فقه الهلال والمغرب...

اشارة

سرشناسه:احمدی، حبیب الله، 1336 -

عنوان و نام پديدآور:فقه الهلال والمغرب.../ حبیب الله الاحمدی.

مشخصات نشر:قم: فاطیما، 1441ق.= 1398.

مشخصات ظاهری:477ص.

شابک:750000 ریال:978-964-262310-5

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:این کتاب در سال 1400 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:چاپ سوم: 1400.

یادداشت:واژه نامه.

یادداشت:کتابنامه:ص. 457- 472 ؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:هلال ماه -- رویت (فقه)

New moon -- Visibility (Islamic law)

هلال ماه -- رویت -- احادیث

New moon -- Visibility -- Hadiths

اوقات شرعی

*Religious times

موضوع:خورشید -- طلوع و غروب (فقه)

Sun --*Rising and setting (Islamic law)

خورشید -- طلوع و غروب -- احادیث

Sun -- *Rising and setting -- ‪Hadiths‪

رده بندی کنگره:BP188/13

رده بندی دیویی:297/354

شماره کتابشناسی ملی:6066581

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

فقه الهلال والمغرب

مشتمل على كتابي

«رؤيةالهلال وحقق الشهر» و «المغرب الشرعی»

حبيب الله الأحمدی

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله رب العالمين والصلاة

والسلام على نبينا محمد صلی الله علیه واله

وآله الطاهرين وعلى جميع الأنبياء

والمرسلين والشهداء والصديقين

ص: 3

الإهداء

نهدي هذه البضاعة المزجاة - وإن كانت غير لائقة للإهداء إلى ...

إلى النير الأعظم ونتيجة العالم، الرسول الأمي صلی الله علیه واله الذي أسس الفقه على أساس من الوحي وبنی بنیانا مرصوصا، وجعله كخريطة للإنسان في حياته الشخصي والاجتماعي، ما دامت الحضارة الخالدة الإسلامية. وإلى؛ وصيه وابن عمه علي بن أبي طالب علیه السلام، إمام الهدي وعلم التقى وخازن وحي الله وعيبة علمه.

وإلى؛ ابنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها أم الأئمة النجباء وشهيدة درب الولاء.

وإلى أولاده الأصفياء الأوصياء، الأعلام للهدى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وإلى؛ ذخيرة الأولين والآخرين، حفيد النبي العظيم، محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف با النير الأصغر، الذي وعد الله به الأمم، ليكون شأنه الأعلى وكلمته العلياء.

وإلى جميع الفقهاء؛ حيهم وميتهم، سيما الذين استفدنا من أقوالهم وآرائهم في تحقيق هذا المقال الذي نرجو الله أن يضفي عليه جمالا وبهاءا في منهجه ومنتجه.

ص: 4

كلمة الشكر

من الواجب علينا في هذا المجال أن نشكر شكرا جزيلا وافرا من الله سبحانه وتعالی الذي وفقنا لهذا التوفيق وأنعمنا بهذه النعمة التي ما كنا نليق بها من تلقاء أنفسنا، فان اليعم كلها من عنده، فما بكم من نعمة فمن الله، إنه هو الشاكر وإنه الشكور.

ونشكر ايضا عن كل من ساعدنا وعاضدنا من الأساتذة والطلاب والمحققين في تحقيق و تدوين هذا المقال وتنقيحه عن الحشو والزوائد. سيها الأخ الصديق الكريم العزيز والمحقق المتبحر ذي الفنون، الأستاذ في الحوزة العلمية المقدسة بقم المكرمة، «جواد الريبور(1)» الذي جاد لنا وقته الكريم وأجاد علينا بفضله العزيز، وأقام بتصحيح الكتاب وتنقيحه، وبتكميله وتتميم مقاصده، بما أضاف عليه من عديد اضافات زادت في الكتاب غني وبهاءا، فنسئل الله العلي الأعلى حفظه وبقائه وتوفيقه على مثل هذا التحقيق في الفقه الجعفري عليه السلام، والحمد كله لله رب العالمين .

ص: 5


1- Javad ReyPour

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحیم

کلمة المولف

لاینبغی الریب فی دور الفقه فی حیاة الامة الاسلامیة طیلة عمر الفقاهة الذی یبلغ خمسة عشرقرنا.

وکذا لاخلاف فی ان الفقاهة نمت وتوسعت اکثرمما توسع باقی الفروع من العلوم الدینیة نحوالتفسیر والکلام والادب واللغة والتاریخ والفلسفةو...

ومع ذلک کله، لم یزل للفقه مجال واسع للتحقیق والدقة،فان بابه مفتوح لدی کل من له همة همام ونظرة حداد،وثمره حلو فی ذوق من له قلب سلیم ثم القی السمع وهوشهید.

وکلما ازدادالتحقیق عمقا ازداد الفقه نموا وعلموا.اصف الی ذلک ان المجتمع الانسانی متطور دائما وبتطوره تظهر وتتولد موضوعات وشرائط جدیدة تلیق بالتدبروالتامل.

ومعلوم ان حجر الاساس فی تحقیق الفروعات الفقیة هو الوحی المتلالی فی الکتاب والسنة الذی لایاتیه الباطل من بین یدیه ولامن خلفه ولا من ای جهةاخری.فان الکتاب لایفسره الا النبی اوالوصی.وهمایفسرانه بقولهما وفعلهماالمصونین عن الخطاء والزلل والنسیان.

ص: 1

ومعلوم أيضا أن التشريع كله بيد الله سبحانه تعالی ولا يسع لأحد حتى النبي والوصي أن يشرع حكما من أحكام الدين. وكلما جاء في الآثار من تشريع بعض الأحكام بید الرسول المشتهر با «فرض النبي»، وما توهم تشریعه بيد وصي من أوصيائه علیهم السلام لابد من تبينه أو تأويله. فلما صح أنه «إن الحكم إلا لله»(1)ففرض النبي اقتراح ساقط عن وسمة التشريع ما لم يوقع بيد الله تعالی ، والنبي لا يكون إلا مبلغا لما شرعه الله ؛ و به انختم الوحي التشريعي وتجديد الاحكام والشرائع. فصار النبي الأكرم صلی الله علیه واله خاتم التشريع وخاتم الأنبياء ولهذا الكلام ذيل طويل لا يسعه هذا المجال.

ومن جانب ثالث معلوم أن الطريق السوي في التحقيق واستنباط الفروع الفقهية هو ما سلك به أسلافنا في القرون المتمادية، المعبر عنه بطريق «المشهور». فان سلوك المشهور سيما القدماء منهم الذين كانوا قريبين من عهد صدور النصوص مهتمين إليها تمام الاهتمام سلوك مطمئن في الوصول إلى الحق و انطباق الفتوى بالواقع. فقد عنوا إلى النصوص لحد أدوامقاصدهم بعين الألفاظ والجمل المستخدمة في الروايات على سبيل التضمين. فاشتهر كتبهم ب-«الأصول المتلقات». فيجدر للفقيه أن يوافق المشهور ولا يعدل عن مرامهم ولا يميل عن طريقتهم إلا إذا كان مستظهرا برکن قویم ودلیل سدید.

وأما عند الدليل فلا بد للفقيه من أن يكون له جرأة وشهامة فيما يقتضيه الدليل على مخالفة المشهور وألا يبهته رأي المشهور فيما يراه حقا. فله أن يسلك طريق الهدی وحده من غير وحشة، لأنه لا وحشة لنا في سلوك طريق الحق لقلة أهله، وهذا كلام الأميرعلیه السلام:أَيُّهَا النَّاسُ لَاتَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهَدْيُ لِقِلَّةِ اَهْلِهِ.(2)

ص: 2


1- القرآن الكريم، الأنعام، 57.
2- نهج البلاغة، للسيد الرضي، 319.

وكذا لا بد للفقيه الشيعي ألا يكتفي في استنباط الحكم بمنابع الخاصة، بل ينبغي له النظرة الدقية الشاملة لكتب العامة وفتاويهم سيما الفرق المشهورة منهم، الذين كانت فتاويهم دارجة بين عامة المسلمين في عهد الأئمة الميامين علیهم السلام. فالناس كانوا يدرسون في مدارسهم ويتحاكمون إلى محاكمهم، سيما الفرق المعروفة منهم من الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي. والناس على دين ملوكهم؛ والملوك في زمن صدور النصوص جلهم بل كلهم من العامة.

فلا بد لنا أن نعترف بأن فقه الخاصة كان يسير في هامش فقه العامة، ناظرا إلى آرائهم. فان كثيرا من النصوص الصادرة من العترة الطاهرة علیهم السلام في تبيين الفقه الجعفري علیه السلام، إنها صدرت إما تبينا للرأي الصواب وردعا عن آراء العامة وإما تقية وحذرا من خطرهم على الفقه الجعفري علیه السلام فللفقيه المتبحر لا بد من النظرة الدقيقة والواسعة إلى منابعهم والعلم بآرائهم حتى يصل إلى الرأي الصواب من بين الآراء.

وبهذا نرى كثيرا من النصوص الواصلة الينا في الأبواب المختلفة تتعارض إحديها مع الأخرى حسب الظاهر، ومعلوم أن التعارض ينتهي إلى التناقض ولسان الوحي - نبيا كان أو وصيا- بريء من التناقض، لا يصدر منه تهافت ولا تعارض. فكلما نري من المتعارضين في النصوص لابد لنا من علاجها، كما ورد في المتعارضين من ترجيح أحدهما على الآخر إذا كان موافقا للكتاب أو مخالفا للعامة. فهذان المرجحان يشهدان بأن المتعارضين، أحدهما غير صادر عن المعصوم أو صدر لداعي غير البيان للحكم الإلهي الواقعي. والمرجح يبين لنا أنه أي المتعارضين حق وحجة، وأيهما باطل. فالمرجحات قرينة لتشخيص الحجة عن غيرها، لا لترجيح أحد الحجتين على الآخر. فكثير من نصوص الخاصة ناظرة إلى نصوص العامة وفتاويهم. فلا بد للفقيه من العلم بمنابعهم وفتاويهم حتى يتمكن من موافقتهم ومخالفتهم. فمن لا علم له بذلك يسلك الطريق عميانا.

ص: 3

وبهذا لا بد لنا أن نعترف بأن تباين آراء الفقهاء واختلافها سيما في الفروعات التي تكون عامة البلوي، مثل رؤية الهلال التي يتعقبها صيام الناس وفطرهم وحجهم ومعرفتهم للأشهر الحرم، او مثل أوقات الفرائض اليومية، فهو بداية للاختلاف والتشتت والتفرق في جماعة المسلمين و وحدتهم. فبسببه يتبدل يوم العيد الذي ينبغي ويرجى أن يكون يوم العزة والذخر والشرف والفرح والكرامة لجميع المسلمين كافة(وذلك قول المعصوم عليه في الدعاء: «الذي جعلته للمسلمين عيدا(1)»)،بيوم الظلمة والذل والفرقة والتشتت والفشل، ويوم التعزي. و وا أسفي على ذلك! فينبغي لنا أن نسلك طريقا يختم إلى وحدة المسلمين وسنام عزهم وشوكتهم، بحيث يكونون صياما في يوم واحد، ومعيدين فرحين في يوم واحد،إن شاء الله تبارک وتعالی.

وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

حبیب الله الأحمدي

الجمادي الأولى 1441- 2019 Dec

بقم المقدسة

ص: 4


1- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق ، 1/ 513.

ص: 5

الكتاب الأول فی رؤية الهلال و تحقق الشهر الشرعي

اشارة

ص: 6

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلواة الله وملائكته ورسله والمؤمنين على محمد وآله أجمعين.

التمهيد

معلوم أن من الأحكام ما هي مشروطة بتوقيتات خاصة لا تستبان إلا عن مواقع النيرين، الشمس والقمر. فمعرفة الوقت أمر لا يستهان به عند المتشرعين. ونحن إن شاء الله تعالی باحثين عن إحدى مناطات التوقيت الشرعي وهي الهلال، التي قد جعلت أحكام كثيرة معلقة عليها. منها الأشهر الحرم وموسم الحج ويوم الفطر وأيام الصيام و... والبحث عن الهلال ورؤيته، يكون ذا وجهين. وجه طبيعي متعلق بعلم الهيئة و وجه شرعي فقهي. ثم لما كنا أولا وبالذات قاصدين للوجهة الفقهية، فنجعل البحث عن الحيثية الهيوية، جزءا من المقدمات؛ فنقول وبالله المستعان -:

ص: 8

الباب الأول:فيما يجب تقديمه

اشارة

ص: 9

ص: 10

المقدمة الاولی:فی اهمیة علم الهیئة

لا يخفى على أحد أن أوضاع الكواكب وحركاتها ذات تأثير على كرة الأرض وأهلها. فإن الأرض مع ما لها من الأبعاد الشاسعة، ليست إلا جرما صغيرا من الأجرام الساوية. تنتظم هي مع باقي أجزاء المنظومة الشمسية ومع سائر الانتظامات الفلكية . وتنتظم معها حياة الآحاد والاجتماعات الإنسانية فيما يتعلق بمعاشهم ومعادهم.

وعلم الهيئة قد يبحث عما يرتبط بهذه الإنتظامات التكوينية كحركة الكواكب السيارة حول أنفسها (الحركة الوضعية) أو حول كوكب آخر (الحركة الإنتقالية). ومن وراء هذه الأبحاث تفيدنا الهيئة من وجهين: تفيدنا في معرفة وجود الناظم جل وعلاوصفاته العليا، كالعلم والقدرة. فإنها تحل محل الصغرى في القياسات التوحيدية وتكشف عن النظم الكامن في خلق الثوابت والسيارات. فتفيدنا الإيمان بالله و صلاح عقبى الدار.

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وقُعُوداً وَعَلَى جُنوبِهِم ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ(1)

وثانيا تفيدنا الإطلاع عن موقع الكواكب، إحداها بالنسبة إلى الأخرى. فتمكننا من محاسبة الساعات ومن العلم بعدد الليالي والأيام، ثم الشهور والدهور. وأيضا تمكننا من العلم بالجهات. فهذا ما يحتاج إليه الناس في أمر دنياهم کالاهتداء في البر والبحر، وفي أمر آخرتهم كمعرفة الوقت والقبلة.

وَبَالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُوينَ(2)

لِتَعْلَمُوا عَدَدَ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسَابِ(3)

ص: 11


1- القرآن الكريم، آل عمران، 191
2- نفس المصدر،النحل، 16
3- نفس المصدر، یونس، 5

المقدمة الثانية، في القرآن والظواهر الفلكية

قد اهتم القرآن الكريم بالظواهر الكونية. فتارة بها أنها آيات الله، كاشفات عن ربوبيته، وتارة بها أنها مخلوقات مربربات فلا تتخذوهن أربابا، وتارة بما فيها من المنافع للناس، وأخرى من حيث تعلق بعض الأحكام الشرعية إليها. ثم قد أقسم ببعضها لعظم شأنها عند من خوطب بالقرآن. وفي بعض الآيات عني بها من حيث کیفیتها ونظاماتها. هذا؛ وجهات عديدة أخرى.

فيقول سبحان وتعالی في أحد آیات العزائم التي يجب بتلاوتها واستماعها السجود:

وَمِنْ آيَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لا تَسْجُدُوا إِلمِي وَلاَّ الْقَمَرَ واسجُدُوا لِلَّهِ الَّذي خَلَقَهُنَّ إن كُنتُم إيَّاهُ تَعبُدُونَ(1)

ولا يخفى أن الناس على تمادي القرون كانوا يعبدون الشمس والقمر والأوثان.

وأقسم بالشمس والقمر وقال قائل عزم:

»وَالشَّمسُ وَ ضُحاهَا»«وَالقَمَرُ إِذا تَلاهَا»(2)

وأحد الاحتمالات في قوله من «وَالقَمَرُ إِذا تَلاهَا» الإشارة إلى أن القمر يقتض مواقع الشمس في السماء حسب ما يرى من الأرض. فقد يعلو بعد ما علت وينحدر بعد انحدارها وسیجیئ توضيحه.

ص: 12


1- القرآن الكريم، فصلت، 37.
2- نفس المصدر، الشمس، 1 و 2.

ويقول قاسها:

فَلا أُقسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ اَنَا لَقَادِرُونَ(1)

والمشارق والمغارب هي المطلع و المغرب للشمس والقمر وسائر الكواكب.

ويقول مشيرا إلى كيفية الإنتظامات السماوية:

اللَّهُ الذی رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اشْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلُّ يُجْرَى لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2)

فأشار إلى الجاذبية العمومية على إحدى الاحتمالات في الآية .

كما يشير إلى كروية الأرض أو إلى بيضوية مدارها حول الشمس، ومیل محور

دورانها حول نفسها عن مدارها الإنتقالي، فيقول جل ثنائه:

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ والقمرکل یجزی الْأَجَلِ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ ربکم لَهُ الْمُلْكُ وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مایملکون مِنْ قِطْمِيرٍ (3)

والإيلاج هو الإدخال؛ فيحتمل أن يكون المقصود من إيلاج الليل والنهار، أحدهما في الآخر، التطويل والتقصير في مدة الليل والنهار، المسبب عن بيضاوية مدار الأرض وانحراف محورها. ويحتمل أن يكون المقصود جواز بلاد الأرض وبقاعها على

ص: 13


1- القرآن الكريم، المعارج، 40.
2- نفس المصدر، الرعد، 2.
3- نفس المصدر، الفاطر، 13 وأيضا آل عمران، 27 والحج، 61 والحديد، 6.

التعاقب والدوام عن خط الغلس؛ فحينما تخرج بعض البلاد من الليل وتدخل في النهار، بعين الوقت تدخل بعض من النهار إلى الليل. فهذه إشارة إلى كروية الأرض ودوارها حول أنفسها.(1)وهذا هو الأنسب لألفاظ الآية ولكنه بعيد عنها تفاهم عليه العرف.

ص: 14


1- يقول السيد مرتضى النجومی رحمه الله عن هذه الآيه وما تشابه بها: اگر در منطقه ای از زمین روز به سر آمد، روز آن منطقه به سر آمده ولی هنوز روز در کره زمین هست، همانطور که اگر شب در منطقه ای پیدا و سپس رخت بر بست، شب کره زمین به پایان نرسیده است. و یک روز در تمام کره زمین آن هنگام تمام می شودکه تمام مناطق کره زمین از منطقه تابش نور رد شود؛ همانطور که شب در تمام کره زمین آن هنگام به پایان می رسد که تمام مناطق کره زمین نیز در سایه خود زمین عبور نموده و به تابش دوم برسد. و ما بدین جهت، گفتیم که هر شب 24 ساعت و هر روز 24 ساعت است، اما توأمان و با همدیگر و اندر هم؛ بدانسان که دائما روز داخل شب و شب داخل روز می شود. و یا به تعبیر دیگر با سرعت هر دقیقه قریب 28 کیلومتر (البته در طول خط استوا) دائما شب داخل روز و روز داخل شب می گردد ... ايلاج به معنای داخل کردن است و ظهور واو عاطفه در وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ در جمع زمانی بین هر دو است، نه با تقدم و نه با تأخر؛ چون ظهور هر دو جملة يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ در فعلیت و تحقق است. و اگر تاکنون فکر می کردیم که مقتضای تعاقب و تداوم مستمر پشت سر هم آمدن شب و روز نیز ایلاج شب در روز و ايلاج روز در شب است - گر چه این مطلب یعنی تعاقب الليل و النهار مسلم است - ولی آن هنگام که ايلاج الليل في النهار است دیگر ايلاج النهار في الليل نیست، و آن هنگام که ايلاج النهار في الليل است دیگر ايلاج الليل في النهار نیست. اما اکنون می گوییم که این مطلب دائمی و در هر زمان به طور فعلیت و استمرار و همسانی و توأمان ایلاج الليل في النهار و ايلاج النهار في الليل است. و معنای آیه بسیار روشن و واضح است؛ و تفسیر آیه کریمه ربطی به زیاده و نقیصه شب و روز، و ادخال نقصان یکی در دیگری، و یا اتیان یکی بدل از دیگری ندارد. و این دو معنی را در همه تفاسیر می بینیم، و حال آنکه مخالف با ظاهر آیه شریفه است ... شاهدی لطيف بر این کلام ما آیه شریفه پنجم ازسوره زمر است:يُكَوِّرُ اَللَّيْلَ عَلَى اَلنَّهَارِ وَيُكَوَّرُ اَلنَّهَارَ عَلَى اَللَّيْلِ ... و همینطور معنای آیه شریفه يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيئاً (مقالة «الليل والنهار»، للنجوم، 76 و 78)

ويقول:

وَجَعَلَ القَمَرَ فيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ اَلشَّمْسُ سِرَاجاً(1)

والتعبير بالنور في القمر والسراج في الشمس يشير إلى تفاوت نورانیتهما بأن نورالشمس ذاتي لها ونور القمر مكتسب من أشعة الشمس.

ثم قد أخبرنا سبحانه وتعالی عن أنه قد سخر الشمس والقمر للإنسان، كي ينتفع بها كل حين:

سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ والقُمَردائِبينَ وسَخَّرَلَكُمُ اللَّيلِ وَالنَّهارُ(2)

وكشف عن أن هذا النظام ذات أمد معين عنده تعالی، وإن كان قد أخفاه عنا. كمايقول وجل عز:

خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرضَ بِالحَقِّ وَ اللَّيلِ عَلى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ يُجرى لِأَجَلٍ مُسَمَّيٍ ألا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ(3)

ثم قد يقول جل شانه:

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنَا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبتَغُوا فَضْلاً مِن رَبِّكُمْ ولْتُعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ الحِسَابَ وكُلِّ شِئ وَ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً(4)

ص: 15


1- القرآن الكريم، نوح، 16.
2- نفس المصدر، إبراهيم، 33
3- نفس المصدر، الزمر، 5
4- نفس المصدر، الإسراء، 12.

فيؤمي إلى أن الليل والنهار آیتان دالتان على علمه وقدرته، فيقدر على أن يخلق آيتين متضادتين. فيجعل أحدهماممحاة ومغيبة والثاني مبصرة مضوية. ويؤمي أيضا إلى أن جعلها على هذه الكيفية، مستهدف لحكمتين. الأولى: أنه جعل الليل مظلما ليكون فيه سكن، يستريح به الناس حتى يتهيؤوا لابتغاء فضل الله بعد نهارهم. فقال جل ثنائه:

«وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وجَعَلنا النَّهارَ مَعاشاً»(1). والثانية : تيسير الأمر للناس في احتساب الزمان، بجعل متغير متناوب منتظم لهم، يعدوا بها مقاطيع الوقت.

وفي هذا السياق قوله تعالی:

فالِقِ الإصباحِ وَجَعَلِ اللَّيلِ سَكَناً وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ حُسباناً ذلِكَ تَقديرُالعَزِيزِ العَلِيم(2)

ثم قد علق بعض الأحكام الشرعية على بعض الظواهر الكونية:

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهاومنَ آنَاءَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تُرْضِي(3)

فتشير الكريمة إلى وقت عدة من الصلوات اليومية. ومثله قوله:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إنَّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشهوداً(4)

ص: 16


1- القرآن الكريم، النبأ، 10و11
2- نفس المصدر، الأنعام،96.
3- نفس المصدر، طه، 130.
4- نفس المصدر، الإسراء، 78.

والمقصود من الدلوك، هو ميل الشمس من وسط السماء (أي من دائرة نصف النهار حسب بلد المكلف)إلى جانب المغرب وهو أول وقت صلاة الظهر . وغسق الليل هو اشتداد الظلمة، وهو يتحقق بعد مضي الحمرة المشرقية والشفق، ويزداد شدة حتى ينتصف الليل. وبانتصاف الليل يتم الدلوك وينتهي الإشتداد، فبدخول الغاية في المغياة تكون ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل ظرفا لأربعة من الصلوات، صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وأما وقت صلاة الصبح فهو مشار إليه بقوله: «قرآن الفجر» وهو طلوع الفجر الصادق الذي تشهده ملائكة الليل والنهار على ما فسر به في النصوص.(1)فبينت الآية أوقات الصلوات اليومية كملا.

ص: 17


1- البرهان، هاشم البحراني،600/4 والدر المنثور، للسيوطي،196/4

المقدمة الثالثة؛ صلة العلمين، الهيئة والفقه

من المعلوم عند المتشرعين فضلا عن الفقهاء المحققين، أن كثيرا من الأحكام الفقهية مشروطة بتوقيتات لم يعثر عليها إلا بمتابعة موقع النيرين بالنسبة إلى الأرض. فلابد للفقيه من الإطلاع على الأوضاع الفلكية وحركات الكواكب في الجملة، وسنذكر نبذة منها لتكون من المبادئ التصورية والتصديقية بالنسبة إلى أبحاثنا الفقهية . لكن لا بأس لو اشرنا قبل ذلك إلى قائمة وفهرس من الأحكام الشرعية المشروطة بالشهر والسنة، إما المذكورة في القرآن وإما المبينة في الشنة.

1- أوقات الصلوات اليومية

يقول سبحانه وتعالی:

إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً(1)

ويقول سبحانه وتعالی:

أَقِمِ الصَّلاةَ لدلوک الشَّمْسِ إِلى غَسَقُ(2)

2- الأشهر الحرم

يقول سبحانه وتعالی:

انَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةُ حُرُمُ ذلِكَ الدین الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنفسکم وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يقاتلونکم کافة وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(3)

ص: 18


1- القرآن الكريم، النساء، 103.
2- نفس المصدر، الإسراء، 78.
3- نفس المصدر، التوبة،36.

فتتحدث الآية عن أحكام الأشهر الحرم والأهم منها حرمة القتال وحرمةتعقيب القاتل فيهن كما يقول تعالی في موضع آخر:

يَسَالُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٌ فِيهِ قَلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌ عَنْ سَبِيلِ اَللَّه...(1)

ولا يخفى أن «الشهر» في الخطابات الشرعية، منصرف إلى الشهور القمرية. وأما الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. والسر في جعل هذه الأربعةحرما أن العرب لما كانوا يعتمرون ويحجون منذ الجاهلية، كانوا يحثون ويحتفظون على حرمة هذه الشهور وترك القتال فيه تأمينا للحجاج والمعتمرين. فسموا ال«ذي القعدة» بها لأنهم كانوا يقعدون عن القتال فيها، حتى يتهيئ الناس ويرحلوا إلى مكة ويحجون في ذي الحجة. والعمرة الرجبية أيضا كانت معروفة مهتمة بها عندهم.

والباعث على ذلك إما الثقافات الراسبة منذ عهد الخليل علیه السلام وإما الدوافع المتأخرة المستحدثة لأجل تحصيل المنافع الإقتصادية العائدة للمكيين ومن حولهم. ثم و بعد غض النظر عن الخلافات الجارية في المبدأ التاريخي لهذا التحريم والداعي على ذلك، أن المهم لنا أن الإسلام قد اقر ذلك وأمضاه لما فيه من الخير والأمان، ولاتجاه هذاالمشروع نفس الجهة المتخذة في الشريعة الإسلامية في أغراضه الإنسانية.

3- أشهر الحج

يقول سبحانه وتعالی:

يُسَالونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُل هيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجُّ(2)

والأهلة جمع هلال، فتبين الكريمة أن تطورات الهلال هي من النعم الإلهية التي يستعان بها لمعرفة المواقيت، سيها وقت الحج.

ص: 19


1- القرآن الكريم، البقرة، 217.
2- نفس المصدر، 189

ويقول جل وعلا:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ مَنْ فَرِضَ فِيهِ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الْحَج(1)

فبين سبحانه وتعالی حكم أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة مع عشرة أيام من ذي الحجة .

4- شهر الصيام

ويقول جل ثنائه:

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والْفُرْقانِ فَمَن شَهِدَ مِنَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ ومَنْ كَانَ مَرِيضاً أوْ علَى سُفَرْفَعْدَةٍ بَيْنَ أَيَّامٍ أُخْرَ...(2)

5- مدة الحمل

يخبرتعالی ضمنا لأمره بالإحسان للولدين، عن أمر تكويني وهي مدة الحمل:

وَ وَصَّيْنا الإنسانَ بِوالِدَيهِ إِحساناً حَمْلَتَة أُمِّهِ كُرهاً وَوَضَعَتهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهراً حَتَّى إذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أربَعينَ سِتَّةً...(3)

6- مدة الرضاع

ويقول سبحانه وتعالی:

وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ(4)

والمراد من الحولين، الحولين القمريين إجماعا.

ص: 20


1- القرآن الكريم، البقرة، 197
2- نفس المصدر،185
3- نفس المصدر،الأحقاف، 15.
4- نفس المصدر، البقرة،233

7- عدة الوفاة

قال تعالى :

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم ويَذَرُونَ أزواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أشهُرٍ وعَشْراً(1)

8- الخمس والسنة المالية

وكذا أخذ السنة في خمس الأرباح، فإن أرباح المكاسب هي إحدى متعلقات الخمس إذا زادت عن مؤونة السنة، والسنة هاهنا أيضا تتقدر بالأشهر القمرية. ولا يكفي جعلها شمسية، كما قرر في محله .(2)

9- الزكاة والسنة المالية

جاء في صحيحة زرارة:

عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أباجعفرعليه اَلسَّلاَمُ عَنْ صَدَقَاتِ اَلْأَمْوَالِ فَقَالَ فِي تِسْعَةِ أشْيَاءَليسَ في غَيرِها شَيءفي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ وَالتَّمرِ وَالزَّبيبِ والإِبِلِ والْبَقَرِ والْغُنَمِ السَّائِمَةِ وهِيَ الرَّاعِيَةُ وَلَيسَ في شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِيِّ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلاثَةِ الأصْنَافِ

ص: 21


1- القرآن الكريم، البقرة، 236.
2- کتاب الخمس، للأحمدي، 169

شَيْءٍ وَكُلُّ شَيءٍ كَانَ مِن هَذِهِ اَلثلاَثَةِ اَلْأَصْنَافِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ اَلْحَوْلُ مُنْذُ يَوْمِ يُنْتَجُ(1)

يقول في العروة، في زكاة الأنعام الثلاثة:

الشرط الرابع: مضي الحول عليها جامعة للشرائط، ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر، فلا يعتبر تمامه. فبالدخول فيه يتحقق الوجوب، بل الأقوى استقراره.(2)

وكذا يقول في زكاة النقدين:

(الشرط)الثالث، مضي الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر.(3)

أقول: هذا المعنى من الحول، الذي يتحقق بإكمال الشهر الحادي عشر والدخول في الشهر الجديد دون إتمامه، هو مختص بباب الزكاة، أخذ به لما دل عليه الدليل. ولا يخفى أن الشهر والحول، هاهنا أيضا قمريان. وما يهمنا الآن هو كون الزكاة فريضة موقوتة، دون تلك الجزئيات.

يقول الشهيدرضوان الله علیه في الزكاة:

و(يتحقق)اَلْحَوْلُ بِمُضْئٍ أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً هِلاَلِيَّةٌ.(4)

10- بلوغ المرأة ويأسها

ص: 22


1- وسائل، للحر العاملي،30\57
2- العروة الوثقي (المحي)، للسيد اليزدي،4\42
3- نفس المصدر، 57 .
4- اللمعة، للشهيد الأول، 52.

أحد أسباب البلوغ في المرأة هي أن تبلغ عمرها تسعة سنين أو ثلاث عشرةسنين على الخلاف. وكذا تكون يائسة إذا يئست من رؤية دم المحيض، وهذا إذا بلغ عمرها ستين أو خمسين سنة على التفاوت بين القرشية وغيرها. والمناط في السنة هذه أيضا، هو السنين القمرية، وهذا متفق عليه لدى الفقهاء. وبه تدل النصوص المعتبرة.

ففي موثقة الساباطي كما في التهذيب:

وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بَيْنَ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلَامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَقَالَ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنِّي احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ والجاريه مُثِّلَ لَكَ إِنَّ أتی هَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَ جَرَى عَلَيْهَا الْقَلَمُ.(1)

و ورد في صحيحة ابن الحجاج:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِىُّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ يَقُولُ ثَلَاثُ یتزوجن عَلَى کل حَالِ الَّتِي قَدْ یئست مِنَ الْمَحِيضِ وَ مِثْلُهَا لَا تَحِيضُ قُلْتُ وَ مَتَى تَكُونُ ذَلِكَ قَالَ إِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ وَ مِثْلُهَا لَا تَحِيضُ وَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَ مِثْلُهَا لَا تَحِيضُ قُلْتُ وَ مَتَى یکون كَذَلِكَ قَالَ مَا لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تحیض وَ مِثْلُهَا لَا تحیض وَ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا.(2)

11- وجوب الصلاة على الميت الصبي إذا كان حين وفاته قد بلغ ست سنين.

ص: 23


1- وسائل، للحر العاملی، 1/ 45
2- نفس المصدر، 15/ 183

12 -الدين المؤجل بشهر أو عام.

فإنها هلالية أيضا إلا إذا شرح بغيرها أو انصرف صرفا واضحا، كأن يكون الطرفان من البلاد التي لم يتداول فيهن التوقيت القمري اولا يطلع الطرفان من ذلك رأسا. ولكن المهم لنا في هذا الفهرس العثور على الحكام الموقوتة مع غض النظر عن مبدأ احتساب الوقت وطريقته.

والأحكام الموقوتة في الشريعة الإسلامية كثيرة لا تنتهي بهذا المقدار.

وأما السر في جعلنا السنة والأشهر المنطوق بهما في لسان النصوص قمریتان دون المتداول في البلاد والثقافات المختلفة، كالشمسية، مضافا إلى أنه أمر تكويني يدور علیه مدار الخلق - هو الإنصراف الموجود في مقام التخاطب حين صدور النصوص، وأنه هو القدر المتيقن

ص: 24

المقدمة الرابعة؛ الظواهر الكونية التقويمية

الليل والنهار

من المعلومات القطعية في هذا العصر، أن الأرض لها عدة حركات، أشهرها الوضعية والانتقالية. والمراد من الأول دوران الأرض حول أنفسها من جانب الغرب إلى الشرق. وهو يكمل مدة 24 ساعة وبعبارة أدق 09،23:56:4.

فطالما تدورالأرض حول نفسها يكون النصف من الأرض المستقبل للشمس مضويا والنصف الآخر مظلما. والنصفان على الدوام يبدلان مکانهما على التناوب. وهذا يوجب ظاهرة الليل والنهار. ومن الرائع أن هذا الدوران يقع بسرعة هائلة تقرب خمسمائة متر في كل ثانية بالنسبة للنقاط الإستوائية.(1)

(=28کیلو متر في الدقيقة)

السنة الشمسية

والحركة الأخرى للأرض هي المسماة بالإنتقالية، وهي الحاصلة من دوار الأرض حول الشمس. وهذه أيضا تكون اتجاه الشرق كما هو الحال في باقي سيارات المنظومة الشمسية. وتسبب عنها السنة الشمسية ولولاها لما حصلت الفصول الأربعة وما طرئ على الليل و النهار ما طرئهما من التطويل و التقصير. ثم هذه الحركة تطول 365 يوما و5 ساعت و 48 دقيقة و46 ثانية و6 ثالثات و 10 روابع.(2)وبتقسيم هذا المدار إلى 360 درجة، ففي كل يوم تتقدم الأرض قريب درجة واحدة. واعتبر الحمل (فروردین) أولا لها وآخر الحوت (إسفند) آخرا لها.

ص: 25


1- محيط دائرة الإستواء يعدل 40076km و اليوم النجومي يطول(=23h:56m:4،09s(23,93444444ساعة. فبتقسيم المسافة (وهي المحیط) على الزمان نصل الى السرعة.40076km÷23,93h~1674,4km/h 40076000÷m86164,09s~465,1m/s
2- راجع: رؤية الهلال، للمختاري، 4/ 20.
الشهور القمرية

أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض هو القمر المشعشع في ظلام الليل. ولكته ليس منيرا بذاته، بل مستنيرمکتسب نوره من شروق الشمس المضيئة، فيرى متلالئا بالليل لما يعكسها من أشعة الشمس.

ثم للقمر أيضا حركتان الوضعية والانتقالية. والمراد بالأول دواره حول نفسه وهو يطول 27 يوما و7 ساعات و 43 دقيقة و5\11ثانية. فنهاره يطول خمسة عشريوما بالتقريب، وليله كذلك. والقمر - کالأرض- يدور من المغرب إلى المشرق.

والمراد بالثاني دواره حول الأرض، وهو اليوم يطول بنفس الزمان الذي تطول

حركته الوضعية. أي 27 يوما و 7 ساعات و 43 دقيقة و5\11ثانية.ومن ثم لا يواجه الأرض إلا نصفا من القمر بالدوام، والنصف الآخر لا يرى من الأرض أبدا. هذه المدة التي طيلته يدور القمر حول الأرض بمقدار 360 درجة، تسمى بفترة الدوران.

وللقمر فترة أخرى تسمى بالهلالية أو الفترة الإقترانية، وهي المدة التي تطول إلى أن يتجدد الهلال لمن يرى القمر من الأرض؛ وهي تستغرق 29 يوما و 12 ساعة و 44 دقيقة و2/9ثواني. ولتوضيحها وتوضيح سبب اختلاف مقدارها مع فترة الدوران، لابد من مقدمة في تبين سبب تشكل الهلال.

أ:سبب تشكل الهلال

القمر في دواره حول الأرض، يتخذ مواضع مختلفة بالنسبة إلى الأرض والشمس. فقد يقع ما بين الأرض والشمس، وقد يقع خلف الأرض، كما قد يقع على

ص: 26

جانبيها. فلا يقع خلفها، فالنصف المقابل للأرض يكون بتمام وجهه مقابلا للشمس ويتلألؤ على هيئة البدر التمام. ولما يكون على جانبي الأرض يظهر على حالة التربيع. وحين إذ يكون على الخط المفروض بين الأرض والشمس متوسطا بينهما، فالنصف المواجه للأرض يختفي في ظلال النصف الآخر المواجه للشمس(1). ومن المعلوم أنه لا لم يكن إشعاع فلم يكن انعکاس. فلا يتميز ظلام القمر عن سواد الفضاء. فيقال امتحق القمر، أو دخل في المحاق، بمعنى أنه اختفي نوره. وهذه الحالة أي التي تقع فيها ثلاثة أجرام سماوية على خط واحد تسمى ب«الاقتران».

فحينما يأخذ القمر في الخروج عن المحاق والمقارنة، يظهر من النصف المستضيءشريطة على هيئة الهلال. ويتزايد كل ليلة في القدر الساطع إلى أن يصير بدرا، ثم يتناقص حتى يتراجع إلى الهلال والمحاق. فالقمر يقطع كل درجة من هذه الدورة خلال ساعتين تقريبا. ويتغير شكله أثناء الدورة بالنسبة لمن ينظره من الأرض وذلك تبع لتطور موقعه من الشمس والأرض، فيظهر بأشكال مختلفة (کالهلال والبدر و...) فتسمى تلك المواقع بمنازل القمر. وهي ثمانيةوعشرون منزلا. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 1 في صفحة 275)

وهذه هي الفترة الهلالية الواقعة بين المحاقين.

ص: 27


1- وهذا التوسط لا يستتبع الكسوف لزوما. وذلك لاختلاف زاوية الصفحة المدارية القمرية عن الصفحة المدارية الأرضية بمقدار 5 درجات. وهذا يوجب ألا تقعا الشمس والأرض مع القمر في امتداد واحد في أكثر المقارنات. نعم، صح بأن الكسوف لا يتحقق إلا عند المحاق أو قبله أو بعده بقليل، كما لا يتحقق الخسوف إلا عند البدر أو يوما قبله أو بعده. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 2 في صفحة 275

ب: لماذا تفترق الفترة الهلالية عن فترة الدوران؟

بعد تمهید هذه المقدمة، فلنراجع إلى البحث عن أنه لما ذا تكون الفترة الهلالية أطول من فترة الدوران؟

وذلك لأن القمر في دواره حول الأرض، يدور معها حول الشمس أيضا. فمنذ يخرج القمر من المقارنة، إلى أن يقطع 360 درجة حول الأرض ويصل إلى النقطة الأولى، كانت الأرض قادمة في حركتها الإنتقالية بمقدار 27 درجة. فخط المقارنة أيضا تتمايل عن نقطة الإبتداء إلى الجانب الشرقي بهذا المقدار. فيلزم للقمر لأن يصل إلى نقطة المقارنة ثانيا أن يقطع 27 درجة زيادة على 360 درجة، وهذا يطول بمقدار يومين وخمسة ساعات و 51/4ثانية. (360درجة تساوي 32166/ 27 يوما، و 27 +360درجة تساوي 29/53059يوما)

وهذه الفترة الإقترانية أو الهلالية هي «الشهر القمري» المعرف بالمدةالمتوسطة بين المحاقين أو بين الهلالين، وهو من الأساس مرتبط بمرئي الناظر الأرضي. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 3 في صفحة 276)

ج: كتاب الله والهلال

والقرآن الكريم عنى بالهلال وتطورات القمر. فقال جل ثنائه في سياق الإعداد عمايكشف عن قدرته على إحياء الموتى وإعادتهم:

وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حتی عَادَ کالعرجون الْقَدِيمُ(1)

ص: 28


1- القرآن الكريم، يس، 39.

و«العرجون القديم» هو العذق اليابس العتيق، وإنما شبه تعالی القمر في أحد منازله وهو الهلال بالعذق العتيق لأنه إذا مضت عليه الأيام جفت و تقوس، فيكون أشبه الأشياء بالهلال.(1)والمثال كسائر الأمثال القرآنية متخذ مما آنس به المخاطب سینا من في جزيرة العرب لأنه مأنوس أشد الأنس مع النخيل وخصوصياته بمثل العرجون والعذق اليابس ويعرف أنه بشكل الهلال. فأشير في الآية بأن للقمر منازل والقمر يدور في هذه المنازل حتى يعود إلى ما بدأ منه والقمر في أحد منازله يشبه العذق اليابس.

وقال جل ثنائه مجيبا عن سؤال سئله بعض الناس عن رسول الله صل الله علیه واله:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ(2)

ومن المعلوم عن القرآن والتاريخ، أن الناس كثيرا ما كانوا يسئلون النبي الأعظم صلی الله علیه واله، والقرآن الكريم قد أجاب عن بعض هذه الأسئلة.

فمنها:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالُ فِيهِ كَبِيرُ وَ صَدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ(3)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(4)

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(5)

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ(6)

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ...(7)

ص: 29


1- راجع: مجمع البيان، للطبرسي، 8/ 274.
2- القرآن الكريم، البقرة، 189.
3- نفس المصدر،217
4- نفس المصدر،النازعات، 42.
5- نفس المصدر،الكهف، 83.
6- نفس المصدر، البقرة، 220.
7- نفس المصدر، الإسراء، 85.

ومنها السؤال عن الأهلة، الذي نحن بصدده. ويجب أن يعلم أنه ليس السؤال عن ماهية الهلال ولا عن كيفية تشكله بأشكال مختلفة، بل السؤال عن الحكمة والفائدة التي تترتب على الهلال وتكرره في كل شهر. والشاهد على ذلك الإتيان بالجمع (الأهلة)(1). والشاهد الثاني لزوم مناسبة الجواب للسؤال.

والجواب هو أن الشهر يبتدأ بالهلال وينتهي بالهلال البعدي. وكل اثناعشر شهر يسمى سنة قمرية. والناس بتعقیب هذه التطورات يقدرون على محاسبة الشهور والسنين.

وفي هذا السياق قوله تعالی:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ ليتعلموا عَدَدِ السنین وَ الْحِسَابِ(2)

ص: 30


1- يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله علیه في الميزان: ولكن إتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ» دليل على أن السؤال لم يكن عن ماهية القمر واختلاف تشکلاته إذ لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال : يسئلونك عن القمر لا عن الأهلة؛ وأيضا لو كان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكله الخاص كان الأنسب أن يقال : يسئلونك عن الهلال إذ لا غرض حینئذ يتعلق بالجمع، ففي إتيان الأهلة بصيغة الجمع دلالة على أن السؤال إنها كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالا بعد هلال ورسمه الشهور القمرية وعبر عن ذلك بالأهلة لأنها هي المحققة لذلك فأجيب بالفائدة.ويستفاد ذلك من خصوص الجواب: قل هي مواقيت للناس والحج، فإن المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال والأعمال إنها هي الشهور دون الأهلة التي ليست بأزمنة وإنما هي أشكال وصور في القمر. (الميزان، للعلامة الطباطبائی، 2/ 55)
2- القرآن الكريم، یونس، 5

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، عن الضوء والنور في الآية:

توضیح: او آن خدای است که آفتاب سبب روشنای روز ساخت، و ماه سبب روشنای شب. ابو علی گفت: ضیاء، از دو وجه بیرون نیست، یا جمع ضوء باشد کسوط و سیاط، یا مصدر ضاء يضوء (ضياء] باشد، كقام قياما، و عاد عياذا. کلبی گفت: روی آفتاب و ماه اهل هفت آسمان را روشنای میدهد و پشتشان اهل هفت زمین را، و گفته اند: ضیاء، بلیغ تر از نور باشد، برای آن آفتاب را ضياء گفت و قمر را نور، ويقال: أضاء النهار وأنار الليل ولا يقال: أضاء الليل، و حق تعالی در آفتاب و ماه و(1)علامت و دلالت نهاد در گردانیدن.(2)

د: منازل القمر

ثم عقب في كلامه مفسرا عن المنازل:

و منازل، بیست و هشت منزل است بر عدد شبهای ماه، جز آن دو شب [که] در اسرار در باشد که نبینند او را، و گفته اند: در نور آفتاب بود از وقت اجتماع تا به آن وقت که دوازده درجه یا کما بیش [از] أو باز پس افتد، على خلاف بينهم في ذلک، هر شب به یک منزل باشد از این منازل، و نام های منازل این است: الغفر، الزبانی، الاكليل، القلب، الشولة، النعایم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الاخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، بطن الحوت، الشرطان، البطين، الثريا، والدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، التثرة، الطرفة، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماک، واین اسماء کواکب است که منازل قمر باشد.(3)

ص: 31


1- الظاهر أن الواو هنا تصحيف والصحيح:«حق تعالی در آفتاب و ماه، علامت و دلالت نهاد»
2- روض الجنان، لأبي الفتوح الرازي، 10/ 97.
3- نفس المصدر، 98.

ه: الشهور الإثني عشر في القرآن

ما كان أجنبي عن المقام لو قلنا بأن القرآن الكريم أكد على عدد الشهور وأنهاكانت وتكون إثنا عشر شهرا من أول يوم خلق نظام الوجود. فيقول سبحانه وتعالی:

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(1)

وهذا التأكيد كان مقابلة من القرآن لبدعة ابتدعها العرب، المسماة بالنسيء.

و: السيء عند الجاهلية

لا يزال كان العرب، يحرسون عن حرمة الأشهر الحرم بعناية تامة حتى خلج الشيطان في صدورهم فأنساهم حرمة تلك الشهور، وحثهم على التأخير والتغيير والتبديل في الأشهر الحرم. وما كان ذلك إلا حرصا لهم في التجارة او جرأة لهم على عدوهم - عندما كانت يدهم العليا على عدوهم- حتى مالوا أن يستقروا الأشهر الحرم في فصل خاص كان أنسب لتجارتهم أو أحسن لفوزهم على العدو. وهم تعلموها من اليهود الذين يعيشون على مجاورتهم في الحجاز، وهذا منذ مأتي عام قبل الإسلام. يقول المحقق العظيم أبو ریحان البيروني:

ص: 32


1- القرآن الكريم، التوبة، 36.

فأما العرب فإن الشهور عندهم اثنا عشر شهرة: أولها:1. المحرم،2. صفر،3. ربيع الأول،4. ربيع الآخر،5. جمادى الأولى، 6. جمادى الآخرة، 7. رجب، 8. شعبان، 9. رمضان، 10. شوال، 11. ذو القعدة، 12. ذو الحجة...

وكان يدور حجهم في الأزمنة الأربعة. ثم أرادوا أن يحجوا في وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وغير ذلك، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة وفي أطيب الأزمنة وأخصبها؛ فتعلموا الكبس من اليهود المجاورين لهم، وذلك قبل الهجرة بقريب من مائتي سنة، فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود، من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهرا بشهورها إذا تم، ويتولى «القلامس»(1)من بني كنانة بعد ذلك أن يقوموا بعد انقضاء الحج؛ ويخطبوا في الموسم، وينسئوا الشهر، ويسموا التالي له باسمه، فيتفق العرب على ذلك، ويقبلون قوله، ويسمون هذا من فعلهم «النسيء»؛ لأنهم كانوا ينسئون أول السنة في كل سنتين، أو ثلاث شهرا على حسب ما يستحقه التقدم. قال قائلهم من الطويل:

لنا ناسي تمشون تحت لوائه***يحل إذا شاء الشهور ويحرم

وكان النسيء الأول للمحرم، فسمي صفر به، وشهر ربيع الأول باسم صفر، ثم والوا بين أسماء الشهور، وكان النسيء الثاني لصفر، فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضا، وكذلك حتى دار«النسيء» في الشهور الإثني عشر، وعاد إلى المحرم، فأعادوا بها فعلهم الأول. وكانوا يعدون أدوار النسيء، ويحدون بها الأزمنة، فيقولون: قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلى زمان كذا وكذا دورة. فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصله من الفصول الأربعة- لما يجتمع من کسور سنة

ص: 33


1- قال في المجمع في توضيح «قلامس»: وقال أبو مسلم بن أسلم: ... بل رجل من بني كنانة يقال له القلمس كان يقول إني قد نسأت المحرم العام وهما العام صفران فإذا كان العام القابل قضينا فجعلناهما محرمين قال شاعرهم: "وما ناسي الشهر القلمس" (مجمع البيان، للطبرسی،5\53)

الشمس، وبقية فصل ما بينها وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها- كبسوها كبسا ثانيا، وكان يبين لهم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها، حتى هاجر النبي علیه السلام، وكانت نوبة النسيء- كما ذكرت- بلغت شعبان فستي محرما، و شهر رمضان «صفر».

فانتظر النبي صلی الله علیه واله حتى دار النسيء، وعادت الشهور إلى مواضعها الحقيقية، فحج حينئذ«حجة الوداع» وخطب للناس، وقال فيها:«ألا إن الزمان قد استدار کھیئته يوم خلق الله السماوات والأرض»(1)عني بذلك أن الشهور قد عادت إلى مواضعها، وزال عنها فعل العرب بها؛ ولذلك سميت حجة الوداع «الحج الأقوم»، ثم حرم ذلك ...(2)

وقد أدي المحقق البيروني حق الأمر وأوفي في بيان سبب النسيء عندهم، وأكمل التوضيح بأن العرب كانوا يعرفون الأشهر الحرم وحرمتها، حتى سموا الحرب في هذه الشهور «حرب الفجار(3)» وهذا ما شهد به المؤرخون.(4)

يقول العلامة الشعراني رحمه الله:

از اعمال دینی و رسوم آنان پیش از اسلام حج خانه خدا بود که در ماه ذی الحجه انجام می دادند و ترک جنگ و غارت در سه ماه پیاپی ذی القعده و ذی الحجه و

ص: 34


1- خصال، للشيخ الصدوق، 487.
2- الآثار الباقية، لأبي ريحان البيروني، 71.
3- الفجار (بالکسر): بمعنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا، فسمى بالفجار.
4- راجع: مروج الذهب، للمسعودي، 2/ 225، والسيرة، لابن هشام، 1/ 184، والأغاني، والعقدالفريد.

محرم، تا حاجیان بی ترس به خانه خدا آیند و به منازل خویش بازگردند و راهها امن باشد. و یک ماه رجب که رسم عمره داشتند نیز قتل و غارت حرام بود، حتی برای قصاص؛ چنان که اگر کسی قاتل پدر خویش را در ماه حرام میدید، در بیابان تنها، متعرض قتل او نمی گشت. و این سنت به خاطر احترام خانه کعبه و حرمت حضرت ابراهیم علیه السلام بود.(1)

والقرآن يذم الجاهليين ويعد النسيء کفرا وإلحادا حيث يقول:

إِنَّمَا النِّسيُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَامّاً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اَللَّهُ فَيُحِلُّوا مَاحَرَمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهدِي الْقَوْمَ الكافِرِينَ(2)

ثم يؤكد بعد آیات على أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، وينهى عن أن تظلموا أنفسكم بتحليل الحرم منها.

السنة القمرية

تتم السنة القمرية بدوار القمر حول الأرض اثنا عشر دورا، طيلة 354 يوما و8 ساعات و 48 دقيقة. وبها يشير قوله تعالی:

إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِنْدَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اَللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ...(3)

والتفاوت بين السنة الشمسية الحقيقية (أي النجومية دون التقويمية) والقمرية الحقيقية هو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وتسع ثواني وثاني وعشرون ثالثة وأربع عشرة رابعة وثماني وأربعون خامسة.(4)فالقمرية تكون اقصر بهذا المقدار.

ص: 35


1- مقالة «تفصيل الآيات»، للشعراني، 16.
2- القرآن الكريم، التوبة، 37.
3- نفس المصدر، 36
4- رؤية الهلال،للمختاری،4\20

المقدمة الخامسة، في بعض مصطلحات علم الهيئة

الدوائر العظيمة و المقنطرات

أسس علم الهيئة على فرض عدة دوائر سماوية، مثل دائرة معدل النهار ودائرة منطقة البروج ودائرة الأفق ودائرة نصف النهار و.... فكما الدوائر الجغرافيائية تمكننا بتقاطيعها من معرفة موقع البلاد على الأرض، فكذا الدوائر المفروضة السماوية تمكننا من تبيين الأوضاع والأحكام للكواكب. بعض هذه الدوائر تكون بحيث يساوي شعاعها شعاع كرة الكل فتسمى بالدوائر العظيمة؛ و التي تكون شعاعها اقل من ذلك فتسمى بالمقنطرات. وهذه الدوائر مقنطرة كانت أو عظيمة تقسم وتدرج إلى 360 درجة. وإليك نبذة من أهم الدوائر العظيمة.

أ:معدل النهار

لو فرضنا خطا مستقيما ممتدا من مركز الأرض إلى أي نقطة على الإستواء الجغرافي ثم مددناه في السماء، فبدورانه حول الأرض مماشا لخط الإستواء، تحصل دائرة، بل صفحة مدورة تنصف الأرض والسماء إلى النصفين الشمالي والجنوبي. فهي تسمى دائرة «معدل النهار» أو «الإستواء» السماوي. وذلك لمحاذاته لخط الاستواء الأرضي التي تعدل طول النهار لطول الليل بالنسبة إلى البلاد الواقعة عليه، بالتقريب.(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 4 في صفحة 276)

ص: 36

ب: دائرة نصف النهار

لو فرضنا دائرة مركزها نفس مركز كرة الأرض_كما هو الحال في دائرة الإستواء_لكنها متعامدة على دائرة الإستواء، قاسمة للكرة إلى النصفين الشرقي والغربي- كما أن الإستواء کانت قاسمة للكرة إلى النصفين الشمالي والجنوبي- فهذه الدائرة المفروضة المارة من شمال الكرة وجنوبها معا، تسمى بنصف النهار الجغرافيائية . ثم لو توسعنافي هذه الدائرة إلى أكثر من محيط الأرض وإلى أبعد ما يمكن من العالم الجسماني، حتى نصل إلى كرة الكل، فهذه أيضا تسمى بنصف النهار لكن بمقاييسها الهيوية. و ليعلم أنه يمكن لنا أن نفرض ما شئنا من الدوائر الناصفة للنهار من دون حد في عددهن. بخلاف الإستواء الذي لا يكون إلا واحدا.(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 4 في صفحة 276)

ج: دائرة البروج

لو فرضنا خطا مستقيما يبدأ من مركز الأرض، ثم يعبر عن مركز الشمس ويمتد في السماء إلى ما وراء الشمس، فبدوران الأرض حول الشمس، يدور هذا الخط حول الشمس ويرسم برأسه النائي عن الأرض الماس لكرة الكل دائرة، تسمى بدائرة البروج. فهي دائرة محاذية لمدار الأرض في حركتها الإنتقالية. وبعبارة أخرى هي مسيرة الشمس في السماء حسب من ينظرها من الأرض. فيبدو للناظر أن الشمس في كل يوم تقابل کواکب وسيارات غير ما قابلتها بالأمس. فلذا قد سميت بالدائرة الشمسية أيضا. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 5 في صفحة 277)

ص: 37

وجدير بالذكر، أن الشمس لا تبدو دائما على مستوي واحد في السماء. بل يراها الناظر من الأرض، كل فترة في زاوية متفاوتة. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم6 في صفحة 277) فقد تعلو وتحاذي لرأس السرطان وقد تنحدر وتقع محاذية لمدار رأس الجدي. وذلك لميلان محور الأرض في حركتها الوضعية عن مدارها في الحركة الإنتقالية. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 7 في صفحة 278)

فلو جعلنا دائرة البروج مسيرة للشمس بحسب من ينظرها من نقطة معينة على سطح الأرض، لم تكن دائرة البروج دائرة حاصلة من دوار خط مستقيم بل تكون على صورة منحني جيب(1)مدور (حرکت سینوسی). نعم لو جعلناها محاذية لمدار الأرض في حركتها الإنتقالية وبعبارة أخرى دائرة حاصلة من دوار الخط الخارج من مركز الأرض إلى مركز الشمس ثم إلى ما وراء الشمس، كانت دائرة بالتمام. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 8 في صفحة 278)

وهنا اصطلاح آخر يسمى بمنطقة البروج. فيشير إلى ناحية من السماء عرضها 16 درجة. ثمانية من شمال دائرة البروج وثانية من جنوبها. فهي كشريطة مدورة أو حزام تحتوي أكثر ما يراه الناظر الأرضي من الكواكب والسيارات. ومن المعهود قدیما عند الهيويين، تقسیم دائرة البروج إلى 12 قطعة تعادل كل واحدة منها 30 درجة، فكل واحدة من هذه المقاطع تسمی برجا و كل برج بحسب ما يتوهم فيه من الصور الفلكية

ص: 38


1- يقال بالفارسية «حرکت سینوسی»

يسمى باسم ذلك الصورة. وهذه الصور هي أشكال تحدث من رسم خطوط فرضية بين النجوم والكواكب. فيقولون برج الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة و الميزان والعقرب والقوس أو الرامي والجدي والدلو والحوت.(1) فبرج الحمل تتخيل على صورة ولد الضأن (بره) و الثور هو ذكر البقرة، والجوزاء هي شاة سوداء يكون في وسطها بیاض، سمي البرج الثالث بها لأنه الأظهر من باقي البروج كما أن الجوزاء تكون ظاهرة في الخروف السواد، والسرطان هو السلطعون (خرچنگ) وهكذا ... وسميت منطقة البروج بهذا الاسم لأنها منطقة وقع فيها البروج الإثني عشر. وكذا الحال في تسمية دائرة البروج. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم9في صفحة 279)

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(2)

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(3)

د: دوائر الأفق

لو رسمنا خطا من أي نقطة على سطح الأرض إلى النقطة المقابلة لها على نحويعبر الخط من مركز الأرض، ثم مددناه من الجانبين ما يمكن المد، فنتمكن من جعل

ص: 39


1- مقابلها بالشهور الفارسية فروردین، اردیبهشت، خرداد، تیر، مرداد، شهریور، مهر، آبان، آذر، دی، بهمن،اسفند
2- القرآن الكريم، الحجر، 16.
3- نفس المصدر، الفرقان،61.

أي نقطة من هذا الخط مركزا لدائرة متعامدة على تلك الخط، وكل واحدة من هذه الدوائر مقنطرة كانت أو عظيمة، تسمى بدائرة الأفق. وكما تقسم الإستواء العالم إلى الشمال والجنوب، ونصف النهار تقسمه إلى الشرق والغرب، فكذا دائرة الأفق تقم العالم إلى فوق الأفق وتحته.

ولا يخفى أنه يمكن أن تكون متوازية لباقي الدوائر الأرضية والسمائية، کالاستواء ونصف النهار أو متمايلة عنها أو متعامدة عليها في بعدين من الأبعاد الثلاثة أو في ثلاثتهن.(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 10 في صفحة 279)

ودائرة الأفق تكون على ثلاثة أقسام، الحسي والسي والحقيقي:

1- الأفق الحقيقي

ثم لو(1)بنينا على أن العالم على هيئة كرة عظيمة وأن الأرض هي مركز للكون والأفلاك -كما كان يتوهمها الأقدمين - فكل واحدة من دوائر الأفق التي تكون مركزها نفس مركز الأرض، تحتسب أفقا حقيقيا. ويشترط في الأفق الحقيقي أن تكون من الدوائر العظيمة. وحسب الفرض، القسمة الفوقانية والتحتانية للأفق الحقيقي تكونان متساويتين. وأما باقي دوائر الأفق المتوازية لدائرة الأفق الحقيقي، المتحدة معها في المحور، تحصل من دوار خط شعاعي متصل برأسه الأول إلى ذلك المحور ومما برأسه الآخر لمحيط كرة الكل، فلا جرم يكون قطر تلك الدوائر اقل من قطر العالم،

ص: 40


1- لو لم تستقر الشرط بحيث تكون الأرض في جانب من جوانب كرة الكل، أو لم يكن العالم على هيئة الكرة-و الحال في كلا الأمرين كذلك فلا يكون قطر دائرة الأفق الأرضية مساويا لقطر العالم .

فتكون من الدوائر الصغيرة المسماة باسم المقنطرة. فيما يقع من الفلك المحيط فوق مقنطرات، يكون اصغر مما في تحتها. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 11 في صفحة 280)

2- الأفق الحسي

وهي دائرة أفق مقنطرة مركزها نقطة من ذلك المحور محاذية لسطح كرة الأرض. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 11 في صفحة 280)

3- الأفق الترسي

لو فرضنا شخصا قائما على سطح كرة الأرض في منطقة بيداء من غير عوج ولا أمت، حالما هو ينظر إلى الأفق نتمكن من رسم خط خارج من عينه إلى الأفق مماسا لسطح الأرض، ثم لو دار الشخص حول نفسه بمقدار 360 درجة حتى يصل إلى النقطة التي كان ينظر إليها أولا، فيتشكل من دوار خط بصره مخروط دائري قائم، قاعدته تسمى دائرة الأفق الترسي. فهي الفاصلة المائزة بين ما يرى من السماء وما لایری. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 12 في صفحة 280)

والترسي قد تتوسع أو تتضيق بحسب طول الناظر وارتفاع بصره من الأرض.فإنها قد تساوي الأفق الحقيقي فتكون من الدوائر العظيمة، وقد تكون صغيرة ومن المقنطرات. بل قد تكون اصغر من الأفق الحسي أيضا، وذلك إذا قام الشخص في مكان منخفض، فيكون قاعدة المخروط فوق رأس الناظر.

وسميت بهذا الاسم المشابهتها بالترس وهو أحد الأداة الدفاعية المستفادة منها في الحروب القديمة. وهو صفحة مستديرة محدبة من الفولاذ، تحمل لوقاية الوجه والرأس من الضربات ويقال له بالفارسية «سپر». (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 13 في صفحة 281)

ص: 41

ه: دوائر الطول والعرض

وليعلم أن الفلكيين يحتاجون إلى تعيين موقع البلدان على الأرض، إذ موقف الراصد من الأرض يؤثر في إرصاده من جهات عديدة، منها المت والإرتفاع. فإنه يلزم على المنجم العلم بأن تلك الشيء السماوي الذي يريد بإرصاده، تطلع في أي ناحية من سماء بلدته، فإنها وأمثالها تتأثر عن موقع البلدان على الأرض. أضف إلى ذلك، أن الغرض الأصلي للمنجم أن يعمل في المحاسبات الفلكية ويعين الكيفيات و الكميات المتعلقة بالكواكب والسيارات، ما حل منها وما يتوقع لها. وذلك لا يتحقق إلا باستخدام دوائر سماوية مر عنا ذكر نبذة منها. فبعضها تحاذي الدوائر الأرضية وبعضها ترسم بحسب تلك المحاذيات.

فلا أحس المنجمون بهذه الحاجة تظافروا مع الجغرافيين وأسسوا نوعا من نظام الإحداثيات(1)الكروية بها فرضوا على الأرض من أقواس ممتدة ما بين القطبين، المصطلح عليها بالطول ومن دوائر متوازية متعامدة على تلك الأقواس الطولية، المسماة بالعرض. ودوائر العرض ممتازة إحداها عن الأخرى بالطبع بما لها من السعة والضيق وبما أنها واقعة في النصف الشمالي أو الجنوبي من كرة الأرض. ولكن أقواس الطول بما هي أقواس، تكون معدمة لأي مائز. فاحتاجوا إلى اعتبار مبدأ لها. (راجع الصور و الرسوم البيانية -الرقم 14 في صفحة 281)

ص: 42


1- يقال بالفارسية «جدول مختصات»

مبدأ الطول

فالقدماء بما كانوا يتوهمون من أن الأرض مسكون بربعها وخالية عن البشر في ثلاثة أرباعها الباقية، فاتخذوا أغرب مكان معروف لهم من الربع المسكون مبدأ للطول. وهي إحدى الجزائر الخالدات(1)(Canarias)، في ناحية الشمالية الغربية من قارة أفريقيا، على قرب من سواحل المملكة المغربية(2). فإنها أرخبيل جزر(3) منتظمة من سبعة جزائر، أغربهن جزيرة «El Hierro» المعربة ب «فرو». فأخذوا بتعيين موقع البلدان بقدر قربهم أو بعدهم عنها. فمثلا كانوا يقولون أن مكة بلدة تبعد عن فرو بثمانية وخمسين درجة .(4)

ثم عقد في عام 1884 مؤتمر دولي في واشنطن باحثا عن خطوط الطول العالمي، واجتمع واحد وأربعون مندوبا، من خمسة وعشرين دولة، واتفقواعلى أن القوس الذي يمر عن المرصد الملكي في غرينتش(5)في جنوب شرق لندن يحتسب مبدأ عالميا للطول الجغرافي.

ص: 43


1- يقال بالفارسية «جزائر قناری»
2- هي مملكة عربية تقع في أقصى غرب شمال أفريقيا. تسمي أيضا ب«مراكش» و «Morocco»
3- يقال بالفارسية «مجمع الجزائر»
4- اعلم أن القدماء كانوا يحسبون الطول شرقا فقط ولكن الهيويون في العصور الأخيرة يحسبون الطول 180درجة شرقا و 180 درجة غربا؛ فعلى هذا يكون الطول شرقا وغربا (رؤية الهلال، للمختاري، 2/ 798)
5- Greenwich

وقيل في سبب ذلك، أن غرينتش واقعة في قرب أغرب الأماكن المسكونة قبل أن نصل إلى المحيط الأطلسي. فجعلها مبدأ لا يوجب إيذاءا لمجاوريه بأن يختلف ساعة قريتين قريبتين بأكثر من 23 ساعة. ولأنها لا تختلف طولها عن «فرو» إلا بثماني عشرة درجة؛ ولأنها تنفع المنجمين في الإرصادات المتوالية للكواكب و السيارت بأن يرصدهاالمرصد الغربي ثم الشرقي ثم من يلي من شرق الثاني وهكذا إلى الآخر.

فلعل تقرير غرينتش مبدأ لطول البلاد ليس أمرا سياسيا ولا ثقافيا أو لا لجهة أخرى من الجهات الإعتبارية، بل هو لخصوصية كونية كانت فيها وهي أنها أقرب بلدة إلى «فرو» وأول بلدة معمورة من جانب الغرب يمكن للإنسان أن يسكن فيها وأن ينصب المراصد.

استخراج الطول

ثم بعد التسالم على مبدئية إحدى الأقواس الناصفة للنهار، نصل إلى طريقة الانتفاع عن هذا المبدأ في تعيين طول باقي البلاد. فإذا أردنا أن نقدر طول نقطة من الأرض، فيمكن لنا أن نترصد الكسوفات مثلا، فتقدر الفصل الزماني بين وصول مركز الشمس إلى نصف النهار المبدأ وإلى نصف النهار لتلك النقطة، ثم نحسب على كسبها الطول، إذ الأطوال الرئيسية هي 24 طولا، كل واحد منها تشتمل 15 درجة والمجموع يكون 360 درجة، التي تستوعب كل الكرة. فتعادل كل من الأطوال الرئيسية ساعة، إذ الأرض تدور حول نفسها طيلة 24 ساعة، ثم نقسم كل درجة إلى 60 دقيقة وكل دقيقة إلى 60 ثانية. فطول الكعبة مثلا تكون 39 درجة و49 دقيقة و 34 ثانية. وليعلم أنه لا خصوصية للكسوف، بل يمكن أن يستفاد من كل ظاهرة ثابتة، لها طلوع و غروب. ولكن الشمس هي المتعارفة في العمل.(1)

ص: 44


1- راجع: رؤية الهلال، للمختاري، 2/ 798.

عرض البلد

کا سبق منا آنفا أن دوائر العرض هي دوائر متوازية متعامدة على الأقواس الناصفة للنهار. أوسعها هي التي قطرها تساوي قطر الأرض وتسمى بالإستواء وهي تبعد عن القطبين بمقدار 90 درجة. والإستواء تحسب مبدأ للعرض. فعرض كل بلدة هو مقدار ابتعاد تلك البلدة عن دائرة الإستواء عن اقرب الطرق إليها، لكن لا بالأمتار والكيلومترات ونحوهما، بل حسب الدرجات والدقائق والثواني. أي نفصل من نصف النهار المارة عن تلك البلدة قوسا يحدد بالإستواء من جانب وبالبلدة من جانب آخر، فنحسب طوله على مقياس الدرجات. فإن المدينة المنورة تبعد عن الإستواء بمقدار 2707 کیلومتر حسب المسافة السطحية، وعرضها يكون 24 درجة و 28 دقيقة و 90/ 40 ثانية.(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 15 في صفحة 282)

والجغرافيون يسمون العرض باسم «المدار» أيضا، فيقولون مدار الإستواء مثلا.والمدارات الرئيسية عندهم هي خمسة.

1- مدار الإستواء: وهو ينصف الأرض إلى النصفين الشمالية والجنوبية.وتتعامد أشعة الشمس عليه في بداية فصل الربيع والخريف.

