خطبة الإمام الحسن علیه السلام

اشارة

سید جمال أشرف

العنوان: خطبة الإمام الحسن علیه السلام

إعداد: السید علي السید جمال أشرف

مشهد : اعتقاد ما ، مکتبة الإمام الحسین علیه السلام التخصصیة قم ، 1393 ش ، 1435 ق ، 2014 م ، 64 ص .

الفهرسة طبق نظام فیبا

الموضوع: الحسن بن علی علیهما السلام ، الإمام الثاني 3 - 50 ق . الأحادیث.

الموضوع: الحسن بن علی علیهما السلام ، الإمام الثاني 3 - 50 ق . الخطب.

رده کنگره: 1393 - 7خ9س / 40 Bp

رده دیویی: 952 / 297

شماره مدرک: 3123552

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

ص: 2

خطبة الإمام الحسن علیه السلام

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

عاش رسول الله(صلی الله علیه و آله) بين ظهرانيّ هذه الأمّة سنين من عمره المبارك، وبلّغ ونصح وأدّى رسالات ربّه، فأوصى إلى أمير المؤمنين علي(علیه السلام) وأولاده المعصومين(علیهم السلام) خلفاء راشدين من بعده ، فأتمّ الله بهم النعمة ، وأكمل بهم الدين ، ورضي بهم الإسلام للناس دينا .

وقد أعلن ذلك رسول الله(صلی الله علیه و آله) منذ اللحظة

ص: 3

الأولى التي تشرّف جبرائيل بنقل الوحي إليه ، قال أمير المؤمنين(علیه السلام) : ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه(صلی الله علیه و آله) فقلت : يا رسول الله ! ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبي ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير ..

وداوم(صلی الله علیه و آله) على ذلك في كلّ موطن وموقف وقفه في حياته ، حتّى كان الإعلان الرسمي الذي دعا فيه إلى البيعة علانية على رؤوس الأشهاد ، فبايعه الناس ، ثم نكصوا على أعقابهم ، وارتدّوا على أدبارهم ، ورجعوا القهقرى .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ص: 4

وما فتأ النبي(صلی الله علیه و آله) يكلّم الناس بفضائل الحسنين(علیهما السلام) ، ويعلّمهم كيف يحبّونهما ، ويرسملهم معالم طريق الطاعة لهذين الإمامين السبطين(علیهما السلام) ، وأنّهما من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وأخبرهم أنّ حبّهما فرض من الله ومن رسوله(صلی الله علیه و آله) . .

فما انقضت الأيّام حتّى احتضر النبي(صلی الله علیه و آله) واستعدّ للرحيل ، وأعلن قرب لقائه بربّه وهجرته من هذه الدنيا الدنيئة ، فكان يعالج آثار السمّ ، ويحتضن ولديه مرّة بعد مرّة ، ويضمّهما إلى صدره ، فيقترب منه أمير المؤمنين(علیه السلام) ليحملهما عن صدره ، فيقول : « دعهما يا علي يشمّاني وأشمّهما ، ويتزوّدا منّي وأتزوّد منهما ،

ص: 5

فسيلقيان من بعدي زلزالاً وأمرا عضالاً ، فلعن الله من يخيفهما ، اللهمّ إنّي أستودعكهما وصالح المؤمنين » .

أرأيت سيّد الكائنات وأشرف المخلوقات وأكرم الأنبياء وأعظم المرسلين ومَن خلق الله من أجله - وأهل بيته - السموات والأرضين يتلّهف في ساعاته الأخيرة على أهل بيته ! ويخاف عليهم ويبكي لهم ! قال أبو جعفر الباقر(علیه السلام) : « لمّا قبض رسول الله(صلی الله علیه و آله) بات آل محمد(صلی الله علیه و آله) بأطول ليلة حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم ولا أرض تقلّهم » . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

عاش الإمام المجتبى(علیه السلام) مع جدّه(صلی الله علیه و آله) سنين ، شاهد فيها كلّ ما جرى على جدّه من محن ، ولحقه

ص: 6

من أذى في نفسه وفي أهل بيته(علیهم السلام) . .

وعاش نكبة السقيفة ، ووقف ينظر إلى أبيه مغصوب الحقّ ، صفر اليدين من حقّه الذي فرضه الله له ، « وأيديهم من فيئهم صفرات » ، وشاهد القوم وهم يتناهبون تراثه وتراث أبيه ، ويسلبون إرث أمّه وإخوته وذرّيّاتهم . . فرأى أباه صابراً محتسباً ، وصبر أبو محمد(علیه السلام) .

فإنّا لله وإنا إليه راجعون !

ما أعظمها من محنة أن يرى أبو محمد الحسن(علیه السلام) أباه أمير المؤمنين(علیه السلام) ومولى الموحّدين وإمام المتّقين وهو يقرن إلى تلك النظائر ، قال أمير المؤمنين(علیه السلام) في خطبته المعروفة :

ص: 7

« فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ؟!! »

إنّها الطامّة الكبرى ! والمصيبة الداهية العظمى ! حينما تنقلب المقاييس في فترة وجيزة وأيّام قليلة ، فيستسيغ الناس مقارنة من ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير بمن لم يفارق القاع العفن والحضيض النتن لحظة من عمره !

فجرت هذه السنّة الرديئة والجناية الماحقة في الأعقاب حتّى صارت المقارنة عند هؤلاء الناس المنكوسين بين أولاد أمير المؤمنين الطيّبين الطاهرين وذراري الأنبياء أبناء فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين(علیهم السلام) ، وبين أولاد البغايا العفنات وذوات

ص: 8

الأعلام الرخيصات . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ثم كابد أبو محمد المجتبى(علیه السلام) مشاهد تكاد السموات تتفطّر منها «وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » . .

كابد الأعداء وهم يهجمون على البيت المقدّس ، ويهتكون حرم الله وحرم رسوله ، ويجمعون الحطب « على الباب الذي لم يجتمع لولاه شمل الدين » ، فيضرمون النار فيه ، ويسربون الدخان إلى رواقه . . .

