في رحاب حديث الكساء

اشارة

في رحاب حديث الكساء

الشيخ علي حيدر المؤيد

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظة: قد تم إعطاء هذا الكتاب للحاج أبو احمد النجار لمراجعة الآيات والروايات والتحقيق الدقيق، فيرجى الانتظار لكي يأتي بالملف المصحح.

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وبعد، إنَّ من أسمى القيم وأفضل القربات إلى الله عزوجل المودة لمحمد وأهل بيته(عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم)، لأنها تتضمن الطاعة والحب والانقياد والالتزام بما أراده الله سبحانه للإنسان من كمالات وأهداف كبيرة، كما هي الطريق الأقوم والباب الواسع الموصل إلى الكرامة والسعادة في الدارين.

وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقى الله وهو يودنا أهل البيت، دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده، لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا»(1).

ص: 3


1- المحاسن: ص134 ح118 للبرقي ط المجمع العلمي لأهل البيت (علیهم السلام).

هذا والمودة غير الحب، لأنها تتضمن إظهار الحب لهم (علیهم السلام) ومشاركتهم في الأفراح والأحزان، والأخذ من منابعهم الثرة في العلم والمعرفة والآداب والسنن، وتجسيده في الجوارح مضافاً الجوانح.

ولذا فإن إظهار المودة له صور ومظاهر.

فقد تكون بكلمة فيها المدح وذكر فضائلهم (عليهم السلام) أو موقف يتجلى فيه النصرة لهم والبغض لأعدائهم، وقد تكون بدفع المال لأجل إحياء أمرهم في مختلف شؤون الحياة الدينية والاجتماعية والإنسانية، فإن كل ذلك حب وإظهار له في العمل، ولذا يحرز فيه رضا الله عزوجل ويضمن ثوابه والفوز بجنانه فضلاً عن التوفيقات العظيمة التي يحصل عليها الموالون لهم في مختلف المجالات.

وقد قال الله تعالى: [ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب](1). وكل عمل يكون من شعائر الله ومن شعائر أهل

ص: 4


1- سورة الحج: 32.

البيت (علیهم السلام) فهو مودة، وأي مودة أعظم من نعمة تولي آل محمد (علیهم السلام)، فهم (علیهم السلام) النعمة الكبرى، ولولاهم لما عرف الرحمن، ولا عرف رسوله أو كتابه، فقد ورد في الحديث الوارد عن أبي يوسف البزاز قال: تلا أبو عبد الله (علیه السلام) هذه الآية: [واذكروا آلاء الله] قال: «أتدري ما آلاء الله؟» قلت: لا، قال: «هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا»(1).

وعن الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام): «ما بال أقوام غيروا سنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعدلوا عن وصيه؟ لا يتخوفون أن ينزل بهم العذاب، ثم تلا هذه الآية: [ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً واحلوا قومهم دار البوار](2) إلى جهنم».

ص: 5


1- الكافي: ج1 ص217 ح3.
2- سورة إبراهيم: 28.

ثم قال:« نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة»(1).

وقد تواترت الأحاديث بأن آل محمد (عليهم الصلاة والسلام) هم الصراط الأقوم، ورحمة الله الواسعة، وهم موضع سر الله، ومعدن العلم، ولعل وهذا ما أشار إليه النبي الأعظم بقوله (صلی الله علیه و آله): «يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت»(2).

وبهذا أشار إلى أن المعرفة الكاملة لله تعالى فإنها للنبي (صلی الله علیه و آله) ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام)، فالله سبحانه وتعالى جعل لآل محمد (عليهم الصلاة والسلام) من الأسرار التي لم يعطها لملك أو لنبي، فهم أشرف الخلق وأكثرهم معرفة لله سبحانه وتعالى حيث أراد الله أن تكون

ص: 6


1- الكافي: ج1 ص217 ح1.
2- مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي ص125، وبحار الأنوار: ج39 ص84، ومستدرك سفينة البحار: ج7 ص182.

هذه الأسرار عندهم، ومما يدل على ذلك بعض الأخبار المروية منها:

عن خثيمة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال:«يا خثيمة، نحن شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حرم الله الأكبر، ونحن ذمة الله، ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله، ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده»(1).

والله سبحانه وتعالى جعلهم عهده، بأن أمر بطاعتهم فمن عصى ذلك فقد خالف عهد الله سبحانه وتعالى.

هذا ومن الأخبار التي دلت على أنهم(عليهم السلام) بيت الرحمة واجتمعت عندهم جميع الفضائل ما ورد عن أبي الجارود قال: قال علي بن الحسين: «ما ينقم الناس منا، فنحن والله، شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة».

ص: 7


1- الكافي: ج1 ص221 ح3.

وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: «إنا أهل البيت شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم»(1).

كما ولا شك في أن القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله (صلی الله علیه و آله) ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأحصى فيه كل شيء وجعله تبياناً لكل شيء، ولا يكتمل دوره في الحياة، ولا تتحقق أغراضه إلا بهم (علیهم السلام).

ولذا فإنه يدعو إليهم ويأمر بطاعتهم والاقتداء بهم، لأنهما متلازمان في التبليغ، وبعضهم مكمل للآخر، فعن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله تعالى: [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم] قال (علیه السلام): ­«يهدي إلى الإمام»(2).

ص: 8


1- المصدر
2- أصول الكافي: ج1 ص216 ح2.

كما وتحتل معرفة أهل البيت (علیهم السلام) أهمية كبيرة في التشريع الإسلامي وهي من المهام العظمى في هذا الوجود، لأن الرسول (صلی الله علیه و آله) أمرنا بالرجوع إليهم عند الاختلاف وحدوث الفتن من بعده، فقد جاء في الحديث الصحيح:«إني خلفت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وأهل بيتي»(1).

وعليه فإن حب آل البيت (علیهم السلام) فرض على كل مسلم ومسلمة لم يختص بطبقة دون أخرى، أو فرقة دون فرقة، وقد أجمع الفريقان على وجوب محبتهم وتقديسهم والاقتداء بهم، كيف وقد أمر الله سبحانه في كتابه، بذلك وجعل أجر الرسول (صلی الله علیه و آله) في تبليغ الرسالة محبتهم (علیهم السلام)، حيث يقول عزوجل: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى](2).

ص: 9


1- البداية والنهاية لابن كثير: ج5 ص209، وخصائص الإمام علي بن أبي طالب للنسائي: ص96 ح189، ونزل الأبرار للبدخشاني: ص5.
2- سورة الشورى: 23.

وما عرف التاريخ أهل بيت أحبهم الناس من قوميات ومذاهب عديدة كآل البيت (علیهم السلام)، أحبوهم أحياءً وأمواتاً، فألف العلماء الكتب في منزلتهم وعظمتهم، ونظم الشعراء الدواوين والقصائد في مديحهم، وردد الخطباء فضائلهم في المحافل وعلى المنابر، وتفد الجماهير إلى مقاماتهم ومراقدهم الطاهرة من شتى أقصاع العالم، وما من مسلم في شرق الأرض وغربها يصلي لله إلا ويذكر محمداً وآله بالصلاة والتسليم، ولولا ذكرهم في الصلوات كانت صلواتهم بتراء كما ورد في الأخبار الشريفة،

وهذه الأسماء المقدسة المباركة في التكوين والتشريع هم: محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين وذريته التسعة الطاهرة(عليهم آلاف التحية والثناء).

ولم يختلف أحد في أن محمداً وآل محمد (علیهم السلام) من أقرب المقربين إلى الله تعالى، كما أن علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) هم أحب الناس إلى قلب رسول الله (صلی الله

ص: 10

علیه و آله) وهم أهل بيته وخاصته، وقد أحبهم الناس جميعاً من كل أصل وجنس، وأظهر الجميع حبهم لهم (علیهم السلام)، فهم (علیهم السلام) لم يرثوا عن النبي (صلی الله علیه و آله) شرف الانتساب إليه فحسب، وإنما ورثوا علومه وشمائله كما ورثوا رسالته في التبليغ والهداية والإرشاد.

والمسلمون جميعاً يقرون بأنهم هؤلاء الخمسةَ ولا اختلاف عليهم بأنهم هم أصحاب الكساء، وهم أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) الذين جعلهم الرسول (صلی الله علیه و آله) عِدلاً للقرآن، وأمرنا بالرجوع إليهم والتمسك بهم، وقد ذكرهم (صلی الله علیه و آله) في الكثير من الروايات والأحاديث.

ولعل حديث الكساء من جملة ما ورد من النصوص الدالة على مقامهم الشامخ والذي كان ولا زال منبع الخير والبركة على الناس أجمعين.

ص: 11

فقد جاء في الكتاب المجيد قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا](1)، ولو راجعنا كتب التفسير من علماء العامة لوجدنا أنهم يروون أنها نزلت في الخمسة أصحاب الكساء (علیهم السلام)، نذكر منها: ما روى الفقيه الشافعي جلال الدين السيوطي في تفسيره عن سعد قال: نزل على رسول الله (صلی الله علیه و آله) الوحي فأدخل علياً وفاطمة وابنيها تحت ثوبه ثم قال (صلی الله علیه و آله): «اللهم إن هؤلاء أهلي وأهل بيتي»(2).

وأخرج الشيخ الإمام الخطيب الشربيني (الفقيه الشافعي) في تفسيره (السراج المنير) قال: وعن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: في بيتي نزل [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت].

ص: 12


1- سورة الأحزاب: 33.
2- الدر المنثور: في تفسير هذه الآية من سورة الأحزاب.

قالت: فأرسل رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فقال (صلی الله علیه و آله): «هؤلاء أهل بيتي»(1).

وقد جاء (حديث الكساء) بشكل أكثر تفصيلاً في أكثر من مصدر من كتب الشيعة والسنة برواية جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) عن فاطمة (علیها السلام)، ومن هنا نفهم أهمية حديث الكساء، ولذلك اهتم به المسلمون جميعاً وبالأخص شيعة أهل البيت (علیهم السلام) ودونوه في كتبهم، وأخذوا بقراءته في المحافل والمجالس في مختلف الأوقات وخصوصاً أوقات الشدائد والهموم، فإن من الأعمال الروحية للإنسان المؤمن إذا أراد من الله سبحانه وتعالى التسديد والتوفيق التوسل بقراءة حديث الكساء اليماني، لأن له الآثار الكثيرة والكبيرة عند ذكره في المجالس، وله آثار وضعية مترتبة على الواقع الخارجي ولا شك أنه في كل مجلس يذكر حديث الكساء تتنزل الملائكة من السماء إلى

ص: 13


1- تفسير السراج المنير: ج3 ص245.

الأرض، وتحضر في كل محفل يذكر فيه الخمسة الطيبة بهذا الحديث العظيم، وبعض المؤمنين يخشع قلبه لذكره ويحس بنزول الملائكة وبركات الرحمة من الله سبحانه وتعالى وشمولها للحاضرين في المجلس عند قراءة حديث الكساء.

أما مسألة تفريج الهم والغم بقراءة هذا الحديث الشريف والتوسل إلى الله تعالى بهم(عليهم السلام)، فهي من الآثار المترتبة عليهم والمحتومة في استجابة الدعاء، ومن هنا قامت سيرة المتشرعة على المواظبة على قراءته منذ سالف الأزمان، لما له من الفضل والبركة والأثر في قضاء الحوائج وكشف الهموم والغموم بل وهو المنصوص عليه في ذيل الحديث الشريف.

ثم إن من الأمور المجربة أن الإنسان في حالة ذكر حديث الكساء يحصل على شحنة روحية كبرى، لأنه يتوسل إلى الله تعالى بأحب خلقه إليه، وأكرمهم عنده، مضافاً إلى أن اجتماعهم هذا له من الفضائل والآثار والدروس للبشرية جمعاء بعضها يرتبط بالأحكام

ص: 14

وبعضها بالآداب وبعضها بالفضائل وبعضها بالمعارف، فمن الآداب المستفادة منه آداب التحية والسلام، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، وحفظ شخصية الطفل، واحترام المرأة وتقديرها، وإظهار المحبة والخدمة للآباء والأبناء، وجمع الشمل، وصلة الرحم، وغيرها.

ونكتفي نحن في هذا الكتاب بتسليط بعض الضوء على جملة من تلك الخصوصيات الروحية والأخلاقية والتربوية، عسى أن نكون في خدمتهم (عليهم السلام) والمتمسكين بنهجهم ، والداعين إليهم (علیهم السلام) بالصدق وصفاء النية وحسن العمل.

فلقد قمنا بذكر هذا الحديث الشريف وشرحه بما يتناسب مع ما ورد في كلماته وعباراته الشريفة مع بيان بعض الأحكام الشرعية والسنن الأخلاقية حيث اعتمدنا في شرحه على أكثر من ستة وعشرين مصدراً معتبراً ككتب التفسير والسيرة وكتب الأخلاق والأحاديث وغيرها.

ص: 15

هذا وقد قسمنا الكتاب إلى تسع وعشرين موضوعاً أساسياً منها في موضوع حادثة الكساء وكيفية جلوس أهل البيت (علیهم السلام) تحت الكساء ومكان اجتماعهم، وفي تحقيق معنى (الآل) ولفظ (أهل البيت) وأنه على من يطلق، وفي أسباب نزول آية التطهير بذلك، وفي معنى الكساء، وما فعل الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بعد نزول الآية، والاستدلال بالآية الكريمة على العصمة لهم (علیهم السلام)، وفي معرفة الإمام ولزوم الاعتقاد بالولاية وضرورة دفع الأذى عن آل الرسول عليهم السلام إضافة إلى الأحكام الشرعية المستفادة من الحديث الشريف والدروس الأخلاقية والتي منها: إفشاء السلام، والدعاء، وقضاء الحاجة، وطاعة الوالدين، ومدح المؤمن وتوقيره، وإجابة السؤال، كما عرجنا على بعض الموضوعات، العقائدية والتي وردت في الحديث الشريف منها موضوع الشفاعة والولاية والإمامة. كما

ص: 16

اعتمدنا في البحث كذلك على ما ورد من روايات في فضل هذا الحديث الشريف عند أهل السنة وذكرنا مصادر ذلك.

آملين بذلك أن يتقبل الله تعالى هذا العمل المتواضع منا، وأن يجلو أبصارنا بمعرفة أهل البيت(عليهم السلام) والطاعة لهم (علیهم السلام)، ويغبط قلوبنا بظهور إمامنا وسيدنا صاحب الأمر والزمان وأن يجعلنا من جنده وأنصاره وأعوانه، إنه نعم المولى ونعم النصير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الكويت

الشيخ علي حيدر المؤيد

ص: 17

في أسباب نزول آية التطهير

قال في الميزان في تفسير الآية: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا](1):

كلمة (إنما) تدل على الحصر(2)،

الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وكلمة(أهل البيت)سواء كان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداء تدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله [عنكم] ففي الآية في الحقيقة قصران: قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت (علیهم السلام).

ص: 18


1- سورة الأحزاب: 33.
2- كلمة(انما) تدل على الحصر، كما نص على ذلك علماء اللغة والنحو، منهم الأسنوي في الكوكب الدري: ص274، ونقل ذلك عن ابن عصفور وابن مالك وجمهور المتأخرين.

وليس المراد بأهل البيت (علیهم السلام) نساء النبي خاصة لمكان الخطاب الذي في قوله [عنكم] ولم يقل: (عنكن)، فإما أن يكون الخطاب لهن ولغيرهن كما قيل: إن المراد بأهل البيت (أهل البيت الحرام) وهم المتقون لقوله تعالى: [ان أولياؤه إلا المتقون] أو أهل مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) وهم الذين يصدق عليهم عرفاً أهل بيته من أزواجه وأقربائه وهم آل عباس وآل عقيل وآل جعفر وآل علي أو النبي (صلی الله علیه و آله) وأزواجه، ولعل الاختصاص هو المراد مما نسب إلى عكرمة وعروة إنها في أزواج النبي (صلی الله علیه و آله) خاصة.

أو يكون الخطاب لغيرهن كما قيل: إنهم أقرباء النبي (صلی الله علیه و آله) من آل عباس وآل عقيل وآل جعفر وآل علي.

وعلى أي حال فالمراد بإذهاب الرجس والتطهير على هذا التفسير هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي وامتثال الأوامر

ص: 19

فيكون المعنى: إن الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم إنما يريد إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم حد قوله: [ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم](1).

وهذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت (علیهم السلام) السابقة لمنافاته البينة للاختصاص المفهوم من أهل البيت (علیهم السلام) لعمومه لعامة المسلمين المكلفين بأحكام الدين.

وإن كان المراد بإذهاب الرجس والتطهير التقوى الشديد البالغ ويكون المعنى:

إن هذا التشديد في التكاليف المتوجهة إلى أزواج النبي وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه بل ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا، ويكون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهن بعد تخصيصه بهن.

ص: 20


1- سورة المائدة: 6.

وهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً بغيرهن وهو ظاهر، ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهن فان الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف وتضعيف الثواب والعقاب.

لا يقال: لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير متوجهاً إليهن مع النبي (صلی الله علیه و آله) وتكليفه شديد كتكليفهن؟

لأنه يقال: إنه (صلی الله علیه و آله) مؤيد بعصمة من الله وهي موهبة إلهية غير مكتسبة، فلا معنى لجعل تشديد التكليف وتضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له امتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية، ولذلك لم يصرح أحد من المفسرين، بكون الخطاب متوجهاً إليهن مع النبي (صلی الله علیه و آله) فقط وإنما احتملناه لبيان الاحتمالات في قول من قال: إن الآية خاصة بأزواجه (صلی الله علیه و آله)

وإن كان المراد إذهاب الرجس والتطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقاً لا بتوجيه مطلق التكليف ولا بتوجيه التكليف الشديد بل إرادة

ص: 21

مطلقة لإذهاب الرجس والتطهير لأهل البيت خاصة بما هم أهل البيت كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهن بالتقوى سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التشريعية أو التكوينية.

وبهذا الذي تقدم يعلم صحة ما ورد في أسباب النزول(1)

أن الآية نزلت في النبي (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم(2).

(شأن نزول آية التطهير وحديث الكساء من طرق أهل السنة).

ص: 22


1- هي روايات جمة تزيد على سبعين حديثاً ربما يربوا ما ورد منها من طرق أهل السنة على ما ورد من طرق الشيعة، فقد روتها أهل السنة بطرق كثيرة عن أم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد وواثلة بن الأسقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي وعبد الله بن جعفر وعلي عليه السلام والحسن بن علي في قريب من أربعين طريقاً، وروتها الشيعة عن علي والسجاد والباقر والصادق والرضا (علیهم السلام) وأم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وابي الأسود الدؤلي وعمر بن ميمون الأودي وسعد بن ابي وقاص وغيرهم في بضع وثلاثين طريقاً. (انظر الميزان: ج16 ص211).
2- الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: ج16 ص309-311.

روى الحاكم في كتابه (المستدرك على الصحيحين) في الحديث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أنه قال: لما نظر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى الرحمة هابطة قال: «ادعوا لي، ادعوا لي» فقالت صفيّة: من يا رسول الله؟ قال: «أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين» فجيء بهم فألقى عليهم النبي (صلی الله علیه و آله) كساءه ثم رفع يديه ثم قال: «اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وآل محمد» وأنزل الله عزوجل: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا](1).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد(2).

نوع الكساء

أ: في حديث عائشة:

ص: 23


1- سورة الأحزاب: 33.
2- مستدرك الحاكم على الصحيحين: ج3ص 147-148.

روى مسلم في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه الكبرى وكلّ من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير الآية بتفاسيرهم واللفظ للأول عن عائشة قالت: (خرج رسول الله(ص) غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا](1).

ب: في حديث أم سلمة:

روى كل من الطبري والقرطبي في تفسير الآية بتفسيره عن أم سلمة قالت: (لما نزلت هذه الآية [إنما يريد الله...] دعا رسول الله(ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلل عليهم كساءً خيبريا..)(2).

ص: 24


1- مستدرك الحاكم على الصحيحين: ج3ص 147-148.
2- مستدرك الحاكم على الصحيحين: ج3ص 147-148.

وفي حديث آخر عنها قالت: (وغطى عليهم عباءة...).

رواه السيوطي في تفسيره وأشار إليه ابن كثير كذلك.

كيفية جلوس أهل البيت تحت الكساء

أ: في حديث عمر بن أبي سلمة:

روى كل من الطبري وابن كثير في تفسيريهما والترمذي في صحيحه والطحاوي في مشكل الآثار، واللفظ للأول عن عمر بن أبي سلمة، قال: (نزلت هذه الآية على رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بيت أم سلمة [إنما يريد الله ليذهب..] فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه ودعا علياً فأجلسه خلفه فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»).

ص: 25

وفي رواية ابن عساكر بعده: قالت أم سلمة: اجعلني معهم، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «أنت بمكانك وأنت على خير».

ب: في حديث واثلة بن الأسقع،

وأم سلمة:

(أجلس علياً وفاطمة بين يديه والحسن والحسين كل واحد منهما على فخذه أو في حجره).

كما رواه عن واثلة الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين والهيثمي في مجمع الزوائد.

وروى ذلك عن أم سلمة كل من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفاسيرهم، والبيهقي في سننه الكبرى، وأحمد في مسنده.

مكان اجتماع أهل البيت

أ: في حديث أبي سعيد الخدري:

ص: 26

في تفسير الآية بالدر المنثور للسيوطي عن أبي سعيد قال: كان يوم أم سلمة أم المؤمنين فنزل جبريل (علیه السلام) بهذه الآية: [إنما يريد الله...] قال: فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أم سلمة مضروب ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيرا» قالت أم سلمة (رض): فأنا معهم يا نبي الله؟ قال: «أنت على مكانك وأنت على خير».

ب: في حديث أم سلمة:

في تفسير الآية عن ابن كثير والسيوطي وسنن البيهقي وتاريخ بغداد للخطيب ومشكل الآثار للطحاوي، واللفظ الأول عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت [إنما يريد الله...] وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله(ص) بكساء كان عليه

ص: 27

ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

وفي رواية الحاكم بمستدرك الصحيحين - أيضاً - قالت (رض): (في بيتي نزلت).

وفي باب فضل فاطمة من صحيح الترمذي والرياض النضرة وتهذيب التهذيب قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

وفي مسند أحمد: (قالت أم سلمة فأدخلت رأسي في البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: «إنك إلى خير، إنك إلى خير» ).

وفي رواية أخرى: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: «إنك على خير».

ص: 28

وفي رواية الحاكم بمستدركه: (قالت أم سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحق» .

من كان في البيت عند نزول الآية

في تفسير السيوطي ومشكل الآثار، واللفظ للأول:

(قالت أم سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي [إنما يريد الله...] وفي البيت سبعة: جبريل وميكال وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رض) وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول الله! ألست من البيت؟ قال: «إنك إلى خير، إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي» ).

وفي رواية ابن عساكر بعده: وما قال إنك من أهل البيت.

(كيف كان أهل البيت عند نزول الآية)

ص: 29

في تفسير الطبري عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة:

إن هذه الآية نزلت في بيتها [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قالت: وأنا جالسة على باب البيت.

وفي تفسير الطبري - أيضاً - عن أم سلمة، قالت: فاجتمعوا حول النبي (صلی الله علیه و آله) على بساط فجللهم النبي بكساء كان عليه ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهركم تطهيرا» فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط، قالت: فقلت: يا رسول الله! وأنا، فوالله ما أنعم، وقال: «إنك إلى خير».

ص: 30

شرح ألفاظ الآية

قال الراغب بمادة (رود) من كتابه (مفردات القرآن): إذا قيل «أراد الله» فمعناه حكم أنه كذا أو ليس كذا، أراد بكم سوءً أو أراد بكم رحمة.

وقال في مادة (الرجس): الرجس الشيء القذر.

وقال: الرجس يكون على أربعة أوجه، إما من حيث الطبع وإما من جهة العقل وإما من جهة الشرع وإما من كل ذلك، كالميتة والميسر والشرك - انتهى ملخصاً.

وفي تفسير الثعالبي (ج3ص228) الرجس: اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص فأذهب الله ذلك عن أهل البيت.

وقد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: [إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان] المائدة: 90.

وفي قوله: [فاجتنبوا الرجس من الأوثان] الحج: 30.

ص: 31

وفي قوله: [إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانه رجس] الأنعام: 145.

وقوله:[وكذلك يجعل الرجس على الذين لا يؤمنون] الأنعام: 125.

وقوله: [فأعرضوا عنهم فانهم رجس] الآية: 95.

وقوله لقوم نوح: [وقال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب] الأعراف: 71.

وشأن (التطهير) في هذه الآية كشأنه في قوله تعالى: [وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين] آل عمران: 42.

و(الكساء) هنا في الحديث لباس كالعباءة يلبس فوق الثياب.

(تفسير الآية في المأثور)

في تفسير السيوطي عن ابن عباس، قال:

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً - إلى قوله - : ثم جعل القبائل بيوتاً

ص: 32

فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله تعالى: [إنما يريد الله...] فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب».

وفي حديث الضحاك بن مزاحم بتفسير السيوطي:

إن النبي(ص) كان يقول: «نحن أهل بيت طهرهم الله، من شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم».

وفي تفسير الطبري وذخائر العقبى للمحب الطبري، واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري قال:

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «نزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة»: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

ص: 33

وفي مشكل الآثار عن أم سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي وحسن وحسين (علیهم السلام) [إنما يريد الله].

وسبق في الروايات الماضية شرح الآية وبيانها عن رسول الله(ص) قولاً وعملاً.

وفي صحيح مسلم: (عن الصحابي زيد بن أرقم عندما سئل: (من هم أهل بيته؟ نساؤه؟

قال: لا، وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده).

وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي سعيد الخدري:

ص: 34

(أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده فقال: خمسة: رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)).

وروى الطبري في تفسيره عن قتادة في قوله: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قال: هم أهل بيت طهرهم الله من السوء واختصهم برحمته.

وقال الطبري - أيضاً - في تفسير الآية: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله.

ص: 35

ما فعله الرسول صلی الله علیه و آله بعد نزول الآية

في مجمع الزوائد عن أبي برزة قال:

صليت مع رسول الله سبعة عشر شهراً فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (علیه السلام) فقال: الصلاة عليكم [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

وفي تفسير السيوطي عن ابن عباس قال: شهدت رسول الله (صلی الله علیه و آله) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب (ع) عند وقت كل صلاة فيقول: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت» [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] كل يوم خمس مرات.

ص: 36

وفي صحيح الترمذي ومسند أحمد ومسند الطيالسي ومستدرك الصحيحين وأسد الغابة وتفاسير الطبري وابن كثير والسيوطي، واللفظ للأول عن أنس بن مالك:

أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يمر بباب فاطمة (علیها السلام) ستة أشهر كلما خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت! [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

وفي الاستيعاب وأسد الغابة ومجمع الزوائد ومشكل الآثار وتفاسير الطبري وابن كثير والسيوطي، واللفظ للأخير عن أبي الحمراء قال:

حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي (ع) فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال: «الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا».

ص: 37

وفي لفظ رواية ستة أشهر، وفي أخرى سبعة أشهر، وفي ثالثة ثمانية أشهر، وفي رابعة تسعة أشهر.

وفي مجمع الزوائد وتفسير السيوطي عن أبي سعيد الخدري مع اختلاف في لفظه وفيه: جاء النبي أربعين صباحاً إلى باب دار فاطمة (علیها السلام) يقول:

«السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، أنا حرب لمن حاربتم، أنا سلم لمن سالمتم».

من احتج بالآية الكريمة في إثبات فضائل أهل البيت

أ: الحسن بن علي (علیه السلام).

ص: 38

روى الحاكم في باب فضائل الحسن بن علي من مستدرك الصحيحين، والهيثمي في باب فضائل أهل البيت، أن الحسن بن علي خطب الناس حين قتل علي وقال في خطبته:

«أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير، وانا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» الخطبة.

وفي مجمع الزوائد وتفسير ابن كثير واللفظ للأول:

إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف فبينما هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهراً ثم قام فخطب على المنبر فقال: «يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله عزوجل:

ص: 39

[إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] فمازال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكياً.

قال رواه الطبراني ورجاله ثقات.

ب: أم سلمة.

في مشكل الآثار للطحاوي، عن عمرة الهمدانية قالت: أتيت أم سلمة فسلّمت عليها، فقالت: من أنت؟

فقلت: عمرة الهمدانية.

فقالت عمرة: يا أم المؤمنين أخبريني عن هذا الرجل الذي قتل بين أظهرنا فمحب ومبغض - تريد عليّ بن أبي طالب - .

قالت أم سلمة: أتحبينه أم تبغضينه؟

قالت: ما أحبه ولا أبغضه...

فأنزل الله هذه الآية [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] وما في البيت إلا جبريل ورسول الله

ص: 40

(صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام).

فقلت: يا رسول الله، أنا من أهل البيت؟

فقال: إن لك عند الله خيرا. فوددت أنه قال: نعم، فكان أحبّ إليّ مما تطلع عليه الشمس وتغرب.

ج: سعد بن أبي وقاص.

في خصائص النسائي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

فقال: ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم. سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول له وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) أتخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر:

ص: 41

لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ولما نزلت:

[إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] دعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي».

وفي تفسير الآية عند ابن جرير وابن كثير ومستدرك الحاكم ومشكل الآثار للطحاوي، واللفظ للأول:

قال سعد: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) حين نزل عليه الوحي فأخذ علياً وابنيه وفاطمة وأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: «هؤلاء أهلي وأهل بيتي».

د: ابن عباس.

أ: في تاريخي الطبري وابن الأثير واللفظ للأول:

ص: 42

لما قال عمر في كلامه لابن عباس: هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً ما يحول وضغنا وغشاً ما يزول.

قال له ابن عباس: مهلاً يا أمير! لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش، فان قلب رسول الله من قلوب بني هاشم.