2- مدار السرطان أو رأس السرطان: وهو من المدارات الشمالية وتتعامد عليه الشمس حين إذ يبدأ الصيف في النصف الشمالي. وذاك إذ يكون في النصف الجنوبي شتاءا. عرضه 23 درجة و 27 دقيقة بالتقريب.

ص: 45

3- مدار الجدي(1)أو رأس الجدي: وهو جنوبي متناظر المدار السرطان في الشمال.تتعامد عليه الشمس حين إذ يكون في النصف الجنوبي مبتدأ للصيف.

4 - الدائرة القطبية الشمالية: هي كحد لتناوب اليومي المتعارف للنهار والليل. ففي الأعراض الشمالية الواقعة من ورائها يوجد في السنة يوما على الأقل يطول نهاره 24 ساعة بل و عند القطب نفسه يطول كل من الليل و النهار ستة أشهر. فحينما يكون النصف الشمالي في الربيع والصيف، لم تغرب الشمس عن القطب، وعند الخريف والشتاء لم تطلع الشمس عليه. الدائرة القطبية الشمالية عرضها 63 درجة و 33 دقيقة.

5- الدائرة القطبية الجنوبية: وهي المتناظرة للدائرة القطبية الشمالية لكن على العكس. فحين إذ يكون هناك نهارا فهاهنا يكون ليلا.(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 16 في صفحة 282)

ثم لتعيين عرض البلاد عدة طرق منها ملاحظة الظل ومنها تحصيل ارتفاع الشمس ومنها تحصيل ارتفاع الجدي، وغيرها. ولكل من هذه الطرق شرط و شرح يطول ذكره.(2)

ص: 46


1- بفتح الجيم وسكون الدال
2- من أراد فليراجع «دروس في معرفة الوقت والقبلة» لحسن زاده الآملي

المقدمة السادسة؛ نبذة مما يتعلق بالشمس والقمر

مسيرة الشمس في السماء وموقعها من الأرض

(الاعتدالين والانقلابين)

قد تحدثنا عن دائرتي معدل النهار ودائرة البروج. فالآن نقول أنه لما كان مدار الأرض في حركتها الوضعية تميل عن مدارها الإنتقالي بثلاث وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، فدائرة البروج المحاذية للمدار الإنتقالي تميل عن المعدل للنهار المحاذي للإستواء الأرضي بهذا المقدار. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 17 في صفحة 283)

فيقطع أحدهما الآخر في نقطتين. وعندهما يتساوي الليل والنهار ويسميان بالإعتدالين. فبأحدهما يبدء الربيع و بالآخر الخريف. والأول يكون في 21 من مارس (حسب تقويم غريغوري(1)) وهو اليوم الأول من الفروردین (حسب تقويم الشمسي الجلالي) وذاك حين دخول الشمس في برج الحمل. وأما الإعتدال الخريفي فهو يقع في 23 من سبتمبر أي الأول من المهر، حين تدخل الشمس في برج الميزان. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 18 في صفحة 283)

ففي الإعتدالين تكون الشمس مسامتة لصفحة الإستواء متعامدتا على صفحةالأفق الحسي لمن قام على الإستواء حين الظهر وعند زوال الشمس، فحين ذاك يكون الشاخص المنصوب على الإستواء عديم الظل، لأنه حينئذ يقع مركز الأرض ومركز

ص: 47


1- Gregorian calendar

الشمس ورأسي الشاخص في امتداد واحد، على خط مستقیم. وأيضا، يكون الخط الفاصل بين الليل والنهار (المسمی بخط الغلس) متعامدا على الإستواء. والمتداول في التعبير عن هذه الحالة أن يقال «أن الشمس تكون متعامدة على الإستواء»

ثم من بعد ذلك يتغير العرض المتعامد عليه الشمس. فمنذ هي (أي الشمس) زائلة عن الإعتدال الربيعي سائرة نحو الإعتدال الخريفي، يكون العرض المتعامد عليه في النصف الشمالي، ثم من بعد الخريفي تتعامد على الأعراض الجنوبية حتى ينتهي الأمر إلى الإعتدال الربيعي ثانيا. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 19 في صفحة 284)

و مدار رأس السرطان آخر عرض تتعامد عليه الشمس في النصف الشمالي،وهذا إذ تدخل الشمس في برج السرطان، فحين ذاك يكون أطول الأيام في النصف الشمالي ومبتدأ للصيف بالنسبة لها. فتسمى بالإنقلاب الصيفي، إذ منبعدها تتراجع الأحوال وتقصر الأيام حتى يتساوى الليل والنهار في الإعتدال الخريفي. ثم إذا تعامدت الشمس على مدار رأس الجدي في النصف الجنوبي، فذاک پسمى بالإنقلاب الشتائي إذ يبتداء به الشتاء بالنسبة للنصف الشمالي.

الإشعاع العمودي و تحصیل جهة القبلة

تحدثنا عن السير العرضي للشمس في منطقة البروج، وعن أن الشمس تكون متعامدتا على الإستواء في الإعتدالين وعلى رأس السرطان في الإنقلاب الصيفي وعلى رأس الجدي في الانقلاب الشتائي. ومن الرائع أن بيت الله الحرام، الكعبة واقعة في مسيرة الإشعاع المتعامد الشمسي. فإن الشمس قد تكون متعامدة على العرض الشمالي المرقم

ص: 48

بإحدى وعشرين درجة(1)وهي عرض الكعبة بالضبط. وهذا يكون مرتين بالسنة، إحديها بعد الخروج عن الإعتدال الربيعي والآخر عند الرجوع عن الإنقلاب الصيفي وقبل الوصول إلى الإعتدال الخريفي. الأول في اليوم السابع من الجوزاء (خرداد)(2)والثاني في اليوم 25 من برج السرطان(تیرماه)(3). فتكون الشمس متعامدتا على الكعبة بالضبط، في اليومين. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 20 في صفحة 284)

وهذا يفيد في تعيين القبلة لكل بلد يعيش في نهاره حين الظهر بتوقيت مكةالمكرمة، شاليا كان أو جنوبيا. فإذ كانت الشمس محاذية للكعبة متعامدة عليها، فتكون متمايلة عن باقي البلاد، وبالتالي يكون الشخص المنصوب في غير مكة ذي ظل والقبلة تكون على خلاف الظل. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 21 في صفحة 285)

ويقول الخبير الخريط للفت، الأستاذ حسن زاده الآملي دامرظله عن هذه الظاهرة:

أن الشمس تمر بسمت رأس أهل مكة في زمان وصولها إلى دائرة نصف نهارها(مكة) في كل سنة شمسية مرتين، تنعدم ظل الشاخص والأشخاص حينئذ فيها. إحداهما حين كون الشمس في الدرجة الثامنة من الجوزاء والأخرى في

الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان ...

ص: 49


1- n21"25'21°
2- الموافق لليوم التاسع والعشرون من الشهر الخامس الميلادي (May - أيار) في ساعة13:48دقيقة بتوقيت طهران و 9:18دقيقة بتوقيت غرينتش
3- الموافق لليوم السادس عشر من الشهر السابع الميلادي (July - تموز) في ساعة13:57دقيقة بتوقيت طهران و 9:27دقيقة بتوقيت غرينتش

وذلك لأن ميل الشمس عن معدل النهار في هاتين الدرجتين كان بقدر عرض مكة. وكل موضع شاليا كان أو جنوبيا، كان عرضه أقل من الميل الكلي، تمر الشمس على سمت رأس أهلها في الدورة مرتين، وينعدم ظل المقياس المنصوب على سطح الآفاق التي عرضها على مقدار میل الشمس وتمر الشمس بسمت رأسها.(1)

بیان؛ في حركة الشمس

لما انتهينا عن البحث حول مسيرة الشمس حسب ما يراه الناظر الأرضي، فلا يخلو عن فائدة لو قلنا بأن الشمس مضافا إلى حركتها الوضعية، أيضا ذات حركة إنتقالية حقيقية. فإنها مع جميع النظام الشمسي تدور حول مركز مجرة درب التبانة(2)(الطريق اللبني)، ثم أضف إلى ذلك، الحركة التقديمية للمجموعة الشمسية بأجمعها إلى جانب الصورة الفلكية المسماة ب«الجائي على ركبتيه(3)» وهذان هما المحتملان في قوله:

وَالشَّمسُ تَجري لِمُسْتَقَرٍ لَها...(4)

فنسب الجري إلى نفس الشمس، نسبة ظاهرة في الإسناد الحقيقي، وفقا للأصل في الإسنادات. ولا يخفى أن لفظة«تجري»لا تلائم الحركة الوضعية. ثم أكد ذلك بقوله تعالی:

وَهُوَ الّذي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسُ وَالقَمَرِ كُلَّ في فَلَكٍ يُسَبِّحُونَ(5)

ص: 50


1- معرفة الوقت والقبلة، لحسن زاده، 445
2- يقال بالفارسية (کهکشان راه شیری)
3- Hercules
4- القرآن الكريم، يس، 38.
5- نفس المصدر، الأنبياء، 33 و يس، 40
مسيرة القمر في السماء وموقعه من الأرض

كما أن الشمس تكون في كل فترة ما بين الأرض وأحد البروج الفلكية، فهكذا القمر، في دورانه حول الأرض يقع حائلا بينها وأحد تلك البروج، فيدخل في برج بعد برج، وكل برج يتسع بمقدار 30 درجة. فتارة يقابل برج الحمل وأخرى الثور وهكذا إلى أن يدخل في برج العقرب فيقال «القمر واقع في برج العقرب» أي يكون محاذيا له. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 22 في صفحة 285)

ثم للقمر أيضا مواقع مختلفة في السماء. وموقعه من نصفي الشمالية والجنوبية للأرض، دائما يعكس موقع الشمس منهما. فمتي تكون الشمس متعامدة على النصف الشمالي، يكون القمر محاذيا للأعراض الجنوبية. ثم بعد ميل الشمس إلى الجنوب يمر القمر المدارات الشمالية. فالقمر يجري عقيب مجري الشمس.

وهذا أحد الإحتمالات التفسيرية في قوله تعالی:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿1﴾وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(1)

ص: 51


1- القرآن الكريم، الشمس، 1 و2
خاتمة

هذا تمام ما أردنا تقديمه من الآيات والروايات والنكات الحيوية. فظهر لنا أن القرآن الكريم وإن علق بعض الأحكام على تحقق الشهور لكن غاية ما تكلم عن الشهر والهلال، تكلم عن حكمة التي يترتب على وجوده دون علته الثبوتية أو الإثباتية. فيبقي السؤال عن أنه كيف يستكشف عن تحقق الشهر؟ وهذا إما لأنه مما يجب فيه الرجوع إلى سنة النبي وعترته الطاهرة عليه وعلیهم الصلاة والسلام ، وإما لأنه أمر بين معروف لدى العرف غني عن البيان. ومن المعلوم أن مفهوم الشهر ليس مما حدث في لسان الشارع ولا عند المتشرعين. ومن المعلوم أيضا أنه ليس مما أسس الشرع فيه أساسا جديدا. بل هو في الشرع كما هو عليه في العرف، أمضاه الشارع على ما كان. هذا؛ وتلي المباحث الفقهية حول هذا المهم مشروحا.

ص: 52

الباب الثاني:الأبحاث الفقهية

اشارة

ص: 53

ص: 54

الأبحاث الفقهية

المدخل

بعد تمهيد المقدمات في الفصل الأول، فنشرع في الفصل الثاني بتقرير البحوث الفقهية. فهنا أبحاث مهمة فقهية حول الشهر والهلال، أهمها في أنه بماذا يتحقق الشهر ثبوتا وبماذا يعلم إثباتا؟

ونبحث إن شاء الله تعالی عن أنه بماذا يتجدد الشهر عند الشارع ثبوتا؟ ثم نبحث عن تلك الفروعات الإثباتية وبعض المستحدثات المتقاربة إليها، کاعتبار الرؤية بالعين المسلحة. ونتبع في الترتيب ما هو دأب الفقهاء قدس سرهم قديما وحديثا، عامة وخاصة؛ لا ما رتب عليه البحث في بعض الكتب والتحقيقات الموسعة، التي مع اشتمالها على الفوائد الثمينة، تكون بعيدة عن الترتيب الطبيعي والمنطقي.(1)فإن الترتيب الطبيعي يقتضي البدأ من الجذور ثم الفروع. وعلى أي حال نشرع البحث عن دور الهلال في ثبوت الشهر، ثم نتابع عن بعض الفروعات المهمة المعلقة عليه.

ص: 55


1- نموذج من ذلك الكتاب المسمى ب «رؤية الهلال» في خمس مجلدات، بتأليف رضا المختاري، وبعض زملائه،المطبوع في «مكتب الإعلام الإسلامي». فذاك تحقيق أنيق، استفدنا منه كثيرا في كتابنا هذا، سيما في نقل أقوال الفقهاء. ولولا ذاك التحقيق، لعلنا لم تصل أيدينا إلى تلك الأقوال بسهولة، فشكر الله مساعيهم. فهناك قد تبدأ البحث عن أحد فروعات المسألة وهي اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال وعدمه وينقل الأقوال والمستندات فيها، ثم يتفحص عن المسائل الحيوية بشكل شامل، ثم يأخذ بالتفحص عن آراء الفقهاء في القسم الثالث و ... ومع ذلك كله لا يحسن منا إلا أن نشكر المحقق الصديق «رضا المختاري» وزملائه المساعدين له، وندعو الله لمزيد التوفيق لهم ولباقي الإخوان المحققين على نظيره في سائر أبواب الفقه.

ثم وقبل الفحص عا هو الصواب في الفروعات المعلقة على الشهر، فليحسن أن نبدأ البحث عن نفس الشهر وعن أنه بماذا يتحقق الشهر ثبوتا؟ ولا ريب أنا لو قدرنا أن نظفر على مثله - سيا على ما هو عند الشارع البارئ المتعال- كان ذلك نعم العون النا على التطرق إلى تكاليفنا الشرعية.

ولكن المسألة هذه، مما لا توجد بحيازها في كلمات الفقها، بل هي مبحوثة عنهافي حوايا البحث عن مسألة أخرى وهي مسألة : أنه لو ثبت الشهر في بلد، هل يكفي عن الإستهلال في سائر البلاد على الإطلاق، أو تختص الكفايةبالمشتركات في الأفق، أو تعمها وما تشترك مع بلد الرؤية في بعض من الليل. فنتابع عن هذه الثانية، لكي تصل إلى تلك المسألة إن شاء الله تعالی.

وجدير بالذكر أنه حسب التتبع المعمولة ما في البحث، ما زالت مسألة الكفاية أيضا مسكوتة عنها عند الفقها حتى أصبحت مذكورة في الكتب منذ زمن الشيخ الطوسي قذس سره(المتوفي ب 460 ) على الأقل. فهم كانوا يفتون بأن لكل بلد حكمه المختص به وأنه لا تكفي الرؤية الواقعة في بلد للحكم بتجدد الشهر في بلدة أخرى، إلا مع تقاربها. فما زال هذا الحكم مشتهرا بينهم حتى وصل الدور إلى زمن الشيخ جمال الدين، حسن بن يوسف بن على بن المطهر، المشتهر بالعلامة الحلي رضوان الله علیه(المتوفي با 726). ولعله - على قدر اطلاعي - هو أول من أفتى بالكفاية. وتقفاه معظم من جاء من بعده. وخالفه فيه بعض آخر، وتردد واحتاط بعض ثالث. فصارت معركة للآراء. فانطلق كل للاستجواب عنها منطلقا. وما من رطب ولا يابس ذا صلة بالمسألة إلا تشبثوا به. ومنه ما نحن بصدده من حقيقة الشهر .

ص: 56

فبحثوا عن أنه:

1- هل الأرض مسطحة أم كروية؟

2- وبناءا على الكروية، هل القدر المسكون منها، يكون ذا سعة تؤثر في اختلاف مرئى البلاد من السماء؟

3- ثم هل يمكن لنا القطع بطول البلاد وعرضها، وهل يمكن لنا القطع بموقع القمر عن الشمس والأرض بالضبط، وهل يمكن لنا إحصاء جميع الملازمات التكوينية المؤثرة في إمكان الرؤية وعدمها، على نحو نقطع بإمكان الرؤية في بلد وعدمه في الآخر، أو لا يمكننا إلا الظن؟

4- وهل يجوز الاعتماد على قول الهيويين في إحدى هذه الأمور؟

5- وأنه ما هو تعريف الشهر؟

6- وهل يكون ابتناء التكليف على الرؤية نفسها أم على جواز الرؤية؟

7- ثم أخذ الرؤية أم جوازها في إثبات الشهر، هل يكون أخذا موضوعيا أم طريقيا؟

8- ومن الأساس، هل يكون مبنى الصوم والفطر على مواجهة البلد بخصوصه للهلال، أم على خروج القمر من المحاق، بالنسبة إلى الكرة كلها، مع قطع النظر عن نسبة البلاد إليها؟

9- ثم لو كان لرؤية الهلال في سماء نفس البلدة أو ما يقرب منها دورا في تجدد الشهر - على أي نحو- فما هو مقدار القرب والبعد الذي يحكم معه بالكفاية؟

10- وهل الرؤية في البلد الشرقي البعيد، تكفي عن الغربي، وهل يكفي الغربي عن الشرقي؟

ص: 57

وأما مستندهم في هذه كلها، مضافا إلى المباحث العلمية التجريبية، أدلة ومؤیدات هي:

1- النصوص والظواهر، العمومات منها والمطلقات،ثم الملازمات الواقعة بين غير ما نحن فيه وبينه؛ وأيضا قد يستدل بسكوت الروايات. فيتنازعون في أنه هل المطلقات منصرفة عن إطلاقهاوهل التلازمات المدعاة ما بين الروايات والمدعيات تكون ثابتة .

2- ثم الإجماع والشهرة.

3- والعقل

4- ثم العرف وسيرة العقلا وسيرة المسلمين.

5- ومذاق الشارع.

6- ثم الأصل

ص: 58

الفصل الأول: الأقوال في المسألة:

اشارة

اعلم أن في المسألة أقوال:

أ: الرؤية البلدية

يثبت الشهر برؤية الهلال لبلد الرؤية، دون باقي البلاد، القريبة منها أو البعيدة.وهذا قول لبعض العامة.

جاء في «فتح الباري»:

وَقَدِ اِخْتَلَفَ اَلْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِب أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤيَتُهُم وفي صَحِيحُ مُسْلِمٍ مِن حَديثِ بنِ عَبَّاسٍ ما يَشْهَدُ لَهُ وحْكَاهُ بنُ المُنْذِرِ عن عِكرِمَةَ والْقَاسِمِ وَسَايِلٌ وإِسْحاقُ وحُكَّاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أهْلِ العِلمِ ولَحَكَ سِواهُ وَ حَكَاهُ الماوِردِيُّ وَجْهاً لِلشَّافِعِيَّةِ...

قَالَ اَلْقَرْطَبِيُّ قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةُ الْهِلاَلِيِّ ظَاهِرَةً قَاطِعَةً بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إلى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَةِ اِثْنَيْنِ لَزِمَهُمُ اَلصَّوْمُ وَقَال بن الماجشوني لاَ يُلْزِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلاَّ لِأَهْلِ اَلْبَلَدِ اَلَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ اَلشَّهَادَةُ إِلاَّ أَنْ يَثبُتَ عِندَ الإِمَامِ الأَعظَمِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الْبِلادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ.(1)

وهو ظاهر قول شيخنا المفيد رحمه الله (المتوفي ب413) حيث قال:

فالهلال علامة الشهر، وبه وجبت العبادة في الصيام والإفطار والحج وسائر ما يتعلق بالشهور على أهل الشرع، وربما خفي لعارض أو استتر عن أهل مصر لعلة وظهر لغير أهل ذلك المصر، ولكن الفرض إنما يتعلق على العباد به، إذ هو العلم دون غيره.(2)

ص: 59


1- فتح الباري، لابن حجر، 4\123
2- المقنعة، للشيخ المفيد، 296
ب: اشتراط الإشتراك في الأفق

وهو المشهور لدى القدماء، فعندهم يتحقق الشهر ويتجدد برؤية الهلال، فاذا ثبت الشهر في بلد، يكفي له ولما يشترك معه في الأفق، ويعبر عن هذا القول ب« اشتراط الإتفاق في الأفق».

الشيخ الطوسي رحمه الله(المتوفي ب 460 ):

يجب العمل بالرؤية لأن ذلك يختلف بحسب اختلاف المطالع والعروض. ومتی لم ير الهلال في البلد ورئي خارج البلد على ما بيناه، وجب العمل به إذا كان البلدان التي رئي فيها متقاربة، بحيث لو كانت السماء مضحية والموانع مرتفعة الرأي في ذلك البلد أيضا لاتفاق عروضها وتقاربها، مثل بغداد وأوسط والكوفة وتكریت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد و خراسان، وبغداد ومصرفإن لكل بلد حكم نفسه. ولا يجب على أهل بلير العمل بما رآه أهل البلد الآخر.(1)

قطب الدين محمد بن حسين الكيدري رحمه الله(كان حيا في سنة 610 ):

ومتی لم ير في البلد ورئي في بلد آخر أو في البراري وجب العمل به إذا كان البلد الذي رئي فيه بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرئي في الموضعين معا لتقاربهما، وأما إذا بعدت فلكل بلد حكم نفسه، ولا يجب على أهل أحدهما العمل بها رئي في الآخر.(2)

المحقق الحلي رحمه الله (المتوفي ب 676 ):

مع العلم بأنه متى أهل في بلد يعلم أنه مع ارتفاع المانع يجب أن يرى في الآخر، كانت الرؤية فيه رؤية لذلك الآخر.(3)

ص: 60


1- المبسوط، للشيخ الطوسي، 1/ 268.
2- إصباح الشيعة، للكيدري، 134
3- المسائل الطبرية، للمحقق الحلي، 322
ج : الرؤية في البلد المتقاربة عرفا

يثبت الشهر بالرؤية الواقعة في بلد المكلف ومتقارباته. والحاكم في القرب والبعد هو العرف، فإنه يحكم بالقرب ولو مع اختلاف يسير في الآفاق، كما قديحكم بالبعد بين البلدين الواقعين على عرض واحد.

يقول السيد محمد الشيرازي رحمه الله (المتوفي ب 1422):

لا إشكال في وحدة حكم البلاد المتقاربة ... ثم إن المعلوم أن میزان تقارب البلاد وتباعدها ليس الحدود السياسية المصطنعة، ولا اتحاد اللغة والعرق ونحوها، بل التقارب العرفي، كالنجف والحلة وبغداد، أو كم وطهران وهكذا، وإن اختلف الطلوع والغروب في الجملة كعشر دقائق وما أشبه. ... ومن هنا يعلم أنه يمكن اختلاف البلدين القريبين في الهلال وعدمه، فيما إذا كان أحدهما تابعا لبلد رؤي فيه، والآخر تابعا لبلد لم ير فيه.(1)

لو بنينا عليه، فطهران قريب من القم وبعيد عن زنجان، كما أن قزوین قريب من زنجان وبعيد عن القم. فبرؤية الهلال في القم يثبت الشهر في طهران ولا في قزوين، مع أنه أيضا قريب من طهران، إذ أنه بعيد عن القم. فهو تابع لطهران و زنجان دون القم. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 23 في صفحة 286)

د: القريب بأخرى المناطات

فمن افتى من العامة بكفاية الرؤية في بلدة عما يقربها، اختلف مع الآخرين في تفسير القرب، وجعلوا للقرب مضافا إلى الإشتراك في الأفق أخرى من المناطات.

ص: 61


1- الفقه، للشيرازی، 36/194

ابن حجر العسقلاني (المتوفي ب 852) يقول:

وفي ضَبْطِ الْبَعِيرِ أوجهُ أحَدُها اِخْتِلاَفُ اَلْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ العِراقيونَ وَالصَّيدَلانِيُّ وصَحَّحَهُ النُّوويُّ في الرَّوضَةِ وشَرَحِ الْمُهَذَّبِ ثانِيها مُسافَةُ الْقَصْرِ قُطَعَ بِهِ الإمامُ والْبَغوِيُّ وصَحَّحَهُ الرَّافِعيُّ في الصَّغِيرِ والنَّوَوِي في شَرحِ مُسْلِمٍ ثَالِثُهَا اِخْتِلاَفُ اَلْأَقَالِيمِ رَابِعُهَا حَكَاهُ اَلسرَخْسِيُّ فَقَالَ يَلزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لاَ يَتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلاَ عَارِضٍ دُونَ غَيْرِهِمْ خَامِسُهَا قَوْلُ بْنُ الماجشون اَلْمُتَقَدِّمِ(ص 59)...(1)

أقول: الخامس خارج عن المقسم إذ القائل المذكور - کما سبق - يحكم بعدم سراية حكم بلد إلى بلد. والرابع لا يختلف عن الأول إلا في التعبير. وسنزيد الكلام فيها عند البحث عن مسألة القرب والبعد، إن شاء الله تعالی.

ه: كفاية الشرقية عن الغربية مطلقا

تكفي الرؤية في بلدة واحدة لإثبات تجدد الشهر بالنسبة إلى جميع البلاد الغربية لها على الإطلاق، وإن لم تشترك معها في جزء من الليل. فيبدأ الشهر بالنسبة إلى أي واحدة من البلاد الغربية حين إذ دخلت تلك البلدة الغربية في الليل، من دون حاجة إلى استهلال جديد.

احتمله الشهيد الأول رحمه الله(المستشهد في 786):

يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت،اللقطع بالرؤية عند عدم المانع.(2)

ويقول رضا المدني الكاشاني قذس سره(المتوفي ب 1412):

لا إشكال في كفاية الرؤية في البلد البعيد إذا كان شرقيا، وذلك؛ لأن الرؤية في البلد البعيد الشرقي إنها تتحقق قبل الغربي، فلا يحتاج في إثباتها إلى دليل آخر.(3)

ص: 62


1- فتح الباري، لابن حجر، 4 / 123 .
2- الدروس، للشهيد الأول، 1/ 285.
3- رسالة له في هذا الموضوع، تسمي ب «كفاية رؤية الهلال في البلاد البعيدة» (نقلا عن رؤية الهلال، للمختاری، 2/ 777)
و: إثبات الشهر المطلق البلاد دفعة

يثبت الشهر المطلق البلاد عند رؤية الهلال في بلد واحد، أي بلد كان.

وهذا هو العلامة الحلي قدس سره(المتوفي ب 729)، فإنه رغما لإفتائه باشتراط الإشتراك في الأفق - وفقا للمشهور عند القدماء- في قواعده، قد تحدث في بعض كتبه الآخر عن تمايله إلى هذا القول. فقال في منتهى المطلب:

إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت.(1)

نعم؛ هذه بداية وروده في المسألة، ولكنه في خاتمة المطاف سقط عن الجزم وحکم بنوع من التفصيل وقال:

وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع، وعدم طلوعه في بعضها المتباعدة عنه لكرة الأرض، لم يتسا و حكاهما (أي البلدين)، أما بدون ذلك فالتساوي هوالحق.(2)

هذا؛ وقال في التحرير:

إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت أو تقاربت.(3)

ص: 63


1- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 9/ 252.
2- نفس المصدر، 255.
3- تحرير ، للعلامة الحلي، 1/ 493.

و قال السيد محمد الموسوي العاملي، صاحب المدارك رحمه الله(المتوفي ب 1009):

وحكى العلامة في التذكرة قولا عن بعض علمائنا بأن حكم البلاد كلها واحد، فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار الأرض، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت، اختلفت مطالعها أو لا وإلى هذاالقول ذهب العلامة في المنتهى في أول كلامه

ثم استجود کلامه وقال:

هذا كلامه رحمه الله وهو جيد.(1)

الفيض الكاشاني رحمه الله (المتوفي با 1091):

والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه.(2)

الشيخ يوسف البحراني رحمه الله(المتوفي با 1189):

وملخصه انا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية في بلد آخر قريبا أو بعيدا.(3)

المولى أحمد النراقي رحمه الله(المتوفي ب 1245):

ثم الحق الذي لا محيص عنه عند الخبير - كفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقا، سواء كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيرا.(4)

ص: 64


1- مدارك، للموسوي العاملي، 6 / 171 و 172.
2- الوافي، للفيض الكاشاني، 11/ 120.
3- الحدائق، ليوسف البحراني، 13 / 266
4- مستند الشيعة، للفاضل النراقی،242/10

صاحب الجواهر، الشيخ محمد حسن النجفي رحمه الله(المتوفي ب 1266):

... فالوجوب حينئذ على الجميع مطلقا قوي.(1)

المولى حبيب الله الشريف الكاشاني رحمه الله(المتوفي با 1340):

مسألة: الأظهر أن ثبوت رؤية الهلال في بلد كاف لوجوب الصوم لأهل بلد آخرمطلقا، سواء كانا متقاربين أو متباعدين.(2)

ز: تتجدد الشهر لبلد الرؤية وما شاركه في الليل، شرقا و غربا

تجدد الشهر أمر لا يتعلق بالبلاد أصلا بل بموقع القمر من الشمس والأرض؛ فلا فرق بين البلاد، الشرقية منها أو الغربية، والمشتركات منها في الأفق أو المختلفات. ولا يشترط فيه وقوع الرؤية في أي بلد، بل إمكانها.

يقول السيد الخوئي قذس سره(المتوفي ب1413):

ثم بعدئذ (أي بعد المحاق) يخرج (القمر) شيءا فشيءا عن تحت الشعاع(3)، ويظهر مقدار منه من ناحية الشرق ويرى بصورة هلال ضعيف، وهذا هو معنى تكون

ص: 65


1- جواهر، للنجفی،361/16
2- منتقد المنافع، للشريف الكاشاني (نقلا عن رؤية الهلال، للمختاري،2491/4)
3- الخروج عن تحت الشعاع: کا مضى لا يرى القمر حين إذ يقترن مع الشمس والأرض متوسطا بينهما؛وحتى بعد خروجه عن المقارنة لا يزال مختفيا. إذ الجزء العكس عنها لنور الشمس، لفرط رقته لا يقدر للبروز قبال شدة ضياء الشمس ولو عند غروبها. ولكن بعد مدة يصل إلى حد من الضخم وقدر من البعد عن خط المقارنة، على نحو يصير قابلا للتمييز بالعين. فيقال خرج القمر عن تحت شعاع الشمس، وهذا بعد خروجه عن المقارنة بساعات. يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قذس سره:وإذا خرج القمر عن هذه الحالة (أي المقارنة) لابد أن يرى على شكل هلال ضعيف؛ لك دقة القطر المنور للهلال جدا، تمنعنا عن رؤيته إلى حد يسير في الفضاء ويبعد عن الشمس بقدر يصير قابلا لرؤيته بشكل الهلال. هذا الفصل من الزمان يستي تحت الشعاع؛ وهو ما إذا كان الفاصل بين جرمي الشمس والقمر على قدر نصف جرمیها. وأما مدة مكث القمر تحت الشعاع فبعد خروجه من المحاق إلى أن يسير في المدار ما يقرب ثاني در جات؛ وحيث نعلم أن زمان سير القمر في المدار في كل درجة يطول ما يقرب ساعتين، فإذا يخرج القمر عن تحت الشعاع بعد ست عشرة ساعة تقريبا. اعلم؛ أن حالتي المحاق وتحت الشعاع جميعا تطولان ثمانياوأربعين ساعة تقريبا. لان القمر يدخل تحت شعاع الشمس قبل المقارنة باثنتي عشرة درجة إلى المقارنة، و يخرج عن تحت الشعاع بعد اثنتي عشرة درجة من المقارنة، فالمجموع أربع وعشرون درجة المساوي زمانا لسير القمر في المدار ثمانيا وأربعين ساعة. بعضهم يسمي المحاق وتحت الشعاع باسم واحد ويعبر عنهما بالمحاق أو تحت الشعاع؛ ولا مشاحة في التعبير.(رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 25)وقال أيضا:لا يخفي أن تحت الشعاع علي قسمين: أحكامي وهلالي. وما حددناه في طي کلامنا باثنتي عشرة درجة (من المقارنة) إنما هو في الأحكامي (الذي يترتب عليه أحكام الشرع؛ لان القمر يصير بعده قابلا للرؤية)؛ وأما الهلالي فهو أقل منه كثيرة (وهو يقرب أربع درجات من بعد المقارنة)(رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 31)

الهلال وتولده، فمتى كان جزء منه قابلا للرؤية ولو بنحو الموجبة الجزئية فقد انتهى به الشهر القديم، وكان مبدأ لشهر قمري جديد.

فتكون الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلا للرؤية ولو في الجملة، وهذا كما ترى أمر واقعي وحداني لا يختلف فيه بلد عن بلد ولا صقع عن صقع، لأنه كما عرفت نسبة بين القمر والشمس لا بينه وبين الأرض، فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونية في جو الفضاء.(1)

ص: 66


1- المستند (تقريرات لأبحاث آية الله الخوئی)، للبروجردي،118/22

ويقول السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره:

أول الشهر بحسب البراهين القطعية الهيئوية عبارة عن خروج القمر عن تحت الشعاع وبروزه في الأفق، تعلقت به الرؤية أم لا ... والخروج عن تحت الشعاع والبروز في الأفق لا يؤثر فيه اختلاف الأفق مطلقا، إلا إذا كان الاختلاف بمقدار اليوم أو الليلة وهو غير متحقق في البلاد الإسلامية التي وجب عليهم الصيام. فكل آن صدق عليه في الواقع أن فيه خرج القمر عن تحت الشعاع وبرز، یكون ذلك أول الشهر ويتعلق به الحكم في الواقع.(1)

ثم وإن صح بأن خروج القمر عن تحت الشعاع ظاهرة تستوي نسبتها إلى جميع أصقاع الكرة، لكننا نعلم بان بداية الشهر عند الشرع(2)والعرف(3)تكون من الليل، كما أن اليوم يبتدئ بالليل عندهم. فلابد للقائل بهذا القول من الحكم بأنه لا يتجدد الشهر

ص: 67


1- مهذب الاحکام،للسبزواری273/10
2- الشاهد على ذلك قول الصادق عليه السلام في صحيحة حماد: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلته المستقبلة». فانه علیه السلام أضاف الهلال إلى الليل إما السابقة وإما اللاحقة. (أجاده السيد الخوئي رحمه الله- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 80)
3- نعم، اليوم حسب إحدى القرارات الدولية المسماة با ISO8901 يعد «اليوم» عند العرف مبتدئا من منتصف الليل إلى منتصف الليل المتوسطين، من ساعة الصفر إلى ساعة23:59:59، فكل يوم يبتدئ بجزء من الليل، ويليه النهار، ثم جزء من الليل القادمة. فكل ليلة تنقسم إلى جزئين، الجزء الاول متعلق باليوم السابق والثاني باليوم اللاحق. هذا المعنى يسمى ب «اليوم المدني». وحسب هذا الاعتبار تبتدئ الشهور أيضا من ساعة الصفر وهذا هو المعمول في الساعات الرسمية الدولية. هذا بخلاف المتعارف سابقا، المبني على موقع الشمس في السماء، المبتدئ من غروب الشمس إلى غروبها ثانيا. فاليوم متشكل من لیل کامل متقدم و نهار کامل متأخر، ويستغرق 24 ساعة. فيوم الجمعة مثلا يبتدئ عند ختام نهار الخميس، وليلة الجمعة هي ما تتوسط بين نهار الخميس ونهار الجمعة. وهذا هو ما يكون في لسان الشرع يوما.

لجميع البلدان حين الخروج، ضرورة أن بعضها تكون في وسط النهار أوأطرافه. بل يتجدد الشهر بالنسبة إلى جميع البلدان الواقعة في النصف المظلم من الأرض حين الخروج. وأما باقي البلاد (وهي الواقعة في غرب الظلام في النصف المستنير من الكرة) فيتجدد لها الشهر بالتدريج وحين دخولها في الظلام بالضرورة.

ولا يذهب عنك أن البلاد الواقعة في النصف المظلم حين خروج القمر عن تحت الشعاع، لا يتأتي لأكثرهن (وهي الواقعة في النصف المظلم لكن على جانب شرقي من بلاد الرؤية) رؤية الهلال. إذ حدبة الأرض تحول بينهن وبين الهلال. فقد يمكن رؤية الهلال في مصر ولا يمكن رؤيته في الصين ويابان، لأن طوكيو وبكن مثلا حين رؤية الهلال في القاهرة، تكونان تحت الأفق بدرجات.

فهل يقول هذا القول بعدم سريان الحكم (أي تجدد الشهر) إلى الجانب الشرقي بل إلى الغربي فقط، کما سلف هذا عن إحدى الأقوال السابقة، أو يقول بسريان الحكم للشرق أيضا؟ فالقائل بهذا القول اختار الثاني دون الأول. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 24 في صفحة 286)

قال السيد(1)الخوئي قدس سره(المتوفي ب1413) معلقا على العروة:

ص: 68


1- السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله ينقل في هامش رسالته حول مسألة رؤية الهلال عديد من العبارات عن الطبعة الأولى لمنهاج الصالحين، تغيرت في الطبعات الأخيرة. والظاهر أنه يريد الإشارة إلى تغيير الفتوا. فكأن السيد الخوئی رحمه الله كان في البداية مفتيا بتجدد الشهر عند الخروج من المحاق لجميع الكرة مطلقا، ثم تطور رأيه وقيد التجدد الآني بالبلاد المتشاركة في الليل مع البلدة التي تحاذي القمر عند خروجه من تحت الشعاع. وأما باقي البلاد فيتجدد لها الشهربالتدريج عند ورودها في الليل. أقول: ويمكن أن يكون هذا من باب الإصلاح في التعبير.يقول الحسيني الطهراني رحمه الله:ورد فيه (أي في كتاب منهاج الصالحين): «الظاهر كفاية الرؤية في بلذما في الثبوت لغيره من البلاد مطلقا» وجاء:«وهذا القول - أي كفاية الرؤية في بلوما لثبوت الهلال في بلد آخر ولو مع اختلاف أفقهما - هو الأظهر.»و ورد أيضا:«أن رؤية الهلال في بلدما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته، وبداية الشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعا.» و جاء ايضا: «أن الشهر القمري لا يختلف باختلاف الأمصار في آفاقها، فيكون واحدة بالإضافة إلى جميع أهل البقاع والأمصار؛ و ... أن الحكم المترتب على ثبوت الهلال - أي خروج القمر عن المحاق - حكم لتمام أهل الأرض، لا لبقعة خاصة.» وغير ذلك، ولعل مجموعها يتجاوز عن عشرة مواضع التي بعضها كالصريح في ذلك. ولعله لقوة ظهور هذه الجملات في التعميم، نري في الطبعات الأخيرة من «المنهاج» أن لفظة «مطلقا» في الجملة الأولى قد بذلت بقوله «المشتركة معه في الليل وإن كان أول الليل في أحدهما آخره في الآخر.» وأن بعد قوله «في بلد آخر» في الجملة الثانية قد أضيفت: «مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة ليلة لها معا وإن كان أول ليلة لأحدهما و آخر ليلة للآخر.» (رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، الموسوعة الثانية)

لا تبعد الكفاية في البلدان التي تشترك في الليل ولو في مقدار(1)(ولو كانت في شرق الظلام ومختفية عنها الهلال)

وقال أيضا:

أجل، إن هذا (أي إشتراك البلاد في تجدد الشهر) إنما يتجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحل الرؤية في الليل ولو في جزء يسير منه، بأن تكون ليلة واحدة ليلة لهما. وإن كانت أول ليلة لأحدهما وآخر ليلة للآخر المنطبق - طبعا- على النصف من الكرة الأرضية دون النصف الآخر الذي تشرق عليه الشمس عند ما تغرب عندنا، بداهة أن الآن نهار عندهم، فلا معنى للحكم بأنه أول ليلة من الشهربالنسبة إليهم.(2)

ص: 69


1- العروة الوثقی (المحشی)، للسيد اليزدي، 2/ 59.
2- المستند (تقريرات لأبحاث آية الله الخوئي)، للبروجردي، 22/ 118.

ويقول السيد عبد الأعلى السبزواري رحمه الله(المتوفي ب 1414):

ليلة أول الشهر ليلة خروج القمر عن تحت الشعاع وبروزه إلى الأفق في أي أفق من آفاق البلاد كان، وهذه الليلة ليلة أول الشهر في جميع بلاد العالم بشرطين:

الأول: اتحادها في جامع الليلة بساعات يسيرة.

الثاني:- وهو عبارة أخرى عن الأولى - أن لا يكون بقدر يوم أو ليلة، وذلك كله الصدق بروز القمر في الأفق في الجميع وخروجه عن تحت الشعاع كذلك.(1)

ويتبين لنا الوجه في تسري التجدد إلى البلاد الشرقية المختفية عن القمر بحدبة الأرض، عندما علمنا بأن المراد من الرؤية ليس وقوعها بل إمكانها لولا المانع (وهذا أمر سیجیئ). فاذا أمكن الرؤية في بلد وإن لم ير الهلال فيه لمانع، من سحاب أو ضباب، لا يمنع ذلك من ثبوت الشهر.

فكما أن عدم رؤية الهلال الحاصل من اختفاء القمر وراء السحاب مثلا لا يمنع عن الإشتراك في الحكم، فكذلك اختفاء القمر وراء حدبة الأرض أيضا لا يمنع عن الإشتراك.

يقول السيد الخوئي رضوان الله علیه:

فيكون حدوثها (أي خروج القمر من المحاق) بداية لشهر قمري لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها وإن لم ير الهلال في بعض مناطقها المانع خارجي، من شعاع الشمس، أو حيلولة الجبال، وما أشبه ذلك.(2)

ص: 70


1- مهذب الأحکام، للسبزواري، 10 / 274.
2- المستند (تقریرات لأبحاث آية الله الخوئی)، للبروجردي،118/22.

ثم اعلم ان من يقول بالفرق بين الشرقي والغربي هو من يرى الشهر متأثرا عن موقع البلاد من الأرض. لكن مثل هذا القائل الذي يقول بتساوي نسبة أنحاء الكرة من ظاهرة خروج القمر عن المقارنة، فلا يبقي له مجال للفرق بين الشرقي والغربي. غاية ما يشترط عنده لتجدد الشهر هو خروج القمر عن المقارنة، و وقوع البلد في الليل حين الخروج، أو وروده في الليل بعده، ليصدق المفهوم عرفا. وهذا أمر متحقق للبلاد الواقعة في الظلام حين الخروج ولو ما كانت منها في الشرق من بلد الرؤية. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 25 في صفحة 287)

ص: 71

عبارات العامة

ومن الحسن أن نختم نقل الأقوال بالفحص عن آراء بعض الفقهاء الفحول من العامة، تکميلا للبحث وبصيرة منا على آرائهم. فإن الإطلاع عن آرائهم ربما يساعدنا في درك زوايا الفروعات الفقهية وفهم النصوص التي صدرت عن لسان العترة الطاهرة علیهم السلام ناظرا لآرائهم؛ فإن أقوالهم كقرينة منفصلة على قول المعصوم علیه السلام.

الفقه الشافعي

محمد بن إدريس الشافعي (المتوفي ب 204):

أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي قال الله تبارک وتعالی في سياق شهر رمضان:وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ(1)، وقال رسول الله صلی الله علیه واله: «لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه- يعني الهلال - فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».

قال الشافعي: وإذا صام الناس شهر رمضان برؤية أو شاهدين عدلين على رؤية ثم صاموا ثلاثين يوما ثم غم عليهم الهلال أفطروا ولم يريدوا شهودا.

قال: وإن صاموا تسعا وعشرين يوما ثم غم عليهم لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين، أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة الثلاثين.(2)

و جاء في كتاب الصيام الصغير:

ص: 72


1- القرآن الكريم، البقرة، 185.
2- الأم، للشافعي، 1/ 262.

أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن دینار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلی الله علیه واله قال: «الشهر تسع وعشرون لا تصوموا حتى ترواالهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».(1)

على بن محمد بن حبيب الماوردي (المتوفي ب 450):

مسألة: قال الشافعي رضی الله عنه: ولو شهد عدلان في الفطر بأن الهلال كان بالأمس فإن كان ذلك قبل الزوال صلى بالناس العيد، وإن كان بعد الزوال لم يصلوا؛ لأنه عمل في وقت إذا جاوزه لم يعمل في غيره کعرفة، وقال في كتاب الصيام: وأحب أن أذكر فيه شيءا وإن لم يكن ثابتا أن يعمل من الغد ومن بعد الغد.

قال المزني: قوله الأول أولى به؛ لأنه احتج فقال: لو جاز أن يقضي کان بعد الظهر أجوز، وإلى وقته أقرب. قال المزني: وهذا من قوله على صواب أحد قوليه عندي دلیل، وبالله التوفيق.

قال الماوردي: وهذا كما قال إذا شهد شاهدان عند الإمام يوم الثلاثين من رمضان وقد أصبحوا صياما على الشك في رؤية الهلال بأنها رأيا الهلال من الليل، فإن صحت عدالتهما قبل الزوال، أفطر وصلى بالناس؛ لأن ذلك وقت للصلاة ما لم تزل الشمس، فأما إذا لم تصح عدالتهما إلا بعد الزوال، فإنه يفطر ويأمر الناس به.(2)

ومر بیان العلامة الحلي في شأن مذهب الشافعي بقوله:

إذا رأي الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت البلاد أوتقاربت. وبه قال أحمد، والليث بن سعد، وبعض أصحاب الشافعي(3)

وما عثرنا على أن هذا البعض من هو؟

ص: 73


1- الأم، للشافعي ، 2/ 103.
2- الحاوي الكبير،للماوردي،501/2.
3- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 9/ 252.

ابن حزم الأندلسي (المتوفي ب 456):

ومن صح عنده بخبر من يصدقه - من رجل واحد، أو امرأة واحدة، أو عبد، أو حر، أو أمة، أو حرة، فصاعدا- أن الهلال قد رئي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم، صام الناس أو لم يصوموا، وكذلك لو رآه هو وحده، ولو صح عنده بخبر واحد أيضا_کما ذكرنا_فصاعدا أن هلال شوال قد رئي فليفطر، أفطر الناس أو صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده، فإن خشي في ذلك أذى فليستتر بذلك.

حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عیسی، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن يحيى:

قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلی الله علیه واله: أنه ذكر رمضان فقال:«لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدرواله».

وبه إلى مسلم: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال:

سمعت أبا البختري عن ابن عباس أن رسول الله صلی الله علیه واله قال: «فإن غم عليكم فأكملوا العدة».(1)واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك : فقال أبو حنيفة، والشافعي بمثل قولنا في...(2)

ص: 74


1- السنن، للدار قطني، 3/ 122 وأيضا السنن، للدارمي، 1/ 417.
2- المحلى بالآثار، لابن حزم، 6/ 287.
الفقه الحنفي

شمس الدين السرخسي (المتوفي ب 483):

قال: رجل أصبح صائما في رمضان قبل أن تبين أنه من رمضان، ثم تبين أنه منه، فصومه جائز، وقد أساء حين تقدم الناس. ومراده في هذا يوم الشك، ومعنی الشك أن يستوي طرف العلم وطرف الجهل بالشيء، وإنما يقع الشك من وجهين:

إما أن غم هلال شعبان فوقع الشك أنه اليوم الثلاثون منه أو الحادي والثلاثون، أو غم هلال رمضان فوقع الشك في اليوم الثلاثين أنه من شعبان أو من رمضان. ولا خلاف أنه يكره الصوم فيه بنية الفرض؛ لقوله صلی الله علیه واله: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» ولأنه حين نوى الفرض فقد اعتقد الفريضة فيما ليس بفرض، وذلك كاعتقاد النفلية فيها هو فرض. ولكن مع هذا إذا تبين أن اليوم من رمضان فصومه تام؛ لأن النهي ليس لعين الصوم فلا يؤثر فيه.

فأما إذا صام فيه بنية النفل فلا بأس به عندنا، وهو الأفضل.

وقال الشافعي: إن وأفق ذلك يوما كان يصومه أو صام قبله أياما فلا بأس به ، وإلا فهو مكروه؛ لقوله صلی الله علیه واله:«من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم»؛ ولما روي أن النبي صلی الله علیه واله وسلم نهی عن صوم ستة أيام: يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ويوم الشك.

ولنا حديث علي عليه السلام وعائشة أنهما كانا يصومان يوم الشك كما روينا؛ ولأن هذا اليوم من من شعبان؛ لأن اليقين لا يزال بالشك(1)

ص: 75


1- المبسوط للسرخسي، 3/ 63

عبد اللطيف صالح الفرفور (من المعاصرين، المتوفي ب 1435):

ولا عبرة باختلاف المطالع على المعتمد عند الحنفية، فإذا ثبتت رؤية الهلال في قطر من أقطار المسلمين لزم سائر المسلمين في سائر أقطار الدنيا إذا ثبت عندهم بطريق موجب، كأن يتحمل اثنان الشهادة أو يستفيض الخبر. ومتى رئي الهلال في المشرق وجب الصوم على أهل المغرب و بالعکس - کیا في حاشية ابن عابدین - والمراد باختلاف المطالع أن يتباعد المحلان، بحيث لو رئي في أحدهما لم ير في الآخر غالبا.(1)

الفقه المالكي

أبو الوليد محمد بن احمد بن محمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد(المتوفي ب 595 ):

فَأَمَّا طَرَفا هذَا الزمانفان اَلْعُلَمَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اَلشَّهْرَ الْعَرَبِيَّ يَكُونُ تِسْعاً وعِشْرِينَ ويگو ثَلاثِينَ وَعَلَى أنَّ الإعتبارَ في تَحْدِيدِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤيتُهُوعَنِى بِالرُّؤيَةِ أَوَّلُ ظُهُورِ القُمرَبَعدِ الزَّوالِ(2)

وقال:

وَإِذا قُلنا إنَّ الرُّؤيَةَ تَثَبَّثُ بِالخَبَرِ في حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ فَهَلْ يَتَعَدّى ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ أَعْنِي هَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَا إِذَا لَمْ يَرَوْهُ أَنْ يَأْخُذُوا في ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ آخَرَ أَمْ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَةٌ فيهِ خِلافٌ فَأَمَّا مَالُكٌ فَاِنَّ ابْنَ اَلْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيِّينَ رَوَوْا

ص: 76


1- الصيام في المذاهب الأربعة، للفرفور، 66.
2- بداية المجتهد، لابن رشد، 2/ 46

عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلُ بَلَدٍ أَيْنَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ رَأَوُا الْهِلَالِ أَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي أفطروه وَ صَامَهُ غَيْرِهِمْ ، وَ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَ أَحْمَدَ . وَ رَوَى الدُّيُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرُّؤْيَةِ لَا تألزم بِالْخَبَرِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ ، إِلاَّ أَنْ یکون الْإِمَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ ، وَ بِهِ قَالَ ابْنُ الماجشون والمغيره مِنْ أَصْحَابِ مالک ، وَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُرَاعِيَ ذَلِكَ فِي الْبُلْدَانِ النائية کالأندلس وَ الْحِجَازِ . وَ السَّبَبُ فِي هَذَا الْخِلَافِ : تُعَارِضُ الْأَثَرِ وَ النَّظَرِ .

أَمَّا النَّظَرِ : فَهُوَ أَنِ الْبِلَادِ إِذَا لَمْ تَخْتَلِفْ مَطَالِعَهَا كُلِّ الإختلاف فَيَجِبُ أَنْ يَتَحَمَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا فِي قِيَاسِ الْأُفُقِ الْوَاحِدَ . وَ أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ اخْتِلافاً كَثِيراً فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يَتَحَمَّلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ .

وَ اَمَّا الاَثْرُ فَما رَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٍ ان اَمَّ الْفَضْلَ بِنْتَ الْحَرْثِ بَعَثَتْهُ الِي مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَقَالَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضانُ وَاناً بِالشَّامِ فَرَايَتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ اَلْجُمْعِهِ ثُمَّ قَدِمْتُ اَلْمَدِينَةَ فِي اخرالشَهْرِ فَسَالَنِي عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَالِهِلاَلَ فَقَالِمَتِي رايتم اَلْهِلاَلَفقلتِرَايَتِهُ لَيْلَةَ اَلْجُمْعِهِ اَلْجُمْعِهِ فَقَالاَنَتْ وَرَاهُ النَّاسُ وصَامَواوصَامُ مُعَاوِيَةُ قاللكُنَّا رَايَنَاهُ لَيْلَةَ اَلسَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتِّي نكمل ثَلاَثِينَ يَوْماً اَوْ نَرَاهُ فَقُلْتَالاَ تَكْتَفِي بِرَوِيَّةِ مُعَاوِيَةَف قَاللاَ هَكَذَا امرْنَا اَلنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ والصَّلاةُ.

فَظَاهَرَ هَذَا الاثر یقتضی انَّ لکل بَلَدٍ رویته قُرْبِ أَوْ بَعْدُ ، والنظریعطی الْفَرْقُ بین الْبِلَادِ النائیه ، وَ بِخَاصَّةِ مَا کان نایه فی الطُّولَ وَ الْعَرْضَ کثیرا . واذا بَلَغَ الْخَبَرُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ لَمْ یحتج فیه الی شَهَادَةُ . فَهَذِهِ هی الْمَسَائِلِ تَتَعَلَّقُ بِزَمَانِ الْوُجُوبِ .(1)

عبد اللطيف صالح الفرفور (من المعاصرين، المتوفي ب 1435):

ص: 77


1- بداية المجتهد، لابن رشد، 2/ 50

ومتی ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعية تقدم تفصيله.(1)

الفقه الحنبلي

ابن قدامة (المتوفي با 620 ):

فَصَلِّ : وَ إِذا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ ، لَزِمَ جَمِيعِ الْبِلَادِ الصَّوْمِ . وَ هَذَا قَوْلُ اللیث ، وَ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيُّ . وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٍ قَرِيبَةً ، لَا تَخْتَلِفُ المطالع لِأَجْلِهَا کبغداد وَ الْبَصْرَةِ ، لَزِمَ أَهْلِهِمَا الصؤم بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي أَحَدِهِمَا ، وَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ ، کالعراق وَ الْحِجَازِ وَ الشَّامِ ، فلل أَهْلُ بَلَدٍ رُؤْيَتِهِمْ . وَ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ أَهْلُ بَلَدٍ رُؤْيَتِهِمْ .

وهُوَ مَذْهَبُ الْقَاسِمِ وسَالِمٌ وَاسِحَاقٌ لماروي كَرَيْتَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ واستَهَلَّ عَلَيَّ هِلالُ رَمَضانَ وَأنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْنَا الْهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ اَلشَّهْرِ فَسَأَلَنِي اِبْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَالهِلال فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ اَلْهِلاَلَ قلتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَقالَ أنتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَهْ فَقَالَ لَكِنْ رَأَيْنَاهُ لليلة اَلسَّبْتِ فَلاَ نزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْملَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَراً فَقُلْتُ أَلاَّ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامَهُ قَالَ لاَ هَكَذَا اَمَرْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ قَالَ الترمذي هذا حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ولنا قول اَللّهِ تَعَالَي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَليضمَة(2)وقُول اَلبَيِّ صلي الله عَلَيْهِ وَالِهَ اَلْأَعْرَابِيَّ لاَ قَالَ لَهُ اَللَّهُ أُمَّكَ أَنْ تَصُومَ هَذَاالِشَهْرَ مِنَ اَلسَّنَةِ قَالَ نَعَمْ.

ص: 78


1- الصيام في المذاهب الأربعة، للفرفور، 70 .
2- القرآن الكريم، البقرة، 185.

وقَوْلُهِ الْآخَرُ لَا قَالَ لَهُ مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّوْمِ قالَ شَهرُ رَمَضَانَ وأجمَعَ المُسلِمونَ عَلَى وُجوبِ صَومِ شَهرِ رَمَضانَ وقَدْ ثَبَتَ أنَّ هَذا اَلْيَوْمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ اَلثِّقَاتِ فَوَجَبَ صَومُهُ عَلَى جَمِيعِ المُسلِمينَ وَلِأنَّ شَهرَ رَمَضانَ ما بَينَ الْهِلالِيّينَ وقَدْ ثَبَتَ أَثَرُ هَذَا اَلْيَوْمِ مِنْهُ فِي سَائِرِ اَلْأَحْكَامِ مِن حُلُولِ الدِّينِ وَ وُقُوعِ الطَّلاقِ وَالعَتاقِ وَ وُجُوبِ النُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ فَيَجِبُ صِيَامُهُ بِالنَّصِّ وَالإجماعِ وَلأنَّ البَيئَةَ العادِلَةَ شَهِدَت بِرُؤْيَةِ اَلْهِلالِ فَيَجِبُ اَلصَّوْمُ كَمَا لَوْ تَقَارَبَتِ اَلْبُلْدَانُ.

فَأَمَّا حَدِيثٌ كريْبٌ فاما دل عَلَى أَنَّهُمْ لا يُفْطِرُونَ بِقَولِ كُرَيبٍ وَحدَهُ وَ تَقولُ بِهِ وإنَّا مَحَلُّ الخِلافِ وُجوبُ قَضَاءِ اليَوْمِ الأَوَّلِ ولَيْسَ هُوَ فِي الحَديثِ فَإن قِيلَ فَقَدْ قُلْتُمْ إِنَّ اَلنَّاسَ إِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ثَلاثِينَ يَوْماً وَلَمْ يَرَوُا اَلْهِلالَ أَفْطَرُوا فِي أَحَدِ اَلْوَجْهَيْنِ قُلْنَا اَلْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّنَا إنَّمَا قُلْنَا يَفْطِرُونَ إِذَا صَامُوا بِشَهَادَتِهِ فَيَكُونُ فِطْرُهُمْ مَبْنِيّاً عَلَى صُؤْمِهِمْ بِشَهَادَتِهِ وهَاهُنَالَمْ يَصُومُوا بِقَوْلِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَجُوزُ بِنَاءُ الفطر عَلَيهِ الثَّانِي أَنَّ اَلْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْوَجْهِ الْآخَر.(1)

عبد اللطيف صالح الفرفور (من المعاصرين، المتوفي ب 1435):

كل ما تقدم عند المالكية هو مذهب الحنابلة ....(2)

ص: 79


1- المغني، لابن قدامة، 4/ 328.
2- الصيام في المذاهب الأربعة، للفرفور، 71.

ص: 80

الفصل الثاني، في تحرير المسألة وما يتفرع عليها

تحرير المسألة

يقول المولى أحمد النراقي (المتوفي ب 1245) تقريرا للمسألة:

أنه مما لا ريب فيه أنه يمكن أن يرى الهلال في بعض البلاد ولا يرى في بعض آخر مع الفحص؛ واختلاف البلدين في الرؤية إما يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائية أو الأرضية - كالغيم والصحو وصفاء الهواء وكدرته وغلظة الأبخرة ورقتها وتسطيح الأرض وتضريسها ونحو ذلك - أو للاختلاف في الأوضاع السماوية، وذلك إما يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.

أما اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين:

أحدهما: أن كل بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة النيرين فيه في الأغلب أبعد من الإستواء، ويكون اضطجاعها إلى الأفق أكثر، ولأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب، ولذلك يكون قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوالي الأفق أكثر، فتكون رؤيته أصعب، ولكن ذلك لا يختلف إلا باختلاف كثير في العرض.

وثانيهما: من الوجه الذي سيظهر مما يذكر.

وأما الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أن كل بلد طوله أكثر وعن جزائر الخالدات - التي هي مبدأ الطول على الأشهر - أبعد، يغرب النيران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقل.

وعلى هذا، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدا به يتحرك فيه القمر بحركته الخاصة قدرا معتدا به ويبعد عن الشمس، فيمكن أن يكون القمر وقت غروب الشمس في البلد الأكثر طولا بحيث لا يمكن رؤيته؛ لعدم خروجه عن الشعاع، ويبعد عن الشمس فيها بين المغربين بحيث يمكن رؤيته في البلد الأقل طولا.

ص: 81

مثلا: إذا كان طول البلد مائة وعشرين درجة، وطول بلد آخر خمسا وأربعين درجة، فيكون التفاوت بين الطولين خمسة وسبعين درجة، وإذا غربت الشمس في الأول لا بد أن يسير الخمس والسبعين درجة بالحركة المعدلية حتى تغرب في البلد الثاني، ويقطع الخمس والسبعين درجة في خمس ساعات، وفي هذه الخمس يقطع القمر بحركته درجتين، وقد يقطع درجتين ونصف، بل قد يقطع ثلاث درجات تقريبا.

وعلى هذا، فربما يكون القمر وقت المغرب في البلد الأول تحت الشعاع، ويخرج عنه في البلد الثاني، أو يكون في الأول قريبا من الشمس فلا يرى لأجله، وفي الثاني یری لبعده عنها، ولمثل ذلك يمكن أن يصير الاختلاف في العرض أيضا سبباالاختلاف الرؤية في البلدين؛ لأنه أيضا قد يوجب الاختلاف في وقت الغروب

وإن لم يختلفا في الطول، فإنه لو كان العرض الشمالي لبلد أربعين درجة يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة تقريبا، ويكون في ذلك اليوم - الذي يكون الشمس في أول السرطان - النهار الأقصر للبلد الذي عرضه الجنوبي كذلك، ويكون يومه تسع ساعات تقريبا، ويكون التفاوت بين اليومين ست ساعات، ثلاث منها التفاوت المغرب، ويقطع القمر في هذه الثلاث درجة ونصفا تقريبا، وقد يقطع درجتين، وتختلف رؤيته بهذا القدر من البعد عن الشمس.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد دلت الأخبار على أنه إذا ثبتت الرؤية في بلد يثبت حكمها للبلد الآخر أيضا بقول مطلق، ومقتضاها اتحاد حكم البلدين في الرؤية، وذلك فيما إذا كان السبب في عدم الرؤية في البلد الآخر الموانع الخارجية الهوائية أو الأرضية بحيث علم أنه لولا المانع لرئي في ذلك البلد أيضا - إجماعي، وذلك يكون في البلدين المتقاربين؛ إذ نقطع بعدم حصول الاختلاف الموجب لاختلاف الرؤية بسبب الأوضاع السماوية في البلاد المتقاربة.

وكذا إذا كان الاختلاف في الرؤية لأجل الاختلاف في العرض بالوجه الأول؛ لأنه أيضا راجع إلى وجود المانع الخارجي.

ص: 82

وإن كان السبب في عدم الرؤية الاختلاف في الطول، أو العرض بالوجه الثاني، ففيه الخلاف؛ إذ لا يعلم من الرؤية في أحد البلدين وجود الهلال في الآخر أيضا- أي خروجه عن الشعاع وقت المغرب - فلا تكفي الرؤية في أحدهما عن الرؤية في الآخر. وقد يتعارض الاختلاف العرضي مع الطولي، كما إذا كان نهار بلد أقصر من الآخر، ولكن كان طول الأول أقل بحيث يتحد وقتا مغربهما أو يتقاربان، ويكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق، بل قد يتأخر المغرب في الأقصر نهارا.

ومما ذكر يعلم أن محل الخلاف إنما هو في البلدين اللذين يختلفان في الطول تفاوتا فاحشا، أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته الخاصة درجة أو نصف درجة، ونصف الدرجة يحصل في خمس عشرة درجة تقريبا من الاختلاف الطولي. أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا، بحيث يكون تفاوت مغربيهما بقدر يسير القمر فيه بحركته الخاصة الدرجة أو نصفها، وهو أيضا يكون إذا اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقل، ليكون تفاوتهما المغربي نصف ذلك، حتى يسير القمر سيرامعتدا به فيه.

وقد يتعارض الاختلافان الطولي والعرضي، والخبير بعلم هيئة الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق، واستنباط أن الرؤية في أي من البلدين - المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور- توجب ثبوتها في الآخر، ولا عکس.

فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير؛ لتقارب عرضهما، وأقلية طول بغداد بخمس وعشرين درجة تقريبا. وفي الرؤية بمصر لبغداد؛ إذ مع التفاوت العرضي قليلا يكون طول مصر أقل بسبع عشرة درجة. وكذا الطوس؛ لزيادة طوله بثلاثين درجة تقريبا.

وفي الرؤية في صنعاء يمن لبغداد ومدائن؛ إذ مع تقارب الطول يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.

وفي إصفهان لبلدة هاور؛ لاختلافهما في الطول باثنين وثلاثين درجة تقريبا. بل في بغداد لطوس؛ لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا.(1)

ص: 83


1- مستند الشيعة، للفاضل النراقی، 10/ 421 إلى 424
تتمیم وزیادة؛ في بعض ما يتفرع على المسألة

المزيد الإطلاع أقول - ولا يخلو عن فائدة إن شاء الله - أنه يتفرع على القول باشتراط التقارب فروع. يقول العلامة الحلي قدس سره تفريعا على المسألة:

فروع: ...

ب: لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر إلى بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الأول، فإن قلنا لكل بلدة حكمها، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم يفطر؟ و جهان:

أحدهما، إنه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية- لأنه بالانتقال إلى بلدهم أخذ حكمهم، وصار من جملتهم. والثاني: أنه يفطر، لأنه التزم حكم البلدة الأولى، فيستمر عليه، ويشبه ذلك بمن اكتری دابة لزمه الكرا بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عممنا الحكم سائر البلاد، فعلى أهل البلدة المنتقل إليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إما بقوله، لعدالته، أو بطريق آخر، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج: (أيضا لو عممنا الحكم إلى سائر البلاد ف) لو سافر من البلدة التي يرى فيها الهلال (أي هلال رمضان)ليلة الجمعة إلى التي يرى فيها الهلال ليلة السبت، ورؤي هلال شوال ليلة السبت، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلا ثمانية وعشرين يوما، ويقضون يوما. وعلى قياس الوجه الأول (أي عدم التعميم) لا يلتفتون إلى قوله: رأيت الهلال، وإن قبل في الهلال قول عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال (أي هلال رمضان) إلى حيث رؤي، فيعيدوا التاسع والعشرين من صومه، فإن عممنا الحكم، وقلنا: حكمه حكم البلد المنتقل إليه، عيد معهم، وقضى يوما، وإن لم نعمم الحكم وقلنا: إنه بحكم البلد المنتقل عنه، فليس له أن يفطر.

ص: 84

د: لو روي الهلال (أي هلال شوال) في بلد، فأصبح الشخص معيدا، وسارت به السفينة وانتهى إلى بلدة على حد البعد، فصادف أهلها صائمين، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا: إن كل بلدة لها حكمها؛ وعدمه، لأنه لم يرد فيه أثر (أي خبر) و(دليل على أن إمساك بقية اليوم)يجزئه اليوم الواحد، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.(1)

ولو انعكس الحال، فأصبح الرجل صائما، وسارت به السفينة إلى حيث عدوا،فإن عممنا الحكم أو قلنا: إن حكمه حكم البلدة المنتقل إليها، أفطر، وإلا فلا.وإذا أفطر، قضى يوما، لأنه لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوما.(2)

ويتفرع أيضا على القول باشتراك البلاد في تجدد الشهر عند ثبوت الرؤية في بلد من البلاد، أنه عند الشك في بداية رمضان، لا يسوغ لنا الحكم بجواز الإفطار غدا بمجرد عدم رؤية الهلال في بلد المكلف، وكذا لا يجوز لنا الحكم بانتفاء حرمة الصوم غدا عند الشك في انتهاء رمضان، إلا إذا علمنا بانتفاء الرؤية في سائر البلاد أيضا بالفحص واليأس.

نعم، لو قلنا باشتراك البلاد في تجدد الشهر ومعه أيضا بكفاية الحساب والزيجات عن الرؤية، لكانت المسألة سهلة. إذ المهم لنا في الفرض العلم بإمكان الرؤية وعدمها الحاصل لنا من قبل الزيجات من غير حاجة إلى الفحص عن حال البلاد.

ص: 85


1- فصل صاحب المدارك (مدارك الأحكام، للموسوي العاملی، 6/ 173) وأيضا الشهيد الثاني ( مسالك،الزين الدين العاملي،52/2) في هذا الفرع بين الوصول قبل الزوال وبعده. فقال صاحب المدارك:«ولو أصبح معيدا، ثم انتقل ليومه و وصل قبل الزوال، أمسك بالنية وأجزأه؛ ولو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء.»
2- تذكرة، للعلامة الحلي، 6/ 124.

ص: 86

الفصل الثالث: التصورات والتصديقات المستمسكة بها لحل المسألة

خلفية البحث

المسألة_كما سبق منا_ما كانت محطة للبحث والنظر عند الأقدمين. نعم، قد نبه لها الشيخ الطوسي قدس سره(المتوفي ب 460) بقوله المنقول بداية:

ويجب العمل بالرؤية لأن ذلك يختلف بحسب اختلاف المطالع والعروض. ومتى لم ير الهلال في البلد ورأي خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رأي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مضحية والموانع مرتفعة الرأي في ذلك البلد أيضا لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وأوسط والكوفة وتكریت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد و خراسان، وبغداد ومصرفإن لكل بلد حكم نفسه.(1)

ولكن ما غني إليها من بعده حق العناية إلى أن وصل الدور إلى العلامة الحلي رحمه الله(المتوفي ب 729)، فأصبحت مهتمة بها من بعده. فغاية ما يوجد عند الأقدمين حول الهلال ورؤيته، هو البحث عن علامات الشهر الإثباتية. فقد يبحثون عن علامة حلول الشهر، ويجعلونها الرؤية والشهادة على الرؤية، ثم مضي ثلاثين يوما من الشهر السابق؛ ثم يبحثون عن أنه هل يثبت بداية الشهر وختامه بطرق آخر.

ص: 87


1- المبسوط، للشيخ الطوسي، 1/ 268.

