت (علیهم السلام) بقوا في الكوفة سنة، أو أنهم مكثوا كثيراً

ص: 175


1- أنظر: الإرشاد 2: 29، روضة الواعظين: 494، مناقب آل أبي طالب 3: 193، بحار الأنوار 167:44/ ح 3، تاريخ مدينة دمشق19:70.
2- سفينة البحار 609:1 - حسن.
3- عيون الأخبار وفنون الآثار: 109 - ط بيروت.

في الشام، أو أن مدة بقائهم في الكوفة والشام بلغت عدة أشهر، وليست هذه الظنون سوى أوهام فاسدة، وقد تبين ضعف جميع الأقوال وعدم إمكان الاعتماد عليها، على أن التردد كثيرة في مدة إقامتهم وكثرا الأقاويل فيها مما يزيد من عدم اعتبارها، فيلزم الاكتفاء بالقدر المتيقن منها، وهو المقدار الأقل المعلوم، أي: ما لا يتجاوز الأسبوع أو ثمانية أيام فقط.

ص: 176

نقل بعض أسئلة السائل والتحقيق فيها

يقول السائل (1). في سؤاله:

إن المحدث الشيخ عباس القمي رحمة الله بعد ذكر ما جرى في الكوفة والشام في الجزء الأول من (منتهی الآمال)، قال:

... وبملاحظة كل هذه الأمور يستبعد كثيراً أن يعود أهل البيت إلى کربلاء فيصلوا إليها في اليوم العشرين من صفر الذي يوافق اليوم الأربعين، كما يتفق مع يوم وصول جابر بن عبد الله إلى هناك (2)

فيقال في معرض الإجابة:

إن ما تفضل به المرحوم المحدث القمي رحمة الله هو عين ما تفضل به أستاذه المحدث النوري رحمة الله ،لا يعدو كونه استبعادة تبعا لأستاذه، وكما هو المقرر في علم الكلام عند

ص: 177


1- المراد من السائل هو ما أشار إليه المصنف في أول الكتاب في المقدمة، حيث قال: وبهذه المناسبة في عام 1392 ه فإن بعض المتدينين من أهل التقوى سألوني طالبين الإجابة ... وسيشار إلى فقراته مع التحقيق إن شاء الله تعالى.
2- منتهی الآمال 921:1 - الفصل 9 في تسيير يزيد لأهل البيت (علیهم السلام) إلى المدينة.

المتكلمين أن من الواضح أن الاستبعاد لا يكون دليلا بوجه.

ثم إن العلامة المحقق الشيخ البهائي رحمة الله يقول في رسالة (توضیح المقاصد):

التاسع عشر - من شهر صفر- فيه زيارة الأربعين لأبي عبد الله الحسين عليه السلام وفي هذ اليوم وهو يوم الأربعين من شهادته عليه السلام كان قدوم جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) لزيارته عليه السلام واتفق ذلك اليوم ورود حرمه عليه السلام من الشام إلى كربلاء قاصدين المدينة على ساكنها السلام والتحية (1).

فقد اعتبر اليوم التاسع عشر هو يوم الأربعين، وذلك لأنه ابتدأ بحساب الأيام من يوم عاشوراء، وافترض أن محرم عام 61 للهجرة كان ثلاثين يوما تاما.

وهذا لا يصح؛ لأن يوم عاشوراء لا يحتسب، فإن سيد الشهداء (علیه السلام) قتل فيه بعد أداء صلاة الظهر في آخر وقت العصر، ويلزم أن يكون ابتداء حساب الأربعين من يوم الحادي عشر من المحرم، فيكون الأربعين يوم العشرين من صفر.

ولعل الشيخ البهائي رحمة الله قد جعل يوم عاشوراء هو اليوم الأول في حساب الأربعين لما صرح جمع من الأعاظم بأن الحسين بل قد قتل قبل الزوال، كالشيخ في

تهذيب الأحكام والعلامة رحمة الله في تحرير الأحكام)(2)

ص: 178


1- توضیح المقاصد: 6.
2- قال الشيخ في (تهذيب الأحكام 6: 41 - الباب 15 في نسب أبي عبد الله الحسين بن علي (علیهما السلام)):...وقبض (علیه السلام) قتيلا بكربلاء من أرض العراق، يوم الإثنين، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم السبت، العاشر من المحرم، قبل الزوال، سنة إحدى وستين من الهجرة.ونحوه العلامة في تحرير الأحكام 2: 121).

بيد أن التحقيق خلافه؛ فإن أرباب المقاتل قد صرحوا بأن الحسين (علیه السلام) لم يكن قد قتل وقت الزوال بعد، وقد صلى الظهر بأصحابه صلاة الخوف، وهذا ثابت بما لا يقبل الشك ولا تعتريه الشبهة، وكانت شهادته (علیه السلام) وقت العصر، فلا يحتسب يوم عاشوراء.

قال الشيخ المفيد رحمة الله في (الإرشاد):

و قاتل أصحاب الحسين بن علي (علیه السلام) القوم أشد قتال، حتى انتصف النهار ...

واشتد القتال والتحم، وكثر القتل والجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين (علیه السلام)، إلى أن زالت الشمس، فصلى الحسين (علیه السلام) بأصحابه صلاة الخوف (1).

وقال ابن طاووس رحمة الله في (اللهوف):

قال: وحضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين (علیه السلام) زهير بن القين و سعيد ابن عبد اللّه الحنفي: تقدما أمامي، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف. (و رووا) أن سعيد بن عبد اللّه الحنفي تقدم أمام الحسين -عليه السلام-فاستهدف له يرمونه بالنبل، فما أخذ الحسين-عليه السلام-يمينا و شمالا إلا قام بين يديه، فما زال يرمى حتى سقط الى الأرض

ص: 179


1- الإرشاد 2: 106- 105.

وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح. (1)

و قال السيد محسن الأمين العاملي رحمة الله في (لواعج الأشجان):

و حضر وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين(علیه السلام) يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله ولا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن القى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقبل منكم يا خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى

ص: 180


1- اللهوف في قتلي الطفوف: 66.

صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين (عليه السلام) سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

وقيل: صلی الحسين علیه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء .(1)

كما أن الشيخ الفقيه ابن نما رحمة الله في (مثير الأحزان) قد صرح بصلاة الحسين (علیه السلام) ، وأشار إلى ما قيل بأنه صلى وأصحابه فرادى بالإيماء (2).

و لايبعد أن القوم منعوهم من أداء صلاة الخوف، فصلوا فرادى بالإباء (3)

و خلاصة القول أن لا شك في أن سيد الشهداء (علیه السلام) قد صلى الظهر يوم عاشوراء، سواء صلاها خوفا أو فرادى، لكن ذلك من المسلمات ولا شبهة فيه.

فاتضح إذا أن قول الشيخ رحمة الله في (التهذيب) بأن شهادة الإمام الحسين (علیه السلام) كانت

ص: 181


1- لواعج الأشجان: 100.
2- أنظر: مثير الأحزان: 48 و 49.
3- أنظر التعليقة الرقم 9 من الباب (تعليقات وإضافات) من هذا الكتاب.

یوم عاشوراء قبل الزوال،وما تبعه عليه العلامة رحمة الله في(التحرير)،خالي من الصحة،ولا يبعد أن ذلك من سهو قلم الشيخ رحمة الله أو النساخ،وأن عبارة(بعد الزوال)صحفت إلى(قبل الزوال)،والله العالم.أما ما قاله المحدث القمي رحمة الله في (مفاتیح الجنان):

يوم الأربعين،وعلى قول الشيخين هو يوم ورود حرم الحسين المدينة عائدة من الشام،وهو يوم ورود جابر بن عبد الله الأنصاري

کربلاء...(1) .

وكذا العلامة الفيض الكاشاني رحمة الله في(تقويم المحسنين)نحوه(2) ،فكل ذلكيكون تبعة للشيخ المفيد رحمة الله والشيخ الطوسي رحمة الله،وفي الحقيقة فإن الشيخ أيضا قد تبع أستاذه المفيد في ذلك،وقد قمنا ببيانه تفصيلا أن دأب الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وطريقتهما في التواريخ هو التريث في النقل ما لم يصلهما الخبر مسندا عن مشايخها، وحيث لم يصلها خبر ورود أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام بالإسناد،اقتصرا على ذلك المقدار إجمالا،لكن عدم نقلها لا يدل على أن القضية لا واقع لها.

نظير ما فعله الشيخ المفيد رحمة الله في(الإرشاد)،فقد تسب القول بقتل الإمام

ص: 182


1- مفاتیح الجنان:454
2- تقويم المحسنين:11(حجري)،وفيه:شهر صفر:... وفي العشرين منه رجوع حرم الحسين (علیه السلام) إلى المدينة

الجواد(علیه السلام) مسموم إلى قوم من الشيعة،لأنه لم يصله الخبر مسندة عن مشايخه، فقال:

وقيل:إنه مضى مسمومة،ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به(1) .

ثم من أسئلة السائل أيضا:إن الدكتور محمد إبراهيم آيتي في محاضرته السادسة من كتاب(بررسی تاریخ عاشورا=تحقیق تاریخ عاشوراء)يقول:أما قصة مجيء أهل البيت من الشام إلى العراق ووصولهم في الأربعين إلى كربلاء،فلا يمكن تصديقها بأي وجه،أو أن نجد لهذه الأسطورة التاريخية سندا يعتمد عليه.

ويقال في الجواب:

إن الدكتور آیتي قد قصر في التتبع والسعي للإلمام بموضوع تاريخي له أعلى درجات الشهرة،ولم يسلك منهج التحقيق،وقد استمكنت منه الشبهات التي شوشت أذهان أمثال المحدث النوري رحمة الله والآخرين،لذا لم يراع الاحتياط في تعبيره، وعبر عن تلك الواقعة بالأسطورة التاريخية،فإن لم يستطع الحصول على سير يعتمد عليه لها،فإن هذا لا يكون دليلا على عدم وقوعها وحقيقتها،ولو كان قد دقق لوجد السند المعتبر،ولصدق الأمر ولم يعسر عليه ذلك،كما أني أتصور أن من قرأ هذا الكتاب يسهل عليه تصدیق قضية الأربعين.

لا شك أن الدكتور آیتي لم يحقق في موضوع البريد في تلك الأزمنة،ولو كان مطلعة على موضوع الحمام الزاجل،وعلى سرعة السير في طي المسافات بين العراق

ص: 183


1- الإرشاد2: 259

والشام والحجاز والعراق في تلك الأزمنة وملاحظتها،لا تقول بتلك العبارات في محاضرته،لذا فادعاؤه لم يكن سوى استبعاد خالي من الدليل.

ولا يلزم الشك أيضا أن الدكتور آیتي لم يطلع على تقطيع خبر عطية العوفي ونقله في مجيء الأسرى إلى كربلاء ولقائهم بجابر رضوان الله عليه،كما تم تحقيقه،فإن اللازم البحث في أصل الموضوع التاريخي المشتهر وجذوره،وعدم تجاوزه بشكل سطحي،لأن أغلب المشهور له أصل وأساس وحقيقة تطابق الواقع.

ثم نقل السائل في أسئلته ما ذكره العلامة المجلسي رحمة الله في(زاد المعاد) واستبعاده حول مجيء أهل البيت (علیهم السلام) في الأربعين الأولى إلى كربلاء،ومن المناسب أن ننقل نص عبارات العلامة المجلسي رحمة الله،ثم نقوم بمراجعتها.

قال المجلس في بيان أعمال صفر:

ويعرف اليوم العشرون من هذا الشهر بيوم الأربعين،أي:أربعين استشهاد الإمام الحسين(علیه السلام) ..ثم وبعد أن نقل زيارته لان المختصة بهذااليوم،قال:

واعلم أن سبب التأكيد على زيارة الحسين (علیه السلام) في هذا اليوم هو أن الإمام زین العابدین (علیه السلام) وسائر أهل بيته وردوا في هذا اليوم إلى كربلاء بعد رجوعهم من الشام،وألحقوا الرؤوس المقدسة بأبدانها.وهذا بعيد جدا من جهات عدة،يؤدي ذكرها إلى التطويل.وقال بعض:إن أهل البيت وردوا هذا اليوم إلى المدينة المنورة.وهذا أيضا بعيد جدا.

ص: 184

وقال بعض:لعل الإمام زين العابدین (علیه السلام) ذهب في هذا اليوم من الشام إلى كربلاء خفية بطريق الإعجاز وطي الأرض،وألحق الرؤوس بالأبدان.وهذا وإن كان ممكنا،لكنه لم ترد رواية في هذا الباب تؤكده،بل إن بعض الروايات تنافيه في الجملة.

وما يظهر من الأحاديث هو أن أول من تشرف من صحابة رسول الله (صلی الله علیه واله) بزيارة الإمام الشهيد (علیه السلام) هو جابر بن عبد الله الأنصاري،وأنه وصل في هذا اليوم إلى كربلاء وزار الإمام (علیه السلام)مع سائر الشهداء،ولا كان جابر من أكابر الصحابة وقد وضع أساس هذا الأمر العظيم،يمكن أن يكون قد صار سببا لمزيد فضل زيارته (علیه السلام) في هذا اليوم،ولعل هناك وجوه أخرى مخفية علينا،وحيث إنهم قالوا بزيارة الإمام في هذا اليوم فيجب علينا أن نزوره،وليس تفحص سببه ضروريا(1) .فمن صریح کلام العلامة المجلسي رحمة الله يعلم أن مجيء الإمام السجاد (علیه السلام) مع أهل البيت علمية إلى كربلاء في الأربعين من عام61للهجرة هو المشهور عند الإمامية،جاءفيه برؤوس الشهداء وألحقها بأبدانها الطاهرة،ولا تردد في شهرة هذا القول!ولم يذكر دليلا على استبعاده،ولا تلك الجهات التي تفيد الاستبعاد،ولا توجد سوى الظنون والشكوك التي تعرض لها المحدث النوري رحمة الله في(اللؤلؤ والمرجان)وذكرها لاستبعاد مجيء أسارى أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأولى،وقد جئنا عليها بالتفصيل

ص: 185


1- زاد المعاد:247و250-الباب7في أعمال شهر صفر

فيما سبق،وتبين أنها ليست سوى استبعادات و شبهات،بل ورفدنا مدعانا بالدلائل والقرائن الكثيرة لتقوية القول المشهور.

أما القول بأن العشرين من صفر من سنة61للهجرة هو يوم دخولهم المدينة المنورة،فهو ما لا يمكن الاعتماد عليه أبدأ،كما اعترف بذلك المحدث النوري له نفسه أيضا(1) .

وأما احتمال أن الإمام السجاد (علیه السلام) قد جاء في الأربعين من سنة61للهجرة إلى کربلاء عن طريق الإعجاز وطي الأرض،فهو مجرد احتمال في مقام الثبوت ويحتاج إلى إثبات،ولا دليل عليه،كما أقر العلامة المجلسی رحمة الله عدم ورود رواية تؤكد ذلك،فضلا عن أن بعض الروايات تنافيه،ولذا فإن مجردالاحتمال لا يغني،فضلا عن أن بعض الروايات تنافيه.

أما أن كون جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله هو أول زائر للقبر الشريف فصحيح(2) ،ورد کربلاء قبل وصول الإمام (علیه السلام) مع السبايا،وإن حصل ذلك في نفس اليوم (3) .

إذن،فبعد التأمل والتحقيق في كلمات العلامة المجلسي رحمة الله،لم يبق دليل على نفي مجيء أهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأولى،ليمكن بذلك نفي القول المشهور

ص: 186


1- لا شك أن المسافة من الشام إلى المدينة المنورة أبعد بكثير من المسافة إلى كربلاء!
2- ذكرنا فيها تقدم أن أول من زار قبر سيد الشهداء علي هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد،وذلك عند حضوره لدفن الجسد الطاهر وسائر أجساد الشهداء مع بني أسد
3- أنظر التعليقة الرقم10 من الباب(تعليقات وإضافات)من هذا الكتاب

وبطلانه،ولا شيء سوى الاستبعاد المحض،وما مر تفصيلا من نقل التقریبات والدلائل وأقوال علماء الشيعة والعامة يقوي القول المشهور،ويوجب الاطمئنان ويزيد في الاعتمادعليه.

ص: 187

ص: 188

زيارة الأربعين من علامات الإيمان

لعل من وجوه تأسيس يوم الأربعين لسيد الشهداء (علیه السلام) منذ سنة61للهجرة وإلى الآن وإحياء الشيعة لهذا اليوم،هو بكاء الأرض والسماء على الحسين (علیه السلام) أربعين يوما،كما روی زرارة بن أعين الشيباني رحمة الله-وهو من أكابر فقهاء الشيعة ومحدثي الإمامية العظام-عن الإمام الصادق (علیه السلام)،قال:قال أبو عبد الله (علیه السلام):«یا زرارة،إن السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم،وإن الأرض بكت اربعين صباحا بالسواد،وإن الشمس بكت اربعين صباحة بالكسوف والحمرة،وإن الجبال تقطعت وانتثرت،وإن البحارتفجرت،وإن الملائكة بكت اربعين صباحا على الحسين(علیه السلام)،وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت(1) حتى أتانا راس عبيد الله بن زياد،وما زلنا في عبرة بعده...الحديث(2) .

ص: 189


1- ترجيل الشعر:تسريحه،ومنه:رجل شعره:أرسله بالمرجل،وهوالمشط(مجمع البحرين:رجل)
2- کامل الزيارات:167- 168الباب26ح219-عنه:بحار الأنوار 206:45-الباب40/ح13

ولذا لم يتوانى الشيعة دائما-وهو الواجب عليهم-في جميع أيام العزاء على سيد الشهداء (علیه السلام)-ومنه أربعينه-في زيارته وإقامة المآتم والعزاء عليه،ومن هنا فقد عذ الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) زيارة الأربعين من علامات الإيمان

روى الشيخ الطوسي رحمة الله في(التهذيب)قائلا:وروي عن أبي محمد الحسن العسكري الا أنه قال:«علامات المؤمن خمس:صلاة[الإحدى و]الخمسين،وزيارة الأربعين،والتختم في اليمين،وتعفير الجين،والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1) .

ولا شك أن المراد من زيارة الأربعين هو زيارة مولانا سید الشهداء لي في يوم الأربعين-العشرين من صفر-في كربلاء.

وقد ظهر من بعض منحرفي الأفهام والسليقة في فهم الأخبار والأحاديث من تحريفهم لمعاني الأحاديث وترويها عن مصبها ومدالیلها،وما سطروه في بعض كتبهم من أن المراد من زيارة الأربعين في الحديث الشريف هو زيارة أربعين مؤمنة،بمعنى أن من علامات المؤمن أن يزور أربعين مؤمنا من إخوانه..

وهو خلاف المتبادر من الحديث،وفي غاية درجات السخف من القول،وما ذكروه من المعنى منافي للذوق السليم والذهن المستقيم،مع عدم وجود أي قرينة في الرواية دالة على المعنى المزعوم،ولو كان هذا المراد للزم ورود كلمة«الأربعين»خالية من الألف واللام العهدية،ولا جاءا معها كان المراد إلفات السامع إلى أن زيارة

ص: 190


1- تهذيب الأحكام6: 52-الباب19/ح122،المزار للمفيد:53-باب فضل زيارة الأربعين/ح1،مصباح الزائر:286،المزار الكبير:352- 353الباب11/ح1،وغيرها

الأربعين أيضا هي من سنخ سائر العلامات المذكورة للمؤمن في الحديث الشريف،ولها مصداق خارجي في يوم معلوم،كذلك هي من الأعمال المشهورة والمختصة بأهل الإيمان.

وليوم الأربعين زيارة مأثورة عن الإمام الصادق (علیه السلام)،رواها الشيخ الطوسي رحمة الله في (مصباح المتهجد)بسن معتبر،بل صحيح،عن صفوان بن مهران قال:قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه:في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار، وتقول:السلام على ولي الله وحبيبه،السلام على خليل الله ونجيبه،السلام على صفي الله وابن صفیه،السلام على الحسين المظلوم الشهيد...»(1) .

فإن أولئك الذين أرادوا التصرف غير اللائق في عبارة:«وزيارة الأربعين»،وحملها على زيارة أربعين مؤمنة،مع عدم وجود الإشارة إلى ذلك ولا القرينة المساعدة عليه،قد أخطؤوا خطأ كبيرة،وسلكوا مسلكا معوج خلاف ما سلكه العلماء الأعلام وعلى القارئ الكريم أن يلتفت إلى أن عبارة:وزيارة الأربعين،في حديث الإمام العسكري ل هي عين العبارة الواردة في رواية صفوان عن الإمام الصادق(علیه السلام):«في زيارة الأربعين»،مما لا يدع شكا أن الألف واللام للعهد،أي:الزيارة المعهودة.

وبغض النظر عما مر،يمكن أن يقال:إن زيارة أربعين مؤمنة من علامات الإسلام لدى الشيعة والعامة،وليست هي من مختصات أهل الإيمان ليمتازوا بها عن غيرهم فيجعلها الإمام (علیه السلام) من علامات المؤمن.

ص: 191


1- مصباح المتهجد:788،وانظر: المزار الكبير:514،إقبال الأعال3: 101

أما زيارة سيد الشهداء (علیه السلام) في يوم الأربعين،فهي من الأمور التي يكون دافع المؤمن إليها هو الاعتقاد الخالص بأهل البيت(علیهم السلام)،ولا ريب أن أولئك الذين يجتمعون لزيارة سيد الشهداء (علیه السلام) عند قبره في أرض كربلاء المقدسة في يوم الأربعين هم خاصة شيعته ومحبيه.أضف إلى ذلك أن أعلام الشيعة الإمامية رضوان الله عليهم فهموا من الحديث الشريف للإمام العسكري صلوات الله عليه خصوص زيارة أربعين سيد الشهداء،ولم يتبادر إلى أذهانهم غير هذا المعنى المرتكز.

فإن الشيخ الطوسي رحمة الله في(التهذيب)بعد أن نقل الروايات في فضل زيارة عاشورا(علیه السلام)ء،نقل حدیث زيارة الأربعين،وفي(مصباح المتهجد)رواه أيضا تحت عنوان: زيارة الأربعين(1) .

وقال العلامة في منتهى المطلب:وستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله(علیه السلام)،وهو العشرون من صفر.ثم روى الحديث المذكور(2) .

وكذا السيد ابن طاووس رحمة الله في(الإقبال)(3) ،والعلامة المجلسي رحمة الله في مزار

ص: 192


1- أنظر:مصباح المتهجد:787،تهذيب الأحكام6: 52/ح122،ص113/ح201
2- أنظر:منتهى المطلب13: 294
3- قال في(إقبال الأعمال3: 100):فيها نذكره من فضل زيارة الحسين (علیه السلام) يوم العشرين من صفر،وألفاظ الزيارة بها نرويه من الخبر:روینا بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي فيما رواه بإسناده إلى مولانا الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه أنه قال:«علامات المؤمن خمس:صلاة إحدى وخمسين،وزيارة الأربعين،والتختم باليمين،وتعفير الجبين،والجهر بسم الله الرحمن الرحيم»

(البحار)(1) ،والمحدث البحراني رحمة الله في(الحدائق)(2) ،والعالم المحقق السيد حيدر الكاظمي في(عمدة الزائر)(3) ،وغير هؤلاء الأعاظم من الفقهاء الكبار أدرجوا الحديث الشريف تحت عنوان زيارة يوم العشرين من صفر(4) ،لو جئنا على ذكر أساميهم لطال بنا المقام. وبعض استبعد الزيارة المعهودة من جهة أن لو كان مراد عبارة:وزيارة الأربعين هو زيارة يوم الأربعين في العشرين من شهر صفر،لبين الإمام(علیه السلام) ثواب الزيارة وآثارها الأخروية المترتبة عليها،كما هو دأب أهل البيت (علیهم السلام) ذلك،فإنهم حينها يحرضون الناس ويرغبونهم في زيارة سيد الشهداء (علیه السلام) أو سائر زیارات أئمة الهدى لما يذكرون ذلك،لكن هذا لم يجر في هذه الرواية.