و في مسند إمام الحنابلة أحمد، وخصائص النسائي، والرياض النضرة للمحب الطبري، ومجمع الزوائد للهيثمي،

واللفظ للأول:

عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس: إما أن تقوم معنا وإما أن يخلونا هؤلاء، قال: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدئوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه، ويقول: أف وتف وقعوا في رجل له عشر - إلى قوله - وأخذ رسول

ص: 43

الله(ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

ب: واثلة بن الأسقع.

روى الطبري في تفسير الآية، وابن حنبل في مسنده، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي في سننه، والطحاوي في مشكل الآثار، والهيثمي في مجمع الزوائد، واللفظ للأول:

عن أبي عمار قال: إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا علياً فشتموه، فلما قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا، إني عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

ورواه ابن عساكر في تاريخه بتفصيل أوفى.

ص: 44

وفي أسد الغابة عن شداد بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع وقد جيء برأس الحسين فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه، فقام واثلة وقال: والله لا أزال أحب علياً والحسن والحسين وفاطمة (علیهم السلام) بعد أن سمعت رسول الله يقول فيهم... [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]... الحديث.

وعن أم سلمة أيضاً:

في مسند أحمد وتفسير الطبري ومشكل الآثار، واللفظ للأول: عن شهر بن حوشب قال: سمعت أم سلمة زوج النبي (صلی الله علیه و آله) حين جاء نعي الحسين بن علي فلعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله، فإني رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) - إلى قولها - فاجتبذ كساء خيبرياً فلفه النبي (صلی الله علیه و آله) عليهم جميعاً وقال:

«اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

ص: 45

ه-: علي بن الحسين السجاد.

روى كل من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير الآية:

إن علي بن الحسين قال لرجل من أهل الشام: أما قرأت في (الأحزاب): [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

قال: ولأنتم هم؟!

قال: نعم.

وتمام الخبر كما في مقتل الخوارزمي: أنه لما حمل السجاد مع سائر سبايا أهل البيت إلى الشام بعد مقتل سبط رسول الله الحسين، وأوقفوا على مدرج جامع دمشق في محل عرض السبابا دنا منه شيخ وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح العباد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم.

فقال له علي بن الحسين: يا شيخ، هل قرأت القرآن؟

قال: نعم.

ص: 46

قال: أقرأت هذه الآية: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى](1)؟

قال الشيخ: قرأتها.

قال: وقرأت قوله تعالى [وآت ذا القربى حقه](2) وقوله تعالى: [واعلموا أن ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى](3)؟

قال الشيخ: نعم.

فقال: نحن والله، القربى في هذه الآيات، وهل قرأت قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]؟

قال: نعم.

قال: نحن أهل البيت الذي خُصّصنا بآية التطهير.

ص: 47


1- سورة الشورى: 23.
2- سورة الإسراء: 26.
3- سورة الأنفال: 41.

قال الشيخ: بالله عليكم أنتم هم؟!

قال: وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم من غير شك.

فبقي الشيخ ساكتاً على ما تكلم به ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أتوب إليك من بغض هؤلاء، وأني أبرأ من عدو محمد وآل محمد من الجن والإنس.

وفي هذا القدر ما أردنا إيراده من روايات حديث الكساء كفاية لمن أراد أن يتمسك بالقرآن ويأخذ تفسيره عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)،

[إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد](1).

خلاصة الروايات السابقة

تتلخص قصة حديث الكساء كما في الروايات السابقة:

ص: 48


1- سورة ق: 37.

إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان في بيت أم سلمة وفي يومها لما رأى الرحمة هابطة فقال:

«ادعوا لي، ادعوا لي» فقالوا: من يا رسول الله؟

قال: «أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين».

فاجتمعوا حول النبي على بساط فجللهم ونفسه بكساء خيبري كان من مرط مرجل من شعر أسود ثم قال:

«اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وآل محمد» فأنزل الله عزوجل: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

فنزلت هذه الآية عندما اجتمعوا حول النبي(ص) على البساط، وقال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيرا».

وكان الحجاب مضروباً على أم سلمة.

ص: 49

قالت أم سلمة: وأنا جالسة على باب البيت وفي البيت سبعة: جبريل وميكال وعلي وفاطمة والحسن والحسين فأدخلت رأسي في البيت فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قالت: فوالله ما أنعم، وقال: «إنك إلى خير، إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي».

وفي رواية قالت: ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحق».

فقد ميز النبي (صلی الله علیه و آله) في هذه القصة أهل البيت عن غيرهم وشرح الآية بما قال وما فعل مثل قوله: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب».

وأعلن ذلك في مسجده في ما كان يفعل على ملأٍ من المسلمين، حيث كان يأتي إلى باب بيت عليّ وفاطمة عند كل صلاة ويقول:

ص: 50

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا».

وفي رواية: ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتي باب عليٍّ فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال:... الحديث.

أحصى بعض الصحابة مجيء الرسول(ص) الى باب علي(ع) وقاطمة(ص) ستة أشهر وآخر سبعة أشهر وآخر ثمانية أشهر وآخر تسعة أشهر وآخر أقل وآخر أكثر من ذلك، كل ذلك ليبيِّن للأمة من بعده قولاً وعملاً من هم أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية وما معنى الآية، عملاً منه صلوات الله عليه وآله بقوله تعالى: [وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون].

واشتهر ذلك حتى احتج بالآية بعد رسول الله(ص) أهل بيته وأصحابه مثل الإمام الحسن (علیه السلام) أحد الخمسة أصحاب الكساء في خطبته بعد وفاة أبيه حيث قال: «وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

ص: 51

وفي خطبته بعدما طعن قال: «ونحن أهل البيت الذي قال الله عزوجل [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]».

وتلتها أم سلمة على عمرة الهمدانية لما سألتها عن الإمام علي(ع) بعد مقتله.

واحتج بها سعد بن أبي وقاص على معاوية لما دعاه ليسب أبا تراب.

وذكرها ابن عباس ضمن فضائل الإمام(ع) العشرة بعد الرهط الذين اجتمعوا به فوقعوا في الإمام.

واستشهد بها الصحابي واثلة على الذي حضر شتم الإمام وسمعه.

وحدثت بها أم سلمة لما بلغها نعي الحسين(ع) ولعنت أهل العراق.

وكذلك فعل واثلة أيضاً.

ص: 52

وتلاه علي بن الحسين على الرجل الشامي الذي أثنى على يزيد ووقع فيهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1) مستدرك الحاكم على الصحيحين: ج3ص 147-148.

(2) رواة حديث عائشة:

رواه مسلم في صحيحه باب فضائل أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله): ج7ص 130، والحاكم في مستدركه على الصحيحين:ج3ص 149)، والبيهقي في السنن الكبرى باب بيان أهل بيته والذين هم آله:ج2:ص149، وفي تفسير الآية بتفسير الطبري جامع البيان:ج22ص 5، وتفسير ابن كثير:ج3ص 485، وجامع الأصول:10ص101-102، وتيسير الوصول: 3ص297، السيوطي في الدر المنثور:ج5ص 198و199.

(3) رواه أبو سعيد عن أم سلمة كما في تفسير الآية في تفسير الطبري ج22ص 6.

ص: 53

(4) رواه عنها شهر بن حوشب كما في تفسير الطبري:ج22ص 6 وأشار إليه ابن كثير في ج3ص 485.

(5) صحيح الترمذي:ج12ص85 بتفسير الآية، وتفسير الطبري:ج22 ص7، وابن كثير:ج3ص 485، ومشكل الآثار:1 ص 335، وجامع الأصول ج10ص101، وابن عساكر: 5/1/16ب.

(6) مستدرك الصحيحين:ج2ص 416وج 3ص 147 وقال صحيح على شرط الشيخين، ومجمع الزوائد:ج9ص 167، ومشكل الآثار للطحاوي:ج 1:ص335 وابن عساكر:ج5ج1ص16ب.

(7) تفسير الطبري:ج22ص6، وابن كثير:ج3ص483، والسيوطي في الدر المنثور:ج5ص 198، سنن البيهقي:ج2ص152، ومسند احمد:ج4: ص170.

(8) الدر المنثور:ج5ص 198 في بفسير الآية.

ص: 54

(9) بسنن البيهقي:ج2ص150، وبتفسير الآية عند ابن كثير:ج3ص483، والسيوطي:ج5ص 198، وفي لفظ الحاكم بتفسير الآية:ج2ص 416 - أيضاً - عن أم سلمة: (في بيتي نزلت)، وتاريخ بغداد:ج9ص 126، ومشكل الآثار:ج1ص 334، وجامع الأصول:ج10ص100، وتفسير الثعالبي: ج3ص228، وتيسير الوصول:ج3ص287، وابن عساكر 5/1/14 ب.

(10) صحيح الترمذي باب فضل فاطمة:ج13ص 248 ص249، وتهذيب التهذيب:ج2ص 297 بترجمة الحسن، والرياض النضرة:ج2ص 248 ذكر اختصاصه بأنه وزوجته وابنيه أهل البيت، وابن عساكر 5/1/14 ب.

(11) بمسند أحمد:ج6ص 292 ص323.

(12) بمستدرك الحاكم:ج2ص416 بتفسير الآية من سورة الأحزاب.

ص: 55

(13) الدر المنثور:ج5ص 198 بتفسير الآية، وراجع مشكل الآثار:ج1ص 233، وتيسير الوصول:ج3ص297، وجامع الأصول:ج10ص100، وابن عساكر 5/1/15 ب.

(14) جامع البيان للطبري:ج22ص 7 في تفسير الآية.

(15) جامع البيان للطبري:ج22ص7.

(16) الدر المنثور:ج5ص 199.

(17) الدر المنثور للسيوطي:ج5ص 199.

(18) تفسير الطبري:ج22ص5، وذخائر العقبى للمحب الطبري:ص:24، الدر المنثور للسيوطي:ج5ص 198، وابن عساكر /5/1/16 أ، انظر ايضاً أسباب النزول للنيسابوري.

(19) مشكل الآثار:ج1ص 332.

(20) صحيح مسلم:ج7ص 133 باب فضائل علي بن أبي طالب.

ص: 56

(21) مجمع الزوائد للهيثمي ج9ص165 و167 باب فضائل أهل البيت، وابن عساكر 5/1/16 أ.

(22) تفسير الطبري:ج22ص5 في تفسير الآية، والدر المنثور:ج5ص 199.

(23) تفسير الطبري:ج22ص5 في تفسير الآية.

(24) مجمع الزوائد:ج9ص 169.

(25) الدر المنثور:ج5ص 199 في تفسير الآية.

(26) مستدرك الصحيحين:ج3ص 158، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأسد الغابة:ج5ص521، ومسند احمد:ج3ص258، وتفسير الطبري:ج22ص5 في تفسير الآية وابن كثير:ج3ص483 والدر المنثور للسيوطي:ج5ص199 مسند الطيالسي:ج8ص274، وصحيح الترمذي: ج12ص85 بتفسير الآية في سورة الأحزاب، وراجع كنز العمال ط: الأولى

ص: 57

ج7ص 103 وجامع الأصول:ج10ص101 الحديث 6691، وتيسير الوصول:ج3ص297.

(27) انظر روايات روايات أبي الحمراء في الاستيعاب:ج2ص 598، وترجمته من الاستيعاب ج5ص 637، وتفسير الطبري وابن كثير والسيوطي بتفسير الآية، وترجمة أبي الحمراء بأسد الغابة:ج5ص 174 ومجمع الزوائد:ج9ص 121و 168، ومشكل الآثار:ج1ص 338.

(28) مجمع الزوائد:ج9ص 169، وتفسير السيوطي:ج5ص 199.

(29) مستدرك الحاكم:ج3ص 172 باب من فضائل الحسن بن علي.

(30) مجمع الزوائد ج9ص 172 باب فضائل أهل البيت، ابن كثير ج3ص 386.

(31) مشكل الآثار:ج1ص 336.

ص: 58

(32) خصائص النسائي: ص 4.

(33) تفسير الطبري:ج22ص 7، وابن كثير:ج3ص 485 واللفظ للأول، ومستدرك الحاكم:ج3ص 147، ومشكل الآثار:ج1ص 336.

(34) تاريخ الطبري:ج5ص31.

(35) الحديث بطوله في مسند أحمد ج1ص 331 ، الأولى والثانية ج5ص 3062 وقد ذكر فيه ابن عباس عشر فضائل لعلي بن أبي طالب، وأورده النسائي في خصائصه: ص11، والمحب الطبري في الرياض النضرة:ج2ص 269، ومجمع الزوائد للهيثمي:ج9ص 119.

(36) مشكل الآثار للطحاوي:ج1ص 346، الطبري:ج22ص 6 في تفسير الآية، ومسند احمد: ج4ص107، وقد هذب لفظه وحذف منه (فشتموه)، و(وهذا الذي شتموه)، ومجمع الزوائد:ج9ص 167، ومستدرك الحاكم:ج2 416 وج3ص

ص: 59

147، وسنن البيهقي:ج2ص 152، وتفسير ابن كثير: ج3ص484، وابن عساكر 5/1/16 أ.

(37) أسد الغابة:ج2ص20 بترجمة الحسن.

(38) انظر الحديث بطوله في مسند أحمد ج6ص 298 بمسند أم سلمة، وتفسير الطبري:ج22ص 6 مشكل الآثار: ج1ص335، وابن عساكر 5/1/14 أ.

(39) تفسير الطبري:ج22ص 7، وابن كثير:ج3ص 486، والدر المنثور:ج5ص 199.

(40) مقتل الخوارزمي:ج2ص61 ط: النجف.

حديث الكساء في مصادر مدرسة أهل البيت

أولاً: رواية أم المؤمنين أم سلمة(1):

أ: عن شهر بن حوشب قال:

ص: 60


1- تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: ص121، وتفسير مجمع البيان:ج 8ص356، وبحار الانوار ج35ص213.

أتيت أم سلمة زوجة النبي (صلی الله علیه و آله) لأسلم عليها، فقلت: أما رأيت هذه الآية يا أم المؤمنين: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]؟ قالت: أنا ورسول الله على منامة لنا تحت كساء خيبري فجاءت فاطمة (علیها السلام) ومعها الحسن والحسين فقال: أين ابن عمك؟ قالت: في البيت قال: فاذهبي فادعيه، فقالت دعوته، فأخذ الكساء من تحتنا فعطفه فأخذ جميعه بيده فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا جالسة خلف رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأنا؟ قال: إنك على خير، ونزلت هذه الآية [إنما يريد الله...] في النبي (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام).

سند آخر للرواية:

ص: 61

نزلت هذه الآية في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) بسند آخر عن أم سلمة (1)

قالت: في بيني نزلت هذه الآية [إنما يرسل الله..] وذلك أن رسول الله(ص) جللهم(2)

في مسجده(3) بكساء ثم رفع يده فنصبها على الكساء وهو يقول: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس كما أذهبت عن آل إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وطهرهم من الرجس كما طهرت آل لوط وآل عمران وآل هارون، قلت: يا رسول الله ألا أدخل معكم؟ قال: إنك على خير وإنك من أزواج النبي، قالت: بنته سميهم يا أمه، قالت: فاطمة وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام).

ب: عن أبي عبد الله الجدلي(4):

ص: 62


1- تفسير فرات الكوفي: ص126، بحار الانوار: ج35 ص215.
2- جللهم بالثوب: غطاهم به.
3- لعل الراوي أراد أن الرسول كان في (مصلاه) بدار أم سلمة.
4- تفسير فرات: ص124، بحار الانوار ج35ص215.

قال: فدخلت على عائشة فقلت: أين نزلت هذه الآية: [إنما يريد الله] قالت: نزلت في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: لو سألت عائشة لحدثتك أن هذه الآية نزلت في بيتي، قالت: بينما رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذ قال: لو كان أحد يذهب فيدعو لنا علياً وفاطمة وابنيها، قال: فقلت: ما أحد غيري، قالت: قد قنعت(1)

فجئت بهم جميعاً، فجلس علي(ع) بين يديه، وجلس الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وأجلس فاطمة خلفه، ثم تجلل بثوب خيبري ثم قال: نحن جميعاً إليك - فأشار رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثلاث مرات: إليك لا إلى النار - ذاتي وعترتي أهل بيتي من لحمي ودمي، قالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم، قال: يا أم سلمة إنك من صالحات أزواجي فنزلت هذه الآية: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

ص: 63


1- قد قنعت: أي لبست القناع: وهو ما تغطي به المرأة نفسها.

ج: عن عبد الله بن معين مولى أم سلمة(1):

أنها قالت: نزلت هذه الآية في بيتها [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] أمرني رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن أرسل إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) فلما أتوه اعتنق علياً بيمينه والحسن بشماله والحسين على بطنه وفاطمة عند رجليه ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا - قالها ثلاث مرات - قلت: فأنا يا رسول الله؟ فقال: إنك على خير إن شاء الله.

د: بإسناد أخي دعبل(2):

عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين (علیهم السلام) عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي وفي يومي، وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) عندي، فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) وجاء جبرئيل فمد عليهم كساء فدكياً،

ص: 64


1- أمالي الشيخ ج1ص270؟؟، بحار الانوار ج35ص209.
2- أمالي الشيخ: 235؟؟، بحار الانوار ج35ص208.

ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قال جبرئيل وأنا منكم يا محمد؟ فقال النبي (صلی الله علیه و آله): وأنت منا يا جبرئيل، قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ وجئت لأدخل معهم، فقال: كوني مكانك يا أم سلمة إنك إلى خير، أنت من أزواج نبي الله، فقال جبرئيل: إقرأ يا محمد: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]. في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام).

ثانياً: رواية الحسين بن علي (علیه السلام):

عن زيد(1)

بن علي، عن أبيه، عن جده (علیهم السلام) قال:

كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بيت أم سلمة فأتي بحريرة فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) فأكلوا منها، ثم جلل عليهم كساء خيبرياً ثم قال: ]إنما يريد الله ليذهب عنكم

ص: 65


1- كنز جامع الفوائد: ص203 و204، بحار الانوار: ج25ص213.

الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا[ فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله قال: أنت إلى خير.

ثالثاً: رواية أبي سعيد الخدري:

أ: عن أبي سعيد الخدري(1):

عن النبي (صلی الله علیه و آله) في قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] أنزلت في محمد وأهل بيته حين جمع رسول الله (ص) علياً وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدار عليهم الكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وكانت أم سلمة قائمة بالباب فقالت: يا رسول الله وأنا منهم؟ فقال: وأنت على خير.

ب: عن عطية:

سألت أبا سعيد الخدري عن قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قال: نزلت في رسول

ص: 66


1- فضائل ابن شاذان: ص99، بحار الانوار ج35ص212-213.

الله (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)(1).

رابعاً: عن أبي جعفر (علیه السلام)(2):

في قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قال: نزلت هذه الآية في رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي (صلی الله علیه و آله)، دعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)، ثم ألبسهم كساء له خيبرياً، ودخل معهم فيه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنزلت هذه الآية، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أبشري يا أم سلمة فإنك إلى خير.

ص: 67


1- بحار الانوار ج35ص208.
2- بحار الانوار ج35ص206.

ما فعله الرسول(ص) بعد نزول الآية:

أولاً: عن أبي سعيد الخدري(1):

قال: كان النبي (صلی الله علیه و آله) يأتي باب علي(عليه السلام) أربعين صباحاً حيث بنى بفاطمة(ص) فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

ثانياً: عن أبي الحمراء:

قال: خدمت رسول الله (صلی الله علیه و آله) تسعة أشهر أو عشرة أشهر، فأما التسعة فلست أشك فيها، ورسول الله (صلی الله علیه و آله) يخرج من طلوع الفجر فيأتي باب فاطمة وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام) فيأخذ بعضادتي الباب فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمكم الله، قال: فيقولون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا

ص: 68


1- تفسير فرات ص122، بحار الانوار ج35ص208.

رسول الله، فيقول رسول الله (صلی الله علیه و آله): [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

وورد عن أبي الحمراء(1)

بألفاظ أخرى.

وفي بعضها: (أخذ بعضادتي الباب).

ثالثاً: عن أمير المؤمنين علي (علیه السلام):

عن الحارث عن علي (علیه السلام) (2)

قال: كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يأتينا كل غداة فيقول: الصلاة رحمكم الله الصلاة [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

رابعاً: عن أبي جعفر(3):

ص: 69


1- أمالي الشيخ ج1ص257، بحار الانوار ج35ص209، وكشف الحق للعلامة الحلي: ج1ص88، والعمدة لابن بطريق: ص16-23.
2- مجالس المفيد: ص188، وأمالي الشيخ: ص55؟؟؟، بحار الانوار ج35ص208.
3- كنز الفوائد 161 و162 و178، والبحار 25/220.

عن أبيه (علیه السلام) (أي السجاد (علیه السلام)) في قوله عزوجل: [وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها] قال: نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (علیه السلام) كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يأتي باب فاطمة كل سحرة فيقول: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمكم الله [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

وفي لفظ آخر للخبر:

في تفسير الآية [وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها] قال فرات القمي:(1)

فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس، ليعلم الناس أن لأهل محمد (صلی الله علیه و آله) عند الله منزلة خاصة ليست للناس، إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن

ص: 70


1- تفسير الفرات: ص530 و531.

والحسين (علیهم السلام) فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام): وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاتهن، ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة الصلاة يرحمكم الله [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا، وقال أبو الحمراء خادم النبي (صلی الله علیه و آله): أنا شهدته يفعل ذلك(1).

خامساً: عن الإمام الصادق(ع) عن آبائه (علیهم السلام):

عن الصادق جعفر بن محمد(2)،

عن أبيه، عن آبائه (علیهم السلام) قال: كان النبي (صلی الله علیه و آله) يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة فيقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، الذي بنعمته تتم الصالحات، سمع سامع بحمد الله

ص: 71


1- بحار الانوار: ج35ص207.
2- بحار الانوار: ج37ص36.

ونعمته وحسن بلائه عندنا، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا].

روى أبو سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول: الصلاة يرحمكم الله [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قال: وقال أبو جعفر (علیه السلام): أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس، فأمرهم مع الناس عامة وأمرهم خاصة(1).

قال العلامة المجلسي(2):

ورواه ابن عقدة بإسناده من طرق كثيرة عن أهل البيت (علیهم السلام) وغيرهم مثل أبي برزة وأبي رافع.

ص: 72


1- بحار الانوار: ج25ص212، ومجمع البيان للطبري ج7ص37.
2- بحار الانوار: ج25ص212.

وورد بلفظ آخر عن الإمام الصادق (علیه السلام)(1).

وكذلك ورد نظير ما سبق في تفسير الرازي وغيره بتفسير الآية الكريمة [وأمر أهلك].

من احتج بالآية في فضائلهم:

أولاً: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) (2):

عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهم السلام) قال: علي بن أبي طالب (علیه السلام): لا إن الله عزوجل فضلنا أهل البيت وكيف لا يكون كذلك؟ والله عزوجل يقول في كتابه: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] فقد طهرنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فنحن على منهاج الحق».

ثانياً: الحسن بن علي:

احتجّ بها الإمام الحسن (علیه السلام) في اليومين الآتيين:

أ: يوم بويع:

ص: 73


1- تفسير فرات: ص126.
2- كنز الفوائد: ص236، بحار الانوار ج25ص213_214.

بعد وفاة أبيه الإمام علي (علیه السلام) حيث قال في خطبته: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن البشير النذير الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، أنا من أهل البيت الذي كان ينزل فيه جبريل ويصعد، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»(1).

ب: عند صلحه مع معاوية:

حين خطب بعد معاوية وقال في خطبته: وأقول معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فاذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، والرجس هو الشك، فلا نشك في الله الحق ودينه أبداً، وطهرنا من كل أفن وغيه مخلصين إلى آدم نعمة منه... إلى قوله: وقد قال الله تعالى:[ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنا وأخي وأمي وأبي فجللنا ونفسه في كساء

ص: 74


1- بحار الانوار: ج25ص214، وج34ص361 و362، وكنز الفوائد: ص236 و238.

لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها ويومها فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة (رض): أدخل معهم يا رسول الله؟ قال لها رسول الله (صلی الله علیه و آله): «يرحمك الله أنت على خير وإلى خير وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم». ثم مكث رسول الله (صلی الله علیه و آله) بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: «الصلاة يرحمكم الله [ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]»(1).

ثالثاً: أم سلمة:

في تفسير فرات الكوفي والخصال وأمالي الصدوق والبحار، واللفظ للأول:

عن عمرة الهمدانية ابنة أفعى: قالت أم سلمة: أنت عمرة؟ قالت: نعم، قالت عمرة: ألا تخبريني عن هذا الرجل الذي أصيب بين

ص: 75


1- بحار الانوار: ج1ص141-142..

ظهرانيكم فمحب ومبغض؟ قالت أم سلمة: فتحبينه؟ قالت: لا أحبه ولا أبغضه - تريد علياً - قالت أم سلمة: أنزل الله تعالى [ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]وما في البيت إلا جبرائيل وميكائيل ومحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) وأنا، فقلت: يا رسول الله أنا من اهل البيت؟ فقال: من صالح نسائي، يا عمرة فلو كان قال: نعم، كان أحب إلي مما تطلع عليه الشمس(1).

رابعاً: علي بن الحسين السجاد (علیه السلام):

في أمالي الصدوق والاحتجاج للطبرسي واللهوف والبحار، واللفظ للأول:

لما أدخل سبابا أهل البيت إلى الشام فأقيموا على درج المسجد حيث يقال السبايا؟؟؟ وفيهم علي بن الحسين (علیه السلام) وهو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أهل الشام فقال لهم: الحمد لله

ص: 76


1- تفسير فرات: ص126وفيه روايتان هذه إحداهما، والخصال: باب السبعة، الحديث 113، وكنز الفوائد: ص237، بحار الانوار: ج25ص214 وج35ص209 عن أمالي الصدوق.

الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة، فلم يألوا عن شتمهم، فلما انقضى كلامه، قال له علي بن الحسين(ع): أما قرأت كتاب الله عزوجل؟ قال: نعم، قال: أما قرأت هذه الآية: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى] الشورى/ 23، قال: بلى، قال: فنحن أولئك، ثم قال: أما قرأت [وآت ذا القربى حقه] (1)، قال: بلى، قال: فنحن هم، فهل قرأت هذه الآية [ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] قال: بلى، قال: فنحن هم، فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال: اللهم إني أتوب إليك - ثلاث مرات - اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد ومن قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم(2).

خامساً: زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام):

ص: 77


1- الإسراء/ 26
2- أمالي الصدوق: المجلس 31 ح3، والاحتجاج للطبرسي: ص157، وبحار الانوار: ج45ص156 و166.

قال أبو الجارود: وقال زيد بن علي بن الحسين: إن جهالاً من الناس يزعمون إنما أراد الله بهذه الآية أزواج النبي (صلی الله علیه و آله) وقد كذبوا وأثموا وأيم الله، لو عنى بها أزواج النبي (صلی الله علیه و آله) لقال: «ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا» ولكان الكلام مؤنثاً كما قال: [واذكرن ما يتلى في بيوتكن] و[ولا تبرجن] و[ولستن كأحد من النساء].

حديث الكساء في رواية أخرى:

اتفقت الروايات السابقة في كتب الفريقين على أن آية التطهير نزلت على رسول الله (ص) في بيت أم سلمة وقد أجلس حوله أهل بيته وجلل نفسه وإياهم بالكساء، وعارضت تلكم الروايات رواية واحدة غير معروفة السند تذكر أن القصة وقعت في دار الزهراء (علیه السلام) بكيفية أخرى، غير أن هذه الرواية الواحدة

ص: 78

لا تناهض تلك الروايات الكثيرة سنداً ومتناً، ولم نر حاجة للتعرض لذكرها ومناقشتها.

ما ورد في تفسير الكاشف

قال في تفسير الكاشف في نزول الآية: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...] المراد بالرجس هنا الذنوب، وقد استدل الشيعة بهذه الآية على عصمة أهل البيت (علیهم السلام) وقالوا: (إنما) أداة حصر تدل على ثبوت الطهارة من الذنوب لأهل البيت (علیهم السلام) دون غيرهم، ولا معنى للعصمة إلا الطهارة من الذنوب، وفي صحيح مسلم

ما نصه بالحرف: (قالت عائشة: خرج النبي (صلی الله علیه و آله) عليه مرط مرحل - برد من برود اليمن من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ]إنما

ص: 79

يريد الله ليذهب..[. ومثله سنداً ما رواه الترمذي في صحيحه وأحمد في مسنده.

ثم قال:

في ج1 ص88 نقلنا ما قاله محيي الدين بن عربي حول هذه الآية في الجزء الأول والثاني من (الفتوحات المكية) ونذكر ما قاله في الجزء الرابع ص139 قال: (إن النبي (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته على السواء في مودتنا فيهم فمن كره أهل بيته فقد كره النبي (صلی الله علیه و آله) فانه واحد من أهل بيته فمن خانهم فقد خان رسول الله (صلی الله علیه و آله)).

[واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيرا] المراد بالحكمة هنا السنة النبوية لاقترانها بكتاب الله وآياته والمعنى اشكرن يا نساء النبي إنعام الله عليكن حيث جعلكن في بيوت تسمعن فيها تلاوة كتاب الله وسنة نبيه وهي نور للعقول وربيع للقلوب.

ص: 80

وتسأل: إن سياق الآيات يدل على أن المراد بآية التطهير نساء النبي (صلی الله علیه و آله) فكيف أخرجهن عنها من نقلت عنهم من المفسرين والمحدثين؟

الجواب أولاً: إن صاحب تفسير المنار نقل عن استاذه الشيخ محمد عبده في ج2 ص451: (إن من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن آخر ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد بعد المرة) وقال الإمام الصادق (علیه السلام): «إن الآية من القرآن يكون أولها في شيء وآخرها في شيء آخر»، وعلى هذا فلا يصح الاعتماد على دلالة السياق لاي الذكر الحكيم كقاعدة كلية.