کالحساب والعداد(1)، أو الجدول(2)الموضوع المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، أو بإخبار المنجمين أو لا؟ ثم الرؤية هل تثبت بشهادة عدل أو عدلين أو لا يكفي فيها إلا الشياع؟ وهل تثبت بشهادة المرأة؛ وأنه لو ردت شهادة المرء على الرؤية فهل يسقط الأحكام المتربة كوجوب الصيام عن نفس الشاهد أيضا أو لا؟

يقول المحقق الخوئي قدس سره في هذا المجال:

(أما البلدان التي تختلف مشارقهما ومغاربهما اختلافا كبيرا)فلم يقع التعرض الحكمه في كتب علمائنا المتقدمين. نعم، حكي القول باعتبار اتحاد الأفق عن الشيخ الطوسي في المبسوط. فإذا المسألة مسكوت عنها في كلات أكثرالمتقدمين، وإنها

ص: 88


1- ابن فهد الحلي رحمه الله يقول:ان لفظ العدد يطلق على معان: (أ) اعتبار عدد الشهور ثلاثين، ثلاثين. (ب) عد خمسة أيام من هلال الماضية (أي عد خمسة ليال من ليالي الأسبوع - مبتدأ من الليلة التي رؤى فيها الهلال الماضي - وجعل الخامس أول الحاضر). (ج) كون رمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا، وهو قول قوم من الحشوية ... (د) عد تسعة وخمسين يوما من رجب ... (والأخيران لا يعمل بها عند الأصحاب) أما المعنيان الأولان: فاختلف الأصحاب في العمل بها. (المهذب البارع، لابن فهد الحلي، 2/ 60)(وقال أيضا:) لا اعتبار بالعدد، والمراد به نقيصة شعبان و تمامية رمضان. (وأدام قوله بانه) قال العلامة في التذكرة: ولا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية ذهبوا إلى أنه معتبر، وان شهور السنة قسمان، تام وناقص، رمضان تام لا ينقص وشعبان ناقص لا يتم وبمثله قال المصنف (المحقق الحلي) في المعتبر.(المهذب البارع، لابن فهد الحلي، 2/ 58)
2- (هذا هو الجدول الذي وضعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، ونسبه إلى الصادق عليه السلام.(غنية النزوع، لابن زهرة، 131)

صارت معركة للآراء بين علمائنا المتأخرين المعروف بينهم (ب) القول باعتباراتحاد الأفق.(1)

فمنذ أول ما اشتغلت الأذهان بالمسألة، جعلوها دائرة مدار الأرض وكرویتها. فهذا هو فخر المحققين قدس سره يقول شرحا لعبارة والده العلامة المجدد للمسألة :

ومبنى هذه المسألة على أن الأرض هل هي كروية أو مسطحة؟(2)

ولعل العلامة نفسه هو أول من جعل کروية الأرض وتسطيحها حجر الأساس اللمسألة. وقال دفعا للدخل:

ولو قالوا: إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضهادون بعض؛ لكروية الأرض، قلنا: ...(3)

وقال في التذكرة:

إذا رأى الهلال أهل بلد، ولم يره أهل بلد آخر، فإن ... تباعدتا کبغداد و خراسان والحجاز والعراق، فلكل بلد حكم نفسه ... لأن البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر، لأن حدبة الأرض مانعة من رؤيته(4)

والنقاش قد بدأ.

ص: 89


1- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 279.
2- إيضاح الفوائد، لفخر المحققين، 1/ 252 .
3- منتهى المطلب، للعلامة الحلي،255/9.
4- تذكرة، للعلامة الحلي، 6 / 122.
تسطیح الأرض و كرويتها

فبعض من افتى بعدم تأثير الآفاق في تجدد الشهر، وبأن الشهر يتجدد لجميع البلدان برؤية الهلال في بلد واحد، تمسك بتسطيح الأرض. فلو كانت الأرض مسطحة فبخروج القمر من تحت الأفق بالنسبة إلى أي نقطة من صفحة الأرض، فهو طالع على جميع النقاط، لكن بزوايا مختلفة لا يعتد بها في بعير بقدر بعد الشمس عن الأرض.

فهذا هو الشيخ يوسف البحراني قدس سره، ابطل الكروية بزعمه، وبني عليه بطلان القول باختلاف البلاد في تجدد الشهر والفروعات المتفرعة عليه.

أقول: ومما يبطل القول بالكروية، أنهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون يوم واحد خمیسا عند قوم و جمعة عند آخرین وسبتا عند قوم وهكذا، وهذا من ما ترده الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع، فإن المستفاد منها - على وجه لا يزاحمة الريب والشك - أن كل يوم من أيام الأسبوع وكل شهر من شهور السنة أزمنة معينة معلومة نفس أمرية، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة وما يعمل فيه واحترامه وأنه سيد الأيام وسيد الأعياد وأن من مات فيهكان شهيدا ونحو ذلك ...

فإن ذلك كله ظاهر في أنها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية، واللازم على ما ادعوه من الكروية، أنها اعتبارية باعتبار قوم دون آخرين.

ومثل الأخبار الواردة في زوال الشمس وما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار وما ورد في ذلك من الأعمال، فإنه بمقتضى الكروية يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، لا اختصاص به بزمان معين، لأن دائرة نصف النهار بالنسبة إلى كل قوم غيرها بالنسبة إلى آخرين.

وبالجملة فبطلان هذا القول بالنظر إلى الأدلة السمعية والأخبار النبوية أظهر من أن يخفى، وما رتبوه عليه في هذه المسألة من هذا القبيل، وعسى أن ساعد التوفيق أن

ص: 90

أكتب رسالة شافية مشتملة على الأخبار الصحيحة الصريحة في دفع هذا القول إن شاء الله تعالی.(1)

والأمر فيما قاله رحمه الله كما تری!

يقول الشيخ محمد تقي الآملي رضوان الله علیه ردا على الحدائق:

يمكن أن يكون يوما واحد خمیسا لواحد وجمعة لآخر وسبتا لثالث، ومن الغرائب أن في الحدائق جعل ذلك من اللوازم الفاسدة المترتبة على كروية الأرض ولأجله أنكر الكروية ! ولعمري لقد كثر احتياج الفقه إلى إسقاط هذه الجمل عنه، ويتوقف على مؤسس جديد، والله العاصم.(2)

أقول: يمكن القول باشتراك أيام الأسبوع عند جميع أقطار الأرض، لكن الشأن كله في أنه ما معنى ذلك؟ فإنها مشتركة بمعنى أن المسلمين المقيمين في واشنطن مثلا، يقيمون صلاة الجمعة في نفس اليوم الذي نقيم فيه الجمعة. لكن لا بمعنى أنهم يقيمونه حينما نحن نقيمه. فحين إذ يكون عندنا وقت الزوال، عندهم لم تطلع الشمس بعد. فإنه لو فرضنا نهار الجمعة ذات عشر ساعات في بلد، لا يكون نفس العشرة نهارا بحسب جميع البلاد. فالجمعة بهذا المعنى متعدد. ولكن لو جعلنا نهار الجمعة ذات اربع وعشرين ساعة مستمرة ما تبدأ قسط بلد منها إلا بعد إتمام حصة الآخر، فقد وحدناها للجميع. ولكن هذا المعنى من وحدة الجمعة، لا يساعد على ما أراده صاحب الحدائق رحمه الله من عدم کروية الأرض ومن إشتراك بقاع الأرض في التكاليف المتوقفة على الأيام والشهور.

ص: 91


1- الحدائق، ليوسف البحراني،266/13
2- مصباح الهدی، للآملی،396/8

يقول العلامة الشعراني رحمه الله:

الصيني لم ير الهلال ولا يجب عليه الصوم والطنجي(1)رآه فوجب، وليس الغروبان (أي غروب البلدين) في ساعة واحدة، بل كانا ليوم مسمي باسم واحد؛ وأول ليلة الأربعاء في طنجة إنما تكون بعد مضي عشر ساعات من ليلة الأربعاء في الصين. ألا ترى أنك تفطر في بلدك لأن الشمس غربت عنك وفي هذا الوقت بعينه لا يجوز الإفطار لأهل الكوفة، لأن الشمس لم تغب عنهم بعد.(2)

ثم اعلم وتفطن بأن المسلمين كانوا عالمين بكروية الأرض بقرون من قبل صاحب الحدائق المتوفي بسنة 1189ه. فهذا هو فخر المحققين الراحل إلى لقاء ربه في سنة 771 ه ، يقول مستدلا على الكروية:

أن الأرض هل هي کروية أو مسطحة؟ الأقرب الأول؛ لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية، وكذا في الغروب، فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة . وإنما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية حيث بدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية، فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا، وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد.

ص: 92


1- طنجة (=Tangier) وهي مدينة تقع في شمال المملكة المغربية قريبا من جبل طارق وعلى ساحلي البحرالأبيض والمحيط الأطلسي.
2- الوافي (مع تعليقة أبو الحسن الشعراني)، للفيض الكاشاني، 11 / 120.

ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي، وبالعكس. فالأول مبني على الأقل،والثاني على الثاني .(1)

ومن قبله أيضا تحدث في الكروية وأدلتها أبو علي، احمد بن عمر، المعروف بابن رسته، العايش منذ ولادته إلى 290 ه، في المجلد السابع من كتابه المسمى بالأعلاق النفيسة؛ وما بقي منه غير هذا المجلد. فاستدل في صفحتي 12 و 13 من كتابه بنفس الأدلة التي نقلناها عن الفخر، مع زيادة. ويخبر عن أن هذا القول كان شایعا مجمعا عليه عند أهله. فيقول:

أجمعت العلماء على أن الأرض أيضا (أي كالفلك) بجميع أجزائها من البروالبحر على مثال الكرة. والدليل على ذلك ...(2)

فمن أراد فليراجع.

ص: 93


1- إيضاح الفوائد، لفخر المحققين، 1/ 252 .
2- الأعلاق النفيسة، لابن رسته ،12/7
القدر المسكون من الأرض

ثم بعض صدق أو سلم بالكروية، ومع ذلك افتی بعدم الاختلاف بين البلاد في تجدد الشهر، قريبها وبعيدها، إذ ظن بأن القدر المسكون من الأرض قدر يسير، فالمسافة بين أول المسكون وآخره ليست بمقدار توجب الاختلاف مع ما للقمر من البعد عن الأرض. فلا تخرج القمر عن تحت أفق بلد قبل خروجه عن تحت أفق الآخر.

يقول العلامة الحلي رحمه الله في المنتهى:

إذا رأى الهلال أهل بلد، وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ... ولو قالوا: إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض؛ لكروية الأرض. قلنا: إن المعمور منها قدر يسير هو الربع،ولا اعتداد به عند الساء.(1)

والشهيد الأول قدس سره أيضا يقول:

ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت،للقطع بالرؤية(2)عند عدم المانع.(3)

واليوم لا حاجة إلى النقاش حول هذه الأوهام. ولكن ننقل ما قاله السيد أبوتراب الخونساري رحمه الله ردا على المنتهى وما سبقها عن الحدائق.

ص: 94


1- منتهى المطلب، للعلامة الحلي،255/9
2- هذه العبارة لم تكن نصا فيما نحن بصدده، لكن نقلناها حسب ما سيجيئ من أن السيد أبو تراب الخونساری رحمه الله حمل هذه العبارة على أن الشهيد قدس سره،یری بعد شرق المسكون عن غربه أقل من أن يأثرفي اختلاف المطالع.
3- الدروس، للشهيد الأول، 1/ 285

يقول السيد أبو تراب الخونساري رحمه الله :

لا لما في الجواهر (حاكيا ومحتملا لا مصدقا) من المنع عن اختلاف المطالع والمغارب في الربع المسكون، إما لعدم کروية الأرض بل هي مسطحة، فلا تختلف المطالع حينئذ، وإما لكونه قدرا يسيرا، فلا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء.

فإن كلا من الأمرين مما يرد بالوجدان أو البرهان - کا فضل في محله - من علم المسالك والمالك والهيئة الطبيعي وغيرها.

وكفاك في التصديق بالأمرين قبل الوقوف على ما ذكروها في العلوم المذكورة ما ذكرنا من التفاوت المعلوم وجدانا بين البلاد بحسب اختلاف العروض والأطوال، وبأولهما أن السائر إلى القطب الظاهر کالجدي - مثلا - پری بالحس أنه يرتفع القطب كلما سار إليه حتى يبلغ إلى وسط السماء ثم ينحط منه إلى الأفق إلى أن يغيب هو ويظهر القطب الآخر، والسائر إلى مطلع الشمس يرى أنه كلما سار يتقدم الطلوع ويتأخر الغروب وإلى مغربه بالعكس، وكذا سائر الكواكب، وبثانيهما تساوي الليل والنهار في زمان ثم زيادة أحدهما ونقصان الآخر بمقدار معلوم في كل يوم بحسب حركة الشمس في البروج إلى حد ثم صيرورة الأمر بعكس ذلك، فيأخذ الآخر في الزيادة وذلك في النقص إلى أن يتساويان مرة أخرى، وهكذا دائیا.

وكذلك حال القمر وسائر الكواكب أيضا بالنسبة إلى مقدار ما لها من قوس الليل وقوس النهار على حسب سيرها في البروج، وغير ذلك من الأمور الواضحة الجلية.(1)

وكذا يقول ردا على ما نقلناه من الدليل عن الدروس:

ص: 95


1- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.

لا لما في الدروس من دعوى القطع بعدم تأثير بعد البلاد في ذلك؛ فإنه في غاية السقوط؛ بديهة أن اختلاف البلاد في الطول قد يوجب التفاوت بين الغروبين بكثير، حتى أنه قد يكون وقت الغروب في بلد من الربع المسكون أول الزوال في بلد آخر منه أو أول النهار مثلا، وذلك لأن كل خمس عشرة درجة من تفاوت الطولين إنه يوجب التفاوت في المطالع والمغارب بمقدار ساعة فلكية، فإن الشمس والقمر إنما يتان الدور-الذي هو ثلاثمائة وستون درجة- بالحركة السريعة في أربع وعشرين ساعة، وإذا قسمنا عدد الدرجات على عدد الساعات، كان خارج القسمة خمس عشر، فبين لندن- مثلا - وپونة(1)(بوني) هند- اللذين بين طوليهما أربع وسبعون درجة تقريبا - إنما يكون تفاوت الغروبين باعتبار اختلاف الطول خاصة خمس ساعات إلا أربع دقائق تقريبا، وهكذا.

وكذلك الاختلاف في العرض أيضا إنما يوجب التفاوت في ذلك بكثير، فإن كل إقليم إنما يكون التفاوت بين أطول نهاره في السنة وأطول نهار الإقليم الذي بعده بمقدار نصف ساعة، فالتفاوت بين أهل الإقليم الأول والسابع بثلاث ساعات ونصف ونصفه التفاوت بين الغروبين مع فرض اتحاد الطولين، ومع اختلافهما طولا وعرضا يزيد التفاوت بكثير كما لا يخفى، ومعلوم أن التفاوت بساعة وساعتين فضلا عن خمس ساعات وأزيد قد يوجب امتناع الرؤية في أحدهما دون الآخر؛ لكون القمر وقت الغروب تحت الشعاع في أحدهما المتقدم غروبه وخارجا عنه وبعيدا من الشمس بمقدار يمكن رؤيته في الآخر المتأخر غروبه أو خارجا غير بعيد في الأول وبعيدا في الثاني؛ فإن القمر يقطع كل برج في أزيد من يومين وأقل من ثلاثة أيام، فيقطع في بعض الأوقاتدرجتين في ثلاث ساعات تقريبا، كما هو واضح.(2)

هذا، ولكن بعد العلم بما من الخطاء في الدلايل المذكورة، لابد أن نذكر أنفسنا بأن بطلان الدليل لا يدل على بطلان المدعي.

ص: 96


1- Pune وتنادي أيضا بPoona
2- نفس المصدر
إمكانية القطع بطول البلاد وعرضها

فبعض حکم بتعذر العلم والقطع أو تعسره، وشك في أنه هل يمكن لنا القطع بطول البلاد وعرضها، وهل يمكن لنا القطع بموقع القمر عن الشمس والأرض بالضبط، وهل يمكن لنا إحصاء جميع الملازمات التكوينية المؤثرة في إمكان الرؤية وعدمها، على نحو نقطع بإمكان الرؤية في بلد وعدمه في الآخر، أو لا يمكننا إلا الظن؟

يقول المحقق الحلي قدس سره في هذا المجال:

... لأن تساوي عروضها لا يعلم إلا من أصحاب الإرصاد وأرباب النجوم،وهو طريق غير معلوم، ولا يحصل به الوثوق فلهذا لا يعمل به .(1)

والمولى احمد النراقي رحمه االله يقول:

والعلم بحال القمر - وأنه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت الشعاع في هذا البلد عند مغربه ويخرج في البلد الآخر - غير ممكن الحصول وإن أمكن الظن به؛ الابتنائه على العلم بقدر طول البلدين وعرضهما، وقدر بعد القمر عن الشمس في كل من المغربين، و وقت خروجه عن تحت الشعاع فيهما، والقدر الموجب للرؤية من البعد عن الشعاع. ولا سبيل إلى معرفة شيء من ذلك إلا بقول هيوي واحد أو متعدد، راجع إلى قول راصد أو راصدين، يمكن خطأ الجميع غالبا.(2)

ويقول الشيخ محمد حسن النجفي قدس سره في جواهره:

ص: 97


1- المسائل الطبرية، للمحقق الحلي، 322.
2- مستند الشيعة، للفاضل النراقی، 10 / 425

إن أكثر أحكام التنجيم من الحدس الذي خطأه أكثر من صوابه، بل هم لا يثبتون أول الشهر على وجه لزوم الرؤية بذلك، وإنما هو على معنی تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب وغيرها، ويعترفون بأنه لا يمكن رؤيته، وإنما يظنون في بعض الأحوال مقارنة الرؤية للتأخر المفروض، فقد

يخطئ وقد يصيب.(1)

لكن السيد أبو تراب الخونساري قدس سره قد أجاب عن هذا الإشكال بقوله:

بل إنما هي مفيدة للقطع لهم غالبا؛ لكونها قواعد مضبوطة حسابية مبرهنة ببراهين هندسية منتهية إلى الحس والوجدان.

نعم، قد ذكرنا سابقا أن الحكم بإمكان الرؤية بعد استخراج مقدار البعد أمر راجع إلى الحدس والتجربة، وهو قد يكون ظئيا وقد يكون قطعيا على حسب تفاوت كمية مقدار البعد المستخرج. (إذ الحكم بإمكان الرؤية متوقف على أكثر من معرفة موقع الأجرام في السماء، ويحتاج إلى صفاء الهواء وغيره من أمور غير معلومة إلا بالحدس)

وكيف كان، فهو لأهله قطعي في كثير من الشهور غالبا، ولغير أهله أيضا قد يحصل القطع من إطباقهم إذا عرفهم بالعدالة والضبط والمهارة نادرا، كما لا يخفی.(2)

أقول: ومن المعلوم أن اليوم تحصيل العلم بأحوال الطقس أيضا ليست مبتنية على الحدس والتجربة الشخصية.(3)

ص: 98


1- جواهر، للنجفي،363/16
2-
3- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.
الإعتماد على قول الهيويين

وبعض جاز عن إمكان القطع، واشتغل بأن المرجع في تشخيص الصغرى ليس إلا المنجمين والحساب، الذين لا يمكن الركون إلى قولهم؛ إما لعدم إسلامهم، وإما لعدم موالاتهم وتقيدهم بالشريعة.

فهذا هو المحقق البحراني، صاحب الحدائق رحمه الله يقول في باب القبلة ما يعم بمناطه لما نحن فيه، فيقول:

وإحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا، لأنه علم دقيق كثير المقدمات، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع، وتقليد أهله غير جائز لأنه لا يعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم، وبالجملة التكليف بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة.

والله العالم بحقائق أحكامه.(1)

وما فيه من المنع ظاهر. إذ لا قدح لهم في عدم إسلامهم حينها يحكمون بالأمور الحسابية والهندسية. فإن حالهم فيه حال الأطباء والرياضيين والمهندسين. فإن الفقهاء نفسهم كثيرا ما يرجعون إليهم فيما يحتاجون إليه من ذلك الفنون في تشخيص شرائط الحكم والموضوعات، من غير التعرض لإسلامهم أو كفرهم. نعم يشترط الوثوق بهم، والوثاقة بما هي مشترطة في الرجوع إلى أهل الخبرة مجامعة مع الكفر. ولا أقل من وجوب تعلمه على بعض المؤمنين العدول كفاية إذا جاز التعويل على هذا العلم نفسه في تشخيص موضوع الحكم أو شرایطه.

ص: 99


1- الحدائق، ليوسف البحراني، 6 / 388.

واعجب من ذلك، قول من جعل الاستناد إلى الحسابات القطعية الهندسية النجومية مصداقا للرجوع إلى قول الكهنة، ومن شعب الكفر بالنبي صلی الله علیه واله، وما أنزل عليه.

وهذا هو العلامة الحلي ق ، يقول في التذكرة:

مسألة: لا يجوز التعويل على الجدول، ولا على كلام المنجمين، لأن أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجم ولا الاجتهاد فيه – وهو قول أكثر العامة - لما تقدم من الروايات.

ولو كان قول المنجم طريقا دليلا على الهلال، لوجب أن يبينه علیه السلام للناس، لأنهم في محل الحاجة إليه، ولم يجز له علیه السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.... والأحادیث متواترة على أن الطريق إما الرؤية أو مضي ثلاثين، وقد شدد النبي صلی الله علیه واله، في النهي عن سماع كلام المنجم، فقال عليه السلام: من صدق کاهنا أو

منجا فهو كافر بما أنزل على محمد.(1)

أقول: كم من التفاوت ما بين التنجيم وعلم الهيئة، فإن التنجيم المنهي عنه هو الكشف عن المغيبات وما ينتهي إليه الإختيارات، والحكم على ما سيكون من الحوادث، وتوصيف الأشخاص والأفعال بالنحوسة والسعد، على أساس من أوضاع النجوم والكواكب والأفلاك. وأما علم الهيئة والفلك علم يبحث عن موقع الثوابت والسيارات، واقتران الكواكب وانفصالها وما شابه ذلك عن طريق الحسابات الهندسية والمشاهدات التجريبية. فمثلا يبحث عن الكسوف والخسوف والأهلة. ولا فرق في هذا بين الهيئة القديمة والجديدة .

ص: 100


1- تذكرة، للعلامة الحلي، 6/ 137.

فالهيئة تفيد القطع غالبا وما يرى من انکشاف خطأهم فيها لا تكون إلا عن ضعف تجاربهم أو اشتباههم في المحاسبات، وذلك لا سيا اليوم نادر جدا. وأما الذين يعملون التنجيم - نعم - فهم لا يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. وأما كفرهم فلأنهم زعموا أن الأفلاك قديمة، أو لأنهم جعلوا أوضاع الكواكب والأجرام العلوية علة تامة للحوادث السفلية، أو شريكة مع الرب في التأثير على الخير والشر ثم النفع والضرر، وتعالى الرب عن ذلك علوا كبيرا.(1)

فأجاب المحقق السبزواري رحمه الله عن التذكرة بقوله:

وفيه تأمل، لأن الأمر (في) الجدول متعلق بالحساب المتعلق بالأرصاد، ولا تعلق له بأحكام المنجمين؛ والمنع متعلق بتصديق المنجم، ومعناه من يحكم على الكائنات والحوادث بأوضاع النجوم، أو معناه أمر أخر أخص من هذا.(2)

وقال السيد رضي الدين الخونساري رحمه الله (المتوفي ب 1113):

لا يبعد ادعاء أن النهي الوارد في الأخبار لا يشمل استخراج الأهلة من الحساب المتعلق بالأرصاد ... كيف لا وقد ورد في الشريعة المقدسة بعض الأمور المنوطة بالأرصاد کكون القمر في برج عقرب، ليحترز عنه مريد السفر أو التزويج.(3)

ص: 101


1- ومن أراد المزيد من الاطلاع فلیراجع مقالة «اعتبار قول الحيويين في رؤية الهلال»، للمختاري، 46 إلى79
2- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري، 3/ 532.
3- تكميل المشارق، لرضى الخونساري، 2/ 470.
الموضوعات الشرعية والتدقيقات العلمية

ثم بعض عبر عن ذلك كله، وتوقف في أن بناء الشارع ليس على التدقيقات الهيوية. بل المدار في الأحكام الشرعية على التشخيص العرفي. فعليه وإن أمكن لنا القطع بالحسابات المؤثرة في اختلاف البلاد أو إشتراكهم في تجدد الشهر، ثم أيضا وإن جاز لنا الأخذ بقول الهيويين، لكن الموضوع في الحكم الشرعي أمر عرفي من رأسه.

وهذا هو الفاضل النراقي رحمه الله، له كتاب بالفارسية يسمى بالرسائل والمسائل. فهناك أطول المقال في البلاد وأحوالها المتأثرة من اختلاف الطول أو العرض؛ وحكم بأنه كما يوجب البعد الاختلاف بين بعض البلاد، كذا يوجب إشتراك بعض المتباعدات في زمن الرؤية وإمكانها. وتمييز المشتركات عن المختلفات يحتاج إلى محاسبات دقيقة هندسية ونجومية؛ والمفروض أننا نتمكن منها على سبيل القطع. فكان من الممكن أن يعتبر الشارع مثل هذه المحاسبات ويجعلها مناطا في التكليف. لكنه قد سكت عنها، ونطق بمناط واحد وهو الرؤية؛ وما كلف على أهل بلد بأن يتفحصوا من أحوال تلك البلاد النائيات التي تشترك في الشهر مع بلدهم، وأنهم هل رأوا الهلال أم لا؟

فيقول قدس سره:

چنانکه جمعی از علماء تصریح کرده اند که بنای شارع بر این تدقيقات هيويه نیست، و همین قدر که فرموده: رؤیت هلال که شد ماه ثابت می شود، باید ما حکم کنیم؛ و فرق میان ولایات نیست. ... و از این راه می توان گفت که مطلقا همین که دو بلد بسیار از هم دور باشند، رؤیت احدهما مطلقا کفایت دیگری را نمی کند، خواه عرض و طول آنها را بدانیم یا نه.(1)

ص: 102


1- رسائل و مسائل، للفاضل النراقي، 1/ 175
تعریف «الشهر »
عند اللغويين

وبعض اشتغلوا بتعريف الشهر الطبيعي والعرفي ثم الشرعي، وفحصوا عن أنه هل يوجد في التعريف شيء يدل على إشتراك الشهور بين البلاد أو اختصاصها؟ وكتب اللغة فارغة عنها. فغاية ما يقال فيها عن الشهر أنه هو الهلال أو ما بين الهلالين؛ وأنه سمى بالشهر لأنه يشهر فيه الهلال، ويشهر أي يظهر وينکشف بطلوعه.

قال الراغب الأصفهاني (المتوفي ب 502):

الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال، أو باعتبار جزء من اثنی عشر جزء من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة.(1)

ويقول ابن الأثير (المتوفي ب 606):

الشهر الهلال، سمي به لشهرته وظهوره.(2)

ويقول ابن منظور الأنصاري الرويفعی (المتوفی با 711):

والشهر القمر؛ سمي بذلك لشهرته وظهوره؛ وقيل: إذا ظهر وقارب الكمال ...

يقول ابن سيدة: والشهر العدد المعروف من الأيام؛ سمي بذلك لأنه يشهر (أي يظهر وينكشف)بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه.

وقال الزجاج: سمي الشهر شهرالشهرته وبيانه.

وقال أبو العباس: إنما سمي شهرة لشهرته؛ وذلك أن الناس يشهرون دخوله وخروجه.(3)

ص: 103


1- المفردات، للراغب، 468
2- النهاية، لابن أثیر، 2/ 515
3- لسان العرب، لابن منظور،432/4

ويقول الفيومي (المتوفي ب 770):

الشهر، قيل: معرب، وقيل: عربي مأخوذ من الشهرة وهي الإنتشار. وقيل: الشهر الهلال، سمي به لشهرته و وضوحه؛ ثم سميت الأيام به. وجمعه شهوروأشهر.(1)

ويقول المناوي (المتوفي با 1031):

الشهر : الهلال الذي شأنه أن يدور دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيا، سواء كان ناقصا أم كاملا، فهو شائع في فردين متفاوتي العدد، ذكره الحرالي.

وقال أبو البقاء: الشهر المشتهر أو المشهور، وأصله الإظهار والكشف، فهذاالزمان لاشتهاره سمي شهرا، أو هو ما بين الهلالين.(2)

ويقول الطريحي (المتوفي به 1087):

والشهر في الشرع عبارة عما بين هلالين. قال الشيخ أبوعلي: وإنما ستي شهرالاشتهاره بالهلال.(3)

ويقول على بن احمد بن محمد رحمه الله ، المشتهر بابن معصوم المدني وبالسيد عليخان الكبير (المتوفي با 1091):

وَ الشَّهْرِ : الْهِلَالُ.....وَشَهرُ اَلْهِلاَلِ،كَمَنْعِ:طَلْعٍ.(4)

ص: 104


1- المصباح المنير، للفيومي، 1/ 325
2- التوقيف على مهات التعاريف، للمناوي،209/1
3- مجمع البحرین، للطريحي، 3/ 357
4- الطراز الأول، للسيد عليخان الكبير، 8/ 214

وينقل الزبيدي (المتوفي ب 1205) في تاج العروس ما قاله ابن الأثير في النهاية،ثم ينقل ما نقلناه عن لسان العرب ويزيد عليه:

... وقال الليث : الشهر والأشهر عدة والشهور جماعة. وقيل: سمي شهرا باسم الهلال إذا أهل، والعرب تقول: رأيت الشهر، أي رأيت هلاله، وقال ذو الرمة: ...(1)

وجاء في معجم الوسيط:

(الشهر) جزء من اثني عشر جزءا من السنة (الشمسية والقمرية)(2)

ومع ما رأيت من كتب اللغة، فقد استدل السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله بهن وقال:

أن الشهر في اللغة، هو ما بين الهلالين المرئيين المشتهرين بها أنهما مرئيان.(3)

وما وجدنا عند اللغويين إلى ما ادعاه اقرب من ا: أن الشهر سمي بالشهر لشهرته وظهوره و بیانه (وظهور الشهر هو كون هلاله مرئيا، كما أنه لا يشتهر الشهر ولا يشيع بيانه في الألسن إلا عند حصول رؤية الهلال للجميع)؛ وب: ما نقله الزبيدي قيلا، بائه سمي الشهر بالشهر باسم الهلال إذا أهل (فالشهر لغة في الهلال لا مطلقا بل إذا أهل أي رؤي).

لكن الوجهين كليهما مخدوشان. إذ الأول اجتهاد منه رحمه الله في سبب الشهرة والظهور والبيان، من غير ابتنائه على الاستماع و تفحص الإستعمال. والثاني بأنه قيل.

ص: 105


1- تاج العروس، لمرتضى الزبيدي،66/7
2- المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، 1/ 498.
3- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني، 103.

ثم اعلم انه يمكن تطويل المقال بالإيراد والإستجواب من الجانبين، فان لكليهما وجه، ولكنه ليس بأيدينا ما يركن إليه النفس. أضف إلى ذلك أنه يمكن أن تكون الرؤية مأخوذة في الشهر في مقام الإستعمال حسب كونها هي الطريقة المعمولة، وما الدليل على أنها مأخوذة في الوضع؟ فرب قيد طارئ على المعنى الموضوع له حسب الظروف والبيئات.

على أي حال، فهذا ما هو عند اللغويين.

عند الفقهاء

أما الفقهاء فهم معترفون بأن الشهر عند الشرع هو ما يكون عند العرف شهراء وليس للشريعة فيه تأسيسا و وضعا جديدا.

فيقول السيد أبو تراب الخونساري قدس سره:

أن موضوع الشهر مما لا اختراع فيه للشرع، بل إنما هو كسائر الموضوعات العرفية التي علق عليها الأحكام، فالمرجع فيه ليس إلا العرف.(1)

ويؤيده أنه مع كثرة ذكر «الشهر» في الآيات والروايات، وعموم ابتلاء الناس بتشخيصه سيماللعمل بالتعبديات، لا يوجد في المأثورات شيء يوضح عن تعریف الشهر؛ وما ذلك إلا أن الشهر الشرعي لا يتفاوت مع الشهر العرفي الذي يعرفه الناس، فما كان حاجة إلى البيان.

فمثل قوله تعالی«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(2)، يجعل «الشهر» كأمر مفروغ عنه، ثم يحكم على من شهده بالصيام؛ وهذا لإستغناء المخاطب عن البيان.

ص: 106


1- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113
2- القرآن الكريم، البقرة، 185.

الرؤية ما بين الموضوعية والطريقية

قد توفرت الروايات عن تعليق الأحكام المترتبة على «الشهر» بالرؤية، ک «صم للرؤية وافطر للرؤية» ؛ لكنها أيضا -كما سبق في شأن الآية - ليست في مقام التعريف، بل في مقام إمضاء بعض الطرق التي يستفيد منها العرف لتشخيص أول الشهر، ورفض باقي الطرق.

والشهر عند العرف هو المدة المتوسطة ما بين الهلالين، المبتدئة بالرؤية.

قال العلامة رحمه الله:

أن شهر رمضان عدة بين هلالين(1)

وقال السيد أبو تراب الخونساري قدس سره:

والمدار فيه (أي الشهر ) عندهم (أي العرف) على الرؤية ...(2)

والقوم متسالمون على مثل هذا، كما كانوا مطبقين على أن الرؤية ليست من مقومات مفهوم الشهر بل من طرق كشفه وعلاماته. فعندهم «الشهادة» في الآية و«الرؤية» في الروايات ليس لها شأن إلا كشأن «الخيط» في قوله تعالی:

كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ(3)

ص: 107


1- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 9/ 253.
2- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.
3- القرآن الكريم، البقرة، 187.

فإنه لا شك في أن التبين والرأي بالعين بالنسبة إلى خط الضوء في ظلام الليل،ليس له دور في تحديد جواز الأكل والشرب. بل الحد هو طلوع الفجر، سواء أن تری أماراته أم لا. ففي مثل الليالي المقمرة التي يغلب نور القمر فيها ضياء الفجر، لا يمكن تمييز الضوئين ولكنه لا يمنع ذلك عن لزوم الإمساك بطلوع الفجر.(1)

وهنا جم غفير من الفقهاء قضوا بعلامية الرؤية بالنسبة إلى بداية الشهر. فإنه وإن كانت عباراتهم في الرد على من قال بالعدد(2)غالبا، لكن يستظهر منها تصديقهم بعدم مدخليتها في قوام الشهر أيضا.

قال الشيخ المفيد قدس سره(المتوفي ب 413):

قال الله عزوجل:يَسأَلونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُل هِيَ مَواقِيتُ النَّاسِ وَالحُجُّ(3)... فجعل تعالی الأهلة علامات الشهور، ودلائل أزمان الفروض(4)

وقال السيد المرتضى قذس سره(المتوفي ب 436):

ص: 108


1- مقالة «اتحاد و اختلاف الفقهاء في ثبوت رؤية الهلال»، 102 إلى 229.
2- يقول المحقق الحلي رحمه الله : (القول بالعدد قول قاله) قوما من الحشوية يزعمون أن شهور السنة قسمان،ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما، فرمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا، محتجين بأخبار منسوبة إلى أهل البيت عليه علیهم السلام.(المعتبر، للمحقق الحلي، 2/ 688)
3- القرآن الكريم، البقرة، 189.
4- المقنعة، للشيخ المفيد، 295

قال الله تعالی:يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ النَّاسِ وَ الْحَجِّ(1)، وليس يكون ميقاتا إلا بأن تكون الرؤية معتبرة، ولو كان مذهب أهل العدد صحيحا ليسقط حكم المواقيت بالأهلة.(2)

وعلامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال.(3)

وقال أبو الصلاح الحلبي قدس سره(المتوفي ب 447):

وعلامة دخوله رؤية الهلال وبها يعلم انسلاخه، ويقوم مقامها شهادة رجلين عدلين ...(4)

وقال الشيخ الطوسي قدس سره(المتوفي ب 460):

علامة الشهور رؤية الهلال...(5)

علامة شهر رمضان و وجوب صومه أحد شيئين: إما رؤية الهلال أو شهادة شاهدين...(6)

وقال سلار الديلمي قدس سره(المتوفي ب 463):

... ما يعرف به دخول شهر رمضان، وما يعرف به تصرمه، وهي رؤية الأهلة...(7)

وقال قاضی ابن براج قدس سره(المتوفي ب 481):

علامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال.(8)

ص: 109


1- القرآن الكريم، البقرة، 189.
2- رسائل، للسيدالمرتضی، 1 / 158.
3- جمل العلم والعمل، للسيد المرتضی، 89.
4- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح الحلبي، 181.
5- النهاية، للشيخ الطوسي، 150 .
6- الخلاف، للشيخ الطوسي، 2/ 169 .
7- المراسم، للشلار، 94
8- المهذب، لابن البراج، 1/ 189.

وقال ابن زهرة قدس سره(المتوفي ب 585):

وعلامة دخوله - أعني الشهر - رؤية الهلال، وبها يعلم انقضاؤه.(1)

وقال ابن إدريس الحلي قدس سره(المتوفي ب 598):

علامة الشهور رؤية الأهلة ...(2)

وقال علي بن حسن الحلبي قدس سره(كان من علماء القرن السادس):

يثبت العلم بدخول شهر رمضان ولزوم صومه برؤية الهلال، أو ما يقوم مقامهامن قيام البينة أو التواتر بها.(3)

وقال ابن حمزة الطوسي قدس سره(المتوفي في القرن السادس):

يعرف دخول شهر رمضان مع فقد العذر برؤية الهلال، ومع العذر بانقضاء ثلاثين يوما من هلال شعبان، فإن لم ير هلال شعبان عد ستون يوما من هلال رجب.(4)

وقال قطب الدین محمد بن حسين الكيدري قدس سره(كان حيا في سنة 610 ):

علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته دون العدد.(5)

وقال المحقق الحلي قدس سره(المتوفي ب 676):

فيعلم الشهر برؤية الهلال.(6)

علامته، وهو أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما، أو يرى الهلال قبل ذلك(7)

ص: 110


1- غنية النزوع، لابن زهرة،131
2- السرائر، لابن إدريس، 1/ 380 .
3- إشارة السبق، لابن أبي المجد الحلبي،115
4- الوسيلة، لابن حمزة الطوسي، 140
5- إصباح الشيعة، للكيدري، 133.
6- شرائع، للمحقق الحلى، 1/ 180.
7- المعتبر، للمحقق الحلي، 2/ 686

وقال يحيى بن سعيد الهذلي الحلي قدس سره(المتوفي با 989):

وعلامة الشهر رؤية الهلال.(1)

وقال علي بن محمد بن محمد القمي السبزواري قدس سره(كان حيا في سنة 700):

وأما علامة دخوله (وهي)رؤية الهلال.(2)

وقال العلامة الحلي قدس سره(المتوفي ب 726 ):

ويعلم دخوله برؤية هلاله ...(3)

هؤلاء كلهم عدى العلامة ممن قضوا بعدم كفاية الرؤية في البلاد المتباعدة. ومع ذلك حكموا بعلامية الرؤية للشهر من دون دخله في التعريف.

يقول الشيخ رضا المدني الكاشاني قدس سره:

الرؤية ليست موضوعة للحكم الواقعي، بل الرؤية أمارة على الموضوع أعني وجود الهلال في السماء. نظير قولك: «إذا علمت بملاقاة شيء للنجس فاجتنب عنه»؛ فإن وجوب الإجتناب واقعا مترتب على الملاقي للنجس سواءعلم به أم لا. وفي المقام إذا وجد الهلال في نقطة من السماء يكفي في وجوب الصيام أو الإفطار وإن لم يره أحد. ولذا لو قام أمارة على وجوده بعد ذلك – کالبينة ونحوها - في بلده أو في غير بلده يكفي في وجوب الصيام أو الإفطار، كما يظهر من الأخبار.(4)

ص: 111


1- الجامع للشرائع، لابن سعيد الحلي، 153 وأيضا 542 .
2- جامع الخلاف والوفاق، للمؤمن القمي، 156
3- قواعد، للعلامة الحلي، 1/ 387
4- نقلا عن رسالة له في هذا الموضوع، تسمى ب «كفاية رؤية الهلال في البلاد البعيدة»(رؤية الهلال،للمختاري، 2/ 777)

ولا يغرنك ما لو رأيت عن مثل القاضي ابن براج رحمه الله أنه يقول:

اعلم أن رؤية الهلال هي المعتبر(ة)، والذي عليه يعتمد في الصوم والفطر وأوائل الشهر. وذلك لم يخالف فيه أحد من المسلمين، إلا قوم من أصحاب الحديث من جملة طائفتان (كذا) فإتهم عولوا في ذلك على العدد وشدوا عن الإجماع بهذاالمذهب ..

ومما يدل أيضا على أن المعتبر في معرفة أوائل الشهور والصوم والفطر بالأهلة، ما هو معلوم ضرورة في شرع الإسلام من فرق المسلمين إلى [أن] رؤية الأهلة في تعريف أوائل الشهور من زمن النبي صلی الله علیه واله إلى زمننا هذا، وأنه صلی الله علیه واله كان يتولي رؤية الهلال بنفسه ...

فلولا أن المعتبر بالأهلة، وأنها أصل في الدين معلوم لجميع المسلمين، لما كانت الحال في ذلك على ما شرحناه، ولكان ذلك عبثا لو كان الاعتبار بالعدد، وحكاية لما لافائدة فيه ...

ويدل أيضا على ذلك ما روي عن النبي صلی الله علیه واله من قوله:صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَ أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُمَّ عليکم فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْماً. فنص عليه السلام أيضا صريحا غير محتمل، بأن الرؤية هي الأصل والعدد تابع لها، وأنه غير معتبر إلا بعد عدم الرؤية. ولو كان المعتبر بالعدد لما علق الصوم بنفس الرؤية، ولعلقه بالعدد، وكان يقول:

صوموا بالعدد وأفطروا بالعدد.(1)

ومن الواضح أنه قدس سره كان في مقام الرد على مذهب العدد، ولا يستلزم ذلك مؤنة أكثر من اعتبار الرؤية ولو على حد الطريقية والكاشفية عن الموضوع من غير اعتباره في التعريف. كما لا يدل ما استدل به رحمه الله على أكثر من ذلك، فإن الدليل يخصص ويعمم المدعى. وأنت في غنى عن أنه عندما يتحدث عن أخذ رؤية الأهلة في تعريف

ص: 112


1- شرح جمل العلم والعمل، لابن البراج، 167 إلى 170

أوائل الشهور، لا يقصد من لفظة «تعریف» معناها الاصطلاحي، بل المراد أن الرؤية معتبرة في تحصيل المعرفة بأوائل الشهور. وأما الإجماع المذكور في كلامه فهو إجماع على بطلان مذهب العدد، لا على أخذ الرؤية في تعريف الشهر. ويكفيك ما نقلناه انفاعنه قدس سره في المهذب، من الحكم بعلامية الرؤية، قائلا: « علامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال».

ومثله ما قاله الشيخ الطوسي في التهذيب(1)ردا على أصحاب العدد.

ثم لقائل أن يقول أن الأصل في العناوين الموضوعية، موضوعيتها للحكم، وما المخرج لنا عن الأصل في روايات الصوم المعلقة وجوبه على الرؤية ك «صم للرؤية وافطر للرؤية»؟

يقول السيد الخوئي رضوان الله علیه تفضيا عن مثل هذا:

إن الظاهر الأولي في كل عنوان يؤخذ في موضوع حكم شرعي، وإن كان يقتضي اعتباره قیدادخيلا في ذلك الحكم، إلا أنه في جملة من الآجال قد يكون هنالك ارتکاز عرفي أو متشرعي يمنع عن انعقاد هذا الظهور، ويقتضي حمل العنوان في لسان الدليل على الطريقية والمعرفية.

ومن جملة موارد هذا الارتكاز بل من أوضح مصادیقه عرفا ما إذا ورد عنوان العلم أو الرؤية أو التبين ونحو ذلك في موضوع حكم شرعي واقعي.

فإن ارتكازية كون هذه العناوين لدى الإنسان هي الطريق في إثبات الواقع وكشفه، ولا يمكن من دونها الوصول إلى الواقع المطلوب، يوجب فهم العرف الملقى إليه الخطاب لهذه العناوين على أنها مجرد طرق في إثبات الواقع الذي هو موضوع الحكم الشرعي من دون دخالتها بنفسها فيه.

ص: 113


1- تهذیب، للشيخ الطوسی، 4 / 154

وهذا الظهور العام لعله من المسلمات الفقهية التي لا تشكيك فيها .

وما أكثر المسائل التي ورد في لسان أدلتها عنوان العلم أو التبين، ومع ذلك لم يحتمل فقيه أن يكون ذلك دخيلا في الحكم الشرعي.(1)

مع هذا كله، يبقي ا: للقائل باشتراط الإشتراك في الأفق أن يقول بحصر الطرق المعتبرة الشرعية لإثبات الشهر في غير الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة. هذا كما قال السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس سره:

أنهم علیهم السلام سدوا جميع الطرق المتصورة لثبوت الهلال، مثل أمارية غيبوبة الهلال بعد الشفق، وتطوقه، ورؤية ظل الرأس فيه، وخفائه من المشرق غدوة؛ على دخول الشهر في الليلة الماضية، مع أن في بعض منها - خصوصا إذا أيدت بالرصد - أمارية على ثبوت الهلال. (ثم وإن كان في الأخبار ما يشعر باعتبار مثل هذه الطرق)لكن الاصحاب فقد رفضوها وحملوها على التقية، حيث إن العامة جعلوها أمارات عليه. وليس هذا إلا ما فهموه من بناء الشريعة على انحصارأمارية الرؤية.(2)

ويبقي ب: لمشترطي مطلق الرؤية أن يتسلموا على أمارية الرؤية الواقعة بعيني المكلف ويقولوا بموضوعية مطلق الرؤية، التي قد تثبت إما برؤية المكلف نفسه الهلال، وإما بالبينة على الرؤية أو شياع الرؤية أو مضي ثلاثين يوما من رؤية هلال شعبان وتسعة وخمسين يوما من رجب.

وهذان أوب أمران سنتحدث عنها في المحاكمة بين الأدلة والأقوال،إن شاء الله تعالی.

ص: 114


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 118.
2- نفس المصدر، 144.

ما هو «الشهر»؟

مع ما سبقك من بحث الطريقية والموضوعية، يبقي السؤال عن أنه ما هو الشهر الذي يعلم دخوله بالرؤية؟ وما هو «الشهر» الذي يتكرر في السنة اثنتا عشرة مرة؟ وما هي الأحدوثة التي تحدث حين رؤية الهلال، فتسمى بإسم «الشهر» عند العرف؟

ولا شك أن الشهر ليس من الحقائق الإعتبارية المحضة، إذ مثل هذه أشبه بقول العدد وأشباهه. بل هو يكون ذا ملازمة مع الحقائق العينية.

والسيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري وأيضا السيد الصدررحمهم الله من خلال التأمل في هذه الظاهرة الفلكية، عرفوا الشهر الطبيعي با «خروج القمر من المحاق». أي خروج القمر من حالة التوسط بين الشمس والأرض. فالشهر الطبيعي هو الذي سميناه على مصطلح علم الفلك ب « الفترة الاقترانية(1)». فإنه وإن كان مبنيا على وجهة نظر من يرى القمر من الأرض، إلا أنه لا تدخل لتحقق الرؤية الأرضية في وقوعه.

يقول السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره:

كل آن صدق عليه في الواقع أن فيه خرج القمر عن تحت الشعاع وبرز يكون ذلك أول الشهر ويتعلق به الحكم في الواقع، والرؤية طريق محض إليه لا أنتكون فيها موضوعية خاصة، كما أن سائر الطرق لها طريقية محضة ولا موضوعية فيها بوجه، وإنما لم يذكر الخروج عن تحت الشعاع في الأدلة الشرعية، لبعده عن أذهان عامة الناس فيكون بالنسبة إلى سواد الناس من الإحالة على المجهول، وإلا فالمناط عليه اتحدت آفاق البلاد أو اختلفت.(2)

ص: 115


1- دوره تناوب هلالی
2- مهذب الأحكام، للسبزواري، 10/ 273.

يقول السيد الخوئي رحمه الله (المتوفي ب1613):

أن الشهور القمرية إنها تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية. وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس. وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الأرض. وبعد خروجه عن حالة المحاق، والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري، ويبدأ شهرقمري جديد.(1)

وجعل قدس سره هذا بعينه هو الشهر الشرعي. وهذا بعينه هو الشهر العرفي أيضا، لكن سواد الناس لما لا طريق لهم إلى العلم بوقوع هذه الحالة إلا عن الرؤية، فعلی کرور الأزمان صار الشهر الذي هو ظاهرة كونية مستقلة عن رؤيتنا وعدمها، عجينا بالرؤية التي هي طريقتنا للتعرف على تلك الظاهرة عادة.

فلا يقال أنه خرج رحمه الله بهذا القول عن زمرة قاطبة الفقهاء الماضين الذين حكموا بترادف الشهر عند الشرع والعرف؛ والعرف لا شك يرى للرؤية مدخلية في الشهر.

إذ يقال في الجواب أن «الرؤية» فيما نحن فيه أنموذج من القيود الطارئة على جوهر المعنى عن ناحية اطار الطاقات. أضف إلى ذلك ما سبق من عدم أخذ الرؤية أخذا موضوعيا، بل طريقيا.

وكذا يقول الشهيد الصدرقدس سره(المستشهد في 1400):

وأما بداية الشهر القمري (الطبيعي) هي بخروج القمر من المحاق، أي ابتداؤه بالتحرك بعد أن يتوسط بين الشمس والأرض، وهذه ظاهرة كونية محددة تعبر عن موقع جرم القمر من جرمي الشمس والأرض.(2)

ص: 116


1- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 280.
2- الفتاوی الواضحة، للصدر،626/1

ولكنه قدس سره فرق بين الشهر الطبيعي والشرعي، وقال:

وأما الشهر القمري الشرعي فبدايته تتوقف على مجموع عاملين: أحدهما: كوني وهو الخروج من المحاق. والآخر: أن يكون الجزء النير المواجه للأرض ممكن الرؤية.(1)

ومع ذلك جعل الشرعي والعرفي مترادفين.

فتحصل أنه يمكن لنا أن نجعل «الشهر» على عدة مصطلاحات. 1- اللغوي والعرفي، 2- الطبيعي، و3- الشرعي.

ص: 117


1- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر،627/1
الرؤية ؛ إمكانها أو وقوعها

ثم حاول بعض إلى أنه هل يكون ابتناء التكليف على الرؤية نفسها أم على جوازالرؤية؟

يقول الفيض الكاشاني قدس سره:

بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية(1)

ويقول الشهيد الصدر رضوان الله علیه:

... أن المقياس كما تقدم هو إمكان الرؤية، لا الرؤية نفسها .(2)

فقد يبدو التعارض بين القولين حسب الظاهر، والحق أنه لا تعارض. إذ الفيض قدس سره لا يتحدث عن ابتناء التكليف على الرؤية لا يقصد منه إلا التأكيد على اطلاق الرؤية وخلوه عن أي قيد کوقوعه في بلد المكلف أو ما يقرب منه. ثم يقابل ما قاله القائلون بإشتراط الإشتراك في الأفق من أنه لابد من وقوع الرؤية في بلد المكلف أو قربه؛ ويقول لا تتقيد الرؤية بإمكان الإبصار في بلد المكلف، فضلا من التقييد بوقوع الرؤية في تلك البلدة.

وإليك تمام کلامه رحمه الله :

ص: 118


1- الوافي، للفيض الكاشاني،121/11
2- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر،624/1

إنما قال علیه السلام: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه لأنه إذا رآه واحد في البلد رآه ألف» کما مر. والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه، لأن بناء التكليف على الرؤية (مطلقا) الاعلى جواز الرؤية (في بلد المكلف بخصوصه)، ولعدم انضباط القرب والبعد الجمهور الناس، ولإطلاق اللفظ. فما اشتهر بين متأخري أصحابنا من الفرق، ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعد بالاجتهاد لا وجه له.

هذا ما رماه الفيض؛ وأما الشهيد الصدر رحمه الله لما ينطق عن عدم كون الرؤية نفسها مناطا ومقیاسا، فأنه في مقام الحكم على البلاد المتقاربة التي يشهد الهلال في أحدها ويغيب عن الآخر بسبب الغيم ونحوها. فمن المتفق عليه كفاية الرؤية في غير بلد المكلف عن بلده، ولا يشترط الرؤية في تلك البلدة بنفسها، فيكتفي بإمكان الرؤية في بلد المكلف مع وقوعه فيما يقرب منه .

وبين يديك كلامه رضوان الله علیه:

وامكان الرؤية هو المقياس لا الرؤية نفسها فقد لا تتحقق الرؤية لعدم ممارسة الإستهلال أو لوجود غيم ونحو ذلك غير أن الهلال موجود بنحو يمكن رؤيته لولا هذه الظروف الطارئة فيبدأ الشهر الشرعي بذلك ....

... الأولى: أن يختلف البلدان لسبب طارئ كوجود غيم أو ضباب ونحو ذلك، وفي هذه الحالة لا شك في أن الرؤية في أحد البلدين تكفي بالنسبة إلى البلد الآخر؛ لأن المقياس كما تقدم هو إمكان الرؤية، لا الرؤية نفسها، وإمكان الرؤية هكذا (أي مع فرض إشتراك الأفق) ثابت في البلدين معا، ولا يضر به وجود حاجب في أحد البلدين يمنع عن الرؤية فعلا كغيم ونحوه، كما تقدم.

ص: 119

فأحد الأقوال في اعتبار الرؤية، هو وقوع الرؤية، دون إمكانها الصرف. نعم؛الاختلاف باقي على حاله بأنه هل هو الرؤية الواقعة في بلد المكلف وقربه، أو مطلق الرؤية الواقعة ولو في البلاد المتباعدة - ؟ وثانيها، كفاية الرؤية التقديرية دون الفعلية .

يقول الشيخ رضا المختاري حفظه الله:

«رؤیت هلال» در ادله طريق است برای «رؤیت پذیری هلال به هنگام غروب آفتاب»، «قابلية الهلال للرؤية» یا «امکان رؤیت هلال» یا «رؤیت تقدیری نه فعلی». يعني شارع مقدس رؤیت پذیری هلال را به هنگام غروب خورشید - یا اندکی قبل و بعد از آن - ملاک و نشانه شروع ماه قمری و تحقق عنوان «ماه» و ترتب آثار «ماه» قرار داده است، هر چند به سبب مانعی مانند ابر، هلال،رؤیت نشود یا اساسا کسی استهلال نکند.(1)

ولعله قائل بنفس ما قاله الشهيدالصدر، لكن التعبيران متفاوتان حسب الظاهربقليل.

وثالث الأقوال، هو احتمال القول بعدم مدخلية الرؤية، لا وقوعها ولا إمكانها، في تحقق الشهر الطبيعي ولا الشرعي. وهو قول السيد الخوئي رحمه الله في الطبعة الأولى للمنهاج حسب ما نقلناه عن السيد الحسيني الطهراني قدس سره. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 26 في صفحة 287)

ص: 120


1- مقالة «رؤية الهلال بالعين المسلحة»، للمختاري، 218.
الشهر ظاهرة أرضية أم سماوية

فهل تلزم الرؤية، أم يكفي في تحقق الشهر أن يخرج القمر عن المقارنة؟

ومن الأساس، هل يكون مبني الصوم والفطر على مواجهة البلد بخصوصه للهلال، أم بنيا على خروج القمر من المحاق، بالنسبة إلى الكرة كلها، مع قطع النظر عن نسبة البلاد إليها؟

فبعد ارتكاز العرف في القرون المتمادية على الأول، وبعد افتاء أكثر المتقدمين بلزوم الرؤية البلدية أو المتقاربة، وافتاء كثير من المتأخرين بلزوم الرؤية ولو في البلاد المتباعدة، قد أفتى بعض المعاصرين - مستمسكا بعلامية الرؤية - بعدم لزوم نفس الرؤية (إلا لزوما طريقيا قابلا للاستبدال).

يقول الشهيد الصدرقدس سره الشریف شارحا للمسألة:

هل يكون الشهر القمري في كل منطقة من الأرض مرتبطا بإمكان الرؤية فيها بالذات، فيكون لكل أفق شهره القمري الخاص، فيبدأ في هذا الأفق الغربي في ليلة متقدمة وفي أفق شرقي في ليلة متأخرة، أو أن الشهر القمري له بداية واحدة بالنسبة إلى الجميع، فإذا رئي الهلال في جزء من العالم كفي ذلك للآخرين؟

وبكلمة أخرى: هل حلول الشهر القمري الشرعي أمر نسبي يختلف فيه أفق عن أفق فيكون من قبيل طلوع الشمس، فكما أن الشمس قد تطلع في سماء بغداد ولا تطلع في سماء دمشق، فيكون الطلوع بالنسبة إلى بغداد ثابتا، والطلوع بالنسبة إلى دمشق غير متحقق، كذلك بداية الشهر القمري الشرعي، أو أن حلول الشهر القمري الشرعي أمر مطلق وظاهرة كونية مستقلة لا يمكن أن يختلف باختلاف البلاد؟(1)

ص: 121


1- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر، 1/ 625

والقائل بهذا القول هو السيد الخوئي رحمه الله. فإنه وإن مر نبذة من كلامه آنفا،ننقله هنا بتمیهامه تتميما للفائدة. فهو يقول:

وهذا القول- أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة ليلة لهما معا وإن كان أول ليلة لأحدهما وآخر ليلة للآخر، ولو مع اختلاف أفقهما- هو الأظهر، ويدلنا على ذلك أمران:

(الأول): أن الشهور القمرية إنها تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الأرض، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري، ويبدأ شهر قمري جديد.

ومن الواضح، أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها، لا لبقعة دون أخرى، وإن كان القمر مرئيا في بعضها دون الآخر، وذلك لمانع خارجي کشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض، أو ما شاكل ذلك، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون، لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.

وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قیاس مع الفارق، وذلك لأن الأرض، بمقتضی کرویتها يكون بطبيعة الحال لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك، فلا يمكن أن يكون للأرض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك، وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية - أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس - فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض وعدم صلته بها لا يمكن أن يتعدد بتعددها .

ص: 122

ونتيجة ذلك: أن رؤية الهلال في بلد ما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته وأنه بداية الشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعا لا لخصوص البلد الذي يرى فيه وما يتفق معه في الأفق.

ومن هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق، مبني على تخيل أن ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض، کارتباط طلوع الشمس وغروبها بها؛ إلا أنه لا صلة -کما عرفت- لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى. فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء.

(الثاني): النصوص ...(1)

يقول الشهيد الصدر رحمه الله مقررا لهذا القول:

أن حلول الشهر لا يمكن أن يكون نسبيا؛ ... (لان) بداية الشهر القمري فهي بخروج القمر من المحاق، أي ابتداؤه بالتحرك بعد أن يتوسط بين الشمس والأرض؛ وهذه ظاهرة كونية محددة تعبر عن موقع جرم القمر من جرمي الشمس والأرض، ولا تتأثر بهذا الجزء من الأرض أو ذاك، فلا معنى لافتراض النسبية هنا.(2)

ثم يأخذ قدس سره النقد ويقول:

هذه النظرية ليست صحيحة من الناحية المنهجية؛ لأنها تقوم على أساس عدم التمييز بين الشهر القمري الطبيعي والشهر القمري الشرعي، فإن الشهر القمري الطبيعي يبدأ بخروج القمر من المحاق ولا يتأثر بأي عامل آخر، ولما كان خروج القمر من المحاق قد يؤخذ كظاهرة كونية محددة لا تتأثر بهذا الموقع أو ذاك فلا معنى حينئذ لافتراض النسبية فيه.

ص: 123


1- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 280.
2- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر، 1/ 626

وأما الشهر القمري الشرعي فبدايته تتوقف على مجموع عاملين. أحدهما : كوني وهو الخروج من المحاق. والآخر: أن يكون الجزء النير المواجه للأرض ممکن الرؤية.

و«إمكان الرؤية» يمكن أن نأخذه كأمر نسبي يتأثر باختلاف المواقع في الأرض، ويمكن أن نأخذه كأمر مطلق محدد لا يتأثر بذلك.

وذلك لأننا إذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان رؤية الإنسان في هذا الجزء من الأرض وفي ذاك، كان أمرا نسبيا، وترتب على ذلك أن الشهر القمري الشرعي يبدأ بالنسبة إلى كل جزء من الأرض إذا كانت رؤية هلاله ممكنة في ذلك الجزء من الأرض، فقد يبدأ بالنسبة إلى جزء دون جزء.

وإذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان الرؤية ولو في نقطة واحدة من العالم، فمهما رئي في نقطة بدأ الشهر الشرعي بالنسبة إلى كل النقاط، كان أمرا مطلقا لا يختلف باختلاف المواقع على الأرض.

وهكذا يتضح أن الشهر القمري الشرعي لما كان مرتبطا إضافة إلى الخروج من المحاق بإمكان الرؤية، وكانت الرؤية ممكنة أحيانا في بعض المواضع دون بعض، كان من المعقول أن تكون بداية الشهر القمري الشرعي نسبية. فالمنهج الصحيح للتعرف على أن بداية الشهر القمري هل هي نسبية أو لا؟ الرجوع إلى الشريعة نفسها التي ربطت شهرها القمري الشرعي بإمكان الرؤية؛لنرى أنها هل ربطت الشهور في كل منطقة بإمكان الرؤية في تلك المنطقة أو

ربطت الشهر في كل المناطق بإمكان الرؤية في أي موضع كان.(1)

ص: 124


1- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر،626/1

فكون الشهر مبتنيا على ركن تكويني لا يمنع عن تصرف الشارع فيه إذا كان من المفاهيم العرفية، كما أن كونه من المفاهيم العرفية، لا يمنع عن تصرف الشارع في شرائط ترتب الحكم عليه.

يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس سره:

أن للشارع دخلا في الموضوعات العرفية التي يريد أن يرتب عليها الأحكام، بإدخال بعض القيود في التوسعة والتضييق. مثل عنوان السفر والحضر(المشترطين بالقصد والمسافة الخاصة زيادة على ما هو مرتكز عند العرف)؛ فتصير حينئیذ موضوعات شرعية لما يترتب عليها من الأحكام. كما أن له نصب طریق خاص بالنسبة إلى موضوع واقعي خارجي، مثل الإقرار أربع شهادات (أربع مرات) أو شهادة أربعة شهود في إثبات الزنا(1)

أقول: لا نستنكر أن يكون الشهر كما قاله السيد الخوئي رحمه الله تابعا لخروج القمر

عن المحاق الذي هو أمر تكويني غير اعتباري؛ ومع ذلك نقول أن لا وجه للاستيحاش أيضا عما قاله الشهيد الصدر والسيد الحسيني الطهراني قدس سرهما من إمكان تقييد الشهر الشرعي بقيود اعتبارية. فإنه لا ضير على الشارع لو اعتبر في الشهر الشرعي الاعتباري من رکنین. ركن حقيقي تكويني، وركن جعلي اعتباري. كيف لا؟! ومع قطع النظر عن محل النزاع وهو التقييد بالآفاق،انه لا ريب من تقييد تجدد الشهر الطبيعي والشرعي لبلدة بحلول الليل في ذلك البلدة، ولو كان الخروج من المحاق في الظهر حسب توقيت تلك البلدة. وهذا ما اعترف به السيد الخوئي رحمه الله أيضا. فإنه مع ما

ص: 125


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 154

تبناه من أن تجدد الشهر يحصل بخروج القمر من المحاق وهو أمر وحداني بالنسبة إلى جميع أصقاع الأرض، لكنه قال قدس سره:

إن هذا (أي إشتراك البلاد في تجدد الشهر) إنما يتجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحل الرؤية في الليل ولو في جزء يسير منه ... دون النصف الآخر الذي تشرق عليه الشمس عند ما تغرب عندنا، بداهة أن الآن نهار عندهم، فلا معنى للحكم بأنه أول ليلة من الشهر بالنسبة إليهم.(1)

ولو قلنا بتأخير تجدد الشهر بالنسبة إلى ذلك البلد حتى يصل الليل، فقد حكمنا بتفاوت الشهر الطبيعي والشرعي. فإن الشهر الطبيعي لا علقة له وراء خروج القمر عن المقارنة بموقع البلاد من الأرض، وبأنها هل حل فيه الليل أم لا. فبداهة وقوع نحو هذا القيد في الشهر الشرعي والعرفي، ادل دليل على كونهما اعتباریان وادل دلیل على إمكان تقيدهما بقيود اعتبارية أخرى، منها الاتحاد في الأفق.(2)

وهذا يشبه الخسوف. فإنها أيضا ظاهرة إذا تحققت فقد تحققت بالنسبة إلى الكرة كلها. فعند الخسوف - تامه وناقصه - ينخسف القمر عن الأرض كلها من دون تأثير للآفاق عليها. فإن موقع البلاد من الأرض وموقف الناظر الأرضي من القمر لا تدخل لهما في دخول القمر في منطقة الظل. ثم قد ترى هذه الظاهرة في بقعة وقد لا ترى في الأخرى،(3)كما أنه لو كان الخسوف تاما كان تاما للكل، ولو كان ناقصا كان ناقصا للكل، وإن لم يره الكل. ومع هذا لا يجب صلاة الآيات إلا على من حل في محل يمكن رؤيته فيه، لا على جميع سكان الأرض. فإن الخسوف شيء والصلاة المترتب على

ص: 126


1- المستند (تقریرات لأبحاث آية الله الخوئی)، للبروجردی، 22/ 118.
2- وسوف نتراجع إلى هذا البحث عند الذب عن الإشكال الخامس للسيد الحسيني الطهراني قدس سره.
3- تری لكل من وقع في منطقة الليل ولا ترى لمن كان في منطقة النهار.

الخسوف شيء آخر. والأول أمر تكويني، والثاني أمر اعتبار قيوده وأجزائه وشرائطه بيد الشارع. فكما يمكن له تعالی أن يجعله واجبا أم لا، فكذا يمكن له أن يجعل وجوبه مشروطا بالرؤية أم لا.

فيشير السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس سره الشریف إلى هذا الإشكال، بما أنه لو لاحظنا البلاد التي تكون في منطقة الليل وفي الجانب الشرقي من أول بلد يمكنه رؤية الهلال بعد خروج القمر عن تحت الشعاع، فإما أن نقول بكون ساعات من ليلة تلك البلدة الشرقية من الشهر السابق وساعات منها (وهي التي تجيئ من بعد الخروج عن تحت الشعاع) ملحقا باللاحق، فنحكم بكون ليلة واحد متعلقة بشهرين، بعضه لهذا وبعضه لذاك، وهذا مخالف لما نعرفه من العرف؛ وإما أن نعتبر تلك الليلة بتمامها من الشهر السابق أو اللاحق (والسيد الخوئي رحمه الله اختار الثاني). فأيهما أخذنا، فقد حكمنا بأمر وراء ذلك الحقيقة التكوينية الوحدانية، وقد حكمنا باعتبارية مفهوم الشهر عند العرف. فهو يقول: فإن قيل: إذا خرج القمر عن تحت الشعاع ورئي في بلد ما، نحكم بدخول الشهر في جميع البلاد مبتدأ بالليل، ونلتزم بأن الساعات السابقة عن خروج القمر تحسب من ذلك الشهر ...

قلنا: ... إذا التزم بأن مناط دخول الشهرالقمري هو نفس خروج القمر عن تحت الشعاع وهو أمر واحد سماوي في جميع العالم لا ربط له بالأرض ومشارقها ومغاربها - وهذا عمدة الدليل الذي ربما يتمسك به مع الإطلاقات على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق وكفاية رؤية ما في بلد ما لجميع العالم - فإذا إن ذلك مناف للدليل وخروج عن البناء الذي بني، وهذه الأساسه من رأس.(1)

ص: 127


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 48

ثم بناءا على التخالف المفهومي بين الشهر الطبيعي والشرعي، قد يقارن الشرعي للطبيعي وقد يتأخر عنه بمقدار ليلة. قال الشهيد الصدررحمه الله:

تعتبر بداية الشهر القمري الطبيعي عند خروج القمر من المحاق ... وظهور الهلال في أول الشهر يكون عند غروب الشمس ویری فوق الأفق الغربي بقليل، ولا يلبث غير قليل فوق الأفق، ثم يختفي تحت الأفق الغربي، ولهذا لا يكون واضح الظهور وكثيرا ما تصعب رؤيته، بل قد لا يمكن أن يرى بحال من الأحوال لسبب أو لآخر، كما إذا تمت مواجهة ذلك الجزء المضيئ من القمر للأرض ثم غاب واختفى تحت الأفق قبل غروب الشمس، فإنه لا تتيسر حينئذ رؤيته ما دامت الشمس موجودة، أو تواجد بعد الغروب ولكن كانت مدة مكثه بعد غروب الشمس قصيرة جدا بحيث يتعذر تمييزه من بين ضوء الشمس الغاربة القريبة منه، أو كان هذا الجزء النير المواجه للأرض من القمر (الهلال) ضئيلاجدا، لقرب عهده بالمحاق إلى درجة لا يمكن رؤيته بالعين الاعتيادية للإنسان، ففي كل هذه الحالات تكون الدورة الطبيعية للشهر القمري قد بدأت على الرغم من أن الهلال لا يمكن رؤيته ... وعلى هذا الأساس قد يتأخر الشهر القمري الشرعي عن الشهر القمري الطبيعي.(1)

وفي مثل هذا الموضع يقول السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره:

أن أول الشهر وآخره من الأمور التكوينية ولا وجه للتعبد في التكوينيات. نعم، يمكن التعبد بلحاظ الحكم الظاهري المترتب عليه، ولا وجه للحكم الظاهري المترتب علیه،ولا وجه للحکم الظاهری مع إثبات الخلاف بالدليل المعتبر.(2)أقول: والشأن كله كما سبق عن الشهيد الصدررضوان الله علیه هو الدليل المعتبر،وسنتحدث عن الأدلة إن شاء الله تعالی.