وهذا الاستبعاد لا يعتنی به بأي وجه؛فإن الإمام لا في هذا الحديث بصدد بیان علامات المؤمن التي يمتاز بها عن غيره،ومنها زيارة الأربعين،وقد أراد إلا أن يبين

ص: 193


1- أنظر:بحار الأنوار106:98-الباب14/ح17
2- قال في الحدائق الناضرة17:434):وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن
3- أنظر:عمدة الزائر:209- 213
4- والشهيد الأول،حيث قال في(الدروس الشرعية2: 10):وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن. وقال الحر العاملي في(هداية الأمة5: 488):يستحب زيارته يوم الأربعينمن مقتله.روي أن من علامات المؤمن زيارة الأربعين،وقال الصادق (علیه السلام) في زيارة الأربعين:«تزور عند ارتفاع النهار،وتقول:السلام على ولي الله وحبيبه..»،وذكر الزيارة،ثم قال:«وتصلي ركعتين»

إجمالا تلك العلامات الخمس،وليس في مقام بيان الآثار المترتبة على زيارة الأربعين ليبين الثواب والنتائج الأخروية والدنيوية(1) .

ص: 194


1- كما هو ليس في مقام بیان ثواب بقية العلامات

تعليقات وإضافات

[1]في العراق يقصدون كربلاء من كل حدب وصوب،ويولون اهتماما أكثر بزيارة القبر المطهر

إن إخواننا شيعة العراق-الذين يشكلون الغالبية السكانية من حيث عدد النفوس-متمسكون بمذهبهم ثابتو القدم،مستعدون دائما للدفاع عن حرمة المذهب المقدس.

وفي أيام الزيارات الخاصة في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء، يقصدون المشاهد المشرفة من كل حدب وصوب،ويجتمعون عند الأضرحة المقدسة،ليقيموا الشعائر الدينية في أيام الزيارات والمواسم الخاصة على أحسن وجه.

وهنا أستحسن أن أورد ما ذكره السيد العلامة الخطيب الشهير السيد جواد شتر في كتابه النفيس(أدب الطف،أو:شعراء الحسين (علیه السلام))،وأن أنقل نص عباراته الجميلة التي تتضمن صورة ملصة عن أيام الأربعين،فيقول:

اربعين الحسين (علیه السلام)في كربلاء يوم أربعين الحسين(علیه السلام)،وهو يوم العشرين من صفر، من أضخم

ص: 195

المؤتمرات الإسلامية،يجتمع الناس فيه كاجتماعهم في مكة المكرمة، تلتقي هناك سائر الفئات من مختلف العناصر،ويعتنق شمال العراق بجنوبه، والوفود من بعض الأقطار الإسلامية،فهذا الموكب يردد أنشودته باللغة العربية،وذاك باللغة التركية،وثالث باللغة الفارسية،ورابع باللغة الأوردية،وهكذا(1) .

ولست مبالغاً إذا قلت:إن هذا الموسم يجمع أكثر من مليون نسمة(2)

ص: 196


1- التنوع العرقي والعنصري والثقافي ظاهرة غريبة في مواسم زيارة الإمام الحسين(علیه السلام)،فإنك تجد بين هذه الملايين اللغات المتعددة والثقافات المختلفة والأشكال المتنوعة و...،بل وأحيانا التوجهات الفكرية المختلفة وغيرها،لكنك لا تلحظ وجود مشاكل نفسية أو أي تصرفات غريبة تثير الحساسيات والمشاكل، وكأن الكل مبرمج على وفق منهج عملي وطريق سير لا يزول عنه ولا يحيد، وهذا ما لا يمكن أن يحصل في أي مجتمع مهما ادعى الرقي الإنساني والتقدم العلمي والتطور في مجالات الحياة،بل نجد في المجتمعات الأخرى وقوع أشد الصراعات والتطاحنات على أصغر الأمور وأتفهها
2- وفي عصرنا بلغ العدد عشرات الملايين، حتى صار موسم الحج لا يعد شيئا قبال الأعداد الهائلة التي تفد إلى قبر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) في زيارة الأربعين. ورغم أن الأعداد التي تفد إلى مكة المكرمة في موسم الحج لا تبلغ عشر الأعداد الوافدة إلى کربلاء في الأربعين، إلا أنه لا تكاد تمر سنة إلا والأخبار تترى عن وقوع حوادث وقتلى في صفوف الحجاج، بسبب سوء النظم، على الرغم من وجود دولة من المفترض أن تكون قادرة على ضبط الحال وتنظيم الموسم.. لكن ذلك لم يحصل في موسم زيارة الأربعين - ولله الحمد -، فالكل يمشي ويسير، ويأكل وينام، حتى يصل إلى القبر الشريف للمظلوم الشهيد صلوات الله عليه، ثم يقضي زيارته ويرجع سالما غانا آمنا، دون أن تسجل أي حوادث، وهذه من نعم الله تبارك وتعالى ومنه ولطفه بزوار الحسين (علیه السلام) ، بل ومن الكرامات التي قد لا يلتفت لها أو يسلط الضوء عليها! ولا يفوتنا أيضا أن جميع ما يقدم للزائر من خدمة هي أعمال تطوعية، لم تكن مدعومة من دولة أو أي جهات خاصة، إنها الناس يقيمون المواكب على طوال الطرق المؤدية إلى كربلاء، ويسقون الزوار ويطعمونهم من أموالهم الخاصة، لا يشاركهم في عملهم هذا أحد، وعلى رغم ضعف حال هؤلاء المتطوعين للخدمة لم نر ولم نسمع بزائر اشتکی عطشا أو جوعا، فقد وفر له ما يحتاجه وفوق ما يحتاجه، وليس المقام يسع لأن نطول في شرح ذلك، وهذه أيضا کرام أخرى. ولو جئنا على درج بعض المعاجز والكرامات التي تحصل في هذا الموسم المقدس، لاحتجنا إلى كتاب أو أكثر ليستوفيها.

جاؤوا لإحياء ذكرى الأربعين أو لزيارة(مرة الرأس)،إذ إن الروايات تقول بأن رأس الحسين (علیه السلام) أعيد إلى الجسد الشريف بعد أربعين يوما من شهادته،حيث جاء زين العابدین (علیه السلام) والفواطم معه،ومعهم الرأس الشريف وبقية الرؤوس،ومن هنا جاءت زيارة الأربعين.إن هذه المواكب من سائر الأقطار ومختلف البلدان تؤم كربلاء،وقد سجلت إدارة السلطة المحلية أكثر من300موكب،أكثرها يضرب الخيام حوالي كربلاء،والبعض يحجز المحلات الكبيرة،وتستهلك کربلاء في هذا الموسم من الرز ما لا يقل عن مئة طن،وكل موكب له

ص: 197

منادون يدعون الناس إلى المائدة وتناول الطعام باسم الحسين(علیه السلام)(1) .

ص: 198


1- إن المصروفات التي تبذل في زيارة الأربعين لسيد الشهداء(علیه السلام)،ليس بوسع الأرقام أن تسعها ولا أعقد الحسابات الرياضية!ولتتضح الصورة،فلنتصور أن أعدادا تبلغ عشرات الملايين من الأشخاص يدخلون إلى دولة معينة في فترة عشرة أيام تقريبا أو أقل أو أكثر،ليجتمعوا في بقعة جغرافية محددة،هذه الجموع الغفيرة يجب توفير الطعام والشراب والمبيت لهم على طول فترة إقامتهم،ولا نقصد من توفير الشراب والطعام مجرد الماء ووجبات الطعام الثلاث(الفطور،الغداء، العشاء)،بل يتضمن العصائر والحلويات والمعجنات والفواكه و...،شرط أن يكون توفير ذلك مستمرة خلال أربع وعشرين ساعة تقريبا،وعلى مسافات طويلة تبلغ مئات الكيلومترات،یقدم خلال هذه الفترة وعلى طول هذه المسافات400مليون وجبة طعام في أقل تقدير،وأكثر من25مليون فرشة وأغطية للمبيت،وتوفير عشرات الآلاف من المنازل والمساكن لاستضافتهم ليلا، فضلا عن توفير الآلاف من وسائل النقل.فإذا حصل هذا في أي بلد من البلدان، حتى وإن كان متقدما تقنيا واقتصادية واجتماعية،فهل بمقدور الدولة أن توفر كل ذلك وتدير هذا الاجتماع العظيم من دون وقوع أي اضطراب أو مشكلة؟!ولخبراء الاقتصاد والاجتماع أن يخبرونا بنتائجهم إن وجدوا لذلك من سبيل،مع یقیننا بأن اقتصاد أكبر دولة لا يمكن أن يعالج مثل هذا الموقف و سينهار بالتأكيد.ولن نتحدث هنا عن العناصر الأمنية التي عليها أن تشارك لتوفير الأمن والحماية،ولا عن الوسائل الإعلامية التي ستغطي الحادثة،ولا غير ذلك.ولا تعجب أن ما ذكرناه أعلاه هو القدر الأقل الأدنى،ففي زيارة الأربعين تقدم عشرات الخدمات الأخرى،من قبيل:خدمات الاتصال المجاني،توزيع بطاقات التعبئة للاتصال، المخافر الطبيةللتداوي والعلاج،التدليك،توزيع بعض الملابس،وترش تصليح الأحذية وتصليح عربات الأطفال،و...وهذا لك أن تضيفه إلى جملة عجائب زيارة الحسين (علیه السلام) في الأربعين ومعاجزها و کراماتها

وتتخلل هذا الموسم زیارات التعارف بين المواكب،وتبادل العواطف،وتقديم التمنيات والتحيات وعظيم الأجر يوم الحشر.إن الآلاف من الناس يقومون بالخدمة لهؤلاء الزوار،ويسخون بأنفسهم من أجل راحة الزائرين،فالبعض بسقي الماء المعطر والذاب فيه السكر،والبعض برش ماء الورد،والبعض بالتهوية بالمراوح اليدوية،وهكذا(1) .

وكما قال،ففي أيام الأربعين في العراق يفد أكثر من مليون نسمة بمواكبهم الحسينية إلى كربلاء لزيارة القبر المطهر،فتصبح المدينة المقدسة قطعة واحدة من السواد ومآتم العزاء والبكاء والندبة والضجة والعجة على سيد المظلومين،والمواكب تخرج من حرم سید الشهداء (علیه السلام) فتدخل في حرم أبي الفضل قمر بني هاشم لا،وفي ذلك اليوم تتجسد آثار النهضة الحسينية أمام مرأى الخلق،وتتذكر القلوب الواعية أن في مثل هذا اليوم دخل الإمام السجاد(علیه السلام) مع عباته وأخواته إلى هذه الأرض،فألحق الرؤوس المباركة للشهداء والرأس الأقدس لريحانة رسول الله (صلی الله علیه واله)بجسده الأطيب، فتتساءل:كيف كان حال نساء العصمة ومخدرات الوحي في ذلك الحين؟أهل كان جابر رضی الله عنه وسائر بني هاشم يخثون التراب على رؤوسهم؟ولو تأمل المرء أدنی تأمل وتصور ذلك المنظر الحزن،ألا يحق له أن يحثو التراب على رأسه؟ فإن زمرة من-

ص: 199


1- أدب الطف1: 41

الوحوش الأموية وأعوانهم يقتلون ابن نبي الله(صلی الله علیه واله)،ويحملون رأسه إلى الشام يتهادونه،مظهرين الإسلام من دون حياء،ثم يرجعون رأسه الشريف إلى عياله الثكالى،ليلحقوه بجسده الأطهر في كربلاء،لماذا؟لتستقر سلطة يزيد الرجس، ولئلا يعارضه أحد؟

إنه ليحق للمؤمن أن يكون في بكاء ونوح دائمين..أليس من خيمة الدنيا ودناءتها ومن عجائب الدهر وغرائبه أن يقتل ابن النبي(صلی الله علیه واله)،ثم يتهادى رأسه إلى أولاد البغايا في الكوفة ودمشق؟!ما الذي فعله الحسين بن علي (علیهما السلام)،وما الجرم الذي ارتكبه؟نعوذ بالله تعالى!

هنا يجب أن ننشد بيتين من قصيدة دعبل الخزاعي رحمة الله ونبكي،إذ يقول فيها:

لا أضحك الله من الدهر إن ضحکت

وال أحمد مظلومون قد هروا

مشردون فوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جتوا ماليس يغتفر(1)

ومن شعر دعبل الخزاعي رضوان الله عليه في رثاء سيد الشهداء(علیه السلام):

جاؤوا من الشام المشومة أهلها

بالشؤم يقدم جندهم إبليس

لعنوا وقد لعنوا بقتل إمامهم

تركوه وهو مبضع محموس

وسبوا فوا حزني بنات محمدٍ

عبرى حواسر مالهنّ لبوس

تباً لكم يا ويلكم أرضيتم

بالنار ذل هنالك المحبوس

ص: 200


1- عيون أخبار الرضا2: 298-الباب66/ح36-عنه:بحار الأنوار49: 242-الباب 17/ح10،مناقب آل ابي طالب2: 54

بعتم لدنيا غيركم جهلاً لكم

عزّ الحياة وإنه لنفيس

أخسر بها من بيعةٍ أمويةٍ

لعنت وحظ البايعين خسيس

بؤساً لمن بايعتم وكأنني

بامامكم وسط الجحيم حبيس

يا آل أحمد مالقيتم بعده

من عصبةٍ هو في القياس مجوس

كم عبرةٍ فاضت لكم وتقطعت

يوم الطفوف على الحسين نفوس

واحسرتاه لكم جسوم بالعرا

فيها وفوق الذابلات رؤوس

صبراً موالينا فسوف يديلكم

يوم على آل اللعين عبوس

مازلت متبعاً لكم ولأمركم

وعليه نفسي ماحييت أسوس(1)

ومن مراثيه أيضا:

رأس ابن بنت محمدٍ ووصيه

يا للرجال على قناةٍ يرفع

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا جازع من ذا ولا متخشع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع

وأصم نعيك كل أذنٍ تسمع

ما روضة إلا تمنت أنها

لك مضجع ولخط قبرك موضع(2)

ويا ليت الشعراء العجم من الترك و فارس و دیلم يقتدون بمثل دعبل الخزاعي في إنشاد شعر الرثاء على سيد الشهداء (علیه السلام) ويتعلمون منه،فيجتنبون نظم ما لا يناسب

ص: 201


1- دیوان دعبل الخزاعي:117
2- دیوان دعبل الخزاعي:126

مقام الإمام والعترة النبوية (علیهم السلام)،وسرد كل ما يختلج في بالهم ما دامه موافقة للسجع والقافية،ويجتنبون الحكايات عن لسان الإمام(علیه السلام) أو قمر بني هاشم (علیه السلام) أو زینب الكبرى (علیها السلام) قصصا تخرج عن مقام لسان الحال أو النوح والندبة، ويتركون الوضع في التاريخ باليس فيه!(1)

ولا يخفى أن مراثي دعبل الخزاعي رحمة الله كثيرة، وقد أورد في قصيدته التائية(2)

ص: 202


1- إن ما يلزم على الشاعر أن يلتفت له هو خصوصية شعر الرثاء في الحسين (علیه السلام) خصوصا وفي أهل البيت عموما،فإن هذا النمط من الشعر قد لا تحكمه بعض قواعد الشعر العامة،كما لا يباح فيه ما يباح في غيرها إن الكلام مع الذوات الطاهرة المعصومة-سواء كان نثرة أو شعرة-يجب أن يكون ضمن ضوابط الأدب والتقديس،غير خارج عن حدود النصوص الشريفة والمعتقدات الحقة فيهم (علیهم السلام)، وصياغة الصور الشعرية يجب أيضا أن لا تخرج عن هذه الحدود،لكي لا تتحول إلى مجرد تصورات لا أصل لها.وليس الأمر مقتصرة على شعراء العجم-كما تفضل السيد المؤلف رحمة الله-،بل هو عام محل ابتلاء حتى عند شعرائنا من العرب،خاصة في العصور المتأخرة.ولا تقع مسؤولية هذا الأمر على شعرائنا فقط،بل هي أيضا على الرائين والناديين سيد شباب أهل الجنة أجمعين(علیه السلام)،إذ عليهم أن لا يختاروا من الشعر إلا ما يوافق الاعتقادات الحقة
2- مطلعها: تجاوبن بالارنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات وفيها: أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشط فرات اذاً للطمت الخد فاطم عنده واجريت دمع العين في الوجنات أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي نجوم سماوات بارض فلاة انظر: دیوان دعبل الخزاعی: 56

وهي من روائعه-جملة من مصائب آل محمد(صلی الله علیه واله)،والدواوين التي جمعت ودونت أشعاره اشتملت على الكثير من مراثیه، فراجع في محاها.

[2]ركب السبايا لم يبق في دمشق أكثر من عشرة أيام

يعلم من(تاريخ الطبري)أن أهل البيت (علیهم السلام) قد أقاموا المناحة على الحسين(علیه السلام) في دمشق ثلاثة أيام،وذلك بعد أن أجاز يزيد الرجس لهم ذلك،ليخود بسياسته ومکره فوزة الناس ضده.

قال:

ثم قال يزيد بن معاوية يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلا من أهل الشأم أمينا صالحا وابعث معه خيلا وأعوانا فيسير بهم إلى المدينة ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن ما يصلحهن وأخوهن معهن على بن الحسين في الدار التى هن فيها قال فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة الا استقبلتهن تبكى وتنوح على الحسين فأقاموا عليه المناحة ثلاثا وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا على بن الحسين إليه...(1) .

ص: 203


1- تاريخ الطبري4: 352و353-سنة إحدى وستين

ثم ذكر الطبري أن يزيد أظهر لعن ابن مرجانة وعدم رضاه عنه في العلن، والحال أنه كان مسرورة في نفسه، وقد زاده ووصله،وكان ممه ما فعل ابن مرجانة(1) .

إذن،فيا كر في بعض الكتب من أنهم لم أقاموا العزاء في دار يزيد في دمشق

أكثر من ثلاثة أيام قول ضعيف خالي من التحقيق.

بل ذكر بعض المحققين أن توقف أسارى أهل البيت (علیهم السلام) في الشام لم يكن أكثر من سبعة أيام،کا مر ذكر ذلك..

[3]لم يحملوا أهل البيت (علیهم السلام)إلى الشام على رواحل منهم

إن مدعی صاحب (کامل البهائي) بأن الأرجاس حملوا أهل البيت والإمام السجاد على رواحل منهم، لأن القوم انتهبوا ثقلهم فلم يتركوا عندهم شيئا (2).

فينافيه ما قاله الشيخ المفيدة رحمة الله في(الإرشاد):

ثم أقبلوا على سلب الحسين...وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله،وسلبوا نساءه(3) .

وقال المحدث القمي رحمة الله في(نفس المهموم):

ومال الناش على الورس(4) والخلل والإبل،وانتهبوها.

ص: 204


1- أنظر:الكامل في التاريخ:87-حوادث سنة61
2- أنظر : کامل البهائي 2: 359 - الفصل 5.
3- الإرشاد2: 112
4- الورس:شیء أصفر،و قیل نبت أصفر مثل اللطخ یخرج علی الرفث بین آخر الصیف و الشتاء إذا أصاب الثوب لوّنه كما يتخذ منه الحمرة للوجه، وهو نبات كالسمسم ليس إلا باليمن، يزرع فيبقى عشرين سنة، نافع للكلف والبهق شربة (لسان العرب، مجمع البحرين: ورس)

ثم نقل نص عبارة الشيخ المفيدرحمة الله (1) .

وقال ابن الأثير في(الكامل في التاريخ):

ومال الناس على الورس والخلل والإبل فانتهبوها،ونهبوا ثقله ومتاعه

وما على النساء...(2) .

وكذا نحوه الطبري(3) .

فبناء على صریح قول الشيخ المفيد رحمة الله والطبري وابن الأثير،فإن إبل الإمام الحسين (علیه السلام) قد ثبت،وقول الشيخ المفيد رحمة الله مقدم على مدعى صاحب(کامل البهائي)؛لأنه أقرب إلى الصواب والعقل والاعتبار،فإن أولئك الجلاوزة الوحوش المجتمعين لقتل الإمام (علیه السلام) في كربلاء يبعد منهم أن يغضوا الطرف عن سلب الإبل والرواحل!(4)

ص: 205


1- نفس المهموم:345
2- الكامل في التاريخ4 :79
3- تاريخ الطبري4: 346
4- قد يمكن أن يقال:لا يمنع السلب من إركابهم لها،فإن في كامل البهائي أنهم حملوا أهل البيت والإمام السجاد (علیهم السلام) على رواحل منهم،وهذا بحده لا ينفي سلبهم لها،لكنهم استخدموها موقتا لإيصالهم عليها إلى الشام

[4]مقتل الحسين (علیه السلام) للإسفراييني

بالنظر إلى أن كتاب(مقتل الحسين (علیه السلام))للإسفراييني مليء بالموضوعات وقصص القصاصين،لذا لم أعتمد عليه في الطبعة الأولى من هذا الكتاب ولم أنقل عنه، ولم أجعله مصدرة وإن كان فيه ما يوافق مدعانا.

ولكن حيث أن المتشبث بالشبهات جعل هذا الكتاب في قائمة مصادره التي ينقل عنها،واعتمد عليه بحسب ما يعتقد،لذا سأورد هنا ما جاء فيه من مجيء أهل البيت (علیهم السلام) في العشرين من صفر إلى كربلاء وإلحاقهم للرأس المطهر بالجسد الشريف،اليتضح للقراء الأعزاء أن الكتاب الذي تمسك بنقولاته مثير الشبهات فيه من التصريح ما يدل على ما ذكرناه!قال الإسفراييني:

دعا بقائد من قواده،وضم إليه ألف فارس،وأمره أن يسير بهم إلى المدينة أو إلى أي مكان شاؤوا،وأن يقضي لهم جميع ما يلزم.ثم حشا الرأس(1) بالمسك والكافور وسلمها لهم،فأخذوها وساروا إلى کربلاء،ودفنوها مع الجسد الشريف... .

ثم قال:

وروي أن يزيد بعد أن أرسل عليا ومن معه أمر بدفن الرؤوس،إلا

ص: 206


1- هكذا،ولعله تصحيف عن:(الرؤوس)

رأس الحسين فإنه أرسلها(1) خارج دمشق ومعها خمسون فارسا يحرسونها ليلا ونهارة،وذلك من كثرة خوفه وفزعه،فلما مات أتي بها الحراس ووضعوها في خزانته(2) .والقارئ الكريم يعلم ببصيرته أن القول المذكور بعيد عن العقل،وهو مذكور في أغلب الكتب التي ذكرت الأقوال المتعددة في مسألة الرأس المقدس،يشار إليه ولا يعتني به.ثم يقول:

هذا ما ورد في دفن الرأس.وأما علي وأخواته،فإنهم لما خرج بهم القائد من دمشق ووصلوا إلى بعض الطريق،قالوا:بالله عليك يا دليلنا م بنا على طريق كربلاء،لكي نجدد عهدة بيننا،فقال لهم:سمعا وطاعة.وسار بهم إلى أن دخلوا کربلاء،وكان ذلك اليوم يوم عشرين من شهر صفر،فوافاهم جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من أهل المدينة،وأقاموا البكاء والحزن حتى ضجت الأرض،ثم ساروا قاصدين المدينة...(3) .

ومن عبارته التي يقول فيها:(وأمره أن يسير بهم إلى المدينة أو إلى أي مكاني شاؤوا،وأن يقضي لهم جميع ما يلزم..)،يتضح ويتبين أن يزيد كان قد أمر أن يوفر

ص: 207


1- كذا،ولعله تصحيف
2- نور العين في مشهد الحسين(علیه السلام):41 (نسخة حجریة)
3- المصدر السابق

الأسارى العترة النبوية جميع ما يلزمهم في طريق عودتهم من الشام،وقد أذن لهم أن يختاروا الذهاب إلى أي مكان شاؤوا.