فسمعت أذناه ورأت عيناه ، أمّه تصرخ وتستغيث وراء الباب ، وتستنصر بالنبي وبعمّها حمزة وابن عمّها جعفر وتناديهم(علیهم السلام) ، فلا من مجيب ولا من مغيث . .

ص: 9

وهو يرى ذلك بعين الإمام ، فيرى أمّه الآن ، ويرى أخواته وأهل بيته وهم يستغيثون في عرصات كربلاء ، وقد هجمت عليهم الخيل ، وأضرموا في أطناب المخيّم النيران ، فتخرج النساء فارّة على وجوهها في البيداء ، تركض على الجمر والرمضاء ، وتتعثّر بالأطناب ، وترتطم بصدور الخيل ، وتدهسها حوافرها . .

ويسمع في صوت أمّه صوت أخته الحوراء وهي تنادي في تلك الصحراء المقفرة المهولة :

« صلّى عليك مليك السما ، هذا حسينك في العرا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوبالعمامة والردا ، وبناتك سبايا ، فإلى الله المشتكى ، وإلى محمّد

ص: 10

المصطفى ، وإلى عليّ المرتضى ، وإلى حمزة سيّد الشهداء » . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه أمّه ، وهي سيّدة النساء والذكرى الوحيدة الباقية من رسول الله(صلی الله علیه و آله) بين ظهرانيّ هذه الأمّة المنحوسة ، وهي ترتمي على الأرض ، وترتفع من صدرها آهة لولا رأفة الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) وقضاء الله وقدره لأحرقت الطير في جوّ السماء ولم تبق على ظهر هذه الأرض ديّارا .

وقد وقعت بنت النبي(صلی الله علیه و آله) وحبيبة ذي الجلال على الأرض مكسورة الضلع ، مسقطة الجنين ، دامية الصدر ، فصبرت ! وصبر أمير المؤمنين ! وصبر أبو محمّد

ص: 11

المجتبى وأخوه(علیهم السلام) . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

لقد رأت عينا أبي محمّد(علیه السلام) وسمعت أذناه أخاه المحسن السقط شهيداً مظلوماً يوضع ، وهو ابن سيّد الأنبياء وسيّد الأوصياء وسيّدة النساء وأخو سيّدي شباب أهل الجنّة(علیهم السلام) ، فيسقط على الأعتاب . .

وسمع أمّه وهي تنادي : يا فضّة إليك فسنّديني فلقد والله « أسقطوا جنيني » . .

وهو يرى بعين الإمام ، رضيع سيّد الشهداء(علیه السلام)وهو يتلظّى عطشاً في كربلاء ، ويذبح على يدي أبيه ، فيرجع به إلى المخيّم مذبوحاً من الوريد إلى الوريد ، قد تعلّق رأسه ببدنه بجلدة ، ويرى الأطفال

ص: 12

الرضّع والصغار يتهاوون على الرمال بين حوافر الخيل وزحمة الرجال . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه - وكانتا الأشبه بعيني رسول الله(صلی الله علیه و آله) - وسمعت أذناه ، أصوات السياط تهوي بقسوة على يدي أمّه وعاتقها ، وقد تكاثر عليها الجفاة الأجلاف يقرعونها بما حملت أكفّهم القذرة من سياط وعصيّ ، وهي تستصرخ وتستغيث فلا تغاث . .

فيرى بعين الإمام ، السياط تتلوّى على عاتق أخواته ، وليس لهنّ من يحميهنّ من الرجال والحماة . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، أباه أمير المؤمنين(علیه السلام)

ص: 13

ملبّباً بحمائل سيفه يقاد إلى مسجد النبي(صلی الله علیه و آله) . . وأمّه تعدو خلف القوم : وهي تنادي :

« خلّو ابن عمّي أو لأكشف للدعا رأسي وأشكو للإله شجوني » ..

فيرى بعين الإمام ، أخته الصدّيقة الكبرى(علیها السلام) ، وهي تعدو بين المخيّم ومصرع سيّد الشهداء الحسين(علیه السلام) ، وتدافع عنه ، وهي تستصرخ وتنادي : « أما فيكم مسلم؟» فلا تجد من أهلها وحماتهاأحد ، فتلتفت إلى عمر بن سعد القاتل اللعين ، فتخاطبه - وهي التي لم يسمع لها قبل يوم الطفّ صوتاً ، ولم ير لها شخصاً - : « أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟ !» . . ولقد جرّت عليها الدواهي أن « برزت تخاطب شامتاً ملعوناً » .

ص: 14

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، ما جرى في السقيفة من اهتضام ورجوع القهقرى وتمرّد على الله ورسوله(صلی الله علیه و آله) .

وهو يرى بعين الإمام ، ما ستجرّ على الأمّة والأئمّة على طول عمر الدنيا « حتّى يبعث الله قائماً يفرّج عنها الهمّ والكربات » .

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، أنّات أمّه الزهراء(علیها السلام) ، وهي تتقلّب على فراش المرض معصوبة الرأس ، ناحلة الجسم ، حتّى أصبحت كالخيال ، فإذا أرادت أن تتقلّب من جنب إلى جنب نادت فضّة ، أو أبناءها الصغار ليعينوها ، وبقيت هكذا حتّى قضت شهيدة ، مظلومة ، صابرة ، محتسبة ، باكية ، مهتضمة . .

ص: 15

فيرى بعين الإمام ، جسد أخيه المبضّع على الصعيد تحفّ به الأرامل والأيتام المذاعير بعد أن قلّبته الخيل بحوافرها ، وطحنت جناجن صدره .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، تشييع أمّه سيّدة النساء الغريبة ، التي أخرجت بالليل ، وأميرالمؤمنين(علیه السلام) الذي قلع باب خيبر ، وجبّن الشجعان وجندل الأبطال ، يقول لأبي ذرّ وعمّار : « أعيناني على حمل فاطمة !» فاطمة التي ذوت وذاب جسمها بنيران المصاب المستعرّة في بيتها جراء ما فعله القوم !