ص: 128


1- الفتاوی الواضحة، للشهيد الصدر،621/1
2- مهذب الأحكام، للسبزواري، 10/ 273.
المناط في القرب والبعد

ثم لو كان لرؤية الهلال في سماء نفس البلدة أو ما يقرب منها دورا في تجددالشهر - على أي نحو- فيا هو مقدار القرب والبعد الذي يحكم معه بالكفاية؟

واظهروا هنا أقوالا:

الأول

البلدان قريبان إذا اشتركا في المطالع والمغارب.

يقول الشيخ الأنصاري قدس سره:

والمراد بالبلاد المتقاربة کما عن المسالك(1)والمدارك(2)والكفاية(3)، ما لم تختلف مطالعها، کبغداد وكوفة ونحوهما.(4)

لكنه كقول رئيسي يتشعب منه أقوال في أنها بماذا تختلف المطالع والمغارب.

أ: يقول فخر المحققين رحمه الله: تختلف البلدان في المطالع بقدر ساعة إذا بعداحدهما عن الآخر بألف ميل(5)(1848 کیلومتر).(6)

ب: ويقول بعض العامة: تختلف البلدان في المطالع إذا اختلفا في العرض بمقدارخمس عشرة درجة.(7)

ص: 129


1- مسالك، للشهيد الثاني، 2/ 52.
2- مدارك، للموسوي العاملي، 6/ 171.
3- كفاية الأحكام، للمحقق السبزواري، 1/ 77 .
4- کتاب الصوم، للشيخ الأنصاري، 253.
5- کل میل يساوي 1848 من الأمتار. (راجع: الإيضاحات العصرية، لأبي مصعب، 71)
6- راجع: إيضاح الفوائد، لفخر المحققين، 1/ 252.
7- مصباح الهدی، للآملی،392/8

ج: وبعض الشافعية: تختلف البلدان في المطالع إذا بعد احدهما عن الآخر بثمانية(1)فراسخ.(2)

د: وبعض العامة (وهو الصنعاني): تختلف البلدان في المطالع إذا اختلفا في خطوط الطول أو العرض.(3)

ه: وبعض آخر من الشافعية قال بأنه تختلف البلدان في المطالع إذا بعد احدهماعن الآخر بقدر مسافة القصر وهي عندهم 89 کیلومتر.(4)

و: وبعض آخر من الشافعية أيضا قال بأن اختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخا.(5)

الثاني

البلدان قريبان إذا أمكنت الرؤية في البلد الثاني مع عدم العلة. ولعله نفس المناط السابق مع اختلاف في التعبير.

يقول المحقق الحلی رحمه الله:

ص: 130


1- کل فرسخ يساوی 5544 متر.(راجع: الإيضاحات العصرية، لأبي مصعب، 64)
2- مصباح الهدی، للآملي،392/8
3- سبل السلام، للأمير الصنعاني، 405 ذيلا للرواية المرقمة ب 611 .
4- الفقه الإسلامي وأدلته، للحيل، 3/ 1658.
5- مغني المحتاج، للخطيب الشربيني، 2/ 145

أن مع العلم بأنه متى أهل في بلد يعلم أنه مع ارتفاع المانع يجب أن يرى في الآخر، كانت الرؤية فيه رؤية لذلك الآخر. أما إذا تباعدت البلدان تباعدا يزول معه هذاالعلم فإنه لا يجب أن يحكم لها بحكم واحد في الأهلة.(1)

الثالث

البلدان قريبان إذا لم يختلفا في المناظر أو الأقاليم. (أي الطقس)

فلو كانا على قدر من المسافة يستوجب معها أنه إذا غيم سماء أحدهما غيم الآخر،وإذا غبر أو مطر أحد السمائين مطر أو غير الثاني و ... كان البلدان قريبان.

وهذا قول بعض الشافعية. جاء في فتح العزيز:

قال الإمام ولو اعتبروا مسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر لكان متجها في المعني ... ومنهم من اعتبر اتحاد الإقليم واختلافه(2)

الرابع

البلدان قريبان إذا كان البعد بينهما اقل من مرحلتين.(3)

يقول أبو حامد الغزالي:

إذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها، ولا يتعدى الوجوب.(4)

ص: 131


1- الرسائل التسع، للمحقق الحلي، 322 وراجع أيضا إلى إصباح الشيعة، للكيدري، 134.
2- فتح العزيز، للرافعي القزويني، 3/ 180.
3- المرحلة: المسافة التي يقطعها السائر في نحو يوم أو ما بين المنزلين (المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية،335/1)
4- إحياء العلوم، للغزالي، 3/ 35

الخامس

توكيل أمر القرب والبعد إلى العرف.

يقول السيد محمد الشيرازي رحمه الله :

ثم إن المعلوم أن میزان تقارب البلاد وتباعدها ليس الحدود السياسيةالمصطنعة، ولا اتحاد اللغة والعرق ونحوها، بل التقارب العرفي كالنجف والحلة وبغداد، أو كقم وطهران وهكذا، وإن اختلف الطلوع والغروب في الجملة كعشر دقائق وما أشبه.(1)

فأقل المسافة التي يعد معها البلدان قريبان هي ثمانية فراسخ؛ و أكثر مسافة اعتبروها للقرب هي الف ميل أي 1848 کیلو متر. وكما ترى الأمر ليس بمنضبط. ثم کما مضي أكثر هذه الأقوال تقول بها العامة، وأما الشيعة الذين اعتبروا القرب، فلم يتفوهوا إلا بثلاثة أقوال: أ: الإشتراك في المطالع والمغارب، ب: الإشتراك في إمكان الرؤية وعدمها. والأكثر على هذين. ج: تفويض الأمر إلى العرف.(2)

ص: 132


1- الفقه، للشيرازي، 36/ 194 .
2- وجدير بالذكر أنه استفدنا في مسألة «مناط القرب والبعد»عن مقالة «اتحاد واختلاف الفقهاء في ثبوت رؤية الهلال» المطبوع في ضمن الرقم الثاني من مجلة ال «فقه» المستخرج بسنة 1995م/ 1373 ش.
الفرق بين البلاد الشرقية والغربية

وبالأخير؛ تأثرت بعض الفتاوی عن أنه هل الرؤية في البلد الشرقي البعيد،تكفي عن الغربي، وهل يكفي الغربي عن الشرقي؟

نعلم أن الأرض تدور حول نفسها؛ وجهة دوارها من جانب المغرب إلى المشرق. أي تطلع الشمس في البلاد الشرقية قبل أن تطلع في الغربيات. فبعض حکم بكفاية الرؤية الواقعة في البلدة الشرقية عن الغربية البعيدة، دون مطلق المتباعدات؛ وذلك على طريق الأولوية والعلم بوجود المناط (أي إمكان الرؤية)في الغربيات قطعا.فبعض احتمل كفاية الرؤية في الشرقي عن الغربي، مع السكوت عن كفاية الغربي عن الشرقي. سكوتا يشعر بعدم الكفاية أو بالترديد على الأقل. يقول الشهيد الأول رضوان الله علیه:

ولا يقبل شهادة النساء فيه منفردات ولا منضمات، ولو حصل به الشياع، أو بالفساق ثبت. والبلاد المتقاربة كالبصرة وبغداد متحدة لا كبغداد ومصر، قاله الشيخ، ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وإن

تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع. ويستحب الترائي ليلتي الشك...(1)

وبعض بعد الحكم بكفاية الرؤية في مطلق المتباعدات عن الآخر، أفتي بكفاية الشرقي عن الغربي على أنه هو القدر المتيقن. يقول السيد محسن الحكيم رحمه الله:

فمع العلم بتساوى البلدين في الطول لا إشكال في حجية البينة على الرؤية في أحدهما لإثباتها في الآخر. وكذا لو رئي في البلاد الشرقية، فإنه تثبت رؤيته في الغربية بطريق أولى.(2)

ونحوه ما قاله الشيخ رضا المدني الكاشاني قدس سره.(3)

ص: 133


1- الدروس، للشهيد الأول، 1/ 285
2- مستمسك العروة، للسيد الحكيم، 8/ 470.
3- رسالة له في هذا الموضوع، تسمي ب «كفاية رؤية الهلال في البلاد البعيدة» (نقلا عن رؤية الهلال، للمختاري، 2/ 777)

ص: 134

الفصل الرابع؛ في أدلة الأقوال

اشارة

واعلم أنهم استدلوا بالطبيعيات والتكوينيات، مضافا إلى الآيات والروايات والإجماع والشهرة وسيرة النبي الأعظم صلی الله علیه واله وسيرة المسلمين ومذاق الشريعة وبعض التوالي الفاسدة اللازمة للقول المقابل، ثم الأصل. فنبحث عن كل واحدة منها حسب ما تقتضيه من التفصيل.

الآيات والروايات

قوله تعالی:فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ(1)

استدل العلامة الحلي رحمه الله بها في المنتهى منضما لها إلى عدة روایات، والظاهر أنه ما قصد الاستدلال بها بحيازها على ما نحن فيه. بل له مدعيات وأدلة، يدل كل دليل على مطلوب واحد. فقال:

مسألة: إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ... لنا أنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، وفي الباقي بالشهادة، فيجب صومه؛ لقوله تعالی:فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ وقوله عليه السلام: «فرض الله صوم شهر رمضان»، وقد ثبت أن هذا اليوم منه. ولأن شهر رمضان عدة بين هلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه. ... وفي حديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله علیه السلام: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه».ولم يعتبر القرب أيضا....(2)

ص: 135


1- القرآن الكريم، البقرة، 185 .
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 9/ 252 إلى 254

والاستدلال بها مبني على أن الشهر هنا كناية عن الهلال أو هو الهلال کما مر عن بعض اللغويين، وعلي أن «من شهد» هو من نظر إلى الشيء، ف«من شهد الشهر» أي من رأي الهلال.

ثم القائل بعدم اشتراط الإشتراك في الأفق، يستدل بها بناءا على إطلاقها. والقائل بالاشتراط يجعل إطلاقها منصرفة إلى البلاد القريبة.لكن التفسير المذكور أحد الاحتمالين في الآية. قال الشيخ الطوسي قدس سره في التبيان:

وقوله:«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ»، قيل في معناه قولان: أحدهما من شاهد (شاهد يشاهد مشاهدة) منكم الشهر مقیما؛ والثاني، من شهده بأن حضره، ولم يغب؛ لأنه (قد) يقال: «شاهد»، بمعنی حاضر (مقابلا للمسافر)، و(قد يقال)

«شاهد»، بمعنی شاهد.(1)(علي سبيل اللف والنشر المشوش)

وقال الطبرسي رحمه الله في إعراب «الشهر»في الآية:

الشهر ينتصب على أنه ظرف، لا على أنه مفعول به، لأنه لو كان مفعولا به للزم الصيام المسافر کما يلزم المقيم، من حيث إن المسافر يشهد الشهر شهادة المقيم . فلما لم يلزم المسافر، علمنا أن معناه: فمن شهد منكم المصر في الشهر، ولا يكون مفعولا به؛ كما لو قلت: «أحییت شهر رمضان» يكون مفعولا به .(2)

ثم فسر الآية بقوله:

ص: 136


1- التبيان، للشيخ الطوسي، 2/ 123 .
2- مجمع البيان، للطبرسی،13/2

وقوله«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ»فيه وجهان، أحدهما: فمن شهد منكم المصر، وحضر ولم يغب في الشهر. ... وهذا معنی ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لما سئل عن هذه(الآية): ما أبينها لمن عقلها! (ثم) قال: «من شهد شهر رمضان فليصمه، ومن سافر فيه فليفطر». وقد روي أيضا عن على وابن عباس ومجاهد، وجماعة من المفسرين أنهم قالوا: «من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر وهو حاضر، فعليه أن يصوم الشهر کله»؛ والثاني : من شاهد منكم الشهر مقيما مكلفا، فليصم الشهر بعينه... والأول أقوى.(1)

فالوجهان أحدهما : أن «من شهد الشهر» هو من رأى الشهر، و«الشهر» کناية عن القمر؛ وفي الثاني «الشهر» ليس بمشهود بل ظرف زمان ل«شهد» و «من شهد» أي من كان حاضرا في المصر مع التوطن أو مع قصد العشرة، لا مسافرا. وهذا الثاني هو الأقوي عند الطبرسي قدس سره للروايتين ولاستدلاله. وإن كان استدلاله مخدوشا فيه،

لجواز کون «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ» في مراده الإستعمالي شاملا للمسافر أيضا، وفي مراده الجدي المبين بالبيان والقرائن المتصلة مستثنيا عنه المسافر والمريض.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(2)

فإخراج المريض والمسافر يكون على سبيل الإستثناء المتصل، ولا داعي لجعله من المنقطع. والتجشم المستتر في جعل المسافر مستثنيا منقطعا والمريض مستثنيا متصلا، أدل دليل على ضعف استدلاله.

ص: 137


1- مجمع البيان، للطبرسی،13/2
2- القرآن الكريم، البقرة، 185

والعلامة الطباطبائي رحمه الله عدل عن الوجهين وقال:

قوله:«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَضُمَّهُ»،الشهادة هي الحضور مع تحمل العلم من جهته، وشهادة الشهر إنما هو ببلوغه والعلم به، ويكون بالبعض کما يكون بالكل. وأما كون المراد بشهود الشهر رؤية هلاله، وكون الإنسان بالحضر مقابل السفر، فلا دليل عليه إلا من طريق الملازمة في بعض الأوقات بحسب القرائن، ولا قرينة في الآية.(1)

فالآية عند العلامة الطباطبائي قدس سره ناطقة بأنه يجب الصوم على من علم بحلول الشهر وهي ساكتة عن أنه من أين يعلم به.

وهذا التفسير أيضا لا يساعد الاستدلال بها في المسألة.

اضف إلى ذلك أن الآية لا دلالة لها على أي القولين ولو بجعل «من شهد» کناية

عمن رأي القمر؛ لأنها في مقام جعل فريضة الصوم بأصلها دون جزئیاتها، ولم تتعرض الكيفية تحقق الشهر وكيفية إثباته، بل أخذ الشهر أمرا مفروغا عنه، ورتب عليه وجوب الصوم. فإن الآية نطقت بأن من شهد الشهر وأدركه، فيجب الصوم عليه نفسه، وسكتت عن حكم من لم يشاهده بنفسه؛ وأنه يجب عليه الصوم لو قامت عنده الشهادة والبينة أم لا؟ وأيضا سكتت عن عدد الشهود وصفاتهم كالتذكير وعدمه والعدالة، ومن زمرة صفات الشاهد كونه من بلد المكلف أو من غيره. فإن الآية المشعة (المتكلفة الأصل التشريع) ليس من شأنها بيان الجزئيات والتفريع. فإنه وإن تشترك الآية مع سابقيها في بعض التعابير والمضامين، لكن الداعي في الأولين هو بیان تاريخ الصوم وأنه ليس مما ابتدع في الإسلام، ثم الحث والتحريص على الصوم مع التصريح بأن الله تعالی لاحظ في هذا التشريع طاقة عباده .

ص: 138


1- الميزان، للعلامة الطباطبائی،24/2

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿183﴾أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿184﴾شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿185﴾(1)

يقول العلامة الطباطبائيرحمه الله ذيلا لقوله تعالی«وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فعندة وَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»:

ایراد هذه الجملة في الآية ثانيا ليس من قبيل التكرار للتأكيد ونحوه، لما عرفت أن الآيتين السابقتين مع ما تشتملان علیه مسوقتان للتوطئة والتمهيد، دون بيان الحكم وأن الحكم هو الذي بين في الآية الثالثة؛ فلا تكرار.(2)

ص: 139


1- القرآن الكريم، البقرة، 183 إلى 185
2- الميزان، للعلامة الطباطبائي،24/2

قال الله عزوجل:إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿1﴾وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿2﴾لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿3﴾تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴿4﴾سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿5﴾(1)

أستدل بهذه السورة بما لها من الآيات على عدم اشتراط إشتراك الأفق وكفاية الرؤية في بلد عن البلاد أجمع. والاستدلال بها مبني على أن ليلة القدر التي تنزل فيها الملائكة والروح، والتي هي خير من الف شهر، وسلام هي حتى مطلع الفجر، ليست هي إلا ليلية واحدة، لمكان التاء الدالة على الوحدة. فلو قلنا بوحدة ليلة القدر التي هي الثالثة والعشرون مثلا، فلا بد من الاتحاد في بداية الشهر أيضا وفي ختامه.

يقول المحقق الخوئي قدس سره:

وتدل أيضا على ما ذكرناه الآية الكريمة الظاهرة في أن ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم؛ ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة، وهذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر، وهي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.(2)

ثم اعلم أنه قد يستدل لإثبات وحدة ليلة القدر بموثقة زرارة رحمه الله :

عنه (أي حسين بن سعيد) عن ابن أبي عمير عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن ليلة القدر؟ قال: هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قلت أليس إلا هي ليلة؟ قال: بلى. قلت: فأخبرني بها. فقال: وما عليك أن تفعل خيرا في ليلتين !(3)

فإنها اصرح نص في توحيد ليلة القدر أجادها أبو جعفر عليه السلام، لا في خصوص مدينة الرسول صلی الله علیه واله. لكن تفطن ولا يفوت عنك أنها ليست في مقام تشريك البلاد في ليلة القدر، بل في بيان انفراد ليلة القدر في ليالي السنة، وهذا غير محل النزاع.

ص: 140


1- القرآن الكريم، سورة القدر .
2- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 283.
3- تهذیب، للشيخ الطوسي، 3/ 58.

ويقول سبحانه وتعالی:حم ﴿1﴾وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿2﴾إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴿3﴾فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿4﴾(1)

وجه الاستدلال بها كسابقها. قال المحقق الخوئي رحمه الله في شأنها:

ومن المعلوم أن تفریق كل أمر حكيم فيها لا يخص بقعة معينة من بقاع الأرض، بل يعم أهل البقاع أجمع. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد ورد في عدة من الروايات أن في ليلة القدر تكتب المنايا والبلايا والأرزاق، وفيها يفرق كل أمر حكيم. ومن الواضح أن كتابة الأرزاق والبلايا والمنايا في هذه الليلة إنما تكون لجميع أهل العالم، لا لأهل بقعة خاصة.(2)

أقول: للاستدلال بها وبسابقها لابد من تمهید مقدمة في «وحدة ليلة القدر» ومالها من الفروض والشقوق. فإن بعضها صالحة للاستدلال بها وبعضها فلا.

والمقدمة هي أنه لا ريب في كون ليلة القدر ذات حقيقة تكوينية، لا طريق لنا إليها إلا عبر الآيات والروايات. ولا يوجد فيهما في خصوص الموضوع إلا الإنيات أو التأويلات. فالتأويل مثل ما نقل عن الصادق عليه السلام في تفسير فرات بن إبراهيم:

مُحَمَّدُ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عبید مُعَنْعَناً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:..فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقُّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ...(3)

ص: 141


1- القرآن الكريم، الدخان، 1 إلى 4 .
2- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 283 .
3- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، 43/ 65.

وأما من طريق الى «إن» وبيان اللوازم والعوارض المتأخرتين عن مقام الذات، فنعلم من القرآن العظيم بأن ليلة القدر هي ظرف لنزول القرآن، ونزول الملائك، ولتفريق كل أمر حكيم، وأنها لو قيست إلى باقي الشهور كانت خيرا من الف شهر لم تكن فيها ليلة قدر، وبالأخير أنها هي سلام حتى تشرق الشمس من فجرها.

وإحدى هذه الخصال وهي نزول القرآن الكريم ليست إلا من اختصاصات النبي صلی الله علیه واله ولا يصلح لأحد دونه.

ثم لا ريب في أن الإنزال المتصف بالوحدة هو النزول الدفعي للقرآن الكريم، دون التدريجي. فهذا الإنزال إما أن يكون ذا وحدة شخصية، وإما هو متكرر محدد بطيلة عمر النبي صلی الله علیه واله، وإما هو أمر مستمر حتى بعد وفاته حسب وجوده النوري وحياته الملكوتية. فتكون الوحدة في الأخيرين إضافية. والمعنى أنه بالقياس إلى ليالي كل سنة بحيازها لا يوجد إلا قدرا واحدا. ومع عدم الاستبعاد في الثاني والثالث، لكن الآية باستخدامها صيغة الماضي تكون في الأول اظهر. اللهم إلا أن يقال بتخلية مثل هذا المورد عن الزمان. وهذا الاحتمال قوي جدا. ويقويه ما يوجد في بعض الروايات مما هو اقرب إلى الثالث، وهي ما حكاها الكليني قدس سره:

محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن السياري، عن بعض أصحابنا، عن داود بن فرقد قال: حدثني يعقوب قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبدالله علیه السلام عن ليلة القدر. فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبوعبدالله علیه السلام : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن .(1)

ص: 142


1- الكافي، للكلینی، 4 / 158.

ولا يخفى احتمال کون هذه الرواية أجنبية عن الثالث، بأن يكون المراد من رفع القرآن نسخه وبطلان حكمه، إذ القرآن حكم بصيغة الاستمرار والتجدد على أن الملائكة والروح تنزل في ليلة القدر، فاذا رفعت ولم تكن متجددة في كل سنة، لرفع هذا الحكم الاستمراري؛ وإذا رفع هذا الحكم فالقرآن يصير منسوخا ومرفوعا. وأين هذا من التكرر السنوي للنزول أو من انسلاخ الفعل عن الزمان؟!

يقول المجلسي رحمه الله:

ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن، ومدلوله أي لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فإن قوله تعالی« تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها»يدل على الاستمرار التجددي.(1)

وهذا هو الأقوي في الرواية .

وعلى أي حال فلا شاهد في انزال القرآن في دفعة واحدة، على إشتراك البلاد في تجدد الشهر وعدمه، إذ لا مانع من انزال القرآن على النبي صلی الله علیه واله في ليل واحد (بالوحدة الشخصية أو الإضافية) حسب توقيت المدينة المنورة مثلا، بل في ساعة، بل في اقل من طرفة عين. فلا استبعاد في أن النزول قد وقع في جزء من ليل المدينة حينها لم تبتدأ ليلة واشنطن مثلا.

أما باقي الخصال - وهي الخيرية والسلام وتفريق الأمور ونزول الملائك - فهي مما تتكرر في كل سنة على مدى القرون والأيام. والشاهد على ذلك استخدام صيغة المضارع الدالة على التكرر والاستمرار في قوله على «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها» .

ص: 143


1- مرآة العقول، للعلامة المجلسي،386/16

والروايات أيضا تدل على التكرر السنوي لليلة القدر؛ ومر آنفا نموذج منها في خبر داود بن فرقد. ولا شك في أن ليلة القدر التي تتكرر بهذه الخصال، لا مجال لتوصيفها بالوحدة الشخصية. فالوحدة والانفراد لا جرم تكون إضافية؛ إما بالإضافة إلى ليالي السنة، وإما بالإضافة إلى ليالي البلاد والبقاع كل على حدة.

وعلى الثاني، لا دلالة في الوحدة على إشتراك جميع البلاد في تجدد الشهر. إذ الآيات حينئذ ناطقة بانفراد ليلة قدر كل بلد بالقياس إلى ليالي التي تمر على تلك البلدة في طول السنة، من غير تعرض لنسبتها مع قدر باقي البلاد. ولا يبعد كون هذا المعنى هو المتبادر عند العرف قبل أن يشوب الذهن بمثل هذه المسائل (أي مسألة إشتراك ليلة القدر ونحوها). والشاهد على ذلك هو المتفاهم العرفي من قوله ل «لام هي حتى مطلع الفجر»، فإن المتبادر منها عندهم أنه عند طلوع الفجر في أي بلد، ينقضي ليلة القدر عن تلك البلدة ولوكانت باقية في باقي البلاد.

أما لو اعتبرنا الوحدة بالقياس إلى مطلق ليالي السنة، من غير عناية إلى البلاد والبقاع وتغایر آفاقها، فتكون اقرب تمهيدا للاستدلال بها على إشتراك البلاد في تجدد الشهر. لكن يبقي بعد الالتفات إلى معنى الليل نفسه.

أ: فإن الليل المشتهر عند العرف هي المدة المتوسطة ما بين غروب الشمس عن سماء بلدة إلى طلوعها في تلك البلدة ثانيا، وهي تطول في البلاد الإستوائية في الإعتدالين بمقدار اثنتي عشرة ساعة، وقد تكون أطول أم اقصر بتفاوت الفصول و عرض البلاد. والليل بهذا المعنى يتعدد ويتكثر في كل اربع وعشرين ساعة بعدد البلاد المتغايرة في الطول. فلا وحدة له.

ص: 144

ب: ثم يمكن أن نعتبر الليل بالقياس إلى الكرة كلها دون الأصقاع والبقاع بخصوصها. فإنها تطول قريبا من اربع وعشرين ساعة (23:56:4،09) على الدوام، وهي المدة التي تطول حتى تكمل الأرض دوارها حول أنفسها في الحركة الوضعية. فبانقضاء الليل عن بلدة، لا ينقضي الليل عن الكرة؛ بل حينما تطلع الشمس في النصف الأول تأخذ بالغروب في النصف الآخر ويبتدأ الليل بحسبه بعد ما انقضي عن الأول. وهذا المعنى من الليل قابل للتوصيف بالوحدة السنوية.

ج: ثم عند التعبير بمثل ليلة القدر، يمكن أيضا أن ترمز ب «الليل» لحقيقة معنوية ملكوتية منسلخة عن اطار المادة والطبيعة. فإنها وإن كانت قابلة للتوصيف بالوحدة، لكن وحدتها الملكوتية (عالم المثال) تجامع مع كثرتها الناسوتية (عالم الطبيعة). فلا دلالة حينئذ في وحدة ليلة القدر على إشتراك البلاد في تجدد الشهر الذي هو أمر ناسوتي.

فتحصل أن ليلة القدر التي هي متصفة بالخيرية والسلام و ظرف لتفريق الأمور ونزول الملائك، لو كان المقصود منها ليل الكرة (24 ساعة) دون الليلة الملكوتية، فهي في مجموع ليالي السنة ليست إلا واحدة. فوحدة ليلة القدر هذه تصلح أن تقع دليلا على إشتراك البلاد في تجدد الشهر. ولا يخفي أن الأقوى عندنا هو أن الليل، ليل الكرة؛ وهذا أقوى شاهد على وحدة ليلة القدر؛ والله اعلم.

ومن نافلة القول أنه جاء في الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:

صبيحة يوم ليلة القدر مثل ليلة القدر، فاعمل واجتهد.(1)

ص: 145


1- الأمالي، للشيخ الصدوق،751/1

وعنه علیه السلام أيضا:

لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي کل سَنَةٍ وَ يَوْمُهَا مِثْلُ لَيْلَتِهَا(1)

فهذه من مسندات محمد بن أبي عمير الذي يقال في شأنه أن مراسیله کمسانیده.وعليه ففضل القدر، المشترك بين ليله ونهاره، پرزق لكل بلدة بمقدار 24ساعة، ولكنه يستمر على مجموع أبعاض الكرة بمقدار 36 ساعة، كل أناس يستفيض منها حسب موقعه من الأرض.

توضيح ذلك: لو فرضنا على خط الاستواء بلدین متباعدين بمقدار 180 درجة، عند أحد الإعتدالين (أي عند إستواء الليل والنهار)، واعتبرنا البلد الأول مبدأ اللليل، فبعد مضي 12 ساعة من بداية الليل في البلد الأول، ينتهي الليل عنه ويتعاقبه نهار ذلك الليلة. ومعه بعين الوقت يبتدئ الليل في الثاني. ثم بمضي 12 ساعة أخرى، ينقضي النهار أيضا عن البلد الأول والليل عن الثاني. فعند انقضاء نهار يوم الأول عن البلد الأول، يدخل الثاني في نهاره الأول والبلد الأول في ليلة يومه الثاني. فبعد 12 ساعة وختام النهار في البلد الثاني، يتم اليوم الأول عن مجموع البلدين والبلد الأول قاضي عنه ليلته الثانية والثاني بادئ في ليلته الثانية.

فحينما تدور الأرض حول نفسها من نقطة إلى تلك النقطة مرة ثانية يكون ذلك خلال 24 ساعة، ولكن دوارها من نقطة إلى ذلك النقطة ثم إلى ما تقابله ب180 درجة، يطول 36 ساعة.

ص: 146


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 331.

ثم نعم، يحتمل ألا يكون ما يقع في ليلة القدر من تثبيت الآجال والأرزاق، والبلايا والمنايا، والأعراض والأمراض بالنسبة إلى السنة القابلة، لأهل كل بقعة إلا قبل طلوع الفجر في سماء تلك البقعة. لكن هذا الاحتمال مبني على المعنى الأول ل«الليل». وأما على الثاني وعلى أن الليل ليلة الكرة بأجمعها، فتثبيت الآجال والتقادير ليست مختصة بليلة البلدة المحددة ب 12 ساعة مثلا، بل تطول 24 ساعة، وهذا مجموع الساعات في ليلة واحدة للكرة، بل تطول 36 ساعة وذاك حسب ما دلت على تسوية الفضل بين ليلة القدر ونهاره مع تفسير الليل في معناه الثاني.

يقول السيد مرتضى النجومي رحمه الله:

شب قدر 24 ساعت است، ولی چون (مقید به) شب است هر منطقه ای بهره و استفاده خاص خودش را باید در وقتی که خودش در منطقه شب واقع شده است ببرد و اگر روز آمد گرچه هنوز شب قدر در کره زمین باقی است، اما مجال بهره برداری این انسان به سر رسیده است ...

همچنین در روایت است که روز قدر نیز مثل شب قدر فضیلت دارد چون گرچه در منطقه ای روز است اما هنوز شب قدر از کره زمین رخت بر نبسته است.

و از همین جا جواب اشکالی را می دهیم که گویند: اتفاق مسلمين و تصریح کتاب کریم و قرآن مجید بر آن است که شب قدر متعدد نیست و آن فقط یک شب در یک سال است و اگر نیمی از زمین کاملا این شب را درک کرد به طوری که اول طلوع صبح صادق این نیم همزمان با فرا رسیدن شب نیم دیگر است پس باید شب قدر رخت بربسته باشد و یا شبی دیگر برای نیم کره دیگر می آید. ولی حقیقت آن است که شب 24 ساعت است و با رفتن شب از نیمی از کره زمین نیمی از این 24 ساعت گذشته است و با چرخش یک دور کامل کره زمین این 24 ساعت به پایان می رسد که شب قدر نیز تمام شده است و دیگر اشکالی

ص: 147

به مطلب وارد نمی آید.(1)(راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 27 في صفحة288)

فلله دره فيما أفاد من كون الليلة، هي ليلة الكرة دون البقاع و الأمصار. لكن العجب، كل العجب، منه رحمه الله إذ يتراجع عن كلامه ويقول باختصاص حصة كل بلد بقدر ليلته خاصة. فإنه لا ينتظم إلا مع الليلة في معناها الأولى، مع أنه رحمه الله كان ساعيا في تشيد المعنى الثاني. انظر إلى كلامه إذ يقول قدس سره:

شب قدر 24 ساعت است، ولی چون شب است هر منطقه ای بهره و استفاده خاص خودش را باید در وقتی که خودش در منطقه شب واقع شده است ببرد و اگر روز آمد گرچه هنوز شب قدر در کره زمین باقی است، اما مجال

بهره برداری این انسان به سر رسیده است.

ثم مع ما سبقك من الشرح في وحدة ليلة القدر وما لها من الاحتمالات، فلا يبقي مجال للتفوه بأنه بعد التسليم بكروية الأرض لا يبقي مفر من قبول تعدد ليلة القدر. وما أظنك تحتاج إلى مزيد من البيان في جواب بعض المعاصرين من المراجع ادام الله ظلمهم وهو الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله عند ما أفاد،

أنه لا محيص من تعدد يوم العيد وليلة القدر على القول بكروية الأرض، والقائل بعدم اشتراط وحدة الأفق قد خص الحجية بالأقطار التي تشترك في الليل ولو في جزء يسير منه، ولا يشمل النصف الآخر للكرة الذي لا يشارك تلك البقعة في ليلها، فيتعدد يوم العيد سواء أقلنا باشتراط وحدة الأفق أو لا، كما أن ليلة القدر تتعدد حسب كروية الأرض.

ص: 148


1- مقالة «الليل والنهار»، للنجومي، 76 و 78.

وبذلك يظهر عدم صحة ما أفاده صاحب الحدائق حيث قال: إن كل يوم من أيام الأسبوع وكل شهر من شهور السنة أزمنة معينة معلومة نفس أمرية، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة، وما ورد في أيام الأعياد من الأعمال، وما ورد في يوم الغدير ونحوه من الأيام الشريفة وما ورد في شهر رمضان من الفضل والأعمال، فإن ذلك كله ظاهر في أنها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية.(1)

فإن ما ذكره مبني على كون الأرض مسطحة كما اعترف بذلك، وأما على القول بكروية الأرض فتتعدد ليالي القدر وأيام الجمعة وأيام رمضان على كلا القولين،نعم لا يخرج عن مقدار 24 ساعة.(2)

وفيه ما ترى.

ص: 149


1- الحدائق، ليوسف البحراني، 13 / 267 .
2- الصوم في الشريعة الإسلامية، للسبحاني، 2/ 157.

قوله عليه السلام في جملة تكبيرات صلاة العيدين: «أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا»(1)

استشهد به المحقق الخوئي رضوان الله علیه على عدم اشتراط الإشتراك، وقال :

فإن الظاهر أن المشار إليه في قوله علیه السلام«في هذا اليوم»هو يوم معين خاص الذي جعله الله تعالی عيدا للمسلمين، لا أنه كل يوم ينطبق عليه أنه يوم فطر أو أضحى على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه تعالی جعل هذا اليوم عيدا للمسلمين كلهم لا لخصوص أهل بلد تقام فيه صلاة العيد.(2)

والظهور ثبوتا ذا مناط كان أو علي ما لها، فهو في الإثبات أمر غير منضبط عند الأصوليين. فلا يوجد في شأنها إلا الادعاء والإرجاع إلى الوجدان، فلا يستدل بهذه الرواية عند من لم يرى ظهورها.

نعم لا يجب على المجتهد أن يثبت الظهور الثابت عنده لغيره قبل الإفتاء. فإنه يفتي بما بدا له بعد الفحص واليأس، والجرح والتعديل، وضرب الأدلة بعضها مع بعض وفقا للقواعد والأصول.

ص: 150


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 3/ 132 .
2- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 283.

قول سید الساجدين عله السلام في الجمعة والأضحى: «اللهم إن هذا يوم مبارك میمون، والمسلمون فيه مجتمعون»(1)

وجه الاستدلال: لما كان الجمعة يوما واحدا بالنسبة إلى جميع البلاد الدانية والنائية، فتسوية الأضحی به وجعلهما مشارة إليهما في سياق واحد، يشعر بأن الأضحى أيضا يوم واحد بالنسبة إلى جميع البلاد کالجمعة. كما أن لفظة «هذا» موضوعة لوحدة المشار إليه.

يقول مولى محمد صالح البرغاني قدس سره(المتوفي ب 1283):

الظاهر من جملة من الأخبار الواردة في الأيام الشريفة كالعيدين والغدير ونحوهما، ومنها: قول السجاد عليه السلام في الجمعة والأضحى: «اللهم إن هذا يوم مبارك ميمون، والمسلمون فيه مجتمعون ...، إلخ» أن الواقع في الخارج الاتحاد والمدار عليه، كما يعاضده السيرة، حيث لم يختلف أهل البلاد مطلقا ولو كانت متباعدة في حساب الشهور من الصدر الأول إلى الآن، وعليه فاختلاف الأهلة مجرد فرض لا يكاد أن يتحقق.(2)

يلاحظ عليه أولا: أن «هذا قد يشار به إلى أمر متشخص وقد يشار به إلى عنوان كلي مع جعله قنطرة إلى المعنونات؛ وفي كلا الحالتين يكون الإشارة إلى أمر واحد. فإذ يقال « اللهم إن هذا يوم الجمعة يوم مبارك ميمون » إن «هذا»قد يشير إلى أمر واحد وهو يوم الجمعة، لكن لا يقصد منه أحد أفراد الجمعة بخصوصه، بل كل فرد من هذا

ص: 151


1- الصحيفة السجادية، لسيد الساجدين عليه السلام، 229 .
2- مسلك الراشدين، لمحمد صالح البراني (نقلا عن از رؤية الهلال، للمختاري، 4/ 2378)

الكلي الطبيعي يقع مشارا إليه بحيازه مع قطع النظر عن الباقين. نعم؛ يمكن لنا الإصرار على الإشتراك مع الاحتفاظ على كون المشار اليه كلیا؛ بان نقول، الكلى المشار اليه عنوان لآحاد من المصادیق تكون كل واحد منها مشتركة بين البلاد، لا بأن تكون الآحاد مضافا إلى التكثر الأزماني، متكثرة بتكثر البلاد. مع هذا كله، لا ينكر أن المتفاهم من«هذا»في الدعاء هو الإشارة إلى الواحد الشخصي.

وثانيا: لا دلالة في جعل الأضحى والجمعة في سياق واحد. إذ هذا الجعل من فعل الراوي؛ وغاية ما فعله المعصوم علیه السلام أن ناجي ربه بهذه العبارات مرتين، مرة في يوم الجمعة وأخرى يوم الأضحى. فحتى لو سلمنا تغاير معنى «هذا» بينما أشار إلى الجمعة ( المشتركة بين البلدان) وبينما أشار إلى الأضحى (المختلفة بين البلاد حسب أحد الرأيين)، ما استلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى. فإن ما يقع عليه البحث هناك هو أن يقصد من متلفظ واحد الدلالة على أكثر من معنى واحد في استعمال واحد، وهنا مع تثنية الإستعمالين بتثنية الوقتين ينتفي المحذور.

أضف إلى ذلك كله المنع عن وحدة مثل الجمعة. وسبق القول فيه ردا على الحدائق في استدلاله على تسطیح الأرض.

ص: 152

قوله علیه السلام في دعاء السمات: وجعلت رؤيتها (أي رؤية الظواهر الكونيةالسمائية) لجميع الناس مرءا واحدا(1)

أستدل بهذه الفقرة على عدم اشتراط الإشتراك في الأفق، زاعما أنها نص في تساوي الأرضيين في مرءآهم من السماء على نحو لو رؤي ظاهرة عند أهل بلدة فهي مرئية عند الجميع.

يقول الشيخ محمد حسن النجفي رحمه الله ، صاحب الجواهر:

وربما يؤمي إلى ذلك (أي إلى أن المطالع لا تختلف بين البلاد المتباعدة، إما لعدم كروية الأرض وإما لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء)... قوله علیه السلام في الدعاء: « وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرءآ واحدا »(2)

يقول السيد عبد الأعلى سبزواري قدس سره:

يمكن الاستشهاد للاعتبار (أي اعتبار رؤية الواقعة في بلدة لجميع البلاد) ولو مع اختلاف آفاق البلاد ... بالدعاء:«وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرءا واحدا» أي من حيث الحكم بأنه إذا رآه أهل بلد وجب الصوم على الجميع(3)

يلاحظ عليه أنه لا شك في أن الناس في النصف الآخر من الكرة لا يرون الأجرام التي يراها الناس في النصف الأول، وكذا ساكني النصف الأول لا يرونها في جميع الأزمان على هيئة واحدة. فبالتغيير في زمان الرؤية ومكانها يتغير مرئي الناس من

ص: 153


1- مصباح، للشيخ الطوسي، 417 .
2- جواهر، للنجفي،361/16
3- مهذب الأحكام، للسبزواري،276/10

السيارات والثوابت. ولا شك أيضا بأن ليس المقصود من«الجميع» ما يشمل مثل العميان. فالمراد من الفقرة هو أن جميع الناس الذين يرون الأجرام يرونها على شكل واحد. وبعبارة أخرى المرئي واحد، والرؤية متكثرة بعدد الأشخاص والأزمان والأمكنة.

قال عبد الواسع بن محمد العلامي التوني الكاشاني رحمه الله، شارحا للفقرة:

وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرءا واحدا: أي جعلت رؤيتها للناس كلهم بحيث يرونها واحدا في الكمية والكيفية والوضع والقرب والبعد، غير أن رؤيتهابحسب الأزمنة تختلف في الآفاق. وقيل: أي يراها في كل صقع وناحية أهلها.(1) ويقول السيد أبو تراب الخونساري قدس سره مشيرا إلى الفقرة ممنعا من الإستدلال بهافي المسألة:

«وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرءا واحدا»؛ فإن المراد منه ليس عدم التفاوت في الرؤية بحسب الزمان قطعا، فإنه خلاف الواقع جدا. بل المراد بيان إتقان الصنع والتدبير، وإظهار قدرة غزوجل بأنه جعل الشمس والقمر سراجين لأهل الأرض كافة، وأن كلهم يرون شمسا واحدة وقمرا واحدا وليس ما يرى في بلد غير ما يرى في بلد آخر، كما هو واضح.(2)

ص: 154


1- وسيلة النجاة، للعلامي التوني، 394
2- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.

سعد بن عبد الله، عن عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي أسامة أو غيره قال: صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب، إنما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك، فقال لي: ولم فعلت ذلك ؟! بئس ما صنعت، إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت، ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها، وإنما عليك مشرق و مغربك،وليس على الناس أن يبحثوا.(1)

والشاهد فيها في فقرة «إنما عليك مشرق و مغربك». فإنها وإن صدرت في باب الصلاة، لكن الشيخ الحر العاملي رحمه الله قد نقلها في باب «ثبوت رؤية الهلال بالشياع وبالرؤية في بلد آخر قريب» أيضا. ولما تحت الرواية على أخذ كل أحد أو كل بلد بمشرقه ومغربه، وتمنع بإطلاقها حتى عن الأخذ بالرؤية الواقعة في البلاد القريبة، ذيل لها الشيخ الحر العاملي قدس سره بقوله:

أقول: هذا محمول على البلد البعيد، لاتحاد المشارق والمغارب في المتقاربة.(2)

حتى يبرر درجها في باب أدلة ثبوت الهلال بالرؤية في البلاد القريبة.

و وجه الاستدلال أنها تدل على تعدد المشارق والمغارب، ولزم كل أحدبمراعات مشرقه ومغربه، دون مشرق باقي البلاد.

ص: 155


1- الاستبصار، للشيخ الطوسي، 1/ 266، ورواها الصدوق بإسناده عنأبي أسامة زيد الشحام.
2- وسائل، للحر العاملي، 2/ 294.

لكن الاستدلال مردود عند مثل السيد الخوئي رحمه الله. لأنه مبني على قياس تجدد الشهر بطلوع الشمس وغروبها، وهو قياس مع الفارق ولا يكون إلا التباسا وقع لكثير من الفقهاء بل للمشهور منهم ومشاهيرهم.

فهذا هو الشيخ الاعظم، الشيخ الأنصاري قدس سره، بعد ذكره لمطلقات لزوم القضاء بالرؤية الواقعة في باقي البلاد، دليلا للقائلين باشتراك البلاد في تجدد الشهر، يقول:

وفيه نظر، لمنع الصدق (أي صدق الرؤية)بالنسبة إلى أهل هذا البلد، كما لو فرض طلوع الفجر بالنسبة إلى بعض وعدم طلوعه بالنسبة إلى آخرين ...(1)

ويقول العلامة الشعراني قدس سره في تعليقته على الوافي:

كما أن المتبادر من الغروب والزوال في كل بلد الغروب والزوال في ذلك البلد، فكذلك صم للرؤية وأفطر للرؤية، أي لرؤية تلك الليلة (البلدة). ألا ترى أن قوله تعالی«أقم الصلاة و الشمس» ليس معناه أن المكي يجب عليه إقامة الصلاة إذا دلكت الشمس في الصين أو في المغرب بل إذا دلكت في مكة، فكذلك صم للرؤية وأفطر للرؤية. فالصيني لم ير الهلال ولا يجب عليه الصوم والطنجي رآه فوجب.(2)

فعند السيد الخوئي رحمه الله المشرق يكون مطلعا للقمر كما يكون مطلعا للشمس، والمغرب أيضا مغرب لهما في الطلوع والغروب اليوميین. لكنهما ظاهرتان تحصلان من دوار الأرض حول نفسها:وأين هذا من خروج القمر عن تحت الشعاع؟ وهو لا يتأثر

ص: 156


1- کتاب الصوم، للشيخ الأنصاري، 256
2- الوافي (مع تعليقة أبو الحسن الشعراني)، للفيض الكاشاني،11/ 120.

من دوران الأرض حول نفسها، بل من دوار القمر حول الأرض وهي ظاهرة شهرية، لا يومية. والصلاة التي هي مورد الرواية، تكون على مدار الأول والصوم دائرة مدار الثاني. فما لنا وهذا القياس؟!

يقول المحقق الخوئي رحمه الله:

أن قياس هذه الظاهرة الكونية (أي خروج القمر من المحاق) بمسألة طلوع الشمس وغروبها قیاس مع الفارق.(1)

ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق، مبني على تخيل أن ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض، کارتباط طلوع الشمس وغروبها بها؛ إلا أنه لا صلة -کما عرفت- لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى. فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء.(2)

وقيل(3)انه مما يؤيد قول السيد الخوئي قذس سره في كون قياس الأهلة بالمطالع قياسا مع الفارق، هو التفاوت ما بين الخسوف والكسوف. فإن الخسوف يبدو لجميع من يراه على هيئة واحدة (تامه تام للجميع وناقصه ناقص للجميع) وإن كانت رؤية بعض متأخرة عن رؤية بعض آخرين؛ ولكن الكسوف متأثر من اختلاف موقع البلاد على الأرض. فبعض البلاد تنکسف عنها الشمس تاما و في عين الوقت تختفي عن البعض ناقصا، وعند ثالث لا كسوف أصلا. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 28 في صفحة 288)

ص: 157


1- منهاج الصالحين، للخوئي، 1/ 280 .
2- نفس المصدر، 281
3- والقائل صاحب مقالة «اتحاد واختلاف الفقهاء في ثبوت رؤية الهلال» المطبوع في ضمن العدد الثاني من مجلة ال «فقه» من صفحة 102 إلى 229، فهناك لم يسمى الكاتب

يقول السيد محمد باقر الحسيني الأسترآبادي، المشتهر بال میرداماد»رحمه الله(المتوفي ب 1041):

ويمكن أن يقع الكسوف بالقياس إلى قوم دون قوم والشمس فوق أفق كل منهما ؛ بخلاف الخسوف وهي بحسب أفق كل منهما.(1)فإنه إن انخسف عند أحدهما انخسف عند الآخرون، وإن اختلف ساعات الابتداء والتوسط والإنجلاء؛ فيكون في بلد على مضي ساعة من الليل، وفي آخر على أقل أو أكثر، أو يطلع منخسفا.

والفارق أن الخسوف أمر عارضي لجرم القمر في ذاته، وهو صيرورته مظلم فمن يراه يراه كذلك. وليس الكسوف أمرا عارضا للشمس في ذاتها، فإنها على ما هي عليه وإنما الإنكساف بالقياس إلى بعض الأبصار، لتوسط القمر بينها وبين البصر. ويجوز اختلاف وضع المتوسط باختلاف المساكن.

وكذلك قد يختلف کسوف واحد عند أهل بلدين قدراأو جهة وزمانا، ويمتنع اختلاف خسوف واحد عند أهلهما في شيء من ذلك.(2)

وأما وجه تأييده لمدعي السيد الخوئي رضوان الله علیه: أنه كما يفترق الكسوف عن الخسوف في تعلق احدهما بالآفاق وعدم تعلق الآخر، فكذا تفترق الأهلة عن المطالع. فإن طلوع الشمس أو القمر معلق على الآفاق دون الأهلة.

ص: 158


1- قوله «وهي بحسب أفق كل منهما» ليس بصحيح، وما عثرت على نسخة خطية أو مصححة من كتابه، لكن القوى عندي إنه إما سقط في التصحيف شيء -والأصل يكون هكذا «وهي ليست بحسب أفق كل منهما» أو «وهي بحسب أفق كل منهما واحدة» - وإما أن يكون قوله «بخلاف الخسوف» معترضة مع إرجاع «هي» إلى ظاهرة الكسوف.
2- شرح الصحيفة السجادية، لميرداماد، 361.

ثم وإن كان الأمر كما قاله السيد الداماد رحمه الله، لكن التمسك به فيما نحن فيه تمثيل، لا قدر له. اللهم إلا أن يقال بوجود الملازمة التامة بين كون ظاهرة شمسية وكونها معلقة بالآفاق من جانب، وبين كونها قمرية وكونها مستقلةعن الآفاق من الجانب الثاني؛ والملازمة مفقودة. فانه وإن كان الكسوف والمطالع مشتركين في التعليق على الآفاق، لكن لكل منهما أوسط غير ما للآخر.

نعم؛ يمكن التمسك به لنفي الاتصال الكلي بين الظواهر السماوية مع الآفاق. فإنه وإن كانت بعض الظواهر معلقة على الآفاق واختلافها، لكن ليست الجميع كذلك. ولا يخفى الفرق بين هذا وبين ما ادعاه السيد الخوئي قدس سره، فإن إمكان الفرق شيء و وقوع الفرق شيء آخر.

وأما ایراد السيد الخوئي قدس سره على مشترطي الإشتراك في الأفق، فيورد عليه نفسه أنه يمكن أن يشترط في الشهر الشرعي مضافا إلى خروج القمر من المحاق - الرؤية أيضا، كما احتمله الشهيد الصدررحمه الله؛ فيشبه الشهر الشرعي بالطلوع والغروب، المختصين بالبلاد كل على حدة. وعليه فلا مانع من القياس. أضف إلى ذلك أنهم لم يجعلوا القياس دليلا على مدعاهم. وحتى لو كانوا مستدلين به، فلا يلزم من بطلان الدليل، بطلان المدعي. نعم، ارتکازهم على المشابهة كانت أرضية لفهمهم من الآيات والروايات. ولا ضير فيه عليهم بعد التسليم بمثل ما قاله الشهيد الصدررضوان الله علیه ولو من دون وعي(1)وبلا التفات.

ص: 159


1- نا خودآگاه

ثم اعلم وتفطن أن بعض المعاصرين من تلامذة السيد الخوئي رحمه الله وهو السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس سره أراد الإيراد على الأستاذ بغير ما أوردناه. فوجه سعيه نحو إثبات المشابهة بين الكسوف والأهلة وجعلهما معا تابعين للآفاق. فقال:

وأما الاستدلال بأن الشهر الهلالي لا ربط له بالآفاق الأرضية والمطالع والمغارب وإنما هو حادثة ساوية لا دخل لها بالأرض.... (ف) لعمري، ما الفرق بين طلوع القمر إذا خرج عن تحت الشعاع وبين الكسوف، في أن كل واحد منهما أمر ساوي ؟! فكيف إذا تحقق الكسوف المرئي في ناحية وغير المرئي في ناحية أخرى، يلتزم به وبها يترتب عليه من الأحكام في هذه الناحية، ولا يلتزم به ولا تترتب عليه الأحكام في تلك الناحية (أي يلتزم بوجوب الصلاة على الأولين دون الآخرين)؛ ولا يلتزم ذلك في طلوع القمر؟! فكما أن للنواحي المختلفة من الأرض دخلا في تحقق الكسوف وهو اختلاف البلاد طولا وعرضا، فكذلك الأمر في طلوع القمر؛ والفرق بينهما تحكم جدا.

إن قلت: فرق بين الكسوف وخروج القمر عن تحت الشعاع. لأن الكسوف ليس أمرا ساويا ولا ربط له بالقمر، بل هو عبارة عن احتجاب الشمس لأهل الأرض بحيلولة القمر، الحاصل بدخول الأرض في الظل المخروطي من القمر؛ كما ورد هذا العنوان في الرواية بأنه كُسِفَتْ عَيْنَا اَلشَّمْسِ. فالاحتجاب إنما هو بالنسبة إلى الأرض وأهلها؛ ومعلوم أن الاحتجاب مختلف بالنسبة إلى سكنة الأرض، ولا يكونون جميعا تحت هذا الحجاب.

فإذا في كل ناحية من الأرض حصل الاحتجاب، تترتب عليه أحكامه من صلاة الآيات وغيرها، وفي كل ناحية لم يحصل لا تترتب عليه الأحكام.

قلت: خروج القمر عن تحت الشعاع أيضا كذلك. لأنه عبارة عن خروجه من مقارنة الشمس بمسافة معينة بالنسبة إلى أهل الأرض؛ فلولا أهل الأرض و محاذاتهم، لا تتحقق المقارنة والخروج أبدا. ومع غض النظر عن الأرض، لا

ص: 160

يختلف حال القمر في المحاق وتحت الشعاع عن سائر أحواله، وهو يدور في السماء حول الأرض دائما بلا تغيير کيفية ولا تبدیل حال؛ ولكن إذا لاحظنا محاذاة الأرض بالنسبة إليه فتختلف الأحوال ... والمحصل: أنه إذا قطع النظر عن محاذاة الأرض ونواحيها المختلفة وملاحظة اختلاف مناظر أهلها بالنسبة إلى القمر، فكما أنه لا يتحقق کسوف، لا يتحقق خروج عن تحت الشعاع أيضا؛ وإذا لوحظت محاذاة الأرض واختلاف مناظر أهلها، فكما أن الكسوف له ربط

بالأرض، كذلك الخروج عن تحت الشعاع، بلا فرق.(1)

أقول: لو أراد رحمه الله بهذا أن يبين مجرد إمكانية كون الأهلة والكسوف على نسق واحد - وأنه إذا اشترط في الأهلة نفس الرؤية (او إمكان الرؤية) من غير اعتبار لمكان الرؤية فلا مانع من أن يكون الكسوف كذلك، والحال أنه ليس في الشرع كذلك؛ وإذا اشترط في الكسوف مضافا إلى إمكان الرؤية مكانه أيضا، فلا ضير أن تكون الأهلة أيضا كذلك - فنستم بإمكانه الذاتي والوقوعي، والخطب كله في أنه هل خرج عن حد الإمكان إلى الضرورة أم لا، فنحتاج إلى الدليل. فيرجع مرامه قدس سره إلى ما رميناه نحن والشهيد الصدررحمه الله آنفا.

أما لو أراد به نقض قول السيد الخوئي قدس سره فلا ينتقض، إلا إذا كان مدعي السيد الخوئي النفي للإمكان الذاتي، واستبداله بالضرورة الذاتية المنعقدة بين مجرد إمكان الرؤية و تجدد الشهر. وليس هذا بظاهر عن كلام السيد الخوئي رحمه الله بل الظاهر أنه أيضا يقول بما قاله حسب ما بدا له من الأدلة؛ هذا و الذاتي لا يعلل.

ص: 161


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 41 و42

قال ابن أبي عقيل : قد جاءت الآثار عنهم علیهم السلام أن «صوموا رمضان للرؤية، وأفطروا للرؤية، فإن غم عليكم فأكملوا العدة من رجب تسعة وخمسين يوما،ثم الصيام من الغد.»(1)

والمعنى: صوموا عند الرؤية، لا أن الرؤية هي العلة الموجبة للصوم.

يقول السيد المرتضی رحمه الله ذيلا لرواية عامية بهذا المعنى:

فإن قيل: فما معنى قوله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وأي فائدة لهذاالكلام؟ قلنا: معنى ذلك: صوموا لأجل رؤيته وعند رؤيته، كما يقول القائل : صل الغداة الطلوع الشمس، يعني لأجل طلوعه وعند طلوعه، كما قال تعالی«أَقِمِ اَلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ اَلشَّمْسِ إِلَى غَسَقُ اَللَّيْلِ(2)»(3)

ولكن لا يذهب عنك أن هذه الرواية مجهولة السند. نعم؛ الفقرة الأولى منهاالمستشهد بها هنا مستفيضة معاضدة بها ستأتي من بعد هذه.

عنه (أي على بن مهزیار) عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن(4)

ص: 162


1- مختلف الشيعة، للعلامة الحلي، 3/ 499 .
2- القرآن الكريم، الإسراء، 78.
3- رسائل الشريف المرتضى، للسيد المرتضی،21/2
4- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 156

قاسم بن عروة، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصوم للرؤية، والفطر للرؤية، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون.(1)

موثقة ابن بكير:عَلِىُّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَخَوَيْهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : صُمُّ الرُّؤْيَةِ وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ وَ لَيْسَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ أَنْ يجيءالرجل وَ الرَّجُلَانِ فَيَقُولَانِ رَأَيْنَا إِنَّمَا الرُّؤْيَةُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ رَأَيْتُ فَيَقُولَ الْقَوْمُ صَدَقْتَ .(2)

عنه (أي حسين بن سعيد) عن فضالة، عن سيف بن عميرة، عن الفضيل بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، ليس على المسلمين إلا الرؤية.(3)

أستدل بهذه والأربعة التي قبلها على عدم اشتراط الإشتراك في الأفق. فإنها لا كانت في مقام بیان مناط تجدد الشهر واطلقت بذكر الرؤية، فيستفاد منها عدم تدخل قيود کاتحاد الأفق وتغایره بين بلد المكلف وبلد الرؤية أو المسافة بينهما. فالمناط هو الرؤية، لا غيره مما زاد عليها أو نقص عنها.

ص: 163


1- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، 2/ 77 .
2- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 164
3- نفس المصدر، 158.

قال السيد أبو تراب الخونساري قدس سره(م 1364):

الذي تشهد به الأدلة إنما هو كفاية الرؤية مطلقا ولو في بلد آخر من المعمورة مع عدم إمكان الرؤية في بلد المكلف، وذلك لإطلاق قوله عليه السلام:«صم للرؤية،وأفطر للرؤية»...(1)

قال السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره(م 1414) في مهذبه:

ومقتضى إطلاق ما تقدم من الأخبار تحقق أول الشهر في الجميع (أي جيع البلاد)؛لتعلق الحكم على صرف وجود الرؤية، والمفروض تحققه.(2)

لكن المحقق السبزواري، وهو محمد باقر بن محمد المؤمن الخراساني قدس سره(م 1090) استدل بهن في ذخيرته على الاشتراط وقال:

إن المتبادر مما علق الوجوب بالرؤية فيها (أي الروايات)، الرؤية في البلد أو ما في حکمه (أي القريب المشترك معه في الأفق)(3)

ولا مبرر لهذا التبادر إلا الانصراف المردود حسب ما سنبينه - إن شاء الله - عند التحقيق في الرواية السابعة عشر.

والحق أنها وأمثالها أجنبيات عن بيان ما نحن فيه، ولا تفيد الطرفين، لا القائلين بالإشتراك ولا النافين له. فالأولى تكون في بيان الطريقة الأولية لإثبات الشهر، ثم بدلها لو تعذرت بنحو الغمام. والثانية والثالثة في مقام الرد على من عمل بدل الحس بالحدس والحسابات الظنية. والرابعة في تبيين أن الرؤية تثبت بالبينة ما إذا لم تعارضها بينة

ص: 164


1- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113 .
2- مهذب الأحکام، للسبزواري، 10 / 275.
3- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري، 3/ 532.

أخرى. والخامسة تقابل الطرق الظنية المعمولة بها عند العامة، أو عندمنحرفي الشيعة کالعدد والجدول، أو تقابل قولهم بتوقف الأمر على ثبوت الشهر عند الحاكم. فكما أنها لا تعد نافية لباقي الطرق المعتبرة كإقامة البينة أو مضي ثلاثين يوما من شعبان، فكذا لا تعد بيانا لجزئيات الرؤية كلزوم كونها في بلد المكلف أو عدمه.

فمثل هذه المطلقات ما صدرت إلا عن حيثية خاصة، مع السكوت عن باقي الحيثيات. فإطلاقها محدد بجهة صدورها، وأكثرها صدرت بداعي التقابل مع ما أبدعته العامة، نعم لو كان المتكلم في مقام بیان جميع القيود والشرائط، واهمل عن شيء، فيمكن التمسك بالإطلاق على نفي ذلك الشيء.

فإن المطلق وإن كان في ظهوره من الظنون المعتبرة، لكن اعتبار ظنه مشروط بمقدمات الحكمة ومنها كون المتكلم في مقام البيان. وأما المقام فيجب إحرازه إحرازا يقينيا. ففي التمسك بالإطلاق يتصور شكين. الأول، الشك في تدخل القيد الفلاني في الحكم؛ والثاني، هو الشك في مقام البيان وسعته. والأخذ بالإطلاق يرفع الشك عن الأول باليقين في الثاني. فلو شك في سعة مقام البيان أيضا، لا يؤخذ إلا بالقدر المتيقن منها.

أشار السيد محسن الحكيم رحمه الله إلى لزوم ملاحظه حيثية الصدور في هذه الإطلاقات، وقال في شأن بعضها:

يحتمل عدم إطلاق النص بنحويشمل (الشخصين) المختلفين (في البلد)؛ لوروده من حيث تعميم الحكم لداخل البلد وخارجها، لا من حيث التعميم للمختلفين والمتفقين، لكن الأول أقوى.(1)

ص: 165


1- مستمسك العروة، للسيد الحكيم،470/8

ومثله في الالتفات إلى مقام البيان في هذه المطلقات هو المولى محمد صالح البرغاني رحمه الله، إذ يقول:

وأما ما ذكره المصنف (أي العلامة) تفريعا على المختار (أي مختار العلامة في الإرشاد وهو اعتبار الرؤية الواقعة في بلد لبلد آخر إذا كانا متقاربين دون المتباعدين) بقوله: «فلو سافر بعد الرؤية» إلى بلدة بعيدة شرقية «ولم ير ليلة إحدى وثلاثين، صام معهم وبالعكس يفطر التاسع والعشرين» فلي فيه إشكال؛ بناء على عدم تبادر نحو هذه الفروض من [الأدلة ] الدالة على الصوم أو الفطر للرؤية.(1)

ومع هذا كله لا يستنكر أن الارتكاز الأولي منعقد على الإطلاق عند من يبدوا النظر في هذه الروايات؛ والله اعلم.

ص: 166


1- مسلك الراشدين، لمحمد صالح البرغاني (نقلا عن از رؤية الهلال، للمختاري، 4 / 2378)

و صحيحة محمد بن عیسی: عنه (أي محمد بن الحسن الصفار) عن محمد بن عيسى قال: كتب إليه أبو عمرو: اخبرني يا مولاي أنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان، فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة فيفطر الناس فنفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: إنه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر وإفريقية والأندلس، فهل يجوز_یا مولاي_ما قال الحساب في هذا الباب حتى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع علیه السلام: لا تصومن الشك، أفطر لرؤيته وصم لرؤيته.(1)

السؤال منحل إلى سؤالين: هل يجوز العمل وفق ما قاله الحساب؟ وهل يمكن اختلاف الفرض والتكليف الشرعي بين أهل الأمصار؟

فأجاب عليه السلام عن الأول بالنهي عن الأخذ بما قاله الحساب وجعله من مصادیق الظن، ثم حت على لزوم الرؤية. وأما الثاني فيبدو مسكوتا عنه، إلا أن يقال بالملازمة بين الإلزام بالرؤية واختلاف فرض الأمصار. فلو قلنا بالملازمة، تكون هذه من أدلة القائلين باشتراط الإشتراك في الأفق.

ولكن لقائل أن يقول في المسألة الأولى أيضا، أن ذلك كله مبني على النظرة الأولى، والتدقيق في الرواية يفيدنا أمرا آخر. فإن النهي عن الأخذ بقول الحساب لیس لكونه من الظن مطلقا، بل لما كان السائل شاكا في صحة قولهم وانطباقه على الواقع، فالإمام عليه السلام نهاه عن العمل بما هو شاك فيه، من دون التعرض لما هو حق في شأن الحساب.

ص: 167


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 159.

فإن سؤاله إما مبني على الشك في الصغرى التجريبي وهو صحة قول الحاسب وإما على الشك في الكبرى وهو التكليف الشرعي عند مواجهة قول الحساب.

فيمكن في الصغرى أن يكون قولهم صادقا والرجل موقن بصدقهم، أو شاکا فيه، كما يمكن أن يكون قولهم غير ملازم للواقع والرجل عالم باحتمال تخلف قولهم عن الواقع، أو شاك في أمرهم أيضا. فحالات الصغرى أربع.

فإن كان موقنا بصدقهم وهم صادقون، أو موقنا باحتمال خطائهم والواقع كان وفقا لما أيقن به، ما كان الجواب مناسبا للسؤال. فلا يبقي إلا فرضي الشك. فلابد للإمام إما أن يبين الواقع في حالهم بأنهم هل يصيبوا الواقع أم لا، وإماأن يشتغل بالكبرى الشرعي. والإمام اشتغل بالکبری وسکت عن النزاع الصغر وي؛ وأجاب بأنك لما كنت شاكا في قولهم، فلا تنقض يقينك السابق بحلول شعبان وبقائه حتى تستيقن بحلول رمضان، وسمي لليقين طريقا وهو الرؤية. يقول السيد أبو تراب الخونساري قدس سره ذيلا لها:

حيث إن النهي عن الصوم لأجل كونه شاکا من قولهم كالصريح في أنه لو كان قاطعا برؤية أهل تلك البلاد لكان له حكمهم، والحال أنها من البلاد البعيدة جدا بالنسبة إلى بلاد الراوي، كما لا يخفى، بل وظاهر السؤال أن في استخراج أهل الحساب أيضا إنما كان ممكن الرؤية في تلك البلاد خاصة دون بلد الراوي، كما لايخفی.

واحتمال أن يكون المراد أن الرؤية في تلك البلاد موجبة للشك في إمكان الرؤية في بلدك، فلا تصم لأجل ذلك، فيدل على أن العبرة ببلد المكلف خاصة، كما ترى خلاف الظاهر جدا؛ ولو بالنظر إلى أنه لو كان المراد ذلك لقال: صم بالرؤية في بلدك، صريحا، ولم يأمره بالصوم بالرؤية بقول مطلق الذي هو في مقابل العمل

ص: 168

بقول أهل الحساب ونحوه من الأمور الظنية، كما أشرنا إليه مرارا، وإلى أن من البعيد فرض الشك في إمكان الرؤية في بلد الراوي بعد فرض عدم رؤية جميع الناس طرا مع عدم العلة في السماء وكونه في استخراج أهل الحساب غير ممكن الرؤية، فليس إلا الشك في الرؤية في تلك البلاد لقول أهل الحساب بإمكان الرؤية فيها.(1)

لكنه وقع هذا التفسير للرواية موقعا للنقد والنقاش عند السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله ، ننقل عبارته هنا مع طولها، لكونها مشحونة من دقائق و ظرائف دخيلة فيما أراده من النقد:

أقول: فقه الحديث يدلنا على أن السائل لم يرد سؤال تكليفه بالصيام عن الإمام عليه السلام، ولم يشكل عليه شهر رمضان بالنسبة إلى بلده، حيث صرح في سؤاله بأنه لم ير الهلال ولم يره الناس وليست في السماء علة؛ والظاهر منه أيضا أن في استخراج أهل الحساب كانت الرؤية ممتنعة في بلده حيث علق إمكان الرؤية على قولهم بتلك البلاد النائية خاصة.

بل كان بانية على عدم دخول شهر رمضان في بلده، على ما هو المرتكز في ذهنه وأذهان الناس من لزوم الرؤية فيه بخصوصه. وعلي هذا الأساس بني على الإفطار قطعة كإفطار الناس؛ ولم يظهر من سؤاله هذا أدنی توهم شك وشبهة بالنسبة إلى إفطاره وإفطارهم.

وإنما سأل عن أمر آخر؛ وهو جواز اختلاف الآفاق في الرؤية وعدمه، وإنه هل تجوز الرؤية في بلد فتترتب عليها أحكام الصيام، وعدم الرؤية في آخر فلا تترتب عليها أحكامه، أم لا؟ بعد مفروغية ترتب الصيام في كل بلد على الرؤية في ذلك البلد.

ص: 169


1- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113

فلذا صرح بأن قوما من الحساب ذهبوا (حسب محاسباتهم) إلى رؤيته في تلك الليلة(التي لم ير الهلال فيها في بلدة السائل) بعينها في تلك الآفاق البعيدة، فهل يجوز ما قاله الحساب حتى تختلف الآفاق ويختلف الفرض على أهل الأمصار؛ ببيان ما هو مرتكز في ذهنه من ترتب الصيام على الرؤية ليس غير، معبرا عنه بأنه هل يمكن بأن يكون صومهم خلاف صومنا وفطر هم خلاف فطرنا؟

فتبين أنه لم يكن بصدد تكليف نفسه في بلده أبدا، بل كان متيقنا على أنه لم يؤمر بالصيام لمكان عدم الرؤية عنده.

بل كان بصدد أن يعرف تكليف القاطنين في تلك البلاد، بأنهم هل يمكن أن يصوموا المكان الرؤية (التقديرية) الحاكية عنها طائفة الحساب، ويفطروا المكان الرؤية (التقديرية المتأملة) في بلادهم أيضا فيحكم باختلاف آفاقهم مع أفقه ؛ أم لا يجوز ما قاله الحساب، فيكون جميع الآفاق متحدة في إمكان الرؤية وعدمه ؟

وإذا لم يجز ما قاله الحساب، فلمكان استهلاله في آفاقه وعدم الإهلال مع فقدان علة في السماء، علم عدم وجوده في تلك الآفاق أيضا، فعلم بطلان قول الحساب. ومما ذكرنا يظهر أن قوله في أول سؤاله بأنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان، لم يكن المراد ترددة وإشكالافي وظيفته(الشرعية)من الصيام قطعا؛ بل المراد تحقق الإشكال من حيث(القواعد الطبيعية وهي)إمكان دخول شهر رمضان في ناحية إفريقية والأندلس، وعدم دخوله في ناحية أخرى كبلده، وعدم إمكانه.

ويظهر أيضا أن ما وقع عليه السلام بقوله:لَا تَصُومَنَّ بِالشَّكِّ ؛ أَفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ وَ صُمْ لِرُؤْيَتِهِ،لم يكن بيان تكليفه في بلده وهو في هذه الحالة من اليقين على عدم دخول الشهر، بل كان بصدد بیان قاعدة كلية لجميع الأفراد في كل مكان، في قالب الخطاب الشخصي، بأن المدار على الرؤية الفعلية، ولا عبرة بقول المنجمين الموجب للشك. فكل أحد في أية بلدة من البلاد، إذا تحققت الرؤية يصوم، وإلا

ص: 170

فلا يصوم. نظير الخطابات القرآنية فيها يكون المخاطب فيها خصوص النبي صلی الله علیه واله، والمراد بیان تکلیف قاطبة المكلفين.