إذن،فيا ذكره المحدث النوري رحمة الله من أن أسارى أهل البيت (علیهم السلام) خرجوا من الشام قاصدين وطنهم المدينة المنورة،وما كان من الميسر لهم أن يقصدوا العراق من دون علم یزید..إلى آخر ما ذكره ما مر،لا وجه له،وتصريح الإسفرايني هذا يدحض جميع تلك الأوهام.

وكذلك من التصريح المذكور في كتاب الإسفراييني والذي يعتمد عليه المنحاز إلى الشبهات ويتمسك به،يتضح أن عليه أن يلتزم أيضا بمجيء الأسارى إلى كربلاء في العشرين من صفر وإتيانهم بالرأس المطهر معهم وإلحاقه بالجسد الشريف،ولو كان ذلك في غير العشرين من صفر لسنة61للهجرة لصرح به المؤلف،لكن الإطلاق ينصرف إلى السنة نفسها.

[5]سرور يزيد في أول الأمر ورضاه عن ابن زیاد

إن الإعلام الأمويالمناهض لأمير المؤمنين سلام الله عليه ولآل علي (علیهم السلام) في الشام بلغ إلى حد أن الناس هناك ما كانوا يعرفون قرابة لرسول الله (صلی الله علیه واله) إلا بني أمية،لكن دخول أسارى أهل البيت (علیهم السلام) إلى الشام،وما تجلى على لسان الإمام السجاد (علیه السلام)في خطاباته على المنبر وفي طرق دمشق،وكذا خطبة السيدة زينب الكبری سلام الله عليها في مجلس یزید،ولقاءات الشاميين بالإمام (علیه السلام) وتبينهم حقيقة الأمر،قد كشف الغطاء وفضح يزيد لعنه الله،فلم يغه حينها أن يبقي الأساري في الشام مدة أطول.

ص: 208

يقول هندوشاه بن سنجر بن عبد الله الصاحبي النخجواني في(تجارب السلف): لما جيء برأس الحسين (علیه السلام)إلى دمشق،وكان زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) بينهم مع رعيل من العترة النبوية،على نياق من دون غطاء ووطاء،طاف بهم في دمشق كسبايا الزنج والحبشة،فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فلم يأل عن شتمهم،فلما انقضى كلامه قال له زین العابدين (علیه السلام):«أما قرات کتاب الله عز وجل؟»،قال:نعم،قال:«أما قرات هذه الآية: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربیه»(1) ،قال:بلى،قال:«فتعرفني؟»، قال:لا،فقال:«أنا القربي»،ثم انتسب له،فأقسم عليه الشيخ أن يصدقه القول،فحلف له،فقال الشيخ:قسم بالله أني ما علمت لرسول الله (صلی الله علیه واله) قرابة ولا أهل بيتي يرثونه غير يزيد وأهله.ثم بکی واعتذر من زین العابدین (علیه السلام).قالوا: وأقسم سبعون رجلا من مشايخ دمشق بالطلاق والعتاق والحج أهم ما علموا لرسول الله (علیه السلام) قرابة غير یزید،و بكوا واعتذروا جميعهم من زین العابدین(علیه السلام)،فعفا عنهم كلهم(2) .

ص: 209


1- سورة الشوری:23
2- تجارب السلف:69 وروى الفتال النيسابوري في (روضة الواعظين: 190 - 191): عن جماعة كانوا أخرجوا في تلك الصحبة [مع السبايا إلى الشام] أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن على الحسين إلى الصباح . وقالوا : فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة : ما رأينا سبايا أحسن من هواء ، فمن أنتم ؟ فقالت سكينة ابنة الحسين : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه و آله . فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا ، وفيهم علي بن الحسين عليه السلام ، وهو يومئذ فتى شاب ، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة ، فلم يأل عن شتمهم ، فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين عليه السلام : أ ما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ قال : نعم ، قال : أما قرأت هذه الآية « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن أولئك ، ثم قال : أما قرأت « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم ، فهل قرأت هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم ، فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال : اللهم إني أتوب إليك ، ثلاث مرات ، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد ، ومن قتلة أهل بيت محمد ، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم .

وقال المسعودي في(مروج الذهب):

ونزل عبد الله بن علي الشام، ووجه إلى أبي العباس السفاح أشياخاً من أهل الشام من أرباب النعم والرياسة من سائر أجناد الشام،فحلفوا لأبي العباس السفاح أنهم ما علموا لرسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم

قرابة ولا أهل بيتي يرثونه غير بني أمية،حتى يتم الخلافة(1) .

إن الإعلام الأموي المضلل ضد أهل البيت (علیهم السلام) وذوي القربي الحقيقيين لرسول الله(صلی الله علیه واله)،ورسوخ ذلك في أذهان أهل الشام،بلغ حد استمكن ذلك الفكر في عقولمشایخ دمشق،بناء على ما نقل صاحب تاریخ(تجارب السلف)كما تقدم،ولولا ورود أسارى العترة النبوية إلى الشام ودمشق لما انكشف الغطاء عن حقيقة الأمر.

ص: 210


1- مروج الذهب3: 33

إن يزيد تصور-کما تصور ذلك ظاهر الحال-غلبته على الحسين بن علي سيد الشهداء(علیه السلام)،وأنه قد استقر سلطانه المشؤوم،وصار هو وأعقابه وأحفاده مالكي رقاب الأمم وسلاطين البر والبحر،يتعاقبون الملك جيلا بعد جيل،ولكنه لم يتصور. ولو في عالم الخيال-أن الغالب الحقيقي في الواقع هو سيد الشهداء(علیه السلام)،وأن آخر أمر يزيد هو انقلاب الأمر عليه،فسقط عن أريكة مملكه المشؤوم على الأرض في أقصر مدة،وانقلب رأسا على عقب،وافتضح حتى الأبد.يقول الشيخ عباس القمي رحمة الله في(نفس المهموم):

يظهر لمن تأمل في أفعال يزيد وأقواله،أنه لا جيء برأس الحسين (علیه السلام) وأهل بيته شر بذلك غاية السرور،ففعل ما فعل مع الرأس الشريف وقال ما قال،وحبس علي بن الحسين (علیه السلام) وسائر أهل بيته في محبس لا يكنهم من حر ولا ق حتى تقشيرت وجوههم،فلما عرفهم الناس واطلعوا على جلالتهم وأنهم مظلومون ومن أهل بیت رسول الله(صلی الله علیه واله)،کرهوا فعل یزید،بل لعنوه وسبوه،وأقبلوا على أهل البيت،فلما اطلع يزيد على ذلك أراد أن يفرغ ذمته[أي:يبرئ نفسه من دم الحسين (علیه السلام)،فنسب قتله إلى ابن زیاد ولعته بفعل ذلك،وأظهر الندم على قتله(علیه السلام)،وغير حاله مع علي بن الحسين (علیه السلام) وسائر أهل بيته،فأنزلهم في داره الخاصة؛فظا للملك والسلطنة وجلب لقلوب العامة،لا أنه ندم على قتل الحسين وساءه ما فعل ابن زیاد بحسب الواقع ونفس الأمر.والذي يدل على هذا ما نقله سبط ابن الجوزي في(التذكرة)،أنه

ص: 211

استدعى ابن زیاد وأعطاه أموالا كثيرة وتحفة عظيمة،وقرب مجلسه ورفع منزلته،وأدخله على نسائه وجعله نديمه،وسكر ليله[معه]وقال للمغتي: غين،ثم قال يزيد بديها:

إسقني شربة تروي مشاشي(1) ثم مل،فاشق مثلها ابن زیاد

صاحب السير والأمانة عندي

ولتسدید مغنمي وجهادي

قال الخارجي،أعني حسينا

ومبيد الأعداء والحساد(2)

ونقل ابن الأثير في(الكامل)عن ابن زیاد أنه قال المسافر بن شریح اليشكري في طريق الشام:أما قتلي الحسين،فإنه أشار إلي(3) يزيد بقتله أو قتلي،فاختر قتله(4) (5)

ص: 212


1- الشاش-كهراب:وهي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها،كالمرفقين والكفين والركبتين،ومنه:جلیل المشاش،أي:عظيمها،ومنه حديث:«شارب الخمر إذا شرب بقي في شاشه أربعين يوما(مجمع البحرين:مشش
2- قالالمسعودي في(مروج الذهب3: 67-فسوق يزيد وعقاله):وجلس ذات يوم على شرابه،وعن يمينه ابن زیاد،وذلك بعد قتل الحسين،فأقبل على ساقيه فقال: إستمني زبه تروي مشاشي ثم مل،فاشتي مثلها ابن زیاد صاحب السير والأمانة عندي ولتسدید مغنمي وجهادي ثم أمر المغتين فغتوا به
3- في المصدر:(علي)
4- الكامل في التاريخ:140
5- نفس المهموم:421-في ورود أهل البيت (علیهم السلام) الشام

إذن،فندم يزيد عن قتل الإمام الحسين (علیه السلام) كان من جهة الحيلة والمكر والسياسة،لأنه أدرك النتائج الوخيمة لجريمته العظمی،وانقلاب الرأي العام عليه،فأراد تبرئة نفسه والتنصل من جريمته،وإلا فقد كان في الباطن فرحا مسرورا.

وكان شمر بن ذي الجوشن يصلي ثم يقول:اللهم إن طاعة أولي الأمر قد اضطرتنا لقتل ريحانة رسول الله!(1)

فيعلم أن أولي الأمر عند شمر هم عبارة عن يزيد وابن زیاد.

وأما إذن يزيد لأهل البيت (علیهم السلام) بإقامة النياحة والعزاء على سيد الشهداء (علیه السلام) في دمشق في داره،فذلك أيضا من جهة الحيلة والسياسة المشؤومة،عسى أن يبرئ نفسه من دم الإمام (علیه السلام) أمام أنظار الناس.

وفي(نفس المهموم)نقلا عن (کامل البهائي)قال:

ثم أرسلت زينب (علیها السلام) إلى يزيد تسأله الإذن أن يقمن المأتم على الحسين فأجاز ذلك،وأنزله في دار الحجارة،فأقم المأتم هناك سبعة أيام،ويجتمع عندهن في كل يوم جماعة كثيرة لا تحصى من النساء.

ص: 213


1- قال الذهبي في(میزان الاعتدال2: 280/الرقم3742):شمر بن ذي الجوشن..فإنه أحد قتلة الحسين(علیه السلام)،وقد قتله أعوان المختار. روى أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال:كان شمر يصلي معنا ثم يقول: اللهم إنك تعلم أني شریف،فاغفر لي.قلت:كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم؟!!قال:ويحك!فكيف نصنع؟إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم،ولو خالفناهم کتا شتر من هذهالحمر السقاة.قلت:إن هذا لعذر قبيح!فإنما الطاعة في المعروف

فقصد الناس أن يهجموا على يزيد في داره ويقتلوه،فاطلع على ذلك مروان،وقال ليزيد:لا يصلح لك توقف أهل بيت الحسين في الشام،فأذ لهم الجهاز وابعث بهم إلى الحجاز.فهيأ لهم المسير وبعث بهم إلى المدينة(1) .

بناء على ما بيناه،فإن يزيد الرجس قد ضيع رشده،وما كان يدري بم يحتال ليمنع حنق الناس وغضبهم منه وقصدهم الهجوم عليه في داره و قتله، فلما علم مروان بنيتهم وأطلع يزيد على واقع الأمر،اضطر لأن يبعث بهم إلى المدينة،ومن هذا يتضح استبعاد إقامتهم للعزاء على سيد الشهداء (علیه السلام) سبعة أيام،بل إن جميع مدة بقائهم كانت سبعة،إذ كيف كان يمكن ليزيد أن يبقيهم أكثر من ذلك مع الوضع الحاصل،أو أن يترك الرأس المطهر معلقة على منارة المسجد الجامع أربعين يوما،أو أن يبعث به مع أساری عترة الرسالة إلى المدينة؟!بل إن ملاحظة سياسة يزيد وحيلته لكسب القلوب كانتا تستوجبان إرجاع الرأس المطهر إلى بدنه الأطيب فورا،ليمنع انقلاب الرأي العام

ص: 214


1- نفس المهموم:412-في ورود أهل البيت (علیهم السلام) الشام-عن: كاملالبهائي2:370،وفيه:وأرسلت زینب (علیها السلام) إلى يزيد ليأذن لهم في إقامة العزاء على الحسين(علیه السلام)،فأذن لها يزيد،وقال: ذوهم إلى دار الحجارة ليبكوا هناك.فأقاموا العزاء سبعة أيام،فكان النساء يجتمعن عليهن في كل يوم،واجتزن حدود الحصر والإحصاء،وحمي غضب الناس على يزيد فأرادوا الهجوم عليه وقتله في بيته،فجاءه مروان وقال:لا أرى بقاء أولاد الحسين وعياله وأهل بيته عندك إلا مضرة بمصلحة ملكك،فاعمل على ترحيلهم من الشام إلى المدينة،الله الله في ملكك،لئلا يندثر بسبب هؤلاء العيال!

عليه وفورة الناس ضده،وهذا ما يقول به عامة الشيعة الإمامية.

ولا يخفى أن الطبري قد قال بأنهم (علیهم السلام) أقاموا عليه المناحة ثلاثا(1) ،اما في أول الأمر فإنهم قد أسكنوهم الخربة عند دخولهم إلى دمشق!

ففي(بصائر الدرجات)،عن محمد بن علي الحلبي قال:سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول:«لما أي بعلي بن الحسين (علیه السلام) يزيد بن معاوية عليها لعائن الله ومن معه، جعلوه في بيت،فقال بعضهم:إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا.فراطئ الحرس فقالوا:انظروا إلى هؤلاء،يخافون أن يقع عليهم البيت، وإنما يخرجون غدا فيقتلونا قال علي بن الحسين(علیه السلام):لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري،والرطانة عند أهل المدينة:الرومية»(2) .

يستفاد من هذه الرواية الشريفة أن شرطة الدولة الأموية في السجون وأولئك الذين أوكل إليهم أسر أهل البيت (علیهم السلام) كانوا يتكلمون الرومية،ويغلب الظن أنهم كانوا روميين في الأصل، فقد كانت الدولة بني أمية علاقة مع الروم،وكان للدولة الرومية نفوذ في بلاط بني أمية ومعاوية ويزيد،كما أن سرجون بن منصور الرومي كان كاتبة ووزيرة مستشارا في البلاط الأموي منذ زمن معاوية إلى عبد الملك تقريبا(3) ،

ص: 215


1- أنظر:تاريخ الطبري4: 352و353-سنة إحدى وستين
2- بصائر الدرجات:308-الباب12في الأئمة مع أنهم يعرفون الألسن كلها/ح1۔عنه:بحار الأنوار45: 177/ح25
3- قال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق191:20/الرقم 2602):سرجون بن منصور الرومي:كاتب معاوية وابنه يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان وقال البلاذري في (أنساب الأشراف 5: 288): المدائني قال: كان يزيد بنادم على الشراب سرجون مولى معاوية.

وهو الذي كان قد اقترح على يزيد تدبير قتل سيد الشهداء (علیه السلام) على يد ابن زیاد،وأن يوكل إليه حكم العراقين ويجعله الوالي على الكوفة والبصرة وكان عند سرجون عهد من معاوية لعبيد الله بن زياد،فأخرجه ليزيد،وكان يزيد عاتبا على ابن زیاد.(1)

ص: 216


1- (1) قال الشيخ المفيد في (الإرشاد 2: 41): وجعلَت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضی الله عنه، حتّى عُلم مكانه، فبلغ النعمان بن بشير ذلك، وكان والياً على الكوفة من قِبل معاوية فأقرّه يزيد عليها، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فاتّقوا الله عبادَ الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيها يهلك الرجال، وتُسفَك الدماء، وتُغتصَب الأموال، إنّي لا أُقاتل مَن لا يقاتلني، ولا آتي على مَن لم يأتِ علَيّ، ولا أُنبّه نائمكم، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم، فوَاللهِ الّذي لا إله غيره لَأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي منكمناصر، أما إنّي أرجو أن يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل. فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرميّ حليف بني أُميّة، فقال: إنّه لا يصلح ما ترى إلّا الغشم، إنّ هذا الّذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين. فقال له النعمان: [لئن] أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إليّ مِن أن أكون من الأعزّين في معصية الله. ثمّ نزل. وخرج عبد الله بن مسلم، فكتب إلى يزيد بن معاوية: أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة، فبايعَته الشيعةُ للحسين بن عليّ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ أو هو يتضعّف.ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحوٍ من كتابه، ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقّاص مثل ذلك. فلمّا وصلَت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية، فقال: ما رأيك؟ إنّ حسيناً قد وجّه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان بن بشير ضعفٌ وقولٌ سيّء، فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً على عُبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيتَ معاوية لو نُشر لك حيّاً، أما كنتَ آخذاً برأيه؟ قال: نعم. قال: فأخرجَ سرجون عهدَ عُبيد الله بن زياد على الكوفة، وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، فضُمّ المصرَين إلى عُبيد الله بن زياد. فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله إليه.... وانظر: الفتوح 5: 36، تاريخ الطبري 4: 265، تجارب الأمم 2: 41، الكامل في التاريخ 4:22، تهذيب الكمال 423:6 / الرقم 1323، وغيرها من المصادر.

كما يستفاد من الرواية أن الإمام (علیه السلام) كان عارف باللغة الرومية،وهذا هو اعتقادنا نحن الإمامية في الإمام أنه يتقن جميع اللغات ويتكلم بكل الألسن،ولا توجد لغة لا يعرفها الإمام،فإن من جهل بلغة أو بشيء لا يكون إمامة ولا ينال مقام الخلافة الإلهية ولا يكون حجة الله على الناس أجمع!(1)

وكما يعلم من الرواية المزبورة أن يزيد كان يخطط لقتل سبايا أهل البيت (علیهم السلام) في أول الأمر بعد ورودهم إلى الشام وحبسهم في دمشق،وأن لا يبقي لهم باقية،كما يظهر ذلك من رطن الحرس،لكنه انصرف لاحقا عن سوء نيته الخبيثة، وسببه هو انقلاب الأمر عليه ومقت الناس له وردود الأفعال تجاه مقتل سيد الشهداء (علیه السلام)،كما يستفاد ذلك أيضا من كلام الإمام السجاد (علیه السلام)مع يزيد لما قال له:«یا یزید،بلغني أنك تريد قتلي،فإن كنت لابد قاتلي فوجة مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله(صلی الله علیه واله)،فقال

ص: 217


1- أنظر:صائر الدرجات:303-الباب11في الأئمة (علیهم السلام) أتهم يتكلمون الألسن كلها،وص357-الباب12في الأئمة (علیهم السلام) أنهم يعرفون الألسن كلها

له یزید لعنه الله:لا يؤديهن غيرك(1) .

إذن،فإن يزيد لما افتضح أمره رفع يده عا نواه من قتلهم،ثم هلك عاج،ثم فضحه أيضا ولده معاوية بن يزيد على المنبر.

قال ابن التغردي البردي في(النجوم الزاهرة)في ذكر معاوية بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان الأموي:

بويع بالخلافة بعد موت أبيه يزيد بعهد منه إليه،وذلك في شهر ربيع الأول من سنة أربع وستين،وكان مولده سنة ثلاب وأربعين،فلم تطل مدته فيالخلافة.قال أبو حفص الفلاس:ملك أربعين ليلة،ثم خلع نفسه....وقيل:إن معاوية هذا ما أراد خلع نفسه جمع الناس وقال:أيها الناس،ضعف عن أمركم،فاختاروا من أحببتم. فقالوا:و أخاك خالد.فقال:والله ما ذقت حلاوة خلافتكم،فلا أتقلد وزرها.ثم صعد المنبر فقال:أيها الناس،إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه القرابته من رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم،وهو علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون،حتى أتته منه،فصار في قبره رهينا بذنوبه وأسير بخطاياه،ثم تقلد أبي الأمر،فكان غير أهل لذلك،وركب هواه وأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل،وصار في قبره رهينا بذنوبه وأسيرا

ص: 218


1- الاحتجاج2: 38

بجرمه.ثم بكى حتى جرت دموعه على خديه،ثم قال:إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه،وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم،وأباح الحرم وخرب الكعبة،وما أنا بالمتقلد ولا بالمتحمل تبعاتكم،فشأنكم أمركم،والله لئن كانت الدنيا خير فلقد نلنا منها حظا،ولئن كانت شر فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها،ألا فليصل بالناس حسان بن مالك، وشاوروا في خلافتكم،رحمكم الله.ثم دخل منزله وتغيب حتى مات في سنته بعد أيام(1) .وهنا لينظر القارئ الكريم بعين الاعتبار،ليرى كيف يظهر الله الحق، وكيف يجري الحقائق على لسان ابن یزید نفسه،فيعترف بأحقية أهل البيت (علیهم السلام) على رؤوس الأشهاد.

[6]الرباب أم سكينة وعبد الله الرضيع

إشتهر في كتب المقاتل والتواريخ أن طفلا للحسين (علیه السلام) أصابه السهم في رقبته يوم عاشوراء،فقضى شهيدا مظلوما.

وبنظرة سطحية قد يتوهم أن ذلك الرضيع المسمى بعبد الله هو على الأصغر نفسه،وحيث لم يرد في زيارة الناحية المقدسة فيكر سوى عن عبد الله الرضيع(2)،ولم

ص: 219


1- النجوم الزاهرة1: 193-164
2- السّلام علی عبد اللَّه بن الحسین، الطفل الرضیع، المرمی الصریع المتشحّط دما، المصعّد دمه فی السّماء، المذبوح بالسّهم فی حجر أبیه لعن اللَّه رامیه حرمله بن کاهل الأسدی و ذویه.(المزار الکبیر :488 - الباب 18 / الزيارة 8، إقبال الأعمال 3: 76 - الفصل 14).

تتم الإشارة إلى علي الأصغر،فيتصور اتحادهما،ولم يتم التدقيق في أن أكثر من طفل صغير وغلام لم يبلغ الحلم قد صار مرمى لسهام أوباش یزید وجيشه يوم عاشوراء في کربلاء.

والحال أن أكثر من عشرة شهداء من بني هاشم في كربلاء لم ترد أسماؤهم فيزيارة الناحية،وهذا يعني أن الزيارة لم تحص جميع الأسماء للشهداء.

كما أنه يستبين من قول الإمام السجاد (علیه السلام):«ذُبحت أطفالنا»(1) ،أن كان هناك أطفال مذبوحون يوم عاشوراء،ولم يقتصر الأمر على طفل واحد فقط(2) .

فيعلم بعد التدقيق حصول خلط في أحوال الطفلين الصغيرين للإمام (علیه السلام)،وهما:

عبد الله الرضيع،وعلي الأصغر.

أما عبد الله الرضيع:فيتضح من تصريح الشيخ المفيدة في(الإرشاد)والشيخ الطبرسي رحمة الله في(إعلام الوری)أن الإمام الحسين(علیه السلام) كان جالسة أمام الخيمة،فطلب من نساء الحرم أن يناولنه ولده الصغير(3).وفي(اللهوف)أن زينب (علیها السلام) جاءت به

ص: 220


1- لواعج الأشجان:290
2- قد يقال أن الطفل هو مطلق الصغير،وذكروا أنه ما بين أن يولد إلى أن يحتلم(أنظر:مجمعالبحرين:طفل،وسائر كتب اللغة).نعم، يظهر من الأخبار والتحقيق فيها وجود أكثر من طفل صغير أو رضيع مقتول للحسين (علیه السلام)یوم عاشوراء،كما سيأتيك الكلام
3- قال المجلسي رحمة الله : وقال المفيد : دعا ابنه عبد الله قالوا : فجعل يقبله وهو يقول : ويل لهواء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم ، والصبي في حجره....(بحار الانوار46:45)إلا أن المفيد في الإرشاد 2: 108) والطبرسي في (إعلام الوری 1: 466) قالا: ثم جلس الحسين (علیه السلام) أمام الفسطاط، فأي بابنه عبد الله بن الحسين - وهو طفل - فأجلسه في حجره ....