فيرى بعين الإمام ، أخاه الحسين(علیه السلام) الذي ذكّر العالمين بشجاعة جدّه الرسول الأمين وشجاعة

ص: 16

أبيه أمير المؤمنين(علیهم السلام) ، وهو يقوم من عند أخيه أبي الفضل العباس(علیه السلام) آيساً من الحياة ، محنيّ الظهر ، يكفكف دموعه بكمّه ، ويجرّ فرسه من ورائه ، ويقول : « الآن انكسر ظهري ، وشمت بي عدوّي ، وتشتّت عسكري!»

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

وهكذا رأت عيناه وسمعت أذناه ، كلّ ما جرى على أبيه(علیه السلام) منذ أن فارق رسول الله(صلی الله علیه و آله) الحياة الدنيا إلى يوم السقيفة ، ثم الشورى ، ثم البيعة الظاهرة ، ثم تمرّد القوم عليه في كلّ صغيرة وكبيرة من صلاة التراويح التي نهاهم عنها ، فنادوا : « وا سنّة عُمراه !» حتّى إطاعة المرأة ، ورفع المصاحف بحيث بلغ بهم الكفر إلى

ص: 17

حدّ التكفير ! ! وهم ينكرون سابقته وفضائله ومناقبه وعلمه ووصيّته وخلافته والنصّ عليه .

فرأى بعين الإمام ، أخاه الحسين(علیه السلام) وقد نشر المصحف على رأسه ، وركب ناقة جدّه ، وتقلّد بسيفه ، ولبس لامته ، واستشهد القوم ووعظهم ،فأجابه الخبيث ابن الخبيث ابن الأشعث منكراً قرابته من رسول الله(صلی الله علیه و آله) ، فقال : « وأيّ قرابة لك من رسول الله !!»

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، المنادي ينادي بين السماء والأرض : « تهدّمت والله أركان الهدى ، وانفصمت العروة الوثقى ، قتل ابن عمّ المصطفى ،

ص: 18

قتل عليّ المرتضى». . فخسر العالمين أجمع أمير المؤمنين(علیه السلام) ، ونادى هو بأبي وأمّي : « فزت وربّ الكعبة » .

وتراكض أيتام الكوفة يهرعون إلى بيت الإمام كلٌّ يحمل على يديه الصغيرتين قعباً من لبن ، لأنّهم سمعوا أنّ الإمام قتل بالسيف مسموماً ، وقد وصف له اللبن ، فيخرج إليهم أبو محمّد(علیه السلام) ليشكر لهم موقفهم من إمامهم وأبيهم أجمعين .

ويرى بعين الإمام أطفاله ونساءه وأخواته على نياق هزّل يخافون أن يتخطّفهم الناس من حولهم في نفس هذه البلدة عرضة للنظّار ، والأطفال ! الأطفال ! يتصدّقون عليهم ، فتبادر إليهم زينب

ص: 19

الكبرى وأمّ كلثوم الصغرى(علیهما السلام) ، فتأخذ الخبز والتمر من أيديهم ، وتردّها على أصحابها ، وهي تنادي : « الصدقة حرام علينا أهل البيت ». .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، ما تجرّعه شيعته من قتل وتشريد وملاحقات تحت كلّ حجر ومدروتهجير وإبعاد ونفي عن الأوطان ، أيّام ملك الأمويّ الخبيث . .

فرأى بعين الإمام ، إبادة ولده ورهطه وأهل بيته وأنصارهم في كربلاء ، وحمل ثقل النبوّة سبايا من بلد إلى بلد يتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والشريف والدنيّ ، والشاهد والغائب . .

ص: 20

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، عربدات معسكر السقيفة وخيانتهم ، وما أضمروه له ولأهل بيته ، فجرى الصلح ، وقاسى من الأقربين من بعض أنصاره جراح الشماتة واللسان ، وهو أشدّ من جراح السنان ، ومن الأبعدين الأمرّين .

فحمل ثقله ورجع إلى مدينة جدّه بأهله وعياله وعيال أبيه . .

وهو يرى بعين الإمام ، أخاه الحسين(علیه السلام) ينادي : « ألا هل من مغيث يغيثنا ؟ ألا هل من ناصر ينصرنا ؟» فلا يجاب إلاّ بضرب السيوف وشرب الحتوف وسيل النبال والحجارة . .

ص: 21

ورأى بعين الإمام ، أنّه حمل عياله وعيال أبيه وهو وليّهم ، ومعه إخوته وصنوه الحسين وأخوه أبي الفضل(علیه السلام) ، ودخل بهم إلى حرم النبي(صلی الله علیه و آله) ودارهم في المدينة معزّزين مكرّمين محميّين . . وسرعان ما يحملون على عجف المطى يرافقهم القتلة والشامتون ، ويدخلون بهم مجالس أولاد البغايا التي ما فارقت اللهو والخمر والفسقوالمجون !

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ورأت عيناه وسمعت أذناه ، رزيّته يوم اغتياله بمغول طعنه في فخذه حتّى بلغ العظم ، وهجوم الأوغاد على رحله وثقله وسلبه رداءه وهو جالس على طنفسته يصلّي بين يدي ربّه . .

ص: 22

فرأى بعين الإمام ، « هجوم الخيل ضابحة على » بنات الوحي ومخدّرات الرسالة وسكّان سرادق العزّ ، حتّى لكانت العلويّة تنازع عن ملحفتها فتغلب عليها . . وسلب ما في ثقل سيّد الشهداء(علیه السلام) حتّى مغزل فاطمة(علیها السلام) وحليّ بنات النبوّة . .

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون !

ثم دخل الدعيّ - ابن البغيّ آكلة الأكباد المشهورة - بعد الصلح ، فارتقى الأعواد ، ورأته عيون الناس ، وسمعته آذانهم ، وكانوا من قبل قد سمعوا النبي(صلی الله علیه و آله) ، وربما رآه بعضهم ، وهو يقول : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » ، فعصوا النببي(صلی الله علیه و آله) وخذلوه وارتكبوا الجناية العظمى . .

ص: 23

فصعد الأعواد ، وأوقف لحم النبيّ(صلی الله علیه و آله) ودمه وعظمه وشعره وبشره وبضعته أسفل منه بدرجة !!