فعلم مما ذكرنا، أن هذه الرواية من حيث دلالتها على مفروغية الرؤية الفعلية في كل ناحية في ذهن السائل وعدم ردعه علیه السلام أولا، ثم السؤال عن إمكان تحقق الاختلاف في الآفاق حتى يكون تكليف كل ناحية على مدار الرؤية فيها بخصوصها وعدم ردعه علیه السلام كذلك ثانية، ثم بيان القاعدة الكلية بأن المدار على الرؤية الفعلية لا على الشك ثالثا؛ لابد وإن تحسب من الروايات الدالة على لزوم الاشتراك في الآفاق، لا من الأدلة الدالة على عدم اللزوم کما ذهب إليه السيد (أبوتراب الخونساري)قدس سره.(1)

ويلاحظ عليه من ثلاثة مواضع:

الأول، قوله«بعد مفروغية ترتب الصيام ...»يلاحظ عليه بأنه يمكن المنع عن ارتكاز أهل البلد على حصر الطرق في الرؤية البلدية وتوجيه عملهم (أيالإفطار) بعدم الرؤية البلدية منضما بعدم وصول الخبر عن باقي البلاد إليهم، فعملوا بالاستصحاب لا بالاقتصار على الرؤية البلدية. ولو سلمنا الارتكاز لأهل البلد فيمكن أن يكونوا من العامة، وهذا هو الأظهر، فلا اعتبار لنا بالمرتكز عندهم. أما السائل نفسه فقد يوجه عمله بمتابعة الشياع، أو بكونه متیقنا بالتكليف حين العمل وطرق الشك من بعده لأجل موافقته لعمل العامة ونحوه، أو باستصحاب شعبان عند عدم الرؤية منضما بعدم حصول الإطلاع عن البلاد إلا بما قاله الحساب المشكوك اعتباره عند السائل. فارتکاز السائل على ترتب الصيام في كل بلد على الرؤية في ذلك البلد ليس بمفروغ عنه، بل هو احتال يقابله احتمالات.

ص: 171


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 171 إلى 173.

الثاني، قوله « كان بصدد أن يعرف تكليف القاطنين ...» أراد الناقد بهذه الفقرة أن يجعل المسألتين متلازمتين، مسألة اعتبار قول الحساب ومسألة اختلاف الفرض بين أهل الأمصار، وجعل الملازمة هكذا: لو جاز لقاطني تلك البلاد المتباعدة العمل وفق ما قاله الحساب، فمعناه أن هناك كان الهلال طالعا ولو لم يره أحد. ولما لم تمكن الرؤية في بلد السائل قطعا، فينتج اختلاف الآفاق في إمكان الرؤية وعدمها. وأما لو لم يجز العمل حسب قول الحساب، فمعناه عدم إمكان الرؤية في تلك البلاد كما لم تكن ممكنة في بلد السائل. فيكون جميع الآفاق متحدة في إمكان الرؤية وعدمه.

والملازمة غير تامة. إذ يمكن أن يكون قول الحساب غير معتبر، ومع ذلك تكون الآفاق أيضا غير متحدة في إمكان الرؤية. وهذا إذا احتملنا کون التكليف مبنيا على أمر غير الرؤية (نحو خروج القمر عن تحت الشعاع) أو على كفاية أي طريق يوجب اليقين به. ومع ذلك ينهى الإمام عن قول الحساب لكونه غير سديد في الحساب مثلا، لا لكونه ملازما لاتحاد الآفاق ! بل الآفاق مختلفة وقول الحساب ليس بسديد. أضف إلى ذلك أن اتحاد البلاد في الآفاق لا يستلزم عدم جواز العمل وفق الحساب، سيما لو كان يقينيا، بل يحتمل اجتماعهما. فهذه ليست ملازمة بل مصادرة.

الثالث، قوله « وإذا لم يجز ما قاله الحساب ...» يلاحظ عليه أنه لا يلزم من عدم جواز العمل على وفق ما قاله الحساب عدم مطابقة قولهم للواقع بالأسر. فإنه لا يوجب من كون الشخص کاذبا غير قابل للاطمئنان إليه، أن يكون جميع ما قاله كذبا. وحسب صناعة المنطق لا يستوجب من صدق السالبة الجزئية (بعض ما قالوه كذب) صدق السالبة الكلية (كل ما يقولون فهو كذب). وبعبارة أخرى: ربما لا يجوز العمل وفقا لقولهم لعدم ظفرهم على القاعدة الكلية، ومع ذلك يكون بعض ما قالوه وفقا للواقع. وحسب الاصطلاح لا يلزم من بطلان الدليل والطريق بطلان المدعي.

ص: 172

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ الْقَاشَانِيِّ قَالَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ وَ أَنَا بِالْمَدِينَةِ أَسْأَلُهُ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَلْ يُصَامُ أَمْ لَا فَكَتَبَ : الْيَقِينُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ ، صُمْ لِلرُّؤْيَةِ وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ.(1)

يستدل بها القائل بلزوم الرؤية وكفايتها في بلد عن باقي البلاد وهو مذهب«عدم اشتراط الإشتراك في الأفق». و وجه الاستدلال بها مرتكز على اطلاق الرؤية.لكن دلالة الإطلاق ممنوع لكون مقام البيان مختصا بجهة خاصة، وهي تعليم السائل وتعويده بملازمة اليقين وترك الشك، وأنه في المسألة لا يحصل اليقين إلا بالرؤية؛ أما کونه علیه السلام في بيان جزئیات مثل لزوم كون الرؤية في بلد المكلف، أو كفايتها ولو كانت في سائر البلاد، فلا دليل عليه.

ثم تفطن بأنه يمكن للقائل بعدم لزوم الرؤية أيضا أن يتمسك بها. إذ يحتمل في الرؤية أن يكون ذکرها من باب تسمية المصداق. وأما الضابط فهو اليقين- كائنا ما كان محله - إلا أنه عند انتفاء باقي الموجبات لليقين في تلك الزمن اكتفي علیه السلام بذكر الرؤية وحدها.

ص: 173


1- الاستبصار، للشيخ الطوسی، 2/ 64

صحيحة أبي بصير:وَ عَنْهُ ( أَيْ حُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ) عَنْ حَمَّادٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهْوِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُقْضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . فَقَالَ : لَا تَقْضِهِ إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَ قَالَ لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْضِيَ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ فَإِنْ فَعَلُوا فَصُمْهُ .(1)

الشاهد في هذه الصحيحة جملتان:

الأولى قوله علیه السلام: «لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة ...»فإن لفظة «جميع» من الفاظ العموم، وتدل بوضوح على أن رأس الشهر القمري واحد بالإضافة إلى جميع أهل الصلاة من دون التقييد والتحديد ببلدانهم.

الثانية قوله علیه السلام: «لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل الأمصار» فإنه أيضا واضح الدلالة على أن الشهر القمري لا يختلف باختلاف الأمصار، فيكون واحدا بالإضافة إلى جميع أهل البقاع والأمصار مع اختلاف آفاقهم.فبخروج القمر عن المحاق ورؤيته في مصر من الأمصار، تثبت الشهر التمام أهل الأرض.

يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله :

تدل على وجوب القضاء لكل بلدة لم ير أهلها الهلال، إذا قامت البينة من أي بلدة رئي فيها الهلال؛ بلا فرق بين الآفاق القريبة والبعيدة. وحيث لا قضاء إلا لمن ترك الصيام الواجب، فالصيام واجب لأهل جميع البلاد إذا رئي الهلال في بلدة واحدة من جميع العالم. فالرؤية الإجمالية سبب لدخول الشهر .(2)

ص: 174


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 157.
2- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني، 63

والقائلين بالاشتراط إما أن يحملون مثل هذه الرواية على البلاد المتقاربة المتشاركة في الأفق، والحق أنه لولا انسياقهم بما تبتوه سابقا، لما كانت قرينة في نفس الرواية على مثل هذا التحميل.

وإما يحملونها على الجمع بها هو جمع. أي لو قضاه جميع البلاد بأجمعهم.... فلو قضاه أهل بلد أو بلدين غير بلد المكلف، فلا يجب على المكلف القضاء. فتكون الرواية قريبة من التعليق على المحال!

يقول المحقق السبزواري قدس سره:

وظاهر قوله علیه السلام«إلا أن يقضى أهل الأمصار» يقتضي توقف وجوب القضاء على قضاء أهل الأمصار جميعا بناء على أن الجمع المعرف باللام يقتضى العموم ولا يدل على الاكتفاء بمصر واحد أي مصر كان.(1)

ويمكننا الاستجواب عن قوله رحمه الله بأن نقول: تجدد الشهر إما أن يكون مشترکا بين البلاد أم لا يكون كذلك. أما لو كان مشترکا فلا مبرر للإمام في التفصيل بين الآحاد والمجموع، فتجب القضاء بشهادة أهل بلد واحد کما تجب بشهادة الأمصار أجمع. أما لو لم يكن مشترکا، فقوله عليه السلام إما تعليق على المحال وإما إغراء بالجهل؛ وكما يكون الإمام بريئا عن الثاني، يكون الكلام بقرائنه بريئا من الأول.

أما الجمع المحلي باللام فإفادته للعموم بنفسه أو بالقرائن فمحل خلاف. فلو کنا ممن يقول بلزوم القرينة، فهنا لا قرينة تدل على العموم. ثم حتى لو اغمضنا عن هذا المبنى، فدلالة اللام على العموم ودلالة أي دال آخر مشروط بعدم قيام القرينة على خلافه؛ ولزوم التعليق على المحال ولو المحال الوقوعي في مثل هذا المقام، اعظم قرينة على عدم الاستغراق.

ص: 175


1- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري، 3/ 532.

نعم، يحتمل في قوله علیه السلام«من جميع أهل الصلاة» أن لا يكون التعميم بالنسبة إلى جميع أهل الصلاة من جميع البلاد، بل جميع أهل الصلاة من جميع الفرق والمذاهب . فلعلها صدرت في مقام التعميم بالنسبة إلى شاهدي بلدة واحدة وبداعي الحث على الوحدة.

يقول الفيض الكاشاني قدس سره الشریف:

«من جميع أهل الصلاة» يعني على أي مذهب کانا من ملل أهل الإسلام.(1)

فتسقط الرواية عن الدلالة على اشتراك البلاد في تجدد الشهر بالنسبة إلى لفظة ال«جميع». لكن هذا الاحتمال ضعيف جدا؛ إذ لا ريب في أن الإمام عليه السلام كان نظره الشريف ممدودا إلى الأمصار المختلفة. على أي حال تبقي الدلالة على الاشتراك من ناحية إطلاق قوله علیه السلام«أهل الأمصار».

ص: 176


1- الوافي، للفيض الكاشاني، 11 / 137.

معتبرة إسحاق بن عمار :وَ عَنْهُ ( أَيْ حُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ) عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقَالَ : لَا تَصُمْهُ إِلَّا أَنْ تَرَاهُ فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِهِ وَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَسَطَ النهارفأتم صَوْمَهُ إِلَى اللَّيْلِ.(1)

يقول الشيخ الطوسي رحمه الله تفسيرا لقوله عليه السلام فأتم صومه:

أَتَمَّ صؤمه إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ ، دُونَ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ.(2)

فهذه بإطلاقها ظاهرة الدلالة على أن رؤية الهلال في بلد تكفي لثبوت الشهر في سائر البلدان، من دون فرق بين المتحدين في الأفق أو مختلفين، وإلا فلا بد له علیه السلام من التقييد، إذ أنشأها بداعي العمل على وفقه.

ص: 177


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 178 والاستبصار، للشيخ الطوسي، 2/ 73.
2- نفس المصدرين

معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله:عَنْهُ ( أَيْ حُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ) عَنِ الْقَاسِمِ ( ابْنَ مُحَمَّدِ الْجَوْهَرِيِّ ) عَنْ أَبَانٍ ( ابْنَ عُثْمَانَ ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ لَا تَصُمْ إِلَّا أَنْ تَرَاهُ فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ فَاقْضِهِ.(1) فهي - حسب الظاهر - مع إطلاقها واضحة الدلالة على القول بعدم اشتراط الإشتراك في الأفق. فإن المعصوم علیه السلام حکم بكون الرؤية في بلد آخر کاشفة عن تجدد الشهر في بلد السائل.

يقول الفيض الكاشاني قدس سره ناظرا لهذه الرواية:

والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه، لأن بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية (أي المناط في الحكم بتجدد الشهر هو تحقق الرؤية في أي بلد من البلاد كان، ولا يهم عدم جواز الرؤية في سماء بعض سائر البلاد لكون القمر بنسبة تلك البلاد تحت الأفق)، ولعدم انضباط القرب والبعد لجمهور الناس، ولإطلاق اللفظ. فما اشتهر بين متأخري أصحابنا من الفرق ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعدبالاجتهاد، لا وجه له.(2)

وأما القائلين بالاشتراط فيحملونها على البلاد المتقاربة المشاركة في الأفق بدعوي الانصراف. فإن ما يقوله القائلين بعدم الاشتراط - من تسري حكم البلدان النائية إحداها إلى الأخرى - لم يكن متبادرة إليها عند المتشافهين في مقام التخاطب.

ص: 178


1- الاستبصار، للشيخ الطوسي، 2/ 64 .
2- الوافي، للفيض الكاشاني، 11 / 120.

فهذا هو المولى أحمد النراقي رحمه الله، يقول باللغة الفارسية في كتابه المسمى بالرسائل والمسائل:

در قواعد مسلمه هست که مطلق منصرف به فرد شایع می شود، و در بغداد ثابت شدن (ماه به) رؤیت(هلال) در کشمیر مثلا، از فروض نادره است، پس مراد شارع امری است که شایع است که (همان) ثبوت رؤیت در ولایات قريبه به هم باشد.(1)

يقول الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله:

وأما الأخبار، فالظاهر منها- بحكم الغلبة - البلاد المتقاربة.(2)

ويقول العلامة الشعراني قدس سره في حاشيته على الوافي شارحا لقول الفيض قدس سره:

العادة قاضية بأن الشهادة من أهل بلد قریب، کمكة بالنسبته إلى المدينة والكوفة إلى بغداد. وذلك لأن المسافرة من البلاد البعيدة كبلخ ومرو وبخارا إلى الكوفة والمدينة، كانت تطول شهورا بعد أن مضي شهر رمضان وانصرف الأذهان، وتوجه الهمم من الصوم إلى أمور أخر، ولا يسأل أحد أحدا عن الهلال، وربماينسون أول الشهر أنه أي يوم كان.(3)

لكن مثل هذا الانصراف ممنوع.

يقول السيد محسن الحكيم رحمه الله:

ودعوى الانصراف إلى المتقاربين غير ظاهرة.(4)

ص: 179


1- رسائل و مسائل، للفاضل النراقي، 1/ 176 .
2- کتاب الصوم، للشيخ الأنصاري، 256
3- الوافي (مع تعليقة أبو الحسن الشعراني)، للفيض الكاشاني،120/11
4- مستمسك العروة، للسيد الحكيم،470/8

يقول السيد أبو تراب الخونساري قدس سره:

ودعواهم الانصراف فيه يدفعها أن الندرة وجودية، فلا تصلح سببا للانصراف، مع إمكان منع الندرة أيضا؛ لأن الإطلاع بحال البلاد المتباعدة وقيام البينة على الرؤية فيها بعد شهور أو سنة أمر غير نادر جدا؛ لكثرة تردد القوافل العظيمة بين البلاد المتباعدة في كل زمان. نعم، الإطلاع في نفس يوم الشك مما لم يكن يتفق في تلك الأزمنة؛ لامتناعه عادة، إلا بآلة التلغراف المخترع في زماننا ونحوها، وهوغير مراد من تلك النصوص أيضا.(1)

ويؤيد قول المانعين برواية كريب الآتية إن شاء الله، الناطقة بفحص الناس عن هلال باقي البلاد و وقوع الإطلاع لهم عن المتباعدات وقياس مبدأ الشهر بين البلدين عندهم.

نعم؛ إنها عامية وضعيفة السند عندنا، ومعرضا عنها عندهم؛ وهذا وإن كان يوجب عدم حجيتها في مقام التطرق إلى الحكم الشرعي، لكنه لا يمنع عن الأخذ بها کوثيقة تاريخية تكشف عن المسائل التي كانت تدور في الأذهان والألسن في تلك الفترة التاريخية.

هذا؛ ومع ذلك كله منع المحقق السبزواري رحمه الله عن التمسك برواية عبدالرحمن للإشكال في سندها، وقال:

ورواية عبد الرحمن غير نقية السند.

ثم جعلها مختصة بالقضاء دون إثبات الشهر، وقال:

ص: 180


1- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.

ومع ذلك مختصة بالقضاء، ولا تشمل الإفطار(لا حرمته في اليوم الأول من رمضان ولاوجوبه في أول شوال)،والمساواة بينهما في الحكم غير واضحة(1)

ففصل بين موجب القضاء وموجب الإفطار؛ فلا يثبت أول رمضان وكذا أول شوال إلا بالرؤية الواقعة في البلد وما يقربه، دون القاصیات؛ ثم لو انكشف عندهم حال البلاد المتباعدات وأخبروا بأنهم رأوا الهلال ليلة قبل ليلتهم الأولى، وصاموا يوما قبل يومهم، فيجب عليهم قضاء ذلك اليوم احتياطا، من دون أنيثبت الشهر لهم برؤية المتباعدين. فحكم الإمام عليه السلام بوجوب القضاء حكم ظاهري لا يستكشف منه بنفسه واقع الحال.

وبناءا على هذا التفصيل فلو تيسر للمكلف العلم بحال الأبعدين في نفس الليلة التي يرون فيها الشهر، فلا يوجب ذلك على المكلف المفروض صوم الغد، بل يحل له أن يفطر ذلك اليوم وفي عين الوقت يجب عليه أن يقضي صوم ذلك اليوم الذي حل له إفطاره عقيب عيد الفطر ! وكذا لو صام ثمانية وعشرين يوما، وعلم في الليلة التاسع والعشرين بأن الأبعدين رأوا هلال شوال في عشیتهم هذه، فلا يجب عليه أن يفطر الغد بل لا يجوز له، بل يستهل من ليلته القادمة ولو لم ير الهلال يصوم الثلاثين أيضا. ثم يقضي من بعد فطره يوما حسب الاحتياط وجوبا.

وكأنه أول من نطق بهذا التفصيل واحتمله هو العلامة الحلي رضوان الله علیه تذییلا لرواية کریب الآتية، قائلا:

فإنه يدل على أنهم لا يفطرون بقول الواحد، أما على عدم القضاء فلا.(2)

ص: 181


1- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري، 3/ 532 .
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلي،255/9

أقول: لو كان قول الإمام عليه السلام بيانا في الحكم الواقعي فالمساواة بين حكم القضاء والإفطار، والملازمة بين ثبوت القضاء واستكشاف أول الشهر، مما لا ريب فيها. ثم الملازمة بين هذين وبين إشتراك البلاد في تجدد الشهر يكون غير خفي بعد ملاحظة الإطلاق. فالخطب كله في أنه هل كان عليه السلام في مقام بيان الحكم الواقعي أم الظاهري الاحتياطي ؟ والأصل في شأن المعصوم أن يلقي الأحكام الواقعية لدى المكلفين حتى يهتدوا إلى ما هو عند الله تعالی من التكليف. فلا یحمل أفعاله وأقواله على الحكم الظاهري إلا فيما خرج بالدليل، وهنا لا دليل. بل الدليل قائم على ثبوت التكليف الواقعي بالنسبة إلى ذلك اليوم الذي لم ير الهلال في ليلته.

عن شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام في اليوم الذي يشك فيه، فوجده من شهر رمضان، فقال: يوم وفقه الله له.(1)

فحكم عليه السلام بإجزاء صومه في يوم الشك إذا صامه بنية شعبان أو صوم آخر كان عليه فتبين بعد أنه من رمضان، ولا يخفى أن الإجزاء فرع ثبوت التكليف. فالأمر بالقضاء فيما نحن فيه أمر بالتكليف الواقعي الذي استتر عنا وانكشف عن قادم.(2)

ولا يصغي إلى القول بأن إجزاء صوم يوم الشك عن رمضان، ليس إلا من باب التفضل على العباد.

ص: 182


1- وسائل، للحر العاملي، 10/ 300 .
2- راجع: قول السيد الخوئي رحمه الله في «رسالة حول مسألة رؤية الهلال»، للحسيني الطهراني، 82.

يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله:

أن في بعض الأخبار ما يدل على أن صحة صومه (أي من صام بنية شعبان أو صوم آخر كان عليه فتبين بعد أنه من رمضان)مبني على التساهل والإرفاق.

مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني(1)بإسناده عن سماعة قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ : رَجُلُ صَامَ يَوْماً وَ لَا يَدْرِي أَمِنَ شَهْرِ رَمَضَانَ هُوَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ... فقال...إِنَّا يَنْوِي مِنَ اللَّيْلَةِ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ألجزأ عَنْهُ بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تعالی وَ بِمَا قَدْ وَسَّعَ عَلَى عِبَادِهِ ، وَ لَولَا ذَلِكَ لَهَلَكَ النَّاسُ»(2)

فهذا مردود لأنه لا قضاء إلا بعد فوات ما ثبت وجوبه، ولا إجزاء في العمل إلا بعد ثبوت التكليف. وأي تفضل في رفع قضاء ما لا يجب من أصله؟! فعند عدم التكليف، التفوه بالإجزاء امتنان بلا تفضل. وبعبارة أخرى ليس التوسع بإحداث جديد من التكليف بل بالغمض عن شرائط التكليف وتدارك ما نقص عن عمل العبد من «نية رمضان من بداية صومه»بعد ما كان التكليف مستقرا على ذمته. هذا هو التفضل.

أما السند: فبعد تضافر الروايات على هذا المعنى واستفاضتها فلا حاجة إلى تصحيح السند. فهذه ثالث عدة روایات صحاح وردت بهذا المعنى، قد نقلناها قبل هذه و بعدها .

ص: 183


1- الكافي، للكليني،82/4
2- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني، 108.

أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، قال: حدثني أبو على بن راشد، قال: كتب إلى أبو الحسن العسكري علیه السلام كتابا. وأرخه (ب ) يوم الثلاثاء، لليلة بقيت من شعبان، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائتين(1). وكان يوم الأربعاء يوم شك. وصام أهل بغداد يوم الخميس، وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل. قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا بغداد يوم الأربعاء. قال: فكتب علیه السلام إلى: «زادك الله توفيقا، فقد صمت بصيامنا». قال: ثم لقيته بعد ذلك، فسألته عما كتبت به إليه. فقال لي علیه السلام: «أو لم اكتب إليك: إنما صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤية»؟!(2)

لا يخفى أن قول السائل لا يخلو عن تعقيد. لأن الظاهر من قوله « فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس» أنه اعتقد أن الخميس هو أول يوم من صيام شهر رمضان. ولكن الفقرة الثانية صريحة في اعتقاده بأن الأربعاء هو أول الشهر. فما هو الأول في نظره ؟!

نعم؛ الأمر سهل بالنظر إلى تمام کلامه. فإنه جعل إطالة غروب القمر إلى مديد من بعد الشفق حاکيا عن أن الهلال مضي من عمرها يوما وليلة. فجعل الأربعاء أولا.

ص: 184


1- والحسابات الحيوية التي نعملها اليوم أيضا قاضية بأن ذلك الخميس كان أول يوم من رمضان سنة 232الخميس، 1 رمضان،232/9/1،پنج شنبه، 5 اردیبهشت (ثور)،226/2/5،226 847/4/25 ،847 April 25 ،Thursday.
2- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 167

ومن المحتمل أيضا أن يكون قوله « وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء » جملة حالية والضمير في «عندنا» راجع إلى شيعة بغداد. فيكون المعنى: أن الشعية كانوا يظنون الأربعاء أولا، ثم بعد وقوع الرؤية الشائعة في ليلة الخميس، اعتقد الراوي بأولية الخميس.

ومعلوم أن ما نطق الإمام به حين المشافهة من حكاية الجواب قائلا«أو لم أكتب إليك: إنها صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤية؟» هو حكاية منه علیه السلام على سبيل النقل بالمضمون والمدلول الإلتزامي، والذي جرى عليه قلمه الشريف هو «صمت بصيامنا » لا غير.

ثم اعلم أن قوله علیه السلام«صمت بصيامنا» يحتمل فيه معنيين. في أولهمايكون«صيامنا» بمعنى طريقتنا في الصيام. أي صمت على الديدن الذي ندين به. ولكن لا يستكشف منه أن جعل الخميس أولا كما فعله الناس هو طريقتهم، أو الأربعاء كما اعتقده السائل؟ وأما ثاني المعنيين «إنك صمت بنفس اليوم الذي صمناه، والأول عندك ما هو الأول عندنا» وبقرينة ما سمعه بالمشافهة، هو يوم الخميس. فتكون القضية شخصية مختصة بتلك السنة. والأظهر هو الأول.

فيبدوا هنا تهافتا بين السؤال والجواب. إن السائل اعتقد بأولية الأربعاء،والإمام مع تأييده إياه، وجعل مرام السائل وفقا لمرامه، جعل الخميس أولا! والتوفيق بينهما بأن يقال أن الإمام علیه السلام كتب: «صمت بصيامنا» وصحح عمله وهو صوم يوم رئي الهلال في ليلته، دون اعتقاده المنشئ من الطرق الغير المعتبرة شرعا.

وعلى أي حال، الشاهد في اطلاق قوله علیه السلام: «ولا تصم إلا للرؤية» .

ص: 185

و روى ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:سمعته يقول: لا تصم إلا للرؤية، أو يشهد شاهدا عدل.(1)

فهذه أيضا إحدى مطلقات لزوم الأخذ بالرؤية، التي قد يستدل بها على عدم الفرق بين مواقع الرؤية، وبالتالي على إشتراك البلاد في تجدد الشهر. ويرد عليها وعلى سابقها ما ورد على ما قبلها من عدم تمامية مقدمات الحكمة من جهة مقام البيان.

ثم قد يستدل بها وبأربعة من أسلافها وهي 12 و16 و 17 و 18 ، على موضوعية الرؤية أو كونها منحصرة في الطريقية. وهذا من جهة استخدامه لصياغ النفي والاستثناء، الذي يدل على حصر طرق إثبات الشهر في الرؤية. فتتمكن من ادعاء الحصر في الطرق المعتبرة الشرعية المسوغة لإثبات الشهر. فحتى لو أسقطنا الرؤية عن الموضوعية وجعلناها طريقة كاشفة عن الموضوع، لكن الحصر يرفض باقي الطرق المحتملة.

ويلاحظ عليه أن القدر المتيقن من الحصر فيهن، أنه حصر إضافي ناظر إلى نفي بعض الطرق التي تدل عليه القرائن الحالية أو المقالية في خصوص أي واحدة من تلك الحاصرات. فمقام البيان بالنسبة إلى هذا الادعاء أيضا مخدوش، ويحتمل قويا أن يكون الضابط في تلك الطرق المردودة كونها غير يقينية. فبطل الاستدلال بمجيئ الاحتمال.

ص: 186


1- المقنعة، للشيخ المفيد، 297.

صحيحة هشام بن الحكم:سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عبدالله علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : فِيمَنْ صَامَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ قَالَ إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةُ عَادِلَةُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ أَنَّهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلَى رُؤْيَةٍ ، قَضَى يَوْماً.(1)

والاستدلال بها كسابقها لو أخذنا«المصر»كليا مرادفا ل«البلد»، فتقرأ «مصر» بالتنوين، لإضافة الأهل إليه. أما لو أخذناها علما، تكون غير منصرفة لسببي من أسباب منع الصرف وهما العلمية والتأنيث، فتقرأ «مصر» بالفتح.وحينئذ لا دلالة لها على القول بعدم اشتراط الإشتراك في الأفق إلا إذا بنينا فيها على فروض:

الأول: أن السائل ليس هو من أهل مصر (العلم المعهود).

الثاني: كان بلد السائل بعيدا عن مصر، غير مشترك معها في الأفق.

الثالث: لم تكن بلد السائل من البلاد الغربية بالنسبة إلى مصر.

والأخير شرط لإطلاق القول بعدم الاشتراط، إذ بدونه يمكن لقائل أن يقول بكفاية الروية في البلاد المتباعدة لكن مقيدا بما إذا كانت شرقية. وهي إحدى الاحتمالات في المسألة.

لكن احتمال کون ال «مصر» علما، بعيد جدا، وهذا الاستبعاد مستظهر برواج استعمال لفظة «مصر» في معناها الكلي في زمن صدور الرواية، وهذا ما تشهد به تعدد الروايات المستعملة فيها لفظة مصر، الأبيات عن العلمیه کما إذا كانت على هيئة الجمع المكسر. فهذا الرواج مع عدم القرينة على خلافه يقوي الكلية

ص: 187


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 158

صحيحة زيد الشام:علی بْنِ مهزیار عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَيْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ زَيْدِ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قَالَ هِيَ أَهْلِهِ الشُّهُورِ إِذَا رَأَيْتَ الْهِلَالَ فَصُمْ وَ إِذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ قُلْتُ : أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً أَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ : لَا إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَكَ بَيِّنَةُ عُدُولُ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَاقْضِ ذَلِكَ الْيَوْمَ ..(1)

فاطلاق الرواية وعدم تحديد الشهود بكونهم من بلد المكلف أو ما يقرب منها،مفيد لكفاية تحقق الرؤية في أي بلد من البلاد.

صحيحة ابن حازم:عَنْهُ ( أَيْ حُسَيْنِ بْنِ سعید ) عَنِ الْحَسَنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : صُمْ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَ أَفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكُمْ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَاقْضِهِ.(2)

ص: 188


1- الاستبصار، للشيخ الطوسي، 2/ 63 .
2- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 157

رواية كريب : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويَحْيَى بنُ أَيُّوبَ وقُتَيبَةُ وابْنُ حُجَرٍ قالَ يحيى بنُ يَحْيَى أَخْبِرْنَا وَقَالَ اَلْآخَرُونَ حَدَّثَنا إسماعيلُ وهُوَ ابْنُ جَعفَرٍ عَن مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابنُ أبي حَرْمَلَةَ عَن كريبٍ أن أمَّ اَلْفَضْلِ بِنْتَ اَلْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقُضِيْتُ حاجَتَها واستَهَلَّ عَلَى رَمَضانَ وأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمَ اَلْمَدِينَةَ فِي آخِرِ اَلشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اَللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ اَلهِلاَلَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ اَلْهِلاَلَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فَقالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ ليلة اَلسَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَوْ لاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وصيامَهُفَقَالَ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ.(1)

فإنها وردت في المورد الذي نحن بصدده وليست غيرها مثلها في الصراحة.استدل بها العلامة رحمه الله في التذكرة على القول باشتراط التقارب:

... إن تباعدتا کبغداد و خراسان والحجاز والعراق، فلكل بلد حكم نفسه. قاله الشيخ رحمه الله، وهو المعتمد؛ وبه قال أبو حنيفة، وهو قول بعض الشافعية، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق، لما رواه کریب ... ولأن ... الأرض كرة.(2)

ص: 189


1- صحیح مسلم، 2/ 765/ ح 1087 وسنن الترمذي، 3/ 67 / ح 693 وسنن أبي داود، 2/ 519/ ح 2332 سنن النسائي، 4/ 131 / ح 2111 وسنن الدارقطني 3/ 127.
2- تذكرة، للعلامة الحلي، 6/ 122.

نعم يمكن القول بأنه رحمه الله كان في مقام إعداد الأدلة مطلقا من غير التفات إلىكونها مقبولة عند نفسه أم لا. فإن نقل الدليل بعد تسمية القائلين من العامة يقوي کونه دليلا عندهم. ويضعفه أنه ما جاء بدليل آخر على ما يعده معتمدا عليه، مع أنه كان في مقام الاستدلال على القولين.

ثم لما عدل رحمه الله عن رأيه ومال في المنتهي إلى القول باشتراك البلاد في تجدد الشهر، اشكل في دلالة الرواية على اشتراط التقارب، بأنه يحتمل فيها_وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال_أن عدم اعتبار ابن عباس بقول کریب ليس لاشتراط القرب، بل لانفراده في الشهادة، ولا ريب أنه لا يثبت الشهر بشهادة عدل واحد على رؤية الهلال. وأما إخباره عن عمل معاوية، فلو اغمضنا عن وحدة المخبر، لا يسعنا غض النظر عما في المخبر عنه وهو عدم حجية عمل معاوية عند عبد الله ابن عباس.

يقول العلامة قدس سره استجوابا لرواية کریب:

والجواب: ليس هذا دليلا على المطلوب؛ لاحتمال أن ابن عباس لم يعمل بشهادة کریب، والظاهر أنه كذلك؛ لأنه واحد. وعمل معاوية ليس حجة؛ لاختلال حاله عنده؛ لانحرافه عن علي عليه السلام ومحاربته له، فلا يعتد بعمله. وبالجملة فليس دالا على المطلوب. وأيضا: فإنه يدل على أنهم لا يفطرون بقول الواحد، أما على عدم القضاء فلا.(1)

والجواب مشتمل على ثلاث فقرات، انفراد الشاهد، وانحراف المعاوية،والتفصيل بين موجب القضاء و موجب الإفطار.

ص: 190


1- منتهى المطلب، للعلامة الحلي،255/9

ثم اعلم أن الثالثة لا دخل لها في عدم دلالة الرواية على ما نحن فيه. فإنه بعد عدم کفایت الرواية لتبيين الأمر فيما يثبت به بداية الشهر وختامه (أي عيد الفطر)، لا يهم في مسألة اشتراط التقارب وعدمه أنها هل تدل على لزوم القضاء أم لا. والعلامة أيضا ما أراد من التمسك بهذا التفصيل الإشكال في دلالة الرواية على لزوم التقارب، بخلاف الأوليين. والشاهد على ذلك مضافاإلى كونها أجنبية عن المقام، الفصل بينها وبين الفقرتين الأوليين المستدل بهما على عدم الدلالة، و وقوعها بعد الاستنتاج بقوله«وبالجملة ...»

فإنه رحمه الله بعد حكمه بأنه لا دلالة للرواية على اشتراط تقارب محل الرؤية من بلد المكلف، التفت-على نحو جملة معترضة - إلى مسألة أخرى وهي مسألة وجوب القضاء عند وقوع الرؤية في البلاد المتباعدة عن بلد المكلف، وقال بأنها وإن دلت على عدم اعتبار ابن عباس بقول کریب وحده في إثبات الشهر والعيد، لكنها ساكتة عن لزوم القضاء عليه بالنسبة إلى يوم الجمعة وعدمه.

فالأصل في الإشكال هو احتمال تأثير انفراد الشاهد في عدم قبول قوله، موازیالاحتمال تأثره عن محل المشاهدة. ومما يقوي الاحتمال الأول، أنه لو كان يعلم ابن عباس بعدم كفاية الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة عن بلده لإثبات التكليف عليه، فما الداعي له في سؤاله عن بداية الشهر عند الشاميين؟

وعلى أي حال، الرواية غير صالحة للاستدلال بها. لأنها كما مر عامية ضعيفة السند عندنا.

ص: 191

اضف إلى ذلك كله أن الرواية خالية عن نقل عبارة المعصوم. فغاية ما فيها أن ابن عباس سمع عن النبي صلی الله علیه واله قولا، ثم اطبق ما عقله عن قول النبي الأعظم على المصداق. فلا نأمن من وقوع الخطاء فيما فهمه ابن عباس. ولولا المشاكل السابقة، كان التمسك بها أشبه بالتقليد عن ابن عباس، دون استنباط الحكم عن قول النبي صلی الله علیه واله. ثم ما هو الذي أمر به رسول الله صلی الله علیه واله؟ هل هو لزوم الاقتصار بالرؤية البلدية وما في حكمها، أو هو عدم الاعتبار بقول الشاهد المنفرد في شهادته، أو هو عدم الاعتبار بحكم حاكم الجور؟ والأظهر عندي هو الثالث .

ص: 192

الإجماع والشهرة

ليس في مسألة الاكتفاء بالرؤية الواقعة في البلاد المتابعدة إجماع، لا محصلا ولامنقولا، لا إيجابا ولا سلبا.

يقول السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره:

وليس اعتبار التقارب معقد إجماع معتبر أصلا.(1)

نعم؛ الإجماع منعقد لكنه على جواز الاعتماد بالرؤية الواقعة في المتقاربات، من غير منع عن المتباعدات. ومن ادعى الإجماع ما جاوز عن هذا؛ وما عثرنا في من يعتد بقوله على من يستدل بالإجماع على نفي إشتراك البلاد المتباعدة في تجدد الشهر.

يقول السيد أبو المكارم، ابن زهرة رضوان الله علیه:

وعلامة دخوله - أعني الشهر - رؤية الهلال، وبها يعلم انقضاؤه، بدليل الإجماع من الأمة بأسرها من الشيعة وغيرها على ذلك... والخلاف الحادث لا يؤثر في دلالة الإجماع السابق.(2)

ويقول الفيض الكاشاني قدس سره:

يصوم ويفطر برؤية الهلال ولو انفرد بها إذا لم يشك؛ للإجماع و...(3)

ص: 193


1- مهذب الأحکام، للسبزواري، 10 / 273 .
2- غنية النزوع، لابن زهرة،131 .
3- مفاتیح الشرائع، للفيض الكاشاني، 1/ 257.

ويقول المولى أحمد النراقي رحمه الله :

إذا رؤي الهلال في أحد البلدين المتقاربين ثبت حكمه لأهل البلد الآخر أيضاإجماعا.(1)

كما يقول الشيخ محمد حسن النجفي؛ صاحب الجواهر رحمه الله:

إذا رؤي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد ونحوهما مما لم تختلف فيه المطالع وجب الصوم على ساكنيها اجمع بلا خلاف.(2)

بل الإجماع على عدم كفاية المتباعدات منقوض قطعا بما نقله العلامة قدس سره من الخلاف في المسألة:

وقال بعض الشافعية: «حكم البلاد كلها واحد»... وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد، وبعض علمائنا ...(3)

ثم نعم؛ المشهور عند القدماء لزوم الرؤية البلدية وما في حكمها، وعليه أيضاكثير من المتأخرين؛ لكن الشهرة الفتوائية لا قيمة لها ولا حجية إلا إذا انكشف عن اتصالها إلى زمن المعصوم، حتى يستدل بسكوته عليه السلام وعدم ردعه عما يفعل بمرئاه ومسمعه على إمضائه وتقريره لذلك الفعل. وما نحن فيه ليس من هذا بشيء إذ المسألة ما كانت متداولة ومبتلا بها عند العموم في عهد المعصوم عليه السلام. حتى تفوه بعض عن انصراف المطلقات عن شمول الرؤية في البلاد المتباعدة، مستدلا بعدم كون مثل هذا معهودا في تلك الفترة؛ وقد مر نموذج من أقوالهم.

ص: 194


1- مستند الشيعة، للفاضل النراقي، 10 / 420.
2- جواهر، للنجفي،360/16
3- تذكرة، للعلامة الحلي، 6 / 123.
العقل

بعض المعاصرين استدل بدليل العقل على اشتراط تقارب محل الرؤية عن بلدالمكلف. فمن الشيعة، يقول السيد محمد الشيرازي:

وأما العقل؛ فلوضوح أن التكليف المعلق بشيء لابد وأن يتبع ذلك الشيء، فالتكليف المعلق بشهر رمضان او شهر شوال، لابد وأن يتبع هذين الشهرين، والمفروض أنه إذا لم ير الهلال في هذا الأفق لم يسم عرفا بهذا الشهر، والرؤية في أفق آخر لا تكفى إلا إذا كان هناك دليل، والدليل مفقود حسب الفرض.(1)

ومن العامة، يقول الزحيلي نقلا عن الشافعية:

استدلوا على اعتبار اختلاف المطالع بالسنة والقياس والمعقول...3- المعقول: أناط الشرع إيجاب الصوم بولادة شهر رمضان، وبدء الشهر يختلف باختلاف البلاد وتباعدها،مما يقتضي اختلاف حكم بدء الصوم تبعا لاختلاف البلدان.(2)وكما هو الظاهر، ليس مرادهم من الدليل العقلي إلا «غير "المستقلات العقلية"»، وهو دليل يتركب من مقدمتين إحداها عقلية وأخرى شرعية؛ كما لا شك أنه لا يوجد في المسألة دليل من «المستقلات العقلية».

والكبرى العقلية هي: «لا يتحقق شيء ومنها التكليف الشرعي- إلا بعد حصول تمام القيود والشرائط التي لها دخل في تحقق الموضوع». وهذا بيان في قانون العلية الناطق بأنه «لا يتحقق معلول إلا بعد تحقق علته التامة». ولا ريب في صحة هذاالبداهي.

ص: 195


1- الفقه، للشيرازي،197/36
2- الفقه الإسلامي وأدلته، للحيل،1660/3

والشأن كله في الصغرى، وهي أنها ما هي القيود التي تأثر في ثبوت عنوان«الشهر»؟ وهل منها «الرؤية البلدية» أم لا؟ وقد مر منا تفصيل التأملات الواقعة فيها. فما أرسله السيد محمد الشيرازي رحمه الله إرسال المسلمات وجعله من المفروض، هو أول الكلام. والدليل الذي حسبه مفقودا، هو الذي يتعارك عليه القوم.

فمثل هذا الدليل العقلي لا يسعه أن يساعدنا في دفع أي من الأقوال أو تقوية أي واحدة منها.

ثم اعلم أنه قد تمسك بدليل العقل على رد خصوص قول السيد الخوئي رحمه الله والمستدل هو السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله، فإنه تحدث عن قريتين عقليتين تمنعان عن انعقاد الإطلاق للروايات وتنفيان القول بتجدد الشهر بخروج القمر عن تحت الشعاع لجميع أهل الأرض. فيقول في شأن الإطلاقات:

والحق أن هذه الإطلاقات لا تقصر (في نفي القيود)عن سائر الإطلاقات الواردة في أبواب الفقه؛ لولا الانصراف والقرائن العقلية والنقلية، الموجبة لحصر المفهوم في بعض أفراد ما ينطبق عليه.(1)

القرينة الأولى: عدم معقولية تشريع حكم للعموم مع عدم تنجزه للأكثرين أبدا.هل يعقل من الحكيم أن يشرع حكما على العموم مع علمه بإنه كلما تحقق ما جعله موضوعا للحكم، لا تمكن للمكلفين لأكثرهم أو لكثير منهم أن يعلموا بتحققه، فلا يتنجز التكليف عليهم ( إذ العلم من الشروط العامة لتنجز التكليف)؟ فتشريع حکم یعلم من حين تشريعه إنه لا يتنجز للأكثرين، غير معقول لا يليق الحكيم.

ص: 196


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 63

وما قاله السيد الخوئي رضوان الله علیه من جعل الرؤية محض طريق في إثبات تجدد الشهر،وجعل المناط دائرا مدار خروج القمر عن تحت الشعاع (الثابت لنا ولو بالمحاسبات من غير رؤية)، ثم تجديد الشهر والتكاليف المعلقة عليه لجميع الأقطار بالخروج(1)ولو مشترطا ب «وقوعهم في الليل أو ورودهم فيه من بعده»، فهو من مصادیق ذاك التشريع الذي لا يليق بالحكيم. هذا لإن القمر يخرج في كل شهر مرة عن تحت الشعاع، وكلما خرج فهو مختفي عن نصف الكرة. فبتحقق الموضوع أي صرف الخروج -حسب الفرض - لزم الوجوب رقبة الجميع ولو المختفين، مع أن المختفين لا يتمكنون من الإتيان إذ لا علم لهم بأن الخروج إلا بعد مضي الأيام والشهور، سيما في الأعصار الماضية. والأحكم في مثل هذا أن يقيد ويحدد الموضوع من حين التشريع. والقيد هنا الرؤية البلدية المقيدة لخروج القمر من المحاق.

يقول السيد الحسيني الطهراني رضوان الله علیه:

إنا نعلم أن ساكني نصف قطر العالم لا يرون الهلال بعد خروجه عن تحت الشعاع دائما. فإذا تشريع الأحكام المترتبة على الرؤية ثم عدم تنجیزها بتا بعدم تحقق الرؤية خارجا، لغو غير صادر من الحكيم.

لأن فائدة تشريع الحكم في مقام الجعل والإنشاء، إمكان تنجزه في الجملة، بالعلم والقدرة وسائر الشرائط العامة للتكليف؛ وإلا فالحكم المجعول في عالم الإنشاء غير القابل للتنجيز، بعدم تحقق ما يوجب تنجزه دائما، عبث محض.

ص: 197


1- أو بالرؤية الواقعة في البلدة المحاذية للقمر حين خروجه عن تحت الشعاع

... إنا نعلم علما يقينيا أن القمر خرج عن تحت الشعاع بالحساب في نقطة من نقاط العالم، فرآه كثير من أهالي تلك النواحي والبلاد ... فإذا يصير أهل هذاالقطر (الآخر أي بلد المكلف) مشمولا للحكم، لتحقق الموضوع.(1)

القرينة الثانية: عدم معقولية تشريع القضاء فيما لا يمكن الاداء. وهي من توابع الأولى.

يقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله:

إن تشريع القضاء فيها لا يمكن الاداء للمكلف لعدم إمكان العلم بالتكليف، تشريعا عاما للجميع، غير معقول، (نعم) ولكن هذا التشريع بالنسبة إلى أفراد خاصة أو في بعض الأحيان لا مانع منه. ف (مثلا) تشريع قضاء الصوم في البلاد المتقاربة للبلد المرئي فيه الهلال، من هذا القبيل؛ وأما بالنسبة إلى الجميع فغيرصحیح.(2)

وقال:

فلو حكم الشارع (مطلق) الرؤية على المسلمين في أقطار العالم، وجعل صومهم عليها، وعند عدم الرؤية حكم البينة(الحاصلة احيانا) بعد ستة أشهر أو تسعة أشهر أو سنة، على أن في البلدة الكذائية في نقطة خاصة من المغرب مثلا رئي الهلال (ليلة قبل ليلة المكلف)، فلابد وأن يقضوا صيامهم جميعا في نصف(الكرة الأخرى التي كانت واقعة في الليل حين الخروج مختفية عن الهلال بحدبة الأرض. وهذا أمر متكرر في كل سنة) فهل هذا إلا قلب الحكم لجميع الأمة؟ في معنى هذا التشريع؟(3)

ص: 198


1- نفس المصدر، 63.
2- نفس المصدر
3- نفس المصدر، 64
سيرة النبي الأعظم صلی الله علیه واله

قد حكى الشيخ الطوسي قدس سره من سيرة النبي صلی الله علیه واله أنه كان يعتبر بشهادة من يرى الهلال من مطلق الأمصار. نعم الشيخ كان في مقام نفي طرق کالعدد والجدول النافيين للرؤية، وما كان في بيان أنه هل يجوز الاعتماد بالرؤية الواقعة في المتباعدات أم لا، لكنه رحمه الله لما حكي اعتاد النبي صلی الله علیه واله بالشهادات، أطلق وعمم في قوله «مصر من الأمصار». وهذا كلامه رحمه الله :

ويدل على ذلك أيضا ما هو معلوم کالاضطرار غير مشكوك فيه في شريعة الإسلام من فزع المسلمين في وقت النبي صلی الله علیه واله ومن بعده إلى هذا الزمان في تعرف الشهر إلى معاينة الهلال ورؤيته، وما ثبت أيضا من سنة النبي صلی الله علیه واله أنه كان يتولى رؤية الهلال ويلتمس الهلال ويتصدى لرؤيته، وما شرعه من قبول الشهادة عليه، والحكم فيمن شهد بذلك في مصر من الأمصار، ومن جاء بالخبر به عن خارج الأمصار، وحكم المخبر به في الصحة (الصحوة) وسلامة الجو من العوارض، وخبر من شهد برؤيته مع السوائر في بعض الأصقاع.

فلو لا أن العمل على الأهلة أصل في الدين، معلوم لكافة المسلمين، ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه، ولكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثا لا فائدة فيه، وهذافاسد بلا خلاف.(1)

وللعلامة الحلي أيضا قول يضاهي قول الشيخ(2)، لا يبعد أن أخذه منه قدس سرهما .

ص: 199


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 155 .
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلى،221/9

وللشيخ رضوان الله علیه أيضا رواية حاكية عن سيرة النبي الأعظم صلی الله علیه واله، لكنها متروكة غیر معمولة بها لمخالفتها مع الضرورة.

ما رواه ابن رباح - في كتاب الصيام - من حديث حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام إن الناس يقولون إن رسول صلی الله علیه واله صام يسعة وعشرين أكثر ما صام ثلاثين. فقال :کذبوا، ماصام رسول الله صلی الله علیه واله منذبعثه الله تعالی إلى أن قبضه أقل من ثلاثين يوما، ولا تقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوم وليلة.(1)

وقد يستند إلى رواية كريب على إثبات سيرة الرسول الاعظم صلی الله علیه واله أيضا.

أقول: أما رواية کریب، قد تدل على السيرة في أحد الاحتمالات، لكن العمل بهاممنوع لما مر بالتفصيل. ورواية ابن رباح فهي متروكة عند الأصحاب. وأما حكاية الشيخ؛ فهي باستخدام الفاظ الروايات السابقة أشبه من أن تكون نقلة مستقلة للسيرة، ولو كانت كذلك أيضا، ما جاز التمسك بها لسقوط سندها. أما لو سلمنا بأنها استنباط الشيخ من الروايات، ولا تقل لها إلا نفس نقل الروايات الماضية، فالكلام فيها نفس الكلام في الروايات.

ص: 200


1- تهذیب، للشيخ الطوسي،167/4
سيرة المسلمين

قد استدل السيد محمد الشيرازي قدس سره لإثبات اشتراط التقارب بسيرة المسلمين. بیانه: المعهود من عمل المسلمين أنهم كانوا يتصدون لرؤية الهلال، وكانوا يصومون ويفطرون حسب ما يرونه من الهلال في الصقع الذي يعيشون فيه. ولا يبذلونه بالاهتمام بالإطلاع عن البلاد المتباعدة.

قال رحمه الله :

وأما السيره، فإنه لا إشكال في أن أهالي كل أفق إنما كانوا يصومون حسب أفقهم ويفطرون كذلك، منذ زمان الرسول صلی الله علیه واله، مع أنه لا شك في اختلاف الآفاق في الرؤية منذ الزمان الأول.(1)

وتقرب من قوله السيرة المنقولة في كلام السيد ابن زهرة رحمه الله :

وعلامة دخوله - أعني الشهر - رؤية الهلال، وبها يعلم انقضاؤه، بدلیل ...

وعملهم (أي الأمة) به من زمن النبي صلی الله علیه واله وما بعده إلى أن حدث خلاف قوم من أصحابنا فاعتبروا العدد دون الرؤية ...(2)

وكذا قول العلامة قدس سره:

... فقد أجمع المسلمون منذ زمن الرسول صلی الله علیه واله، إلى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له،والتصدي لإبصاره ...(3)

ص: 201


1- الفقه، للشيرازي، 36/ 197.
2- غنية النزوع، لابن زهرة، 131 .
3- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 9/ 222.

لكن يلاحظ عليه، أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه. فلا ريب في صحة ما نقل من السيرة، لكن الخطب كله في نفي الاعتماد بالرؤية الواقعة في المتباعدات، وما نقل ليس من هذا في شيء.

ولعل رواية كريب تكشف عن اهتمامهم بما يرى في البلاد المتباعدة. ولولا ذلك فلما سئل ابن عباس عن مبدأ الشهر في الشام؟! ولما دقق في أنه هل رأيته نفسك أم رآه غيرك ؟! كما أن جواب کریب يكشف عن أنه كان من المتوقع عنده أن يعتبر ابن عباس بعمل أهل شام، لا سيما معاوية. فرواية کریب لا تقل من وثيقة تاريخية، وإن لم تكن حجة فقهية.

وكذا الروايات الآمرة بالقضاء عند ما يقضي أهل الأمصار أو عندما يشهد شاهدان من جميع المسلمين. فإن روایات القضاء حتى لو قلنا بكونه أجنبيات عن المقام، لكنهن كاشفات عن اهتمام المسلمين بما يعمله الأخرين المتباعدين احيانا. وهل السيرة شيء غير هذا؟

ص: 202

مذاق الشريعة

معتبروا التقارب استدلوا بمذاق الشارع، بأنه لو جوزنا الاعتبار بالبلاد المتباعدة وشرطنا فيه وضعا خاصا من طول البلدين وعرضهما، كان ذلك مخالفا للمذاق المعهود من الشارع، من الاجتناب عن مثل هذه الحسابات و التدقيقات الهيوية، ومن إحالة الأمور إلى العرف دائما أو غالبا. فقد مرت عبارة الفاضل النراقي قدس سره في ذلك.(1)

أقول: لو كان الأمر دائرا بين اعتبار التقارب واعتبار الفلكيات، كان مجالا للتأمل فيما قاله رحمه الله . لكن المسألة كما مر ذات اطراف، إحداها إشتراك البلاد جميعا في تجدد الشهر عند وقوع الرؤية في إحداها.

وفي المقابل، استدل القائلون باشتراك البلاد في تجدد الشهر بأنه لولا ذلك لأذى الأمر إلى الشقاق بين المسلمين، ولا ريب أن الشارع لا يرضى بذلك، بل حث على تسوية صفوف المسلمين. حتى مثل العلامة رحمه الله جعل الحكمة في استحباب الترائي للهلال، في أنه يمنع عن التفرقة والاختلاف. فيقول رحمه الله :

ويستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان وتطلبه؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف.(2)

ص: 203


1- رسائل و مسائل، للفاضل النراقي، 1/ 176 .
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلى،239/9

يقول السبزواري قدس سره:

يمكن الاستشهاد للاعتبار ولو مع اختلاف آفاق البلاد ... بأن عدم الاعتبار اختلاف و شقاق بين المسلمين، والشارع لا يرضى بذلك...

وأئمة الدين عليهم السلام لا يرضون بتفريق المسلمين، ولذلك اهتموا بالتقية اهتماما كثيرا. فكيف يرضون بالتفرقة بين شيعتهم في يوم عيدهم الذي هو أهم الشعائرالدينية والمذهبية، وفي ليلة القدر التي هي أهم المجامع العبادية لبرهم

وفاجرهم؟!(1)

والوحدة كانت مهمة مهتمة بها عند المعصومين علیهم اسلام لحد أمروا مواليهم بأن يصومو ويفطروا مع العامة.

يقول الباقرعلیه السلام: صم حين يصوم الناس، وأفطر حين يفطر الناس؛ فإن الله عزوجل جعل الأهلة مواقيت.(2) أقول: وحدة صفوف المسلمين أمر نسبي. يمكن أن يراد الوحدة بالنسبة إلى جميع الأصقاع ويمكن أن يراد بالنسبة إلى كل بلد على حده. لكن الاتحاد البلدي وإن كان يؤدي إلى مطلوب الشارع في الأيام الماضية، لكن اليوم وفي عالم الارتباطات الإلكترونية لا يؤدي إليه قطعا.

ص: 204


1- مهذب الأحكام، للسبزواري، 10 / 276
2- وسائل، للحر العاملی، 10 / 293
السكوت في مقام البيان

استدل طرفي البحث، من يشترط التقارب ومن ينفيه، بسكوت المعصوم علیه السلام في مقام البيان وفي موضع الحاجة والعمل.

فقال مشترطي التقارب، ردا على القول باشتراك تجدد الشهر بين البلاد المتباعدة إذا اتفقا في الأفق، أن تشخيص الاتفاق والاختلاف في الأفق مما يتوقف على حسابات هيونية وفلكية. فلو كان ذلك طريقا في ثبوت الشهر، لكان لازما على المعصوم أن يبينه . لكنه سكت عن مثله، بل نطق بالحصر في غيره.

يقول العلامة رضوان الله علیه التذكرة:

ولو كان قول المنجم طريقا دليلا على الهلال، لوجب أن يبينه علیه السلام للناس، لأنهم

في محل الحاجة إليه،ولم يجز له علیه السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة...(1)

وكذا السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله يستند في هامش رسالته حول مسألة رؤية الهلال، بعدم نقل رواية تدل على «الأمر بالقضاء حسب الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدات». فأراد بهذا هدم ما تباه السيد الخوئي رحمه بخصوصه. فقال:

ومما ينبهك ويسددك ويؤيدك على هذا المرام الذي بيناه: أنه لم ير من النبي صلی الله علیه واله ولا من الأئمة المعصومين سلام الله علیهم اجمعین في طوال القرون الثلاثة، الأمر بقضاء صوم أهل بلدانهم من مكة والمدينة والكوفة وبغداد وسر من رءآه وطوس؛ مع إمكان دعوي العلم الإجمالي برؤية الهلال في بلاد المغرب قبل رؤية أهل بلدهم بليلة واحدة في طول هذه المدة أزيد من ألف مرة؛ وصل إليهم الخبر بعد زمان أم لم یصل.

ص: 205


1- تذكرة، للعلامة الحلي، 6/ 137.

وذلك لأن العلم الإجمالي منجز للتكليف، فعلى عهدة كل أحد في مدة عمرہ قضاء أيام من الصيام حسب علمه إجمالا برؤية من تقدمه من بلاد المغرب؛ وحيث لم يكن في الروايات والتواريخ والسير عين ولا أثر من الأمر بقضاء الصيام بالعلم الإجمالي، علمنا عدم وجود تکلیف برؤية من تقدمهم بالرؤية.(1)

وفي المقابل، أقدح القائل باشتراك البلاد في تجدد الشهر في قول من يشترط الرؤية البلدية أو التقارب، بأنه لو كان مثل هذا القيد دخيلا في المسألة، ما ساغ للمعصوم علیه السلام أن يسكت عن مثله والناس محتاجون إليه في مقام العمل. فإنه ما سکت عن باقي القيود والشرائط المحتملة مثل الغيم أو وقوع العلة في السماء، فلماذا سکت عن هذا؟! ولماذا ما وصل إلينا فيها حتى رواية ضعيفة؟!

يقول السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره:

ليس في الأخبار التي عندنا اسم من اتفاق الأفق في البلاد واختلافه، فتكفي رؤية الهلال في بعض البلاد للبعض الآخر في الأول دون الأخير (أي أول الشهر دون آخره)، ولم نظفر على هذا التعبير أو ما يقاربه في الأخبار بشيء. نعم، ذكر فيها الغيم والعلة في السماء. ولو كان للتقارب دخل في الحكم أو الموضوع لأشيرإليه في خبر من الأخبار.(2)

ويقول السيد الخوئي قدس سره:

... هذا، مضافا إلى سكوت الروايات بأجمعها عن اعتبار التحاد الأفق في هذه المسألة، ولم يرد ذلك حتى في رواية ضعيفة.(3)

ص: 206


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني، الهامش المرقوم ذیلا لصفحة 165.
2- مهذب الأحكام، للسبزواري، 10/ 273.
3- منهاج الصالحين، للخوئی، 1/ 283.
الأصل في المسألة

المسألة محل جریان ثلاثة من الأصول العملية؛ البرائة والاستصحاب والاحتياط .أما البرائة؛ فبالمنع عن استقرار التكليف بوجوب الإمساك أو حرمته - الأول الأول الشهر والثاني لآخره- ما لم يتيقن باستقرار التكليف بتحقق الموضوع وهو الشهر، المشكوك ثبوته بالرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة. فيكون ذمة المكلف بريئ عن جديد التكليف. يقول السيد عبد الأعلى السبزواري رحمه الله في بيان الأصل الأولي في المسألة :

فمقتضى الأصل عدم صحة ترتب آثار الأولية والآخرية (أي أول الشهر وآخره) - بواجباتها ومندوباتها، ومكروهاتها، ومحرماتها- بالنسبة إلى الأول والآخر، الفرض عدم ثبوتها بحجة معتبرة، كما هو الشأن في جميع موارد الشك في الموضوع.هذا إذا لم يستظهر من الأخبار ما ينافيه، وإلا فهو المتبع لا محالة.(1)

وأما الاستصحاب، فإبقاء أحكام شعبان على حالها ما لم يثبت شهر رمضان، ثم الاستمرار على جري أحكام رمضان ما لم يثبت الشوال.

يقول العلامة الحلي رحمه الله:

لو لم ير (الهلال) أصلا وغم على الناس، أكملت عدة شعبان ثلاثين يوما ... لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان وقد اعتضد بعدم الرؤية(في البلد - وهي القدر المتيقن من حجية الرؤية - وأما الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة مشكوك في حجيتها)، فيكون باقيا ظنا، فيعمل عليه.(2)

ص: 207


1- مهذب الأحكام، للسبزواري،270/10
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلى، 9/ 237 إلى 239.

أما الاحتياط، واعلم أن المحقق السبزواري رحمه الله بعد ما جعل البرائة هو الأصل الأولي الذي يرجع إليه عند فقد الدليل من المأثورات، وبعد فحص الآيات والروايات واليأس عما يركن إليه نفسه، مال إلى الاحتياط، وقال:

والمسألة عندي محل إشكال لفقد نص واضحة، واحتمل الدلالة على حقيقة الحال (أي احتمل أن الذي حققته وظفرت عليه هو المقصود للشارع)، وينبغي أن لايترك الاحتياط في أمثال هذه المواضع.(1)

وللشهيدين وصاحب المدارك رحمه الله أيضا القول بالاحتياط، لكنهم قالوا به فيمايتفرع على القول باشتراط التقارب. فيقول الشهيد الأول رضوان الله علیه:

ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى.(2)

ويقول الشهيد الثاني قدس سره:

والأولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض لعدم النص، وإنما هي أمور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسألة مختلفين فيها.(3)

ويقول السيد محمد الموسوي العاملي، صاحب المدارك رحمه الله:

قال في الدروس:«ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى».ولا ريب في ذلك، لأن المسألة قوية الإشكال.(4)أقول: وليت نفسي تعلم أنه كيف يمكن الاحتياط في مسألة طرفيها الحرمة،حرمة الإمساك وحرمة الإفطار؟! وذلك في مثل عيد الأضحى للحاج.

ص: 208


1- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري، 3/ 532.
2- الدروس، للشهيد الأول،286/1
3- مسالك، للشهيد الثاني،52/2
4- مدارك، للموسوي العاملي، 6/ 173.

الفصل الخامس: المحاكمة بين الأدلة والأقوال

فتحصل لنا من فحص الأدلة بأجمعها أنه ليس في المسألة ما تركن إليها النفس عدا ثلاث طوائف من الآيات والروايات، تدل على إشتراك البلاد في تجدد الشهر. وهي مطلقات الصوم للرؤية، ومطلقات لزوم القضاء عند ما يقضي أهل الأمصار، وأدلة وحدة ليلة القدر.

أما القول باشتراط الإشتراك في الأفق؛ فلم نعثر على ما يسوقنا إليه سوی الأصلين، استصحاب الحالة السابقة والبرائة من الحالة المتجددة. ولا مجال لنا في الرجوع إليهما بعد ما رزقنا الله من الأدلة.

• أما مطلقات الصوم للرؤية؛ فقد سبق منا القول بأنها بأحادها خارجة عن

الصدد الذي نحن نناقش فيه وهو كفاية الرؤية الواقعة في بلد عن باقي البلاد وعدمها. ومن المعلوم من مقدمات الحكمة أنه لابد للتمسك بالإطلاق أن لا يكون مقام النقاش مباينا المقام البيان. فإنه وإن كان الإطلاق من مصادیق الظهور الذي لا يضر ظنيته بحجيته، لكن لابد لانعقاد الإطلاق والتمسك بالظن الحاصل عنه من اليقين بحصول مقدمات الحكمة. وهذا كما إذا احتملنا في رواية أنها صدرت بداعي التقية؛ فلا يجوز للفقيه أن يتمسك بها دليلا، بل يذكرها مؤيدا لما دل عليه الدليل.(1)

ص: 209


1- وكذا قوله تعالی«لایمسه إلا المطهرون»؛ فلو احتملنا أن يرجع الضمير إلى ما هو في الكتاب المكنون، فيكون المقصود من الطهارة طهارة القلب، ومن المساس مس علم القرآن أو حقيقته بالقلب، فلا طريق للاستدلال به على عدم جواز متن خط القرآن لمن يفقد الطاهرة الظاهرية. اللهم إلا أن نتيقن بأن المقام في بيانه تعالی اعم من كلا المسين والطهارتين، أو مختص بالثاني.

اللهم إلا أن يؤسس أصل على خلاف التقية، أو تتوفر عند الفقيه قرائن توقعه في اليقين بانتفاء التقية، ولو اليقين بالمعنى الأعم، المسمى في عرف الفقهاء ب«الاطمئنان». فإن الاطمئنان ليس هو من الظن. ولو سمعت في الألسن أنه«هو الظن القريب من اليقين» فتفطن بأنهم لا يقصدون إلا اليقين بالمعنى الأعم، الذي صاحبه يحسب نفسه واجدا لليقين بالمعنى الأخص دائما. أما توصيفه بالظن - كما هو المشهور - فهو حسب ما يراه غير هذا المتيقن من بعيد، من أنه مع ما عنده من الأدلة والقرائن ما كان يصلح له أكثر من أن يكون ظانا، بينما هو لا يجد في نفسه مجالا لاحتمال النقيض. وهذا مسبب غالبا عن عدم التفات المتيقن إلى بعض الاحتمالات الواردة في المسألة، مضافا إلى كفاية القرائن لانتفاء ما التفت إليه من الاحتمال. فلا يبقى عنده أي احتمال للنقيض، وهذا هو اليقين لكن بالمعنى الأعم.

ومع ذلك كله، يتأتي لنا أن نستدل بمطلقات الرؤية منضمة إلى باقي الروايات الواردة في طرق إثبات الشهر، على أن الرؤية ليست هي إلا أمارة على تجدد الشهر، وليست جزءا للموضوع (أي الشهر) کما لیست شرطا للحكم(أي وجوب الصوم أوالإفطار و...).

فإن الروايات ناطقة بأن الشهر یثبت برؤية الهلال، كما يثبت بقيام البينة على رؤيته، أو بالشياع المفيد للعلم، أو بمضي ثلاثين يوما من شعبان، أو مضي تسعة وخمسين يوما من رجب.

فهذه الروايات مع قطع النظر عن الشأن في صدورها والمقام عند بيانها،تتضمن أن هذه المناطات ليست إلا أمارة مأخوذة على نحو الطريقية، ولا موضوعية لاحدها.

ص: 210

والشاهد على ذلك قبول كل واحدة منها الاستبدال بغيرها. فإن الرؤية مثلا لو كانت جزء موضوع أو شرط حكم، فمن البين أن الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه أو شرطه. فليس أخذها وأقرانها إلا أخذا طريقيا وإنيا، يستكشف من وجودها وجود الشهر؛ بينما «الشهر » هو حقيقة مباينة هذه الأمارات المتأخرة عن مقام الذات.

يقول السيد الخوئي قدس سره:

ويشهد لطريقية الرؤية أيضا أمور. الأول: اعتبار البينة مقامها، فلو كانت جزءا بنحو الصفتية لما استقام قيام البينة مقامها. الثاني: عد الثلاثين إذا لم تتيسر الرؤية والبينة، حيث إنه يوجب العلم بخروج السابق ودخول اللاحق ...(1)نعم، لقائل أن يقول أن هذه المناطات كلها أمارات قابلات لاستبدال أحدها مكان الأخرى ولو بنحو من الترتب(2)، لكنها كلها مبنيات على الرؤية؛ إما الرؤية الواقعة بعيني المكلف في سماء بلدته، أو الرؤية الحاصلة لعدلين، أو الرؤية التي اشتهرت وشاعت بين الناس الغاية وضوحها، أو الرؤية الواقعة في الشهر الماضي أو ما يليه. فالرؤية هي الأساس لتلك الأبدال، ولا بديل لها نفسها. فلا مانع من أن تكون مأخوذة في الموضوع أو الحكم.

يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله في هذا السياق:

ليست الرؤية والبينة متسابقتين إلى إثبات الواقع ... بل الرؤية الوجدانية تعلقت بوجود الهلال، والبينة تعلقت بالرؤية ... ومفادها تنزيل الرؤية التعبدية مقام

ص: 211


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني، 82.
2- فانه لا يجوز الرجوع إلى مضى الثلاثين مثلا إلا عند تعذر الرؤية وانتفاء البينة والشياع.

الرؤية الوجدانية ... بتوسعة دائرة الرؤية التي هي عبارة عن الإبصار بالعيون المتصلة، بالإبصار بالعيون المنفصلة بالجعل التشريعي ... وهنا محل الدقة والنظر، فإنه من مزال الأقدام؛ حيث اشتبه الأمر على كثير من أهل العلم، فادعوا طريقية الرؤية المحضة، بادعاء قيام الأمارات مقامها؛ ولم يتنبهوا للاختلاف بين متعلقيهما.(1)

والجواب عنه، أنه لا يخفى للناظر في الأحكام والفروعات أن الشارع تعالی قد کتب على نفسه أن يسهل على الناس في طريق العبادة. فإنها شريعة سهلة سمحة(2)، مهتمة بالابتعاد عن الحرج.(3)

فهذه مسألة الماء الكر. والكر هو ماء قد بلغ مقداره الف و مأتي رطل عراقي(4)، لكنه لما كان يصعب على الناس أن يقدروا الماء حسب الرطل مع ابتلائهم به في يومهم

ص: 212


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 152.
2- عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.قَالَج:«َاءَتِ اِمْرَأَةُ عُثْمَانَ بن مظعُوني إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلي اَللَّهِ عليه واله فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عُثْمَانَ يَصُومُ اَلنَّهَارَ ويقوم اللَّيْلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ مُغْضَباً يَحْمِلُ نَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ رَأِيَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّيَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عُثْمَانُ لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ ولكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَيَّةِ السَّهلَةِ السَّمحَةِ أَصومُ وَأُصَلّي وَأَلمِسُ أهلِي فَمَن أَحَبَّ فِطْرَتي فَلَيَستَن بِسُنَّتي وَمِن سُنَّتِي النِّكاحُ»(الكافي، للكليني، 5 / 494)
3- قَالَ اللَّهُ تعالی:«وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(الحج، 78)
4- عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ،عَيْنُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،قَالَ:«الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ أَلْفُ مِائَتَا رِطْلٍ»(الكافي،للكليني، 3/ 3)وقد اختلف القوم في تعيينه حسب الكيلوغرام بين ما اقله376kgوأكثره 480kg بالتقريب.