للإمام علي ليودعه،وكانت أمه-وهي الرباب بنت امرئ القيس-واقف بباب الخيمة تنظر إليه،فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي لعنه الله بسهم(1) .

وروى أبو الفرج الأصفهاني مسنداً أن الحسين (علیه السلام) دعا بغلام فأقعده في حجره،فرماه عقبة بن بشر فذبحه(2) .

ويظهر من عبارة أبي الفرج،وكذا من عبارات الأعاظم كالشيخ المفيد رحمة الله حيث قال: وأجلسه في حجره(3)..أن الإمام (علیه السلام) كان قد أجلس ذلك الطفل في حجره ،ويبعد أن يكون الطفل الرضيع قادرة على الجلوس،فلابد أنه لم يكن رضيعة،بل كان أكبر فيجلسه الإمام (علیه السلام) في حجره(4) .

ويقول الشيخ المفيد:

ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله (5).

ص: 221


1- أنظر:اللهوف في قتلى الطفوف:69،ذخيرة الدارين:265-عن:كفاية الطالب للگنجي
2- مقاتل الطالبتين:95
3- الإرشاد2: 108
4- الرضيع يكون لسنتين،وهو قادر على الجلوس لستة أشهر.ولا يفوتك عدم اتحاد القاتلين في خبري أبي الفرج والمفيد،ففي الأول:عقبة بن بشر،وفي الثاني:رجل من بني أسد،وهو حرملة كما في رواية اللهوف وغيره
5- الإرشاد 2: 108.

وعبد الله الرضيع الذي أصابه السهم في رقبته أمام أعين مخدرات عترة العصمة،وكانت أمه الرباب واقف بباب الخيمة تنظر إليه،قد ناوله الإمام (علیه السلام) إلى أخته زینب الكبرى(علیها السلام)،ثم تلقى الدم بكفيه ليملأهما من دمه ويرمي به إلى السماء،كما في(اللهوف)،أو أنه صبه في الأرض،كما في(الإرشاد)للمفيد و(تاریخ الطبري)(1) .

قال السيد في(اللهوف):

ولما رأى الحسين(علیه السلام) مصارع فتيانه وأحبته،عزم على لقاء القوم بمهجته، ونادى:«هل من ذاب یذب عن حرم رسول الله (صلی الله علیه واله)؟!هل من مود يخاف الله فينا؟! هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟!هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟!». فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب:«ناوليني ولدي الصغير حتى أودعها»،فأخذه وأومأ إليه ليقبله،فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي لعنه الله بسهم،فوقع في نحره فذبحه،فقال لزينب:حذیه»،ثم تلقى الدم بكفيه،فلا امتلاتا رمی بالدم نحو السماء،ثم قال:دهون على ما نزل بي آنه بعين الله».

قال الباقر (علیه السلام):«فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض»(2) .

إن الإمام (علیه السلام) قد ملا كفيه المباركتين من دم الطفل بعد أن ناوله أخته،فلما أخذته

ص: 222


1- أنظر:الإرشاد108:2،تاريخ الطبري4: 342،روضة الواعظين:188
2- اللهوف في قتلى الطفوف:66

منه ملأ كفيه ورمی بالدم نحو السماء،ولو كان الطفل على يديه (علیه السلام) لما أمكن-بحسب الفرض-فعل ذلك إلا بيد واحدة،لكن مهما معا شاهد على أن ذلك حصل بعد مناولته الطفل لأخته زینب الکبری سلام الله عليها،كما هو صریح عبارة السيدة في(اللهوف).

وفي عبارة الشيخ المفيد رحمة الله في(الإرشاد)والسيد رحمة الله في(اللهوف)لم يرد ذكر عطش الطفل عبد الله الرضيع،بل اقتصرت العبارتان على ذكر مجيء الحسين علي إلى باب الخيمة وطلبه لولده الصغير ليودعه، فلا أومأ إليه للتقبيل رماه حرملة لعنه الله.

قال سبط ابن الجوزي في(تذکرة الخواص):

فالتفت الحسين فإذا بطفل له يبكي عطشا،فأخذه على يده وقال:«يا قوم،إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل».فرماه رجل منهم بسهم فذبحه،فجعل الحسين يبكي ويقول:«اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لینصرونا فقتلونا».فنودي من الهوا:دغه يا حسين؛فإن له ممرضعة في الجنة!(1)

وهذا الطفل الذي لم يذكر اسمه سبط ابن الجوزي،تختلف حالاته مع المجريات التي جرت لعبد الله الرضيع،بل إن هذا الطفل هو على الأصغر الذي بکی عطشا وطلب له الإمام الحسين (علیه السلام) الماء،فرمي بسهم أيضا.

من هنا يظهر الخلط الحاصل في حالات الطفلين،وما جاء من النداء من السماء:

دغه یا حسين؛فإن له ممرضعة في الجنة..هو في عبد الله الرضيع، الذي ناوله الإمام (علیه السلام)

ص: 223


1- تذکرة الخواص:252-ذكر مقتله(علیه السلام)

الأخته زينب الكبرى(علیها السلام)،ولتشابه الحادثتين فقد ذكر سبط ابن الجوزي ذلك في علي الأصغر.

أما على الأصغر:فلم يكن رضيعة،بل قالوا:كان له أربع سنوات،ويظهر من صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) عليه-كما سيأتي نقله-أنه كان له ست سنوات،وذهب آخرون إلى أكثر من ذلك(1) .یقول محمد بن طلحة الشافعي في(مطالب السؤول): وكان له (علیه السلام) ولد صغير،فجاءه سهم منهم فقتله،فزمله(علیه السلام)(2) صلى الله عليه وسلم وحفر له بسيفه وصلى عليه ودفنه،وقال هذه الأبيات:

غدر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين...»(3) إلى آخر الأبيات.

ثم يقول بعد ذلك:

وأما علي الأصغر،جاءه سهم وهو طفل فقتله،وقد تقدم ذكره عند ذكر الأبيات لما قتل(4) .

ص: 224


1- قال نصير الدين الطوسي في(نقد المحصل:414):...وكان للحسين ابن آخر اسمه على أيضا،وكان له سبع سنين،قتل ذلك اليوم
2- قال الطريحي:يقال: زمله في ثوبه،إذا لقه...وفي حديث الشهداء:«زملوهم بدمائهم»،اي: القوهم متلطخين بدمائهم(مجمع البحرين:زمل)
3- مطالب السؤول:389
4- مطالب السؤول:392 و قال بعد ذلک مباشرة: وقیل ان عبدالله ایضا قتل مع ابیه شهیدا

ويقول الخوارزمي في(مقتل الحسين(علیه السلام)):

...فتقدم إلى باب الخيمة وقال:«ناولوني علية الطفل حتى أودعها،فناولوه الصبي،فجعل يقبله ويقول:«ويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم جدك».

فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه،ثم رمی به نحو السماء وقال:«اللهم إن حبست عنا النصر،فاجعل ذلك لا هو خير لناه.ثم نزل الحسين عن فرسه،وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله بدمه وصلى عليه.ثم قام وركب فرسه،ووقف قبالة القوم صيتة سيفه(1) بيده،آیسا من نفسه عازمة على الموت،وهو يقول:

أنا ابن علي الخير من آل هاشم...»(2) .بعد التدقيق في عبارات الخوارزمي يظهر أنه قد مزج وخلط بين قضيتي عبد الله الرضيع وعلي الأصغر،وحيث عدهما واحدة فقد نقلهما معا،ولكن بناء على تصريحات الأكابر كالشيخ المفيد رحمة الله وآخرين فإن الإمام الحسين(علیه السلام) كان جالسة على

ص: 225


1- جفن السيف:محمده(لسان العرب:جفن)
2- مقتل الحسين(علیه السلام)2: 37

الأرض أمام الخيام حين تودیعه لعبد الله الرضيع،فطلبه للوداع،لكن الخوارزمي رغم إشارته إلى هذا الأمر قال بعدها:ثم نزل الحسين عن فرسه،وحفر للصبي بجفن سیفه وزمله بدمه وصلى عليه.وقد صرح الخوارزمي-كما في النسخة الخطية-ومحمد بن طلحة الشافعي كلاهما بأن الحسين علي قد دفنه وصلى عليه.

فيعلم أنهم خلطوا حوادث هذين الطفلين،فالإمام علي كان جالسا حين تودیع عبد الله الرضيع،وكان على الفرس أمام الجيش حين أصاب علي الأصغر السهم وهو يطلب له الماء،ثم نزل عن فرسه وصلى عليه.ومن المناسب أن أنقل عين عبارة الشيخ المفيد رحمة الله في(الإرشاد)،حيث يقول:

ثم جلس الحسين(علیه السلام) أمام الفسطاط،فأي بابنه عبد الله بن الحسين-وهو طفل-فأجلسه في حجره،فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه،فتلقى الحسين (علیه السلام) دمه،فلا مط كفه صبه في الأرض،ثم قال:«رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء،فاجعل ذلك لا هو خير،وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين». ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله(1) .

ان واقعة جلوس الإمام في أمام (علیه السلام)الخيام الطاهرة لتوديع الطفل،وإصابة الطفل بالسهم أمام أعين النساء ومخدرات حرم الإمام(علیه السلام)،هي غير واقعة الطفل الذي كان يبكي من شدة العطش،والذي جاء به الإمام (علیه السلام) إلى العسكر قائلا:«يا قوم،إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل».فالأول هو عبد الله الرضيع،والثاني هو علي الأصغر.

ص: 226


1- الإرشاد108:2

ولم يتعرض السيد المحقق المعاصر رحمة الله إلى موضوع الاتحاد أو تعدد هذين الطفلين في كتاب(مقتل الحسين(علیه السلام))،وخلط-كالآخرين-الحوادث الواقعة عليها، فقال:

ودعا بولده الرضيع يودعه،فأتته زینب بابنه عبد الله-وأمه:الرباب-فأجلسه في حجره يقبله ويقول:«بعدة لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفی خصمهم».ثم أتی به نحو القوم يطلب له الماء،فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه،فتلقى الحسين الدم بكفه ورمی به نحو السماء.قال أبو جعفر الباقر (علیه السلام): «فلم تسقط منه قطرة».وفيه يقول حجة آل محمد عجل الله فرجه:«السلام على عبد الله الرضيع،المرمي الصريع،المتشحط دمة،والمصير بدمه إلى السماء،المذبوح بالسهم في حجر أبيه،لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه»....ثم قال الحسين(علیه السلام):«هو ما نزل بي انه بعين الله تعالى.اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح.إلهي،إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لا هو خير منه،وانتقم لنا من الظالمين،واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الأجل.اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا اشبه الناس برسولك محمد(صلی الله علیه واله)».وسمع (علیه السلام) قائلا يقول:دغه یا حسين؛فإن له مرضعة في الجنة.ثم نزل(علیه السلام) عن فرسه، وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرم بدمه وصلى عليه،ويقال:وضعه مع قتلى أهل بيته(1) .

ص: 227


1- مقتل الحسين:272

يقال بأنه (علیه السلام) وضع الطفل مع قتلى أهله فقد ژوي ذلك في الكتب المعتبرة،ک(الإشاد)للمفيد(1) ،و(مثير الأحزان)لابن نما(2) ،و(إعلام الوری)للطبرسي(3) ، وهو ينافي صریح ما كر من أنه (علیه السلام) صلى عليه ودفنه.

والسيد المعاصر رحمة الله جمع بين إصابة طفل بسهم أمام الخيام،وبين الإتيان به أمام جیش الضلال وطلب الماء له،والحال أن صریح عبارة الشيخ المفيد والطبرسي له وآخرين أن الإمام (علیه السلام) جلس أمام الفسطاط،فأتي بابنه وهو طفل فأجلسه في حجره،فأصابه رجل من بني أسد بسهم فذبحه.

وهذه العبارات قد نقلها السيد المعاصر رحمة الله،وظاهرها عدم موافقة إصابة الطفل بالسهم حينها كان الحسين (علیه السلام) أمام الفسطاط مع إتيانه به قبالة العسكر!

إذن،فيا أطمئن له هو أن علي الأصغر غير عبد الله الرضيع،كما أنه قد ولد للإمام الحسين (علیه السلام) مولود في يوم عاشوراء،يتوهم أيضا أنه هو علي الأصغروعبد الله الرضيع،والحال أن هذا الطفل قد ولد في ساعة الظهيرة من يوم عاشوراء،فيما هو الذي يدعو لأن يكون هو والطفلان واحدا؟

لقد صرح ابن واضح اليعقوبي في(تاريخه)-وهو من أقدم كتب التاريخ-بولادة ذلك الطفل يوم عاشوراء، حيث قال:

ثم تقدموا رجلا رجلا،حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده

ص: 228


1- أنظر:الإرشاد2: 108
2- أنظر:مثير الأحزان:53
3- أنظر:إعلام الوری1: 466

ولا أقاربه،فإنه لواقف على فرسه إذ أي بمولوي قد ولد له في تلك الساعة، فأذن في أذنه وجعل يحتکه،إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبي فذبحه،فنزع الحسين السهم من حلقه،وجعل يلطخه بدمه ويقول:والله لأنت أكرم على الله من الناقة،ولحمد اکرم على الله من صالح».ثم أتی فوضعه مع ولده وبني أخيه(1) . ومن هذه العبارة يتضح أن الإمام (علیه السلام) كان ساعتها على فرسه،فلا جيء بالطفل المولود حديثا أذن في أذنه،فأتاه السهم وأصاب الطفل،والكلمات التي قالها الإمام (علیه السلام) بعد إصابة هذا المولود بالسهم لا تشابه تلك التي قالها بعد إصابة عبد الله الرضيع وعلي الأصغر.لكن السيد الجليل عبد المجيد الحائري رحمة الله قال في بيان ذكر الشهداء المقتولين يوم

الطف من بني هاشم الذين لم يذكروا في الناحية:

منهم:عبد الله الرضيع الذي ولد يوم الطفت وقت صلاة الظهر،على ما رواه صاحب كتاب(الحدائق الوردية)،قال:ولد للحسين (علیه السلام) في الحرب،وأمه:أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله اليمية زوجة الحسين(علیه السلام)،فأتي به وهو قاعد،فأخذه في حجره ولباه بريقه،وستاه:عبد الله،فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل الأسدي[خ ل:عبد الله بن عقبة الغنوي،وقيل:هاني بن بیت الحضرمي]بسهم

ص: 229


1- تاريخ اليعقوبي2: 245

فنحره،فأخذ الحسين (علیه السلام) دمه فجمعه ورمی به نحو السماء،فما وقع منه قطرة إلى الأرض.قال فضيل:وحدثني أبو الورد أنه قال:سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول:«لو وقعت منه إلى الأرض قطرۂ کنزل العذاب»-انتهى کلام صاحب(الحدائق)(1) .إلا أن المعتمد عليه حول هذا الطفل المولود يوم عاشوراء هو ما نقله ابن واضح اليعقوبي،لأنه من أقدم كتب التاريخ،ومن أقرب الأشخاص الذين ذكروا ذلك،أما صاحب(الحدائق الوردية)فإنه قد خلط بين الوقائع والقضايا أيضا، والله العالم.

وقد أشار السيد الجليل شاعر أهل البيت (علیهم السلام) حيدر الحلي رحمة الله في أشعاره إلى هذا

الطفل المولود يوم عاشوراء،فقال:

ص: 230


1- ذخيرة الدارین: 305.أقول:ما هو موجود في المطبوع من(الحدائق الوردية 208:1)هو بهذا اللفظ:...وعبد الله بن الحسين،وأمه:الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن کعب ابن عکیم[خ ل:حکیم]الكلبي،قتله حرملة بن الكاهن الأسدي الوالبي،ولد والحسين بن علي في الحرب،فأتي به وهو قاعد، فأخذه في حجره ولباه بريقه،وستاه:عبد الله،فبينا هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهن بسهم فنحره،فأخذ الحسين دمه فجمعه ورمی به نحو السماء،في وقعت منه قطرة إلى الأرض.قال فضيل:وحدثني أبو الورد أنه سمع أبا جعفر يقول:«لو وقعت منه إلى الأرض قطر لنزل العذاب»..وهو الذي يقول فيه الشاعر: وعند غني قطرة من دمائنا وفي أسد أخرى مم وتذكر

له ألله مفطورا من الصبر قلبه

وله كان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبل منه قبله السهم منحرا

لقدولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم کبرا(1) ثم لا يترك القول أن في(تاريخ الطبري)في ذكر قضية عبد الله الرضيع وإصابته بالسهم وقعت عبارة اتخذها بعض غير المطلعين ذريعة،فتصوروا أن قضية ذلك الطفل الشهيد المظلوم لا أصل لها،وذلك لأن الطبري عبر بلفظ:(زعموا)،فقال:

ولمّا قعد الحسين أي بصبي له،فأجلسه في حجره،زعموا أنه عبد الله بن الحسين.ثم قال بعدها بعدة أسطر:

وزعموا أن العباس بن علي قال لإخوته..(2) .فادعوا أن لفظ(الزعم)يستخدم فيها هو خلاف الواقع،كما هو شأن القرآن في استخدامه.

ولكن يجب أن يعلم أن لفظة(زعموا)في عبارة الطبري هي بمعنى:قالوا؟قال الفيومي في(المصباح المنير):

زعم،زعما:من باب:قتل.وفي(الزعم)ثلاث لغات:...ويطلق بمعنى القول،ومنه:زعمت الحنفية،وزعم سیبویه،أي:قال(3) .

ص: 231


1- ديوان السيد حيدر الحلي1: 33
2- تاريخ الطبري4: 342
3- المصباح المنير:زعم

وقال ابن منظور في(لسان العرب):

زغم،زغما،وزغما،وزعما،أي:قال(1) .

[7]رجوع الرباب إلى المدينة ووفاتها

في أي بيت من بيوتات بني هاشم قد أقامت السيدة الوفية لسيد الشهداء (علیه السلام) الرباب بنت امرئ القيس بعد رجوعها من كربلاء إلى المدينة بعد سنة تقريبا؟فإن حاكم المدينة كان قد هدم دارها بعد وقعة عاشوراء،كما هدم الكثير من البيوت في المدينة،بما في ذلك بيت أمير المؤمنين (علیه السلام)!قال ابن فندق البيهقي في (لباب الأنساب):

وما مد یزید يده إلى تركة الحسين (علیه السلام) وأمواله،إلا أن سعید بن العاص(2) كان والي المدينة،فهدم-حين سمع قتل الحسين-دار علي بن أبي طالب (علیه السلام) بالمدينة، ودار عقيل،ودار زوجة الحسين (علیه السلام)أم سكينة(3) .وكان والي المدينة عمرو بن سعید بن العاص الأشدق رجلا قاسي القلب قبيح الأقوال والأفعال،كما ذكر الطبري وغيره(4) .

ص: 232


1- لسان العرب:عم،وفيه:وقيل:هو القول،يكون حقا ويكون باطلا
2- كذا في المطبوع،وكذا أيضا في النسخة الخطية المتوفرة لدى المؤلف حسب ما يبدو
3- لباب الأنساب1: 351
4- أنظر:تاريخ الطبري2: 419،و4: 200وما بعدها،الإرشاد18:2

لما أنفذ ابن زیاد برأس الحسين (علیه السلام) إلى يزيد،تقدم إلى عبد الملك بن أبي الحديث السلمي فقال:انطلق حتى تأتي عمرو بن سعید بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين.فقال عبد الملك:فركبراحلتي ورث نحو المدينة،فلقيني رجل من قریش[خ ل: قيس]فقال:ما الخبر؟فقلت:الخبر عند الأمير تسمعه. فقال:إنا لله وإنا إليه راجعون،يل-والله-الحسين!ولا دخلت على عمرو بن سعيد قال:ما وراؤك؟فقلت:ما سر الأمير،قتل الحسين بن علي!فقال:اخرج فناير بقتله. فنادیت،فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي[علیهما السلام ]حين سمعوا النداء بقتله،فدخل على عمرو بن سعيد،فلما رآني تبتم إلي ضاحكة،ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معدي کرب:

عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب ثم قال عمرو:هذه واعية بواعية عثمان!ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتل الحسين ابن علي عليه،ودعا ليزيد بن معاوية،ونزل(1) .

وفي(مثالب)أبي عبيدة:ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال:يا محمد،يوم بيوم بدر!

فأنكر عليه قوم من الأنصار(2) .

ص: 233


1- الإرشاد2: 123۔عنه:بحار الأنوار45: 121،وانظر:الكامل في التاريخ:88، مقتل الحسين(علیه السلام) لأبي مخنف:220،تاريخ الطبري4: 356- 307
2- الغدير10: 264 قال المجلس رحمة الله و قال صاحب ( المناقب): قال فی خطبته: إنّها لدمه بلدمه، و صدمه بصدمه، کم خطبه بعد خطبه و موعظه بعد موعظه، حکمه بالغه فما تغن النّذر، و الله لوددت أنّ رأسه فی بدنه، و روحه فی جسده،أحیانا کان یسبّنا و نمدحه و یقطعنا و نصله کعادتنا و عادته، و لم یکن من أمره ما کان و لکن کیف نصنع بمن سلّ سیفه یرید قتلنا الا ان ندفعه عن أنفسنا. (1) عباره المؤلف: لم یقبل خلافه یزید و لم یذعن له. فقام عبدالله بن السائب فقال: لو کانت فاطمه حیّه فرأت رأس الحسین لبکت علیه. فجبهه عمرو بن سعید و قال: نحن أحقّ بفاطمه منک، أبوها عمّنا، و زوجها أخونا، و ابنها ابننا، لو کانت فاطمه حیّه لبکت عینها و حرّت کبدها، و ما لامت من قتله، و دفعه عن نفسه(بحار الأنوار: 112/45) أقول: ومن شنيع أقواله هذه وقبيح أفعاله لك أن تدرك شيئا من خبثه ولؤمه ورجسه، عليه وعلى من ولاه ووالاه لعائن الله والأنبياء والأوصياء والملائكة والناس أجمعين.

إن هذه الكلمات الحاقدة المتجاسرة،والشماتة الصادرة عنه،لتفتيحان عن مدى كفره وكونه ملعونة،وتكشفان عن أن بني أمية كانوا بصدد طلب الانتقام من رسول الله(صلی الله علیه واله)،ولا لم يتسن لهم ذلك من شخصه (صلی الله علیه واله) عمدوا إلى الانتقام من أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة والإمام الحسن المجتبى وسيد الشهداء (علیه السلام).

وعمرو هذا هو الذي روي فيه عن أبي هريرة عن رسول الله (صلی الله علیه واله) أنه قال:

اليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا فيسيل رعائه.قال علي بن زيد:فحدثني من رأى عمرو بن سعید بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم،فسال رعافه على درج المنبر(1) .

ويكفي فيه ما قاله رسول الله (صلی الله علیه واله) من أنه جبار من جبابرة بني أمية،وهذا الجبار

ص: 234


1- شرح الأخبار2: 100/خ460،وانظر:مسند أحمد بن حنبل2: 385،مجمع الزوائد:240،تاريخ مدينة دمشق36:46،مناقب آل ابي طالب1: 96

هو الذي أمر بهدم دور بني هاشم في المدينة بعد وصول خبر مقتل الإمام الحسين،فإن بني أمية كانوا يريدون أن يمحوا جميع آثار بني هاشم.