فعادت السقيفة من جديد ، إذ صعد الأنذال والذنابى على أكتاف الأولياء ، وارتقى القرود منبرالنبي(صلی الله علیه و آله) ورجعت الأمّة القهقرى ، وترك الحقّ غريباً وحده ، فمنذ ذلك الحين أوقف الإمام المجتبى(علیه السلام) أسفل بدرجة ، كما يظنّون ، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ، ولو كره الكافرون ، ولو كره المشركون !

فصدح أبو محمّد(علیه السلام) المجتبى بلسان النبيّ(صلی الله علیه و آله) ، وصوت أمير المؤمنين عليّ ، وأنّة فاطمة سيّدة النساء ، وصرخة سيّد الشهداء الحسين(علیهم السلام) ، فأفحم كبير القردة الأمويّ ومن سلّطه على رقاب الناس ، واحتجّ

ص: 24

على الناس احتجاجاً أقام به الحجّة البالغة لله ربّ العالمين .

فلنستمع ولنحفظ ما قاله كبير الأسباط ، وحبيب المصطفى ، وقرّة عين المرتضى ، وسرور قلب فاطمة الزهراء ، وصنو الحسين الشهيد بكربلاء(علیهم السلام) . . .

السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني

10/11/1433

ص: 25

روى الشيخ المجلسي في بحار الأنوار : 10 /143 ح 5 عن الأمالي للشيخ الطوسي : 566 المجلس 21 ح 1174 :

عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْمُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كثِيرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(علیهما السلام)قَالَ :

لَمَّا أَجْمَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ(علیهما السلام) عَلَى صُلْحِ

ص: 26

مُعَاوِيَةَ خَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ .

فَلَمَّا اجْتَمَعَا قَامَ مُعَاوِيَةُ خَطِيباً ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، وَأَمَرَ الْحَسَنَ(علیه السلام) أَنْ يَقُومَ أَسْفَلَ مِنْهُ بِدَرَجَةٍ ! ! ثُمَّ تَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ :

أَيُّهَا النَّاسُ ! هَذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ فَاطِمَةَ رَآنَا لِلْخِلَافَةِ أَهْلاً ، وَلَمْ يَرَ نَفْسَهُ لَهَا أَهْلاً ! وَقَدْ أَتَانَا لِيُبَايِعَ طَوْعاً(1) ! !

ثُمَّ قَالَ : قُمْ يَا حَسَنُ !

ص: 27


1- . الطَّوْعُ : الانقيادُ ، ويضادّه الكره .

***

فَقَامَ الْحَسَنُ(علیه السلام) فَخَطَبَ ، فَقَالَ :

الْحَمْدُ لله ِ الْمُسْتَحْمَدِ بِالآلاءِ(1) ، وَتَتَابُعِ النَّعْمَاءِ ، وَصَارِفِ(2) الشَّدَائِدِ وَالبَلاءِ ، عِنْدَ الْفُهَمَاءِ(3) وَغَيْرِالْفُهَمَاءِ ، الْمُذْعِنِينَ(4) مِنْ

ص: 28


1- الآلاء : النعم ، وقيل : هي النعم الظاهرة ، و« النعماء » هي النعم الباطنة .
2- - الصَّرْفُ : رَدُّ الشيء عن وجهه .
3- - الفهم : ضدّ الغباوة ، والفَهْمُ : معرفتك الشيء بالقلب ، فَهِمَه فَهْما وفَهَما : عَلِمَه ، وفَهِمْت الشيء : عَقَلتُه و عرَفْته .
4- - مُذْعِنِينَ : أي مقرّين منقادين غير مستكرهين ، يقال : أذعن له إذعانا أي انقاد وخضع وذلّ ولم يستعص ، والإِذعان في اللغة الإِسراع مع الطاعة .

عِبَادِهِ ، لِامْتِنَاعِهِ بِجَلالِهِ(1) وَكِبْرِيَائِهِ(2) ، وَعُلُوِّهِ(3) عَنْ لُحُوقِ(4) الأَوْهَامِ(5) بِبَقَائِهِ ، الْمُرْتَفِعِ عَنْ كُنْهِ(6) طَيَّاتِ(7) الْمَخْلُوقِينَ

ص: 29


1- - الجلال : العظمة .
2- - الْكِبْريَاءُ : الترفع عن الانقياد ، وذلك لا يستحقّه غير اللّه ، والكبرياء : اسم للتكبّر والعظمة ، والكِبْرِياء : العَظَمة والملك .
3- - العلو : الارتفاع .
4- - اللُّحُوق والإِلْحاقُ : الإِدراك ، لَحِقَ الشيءَ وأَلْحَقَهُ وكذلك لَحِقَ به وأَلْحَقَ لَحاقا ، بالفتح ، أي أدركه .
5- - الوَهْمُ : من خَطَراتِ القلب ، والجمع أَوْهامٌ ، وللقلب وَهْمٌ ، وتَوَهَّمَ الشيءَ : تخيَّله و تمثَّلَه ، كان في الوجود أَو لم يكن .
6- - كُنْهُ كلِّ شيءٍ قَدْرُه ونِهايتُه وغايَتُه ، الكُنْه جوهر الشيء ، والكُنْهُ : نهايةُ الشيء وحقيقته.
7- - الطية - بالكسر - : النية والقصد .

مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِمَكْنُونِ(1) غَيْبِهِ رَوِيَّاتِ(2) عُقُولِ الرَّائِينَ .