وليلتهم، شتائهم وصيفهم، وفي سفرهم وحضرهم و... فأبدله الشارع بما هو متاح لهم في كل الأحوال وهو الشبر. فجعل الكر ما كان كل من طوله وعرضه وعمقه3/5 أشبار(1).ولو جعلنا كل شبر يعادل 20 إلى 22cm فيكون وزن الكر شيئا بين 343 و343وkg 456/5.(2)وهذا قد يكون أقل من أقل ما قاله الفقهاء، ويكون متأثرا عن حرارة الماء. ثم أضف إلى ذلك عدم انضباط الشبر بين الأشخاص. ومع هذا كله جعل الشارع الشبر المتاح بديلا للوزن المنضبط الشاق. وما ذلك إلا للتسهيل.

هذا نموذج من هذا الديدن للشارع. وللمتأمل أن يفحص الأحكام والفروعات حتى يظفر على عديد من أشباه ذلك. فمثل هذه الطرق لا يعقل أخذها في الموضوع. والذي يبدو لنا أن الرؤية أيضا من تلك الطرق المشروعة للتسهيل.

يقول السيد الخوئي قدس سره:

وإنما أخذت (الرؤية) طريقة لأنها أتم واسهل واعم وصولا لكل أحد، إلى إحراز الهلال المولد للشهر الذي هو تمام الموضوع.(3)

ص: 213


1- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامِ عَنْ الکر مِنَ الْمَاءِ : کم یکون وَ قَدَّرَهُ ؟ قَالَ : « إِذَا كَانَ الْمَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْبَارٍ ونضفا فِي مِثْلِهِ ثلاثه أَشْبَارٍ وَ نِصْفٍ فِي عُمْقِهِ فِي الْأَرْضِ ، فَذَلِكَ الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ »(الكافي، للكليني،3/3)
2- فلحسابه نقول: أنا لو فرضنا1000cm=1kg، و هو هكذا لو كان حرارة الماء تعادل 4°c. فإن الحجم يتأثر عن التمدد و التقلص (انبساط و انقباض)بمفعول الحرارة.
3- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 82.

لكن السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله أشكل على الاستدلال بأنه نعم، سهولة الرؤية تكشف عن سبب أخذها في التشريع، لكن لا تكشف عن كيفية أخذها. فيمكن أن تأخذ تسهیلا بمثابة الطريق إلى الموضوع، كما يمكن أن تأخذ تسهیلا بمثابة نفس الموضوع. فقال قدس سره:

وكونها (أي الرؤية) أتم وأسهل وأعم لكل أحد، إنما هو الداعي إلى جعلها موضوعا واحدا فاردا في عالم الجعل والإنشاء، و واسطه في الثبوت؛ لا أنها طريق إلى إحراز الهلال المولد للشهر الذي هو تمام الموضوع.(1)

فنقول بلي؛ ولكن لنا شاهد على أن الرؤية أيضا ليست هي المناط المعلق عليه الحكم بل علامة كاشفة عن المناط؛ والشاهد هو أن الروايات الحاكمة بلزوم الرؤية ليست في مقام تعريف الشهر، بل في رفض بعض الطرق الباطلة كالعدد والجدول، أو في الرد على الظن والحث على اليقين. أضف إلى ذلك تضاعيف من العبارات التي أسلفناها(2)عن الفقهاء القاضين بأمارية الرؤية وعلامیتها عبر نظرتهم في الروايات.

وإذا لم تكن الرؤية مطلقا مأخوذة في المناط فاين المقيد للشهر بها من الأدلة ؟!أضف إلى ذلك أن الظاهر من طريقة عد الثلاثين من الشهر السابق للحكم بإثبات تجدد الشهر، أنها طريقة في عرض الرؤية ولا في طولها.

ثم اعلم أنه لا مجال للقائل باشتراط الإشتراك في الأفق من ادعاء حصر مثبتات الشهر عند الروايات في غير الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة. فإن الحصر في الأماراة لا تسقط المناطات الحقيقية عن كونها مناطا.

ص: 214


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهراني ، 100.
2- راجع إلى صفحة 124 وما بعدها

وأما مطلقات لزوم القضاء عند ما يقضي أهل الأمصار؛ فإنها صحاح بلغتحد الاستفاضة ودلت بإطلاقها بل بعمومها على «لزوم القضاء على المكلف بشهادة عدلان من جميع أهل الصلاة. فلو شهد أهل بلد آخر أي بلد كان على أنهم رأوه فيجب القضاء».

وانصرافها إلى البلاد المتقاربة ممنوع لابتنائه على الندرة الوجودية ولمنع الندرة كما سبق. أما التفصيل بين موجب الفطر وموجب القضاء احتياطا، واختصاص هذه الروايات بالثاني، فهو کما مر خروج عن الأصل لا عن مبرر.

ويبقي هنا إشكال عن السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله وهو هذا: روایات القضاء وإن دلت على كفاية الرؤية الواقعة في البلاد النائية وتنجز القضاء بها، لكن لا تزاحم لزوم الرؤية البلدية؛ بل توسع في مصاديق الرؤية البلدية و تجعل رؤية الأبعدين تعبدا مصداقا لرؤية القريبين. فلزوم القضاء بالرؤية الواقعة في جميع البلاد لا ينافي لموضوعية الرؤية البلدية ولا يجعلها طريقا. فهو يقول:

(لابد من)الجمع بين الأخبار المستفيضة بين الخاصة والعامة الدالة على لزوم الرؤية في دخول الشهر، والأخبار الدالة على لزوم القضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر ...

وهذا الجمع ... بنحو الحكومة لا التعارض؛ لأن أخبار وجوب القضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر، حاكمة على الأخبار الأول الدالة على لزوم الرؤية؛ حيث إنها تحكم عليها بتوسيع دائرة الرؤية، وأنها غير مختصة برؤية أهل البلد؛ بل الرؤية أعم من رؤيتهم ورؤية غيرهم. ولهذا نلتزم بأن الحكم بالقضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر، لدلالته على تحقق الرؤية في هذا البلد تنزيلا.(1)

ص: 215


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني ، 58.

أقول: يلاحظ عليه من ثلاثة أوجه:

الأول عدم التسليم بدلالة الروايات على لزوم الرؤية البلدية أو ما في حكمها، حتى يكون جمعها مع روایات القضاء بنحو الحكومة. فإن هذا الادعاء نفسه مصادرة.

يقول السيد الخوئي قدس سره:

ان الارتكاز الذي استفيد من دلیل لزوم الرؤية إنما هو على الطريقية كما بينا، وكونها موضوعا إنما كان بدعوي منك فقط، فأخذها في المدعي لإثبات الانصراف بها مصادرة بينة في منع أخبار البينة.(1)

الثاني، عدم التسليم لجريان الحكومة في المقام. يقول السيد الخوئي قدس سره:

فإن هذه الأحكام جميعا وإن أمكن تخريجها على أساس الحكومة ونحوها کما أفيد، إلا أنه لا إشكال في أنه خلاف ظاهر الأدلة؛ بمعنى أن العرف يستفيد من مجموعها أن الرؤية مجرد طريق لإثبات الشهر وليست مقومة له. والوجه في ذلك أن الحكومة والتنزيل مؤونة زائدة لابد في مقام استفادتها من دليل أن يكون ذلك الدليل واضح الظهور في كونه بصدد التنزيل والحكومة. و مجرد معقولية الحكومة ثبوتا لا يشفع لاستفادتها إثباتا كما هو واضح.(2)

الثالث: حتى لو سلمنا الحكومة، لكن لا نرفع اليد عن مرامنا وهو كفاية الرؤية الواقعة في البلاد المتباعدة عن الاستهلال في بلد المكلف وما يقربها. فإن موضوعية الرؤية البلدية بعد مثل هذا التوسع لا تنافي كفاية الرؤية الواقعة عند الأبعدين.وبعبارة أخرى إن هذا الإشكال عدول عن الموضوعية إلى الطريقية.

ص: 216


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني ، 83 .
2- نفس المصدر، 119.

يقول السيد الخوئي رحمه الله:

أن هذه عدول عن الموضوعية إلى طريقة الرؤية، بدعوي حكومة البينة بوجود المرئي في الأفق، أي أفق المكلف، وإن لم يره كما (یری) في النظير.(1)(النظير هوالأفق القريب المماثل للأول غالبا في إمكان الرؤية.)

وأما أدلة وحدة ليلة القدرة الأظهر عندي في تفسير الآيات بالنظر إلى النصوص والظواهر والقرائن، المتصلة منها والمنفصلة ثم العقلية والنقلية، ثم اللفظية والمعنوية، أن ليلة القدر التي تكتب فيها البلايا والمنايا والأرزاق والأمراض هي ليلة الكرة دون البقاع فتكون ذات اربع وعشرين ساعة، وتكون متفردة بالإضافة إلى جميع البلاد، منفردة في كل سنة، متكررة كل سنة، وبناءا على هذا فلا ضير في التمسك بوحدة ليلة القدر على وحدة مبتدئ الشهرومنتهاه.

يقول السيد الخوئي رحمه الله:

فلا ريب في أن ليلة القدر التي يستفاد من الكتاب والسنة أن فيها تقدیر حوادث السنة، ليست إلا ليلة واحدة شخصية، لا الليل الكلي القابل للصدق على الكثير ولا نفس جزئیات ذاك الكثير حسب كل أفق وصقع، بل هي الواحدة المحدودة بتمام دور الأرض، بظلها الليلي كما قدمنا.

وكذا يوم العيد لجميع المسلمين المشار إليه بلفظ «هذا» المفيد للجزئية الشخصية المضافة لجميع المسلمين، لا يلائم إلا ذاك النهار الواحد المحدود بتمام دوره النهاري.(2)

ص: 217


1- نفس المصدر، 83.
2- نفس المصدر

فلا دخل للرؤية في ثبوت الشهر بل هي إحدى الطرق لإثباته فقط. ومن الشواهد على ذلك إفتاء الفقهاء - ولو المشترطين منهم للرؤية- حسب مايتلقونه من الروايات بأن المراد من الرؤية ليس وقوعها بل إمكانها لولا المانع. فاذا أمكن الرؤية في بلد وإن لم ير الهلال فيه لمانع، من سحاب أو ضباب، أو جبال راسيات أو تلل شاهقات، أو أبخرة وأغبرة غليظة أو غازات متراکمات لا مانع من ثبوت الشهر؛ ولو لم ير الهلال في تلك البلد.

فكما عدم رؤية الهلال الحاصل من اختفاء القمر وراء السحاب مثلا لا يمنع عن الإشتراك في الحكم، فكذلك اختفاء القمر وراء حدبة الأرض أيضا لا يمنع عن الإشتراك في الحكم. غاية ما يحتاج إليه إمكان الرؤية وهو معلوم ولو عن حسابات هوية.

ثم يمكن تقوية القول باشتراك البلاد في تجدد الشهر بما قاله السيد الخوئي قدس سره:

إنكم إما تعتبرون الرؤية الخارجية بالفعل، أو تكتفون بالرؤية التقديرية أيضا، بمعنی صدق القضية الشرطية القائلة: إنه لو استهل الناس ولم يكن حاجب كالغيم مثلا لرئي الهلال.

فإن التزم بالأول، لزم القول بعدم دخول الشهر ولو علم بوجود الهلال في الأفق بنحو قابل للرؤية ولكن قد حجبه غیم مكثف عن تحقق الرؤية خارجا. كما لو علم بذلك نتيجة رصده في السماء أو تشخيصه بالأجهزة الحديثة التي تخرق حجاب الغيم، أو افترضنا إخبار معصوم لنا بذلك. والالتزام بهذا بعيد جدا. ومن يخالف لا ينبغي أن يكون خلافه کبرويا، بل في الصغرى والمنع عن إمكان تحصيل العلم بوجوده كذلك في الأفق.

ص: 218

وإن التزم بكفاية الرؤية التقديرية، كان ذلك عبارة أخرى عن إلغاء دخالة الرؤية في تكون الشهر، وحملها على الطريقية المحضة إلى بلوغ الهلال في نفسه مرتبه قابلة للرؤية في السماء.(1)(وهذا هو المطلوب)

ويمكن تضعيف القول باشتراط إشتراك البلاد في الأفق بقول آخر منه قدس سره الشریف:

إن الاشتراك في الآفاق، لا نفهم له معني محددا محصلا.... إذ ربما يكون خروج القمر عن تحت الشعاع مصادفا في شهر لنقطة من سطح الأرض حين مغيب الشمس فيها، بنحو یري الهلال منها غير ما يصادفه في الشهر الآخر، نتيجة اختلاف ميلان الأرض وحركتها المحققة للفصول، أو نتيجة اختلاف بروج القمر وميلانه، أو لغير ذلك من العوامل؛ فيلزم أن يكون بلدان بعينهما مشتركين في أفق واحد في شهر وغير مشتركين في شهر آخر.(2)(وتحويل الإشتراك إلى الإشتراك في مطلع الشمس ومغربها أيضا لا يشفي. لأنه أيضا لا يكون ثابتا طيلة السنة إلا بالتقريب و النظر العرفي) (راجع الصور والرسوم البيانية - الرقم 29في صفحة 289)

فخرجنا بأنه تتجدد الشهر بخروج القمر عن المقارنة بل عن تحت الشعاع. ولا يلزم في إثباته تحقق الرؤية في بلد المكلف وفي أي بلد آخر. بل يكفي فيه وقوع العلم بخروج القمر عن تحت شعاع الشمس بنحو يمكن رؤيته لو اردنا الاستهلال في البلدة المحاذية للقمر حين خروجه لو لم يكن هناك مانع. وذلك قد يتحقق بوقوع الرؤية، كما قد يتحقق بالحسابات الحيوية وغيرها. فنستكشف بوقوع الرؤية عن الخروج کشفا يقينيا، وحصول اليقين هو الضابط. فعند حصول الرؤية في صقع من أصقاع الأرض تثبت الشهر لباقي البلاد التي تدخل معه أو من بعده في منطقة الليل، من غير حاجة إلى استهلال جدید؛ سواء اشتركت تلك البلاد مع بلد الرؤية في جزء من الليلأم لا.

ص: 219


1- نفس المصدر، 120 و121.
2- نفس المصدر، 122.

ص: 220

الفصل السادس؛ في الذب عما توهم على المختار

اشارة

اعلم أن هناك موسوعة من الإشكالات أفادها السيد محمد حسين الحسيني الطهراني رحمه الله في ثلاث رسائل أرسله إلى أستاذه السيد الخوئي رحمه الله ناقدا فيهن المرامه الذي هو نفس مرامنا. والسيد الخوئي أجاب عن الرسالتين الأوليين وأهمل عن الثالثة؛ ولعله لأنها كانت استجوابا عن رسالة كتبها أحد الأفاضل من تلامذة السيد الخوئي(1)تفضيا عن إشكالات السيد الحسيني الطهراني رحمهم الله. وعلى أي حال فقد أطول هناك المقال في تشييد المذهب المشهور، وفي النقد والنقاش فيها اردنا اختياره، بمالا مزيد عليه. فما استغنينا عن أن نطالع فيما أفاده رحمه الله وإن لم يتوسع لنا التعرض لتمامه . فقد أجبنا عن بعضه في حوايا البحث وسنجيب عن بعضه هاهنا. وما يبقي منه فنستعين من نباهتك أيها القارئ الذكي - حفظك الله بحفظه الجميل - على الأجابة عنه؛ ونظن كفاية ما قلناه عما أسقطناه. فنقول وبالله المستعان.

ص: 221


1- يقول السيد الحسيني الطهراني في مطلع الرسالة الثالثة متوجها للسيد الخوئي رحمهم الله:بعد التحية والإكرام ... قد افتخرت باستلام كتابك المبارك ... وكانت معه رسالة صدرت من بعض الأفاضل من العلماء حفظه الله بأمر السيد الأستاذ، جوابا عن بعض ما حرره ثانيا ... فلما كان بعض ما أجاب به في هذه الرسالة غير مستند إلى المقدمات البرهانية، وبعضه ناشئا من عدم التأمل والدقة في ما أوردناه في الموسوعة، استجزت من جنابك أن أكتب جوابا عما أورده. (رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 129)
الأول

فلما جعلنا تجدد الشهر منوطا بخروج القمر عن تحت الشعاع ومع هذا قلنا بكفاية إمكان الرؤية دون تحققها، فاشكل السيد الحسيني الطهراني رحمه الله بأن خروج القمر عن تحت الشعاع لا يستلزم أن تصير الرؤية ممكنة. فقال رحمه الله ما ملخصه:

الأمور الدخيلة في إمكان رؤية الهلال في أول الشهر الهلالي وجوه :(1)

ص: 222


1- پارامترها و عوامل نجومی مهم در رویت هلال:1-زمان مقارنه (لحظه برابر شدن طول سماوی ماه وخورشيد) 2-سن هلال3-جدایی زاویه ای ماه و خورشید ( حد دانژون)4-اختلاف سمت ماه و خورشید در زمان غروب خورشید5-ارتفاع هلال6-مكث ماه7-ضخامت هلال8-فاز هلال9-طول كمان هلال 10-زاویه توجیه هلال با افق 11-موقعیت جغرافیایی ناظر (بدلیل ارتباط مستقیم پارامترهای رویت با مختصات جغرافیایی)12-عرض دايرة البروجی ماه13-در اوج یا حضیض بودن ماه14-عوامل محیطی (ابر، دما، فشار و رطوبت، وجود گرد و غبار) ها 15-قدرت ابزار اپتیکی در صورت لزوم استفاده از ابزار16-قدرت تفکیک چشم ناظر17-اطمینان پذیری حواس و چشم (هلال باید چندبار ودر حد چند ثانیه رویت شود، برای حصول اطمینان توصیه می شود چندبار چشمان خود را باز و بسته نمایید و روی تصویر متمرکز شوید)18-زوال خورشید(زاویه ارتفاع منفی خورشید که نشان دهنده میزان تاریک شدن آسمان می باشد، بعنوان پارامتر زوال در رویت پذیری اهمیت پیدا می کند.) زیاد بودن ارتفاع ماه در هنگام غروب خورشید، زیاد بودن اختلاف سمت ماه و خورشید در هنگام غروب خورشید، زیاد بودن مدت زمان مکث، زیاد بودن سن ماه، زیاد بودن فاز هلال، زیاد بودن ضخامت میانی، مثبت بودن عرض دايرة البروجی، و در حضیض بودن ماه، موجب آسان شدن رویت می شود. و بر عکس: کم بودن ارتفاع ماه در زمان غروب خورشید، کم بودن اختلاف سمت ماه و خورشید، کم بودن سن هلال، کم بودن مدت زمان مکث، کم بودن فاز هلال، کم بودن ضخامت میانی، منفی بودن عرض دایرة البروجی، و نهایتا در اوج بودن ماه، موجب دشوار شدن استهلال می شود.

الأول: اختلاف البلاد طولا. الثاني: اختلاف البلاد عرضة. وهذا من ثلاث جهات: الجهة الأولى بعد الشمس عن المعدل وقربها منه (أي اختلاف میلها عنه)، الجهة الثانية : بعد القمر عن المنطقة (أي اختلاف عرضه عنها)، الجهة الثالثة: قدر اضطجاع مدار حركة القمر عن الأفق بالنسبة إلى بلد الرؤية. الثالث: الأوضاع الفلكية وهي أمور: الأمر الأول بعد تقويم القمر عن تقويم الشمس المعبر عنه بالبعد السوى(1)(أو البعد الزاوي)، الأمر الثاني بعد مغرب القمر عن مغرب الشمس زمانا المعبر عنه بالبعد المعدل، والثالث ارتفاع الهلال من الأفق الذي يوجب سهولة الرؤية لكنه ليس بحذاء البعد السوي والبعد المعدل، بل هو أمر تابع لمقدارهما . الرابع: العوامل الفيزيائية؛ هذا مضافا إلى جهات أخرى غير مستمرة، مثل السحب والغيوم والرياح الموجبة لكدورة الهواء وتضريس بعض الأراضي والجبال وكلالة البصر.(2)

ونجيب عنه بأننا کما سبق نقول باشتراط الإمكان للرؤية ونلتزم با يشترط فيهاولو بألف شرط.

ص: 223


1- بالضم والقصر
2- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسینی الطهران، 29 إلى 34
الثاني

ثم يقول رحمه الله بأنكم اشترطتم الإمكان في الرؤية دون تحققها وهو أمر غير منضبط؛ ولا يتأتى لنا اليقين به أي بإمكان الرؤية. ومن ثم فلا يمكن تعليق الحكم على موضوع لا طريق للمكلف للعلم به. فيقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله :

ان متقدمي علاء النجوم، أعرضوا عن تخريج ضابطة كلية لرؤية الهلال في جميع الشهور؛ وذلك لتعذر تعيين ضابطة كلية للأهلة، من حيث البعد السوي والبعد المعدل والارتفاع وانحرافه عن مغيب الشمس ومكثه فوق الأفق، وسائر الجهات الفلكية التي لا يمكن إدراج جميعها تحت قاعدة كلية أبدا.

وأما متأخروهم (نحو المحقق الطوسي على ما أثر منه في زيج إيلخاني) فقد أتعبوا أنفسهم في تخريج هذه الضابطة، لكن لم يأتوا بشيء في المقام؛ وكل ما أوردوه ناقص مراعي فيه بعض الجهات دون بعض ... فإذا تعيين الضابطة الكلية الحقيقية لرؤية الهلال عند المنجمين، من الأمور المستحيلة؛ نعم لا بأس بما ذكروه على سبيل التقريب.(1)(فإنه ولو جعلنا الإمكان مناطا لتجدد الشهر، لكن عندما لا يعلم المكلف به إلا بعد الرؤية، فما الفائدة في مثل هذا التشريع؟ وما الداعي إلى مثل هذا النزاع ؟)

و الجواب هو ما نقلناه سابقا عن السيد أبوتراب الخونساري رحمه الله ، من حصول الإطمئنان بل اليقين من استخراج الهيويين. فهو يقول:

إنما هي مفيدة للقطع لهم غالبا؛ لكونها قواعد مضبوطة حسابية مبرهنة ببراهين هندسية منتهية إلى الحس والوجدان. نعم، قد ذكرنا سابقا أن الحكم بإمكان الرؤية بعد استخراج مقدار البعد أمر راجع إلى الحدس والتجربة، وهو قد يكون ظنيا وقد يكون قطعيا على حسب تفاوت كمية مقدار البعد المستخرج.

وكيف كان، فهو لأهله قطعي في كثير من الشهور غالبا ...(2)

ص: 224


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 34 و 35 .
2- سبل الرشاد، لأبي تراب الخونساري، 98 إلى 113.
الثالث

ويقول لا ريب في أن الشهر الشرعي لا يغایر ما هو عند العرف شهر. فلما يكون جعل الخروج عن المحاق مناطا في تجدد الشهر مغايرا لما تبناه العرف، فلا يمكن أن يكون ذلك مناطا في الشهر الشرعي. ثم بين المغايرة بين المختار والمتعارف عن وجهين.الأول: لو كان الخروج من المحاق مناطا دون الرؤية، لما تحقق شهر ثلاثوني ولا تسعة وعشروني أبدا. إذ الفاصل بين الخروجين ليس 29 أو 30 يوما بالضبط، بل29/53059يوما. فيقول السيد الحسيني الطهراني من رحمه الله:

لرؤية الهلال الدالة على كون القمر فوق الأفق دخلا في تحقق الشهر الهلالي وإلا لم يتحقق شهر ثلاثوني أبدا ولا شهر تسعة وعشروني أبدا، لما عرفت من أن الشهرالقمري يكون 29 يوما و 12 ساعة و44 دقيقة (في المتوسط).(1)

الثاني: قد سبق أن الأيام والشهور في كل تقویم قمري لابد وأن يبتدأ بالليل؛ وهذا ما تسالم عليه العرف. فلو جعنا الشهر مبتدئا من حين خروج القمر عن المحاق، فقد حكمنا ببدو الشهر في آن قد يتأخر بساعات عن بداية الليل، بل ببدايته من وسط النهار احيانا ! يقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله:

اتفقت الأمم والأقوام الذين كانوا قبل الإسلام ومنها العرب الجاهلي الذين كانوا يتمسكون في تواريخهم بالشهور القمرية وسنواتها، وبعد الإسلام إلى حد الآن على أن مبدأ كل شهر هو رؤية القمر بعد خروجه عن تحت الشعاع. وذلك لا يكون إلا في وقت غروب الشمس في اليوم التاسع والعشرين أو الثلاثين؛ وبذلك يدخل الشهر اللاحق الذي مبدؤه أول دخول الليل. وبهذه المناسبة يجعلون ليلة كل يوم، الليلة التي قبله لا الليلة التي بعده.

ص: 225


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 37.

... فإذا جعلنا مبدأ الشهر هو خروج القمر عن تحت الشعاع مثلا - وهو أمر وحداني في جميع العالم - فربما يخرج القمر عن تحت الشعاع بعد ساعة من الليل، وربما بعد ساعتين أو بعد ثلاث ساعات ...(1)(فلا يبتدأ الشهر من أول الليل بل من اثنائه وهذا مخالف لما تعارف عليه المسلمون بل جميع الملل والأقوام)

ويجاب عن كلا الوجهين بأننا نشترط في تجدد الشهر مضافا إلى خروج القمر عن تحت الشعاع، أن تكون البلدة حين خروج القمر من المحاق واقعة في الليل أو واردة فيه من بعد الخروج. فالبلاد على ثلاثة أقسام: الأول ما كانت حين خروج القمر من المحاق، محاذية للقمر أخذة في الورود إلى الليل، والأمر فيها سهل. والثاني ما كانت حين خروج القمر قد مضت من ليلتها بعض من الزمان. فتكون تلك الليلة من بدايتها مبتدأ للشهر. والثالث ما كانت حين الخروج سارية في نهارها. فيتجدد الشهر لها من بعد ورودها في الليل من غير حاجة إلى استهلال جديد.

فإنه وإن كان خروج القمر من المحاق بالنسبة إلى بعض البلاد في أثناء الليل أو في أثناء النهار، لكن الشهر يتجدد من ابتداء اليل، إما الليلة التاسعة والعشرين وإما الثلاثين. ولا يبتدأ الشهر من أثناء الليل. فلا خلاف للعرف .

ص: 226


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 36 و 37.
الرابع

لو سلمنا تقييد خروج القمر عن المحاق بوقوع البلد في الليل، فيبقي بعد إشكال؛ وهو أن البلاد الواقعة في منطقة الظلام في شرق بلد الرؤية، قد بدأت ليلتها من قبل خروج القمر من المحاق بمدة ربما تبلغ عشرين ساعة. فالحكم ببدو الشهر من بداية الليل في تلك البلاد، يوجب التسليم بتجدد الشهر قبل أن يخرج القمر من المحاق بساعات. هذا خلاف للفرض، و موجب لأن يتداخل الشهران.

يقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله :

القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق يستلزم افتراض ليلة أول الشهر واحدة في جميع النواحي التي تحل بها الظلمة من الكرة الأرضية، فيؤدي إلى أن يكون الليل في الناحية الواقعة شرق منطقة رؤية الهلال منذ بدايته ليلة أول الشهر -مع أنه في بدايتها التي قد يكون قبلها باثنتي عشرة ساعة فما دون - يكون القمر لا يزال تحت الشعاع، فلابد وأن يحسب من الشهر القادم مع أن القمر حینئذ في المحاق.(1)

أجاب السيد الخوئي رحمه الله عن هذا الإشكال بجوابين.

الأول جواب نقضي يعلن عن كون الإشكال مشترك الورد على المبنيين. فعلي المشهور، لو فرضنا بلدة مشتركة الأفق مع بلد الرؤية، لكنها على خط طول آخر في شرق بلد الرؤية، أو على نفس الطول لكن في عرض أقرب إلى القطب الشمالي في الشتاء، فلا يرى الهلال في تلك البلدة في أول ليلتها؛ ومع ذلك يحكم المشهور حسب إشتراك أفقها مع بلد الرؤية، ببداية الشهر لها أيضا من بداية الليل. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 30 في صفحة 289)

ص: 227


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 161.

و الثاني جواب حتي ينطق بأننا لا نسلم بلزوم مقارنة بداية الشهر (أي آن خروج القمر) مع بداية أول ليلة من الشهر. فالعرف لو وصف ليلة بأنها هي الليلة الأولى من الشهر، ليس معناه أن في بدايتها رؤي الهلال ضرورة، بل بمعنى أنها لم يسبق عليها ليلة من الشهر الجديد، وبعدئذ لا يهم في أوليتها بالنسبة إلى الشهر أنه هل رؤي الهلال من بدايتها أو من اثنائها. فرؤية الهلال في أي ساعة من الليل تحققت تجعل اليوم الآتي أول يوم من الشهر.

والشاهد على أنه لا يلزم لكون ليلة أول شهر أن يرى الهلال من بدايتها، ما سیجیئ من الروايات في الإشكال العاشر، الناطقة بأنه قد يرى الهلال في النهار وقبل الزوال، ومع ذلك يعد اليلة السابقة عليه أول ليلة من الشهر.

يقول السيد الخوئي قدس سره:

فهذه المشكلة أولا لا تختص على القول بالرأي المختار، بل يمكن إيرادها على القول بلزوم الاشتراك في الآفاق أيضا. وذلك فيما إذا افترضنا أن «خروج الهلال عن الشعاع بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة» قد صادف المغرب في نقطة من سطح الأرض، مشتركة في الأفق مع نقطة أخرى واقعة على خط طول آخر يحل فيه غروب الشمس من قبل؛ فإنه(1) مثل هذه الفرضية سوف يكون خروج الهلال عن تحت الشعاع بالنسبة إلى النقطة الثانية بعد المغرب فيها بزمان، مع أنه من بداية الليل يعتبر من الشهر اللاحق.

وثانية حلها: أن رؤية الهلال في نقطة من الأرض عند غروب الشمس فيها إنما يوجب الحكم بأن النهار القادم بعد ذلك الليل من الشهر القادم، بالنسبة إلى تمام

ص: 228


1- الصحيح أن يقال : فان في مثل هذه ...

النقاط من الكرة الأرضية التي تشترك مع منطقة رؤية الهلال في ذلك الليل، دون النقاط التي لا تشترك معها في تلك الليلة .... هذا إن كان مطابقا مع المرتكزات العرفية (فهو) ... وإلا فلا أقل من أن يكون الحكم الشرعي بالصوم بمقتضي الروايات المذكورة منوطا بذلك.(1)

ثم تفطن ولا يذهب عنك بأننا حتى لو سلمنا ورود الإشكال، فإنه لا يتوجه على مبني «إشتراك البلاد في تجدد الشهر» من أصله، بل على ما أضيف إليه من الأوراق والأغصان. فيمكن لنا التخلص من الإشكال برفع اليد عن بعض الجزئيات في المبني. فلو رفعنا اليد عن كون الشهر من المفاهيم الحقيقية وسلمنا بكونه من الاعتباریات فلا ضير علينا في تقدم الشهر العرفي على الشهر الطبيعي وتكون بعض الشهور ذات 30 يوما وبعضها ذات29.(2)وكذا لو رفعنا اليد عن تسري الحكم إلى الجانب الشرقي من بلد الرؤية. فالبلدة المحاذية للقمر حين خروجه من المحاق يتجدد لها الشهر بأن الخروج المقارن لبداية ليلها، وأما باقي البلاد التي تسير حينئذ في ليلها أو نهارها، فيتجدد له الشهر خلال 24 ساعة من بعد خروج القمر بالتدريج وبوروده في الليل واحدة بعد أخرى.

ص: 229


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 123.
2- فيكون الشهر حاله كحال السنة. فان السنة القمرية ليست ذات 354 يوما بالضبط بل تزيد عليه ب8ساعات و 48 دقيقة و35/712ثانية. فأهل التقويم يعدون كل سنة ذات 354 يوما، ويكبسون ما یکسر عنه في ثلاث سنين ويجعلون الثالثة كبيسة ذات355 يوما. بناءا على هذا، ففي غير الكبائس من السنين تعتبر بداية السنة متقدمة على الحساب الطبيعي. ولا يستشكل أحد بتداخل السنتين أو بدو السنة قبل ابتدائها. وهذا لأن السنة التقويمية بخلاف الطبيعة هي من الأمور الاعتبارية التي أمرها بيد العرف .
الخامس

وأشكل رحمه الله بأنه لو اعتبر في تجدد الشهر مضافا إلى الخروج من المحاق أي قيد آخر نحو ورود البلد في الليل، فهذا ينادي بأعلى صوت باعتبارية الشهر. هذا وانتم تدعون أن الشهر من المفاهيم الحقيقية التكوينية التي لا تدخل للشارع فيها. فلو جاز اعتبار قید واحد مثل دخول البلد في الليل، فيجوز التقييد بألف قيد آخر نحو الرؤية البلدية وما شابهها.(1)

ويمكن الاستجواب عنه بأن هذا الاعتبار لا دخل له في ابتداء الشهر بل في حکمنا بابتدائه. و التوضيح أنه كما سبق «اليوم» عند العرف يبتدأ من الليل. فمع أن المناط في تجدد الشهر هو صرف خروج القمر عن المحاق، لكن حكمنا بابتدائه متوقف على العلم بالخروج و هو معلق عادة على حلول الليل و حصول الرؤية.

ص: 230


1- وقد مر هذا الإشكال منه رحمه الله في صفحة 147
السادس

واشكل بأنه لا ريب في أن القمر يخرج من المحاق كل شهر، وحين إذ خرج لابد من أن يراه خلق كثير من قطان البلدة المحاذية للقمر. فلو جوزنا الاكتفاء برؤيتهم وحكمنا بتجدد الشهر للجميع، فقد جعلنا هذا التأكيد البالغ من الروايات على الرؤية لغوا. بل الأصح من الشارع أن يقول جل شانه«إن الشهر يتجدد بمضي 29 يوما و 12 ساعة و 44 دقيقة و

2/78ثانية. ولا يهمكم رؤية القمر، إذ علي أي حال - يرى القمر في بلدة من البلاد. فيمضي تلك الفترة فصوموا».وشناعة مثل هذا القول تدلنا على موضوعية الرؤية في لسان الروايات دون طريقتها الصرفة.

يقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله:

أن الالتزام بكفاية مجرد خروج القمر عن تحت الشعاع، يستلزم العلم بدخول الشهر بسبب العلم بخروج القمر ولو لم تتحقق في العالم رؤية أبدا، فتصير الرؤية کاشفة محضة ... فإذا لابد من الحكم بدخول الشهر إذا علمنا خروجه بالإرصاد، والآلات الحديثة التي رئي بها القمر فيما إذا كانت الرؤية بالعيون العادية غير المسلحة محالا، أو بحساب المنجم الماهر الخبير المطلع من الزيجات الدقيقة ...

فتصير إناطة الروايات بالرؤية لغوا، لأن الرؤية الإجمالية على أي حال موجودة.(1)فنجيب عنه بأن الشريعة السهلة السمحة جعلت المناط في تجدد الشهر بخروج القمر عن الاقتران من غير زيادة ولا نقصان. ثم جعلت لكشفه و العلم به طرقا أسهلها هي الرؤية الواقعة في بلد المكلف. ومع ذلك حكمت بكفاية الرؤية الواقعة للبعض في

ص: 231


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 47

أي نقطة من نقاط الأرض. ثم حصت الجميع على الاستهلال، تسهيلا للامور. فان علم المكلف بتحقق المناط عن طريق آخر أصعب كان ذلك حجة عليه وعلينا.

و بعبارة أخرى، لو جعلت الأحكام والتكاليف المعلقة على الشهر منوطة بمضي الزمن اللازم لخروج القمر عن المحاق، لكان ذلك من الصعب المستصعب على العباد، لا سيما مع ما لهذا المدة من الساعات والدقائق والثواني والعشرات و عدم تطرق الناس إلى مثل هذه المحاسبات لا سيما في الأعصار الماضية. وأصعب من ذلك الإحتفاظ على توالي الشهور مدی کرور الأيام و الدهور.

فلو فرضنا أن الشارع حكم على العباد بانهم متى رأو الهلال في بلدتهم يأخذهم الأحكام المعلقة على الشهر. وإلا فعند علمهم بالرؤية الواقعة في باقي البلاد، و عند عدمه أيضا فيحكم عليهم البرائة على سبيل الأحكام الظاهرية، و هو حجة عليهم حتى ينكشف عندهم الخلاف. فلو انكشف الواقع لهم عن طريق الحس فهو، ولو انكشف عن الطرق الحسابية أيضا فلا بأس به بعد ما تولى العباد بذلك رأسا من عند أنفسهم من غير تكليف. فيما الإشكال في هذا السيناريو؟

فهذا يشبه غيره من الأحكام الظاهرية كالطهارة مثلا. فلو شك في كون حمرة دما أو غير ذلك، لا يجب على المكلف أن يتفحص عن ذلك بالأدوات أو بالإختبارات الحديثة. لكن لو تفحص عن ذلك تلقاء نفسه و تبين له أنها دم فيجب عليه الإجتناب بلا ريب. فمناط الإجتناب على النجاسة نفسها أو النجاسة المعلومة، لا النجاسة المعلومة عن طريق الحس فقط. نعم، النجاسة الحدسية الغير المعلومة بالقطع فلا يجب الإجتناب عنها.

ص: 232

ومثله حكم السمكة التي تكون ذات فلس غير مرئي بالعين غير المسلحة. يقول الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني حفظه الله:

شرط حلال بودن گوشت ماهی، وجود فلس در آن است؛ و بر طبق روایات و فتاوا، ملاک حلیت، وجود فلس است. حال این سخن به میان می آید که اگر فلس یک نوع ماهی با چشم معمولی دیده نشود، اما بوسیله دوربین بتوان آن را مشاهده کرد یا این که توده مردم نتوانند فلس آن را تشخیص دهند، ولی اهل فن بگویند که دارای فلس است، ظاهرا این مقدار در جواز خوردن آن کفایت می کند و نمی توان گفت که باید فلس آن با چشم معمولی دیده شود. به عبارت دیگر، جواز خوردن بر وجود واقعی فلس مترتب است.(1)

ص: 233


1- مقالة «اعتبار الآلات الحديثة في رؤية الهلال»، للفاضل اللنكراني، 182.
السابع

هذا الإشكال يهدف روایات الرؤية وإطلاقها، ويجعلها منصرفة إلى البلاد القريبة.فوجه رحمه الله سعيه في جهتين. الأول جمع القرائن، وهي نفس الوجهة التي أدمغناها سابقا.(1)ثم يتوجه إلى تبين أن المرام - كما مر في الإشكال السابق - يوجب لغوية حث الروايات على الرؤية.

فإن السيد الحسيني الطهراني قدس سره يرى قول النبي صلی الله علیه واله«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» مفيدا للرؤية البلدية عند العرف. ويقول بأن الجمع بينه وبين مطلقات الباب ليس من باب التعارض بل من الحكومة وتوسعة دائرة مصادیق الموضوع تعبدا. فیسلم بجعل الروايات الرؤية الواقعة في غير بلد المكلف من قريب البقاع، في حكم الرؤية البلدية.ثم يقول لو توسعنا بأكثر من هذا حتى نصل إلى الآفاق البعيدة فهذا مساوق الإنكار الرؤية من أصله و مخالف لأحكام الحكومة. ومن ثمة يقول بانصراف المطلقات إلى البلاد القريبة المشتركة مع بلد المكلف في الأفق. يقول رحمه الله :

(لو ترى أن المشهور تركوا الإطلاقات الواردة في المقام ومالوا إلى لزوم الإشتراك في الأفق، فإنه بسبب انصراف تلك الإطلاقات إلى الأفراد الشائعة أي إلى الرؤية الواقعة في الآفاق القريبة. وهذا) لأجل صدق المطلق على صنفه الخاص بحسب الفهم العرفي، في ظرف خاص بالشرائط المخصوصة والكيفيات والقرائن المحفوفة التي اختصت بهذا المورد، وإن لم تكن في موارد أخر. بيان ذلك: ... (أنه)بعد ملاحظة تباعد البلاد بعضها عن بعض زمانا، خصوصا في تلك الأزمنة، وعدم وصول الأخبار إلى الأقطار بتا، أو وصولها بعد نصب وتعب ومضي زمان بعيد؛ (ف) إذا ألقي الإمام عليه السلام بأنه «إِذَا شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ أَنَّهُمْ

ص: 234


1- راجع إلى صفحة 211.

رَأَوْهُ فَاقْضِهِ»، لا يفهم العرف إلا البلد القريب، الذي يمكن جعل الرؤية فيه رؤية في بلده بالحكومة، وتوسيع دائرة الرؤية بالنسبة إليه بمناط اتحاد المكان من حيث وجود الهلال فوق الأفق (أي أفق المكلف)، وان المانع من الرؤية شيء عارضي؛ ... فالإمام عليه السلام يريد أن يوسع دائرة اتحاد المكان في الرؤية بنحو الحكومة والاعتبار التشريعي، ولا يريد نقض قوله صلی الله علیه واله:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وافطروا لِرُؤْيَتِهِ(1)»

وهذا الاعتبار - بالنسبة إلى البلاد القريبة التي يكون القمر فيها فوق الأفق(المشترك) - له مجال صحيح عند العرف؛ وأما بالنسبة إلى البلاد البعيدة التي لم يكن القمر فيها فوق الأفق (أي أفق المكلف)، فهو بمنزلة هدم أساس الرؤية وإنكارها من رأس، فلا يكاد يفهمه العرف.... وهو المعبر عنه بالانصراف(2)في هذا المقام.(3)

ونجيب عنه أو لا بما قاله السيد الخوئي رحمه الله: «أن الحكومة والتنزيل مؤونة زائدة لابد في مقام استفادتها من دليل أن يكون ذلك الدليل واضح الظهور في كونه بصدد التنزيل والحكومة»(4)، وهنا لا دليل على الحكومة.

وثانيا بأن لا نسلم بوجود ما يدل على الإلزام بالرؤية البلدية حتى تكون المطلقات حاكمة عليه. والنبوي نفسه من المطلقات أيضا.

ص: 235


1- أنها رواية عامية رواه البخاري بإسناده عن أبي هريرة (صحيح البخاري، 3/ 27)، ورواه مسلم عن ابن عمر (صحیح مسلم، 2/ 759) بقليل من التفاوت في ذيلها.
2- هذا استجواب السيد الحسيني الطهراني عما أفاده السيد الخوئي قدس سرهمامن أن الانصراف المذكور في كلام المشهور لا وجه له إلا انسياق أذهانهم وتشبيههم الهلال بمطلع الشمس ومغربها.
3- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 63 إلى 71 .
4- نفس المصدر، 119.
الثامن

وأيضا تمسك لإثبات موضوعية الرؤية في لسان الروايات، بما يوجد في بعضها من الحصر المستفاد من سياق النفي والإثبات. ولو كانت طريقة فلا اقل من تكون منحصرة في الطريقية.

يقول السيد الحسيني الطهراني قدس سره:

و(الروايات)ذكر في بعضها دخالة الرؤية وحصرها في ثبوت الهلال بلسان النفي والإثبات. مثل قوله عليه السلام: لَا تَصُمْ إِلَّا أَنْ تَرَاهُ، وقوله عليه السلام:لَا تَصُمْ إِلَّا لِلرُّؤْيَةِ، وأدل منهما قوله عليه السلام:إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا الرُّؤْيَةُ وَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الرُّؤْيَةُ.(1)

وقال:

قد دلت الأخبار المستفيضة بل المتواترة على طريقتها المنحصرة، وبعبارة أخرى على جزئیتها للموضوع على نحو الكاشفية.(2)

ويجاب عنه بهامرسابقا من الالتفات إلى مقام بيانها، وأنها قد صدرت بجهة خاصة هي الرد على مثل الجدول الموضوع بيد عبد الله بن معاوية. فيكون الحصر إضافيا.

ص: 236


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 144
2- نفس المصدر، 152
التاسع

واستدل أيضا على موضوعية الرؤية بآية الأهلة. فقال رحمه الله :

وما يدل على انحصار دخالة الرؤية ... قوله تعالی:«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ النَّاسِ وَ الْحَجِّ»(والروايات المفسرة لهذه الآية). ... فلولا تكون الرؤية طريقة خاصة إلى معرفة الشهور، لما يكون وجه لجعلها مواقيت. ... ولا يكون الهلال ميقات إلا إذا رئي، فالرؤية دخيلة في كونها مواقيت؛ فمن أنكر انحصار طریقیتها، فقد أبطل ميقاتيتها. فالآية أدل دليل على دخالة الرؤية على مبادي الشهور، كما أنها أدل دليل على بطلان القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق، وكفاية رؤية ما ولو من بعيد، أو كفاية الرؤية الإمكانية. فالله جعلها مواقيت للناس جميعا، لكل بلد ولكل جيل. ولا معنى لجعل الهلال الخارج عن الشعاع (أي شعاع الأفق) والقابل للرؤية في إسبانيا ميقاتا الأهل بلخ و بخارا، ولا الهلال الطالع للعرب القاطنين في المراكش وليبيا میقاتا للتركمن والأتراك القاطنين في الصين !(1)

ولكنه استبعاد محض ومصادرة بلا دليل. وما المانع من كون الرؤية الإمكانية،أو الواقعة منها في البعيد ميقاتا ومبدئا لعد الشهور والأزمان؟ نعم، الناس على مدى القرون والأيام قد عدوا مواقيتهم حسب رؤية الهلال؛ ولكنها كما سبق لیست مأخوذة في لغة الشهر في مقام الوضع، بل هي مما أضيفت إليه في مقام الإستعمال حسب الطاقات و البيئات.

ص: 237


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 149 إلى 151

أما الآية؛ فأين هي من الحصر؟! الناس سئلوا عن الأهلة والآية أجابت بأنها تفيد في معرفة المواقیت؛ وما نطقت عن انحصارها في الميقاتية. وبعبارة أخرى الآية تقول «الأهلة هي مواقيت للناس والحج» ولا تقول «المواقيت هي الأهلة» حتى تفيد الحصر. بل القرينة المنفصلة - مثل ما وردت في السماء المغيمة - دلت على كفاية إمكان الرؤية. فالآية ساكتة بنفسها عن اشتراط وقوع الرؤية في البلد أو فيما يقرب منه فضلا عن الحصر، كما هي ساكتة عن كفاية ما وقع منها في البلاد القاصیات؛ هذا لو خلينا أرضية أفكارنا مما تبنيناه.

اجل، الآية تفيد في الرد على مذهب العدد المنكر للرؤية من رأسها؛ ولكن لاتفيد في إبطال مرامنا الذي يأكد على الرؤية إمكانها أو وقوعها في البعيد.

ص: 238

العاشرا

واستدل على الموضوعية بصحيحة حماد أيضا. وهي:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلته المستقبلة.(1)

ومثله رواية عبید بن زرارة وعبد الله بن بکیر:

سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن الحسن بن على بن فضال، عن عبيد بن زرارة وعبد الله ابن بكير، قالا: قال أبو عبد الله علیه السلام: إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان.(2)

وكذا صحيحة محمد بن قيس:

محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل، عن محمد بن قیس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار، وصلى في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس؛ فإن شهدا بعد زوال الشمس، أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلی بهم.(3)

ص: 239


1- الكافي، للكليني، 4/ 78 .
2- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 176 .
3- لكافي، للكليني، 4/ 169

يقول السيد الحسيني الطهراني رحمه الله في وجه الاستدلال:

القمر إذا خرج عن تحت الشعاع لايمكن رؤيته إلا بعد غروب الشمس. نص على ذلك جميع علماء الفلك. (فما دام النهار المصادف للخروج حسب بلدة موجود لا يمكن رؤية الهلال في تلك البلدة) وذلك، لأن الأشعة القاهرة الشمسية تمنعنا من الإبصار والرؤية. فإذا كلما رئي الهلال في يوم بعد المحاق (أي في النهار)، فهو دليل على خروج القمر عن تحت الشعاع في الليلة الغابرة؛ سواءكانت الرؤية قبل الزوال أو بعده.(1)

أي إذا صادف الخروج مع ساعات النهار في بلدة، لا يمكن أن يرى الهلال لرقته ولفرط نور الشمس. فلو رئي في النهار كان ذلك كاشفا عن ولادته من قبل بساعات يصل فيها الهلال بدرجة من الضخم والارتفاع والبعد، يتمكن معها من التلألؤ قبال أشعة الشمس. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 31 في صفحة 290)

تقرير الاستدلال: لو كان المناط في تجدد الشهر صرف حقيقة تكوينية نحو الخروج عن تحت الشعاع، كان من الواجب أن يتفاوت حال تجدد الشهر بالنسبة إلى الخروج وعدم الخروج؛ أما تأثر ما كان مناطه الخروج عن أمر متأخر وهي الرؤية فهو شيء غير معقول. اللهم إلا أن يكون للرؤية دخل في تجدد الشهر؛ وهذا هو المطلوب. فحكمه علیه السلام بكون الهلال المرئي قبل الزوال من الماضية، وبعده من المستقبلة، يستلزم أن لا يكون أمر تجدد الشهر معلقا على صرف الخروج. فحري لنا الاستنتاج بأنه وإن كان الشهر مبنيا على ركن تكويني هو الخروج، لكن له ركن ثان هي الرؤية؛ وهي تجعله

ص: 240


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 83.

من الإعتباريات التي أمرها بيد الشارع؛ فقد يلحقه بالليلة السابقة وقد يلحقه بالآتية . وأن نستنتج ثانيا أن هذه الرؤية التي أخذت في الموضوع، أخذت ناقلة، لا أنها كاشفة عن الموضوع (أي الخروج). فلو كانت كاشفة، كانت كاشفة عما وقع في الليلة الماضية، فلماذا فرق عليه السلام بين الرؤية التي تقع قبل الزوال والتي تقع بعده .

فيكون الاستدلال على صورة قياس استثنائي هذا شرطه:

لما لم يكن الهلال المتولد في النهار ممكن الرؤية في ذلك النهار قط لا قبل الزوال ولا بعده، فرؤية أي هلال في النهار يكشف عن تولده في الليلة السابقة على ذلك النهار أو النهار السابق عليها

فلو كان خروج القمر من المحاق مناطا للشهر، وكانت الرؤية كاشفة لا غير،فلا مجال للتفصيل بين الرؤية الواقعة قبل الزوال أو بعده، إذ كلا هما يستويان في الكشف عن الخروج الواقع في الليلة الماضية. لكن الإمام عليه السلام فصل بينهما، فلا تكون الرؤية كاشفة محضة؛ بل هي تكون جزءا من الموضوع أو وصفا له .

يلاحظ عليه من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه لا يصح ما نسب إلى علماء الفلك على اطلاقه. بل الرؤية النهارية للهلال مضافا إلى إمكانه، هو أحد الطرق المعروفة عندهم لإرصاد الهلال المتولد من جديد. فاعلم و تفطن بأنه أقل ما سجل من عمر الهلال عند رؤيته الليلية هو بعد مضي 15 ساعة و 32 دقيقة من حين المقارنة. وأما أقل التسجيل للرؤية النهارية هو لهلال تم من عمره 17 ساعة و 10 دقائق. فالهلال الذي يرى في البلدة الأولى - وهي القاهرة مثلا-عند الغروب، لا يجب لفلوريدا لأن تتمكن من رؤيته أن تصبر حتى تغرب الشمس عن أفق فلوریدا دائما. (راجع الصور و الرسوم البيانية - الرقم 32 في صفحة290).

ص: 241

الثاني: حتى لو اغمضنا عن ذلك، فإن الاستثنائي أيضا لا يكون منتجا. إذ اللإنتاج في الاستثنائي الإتصالي مشروط بكون المتصلة لزومية؛ و الملازمة مفقودة. إذا ليس عندنا ضابطة كلية تنطق بأن المدة اللازمة لخروج القمر عن تحت الشعاع في جميع الأوقات و الأوطان لا تقل عن طول النهار. حتى نستنتج منها أن الهلال المرئي في النهار ما خرج عن تحت الشعاع إلا في زمان سابق على هذا النهار.

توضيح ذلك أن هاهنا ظرفين زمانيين. الأول ظرف لخروج القمر عن تحت الشعاع والآخر ظرف للنهار. وكلا الظرفين يتغير طولهما بالزيادة و النقصان حسب اختلاف الأيام و الأوطان. والأقل اللازم للأول يزيد عن نصف(1)أكثر ما يلزم للثاني. فكلما حصلت الرؤية النهارية قبل الزوال فقد حدث الخروج في «الليلة الماضية أو النهار السابق عليها»دائما بلا ريب. أما إذا وقعت الرؤية من بعد الزوال فالأمر لا يخلو عن حالين؛ إما أن يكون النهار في أطول حالاته أو في «أقصرها أو المتوسط بينهما».

فعندما يكون النهار في أقصر أيامه ففي بعض البلاد لا يكفي النهار حتى بتمامه الاستيعاب أقل ما يلزم للخروج. فيكون الخروج في الليلة الماضية حسب تلك البلاد قطعا. وعندما يكون في أطول حالاته قد يمكن للمدة المتوسطة بين الطلوع والرؤية(الواقعة من بعد الزوال) أن تستوعب الأقل اللازم للخروج، فيكون الخروج في ذلك النهار نفسه، وقد يمكن عدم الاستيعاب فيرجع الأمر إلى الليلية الماضية أيضا.

ص: 242


1- قلنا «النصف» حتى نصل إلى وقت الزوال المتحدث عنه في الروايات المذكورة .

فلما لا ضرورة في كون الأقل اللازم للخروج بأكثر من المدة المتوسطة بين الطلوع والرؤية المسائية، فعند مثل هذه الرؤية نشك في أنه هل حصل الخروج في ذلك النهار أو في السابق عليه، و أنه هل كان الشهر متجددا في الليلة الماضية أم لا.فنستصحب البقاء للشهر السابق ونجعل الليلة القادمة أولا؛ إذ هي متأخرة عن الخروج بلا شك.

الثالث : و هو الأصل في الجواب - ان تفصيل الإمام علیه السلام بين الرؤية الواقعة قبل الزوال و بعده هو أقوى شاهد على أن أخذ الرؤية في الشهر ليس أخذا موضوعيا، بل هي كاشفة عما وقع في الليلة الماضية و تجدد الشهر بسببه وهو خروج القمر عن تحت الشعاع. فأن الإمام عليه السلام لم يقل بتجدد الشهر من حين الرؤية، بل ينطق عن أنه إذا حصلت الرؤية من قبل الزوال فاعلموا و تنبهوا بأن الشهر كان متجددا من قبل. فالرؤية ليست إلا أمارة.

ص: 243

الحادي عشر

واستدل أيضا برواية محمد بن مسلم على موضوعية الرؤية في تحقق الشهر .

وهي:

وعنه (أي على بن مهزیار) عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا.وليس بالرأي ولا بالتظني، ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد «هو ذا هو»، وينظر تسعة فلا يرونه. إذا رآه واحد رآه عشرة وألف؛وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين.(1)

وجه الاستدلال بقلم السيد الحسيني الطهراني رحمه الله:

(يدل عل موضوعية الرؤية) ما ورد في كثير من الروايات من إنكار أصحاب الرأي، وهم أصحاب العدد والجداول من الفلكيين والمنجمين، والرد الشديد عليهم. وما ربما يمكن أن يقال (من) أن الرد عليهم إنما هو لعدم وصول نتيجة حساباتهم الرصدية إلى درجة اليقين، مدفوع أولا: بأن عنوان الرأي ورد في بعض الروايات قسيما للتظتي، حيث قال علیه السلام: «وَ لَيسَ بِالرَّأيِ وَلا بِالتَّظَنِّي وَلَكِن بِالرُّؤيَةِ» ...(2)(فالحسابات الفلكية لا يعبأ بها في تجدد الشهر الشرعي وإن كانت يقينية لمكان النهي عن «الرأي» القسيم ل «التظني»)

ص: 244


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 156رواها الكليني هكذا: أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخراز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني، وليس الرؤية أن يقوم عشرة نفر فيقول واحد: «هو ذا»، وينظر تسعة فلا يرونه؛ لكن إذا رآه واحد رآه ألف(الكافي، للكليني، 7/ 44)
2- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 145.

ويظهر لك الجواب من النظر في جهة الصدور ومقام البيان. فإنها صدرت بداعي المقابلة مع أصحاب الظن، ممن يعملون بمثل العدد والتقوس والارتفاع الغير المتعارفين و... و بداعي التنبيه على أن الرؤية أيضا لا اعتبار بها إذا لم تكن مثيرة للقطع، مثل ما إذا شهد واحد و انکرها عشرة ومئات. فانه لا يزيد عن إفادة الظن. وأما التعبير ب«الواو» العاطفة، فإنه كما قد يدل على المقابلة قد يدل على التفسير. لكن الأول مخالف للأصل وخروج عن معناها الأصلي إلى معنى«أو».أضف إلى ذلك أن الثاني موافق لما هو المتعارف في لسان الروايات في مثل هذا التعبير و أنه مطابق لمقام البيان.

وجدير بالذكر أن السيد الخوئي رحمه الله مشي في هذه الرواية خلاف ممشى السيدالحسيني قدس سره وقال:

وفي المقام ... ما ورد في ذیل روایات الباب، من أن الصوم بالرؤية لا بالتظني والرأي والاحتمال، مما يدل على أن المقصود من الرؤية إحراز الواقع بها ولزوم التثبت فيه.(1)

فجعل العطف تفسيريا، ثم استنبط من مخالفة الرواية للظن بأنها تحث على اليقين والاحراز والتثبت عن الواقع. فالمناط هو أمر عيني تقع الرؤية طريقا إليه.

لكن للمتأمل أن يناقش في كلامه رضوان الله علیه أيضا. لأنه لا خلاف في اعتبار بعض الطرق الظنية في اثبات تجدد الشهر. فشهادة العدلين مثلا لو خلي و نفسه لا يزيد عن الظن، ومع ذلك معتبر شرعا في اثبات الرؤية. فليس المدار على الواقع نفسه، والصحيح أن يقال أن الرواية صدرت في الرد على التظتي بالظنون غير المعتبرة. نعم، المناط هو الواقع لكن مع توسع في الأحراز موردا. و لعل السيد الخوئي قدس سره الشریف أيضا ما عنى إلا هذا.

ص: 245


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهران، 119.

ص: 246

الباب الثالث: في باقي الطرق لإثبات الشهر

اشارة

ص: 247

ص: 248

باقي الطرق المثبتة للشهر

البينة

اعتبار البينة في إحراز الموضوعات مما لا يخفي على أحد. فهذه هي المحاكم القضائية، يدور فيها الأمور على مدار البينة بأنواعها. فالبينة اعتبارها ثابتة بالبناء العقلاء، ولا يحتاج إلى أي دليل آخر. مع ذلك قد أكد الشرع في كثير من الموارد على تثبيت البينة في إحراز الموضوعات الشرعية، في الحقوق والحدود وغير ذلك. وفي المقام أيضا اعتمد وصرح باعتبار البينة في إثبات الموضوع. فقد مر منا صحاح في هذا المعنى.

فهذه هي صحيحة أبي بصير الماضية:

عَنْهُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِي بصيرف عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُقْضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ : لَا تَقْضِهِ إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ شاهداني عدلاني مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ راس الشَّهْرِ ، وَ قَالٍ : لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يُقْضَى إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ ، فَانٍ فَعَلُوا فَصُمْهُ.(1)

ص: 249


1- تهذیب، للشيخ الطوسي،175/4.

وأيضا صحيحة هشام بن الحكم:

سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ ، قَالَ : إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةُ عَادِلَةُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ أَنَّهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلَى رُؤْيَةٍ قَضَى يَوْماً.(1)

وكذا صحيحة ابن حازم:

عَنْهُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : صُمْ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَ أَفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكُمْ شَاهِدَانِ مرضیان بانهما رَأَيَاهُ فَاقْضِهِ .(2)

واعتبار البينة تدل على أنه ليس لرؤية المكلف بشخصه موضوعية في تحقق الشهر وتجدده، لأنه إن كان لها خصوصية لا يقوم مقامها شيء آخر مثل البينة والشياع و...

ص: 250


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 158 .
2- نفس المصدر، 157.

التواتر والشياع

والتواتر أيضا مما لا ريب في اعتباره في إثبات الشهر، وذلك لأن التواتر مفیدللعلم، وحجية العلم والقطع إما ذاتية وإما هي بحكم العقل.

أما الشياع؛ فمن الموارد التي يقوم مقام رؤية الهلال، هو شياع الرؤية عند الناس. فإن الشياع يوجب للنوع الاطمئنان بحصول الموضوع ما لم يحتمل التباني على الكذب. والاطمئنان معتبر، معتمد به عند العقلاء. والشارع أيضا اعتمد بالشياع وأمضاه في إحراز الموضوعات الشرعية والموضوعات العرفية التي يترتب عليه الحكم الشرعي.

وفي المقام أيضا نصوص تدل على اعتبار الشياع في ثبوت الهلال.

فهذه صحيحة إسحاق بن عمار:

عَنْهُ ، عَنْ قضالة ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : سَأَلَ أباعبد اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ ، يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقَالَ : لَا تَصُمْهُ إِلَّا أَنْ تَرَاهُ ، فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِهِ ، وَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَسَطَ النَّهَارِ فاتم صَوْمَهُ إِلَى اللَّيْلِ.(1)

ص: 251


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 154 والاستبصار،للشيخ الطوسي، 2/ 73.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله:

عَنْهُ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ ، يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقَالَ : لَا تَصُمْ إِلَّا أَنْ تَرَاهُ ، فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ فَاقْضِهِ.(1)

وصحيحة أبي بصير:

عَنْهُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْضِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ : لَا تَقْضِهِ إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ شاهداني عدلاني مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَاةِ متی کان رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَ قَالٍ : لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْضِيَ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ ، فَإِنْ فَعَلُوا فَصُمْهُ.(2)

وفي خبر أبي الجارود:

عَنْهُ ، عَنِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّا شَكَكْنَا سَنَةً فِي عَامٍ مِنْ تِلْكَ الْأَعْوَامِ فِي الْأَضْحَى ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يضحی - فَقَالَ : الْفِطْرُ يَوْمُ يفطرالناس ، وَ الْأَضْحَى يَوْمُ يضحی النَّاسِ ، وَ الصَّوْمُ يَوْمُ يَصُومُ النَّاسُ.(3)

وروى ابن ماجة:

حدثنا محمد بن عمر المقرئ، حدثنا إسحاق بن عيسی، حدثنا حماد بن زید، عن أيوب، عن محمد بن سیرین، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله:«الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون».(4)

ص: 252


1- الاستبصار، للشيخ الطوسی، 2/ 64
2- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 157.
3- نفس المصدر، 317.
4- السنن، لابن ماجة،1/531/ح1660

حکم الحاکم

هناك نصوص تدل على اعتبار حكم الحاكم في إثبات الشهر.

منها صحيحة محمد بن قيس:

مُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بَيْنَ أَحْمَدَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ شاهداني أَنَّهُمَا رَأَيَا الْهِلَالَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْإِفْطَارِ ، وَ صَلَّى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا کانا شَهِدَا قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ زوالي الشَّمْسِ أَمَرَ الْإِمَامُ بِإِفْطَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، واخرالصلاة الی الْغَدِ ، فَصَلَّى بِهِمْ.(1)

ومنها مقبولة عمر بن حنظلة:

محمدبن يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يحيي عَنْ دَاؤُدَ بْنِ اَلْحُصَيْنِ عَنْ عُمَرَ بَنِي حَنْظَلَةَ قَالَ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى القُضَاةِ أَ يَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍ أوْ بَاطِلٍ فَاِنَّمَا تَحَاكَمَ إلَى الطَّاغُوتِ ومَا يَحْكُمُ لَهُ فَانَّما يَأْخُذُ سُحْتاً وإِنْ كانَ حَقّاً ثابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَقَدأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَيَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهَقُلَتَ فَكَيْفَ يصْنَعَانِ قَالَ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّن قَدْ رَوَى حَديثَنا وَنَظَرَ فِي حَلالِنَا وحَرَامِنَا وعَرَفَ احْكَامِنَافَليَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإنِّي قَد جَعَلْتُهُ عَلَيْكُم حَاكِمافإِذا حَكَمَ بِحُكْمِنا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنهُ انَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وعَلَيْنا رَدَّ والرَّادُّ عَلَينا الرَّادُّ عَلى اللَّهِ وَهُوَ عَلى حُدالَشرِكَ بِاللَّه.(2)

ص: 253


1- الكافي، للكليني،196/4
2- نفس المصدر، 1/ 67.

وظاهر المقبولة ثبوت الولاية العامة للحاكم الجامع لشرائط الإفتاء. ومع التنزل والقول بظهور المقبولة في خصوص القضاء، يمكن أن يقال أن من شؤون القاضي الحكم بثبوت الهلال و نفيه، فتدل على اعتبار حكمه في المقام.

ومنها مشهورة أبي خديجة:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِّي الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامَ إِلَى أَصْحَابِنَا . فَقَالَ : قُلْ هُمْ « إِيَّاكُمْ إِذَا وَقَعَتْ بينکم خُصُومَةٍ ، أَوْ تداري فِي شَيْ ءٍ مِنَ الْأَخْذِ وَ الْعَطَاءِ ، أَنْ تَحَاكَمُوا إِلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ . اجْعَلُوا بَيْنَ رَجُلًا(1)قَدْ عَرَفَ حَلَالَنَا وَ حَرَامَنَا . فَإِنِّي قَدْ جَعَلَهُ علیکم قَاضِياً . وإياکم أَنْ يُخَاصِمَ بعضکم بَعْضاً إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ».(2)

ومعلوم أن من شؤون القضاء الحكم بتجدد الشهر. فلا بد من اعتباره.

منها ما في التوقيع المبارك:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ : سَالَتْ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً ، قَدْ سَأَلَ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ ، فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الرُّمَّانِ علیه السَّلَامُ : أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ - أَرْشَدَكَ اللَّهُ وثبتک - . . . إِلَى أَنْ قَالَ : وَ أَمَّا الحواث الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رواۃ حدیثنا ؛ فَإِنَّهُمْ ځجتي عليکم وَ أَنَا حَجُّهُ اللَّهُ . وَ أَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ - إِنَّهُ ثِقَتِي وَ كِتَابُهُ کتابی.(3)

ولا ريب في أن إحدى الحوادث التي تقع على المسلمين هو إعلان يوم الصوم والفطر والحج.هذه نبذة من الأدلة الدالة على ولاية الحاكم الواجد للشرائط. ولهذا البحث تتمة لا يسعها المجال؛ فإنه من فروعات مسألة ولاية الفقيه.

ص: 254


1- زيد في المصدر هنا «ممن».
2- وسائل، للحر العاملي،139/20
3- نفس المصدر، 140.

مضي ثلاثين يوما من بداية الشهر السابق

من الأمارات التي تقوم مقام رؤية الهلال في إثبات تجدد شهر هي مضي ثلاثين يوما من بداية الشهر الماضي. وذلك لأن الشهر القمري لا يزيد عن الثلاثين. فاذا مضي من الشهر السابق هذا المقدار، يتحقق الشهر الجديد. وهذا أمر كوني هيوي مسلم عند الفلكيين؛ ولا يحتاج إلى دلالة نص خاص، ومع ذلك يدل عليه النص أيضا.

هذه صحيحة محمد بن قيس:

عَنْهُ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السَّلَامُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السَّلَامُ : إِذَا رایتم الْهِلَالَ فَأَفْطِرُوا ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَ إِنْ لَمْ تَرَوُا الْهِلَالَ إِلَّا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ ، فَأَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ . فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثُمَّ أَفْطِرُوا.(1)

وفي صحيحة إسحاق بن عمار:

عَنْهُ ، عَنْ فَضَالَةَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : فِي كِتَابِ علی علیه السَّلَامُ « ضَمَّ لِرُؤْيَتِهِ وَ أَفْطِرْ رُؤْيَتِهِ ، وَ إِيَّاكَ وَ الشَّكَّ وَ الظَّنَّ . فَإِنْ خَفِيَ عَلِمَ فَأَتِمُّوا الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ثَلَاثِينَ ».(2)

وبه نصوص أخرى أيضا.

ص: 255


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 4/ 178.
2- نفس المصدر، 158.

الزيجات والحسابات الحيوية

مما هو واضح عن دیدن العقلاء أنهم يطمئنون عن قول من له الخبرة في فن أو موضوع. ولاريب في اعتبار الإطمئنان الحاصل من الطرق العادي عند العرف وكذا عند الشرع. فإن الفقهاء والمحاكم الشرعية يستفسرون دائما عن أهل الخبرة عما يتعلق به الأحكام الشرعية، في جميع أبواب الفقه. ومن ثمة يعتبرون بقول القابلة في الموضوعات المتعلقة بالنساء، مثل البكارة والثيابة والحمل؛ وقول الطبيب في الموضوعات الطبية نحو تشخيص الأمراض، وكذا فيما يتعلق بالطب الشرعي(پزشكي قانوني) من تحديد زمن القتل وسببه، أو تقدير الجروح لتعيين مقدار الدية، أو عمل الاختبارات المبنية على أساس DNA للتعرف على هوية الأشخاص. ومنه أيضا الاعتماد على قول المقوم في الأخماس والزكوات أو في البيع والشراء أو في تعيين الأرش؛ أو الاعتماد بقول الخبير في حدود الأماكن التي تترتب عليها الأحكام، کالمواقف والمواقيت نحو العرفات والمزدلفة والمني والمسعى وحدود الحرم وذي الحليفة والجحفة و وادي العقيق و قرن المنازل.