قال السيد المعاصر المقرم رحمة الله في كتاب(مقتل الحسين(علیه السلام)):وكان عمرو فظا غليظا قاسياً،أمر صاحب شرطته على المدينة عمرو بن الزبير بن العوام بعد قتل الحسين أن يهدم دور بني هاشم،ففعل،وبلغ منهم كل مبلغ،هدم دار ابن مطيع،وضرب الناس ضربة شديدة،فهربوا منه إلى ابن الزبير(1) .

[8]شاه زنان زوجة الإمام الحسين وأم الإمام زین العابدین (علیه السلام)

حيث ورد ذكر السيدة الرباب زوجة سيد الشهداء (علیه السلام)،فقد طلب بعض الأحبة مني أن أكتب بعض السطور حول زوجة الإمام الحسين (علیه السلام) الأخرى السيدة شاه زنان،وهل أن اسمها هو(شهر بانو)أو(شاه زنان)؟وهل حضرت کربلاء،أم أنها توقيت حين ولادة الإمام السجاد (علیه السلام)؟

فقبل طلبه،وشرعت بكتابة الجمل التالية:

إن من زوجات سید الشهداء (علیه السلام) هي السيدة المعظمة الجليلة(شاه زنان)بنت کسری یزدجرد،آخر أكاسرة الفرس في العهد الساساني،وهي أم الإمام السجاد(علیه السلام).

ونقل الزمخشري في(ربيع الأبرار)عن النبي(صلی الله علیه واله) أنه قال:الله من عباده خیرتان:

ص: 235


1- مقتل الحسين(علیه السلام):335

فخيرته من العرب قریش،ومن العجم فارس».وكان يقال لعلي بن الحسين:ابن الخيرتين؛لأن أمه سلافة كانت من ولد يزدجرد(1).

وأنشأ أبو الأسود الدؤلي:

وإن غلاما بین کسری وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم (2)

وما يتحصل من الكتب المعتبرة أن اسم تلك السيدة هو(شاه زنان)،کا صرح به الكثير:كالشيخ المفيد رحمة الله في(الإرشاد)(3)،والشيخ الطبرستي في إعلام الوری(4)،وابن الفتال النيسابوري في(روضة الواعظين)(5)،والإربي في(کشف الغمة)(6)،وابن شهر آشوب المازندراني في(المناقب)(7)،وسبط ابن الجوزي في(تذکرة الخواص)(8)،ومحمد بن طلحة الشافعي في(مطالب

ص: 236


1- ربيع الأبرار 1: 334 - عنه: مناقب آل ابي طالب 3: 304، وبحار الأنوار 4:46 / ح 4، وانظر: الكافي 1: 467، تاريخ مدينة دمشق:140/51.
2- الكافي 1: 467 - باب مولد علي بن الحسين (علیهما السلام) / ح 1 ، مناقب آل أبي طالب 3: 305. والتمائم : جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين، أو الأعم منها ومن العوذ، والغرض التعميم، فإنه يكون في أكثر الخلق (بحار الأنوار 46: 4).
3- الإرشاد 2: 135 - باب ذكر ولد الحسين بن علي (علیهما السلام) .
4- إعلام الوری 1: 678 - الفصل 5 في ذكر عدد أولاد الحسين (علیه السلام).
5- روضة الواعظين: 201.
6- کشف الغمة 2: 249.
7- مناقب آل أبي طالب 3: 311 - باب إمامة علي بن الحسين (علیهما السلام) .
8- تذکرة الخواص: 326 - فصل في ذكر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیها السلام) .

السؤول)(1)،وابن تغري بردي في(النجوم الزاهرة)(2)،وغيرهم كثير،وإن صرح بعضهم بالاختلاف في اسمها،لكنها أقوال نادرة،ولا تنافي بين تلك الأسماء وبين اسمها الأصل،بل إن تلك الأسماء هي من باب تغيير الاسم،وذلك بعد أن وضعت تلك المخدرة موطأ قدمها في بيت العترة المعصومة الطاهرة ساها العرب بأسماء عربية متعددة من باب تغيير الاسم بألفاظ مختلفة،ويشهد لذلك أن في بعض الكتب المعتبرة ک(وفيات الأعيان)لم يتم الإشارة فيه إلى اسمها الأعجمي،واكتفى بذكر الاسم العربي مع تصريحه بأنها بنت يزدجرد،کما قال: سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس،وهي عمة أم يزيد بن الوليد الأموي المعروف بالناقص(3).

فيعلم أن(سلافة)أو(غزالة)هما الأسنان العربيان لتلك السيدة المعظمة.وما أحسن ما ذكره السيد الأمين في(أعيان الشيعة)بأن الظاهر أن اسمها الأصلي كان كما ذكره المفيد(أي:شاه زنان)،ثم غير کما ذكره المبرد،وقال:اسمها سلافة،من ولد یزدجرد،معروفة النسب،من خيرات النساء(4).

قال البستاني في(دائرة المعارف):أمه سلافة،من سبايا الفرس،ولقب:شاه زنان،أي:ملكة النساء(5).

ص: 237


1- مطالب السؤول: 408.
2- النجوم الزاهرة 229:1
3- وفيات الأعيان 3: 267.
4- أعيان الشيعة 629:1
5- دائرة المعارف 9: 355- زین العابدین.

وقد رحلت شاه زنان عن الدنيا عند ولادة الإمام السجاد(علیه السلام)،كما روى ذلك الصدوق في(عيون أخبار الرضا(علیه السلام))،بسنده عن سهل بن القاسم النوشجاني قال:قال لي الرضا(علیه السلام) بخراسان:«إن بيننا وبينكم نسبا»،[وبينكم:أي الفرس]،قلت: وما هو أيها الأمير؟(1) قال:«إن عبد الله بن عامر بن کریز لا افتح خراسان أصاب ابنتين لیزدجر بن شهریار ملك الأعاجم،فبعث بها إلى عثمان بن عفان،فوهب إحداهما للحسن والأخرى للحسين (علیهما السلام)،فماتتا عندهما نفساوين،وكانت صاحبة الحسين (علیه السلام) نفست بعلي بن الحسين (علیهما السلام)،فكفل (علیه السلام) الا بعض أمهات ولد أبيه...»(2) .

فيستفاد هذا المعنى من رواية الشيخ الصدوق،من دون الحاجة إلى التحقيق في سند الرواية؛فإن كتابا ك(العيون)يطمئن له أكثر من أقوال المؤرخين الذين يعتمدون في أغلب نقلهم على المرسلات.

كما أن الشيخ الثقة الأقدم ابن أبي الثلج البغدادي(ت320ه)قد صرح في (تاريخ الأئمة)بوفاتها عند الولادة(3) .

ص: 238


1- يظهر من التعبير بهذا النداء أن ذلك كان في زمن ولاية عهد الإمام (علیه السلام) في خراسان
2- عیون اخبار الرضا(علیه السلام)2: 135-الباب35/ح6
3- تاريخ الأئمة:24،قال:أم علي بن الحسين(علیهما السلام):خلوة بنت يزدجرد. ماتت أم علي بن الحسين بنفاسها به.وقال ابن أبي الثلج:أحسب أن اسمها(شه زنان) في قول الفريابي،وأحسبها خلوة،وكان يقال له:ابن الخيرتين،ويقال:ابنة النوشجان،ويقال: شهربانوية بنت يزدجرد

ومن التواريخ المعتبرة يظهر أن إرسال بنتي يزدجرد إلى المدينة كان في زمن عمر،لكن الرواية المذكورة ذكرت ذلك في زمن عثمان،وإن كان في بعض التواريخ أيضا أن ذلك كان كذلك في زمن عثمان،ونسب الشيخ المفيد رحمة الله الواقعة إلى زمن خلافة أمير المؤمنين(علیه السلام)(1) .

قال ابن فندق البيهقي في(لباب الأنساب):

وقال أكثر المؤرخين[خ ل:المتأخرين]:بنت يزدجرد وقعت في أيدي المسلمين بعد قتل أبيها بمرو في أيام عثمان،وقتل يزدجرد کان بعد القادسية بسنتين(2) .

إذن،فقد صار بينا أن أم الإمام السجاد (علیه السلام) هي بنت يزدجرد آخر الملوك الساسانيين،إذ لا شك في ذلك،كما لا شك في بطلان بعض الأقوال النشازلبعض المستشرقين من أذناب الاستعمار وأعداء الإسلام،نمتنع عن بيان ذلك وشرحه؛لعدم مناسبته المقام وتجنبا للتطويل والإسهاب.

قال ابن فندق:

ص: 239


1- قال في(الإرشاد2: 137-باب ذكر الإمام بعد الحسين بن علی(علیهما السلام)):وأمه:شاه زنان بنت يزدجرد بن شهریار بن کسری،وقال:إن اسمها شهربانو،وكان أمير المؤمنين(علیه السلام)؟وتی حریث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق،فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهریار بن کسری،فنحل ابنه الحسين(علیهما السلام) شاه زنان منها،فأولدها زین العابدين(علیه السلام)،ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر،فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر،فهما ابنا خالة
2- لباب الأنساب349:1

فقيل لها:اختاري علي بن أبي طالب (علیه السلام).فقالت:لأجور من نفسي أنأجلس على مكان قامت منها فاطمة الزهراء(علیها السلام)...(1) .

وقيل:لما تزوج الحسين (علیه السلام) ابنة يزدجرد بن شهریار،دخل عليها أبوه علي (علیه السلام) بالتهنئة،فسأل عن اسمها،فقيل:اسمها:کیهان بانو،فقال:«وما معناه؟»،قيل:سيدة الدنيا والآخرة.فقال علي(علیه السلام):«سيدة الدنيا والآخرة فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه واله) فسموها:سيدة البلد»،فساها الناس:شهربانویه(2) .

وما يعتمد عليه من الروايات والتواريخ هو ما تقدم من أن أم الإمام السجاد؟

قد ماتت في نفاسها.

ومن بعض التواريخ المعتبرة يظهر أيضا أن(شهربانويه)كانت قد حضرت کربلاء،فقد قال العلامة الأمين العاملي رحمة الله في(لواعج الأشجان):

وخرج غلام من خباء من أخبية الحسين(علیه السلام)،وفي أذنيه درتان،فأخذ بعود من عيدانه وهو مذعور، فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان،فحمل عليه هاني بن بيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله،فصارت أمه شهربانویه تنظر إليه ولا تتكلم کالمدهوشة(3) .

ص: 240


1- لباب الأنساب1: 347
2- لباب الأنساب349:1
3- لواعج الأشجان:181

ويقرب من مضمون هذه العبارات في بعض كتب السير والمقاتل(1) .

وما يعلم بعد التحقيق والتبع والبحث ودقة النظر في كتب التواريخ والسير،هو أن من بين أسارى الفرس الذين جيء بهم إلى المدينة ثلاث بنات ليزدجرد،کما نقل ذلك ابن خلکان(2) عن الزمخشري في(ربيع الأبرار)(3)،وصرح به ابن العماد في

ص: 241


1- قال ابن شهر آشوب في(مناقب آل أبي طالب3: 257-باب إمامة أبي عبد الله الحسين(علیه السلام)): ثم تقدم علي بن الحسين الأكبر(علیه السلام)،وهو ابن ثان عشرة سنة، ويقال:ابن خمس وعشرون، وكان يشبه برسول الله (صلی الله علیه واله)خلقا وخلقة ونطقة....فطعنه مرة بن منقذ العبدي على ظهره غدرة، فضربوه بالسيف،فقال الحسين:«على الدنيا بعدك العفاه،وضمه إلى صدره،وأتي به إلى باب الفسطاط،فصارت أمه شهربانويه وهي تنظر إليه ولا تتكلم
2- قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان 3: 267): ذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار أنّ الصّحابة ...لمّا أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطّاب،... كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السّبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجرد أيضاً، فقال له عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه: إنّ بنات الملوك لا يُعاملن معاملة غيرهنّ من بنات السّوقة، فقال: كيف الطّريق إلى العمل معهنّ؟ قال: يقوّمن ومهما بلغ ثمنهنّ، قام به من يختارهنّ، فقُوِّمن وأخذهنّ عليّ رضى الله عنه، فدفع واحدة لعبداللَّه بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى لمحمّد بن أبي بكر .... وكان ربيبه ، رضي اللَّه عنهم أجمعين، فأولد عبداللَّه أمته ولده سالماً، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمّد ولده القاسم، فهؤلاء الثّلاثة بنو خالة ، وأمّهاتهم بنات يزدجرد.
3- قال في (ربيع الأبرار 3: 350): أبو اليقظان: إنّ قریشاً لم تکن ترغب فی اُمّهات الأولاد حتی ولدن ثلاثه: علیّ بن الحسین علیه السلام، و القاسم بن محمد و سالم بن عبدالله، و ذلک أنّ عمر اُتی ببنات یزدجرد بن شهریار بن کسری مسبّبات فأراد بیعهنّ، فقال له علی: إنّ بنات الملوک لا یبعن و لکن قوّموهنّ، فقوّموهنّ فأعطاه أثمانهنّ فقسّمهنّ بین الحسین بن علی و محمّد بن أبی بکر و عبدلله بن عمر فولدن الثلاثه.

(شذرات الذهب)(1) ،تزوج إحداهن عبد الله بن عمر فأولدت له سالما،والأخرى محمد بن أبي بكر فأولدت له القاسم،والثالثة سيد الشهداء (علیه السلام) فأولدت له زین العابدين(علیه السلام)،واسمها(شاه زنان)،ماتت في نفاسها ولم تحضر کربلاء،ولعل رابعة تزوجها الإمام المجتبى(علیه السلام)،كما تقدم ذلك.

وما يطمئن له ويقوى فيه الظن أن شهربانوية التي كانت حاضرة في كربلاء هي زوجة محمد بن أبي بكر،والتي تزوجها بعد وفاته الإمام الحسين(علیه السلام)،وأنها هي التي ألقت بنفسها في الفرات بعد مقتل الحسين (علیه السلام)في يوم عاشوراء(2) ،وقيل:إن الإمام السجاد (علیه السلام) أركبها جملا وقال لها:«كوني على ظهره این مضي»،ثم نقلوا قصة لا يعتمد

ص: 242


1- قال في(شذرات الذهب104:1):زین العابدین علی بن الحسين الهاشمي....وأمه: سلامة،وقيل:غزالة بنت يزدجرد ملك فارس،شقيت ثالثة ثلاين من بناته في خلافة عمر، أمر عمر بيعهن،فأشار علي[هكذا]ويأخذه من اختاره،فأخذهن علي،فدفع واحدة العبد الله بن عمر،وأخرى لولده الحسين،وأخرى لمحمد بن أبي بكر
2- قال ابن شهر آشوب:وجاؤوا بالحرم أسارى،إلا شهربانوه؛فإنها أتلفت نفسها في الفرات مناقب آل أبي طالب3: 209-عنه:بحار الأنوار45: 62)

عليها،أشار إليها السيد المحدث الجزائري رحمة الله فی(الانوار النعمانیه)(1) .

[9]صلاة الخوف يوم عاشوراء

المراد من عدم استبعاد أن القوم منعوهم من أداء صلاة الخوف،أي:صلوا صلاة ذات الرقاع، أو فرادى وبالإيماء،وهي أيضا تسمى صلاة الخوف،فإن لها أنواعة عديدة،منها فرادى بالإيماء،وتصلى بالتسبيحات الأربعة أيضا،كما هو مبين بالشرح والتفصيل في كتب الفقه.

قال الشهيد الثاني في(الروضة البهية):وهي[أي:صلاة الخوف]أنواع كثيرة تبلغ العشرة،أشهرها صلاة ذات الرقاع(2) .

ص: 243


1- قال في(الأنوار النعمانية3: 77- 78):قد روى الصّدوق نوّر اللّه ضريحه، عن الرّضا عليه السّلام، إنّ شهربانو أمّ عليّ بن الحسين عليه السّلام قد ماتت في نفاسها به و كانت للحسين عليه السّلام أمة مدخولة، فسلّمه إليها و كانت هي الّتي تولّت تربيته و كان يقول لها أمّي و يحترمها ذلك الاحترام و هي الّتي زوجها مولاه و المراد به واحد من شيعته و خواصّه لإطلاق المولى عليه أيضا. و قد روى التّصريح به في حديث آخر، و في بعض الرّوايات: أنّها ألقت نفسها في الفرات في وقت شهادة الحسين عليه السّلام خوفا من يزيد لأنّه كان يكره العجم، و قيل: إنّ علي بن الحسين عليه السّلام أركبها جملا في تلك الواقعة الهائلة و قال لها: كوني على ظهره أين مضى، فقيل: إنّه مضى بها إلى الرّيّ والآن فيه بقعة يزورها النّاس ويقولون هذا قبر أمّ عليّ بن الحسين عليهما السلام، ولكنّ الاعتماد على ما روى عن الرّضا عليه السلام.
2- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية799:1

بيد أن في(مقتل الحسين(علیه السلام))للسيد المحقق المقرم رحمة الله وردت عبارة في الهامش،بعد أن ذكر أن الحسين (علیه السلام) صلى صلاة الخوف،فقال:

والذي أراه أن صلاة الحسين كانت قصرة،لأنه نزل کربلاء في الثاني من المحرم،ومن أخبار جده الرسول-مضافة إلى علمه بأنه يقتل يوم عاشوراء لم يستطع أن ينوي الإقامة إذا لم تكمل له عشرة أيام،وتخيل من لا معرفة له بذلك أنه صلى صلاة الخوف(1) .فإن كانت صلاة الإمام قصرة لأنه لم ينو الإقامة،فإن صلاة الخوف قصر أيضا في الحضر والسفر،فيا المانع من أن يصلي الإمام علي صلاة الخوف؟بمعنى أن عدم قصد الإقامة لا ينافي صلاة الخوف!ومن أين يعلم أن الإمام لا صلی قصرة ولم يصل صلاة الخوف؟هذا والحال أن كبار المؤرخين من الخاصة والعامة قد صرحوابأن الحسين ال صلى صلاة الخوف يوم عاشوراء(2) .

ص: 244


1- مقتل الحسين:265-الهامش
2- قال الشيخ المفيد في الإرشاد2: 105):وكثر القتل والجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين،إلى أن زالت الشمس،فصلى الحسين بأصحابه صلاة الخوف

[10]مجيء جابر الأنصاري لزيارة الأربعين قيل:إن مجيء جابر بن عبد الله الأنصاري في الأربعين

قيل: إن مجىء جابر بن عبد الله الانصاري رحمة الله في الآربعين ويجىء اسارى اهل البيت (علیهم السلام) إلى كربلاء وإن انّفق في اليوم نفسه. إِلَا أن جابراً يبقى هو أوّل زائر لقبر الحسين (علیه السلام)(1).

ثم اطلعت بعد مدة على كليات الفاضل المعاصر المحقق السيد هاشم معروف الحسني،صرح فيها أن ورود جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله إلى كربلاء في الأربعين الأولى لسيد الشهداء (علیه السلام) كان قبل يوم من ورود الأسارى،وإن لم يذكر المصدر الذي نقل عنه.

ونقل عين عباراته في كتابه(سيرة الأئمة الاثني عشر)،وإن كلماته كما يعتمد عليها؛نظرا لتحقيقه ونقله عن المدارك الصحيحة والمصادر المعتمدة،فيقول:

ويروي بعض الرواة أن يزيد بن معاوية خير الإمام زين العابدين بين البقاء بالشام والرجوع إلى المدينة،فاختار الرجوع إليها،فجهزهم یزید

ص: 245


1- لا إشكال في أن أوَّلَ مَن زار قبر سيّد الشهداء .(علیه السلام) هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجّاد (علیه السلام). وذلك عند حضوره لدفن الجسد الطاهر وسائر أجساد الشهداء مع بني أسد. كما نعم مثل هذا الكلام محمولٌ على الزيارة بعد مواراة الجسد الطاهر.

ابن معاوية،وأرسل معهم من يتولى إدارة شؤونهم ورعايتهم خلال طريقهم.

وطلبوا من الدليل أن يعرج بهم إلى كربلاء،فأجابهم لذلك.وكان جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم قد شدوا الرحال لزيارة الحسين(علیه السلام)،فوردوا كربلاء قبل وصول السبايا إليها بيوم واحد.وفيما كان جابر بن عبد الله ومن معه يجولون بين القبور،وإذا بموكب الإمام قد أطل عليهم من ناحية الشام،فقال له قائده-وكان جابر مکفوف البصر-:اذهب وأتنا بخبره مسرعة،فإن كان من أتباع ابن زیاد العلنا نأوي إلى ملجأ،وإن كان لعلي بن الحسين وعماته وأخواته فأنت حر لوجه الله.فمضى،وما لبث أن رجع مسرعا وهو يقول:يا جابر،قم واستقبل حرم رسول الله،هذا زين العابدين قد جاء بعتاته وأخواته!فقام جابر يمشي حافي الأقدام مسرعة حتى دنا من الإمام زين العابدین،فوقع عليه يقبله ويبكي،فارتج المكان من كثرة البكاء،وقال له الإمام (علیه السلام):«یا جابر،هاهنا والله كت رجالنا، وبكت أطفالنا،وشبيت نساؤنا،وحرقت خيامناء»(1) .

ومن هذا فإن جابرا رحمة الله قد قدم إلى كربلاء قبل مجيء السبايا بيوم،فيصح إطلاق

ص: 246


1- سيرة الأئمة الاثني عشر129:2-الإمام علي بن الحسين في الكوفة والشام

لفظ:(أول زائر)عليه،لكن مجيء جابر إلى كربلاء قبل يوم خلاف تصريح الأعاظم من أنهم قدموا لزيارته وتلاقوا في وقت واحد کما مرّ(1) .

ولا يترك القول أن من قول جابر لغلامه:(إذهب وأنا بخبره مسرعاً،فإن كان من أتباع ابن زیاډ لعلنا نأوي إلى ملجأ،وإن كان لعلي بن الحسين وعماته وأخواته فأنت حر لوجه الله)،يعلم أنه كان عالما برجوع الإمام (علیه السلام) وكان بانتظاره،ولذا احتمل أن السواد الطالع عليهم هو لعلي بن الحسين (علیه السلام) وعماته وأخواته،ولعله كان عالما بتسريح يزيد لهم وإطلاق سراحهم،او أنه سمع ذلك أيضا عن رسول الله(صلی الله علیه واله) وأمير المؤمنين(علیه السلام)،كما يحتمل أن مجيئه إلى كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين (علیه السلام) بعد شهادته كان بأمر رسول الله(صلی الله علیه واله).

ولابد أن جابرة قد سمع أيضا أنه سيلتقي بالإمام السجاد (علیه السلام)في زيارة الأربعين،ولذا قال الغلامه:(وإن كان لعلي بن الحسين وعماته وأخواته فأنت حر لوجه الله).إذن،فقد كان جابر رحمة الله منتظر مجيء الإمام السجاد(علیه السلام)،وإلا فكيف احتمل أن الموكب إن لم يكن لأحد أتباع ابن زیاد فهو لعلي بن الحسين (علیه السلام)؟وهو ما حصل!

[11]فتوی عدم جواز لعن یزید

إن الدكتور صلاح الدين المنجد نشر رسالة لابن تيمية الحراني بعنوان(سؤال عن یزید بن معاوية)،قال في مقدمتها:

ص: 247


1- أنظر:اللهوف في قتل الطفوف:114،مثير الأحزان:86

كان الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أحد الذين تركوا في التاريخ الإسلامي آثارا عميقة،فالحوادث المؤلمة التي قدر أن تجري في أيامه على أيدي قواده رافقها طع شديد عليه لدى فئة من الفئات الإسلامية،فدفعت طائفة ثانية إلى التعصب له وتعظيمه تعظيما بلغ الغلو،وما زالت الفئتان مختلفتين،واتخذ أهل السنة طريقة وسطا،فذكروا محامد الرجل ولم يغفلوا عن مساوئه،لكنهم لم يغالوا في الحق ولا في الباطل(1) .ثم ذكر أنه عثر على هذه الرسالة في مكتبة جامعة برنستن بالولايات المتحدة ضمن مجموع مخطوط، فنشرها،كما ألحق بها أيضا فتوى الغزالي في لعن يزيد(2) .