ثانياً: لو سلمنا جدلاً بصحة الاعتماد على دلالة السياق للآيات فإن قوله تعالى:[ليذهب عنكم... ويطهركم] بضمير المذكر دون ضمير المؤنث هو نص صريح على إخراجهن من الآية، وليس من شك أن دلالة النص مقدمة على دلالة السياق لأنها أقوى وأظهر.

ص: 81

ثالثاً: إن المفسرين والمحدثين قد اعتمدوا في إخراجهن على الحديث الصحيح عن الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) وقد اتفقت كلمة المسلمين على أن السنة النبوية تفسير وبيان لكتاب الله(1).

قال في مجمع البيان:

فقد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا (صلی الله علیه و آله) ثم اختلفوا، فقال عكرمة: أراد أزواج النبي لأن اول الآية متوجه إليهن، وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وعائشة وأم سلمة: إن الآية مختصة برسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام).

وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة (علیه السلام) إلى النبي (صلی الله علیه و آله) تحمل حريرة لها، فقال لها: ادعي زوجك وابنيك

ص: 82


1- انظر تفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، سورة الأحزاب: الآية 33.

فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساءً خيبرياً فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي» فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا: فقلت: يا رسول الله وأنا معهم؟ قال: أنت إلى خير.

وعن الثعالبي في تفسيره بسنده قال: إلى جابر قال: نزلت هذه الآية على النبي (صلی الله علیه و آله) وليست في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي(عليهم السلام) [إنما يريد الله ...] فقال النبي (ص): اللهم هؤلاء أهلي.

ونقل عن أبي الحمد بسنده عن الحسن بن علي (علیه السلام) قال:« لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وإياه في كساء لأم سلمة خيبري ثم قال: هؤلاء أهل بيتي وعترتي والروايات في هذه كثيرة من طريق العامة والخاصة.

ثم قال:

واستدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة (علیهم السلام) بأن قالوا: إن لفظة (إنما) محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم

ص: 83

يثبت، فإن قول القائل: إنما لك عندي درهم وإنما في الدار زيد، يقتضي انه ليس له عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد، وإذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس، ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك ولا شبهة ولا مدح في الإرادة المجردة فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح وقد علمنا أن من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته، فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم، ومتى قيل أن صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه ان هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فانهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه والقرآن من ذلك مملوء(1).

ص: 84


1- انظر مجمع البيان للطبرسي ج8 ص156 ، مؤسسة الأعلمي بيروت لبنان.

(في تحقيق معنى الآل والأهل)

إن الآل أصله في اللغة الأهل، أبدلت الهاء همزة فصارت (أأل) توالت همزتان فأبدلت الثانية ألفاً، وأهل الرجل عشيرته وذو قرابته(1).

وأما أهل بيت النبي (ص) فالمراد بهم حسب متواتر الروايات ومنها رواية أبي سعيد الخدري العترة الطاهرة، قال في هذه الآية:[إنما يريد الله..] إنما نزلت في خمسة: النبي (صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام).

وعن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت هذه الآية : [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً](2) قالوا: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما.

ص: 85


1- انظر قاموس المحيط: ج3 ص331.
2- سورة الشورى: 23.

وقال الحافظ محمد بن معتمد الحارثي: (إن آل العباء عبارة عن هؤلاء؛ لأنه صح عن عائشة وأم سلمة وغيرهما بروايات كثيرة أن النبي (صلی الله علیه و آله) جلل هؤلاء الأربعة بكساء كان عليه ثم قال: [إنما يريد الله..].

ثم اعلم أن محبتهم واجبة وبغضهم حرام على كل مؤمن ومؤمنة بدليل قوله تعالى: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى].

وعن أبي هريرة قال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال خيركم خيركم لأهلي من بعدي(1).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : (احبوا الله لما يغذوكم من نعمه، فأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)(2).

ص: 86


1- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص ، والصواعق المحرقة: ص184.
2- المصدر السابق نفسه.

واخرج أحمد والترمذي عن عبد المطلب بن ربيعة قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) والله لا يدخل قلب امرئ الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي(1).

وأخرج ابن حيان والحاكم عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا ؟؟ الله في النار».(2)

وأخرج أحمد والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي هريرة قال: نظر النبي (صلی الله علیه و آله) إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم(3).

خصائص آل محمد (عليهم أفضل الصلاة والسلام جميعاً):

من خواص النبي (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) غير سائر المخلوقين من البشر فمن خواص النبي (صلی

ص: 87


1- الجامع الصحيح: ج5 ص652.
2- المستدرك على الصحيحين: ج13 ص15.
3- المصدر السابق نفسه.

الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) إنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ووردت بذلك روايات مستفيضة وفي بعض الأحاديث أنهم (علیهم السلام) عندهم القدرة الواحدة والقوة الواحدة والخصائص لجميع الأئمة (علیهم السلام) مشتركون بها.

عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال سألته عن الأئمة (هل يجرون في الأمر والطاعة مجرى واحدة؟ قال: نعم)(1).

ومن خصائصهم (علیهم السلام) انهم القرآن الناطق وان القرآن ملازم لآل محمد (علیهم السلام) ولا مفارقة بين القرآن وأهل البيت (علیهم السلام) وهذا ما أخبر به النبي (صلی الله علیه و آله) أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(2).

وعن سليم بن قيس الهلالي عن علي (علیه السلام) قال: «ان الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء عل خلقه وحجته في

ص: 88


1- أصول الكافي: ج1 ص187.
2- مستدرك الصحيحين: ج3 ص148 المعجم الكبير ص137.

أرضه وجعلنا من القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا».(1)

ومن خصائصهم (علیهم السلام) يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان فقد اختارهم الله عزوجل لأمور عباده شرح صدرهم لذلك وأودع قلبهم ينابيع الحكمة والمعرفة وألهمهم العلم إلهاماً فلم يفي بعده بواب.

فهم معصومون مسددون قد أمنوا من الخطايا والزلل والعثار فخصهم الله بذلك ليكونوا حجته على عباده وشاهد على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

آية التطهير وفلسفة حديث الثقلين(2)

ثم إن عصمة اهل البيت عليهم السلام المستفادة من آية التطهير وحديث الكساء هي التي تبين لنا فلسفة حديث الثقلين، لان

ص: 89


1- أصول الكافي: ج1 ص191.
2- راجع مبحث (حقائق من حديث الثقلين) مجلة الهدى العدد 13 عام 1421ه-

رسول الله خلف في امته شيئين لا يأتيهما الباطل كتاب الله المصون من التحريف وعترته الطاهرة المعصومة من كل رجس.

وعند التأمل في حديث الثقلين وخاصة قوله (صلی الله علیه و آله) «لن يفترقا»، يستفاد عدة امور، فإن كلمة (لن) تفيد التأبيد، وقوله «لن يفترقا» يدل على عدم الافتراق، بشكل مطلق، إذلم يبين جهة عدم الافتراق فيكون الحديث مطلقاً فيفيد عدم الافتراق في جميع الجهات ومنها:

أولاً: إن العترة الطاهرة هم أشرف وأفضل الخلق بعد النبي (صلی الله علیه و آله) وذلك لأنهم قرين القرآن، وكما أن القرآن أشرف من الناس، وهذا أمر لاشك فيه لأنه كلام ربهم، فما جعل قريناً للقرآن يكون كالقرآن في الفضيلة، ويكون عدله، ولو كان أحد من الأمة أفضل منهم لوجب قرنه بالقرآن ولقدمه عليهم، ولأمر بالتمسك به دونهم، وحيث ينتفي وجود قرين آخر فيتعين كونهم هم الأفضل والأشرف.

ص: 90

ثانياً: إرجاع الأمة إليهم، وعدم فصلهم عن القرآن إلى يوم القيامة دالٌ على احتياج الناس إليهم كاحتياجهم إلىالقرآن، وإغنائهم عن الناس، ولو احتاجوا إلى أحد لقدم عليهم، ولأمر بالتمسك به دونهم. وتوضيحه أن جميع الأمة محتاجة إلى القرآن وعلوم القرآن وفهم الأحكام والقضاء والوظائف ورفع النزاع وإصلاح المجتمع، وبالجملة معرفة ما يحتاج الناس إليه من أمور معاشهم ومعادهم، وحيث إن القرآن صرح بوجود المحكم والمتشابه وأن الذين في قلوبهم مرض يتبعون ما تشابه منه، وأن علوم القرآن يعلمها الله ورسوله والراسخون في العلم، وأن له ظهراً وبطناً، فلأجل إرجاع المتشابه إلى المحكم ومعرفة بطون القرآن والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وغير ذلك، مثل تفاصيل الأحكام الفرعية التي توجد في القرآن بنحو كلي كالصلاة والصيام والحج وغيرها، لأجل كل ذلك يحتاج الناس إلى الرجوع

ص: 91

إلى العالم بهذه العلوم، وهو عِدل القرآن الذي لا يفترق عن القرآن طرفة عين إلى يوم القيامة.

ومعرفة هذه العلوم مقرونة بالعترة الطاهرة، فالناس محتاجون إليهم وهم لا يحتاجون إلى أحد، ولو احتاجوا إلى أحد لقدم عليهم ولافترقوا عن القرآن مع أنهما لن يفترقا، وواضح لمن راجع السيرة عرف احتياج الخلفاء إليهم وعدم احتياجهم إلى غيرهم حتى كان يرجع أصحاب العلوم إلى أبناء علي (عليه السلام) إليه، وكذلك أصحاب ورؤساء المذاهب الإسلامية(1).

ثالثاً: عصمتهم عن الخطأ، فإنه (صلی الله علیه و آله) جعلهم عدل القرآن وقرينه، والقرآن معصوم عن الخطأ والباطل، حيث قال جل وعلا: [لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه](2)، فكذلك العترة لا يأتيها الباطل، وإلاّ لافترقت عن القرآن مع أنهما لن يفترقا، وأنه جل وعلا هو الحافظ للقرآن كما قال: ]إنا نحن

ص: 92


1- راجع (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) و(الغدير).
2- سورة فصلت: 142.

نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[(1) فكذلك يحفظ العترة لعدم الافتراق.

رابعاً: إن اتباعهم موجب للسعادة والهدى وتركهم موجب للضلالة، لقوله (صلی الله علیه و آله): ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، ولو تركوا أحدهما لضلوا، لأن التمسك بهما معاً هدى، ولو كان في الأمة من هو أهدى منهم لقدم عليهم، وبما أن القرآن هدى [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم](2) فكذلك هم، وإلا لافترقا وقال تعالى: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس](3) فكذلك هم، وكما أن القرآن نور [إنا أنزلنا إليكم نوراً](4) فكذلك هم وإلا لافترقا.

ص: 93


1- سورة الحجر: 9.
2- سورة الاسراء: 6.
3- سورة البقرة: 185.
4- سورة النساء: 174.

خامساً: عندهم تمام علوم القرآن، لأن القرآن يقول حول نفسه: [ونزلنا عليك الكتاب تبيانا](1) لكل شيء، [وكل شيء أحصيناه في إمام مبين](2)، [وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين](3)، إلى غير ذلك من الآيات المبينة أن علم كل قد أودعه الله في القرآن، وأنهم يعلمون ذلك كما تقدم في قوله تعالى (ومن عنده علم الكتاب) أيضاً ولأنهما لن يفترقا، ولو وجد في القرآن ولم يكن عندهم لافترقا، ولو لم يكن عندهم ذلك لاحتاجت الأمة إلى أشياء لم تكن عندهم، فيوجب ضلا ل الأمة، مع أنهم لن يضلوا، فلابد من كون علم كل شيء عندهم، ولو كان عند دونهم لقدم عليهم ولافترقوا عن القرآن ولاحتاجوا إليهم مع أنهما لن يفترقا.

ص: 94


1- سورة النحل: 89.
2- سورة يس: 12.
3- سورة الانعام 59

سادساً: أنهم خلفاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأنه صرح (أني مخلف فيكم الثقلين) وفي بعضها (تارك فيكم)، وأرجع الأمة إليهم، وجعل عدم الضلال في اتباعهم، ولو رجع الناس إلى غيرهم في الخلافة لضلوا، فجعل غيرهم خلفاء وأتباعهم موجب للضلال لأن فيه تركهم، وفي تركهم الضلال، فلما قرنهم بالقرآن، والناس يرجعون إلى القرآن، والقرآن خليفة رسول الله (ص) في الرجوع إليه، وأن النبي (صلی الله علیه و آله) خلفه في الأمة فكذلك العترة، وإلا لوجب الافتراق مع أنهما لن يفترقا، فهم العلماء بالقرآن وإليهم ترجع الأمة في كل شيء، وهم لا يرجعون إلى الأمة في شيء، وفي هذا دلالة على أن الجاهل يرجع إلى العالم وهم العلماء دون غيرهم، وإلا لوجب رجوع العالم إلى الجاهل وهو باطل عقلاً، وكما أن القرآن يطرد الشبهات فكذلك إتباعهم، وإلا ففي اتباع غيرهم توجد الشبهات والضلال.

ص: 95

سابعاً: إن الخلافة منحصرة فيهم (عليهم السلام) دون غيرهم، ولو صارت إلى غيرهم لافترقوا عن القرآن، مع أنهما لن يفترقا، فلما كان الكل محتاج إليهم وثبت ذلك عملاً وسيرة بالتاريخ(1)

والواقع، فكيف يقدمّ من هو محتاج إليهم.

ثامناً: إن إمامتهم مستمرة ما دام الناس على الأرض، لأنهم ما داموا على الأرض محتاجون إلى حجة وإلى هدى وإلى القرآن، فلابد أن يكونوا هم أيضاً موجودين دائماً لوجود الناس مع القرآن وإلا افترقا مع أنهما لن يفترقا، وانحصار ارتفاع الضلال عن الناس باتباعهم مع القرآن، ومنه يعلم أن الأرض لا تخلو من حجة، وكذلك يعلم أن الحجة في زماننا موجودة، وإلا لضل الناس لعدم وجودهم مع القرآن فيوجب الافتراق، وهذا لا ينافي الغيبة لأنه كالشمس من وراء الغيوم.

ص: 96


1- راجع الغدير: ج7.

تاسعاً: فكما أن القرآن وسيلة [وابتغوا إليه الوسيلة](1) وأنه [وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين](2) فكذلك أهل البيت (ع)، فكما يمكن الاستشفاء بآيات القرآن فكذلك يمكن الاستشفاء بهم، ومنه يعرف جواز التوسل بهم كالقرآن، والدعاء بهم كالقرآن، كما تقول: «اللهم إني أسألك بكتابك المنزل..»(3) وإذا جاز التوسل بأحدهما دون الآخر لافترقا.

عاشراً: ذكر القرآن لنفسه قدرة التصرف في الكون المعبر عنه بالولاية التكوينية بقوله تعالى: [ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى](4) وبقوله: [لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله](5) فكذلك لهم القدرة بإذن الله تعالى، حيث هو أقدرهم كما أقدر عيسى (ع)

ص: 97


1- سورة المائدة: 35.
2- سورة الإسراء: 82.
3- مفاتيح الجنان: أعمال ليلة القدر.
4- سورة الرعد: 31.
5- سورة الحشر: 21.

على إحياء الأموات وإبراء الأكمه والأبرص، وكذلك كما أقدر آصف بن برخيا وصي سليمان (ع) في إحضار عرش بلقيس [وقال الذي عنده علم من الكتاب أن آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك](1) وكما جعل الأثر في ذنب البقرة لإحياء ميت بني إسرائيل [فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى](2)، وكما جعل الأثر في الأدوية والعقاقير بحيث تؤثر تكويناً على البدن والأمراض، وكما جعل الأثر في قميص يوسف (ع)، وكما جعل الأثر في الحجارة التي هشمت وقتلت أصحاب الفيل رغم صغرها بقدر الحمصة أو أصغر، كل ذلك بأمره وبإذنه، فكذلك أقدر أولياءه الذين عندهم علم الكتاب، ومن عنده (علم الكتاب) مقدم وأشرف وأفضل من الذي عنده (علم من الكتاب) وأقدر منه في التصرف بطريق أولى، لأنه جعلهم نوراً وهدى وشفاء ورحمة كما جعل الكتاب كذلك دون افتراق.

ص: 98


1- سورة النمل: 40.
2- سورة البقرة: 73.

تلك عشرة كاملة...

ملاحظة: لا شك أن عترته وأهل بيته هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ومن نص عليهم الحسين من أبنائه وكما عرفت انه يشترط فيهم العصمة وهي أمر خفي لا يعلم به إلا من قبل علام الغيوب، فلابد من النص، مع العلم لا عصمة مدعاة لغيرهم في الأمة، وقد مثلهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) ب-«سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى»(1)

وأنه (صلی الله علیه و آله) قال: (إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب عليّ)(2) ولم تعرف له ذرية وأبناء وعترة غيرهم، بل قد نص رسول الله (صلی الله علیه و آله) على أسمائهم في حديث جابر، وقد نقل ذلك الكليني والصدوق والطوسي والمجلسي، ونقل السيد هاشم البحراني في كتاب الإنصاف ثلاثة أحاديث من البخاري وتسعة من مسلم وثلاثين

ص: 99


1- مناقب أمير المؤمنين (ع)، محمد سليمان الكوفي: ص147.
2- بحار الأنوار: 23 ص144

من غيرهما، وقد نقل الحر العاملي في إثبات الهداة من النصوص ما تفي بالغرض، وفي كفاية الأثر أكثر من مائتي حديث في ذلك، إلى غيرها وغيرها من المصادر الكثيرة.

ومن كل ذلك يعرف أنهما لن يفترقا، ومن هذا التأكيد يعلم كلما صدق وجود شخص من العترة وأنه قرين القرآن فيكون معصوماً كالقرآن، ولا فرق في ذلك بين كونه بالغاً وغير بالغ، وليس ذلك على الله بعزيز، حيث ولد عيسى بن مريم (ع) وهو ينادي: [إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا] وكذلك قال في يحيى: [وآتيناه الحكم صبيا](1).

وعليه فلا فرق بين حالة الصبا والطفولة في العترة الطهارة وحالة البلوغ، فعصمتهم ثابتة قبل البلوغ وبعد البلوغ. بل عدم الفرق

ص: 100


1- سورة مريم: 12.

جار حتى بعد الوفاة كما قال (صلی الله علیه و آله): «حتى يردا علي الحوض»(1).

ولو أن فرداً اشتبه عمداً أو سهواً أو نسياناً قبل البلوغ أو بعده فإنه يتنافى مع قوله (صلی الله علیه و آله) لن يفترقا، مع ثبوت العصمة المطلقة للقرآن وبذلك سيحصل الافتراق، ومعنى ذلك وقوع الاشتباه في كلامه (صلی الله علیه و آله) وهذا ما يتنافى مع عصمته (صلی الله علیه و آله): [وما ينطق عن الهوى](2).. مضافاً إلى قوله تعالى: [ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا](3)، فيكون بذلك مخالفاً للقرآن الكريم إذا حصل منه الاشتباه، ويرجع ذلك إليه (صلی الله علیه و آله)، ويرجع بالنتيجة الأخيرة إلى القرآن الكريم الذي أمرنا أن نأخذ ما آتانا به الرسول (صلی الله علیه و آله)، وقد أمرنا رسول الله (ص) بالتمسك بالكتاب

ص: 101


1- المراجعات: ص72.
2- سورة النجم: 3.
3- سورة الحشر: 7.

والعترة معاً، فلا مجال لنفوذ الاشتباه في العترة وإلا رجع إلى القرآن الكريم المصون بحفظ الله تعالى.

وقد تنبه إلى عدم إنفصال القرآن عن العترة ووجود إمام في كل زمان: ابن حجر حيث أشار إلى هذه الحقيقة في الصواعق المحرقة حيث يقول بعد إيراد أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) قال: وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت (ع) إشارة في عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي)، ويؤكد هذا المعنى ما رواه عبد الله بن عمر من قوله (صلی الله علیه و آله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» يدل على أن كل زمان لابد له من إمام فيه وإلا لكان ذلك الميت دون معرفته يكون على الجاهلية. انتهى(1).

ص: 102


1- الصواعق المحرقة ص149

ولما لم تكن الأمة قد جمعت عن النبي (صلی الله علیه و آله) كل ما آتاها من علوم ومعارف وأحكام، وإلا لما وقع الخلاف في كثير من الأحكام والمعارف، واحتياج الناس إلى ذلك كله فلابد أن يكون في الأمة من جمع ذلك كله، ويقوم بدور النبي (صلی الله علیه و آله)، حيث إن النبي (صلی الله علیه و آله) قال لهم في خطبة الغدير: «وما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم إلى النار ويبعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه»(1)،

والناس تحتاج إلى معرفة ذلك بعده ولم تحفظه الأمة، مع أن الاحتياج جار إلى الأجيال الأخرى بعده (صلی الله علیه و آله)، وأنهم لم يسمعوا منه مع احتياجهم إلى ذلك كله، فقد قام النبي (صلی الله علیه و آله) بدوره تأهيل من يقوم بدوره وتعليمه وجعله الخليفة له في ذلك، ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) حيث قال علي(ع): «حدثني رسول الله (صلی الله علیه و آله) ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب

ص: 103


1- مستند الشيعة: ج1 ص7.

ألف باب»(1)

وعلمه أولاده وهم إلى أوصيائهم. وقال (علیه السلام): «ما نزلت آية في ليل أو نهار، في سفر أو حضر، في جبل أو سهل إلا وأقرئنيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلمني في من نزلت ومرادها وحكمها وما يرتبط بها وإن لم أكن معه فقد حدثني بها بعد رجوعه (صلی الله علیه و آله)»(2)،

ومن السيرة القطعية يعلم دون ريب رجوع الأمة إلى علي وأولاده وأنهم حفظة علم رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فهم مرجع الأمة في ذلك وأنهم لا يفترقون عن القرآن في أداء ما تحتاجه الأمة، وبهذا تكون لهم الأعلمية المطلقة.

الأئمة أفضل من الملائكة

وإذا كان أهل البيت (عليهم السلام) هم قرناء القرآن والقرآن كلام ربنا، وأن أرواحهم وحالاتهم كحالات النبي (ص) وروحه

ص: 104


1- الكافي: ج1 ص296.
2- راجع في أمالي الشيخ المفيد: ص152، ومناقب آل أبي طالب: ج1 ص322، وبحار الأنوار: ج89 ص93.

الشريفة كما قال (صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني»

وكما دل عليه حديث الكساء كما يأتي، ومع كونهم كذلك وأن النبي (صلی الله علیه و آله) أفضل من ملائكته ورسله، فكذلك هم، إذ هم معه في صفاته وفضائله ومع القرآن لا يفارقونه.

ومن الواضح عند الجميع أن الأنبياء أفضل من الملائكة، وللأئمة ما للأنبياء ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم (ع) قال الله تعالى: [ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين](1).

قال الطباطبائي في تفسيره للآية:

(وقد ذكر سليمان من هؤلاء المصطفين آدم ونوحاً، فأما آدم فقد اصطفى على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإنساني جعله الله في الأرض قال تعالى: ]وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في

ص: 105


1- سورة آل عمران: 33.

الأرض خليفة[(1)، وأول من فتح به باب التوبة، حيث قال تعالى: [ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى](2)، وأول من شرع له الدين قال تعالى: [فأما يأتينكم مني هدى فمن أتبع هداي فلا يضل ولا يشقى] فهذه الأمور لا يشاركها فيها غيره.

وأما نوح (ع) فهو أول الخمسة أولى العزم صاحب الكتاب والشريعة، قوله تعالى: [كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين](3)، وهو الأب الثاني وقد سلم الله تعالى عليه في العالمين قال تعالى: [وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين](4).

ص: 106


1- سورة البقرة: 30.
2- سورة طه: 122.
3- سورة البقرة: 213.
4- سورة الصافات: 79.

ثم ذكر الله سبحانه آل إبراهيم وآل عمران من هؤلاء المصطفين، والآل خاصة الشيء وقال الاصطفاء على العالمين هو نوع اختيار وتقديم لهم عليهم في أمر أو أمور لا يشاركهم فيه أو فيها غيرهم.

فأما آل إبراهيم فظاهر لفظه أنهم الطيبون من ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل والطاهرون من ذريته وسيدهم محمد (صلی الله علیه و آله) والملحقون بهم في مقامات الولاية إلا أن ذكر آل عمران مع آل إبراهيم يدل على أنه لم يستعمل على تلك السعة.

فإن عمران هذا إما هو أبو مريم أو أبو موسى (علیه السلام) وعلى أي تقدير هو من ذرية إبراهيم وكذا آله وقد أخرجوا من آل إبراهيم فالمراد بآل إبراهيم بعض ذريته الطاهرون لا جميعهم)(1).

وفي عيون أخبار الرضا (علیه السلام) وفي حديث الرضا (علیه السلام) مع المأمون قال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن (علیه السلام): «إن الله أبان فضل العترة

ص: 107


1- الميزان للطباطبائي: ج3 ص165-167.

على سائر الناس في محكم كتابه» فقال المأمون: أين ذلك في كتاب الله؟ فقال له الرضا (علیه السلام): «في قوله: [لأن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض]».

وفيه أيضاً عن الباقر (علیه السلام) أنه تلا هذه الآية فقال: «نحن منهم ونحن بقية تلك العترة»(1).

وقد يستدل بأفضلية الأئمة (علیهم السلام) على الملائكة في الحديث كما جاء عن المجلسي عن النبي (صلی الله علیه و آله) إذ قال لعلي (علیه السلام): «يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقريبن، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وأن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا»(2).

ص: 108


1- المصدر نفسه: ص168.
2- بحار الأنوار: ج36 ص335.

ربما يكون المراد من أن الملائكة خدام شيعة أهل البيت (علیهم السلام) الخدمة في الجنة، ولكن الرواية مطلقة، ويستفاد من الروايات الأخرى الخدمة في الدنيا أيضاً ولو بالدعاء والاستغفار لهم.

قال ربنا: [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألآ تخافوا ولا تحزنوا...](1).

فضل ذكر آل محمد صلی الله علیه و آله

إن من السنن المؤكدة ذكر فضل الأئمة (علیهم السلام) وبيان ذلك للناس، فقد ورد أن لله ملائكة سياحين سوى الكرام الكاتبين فإذا مروا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام) قالوا: قفوا فقد أصبتم حاجتكم فيجلسون فيتفقهون

ص: 109


1- سورة فصلت: 30.

معهم فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غيابهم فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس.

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «ما اجتمع قوم يذكرون فضل علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلا هبطت عليهم ملائكة السماء حتى تحف بهم فإذا تفرقوا عرجت الملائكة إلى السماء فيقول لهم الملائكة إنا لنشم من رائحتكم ما لا نشمه من الملائكة فلم نر رائحة أطيب منها فيقولون: كنا عند قوم يذكرون محمداً (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) فعلق علينا من ريحهم فتعطرنا، فيقولون اهبطوا بنا إليهم، فيقولون تفرقوا ومضى كل واحد منهم إلى منزله، فيقولون اهبطوا بنا حتى نتعطر بذلك المكان»(1).

وفي صحيحة ابي حمزة قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «شيعتنا الرحماء بينهم الذين إذا خلوا ذكروا الله، إن ذكرنا

ص: 110


1- مستدرك الوسائل: ج3 ص404.

من ذكر الله، إنا إذا ذكرنا ذكر الله وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان»(1),

وقال أمير المؤمنين (علیه السلام): «ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب، وحبنا رضا الرب تبارك وتعالى»(2).

لا يقاس بآل محمد أحد

إن عملية القياس بين أهل البيت (علیهم السلام) وبين غيرهم من الأنبياء والملائكة لا تعلم لأنهم تفوقوا على غيرهم - بعد رسول الله ص - بالفضائل والمناقب وما خصهم الله به من مقام، وقد يقل ذلك من شأنهم فإن أهل البيت (عليهم السلام) لا يقاس بهم احد

ص: 111


1- أصول الكافي: ج2 ص186.
2- المحاسن: ص135.

عن أنس ابن مالك قال الرسول (صلی الله علیه و آله): «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد»(1).

فيظهر من هذا الحديث أنه حتى الأنبياء (عليهم السلام) - باستثناء رسول الله (ص) - لا يقاسون بأهل البيت (علیهم السلام) وعن الرسول (صلی الله علیه و آله) قال: «خير من يمشي على الأرض بعدي علي بن أبي طالب (علیه السلام)»(2).

ويتضح لنا ذلك إذا عرفنا السّر في قوله تعالى: [وأنفسنا وأنفسكم](3).

تولي آل محمد من النعم

أي نعمة أفضل من تولي آل محمد (علیهم السلام) حيث هي المفسرة بقوله تعالى: [وأنعمت عليكم نعمتي](4)، فهم النعمة

ص: 112


1- ذخائر العقبى: ص17، كنز العمال: ص318.
2- البحار: ج38 ص12.
3- سورة آل عمران: 61.
4- سورة المائدة: 3.

الكبرى فلولاهم لما عرف الرحمن فإنهم السبيل إليه وهم الأدلاء عليه، فالولاية هي النعمة الكبرى التي يسال المؤمن عنها في قبره وفي يوم القيامة،كما فسرت الآية بذلك: (وقفوهم إنهم مسئولون)(1)

وتنفعه ويراها المؤمن بمثال نوراني وتقول له أنا الولاية يا عبد الله أليس من ينفعه في قبره هي من النعم الكبرى فعن ابن يوسف البزاز قال: تلاه أبو عبد الله (علیه السلام) هذه الآية: [واذكروا آلاء الله] قال: «أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا»(2).

ويفهم من الحديث أن آلاء الله معناها الولاية، وعن الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام): ­ما بال أقوام غيروا سنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعدلوا عن وصيه؟ لا

ص: 113


1- سورة الصافات: 24
2- أصول الكافي: ج1 ص217.