ومصادیق هذا الديدن العقلائي لا تعد ولا تحصى من الكثرة. والشارع أيضا قدأقر ذلك بالإجماع. ولا أظن أن يستشكل أحد في جريان هذا الكبرى الكلي فيها نحن فيه وهو مسألة إثبات تجدد الشهر. إنما الكلام في تحقق الصغرى وأنه هل يحصل الإطمئنان من قول الخبير في المسألة وهو الحيوي أم لا؟

ولا يذهب عن بالك ما تحدثنا عنه سابقا من الفرق بين التنجيم الحرام وعلم الهيئة الذي هو محل بحثنا هذا.

ص: 256

فيقول الشهيد الصدررضوان الله علیه في هذا المجال:

(يكفي في إثبات الشهر) کل جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأن القمر قد خرج من المحاق، وأن الجزء النير منه الذي يواجه الأرض (و هو الهلال) موجود في الأفق بصورة يمكن رؤيته. فلا يكفي لإثبات الشهر القمري الشرعي أن يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم يؤد إلى جانب ذلك إمكان رؤية الهلال، وتحصل للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو الاطمئنان.(1)

ويقول الشيخ محمد جواد مغنية (المتوفی با 1400)

فمتى حصل العلم من أقوال الفلكيين وجب على كل من علم بصدقهم أن يعمل بأقوالهم، ولا يجوز له إطلاقا الأخذ بشهادة الشهود ولا بحكم الحاكم ولا بشيء يخالف علمه.(2)

ويقول المرجع المعظم السيد محمد رضا الكلبايكاني رحمه الله(المتوفي ب 1414) جوابا عن أنه «هل يمكن الاعتماد على الرصد الجوي في تعيين الوقت وأول الشهر؟»بأنه يجوز ذلك إن أوجب الاطمئنان ولم يمكن أيضا الاستفسار، ومع ذلك كله يستحسن رعاية الاحتياط (3)

ص: 257


1- الفتاوى الواضحة، للشهيد الصدر، 1/ 632.
2- فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام، المغنية، 2/ 45
3- نعم، السؤال خالي عن الدقة العلمية إذ يستفتي عن الاعتماد بالرصد الجوي في تعيين الوقت. ومن المعلوم أن الرصد الجوي لا صلة له بالوقت وأول الشهر إلا على حد الحكم بعدم بعض الموانع؛ فإن الرصد الجوي عملية تبحث عن الطقس والحالات الطارئة عليه خلال الأيام القادمة. ومع ذلك نقلناه لصراحة الجواب فيما نحن بصدده .

سؤال 9- آیا می شود به علم موسميات و هواشناسی، در تعیین وقت و اول ماه ، اعتماد کرد یا نه؟

جواب - اگر سبب اطمینان شود و استفسار ممکن نباشد، جایز است؛ مع ذلک رعایت احتیاط، خوب است.(1)

لقائل أن يقول بأن قول الخبير يكون معتبرا ما دام كان إخباره عن حس؛ ولكن الهيوي يخبر عن الحدس والحساب.

لكن يجاب عنه أولا بأن الملاك هو حصول الإطمئنان ولا فرق بين موجبه من الحس أو الحدس.

وثانيا بأن إخبار من هو خبير بأوضاع الكواكب-وإن لم يكن حسا- فهو قریب من الحس. وذلك يشبه الإخبار عن عدالة شخص. فإن العدالة بنفسها ليست من الأمور المحسوسة، بل من الحالات النفسية التي لا طريق للحواس إليها. ومع ذلك لو شهد شاهدا عدل على عدالة أحد أو قام الشياع عليه، لا مانع من الاعتبار بهما. فإن الناس يحكمون حسب ما يرونه من أفعال الرجل على ما لا يرونه وهي العدالة. ومع ذلك تعد هذه الشهادة عن حس، لقربها من المقدمات الحسية. هذا ما يصدقه الفقهاء و مقبول عندهم جميعا.

ص: 258


1- مجمع المسائل، للكلبايكاني، 1/ 262.

الرؤية بالعين المسلحة

لا ريب أن لفظة «رؤية» وما شاكلها في تعبير النصوص، تحمل على الرؤية بالعين المجردة. هذا ما عليه جل الفقهاء بل كلهم. و ذلك لعدم تناول أيدي الناس في زمن صدور الروايات بهذه الآلات الحديثة. فلا يمكن حمل النص الصادر من صادق آل محمد علیھم السلام على الرؤية بالمكبرات و التلسكوبات.(1)

ص: 259


1- يقول الشيخ ناصر المكارم الشيرازي حفظه الله:هنگامی که سخن از رؤیت به میان می آید منصرف به رؤیت متعارف است که رؤیت با چشم غیر می باشد، زیرا فقها در تمام ابواب فقه اطلاقات را منصرف به افراد متعارف می دانند، مثلا: - در باب وضو می گویند حد صورت که باید شسته شود آن مقداری است که میان رستنگاه مو و چانه(از طرف طول) و آن مقداری که میان انگشت شست و انگشت «میانه» قرار می گیرد، از طرف عرض است. سپس تصریح می کنند که مدار بر افراد متعارف از نظر طول انگشت ها و محل روییدن موی سر و مانند آن است، و افراد غیر متعارف باید مطابق افراد عادی عمل کنند. - در باب مقدار کر که آن را به وجب تعیین می کنند، مدار وجبهای متعارف است و آنچه خارج از متعارف می باشد از نظر فقها معیار نیست. - در باب مقدار مسافت هایی که در فقه با قدم تعیین می شود، مدار بر قدم متعارف است. - در نماز و روزه در مناطق قطبی یا نزدیک به قطب که روزها یا شب ها بسیار کوتاه و غیر متعارف است، بسیاری از فقها مدار را بر مناطق متعارف می گذارند. - در مسأله حد ترخص (دیدن دیوارهای شهر، یا شنیدن اذان) تصریح می کنند معیار چشم های متوسط (نه زیاد تیزبین نه فوق العاده ضعيف) و صداهای متعارف و گوشهای متعارف است و آنچه خارج از متعارف باشد معیار نیست. ثم يذكر من بعده ثلاثة أمثلة أخرى ويقول: علاوه بر این «هشت مورد» موارد متعدد دیگری در سراسر ابواب فقه وجود دارد که کلام شارع و لسان آیه یا روایت مطلق است و فقها آن را منصرف به «فرد متعارف» می دانند. به یقین در مورد رؤیت هلال که در روایات متواتره وارد شده نیز، معیار رؤیت متعارف است یعنی چشم غیر مسلح؛ و چشم های مسلح خارج ازمتعارف است و مقبول نیست.(مقالة «عدة نكات هامة في رؤية الهلال»، للمكارم الشيرازي، 169)

يقول المحقق الخوئي رحمه الله:

لا عبرة بالرؤية بالعين المسلحة المستندة إلى المكبرات المستحدثة والنظارات القوية - كالتلسكوب ونحوه - من غير أن يكون قابلا للرؤية بالعين المجردة والنظر العادي. نعم، لا بأس بتعيين المحل بها ثم النظر بالعين المجردة، فإذا كان قابلا للرؤية ولو بالاستعانة من تلك الآلات في تحقيق المقدمات کفی، وثبت به الهلال.(1)

ويقول الإمام الخميني رحمه الله علیه:

لا اعتبار برؤية الهلال المستحدثة، فلو رئي ببعض الآلات المكبرة أو المقربة نحو التلسكوب مثلا ولم يكن الهلال قابلا للرؤية بلا آلة، لم يحكم بأول الشهر، فالميزان هو الرؤية بالبصر من دون آلة مقربة أو مكبرة. نعم، لو رئي بألة وعلم محله، ثم رئي بالبصر بلا آلة يحكم بأول الشهر.(2)

إلا أن صحة هذا متوقف على أن نرى للرؤية خصوصية، أي تكون لها موضوعية في ترتب الحكم. أما لو قلنا أن الرؤية محض طريقة إلى تحقق الموضوع وهو خروج القمر عن تحت الشعاع أي ابتعاده عن خط المقارنة بفاصل يمكن معه أن يرى القمر في نقطة من نقاط الأرض، فإذا يتفسح للبحث مجال واسع. وتفطن بأن للمسئلة صورا.

الأولى: أن لا يكون القمر خارجا عن تحت الشعاع وغير طالع في الأفق ومعذلك يصير الهلال مرئيا بسبب الآلات. فهذا مما لا تأمل في عدم اعتباره، ولعله لا تحقق لهذا الفرض في الخارج رأسا.

ص: 260


1- المستند (تقريرات لأبحاث آية الله الخوئی)، للبروجردي،123/22
2- تحرير الوسيلة، للإمام الخميني،681/2

الثانية: أن يفرض للآلات الرصدية دور في تشخيص مكان الهلال فقط،والرؤية تحصل بالعين المجردة. وهذا أيضا لا تأمل في اعتباره.

الثالثة: أن يكون الهلال طالعة في الأفق و مع هذا لا يرى إلا بالآلات. فهل هذامعتبر شرعا ومحقق للموضوع في الأحكام الشرعية أم لا؟

فلا بد لنا للجواب من مراحل:

الأولى في الإمكان الذاتي للعين المسلحلة أن تكون معتبرة شرعا. والظاهر أنه لا ريب فيه إلا عن مكابرة. فما روي من الأجر و الثواب للنظر إلى خط القرآن مثلا، لا يسع لأحد أن يفرق فيها بين من يقرأ المصحف بالعين المجردة و من يقرأه بالنظارات. ومثله حرمة النظر إلى الأجنبية، فإنها لا تختص بما إذا كانت عن قريب، بل هي محرمة وإن كانت بالمنظار.

فبناءا على الطريقية يمكن أن لا نفرق بين العين المجردة والمسلحة. فأنه كما لا إشكال في اعتبار الرؤية الواقعة بالعيون الحادة أو العيون المسلحة بالنظارات، فلا مجال للمنع عن الجدة الحاصلة بالآلات، لا للتمثيل والقياس، بل لإلغاء الموضوعية عن الرؤية، وأيضا للإطلاق في مثل «صم للرؤية وأفطر للرؤية».

ومما يؤيد بها المدعى هي ما وردت في العيون الحادة عن علي بن الإمام جعفرالصادق عن أخيه موسی بن جعفر عليهما السلام :

وِسَالَتَهُ عَمَّنْ يَرَى هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحْدَهُ لاَ يُبْصِرُهُ غَيْرُهُ أَلهُ أَن يَصُومَ قَالَ إِذَا لَم يَشُكَّ فِيهِ فَلْيَصُمْ وَحْدَهُ وإلاَّ فَلْيَصُمْ مَعَ النَّاسِ إِذَا صَامُوا(1)

ص: 261


1- مسائل علي بن جعفر، لأبي الحسن العريضي، 149 / ح 193. وأيضا رواها الحميري في قرب الإسناد،321 / ح 904، والطوسي في التهذيب 4/ 317/ ح 964. ثم رواها الصدوق في الفقيه 2/ 124/ ح 1915 هكذا«إذا لم يشك فليفطر، وإلا فليصمه مع الناس».

فإنها تشمل العيون الحادة إن لم نقل أنها هي موردها بالخصوص. وحدة العين كما قد تكون عن أسباب طبيعية كذلك قد تكون عن أسباب و أداة اصطناعية.

هذا كله مضافا إلى عدم ردع يعين الاعتبار للرؤية الواقعة بالعين غير المسلحة؛وما يظن أنها مانعة ليست بمانعة. منها رواية محمد بن مسلم:

وعنه (أي على بن مهزیار) عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا . وليس بالرأي ولا بالتظني، ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد«هو ذا هو»، وينظر تسعة فلا يرونه. إذا رآه واحد رآه عشرة وألف؛وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين.(1)

وجه الاستدلال: أنها تمنع عن «الرأي» المقابل للتظني المفسر بغير المأثور من الطرق اليقينية. وأيضا تبين على سبيل النفي و الإثبات عن الرؤية المقصودة في الشريعة بأنها بحيث«إذا رآه واحد رآه عشرة وألف» والرؤية بالعين المسلحة ليست هكذا قطعا.

نجيب عن الأول بنفس ما أجبنا به عن الإشكال الحادي عشر(2)للسيد الحسني الطهراني قدس سره. وعن الثاني بأن الرواية ليست في مقام حصر الطرق بل في تبيين أحد الطرق وهي الرؤية المتعارفة؛ و الداعي على صدورها إما الحث على الوحدة و اجتناب الفرقة وإما تعليم العباد بها هو عليهم عند اختلاف الأشهاد. وعلى أي حال فهي بمقتضى الحكمة ساكتة عما لم يكن المخاطبين مبتلين بها، نفيا و إثباتا.

ص: 262


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4 / 156 .
2- راجع إلى صفحة 284

ومنها :

عن سعد، عن العباس بن موسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخراز، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نره. إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف. ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر.(1)

«كم يجزي في رؤية الهلال» أي شهادة أي عدد من الأشهاد يكفي لإثبات الشهر؟

والوجه فيها كثاني الوجهين في سابقها والجواب نفس الجواب.

ثم قد يتمسك للمنع بتقرير المعصوم وسكوته في مقام الإمتثال، وأيضا بلزوم تفويت المصلحة عن العباد.

يقول بعض المعاصرين من المراجع وهو الشيخ يد الله الدوزدوزاني حفظه الله :

... اگر بگوییم که اول ماه با چشم مسلح محقق می شود، باید بگوییم حدود چهارده قرن مسلمانان در اکثر زمان ها و مناطق، ليلة القدر و عید فطر و عید قربان و ادعیه و اعمالی را که برای روزها و شب های مخصوص وارد شده، در زمان خود درک نکرده اند، مگر در موارد نادر؛ چون رؤیت با چشم مسلح اغلب یک روز پیش امکان پذیر است.

ص: 263


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 160

... اگر مطلب چنین بود چرا پیامبر اکرم صلی الله علیه واله وسلم و ائمه اطهارعلیهم السلام به رؤیت اکتفا می کردند درحالی که ماه اکثرا یک روز قبل متولد میشده؟ و نمی شود گفت که حضرات علیهم السلام این مطلب را نمی دانسته اند؛پس معلوم می شود که همه به رؤیت با چشم عادی مکلف هستند.(1)

أما تفويت المصلحة؛ فهذا الإشكال لا يختص بالمقام، بل يعم كل مسألة يفرض فيها المغايرة بين الحكم الظاهري و الواقعي.(2)فأجاب الشيخ الأنصاري رحمه الله عن هذه المشكلة العامة بتفصيل المباني بين مسك الطريقية و مسلك السببية، و تفصيل السبية بين ما يوجب التصويب و المصلحة السلوكية(3). وللكلام فيها ذيل طويل، يحتاج إلى رسالة مستقلة نسأل الله التوفيق في كتابته. وعلى أي حال الجواب نفس ما مجاب به هناك.

ثم للشيخ ناصر المكارم الشيرازي دام ظله الشریف من معاصري المراجع حفظهم الله هنا إشكال :

درست است که (مكلفين) بر اثر ندیدن و ندانستن معذور بوده اند ولی آیا می توان قبول کرد که مسلمین جهان از آغاز بعثت پیامبر صلی الله علیه واله وسلم تا کنون و حتی در عصر آن حضرت علیه السلام مکرر بر مکرر اول ماه را اشتباه گرفته اند، و از فضل شبهای قدر محروم بوده و روز عید را روزه گرفته و به خاطر نداشتن تلسکوپ روز بعد نماز خوانده اند (چون ماه قبلا متولد شده اما با چشم غیر مسلح قابل رؤیت نبوده).

ص: 264


1- رسالة هلالية، للدوزدوزاني، 73 .
2- سبق أن قلنا في صفحة 269 أن الرؤية ليست إلا طريقة كاشفة عن تجدد الشهر، والحكم الثابت بها ليس إلا حكما ظاهريا.
3- راجع فرائد الأصول، للشيخ الأنصاري، 1/ 112.

حتی کسانی که فعلا تلسکوپ را برای رؤیت ماه کافی می دانند باید بپذیرند که در بسیاری از سال های گذشته، خود آنان و مقلدانشان دوم ماه مبارک را آغاز ماه و دوم شوال را اول شوال حساب کرده اند، زیرا از تلسکوپ بهره نگرفته اند و اگر می گرفتند می دانستند اول ماه یک روز جلوتر بوده و شب های قدر نیز در جای خود قرار نگرفته و از دست رفته است.

اینها همه گواهی میدهد که معیار تولد واقعی ماه نیست، بلکه معیار قابلیت رؤیت با چشم عادی است.

اساسا در علم اصول گفته ایم «اماره» و «طریق » شرعی نمی تواند كثير الخطا باشد، زیرا مردم از درک واقع محروم خواهند شد. در مواردی که اماره کثیرالخطا باشد باید گفت خود اماره موضوعیت دارد.(1)

وكلامه حفظه الله قد انعقد في فقرتين. الأولى مجرد استبعاد(2)، والثانية إشارة إلى أحد المسالك في ما ذكرناه من مسألة مخالفة الحكم الظاهري للواقعي؛ والتفصيل يطلب في محله.

ص: 265


1- مقالة «عدة نكات هامة في رؤية الهلال»، للمكارم الشيرازي، 171
2- تقرير آخر للإشكال يخرجه عن الإستبعاد الصرف ويأوله إلى تفويت المصلحة والإغراء بالجهل:يقول الشيخ رضا المختاری حفظه الله :با توجه به این که رؤیت موضوعیت ندارد تا با عدم آن، حکم مترتب نشود و ماه نو حلول نکند، اگر ثبوتا رؤیت با چشم مسلح معتبر باشد لازمه اش گمراه شدن مکلفین از ناحيه شارع در مدت بیش از هزار سال است؛ یعنی در بیشتر یا بسیاری از ماهها، در بیشتر یا بسیاری از آفاق، ماه نو یک روز زودتر حلول می کرده و بر اثر عدم دسترسی مسلمانان به ابزار رؤیت، آنان به اشتباه افتاده اند و در هزاران ماه،شبهای قدر و عید فطر و عید قربان و عرفه - و بسیاری از مناسبت های دیگر - را یک روز دیرتراز وقت واقعی، دانسته اند، و علت آن هم چیزی جز این نیست که شارع - بنابر فرض - رؤیت باچشم مسلح را معتبر دانسته است. آیا معقول است بگوییم مسلمانان در هزاران ماه، تکالیف مربوط به ماههای قمری را بر خلاف واقع و یک روز دیرتر انجام می داده اند؛ چون رؤیت با تلسکوپ هابل - مثلا - معتبر است و مقصر خود مسلمانانند که در بیش از هزار سال گذشته از آن استفاده نکرده اند!! و گرنه، ماه یک روز زودتر برایشان ثابت می شد، چون هابل قادر است چیزهایی را بیند که روشنایی آنها یازده میلیاردم نوری است که چشم انسان می بیند و فاصله ای را که با هابل می توان دید از حد دو میلیارد سال نوری می گذرد. اساسا آیا ممکن است که شارع در مقام ثبوت رؤیت، رؤیت با هابل را - که هنوز در دسترس مسلمانان نیست - ملاک شروع ماه قرار دهد؟(مقالة «رؤية الهلال بالعين المسلحة»، للمختاري، 224)والجواب عنه نفس ما أجبنا به عن محذور تفويت المصلحة سابقا.

وأما قبح سکوت الإمام في مقام الإمتثال؛ فإنا لا نسلم بقبح مثل هذا السكوت. فربما كان الإمام عالما بنجاسة ثوب المصلي مثلا.أفإن سكت وما أعلمه بذلك يعد ذلك من السكوت القبيح؟! ولربما كان الإمام في مقام تعلیم الناس بالأصول العملية؛ وسأل السائل الإمام عما هو ثابت عليه من التكليف الفعلي، والإمام أجابه بمقتضي الأصل. مثل ما إذا كان الرجل على يقين سابق من الطهارة، حالکونه في الواقع فاقدا لها، فأجابه الإمام بأن لا تنقض اليقين بالشك. فهل هذا من الإغراء بالجهل؟! ولو سكت الإمام قبال من يعمل بالأصل عملا يفوت به الواقع، فهل فعل الإمام فعلا سيئا؟! وبالأخير؛ ربما كان الإمام في مقام التمهيد لعصر الغيبة، واقتضت الحكمة أن يسكت عن جواب السائلين ويرسلهم إلى من هو في بلد السائل من الفقهاء، تعویدا لهم بالتقليد والرجوع إلى غير المعصوم. فلو كان السائل مخطئا في ما يزعمه تكليفا لنفسه، أو كان الفقيه مفتيا

ات

ص: 266

بما هو مخالف للواقع، فمن المذنب في تفويت المصلحة عن العبد؛ الإمام المعصوم، أو الفقيه المجتهد، أو نفس المكلف الباحث عن تكليفه؟!

فنقول: نعم؛ الإمام عالم بحقائق الأمور، ومع ذلك لا يجب عليه أن يعلم الناس بجميع ما يعلمه.

إذن العمدة في وجه اعتبار الرؤية بالعين المسلحة هي طريقية الرؤية. فتفطن واغتنم كلام المحقق المعاصر الشيخ الخزعلي رحمه الله في المقام إذ يقول:

اگر بتوانیم بگوییم «دیدن از سوی کسانی که دیدی قوی تر از اندازه معمول دارند، اعتبار دارد» این را نیز می توانیم بگوییم که «اگر به کمک دوربینهای نجومی به طلوع هلال دست یافتیم و به این یقین حاصل کردیم، معتبر دانستن آن، هیچ اشکالی ندارد»؛ چه در این فرض، دیدن متعارف که چونان مانعی بر راه کشف ثبوت هلال بوده، از میان برداشته و تحقق موضوع یعنی [هلال ] ثابت شده است. بدین سان، به این نظر رسیدیم که آگاهی یافتن از طلوع هلال (به جای دیدن آن)بسنده( = کفایت)می کند، چونان که گواهی گواهانی با ویژگی پیش گفته، بسنده می کرد.

البته اگر احتمال داده شود که دوربین، در اصل دیدن نقش و اثری داشته، به گونه ای که هلال، در افق نبوده و دوربین به کمک پدیده شکست نور، هلال را به ما نمایانده است، در این صورت، این کشف، به طور قطع، هیچ اعتباری ندارد و از فرض بحث ما بیرون است؛ زیرا بحث ما در جایی است که به وجود هلال در افق، در زمان حاضر علم پیدا کنیم و دوربین و دیگر ابزارها، هیچ اثری جز بزرگ نمایی و نشان دادن مستقیم آنچه با چشم دیده نمی شود، نداشته باشد.(1)

ص: 267


1- مقالة «بحث حول رؤية الهلال»، للخزعلي، 124

فمع موافقتا للسيد الخوئي في معظم مما سبق لكن المسألة هذه موضع افتراقناعنه رحمه الله فإنه يقول:

لابد أن يكون وجود الهلال على نحو يمكن رؤيته بطريق عادي، فلا تكفي الرؤيةبالعين الحادة جدا، أو بعين مسلحة بالمكبر، أو العلم بوجوده بالمحاسبات الرصدية على دون تلك المرتبة.لاستفادة تلك الصفة له من النصوص المعتبرة الناطقة بأن لو رآه واحد لرآه خمسون أو لرآه مائة أو لرآه ألف، تعبيرا عن حد ماينبغي من صفة وجوده. فهذا أيضا مما لا خلاف بيننا فيه.(1)

والحق أنه لا ينبغي لأحد مثلنا و مثل السيد الخوئی قدس سره أن يحسب الرؤية طريقة محضة ويجعل المناط في تحقق الشهر على خروج القمر من المحاق أو ما يشبهه ثم يحكم بعدم تجدد الشهر ولو مع تحقق الخروج. فإن انکار الحكم بعد تجدد الموضوع بتهامه أمر على حد التناقض.

يقول السيد الحسيني الطهراني مستشكلا على السيد الخوئي رحمهما الله :

الالتزام بعدم مدخلية الرؤية، ثم الالتزام بعدم نهوض بعض الطرق اليقينية مثل بعض هذه الحسابات الصادرة من أصحاب الرأي هو الالتزام بتحقق المتناقضين كما لا يخفى.

لان مفاد عدم دخالة الرؤية في موضوع الحكم، هو تمامية موضوعه في حاق الواقع مع قطع النظر عن الرؤية؛ فالحكم يكون فعليا تاما بلا ترقب شيء آخر. وتصير الرؤية من شرائط تنجيزه وتعذيره، كسائر الطرق الوجدانية والعقلانية بلا اختلاف بينهما. فلابد وأن يلتزم بالحكم بدخول الشهر إذا نصب الطريق القطعي، من غير رؤية ما ولو من بعيد.(2)

ص: 268


1- رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للحسيني الطهراني، 82.
2- نفس المصدر، 100.

لايقال أنه مع قبول هذه الطريقة يلزم علينا الإفتاء بمثلها في كثير من المسائل، فيصبح الفقه فقها جديدا. فمثلا لما يقول الإمام علیه السلام:«إِذَا رَأَيْتَ أَبْيَاتَ مَكَّةَ فَاقْطَعِ التَّلْبِيَةَ»(1)لو كنا بانين على هذه الطريقة لوجب علينا القطع إذا رأينا الجدران بالمنظار.ومثله ما لو قال عليه السلام مجيبا عن وقت تقصير المسافر للصلاة: «مَتَى يُقَصِّرَ ؟ قَالَ : إِذَا تواری مِنَ الْبُيُوتِ»(2)و عن حين إتمام السفر:«إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَمِ الْمُسَافِرِ»(3)(أي صلى صلاته تماما) و ... فهل ترى المناط بسماع الأذان إذا اعتلى صوته عبر مكبرات الصوت؟وما ترى في صوت الأذان المسموع من إذاعات قد تبعد آلاف من الكيلومترات؟فلو اعتبرنا بذلك لما تحقق سفر في زماننا هذا! فإن أذان مكة المكرمة تكون قابلة للسماع في واشنطن. فما هو السفر وأين حد الترخص؟

يقول الشيخ يد الله الدوزدوزاني دام حظله ناقدا للمرام:

اگر بهره مندی از راههای غیر عادی و استفاده از وسایل مدرن را ملاک قراردهیم، در حد ترخص، شهر را از فاصله دور با دوربین های قوی می توان دید؛ وصدای اذان را با ابزار صوتی می توان شنید.(4)

فهذا قیاس مع الفارق. إذمعلوم أن خفاء الجدران أمارة على حد الترخص،وليس له موضوعية. بل الموضوع هو بلوغ المسافة؛ وخفاء الجدران هو أسهل الطرق عرفا لتشخيص هذا الحد. والرؤية بالمنظار تغير في المناط و هي المسافة وأما الرؤية للهلال بالعين المسلحة فلا تأثير لها في المناط وهو الخروج. إذن لا يسع لأحد أن يقول أن ملاك ترتب الحكم هو رؤية الجدارن أو خفائها ولو بالعين المسلحة. و كذا الأمر في سماع الأذان.

ص: 269


1- الكافي، للكليني،399/4
2- نفس المصدر، 3/ 434
3- تهذيب، للشيخ الطوسي، 4/ 317.
4- رسالة هلالية، للدوزدوزاني، 75.

هذا مثل ما إذا در مسافة شرعا برمي الرامي(1)؛ فإنه لا بد من حمله على رمي السهام المتعارفة في ذاك الزمان دون الصاروخات وحتى الرصاصات المعروفة عندنا.

وبالأخير؛ قد يستشكل على المختار بأن المنازل التي تتمكن العين المسلحة فيها من الرؤية، تتقدم على ما يتمكن فيها الرؤية بالعين الساذجة، وتغاير المنزلين قد يؤدي إلى الفرق بين يوم الصوم والعيد بمقدار يوم أو ليلة. ولا ريب في أن مدار الشهر في الواقع وفي نشأة الثبوت لا يدور إلا على أحد المنزلين. وأيضا لا ريب في اعتبار العين الساذجة. فلا بد من الحكم بعدم اعتبار المنزل الآخر-وهو الذي يختص بالرؤية بالعين المسلحة- في ثبوت الشهر.

يقول الشيخ رضا المختاري حفظه الله:

اکنون این سؤال پیش می آید کدام یک از این دو موضوع و دو منزل ماه، موضوع حکمند؟«رؤیت پذیری با چشم عادی» یا «رؤیت پذیری با چشم مسلح» یا هردو؟روشن است که نتیجه و اثر این دو موضوع هم متفاوت است، یعنی اگر اولی موضوع حكم باشد در بسیاری از آفاق و در بسیاری از ماه ها لازم می آید که ماه قمری قبلی 30 روزه و مثلا شنبه روز اول ماه بعد باشد، و اگر دومی موضوع باشد، لازم می آید که ماه قمری قبلی 29 روزه و مثلا جمعه روز اول ماه بعد باشد.

ص: 270


1- هذا کما ورد في التفحص عن الماء في المسافر الذي لا يجد الماء للوضوء: عن علي علیه السلام أنه قَالَ : يُطْلَبُ الْمَاءُ فِي السَّفَرِ ؛ إِنْ كانَتِ الْحُزُونَةُ(زمین ناهموار) فَغَلْوَتَيْنِ.لاَ يُطْلَبُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.(تهذيب، للشيخ الطوسي،202/1)والغلوة كما في مصباح المنير وغيرها، الغاية؛ وهي رمي سهم أبعد ما يقدر عليه؛ ويقال هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة.(راجع المصباح المنير، للفيومي، 2/ 452)

اکنون باید به این سؤال پاسخ داد که در واقع و مقام ثبوت حکم، کدام یک از این دو موضوع یعنی: «رؤیت پذیری با چشم عادی» و «رؤیت پذیری با چشم مسلح» موضوع حکمند؟ روشن است که باید فقط یکی موضوع باشد. از سوی دیگر معتبر نبودن رؤیت با چشم عادی که بدیهى البطلان، و مخالف هم به آن معترف است پس باید رؤیت با چشم مسلح معتبر نباشد؛ زیرا محال است در مقام ثبوت، موضوع یک حکم، دو چیز متباين، و اثر مترتب بر یکی با دیگری متضاد باشد. بدین معنی که اگر ثبوتا «الف» موضوع حکم باشد لازمه و اثرش آن است که شنبه اول ماه است، و اگر «ب» موضوع باشد لازمه اش آن است که - در همان فرض - جمعه اول ماه است. در چنین موردی محال است که شارع به صورت مانعة الخلو، موضوع بودن هر دو را معتبر دانسته باشد... و چون عدم اعتبار رؤیت با چشم عادی و بدون ابزار بدیهى البطلان است، به ناچار بایدرؤیت با چشم مسلح معتبر نباشد.(1)

ولنا أن نجيب عنه ونقول: ان المناط في تجدد الشهر ليس إلا الخروج عن تحت الشعاع ، ومعه لا تتنجز الأحكام المترتبة على التجدد بعد إلا عقيب علم المكلف بالخروج. وأما عند العلم، فإنه وإن كان العلم الحاصل عن الآلات والأدوات نافذا منجزا، إلا أن الناس لم يكونوا مكلفين بتحصيله، بل كلفوا بالإستهلال بالعين الساذجة على سبيل القدر المتيقن، تسهيلا للعباد وتفضلا عليهم. فعندئذ لو تفحص أحد عن الهلال عبر العين المسلحة عن تلقاء نفسه، كان حجة عليه ومثبتا للشهر.

ثم لو فات عن العبد مصلحة، لا يعد من التفويت القبيح المستنكر على المولى،إذ قد كان في سبيل تحصيل مصلحة ربما تكون أعظم وأعم وهي التسهيل؛ هذا مضافا إلى ما يتصور في المسألة من امكان التدارك بالمصلحة السلوكية ونحوها. فلا مجال للاشکال. والله أعلم.

ص: 271


1- مقالة «رؤية الهلال بالعين المسلحة»، للمختاری، 222.

كلمة الختام

هذه الطرق التي بحثنا عنها في اثبات الشهر والهلال، هي التي زعمنا أنها يمكن الإستدلال لها بالأدلة المعتبرة الشرعية، وهي الرؤية وإن كانت نهارية أو بعين مسلحة، والبينة على الرؤية، ثم التواتر والشياع، وحكم الحاكم ومضى الثلاثين، ثم الحسابات الهيوية. والأخرى من الطرق مثل تطوق الهلال، ورؤية ظل الرأس، وعدم الأفول قبل الشفق و ... فلم يدل عليها دلیل معتبر.

فهذا آخر ما رزقنا الله تعالی حتى الآن؛ والله سبحانه وتعالی هو العالم بالأحكام والأسرار.وآخر دعوينا أن الحمد لله رب العالمين.

خدایا چنان کن سرانجام کار***تو خوشنود باشی و ما رستگار

بحمد الله تم في ليلة عيد الفطر من سنة 1439 - 2018 Jun

بقم المقدسة

ص: 272

الصور والرسوم البيانية

ص: 273

ص: 274

الصور

ص: 275

الصور

ص: 276

الصور

ص: 277

الصور

ص: 278

الصور

ص: 279

الصور

ص: 280

الصور

ص: 281

الصور

ص: 282

الصور

ص: 283

الصور

ص: 284

الصور

ص: 285

الصور

ص: 286

الصور

ص: 287

الصور

ص: 288

الصور

ص: 289

الصور

ص: 290

الكتاب الثاني فی المغرب الشرعي

اشارة

ص: 291

ص: 292

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلواة الله وملائكته ورسله والمؤمنين على محمد وآله أجمعين.

التمهيد

الصلاة من العبادات التي ؤقت لها وقت خاص في الشريعة السهلة السمحة كمايقول سبحانه وتعالی:

إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(1)

ولكن وقع الخلاف بين فقهاء الفريقين في تفسير الآيات و بيان أوقات الصلوات اليومية التي منها «وقت صلاة المغرب».وفي خصوصها، الفقهاء ما عدا الإمامية منهم اتفقوا على رأي واحد من أن الغروب و المغرب شيء واحد وهو ليس إلا استتار قرص الشمس عن أفق المصلي، فهذا أول وقت صلاة المغرب و وقت فضيلتها، إذ «أفضل الوقت أوله».(2)نعم، قد وقع الاختلاف بينهم في تحديد آخره من أنه ربع الليل أو نصفه أو يمتد إلى طلوع الفجر.(3)

ص: 293


1- القرآن الكريم، النساء، 103.
2- وسائل، للحر العاملي، 4/ 121.
3- نیل الأوطار، للشوكاني، 2/ 5، وبداية المجتهد، لابن رشد، 1/ 103، والمغني، لابن قدامة،24/2

أما علماء الإمامية رحمهم الله فقد ذهبو في أول وقتها إلى قولين:

• الأول عين ما ذهب إليه قاطبة فقهاء العامة من أن الغروب و المغرب شيء واحد وهو استتار قرص الشمس وبه تدخل وقت صلاة المغرب.

• والثاني التفصيل بين الغروب وهو استتار الشمس، والمغرب الذي هو ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس. ودخول الوقت بالمغرب لا الغروب.

وهذين هما القولين المعروفين بين الإمامية وربما ينسب الثاني إلى المشهور.

فالمسألة ذات جهات يجب توفيرها اتماما للفائدة.

- الجهة الأولى في تحرير محل النزاع

- والثانية في الشهرة المدعاة بالنسبة إلى القول الثاني و تحقيق صحتها أو سقمها؛وهي تقتضي نقل اقوال الفقهاء ودراسة فتاويهم على طول زمن الفقاهة.

- والثالثة، فحص المصادر وتجميع ما يمكننا من الأدلة الأربعة، والمهم في هذه الجهة هي الروايات الدالة على كلا القولين.

- والجهة الرابعة هي جهة الإجتهاد وفقه الأدلة، تقييما للقولين، ثم اختيار الرأي وفقا لما ساعده الحجة.

ومعلوم أن البحث بطبعه يقتضي البسط والتوسعة والدراسة عن كل النصوص، الصحيح منها والموثق وغيرهما حتى المرسلات والضعاف. ولابد أيضا من تحقیق آراء الفقهاء ودراسة تطورها على مدى القرون. وبهذا السبب نستدعي عن القاري الكريم بذل الجهد والتأني في قرائة هذا المقال،وعدم الملال و التعبان من تطويله في بعض الموارد، سيما في نقل الأقوال والأدلة، لأن كل اطناب ليس مملا كما أن كل ايجازلم يكن ملا.

ص: 294

الفصل الأول في تحرير القولين ونقل الأقوال

اشارة

ص: 295

ص: 296

تحریر محل النزاع

مما يجب أن يعلم في هذا المجال، أن تابعي مدرسة أهل البيت عليهم السلام لم يختلفوا في كبرى البحث بل إنهم قد أجمعوا - کما أجمعت العامة - على أن وقت صلاة المغرب تبتدأ من حين غياب الشمس عن أفق المصلي. بل قد يعدوها ضروريا للدين. فهذا هو السيد عبد الأعلى السبزواري حيث يقول:

أما دخول وقت المغرب بالغروب فهو من ضروريات الدين في الجملة.(1)

ولكنهم اختلفوا فيها يتحقق به الغياب وأنه هل يكفي فيه اختفاء القرص عن عين المكلف أو يجب لإحراز اختفائها متابعة علامات كذهاب الحمرة المشرقية؟ وعليه فيمكن عد النزاع صغرویا واقعا فيما يتحقق به موضوع الكبرى، وليس هو إلا مغيب الشمس المتفق عليه عند كافة المسلمين. وإليك بعض العبارات في ادعاء الإجماع على ابتداء وقت المغرب بالغروب وفي أن النزاع يقع فيها تحقق به الغروب.

جاء في ذخيرة المعاد:

هاهنا مسائل؛ الأولى أن وقت المغرب غروب الشمس بلا خلاف. قال في المعتبر وهو إجماع العلماء وقال في المنتهى «هو قول كل من يحفظ منه العلم لا نعرف فيه مخالفا» والأخبار الدالة عليه متواترة واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغروب.(2)

ص: 297


1- مهذب الاحکام، للسبزواری،42/5
2- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري،191/2

وفي الحدائق:

لا خلاف بين الأصحاب في أن أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس. قال في المعتبر«وهو إجماع العلماء»، وإنما الخلاف في ما به يتحقق الغروب، فالمشهور وهو الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إنما يعلم بزوال الحمرة المشرقية عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب، وقيل أنه عبارة عن غيبوبة القرص عن العين في الأفق مع عدم الحائل.(1)

وفي أنوار الفقاهة:

أن وقت المغرب هو الغروب بالإجماع ولكن وقع الخلاف فيها يتحقق به الغروب،فهل هو غيبوبة القرص عن الناظر مع عدم الحائل، أو هو غيبوبتها عن الآفاق حقيقة، اللازم لغيبوبة الحمرة المشرقية عن الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي قولان.(2)

وفي عبارة المحقق الأنصاري رحمه الله علیه:

لا خلاف ظاهرا- كما في كلام جماعة وعن آخرین- في أن أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس، وإنما الخلاف فيما يتحقق به الغروب، والأظهر - المعزى إلى الأكثر من تقدم و تأخر - أنه إنما يعلم بزوال الحمرة المشرقية، وإن اختلف ظواهر عباراتهم في كفاية ذلك أو اعتبار جواز الحمرة عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب، وقيل: إنه عبارة عن غيبوبة القرص عن العين في الأفق مع عدم الحائل، وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط و...(3)

ص: 298


1- الحدائق، ليوسف البحراني، 6/ 164
2- انوار الفقاهة، للشيخ حسن کاشف الغطاء، 16 .
3- کتاب الصلاة، للشيخ الأنصاري ، 1/ 70.

وفي مصباح الفقيه (وهو شرح مزجي للشرایع):

(و) يعلم (الغروب) أي غروب الشمس، الذي هو أول وقت صلاة المغرب إجماعا-کما عن جماعة نقله- (باستتار القرص) عن العين في الأفق مع عدم الحائل، کما عن غير واحد من القدماء - كالصدوق في العلل وظاهر الفقيه، وابن أبي عقيل و المرتضى والشيخ في مبسوطه و جماعة من [متأخري] المتأخرين- (وقيل بذهاب الحمرة من المشرق، وهو الأشهر) بل المشهور کما ادعاه غير واحد...(1)

وهذه العبارات التي لها نظائر في الكتب الفقهية تدل على أن وقت صلاة المغرب - من حيث الحكم- أمر واضح لا غبار عليه عند القوم وهو غيبوبة الشمس عن أفق المصلي من غير حائل عارض عليها من جبال وتلال أو سحاب أو ضباب أو بخار أو مانع آخر؛ وإنما وقع النزاع بين الفقهاء في الطريق إلى هذا الموضوع، أي أنه كيف يتحقق العلم بغيبوبة الشمس. فالنزاع صغروي وقع فيما يعلم به تحقق موضوع الحكم لا في نفس الحكم، ويصح منا لو سمينا مثل هذا الإجماع، إجماعا مجامعا للخلاف، فإن الخلاف إنما شجر فيما يتحقق به الموضوع والصغرى، بعد ما كانت الكبرى من الحتميات. فلتغایر رتبة هذه عن ذاك يمكن الجمع بينهما.

وذاك التحاذي والإتجاه الواحد نحو المسالة منبعث من لسان الروايات التي سيأتي تفصيلها. وكما الروايات افادتنا الإجماع، كذا الإجماع يفيدنا في استفسار الروايات والجمع بين ما تبدوا منها متنافيات، وذاك لأن التفاهم الواقع بين الفقهاء منذ الصدر الأول إلى الآن وتوحيد رأيهم أمام فئة من الروايات، تكشف لنا عن نقطة مضوية ما طاب لأحد أن يغض النظر عنها. فهي تصلح لأن تكون أصلا في البحث.

ص: 299


1- مصباح الفقيه، لآغا رضا الهمداني، 9/ 142.

نقل أقوال الفقهاء في المسألة

کما ذکرنا قد يعد القول الثاني وهو لزوم ذهاب الحمرة مشهورا، وهو اليوم كذلك. لكن نظرا إلى خطر شأنها وتأثيرها في الإفتاء والمفتي لا يحسن متا الاغضماض عنها أو القصور فيها. فإن الشهرة قد تنزل منزلة الإجماع و تكون من الأدلة الإجتهاديه وقد تكون قرينة للمفتي على تقوية فهم وفكرة منبعثة عن الروايات أو على تنقيصها وهذان ما سيجيئ توضيحهما، إن شاء الله تعالى. فجدير أن نحقق حولها، ولا سبيل إلى هذا الأمر إلا نقلها عن الغير أو استقرائها واستقصاء الكتب والفتاوي متفحصا عنها، ونحن فاعلون للثاني، إن شاء الله تعالى، مقدما للاقدمين ومؤخرا للمتأخرين، ثم متأخري المتأخرين.

ص: 300

القائلون بكفاية استتار القرص

المتقدمون

الصدوق الأول؛ علي بن بابوية رحمه الله

قد حكى الصدوق الثاني محمد بن علي في كتابه القيم «من لا يحضر»، عن رأي

أبيه علي بن بابویه (المتوفي 329)رحمهماالله بقوله:

وقال أبي رضی الله عنه في رسالته إلى: يحل لك الإفطار إذا بدت ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس وهي رواية أبان عن زرارة عن أبي جعفرعلیه السلام(1)

ولو ركزت على الجملة الحالية صدقت بأنه يعتقدرحمه الله أن بدو النجوم قرین مع استتار القرص وهو الوقت الذي يحل فيه الإفطار، ونظرا إلى أن وقت صلاة المغرب ملازم مع وقت الإفطار فرأي علي بن بابویه في وقت صلاة المغرب هو استتار القرص.

وفي فقه الرضا علیه السلام:

وأول وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه أن يسود أفق المشرق وآخروقتها غروب الشفق

وقال في موضع آخر:

والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق وفي الغيم سواد المحاجز وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس.(2)

ص: 301


1- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق ، 2/ 129
2- فقه الرضا عليه السلام، لابن بابویه، 73 و 104، وفي بعض النسخ « المحاجر »

كما تشاهد أن المؤلف جعل وقت المغرب غيبوبة الشمس ثم بين لها علامة وهي ذهاب الحمرة. ومثل قوله «وقد كثرت الروايات... »أقوى شاهد على أن كتاب «فقه الرضا» ليس للإمام الرضالیه السلام إذ العبارة فيما بين قول معصوم يستشهد بقول آبائه الكرام وبين قول فقيه يفحص في الروايات، أشبه بالثاني وهذا أمر واضح. ولو بنينا على هذا فيحتمل قويا أنه يكون من تأليفات علي بن بابویه.

الصدوق الثاني؛ محمد بن علي رحمهماالله

فهذا هو الصدوق (المتوفي 381) في الاعتقاد والعمل وهو المحقق المحدث الباهررحمه الله وهو من الأقدمين، فإنه روي في العلل روايات كثيرة ظاهرها الرأي الثاني ثم أورد على أثرها نيفا من الأحاديث المعتبرة التي تدل على الرأي الأول، کرواية شهاب، ورواية زيد الشحام ورواية علي بن حکم و ... ثم أفاض بأن الطائفة الأولى ليست مفتی بها عنده، وإليك نفس عبارته:

قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب إنما أوردت هذه الأخبار على أثر الخبر الذي في أول هذا الباب، لأن الخبر الأول احتجت إليه في هذا المكان لما فيه من ذكر العلة وليس هو الذي أقصده من الأخبار التي رويتها في هذا المعنى، فأوردت ماأقصده وأستعمله وأفتي به على أثره ليعلم ما أقصده من ذلك.(1)

فهذه العبارة صريحة في أن المعتبر في توقيت صلاة المغرب هو استتار الشمس؛كما هو صریح عباراته في سائر كتبه .

ص: 302


1- علل الشرایع، للشيخ الصدوق ، 2/ 350.

ومثله في التصريح بالقول الأول عبارته في الهداية، فانه يقول:

قال الصادق علیه السلام: إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار، و وجبت الصلاة، و وقت المغرب أضيق الأوقات، وهو (من حين غيبوبة الشمس إلى)غيبوبة الشفق،و وقت العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل.

فان كان وقت صلاة المغرب بعد ذهاب الحمرة المشرقية فكيف يفتي هذا المحدث السياح والفقيه المدقق صراحة بأن وقته نفس غيبوبة الشمس؟! وكتاب«الهداية» من الأصول المتلقات من الأئمة الأطهار علیهم السلام .

وهكذا عبارته في كتابه القيم«من لا يحضر». فائه اكتفى فيه بنقل الأخبار التي تدل على القول الأول و أعرض عن الأخبار التي استند بها للقول المنسوب إلى المشهور. فان كان القول الثاني مستقرا ومشهورا عند الإمامية فكيف أعرض مثل الصدوق المحدث عنه وعن مستنداته؟!

وهو ظاهر عبارته في المقنع أيضا حيث يقول:

باب الوقت الذي يجوز فيه الإفطار؛ اعلم أنه لا يحل لك الإفطار إلا إذا بدت لك ثلاثة أنجم، وهي تطلع مع غروب الشمس.(1)

ابن عقيل رحمه الله

والمراد «ابن أبي عقيل» وهو «حسن بن علي أو حسن بن عیسی بن أبي عقيل العماني» المتوفي بسنة 329، الذي يكون من الفقهاء الأقدمين وكان كتابه جامعا لأبواب الفقه، وفتاواه مشتهرا بين الإمامية بحيث كانوا يطلبونها قوافل الحاج حينما يدخلون

ص: 303


1- المقنع، للشيخ الصدوق ، 205.

مدينة الرسول صلی الله علیه واله في موسم الحج. وهو من كبار الفقهاء العائشين منذ أواخر القرن الثالث إلى أوائل القرن الرابع وهو من معاصري الكليني.(1)

إلا أن مع الأسف دسيسة أيدي الظلمة قد غارت على الحضارة والفضيلة. والظروف القاسية أضاعت نسخ هذا الكتاب وأوجبت حرمان الامة منها. لكن بحمد الله قد جمع بعض فتاويه بمحاولة الفقهاء والمحققين من شتات الكتب الفقهية مثل رسائل السيد المرتضي ومختلف العلامة و... يقول النجاشي في شأنه:

الحسن بن علي بن أبي عقيل، أبو محمد العماني، الحذاء، فقیه متکلم ثقة. له كتب في الفقه والكلام منها كتاب«المتمسك بحبل آل الرسول» کتاب مشهور في الطائفة، وقيل ما ورد الحاج (حاج) من خراسان إلا طلب واشترى منه نسخة . وسمعت شيخنا أبا عبد الله رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله.(2)

قال السيد المرتضى رحمه الله في الجمل:

إذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب... واختاره ابن جنید، وابن زهرة، وابن إدريس ... وقال ابن أبي عقيل: إن أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامته أن يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو واشتباك النجوم فإن جاوز ذلك بأقل قليل حتى تغيب الشفق دخل في الوقت الأخير.(3)

ص: 304


1- حياة ابن أبي عقيل، لابن أبي عقيل، 9 .
2- رجال، للنجاشي، 37
3- مجموعة فتاوی ابن أبي عقيل، لابن أبي عقيل، 25.

وفي المختلف:

وقال ابن أبي عقيل أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوط القرص أن يسود أفق السماء من المشرق.(1)

فانه صرح على أن المغرب هو نفس استتار القرص عن أفق المصلي ثم بين له علامة مثل ذهاب الحمرة. ففي كلا العبارتين وقت المغرب بنفس استتار القرص.

ابن زهرة وابن جنید رحمهماالله

وهذه العبارة المتقدمة تتضمن فتاوي ابن زهرة وابن جنيد الإسكافي (المتوفيان في قرن الرابع) أيضا فان ابن جنید حال كتبه وفتاويه عين ما حل على فتاوي ابن عقيل.

نعمان بن محمد التميمي رحمه الله

في دعائم الإسلام لنعمان بن محمد (المتوفي 363):

وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام وعن آبائه أن أول وقت المغرب غياب الشمس وهو أن يتواري القرص في أفق المغرب بغیر مانع من حاجز يحجز دون الأفق من مثل جبل أو حائط أو نحو ذلك فإذا غاب القرص فذلك أول وقت صلاة المغرب، وهو إجماع، وعلامة سقوط القرص - إن حال حائل دون الأفق -أن يسود أفق المشرق كذلك.(2)

وهذه العبارة منه صريحة في توقيت صلاةالمغرب. وفيها إشارة إلى أن سواد الأفق انا يعتبر في الآفاق التي لها حائل، اطمئنانا عن تحقق الموضوع.

ص: 305


1- مختلف الشيعة، للعلامة الحلي،40/2
2- دعائم الاسلام، للقاضي النعمان، 1/ 138

الشيخ المفيد رحمه الله

شيخنا المفيد للطائفة الإمامية (المتوفي 413) يقول:

وأول وقت المغرب مغيب الشمس وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل للمغرب في السماء وذلك أن المشرق مطل (اي مشرف)على المغرب فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا هذه فهي تلقى ضوءها على المشرق في السماء...(1)

وهو أيضا يصرح أن وقت صلاة المغرب غيبوبة الشمس. وأن عدم الحمرة علامة لتحقق الاستتار.

السيد المرتضي رحمه الله

وهذا صریح عبارة السيد المرتضي (المتوفي 436) - الذي هو من أعاظم الفقه في صدره الأول، الذي يعتد الفقهاء بآرائه - في رسائله و جمله، فهو يقول:

المسألة الخامسة، هل بين المغرب والعشاء الآخرة فرق غير أربع ركعات النافلة، و(هل) أول صلاة المغرب سقوط القرص، أم إذا بدت ثلاثة أنجم لا ترى بالنهار؟

الجواب: إذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، من غير مراعاة لطلوع النجم، فإذا مضى من الوقت مقدار ما يؤدي فيه ثلاث ركعات اشترك الوقت بين صلاة المغرب وبين صلاة العشاء الآخرة.(2)

ص: 306


1- المقنعة، للشيخ المفيد، 93
2- رسائل الشريف المرتضى ، للسيد المرتضی، 1/ 274

وقال في الجمل:

فإذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب فإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات دخل وقت عشاء الآخرة.(1)

وقال في الناصريات:

المسألة الثالثة والسبعون؛ للمغرب وقتان كسائر الصلوات، عندنا أن أول وقت المغرب مغيب الشمس، وآخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة، وروي ربع الليل، وحکی بعض أصحابنا: أن وقتها يمتد إلى نصف الليل. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، ومالك، والثوري، وابن حي: لصلاة المغرب أول وآخرکسائر الصلوات وقال الشافعي: ليس للمغرب إلا وقت واحد.(2)

أيها القاري الكريم، شهدت ثلاث من كتب السيد الفتوائية و خلوها عن اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية في دخول وقت المغرب فهذا يشهد أن المتداول بين معاشر الشيعة وقدمائهم هو استتار القرص.

شیخ الطائفة رحمه الله

ويقول شيخ الطائفة (المتوفي 460) في الخلاف:

أول وقت المغرب، إذا غابت الشمس، وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة، وبه قال أبو حنيفة، و....(3)

ص: 307


1- جمل العلم و العمل، للسيد المرتضی، 50
2- الناصريات، للسيد المرتضی، 193.
3- الخلاف، للشيخ الطوسي، 1/ 261.

وفي الجمل أيضا:

أول وقت المغرب غيبوبة الشمس، وآخره غيبوبة الشفق وهو الحمرة، من ناحية المغرب.(1)

وهو صریح عبارة الشيخ في المبسوط حيث قال:

إنه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ولا حائل بينه وبينها ورآها قد غابت عن العين علم غروبها، وفي أصحابنا من يراعى زوال الحمرة من ناحية المشرق وهو الأحوط. فأما على القول الأول إذا غابت الشمس عن البصر ورأى ضوئها على جبل يقابلها أو مكان عال مثل منارة إسكندرية أو شبهها فإنه يصلى ولا يلزمه حكم طلوعها بحيث طلعت، وعلى الرواية الأخرى لا يجوز ذلك حتى تغيب في كل...(2)

فترى أنه يفتي أولا بكفاية الغياب عن العين ثم ينقل بلسان مشعر بقلة القائلين القول الآخر وهو مراعاة ذهاب الحمرة، ثم يستحسنه من باب الاحتياط، لا بأنه من مقومات الوقت.

وهو ظاهر عبارة الإستبصار فإنه اكتفي بنقل ما دل على أن المغرب هو استتار.وبقي عبارة النهاية التي تعتبر ذهاب الحمرة علامة للاستتار وبهذا تفاوت لما مرمنه في سائر كتبه وسياتي بيانه.

ص: 308


1- الجمل و العقود، للشيخ الطوسي، 59 .
2- المبسوط، للشيخ الطوسي، 1/ 74

سلار الديلمي رحمه الله

قال في المراسم (المتوفي 448):

فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر؛ و وقت العصر: عند الفراغ من الظهر، و وقت المغرب: عند غروب الشمس، و وقت العشاء الآخرة: إذا غاب الشفق الأحمر، و وقت صلاة الفجر: إذا طلع الفجر الثاني.(1)

ابن براج الطرابلسي رحمه الله

قال ابن براج في المهذب (المتوفي 481):

والثالث المغرب وله وقتان: أول وآخر، فالأول سقوط القرص من أفق المغرب، والأخر غيبوبة الشفق من جهته وفي أصحابنا من ذهب إلى أنه لا وقت له إلا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب وقد رخص للمسافر الذي يجد به

السير، تأخير ذلك إلى ربع الليل.(2)

كما تلاحظ لا يكون في عبارة هذين العلمين إشارة إلى اعتبار ذهاب الحمرة.حتى أنهما لم يجعلاه علامة. بل لم ينقلاه حتى على قدر قیل.

ابن حمزة الطوسي رحمه الله

يقول ابن حمزة (المتوفي 566) في الوسيلة:

و وقت المغرب غروب الشمس وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق إلى غروب الشفق للمختار وإلى ربع الليل لصاحب العذر.(3)

ص: 309


1- المراسم، للسلار،59 .
2- المهذب، لابن البراج، 1/ 69 .
3- الوسيلة، لابن حمزة الطوسي، 83

عبارته صريحة في توقيت المغرب وأنه يبتدأ بغيبوبة القرص. ولعل في عبارته إشعار إلى القول الثاني بعد ما وقت هذا الفقيه وقت المغرب بغيبوبة القرص.

وأنت على غنى عن بيان أن أكثر هذه الكتب التي نقلنا عنها، كانت من الأصول المتلقات التي مع كونها کتب فتوائية غير روائية، لكنها استخدمت نفس عبارة الروايات في متنها. فهذا بنفسه يزيد في قيمة ما دلت عليه هذه الكتب، وهو فيما نحن فيه اعتبار غيبوبة القرص في دخول وقت صلاة المغرب، وعدم المدخلية لذهاب الحمرة.

ابن زهرة الحلبي رحمه الله

وفي غنية أبو المكارم بن زهرة (المتوفي 585):

فإذا غربت الشمس، خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب، فإذا مضى مقدارأداء ثلاث ركعات، دخل وقت عشاء الآخرة، واشتركت الصلاتان في(1)...

وهذا تصريح منه على أن وقت صلاة المغرب حين غروب الشمس.

الكيدري رحمه الله

وفي إصباح الشريعة:

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس بأن يراها غابت عن العين و السماء.(2)

فجعل المحقق الكيدري (المتوفي 610) وقت صلاة المغرب تبتدأ بصرف استتار القرص ولم يعتبر ذهاب الحمرة حتى على قدر علامة بل علم المغرب بأنه إذا نظر إلى الشمس لم يرها.

ص: 310


1- غنية النزوع، لابن زهرة، 69 .
2- إصباح الشيعة، للكيدری، 59.

الفاضل الآبي رحمه الله

و في كشف الرموز للفاضل الآبي (المتوفي 672):

والظهر مقدمة حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر فيختص به ثم يدخل وقت المغرب، فإذا مضى مقدار أدائها اشترك الفرضان في الوقت، والمغرب مقدمة حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء فيختص به.(1)

فدلت على أن وقت العصر ينتهي بالغروب ثم يبتدأ وقت المغرب؛ وظاهرهامشعر بأن وقت المغرب هو من حين استتار الشمس.

المحقق الحلي رحمه الله

وفي الشرائع للمحقق الحلي (المتوفي 676) التي استعير لها بقرآن الفقه، قد يصرح العلامة بأن وقت صلاة المغرب هو صرف غيبوبة الشمس واستتار القرص، ويضعف القول الثاني بنسبته إلى «قیل». قال:

ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة والغروب باستتار القرص وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهوالأشهر.

وقال أيضا:

وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ويختص من أوله بمقدار ثلاث رکعات ثم يشاركها العشاء حتى ينتصف الليل.(2)

ص: 311


1- کشف الرموز، للفاضل الآبي، 1/ 126
2- شرائع، للمحقق الحلي، 1/ 50 و 51.

ولو كان أحد يطلب الاعتماد على كتاب أو فقيه، فجدير أن يتكل على مثل هذاالمحقق العميق وذاك الكتاب الأنيق. ومثله عبارته في المعتبر، حيث يقول:

أول وقت المغرب عن غروب الشمس، وهو إجماع العلماء، وآخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق(1)

وفي نكت النهاية :

وأول وقت صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس. وعلامته سقوط القرص. وعلامة سقوطه عدم الحمرة من جانب المشرق. وآخر وقته سقوط الشفق، وهوالحمرة من ناحية المغرب.(2)

ترى أنه كيف صرح بأن وقت صلاة المغرب تبتدأ بغيبوبة الشمس، ثم عين لهاعلامة وجعلها سقوط الحمرة.

كل هذه العبارات هي عبارات القدماء من الأصحاب، وتتلوها عبارات بعض

الفحول المتأخرين الذين مالوا إلى هذا القول واستقروا عليه وأصروا به إصرارا.

ص: 312


1- المعتبر، للمحقق الحلى،40/2
2- نکت النهاية، للمحقق الحلي، 1/ 278 و 279.

المتأخرون

المؤمن القمي رحمه الله

وفي جامع الخلاف للسبزواري (المتوفي في قرن السابع):

وإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب فإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات دخل وقت العشاء الآخرة.(1)

العلامة الحلي رحمه الله

وفي المختلف للعلامة الحلي (المتوفي 726):

والحق ما ذهب إليه السيد المرتضى أولا. لنا قوله تعالی«أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل» وفي بعض الأقوال أن غسق الليل نصفه، وما رواه عبید بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه، وإذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه...(2)

وللعلامة عبارات كثيرة تنافي ظاهرها هذه العبارة يأتي نقلها ذيلا للقول الثاني.

جمال الدين، ابن فهد الحلي رحمه الله

المهذب البارع لأحمد بن محمد الأسدي (المتوفي 841):

السابعة: في تقدير أول وقت العشاء وفيه قولان: (الأول) بعد مضي مقدار ثلاث

ص: 313


1- جامع الخلاف و الوفاق، للمؤمن القمي، 56 و 57 .
2- مختلف الشيعة، للعلامة الحلي، 2/ 21.

بعد الغروب، وهو قول المرتضى وأبو علي والقاضي والتقي وابن حمزة وابن إدريس وهو اختيار الشيخ في الجمل والمصنف والعلامة . (الثاني) بعد ذهاب الحمرة، وهو اختيار الشيخين وسلار والحسن.(1)

المحقق الأردبيلي رحمه الله

وفي مجمع الفائدة والبرهان للمحقق الأردبيلي (المتوفي 993):

وأقوى ما يدل على أن أول وقته استتار القرص - بعد أخبار صحيحة على غيبوبة الشمس مطلقا - صحيحة عبد الله بن سنان (الثقة، في الكافي والتهذيب). قال: سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول:«وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها» و خبر زيد الشحام حيث صعد أبي (أبا) قبيس، الخبر، وفي بعض الأخبار غير الصحيحة(متی تغیب قرصها؟) قال: إذا نظرت إليه فلم تره. والأولى غير صريحة، قابلة للتأويل المتقدم، والباقي غير رواية الشحام غير صحيحة، ولكن العمل بها مشکل، فتأمل.(2)

لكنه يرى بالكثرة والإستفاضة لمستندات القول الأول وباعتبارها، وفي الحين نفسه يتلقى الأخبار الدالة على الثاني بضعاف لا يخلو الإحتياط عن العمل بهن.

المحقق الحلي رحمه الله

وفي مدارك الأحكام للمحقق الحلي (المتوفي 676):

ولا ريب أن الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم، وإن

ص: 314


1- المهذب البارع، لابن فهد الحلي، 1/ 284 .
2- مجمع الفائدة و البرهان، للمحقق الأردبيلي، 2/ 23.

كان القول بالاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة. قال في التذكرة: وهو-أي الغروب ظاهر في الصحاري، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لايبقى شيء من الشعاع على رؤس الجدران و قلل الجبال. وهو حسن.(1)

المحقق السبزواري رحمه الله

وفي كفاية الأحكام للمحقق السبزواري (المتوفي 1090):

وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، والمشهور أنه يعلم الغروب بزوال الحمرة من جهة المشرق، والأقرب أنه لا يتوقف على ذلك، بل يعلم بزوال الأشعة عن الأشجار والأبنية العالية، .... ويستحب تأخيرها إلى ذهاب الحمرة المشرقية.(2)

وقد صرح هذا الفقيه أن الملاك في وقت صلاة المغرب غيبوبة الشمس فلا انتظار بعدها. ومعلوم أن انتظار ذهاب الحمرة هو مقتضى الاحتياط. فانظر إلى هذا الفقيه الذي لا يعتمد في الإفتاء إلا بالصحيح الأعلائي الذي لا يقل اعتبار سنده عن مئة بالمئة، كيف مال إلى القول الأول ولا يعتني بأدلة القول الثاني مع كثرة مستنداته.

الشيخ البهائي رحمه الله

في الحبل المتين للشيخ البهائي (المتوفي 1031):

الفصل الرابع في وقتي المغرب والعشاء، أربعة وعشرون حديثا من الصحاح؛ (الأول) عبيد بن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء (الثاني) عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها...

ص: 315


1- شرائع، للمحقق الحلي، 3/ 53.
2- كفاية الأحكام، للمحقق السبزواري، 1/ 77.

وجاء في موضع آخر منه:

لكني لم أظفر في ذلك (لزوم ذهاب الحمرة) بحديث تركن النفس إليه (نعم) هنا أخبار ضعيفة متضمنة لذلك كما رواه ابن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق الحديث وكما رواه یزید بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا غابت الحمرة من هذاالجانب یعنی من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها.(1)

وهذه العبارة صريحة في استقرار القول الأول عنده وأنت كما ترى من عبارته أنه لم يظفر على مستند للقول الثاني تركن إليه النفس، بل ضعف كل مستندات التي تمسك بها القائلون بالقول الثاني زاعمين بأنها صحاح مستفيضات! وسيأتي نقل هذا التوصيف عنهم، إن شاء الله تعالى. ومر عليك آنفا عن المحقق السبزواري ما ينص على هذا الزعم. المحدث الكاشاني رحمه الله

وقال الفيض الكاشاني (المتوفي 1091) في مفاتیح الشرائع:

والأول للمغرب الغروب إلى ذهاب الشفق الغربي، والثاني إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء.(2)

ويقول في الوافي:

بقي الكلام في الحمرة الشرقية السماوية، والأخبار في اعتبار ذهابها مختلفة، فمنها ما يدل على اعتباره وجعله علامة لغروب القرص في الآفاق هذه الأخبار ومنها ما يدل على أن ذهاب القرص عن النظر كاف في تحقق الغروب کالأخبار التي

ص: 316


1- الحبل المتين، للشيخ البهائي، 141 و 142.
2- مفاتیح الشرائع، للفيض الكاشاني، 1/ 87.

مضت؛ والمستفاد من مجموعها والجمع بينها أن اعتباره في وقتي صلاة المغرب والإفطار أحوط وأفضل وإن کفی استتار القرص في تحقق الوقت كما يظهر لمن تأمل فيها و وفق للتوفيق بينها وبين الأخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي،إن شاء الله تعالى.(1)

كما يقول في مقام آخر:

وقد أفتي بأن وقت المغرب يتحقق باستتار القرص.

ويستظهر من عبارته أن ملاك المغرب الشرعي هو غيبوبة الشمس لكن لا بد في حصول الإطمئنان لذلك من انتظار ذهاب الشعاع وذهاب الحمرة المشرقية وأمثالهما، لأن ذلك مقتضى الاحتياط سيما في العبادات. فإن ذهاب الشعاع من قلل التلال والجبال يتفاوت جدا مع ذهاب الحمرة عن قمة الرأس. فإنه يتحقق بعد قليل من استتار القرص.

جمال الدين، ولد الشهيدرحمه الله

جاء في منتقي الجمان لحسن بن زين الدين الشهيدرحمهما الله (المتوفي 1011):

ومن العجب ادعاء بعض المتأخرين دلالة الأخبار الصحيحة على هذا القول(لزوم ذهاب الحمرة) والحال أن الصحة غير متحققة في شيء من الأخبار التي يظن دلالتها عليه ولكن العلامة صحح خبر الأول مما اردناه منها في المختلف

وهو توهم ناش من العطف الواقع في أثناء السند.(2)

فترى أنه لم يدل عنده على اعتبار هذا القول نص معتبر .

ص: 317


1- الوافي، للفيض الكاشاني، 7/ 267.
2- منتقی الجان، لجمال الدین(صاحب المعالم)، 1/ 417.

المحدث المجلسي رحمه الله

المجلسي (المتوفي 1111) المتبحر في بحر الأحاديث يختار في بحاره القول بكفاية استتار القرص في تحقق وقت صلاة المغرب، ثم يحمل أخبار ذهاب الحمرة المشرقية على الاستحباب، ويحكم بأنه لا وجه للأكثر الذين عدلوا عنها إلا موافقتها مع مذهب العامة. قال:

أول وقت المغرب غروب الشمس بلا خلاف، قال في المعتبر وهو إجماع العلماء وكذا في المنتهى. واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغروب فذهب الأكثر إلى أنه إنما يتحقق ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية، قال في المعتبر وعليه عمل الأصحاب وقال الشيخ في المبسوط علامة غيبوبة الشمس هو أنه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ولا حائل بينه وبينها ورآه قد غابت عن العين علم غروبها...

وقال:

ولعل الأكثر إنما عدلوا عنها لموافقتها لمذاهب العامة فحملوها على التقية وتأويلها بذهاب الحمرة في غاية البعد لكن العمل بها وحمل ما يعارضها على الاستحباب وجه قوي به يجمع بين الأخبار...(1)

الفاضل الإصفهاني رحمه الله

و في كشف اللثام للفاضل الإصفهاني (المتوفي 1137):

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس اتفاقا، المعلومة وفاقا للمعظم بذهاب الحمرة المشرقية للاحتياط، وقول الصادق علیه السلام.