ص: 248


1- سؤال في يزيد بن معاوية:3-تمهید
2- قال شمس الدين بن طولون:شئل الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عمن يصرح بلعن یزید بن معاوية،هل يحكم بفسقه أم لا؟وهل كان(یزید)راضية بقتل الحسين بن علي أم لا؟وهل يسوغ الترحم عليه أم لا؟ فلينعم بالجواب مثاباً. فأجاب: لا یجوز لعن المسلم أصلاً، ومن لعن مسلماً فهو الملعون. وقد قال علیه السلام : لیس المسلم بلعان، وکیف یجوز لعن المسلم وقد نهینا عن لعن البهائم، وحرمه المسلم أعظم من حرمه الکعبه بنص النبی صلی الله علیه آله ، وقد صح إسلام یزید بن معاویه، وما صح قتله الحسین، ولا أمره به ولا رضاه بذلک، ولا کان حاضراً حین قتل و(مهما) لا یصح ذلک منه، ولا یجوز أن یظن ذلک به، فإن إساءه الظن أیضاً بالمسلم حرام وقد قال الله تعالی: «اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ »(سورة الحجرات : 12)وقال النبی صلی الله علیه آله : «إن الله حرم من المسلم دمه ماله عرضه، وأن یظن به ظن السوء». و من زعم أنّ یزید أمر بقتل الحسین أو رضی به، فینبغی أن یعلم أنّ به غایه الحماقه، فانّ من قتل من الأکابر و الوزراء و السلاطین فی عصره لو أراد أن یعلم حقیقه من الذی أمر بقتله، أو من الذی رضی به، و من الذی کرهه، لم یقدر علی ذلک، و ان کان قد قتل فی جواره و زمانه و هو یشاهده، فکیف و لو کان فی بلد بعید و فی زمن قدیم قد انقضی، فکیف یعلم ذلک فیما انقضی علیه قریب من أربعمائه سنه فی مکان بعید، و قد تطرّق التعصّب فی الواقعه، فکثرت فیها الأحادیث من الجوانب، فهذا أمر لا یعرف حقیقته أصلا، و اذا لم یعرف وجب احسان الظنّ به. و مع هذا لو ثبت علی مسلم أنّه قتل مسلما، فمذهب أهل الحقّ أنّه لیس بکافر، و القتل لیس بکفر بل هو معصیه، و اذا مات القاتل فربّما مات بعد التوبه، و الکافر لو تاب من کفره لم یجز لعنه، فکیف من تاب عن قتل، و لم یعرف أنّ قاتل الحسین مات قبل التوبه، قال الله تعالی «وَهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَهَ عَنْ عِبَادِهِ»سوره الشوری 25 فإذن لا يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين و من لعنه كان فاسقا عاصيا للّه تعالى، و لو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع،بل لو لم یلعن ابلیس طول عمره لا یقال له فی القیامه: لم لا تلعن ابلیس؟ و یقال لللاعن: لم لعنت؟ و من أین عرفت أنّه مطرود ملعون؟ و الملعون هو المبعد من اللّه عزّ و جلّ، و هو غیب لا یعرف الاّ فی من مات کافرا، فانّ ذلک علم بالشرع. و أمّا الترحّم علیه، فهو جائز بل مستحبّ، بل هو داخل فی قولنا فی کلّ صلاه «اللهمّ اغفر للمؤمنین و المؤمنات» فانّه کان مؤمنا و اللّه أعلم، کتبه الغزالی(قید الشرعید من اخبار یزید) وانظر الفتوى أيضاً على الموقع الرسميّ لدائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنيّة الهاشميّة, تحت عنوان: (حكم لعن يزيد بن معاوية)؛ على رابط الشبكة العنكبوتية التالي: http://www..aliftaa.jo/Question.aspx?Question|d=1860 ) أقول: وربّما لا تجد في أهل الخلاف قولاً أقبح و أشذّ وأسفه من قول الغرَّايّ هذا! و أوّل الكلام فيه إسلام يزيد لعنه الله فصريح كفره أوضح من الشمس في رابعة النهار وإن لم یرها الاعمی الغزالی على شاكلته؛ أو تعامى وأراد حجْبّها بالغربال. والكلام نفس الكلام في صحّة قتله لسيّد شباب أهل الجئة وسيّد الشهداء الحسبين 91ذ» وأنّه أمر بذلك؛ بل وفرح وسُرٌ بمقتله» تقدّم. فإن خفيّ مثل هذا الأمر البيّن على الجاهل» فهو عند غيره أوضحٌ الواضحات. ثم إن من الغريب أنْ شيعة أهل البيت (علیهم السلام) ومحبّيهم وأتباعهم على طول التاريخ وحتّى يومنا هذا يُقتّلون ويُذبّحون ويُعدّبون وينفون من ديارهم ويُفتّك بهم وتُصبٌ عليهم أنواع المصائب وأشدّ النوائب كل ذلك بحجّة هم يلعنون بعض مَن يُسمّون ب (الصحابة) من المنافقين ومّن خرجوا على إمام زماهم وخليفة رسول الله (صلی الله علیه واله) الحق والحال أنْ قتل ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه واله) وريحانته في رأمهم لا يُخرج الإنسان عن إسلامه وأنّه ليس بكافرء وأن ذلك ليس بكفر. بل غاية ما في الأمر أنه معصية!!! فكيف صار الشيعة الرافضة كمّرةً فجّرة» ويزيدٌ مسلا مؤمناً يحسَن به الظن؟!! وهل صار اللعن أشدّ من القتل ؟!! وما يضحِك الثكلى قوله في عدم وجوب لعن إبليس! فبالله أي دِينٍ هذا الذي لا يُوجب لعن إبليس» ويستحبٌ فيه الترحّم على قاتل ابن بنت النبيّ (صلی الله علیه واله)! لعنهم الله ولعن دينهم وأتباعهم إلى قيام يوم الدين.

ص: 249

ص: 250

ويظهر من المنجد أنه أراد بإلحاق فتوى الغزالي الشاذة أن يقوي هراء ابن تيمية!

ونحن نسأل صلاح المنجد:أنت حيث ذكرت أن يزيد كان من الذين تركوا في التاريخ الإسلامي آثارا عميقة..فأي أثر عمیق ترکه يزيد الرجس على ذاكرة صفحات التاريخ؟هل أن الظلم والجور والاستبداد وسحق الأحكام والآثار الإسلامية والحوادث المريرة والوقائع المؤلمة التي صدرت من قواده کانت من دون علمه وإذنه؟أوليس يزيد هو الذي أمر حاكم المدينة أن يأخذ له البيعة من الحسين بن على (علیهما السلام)،أو أن يرسل له رأس الحسين (علیه السلام) مع جواب الرسالة؟(1) ثم أمر ابن زیاد

ص: 251


1- روى الصدوق رحمة الله بإسناده عن عبد الله بن منصور قال:سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (علیهما السلام) ، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله(صلی الله علیه واله).فقال:«حدثني أبي،عن أبيه قال:...فلما هلك معاوية وتولى الأمر بعده یزید لعنه الله،بعث عامله على مدينة رسول الله(صلی الله علیه واله)، وهو عمه عتبة ابن أبي سفيان،فقدم المدينة،وعليها مروان بن الحكم وكان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد،فهرب مروا فلم يقدر عليه،وبعث عتبة إلى الحسين بن علي (علیهما السلام)،فقال:إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له.فقال الحسين(علیه السلام):يا عتبة، قد علمت أنا أهل بيت الكرامة،ومعدن الرسالة،وأعلام الحق الذي أودعه الله عز وجل قلوبنا وأنطق به الستنا،فنطقت بإذن الله عز وجل،ولقد سمع جدي رسول الله (صلی الله علیه واله) يقول:إن الخلافة محرمة على ولد ابي سفيان.وكيف أبايع اهلبيت قد قال فيهم رسول الله (صلی الله علیه واله) هذا؟!فلا سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب:بسم الله الرحمن الرحيم،إلى عبد الله يزيد امير المؤمنين،من عتبة بن أبي سفيان،أما بعد،فإن الحسين بن علي ليس يری لك خلافة ولا بيعة،فرأيك في امره، والسلام.فلا ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة:أما بعد،فإذا أتاك كتابي هذا فعل علي بجوابه،وبين لي في كتابك كل من في طاعتي او خرج عنها،وليكن مع الجواب را الحسين بن علي.فبلغ ذلك الحسين(علیه السلام)،فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق...»(أمالي الصدوق:215-المجلس30/ح239)

بذلك أيضا(1)،والتواریخ تشهد على هذه الحقائق.إن سيرة الظلمة السفاحين في كل وقتي هي قائمة على أنهم يعطون الأوامر المباشرة بقتل الأبرياء والضعفاء،ثم يظهرون عدم علمهم بذلك،ويرمون بالذنب على قوادهم، والحال أنهم هم من أصدروا الأمر بتفاصيل الظلم والجور والقتل والسفك الذي وقع.

وهل ينفع إنكار ابن تيمية الوقح-وهو الذي لم يأت لنا التاريخ بأوقح منه-السبي أهل بيت سيد الشهداء إلى الشام،وحمل رأسه إلى يزيد،ونكته بالقضيب على ثناياه؟كما جاء في نفس الرسالة التي نشرها الدكتور المذكور(2)،فقد أنكر فيها

ص: 252


1- قال الشیخ المفید(الارشاد65:2):فكتب إليه يزيد: أمّا بعد، فإنّك لم تعد أنْ كنتَ كما أُحبّ، عملتَ عمل الحازم وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، وقد أغنيتَ وكفيتَ، وصدّقتَ ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوتُ رسولَيك فسألتُهما وناجيتُهما، فوجدتُهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً. وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترسْ واحبسْ على الظنّة واقتُلْ على التهمة، واكتب إليّ فيما يحدث من خبرٍ إن شاء الله تعالى. و مثله فی : تاريخ الطبری(285:4) وقال ابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب 3: 245):وکتب: قد بلغَني أنّ الحسين قد عزم إلى المسير إلى العراق، فضَعِ المراصد، واحبِسْ على الظنّ واقتُلْ على التهمة، حتّى تُكفى أمره. وقال ابن نما في (مثير الأحزان: 29):و كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد اللّه بن زياد: قد بلغني أنّ حسينا قد سار إلى الكوفة، و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به من بين العمّال، و عندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبّد العبيد.
2- سؤالٌ في يزيد بن معاوية: 17 قال فيه:...و مع هذا فيزيد لم يأمر بقتل الحسين، و لا حمل رأسه بين يديه، و لا نكث بالقضيب على ثناياه، بل الذي جرى هذا منه هو عبيد اللّه بن زياد، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، و لا طيف برأسه في الدنيا و لا سبي أحد من أهل الحسين.

ابن تيمية هذه المسلمات التاريخية،والدكتور المنجد لم يعلق على كلامه بحرفي ولا بكلمة في هامش،ويظهر منه موافقته لهذا الهذيان والأكذوبات،وإنكار الواضحات،وإلا لما قام بنشر هذا الهراء!(1)

أكان يزيد غير عالم بما جرى في كربلاء وما حل فيها من الفواجع العظيمة على يد ابن زیاد،ذاك الذي ولاه على العراقين(الكوفة والبصرة)بإشارة سرجون بن منصور الرومي عليه،ليدفع عنه سيد الشهداء (علیه السلام) أو يأخذ منه البيعة ليزيد؟!(2)

وهل كان غير مطلع على ما جرى في مدينة رسول الله (صلی الله علیه واله) من استباحتها في واقعة الحرة،وما جرى من الجرائم التي يندى جبين القكم أن يذكرها؟!(3)

ص: 253


1- أقول:وهو إلى العواء أقرب منه إلى الهراء،وإن جلت الكلاب والبهائم عن أمثال هؤلاء!
2- أنظر:الإرشاد2: 41،الفتوح5: 36،تاريخ الطبري4: 295،تجارب الأمم2: 41،الكامل في التاريخ:22،تهذيب الكمال6: 23/الرقم1323،وغيرها من المصادر
3- وقعة الخرّة: حدنّت في أيّام يزيد بن معاوية سنة “63 ه وكان أمير الجيش فيها مسلم بن عقبة وسمّوه لقبيح أفعاله مُسرفاء حيث قدم المدينة ونزل الحرّة فخرج أهل المدينة لمحاريته فكسرهم. وقتل فيها الآلاف المؤلّفة من الأنصار ومن قريش والموالي» ودخل جنذه المدينة فاستباحوهاء ونهبوا الأموال وسبوا الذْرّيّة واغتصبوا الفروج» حتّى ذكر جماعةٌ من أصحاب التواريخ أنّه ولد منهم في تلك المدّة أربعة آلاف مولود لا يعرّف لهم أباء» وأحضروا أعيان المدينة والناس لبايعة يزيد بن معاوية على أّهم خِوَلٌ له وأئّهم عبيدٌ قِنَّ يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء؛ فمّن امتنع من ذلك قتلّه (أنظر: مروج الذهب 69:3والكامل في التاريخ 4: 1112 وبحار الأنوار 93:38 وغيرها من المصادر والتواريخ).

وهل يصدق أنه لم يعلم بهدم الكعبة المباركة وهتك حرمة بيت الله الحرام،ولم يكن هو الأمر بذلك؟!(1)

(2)

ص: 254


1- قال المفيد رحمة الله:صفر:...وفي الثالث منه سنة أربع وستين من الهجرة،أحرق مسلم بن عقبة ثياب الكعبة،ورمي حيطانها بالنيران فتصدعت،وكان عبد الله بن الزبير متحصنة بها،وابن عقبة يومئذ يحاربه من قبل یزید بن معاوية بن أبي سفيان(مسار الشيعة:46).وفي(تجارب الأمم 2: 90-موت مسلم بن عقبة ورمي الكعبة وإحراقها وابن الزبير محاض فيها):ولا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول،نصبوا المجانيق على البيت،ورموه بالحجارة والنار،وأخذوا يرتجزون ويقولون: خطارة مثل الفنية المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد واحترقت الكعبة،وتصدع منها ثلاثة أمكنة،واحترق ما كان فيها من خشب وما عليها من كسوة.وفي(بحار الأنوار38: 193-الباب63/خ2-عن:الطرائف):...وأتبع يزيد ذلك في وصيته لمسلم بن عقبة بإنفاذ الحصين بن مير السكوني لقتال عبد الله بن الزبير بمكة،فرمی الكعبة بخرق الحيض والحجارة،وهتك حرمة حرم الله تعالى وحرم رسوله(صلی الله علیه واله)،وتجاهر بالفساد في العباد والبلاد
2- أقول: وهكذا أركس الله أهلٍ المدينة ومكّة بِذّهُم وأذاقهم البأس والبلوى؛ إذ لم ينصروا الحسين (علیه السلام) وقد خرج من بينهم ريحانة رسول الله(صلی الله علیه واله) وسبطه خائفاً مترقباً لا مأوىّ له فيأوي إليه ويستجيرء ولا ناصر له يستنصره ولا صريخ يستصرخه! فقد عن الفرزدق الشاعر أنّه قال : حججت باُمّي سنة ستّين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن عليّ عليهما السلام خارجاً من الحرم معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار؟ فقيل. للحسين بن عليّ ، فأتيته فسلّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبّ يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمّي ما أعجلك عن الحجّ؟ قال : «لو لم أعجل لأخذت »(الإورشاد 2: 117 عنه: بحار الأنوار 354:44 وانظر: تاريخ الطبري 4:). وعن اهذلی أنْ الفرزدق قال: لقيتٌ حسيناء فقلت: بأبي أنت لو أقمتّ حتّى يصدر الناس لرجوت أن يتقصّف أهل الموسم معك. فقال: «لم آمَنْهِم يا أبا فراس»! ... (ترجمة الإمام الحسین (علیه السلام) من الطبقات الکبیر لابن سعد :287خ/63) فکان خروج سيّد شباب أهل الجئّة (علیه السلام) في ظِل هذه الظروفء. لم يأمن على نفسه وعياله من القتل في بلد الله الآمن وشهره الحرام ومن بين جموع المسلمين!

إذن،فأي صفة حميدة كانت ليزيد،ليذكرها لنا أتباع المسلك الوهابي؟!وهل ذکر لنا التاريخ عنه غير لعبه بالقمار،وشربه الخمور، والفسوق والمجون،ولعبه بالقرود،ورقصه بعد السكر، حتى جيء في وصفه:يزيد الخمور والقرود والفهود؟!وهل كان له من المحامد غیر سفاحه بالمحارم؟!!ومن شاء أن ينظر في أحوال يزيد فليرجع إلى كتب العامة أنفسهم،ليرى ما

دونوه فيها من جنایاته وأوصافه القبيحة وحالاته الخبيثة،فإني أنه هذه الصفحات عن المزيد عما ذكرت.

ويكفي هنا في الرد على ابن تيمية والغزالي أن أورد کلیات سبط ابن الجوزي في (تذکرة الخواص)ولا حاجة لإيراد أقوال غيره من أعلام الشيعة والعامة.

قال في(التذكرة):

ذکر جدي أبو الفرج في كتاب(الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم

ص: 255

یزید)وقال:سألني سائل فقال:ما تقول في يزيد بن معاوية؟فقلت له:

يكفيه ما به.فقال:أتجوز لعنه؟فقلت:قد أجاز العلماء الورعون،منهم:أحمد بن حنبل،فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة.قال جدي:وأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي،أنبأنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر،أنبأنا أحمد بن محمد بن الحلال،حدثنا محمد بن علي،عن مهنا بن يحيى قال:سأل أحمد بن حنبل عن یزید بن معاوية،فقال:هو الذي فعل ما فعل.قلت:ما فعل؟قال:نهب المدينة.قلت:فنذكر عنه الحديث؟قال:لا،ولا غرامة[خ ل:ولا كرامة]،لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه الحديث!وحكي جدي أبو الفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه(المعتمد في الأصول)،بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال:قل لأبي:إن قوم ينسبوننا إلى توالي يزيد!فقال:يا بني،وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟!(1) فقلت:فلم لا تلعنه؟فقال:وما رأيتني لعن شيئا يا بني،

ص: 256


1- وهنا نسأل الدكتور صلاح الدين المنجد:هل ابن تیمیه الحرانی مؤمن بالله؟ و هو صاحب البدع و الاضالیل و الکفریات و الاباطیل و الطاعن فی دین الله. و اما الغزالی فهو صاحب الخرافات و الخزعبلات و کتابه احیاءالعلوم مشحونه منها و لا غرابه من فتواه علی عدم جواز لعن یزید و هو القائل لا خطر فی السکوت عن لعن ابلیس، قال فی کتابه الاحیاء: کان بعض الشیوخ فی بدایه ارادته یکسل عن القیام فألزم نفسه القیام علی رأسه طول اللیل لتسمح نفسه بالقیام عن طوع. انظر الی نقل امثال ذلک فی کتاب تلبیس ابلیس للعلامه ابن الجوزی و قد نقل فیه عن الغزالی نظائر هذه الاباطیل و قد أتی بها فی مقام التعلیم. و لا عجب من ابن تیمیه و الغزالی فانهما من اهل القرون السالفه، بل العجب من الدکتور المنجد فانه من ابناء هذا العصر یسمونه عصر الذره و النور و الفضاء کیف یدعی: ان اهل السنه (یعنی اتباع ابن تیمیه) ذکروا محامد یزید! الرجاء من الدکتور أن یذکر نزرا یسیرا من تلک المحامد و لا بدله ان یقول: انه شاعر فنقول: أی فضیله للشاعر الکافر.- منه رحمة الله

لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟فقلت:وأين لعن الله يزيد في كتابه؟فقال:في قوله تعالى:«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ -أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)»(1) ،فهل يكون فساد أعظم من القتل[خ ل:من قتل الحسين (علیه السلام)]؟! وفي رواية:لما سأله صالح،فقال:يا بني،ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه وذكره؟قال جدي:وصف القاضي أبو يعلى كتابة ذكر فيه بيان من يستحق اللعن،وذكر منهم يزيد،وقال في الكتاب المذكور:الممتنع من جواز العن يزيد إما أن يكون غير عالم بذلك،أو منافق يريد أن يوهم بذلك،وربما استفز[خ ل:استغر]الجهال بقوله(علیه السلام):«المؤمن لا يكون لقانا» .قال القاضي:وهذا محمول على من لا يستحق اللعن،فإن قيل:فقول تعالی «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» (2)نزلت في منافقي

ص: 257


1- سورة محمد(صلی الله علیه واله):22و23
2- سورة محمد(صلی الله علیه واله):22

اليهود،فقد أجاب جدي عن هذا في(الرد على المتعصب)وقال[في](1) الجواب:إن الذي نقل هذا مقاتل بن سلیمان،ذكره في تفسيره،وقد أجمع عامة المحدثين على كذبه،كالبخاري ووكيع والساجي والسدي والرازيوالنسائي وغيرهم،وقال:فسرها أحمد بأنها في المسلمين، فكيف يقبل قول أحمد أنها نزلت في المنافقين؟فإن قيل:فقد قال النبي(صلی الله علیه واله):«أول جيشي يغزو القسطنطينية مغفور له»،ويزيد أول من غزاها،قلنا:فقد قال النبي(صلی الله علیه واله):«لعن الله من أخاف مدينتي»،والآخر ينسخ الأول!قال أحمد في(المسند):حدثنا أنس بن عياض،حدثني يزيد بن حفصة،عن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة،عن عطاء بن يسار،عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أخاف أهل المدينة ظلية أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عد».وقال البخاري:حدثنا حسين بن حریث،أنبأنا أبو الفضل،عن جعيدة،عن عائشة قالت:سمعت سعدة يقول:سمعت رسول الله (صلی الله علیه واله)يقول:

لا يكيد أهل المدينة إلا انهاع(2) ،کما یماع الملح في الماء».

ص: 258


1- أضفناها لتستقيم العبارة
2- أي:ذاب-منه رحمة الله

وأخرجه مسلم أيضا بمعناه،وفيه:«لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص».

[وأما قوله(علیه السلام):«أول جيش يغزو القسطنطينية»،فإنما عنى أبا أيوب الأنصاري،لأنه كان فيهم](1) .

ولا خلاف أن يزيد أخاف أهل المدينة،وسبي أهلها،ونهبها وأباحها،وسمى:وقعة الحرة، وسببه ما رواه الواقدي وابن إسحاق وهشام بن محمد أن جماعة من أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة اثنتين وستين بعدما قتل الحسين،فرأوه يشرب الخمر ويلعب بالطنابير والكلاب،فلا عادوا إلى المدينة أظهروا به،وخلعوه وطردوا عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان،وقالوا:قدمنا من عند رجل لا دين له،يسكر ويدع الصلاة.وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل لغسيل الملائكة،وكان حنظلة يقول:يا قوم،والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن رمي بالحجارة من السماء،رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات،ويشرب الخمر،ويدع الصلاة، ويقتل أولاد النبيين والله لو يكون عندي أحد من الناس لأبلى الله فيه بلاء حسنا.فبلغ الخبر إلى يزيد،فبعث إليهم مسلم بن عقبة المري في جيش كثيف من أهل الشام،فأباحها ثلاثا، وقتل ابن الغسيل والأشراف،وأقام ثلاثا ينهب الأموال ويهتك الحريم.