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَوُجُودِهِوَوَحْدَانِيَّتِهِ ، صَمَداً(3) لَا شَرِيكَ لَهُ ،

ص: 30


1- - المكنون : المصون المستور .
2- - الرَّوِيَّةُ في الأَمر : أَن تَنْظُر ولا تَعْجَل ، ورَوَّى في الأَمر : لغة في رَوَّأَ نظر فيه وتَعقّبه وتَفَكَّر ، يهمز ولا يهمز ، والرَّوِيَّة . التَّفَكُّر في الأَمر .
3- - في مجمع البحرين : قيل : الصمد الذي انتهى إليه السؤدد ، وقيل : هو الدائم الباقي ، وقيل : هو الذي يصمد في الحوائج أي يقصد . والصمد : السيّد المتفوّق في السؤدد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم . وفي الحديث : الصمد المصمود إليه في القليل والكثير . والصمد : القصد ، يقال : صمده يصمده صمدا : قصده . ومنه الدعاء « اللّهم إليك صمدت من بلدي » . وفي حديث : « فصمد إلى جدّي » : أي قصده . ومن كلام أمير المؤمنين علي(علیه السلام) في تعليم قومه الحرب « فصمدا صمدا حتّى يتجلّى لكم عمود الحقّ ، أي فاقصدوا قصدا بعد قصد . وفي تفسير القمّي : 2/448 : و قوله : الصمد ، أي الذي لا مدخل فيه . وفي الكافي : 1/123 : عن داود بن القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني(علیه السلام) : جعلت فداك ، ما الصمد ؟ قال السيّد المصمود إليه في القليل والكثير . وفي قاموس القرآن : 4/152 : قال الباقر(علیه السلام)حدّثنى أبي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي(علیهم السلام) أنّه قال : الصمد : الذي لا جوف له . والصمد : الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد : الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد : الذي لا ينام ، والصمد : الدائم الذي لم يزل و لا يزال .

فَرْداً لا ظَهِيرَ(1) لَهُ .

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اصْطَفَاهُ

ص: 31


1- - التَّظاهُرُ : التعاوُن ، والمُظاهَرَة : المعاونة ، وظاهَرَ أَي نَصَر وأَعان ، والظَّهِيرُ : العَوْنُ ، الواحد والجمع في ذلك سواء .

وَانْتَجَبَهُ(1) وَارْتَضَاهُ(2) ، وَبَعَثَهُ(3) دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ سِرَاجاً(4) مُنِيراً ، وَلِلْعِبَادِ مِمَّا يَخَافُونَ نَذِيراً ، وَلِمَا يَأْمَلُونَ بَشِيراً(5) ، فَنَصَحَ لِلأُمَّةِ ، وَصَدَعَ(6) بِالرِّسَالَةِ ، وَأَبَانَ(7) لَهُمْ دَرَجَاتِ

ص: 32


1- - المُنْتَجَبُ : المُختارُ من كلّ شيءٍ ، وقد انْتَجَبَ فلانٌ فلانا إِذا اسْتَخْلَصَه واصْطَفاه اخْتيارا على غيره .
2- - رَضِيتُ الشيءَ وارْتَضَيْتُه ، فهو مَرْضِيٌّ ، ورَضِيَهُ لذلك الأَمْر وارْتَضَاه : رآه لَهُ أَهْلاً .
3- - بَعَثَهُ : أَرْسَلَهُ وَحْدَه ، وبَعَثَ به : أَرسله مع غيره . وابْتَعَثَه أَيضا أَي أَرسله فانْبعَث .
4- - السراج المصباح ، والسِّرَاجُ : الشمس .
5- - نَصَحَ الشيءُ : خَلَص ، و النُّصْح : نقيض الغِش ، ويقال : نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصوحا أَي أَخْلَصْتُ و صَدَقْتُ ، والاسم النصيحة .
6- - صَدَعْتُ الشيء : أَظْهَرْتُه وبَيَّنْتُه ، وصَدَعَ بالأَمرِ يَصْدَعُ صَدْعا : أَصابَ به موضِعَه وجاهَرَ به ، وصَدَعَ بالحق : تكلّم به جهارا .
7- - أبان إبانة : الوضوح والانكشاف .

الْعُمَالَةِ(1) .

شَهَادَةً عَلَيْهَا أَمَاتَ وَأُحْشِرَ ، وَبِهَا فِي الآجِلَةِ أَقْرَبُ وَأَحْبَرُ .

وَأَقُولُ : مَعْشَرَ الْخَلائِقِ ! فَاسْمَعُوا ، وَلَكُمْ أَفْئِدَةٌ وَأَسْمَاعٌ فَعُوا !

إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَكْرَمَنَا اللهُ بِالإِسْلَامِ ، وَاخْتَارَنَا وَاصْطَفَانَا وَاجْتَبَانَا ، فَأَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ وَطَهَّرَنَاتَطْهِيراً.

ص: 33


1- - العُمالة ، بالضم : أَجْرُ ما عُمِل ، ورِزْقُ العامِلِ الذي جُعِل له على ما قُلِّد من العَمَل .

وَالرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ ، فَلا نَشُكُّ فِي الله ِ الْحَقَّ وَدِينَهُ أَبَداً.

وَطَهَّرَنَا مِنْ كُلِّ أَفْنٍ(1) وَغَيَّةٍ(2) ، مُخْلِصِينَ إِلَى آدَمَ ، نِعْمَةً مِنْهُ .

لَمْ يَفْتَرِقِ النَّاسُ قَطُّ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنَا اللهُ فِي خَيْرِهِمَا ، فَأَدَّتِ الْأُمُورُ ، وَأَفْضَتِ الدُّهُورُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله) لِلنُّبُوَّةِ ،

ص: 34


1- - الأفن : بالتحريك ضعف الرأي ، وبالفتح النقص .
2- - الغية : الزنا .

وَاخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَاباً ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .

فَكَانَ أَبِي(علیه السلام) أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لِلهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ اللهَ وَرَسُولَهُ .

وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ <أَفَمَنْ كانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ> ، فَرَسُولُ اللهِ الَّذِي

ص: 35

عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَأَبٍي الَّذِي يَتْلُوهُ ، وَهُوَ شَاهِدٌ مِنْهُ .

وَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُهُ(صلی الله علیه و آله) حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَوْسِمِ بِبَرَاءَةَ : « سِرْ بِهَا - يَا عَلِيُّ - فَإِنِّي أُمِرْتُ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي ، وَأَنْتَ هُوَ ، فَعَلِيٌّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ، وَرَسُولُ اللهِ مِنْهُ .

وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله) حِينَ قَضَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ

ص: 36

أَخِيهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ :

« أَمَّا أَنْتَ - يَا عَلِيُّ - فَمِنِّي ، وَأَنَا مِنْكَ ، وَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي .

فَصَدَّقَ أَبِي رَسُولَ الله(صلی الله علیه و آله) سَابِقاً ، وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ .

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يُقَدِّمُهُ ، وَلِكُلِّ شَدِيدٍ يُرْسِلُهُ ، ثِقَةً مِنْهُ بِهِ ، وَطُمَأْنِينَةً

ص: 37

إِلَيْهِ ، لِعِلْمِهِ بِنَصِيحَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ .

وَقَدْ قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ- : « السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » ، فَكَانَ أَبِي سَابِقَ السَّابِقِينَ إِلَى الله - تَعَالَى- وَإِلَى رَسُولِهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَأَقْرَبَ الْأَقْرَبِينَ .

وَقَدْ قَالَ الله - تَعَالَى - : < لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولٰئِكَ أَعْظَمُ

ص: 38

دَرَجَةً>، فَأَبِي كَانَ أَوَّلَهُمْ إِسْلَاماً وَإِيمَاناً ، وَأَوَّلَهُمْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ هِجْرَةً وَلُحُوقاً ، وَأَوَّلَهُمْ - عَلَى وُجْدِهِ وَوُسْعِهِ - نَفَقَةً .

قَالَ سُبْحَانَهُ : <وَالَّذِينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ > ، فَالنَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ

ص: 39

بِسَبْقِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِنَبِيِّهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْيَسْبِقْهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ أَحَدٌ .

وَقَدْ قَالَ الله - تَعَالَى - : > وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ > ، فَهُوَ سَابِقُ جَمِيعِ السَّابِقِينَ .

فَكَمَا أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَ السَّابِقِينَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ، فَكَذَلِكَ فَضَّلَ سَابِقَ السَّابِقِينَ عَلَى السَّابِقِينَ .

ص: 40

وَقَدْ قَالَ اللهُ : < أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْاٰخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ > ، فَهُوَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقّاً ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْاٰيَةُ .

وَكَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) عَمُّهُ حَمْزَةُ ، وَجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّهِ ، فَقُتِلَا شَهِيدَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَتْلَى كَثِيرَةٍ مَعَهُمَا

ص: 41

مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، فَجَعَلَ اللهُ - تَعَالَى - حَمْزَةَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ ، وَجَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ بَيْنِهِمْ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) وَمَنْزِلَتِهِمَا وَقَرَابَتِهِمَا مِنْهُ ، وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً مِنْ بَيْنِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مَعَهُ .

ص: 42

وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللهُ - تَعَالَى - لِنِسَاءِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله) لِلْمُحْسِنَةِ مِنْهُنَّ أَجْرَيْنِ ، وَلِلْمُسِيئَةِ مِنْهُنَّ وِزْرَيْنِ ضِعْفَيْنِ ، لِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَجَعَلَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ الْحَرَامِ مَسْجِدَ خَلِيلِهِإِبْرَاهِيمَ(علیه السلام) بِمَكَّةَ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) مِنْ رَبِّهِ .

وَفَرَضَ اللهُ - عَزَّوَجَلَّ - الصَّلَاةَ عَلَى

ص: 43

نَبِيِّهِ(صلی الله علیه و آله) عَلَى كَافَّةِ الْمُؤْمِنِينَ .

فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ ؟

فَقَالَ : قُولُوا : اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ .

فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْنَا مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله) فَرِيضَةً وَاجِبَةً .

وَأَحَلَّ اللهُ - تَعَالَى - خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِرَسُولِهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَأَوْجَبَهَا لَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَأَوْجَبَ

ص: 44

لَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَ لَهُ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ ، وَحَرَّمَهَا عَلَيْنَا مَعَهُ ، فَأَدْخَلَنَا - وَلَهُ الْحَمْدُ - فِيمَا أَدْخَلَ فِيهِ نَبِيَّهُ(صلی الله علیه و آله) ، وَأَخْرَجَنَا وَنَزَّهَنَا مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَنَزَّهَهُ عَنْهُ ، كَرَامَةً أَكْرَمَنَا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا ، وَفَضِيلَةً فَضَّلَنَا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْعِبَادِ .

فَقَالَ الله - تَعَالَى - لِمُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله) حِينَ جَحَدَهُ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَاجُّوهُ : < فَقُلْ تَعَالَوْا

ص: 45

نَدْعُ أَبْناءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ > .

فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) مِنَ الْأَنْفُسِ مَعَهُ أَبِي ، وَمِنَ الْبَنِينَ أَنَا وَأَخِي ، وَمِنَ النِّسَاءِ أُمِّي فَاطِمَةَ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً ، فَنَحْنُ أَهْلُهُ ، وَلَحْمُهُ وَدَمُهُ وَنَفْسُهُ ، وَنَحْنُ مِنْهُ وَهُوَ مِنَّا .

وَقَدْ قَالَ اللهُ - تَعَالَى- : < إِنَّمَا يُرِيدُ

ص: 46

اللهُ لِيُذْهِبَعَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً > .

فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ جَمَعَنَا رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) أَنَا وَأَخِي وَأُمِّي وَأَبِي ، فَجَلَّلَنَا وَنَفْسَهُ فِي كِسَاءٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ خَيْبَرِيٍّ ، وَذَلِكَ فِي حُجْرَتِهَا وَفِي يَوْمِهَا .

فَقَالَ : « الّلهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، وَهَؤُلَاءِ أَهْلِي وَعِتْرَتِي ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ

ص: 47

وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً » .

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - : « أَدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ! »

قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) : « يَرْحَمُكِ اللهُ ، أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ ، وَإِلَى خَيْرٍ ، وَمَا أَرْضَانِي عَنْكِ ، وَلَكِنَّهَا خَاصَّةٌ لِي وَلَهُمْ » .

ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ - حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ - يَأْتِينَا فِي كُلِّ يَوْمٍ

ص: 48

عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ : « الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ < إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً > »

وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي مَسْجِدِهِ غَيْرَ بَابِنَا ، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ !

فَقَالَ : « أَمَا إِنِّي لَمْ أَسُدَّ أَبْوَابَكُمْ ، وَلَمْ أَفْتَحْ بَابَ عَلِيٍّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ، وَلَكِنِّي أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ بِسَدِّهَا وَفَتْحِ بَابِهِ ».

ص: 49

فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أَحَدٌ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَيُولِّدُ فِيهِ الْأَوْلادَ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیهما السلام)تَكْرِمَةً مِنَ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَنَا ، وَفَضْلاً اخْتَصَّنَا بِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ .

وَهَذَا بَابُ أَبِي قَرِينُ بَابِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) فِي مَسْجِدِهِ ، وَمَنْزِلُنَا بَيْنَ مَنَازِلِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ(صلی الله علیه و آله) أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَهُ ،

ص: 50

فَبَنَى فِيهِ عَشَرَةَ أَبْيَاتٍ ، تِسْعَةً لَِنبِيِّهِ وَأَزْوَاجِهِ ، وَعَاشِرُهَا - وَهُوَ مُتَوَسِّطُهَا - لِأَبِي .

وَهَا هُوَ بِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ، وَالْبَيْتُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُطَهَّرُ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى <أَهْلَ الْبَيْتِ> ، فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ ، وَنَحْنُ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَطَهَّرَنَا تَطْهِيراً .

أَيُّهَا النَّاسُ !

إِنِّي لَوْ قُمْتُ حَوْلًا فَحَوْلًا أَذْكُرُ الَّذِي

ص: 51

أَعْطَانَا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ- ، وَخَصَّنَا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ(صلی الله علیه و آله) لَمْ أُحْصِهِ .

وَأَنَا ابْنُ النَّبِيِّ النَّذِيرِ الْبَشِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .

وَأَبِي عَلِيٌّ(علیه السلام) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَشَبِيهُ هَارُونَ .

وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَخْرٍ زَعَمَ : أَنِّي رَأَيْتُهُ

ص: 52

لِلْخِلَافَةِ أَهْلًا ، وَلَمْ أَرَ نَفْسِي لَهَا أَهْلاً ، فَكَذَبَ مُعَاوِيَةُ .

وَايْمُ(1) اللهِ ! لَأَنَّا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ فِيكِتَابِ اللهِ ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله) ، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ أَهْلَ الْبَيْتِ مُخِيفِينَ مَظْلُومِينَ مُضْطَهِدِينَ(2) مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ .

فَاللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا ، وَنَزَلَ

ص: 53


1- - ايم اللّه بفتح الهمزة وكسرها : اسم موضوع للقسم ، أي أقسم باللّه .
2- - اضْطَهَدَ فلانٌ فلانا إِذا اضْطَعَفَه وقَسَرَه ، وهو أَنْ تَجُورَ عليه وتسْتَأْثِر ، والطاء بدل من تاء الافتعال ، ومُضْطَهَد : مَقْهُور مضطر، والاضْطِهادَ : هو الظلمُ والقَهْر .

عَلَى رِقَابِنَا ، وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَكْتَافِنَا(1) ، وَمَنَعَنَا سَهْمَنَا فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ ، وَمَنَعَ أُمَّنَا فَاطِمَةَ(علیها السلام) إِرْثَهَا مِنْ أَبِيهَا .

إِنَّا لَا نُسَمِّي أَحَداً ، وَلَكِنْ أُقْسِمُ بِاللهِ قَسَماً تَالِياً(2) ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَمِعُوا قَوْلَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا ، وَالْأَرْضُ

ص: 54


1- - الكتف : عظم عريض خلف المَنْكِب .
2- - التألي على التفعل : الحكم بالجزم والحلف على الشيء .

بَرَكَتَهَا ، وَلَمَا اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَانِ ، وَلَأَكَلُوهَا خَضْرَاءَ خَضِرَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِذا مَا طَمِعْتَ - يَا مُعَاوِيَه - فِيهَا .

وَلَكِنَّهَا لَمَّا أُخْرِجَتْ سَالِفاً مِنْ مَعْدِنِهَا(1) ،وَزُحْزِحَتْ(2) عَنْ قَوَاعِدِهَا(3) ، تَنَازَعَتْهَا(4) قُرَيْشٌ بَيْنَهَا ، وَتَرَامَتْهَا(5) كَتَرَامِي الْكُرَةِ ،

ص: 55


1- - المَعْدِنُ : مكان كلّ شيء يكون فيه أَصله ومَبْدَؤه ، نحو مَعْدِنِ الذهب والفضة .
2- - زحزحته عن كذا أي باعدته عنه .
3- - القاعِدَةِ : أَصلُ الأُسِّ ، والقَواعِدُ : الإِساس ، وقَوَاعدُ البِنَاءِ : أساسه .
4- - انْتَزَعَ : اسْتَلَبَ ، ونزَع : حوّل الشيء عن موضعه وإِن كان على نحو الاسْتِلاب . ونَزَعَ الشيءَ يَنْزِعُه نَزْعا ، وانْتَزَعَه : اقْتَلَعَه ، والتنازع : التخاصم .
5- - تَرامَى القوم بالسهام وارْتَمَوْا إذا رَمَى بعضُهم بعضا .

حَتَّى طَمِعْتَ فِيهَا أَنْتَ - يَا مُعَاوِيَه - وَأَصْحَابُكَ مِنْ بَعْدِكَ .

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) : « مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ ، إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا » .

وَقَدْ تَرَكَتْ بَنُو إِسْْرَائِيلَ - وَكَانُوا أَصْحَابَ مُوسَى(علیه السلام) - هَارُونَ أَخَاهُ وَخَلِيفَتَهُ وَوَزِيرَهُ ،

ص: 56

وَعَكَفُوا(1) عَلَى الْعِجْلِ ، وَأَطَاعُوا فِيهِ سَامِرِيهِمْ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ(2) خَلِيفَةُ مُوسَى(علیه السلام) .