ص: 318


1- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، 80/ 50 و 51

وقال أيضا:

...وللاحتياط، لاحتمال سائر الأخبار هذا المعنى مع قضاء العقل والأخبار، بأن التأخير مبرئ للذمة دون التقديم. وفي وجه في المبسوط: أن الغيبوبة هي غيبوبتها عن الحس بالغروب وإن لم تزل الحمرة، وهو فتوى الصدوق في العلل و ... وأولى بذلك قول أبي علي: غروب الشمس وقوع اليقين بغيبوبة قرصها عن البصر من غير حائل، ودليله تلك الأخبار المطلقة بأن وقتها غيبوبة القرص أو تواريه، أو غيبوبة الشمس، أو غروبها، لانصرافها لغة وعرفا إلى القرص دون الحمرة.(1)

المحقق البهبهاني رحمه الله

في التعليقة على المدارك (المتوفي 1205):

والأئمة عليهم السلام ربما لا حظوا ما ذكرناه وحكموا بالتأخير، وأشاروا في بعض الأخبار إلى ما ذكرنا حيث قالوا: «مسوا بالمغرب قليلا، فإن الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا» وذلك لأن أرض كوفة ليس فيها تلال ولا جبال، مثل ما كان في الحجاز، سیما مكة والمدينة، ولعل الرسول صلی الله علیه واله ما كان يفطر ويصلي إلا بعد ذهاب الشعاع عن التلال والمواضيع المرتفعة، بل والجبال أيضا. وأيضا غالب الأراضي ليست مستوية السطح حتى يعلم أول وقت غيبوبة القرص عن أفق المصلي، بل فيها تلال وجبال يمنع عن العلم، فلعله لذينك الأمرين أمرواعلیهم السلام بالتأخير إلى ذهاب الحمرة المشرقية، وأقل منه أيضا، احتیاطا (أو حتما) والظاهر من الأخبار الأول.(2)

ص: 319


1- کشف اللثام، للفاضل الهندي، 3/ 33 و 35.
2- الحاشية على مدارك، الوحيد البهبهاني، 2/ 303

وكذا في مصابيح الظلام:

ويعرف الغروب باستتار القرص وغيبته عن النظر مع انتفاء الحائل على الأصح، وفاقا للإسكافي وجماعة، للمعتبرة المستفيضة، منها الصحيح.... وقيل: بذهاب الحمرة المشرقية وعليه الأكثر الأخبار ضعيفة مخالفة للاعتبار، قابلة للتأويل. والأحوط تأخير صلاة المغرب والإفطار إليه، و (قال) العماني باسوداد الأفق من المشرق للخبر و(قال) والد الصدوق ببدو ثلاثة أنجم للصحيح وهما شاذان؛ والصحيح مأول.(1)

المحقق النراقي رحمه الله

وفي مستند الشيعة لملا أحمد النراقي (المتوفي 1245):

... فالأقوى، الموافق للمحكي عن الإسكافي والعلل والهداية والفقيه والمبسوط والناصريات: أنه عبارة عن غيبوبة الشمس عن الأنظار تحت الأفق، وهو محتمل کلام الميافارقيات(2)، والديلمي والقاضي، ومال إليه المحقق الأردبيلي وشيخنا البهائي، واختاره صاحب المعالم في اثنی عشريته، وقواه في المدارك والبحار والكفاية والمفاتيح، و والدي العلامة قدس سره، ونسبه في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثالثة .(3)

ص: 320


1- مصابيح الظلام، للوحيد البهبهاني، 5 / 487.
2- هذه رسالة تحتوي على مسائل فقهية و كلامية، سألها عدد من أهالي میافارقين من السيد المرتضى فأفتاهم .
3- مستند الشيعة، للفاضل النراقي، 4/ 25 و 26.

السيد الحكيم رحمه الله

السيد الحكيم (المتوفي 1390) بعدما ناقش أدلة القول الثاني في مستمسكه على العروة الوثقي يقول:

وعليه فتجوز الصلاة بمجرد عدم رؤية القرص إذا لم يعلم أنه خلف جبل أو نحوه.(1)

عبد الأعلى السبزواري رحمه الله

مهذب الأحكام لعبد الأعلى السبزواري (المتوفي 1414) ومر عبارته سابقا:

أما دخول وقت المغرب بالغروب فهو من ضروريات الدين في الجملة.(2)

محمد جواد المغنية رحمه الله

يقول في الفقه على المذاهب الخمسة (المتوفي 1400):

تختص صلاة المغرب من أول وقت الغروب بمقدار أدائها.(3)

وهذا تصريح منه على أن أول وقت المغرب هو غروب الشمس.

ص: 321


1- مستمسك العروة، للسيد الحكيم، 5 / 81 .
2- مهذب الأحكام، للسبزواري، 5/ 42
3- الفقه على المذاهب الخمسة، للمغنية، 80.

القائلون باعتبار ذهاب الحمرة

إلى هنا تم نقل أقوال القائلين بكفاية استتار القرص. فنشرع في ذكر من أفتى باعتبار ذهاب الحمرة وبالله المستعان.

وعبارات من اعتبر الذهاب للحمرة على قسمين، الأول ما صرح فيها على أنها اعتبرت علامة للاستتار ولا موضوعية لها. والثاني ما خلت عن التصريح بذلك. فنبدأ بأول القسمين ثم الثاني، مقدما للأقدمين ومؤخرا للمتأخرين.

من اعتبر الذهاب وجعله علامة

في هذا المجال نذكر قول من عد الذهاب معتبرا ولكن أخذه أخذا طريقيا وجعله علامة علمية كاشفة عن استتار القرص؛ وأكثرهم الذين احتاطوا بعد ما أفتوا بدخول الوقت عند الاستتار، فهذا هو الاحتياط المستحب. فلا جرم أن مثل هذه العبارات تعد شواهد للقول الأول دون الثاني.

الشيخ المفيدرحمه الله

قد مرت عبارة المقنعة للشيخ المفيد (المتوفي 413) وهي هكذا:

وأول وقت المغرب مغيب الشمس وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل للمغرب في السماء، وذلك أن المشرق مطل على المغرب فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا هذه فهي تلقی ضوؤها على المشرق في السماء...(1)

ص: 322


1- المقنعة، للشيخ المفید، 93.

أبو الصلاح رحمه الله

وفي الكافي لأبي الصلاح (المتوفي 447):

وأول وقت المغرب غروب الشمس - وهو أفضل - وعلامة غروبها اسوداد المشرق بذهاب الحمرة، وآخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب، وآخروقت المضطر ربع الليل.(1)

فهذه العبارة - مثل ما قبلها- تدل على أن وقت المغرب هو خصوص استتار القرص إلا أن له علامة وهي ذهاب الحمرة فلا يمكن أن يعد مثل هذه العبارات شواهد للقول الثاني لأنها صريحة في القول الأول.

شیخ الطائفة رحمه الله

ففي النهاية للشيخ الطوسي (المتوفي 460):

... وأول وقت صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس. وعلامته سقوط القرص. وعلامة سقوطه عدم الحمرة من جانب المشرق. وآخر وقته سقوط الشفق، وهوالحمرة من ناحية المغرب.(2)

وهذه عبارة شيخ الطائفة في كتابه الذي هو من الأصول المتلقات وهو يصرح بأن وقت المغرب هو غيبوبة الشمس ثم يقول أن علامة الغيبوبة هي ذهاب الحمرة. ولعل هذا لا ينافي ما مر منه في سائر كتبه نحو الخلاف والجمل سيما المبسوط من كفاية الاستتار. لأنه رضوان الله علیه قد بين هنا أيضا أن وقت صلاة المغرب غيبوبة الشمس إلا أنه

جعل لها علامة وهي ذهاب الحمرة.

ص: 323


1- الكافي في الفقه، لابي الصلاح الحلبي، 137 .
2- النهاية، للشيخ الطوسي،56

ابن حمزة رحمه الله

وفي الوسيلة لابن حمزة (المتوفي 566):

و وقت المغرب غروب الشمس وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق إلى غروب الشفق للمختار وإلى ربع الليل لصاحب العذر.(1)

فعبارته تحاذي عبارة الشيخ في النهاية. ومثلها عبارة السرائر.

ابن ادریس رحمه الله

وفي السرائر (المتوفي 598):

فإذا غربت الشمس ويعرف غروبها بذهاب الحمرة من ناحية المشرق، فإذا ذهبت دخل وقت صلاة المغرب، وإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات، دخل وقت العشاء الآخرة، واشتركت الصلاتان في الوقت.(2)

أبي المجد رحمه الله

وفي«إشارة السبق» لابن أبي المجد الحلبي (المتوفي في قرن السادس):

وزوال الحمرة المشرقية علامة غروب الشمس، وهو أول وقت المغرب إلى أن يمضي منه مقدار أدائها أو أنها تؤدي فيه، فيدخل أول وقت العشاء الآخرة.(3)

الفاضل الآبي رحمه الله

وفي كشف الرموز للفاضل الآبي (المتوفي 672):

ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.(4)

ص: 324


1- الوسيلة، لابن حمزة الطوسي، 83.
2- السرائر، لابن إدريس، 1/ 195.
3- إشارة السبق، لابن أبي المجد الحلبي، 84 .
4- کشف الرموز، للفاضل الآبي، 1/ 127.

من اعتبر الذهاب وأخذه أخذا موضوعيا

وأما القسم الثاني من العبارات التي تشعر بأن ذهاب الحمرة هو المأخوذ في وقت المغرب. فهؤلاء هم الذين أفتوا بلزوم ذهاب الحمرة أو احتاطوا في الإفتاء وجعلوه احتياطا واجبا.

المتقدمون

المحقق الحلي رحمه الله

جاء في المعتبر للمحقق الحلي (المتوفي 676):

مسئلة؛ و وقت الإفطار «ذهاب الحمرة المشرقية» وهو وقت وجوب صلاة المغرب، وقال آخرون: عند استتار القرص، وقد روى ذلك في أخبار أهل البيت،وليس معتمدا، ويستحب تقديم الصلاة على الإفطار، لتضاعف أجر الطاعات مع ...(1)

يحيي بن سعيدرحمه الله

الجامع للشرائع ليحيي بن السعيد (المتوفي 689):

و وقت المغرب غيبوبة الحمرة المشرقية، يختص منه قدر فعلها، ثم يشترك المغرب والعشاء في الوقت.(2)

ص: 325


1- المعتبر، للمحقق الحلي،691/2
2- الجامع للشرائع، لابن سعید الحلي، 60

المتاخرون

هذه عبارة القدماء، وأما عبارة المتأخرين مع كثرتهم.

العلامة الحلي رحمه الله

ففي القواعد للعلامة (المتوفي 726):

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية - إلى أن يذهب الشفق؛ وللإجزاء إلى أن يبقى لإجزاء العشاء مقدار ثلاث.(1)

وفي التحرير:

... إلى غروب الشمس الذي يجب معه صلاة المغرب، وعلامته، سقوط الحمرة المشرقية، قاله الشيخ، وقال بعض أصحابنا: علامته غيبوبة القرص، فلو غاب عن الآفاق، ثم شاهد ضوءه على بعض الجبال، من بعيد، أو بناء عال، مثل منارة الاسكندرية، جاز الإفطار، وليس بمعتمد.(2)

وفيه أيضا:

وللمغرب من غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق، وهو الحمرة من جانب المغرب،وللعشاء الآخرة إلى ثلث الليل .(3)

وفي إرشاد الأذهان:

وأول المغرب إذا غربت الشمس المعلوم بغيبوبة الحمرة المشرقية إلى أن يمضي مقدار أدائها، ثم يشترك الوقت بينها وبين العشاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار العشاء فيختص بها.(4)

ص: 326


1- قواعد، للعلامة الحلي،264/1
2- تحرير، للعلامة الحلي، 1/ 494
3- نفس المصدر، 179.
4- إرشاد الأذهان، للعلامة الحلي، 1/ 243.

وفي تلخيص المرام:

ثم تجب المغرب عنده (أي عند مغيب الشمس) المعلوم بغيبوبة الشفق المشرقي.(1)

وفي المنتهى:

ويعرف الغروب بذهاب الشفق المشرقي. ذهب إليه أكثر علمائنا، وهو قول الشيخ في النهاية وقال في المبسوط: باستتار القرص وغيبوبته عن العين .(2)

وفي التذكرة:

أول وقت المغرب غروب الشمس بإجماع العلماء، واختلف علماؤنا في علامته فالمشهور- وعليه العمل- إذا ذهب الشفق المشرقي، لقول النبي صل الله علیه واله: «إذا أقبل الليل من هنا، وأدبر النهار من هنا، وغربت الشمس، أفطر الصائم» وقول الصادق علیه السلام: «وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك النجوم» وعنه علیه السلام: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق». وقال بعضهم: سقوط القرص وهو ظاهر في الصحاري، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رؤوس الجدران، وقلل الجبال،وعليه الجمهور كافة .(3)

وهذه العبارة مع ظهورها في القول الثاني، جمعت بين الموضوعية والطريقية.ولتصريحه بأن اختلاف العلماء وقع في العلامية والطريقية ولعده ذهاب الحمرة بعرض ذهاب الشعاع عن القلل والجدران - وهي بلا شك من العلامات - نقلناها هنا.

ص: 327


1- تلخيص المرام، للعلامة الحلي، 23 .
2- منتهى المطلب، للعلامة الحلي، 4 / 64 .
3- تذكرة، للعلامة الحلي، 2/ 310.

وفي نهاية الإحكام:

عند غروب الشمس تجب المغرب ويحل الإفطار، وعلامته سقوط الحمرة المشرقية على الأصح، لقول الصادق علیه السلام: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق». وقيل : غيبوبة القرص، لقول الباقر عليه السلام: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة والأول أحوط». وعلى الثاني يعتبر سقوط قرصها، وهو ظاهر في الصحاري، أما في العمران وقلل الجبال، فالاعتبار بأن لا يرى من شعاعها شيء على أطراف الجدران و قلل الجبال،وتقبل الظلام من المشرق.(1)

وفي التبصرة:

وإذا غربت الشمس - وحده غيبوبة الحمرة المشرقية - دخل وقت(2)

عبارته هذه كالصريح في القول الثاني.

كما لاحظت أن العلامة رحمه الله قد قيد وقت المغرب بهذا القيد (أي ذهاب الحمرة المشرقية) في أكثر كتبه الكثيرة وهو أول المتأخرين وهو فحل من فحول الفقه والفقاهة وهو جلیل القدر وعظيم المنزلة وكان كلامه وفتاويه محورا و معتمدا عند من بعده من الفقهاء ولا بأس للفقهاء الذين من بعده أن يتبعوا اثره کما تابعوه في العبارات الآتية.

ص: 328


1- نهاية الإحكام، للعلامة الحلي، 1/ 336 .
2- تبصرة المتعلمين، للعلامة الحلي، 38

فخر المحققين رحمه الله

وفي الإيضاح للفخر (المتوفي 771):

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية إلى أن يذهب الشفق، وللإجزاء إلى أن يبقى لاجزاء العشاء مقدار ثلاث.(1)

وهذا عين عبارة الماتن ولم يعلق عليه لموافقته معه.

الشهيد الأول رحمه الله

وفي اللمعة للشهيد الأول (المتوفي 786):

وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقية، وللعشاء الفراغ منها وتأخيرها إلى ذهاب المغربية أفضل.(2)

وفي الدروس:

وأول وقت المغرب غروب الشمس، ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية على الأقوى لا باستتار القرص، ويختص بقدر أدائها ثم يدخل وقت العشاء الآخرة.(3)

البيان:

يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، لا باستتار القرص في الأقوى، ولا يتوقف على ظهور النجوم كما في ظاهر کلام ابن أبي عقيل، لدلالة الأخبار على نفيه وتبديع الصائر إليه.(4)

ص: 329


1- إيضاح الفوائد، لفخر المحققين، 1/ 74
2- اللمعة، للشهيد الأول، 34
3- الدروس، للشهيد الأول، 1/ 139
4- البيان، للشهيد الأول، 109.

ذكرى الشيعة:

يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية في الأشهر، قال في المعتبر: عليه عمل الأصحاب..(1)

الصيمري رحمه الله

وفي غاية المرام للصيمري (المتوفي 900):

أقول: المشهور بين علمائنا أن علامة غروب الشمس ذهاب الحمرة المشرقية... وقال الشيخ رحمه الله في المبسوط: «علامة غيبوبة الشمس هو أنه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية، ولا حائل بينه وبينها ورآها غابت عن العين علم غروبها». ومن أصحابنا من قال: يراعى زوال الحمرة من ناحية المشرق، وهو أحوط.(2)

المحقق الكركي رحمه الله

وفي جامع المقاصد للمحقق الكركي (المتوفي 940):

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية. هذا هو الأصح، وعليه عمل أكثر الأصحاب(3) الشهيد الثاني رحمه الله

وفي روض الجنان للشهيد الثاني (المتوفي 966):

وهذا هو المشهور بين الأصحاب.(4)

ص: 330


1- ذكرى الشيعة، للشهيد الأول،341/2
2- غاية المرام، للصيمري، 1/ 117.
3- جامع المقاصد، للمحقق الكرکی، 2/ 17.
4- روض الجنان، للشهيد الثاني، 2/ 25

وفي الروضة البهية:

وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقية، وهي الكائنة في جهة المشرق، وحده قمة الرأس(1)

ومسالك الأفهام:

يتحقق ذهابها بتجاوزها جانب المشرق، وحده قمة الرأس، وهو دائرة نصف النهار. وهذا هو علامة سقوط القرص في الأفق الحقيقي، كما أن طلوعها فيه يكون قبل بروزها إلى العين بيسير.(2)

المحدث العاملي رحمه الله

وفي وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي (المتوفي 1104):

واعلم أنه يتعين العمل بما تقدم في هذه الأحاديث (أي الأحاديث المذيلة تحت عنوان «احادیث ذهاب الحمرة»).(3)

المحقق البحراني رحمه الله

وفي الحدائق لآل عصفور (المتوفي 1186):

والذي ظهر لي من معنى هذه الأخبار ورزقني الله سبحانه وتعالی فهمه منها ببركة الأئمةالأبرار علیهم السلام ... كان الوقت عندهم علیهم السلام إنما هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل شیعتهم قديما وحديثا.(4)

ص: 331


1- الروضة البهية، للشهيد الثاني، 1/ 485.
2- مسالك، للشهيد الثاني،140/1
3- وسائل، للحر العاملي، 4/ 177 .
4- الحدائق، ليوسف البحراني، 6/ 174

المحقق العاملي رحمه الله

مفتاح الكرامة للمحقق العاملي (المتوفي 1226):

ونحن نقول يدل عليه صحيحة يونس بن يعقوب عن الصادق علیه السلام: «إن الإفاضة من عرفات إذا ذهبت الحمرة من ها هنا» وأشار بيده إلى المشرق ومطلع الشمس، وصحيحة زرارة حيث سئل الباقرعلیه السلام عن وقت إفطار الصائم، وصحيحة بكر بن محمد في الفقيه - وهو بكر الثقة - وقد اعترف بصحته المولى الأردبيلي مع ما يعرف من حاله من التأمل في الأخبار والمصنف في المنتهی...

وقالوا قد عرفت أن الصحاح خمسة أخبار صراح مع ما سمعت من الإجماعات والشهرة، مع موافقة الاحتياط بل والاعتبار، هذا كله مضافا إلى مخالفة العامة.(1)

کاشف الغطاء رحمه الله

کشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء لمؤلفه المحقق جعفر بن خضر (المتوفي1228):

الرابع؛ وقت صلاة المغرب؛ ويدخل بغروب الحمرة المشرقية الأصلية، لا العارضية لمقابلة سحاب أو عروض بخار أو غبار، فإنها قد تستمر إلى وقت العشاء من جانب المشرق، ولا عبرة بمقابلة القبلة على ما قيل.(2)

السيد الطباطبائي رحمه الله

وفي الرياض للسيد الطباطبائي (المتوفي1231):

ويعرف الغروب الذي هو وقت للمغرب اتفاقا فتوی ونصا بذهاب الحمرة المشرقية على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من تأخر إلا من ندر.(3)

ص: 332


1- مفتاح الكرامة، للحسيني العاملي، 5/ 81 .
2- کشف الغطاء، لكاشف الغطاء، 3/ 117.
3- ریاض، للسيد الطباطبائي، 2/ 205

المحقق النجفي رحمه الله

جواهر الكلام للمحقق النجفي (المتوفي 1266):

قيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر ... بل كان المسألة من القطعيات.(1)

حسن بن كاشف الغطاء رحمه الله

أنوار الفقاهة للحسن بن جعفر (المتوفي 1269):

القول في وقت المغرب والعشاء؛ بحيث بينما أن وقت المغرب هو الغروب بالإجماع ولكن وقع الخلاف فيما يتحقق به الغروب فهل هو غيبوبة القرص عن الناظر مع عدم الحائل أو هو غيبوبتها عن الآفاق حقيقة اللازم لغيبوبة الحمرة المشرقية عن الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي قولان والأظهر الثاني.(2)

العلامة الأنصاري رحمه الله

الشيخ الأعظم العلامة الأنصاري (المتوفي 1281):

لا خلاف ظاهرا- كما في كلام جماعة وعن آخرين-في أن أول وقت صلاة المغرب: غروب الشمس، وإنما الخلاف فيها يتحقق به الغروب، والأظهر-المعزى إلى الأكثر ممن تقدم و تأخر- أنه إنما يعلم بزوال الحمرة المشرقية، وإن اختلف ظواهر عباراتهم في كفاية ذلك أو اعتبار جواز الحمرة عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب.(3)

ص: 333


1- جواهر، للنجفي، 7/ 109 و 116 و 118.
2- أنوار الفقاهة، للشيخ حسن کاشف الغطاء، 16 إلى 18
3- کتاب الصلاة، للشيخ الأنصاري ، 1/ 70.

المحقق الهمداني رحمه الله

يقول في المصباح (المتوفي 1322):

فمن هنا يظهر أنه لو كانت الطائفة الأولى من الأخبار الدالة على دخول الوقت باستتار القرص سليمة عن المعارض ومخالفة المشهور، لم يكن استكشاف الحكم الواقعي منها خاليا عن التأمل فضلا عن صلاحيتها-بعد إعراض المشهور-المعارضة الأخبار الأخيرة المعتضدة بالشهرة ومغروسية مضمونها في أذهان الشيعة من صدر الشريعة، خصوصا مع كون جملة من هذه الروايات - کمرسلة ابن أبي عمير وغيرها مما وقع فيها تفسير الغروب وسقوط القرص باستتاره في الأفق بحيث لم يبق له أثر في ناحية المشرق- بمدلولها اللفظي حاكمة على جل تلك الروايات مما ورد فيها التحديد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس ونحوهما، وما يبقى منها مما لا يقبل هذا التأويل مما هو صريح الدلالة في الخلاف فهو في حدذاته غير قابل لمعارضة هذه الروايات.(1)

اليزدي رحمه الله

العروة الوثقي للسيد محمد کاظم الطباطبائي اليزدي (المتوفي 1337):

ويعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية عن سمت الراس والأحوط زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق.(2) المحقق البروجردي رحمه الله

جاء في تقریرات درسه (المتوفي 1380):

إن الحق هو القول باعتبار زوال الحمرة في دخول وقت المغرب.(3)

ص: 334


1- مصباح الفقيه، لآغا رضا الهمداني، 9/ 156.
2- العروة الوثقي (المحشي)، للسيد اليزدي، 2/ 252 .
3- تقرير لأبحاث اليسد البروجردي، للإشتهاردي، 2/ 301.

فتوى العامة في المسالة

إلى هنا تم ما أردناه من نقل فتاوي الشيعة، وليحسن منا - في خاتمة نقل الأقوال-التعرض لجملة من عبارات العامة في المسالة وفتاويهم، وذاك لأنه قد ينقص على القول الأول بأنه موافق المذهب العامة، وعلى رواياته بأنها ألقيت بداعي التقية.فالاطلاع على فتاويهم يوجب إتماما لجوانب البحث.

وليعلم - كما صرحوا به أنفسهم - الإفتاء بأن وقت صلاة المغرب تبتدأ بسقوط القرص، إجماعي عندهم.

قال البغوي (المتوفي 516) في شرح السنة:

أما المغرب، فقد أجمعوا على أن وقتها يدخل بغروب الشمس، واختلفوا في آخروقتها.(1)

ويقول ابن قدامة (المتوفي 620):

أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم. لا نعلم بينهم خلافافيه.(2)

ويقول الشوكاني (المتوفي 1250):

الحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، وهو مجمع عليه.(3)

ص: 335


1- شرح السنة للبغوي،2/ 182 .
2- المغني، لابن قدامة، 2/ 24 .
3- نيل الأوطار، للشوكاني،5/2

الفقه الشافعي؛ يقول الشافعي في كتابه المسمي بالأم (المتوفي 204):

لا وقت للمغرب إلا واحد وذلك حين تحجب الشمس.(1)

الفقه الحنفي؛ قال السرخسي (المتوفي 483):

و وقت المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق.(2)

الفقه المالكي؛ يقول ابن رشد (المتوفي 595):

وذهب قوم إلى أن وقتها موسع، وهو ما بين غروب الشمس إلى غروب الشفق، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وقد روي هذا القول عن مالك والشافعي.(3)

الفقه الحنبلي؛ وفي مغني ابن قدامة (المتوفي 620):

مسألة؛ قال وإذا غابت الشمس وجبت المغرب، ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم. لا نعلم بينهم خلافا فيه، والأحاديث دالة عليه. وآخره: مغيب الشفق. وبهذا قال الثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك، والأوزاعي، والشافعي ليس لها إلا وقت واحد، عند مغيب الشمس.(4)

ص: 336


1- الأم، للشافعي ، 1/ 92.
2- المبسوط، للسرخسي، 1/ 144
3- بداية المجتهد، لابن رشد،103/1
4- المغني، لابن قدامة،24/2

بيان في الشهرة وفي عد القول الثاني مشهورا

قد دار على السن القوم أن القول بلزوم ذهاب الحمرة هو المشهور؛ وكما سبق، للشهرة دور لا يستخف به في الإفتاء وفي الأذهان. وهذا ما يحتاج إلى قدر من التوضيح.

تحقيق حول أقسام الشهرة وموضع الاستدلال بها

للشهرة أقسام الروائي والفتوائي والعملي.

والأولى هي المرجحة في الأخبار العلاجية.

والثانية اعتبارها مشروط بما إذا تحققت عند القدماء. فكون الفتوى مشتهرا عند القدماء يحكي عما ارتكز في الأذهان جيلا بعد جيل حتى يصل إلى عهد المعصوم، فيكون الأمر مع ذياعيه بمرئي المعصوم علیه السلام ومسمعه، فوصوله إلينا من دون ردع، يلازم تقرير المعصوم وتوجب الحجية والاعتبار. هذا إذا لم يدل على الحكم نص معتبر والا فالمتبع هو النص.

والثالثة تفيد في تضعیف روایات صحاح سندا واضحات دلالة، فإنها كل ما زادت اعتبارا ودلالة زادت ضعفا، لأن عمل الصحاب على خلافها مع ما لها من المقويات، تكشف عن شدة ضعف غاب عنا سببها.

ص: 337

فالشهرة وإن لم تعد من الأدلة الأربعة، لكنها تفيد في ترجيح ما يكون دليلا إما تقویه وإما تنقصه، أو تكون بنفسها دليلة نازلة منزلة الإجماع. وذلك لأن الفحص عن دلیل حجية الإجماع أوصلنا إلى أنه لا مسند لحجية الإجماع إلا كشفه عن قول المعصوم على نحو الإمضاء أو التقرير، فليطلب في محله. وإذا كان الأمر في الإجماع كذلك، فالشهرة فد تكون كذلك. فما يكون هناك سببا في الحجية هنا موجود بنفسه ويؤثر أثره.

هذا كله حوار عن دور الشهرة في الإفتاء والإجتهاد. ولها دور آخر تؤثر فيها على المفتي وما له من النفسيات والذهنيات. فإن الناظر في الأدلة لما یری فهمه منهن مخالفا لما فهمه كثير من أعاظم السلف، فقد يخطأ نفسه أو يشعر بنفسه الخوف عن مخالفتهم. فإنه وإن يدري ويقول بلسانه «نحن أبناء الدليل» لكن الشهرة قد تؤثر في دخيلة نفسه.

ص: 338

القول الثاني؛ ما بين المشهور والأشهر

أما الحال في شهرة لزوم ذهاب الحمرة؛

يقول الصيمري:

أقول: المشهور بين علمائنا أن علامة غروب الشمس ذهاب الحمرة المشرقية.(1)

وفي مصباح الفقيه إضرابا عن قول الشرائع الذي يقول «و قيل بذهاب الحمرة من المشرق، وهو الأشهر» يقول:

بل المشهور کما ادعاه غير واحد(2)

ويقول البحراني:

إنما الخلاف في ما به يتحقق الغروب، فالمشهور وهو الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين، أنه لا يعلم بزوال الحمرة المشرقية عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب...(3)

وفي الجواهر :

قيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر بل في كشف اللثام أنه مذهب المعظم، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا فتوی وعملا شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين، بل في الرياض أن عليه عامتهم إلا من ندر، بل في المعتبر أن عليه عمل الأصحاب کما عن التذكرة، بل عن السرائر الإجماع عليه، بل في شرح المقدس

ص: 339


1- غاية المرام، للصيمري، 1/ 117.
2- مصباح الفقيه، لآغا رضا الهمداني، 9/ 142.
3- الحدائق، ليوسف البحراني، 6/ 164

البغدادي أن عليه أكثر المتقدمين وعامة المتأخرين، بل كاد يكون في سواد الإمامية ضرورة يعرفون بها، بل في المحكي عن السيد الداماد أن عليه العمل عند أصحابنا وعند أساطين الإلهيين والرياضيين من حکماء يونان ... بل كان المسألة من القطعيات وإن كنا قد أطنبنا الكلام فيها، لميل بعض الأعاظم ممن قارب عصرنا إلى ذلك القول النادر(1)

هذا وليت شعري كيف يحكمون بشهرته وقد سبقت منا ذکر کثير من أعاظم المتقدمين والمتأخرين القائلين بكفاية استتار القرص من دون احتیاط أو مع الاحتياط المستحب لإنتظار ذهاب الحمرة؟!! نعم؛ كماتابعنا العبارت، ما اجزف من قال بشهرته من بعد العلامة ولكن لا يصح ذلك في شأن ما قبله بلا شك. فلو لم نقل بندرته وشذوذه بالنسبة إلى ما قبل العلامة، فلا أكثر من أن تكون أشهرا، كما وصفه به المحقق في الشرائع:

وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر.(2)

والفرق بين المشهور والأشهر واضح؛ إذ المشهور يقابل الشاذ النادر الذي لا يعبأ به والأشهر يقابل ما هو مشهور عند كثير من القائلين مقابلة الأكثر للكثير. ومع تلك الكثرة العظيمة من قال بكفاية الاستتار - لا سيما فيما بين المتقدمين - كيف يصح لأحد أن يوصفه بكونه شاذا نادرا!

فخلافا لما هو دارج في السنة المعاصرين، القول الثاني لا يكون مشهورا عند المتقدمين.فما فعله الصيمري والمحدث البحراني والمحقق النجفي والهمداني وغيرهم من نسبة قول الثاني بالمشهور ليس في محله.

ص: 340


1- جواهر، للنجفي،109/7
2- شرائع، للمحقق الحلي، 1/ 50 و 51.

تحليل تأریخي و اجتماعي

کما سبق عنا مرارا، تحول القول الثاني من الندرة أو الأشهرية إلى الشهرة المطلقة، إنما حدث من بعد العلامة. ودفعية هذا الأمر تجعله أشبه بانقلاب فتوائي قد يثير في الذهن السؤال عن أسبابه.

ويمكن لنا البحث عن الباعث لمثل هذا التطور، بفحص الخلفيات التاريخية والاجتماعية التي تمثل منذ زمن المحقق إلى العلامة الحليين.

مما لا يخفى هو أن عصر المحقق عصر المغول وغاراتهم المؤلمة على البلاد الإسلامي التي اهرقت الدماء وهدمت البلاد واهتكت الحرم وحرقت الكتب.فسحقت الحضارة بالتوحش، فكادت هضم لولا كياسة فقهاء الشيعة بمثل المحقق والخواجة الطوسي وابن طاووس و .... فإنهم قد حاولوا محاولة عظيمة وتدرجوا بخطوات دقيقة تقرب بها العلماء للملوك لحد نصب العالم الشيعي«خواجة نصير الدين الطوسي» بوزارة خان المغول «هولاكو». ثم اعرفوهم الثقافة الإسلامية فشدوا أيديهم الباطشة من دون أن يشهر واسیفا. ثم لم يكتفوا بدفع الخطر العظيم بل حاولوا إلى تبديل المهلكة مغنما للثمرات والنعيم؛

منها ميل حكام المغول مثل «خدا بنده» بمذهب الشيعة وصار هذا الأمر سببا لبسط التشيع وإعزازه.

ومنها رواج اللغة الفارسية حتى صارت لغة رسمية في الدوائر والدواوين الحكومية. فظهرت الأدباء والشعراء الفارسيون، منهم الشيخ مصلح الدين السعدي

ص: 341

صاحب «گلستان» و جلال الدين البلخي بديوانه «المثنوي المعنوي» ولسان الغيب الحافظ الشيرازي مع دیوانه وأيضا عبد الرحمن الجامي والعطار النيسابوري.

ومنها ترویج علم الهيئة ومعرفة النجوم حتی بنوا مراصد کمرصد «المراغة».

فبمضي نصف قرن، تعززت الشيعة بما لا سابق لها، فتمایزت عن سائر الفرق الإسلامية في الشؤون الدينية مثل أوقات الصلوات وإعلان الأذان من المآذن. وفي مثل هذا العهد يظهر العلامة ویری مجالا للإعلان بخصائص مذهبه من دون خوف وتقية، فيفتي بها يفتي فارغا البال وموافقا لما يبدو له من الأدلة. ولعل هذا هو الممهد لذاك الانقلاب الفتوائي، والله اعلم.

ص: 342

الفصل الثاني ر في تجميع الأدلة وعمدتها الروايات

اشارة

ص: 343

ص: 344

الأدلة الأربعة

بعد تبيين محل النزاع وبعد تعرضنا لعبارة الفقهاء، فالآن توفر المجال لبيان الأدلة على كل من المرامين، ولعل المهم بل الأهم هو الدليل فنقول -وبالله المستعان - لا سبيل للعقل البسيط في مثل هذه المسائل. فيبقي الكتاب والسنة والإجماع. والإجماع کما سبق منا في تحرير محل النزاع مفقود، فلا يمكن لأي القولين الاستناد إليه. نعم؛ قد وقع الإجماع على ابتداء وقت المغرب بالغروب، لكن الشأن كله فيما يتحقق الغروب به وهو محل الانشقاق لا الإجماع. فينحصر الأمر في الأدلة اللفظية، الكتاب والسنة.

ص: 345

كتاب الله وأوقات الصلوات

إن القرآن الكريم قد نص على وجوب الصلاة وبين لها أوقاتا على الإجمال.

فقال قائل عزمر:

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(1)

والموقوت هو الوقت المحدود من الزمان. فالآية تدل على أن للصلاة وقتا

مضبوطا وموقوتا من عند الله تبارک وتعالی ولكنها ساكتة عن تبين الجزئيات وما لأوقات الصلوات من المبدأ والمنتهى.

وقال سبحانه وتعالی:

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ(2)

تشير الكريمة إلى وقت بعض الصلوات اليومية وهي صلاتي المغرب والصبح إذ انها تقعا في «طرفي النهار» ثم العشاء التي تكون في «زلفا من الليل».والزلف جمع زلفة، كظلم وظلمة، أي ساعة من قرب الليل(3). أي أول الليل.

ص: 346


1- القرآن الكريم، النساء، 103.
2- نفس المصدر، هود، 114.
3- مجمع البحرین، للطريحي، 5 / 67

وقال العزيز الحكيم:

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(1)

تشير الآية إلى وقت الصلوات الخمسة اليومية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. فتحدد وقتا فيما بين دلوك الشمس وغسق الليل. ودلوك الشمس، میلها إلى الغروب(2)والمراد به ميل الشمس وزوالها عن دائرة نصف النهار إلى الغرب وهو أول وقت صلاة الظهر. هذا مبداء التحديد ومنتهاه الغسق وهو شدة ظلمة الليل(3)واذ لا تشتد الظلمة ما دامت الحمرة، فالغسق هو ما بعد ذهاب الحمرة المشرقية وبعد انقضاء الشفق؛ ثم تبقي الظلمة على ما لها من الاشتداد حتى يصل اليل إلى نصفه وهو منتهي شدة الظلمة، وبناءا على دخول الغاية في المغياة، فما دام الغسق باقيا ما انتهى التحديد وبانتهائه تنتهي الوقت وهي منتهي وقت العشاء.

وبين دلوك الشمس إلى غسق الليل يتخلل وقت اربعة من الصلوات، الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ثم تبين الآية وقت صلاة الصبح بقوله تعالی«وقرآن الفجر» وهو مطلع الفجر الصادق الذي تشهده ملائكة الليل والنهار وهو معني كونه مشهودا على ما فسر به في النصوص.(4)

ص: 347


1- القرآن الكريم، الإسراء، 78.
2- المفردات، للراغب، 217.
3- نفس المصدر، 361.
4- البرهان، هاشم البحراني، 4/ 600، والدرالمنثور، للسیوطی،196/4

فبينت الآية الكريمة أوقات الصلوات الخمسة اليومية کملا.

وقال الحي القيوم:

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ(1)

فبين سبحانه وتعالی أوقات صلوات الخمسة،العصر ب«حين تمسون»والصبح ب«حين صبحون»والعشاء ب«عشیا» ويحتمل قوييا أن تشمل المغرب إذ «العشاء» تشير إلى أول ظلام الليل، ويقال عشاءان ويقصد صلاتي المغرب والعشاء، وصلاة الظهر ب«حين تظهرون».

وأيضا قال الخبير المتعال:

فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ(2)

أشار إلى وقت صلاة الصبح بأنها «قبل طلوع الشمس» و وقت صلاة الظهر والعصر بأنها «قبل غروبها» واشار إلى وقت صلاة المغرب والعشاء بقوله «ومن آناء الليل» ثم أكد على صلاتي الصبح والمغرب بقوله «وأطراف النهار».

وقال سبحانه وتعالی:

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(3)

ص: 348


1- القرآن الكريم، الروم، 17.
2- نفس المصدر، طه، 130.
3- نفس المصدر، البقرة، 238.

تدل الآية وتحث الكريمة على لزوم المحافظة والمراقبة على أوقات صلوات اليومية سيما الصلاة الوسطي المفسرة بالصلاة الظهر؛ لأن وقتها في وسط النهار.(1)ومما يعد مراقبة هو حفظ أوقات الصلوات وإقامتها في وقتها.

وقال الودود الرؤوف:

وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ(2)

يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(3)

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ(4)

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(5)

و«الغد» هو الصبح فهذا إشارة إلى صلاة الصبح، والآصال هي العشية فتشمل صلاتي المغرب والعشاء.

وقال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(6)

وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(7)

وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ(8)

فكما لاحظت، الكتاب فرض الصلاة وحدد أوقاتها لكن على الإجمال وهذاالإجمال يمنع عن التمسك بالآيات عند النزاع في التفاصيل والجزئيات.

ص: 349


1- البرهان، هاشم البحراني،508/1
2- القرآن الكريم، الأنعام، 52 .
3- نفس المصدر، النور، 36.
4- نفس المصدر، الأعراف، 205.
5- نفس المصدر، الرعد،15.
6- نفس المصدر، الأحزاب، 42 .
7- نفس المصدر، الفتح، 9 .
8- نفس المصدر، آل عمران، 41.

الروايات في المسألة

بیان تمهيدي في شأن الرسول والعترة

بعد ما مر من إجمال الآيات في بيان أوقات الصلوات فلابد من الرجوع إلى من يفسر عن إجمالها ويبين مقاصدها. وعدي نفس الكتاب الذي يفسر بعضه بعضا، المفسر الوحيد للقرآن الكريم هو النبي صلی الله علیه والهدوعترته الطاهرة علیهم السلام . وسائر التفاسير لا يعبأ به إلا إذا كانت عن تبع له ولهم عليه علیهم الصلاة السلام.

وذلك لأن الله سبحانه وتعالی يقول في شأن الرسول صلی الله علیه واله:

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(1)

فالرسول مبين لما نزل إلى الناس.

ثم يقول سبحانه وتعالی:

مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)

هذا شأن النبي الأعظم صلی الله علیه واله وأما شأن عترتة الميامين.

فمن المجمع عليه عند الفريقين أنه قال رسول الله صلی الله علیه واله: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا.»

ص: 350


1- القرآن الكريم، النحل، 44
2- نفس المصدر، الحشر، 7

کما عن أبي سعيد الخدري أيضا، قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله:

إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماءإلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى یردا على الحوض.(1)

فبانضمام قول النبي صلی الله علیه واله إلى أمر الله له بأخذ ما آتاكم الرسول، يتبين شأن العترة الطاهرة علیهم السلام. فنشرع في بيان الروايات و درایتها، وهي العمدة في المسألة. وكما سالفنا نرجوك التأني والاصطبار على تكثير الروايات فإنه وإن تكن أكثرها الضعاف لكن تفيدنا في تحقيق استفاضة الأدلة على أي القولين.

ص: 351


1- الكافي، للكليني، 1/ 294، مسند أحمد، ج17، ص170.

روایات كفاية استتار القرص

فنذكر منها الصحاح والموثقات ثم الضعاف .

الصحاح والموثقات

صحيحة عبد الله بن سنان: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسي أو خالد كلاهما ثقتان)عن حسين بن سعيد عن نضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول وقت المغرب إذاغربت الشمس فغاب قرصها.(1)

وكل من في السند ثقات إماميون.

والدلالة واضحة غير مخدوشة بمثل التقية، فان الإمام عليه السلام ابتدأ بالكلام وبين وقت صلاة المغرب بأنه هو عند مغيب الشمس، ولا يستشمم منها رائحة الجبر ولا الحذر. لا سيما إنه علیه السلام استمر بالكلام وبين أيضا المراد من الغروب بأنه غياب القرص من دون أن يشترط معه شيء آخر. وهذا أيضا قرينة على نفي التقية، لأنه إذا امكن الاكتفاء بما يصلح للانطباق على الحق وفي الوقت عينه يرضي المخالف، فلا داعي للتاكيد والاصرار على ما لا يوافق الحق.

صحيحة زرارة: علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر علیه السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيت بعد ذلك وقد صليت فأعد الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن

كنت أصبت منه شيئا.(2)

ص: 352


1- الكافي، للكلینی، 3/ 279.
2- نفس المصدر

والسند واضح لا غبار فيه. والدلالة واضحة فإن المراد من القرص نفس الشمس وهو تعبير عرفي سليس. ثم الإمام بين و أضاف إليه أن ملاك الغروب غيبوبة القرص عن المصلي بحيث لا يراه إذا نظر إلى الأفق. ثم إذا انكشف خلافه فعليه اعادة صلاته وادامة صومه. وفيه اشعار على أن المكلف مكلف ومأمور بالحجة فقط، لا باحراز الواقع. فوقت صلاة المغرب هو استتار القرص عند المصلي لا الواقع مادام لم ينكشف الخلاف.

صحيحة علي بن حكم: وهي ما روي عن أحمد بن علي بن حكم عمن حدثه عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن وقت المغرب؟ فقال إذا غاب كرسيها قلت وما كرسيها؟ قال: قرصها فقلت متى يغيب قرصها؟ قال إذا نظرت إليه فلم تره.(1)

والسند کما في الإستبصار،(2)حسين بن عبیدالله عن أحمد بن محمد عن علي بن حکم (وهو الأنباري، كوفي ثقة جلیل القدر(3)) عمن حدثه عن أحدهما عليهماالسلام.

الدلالة: فبين عليه السلام أن ملاك غيبوبة الكرسي هو عدم الرؤية حين النظر إليها. وفيها صراحة على أن المراد من غيبوبة كرسيها غيبوبتها عن أفق المصلي بحيث إذا نظر إلى تجاه المغرب لم يره. وعليه فلا يلزم له انتظار ذهاب الحمرة المشرقية بل للمصلي أن يصلي حين استتار القرص بلافاصل.

ص: 353


1- تهذيب، للشيخ الطوسي، 2/ 28، و في الإستبصار، للشيخ الطوسي، 1/ 262 مع تفاوت .
2- الإستبصار، للشيخ الطوسي، 1/ 262.
3- الفهرست، للشيخ الطوسي، 78.

صحيحة داود بن فرقد: حدثنا محمد بن حسن بن أحمد بن وليد رحمه الله قال حدثنا محمد بن حسن الصفار عن عباس بن معروف عن علي بن مهزیار عن حسن بن سعيد عن علي بن نعمان عن داود بن فرقد قال: سمعت أبي يسأل أبا عبدالله الصادق عليه السلام... متى يدخل وقت المغرب؟ فقال إذا غاب كرسيها قال وما كرسيها؟ قال قرصها قال متى تغيب قرصها قال إذانظرت فلم تره.(1)

داود بن فرقد هو داود بن أبي يزيد يروي عن الصادق والكاظم عليهاالسلام وهوكوفي ثقة.(2)

ودلالتها كما قبلها.

صحيحة أخرى عن زرارة: وعنه عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن نضر بن سويد عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة.(3)

والسند: «عنه» أي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين وهو أبو الخطاب عن حكم بن المسكين عن عبد الله بن بكير فطحي ثقة.

فالرواية تدل على أنه كما يدخل وقت صلاة الظهر بزوال الشمس من دائرة نصف النهار من غير انتظار، كذلك يدخل وقت صلاة المغرب بصرف استتار القرص من دون انتظار لذهاب الحمرة أو أي شيء آخر.

ص: 354


1- الأمالي، للشيخ الصدوق ، 139.
2- رجال، للنجاشي، 37 .
3- تهذيب، للشيخ الطوسي،19/2

رواية أخرى لداود بن فرقد: حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى وموسی بن جعفر بن أبي جعفر البغدادي عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي عن حسن بن علي بن فضال عن داود بن أبي يزيد قال قال الصادق جعفر بن محمد عليهاالسلام إذاغاب الشمس فقد دخل وقت المغرب.(1)

وأما السند فجاء في طريق الشيخ: موسی بن جعفر(عن)أبي جعفر(2)ولعله سهو والصحيح کما عند الصدوق جعفر(بن)أبي جعفر. ولعلها أيضا صحيحة أو تكون موثقة لحضور موسی بن جعفر بن أبي جعفر البغدادي في طريقها.

موثقة زيد الشام: روى عن محمد بن أبي الصهبان عن عبد الرحمن بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي أسامة الشام، قال: قال رجل لأبي عبد الله علیه السلام أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال فقال خطابية، إن جبرئيل عليه السلام نزل بها على محمد صلی الله علیه واله حين سقط القرص.(3)

والسند: الشيخ باسناده (وسنده إليه ابن أبي الجيد عن ابن وليد عن سعد عن الحميري ومحمد بن يحيي وأحمد بن ادریس) عن ابن أبي الصهبان (وهو محمد بن عبد الجبار، وثقه الشيخ وهو من اصحاب الجواد والهادي عليها السلام(4)) عن عبد الرحمن بن

ص: 355


1- الأمالي، للشيخ الصدوق ، 139 .
2- تهذيب، للشيخ الطوسي،28/2
3- نفس المصدر
4- رجال، للشيخ الطوسي، 391، ومعجم رجال الحدیث، للموسوي الخوئي، 15 / 275

حماد (لم يثبت ضعفه) عن ابراهيم بن عبد الحميد (وثقه الشيخ(1)) عن أبي أسامة وهو(زید بن يونس أبو أسامة الشحام وثقه الشيخ(2)) فبناءا على ما رایت عبر صاحب المدارك عنها بالموثقة

والدلالة: خطابية أي هذه سيرة خطابية وان جبرئیل نزل بها أي نزل بصلاةالمغرب على النبي. فالإمام عليه السلام بعد الرد والتقبيح لمذهب أبي الخطاب الذي اظهر البدعة في الكوفة وكان لا يصلي المغرب حتى تشتبك النجوم، أشار إلى سنة رسول الله صلی الله علیه واله من أن أول وقت صلاة المغرب هو استتار القرص. وأنه لا يلزم انتظار ذهاب الحمرة فأين اشتباك النجوم!

هذا ولايمكن حمل مثل هذه النصوص على التقية لأنها تبيين لسيرة النبي صلی الله علیه واله ومن المعلوم عدم تحقق التقية في مثل هذا لأن في التقيه يكتفي المتقي على أقل ما يرضي المخالف، مضافا إلى أن الحمل على التقية مخالف للأصل.

ص: 356


1- الفهرست، للشيخ الطوسي، 6.
2- نفس المصدر، 71، ومعجم رجال الحدیث، للموسوي الخوئی، 8/ 374.

ضعاف الروايات

بعد ملاحظة الصحاح والموثقات، نحكي الآن ما دونهما من الاخبار من المرسلات و الحسنات وغيرهما.

رواية أبي بصير: عنه عن سليمان بن داود عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: وقت المغرب حين تغيب الشمس.(1)

وظاهر الحديث أنه علیه السلام بدأ بالكلام من غير سؤال وبين أن وقت المغرب هوغيبوبة الشمس فلا يستشمم من مثله التقية.

مرسلة صدوق: قال أبو جعفرعلیه السلام: وقت المغرب إذا غاب القرص.(2)

ما رواه الحميري عن أبي عبدالله علیه السلام: ثم سألته عن وقت صلاة المغرب، فقال:«إذا غاب القرص»(3)

مرسلة داود بن فرقد: وهي ما رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي وموسی بن جعفر عن أبي جعفر عن أبي طالب عبد الله بن الصلت عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن أبي يزيد وهو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى

ص: 357


1- الإستبصار، للشيخ الطوسی،263/1
2- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق ، 1/ 218
3- قرب الإسناد، للجميري، 38.

ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل.(1)

خبر جابر: روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه واله إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة.(2)

رواية اسماعيل بن جابر: عن صفوان بن يحيى عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق(3)

خبر اسماعيل بن فضل الهاشمي: الحسن بن محمد بن سماعة عن الميثمي عن أبان عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان رسول الله صلی الله علیه واله يصلي المغرب حين تغيب الشمس حتى يغيب حاجيها(4)

والدلالة، أن رسول الله صلي الله علیه واله كان سيرته أن يصلي المغرب حين استتار القرص بلا فاصل تحكيه الرواية. والحاجب هو الضوء والشعاع. والمراد به الضوء والحمرة المغربية. فكان صلی الله علیه واله يصلي المغرب قبل ذهاب الحمرة.

ص: 358


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 2/ 28، والأمالي، للشيخ الصدوق ، 139.
2- من لا يحضره الفقیه، للشيخ الصدوق ، 2/ 139 .
3- الإستبصار، للشيخ الطوسي،264/1
4- نفس المصدر، 263.

مرسلة أخرى للصدوق: قال الصادق عليه السلام: إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل.(1)

خبر عبيد بن زرارة: روي عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن القاسم مولى أبي أيوب عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه وإذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذ.(2)

خبر آخر عن عبيد بن زرارة: روى أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله تعالی«أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل» قال إن الله تعالی افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.(3)

رواية عن الحميري أيضا: عنه، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: إن معي شبه الكرش المنثور فأؤخر صلاة المغرب حتى عندغيبوبة الشفق فأصليهما جميعا، يكون ذلك أرفق بي قال:«إذا غاب القرص

فصل المغرب، فإنما أنت ومالك لله»(4)

ص: 359


1- الإستبصار، للشيخ الطوسي، 1/ 221.
2- تهذیب، للشيخ الطوسي، 2/ 27.
3- نفس المصدر، 25.
4- نفس المصدر، 130.

يقول العلامة المجلسي، شارحا للسؤال:

والغرض أني لكثرة عيالي محتاج إلى العمل،أو لكثرة جمالي وخوف انتشارهاوتفرقها لا أقدر على تفريق الصلاتين(1)

وثاني الاحتمالين أقرب و أنسب بحاله. فهذه بما فيها من السؤال وأيضا من سياق الجواب، تحرض على التسريع واداء الصلاة في أول وقتها الذي عرفته بغياب القرص.(نه تنها امر به تاخیر نفرموده بلکه برعکس امر به تسریع و تعجیل نموده)

مكاتبة اسماعيل بن مهران: علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زیاد عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا علیه السلام: ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر واذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر وأن وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب.(2)

فإن أبا الحسن الرضا عليه علیه السلام أيد وقرر ما نقله السائل في مبتداء المغرب وهو حين غروب الشمس و استتار القرص.

رواية يزيد بن خليفه: ما رواه علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. قال فقال أبو عبدالله علیه السلام: إذا لا يكذب علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص إلا أن رسول الله صلی الله علیه واله كان إذا جد به السير أخرالمغرب ويجمع بينها وبين العشاء. فقال صدق. وقال وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل و وقت الفجر حين يبدو حتى يضيء.(3)

ص: 360


1- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، 80/ 61 .
2- الكافي، للكليني، 3/ 282.
3- نفس المصدر، 279.

ومعلوم أن الإمام عليه السلام قد وقت المغرب باستتار القرص ثم بين أن تأخير النبي صلی الله علیه واله ذلك عن أول وقتها إنما كان لعارض مثل السفر ونحوه. وهذا نص مؤكد على كفاية استتار القرص.

رواية عبد الله بن سنان: روی حسين بن سعيد عن نضر وفضالة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما. وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجكل الصبح الماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام و وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة.(1)

والوجوب؛ هنا بمعني السقوط، يقول سبحانه وتعالی:«فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا(2)»أي حينما سقطت البدنة، وهي جمل سمين أتخذت للهدي في الحج، والسقوط كناية عن ذهاب الروح عن بدنها، فبعد نحرها وسقوطها على جنبها يجوز لكم الأكل منها. وعليه فالوجوب هنا هو سقوط قرص الشمس عن الافق وغيابه.

ما عن زيد الشحام: حسين بن محمد الأشعري عن عبد الله بن عامر عن علي بن مهزیار عن حماد بن عيسى عن حريز عن زيد الشحام قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن وقت المغرب فقال إن جبرئيل علیه السلام أتى النبي صلی الله علیه واله لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها واحد و وقتها وجوبها(3)

ص: 361


1- تهذیب، للشيخ الطوسي، 2/ 39 .
2- القرآن الكريم، الحج، 36 .
3- الكافي، للكليني، 3/ 280.

خبر ذريح: وهو ما رواه حسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن ذريح عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أتى جبرئیل علیه السلام رسول الله صلی الله علیه واله فأعلمه مواقيت الصلاة. فقال صل الفجر حين ينشق الفجر وصل الأولى إذا زالت الشمس وصل العصر بعدها وصل المغرب إذا سقط القرص وصل العتمة إذا غاب الشفق. ثم أتاه جبرئیل علیه السلام من الغد، فقال أسفر بالفجر فأسفر ثم أخر الظهر حين كان الوقت الذي صلى فيه العصر وصلى العصر بعيدها وصلى المغرب قبل سقوط الشفق وصلى العتمة حين ذهب ثلث الليل ثم قال ما بين هذين الوقتين وقت وأول الوقت أفضله. ثم قال قال رسول الله صلی الله علیه واله لولا أني أكره أن أشق على أمتي لأخرتها إلى نصف الليل.(1)

وقد عين علیه السلام وقت الصلوات من جانب ملك الوحي وعن لسان النبي صلی الله علیه واله و وقت المغرب بحين غروب الشمس؛ فهذا بيان للحكم الشرعي الواقعي.

خبر معاوية بن وهب عن أبي عبدالله علیه السلام قال: أتى جبرئيل علیه السلام رسول الله صلی الله علیه واله بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت.(2)

ص: 362


1- الإستبصار، للشيخ الطوسي، 1/ 258.
2- تهذیب، للشيخ الطوسي، 2/ 253./

في كتاب علي علیه السلام إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه بولاية مصر: ... فإن رجلا سأل رسول الله صلی الله علیه واله عن أوقات الصلاة، فقال رسول الله صلی الله علیه واله:

أتاني جبرئيل علیه السلام فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس، فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة. فصل لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة والطريق الواضحة، ثم انظر رکوعک و سجودك، فإن رسول الله علیه السلام كان أتم الناس صلاة، وأحقهم عملا بها.(1)

ففي سياق توقيت الصلوات الخمسة على وفق سيرة الرسول صلی الله علیه واله وقت علیه السلام المغرب بحين غروب الشمس. ثم الزم علیه السلام باتباع هذه السيرة التي بينها. ونظرا إلى أنه كتب كتابه بداعي أن يعمل به ونظرا إلى أنه لو لم يكن تاما فيما هو بصدده يوشك أن يكون موجبا للتضليل وتفويت اللمصلحة عن العباد، فلا محالة سكوته علیه السلام عن أي تقييد يدل على عدم اشتراط ذلك القيد.

ما رواه الصدوق رحمه الله أيضا: حدثنا محمد بن حسن رحمه الله قال حدثنا حسين بن حسن بن أبان عن حسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي أسامة زيد الشحام أو غيره قال: صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب وإنما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبدالله الصادق علیه السلام فأخبرته بذلك فقال لي ولم فعلت ذلك بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت، ما لم يتجلاها يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك و مغربك وليس على الناس أن يحثوا.(2)

ص: 363


1- الأمالي، للشيخ الطوسي، 54
2- الأمالي، للشيخ الصدوق ، 139.

وقد أوضح أبو عبد الله علیه السلام فيها نكت و حقائق نفيسة يمكن جمعها فيما يلي:

منها؛ عدم لزوم التفحص أكثر من رؤية العين فالمصلي إذا نظر تجاه الأفق ولم يرى قرص الشمس فله أن يصلي ولا يجب عليه أن يتفحص أكثر من ذلك. إلا إذا علم أنها توارت بمانع من جبل أو سحاب أو نحو ذلك.

ومنها؛ أن غيبوبة قرص الشمس إلا تتوفر فيما لم يمنع منها حاجز عرض لها من سحاب وضباب أو جبال وتلال و...

ومنها؛ عدم لزوم إرشاد الغير فيها إذا أخطأ في تشخيص موضوع الأحكام ومصادیقها، وأن لكل مكلف تكليفه منحازا عن الغير؛ فالکل مكلف بالاحكام حسب تشخیص نفسه بالنسبة إلى الموضوعات.

ومنها؛ أن غروب الشمس يتفاوت بتفاوت الآفاق ولكل مصلي أفق بلده مع قطع النظر عن البلاد الأخر و...

ثم قد يقال أن الرواية تدل على التفاوت بين وقت صلاة العامة والإمامية لقوله«والناس يصلون» فإن «ال» في الناس عهد ترجع إلى هذه الجماعة وهم يصلون حين استتار الشمس بينها معاشر الشيعة يستنكرونه. فيستظهر بها لعدم كفاية استتار القرص.

لكنه يرده توضیح الإمام عليه السلام ومنعه الزيد عن الصعود فوق الجبل وقوله مخاطبا له«فإنما عليك مشرقک و مغربك.» فإنه يدل على تصحيح ما فعلوه حسب ما بدا لهم من تحقق الموضوع وإن كان الواقع أنهم اخطاءوا صغرويا، ولايخفي الفرق بينه وبين أن يخطأهم في معرفة الحكم أو موضوع الكبرى. بل يمكن استظهار أنه صحح

ص: 364

فعلهم من دون أي خطا ولوصغرويا، وذلك إذا كان العلم من مقومات موضوع الاحكام ومأخوذا فيه اخذا موضوعيا لا طريقيا، وبعبارة أخرى الناس مكلفون بالموضوع المقيد بالمعلومية بحيث يكون القيد أو التقييد داخلا في الموضوع؛ وليسوا مكلفين بالنسبة إلى الموضوع بما هو في نفس الأمر. ولهذا الأمر موضع في الأصول، لا يسعنا الآن البحث عنه.

وأما الألف واللام فليس للعهد بل لاستغراق جميع المسلمين، كما هو الظاهرمن قوله علیه السلام«وليس على الناس أن يبحثوا».فهذا ليس مختصا بالناس الذين هم من شيعته علیه السلام بل تكليف للعموم.

رواية سماعة بن مهران: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن - رضوان الله عليهما- قالا حدثنا سعد بن عبد الله عن موسى بن الحسن وحسن بن على عن أحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير عن جعفر بن عثمان عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام في المغرب، إنا ربما صلينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترها منا الجبل فقال ليس عليك صعود الجبل.(1)

تدل أيضا على عدم وجوب أكثر من رؤية العين والاكتفاء باستتار القرص.

رواية الخثعمي: وروى محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال كان رسول الله صلی الله علیه واله يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة - منازلهم على نصف ميل - فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم(2)وفي الأمالي مواضع نبلهم.

ص: 365


1- الأمالى، للشيخ الصدوق ، 190.
2- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق ، 1/ 220، والأمالي، للشيخ الصدوق ، 140.

يقول السيد حسين بن رفيع الدين الآملي الملقب بسلطان العلماء عن هذه الرواية وفي معني النبل:

أي إذا راموا سهامهم یرون موضعها، لبقاء ضوء النهار بعد، والمراد أن رسول الله صلی الله علیه واله كان يعجل صلاة المغرب. لكن أقول: جاء في صحاح اللغة أن سهم البيت: جائزه. وقال في مادة ال«جوز»،الجائز:الجذع الذي يقال له بالفارسية«تیر» وهو سهم البيت.(1)

والمراد بالحي، جماعة من الناس أو ما يقال لها بالفارسية المحلة.

فدلت على أن رسول الله صلی الله علیه واله كان يصلي المغرب في أول استتار القرص بلا فاصل بحيث بعد انقضاء الجماعة وحين الرجوع إلى منازلهم يرون مواضع سهامهم.

فانظر أيها القارئ الكريم، كيف كان يسهل النبي للناس مناسكهم بحيث يحضرون الجماعة ويصلون ثم يرجعون والسماء مضوية بعد. وهذه هي «الشريعة السهلة السمحة(2)»، التي يقول سبحانه وتعالی عنها:«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(3)»

ص: 366


1- من لا يحضره الفقیه، للشيخ الصدوق ، 1/ 220 ، بهامش الصفحة
2- شرح اصول کافي، لمولي هادي المازندراني، 5 / 79.
3- القرآن الكريم، البقرة، 185.

رواية أبان: حدثنا أبي و محمد بن حسن وأحمد بن محمد بن يحيى العطاررحمهم الله قالوا حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن حسين بن أبي الخطاب عن موسى بن بشار العطار عن المسعودي عن عبد الله بن زبير عن أبان بن تغلب وربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأجفر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسناجعل يصلي ونحن ندعوا عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعوا عليه ونقول هذا من شباب أهل المدينة. فلما أتيناه إذا هو أبو عبدالله جعفر بن محمد عليها السلام. فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت.(1)

«ندعوا عليه» أي نعير به ونتكلم عليه.

والسند: لا يبعد أن يكون المراد من «المسعودي» هو مؤلف كتابي «مروج الذهب» و «إثباة الوصية» وهو محقق سیاح حاذق باهر .

ويستفاد منها عدة حقائق ثمينة:

الأول؛ كان مغروسا في أذهان معشر الشيعة أنه لا بد من الاطمينان من دخول وقت الصلاة ولا يسمح لأحد قبله أن يصلي الصلاة المكتوبة .

الثاني؛ إنهم حينما يرون الرجل يصلي في هذا الوقت يزعمونه شابا جاهلا فيدعون عليه ويقولون عند أنفسهم أنه لا يعرف الوقت، إذ بظنهم لا يدخل وقت المغرب إلا بعد اختفاء الشعاع. فعلمهم الإمام عليه السلام بأن غياب الشمس شيئ وغياب الشعاع شیئ آخر والظابط في وقت المغرب هو الأول.

ص: 367


1- الأمالي، للشيخ الصدوق ، 140.

والثالث؛ يظهر منه أنه لم يستقر عند الشيعة تفاوت بين الإمامية والعامة في خصوص وقت صلاة المغرب. لأنهم إن علموا بالتفاوت وأن وقت صلاة المغرب تبتداء عندهم باستتار الشمس وعندنا بذهاب الحمرة المشرقية، لم يكونوا يتعجبون من صلاة الرجل في هذا الوقت ولم يتهموه بكونه شابا جاهلا، بل غاية الأمر أنهم يحسبون أن الرجل من زمرة اهل السنة فصلاته وقع في وقته على مذهبه . على هذا لا يكون النص دليلا على القول الثاني المنسوب إلى المشهور، كما زعمه كثير من الفقهاء، بل رد عليه. وسبب زعمهم غض النظر عن ما قلناه في النكتة الأولى بأنه يستشم من الرواية أن دیدن الشيعة استقر على انتظار ما يوجب اليقين بدخول الوقت. ولا يقين حتى تغيب الحمرة.

والرابع؛ إن النص صريح في بيان وقت صلاة المغرب من أنه هو صرف استتارالقرص ولا انتظار بعد الغروب.

والخامس؛ وهو الأهم إن الرواية صريحة في أن جعفر بن محمد عليها السلام كان يصلي في هذا الوقت في الصحراء والبادية حال كونه وحيدا فريدا بعيدا عن مرئي المخالف فلا تقية.

فحمل مثل هذه النصوص على التقية جفاء في حق النصوص ومع الأسف ذاك دأب بعض الفقهاء سيما الاخباريون منهم، فإن بعضهم بمجرد أية موافقة بين نص ومذهب العامة، يحملونه على التقية؛ ولا ازال كنت أتعجب من المحقق البحراني رضوان الله علیه حيث يحمل مثل هذا الخبر على التقية ! وكيف يمكن حمل فعلة صدرت من الإمام علیه السلام في الصحاري والبرار حال کونه وحيدا فريدا على التقية ؟! فإنه رحمه الله يقول في توجيه هذا الخبر ما هذا نصه:

ص: 368

والجواب عنه بالحمل على التقية كما هو أحد القواعد المنصوصة عن أهل البيت علیھم السلام في مقام اختلاف الأخبار، من العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافهم، واتفاق المخالفين قديما وحديثا على هذا القول مما لا سبيل إلى إنكاره، بل ورد في جملة من الاخبار الأمر بعرض الاخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه وإن لم يكن في مقام الاختلاف، بل ورد ما هو أعظم من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد من تستفتيه في الحكم فاستفت قاضي العامة واعمل على خلافه(1)

رواية أخرى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سمعته يقول صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر فكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس وأصلي الفجر إذا استبان لي الفجر فقال لي الرجل ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على آخرين بعد؟ قال فقلت إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا ليس علينا إلا ذلك وعلى أولئك أن يصلوا إذا

غربت عنهم.(2)

والسند حسن بل موثق.

والغلس هو ظلمة آخر الليل.(3)ويغلس بالفجر أي يصلي في آخر ظلمة الليل قبيل طلوع الشمس ويمسي بالمغرب أي يصلي في ظلمة الليل. وهو مذهب أبي الخطاب الملعون بلسان العترة. فالرواية تدل على الحقائق التالية:

ص: 369


1- الحدائق، ليوسف البحراني، 6 / 169 .
2- الأمالي، للشيخ الصدوق ، 140 .
3- مجمع البحرين، للطريحي،90/4

أولا أنه علیه السلام كان يصلي صلاة الفجر في أول طلوع الفجر الصادق، ويصلي المغرب حينما يستتر قرص الشمس ولم يؤخرها إلى ظلمة آخر الليل.

وثانيا تدل على أن لكل مصل أفق نفسه، فاذا غابت الشمس عنه يجوز له صلاة المغرب.

وثالثا على أن إقامة المغرب في هذا الوقت كان من سيرة أبي عبدالله علیه السلام لقوله كنت أصلي المغرب إذا غربت الشمس فلايمكن حمل هذا التعبير على التقية.

ورابعا تدل على أن توجيه الرواية وحملها على مثل مذهب أبي الخطاب و حمل صلاة أبي عبد الله علیه السلام على ما بعد ذهاب الحمرة كما احتمله المحدث الحر العاملي رضوان الله علیه في غير محله. وهو يقول:

لعل الرجل كان من أصحاب أبي الخطاب وكان يصلي المغرب عند ذهاب الحمرة المغربية وكان الصادق علیه السلام يصليها عند ذهاب الحمرة المشرقية. ومعلوم أن الشمس في ذلك الوقت تكون طالعة على قوم آخرين إلا أنه لا يعتبر أكثر من ذلك القدر.(1)

وذلك لأن الإمام علیه السلام يصرح أنه كان يصلي المغرب حين استتار القرص لابعد ذهاب الحمرة.

خبر فضل بن شاذان عن الرضاعلیه السلام: حدثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري: .... فإن قال فلم جعلت الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدم ولم تؤخر؟ قيل لأن الأوقات

ص: 370


1- وسائل، للحر العاملی، 4/ 180.

المشهورة المعلومة - التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم - أربعة. غروب الشمس مشهور معروف فوجب عندها المغرب وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده عشاء الآخرة وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة وزوال الشمس وإيفاء الفيء مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التي قبلها إلى أن يصير الظل من كل شيء أربعة أضعافه وعلة أخرى أن الله عزوجل أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعة وعبادة فأمرهم أول النهار أن يبدءوا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مئونة دنياهم فأوجب صلاة الفجر عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدءوا بذكره وعبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا ظهرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا أيضا بعبادته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاءوا من مئونة دنياهم فإذا جاء الليل و وضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم بدءوا أولا لعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب أن يبدءوا أولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاءوا أن يصيروا إليه من

ذلك فيكونوا قد بدءوا في كل عمل بطاعته وعبادته و...(1)

قد أوضح الوسائل سندها بالتفصيل(2)ولكن بعد ما اعددناها في زمرة الضعاف فلا يهمنا الآن التعرض إليه.

ص: 371


1- علل الشرایع، للشيخ الصدوق ، 1/ 261.
2- وسائل، للحر العاملی،121/30

أما الدلالة: فأوضح الخبر أوقات صلوات اليومية بأن الأربعة منها واضحة يعرفها العالم والجاهل في شرق العالم وغربه وهي زوال الشمس عند الظهر للظهر، و غروب الشمس لصلاة المغرب، وسقوط الشفق للعشاء، وطلوع الفجر للغداة، ثم بقي وقت العصر واذ لم يعلم بعلامة معروفة من حالات الشمس، فعين لها وقتا بعد ما قبلها وهي صلاة الظهر .

ص: 372

نصوص العامة على كفاية الاستتار

ففي صحيح مسلم ... و وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس. ويسقط قرنها الأول. و وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس. ما لم يسقط الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل.(1)

وفي صحيح البخاري: عن جابر بن عبد الله كان النبي يصلي صلی الله علیه واله... والمغرب إذا وجبت.(2)

وفيه أيضا عن سلمة كما نصلي مع النبي صلی الله علیه واله المغرب إذا توارت بالحجاب.(3)

وفيه أيضا عن رافع بن خديج كنا نصلي المغرب مع النبي صلی الله علیه واله فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله.(4)

وفي مسند أحمد: حدثنا محمد بن فضیل، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح،عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله: إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ینتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس.(5)

ص: 373


1- صحيح مسلم، لمسلم، 1/ 428 .
2- صحيح البخاري، للبخاري، 1/ 116 .
3- نفس المص