ص: 259


1- ما بين المعكوفتين غير موجود في المصدر من الطبعة المتوفرة لدينا

قال ابن سعد:وكان مروان بن الحكم يحرض مسلم بن عقبة على أهل المدينة،فبلغ يزيد فشکر مروان وقربه وأدناه ووصله.وذكر المدايني في كتاب(الحرة)عن الزهري قال:کان القتلى يوم الحرة سبعمئة من وجوه الناس،من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف،وخاض الناس في الدماء،حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله(صلی الله علیه واله)،وامتلأت الروضة والمسجد.قال مجاهد:التجأ الناس إلى حجرة رسول الله ومنبره،والسيف يعمل فيهم.وكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة،وكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر،ما أمهله الله،بل أخذه أخذ القرى وهي ظالمة،وظهرت فيه الآثار النبوية والإشارات المحمدية.وذكر أبو الحسن المدايني،عن أم الهيثم بنت یزید قالت:رأيت امرأة من قریش تطوف بالبيت،فعرض لها أسود،فعانقته وقبلته، فقلت لها:ما هذا من؟!قالت:هذا ابني من يوم الحرة،وقع علي أبوه فولده.وذكر أيضا المدايني،عن أبي قرة قال:قال هشام بن حسان:ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج. وغير المدايني يقول:عشرة آلاف امرأة.وقال الشعبي:أليس قد رضي يزيد بذلك وأمر به، وشکر مروان بن الحكم على فعله؟ثم سار مسلم بن عقبة من المدينة إلى مكة،فيات في الطريق،فأوصى إلى

ص: 260

الحصين بن مير فضرب الكعبة بالمجانيق وهدمها وأحرقها، وجاء نعي یزید لعنه الله في ربيع. وقال جدي: ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر، وحمل الرؤوس إليه، وإنما العجب من خذلان یزید (1) وضربه بالقضيب ثناياه، وحمل آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال، وعزيه على أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها، وإنشاه أبيات ابن البغري: (ليت أشياخي ببدر شهدوا ...)، ... أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون؟! وكذا قول يزيد: لي أن أسبيكم! لا طلب الرجل فاطمة بنت الحسين، قولا يقنع لقائله وفاعله باللعنة، ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغاث بدرية، لاحترم الرأس لما وصل إليه ولم يضربه بالقضيب، وكفنه ودفنه، وأحسن إلى آل رسول الله (2)

ص: 261


1- فإنه يدعي الخلافة الإسلامية، وأنه من أولي الأمر الذين أمر الله تعالى - العياذ بالله - بطاعتهم والانقياد لهم، وأنه أمير المؤمنين. فيا ذلة الإسلام من بعد عزه إذا كان والي المسلمين يزيد . منه رحمة الله
2- . لا شك أن يزيد حمل آل رسول الله (صلی الله علیه واله) إلى دمشق، وضرب الرأس المطهر بالقضيب، وهذا العمل منه ليس إلا الزندقة والإلحاد، ولم يكن في قلبه إلا الضغائن والأحقاد الجاهلية، ولذا لم يجد ابن تيمية مفرا إلا الإنكار، فأنكر حمل يزيد آل رسول الله (صلی الله علیه واله)سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وضه شفتي الإمام لا بالقضيب، وبديهي أن إنكاره ليس إلا إنكار المتواترات، وإنكار الشمس في رائعة النهار (من لا دين له لا حياء له)، فهل يمكن إنكار المتواتر؟ فإن العلم الحاصل منه ضروري! اللهم إلا ممن لا عقل ولا دين له - منه رحمة الله.

قلت: والذي يدل على هذا أنه استدعى ابن زیاد إليه، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفة عظيمة، وقرب مجلسه ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله ندیمه. وسكر ليله وقال للمغتي: غ. ثم قال يزيد بديهية:

إسقِني شربةً تروّي فؤادي

ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زيادِ

صاحبَ السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتلَ الخارجيّ، أعني حسيناً

ومبيدَ الأعداءِ والأضدادِ

وقال ابن عقیل: و ممّا يدلّ على كفره وزندقته فضلًا عن سبّه ولعنته أشعاره الّتي أفصح فيها بالإلحاد وأبان عن خبث الضّمير والاعتقاد فمنها قوله في قصيدته التي أولها: علي هاتي واعلني وترتمني

بذلك أني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدم سما بها

إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات فاسقيني على ذاك قهوة (1)

تخيرها العنسي کرما (2) شآميا

ص: 262


1- القهوة: الخمر، سمیت قهوة لأنها تقهي الإنسان، أي: تشبعه وتذهب بشهوة الطعام (العين: قهو).
2- الكرم: شجرة العنب، واحدتها گزمة (لسان العرب: کرم).

اذا ما نظرنا في أمور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا

و ان مت يا أم الاحيمر فانكحي

و لا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فان الذي حدثت عن يوم بعثنا

أحاديث طسم(1) تجعل القلب ساهيا

و لا بد لي من أن أزور محمدا

بمشمولة صفراء تروي عظاميا

قلت: ومنها قوله:

ولو لم يمس الأرض فاضل بردها

لما كان عندي مسحة في التيمم

ومنها: (لا بدت تلك الحمول وأشرقت ...)، وقد ذكرناها.

ومنها: قوله:

يا معشر الندمان قوموا

و اسمعوا صوت الاغانى

و اشربوا كاس مدام (2)

و اتركوا ذكر المعانى

شغلتنى نغمة العي

دا ن عن صوت الاذان

و تعوضت عن الحو

ر عجوزا فى الدنان(3)

ص: 263


1- طسم الشيء طسوما، أي: درس، قال: أحاديث طسم إنما أنت حالم (العين: طسم).
2- المدام والهدامة: الخمر، شميت به لأنه ليس من الشراب شيء يستطاع إدامة شربه غيرها، وقيل: الإدامتها في الت زمانة حتى سكنت بعدما فارت، وقيل: شميت مدامة إذا كانت لا ترف من کثرتها، فهي مدام ومدام، وقیل: شمیت مدام إعتقها (انظر: العين، لسان العرب: دوم).
3- الدن: ما عظم من الرواقيد، وهو كهيئة الجب، إلا أنه أطول مستوي الصنعة في أسفله كهيئة قوس البيضة، والجمع: الدنان، وهي الجباب، وقيل: الا أصغر من الحب، له غ س، فلا يقعد إلا أن يحفر له (لسان العرب: دنن).

إلى غير ذلك مما نقلته من دیوانه، ولهذا تطرق إلى هذه الأمة العار بولايته عليها، حتى قال أبو العلاء المعري يشير بالنار إليها: أرى الأيام تفعل كل كي فما أنا في العجائب مستزيد أليس قریش کم قتلت حسينا وكان على خلافتکم یزید؟! قلت: ولا لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء، قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدي: « أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)»(1). وحكي لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة سألوا جدي عن يزيد، فقال: ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين: في السنة الأولى قتل الحسين، في الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمي الكعبة بالمجانيق وهدمها؟ فقالوا: نلعن. فقال: فالعنوه. وقال جدي في كتاب (الرد على المتعصب العنيد): قد جاء في الحديث الغ من فعل ما لا يقارب عشر معشار فعل یزید. وذكر الأحاديث التي ذكرها البخاري ومسلم في الصحيحين، مثل: حديث ابن مسعود عن النبي (صلی الله علیه واله)أنه لعن الواشمات والمتوشات، وحديث ابن عمر: لعن الله الواشمة والمتوشمة، ولعن الله المصورين، وحديث جابر: لعن رسول الله (صلی الله علیه واله) آكل الربا وموكله - الحديث، وحديث ابن عمر في (مسند

ص: 264


1- سورة هود: 95.

احمد): لعنت الخمر على عشرة وجوه - الحديث، وأورد أخبارا كثيرة في هذا الباب، وهذه الأشياء دون فعل يزيد في قتله الحسين وإخوته وأهله، ونهب المدينة، وهدم الكعبة وضربها بالمجانيق، وأشعاره الدالة على فساد عقيدته، ومن رام الزيادة على هذا فليقف على كتابه المسمى ب (الرد على المتعصب العنيد) (1)

إنتهى ما ذكره سبط ابن الجوزي في (التذكرة).

توفي السبط سنة 654 ه بدمشق، ودفن في جبل قاسيون، وكان من أكابر المؤرخين وأفاضلهم ومن أعاظم علماء العامة.

وكان جده ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد البكري الحنبلي ثم الحنفي] من أكابر علماء أهل السنة، محققة في علوم جمة، كان له يد طولى في التفسير والحديث وصناعة الوعظ وفي كل العلوم، وكان لا يراعي أحدة في ذكر نقائصه ومطاعنه، وقد طعن في كتابه (تلبيس إبليس) على الغزالي في مشيه على طريق الصوفية، وذكره في (الإحياء) ما لا ينبغي للعالم ذكره من الحكايات التي هي من الأساطير والخرافات، وذكر في مؤلفاته الأحاديث الموضوعة.

وجمع ابن الجوزي أغلاط كتاب (الإحياء) في مجموعة، وساها: (إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء)، وذكر أيضا في عبد القادر الجيلاني الصوفي ما يضع من مرتبته عند العامة، ولذلك حبته السلطة الغاشمة خمس سنين، وكذلك تفعل في كل زمان.

ص: 265


1- تذکرة الخواص: 287 - 292 - فصل في يزيد بن معاوية.

ولابن الجوزي مصنفات كثيرة، منها: (الرد على المتعصب العنيد المانع عن لعن یزید)، رد على عبد المغيث بن زهير الحنبلي، حيث صنف كتابا في ادعاء فضائل یزید بن معاوية.

وفي ابن الجوزي ببغداد في 12 من شهر رمضان سنة 597 ه.

وله أشعار في مراثي الحسين (علیه السلام) (1).

والجدير بالذكر هنا نقل کتاب عبد الله بن عباس إلى يزيد في جواب کتابه إليه، يظهر منه أن يزيد أمر بقتل الإمام (علیه السلام) عداوة منه لله ولرسوله ولأهل بيته، ولا شك أن من هو عدو الله ورسوله فهو كافر ملعون.

ص: 266


1- نسب إليه ابن شهر آشوب أبياتا، قال: قال أبو الفرج ابن الجوزي: أحُسيَنُ والمبعوثُ جدُّك بالهدى قسماً يكونُ الحقُ عنه مُسائِلي لو كنت شاهدَ كربلا لبذلتُ في تنفيسِ كربِكَ جهدَ بذلِ الباذلِ وسقيتُ حدَّ السيفِ من أعدائكم علَلاً وحدَّ السمهريّ الذابلِ لكنّني أُخِّرت عنكَ لشقوَتي فبلابِلي بين الغَريِّ وبابِلِ هبني حُرِمتُ النصرَ من أعدائِكم فأقلّ من حزنٍ ودمعٍ سائلِ مناقب آل ابي طالب 3: 271 - عنه: بحار الأنوار 256:45). إلا أن سبطه في (تذکرة الخواص: 272) قال: وأنشدنا أبو عبد الله محمد بن البنديجي البغدادي، قال: أنشدنا بعض مشايخنا أن ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء، فجلس يبكي على الحسين وأهله، وقال بديها: (أحسين، والمبعوث جدك بالهدی ...). ثم ذكر الأبيات.

قال شمس الدين سبط ابن الجوزي في (التذكرة):

ذكر الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم، قالوا: لما قتل الحسين(علیه السلام) ، بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عباس اليبايعه، وقال: أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر، وقد علمت سيرتي وسيرته، وسوابق أبي الزبير مع رسول الله وسوابق معاوية. فامتنع ابن عباس، وقال: الفتنة قائمة، وباب الدماء مفتوح، وما لي ولهذا؟ إنما أنا رجل من المسلمين.

فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فكتب إلى ابن عباس: سلام عليك، أما بعد فقد بلغني أن الملحد في حرم الله دعاك لتبايعه، فأبيت عليه وفاء منك لنا، فانظر من بحضرتك من أهل البيت ومن يرد عليك من البلاد، فأعلمهم محسن رأيك فينا وفي ابن الزبير، وأن ابن الزبير إنها دعاك الطاعته والدخول في بيعته لتكون له على الباطل ظهيرة وفي المأثم شريكا، وقد اعتصمت في بيعتنا طاعة منك لنا ولما تعرف من حقنا، فجزاك الله من ذي رحم خير ما جازی به الواصلين أرحامهم الموفين بعهودهم، فما أن من الأشياء ما أنا بناسي برك وتعجيل صلتك بالذي أنت أهله، فانظر من يطلع عليك من الآفاق فحذرهم زخارف ابن الزبير، وجنبهم القلقة لسانه، فإنهم منك أسمع، ولك أطوع، والسلام. فكتب إليه ابن عباس: بلغني كتابك تذكر أني ترك بيعة ابن الزبير وفاء مني لك، ولعمري ما أردت حمدك ولا ودك، تراني كنت ناسية

ص: 267

قتلك حسين وفتيان بني المطلب مضرجين بالدماء مسلوبين بالعراء، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم الضباع، حتى أتاح الله لهم قومة واروهم؟! فيا أن ما أن طردك حسينا من حرم الله وحرم رسوله، وكتابك إلى ابن مرجانة تأمره بقتله، وإني لأرجو من الله أن يأخذك عاجلا، حيث قتلت عترة نبيه محمد (صلی الله علیه واله) ورضيت بذلك. وأما قولك أنك غير ناسي بري، فاحبس أيها الإنسان بترك عتي وصلتك، فإني حابس عنك وتي، ولعمري إنك ما تؤتينا مما لنا من في قبلك إلا اليسير، وإنك لتجلس عنا منه العرض الطويل. ثم إنك سألتني أن أحق الناس على طاعتك وأن أخذهم عن ابن الزبير، فلا مرحبا ولا کرامة، تسألني نصرتك ومودتك وقد قتلت ابن عمي وأهل رسول الله مصابيح الهدى ونجوم الدجی، غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى، أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين؟ فيا زلت وراءه تخيفه حتى أشخصته إلى العراق عداوة منك لله ورسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرة، فنحن أولئك، لا آباؤك الجفاة الطغاة الكفرة الفجرة، أكباد الإبل والحمير الأجلاف، أعداء الله وأعداء رسوله، الذين قاتلوا رسول الله في كل موطن، وجدك وأبوك هم الذين ظاهروا على الله ورسوله، ولكن إن

ص: 268

سبقتني قبل أن آخذ منك ثأري في الدنيا، فقد قتل النبيون قبلي، وكفى بالله ناصرة، «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)»(1). ثم إنك تطلب مودتي، وقد علمت لا بايعتك ما فعل ذلك إلا وأنا أعلم أن ولد أبي وعمي أولى بهذا الأمر منك ومن أبيك، ولكنكم - معتدين مدعين - أخذتم ما ليس لكم بحق، وتعديتم إلى من له الحق، وإني على يقين من الله أن يعذبكم کا عذب قوم عاد و ثمود وقوم لوط وأصحاب مدین! یا یزید، وإن من أعظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام أساری مجلوبين مسلوبين، تري الناس قدرتك علينا، وأنك قد قهرتنا واستوليت على آل رسول الله، وفي ظنك أنك أخذت بثار أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي كنت تخفيه والأضغان التي تكمن في قلبك كمون النار في الزناد، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلة إلى إظهارها، فالويل لك من ديان يوم الدين، والله لئن أصبحت آمنة من جراحة يدي، فما أنت بأمن من جراحة لساني الكثکث، وأنت المفتد المثبور، ولك الأثلب، وأنت المذموم، ولا يغرنك أن ظفرت بنا اليوم، فوالله لئن لم نظفر بك اليوم لنظفر غدا بين يدي الحاكم العدل الذي لا يجور في حكمه، وسوف يأخذك سريعة أليمة، ويخرجك من الدنيا مذموما مدحورة أثي)، فيش - لا أبا لك - ما استطعت، فقد ازداد

ص: 269


1- سورة ص: 88.

عند الله ما اقترفت، والسلام على من اتبع الهدى. قال الواقدي: فلما قرأ يزيد كتابه أخذته العزة بالإثم، وهم بقتل ابن عباس، فشغله عنه أم ابن الزبير، ثم أخذه الله بعد ذلك بيسير أخذا عزيزا.

الكثکث - بكسر الكاف -: فتات الحجارة والتراب، وبفتح الكاف أيضا. والفند: ضعف الرأي. والأثلب: التراب أيضا. والثبور: الهلاك.

كل هذا في معنى الدعاء على الإنسان وذمه (1).

ومن رسالة ابن عباس هذه إلى يزيد الرجس نستحصل نکات كثيرة يجب الالتفات لها، نشير إلى بعضها:

1- إن ابن عباس صرح أن یزید کاتب ابن مرجانة وأمره بقتل سید الشهداء (علیه السلام)، إذن فإن دعوى يزيد بأن الإمام (علیه السلام) قتله ابن زیاد، ساعية بذلك أن يصرف أنظار عامة الناس عنه إلى نحو ابن زیاد ليلقي باللائمة عليه وحده، ما هو إلا کذب محض ومن ألاعيبه السياسية الماكرة.

2- لقد نسب ابن عباس صريحة قتل الإمام (علیه السلام) وأصحابه إلى يزيد الرجس، حيث قال: (وقد قتلت ابن عمي وأهل رسول الله).

3- ثم قال له: (غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى). إذن، فإن من اجتمع في كربلاء، كان رؤساؤهم من الخوارج ومن أعداء أهل البيت: كالشمر

ص: 270


1- تذکرة الخواص: 275 - ذكر الكتاب الذي كتبه یزید بن معاوية إلى ابن عباس.

وشبث بن ربعي وعمرو بن حریث وآخرين، فيكون مدعی ابن تيمية بأنهم كانوا من الشيعة وقد دعوا الحسين (علیه السلام) ووعدوه النصرة ما هو إلا افتراء وكذب محض من عدو الله ورسوله (صلی الله علیه واله)، إذ إن رؤساء الشيعة وجمع كثيرة منهم - کالمختار وسليمان بن ممد الزاعي - قد حبسهم ابن مرجانة في سجن الكوفة، ومن استطاع منهم أن يبلغ إلى الإمام (علیه السلام) - كحبیب بن مظاهر رضوان الله عليه - فقد أوصل نفسه وقتل دونه.

وأما ما يقال بأن جماعة حضروا کربلاء، وكانوا متعطشين لإراقة دم ابن رسول الله ، وكانوا من أهل الكوفة خاصة، لم يكن بينهم من أهل الشام أحد، فهو من الأكاذيب التي روجت لها دولة بني أمية وأدخلت في بعض الكتب، كما يقول المسعودي:

وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتوتي قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شامي (1).

بل إن ممن حضر في كربلاء مع عمر بن سعد وشمر وآخرين، كان الكثير منهم من أهل الشام، وما جاء في رسالة ابن عباس في رسالته: (غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى) لا يخلو من الإشارة إلى هذا المعنى، وكذا صریح ما ورد في شعر دعبل الخزاعي رحمة الله حيث يقول: (جاؤوا من الشام المشومة أهلها ...) (2).

4. لقد صرح ابن عباسي أن يزيد بعث أعوانه وأنصاره إلى مكة ليقتلوا

ص: 271


1- مروج الذهب 3: 61 - عنه: بحار الأنوار 45: 74.
2- دیوان دعبل الخزاعي: 117، بحار الأنوار 45: 289.

الإمام (علیه السلام) ، فيهتكوا حرمة حرم الله بقتله(علیه السلام) ، ولذا اضطر الحسين (علیه السلام) أن يخرج من مكة ليأمن القتل غيلة.

5 - ذكر ابن عباس أن تصرف يزيد مع الإمام (علیه السلام) كان ناشئا عن العداوة لله ولرسوله(صلی الله علیه واله) ولأهل بيت النبي (علیهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرة، ومن كان هذا حاله فلا شك في كفره.

6- لقد كتب ابن عباس صریحا أن أبا يزيد وأجداده کانوا من أعداء الله ورسوله (صلی الله علیه واله)، وأنهم لم يؤمنوا، وكانوا طغاة فكرة حاربوا رسول الله (صلی الله علیه واله)في جميع المواطن، ثم قال له: (فوالله لئن لم نظفر بك اليوم، لنظفر غدا بين يدي الحاكم العدل الذي لا يجور في حكمه، وسوف يأخذك سريعة أليا، ويخرجك من الدنيا مذمومة مدحورا أثيم)).

ألا لعنة الله على القوم الظالمين!

إذن، فيجب أن يقال: لعن الله يزيد وأتباعه، ولعن الله أولئك الذين امتنعوا وتأثموا من لعن یزید.

قال المسعودي في (مروج الذهب):

وكان يزيد صاحب طرب وجوار وكلاب وقرود وفهود، ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه عبيد الله بن زیاد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه فقال: اسقني شربة تروي مشاشي

ثم مل، فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر و الامانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي

ص: 272

ثم أمر المغنين فغنوا به. وغلب على أصحاب يزيد وعياله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنى بأبي قيس، يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان قردة خبيثة، وكان يحمله على أتاني (1) وحشية قد ژضت وللت لذلك بسرچ ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقة، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشمر، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق، وعلى الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع من الألوان، فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم:

تمسک أبا قیس بفضل عنانها

فلیس علیها ان سقطت ضمان

ألا من رای القرد الذی سبقت به

جیاد أمیر المؤمنین أتان

... ولا شمل الناس جو یزید وعماله، وعمهم ظلمه، وما ظهر من فسقه، ممن قتله ابن بنت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنصاره، وما أظهر من شرب الخمور، وسيره سيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وأنصف منه لخاضته وعامته، أخرج أهل المدينة

ص: 273


1- الأنان: الأنثى من الحمير (مجمع البحرين: أتن).

عامله عليهم، وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وسائر بني أمية، وذلك عند تنك ابن الزبير وتألهه وإظهار الدعوة لنفسه، وذلك في سنة ثلاث وستين ... فسير إليهم بالجيوش من أهل الشام، عليهم مسلم بن عقبة المري، الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها، وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد، وستاها: نتنة، وقد ساها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: طيبة، وقال: «من أخاف المدينة أخافه الله»، فشمي مسلم هذا لعنه الله ب: مجرم ومسرف؛ لما كان من فعله (1).

إلى آخر ما صدر من يزيد من جنایات رواها المسعودي وغيره من المؤرخين بالتفصيل، والتي يكون بكل واحدة منها مستحقا للعن والعذاب.

ص: 274


1- مروج الذهب 67:3 - فسوق يزيد وعاله.

مصادر التحقيق

1. آثار أحمدي: أحمد بن تاج الدين الإسترآبادي (من أعلام القرن العاشر الهجري)، إنتشارات: قبلة، الطبعة: الأولى - 1374 ش.

2.الآثار الباقية عن القرون الخالية: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 1048 م)، طبعة قديمة جدا يظهر منها أنها مطبوعة في ألمانيا - لايبزيغ، سنة 1878 م.

3. إبصار العين في أنصار الحسين (علیه السلام): الشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت 1370 ه)، بتحقيق: محمد جعفر الطبسي، الناشر: مركز الدراسات الإسلامية لحرس الثورة، الطبعة: الأولى - 1619 ه.

4. الأبواب (رجال الطوسي): أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه)، بتحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأولى - 1415 ه. ..

5. الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 548 ه)، الناشر: دار النعمان - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1386 ه.

ص: 275

6.إختيار معرفة الرجال (رجال الكتي): أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، بتحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المقدسة، سنة الطبع: 1404ه.

7.أدب الطف، أو: شعراء الحسين (علیه السلام): السيد جواد شبر، الناشر: دار المرتضى -بیروت، سنة الطبع:1409 ه.

8.الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، بتحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الناشر: دار المفيد - بيروت، الطبعة: الثانية -1414 ه.

9.الأعلام: خير الدين الزركلي (ت 1610 ه)، الناشر: دار العلم للملايين -بیروت، الطبعة: الخامسة - 1980 م.

10. إعلام الوری باعلام الهدى: الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ها)، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)لإحياء التراث - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1617 ه.

11. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت 1371 ه)، تحقیق وتخریج: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت، سنة الطبع: 1903 ه. 12. إقبال الأعمال: السيد رضي الدين علي بن موسی بن جعفر بن طاووس(ت 664 ه)، بتحقيق: جواد القومي الأصفهاني، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1416 ه.