يتخوفون أن ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية [الم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار] إلى جهنم(1).

ثم قال: «نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة»(2).

ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى(3)

المراد بالهوى هوى النفس ورأيها، والنطق وإن كان مطلقاً ورد عليه النفي وكان مقتضاه نفي الهوى عن مطلق نطقه (صلی الله علیه و آله) لكنه لما كان خطاباً للمشركين وهم يرمونه في دعوته وما يتلو عليهم من القرآن بأنه كاذب متقول مفتر على الله سبحانه، كان المراد بقرينة المقام أنه (صلی الله علیه و آله) ما ينطق فيما يدعوكم إلى الله أو فيما يتلوه عليكم من القرآن من هوى نفسه ورأيه، بل ليس ذلك إلا وحياً يوحى إليه من الله سبحانه(4).

ص: 114


1- سورة إبراهيم: 28.
2- أصول الكافي: ج1 ص23.
3- سورة النجم: 4.
4- الميزان للطباطبائي: ج19 ص27.

إن التحقيق في الآيات القرآنية يكشف بجلاء أنه لن يستطيع إنسان مهما كان عالماً أو مفكراً يكون في محيط مملوء بالخرافات والجهل أن يأتي بكلام غزير المحتوى كالقرآن من عند نفسه إذ ما يزال وبعد مضي القرون والعهود ملهماً للأفكار العالية والمطالب الجديدة ويمكن أن يكون أساساً لمجتمع صالح مؤمن سالم وليس لزمانه فقط بل لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة.

يقول السيوطي في تفسيره الدر المنثور:

(أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوماً أن توصد جميع الأبواب المشرفة على المسجد من بيوت الصحابة سوى باب علي (عليه السلام)، فكان هذا الأمر عزيزاً على المسلمين حتى أن حمزة عم النبي (صلی الله علیه و آله) عتب عليه وقال: كيف أوصدت أبواب عمك وأبي بكر وعمرو والعباس؟ وتركت باب علي مفتوحاً (وفضلته على الآخرين؟)، فلما علم النبي (صلی الله علیه و آله) أن هذا الأمر كان صعباً وعزيزاً عليهم دعا الناس إلى

ص: 115

المسجد وخطب خطبة عصماء لا نظير لها وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها ولا أنا أخرجتكم وأسكنته، ثم قرأ: [والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى](1)».

وهذا الحديث يكشف عن علو مقام أمير المؤمنين (علیه السلام) من بين جميع الأمة الإسلامية بعد الرسول (صلی الله علیه و آله)، كما يدل على أنه ليست أقوال النبي (ص) طبق الوحي فحسب بل حتى أعماله وأفعاله وتقديره وسيرته أيضاً.

وأن ما فعله الرسول (صلی الله علیه و آله) بعد نزول آية التطهير أراد أن يُظهر للمسلمين أهمية ومكانة وفضل أهل البيت (علیهم السلام) وأن فعل الرسول وتقريره وقوله (صلی الله علیه و آله) حجة على العباد.

ص: 116


1- الدر المنثور: ج6 ص122.

إعراضهم عن الدنيا

ولما كانت ذوات أهل البيت (عليهم السلام) الشريفة مطهرة عن كل رجس فهي مطهرة من التعلق بالدنيا ايضاً كما قال تعالى: [لا يريد علواً في الأرض ولا فساداً] فلذا كانت لهم من القدرات غير الطبيعية بحيث لا يتصوره الإنسان فهم كانوا أغنياء في الدنيا وأنهم أعطوا خزائن الأرض ولكنهم زهدوا في هذه الدنيا، وكانوا قادرين على أن يحاربوا أعداءهم من خلال قدراتهم غير الطبيعية إلا أنهم ساروا على منهج النواميس الطبيعية وعلى وفق مشيئة الله سبحانه وتعالى والابتلاء للناس بذلك، وكان لهم القوة من العلم والمال إلا أنهم زهدوا عنها وقد باعوا الدنيا للآخرة، فعن علي بن الثمالي عن بعض من حدثه عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «أنه كان مع أصحابه في مسجد الكوفة فقال له رجل: بأبي وأمي إني لأتعجب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء القوم وليست

ص: 117

عندكم؟ فقال: يا فلان أترى أنا نريد الدنيا فلا نعطاها، ثم قبض قبضة من الحصى فإذا هي جوهر، فقال: ما هذا؟ قلت: هذا أجود من الجواهر. فقال: لو أردناه لكان ولكن لا نريده ثم رمى بالحصى فعادت كما كانت»(1).

وهذه المعجزة على أن ينقلب التراب إلى أجود الجواهر كما أنها حصلت مع علي (علیه السلام) فإنها حصلت مع الإمام الرضا (علیه السلام)، وهكذا قدرة الأئمة (علیهم السلام) وقد دلت طائفة أخرى من الروايات على أن الدنيا بيد الأئمة من أهل البيت (علیهم السلام) فعن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) «إن الدنيا تمثل للإمام في خلقة الجوز فما تعرض لشيء منها وأنه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء فلا يعزب عنه منها شيء»(2).

ص: 118


1- بصائر الدرجات: ص395.
2- المصدر نفسه: ص428.

فالأئمة (علیهم السلام) من خلال هذه الأخبار يظهر لنا أنهم متسلطون على هذا العالم فيعملون بها ما يشاؤون وفي أي وقت أرادوا وذلك بمشيئة الله عز وجل وإرادته.

من أسرار الأئمة علیهم السلام

لكل فعل من أفعال الأئمة (علیهم السلام) فيه أسرار ولعل بعض الأسرار لا يمكن للإنسان أن يحمله وهذه الأسرار كبيرة وعظيمة والقسم الأكبر منه لا نعرفه.

لذلك نرى لفاطمة الزهراء (علیها السلام) أسرار لا يعلم كنهها إلا الله كرفع حائط المسجد لما همت بالدعاء عليهم، ولعل من هذه الأسرار تفويض الأمور إليهم(علیهم السلام)، وقد دلت الآيات على التفويض إلى الرسول (ص) فقال تعالى: [ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا].

ص: 119

وقد دل جمع من الأحاديث على أن النبي (صلی الله علیه و آله) أعطى ما وصل إليه من مقام إلى الأئمة من بعده، فعن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) دعا علياً (علیه السلام) في المرض الذي توفي فيه فقال: «يا علي ادن مني حتى أسر إليك ما أسر الله إليّ وأئتمنك على ما ائتمنني الله عليه» ففعل ذلك رسول الله (صلی الله علیه و آله) بعلي، وفعله علي (علیه السلام) بالحسن، وفعله الحسن بالحسين، وفعله الحسين بأبي وفعله أبي بي)(1).

وأما سر التفويض إلى النبي (صلی الله علیه و آله) فقد جاء عن زرارة من أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: (سمعته يقول: إن الله فوض إلى نبيه أمر خلقه كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية [ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا](2)،

ص: 120


1- بصائر الدرجات: ص397.
2- المصدر نفسه: ص400.

وعن موسى بن أشيم قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) فسألته فأجابني فبينما أنا جالس إذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء آخر فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ففزعت من ذلك وعظم عليّ، فلما خرج القوم نظر إليّ وقال: «يا ابن أشيم، كأنك جزعت قلت: جعلني الله فداك إنما جزعت من ثلاث أقاويل في مسألة واحدة فقال: يا بن اشيم إن الله فوض إلى داود (علیه السلام) أمر ملكه فقال: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وفوض إلى محمد (صلی الله علیه و آله) أمر دينه فقال [ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا] فإن الله تبارك وتعالى فوض إلى الأئمة منها وإلينا ما فوض إلى محمد (صلی الله علیه و آله) فلا تجزع»(1).

ص: 121


1- المصدر نفسه: ص403.

الأئمة علیهم السلام ذمة الله

تواترت الأحاديث بأن آل محمد (علیهم السلام) هم بيت الرحمة وهم رحمة الله الواسعة، وإن الأئمة (علیهم السلام) هم موضع سر الله، وهذا ما أشار إليه النبي (صلی الله علیه و آله): «يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت»

وهذه إشارة إلى أن المعرفة الكاملة لله فإنها للنبي (صلی الله علیه و آله) وعلي، (علیه السلام) فالله سبحانه وتعالى جعل لآل محمد (علیهم السلام) من الأسرار التي لم يعطها لملك أو لنبي فهم أكثر المخلوقين معرفة لله سبحانه وتعالى حيث أراد الله أن تكون هذه الأسرار عندهم لا عند غيرهم، فهم الفرد الأبرز في معرفة الله واليقين بوجوده وأضف إلى ذلك ما أعطاهم من الأسرار التي ليست عند أحد غيرهم ومما يدل عليه بعض الأخبار المروية عن الكليني عن خيثمة قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «يا خيثمة، نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة

ص: 122

ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم ومدينة الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمة الله ونحن عهد الله فمن وفي بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده»(1).

وقال الإمام علي (علیه السلام): «إنا أهل البيت شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم»(2).

القرآن طريق إلى معرفة الأئمة علیهم السلام

لا شك أن القرآن فيه كل شيء، وأحصى كل شيء وفيه تبيان للناس من كل شيء، سواء الحلال والحرام، فإنه يرشدنا إلى الصراط المستقيم، كما أن آل محمد (عليهم السلام) يرشدوننا إلى كتاب الله سبحانه وتعالى كذلك القرآن الكريم يرشدنا إلى آل محمد (علیهم السلام) لأنهما متلازمان في التبليغ وبعضهم مكمل للآخر

ص: 123


1- أصول الكافي: ج1 ص217.
2- أصول الكافي: ج1 ص221.

بل أنهما لن يفترقا، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله تعالى: [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم] قال: يهدي إلى الإمام»(1).

آية التطهير برهان واضح على العصمة

اعتبر بعض المفسرين (الرجس) في الآية المذكورة

إشارة إلى الشرك والكبائر كالزنا فقط، في حين لا يوجد دليل على هذا التحديد، بل إطلاق الرجس(2) وخاصة بملاحظة ألفه ولامه وهي ألف لام الجنس يشمل كل أنواع الذنوب والمعاصي لأن كل المعاصي، رجس ولذلك فإن هذه الكلمة أطلقت في القرآن على

ص: 124


1- أصول الكافي: ج1 ص216.
2- لفظة الرجس تعني الشيء القذر سواء كان نجساً وقذراً من ناحية طبع الإنسان أو بحكم العقل والشرع أو جميعها، وما ورد في بعض الأحيان من تفسير الرجس بالذنب أو الشرك أو البخل والحسد أو الاعتقاد بالباطل وأمثال ذلك فإنه في الحقيقة بيان لمصاديق وإلا فإن مفهوم هذه الكلمة عام وشامل لكل أنواع الحماقات بحكم الألف واللام التي وردت هنا والتي تسمى بألف ولام (الجنس) وقد ذكر الراغب في مفرادته في مادة (رجس) ذلك وأربعة أنواع كمصاديق له.

الشرك والخمور والقمار والنفاق واللحوم المحرمة والنجسة وأمثال ذلك(1).

وبملاحظة أن الإرادة الإلهية حتمية التنفيذ والوقوع وأن جملة [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس](2) دليل على إرادته الحتمية وخاصة بوجود كلمة (إنما) الدالة على الحصر والتأكيد سيتضح أن إرادة الله سبحانه قد قطعت بأن يكون أهل البيت (علیهم السلام) منزهين عن كل رجس وخطأ وهذا هو مقام العصمة.

وثمة مسألة تستحق الانتباه إليها وهي أنه ليس المراد من الإرادة الإلهية الإرادة التشريعية فحسب أي في هذه الآية الأوامر والأحكام الإلهية في مسائل الحلال والحرام لأن هذه الأحكام تشمل الجميع ولا تختص بأهل البيت (علیهم السلام).

وبناءً على هذا فإنها لا تتناسب مع مفهوم (إنما).

ص: 125


1- انظر الآيات سورة الحج: 30، وسورة المائدة: 90، وسورة التوبة: 125، وسورة الأنعام: 142.
2- في آية التطهير سورة الاحزاب: 33.

إذن فهذه الإرادة المستمرة التي تفهم من الفعل المضارع الذي يدل على التجدد والاستمرار كما نص عليه أهل العربية، فالإرادة مستمرة لهم بالتطهير فهي نوع من الإمداد الإلهي الذي يعين أهل البيت (علیهم السلام) على العصمة والاستمرار فيها وهي في الوقت نفسه لا تتنافى حرية الإرادة والاختيار.

إن مفهوم هذه الآية في الحقيقة هو عين ما جاء في الزيارة الجامعة: «عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهركم من الدنس وأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراَ» ومن هنا يتضح لنا عصمة أهل البيت (علیهم السلام) المستفادة من القرآن الكريم(1).

ص: 126


1- راجع تفسير الأمثل: ج13 ص221.

في معنى العصمة

قال في الصحاح: (العصمة المنع، يقال: عصمه الطعام أي منعه من الجوع، وقال أيضاً: العصمة الحفظ، يقال: عصمته فانعصم، واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية)(1).

وقال في المصباح المنير: (عصمه الله من المكروه يعصمه: من باب ضرب حفظه ووقاه، واعتصمت بالله: امتنعت به، والاسم العصمة)(2).

وقال في القاموس: (عصم يعصم اكتسب ومنع ووقى وإليه اعتصم، به إلى أن قال: والعصمة بالكسر: المنع والقلادة وتضم، ثم قال: واعتصم بالله امتنع بلطفه من المعصية، إلى أن قال: وقد عصم كفرح والاسم العصمة بالضم)(3).

ص: 127


1- صحاح اللغة: ج5ص1986.
2- المصباح المنير: ص414.
3- القاموس: ج4 ص151.

في معنى المعصوم

المعصوم في أصل اللغة بمعنى الممنوع، ولكن الذي ظهر مما مر من اللغة بمعنى المعتصم بالله من المعصية، وقد يدل على ذلك مما رواه الصدوق في (معاني الأخبار) عن السجاد (علیه السلام) قال: «الإمام منا لا يكون إلا معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلآ منصوصاً» فقيل له: يا ابن رسول الله من معنى المعصوم؟ فقال (علیه السلام): «هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عزوجل: [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم](1)».

وما رواه الحسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم إن الإمام لا يكون إلا معصوماً؟ قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن ذلك، فقال: «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع

ص: 128


1- معاني الأخبار: ص132.

محارم الله وقال الله تبارك وتعالى: [ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم]»(1).

فالمعصوم هو المعتصم بالله من جميع محارم الله كما دل عليه كلام اللغويين والأخبار المأثورة.

العصمة من الضروريات

قال العلامة الحلي في (نهج الحق): إن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به، حالهم في ذلك كحال الأنبياء، ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن، ولأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفساق

ص: 129


1- معاني الأخبار: ص132.

ويغزر من يستحق التعزير، فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر.

أما السبب الأول لقول الشيعة بالعصمة، فهو قوله تعالى: [إنما يريد الله ليذهب...].

وقول الرسول (صلی الله علیه و آله): «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار» وقوله (ص): «إني تارك فيكم الثقلين...».

وروى صاحب كنز العمال من السنة أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «من أحب أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة»(1).

ص: 130


1- دلائل الصدق: أول الجزء الثاني.

وقال الشيخ الطوسي: في التبيان العصمة: أن يكون عبارة عن أنه اذهب عنهم الرجس بأن فعل لهم لطفاً واختاروا عنده الامتناع من القبائح وذلك يدل على عصمتهم(1).

معرفة الإمام علیه السلام

أهم الأشياء في الحياة الدنيا معرفة الأنبياء والأوصياء (علیهم السلام) لأن الله تعالى أمرنا بطاعتهم وعلمنا أن ذلك يستلزم العصمة، لأنهم إذا أخطأوا وقد أمرنا الله باتباعهم في الخطأ فإنه خلاف الحكمة ممن عينهم لهداية للبشر ولتصحيح أخطاء البشر وتعديل مسيرتهم.

وعلى الإنسان أن يشكر الخالق إذا عرف حق الإمام ووهوب طاعته والتزم بذلك، لأن الإنسان يجب عليه أن يشكر الله عند أي نعمة أنعمها عليه جل وعلا وأي نعمة أفضل وأعلى رتبة من معرفة الأئمة (علیهم السلام)، وهي ولايتهم، فالمقصود من

ص: 131


1- التبيان: ج8 ص340.

المعرفة هي الولاية، وكذلك المقصود من المعرفة التعمق في أسرار آل محمد (علیهم السلام) وعلومهم، وأي خير أفضل من معرفة الإمام فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: [ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً](1) فقال (علیه السلام): «هي طاعة الله ومعرفة الإمام»(2).

العصمة والطهارة

بعد أن اتضح معنى العصمة لغة فيكون المعصوم هو الممتنع من المعاصي والقبائح وما يخالف الأعراف العقلائية الصحيحة وغير ذلك، ومع مراجعة الآيات التي تعرضت لأسباب المعاصي تعرف انتفاء سبب ذلك في الأنبياء والأئمة وتفصيل البحث يكون

ص: 132


1- سور البقرة: 269.
2- المحاسن: ص245.

متمركزاً على آية الطهارة: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً](1).

فإن الطهارة في الكتاب الكريم تقابل الرجس كما في هذه الآية، والرجس كما عن أهل اللغة(2) هو القذر والنتن والقبيح والحرام والنجس والعذاب واللعنة والكفر والغضب، كما يظهر ذلك من تتبع موارد استعماله في الكتاب الكريم، والمعصوم هو الممتنع بالله تعالى عن هذه كلها وحيث قد بيّن ربنا في كتابه موارد الرجس فنعرف بالجمع مع هذه الآية: أن الله تعالى أذهب الرجس جميعاً عن أهل البيت (علیهم السلام)، وكما هو معلوم أن كلمة الرجس، للألف واللام فيها تدل على العموم، فكل رجس أذهبه الله تعالى عنهم، ولأجل الإحاطة ببعض ذلك نذكر بعض الآيات الواردة في الرجس والطهارة وبعض الآيات التي ذكرت أسباب المخالفة والعصيان وبالله التوفيق.

ص: 133


1- سورة الأحزاب: 33.
2- راجع صحاح الجوهري ولسان العرب ونهاية ابن الأثير وغيرها من كتب اللغة، مادة (رجس).

بعض آيات الطهارة

قال تعالى:

1: [وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم الشيطان](1)، حيث إن الماء طاهر ومطهر وهو من الأمور المادية قال تعالى: [وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً](2)، وإن كان أثره مادياً ومعنوياً وهو الطهارة من الحدث.

2: [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها](3).

3: [أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون](4).

والتأمل في هذه الآيات وغيرها يبين أن الطهارة كما تكون ظاهرية ومادية قد تكون باطنية ومعنوية.

ص: 134


1- سورة الأنفال 11.
2- سورة الفرقان:48.
3- سورة التوبة: 103.
4- سورة الأعراف: 82.

بعض الآيات التي ذكر فيها الرجس

1: قال تعالى: [كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون](1).

2: ويجعل [الرجس على الذين لا يعقلون](2).

3: [اجتنبوا الرجس من الأوثان](3).

4: [إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه](4).

5: [إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس](5).

ص: 135


1- سورة الأنعام: 125.
2- سورة يونس: 100.
3- سورة الحج: 30.
4- سورة المائدة: 90.
5- سورة الأنعام: 145.

6: وعن المنافقين قال: [فأعرض عنهم فإنهم رجس](1).

7: [وأما الذين في قلوبهم مرض فزادهم رجساً إلى رجسهم](2).

إلى غير ذلك من الآيات التي يفهم منها أنها مصاديق الرجس ومعلوم أن الرجس بجميع مراتبه المادية والمعنوية بعيد عن أهل البيت (علیهم السلام).

هذا مضافاً إلى أن المعاصي يكون مصدرها الجهل والعناد. كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)(3)

وقال تعالى في موارد متعددة في بيان أسباب صدور القبح والمعصية

1: [قالوا اتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين](4).

2: [قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم، آلهة قال إنكم قوم تجهلون](5).

ص: 136


1- سورة التوبة: 95.
2- سورة التوبة: 125.
3- سورة النمل: 14
4- سورة البقرة: 67.
5- سور الأعراف: 138.

3: [وإلا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين](1).

4: [ءأنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون](2).

5: [أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون](3).

إلى غير ذلك من الآيات التي مفادها أن المعاصي أو الأمور التي تكون خلاف العقائد الحقة أو القبائح التي هي خلاف الآداب كلها مسببة عن الجهل فإذا كان الإنسان فسوف يكون أبعد عن كل تلك المعاصي، قال تعالى: [إنما يخشى الله من عباده العلماء](4).

وبعد هذا السير المختصر يتجلى بوضوح أن أهل البيت (علیهم السلام) مطهرون كل من عيب وريب ودنس وقبيح وغير ذلك مما يطلق عليه الرجس ظاهراً وباطناً من الماديات والمعنويات، وهم

ص: 137


1- سورة يوسف: 33.
2- سورة النمل: 55.
3- سورة الزمر: 64.
4- سورة فاطر: 28.

العلماء الذين ورثوا علم رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما توافيك الفصول الأخرى في ذلك، فلذا صاروا هم ميزان الإيمان والكفر والجنة والنار، كما قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعلي: «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغض إلا كافر».

وفي حديث آخر (إلا منافق)

وفي ثالث (إلا ولد حيض) وفي رابع (إلا ولد زنا)(1).

وقال (صلی الله علیه و آله) عن علي (علیه السلام): «إنه قسيم النار والجنة»(2)، فبسببه يدخل الإنسان الجنة إذا أتبعه ووالاه، وبسببه يدخل الإنسان النار إذا أبغضه وعاداه، ولا يكون المؤمن مؤمناً حتى يتصل بحبله، ومن انقطع عنه صار إلى الكفر، فلذا قال

ص: 138


1- الغدير: ج3 ص186، وبحار الأنوار: ج19 ص67 وج39 ص254.
2- الغدير: ج1 ص161 عن الصواعق والدار قطني.

رسول الله (صلی الله علیه و آله): «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرف وهوى»(1).

عدد أئمة أهل البيت (علیهم السلام) الإثني عشر:

أخبر رسول الله(صلی الله علیه و آله) في روايات عديدة أن عدد الأئمة من أهل البيت الذين يلون من بعده هو إثنا عشر وهذا ما ثبت في كتب الفريقين، فمن كتب العامة:

جاء في كتاب الأحكام من صحيح البخاري:

قال: سمعت النبي (صلی الله علیه و آله) يقول: «يكون إثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: ­«كلهم من قريش»(2).

ص: 139


1- الغدير: ج2 ص301 عن المستدرك ج3 ص151.
2- صحيح البخاري: ج9 ص250 كتاب الأحكام.

وفي صحيح مسلم: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش»(1)،

و«لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً»(2).

وفي مسند أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود أنه قال: سُئل رسول الله (صلی الله علیه و آله) بشأن الخلفاء، فقال: «اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل»(3).

وفي التوراة عند أهل الكتاب ما معناه: «إن الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل(4) وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته إثني عشر أميراً وأمة عظيمة» والنص حرفياً كما جاء في العهد القديم (التوراة) من الكتاب المقدس:

ص: 140


1- صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش.
2- صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش.
3- مسند أحمد: ج1 ص389.
4- من الواضح أن رسول الله محمداً وأهل بيته (علیهم السلام) قد انحدر نسلهم من إسماعيل ، فالاثني عشر أميراً هم أئمة أهل البيت الاثني عشر، والأمة العظيمة هي أمة محمد، - وهذا من البشارات الواردة في نبوة سيدنا محمد وإمامة أهل بيته (عليهم السلام).

«وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، إثني عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة»(1).

إن الروايات أعلاه يبين بعضها أن عزة الإسلام موكولة بالاثني عشر خليفة، ويرى بعضها الآخر أن حياة الدين وبقاءه إلى يوم القيامة موكولان بهم، وأنهم كلهم من قريش، وفي روايات أخرى: كلهم من بني هاشم.

ولا تنطبق هذه الروايات على أي مذهب سوى مذهب أهل البيت (علیهم السلام) - مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية -، وذلك لتوافق هذا العدد مع عدد أئمة أهل البيت (الاثني عشر)، في الوقت الذي يصل فيه علماء أهل السنة في تفسيرهم لهذا الحديث إلى طريق مسدود، هل المقصود هم الخلفاء الأربعة إضافة إلى خلفاء بني امية وبني العباس؟ نحن نعلم بالطبع، أن الخلفاء الأوائل لم يكونوا إثني عشر، ولا بانضمام بني أمية وبني العباس

ص: 141


1- سفر التكوين: (GENISIS 17: 20).

إليهم ينطبق عليهم هذا العدد ولم يختلف علماء أهل السنة في أمر كما اختلفوا في تفسيرهم لهذا الحديث.

ونورد مثالاً واحداً لترى مدى اضطرابهم في تفسير هذه الرواية، يقول السيوطي يذكره في تاريخه: (وقد وجد من الاثني عشر، الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين، والطاهر العباسي أيضاً لما أوتي من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت)(1).

فلن تجد العدد (اثني عشر) يتحقق في أي مجموعة سوى أئمة الشيعة الاثني عشر

أما الأحاديث الواردة في الخصوص عن طرق الشيعة كثيرة تفوق حد التواتر حيث ذُكر فيها أسماء الأئمة الاثني عشر تفصيلاً بما لا يقبل حيرة ولا اختلافاً.

ص: 142


1- تاريخ السيوطي: ص12.

فما الذي يدعو إلى أن نهمل التفسير الواضح البيّن للحديث المنسجم في توالي أئمة الشيعة الاثني عشر، ونلقي بأنفسنا في متاهات لا مخرج منها؟

خلافة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام):

لقد سبق بيان بعض الأدلة على إمامة أهل البيت (علیهم السلام) وأن أئمتهم الاثني عشر هم خلفاء الرسول (صلی الله علیه و آله).

وفي ما يلي نبيّن الروايات الدالة على استخلاف النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي بن أبي طالب على الأمة من بعده إماماً أولاً من الأئمة الاثني عشر، وهذه الروايات متواترة عند الفريقين، وأهم الأحاديث في ذلك هو ما عُرف بخطبة الغدير، نورد منها ما مختصره:

في صحيح الترمذي بسنده عن زيد بن أرقم أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «مَن كنت مولاه فعلي مولاه»(1).

ص: 143


1- صحيح الترمذي: ج2 ص298.

وفي صحيح ابن ماجه بسنده عن البرّاء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي (علیه السلام)، فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى، قال:

«ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، قال: «فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه»(1).

وفي مسند أحمد بن حنبل بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله (صلی الله علیه و آله) تحت شجرتين، فصلى الظهر وأخذ بيد علي (علیه السلام) فقال: «ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى، قال: «ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي (علیه السلام) فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» قال: لقيه عمر بن

ص: 144


1- صحيح ابن ماجه: باب فضائل أصحاب رسول الله.

الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة(1).

وقد اشتهر هذا الحديث باسم حديث الغدير لوقوع مكانه عند غدير خم وهو من أقوى الأدلة وأظهرها على خلافة علي (علیه السلام) وولايته وإمامته من بعد النبي (صلی الله علیه و آله)، وهذا الحديث يعتبر في أعلى مراتب الصحة والقوة، لأنه متواتر عند المسلمين جميعاً سنة وشيعة على تفصيل ذكره العلامة الأميني، في كتابه الغدير.

ولقد سعى البعض ممن لم يستطيعوا بث الشكوك حول صحة أسانيد هذا الحديث، إلى إلقاء الشكوك في دلالته على الإمامة والخلافة، واعتبارهم أن كلمة (مولى) تعني (الصديق) أو (المحب) لا (ولي الأمر) فكلمة مولى كما في الحديث التالي - على سبيل المثال - جاءت بمعنى ولي الأمر أو الأولى بالتصرف أو الوكيل.

ص: 145


1- مسند أحمد: ج4 ص281.

عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: ]النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم[ فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه»(1).

ولكن الإمعان في حديث الغدير والظروف الزمانية والمكانية التي أحاطت به وقرائن أخرى تدل بحق على أن المقصود لم يكن سوى الإمامة والولاية التي تعني القيادة بكل ما فيها من معان، ومن هذه القرائن:

1: إن آية التبليغ [يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس](2) التي نزلت قبل حادثة الغدير، تدل بلهجتها الحادة وما فيها من القرائن على أن الكلام لم يكن بشأن الصداقة العادية، إذ أن هذا لا يستوجب كل تلك الأهمية والتوكيد، فقد جعل الله تبليغ الرسالة متوقفاً على

ص: 146


1- صحيح البخاري: ج6 ص290 كتاب التفسير.
2- سورة المائدة: 67، انظر الواحدي في أسباب النزول والتفسير الكبير للرازي.

تثبيت الخلافة من بعده لأن بالخلافة يؤمن الله ورسوله (صلی الله علیه و آله) لهذه الأمة دينهم عند من ورثوا علوم النبي (صلی الله علیه و آله) بعد وفاته.

كما أن الآية الخاصة بإكمال الدين [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً](1) - التي نزلت مباشرة بعد خطبة الرسول (صلی الله علیه و آله) التي نصب فيها علياً (علیه السلام) خليفة وإماماً للامة - تدل دلالة قاطعة على أن الموضوع كان على درجة من الأهمية كموضوع القيادة والخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأنه كان بصدد تعيين من الإمام بعده وأن هذا الإمام بعده إنما هو علي، لا أن المقصود من الحديث: من كنت محبه وناصره فعلي محبه وناصره.

2: الطريقة التي وصف بها الحديث بكل ظروفه، والصحراء المحرقة التي ألقيت فيها تلك الخطبة المسهبة وأخذ الإقرار من الناس في ذلك الجو وذلك المكان، كلها تدل على صحة ما ذهبنا

ص: 147


1- سورة المائدة: 3، انظر السيوطي في الدر المنثور، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.