وَقَدْ سَمِعَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ رَسُولَ اللهِ(صلی الله علیه و آله) يَقُولُ ذَلِكَ لِأَبِي : « إِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ».

وَقَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ(صلی الله علیه و آله) حِينَ نَصَبَهُ لَهُمْبِغَدِيرِ خُمٍّ وَسَمِعُوهُ وَنَادَى لَهُ بِالْوَلَايَةِ ، ثُمَّ

ص: 57


1- - عَكَف على الشيء : أَقبل عليه مُواظِبا لا يَصْرِفُ عنه وجهه ولازمه وأقام عليه .
2- - أي يعلمون أنّ هارون خليفة موسى(علیه السلام) .

أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الْغَائِبَ .

وَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ(صلی الله علیه و آله) حَذَراً مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْغَارِ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَمْكُرُوا بِهِ - وَهُوَ يَدْعُوهُمْ - لَمَّا لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً ، وَلَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً لَجَاهَدَهُمْ .

وَقَدْ كَفَّ أَبِي يَدَهُ(1) ، وَنَاشَدَهُمْ(2) ، وَاسْتَغَاثَ أَصْحَابَهُ ، فَلَمْ يُغَثْ ، وَلَمْ يُنْصَرْ ،

ص: 58


1- - كفّ يده : أي جمعها ومنعها .
2- - ناشدتك أي سألتك وأقسمت عليك .

وَلَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً مَا أَجَابَهُمْ ، وَقَدْ جُعِلَ فِي سَعَةٍ كَمَا جُعِلَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله) فِي سَعَةٍ .

وَقَدْ خَذَلَتْنِي(1) الْأُمَّةُ وَبَايَعَتْكَ يَا ابْنَ حَرْبٍ ، وَلَوْ وَجَدْتُ عَلَيْكَ أَعْوَاناً يَخْلُصُونَ مَا بَايَعْتُكَ .

وَقَدْ جَعَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَارُونَ فِي سَعَةٍ حِينَ اسْتَضْعَفُوهُ قَوْمُهُ وَعَادَوْهُ ، كَذَلِكَ أَنَا

ص: 59


1- - الخاذِلُ : ضدّ الناصر ، خَذَلَهً : تَرَكَ نُصْرته وعَوْنه ، والتَّخْذِيل : حَمْلُ الرجل على خِذْلان صاحبه وتَثْبِيطُه عن نصْرته .

وَأَبِي فِي سَعَةٍ مِنَ اللهِ حِينَ تَرَكَتْنَا الْأُمَّةُ وَبَايَعَتْ غَيْرَنَا ، وَلَمْ نَجِدْ عَلَيْهِ أَعْوَاناً ، وَإِنَّمَا هِيَ السُّنَنُ وَالْأَمْثَالُ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً .

أَيُّهَا النَّاسُ !

إِنَّكُمْ لَوِ الْتَمَسْتُمْ(1) بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ رَجُلاً جَدُّهُ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله) ، وَأَبُوهُ وَصِيُّ رَسُولِ الله ، لَمْ تَجِدُوا غَيْرِي وَغَيْرَ أَخِي .

فَاتَّقُوا الله ، وَلَا تَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ .

ص: 60


1- - الالتماس : الطلب مرّة بعد أخرى .

وَكَيْفَ بِكُمْ ؟

وَأَنَّى ذَلِكَ مِنْكُمْ ؟

أَلَا وَإِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَذَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَه - <وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلىَ حِينٍ> .

أَيُّهَا النَّاسُ !

إِنَّهُ لَا يُعَابُ(1) أَحَدٌ بِتَرْكِ حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا يُعَابُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَهُ ، وَكُلُّ صَوَابٍ نَافِعٌ ،

ص: 61


1- - يعاب : ينسب إلى العيب .

وَكُلُّ خطَإٍ ضَارٌّ لِأَهْلِهِ ، وَقَدْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فَفَهِمَهَا سُلَيْمَانُ ، فَنَفَعَتْ سُلَيْمَانَ ، وَلَمْ تَضُرَّ دَاوُدَ(علیه السلام)(1) .

فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَقَدْ نَفَعَتِ الْمُشْرِكَ ، وَهِيَ - وَاللهِ - لِلْمُؤْمِنِ أَنْفَعُ . . . . . .

أَيُّهَا النَّاسُ !

اسْمَعُوا وَعُوا ، وَاتَّقُوا الله ، وَرَاجِعُوا ،

ص: 62


1- - قال المجلسي(ره): « قوله(علیه السلام) : وقد كانت القضية » لعلّ المراد : بيان أن الأوصياء والأنبياء وعترتهم(علیهم السلام) ليسوا كسائر الخلق في أحوالهم ، كما أنّ عدم إصابة داود(علیه السلام) القضية لمصلحة لم يضرّه . . . » .

وَهَيْهَاتَ(1) مِنْكُمُ الرَّجْعَةُ إِلَى الْحَقِّ ، وَقَدْ صَارَعَكُمُالنُّكُوصُ(2) ، وَخَامَرَكُمُ(3) الطُّغْيَانُ وَالْجُحُودُ <أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ> .

<وَالسَّلامُ عَلىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدىٰ> .

قَالَ : فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : وَاللهِ ، مَا نَزَلَ الْحَسَنُ حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ ، وَهَمَمْتُ(4) أَنْ

ص: 63


1- - هَيْهاتَ كلمة تبعيد ، أي بعدا لكم .
2- - النكوص : الإحجام عن الشيء .
3- - خامَرَ الشيءَ : قاربه وخالطه ، والمخامرة : المخالطة .
4- - هَمَّ بالشيءَ يَهمُّ هَمّا : نواه وأَرادَه وعزَم عليه وقصده .

أَبْطِشَ(1) بِهِ ، ثُمَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْإِغْضَاءَ(2) أَقْرَبُ إِلَى الْعَافِيَةِ .

ص: 64


1- - البطش : الأخذ بسرعة والأخذ بعنف وسطوة .
2- - غضّ طرفه غضاضا بالكسر وغضاضة بفتحتين: خفضه وتحمّل المكروه .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.