ص: 276

13. الأمالي: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي الصدوق (ت 381 ه)، الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1408 ه 14. أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه)، بتحقيق:محمد باقر المحمودي، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت، الطبعة: الأولى - 1397 ه.

15. الأنوار النعمانية: السيد نعمة الله الجزائري (ت 1112 ه)، منشورات: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت، الطبعة: الأولى - 1931 ه.

16. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه)، الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت، الطبعة: الثانية - 1903 ه.

17. البداية والنهاية: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه)، بتحقيق وتدقیق وتعلیق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1908 ه

18. بشارة المصطفی صلى الله عليه وسلم الشيعة المرتضى (علیه السلام): عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري (ت نحو 520 ه)، بتحقيق: جواد القومي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأولى - 1420 ه.

19. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد(علیهم السلام): أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصقار (ت 290 ه)، منشورات: الأعلمي - طهران، سنة الطبع:

ص: 277

1404 ه.

20. البلد الأمين والدرع الحصين: إبراهيم الكفعمي (ت 905 ه)، الناشر: مكتبة الصدوق - طهران، سنة الطبع: 1383 ش / 2004م.

21. تاريخ الأئمة (علیهم السلام) : أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثلج الكاتب البغدادي (ت 325 ه)، الناشر: مكتبة السيد المرعشى النجفي - قم المقدسة، سنة الطبع: 1406 ه.

22. تاريخ بغداد، أو: مدينة السلام: أبو بكر أحمد بن علي، المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى - 1417 ه.

23. تاريخ الطبري (تاریخ الأمم والملوك): أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 ه)، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت، الطبعة: الرابعة - 1403 ه.

24. تاريخ مدينة دمشق: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي،المعروف بابن عساکر (ت 571 ه)، بتحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر -بیروت، سنة الطبع: 1415 ه 25. تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح، الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي (ت 284 ه)، الناشر: دار صادر - بيروت.

26. تجارب الأمم: أبو علي أحمد بن محمد بيسکويه الرازي (ت 421 ه)، بتحقيق وتقديم: أبي القاسم إمامي، الناشر: دار سروش - طهران، الطبعة: الثانية -

ص: 278

1422ه.

27. تجارب السلف: هندوشاه بن سنجر بن عبد الله الصاحبي النخجواني (كان حيا سنة 730 ه)، بتصحيح و اهتمام و نشر: عباس إقبال، المطبعة: فردین -طهران، سنة الطبع: 1313 ش. 28. تحرير الأحكام: جمال الدين أبو منصور الحسين بن يوسف بن المطهر، المعروف بالعلامة الحلي (ت 726 ه)، بتحقيق: إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1920 ه.

29. تذكرة الخواص: يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي، المعروف بسبط ابن الجوزي (ت 654 ه)، بتقديم: محمد صادق بحر العلوم، إصدار: مكتبة نينوى الحديثة - طهران.

30. ترجمة الإمام الحسين (علیه السلام) ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب (الطبقات الكبير): محمد بن سعد بن منيع الزهري (ت 230 ه)، بتحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1415 ه.

31. تظلم الزهراء (علیها السلام) من إهراق دماء آل العباءة السيد رضي بن نبي القزويني (ت 1126 ه)، منشورات: الشريف الرضي - قم المقدسة، الطبعة: الثالثة - 1405 ه.

32. تفسير الإمام العسكري(علیه السلام) : الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري علي ش 290 ه)، نشر وتحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

ص: 279

- قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1409 ه.

33. تقويم الشيعة: عبد الحسين النيشابوري (معاصر)، الناشر: دليل ما - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1428 ه.

34. تقويم المحسنين واحسن التقويم في معرفة الساعات والأيام والأسبوع والشهور والسنين: محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه)، نسخة حجرية متوفرة في مكتبة الروضة الرضوية المقدسة في مشهد المقدسة، برقم: 444 20.

35. تلخيص المحصل، المعروف ب: نقد المحصل: الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 172 ه)، الناشر: دار الأضواء - بيروت، الطبعة: الثانية -1405 ه.

36. تنقیح المقال في علم الرجال: الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1301 ه)، بتحقيق واستدراك: الشيخ محيي الدين المامقاني، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المقدسة، الطبعة: الأولى - 1930 ه.

37. تهذيب الأحكام: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، الطبعة: الرابعة - 1395 ش / 1986 م.

38. تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي (ت 762 ه)، بتحقيق وضبط وتعليق: بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الرابعة - 1913 ه.

39. توضیح المقاصد: الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي (ت 1030 ه)، الناشر: مكتب المرعشي النجفي - قم المقدسة، سنة الطبع: 1406 ه

ص: 280

40.جلاء العيون:العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي(ت1111ه)،بتحقيق:علي إماميان،إنتشارات:سرور-قم المقدسة،الطبعة:الثالثة عشر-1387ش/2008م.

41.جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام:الشيخ محمد حسن النجفي(ت1266ها)،بتحقيق وتعليق:عباس القوچاني،الناشر:دار الكتب الإسلامية-طهران،الطبعة:الثالثة.

42.حاوي الأقوال في معرفة الرجال: الشيخ عبد النبي الجزائري(ت1021ه)،بتحقيق:مؤسسة الهداية لإحياء التراث،الناشر:ریاض الناصري،الطبعة: الأولى- 1418ه .

43.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة:الفقيه المحدث المحقق الشيخ يوسف البحراني(ت1186ه)،الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسین بقم المشرفة،سنة الطبع:1409ه.

44.الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية:حميد الشهيد بن أحمد بن محمد المحلي (ت652ه)،بتحقيق:المرتضی بن زید المحطوري الحسني،الناشر:مكتبة مركز بدر العلمي والثقافي-صنعاء،الطبعة:الأولى-1423 ه.

45.حياة القلوب:العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي(ت1111ه)،بتحقيق: علي إماميان،إنتشارات:سرور-قم المقدسة،الطبعة:الخامسة-1348ش/1969 م.

46.الخرائج والجرائح:قطب الدين الراوندي(ت573ه)،تحقيق ونشر:مؤسسة

ص: 281

الإمام المهدي (علیه السلام)-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1409ه.

47.خلاصة الأقوال في معرفة الرجال:أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي،المعروف بالعلامة الحلي(ت726ه)،بتحقيق:الشيخ جواد القومي،الناشر:مؤسسة نشر الفقاهة-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1417ه.

48.دائرة المعارف:المعلم بطرس البستاني(ت1883م)،الناشر:دار المعرفة- بيروت.

49.الدروس الشرعية في فقه الإمامية:شمس الدين محمد بن مكي العاملي، المعروف بالشهيد الأول(ت786ه)،تحقيق ونشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدسة،الطبعة:الأولى.

50.الدمعة الساكبة في أحوال النبي والعترة الطاهرة:محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني(ت1285ه)،منشورات:مكتبة العلوم العامة-المنامة،ومؤسسة الأعلمی للمطبوعات-بيروت،الطبعة:الأولى-1409ه.

51.دیوان دعبل الخزاعی رحمة الله : دعبل بن علی رزین (ت 246 ه )شرحه وضبطه وقدم له:ضياء حسين الأعلمي،الناشر:مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت،الطبعة:الأولى-1417ه.

52.ديوان السيد حيدر الحلي رحمة الله:السيد حيدر الحلي(ت1304ه)،قلم:علي الخاقاني.

53.ذخيرة الدارين فيما يتعلق بمصائب الحسين علیه السلام وأصحابه:عبد المجيد الحسيني

ص: 282

الحائري الشيرازي(ت1395ه)،بتحقيق:باقر درياب النجفي،الناشر:زمزم هدایت-قم المقدسة.

54.الذريعة إلى تصانيف الشيعة:العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني(ت1389ه)،الناشر:دار الأضواء-بيروت،الطبعة:الثالثة -1403ه.

55.ربيع الأبرار ونصوص الأخبار:أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت538ه)،بتحقيق: عبد الأمير مهنا،الناشر:مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت،الطبعة:الأولى-1412ه.

56.رسائل الشريف المرتضى:إعداد:السيد مهدي الرجائي،الناشر:دار القرآن الكريم-قم المقدسة،سنة الطبع:1405ه.

57.روضة الأذكار:الحاج محمد بن محمد التبريزي،نسخة خطية متوفرة في مكتبة الروضة الرضوية المقدسة في مشهد المقدسة،برقم:3150.

58.الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية:زين الدين الجبعي العاملة،المعروف بالشهيد الثاني(ت965ه)،بتحقیق و تعليق:السيد محمد کلانتر،منشورات: جامعة النجف الدينية،الطبعة:الأولى-1386ه.

59.روضة الواعظين:محمد بن الفتال النيسابوري(ت508ه)،تقديم:محمد مهدي الخرسان،الناشر:الشريف الرضي-قم المقدسة.

60.زاد المعاد:العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي(ت1111ه)،تعریب و تعليق: علاء الدين الأعلمي،منشورات:مؤسسة الأعلمی للمطبوعات-بيروت،الطبعة:الأولى-1434ه.

ص: 283

61.سؤال في يزيد بن معاوية:أحمد بن عبد الحليم بن تيمية(ت728ه)،بتحقيق:صلاح الدين المنجد،الناشر:دار الكتاب الجديد-بيروت،الطبعة:الثالثة-1396ه.

62.سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار:المحدث الشيخ عباس القمي(ت1359ه)،بتحقيق ونشر:مجمع البحوث الإسلامية-مشهد المقدسة،الطبعة:الثالثة۔1430ه.

63.سيرة الأئمة الاثني عشر(علیهم السلام):هاشم معروف الحسني(ت1403ه)،الناشر: دار التعارف للمطبوعات-بيروت،سنة الطبع:1411ه.

64.السيدة زينب وأخبار الزينبات:العبيدلي النابة(ت277ه)،بتقديم:حسن محمد قاسم،الطبعة:الثانية-1353ه/1934م.

65.شذرات الذهب في أخبار من ذهب:أبو الفلاح عبد الحي بن عماد الحنبلي (ت1081ه)،الناشر:دار إحياء التراث العربي-بيروت.

66.شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار:القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي(ت363ه)،بتحقيق:السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

67.شرح أصول الكافي:المولى محمد صالح المازندراني(ت1081 ه)،الناشر:دار إحياء التراث العربي-بيروت،الطبعة:الأولى-1421ه.

68.صبحالأعشى في صناعة الإنشا:أحمد بن علي القلقشندي(ت821ه)، شرحه وعلق عليه وقابل نصوصه:محمد حسين شمس الدين،الناشر:دار

ص: 284

الكتب العلمية-بيروت.

69.عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات:زکریا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني(ت682ه)،الناشر:مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بیروت،الطبعة:الأولى-1431ه.

70.عمدة الزائر:السيد حيدر الحسني الكاظمي(ت1265ه)،بتحقيق:جعفرالبياتي،الناشر: مؤسسة الرافد للطباعة والنشر-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1430ه.

71.عيون أخبار الرضا(علیه السلام):أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابویه القمي الصدوق(ت381ه)،الناشر:مؤسسة الأعلمی للمطبوعات-بیروت،سنة الطبع:1404ه. 72.الغدير في الكتاب والسنة والأدب:الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي(ت1397ه)، الناشر:دار الكتاب العربي-بيروت،الطبعة:الرابعة-1397ه.

73.الفتوح:أبو محمد أحمد بن اعثم الكوفي(ت نحو314ه)،بتحقيق:علي شيري،الناشر:دار الأضواء-بيروت،الطبعة:الأولى-1411ه.

74.فرق الشيعة:أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي(من أعلام القرنين الثالث والرابع الهجرين)،مطبعة:الدولة-استانبول،سنة الطبع:1931م.

75.الفصول المختارة من العيون والمحاسن:السيد الشريف المرتضى(ت436ه)، الناشر:دار المفيد-بيروت،الطبعة:الثانية 1414ه.

ص: 285

76.الفهرست:أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت460ه)،بتحقيق:جواد القومي، الناشر:مؤسسة نشر الفقاهة-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1417ه.

77.فهرست ابن النديم:أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق،المعروف بالوراق(ت438ه)،بتحقيق:رضا تجدد الحائري المازندراني.

78.فهرست أسماء مصتفي الشيعة(رجال النجاشي:أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي(ت450ه)،الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة،سنة الطبع:1416ه.

79.قرة العين في أخذ ثار الحسين(علیه السلام):أبو عبد الله عبد الله بن محمد، المطبوع مع کتاب(المختار من كتاب:نور العين في مشهد الحسين (علیه السلام))لأبي إسحاق الإسفرایني، تقديم:علي محمد علي دخيل،الناشر:دار الرسول الأكرم(صلی الله علیه واله)-بیروت،الطبعة:الأولى-1432ه.

80.القمقام الزخار والصمصام البتار:فرهاد میرزا ابن عباس میرزا ابن فتحعلي شاه القاجاري(ت1305ه)،تعریب و تحقیق:محمد شعاع فاخر، إنتشارات: المكتبة الحيدرية-قم المقدسة،سنة الطبع:1423ه.

81.قيد الشريد من أخبار یزید:شمس الدين بن طولون(ت953ه)،بتحقيق وتعليق:الدكتورة فاطمة مصطفی عامر،الناشر:دار العلوم للطباعة-القاهرة.

82.الكافي:أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي(ت329ه)، بتصحيح وتعليق:علي أكبر العقاري،الناشر:دار الكتب الإسلامية-طهران،

ص: 286

الطبعة:الثالثة-1363ش/1984م.

83.كامل البهائي:الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري،المشهور بعماد الدين الطبري(من أعلام القرن السابع الهجري)،تعریب و تحقیق:محمد شعاع فاخر،الناشر: المكتبة الحيدرية-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1426ه.

84.كامل الزيارات:أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي(ت368ه)، بتحقيق:الشيخ جواد القومي،الناشر:مؤسسة نشر الفقاهة-قم المقدسة، الطبعة:الأولى-1417ه.

85.الكامل في التاريخ:عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني،المعروف بابن الأثير(ت630ه)،الناشر:دار صادر-بيروت،سنة الطبع:1386ه.

86.کشف الغمة في معرفة الأئمة(علیهم السلام):أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي(ت693ه)،الناشر:دارالأضواء-بيروت،الطبعة:الثانية-1405ه.

87.کشف المحجة لثمرة المهجة:رضي الدين أبو القاسم علي بن موسی بن جعفر ابن محمد بن طاووس(ت664ه)،الناشر:المطبعة الحيدرية-النجف الأشرف،سنة الطبع:1370ه.

88.الكنى والألقاب:الشيخ عباس القمي(ت1359ه)،الناشر:مكتبة الصدر-طهران.

89.لباب الأنساب والألقاب والأعقاب:أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن زید البيهقي،المعروف بابن فندق(ت565ه)،بتحقيق:السيد مهدي الرجائي،

ص: 287

الناشر:مكتبة المرعشي النجفي الكبرى-قم المقدسة،الطبعة:الثانية-1328ه.

90.اللهوف في قتلي الطفوف:علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس (ت664ه)،الناشر:أنوار الهدى-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1417ه.

91.لواعج الأشجان في مقتل الحسين(علیه السلام):السيد محسن الأمين العاملي(ت1371ه)،منشورات:مكتبة بصيرتي-قم المقدسة،سنة الطبع:1331ش.

92.مثير الأحزان:نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نا الحلي(ت645ه)، الناشر:المطبعة الحيدرية-النجف الأشرف،سنة الطبع:1369ه.

93.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي(ت807ه)،الناشر:دار الكتب العلمية-بيروت،سنة الطبع:1408ه.

94.مجمع مصائب أهل البيت(علیهم السلام):الشيخ محمد الهنداوي(معاصر)،الناشر:دار المحجة البيضاء-بيروت،الطبعة:الأولى-1424ه.

95.مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشرة العلامة السيد هاشم البحراني(ت1107ه)،الناشر:مؤسسة المعارف الإسلامية-قم المقدسة،الطبعة: الأولى-1414ه.

96.مراقد المعارف:محمد حرز الدين(ت1365ه)،منشورات:سعید بن جبیر-قم المقدسة، الطبعة:الأولى-1371ه.

97.مرآة الجنان وعبرة اليقظان:أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني الملكي

ص: 288

(ت768ه)،منشورات:محمد علي بيضون،ودار الكتب العلمية-بيروت،الطبعة:الأولى-1417ه.

98.مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول:العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (ت1111ه)،الناشر:دار الكتب الإسلامية-طهران،الطبعة:الثانية-1404ه.

99.مروج الذهب ومعادن الجوهر:ابو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت346ه)،الناشر:دار الهجرة-قم المقدسة،الطبعة:الثانية-1404ه.

100.المزار:أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي،المعروف بالشيخ المفيد(ت413ه)،الناشر:دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت،الطبعة:الثانية-1414ه.

101.المزار:محمد بن مكي العاملي الجزيني،المعروف بالشهيد الأول(ت786ه)،بتحقيق ونشر:مؤسسة الإمام المهدي (علیه السلام)-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1410ه.

102.المزار الكبير:محمد بن جعفر المشهدي(تالقرن6ه)،بتحقيق:جواد القومي الأصفهاني،نشر:القيوم-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1419ه.

103.المسائل السروية:أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي،المعروف بالشيخ المفيد(ت413ه)،بتحقيق:صائب عبد الحميد،الناشر:دار المفيد-بيروت،الطبعة:الثانية-1414ه.

104.مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة:أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان

ص: 289

العكبري البغدادي،المعروف بالشيخ المفيد(ت413ه)،بتحقيق:الشيخ مهدی نجف،الناشر: دار المفيد-بيروت،الطبعة:الثانية-1414ه.

105.مسالك الأبصار في ممالك الأمصار:ابن فضل الله العمري(ت749ه)،بتحقيق:أحمد زكي باشا،الناشر:دار الكتب المصرية-القاهرة،سنة الطبع:1342ه.

106.مستدرك سفينة البحار:الشيخ علي النازي الشاهرودي(ت1405ه)،بتحقيق وتصحيح:حسن بن علي النازي،الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة،سنة الطبع:1419ه.

107.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل:المحدث الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت1320ه)،نشر و تحقیق:مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)حياء التراث-بیروت، الطبعة:الأولى-1408ه.

108.مسند أحمد بن حنبل:أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (ت241ه)،الناشر:دار صادر-بيروت.

109.المصباح(جنة الأمان الواقية وجثة الإيمان الباقية):الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي الكفعمي(ت905ه)،الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات-بيروت،الطبعة:الثالثة-1403ه.

110.مصباح الزائر:السيد رضي الدين علي بن موسی بن طاووس(ت664ه)، تحقيق ونشر:مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1417ه.

ص: 290

111.مصباح المتهجد:الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت460ه)،الناشر:مؤسسة فقه الشيعة-بيروت،الطبعة:الأولى-1411ه.

112.مطالب السؤول في مناقب آل الرسول(علیهم السلام):كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي(ت652ه)،بتحقيق:ماجد بن أحمد العطية.

113.معالم العلماء:أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني(ت588ه)،بتقديم:محمد صادق آل بحر العلوم.

114.معجم البلدان:شهاب الدينأبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي(ت626ه)،الناشر:دار إحياء التراث العربي-بيروت،سنة الطبعه:1399ه.

115.معجم رجال الحديث وتفضيل طبقات الرواة:السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(ت1413ه)،الطبعة:الخامسة-1413ه.

116.مفاتيح الجنان:الشيخ عباس القمي(ت1359ه)،تعريب:محمد رضا النوري النجفي،الناشر:مكتبة العزيزي-قم المقدسة،الطبعة:الثالثة-1385ش/2006م.

117.مقاتل الطالبين:أبو الفرج الأصفهاني(ت365ه)،بشرح وتحقيق:أحمد صقر،إنتشارات:الشريف الرضي-قم المقدسة،الطبعة:الثانية-1416ه.

118.مقتل الحسين(علیه السلام)،أو:حديث کربلاء:المحقق السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم(ت1391ه)،بتقديم:محمد حسين المقرم،منشورات:الشريف الرضي.

ص: 291

119.مقتل الحسين(علیه السلام):لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي(ت107ه)،بتعليق:حسين الغفاري،المطبعة:العلمية-قم المقدسة.

120.مقتل الحسين(علیه السلام):أبو المؤيد الموقق بن أحمد المكي الخوارزمي(ت568ه)، بتحقيق:الشيخ محمد الساوي،الناشر:أنوار الهدى-قم المقدسة،الطبعة: الأولى-1418ه.

121.مناقب آل أبي طالب:أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت588ه)،الناشر:المطبعة الحيدرية-النجف الأشرف،سنة الطبع:1376ه.

122.المنتخب(الفخري):الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي(ت1085ه)،الناشر:مؤسسة التاريخ العربي-بيروت،الطبعة:الأولى-1428ه.

123.منتهى الآمال في تواريخ النبي:الشيخ عباس القمي(ت1359ه)، الناشر:دار المصطفی العالمية-بيروت،الطبعة:الثالثة-1432ه.

124.منتهى المطلب:أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي المطهر، المعروف بالعلامة الحلي(ت726ه)،تحقيق و نشر:مجمع البحوث الإسلامية-مشهد المقدسة،الطبعة:الأولى-1426ه.

125.من لا يحضره الفقيه:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف بالشيخ الصدوق(ت381ه)،بتحقيق وتصحيح:على أكبر الغفاري،الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم

ص: 292

المشرفة.

126.منهاج الصلاح في اختصار المصباح:أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف ابن علي المطهر،المعروف بالعلامة الحلي(ت726ه)،بتحقيق:عبد المجيد الميردامادي،منشورات:مكتبة العلامة المجلسي،الطبعة:الأولى-1430ه.

127.ناسخ التواریخ(حياة الإمام سيد الشهداء الحسين(علیه السلام)):المؤرخ الشهير الميرزا محمد تقي سپهر(ت1297ه)،بترجمة وتحقيق:السيد علي جمال أشرف، الناشر:مدین-قم المقدسة،الطبعة:الأولى-1427ه.

128.ناسخ التواریخ(الطراز المذهب):عباسقلي خان سپهر(ت1342ه)، إنتشارات:أساطير-طهران،الطبعة:الأولى-1390ش/2011م.

129.النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة:جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي(ت874ه)،الناشر:وزارة الثقافة والإرشاد القومي-مصر.

130.النهاية في غريب الحديث والأثر:مجد الدين ابن الأثير(ت606ه)،الناشر: مؤسسة إسماعیلیان-قم المقدسة،الطبعة:الرابعة-1364ش/1985م.

131.نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار(علیه السلام):الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي(من علماء القرن الثالث عشر الهجري)،منشورات:الشريف الرضي.

132.هداية الأمة إلى أحكام الأئمة(علیهم السلام):محمد بن الحسن الحر العاملي(ت1104ه)،تحقيق و نشر:مجمع البحوث الإسلامية-مشهد المقدسة،الطبعة:الأولى-

ص: 293

1414ه.

133.الهداية الكبرى:أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي(ت334ه)،الناشر: مؤسسة البلاغ-بيروت،الطبعة:الرابعة-1411ه.

134.وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة:الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت1104ه)،تحقيق ونشر:مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث-قمالمقدسة،الطبعة:الثانية-1414ه.

135.وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان:أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر، المعروف بابن خلكان(ت681ه)،بتحقيق:إحسان عباس،الناشر:دار الثقافة-لبنان.

136.وقايع الأيام في تتمة محرم الحرام:الحاج ملا علي واعظ الخياباني التبريزي (ت1367ه)،بتحقيق:محمد الوانساز خويي،إنتشارات:غرفة الإسلام-قم المقدسة،الطبعة: الأولى-1386ش.

ص: 294

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.