إليه من تنصيب علي (ع) في مقام الإمامة ولا شيء غير ذلك، لأنه أمر مهم يجب أن يعرف قبل أن يحل أجل الرسول (صلی الله علیه و آله) فإنه قد أخبر بقرب اجله وعليه فالواجب أن يعلن اسم الولي بعده لأن إعلان اسم الولي له نتائج عملية على المسلمين بعده وعلى مجتمعهم، أما أن معرفتهم أن علي (علیه السلام) محب للمؤمنين - مثلاً - فأمر لا اثر له على حياة الناس وعدم معرفته لا يغير شيئاً من حياتهم ونُظُمهم.

وفي صحيح الترمذي بسنده عن عمران بن حصين قال: (بعث رسول الله (صلی الله علیه و آله) جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب (علیه السلام)، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فقالوا: إذا لقينا رسول الله (صلی الله علیه و آله) أخبرناه بما صنع علي، فاقبل رسول الله (صلی الله علیه و آله)

ص: 148

والغضب يُعرف في وجهه وقال: ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي)(1).

كما نزل قوله تعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون](2)، في علي بن أبي طالب في تفسير معظم المفسرين(3)

عندما تصدّق بخاتمه لمسكين جاءه وهو في أثناء الصلاة راكعاً.

ومن الأحاديث الأخرى التي تشير إلى استخلاف علي (عليه السلام) حديث المنزلة:

عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال: «أتخلفني في الصبيان والنساء؟» قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»(4).

ص: 149


1- صحيح الترمذي: ج2 ص297.
2- سورة المائدة: 55.
3- تفسير الطبري، أسباب النزول للواحدي، شواهد التنزيل للحكم وأنساب الأشراف.
4- صحيح البخاري: ص492 ج5 كتاب المغازي.

ويدل هذا الحديث على أن جميع المناصب التي كانت لهارون في بني إسرائيل من جانب موسى (علیه السلام) - باستثناء النبوة - كان لعلي (ع) مثلها، لأن الحديث لا يوجد به أي قيد أو شرط، وبذلك يُفهم منه ما يلي:

1: كان علي (علیه السلام) وزير الرسول (صلی الله علیه و آله) ومعاونه الخاص، وشريكه في قيادة الأمة، إذ أن القرائن أثبتت هذه المناصب لهارون، قال تعالى: [واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري... قال قد أوتيت سؤلك يا موسى](1).

2: كان علي (علیه السلام) الأفضل في الأمة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) بمثلما كان هارون في بني إسرائيل.

ومما يؤكد استحقاق علي (ع) لهذه المنزلة الرفيعة باستخلافه على الأمة بعد الرسول (صلی الله علیه و آله)، أنه كان الأعلم بين جميع الصحابة باعتراف أشهرهم:

ص: 150


1- سورة طه: 29-36.

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: (وأقضانا علي)(1).

ذلك أن الأقضى هو الأعلم بالأحكام والقوانين كما لا يخفى.

ويكفي لإثبات أعلميته أنه باب مدينة علم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وحكمته، كما في صحيح الترمذي بسنده عن علي (علیه السلام)، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «أنا مدينة الحكمة وعلي بابها»(2).

وفي مستدرك الصحيحين بسنده عن ابن عباس ، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب»(3)،

قال الحاكم: بهذا حديث صحيح الإسناد.

ص: 151


1- صحيح البخاري: ج6 ص10 كتاب التفسير.
2- صحيح الترمذي: ج2 ص299.
3- مستدرك الصحيحين: ج3 ص126.

وفي المستدرك على الصحيحين أيضاً، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعلي: «أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي»(1).

ولنفترض أن نبي الإسلام (ص) لم يعين أحداً يخلفه من بعده ولنفترض أن اختيار الخليفة كان على عاتق الأمة، فهل يجوز عند الانتخاب أن نتجاوز الأعلم والأتقى والأكثر تميزاً عن الآخرين من جميع الوجوه كما بيّنا، فقد كان علي بن أبي طالب (ع) الأعلم بين جميع الصحابة وكانوا يرجعون إليه إذا ما واجهتهم معضلة معقدة..

الإمامة شرط

الاعتراف بالأئمة (علیهم السلام) من تمام قبول النبوة

إذ من لوازم اتباع النبوة قبول قوله (صلی الله علیه و آله)، وقد دل قوله على خلفاء له، وهذا شرط من الشروط الواجبة الموجبة لقبول الأعمال وهذا الشرط من أهم الشروط، لان أئمة أهل البيت كما في الحديث الشريف هم عدل القرآن الكريم وأوصافهم أوصاف

ص: 152


1- مستدرك الصحيحين: ج3 ص122.

القرآن كما سبق الحديث عنه، فيكون قبول ولايتهم شرط أساسي في الإسلام وقد دل على ذلك جملة من الأحاديث المعتبرة، وفي حديث السلسلة الذهبية للإمام الرضا (علیه السلام) تأكيد على ذلك، حيث قال (علیه السلام) بسنده عن آبائه الطاهرين (علیهم السلام) إلى النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «سمعت النبي (صلی الله علیه و آله) يقول: سمعت الله عزوجل يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن عذابي، قال الراوي: فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها»(1).

وفي التعليق الوارد عن الشيخ الصدوق (رحمة الله علیه): (من شروطها الإقرار للرضا (علیه السلام) بأنه إمام من قبل الله عزوجل على العباد مفترض الطاعة عليهم).

وهذا الحديث مفيد لكثير من الأحاديث التي جاءت في هذا الباب على أساس أن الإمامة شرط من جملة الشروط بل من أهم

ص: 153


1- عيون أخبار الرضا: ص144 ح4.

الشروط لأن الاعتراف بالإمامة مكمل لكل الشروط الواجبة على المكلفين.

وبعد السير في الكلمات الماضية والبحوث يكون من المسلم عندنا العصمة والإمامة بل تكون من الضروريات التي لا يمكن إنكارها وإنكارها يستلزم إنكار النبوة.

نفحات من حديث الكساء

من أهم ما يستفاد من حديث الكساء تلك الفضائل الأخلاقية والآداب الاجتماعية الإسلامية مضافاً إلى عشرات المسائل الشرعية الفقهية حيث استنبطها

5: الاهتمام بنقل الرواية

ص: 154

تستحب رواية الأحاديث وكما روت (صلوات الله عليها) هذا الحديث لجابر وكما روى جابر لغيره وقررتها الزهراء (علیها السلام) بحكايتها له، وبلحاظ العلة الغائبة لحكايتها له(1)،(2).

ولولا الاهتمام بنقل الأحاديث من قبل الرواة لنا لما وصلنا شرع من المعارف الإلهية وتفاصيل الأحكام فكما أن السلف رووا للخلف وأوصلوا الأمانة فعلينا أن نحفظ هذا القرآن ونوصله لمن خلفنا قال تعالى: [إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها] وكل مكلف أهل لأن تصله الأمانة النبوية والسنة المطهرة.

الزهراء علیها السلام في سطور

روي حديث الكساء عن الزهراء (علیها السلام) ونقله لنا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) وقبل

ص: 155


1- إذ كان الهدف من حكايتها له أن ينقل هذا الحديث الشريف للآخرين.
2- من فقه الزهراء علیها السلام للمرجع السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله): ص54-55.

الخوفي في شرح الحديث نتعرض إلى ذكر فضائل سيدة نساء العالمين رواية الحديث وحجة الله على الأئمة والبشر أجمعين.

فالزهراء (علیها السلام) ولدت في يوم الجمعة 20 من جمادى الثانية السنة 5 بعد البعثة 8 ف، ه- - 614م مكان الولادة مكة أمها خديجة الكبرى لها من الأولاد ثلاثة والبنات اثنان عمرها الشريف ثمانية عشر عاماً تاريخ شهادتها (علیها السلام) الاثنين 13 جمادى الأولى ه- عام 632م ونقل 3 جمادى الثانية أيضاً سبب الشهادة الصدمة التي أصابتها بعد وفاة أبيها (صلی الله علیه و آله)، مرقدها الشريف المدينة المنورة في زمن الخليفة الأول (لع) كتابة خاتمها الشريف: الله ولي عصمتي وفي قول أن وفاتها في 8 ربيع الثاني.

وتزوجت من علي (علیه السلام) في السنة الثانية للهجرة.

ص: 156

الزهراء أم أبيها

في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت أحد أشبه كلاماً وسمناً وهدياً ودلاً برسول الله من فاطمة علیها السلام وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت تصنع هي إذا دخل عليها فإنها تقوم وتقبله وترحب به).

ولم لا والمربي لها وأستاذها هو رسول الله (صلی الله علیه و آله) العلم الذي كان يعطيها في كل يوم خلقاً من أخلاقه وروحاً من روحه وعقلاً من عقله كانت معه في مكة في الليل والنهار يناجيها وتناجيه ومن هنا كان علم فاطمة من علم رسول الله (صلی الله علیه و آله) ولم يتحدث التاريخ عن أستاذ لفاطمة (علیها السلام) غير رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما لم يحدثن التاريخ عن أستاذ لعلي غير رسول الله (صلی الله علیه و آله).

والنبي (صلی الله علیه و آله) الممتلئ عجبة الله كان بشراً يحتاج إلى الحنان والعاطفة والمحبة كما يحتاجها البشر وليس ذلك نقصاً في

ص: 157

ذاته وليس ضعفاً [إنا بشر مثلكم إنما يوحى إليّ] فكان (صلی الله علیه و آله) يجوع كما يجوع ويعطش كما نعطش ونحن نجوع اى الحنان عندها جئنا إليه ونحتاج إلى أن نشبع منه كما في الغذاء والنبي (صلی الله علیه و آله) يريد اللمسة الحلوة والاحتضان الرقيق وتفرغت الزهراء بكل ما في قلبها من حنان وعاطفة وطهر ونقاء احتضنت الأمة واحتضنت حياته واحتضنت كلمته الخالدة أم أبيه وكانت (علیها السلام) تتابعه في كل صغيرة وكبيرة وكانت تخرج معه (صلی الله علیه و آله) في ميض معاركه.

وهو (صلی الله علیه و آله) يقول عنها: «إنما فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني»(1).

ص: 158


1- البيان والتعريف: ج2 ص270 وفضائل الصحابة لابن حنبل: ج2 ص758، وغوامض الأكماء المبهمة: ج1 ص341، وعشرات أخرى من الكتب والمسانيد راجع فاطمة أم أبيها من صحاح المسلمين ومسانيدهم.

المثل الأعلى لكل أسرة

أن النبي (ص) وفاطمة (ص) وعلي (ص) هم المثل الأعلى لكل أسرة، وفي الخبر أن النبي (صلی الله علیه و آله) كان قد دخل ذات يوم على علي (علیه السلام) فوجده هو وفاطمة يطحنان في الجاروش فقال النبي (صلی الله علیه و آله): «أيكما أعيا؟ أي من منكما أحس بالتعب؟» فقال علي (علیه السلام): «فاطمة، يا رسول الله»، فقال لها: «قومي يا بنية» فقامت وجلس النبي (صلی الله علیه و آله) مكانها مع علي (علیه السلام) وراح يدير الجاروش في طحن الحب(1).

ولا شك أنه حديث يقطر ذوقاً ويفيض بالعطف والحنان والإنسانية إذ أننا نجد رحمة الزوج بزوجته وحنانه عليها ولطفه بها من خلال جواب علي (ع) عندما أشار إلى فاطمة (ص) هي التي تعبت، إن هذه اللغة المهذبة من الزوج تجاه زوجته وأنه يقدر

ص: 159


1- بحار الأنوار: ج43 ص20.

أتعابها ويشعر بشعورها ويحس كم هي متعبة في إدارة البيت وكم هي مرهقة في إدارة الأسرة، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن اشتراك علي (علیه السلام) مع الزهراء (علیها السلام) في طحن الطعام يدل على مناقبية الرجل الذي يساعد أهله في البيت ويرفع عنهم بعض الأعمال المنزلية على أن هذا نداء مخلصا لكل النساء والرجال أن يحفظوا أجواء الأسرة طيبة وساخنة تفيض حباً.

إخلاص الزهراء علیها السلام

عاشت الزهراء (علیها السلام) حياتها كأية زوجة مخلصة تخلص لزوجها في كل مسؤوليتها الزوجية، فكانت تطحن وتعجن وتخبز وتربي أولادها، وأن الزهراء قد أعطت لعلي (علیه السلام) روحاً في استقامتها وفي عبادتها ومن زهدها وكانت تملئ البيت كله بالمحبة والورع والتقوى فكان علي (علیه السلام) يتنفس الإسلام في المسجد مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويتنفسه في البيت مع الزهراء (علیها السلام) وكانت الزهراء تتنفس منه حقيقة

ص: 160

الإسلام فإنه وكان أول المؤمنين الذي كان مع الحق وكان الحق معه.

رواية النساء للحديث

كما أن الرجال يروون الحديث كذلك للنساء أيضاً رواية الأحاديث، (علیها السلام)لأن فاطمة الزهراء أسوة فإنها وإن كانت معصومة ولها خصائص مثل حرمة تزوج علي (علیه السلام) عليها ما دامت في قيد الحياة إلا أنها أسوة إلا فيما خرج بالدليل وليس المقام من المستثنى.

ويدل على كونها معصومة (علیها السلام) أسوة أنها معصومة كما ثبت أنها تشارك أهل الكساء الذين ثبتت عصمتهم، والمعصومة لا تفعل إلا ما يطابق الواقع الذي فيه رضى الله سبحانه.

فمثل ما يروى الرجال عن الرجال كذلك يروي الرجال عن النساء، ولا يخفى ذلك على من راجع التاريخ ورأى القوم يروون عن عائشة، وكما روى جابر هذا الحديث عن فاطمة (علیها

ص: 161

السلام) وهكذا رواية النساء عن النساء موجودة وخصوصاً في حديث الفاطميات، ويكون ذلك حسب الموازين المقررة للنقل ويؤخذ من الجميع مع ثبوت الوثاقة أو ظهور علامات صحة الحديث، والإسلام إنما منع ما منع من اختلاط النساء بالرجال الاختلاط المحرم ولم يمنع مثل ذلك وبذلك يظهر ان ما ورد في بعض الروايات «صوت المرأة عورة»(1)

إنما هو مثل ما ورد من «أن المرأة عورة»(2)،

يراد المنع عن الاختلاط والمفاسد ولذا قال تعالى: [فلا تخضعن بالقول](3).

ذكر اسم المرأة

ومما يظهر من فوائد الحديث أنه يجوز للرجل تسمية المرأة في الجملة، فإن جابراً سمّى الزهراء (علیها السلام) بالاسم وكذلك

ص: 162


1- مستدرك الوسائل: ج14 ص280.
2- الكافي: ج5 ص511.
3- سورة الأحزاب: 32.

كان الرسول (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) يسمون النساء من خديجة (علیها السلام) ومن سبقتها من فضليات النساء أو شرارهن، إلى آخر أم من أمهات الأئمة (علیهم السلام) وهي السيدة نرجس (علیها السلام) أمام الأقارب والأجانب، وقبل ذلك سمى الله سبحانه مريم الطاهرة (ص) في القرآن الكريم،

وذكر الحديث بدون الاسم بوجه يظهر أنه سمع الحديث من دون واسطة ويكون هذا كذباً وتدليساً وهو غير جائز في نقل الحديث والرواية، فالذكر في نقل الرواية لازم وإلا يكون الحديث مقطوعاً أو مرسلاً مع معرفة وجود واسطة لم تذكر.

هل يجوز سماع صوت الأجنبية؟

من نقل فاطمة (علیها السلام) الحديث ومن خطبتها في المسجد نعرف أنه يجوز سماع صوت الأجنبية حتى في غير مورد الضرورة في الجملة، وإلا لما كانت فاطمة (علیها السلام) تروي لجابر،

ص: 163

والسيرة أيضاً على ذلك في مكالمة النساء للرجال في غير مورد الضرورة، أما الضرورة فإنها تبيح المحظورات كما ورد [إلا ما اضطررتم](1).

وفي الحديث «ليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه»(2)، وتفصيل الحدث في كتب الفقهاء.

الدخول على النساء

عن أبي عبد الله (صلی الله علیه و آله) قال: «نهى رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن يدخل الرجال على النساء إلا بإذنهن».

وعن علي (علیه السلام) قال: «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) نهى أن يدخل على النساء إلا بإذن الأولياء».

ص: 164


1- سورة الأنعام: 119.
2- وسائل الشيعة: ج3 ص270.

وعن جابر بن عبد الله قال: (خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) يريد فاطمة (علیها السلام) وأنا معه فلما انتهت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة:

عليك السلام يا رسول الله قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله قال: أدخل إنا ومن معي، فقال: يا رسول الله، ليس علي قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت، ثم قال: السلام عليكم، فقالت: وعليك السلام يا رسول الله، قال: ادخل؟ قالت: نعم يا رسول الله قال: أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال: جابر فدخل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ودخلت)(1).

وهكذا نقل دخول سلمان عليها وفي بعض الروايات بلال، وفي رواية دخول الشيخين عليها(2) ودخول بعض الرواة على نساء النبي (ص) لأخذ الحديث عنهن وهذا الأمر واضح لا ينكر نعم

ص: 165


1- الكافي: ج5 ص528.
2- راجع البحار ج43 فصل مرضها.

الدخول المحظور هو الخلوة بالأجنبية أو من دون إذن أو فيما ترتب عليه مفسدة.

السلام من الآداب الاجتماعية روى جابر في رواية لحديث الكساء عن فاطمة (علیها السلام) قالت: «دخل عليّ أبي رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بعض الأيام فقال: السلام عليك يا فاطمة».

فإنه من كمال الأدب الابتداء بالسلام حتى من الكبير على من دونه، ولذا سلّم الرسول وعلي وفاطمة (عليهم السلام)، بل في بعض الروايات استحباب سلام الكبير على الصغير، وقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يسلم على الأطفال(1).

وفيه من التواضع والتعليم ما ليس في عكسه.

وكذا الأمر في سلام الراكب على الراجل، إلى غير ذلك من أحكام السلام الكثيرة.

ص: 166


1- مستدرك الوسائل: ج8 ص364 قال: (إن رسول الله مر على صبيان فسلم عليهم) وفي حديث آخر (كان يسلم على الصغير والكبير).

والمستفاد من الحديث استحباب السلام الكامل لأنهم سلموا عليها (علیها السلام) بالصيغة الكاملة، بالإضافة إلى أنه نوع احترام ثم إن السلام على رسول الله (ص) والمعصومين في حياتهم وبعد وفاتهم يبلغهم كما نقلته الروايات الشريفة(1).

السلام على فاطمة علیها السلام

يستحب السلام على فاطمة (صلی الله علیه و آله) حيث قال (صلی الله علیه و آله): السلام عليك، ومن فضل السلام عليها ما جاء في الرواية الشريفة من قولها (علیها السلام): «من سلّم عليه (على النبي (صلی الله علیه و آله)) وعليّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة» قلت لها: في حياته وحياتك قال: «نعم وبعد موتنا»(2).

ص: 167


1- راجع جامع أحاديث الشيعة: ج15 أبواب زيارة النبي.
2- جامع أحاديث الشيعة: ج15 ص61.

ولا فرق في ذلك فيها وفي سائر المعصومين (علیهم السلام) بين حيهم وميتهم، فلهم مقام الشهادة قال تعالى: [أحياء عند ربهم يرزقون](1).

ويستفاد من ذلك أن

سلام الرجل على المرأة جائز، حيث يستحب سلام الرجل على المرأة إذا كانت من محارمه ولذا سلم الرسول (ص) وعلي (علیه السلام) على فاطمة (علیها السلام).

أما في المحارم فلا إشكال.

وأما في غير المحارم فإذا لم يكن بتلذذ وريبة ولذا ورد أن الرسول (صلی الله علیه و آله) كان يسلم على النساء، وعلي (علیه السلام) كان يسلم على غير الشابة منهن، والسر كي لا يتخذ أسوة لأن مجتمع مكة كان يختلف عن مجتمع الكوفة حيثت جمع فيه أخلاط من الناس وكان من مظان افتتان الناس.

ص: 168


1- سورة آل عمران: 169،

ومنه يعلم وجه سلام الصحابة على نساء النبي (صلی الله علیه و آله) كما في بعض التواريخ وعلى الزهراء (علیها السلام).

والظاهر حرمة سلام المرأة على الرجل الأجنبي إذا كان عن تلذذ أو خوف الافتتان أو ريبة أما بدونها فلا إشكال.

ولذا كن يسلّمن على الرسول (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) كما في بعض التواريخ.

معنى التحية

الأمم والأقوام على اختلافها في الحضارة والتقدم والتأخر لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملاقاة البعض البعض الآخر، على أقسامها وأنواعها من الإشارة بالرأس واليد ورفع القلانس وغير ذلك وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم.

وإذا تأملنا هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم نجدها حاكية //إلى نوع من الخضوع والهوان والتذلل

ص: 169

يبديه الداني للعالي والرفيع للشريف والمطيع لمطاع وهي من ثمرات الوثنية والإسلام أكبر همه إمحاء الوثنية وكل رسم من الرسوم التي ينتهي إليها ولهذا أخذ طريقة سوية وسنة مُقابلة لسنة الوثنية ورسم الاستبعاد وهو إلقاء السلام الذي هو بمعنى ضمان أمن المسلم عليه من التعدي عليه ودحض حريته الفطرية الإنسانية الموهوبة له فإن أول ما يحتاج إليه الاجتماع التعاون بين الأفراد وأن يأمن بعضهم بعضاً.

وهذا هو السلام الذي سن الله تعالى إلقاءه عند كل تلاق من متلاقيين قال تعالى: [فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة](1).

وقال: [يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون](2).

ص: 170


1- سورة النور: 61.
2- سورة النور: 27.

وقد أدب الله تعالى رسوله (صلی الله علیه و آله) بالتسليم للمؤمنين وهو سيد هم: [وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة](1).

وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله: [فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون].

والتحية بإلقاء السلام كانت معمولاً فيها عند عرب الجاهلية بشكل أو بآخر وكانوا يحيون بقول حدهم لصاحبه (أنعم صباحاً) ويقولون (سلام عليكم) علامة المسالمة وأنه لا حرب هناك، ثم جاء الإسلام فقصروا على السلام وأمروا بإفشائه.

التحية قبل الإسلام

ولقد كانت التحية قبل الإسلام متداولة لكن التحية بين أنبياء الله وملائكته تمتاز عن تحية الآخرين فلذا جاء في القرآن الكريم

ص: 171


1- سورة الأنعام: 54.

استعمال لفظ السلام ومن ذلك: [ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى فقالوا سلاماً قال سلام](1)، فكما كان ذلك السلام من قطان السماء لإبراهيم خليل الرحمن (ع) فيكون كذلك للمؤمن یوم القيامة حيث يستقبلونهم بالبشرى [وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فأدخلوها خالدين](2).

ولقد سلم ربنا على مجموعة من الأنبياء في صورة الصافات ابتداءً بنوح ثم إبراهيم [سلام على نوح في العالمين](3) [سلام على إبراهيم](4)

وهي تحية أهل الجنة أيضاً حيث قال تعالى: [تحيتهم فيها سلام] ومن كل ذلك يعرف أن الآداب الإسلامية في التحية هي تحية أهل الجنة والتحية التي علمها الله أنبياءه وملائكته فينبغي الالتزام بها

ص: 172


1- سورة هود: 69.
2- سورة الزمر: 73.
3- سورة الصافات: 79.
4- سورة الصافات: 109.

وعدم تغييرها إلى أدون منها قال تعالى: [أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير](1).

نهي عن السلام على طوائف

وفي الفقيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیه السلام) قال: «لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلي لان المصلي لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة، ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط، ولا على الذي في الحمام ولا على الفاسق المعلن بفسقه»(2).

ص: 173


1- سورة البقرة: 61.
2- الميزان: ج5 ص33.

الأخبار عن الحالة الجسدية والنفسية

قالت فاطمة الزهراء في حديث الكساء: فقلت وعليك السلام قال إني أجد في بدني ضُعفاً

يجوز التشكي والأخبار عن الحالة الجسدية والنفسية، ويرجح إن كان لفائدة كالتعليم أو دفع التوهم أو شبه ذلك، حيث قال (صلی الله علیه و آله): «إني أجد في بدني ضعفاً«

ولا إشكال في جواز الإخبار بذلك وربما يقال بالاستحباب لأنه (صلی الله علیه و آله) أسوة والمنصرف من مثله (صلی الله علیه و آله) أنه يأتي بالراجح.

ويؤيده ما ورد من أن الشكاية إلى المؤمن شكاية إلى الله سبحانه(1) وبذلك يقيد ما ورد من كراهة التشكي(2).

ص: 174


1- راجع الوافي: ج3 ص164 ب171.
2- بحار الأنوار: ج13 ص348 ح35.

ولعل قوله (صلی الله علیه و آله): (في بدني) لدفع توهم أنه في النفس تألماً مما يقوم به المشركون والأعداء، فيكون المراد به ما أراد إبراهيم (علیه السلام) حيث قال: [إني سقيم](1)، أو أنه في قبال الضعف في جزء من الجسد كالعين والأذن وما أشبه، ويمكن أن

يكون قوله (صلی الله علیه و آله): «إني أجد« كان تمهيداً لأمره بإتيانها بالكساء إليه.

وأنه لماذا يريد المنام في النهار وإذا كان كذلك كان دليلاً على رجحان دفع التوهم (ورحم الله من جب الغيبة عن نفسه)، ويؤيده ما روي عنه (صلی الله علیه و آله) أنه كان يتكلم مع زوجة من زوجاته في الطريق فلما مر بهما إنسان قال (صلی الله علیه و آله): «يا فلان هذه زوجتي فلانة» دفعاً للتوهم.

فقال الصحابي: أو منك يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) يريد أنه لا يتوهم عن مثله (صلی الله علیه و آله).

ص: 175


1- سورة الصفات: 89.

فقال (صلی الله علیه و آله): نعم إن إبليس عدو الله، يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق»(1).

ومن المناسب هنا نقل ما جاء في قوله تعالى عن لسان إبراهيم [إني سقيم] الصفات/189.

فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: حسب (أي حينما نظر إلى النجوم) فرأى ما يحل بالحسين (علیه السلام) فقال: إني سقيم لما يحل بالحسين (علیه السلام)، والظاهر من التعبير القرآني أن السقم هو الألم الجسماني، والمرض أعم منه فهو جسماني كما في قول خليل الرحمن: [وإذا مرت فهو يشفين](2) وقد يطلق على مرض القلب الذي هو إشارة إلى الأمراض الروحانية والنفسانية وهي كثيرة في الكتاب الكريم مثل قوله تعالى: [في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً](3).

ص: 176


1- تفسير العياشي: ج1 ص309 ط طهران.
2- سورة الشعراء: 80.
3- سورة البقرة: 10.

الدعاء للمريض

قالت فاطمة الزهراء (علیها السلام) في حديث الكساء: «فقلت له: أعيذك بالله يا أبتاه من الضُعف».

الملف4

يستفاد استحباب الدعاء للمريض حيث قالت: (علیه السلام): «أعيذك بالله يا أبتاه» ولذلك كان دعاؤها واستحبابه قد ورد في جملة من الروايات سواء كان بحضرته أم كان غائباً، وسواء بهذه اللفظة الواردة في هذا الخبر أم بلفظ آخر وسواء كان المرض مؤلماً أم لا.

وهل من ذلك المرض القلبي؟ قال سبحانه: [في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً](1).

الظاهر ذلك ولذا كان (صلی الله علیه و آله) يقول: «اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون»(2)وهذا دعاء للمشركين فإنه يجوز الدعاء

ص: 177


1- سورة البقرة: 10.
2- بحار الأنوار: ج20 ص21.

لهم بالهداية وكف الظلم. نعم، الظاهر عدم جواز الدعاء للظالمين بطول العمر ليستمر ظلمهم بل عدم جواز حب البقاء لهم أيضاً وكذلك كما جاء عن صفوان الجمال قال: دخلت على أبي الحسن

الأول (علیه السلام) فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً.

قلت: جعلت فداك أي شيء؟

قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل (يعني هارون).

قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكة - ولا أتولاه بنفسي ولكني أبعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟

قلت: نعم جعلت فداك.

قال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟

قلت: نعم

ص: 178

قال: من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن، آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك.

قلت: نعم.

قال: ولم؟

قلت: أنا شيخ كبير والغلمان لا يفون بالأعمال.

فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت: ما لي ولموسى بن جعفر.

قال: دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك(1).

ثم لا يخفى أن الأمور كلها بيد الله سبحانه قال تعالى: [وإذا مرضت فهو يشفين](2).

ص: 179


1- وسائل الشيعة: ج17 ص182 ح22305 تحقيق مؤسسة آل البيت.
2- سورة الشعراء: 80.

وإذا كان كذلك فما شأن الدواء؟ وإذا كان بالدواء فما شأن الدعاء؟

والجواب أن الأمور كلها بيد الله سبحانه لكنه جعل الدنيا دار أسباب وأمر بالأخذ بها، فالدواء لما بأيدينا والدعاء لما ليس بأيدينا

بل لكل الأمور أيضاً ولذا قال (صلی الله علیه و آله): «أعقلها وتوكل»(1).

وفي حديث أنه تعالى قال لموسى (عليه السلام): أتريد أن تبطل حكمتي في الأشياء.

الاستعاذة بالله تعالى

تستحب الاستعاذة بالله سبحانه من كل شيء حتى من مثل الضعف فكيف بالمرض وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يعوذ الحسن والحسين بالمعوذتين كما جاء في مجمع البيان للطبرسي،

ص: 180


1- نهج الفصاحة: ص69 ح359 ط طهران.

وروي أن النبي (ص) كان كثيراً ما يعوذ الحسن ولحسين بهاتين السورتين(1).

والظاهر أن الاستعاذة مطلوبة مطلقاً في المرض أو غيره وأن يكون التعوذ بآيات القرآن والأدعية الواردة.

ولذا ورد في الدعاء: «وقو على خدمتك جوارحي واشدد على العزيمة جوانحي» وكذلك في أدعية أخرى وفي القرآن الكريم: [لا قوة إلا بالله](2).

رفع الضعف الجسمي والنفسي

ينبغي ألاَّ يقوم الإنسان بما يسبب ضعف جسده وأنه إذا ضعف استحب له دفعه.

ص: 181


1- مجمع البيان: ج10 ص494 مؤسسة الأعلمي.
2- سورة الكهف: 39.

وكذلك حال ضعف النفس وقوتها، فإن الشجاعة ممدوحة كما ورد في الحديث: «إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية»(1).

وكما أن الجسد يتقوى بالرياضة والمقويات وما أشبه كذلك النفس تتقوى بالرياضة النفسية وهي ترويض النفس على القيام بما تكره كما قال أمير المؤمنين (ع) في كتابه: «إن هي نفسي أروضها بالتقوى»، وكذلك تركيز الفكر في شيء خاص في أقوات متكثرة

فإن النفس حينئذ تكون كمثل المجهر حيث أن مقدار كف منه تحت أشعة الشمس يحرق بينما مقدار فرسخ من أشعة الشمس متشتتة ومتوزعة لا يحرق.

ما المقصود بالدعاء

قال تعالى: [وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين](2)

ص: 182


1- مستدرك الوسائل: ج8 ص297.
2- سورة غافر: 60.

فالدعاء إجابة لنداء الرب واستجابة من قبله تعالى فهو التجاء إلى القوي القدير وعبادة مضافاً إلى أنه تضرع وتصاغر أمام الله جل وعلا: [أدعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين](1) وقال تعالى: [وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب في المحسنين](2)

والدعاء يتضمن الأمل والطمع برحمة الباري والداعي يكون من المحسنين كما يفهم ذلك من الآية، ويلزم أن يكون الدعاء بإخلاص حتى يكون مورداً للإجابة قال جل وعلا: [فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون](3)

وقد أعلن ربنا فتح بابه للجميع والدعوة عامة وأعلن قربه المعنوي من كل من يريد التوجه والتقرب إليه فقال جل من قائل:

ص: 183


1- سورة الأعراف: 15.
2- سورة الأعراف: 96.
3- سورة المؤمنون: 104.

[وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني](1)

وجعل عنايته المركزة للداعي وعدم الاعتناء والتوجه والمبالاة بغيرهم فقال: [قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم](2) وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «الدعاء سلاح المؤمن»(3)

وقال (صلی

الله علیه و آله): «الدعاء مفتاح الرحمة»(4)

وقال (صلی الله علیه و آله): «الدعاء هو العبادة»(5).

والدعاء هو التحدث مع الله بلسان النفس الإنسانية الصادقة وهو تعبير عن حالة نفسية وشعور حي كامن في الإنسان وخروج عن إطار الجسد والهروب من قوقعة الذات إلى رحاب عطاء الله الواسع لأنه طلب رغبة في تحصيل ما عند الله من خير وثواب،

ص: 184


1- سورة البقرة: 186.
2- سورة الفرقان: 77.
3- المحجة البيضاء: ج2 ص84.
4- المحجة البيضاء: ج2 ص28.
5- المحجة البيضاء: ج2 ص28.

فالدعاء ليس حروف جوفاء أو كلمات أدبية تقرأ وإنما هو تناغم شيئين وهما الروح مع الفكر والعاطفة مع القلب لينتجان الخشوع والخضوع لرب السماء ولا يكون الدعاء سبيلاً لنجاة الإنسان إلا إذا كان عن إحساس وجداني وحالات نفسية متفاعلة خارجة من التعلقات القلبية الواعية بالله التي محل انبعاثها الثقة والإخلاص واليقين.

فلسفة الدعاء

في بيان فلسفة الدعاء تقول الآية الكريمة: [أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ](1).

ص: 185


1- سورة الأنعام: 40-42.

في البدء تتعرض الآية إلى أن الإنسان حينما يأتيه عذاب الله أو تأتيه الساعة وحينما تشتد به الحياة فإنه يدعو الله وينسى الشركاء الذين اتخذهم من دون الله ثم يشير القرآن إلى فلسفة الدعاء بأن الله أرسل رسله إلى الأمم السابقة بعدما أنزل العذاب في صورتين ويمكن تلخيصهما بهذا البيان وهما في صورة حروب داخلية وعذاب الإنسان للإنسان وهو البأساء وفي صورة عذاب الطبيعة للإنسان وهو الضراء.

فالهدف هو أن الله يريد من العبد أن يكون دائماً معه ويذهب إليه، فحينما لا يذهب إليه في الحالة العادية ترد عليه المشاكل والعذاب والبأساء والضراء حتى يتوجه إلى الله ويتضرع إليه.

إن من فوائد المشاكل والمصائب في الدنيا هو توجه الإنسان وتضرعه إلى الله.

وفي الواقع إن المشاكل تنتهي بينما الإيمان الذي يزرعه التضرع إلى الله في قلب الإنسان يبقى ويستمر، كما أن العمل الصالح الذي

ص: 186

يخلقه إيمان الفرد هو الآخر يبقى وتستمر آثاره حتى بعد فناء الدنيا ومشاكلها.

الدعاء سلاح المؤمن

الأحاديث الشريفة التي هي تعبير عن روح القرآن وتفسير لمضامينه أكدت هي الأخرى على الدعاء وأهميته وضرورته وعلى أنه سلاح الإنسان ضد سلبيات نفسه وضد صعوبات الحياة بل إنه سلاح الإنسان ووسيلته التي عبرها يستطيع أن يصل إلى

أهدافه السامية، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض»(1).

ص: 187


1- بحار الأنوار: ج90 باب فضل الدعاء والحث عليه.

فالمؤمن يواجه في حياته ثلاثة مخاطر:

الأول: يواجه ضعف نفسه لأن الإنسان خلق من ضعف وركب في ضعف، فحياته محدودة بحدود عديدة وعمره محدود وعلمه محدود وقوته محدودة.

ومثل هذا الإنسان الذي كله ضعف عليه أن يتقوى بالالتجاء إلى القوة المطلقة حتى يمكنه أن يكابد الحياة بقوة الإيمان، وما يوجب القوة له هو الدعاء لشعوره باللطف الإلهي والقوة مثل الطفل الصغير الذي يشعر بالضعف ولكن إذا رأى والديه يقوى، كذلك المؤمن يقوى بالالتجاء الله تعالى وبالدعاء فيكون دور الدعاء فعالاً في تربية النفس.

والطريق الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يتقوى فيه على مصاعب الحياة هو التوكل على الله وطلب الإيمان منه سبحانه وتعالى.

ثانياً: يواجه الإنسان المؤمن أيضاً نواقص الطبيعة من حوله والطبيعة هي الأخرى مخيفة والإنسان بفطرته يخشى الطبيعة فمثلاً

ص: 188

الطفل عادة يخش الظلام، ويخاف الصحراء ويخشى الأصوات الغريبة، والإنسان الكبير كذلك يخشى الكثير من مجالات الطبيعة ولكن استطاع أن يتفوق بعلمه وعقله على بعض المخاوف إلا أن الخوف من الطبيعة لا يزال موجوداً، ومن هنا وردت في الأحاديث المأثورة أدعية لمختلف الأمور ولمقاومة الخوف من المرض ومن كل مصاعب الحياة.

ومضافاً إلى كون الدعاء يوجب التربية الروحية، باللجوء إليه تعالى كذلك في الدعاء معارف، فهو مدرسة للمعارف الربوبية، ويبين ذلك بوضوح في أدعية الأئمة والصحيفة السجادية ودعاء

الإمام الحسين (علیه السلام) في عرفة والأدعية الصباحية والمسائية.

ونقرأ في دعاء الصباح لأمير المؤمنين (علیه السلام): «اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياب تلجلجه، وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه، وشعشع

ص: 189

ضياء الشمس بنور تأججه، يا من دل على ذات بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته»(1).

الدعاء في الواقع يخرج الإنسان من وحدة النفس وتصوره الخاطئ أنه وحده في الوجود إلى الأنس بوجود موجودات أخرى كلها مخلوقة لله عز وجل وذليلة في مقابلة يتعرف عليها بنحو من التعرف من خلال الأدعية الشريفة.

وثالثاً: يواجه المؤمن كذلك الخوف من عذاب الله وبلائه والدعاء هو السلاح المؤمن أمام عذاب الله وبلائه، ففي الحديث: «الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراماً»(2).

الدعاء عمل وعطاء

حينما ترتطم الدموع ببعضها ببعض منهمرة والإنسان غارق في دعاء طويل مع الله ينبغي أن تتحول الدموع إلى مواقف مسؤولة

ص: 190


1- مفاتيح الجنان: ص91 دعاء الصباح.
2- الكافي: ج4 ص216.

وإلى برامج عملية خلاقة فإذا وقف الإنسان بين يدي الله عزوجل مشخصاً جميع نواقصه ونقاط ضعفه يجب ان يضع له برنامجاً إصلاحياً كاملاً، فإصلاح النقص لا يتم عن طريق الدعاء فقط أو عن طريق نتر الدموع فحسب وإنما يتم الإصلاح عن طريق الدعاء والعمل، لأننا لو اعتمدنا في إصلاح أنفسنا وتطهيرها وتنقيتها من الأوساخ على الدعاء فقد أصبح العمل اتكالية ومن هنا فإن الدعاء لم يوضع ليحل محل العمل أو ليجد فيه الإنسان خير وسيلة للهروب من عناء التعب والعمل إلى أماكن الراحة.

الدوافع الموضوعية للدعاء

للدعاء دوافع موضوعية نذكر بعضها:

1- أن الدعاء حاجة غريزية في الإنسان حيث جبل الإنسان على حب الله ودعائه وتلك الحاجة نابعة من فقر الإنسان واحتياجه

ص: 191

الدائم إلى مولاه [يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد](1).

2- دافع الحب: والحب انجذاب النفس إلى المحبوب وهو على نوعين:

أ - الحب الفطري.

ب - الحب المكتسب

فالأول هو حب الإنسان لله وللكمال، فنتيجة للحب والشوق والوله الذي يغمر قلوب أولياء الله فإنهم يندفعون بحماس غريب للدعاء والمناجاة [والذين آمنا أشد حباً](2).

والثاني وهو الذي لا يحصل عليه الإنسان إلا ببذل الجهد والممارسة الدؤوبة والتفكير به في الخلق مما تزيد الإنسان معرفة وحباً وشوقاً لله تعالى ومن ذلك التعمق في آيات الله في الآفاق والأنفس.

عدم ترك الدعاء في كل الأحوال

ص: 192


1- سورة فاطر: 15.
2- سورة البقرة: 165.

إن عدم إجابة الدعاء قد يكون لدواعي وأسباب شتى منها عدم صحة الطلب في وقته أو أن هناك مصلحة ما للعبد في عدم تلبيتها، إلا أن ذلك لا يعني أن يترك الإنسان الدعاء، فالدعاء هو عبادة من العبادات فقد لا يستجيب الله سبحانه لدعاء عبده إلا أنه يشمله بعنايته وعطفه، فعلى الإنسان أن يدعو الله بشفاء مريض له فإذا كان في عدم شفائه رحمة له فقد امتثل الإنسان الأوامر بالدعاء لكن لما كانت المصلحة تقتضي بقاء المرض مثلاً فلذا يعوض عنها أن يشمله الله برحمته ولطفه، فلذا جاء في الأدعية توطين النفس على كما في دعاء الافتتاح «ولعل الذي أبطأ عني هو خير لعلمك بعاقبة الأمور» وقال تعالى: [ويدع الإنسان بالشر دعاؤه بالخير].

كما أن الحاجات التي يطلبها العبد من ربه ليست بالضرورة صالحة، وبمعنى آخر قد لا تكون موضع استجابة من الله سبحانه، فقد يدعو العبد الله عزوجل أن يمنح فلاناً من الناس الشفاء

ص: 193

ويطيل في الدعاء ويبالغ في إعطاء الصدقات إلا أن المريض في النهاية يموت، ومن ذلك يعرف أن الدعاء أحد الوسائل فإذا تمت بقية الأسباب فتكون الإجابة، وليس للعبد أن يقول فإذا لم أعلم بالإجابة فلا داعي للدعاء فإن الدعاء ليس موضوعاً لأجل أن يجاب فقط، بل كما ألمحنا أن الدعاء طريق للإجابة ولكن يكون لتربية النفس ولكسب المعارف ولإشباع الغريزة الفطرية ولتحصيل الثواب وهكذا.

فوائد الدعاء

ومن خلال ما قدمنا تظهر فوائد الدعاء والتي منها:

1: تربية الذات الإنسانية حينما يكرر الداعي عبارات الدعاء وهو مستوعب لمعنى المناجاة والتضرع إلى الله حيث ينفتح الإنسان مع الله ويبدأ بعد ذنوبه وآثامه وخطاياه من خلال الاعتراف، ويتوصل الإنسان إلى مواضع النقوصات في ذاته ثم يبدأ العلاج الطبيعي لها.

ص: 194

2: الدعاء مرآة حقيقية لمعرفة الذات ولاكتشاف الثغرات الفكرية والعملية في سيرة الإنسان، لأن الدعاء الواعي هو الذي يعطي الإنسان رؤية تقييمية لذاته حيث يكون ذلك كاشفاً لأماكن الضعف فيها، ومن خلال تشخيص الثغرات السلبية في النفس والسعي الجاد لسدها يكون الدعاء بداية لتحول جذري في عمل الإنسان.

3: الدعاء وسيلة لانتصار على الأعداء، فإن الدعاء يعني التغير والاستعداد للتضحية بكل ما تملك من نفس ومال وأولاد، فحينما نفهم الدعاء بهذه الطريقة سوف يكون وسيلة انتصار لنا على الأعداء لأنه حينذاك سيحرك فينا دافع العمل والحركة نحو البناء.

من شروط استجابة الدعاء

للدعاء شروط للاستجابة منها:

1: الصبر والاستقامة

2: الإيمان بالغيب.

ص: 195

3: أن يكون الداعي مخلصاً في دعائه.

4: أن يكون الدعاء نابعاً من القلب ومصاحباً لحالة الخشوع في النفس.

5: استثمار حالة التفاعل الروحي مع الله وتحويلها إلى طاقة انتاجية تخدم أهدافه في الحياة، من قبيل الإحساس بالذنب والتكفير عنه.

(من آداب الدعاء)

للدعاء آداب عديدة، منها:

1: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة، مثل: شهر رمضان ويوم الجمعة وأوقات السحر.

2: أن يغتنم الأحوال الشريفة كزحف الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، ووقت عقد القران، وغير ذلك.

3: أن يدعو مستقبل القبلة وأن يكون متطهراً ويرفع يديه بحيث يرى باطن يديه.

4: خفض الصوت بين المخافتة والجهر.

ص: 196

5: ألاَّ يتكلف السجع في الدعاء.

6: التضرع والخشوع والرهبة.

7: أن يجزم بالدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه.

8: أن يلح في الدعاء ويكرره.

9: أن يفتتح الدعاء بذكر الله والصلاة على محمد وآله وتقديمهم بين يديه ويختتم الدعاء بذلك.

10: وهو أدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله بكل قلبه وجوارحه فذلك هو السبب القريب في الإجابة.

(الكساء اليماني)

قال (ص): يا فاطمة ايتيني بالكساء اليماني فغطيني به.

في لسان العرب في معنى كساء:

ص: 197

والكساء معروف، واحد الأكسية اسم موضوع يقال كساء وكساءَ وكساوان والنسبة إليها كسائي وكساوي وأصله كساؤ لأنه من كَسَوْتُ غلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت.

وتكسيت بالكساء، لبسته وقول عمرو ابن الأهتم:

فبات له دون الصبا وهي قرة لحاف ومصقول الكساء رقيق(1).

أما في الرواية فقال السيد الإمام الشيرازي (دام ظله):

(ولعله تخصيصه بالكساء اليماني لأنه أكبر وأضخم ولذا فسره صاحب نصاب الصبيان بت (كَليم) وهو نوع من الفرش والبساط بينما سائر الكساءات لم تكن كذلك أو لم تكن متوفرة أو لعله (صلی الله علیه و آله) أراده ليسع أهل بيته (علیهم السلام) عند مجيئهم لعلمه وعلمهم (علیهم السلام) بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة)(2).

ص: 198


1- لسان العرب: ج15 ص224.
2- فقه الزهراء: ج1 للإمام الشيرازي (دام ظله) ص76.

فقال (صلی الله علیه و آله): «يا فاطمة اتيني بالكساء اليماني فغطيني به).

أمر الغير بإنجاز الحاجة

يجوز أمر الغير بالحاجة خصوصاً إذا كان الأمر على.

ثم إن في بعض الروايات النهي عن طلب الحاجة من الغير لكن الظاهر أن أمثال تلك إنما يراد بها الإفراط كما هي عادة بعض الناس في إلقاء كلهم على الناس، لا القدر الموسط العقلائي.

إن قول النبي لفاطمة هنا هو من باب آخر وهو صاحب الولاية المطلقة قال تعالى: ]ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ويمكن أن يكون استثناء طلب الأب من أولاده منه، وعلى أي حال فهذا في الحاجة التي تتأتى من الإنسان ومن غيره أما في ما لا يتأتى إلا من غيره كالبناء والحدادة والنجارة وما أشبه فلا كراهة فيه.

ص: 199

ثم قالت (علیها السلام): «فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه».

قضاء الحاجة

يستحب قضاء حاجة الغير سواء طلبها من أخيه أم لم يطلب ويتأكد من صورة الطلب لجملة من الروايات الدالة على استحباب قضاء حاجة المؤمن، بل يجوز قضاء حاجة الإنسان ولو لم يكن مسلماً للملاك في سني علي والحسين (علیهم السلام) الما؟؟؟ لمن حاربوهم ولقوله (صلی الله علیه و آله): «لكل كبد حرى أجر»(1)،

إذا فهم منه الملاك بالنسبة إلى كل الحاجات سواء أظهرها أم تبين عنه تطلبه لها.

ثم إن فاطمة (علیها السلام) هي التي غطت رسول الله (صلی الله علیه و آله) مستدرك الوسائل: تكون أسوة في استحباب تغطية الرحم بل وغير الرحم أيضاً لأن الملاك عام حتى في غير الرحم.

ص: 200


1- بحار الأنوار: ج42 ص29.

بل لابد من المبادرة من صاحب البيت من فعل ذلك مع ضيفه ليشعر بكمال اللطف والكرامة والاحترام عند صاحب المنزل كما فعل ذلك الإمام الرضا (علیه السلام) مع ضيفه كما جاء في (قرب الإسناد) عن أحمد بن أبي النصر البزنطي الذي هو من ثقاة أصحاب الإمام (ع) قال: بعث إلي الرضا (علیه السلام) بحمار له فجئت إلى صريا فمكثت عامة الليل معه ثم أتيت بعشاء ثم قال: افرشوا له ثم أتيت بوساده طبرية ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروى فلما أصبت من العشاء فقال لي: ما تريدان تنام؟ قلت: بلى جعلت فداك، فطرح عليّ الملحفة او الكساء، ثم قال:

بيّتك الله في عافية وكنا على سطح فلما نزل من عندي قلت في نفسي: قد نلت من هذا الرجل كرامة ما نالها أحد، فإذا بهاتف يهتف بي: يا أحمد، ولم أعرف الصوت فجاءني مولى له فقال: أجب مولاي فنزلت فإذا هو مقبل إليّ.فقال: كفك، فناولته كفي فعصرها ثم قال: إن أمير المؤمنين صلى الله عليه أتى صعصعة بن

ص: 201

صوحان عائداً له فلما أراد أن يقدم من عنده قال: يا صعصعة بن صوحان لا تفتخر بعبادتي إياك وأنظر لنفسك فكان الأمر قد وصل إليك : الأمل، استودعك الله واقرأ عليك السلام كثيرا.

الحث على القيام بحقوق المؤمنين وقضاء حوائجهم

عن النبي (صلی الله علیه و آله): قال: «إن الله في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه»(1).

وعنه (صلی الله علیه و آله): «من نفس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة»(2).

وقال (ص): (سرور يدخله مؤمن على مؤمن يطرد عنه جوعه أو يكشف عنه كربة).

ص: 202


1- بحار الأنوار: ج74 ص312.
2- بحار الأنوار: ج74 ص312.

وعن الإمام الصادق (علیه السلام): «من مشى في حاجة أخيه المؤمن كتب الله عزوجل له عشر حسنات ورفع له عشر درجات وحط عنه عشر سيئات وأعطاه عشر شفاعات»(1).

وقال (علیه السلام): «احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ودفع المكروه عنهم فإنه ليس من الأعمال عند الله عزوجل بعد الإيمان أفضل من إدخال السرور على المؤمنين»(2).

عن الإمام الكاظم (علیه السلام) قال: «إن لله تعالى حسنة أدخرها لثلاثة، لإمام عادل ومؤمن حكّم أخاه في ماله ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته»(3).

وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة متقبلة بمناسكها، وعتق ألف نسمة لوجه

ص: 203


1- بحار الأنوار: ج74 ص312
2- بحار الأنوار: ج74 ص312.
3- بحار الأنوار: ج74 ص312.

الله تعالى، وحملان ألف فرس في سبيل الله تعالى بسرجها ولجمها»(1).

وقال (علیه السلام): «وإن الله انتجب قوماً من خلقه لقضاء حوائج شيعته لكي يثيبهم على ذلك الجنة»(2).

وقال الإمام الكاظم (علیه السلام): «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا»(3).

وقال (علیه السلام): «إن خوايتم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم وإلا لم يقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا»(4).

القيام بخدمة المؤمنين

إن الحياة أساساً قائمة على الأخذ والعطاء ولا يمكن أن تأخذ من الحياة من دون أن تعطي، كما لا يمكن أن تعطي من دون أن تأخذ

ص: 204


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص196.
2- بحار الأنوار: ج74 ص315.
3- بحار الأنوار: ج74 ص315.
4- بحار الأنوار: ج75 ص371.

عادة، ومعادلة الأخذ والعطاء سارية في كل مرافق الحياة حتى مع الجمادات والنباتات، فمثلاً إذا نظرنا إلى المصباح نرى أنه يأخذ الطاقة في مقابل ما يعطيه من النور ولا يمكن أن تشعل شمعة إلا أن تحرق كمية من الأوكسجين في الجو وتتلف مادة الفتيل القابلة للاشتعال، والشجرة أيضاً لا يمكن أن تأخذه فقط ولا أن تعطي فحسب فإذا تحولت الشجرة إلى مستهلكة لعناصر الأرض والهواء وأشعة الشمس ولم تعط ثماراً فإنها تحولت إلى حطب يحرق تحت القدر، وإذا كانت المعادلة هذه صحيحة فيما يرتبط بالشجرة والمصباح فهي أصح فيما يرتبط بالإنسان وبعلاقته مع إخوانه الآخرين، فمن يعطي يأخذ منك وتبقى مودته معك له بينما الذي يأخذ منك بشكل دائم ولا يعطيك فقد ينقطع حبل المودة معه، تلك هي سنة الله في الحياة.

ص: 205

فالحياة قائمة على الحق ومن حق الإنسان الفرد أن له واجبات وحقوق، فإذا لم يؤدها ما عليه من واجبات سقط ما له من حقوق، والعكس صحيح أيضاً.

وإذا أردنا أن نضع قانوناً لعلاقة المودة بين الناس لقلنا: (إن كل حب رد حب يساويه في العمق ويخالفه في الاتجاه).

فمن أحبك لابد أن تحبه ومن بادلك التحية فلابد أن تردها بأجمل منها أو بمثلها وقد قال الإمام علي (علیه السلام): «فليس بأخٍ من ضيعت حقوقه»(1).

فالصديق القريب إليك هو الذي يستحق منك أن تبادله الحب بالحب والكلمة الطيبة بالكلمة الطيبة، وإلا فليس بأخ من ضيعت حقوقه فمعروفك ليس للبعيد فحسب بينما القريب يكون مصاباً بخيبة أمل فيك دائماً فالمعروف هو للقريب أولاً من الأصدقاء والأقرباء.

ص: 206


1- بحار الأنوار: ج48 ص269 ح10

كما قال تعالى: [الأقربون أولى بالمعروف].

ولأخيك في الله لابد أن تهب له نفسك وتعير له مالك وتتبع رضاه وتتجنب سخطه، فلا تشبع وهو جائع، ولا تروى وهو ظمآن، ولا تلبس وهو عريان، والمؤمن لابد أن يكون مرآة لأخيه المؤمن.

فبعض الأحاديث بينت أن الحقوق سبعون، وبعضها ثلاثون، وبعضها سبعة، وبعضها ثلاثة، ولا تنافي في ذلك لأن أقصى الحقوق سبعون حقاً وأقلها ثلاثة، ولما بيّن السبعة منها بيّن أهمها، وكذلك الثلاثة التي لا ينبغي أن تترك، أو بدونها لا تصدق الأخوة، وهذه الحقوق منها ما يرتبط بالحقوق النفسية أو المعنوية أو المادية إليك هذا التقسيم لبعضها.

عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن»(1).

ص: 207


1- وسائل الشيعة: ج12 ص203 ح1 (مؤسسة آل البيت).

ومن الأحاديث الجامعة للحقوق ما رواه الكراجكي في كنز الفوائد مسندة عن علي (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً لا براءة له منها بالأداء أو العفو:

1- يغفر زلته،

2- ويرحم عبرته،

3- ويستر عورته،

4- ويقيل عثرته،

5- ويقبل معذرته،

6- ويرد غيبته،

7- ويديم نصيحته،

8- ويحفظ خلته،

9- ويرعى ذمته،

10- ويعود مرضته،

ص: 208

11- ويشهد ميتته،

12- ويجيب دعوته،

13- ويقبل هديته،

14- ويكافئ صلته،

15- ويشكر نعمته،

16- ويحسن نصرته،

17- ويحفظ حليلته،

18- ويقضي حاجته،

19- ويشفع مسألته،

20- ويسمت عطسته،

21- ويرشد ضالته،

22- ويرد سلامه،

23- ويطيب كلامه،

24- ويبر أنعامه،

ص: 209

25- ويصدق أقسامه،

26- ويوالي وليه، ويعادى عدوه،

27- وينصره ظالماً أو مظلوماً، فأما نصرته ظالماً فيرد عنه ظلمه وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه،

28- ولا يسلمه،

29- ولا يخذله،

30- ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه» ثم قال الإمام علي (ع): «سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه»(1).

ويمكن أن يقال إن هذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

قسم منها مادي، وهي الحقوق التي تتعلق بمساعدته، كبذل المال له وقضاء حاجته منه، وما يتوقف من الحقوق الأخرى على بذل المال لأجله.

ص: 210


1- وسائل الشيعة: ج12 ص212 ح24 (مؤسسة آل البيت).

وقسم منها معنوية، وهي التي ترتبط بتوطين النفس لاحترامه وإجلاله والنية للقيام بحقه.

وقسم منها عملي يحتاج إلى قول وفعل، مثل الدفاع عنه والذهاب لعيادته ونصرته وهكذا.

طاعة الأب

قالت (علیها السلام): «فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه».

يستحب طاعة الأب في الأمور العرفية والعادية، وقد يجب فيما إذا توقف رضاه عليه كان وعدم الطاعة يسبب أذاه مع كونه مباحاً أو راجحاً، كما فعلت الزهراء (علیها السلام).

والظاهر أن طاعة غير الأب من الأقرباء كذلك أيضاً مع اختلاف المرتبة، بل يستحب للإنسان إطاعة سائر المؤمنين في حوائجهم فإن قضاء حاجة المؤمن يشمل حتى مثل ذلك.

ص: 211

وقد تواتر الأحاديث الشريفة باحترام وتقدير الوالدين، منها ما جاء عن الكافي عن محمد بن مردان قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «إن رجلاً أتى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال: يا رسول الله أوصني، قال: لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان»(1).

وفي الكافي عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: «سأل رجل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما حق الوالد على ولده؟ قال(صلی الله علیه و آله): لا يسميه باسمه ولا يمشي بين يديه ولا يجلس قبله ولا يستسب له»(2).

ص: 212


1- بحار الأنوار: ج8 ص583.
2- بحار الأنوار: ج8 ص585.

وفي الحديث النبوي الشريف أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال لولد أتى بوالده عند النبي (صلی الله علیه و آله) يشكوه فقال له (صلی الله علیه و آله): «أنت ومالك لأبيك»(1).

النظر إلى الوالدين

يستحب النظر إلى وجه الأب بل وإدامة النظر إليه والإكثار منه لما ورد من الروايات الدالة على استحباب النظر إلى وجه الأبوين خصوصاً إذا كان الأب كالرسول الأعضم (صلی الله علیه و آله) أو كان عالماً فقد ورد أن النظر إلى باب دار العالم عبادة ولا بعد، إذ النظر بلطف نحو ذي الكمال وما يتعلق به يقرب الإنسان إلى الكمال إذا انه يستلزم التحنن والعطف نحو المنظور إليه وما يتعلق به.

ومما جاء من الروايات في ذلك عن أبي ذر قال في حديث له: فقد سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: «النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة والنظر في

ص: 213


1- بحار الأنوار: ج 8 ص590.

الصحيفة (يعني صحيفة القرآن) عبادة والنظر إلى الكعبة عبادة»(1).

فكما أن النظر إلى الوالدين رأفة بهما رحمة يكون العكس من ذلك عقوق لهما كما ورد في الحديث الشريف.

عن الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «من الحقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما»(2).

بل يكون النظر إليهما رحمة من العبادات العظيمة كما عن روضة الواعظين قال: قال النبي (صلی الله علیه و آله): «ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كان له بكل نظرة حجة مبرورة»

قالوا: يا رسول الله وان نظر كل يوم مائة مرة؟ قال: «نعم الله أكبر وأطيب»(3).

ص: 214


1- بحار الأنوار: ج38 ص196 (مؤسسة الوفاء).
2- سفينة البحار: ج8 ص587.
3- سفينة البحار: ج8 ص589.

فإذا كان النظر له هذه المنزلة عند الله فكيف بالاحترام الأكثر وطيب الكلام والخدمة وأداء بعض الحقوق لهما وتجنب عقوقهما.

رضى الله من رضى الوالدين

قال (صلی الله علیه و آله): «رضى الله مع رضى الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين»(1).

وقال (صلی الله علیه و آله): «بين الأنبياء والبار درجة وبين العاق والفراعنة دركة»(2).

الإحسان للوالدين كفارة الذنوب

إن الإحسان للوالدين كفارة لكثير من الذنوب كما روى أن رجلاً جاء إلى النبي (صلی الله علیه و آله) قال: يا رسول الله ما من عمل قبيح إلا قد عملته فهل لي من توبة.

ص: 215


1- بحار الأنوار: ج71 ص80.
2- مستدرك الوسائل: ج15 ص176.

فقال له رسول الله (صلی الله علیه و آله): «فهل من والديك أحد حي؟» قال: أبي، قال: «فاذهب فبره» قال: (فلما ولى قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لو كانت أمه).

وقال (صلی الله علیه و آله): «ما من ولد بار نظر إلى أبويه برحمة إلا كان له بكل نظرة حجة بدورة» فقالوا: يا رسول الله وإن نظر في كل يوم مائة نظرة، قال (صلی الله علیه و آله): «نعم الله أكبر وأطيب»(1).

دعاء الوالدين مستجاب

الإحسان للوالدين يكون سبباً لدعائهما لأولادهما كما أن الإساءة لهما تسبب لعنتهما ومن الأدعية المستجابة بل سريعة الاستجابة دعاء الوالدين ولعنتهما أولادهما، كما ورد في ذلك أخبار كثيرة.

الأم أجدر بالإحسان

ص: 216


1- بحار الأنوار: ج71 ص73.

يستحب في الإحسان رعاية جانب الأم أكثر فقد أوصى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثلاث مرات بالأم وفي المرة الرابعة أوصى ببر الأب وقد سُئل (صلی الله علیه و آله) أي الوالدين أعظم قال (صلی الله علیه و آله): «التي حملته بين الجنبين وأرضعته بين الثديين وحضته على الفخذين وفدته بالوالدين».

لزوم تحصيل إذن الوالدين

في الشرع الإسلامي المقدس أمر الولد في بعض الأمور بتحصيل إذن الأب أو الأم لأداء بعض الواجبات الكفائية كالجهاد وبعض المستحبات كالصوم المستحب ذكر الشهيد الأول (رحمة الله علیه) في كتاب القواعد أورد فذك خلاصتها.

إلا ريب أن كل ما يحرم أو بج للأجانب يحرم ويجب للأبوين وينفردان أمور:

ص: 217

1: تحريم السفر المباح بغير إذنهما وكذا السفر المندوب وقيل بجواز سفر التجارة وطلب العلم إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في بلدهما.

2: قال بعضهم يجب عليه طاعتهما في كل فعل وإن كانت شبهة فلو الراه بلا كل معهما من مال يعتقد شبهة كل لأن طاعتهما واجبة لا ترك الشبهة مستحب.

3: لو دعواه إلى فعل وقد حضرت الصلاة فليؤخر الصلاة وليطعهما.

4: هل لهما منعه من الصلاة جماعة؟ الأقرب أنه ليس لهما منعه مطلقاً بل في بعض الأحيان بما يشق مخالفته كالسعي في ظلمة الليل إلى صلاة العشاء والصبح.

العلاقة مع الأبوين والأولاد

إن العلاقة مع الأهل ليست مجرد علاقة ميكانيكية بحتة فهذا أب وهذا أخ وهذه أم... ولكن بالإضافة إلى ذلك لابد أن تكون

ص: 218

صديقاً مع أفراد، العائلة فالأب يكون صديقاً مع أولاده والولد صديقاً لأمه وأبيه وأن لا يكون الناس أقرب إليك من عائلتك.

فالعلاقات مع العائلة لابد أن تكون علاقات إنسانية ترفل في الحب والمودة والالتزام بكل متطلبات الصداقة ، ومن هنا جاء الحديث الشريف: «القرابة إلى المودة أحوج من المودة إلى القرابة»(1).

الأب الروحي أجدر بالاحترام

إن الأب الروحي الأول هو سبب أصل خلق الإنسان ووصوله إلى السعادة الحقيقية وتأمين الحياة الباقية له، وهو رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) الذين من كان متصلاً بهم وتابعاً له ومرتبطاً بروحانيتهم كان محفوظاً من

ص: 219


1- بحار الأنوار: ج71 ص164.

جميع الآفات وينال جميع الخيرات الباقية، كما قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «أنا وعلي أبوا هذه الأمة»(1).

إن مزية وشرف وأهمية الأب الروحي على الأب الجسمي كمزية وشرف الروح بالنسبة للبدن، وكما يعطى الثواب على البر بالوالدين الجسميين يعطى أضعافه بآلاف المرات للبر بالأبوين الروحين.

النظر إلى آل محمد علیهم السلام

وكما النظر إلى الوالدين يكون عبادة، فكذلك يكون عبادة إذا كان النظر إلى الأبوين على الأمة، وهو النبي والوصي كما جاء في الأحاديث الشريفة.

ص: 220


1- علل الشرائع: ص127.

فقد جاء في الحديث المعروف النظر إلى العالم عبادة(1)، ونحن نعرف أن الأنبياء والأئمة (علیهم السلام) هم علماء هذه الأمة وهم حجج الله على الأرض.

فالنظر إلى النبي (صلی الله علیه و آله) عبادة، والنظر إلى أهل بيته (علیهم السلام) عبادة، والنظر إلى القرآن عبادة، والنظر إلى الكعبة عبادة، والنظر والتفكر في مخلوقات الله عظم عبادة، ويمكن أن نستفيد من هذه الأحاديث أن النظر إلى كل شيء يذكر بالله فهو عبادة، فحينئذ النظر إلى العالم عبادة لا من باب أنه روحاني بل لأنه يذكّر بالله تعالى، وحينئذ بطريق الأولوية يكون النظر للأئمة المعصومين (عليهم السلام) عبادة، وفي كتاب المحاسن عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال: «النظر إلى آل محمد عبادة»(2)،وأي عبادة أفضل من النظر إلى الأئمة (علیهم السلام) فإنه من أعظم

ص: 221


1- بحار الأنوار: ج48 ص196ح2 مؤسسة الأعلمي.
2- المحاسن: ص135.

العبادات وأجملها، وقد قال (صلی الله علیه و آله): «النظر إلى وجه علي بن أبي طالب (علیه السلام) عبادة»(1).

لأن النظر إلى وجه علي (ع) فيه ارتباط مع وجود علي (علیه السلام) من خلال النظرة العارفة له حق المعرفة، وليس مطلق النظر إليه، وهذه المسألة ليست مختصة بأحد من الأئمة فقط (علیهم السلام) بل يجري في جميع الأئمة (علیهم السلام) أيضاً والنظر إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) يكون عبادة لكن يختلف مقدار الثواب بالنسبة إلى النظر إلى غيره، فالنظر يكون ثوابه بمقدار المحبة وبمقدار الشخص المنظور إليه، كما في الحديث الشريف الذي رواه الصدوق في أماليه قال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) جاءه رجل فقال: يا رسول الله أما رأيت فلاناً ركب البحر ببضاعة يسيره وخرج إلى الصين فأسرع الكرة وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده وأوسع قراباته وجيرانه؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «إن مال الدنيا كلما ازدد كثرة

ص: 222


1- المناقب: 199.

وعظما ازداد صاحبه بلاءً، فلا تغبطوا أصحاب الأموال الا بمن جاء بماله في سبيل الله، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة وأسرع منه كرة وأعظم منه غنيمة، وما أعد له من الميزات محفوظة له في خزائن عرش الرحمان؟» قالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسّم على جميع أهل السماوات والأرض لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له» قالوا: بماذا يا رسول الله؟ قال: «سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم»، فأقبلوا عليه أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقالوا له هنيئاً لك ما يبشرك به رسول الله (صلی الله علیه و آله) فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئاً غير أني خرجت من بيتي وأردت حاجة كنت قد أبطأت عنها فخشيت أن تكون فاتتني فقلت في نفسي لاعتاض به منها النظر إلى وجه علي بن أبي

ص: 223

طالب (علیه السلام) فقد سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: النظر إلى وجه علي عبادة، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «أي والله عبادة وأي عبادة، إنك يا عبد الله ذهبت تبتغي أن تكتسب ديناراً لقوت عيالك ففاتك ذلك فاعتضت منه بالنظر إلى وجه علي ودانت محب له ولفضله معتقد وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله ولتشفعنّ بعدد كل نفس تنفسته في مسيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك»(1).

ذكر الكرامات

ثم قالت (علیها السلام): «وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله».

يستحب ذكر ما يشاهده الإنسان من كرامات المؤمنين بالله، كما ذكرت (علیها السلام) ذلك بقولها: «وإذا وجهه يتلألأ»،

ص: 224


1- بحار الأنوار: ج38 ص197ح5 مؤسسة الوفاء.

وهل كان وجهه (صلی الله علیه و آله) يتلألأ بنور مادي خارق للعادة إعجازاً أم أن هذا الكلام منها (علیها السلام) على وجه التشبيه؟.

الظاهر الأول، ودلت عليه الآيات والروايات كما في قوله تعالى: [وسراجاً منيراً](1).

وعن هند بن أبي هالة قال: كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) فخماً مفخماً يتألأ وجهه تلؤلؤ القمر ليلة البدر(2).

وفي الاحتجاج عن موسى بن جعفر (ع) عن آبائه (ع) عن علي (علیه السلام) في حديث سأله اليهودي:

وقال: حول النبي (صلی الله علیه و آله) أن نوراً كان يضيء عن يمينه حيثما جلس وعن يساره حيثما جلس كان يراه الناس(3).

ص: 225


1- سورة الأحزاب: 46.
2- سنن النبي للسيد الطباطبائي: ص102.
3- سنن النبي للسيد الطباطبائي: ص406.

وعن الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «ان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا رُئي في الليلة الظلماء رُئي له نور كانه شقة قمر»(1).

وهكذا يستحب ذكر مطلق كرامات ومعاجز المعصومين (علیهم السلام) لما فيه من الفائدة العظيمة والتي من أهمها جمع الناس حولهم فإن القائد إذا ألتف الناس حوله تكون كلمته أكثر نفوذاً وقيادته أكثر استحكاماً وبذلك يسعد الناس في دنياهم وآخرتهم، بالإضافة إلى أن ذكر الكرامات والمعاجز يوجب قلع الناس عن المادية البحتة، فإن الماديين يتصورون أن المادة هي كل شيء، والمعاجز والكرامات لما كانت خلاف المعادلات المادية فإنها تدل على الماورائيات، وعالم الغيب أيضاً شيء له تأثيره الخارجي الكبير ولذلك لا يرتطم الإنسان في أوحال المادة التي تؤدي بدنياه وآخرته.

ص: 226


1- سنن النبي للسيد الطباطبائي: ص102 ورواه آخرون كالمكارم والمناقب ومجمع البيان.

نور آل بيت محمد صلی الله علیه و آله

عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «نحن آخذون بحجزة نبينا ونبينا آخذ بحجزة ربنا والحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا، ومفارقنا والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا وتابع أوليائنا مؤمن، ولا يحبنا كافر، ولا يبغضنا مؤمن، ومن مات وهو يحبنا كان حقاً على الله أن يبعثه معنا.

نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا، ومن لم يكن منا فليس من الإسلام في شيء، بنا فتح الله الدين وبنا يختمه، وبنا أطعمكم عشب الأرض، وبنا أنزل الله قطر السماء، وبنا منكم الله من الغرة في بحركم ومن الخسف في بركم، وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان.

مثلنا في كتاب الله [كمثل المشكاة] والمشكاة في القنديل، فنحن المشكاة فيها المصباح محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله):

ص: 227

[المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية] لا دعية ولا منكرة [يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار] القرآن [نور على نور] إمام بعد إمام [يهدي الله بنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم].

فالنور علي (علیه السلام) يهدي الله لولايتنا من أحب، وحق على الله أن يبعث ولينا مشرقاً وجهه، نيراً برهانه، ظاهرة عند الله حجته، حق على الله أن يجعل ولينا مع المتقين، النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن حسن أولئك رفيقاً، فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات، ولشهيد شعيتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات»(1).

في جوامع مناقبهم وفضائلهم (علیهم السلام)

عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «نحن شجرة العلم ونحن أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) وفي دارنا مهبط جبرئيل،

ص: 228


1- بحار الأنوار: ج26 ص243.

ونحن خزان علم الله ونحن معادن وحي الله، من تبعنا نجا ومن تخلف عنا هلك حقاً على الله عزوجل»(1).

وعن الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) قال: «ما تنقم الناس منا، ونحن والله شجرة النبوة وبيت الرحمة وموضع الرسالة معدن العلم ومختلف الملائكة».

وعن الإمام أبي جعفر (علیه السلام) قال: «نحن حجة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله فخلقه ونحن ولاة أمر الله في عباده».

وعن الإمام أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله، وعلينا نزل كتاب الله وبنا عبد الله، ولولانا ما عرف الله ونحن ورثة نبي الله وعترته».

ص: 229


1- أمالي الصدوق: ص184.

وعن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: يا بن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما منزلتكم من ربكم؟ فقال (ع):«حجة علي خلقه وبابه الذي يؤتي منه وأمناؤه على سره وتراحجة وحبه».

وقال (علیه السلام): «إنا أهل البيت عندنا معاقل العلم وآثار النبوة وعلم الكتاب وفصل ما بين الناس».

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر الحسن والحسين والمهدي».

وعن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: «أعطينا أهل البيت سبعة لم يعطهن أحد كان قبلنا ولا يعطاهن أحد بعدنا: الصباحة،

ص: 230

والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والعلم، والحلم، والمحبة في النساء».

وقال الإمام علي (علیه السلام): «نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكمة، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»(1).

حب آل محمد نور

المستفاد من الآيات والروايات تجسم الأعمال الظاهرية والباطنية إلى صور حقيقية وتكون الولاية نوراً ومحب العترة الطاهرة يجعل الله له نوراً، فإن بيت الرسالة من نور الله وقد خلقهم الله أنواراً على عرشه وجعلهم نوراً للأنبياء والأولياء والصالحين، فلذلك وردت في روايات المسلمين أن أول ما خلق الله نور محمد (صلی الله علیه و آله) وأما عند الخاصة فأول ما خلق الله نور محمد

ص: 231


1- بحار الأنوار: ج26 ص240.

(صلی الله علیه و آله)ونور علي (علیه السلام) ونور فاطمة (علیها السلام) ونور الحسن والحسين وقد دل على ذلك حديث الكساء نفسه، وحينما يكون هذا النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) من نور فإن اتباعهم ومحبيهم وأنصارهم قد اكتسبوا من نور الإله الذي أنزله على هذا العبد العارف بهم وبحقهم وحينما يكون موالياً عارفاً فيصبح له فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وهذا كله من بركات الولاية، فعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «إن الله جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره فهو المتقبل من محسنهم المتجاوز عن مسيئهم، من لم يلق الله ما هو عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة»(1).

ويمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى: [ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور](2).

ص: 232


1- بصائر الدرجات: النوادر من أبواب الولاية، الحديث الرابع.
2- سورة النور: 40.

حيث فسرت على لسان الأئمة الطاهرين (ع) الإمام المعصوم(1).

فإذا كان الإمام (ع) نوراً فحبه نور وكلامه نور، فلا يخلو شيء منه من النور.

ومن مناقبهم عليهم السلام

ليس من العجيب أن تطوى الأرض وتكون مسخرة للأئمة (علیهم السلام)، بمعنى أنها مسخرة بقدرتهم فقد جاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الأوصياء لتطوى لهم ويعلمون ما عند أصحابهم»(2)

، والأئمة هم من أفضل أوصياء الله تعالى، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «يا جابر هل لك من حمار يسير بك من المطلع إلى المغرب في يوم واحد» قال: قلت: يا أبا جعفر جعلني الله فداك وأنى لي هذا. قال: فقال أبو جعفر (علیه السلام): «ذلك كان أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم

ص: 233


1- البرهان: ج5 ص400، مؤسسة الأعلمي.
2- بصائر الدرجات: ص403.

قال: ألم تسمع قول رسول الله (صلی الله علیه و آله) في علي (علیه السلام) لتبلغن الأسباب والله لتركبن السحاب فإن هذه القدرة وهي أن تطوى الأرض لهم (علیهم السلام) قد حصلت بين الأئمة (علیهم السلام) على أن الله تعالى أعطاهم هذه القدرة أن يسيروا إلى ما شاؤوا»(1).

من معجزات النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام)

إن للنبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) معجزات كثيرة، وليس الأنبياء الذين سبقوه كإبراهيم وموسى وعيسى غيرهم من الأنبياء أكرم على الله سبحانه وتعالى منه، فالتاريخ يحدثنا أن لهذا النبي (صلی الله علیه و آله) الكثير الكثير من المعجزات، فكان (صلی الله علیه و آله) يؤمن به الكثير من الناس تأثراً بخلقه الكريم (صلی الله علیه و آله) لذا وصفه الله تعالى: [إنك لعلى خلق

ص: 234


1- بصائر الدرجات: ص403.

عظيم] وحتى أنه كان الرجل مجرد أن يرى هذا النبي (صلی الله علیه و آله) تراه أعتنق الإسلام بمجرد النظر إليه (ص) وكان البعض الآخر من الناس لا يؤمن إلا بالنظر إلى آية ومعجزة فعن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إن من الناس من يؤمن بالكلام ومنهم من لا يؤمن إلا بالنظر، إن رجلاً أتى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال له: أرني آية. فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله)

لشجرتين: اجتمعا، فاجتمعتا ثم قال: تفرقا، فافترقتا، وجعل كل واحدة منها إلى مكانها، قال: فأمن الرجل»(1).

وهكذا أمير المؤمنين (علیه السلام) فعن الحرث قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (علیه السلام) حتى انتهى إلى العاقول (وهو معطف الوادي والنهر المعوج منهما) فإذا هو بأصل الشجرة قد وقع لحاؤها وبقى عمودها فضربها بيده ثم قال: «ارجعي بإذن الله خضراء مثمرة»، فإذا هي تهتز بأغصانها حملها الكمثرى فقطعنا

ص: 235


1- بصائر الدرجات: ص273.

وأكلنا وحملنا معنا فلما كان من الغد غدونا فإذا نحن بها خضراء فيها الكمثرى(1).

وعن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «نزل أبو جعفر (علیه السلام) بواد فضرب خباه ثم خرج أبو جعفر (علیه السلام) بشيء حتى انتهى إلى النخلة فحمد الله وأثنى عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: أيتها النخلة أطعمينا مما جعل الله فيك، قال:

فتساقط رطب أحمر وأصفر، فأكل ومعه أبو أمية الأنصاري فأكل منه، وقال: هذه الآية فينا كالآية في مريم (ص) إذ هزت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطباً جنياً»(2).

ثم إن هذه القدرة التي كانت عند النبي (صلی الله علیه و آله) فإنها كانت عند الأئمة (علیهم السلام) وليست من مختصات بعض الأئمة المعصومين دون بعض.

ص: 236


1- بصائر الدرجات: ص274.
2- بصائر الدرجات: ص273.

علم الأئمة علیهم السلام

عندما يأخذ الإمام (علیه السلام) هذه الفضيلة من الله تعالى وهي الولاية على البشر لابد أن يكون الإمام على إطلاع على أحوالهم وأخبارهم فالإمام (علیه السلام) له القدرة على أن ينظر إلى العالم وإذا أرادنا تقريب الأمر فيمكن بيان ذلك بالعلم الحديث كالأقمار الصناعية للنقل المباشر، فالإمام (علیه السلام) له القوة والقدرة على العلم بكل هذه الأمور مباشرة وهذا ما دلت عليه الأخبار، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الإمام يسمع الصوت في بطن أمه فإذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته) فإذا وضعته سطع له نور ما بين السماء والأرض فإذا درج رفع له عمود من نور يرى به ما بين المشرق والمغرب»(1).

ص: 237


1- بصائر الدرجات: ص454.

فيستفاد من هذا الخبر أنه إذا بلغ الإمام (علیه السلام) أربعة أشهر يظهر على عضده الأيمن ختم الإمامة، وكذا يفهم منه أن الإمام (علیه السلام) يرى ما بين المشرق والمغرب وذلك من خلال تأثير هذا العمود الذي هو من نور الذي خلقه الله تعالى لكي ينظر الإمام إلى هذا العالم.

وفي بعض الأخبار أن الإمام (علیه السلام) يرفع له في كل بلد منار وينظر فيه إلى، أعمال العباد والظاهر والله العالم بحقائق الأمور أن هذه الأعمدة المتعددة ترجع إلى العمود الأساسي الكبير

الذي يكون مع الإمام (علیه السلام) وقت إمامته فيرفع له في كل بلد من الأرض مناراً ينظر به إلى أعمال العباد.

تحديد الأحداث

ثم قالت فاطمة الزهراء (علیها السلام): «فما كانت إلا ساعة».

من المستحسن ضبط الأمور حسب أوقاتها، ومن مصاديقه بيان كون الحادث ليلاً أو نهاراً، حيث قالت (علیها السلام): «فما كانت

ص: 238

إلا ساعة» إذ أن الإخبار عن الوقت الماضي أو الآتي ومقدارها داخل في «نظم أمركم»(1).

كما قال الإمام علي (علیه السلام) فإن النظم يشمل الزمان والمكان وسائر المزايا والخصوصيات كالكم والكيف وغيرهما من المقولات.

ويؤيده قوله سبحانه: [لتعلموا عدد السنين والحساب](2).

وقوله سبحانه: [مواقيت للناس](3).

والظاهر من أن المراد بالساعة القطعة من الزمان لا الساعات المستوية أو المعوجة الفلكية وإن أطلق عليها جميعاً للانصراف.

وليس تواليهم في المجيء بعيداً مع قطع النظر عن الجانب الغيبي ومعرفتهم مسبقاً بالأمر، فإن بيت الزهراء (علیها السلام) كان له بابان: باب إلى المسجد ولم يغلقه الرسول (صلی الله علیه و آله)

ص: 239


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص441 عن نهج البلاغة.
2- سورة الإسراء: 12.
3- سورة البقرة: 189.

حيث سد الأبواب بأمر الله سبحانه إلا بابها(1)، وباب إلى الشارع، وكان هؤلاء الأطهار (علیهم السلام) غالباً في المسجد أو حواليه، ويدل على وجود البابين أنهم أحرقوا باب دارها (علیها السلام) الذي كان إلى الخارج لا الذي كان إلى المسجد، وسحبوا علياً (علیه السلام) من ذلك الباب إلى المسجد لا من الباب الذي كان في المسجد.

وقد كانت (علیها السلام) تبكي فتسمع من في المسجد مما رأوا أن بكاءها يفضحهم على تفصيل مذكور في كتب التواريخ(2)

والحديث ولا يخفى أن عادة ضبط الوقت مما يزيد في إقبال الناس على العمل الجاد لأن الضابط يلتفت أكثر فأكثر إلى تقضي عمره تدريجاً وإن ما انقضى لا يعود وهذا يشجع أكثر على العمل الصالح.

ص: 240


1- تفسير الإمام الحسن العسكري: ص17.
2- بحار الأنوار: ج43 ص146.

مدح المؤمن وتوقيره

يستحب مدح الطرف الآخر بالحق وتوقيره سواء في السلام أو في أثناء الكلام أو في سائر الموارد ، ولذا قالت (علیها السلام): «يا قرة عيني وثمرة فؤادي».

ووجه هذه الكلمة أن الإنسان الذي فقد شيئاً أو خاف محذوراً تأخذ عينه في النظر هنا وهناك بدون استقرار فإذا وجدوه أو أمن استقرت عينه، وفاقد الولد شاردة عينه فإذا جاء الولد استقرت، فقرة عيني من القرار والاستقرار.

كما أن في بعض تعابيرهم (علیهم السلام): ثمرة فؤادي، وكان ذلك بمناسبة أن الشجرة كما تتزين بالثمرة كذلك يتزين الإنسان بالولد ويمكن أن تكون المناسبة غير ذلك.

ومن المعلوم أن المدح يوجب قوة التجمع وتماسكه في الاجتماع الصغير من قبيل العائلة، أو الوسط كالقبيلة والتجمعات المهنية أو

ص: 241

الثقافية أو الاقتصادية أو ما أشبه، أو الكبير كأهل البلد، أو الأكبر كالأمة.

لكن المدح يجب أن يكون بمقدار يطابق الواقع وأن لا يكون فيه محذور وإلا فقد قال (صلی الله علیه و آله): «احثوا في وجوه المداحين التراب»، وذلك فيما كان تملقاً أو كان من مصاديق مدح الظالم.

كما ويستحب إظهار الأم المحبة لأولادها كما في قولها (علیها السلام) في حديث الكساء: «يا قرة عيني وثمرة فؤادي».

وهذا ليس خاصاً بالأم بل كذلك حال الأب، والأولاد بالنسبة إلى الأبوين.

أمّا الفرق بين المودة والمحبة أن المودة هي الظاهرة والمحبة هي القلبية.

ص: 242

الإمام الحسن علیه السلام

الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) هو السبط الأول لرسول الله (صلی الله علیه و آله) والإمام الثاني من أئمة أهل البيت (علیهم السلام) ورابع أصحاب الكساء وأحد ريحانتي النبي (صلی الله علیه و آله) وسيدي شباب أهل الجنة.

ولد بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به أمه الزهراء (علیها السلام) إلى أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) فسماه حسناً، وهو أول من سمي

بهذا الاسم، وكنيته أبو محمد، وكان (علیه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلی الله علیه و آله)، وتوفي في سنة 50 ه- أثر سم دُس له من قبل معاوية على يد زوجته جعدة بنت الأشعث.

ما ورد في حقه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)

وردت روايات كثيرة في فضل الإمام الحسن (ع) عن طريق الفريقين نشير إلى بعضها:

ص: 243

عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرتين ويقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين»(1).

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «اللهم إني أحبه فأحبه»(2).

وعن أبي بكرة قال: كان النبي (صلی الله علیه و آله) يصلي بنا فيجيء الحسن (علیه السلام) وهو ساجد وهو صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعاً رفيقاً فلما صلى قالوا: يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد؟ فقال (صلی الله علیه و آله): «إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيد وعسى أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين»(3).

ص: 244


1- كشف الغمة: ج2 ص145.
2- كشف الغمة: ج2 ص145.
3- كشف الغمة: ج2 ص145.

وقال (صلی الله علیه و آله): «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(1).

وقال (صلی الله علیه و آله): «هما ريحانتاي من الدنيا»(2)

وعن أنس قال: (لم يكن أحد أشبه برسول الله (ص) من الحسن بن علي)(3).

وعن علي (عليه السلام) قال: «كان الحسن بن علي أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه فيما كان أسفل من ذلك»(4).

وروي أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبصر الحسن بن علي (علیه السلام) مقبلاً فقال: «اللهم سلمه وسلم منه»(5).

ص: 245


1- كشف الغمة: ج2 ص145.
2- كشف الغمة: ج2 ص145.
3- كشف الغمة: ج2 ص154
4- كشف الغمة: ج2 ص145.
5- كشف الغمة: ج2 ص145.

وعن زيد بن أرقم قال: كنت عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) في مسجده فمرت فاطمة (صلوات الله عليها) خارجة من بيتها إلى حجرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومعها الحسن الحسين ثم تبعها علي (علیه السلام) فرفع رسول (ص) الله رأسه إليّ فقال: «من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني»(1).

وقال (صلی الله علیه و آله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام): «أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم»(2).

وقد روى أحمد بن حنبل أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال وقد نظر إلى الحسن والحسين : «من أحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»(3).

ص: 246


1- كشف الغمة: ج2 ص152.
2- كشف الغمة: ج2 ص154.
3- كشف الغمة: ج2 ص154.

عبادته علیه السلام

كان الإمام الحسن (ع) مثالاً في العبادة، فقد حج الإمام (علیه السلام) خمساً وعشرين حجة ماشياً وأن النجائب لتقاد معه(1).

وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى شهق شهقة يغشى عليه منها، وإذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزوجل: [يا أيها الذين آمنوا] إلا قال: لبيك لبيك اللهم لبيك، ولا يمر في شيء من أحواله إلا ذكر الله تعالى(2).

ص: 247


1- كشف الغمة: ج2 ص164.
2- أعيان الشيعة: ج4 ق1/12.

سيرته علیه السلام

مر الإمام الحسن (علیه السلام) على فقراء قد وضعوا عل وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك وهو يقول: «إن الله لا يحب المتكبرين» ولما فرغوا من الطعام دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم(1).

قال عمرو بن اسحاق: دخلت على الحسن أنا ورجل نعوده فقال: «يا فلان سلني» فقال له: والله لا أسألك حتى يعافيك الله وأسألك.

قال: «لقد ألقيت طائفة من كبدي وإني سقيت السم مراراً فلم أسقه مثل هذه المرة»،س ثم دخلت عليه في الغد فوجدت أخاه الحسين (علیه السلام) عند رأسه فقال له الحسين (علیه السلام): «من تتهم يا أخي» قال: لم لتقتله؟ قال: «نعم»، قال: «إن يكن

ص: 248


1- حياة الإمام الحسن للقرشي: ج1 ص119.

الذي أظنه فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً وإن لم يكن هو فما أحب أن يقتل بي بريء»(1).

عفوه علیه السلام

روى المبرد وابن عائشة أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن (علیه السلام) لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن (علیه السلام) وضحك وقال: أيها الشيخ أظنك غريباً ولعلك شبهت فلو استعتبتنا عتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استشردتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً وعلاً؟؟ كبيراً» فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت

ص: 249


1- نور الأبصار: ص112، كشف الغمة: ص169.

أحب خلق الله إليّ وحول رحله إليه وكان ضيفه الى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم(1).

إحسانه علیه السلام

أن الإمام الحسن (ع) قد قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى كان يعطي نعلاً ويمسك نعلاً، وخرج من ماله لله تعالى مرتين(2).

وعن سعيد بن عبد العزيز قال: إن الحسن (علیه السلام) سمع رجلاً يسأل ربه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف الحسن (علیه السلام) إلى منزله فبعث بها إليه(3).

علمه علیه السلام

لا شك أن أهل البيت (علیهم السلام) قد أخذوا العلم عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما أخذه النبي (صلی الله علیه و

ص: 250


1- كشف الغمة: ص167، المناقب: ج2 ص157.
2- أسد الغابة: ج2 ص12.
3- كشف الغمة: ج2 ص184.

آله) عن جبرئيل وجبرئيل عن الله عز وجل،وقد أخذ الحسنان العلم عن أبيها علي (علیه السلام) وهكذا كل إمام يأخذ عن الإمام الذي قبله، فلذلك نرى الإمام علي (علیه السلام) يقول: «علمني رسول الله ألف باب ولكل باب ألف باب»(1).

وقوله (صلی الله علیه و آله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها»(2).

وغيره من الأحاديث الدالة على أن علم أهل البيت (علیهم السلام) نفس علم النبي (صلی الله علیه و آله) عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال:«قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): إن أهل بيتي الهداة بعدي أعطاهم الله فهمي وعلمي وخلقوا من طينتي فويل للمنكرين حقهم من بعدي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي»(3).

ص: 251


1- سفينة البحار: ج1 ص403.
2- سفينة البحار: ج8 ص41.
3- بصائر الدرجات: ص69.

وقد سُئل الإمام الحسن (علیه السلام) عن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض، فقال: «أشد شيء خلق الله الحجر وأشد منه الحديد يقطع به الحجر وأشد من الحديد النار تذيب المديد، وأشد من النار الماء، وأشد من الماء السحاب، وأشد من السحاب الريح التي تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يردها، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله الذي يدفع الموت»(1).

استحباب السؤال والتحقيق

ثم قالت (علیها السلام): «قال: يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله (صلی الله علیه و آله)».

ص: 252


1- بحار الأنوار: ج2 ص215.

يستحب السؤال والاستعلام من المجهول، ومنه السؤال عن أهل الدار مما يستجد فيه كما سأل الحسن ثم الحسين بقولهم: «إني أشم عندك رائحة طيبة».

ثم لا يخفى أن السؤال ينقسم إلى الأحكام الخمسة، فقد يكون واجباً كما في السؤال عن الأمور الدينية والمسائل الشرعية قال تعالى: [فسئلوا أهل الذكر](1).

وقد يكون مستحباً كالسؤال من الأمور الدينية أو الدنيوية المستحبة ذاتاً أو الراجح الاطلاع عليها.

وقد يكون مكروهاً كما إذا كان مزعجاً في الجملة أو مستلزماً للوقوع في المكروه.

وقد يكون حراماً، قال سبحانه: [يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن قيد؟؟ لكم](2).

ص: 253


1- سورة النحل: 43.
2- سورة المائدة: 101.

وقد يكون مباحاً كغير موارد الأحكام الأخرى.

استعمال الطيب

يستحب استعمال الطيب خصوصاً المتزايد منه كما كانوا يجدونه فيه (صلی الله علیه و آله) وكما دل عليه حديث الكساء.

وقد ورد في الحديث أنه (صلی الله علیه و آله) أمر بأن يشترى بثلثي مهر الزهراء (علیها السلام) الطيب(1).

وفائدة الطيب لا تنحصر في الرائحة الحسنة فقط بل له فوائد أخرى إنه منشط للأعصاب، موجب لعدم نفرة بعض عن بعض فإن الإنسان يتنفر من الروائح الخبيثة بينما ينتعش ويستأنس بالروائح الطيبة، والإنسان مفطور على حب النظافة، والنظافة من الإيمان في كل شيء في الدار والأثاث والبدن وغير ذلك.

ص: 254


1- عوالم العلوم: ج11 ص357.

كما أن استعمال المرأة التي تخرج من البيت للطيب بحيث يشم ريحها الأجانب مكروه جداً، وقال بعض الفقهاء بالحرمة ولو لم يكن موضع ريبة وتلذذ وخوف افتتان.

ولا يبعد استحباب شم الأطفال رحمة ورأفة بهم كما ورد بالنسبة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث كان يشم علياً (علیه السلام) في طفولته، وهناك بعض الروايات الأخر بالنسبة إلى استشمامه للحسنين وكذلك فاطمة (علیها السلام).

وأما تطيب المؤمن فإنه مستحب كما أكدت عليه الروايات الكثيرة، منها:

قال الرضا (علیه السلام): «من أخلاق الأنبياء التطيّب»(1)،

ومعلوم أن المؤمن يتبع سنن الأنبياء هم ويسير على نهجهم.

ص: 255


1- مكارم الأخلاق: ص42.

وفي وصية النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي (علیه السلام): «يا علي عليك بالطيب في كل جمعة، فإنه من سنتي وتكتب لك حسنات ما دام يوجد منك رائحته»(1).

وقال الإمام الصادق (علیه السلام): «كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) ينفق على الطيب أكثر ما ينفق على الطعام»(2).

وعن الإمام الرضا (علیه السلام): «كان يعرف موضع جعفر (علیه السلام) في المسجد لطيب ريحه وموضع سجوده»(3).

كما يؤثر الطيب حتى على عبادة الإنسان فيوجب كثرة الثواب فقد ورد عن:

الإمام الصادق (علیه السلام): «ركعتان يصليهما متعطراً أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر»(4).

ص: 256


1- مكارم الأخلاق: ص42.
2- مكارم الأخلاق: ص42.
3- مكارم الأخلاق: ص42.
4- مكارم الأخلاق: ص42.

وعن أبي عبد الله (علیه السلام): «إذا أتي أحدكم بريحان فليشمه وليضعه على عينه فإنه من الجنة»(1).

وكما أن الطيب في الظاهر مطلوب ومحبوب لله عزوجل كذلك التطيب الباطني فلذا ورد في الحديث الشريف:

وعن الإمام الرضا (علیه السلام): «تعطروا بالاستغفار قبل أن تفضحكم روائح الذنوب»(2).

ما ذكر في رائحة النبي (صلی الله علیه و آله) وحبه للطيب

قال أنس ابن مالك: (صحبت رسول الله (صلی الله علیه و آله) عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته).

ص: 257


1- مكارم الأخلاق: ص42.
2- بحار الأنوار: ج6 ص22.

وعن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا رُئي في الليلة الظلماء رُئي له نور كأنه شقة القمر»(1).

وعن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان أزهر اللون كأن لونه اللؤلؤ وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته ولا مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله (ص) كان أخف الناس صلاة في تمام).

وعن عائشة قالت: قلت لرسول الله (صلی الله علیه و آله): إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلتُ في أثرك فلم أرَ شيئاً خرج منك غير أني أجد رائحة المسك، قال (صلی الله علیه و آله): «يا عائشة

ص: 258


1- مكارم الأخلاق: ص17.

إنا معشر الأنبياء بُنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة فما خرج منا من شيء ابتلعته الأرض».

وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه؟؟؟ في مفرقه، وكان (صلی الله علیه و آله) يتطيب بذكور الطيب؟؟، وكان (صلی الله علیه و آله) يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن، وكان (صلی الله علیه و آله) يستجمر بالعود القماري وكان (صلی الله علیه و آله) يعرف في الليل المظلمة قبل أن يرى بالطيب فيقال: هذا النبي (صلی الله علیه و آله).

وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) ينفق على الطيب أكثر مما ينفق على الطعام».

وقال الإمام الباقر (علیه السلام): «كان في رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فيء، وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف

ص: 259

أنه قد مر فيه لطيب عرفه، وكان (صلی الله علیه و آله) لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له، وكان (صلی الله علیه و آله) لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول (صلی الله علیه و آله) هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه، وكان (صلی الله علیه و آله) يقول: جعل الله لذتي في النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم»(1).

في بعض أوصاف النبي صلی الله علیه و آله وشمائله

يحدثنا التاريخ عن الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) أنه كان كاملاً في خلقه وخلقه وجميع صفاته، ليس له من عيب يذكر فيه أو

صفة غير مستحسنة، والأجدر به أن يقال في حقه (صلی الله علیه و آله):

خلقت مبرأ من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاء

ص: 260


1- مكارم الأخلاق: ص23-24.

لقد كان الرسول (صلی الله علیه و آله) وسيم الطلعة، جميل الصورة، صاحب هيبة وجمال، لم يكن له (صلی الله علیه و آله) من نظير بين الناس، وقد كان مضرب المثل في شمائله وكرم خلقه، وقد قال تعالى: [إنك لعلى خلق عظيم].

0وجاء في وصف النبي (صلی الله علیه و آله) عن أنس ابن مالك قال:

كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبيض مشرباً بحمرة ضخم الرأس، أزج الحاجبين، عظيم العينين، أدعج(1)،

أهدب(2)،

ششن

الكفين(3) والقدمين.

إذا مشى تكفأ كأنما ينحط من صبب ويمشي في صعد كأنما يتقلع من صخر، إذا ألتفت ألتفت جميعاً، ليس بالجعد القطط(4)ولا

ص: 261


1- ادعج: أسود العين واسعها.
2- اهدب: كثير الشعر.
3- ششن: الغليظ.
4- جعد: القصير، وكذلك القطط.

الصبط(1)؛ ذا وفرة إلى شحمة أذنيه، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المنطام؟؟، أطيب من المسك الأذفر.

لم تلد النساء قبله ولا بعده مثله، بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة، لا يضحك إلا تبسماً، في ؟!شعرات بيض لا تكاد تبين.

وقال أنس ابن مالك: لم يبلغ الشيب الذي كان برسول الله (صلی الله علیه و آله) عشرين شعرة، وقيل له يا رسول الله عجل عليك الشيب؟ قال (صلی الله علیه و آله): «شيبتي هود وأخواتها»(2).

بعض خصائص شخصية الرسول (صلی الله علیه و آله)

لقد كان صاحب هذه الدعوة النبي محمد (صلی الله علیه و آله) من قريش وهي أعظم قبائل العرب خطراً وقوة ونفوذاً والتي كان ينظر إليها من كل أحد بعين الإجلال والأكبار وبالأخص هو من البيت الهاشمي منها، الذي كان يمتاز بالنزاهة والطهر وله السيادة

ص: 262


1- الصبط: نقيض الجعد.
2- سيرة الرسول : ج1 ص449.

والزعامة والسؤدد في مكة وله الشرف الرفيع الذي لا يدانيه ولا ينازعه فيه أحد.

فالنبي (صلی الله علیه و آله) ليس بحاجة إلى الشرف والزعامة ليجعل من إدعاء النبوة وسيلة للوصول إليها والحصول عليها وقد كان واضحاً لو قيست الأمور بالمقاييس العادية فإن دعواه

تلك لسوف تجر عليه الكثير من المتاعب والمصائب ويكون بذلك قد فرط بكل ما لديه من رصيد اجتماعي في هذا المجال.

وقد أشار جعفر بن أبي طالب (ع) بخصائص ومميزات شخصية الرسول (صلی الله علیه و آله) بقوله: «بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه» حتى لقب (بالصادق الأمين) فقد كان لذلك أثر كبير في ظهور دعوته (صلی الله علیه و آله) وانتصار وانتشار رسالته، وكان تحليه بهذه المواصفات ضرورياً لأن فقدانهم موجب لريبهم كما قال تعالى: [إذن لارتاب المبطلون].

ص: 263

هذا كله بالإضافة إلى ما قد مدّحه الله به من خلقه العظيم فقال: [وإنك لعلى خلق عظيم](1).

كما أن إصراره وجهده وتحمله المشاق والآلام ورفضه لكل المساومات حتى قال: «لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله على أن يترك هذا الأمر ما تركه» وحس تدبيره وأصالة رأيه كما في قضية رفع الحجر الأسود إلى موضعه عند بناء البيت.

وتمكن (صلی الله علیه و آله) من تبديل الجاهلية بسيرته وجهاده مما كانوا هم عليه إلى الإسلام وبناء الحضارة الإسلامية المبتنية على الشريعة السمحاء.

الإجابة على الأسئلة

قالت (علیها السلام): «نعم إن جدك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء وقال: السلام عليك يا جداه يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء».

ص: 264


1- سورة القلم: 4.

من الخلق الحسن إجابة سؤال السائل فإنه من مصاديق (قضاء الحوائج) وقد يكون من صغريات إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ومن مصاديق المعروف.

التوجه نحو العظيم

من مكارم الأخلاق الإقبال والتوجه نحو العظيم والوفود إليه كما صنع الحسن الحسين وعلي وفاطمة (علیهم السلام) فإن العظيم يُزار ولا يزور(1)،إلا إذا كان مأموراً بالزيارة بنفسه كما في رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث كان يزور لتبليغ رسالات الله أو ما أشبه وكذلك كان علي (علیه السلام) بدور في الأسواق فيأمر وينهى وقد وردت بذلك روايات متعددة.

ص: 265


1- أي من شأنه إكراماً لمكانته أن يزوره الناس وليس من الصحيح أن يتعامل معه الآخرون كمعاملتهم للأفراد العاديين ولكن ليس ذلك بمعنى أن يتكبر على الناس فإن التكبر مذموم، كما تشير إلى ذلك الآية: [لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً...] سورة النور: 63.

ومن المعلوم أن الوفود على العظيم والاستماع له سواء كانت عظمته معنوية أو علمية أو نحو ذلك يوجب استفادة الإنسان من معنوياته وعلومه وما أشبه ذلك، ولذا ورد: (من مشى إلى العالم خطوتين وجلس عنده لحظتين وتعلم منه مسألتين بنى الله له جنتين كل جنة أكبر من الدنيا مرتين).

الاستئذان

قد يتحتم على الإنسان الاستئذان للدخول كما في الدخول إلى ملك الغير، وقد يكون من الاحترامات العرفية الاستئذان من العظيم للحضور بحضرته كما استأذنوا من النبي (صلی الله علیه و آله).

فإنه مستحب إذا كان في مكان مباح ونحوه، وواجب إذا كان المكان خاصاً بالعظيم على نحو آكد فإنه يجب الاستئذان حين

ص: 266

الدخول في مكان الغير فكيف بما إذا كان عظيماً قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم](1).

والمراد بالعظيم ههنا هو العظيم معنوياً، أما العظيم المادي كالأكثر مالاً أو سلاحاً أو عشيرة فليس له هذا الاحترام قال سبحنه: [وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى](2).

نعم إذا صدق عليه الكريم يشمله قوله (عليه الصلاة والسلام): «أكرموا كريم كل قوم»(3).

حق السبق

ينبغي استئذان المتأخر من المتقدم في الاستفادة مما يعد حقاً للسابق ومن صغرياته ما ورد ههنا حيث استأذنوا (عليهم السلام) من الرسول (صلی الله علیه و آله) في الدخول معه تحت الكساء.

ص: 267


1- سورة الأحزاب: 53.
2- سورة سبأ: 37.
3- بحار الأنوار: ج46 ص15 وفيه: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم».

حوض الكوثر

ثم قالت: «فقال: وعليك السلام يا ولدي ويا صاحب حوضي قد أذنت لك فدخل معه تحت الكساء».

لا يخفى أنه لا منافاة بين أن يكون الحوض للرسول (صلی الله علیه و آله) في المحشر وبين أن يكون علي (علیه السلام) هو الساقي وبين أن يكون الحسن (علیه السلام) صاحبه إذ قد تكون

للشيء الواحد إضافات ونسب متعددة، وقد يختلف الأحكام بالاعتبارات المختلفة، فالله سبحانه وتعالى منح الحوض للرسول (صلی الله علیه و آله) وجعل الساقي العام عليه علياً (علیه السلام) وجعل الحسن (علیه السلام) صاحبه بمعنى اختصاصه به بعد الرسول (صلی الله علیه و آله) طولياً، كما أن العبد مملوك لسيده في طول ملكية الله تعالى له، والظاهر أنهم جميعاً عليهم الصلاة والسلام يسقون الناس من ذلك الحوض، لا يقال لما

ص: 268

خص الماء في الأحاديث الشريفة، مع أن الإنسان بحاجة إلى الطعام أيضاً يوم القيامة إذ أنه خمسون ألف سنة.

لأنه يقال إن حاجة الإنسان إلى الماء أشد يومئذ منه إلى الطعام، وذلك نظراً إلى العطش الشديد الذي يستولي على الناس من الحر وغيره ولذلك تركزت العناية على ذكره.

ولقد ورد في بعض الأحاديث أن أرض المحشر يتحول بإذن الله تعالى إلى شيء من المأكول كالخبر يأكل منه الناس.

توقير الطفل وذكر فضائله

من الآداب الاجتماعية التي أقرها الشارع احترام الطفل وتوقيره وذكر فضائله، وقال تعالى: [وأما بنعمة ربك فحدث](1) فإن إعطاء الشخصية للطفل يوجد حالة معنوية في نفسه تنتهي بالنتيجة في كثير من الأحيان إلى تكوين شخصية أكثر تكاملية

ص: 269


1- سورة الضحى: 11 وإطلاقه يشمل النعمة للشخص ولغيره.

للطفل كما ثبت ذلك في علم النفس وقد دل الحديث على ذكر مناقب الحسنين على لسان النبي (صلی الله علیه و آله).

ذكر فضائل المعصومين (علیهم السلام)

ينبغي ذكر فضائل المعصومين (عليهم السلام) إحياءً لذكرهم وامتثالاً لأمرهم فقد ورد في الأحاديث ذلك منها:

1: قال الرضا (علیه السلام): «من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(1).

2: عن معتّب مولى أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته يقول: «لداود بن سرحان يا داود أبلغ موالي عني السلام وإني أقول رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا فإن ثالثهما ملك سيستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياؤها وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا(2).

ص: 270


1- بحار الأنوار: ج1 ص199.
2- بحار الأنوار: ج1 ص200.

اجتماع الأقرباء

«فيدخل معه تحت الكساء»

من الفضائل اجتماع الأقرباء ويؤيده روايات اجتماعات المؤمنين وكان من مصاديق ذلك دخولهم (علیهم السلام) تحت الكساء، فإنه مؤثر في النفس والبدن، أما النفس فلأنه مما يوجب السرور والارتياح ومن المعلوم أن النفس تؤثر في البدن صحة وسقماً.

وأما البدن فلأنه ثبت في علم الطب: أن الله تعالى جعل البدن من المعقمات في غير المرضى ولذا كان سؤر المؤمن شفاء، وقد ورد أن السؤر من أهم ما يزيل قسماً من الأمراض، والمراد به أعم من سؤر الفم أو سائر البدن كالاستحمام في الأنهار والأحواض وغيرها.

وعلى أي حال فإن تجمع الأبوين والأولاد يوجب الحب المتزايد بين الأب وبنيه وبين الزوجين وبين الأخوة.

ص: 271

تفضيل الولد الأصغر

ثم قالت (علیها السلام): «فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين قد أقبل وقال: السلام عليك يا أماه فقلت: وعليك السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال: لي يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقلت: نعم إن جدك وأخاك تحت الكساء، فدنى الحسين نحو الكساء وقال: السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من اختاره الله أتأذن لي أن أدخل معكما تحت الكساء».

ينبغي الاهتمام باحترام الأصغر وتفضيله في إبراز المحبة في الجملة ولعله لذلك أضافت (علیها السلام) للحسين (علیه السلام) كلمة يا (ولدي).

وذلك لحاجة الأصغر إلى المزيد من العطف والحنان، نعم يجب أن لا يؤدي ذلك إلى أن يشعر الأكبر بأنه موضع ازدراء وقلة اهتمام وأن الوالد أو الوالدة يعطيه أقل من حقه لأن ذلك ربما أوجب

ص: 272

عداء وحسداً، وقد قال بعض: إن تفضيل يعقوب (علیه السلام) ولده يوسف (علیه السلام) على سائر أخوته كان السبب في إثارة عدائهم وحسدهم.

ولا يخفى أن يعقوب (علیه السلام) كان يفضل يوسف (علیه السلام) لفضله ولكونه نبياً وما أشبه ذلك، وهذا وإن أثار العداء إلا أنه لا بد منه من باب الأهم والمهم، كما كان رسول الله (ص) يصرح علي (ع) مما أثار عداء وحسد جملة من الأصحاب كما هو معروف في التاريخ.

والحاصل أن هناك حالتين:

الأولى: أن لا يفعل الإنسان شيئاً اعتباطاً يثير الحسد والكراهية.

الثانية: أن يقوم الإنسان ببيان الحق الواجب عليه بيانه وإن أثار الحسد ولذا قال سبحانه: [أم يحسدون الناس على ما اتاهم من فضله](1).

ص: 273


1- سورة النساء: 54.

الإمام الحسين بن علي علیه السلام

ولد بالمدينة لخمس خلون من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة وكانت والدته الطهر البتول (علیها السلام) علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن (علیه السلام) بخمسين ليلة، ولما ولد أعلم النبي (صلی الله علیه و آله) به فأخذوه وأذن في أذنيه (علیه السلام) وسماه جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) حسيناً، ولقبه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأخيه الحسن (علیه السلام) بسيدي شباب أهل الجنة، وقال عنه (صلی الله علیه و آله): «حسين سبط من الأسباط».

عبادته علیه السلام

كان الإمام الحسين (ع) قد حج (علیه السلام) خمساً وعشرين حجة إلى الحرم وجنايبه تقاد معه وهو ماش على القدم، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وقيل لعلي بن الحسين : ما

ص: 274

كان أقل ولد أبيك. فقال (علیه السلام): «العجب كيف ولدت له كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة فمتى كان يتفرغ للنساء».

ولما زحف ابن سعد عشية التاسع من المحرم نحو الحسين (علیه السلام) أرسل الإمام (ع) إليهم أخاه العباس (علیه السلام) وقال له: «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار»(1).

سيرته علیه السلام

لما قدم معاوية مكة وصله بمال كثيرة وثياب وافرة وكسوة وافية، فرد الجميع عليه ولم يقبل منه، وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم.

ص: 275


1- جلاء العيون: ج2 ص167.

وروي أنه (علیه السلام) مات ابن له فلم تر عليه كآبة فعوتب في ذلك فقال (علیه السلام): «انا أهل البيت نسأل الله فيعطينا فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا»(1).

أصحاب الإمام الحسين علیه السلام يتسابقون للشهادة

إن الشريعة المقدسة أوجبت على الناس النهضة لسد باب المنكر والردع عن الفساد، وألزمت الأمة بمتابعة الإمام الإمام المعصوم (ع) في رد عادية الباغين كما قال تعالى في سورة الحجرات: ]وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله[(2)، وقد نهض أمير المؤمنين (علیه السلام) أيام خلافته للدفاع عن قدس الشريعة وتنبيه الأمة عن رقدة الجهل وكان الواجب على الناس الفيء إليه لأنه إمام الحق المفروضة طاعته وقد اعترف جمهور المسلمين بتمامية

ص: 276


1- مطالب السؤول: ص73.
2- سورة الحجرات: 9.

البيعة لأمير المؤمنين (علیه السلام) وحكموا بأن قتاله خروج عن الحق وهذه كلماتهم التي سجلوها في صحفهم شواهد متقنة على هذه الدعوة المدعومة بالعقل والنقل.

فقال أبو حنيفة: (ما قاتل أحد علياً إلا وعلى أولى بالحق منه ولو لا ما سار علي (علیه السلام) فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين، ولا شك أن علياً (علیه السلام) إنما قاتل طلحة والزبير بعد أن بايعاه وخالفاه في يوم الجمل سار علي (علیه السلام) فيهم بالعدل وهو أعلم المسلمين فكانت السنة في قتال أهل البغي)(1).

وقال الشافعي: (السكوت عن قتلى صفين حسن وإن كان علي (علیه السلام) أولى بالحق من كل من قاتله)(2).

فكل من خرج على علي (علیه السلام) باغ وقتال الباغي واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى السلم وإن قتاله (علیه السلام) لأهل الشام الذين أبوا الدخول في البيعة وأهل الجمل والنهروان

ص: 277


1- مناقب أبو حنيفة للخوارزمي: ج2 ص83.
2- أدب الشافعي ومناقبه: ص314.

الذين خلعوا بيعته حق وكان حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا نجاة متناولهم قوله تعالى: [فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله].

والإمام أبو عبد الله الحسين (علیه السلام) يوم الطف سار على نفس مبادئ أمير المؤمنين (علیه السلام) فلم يبدأ القوم بقتال على ما رأى من أعدائه التكاتف على الضلال والمقابلة له بكل ما لديهم من صول وطول حتى منعوه وعياله وصحبة من الماء الذي لم يزل صاحب الشريعة (صلی الله علیه و آله) يجاهر: (بأن الناس في الماء والكلأ شرع سواء)

لأنه (علیه السلام) أراد إقامة الحجة عليهم فوقف في ذلك الملأ المغمور بالأضاليل ونادى بحيث يعي الجماهير حجته فعرفهم أولاً خسارة هذه الدنيا الفانية لمن تقلب فيها فلا تعود عليهم إلا بالخيبة، ثم تراجع (علیه السلام) ثانياً إلى التعريف بمنزلته من نبي الإسلام (ص) وشهادته له ولأخيه المجتبى بأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وناهيك بشهادة من لا ينطق عن الهوى

ص: 278

وكان محبواً بالوحي الإلهي أن تؤخذ ميزاناً للتميز بين الحق والباطل، وفي الثالثة عرفهم بأنه لم يبتعد على احد منهم في مال أو حرمات فكيف يتعدون عليه؟، وفي الرابعة نشر المصحف الكريم على رأسه ودعاهم إلى حكمه، وحتى إذا لم تجد هذه النصائح القيمة فيهم ووضح لديه إصدارهم على الغي والعناد لله تعالى ولرسوله (صلی الله علیه و آله) وعندما هجموا عليه وعلى أصحابه وبدء القوم بالحرب عليه، عند ذلك كشف الستار عن الإباء العلوي الذي انحنت عليه أضالعه، ورفع الحجاب عن الأنفة التي كان أبناء الإمام علي(علیه السلام) يتدارسونها ليلاً ونهاراً، وتلهج بباب أنديتهم فقال (علیه السلام): «ألا وإن الدعي ابن الدعي قدر ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللثام على

ص: 279

مصارع الكرام، ألا وأني زاحف هذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر».

لقد نهض الإمام (علیه السلام) بذلك الجمع النزر المؤلف من شيوخ وصبية ورضع ونساء مع العلم بأن مقابليه لا يرقبون فيه إلا ولا ذمة قادرين علىاستئصال شأفة النبي (صلی الله علیه و آله) في أهله وذريته، ونرى صبر الإمام (علیه السلام) في يوم عاشوراء ونقرأ في التاريخ كيف تسابق أصحاب الإمام (علیه السلام)

وأهل بيته الكرام على الشهادة دفاعاً عن المبادئ التي خطها لهم الدين الحنيف(1).

وفي يوم عاشوراء أمر الإمام الحسين (علیه السلام) أصحابه بإحترام النار في خندق خلف الخيم لتتوجه جهة الحرب وتسلم الخيام من النهب.

ص: 280


1- للتفصيل راجع بحار الأنوار: ج44 - ج45.

وأقبل الأعداء يجولون حول البيوت يرون النار تضطرم في الخندق، فنادى شمر: بأعلى صوته يا حسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامة!.

فقال (علیه السلام): «من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن؟» قيل: نعم. فقال (علیه السلام): «يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها مني صلياً».

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (علیه السلام) وقال: «أكره أن أبدأهم بقتال»(1).

عفوه علیه السلام

جنى له غلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يؤدب، فقال: يا مولاي [والكاظمين الغيظ] قال: «خلوا عنه» قال: يا مولاي [والعافين عن الناس] قال: «قد عفوت عنك» قال: يا مولاي

ص: 281


1- مقتل الحسين للمقرم: ص253.

[والله يحب المحسنين] قال (علیه السلام): «أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك»(1).

مع عبيده علیه السلام

قال أنس: كنت عند الحسين (علیه السلام) فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها: «أنت حرة لوجه الله».

فقلت: تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟

قال: «كذا أدبنا الله قال الله: [وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها] وكان أحسن منها عتقها»(2).

إحسانه علیه السلام

علّم أبو عبد الرحمن السلمي ولدا للحسين (علیه السلام) الحمد، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه دراً،

ص: 282


1- راجع الفصول المهمة: ص159،
2- كشف الغمة: ج؟؟؟ص181.

فقيل له في ذلك، فقال (علیه السلام): «وأين يقع هذا من عطائه»(1)

يعني تعليمه.

وروي أن الإمام (علیه السلام) دخل على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول واغماه.

فقال (علیه السلام): «وما غمك يا أخي؟»

قال: ديني وهو ستون ألف درهم.

فقال (علیه السلام): «هو علي»

قال: إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى

فقال (علیه السلام): «لن تموت حتى أقضيها عنك» فقضاها قبل موته(2).

ص: 283


1- أعيان الشيعة: ج4 ق1 ص127.
2- أعيان الشيعة: ج4 ق1 ص127.

وروي أنه وجد على ظهره (علیه السلام) يوم الطف أثر فسئل عنه زين العابدين (علیه السلام) فقال: «هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين»(1).

من وصاياه علیه السلام

كتب الإمام الحسين (ع) لابنه السجاد (علیه السلام) يقول: «إي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله عزوجل»(2).

ومن وصيته لأخته زينب (علیه السلام) ليلة عاشوراء:

«يا أختاه اتق الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن كل شيء هالك إلا وجهه تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون؟؟ وهو فرد وحده، جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله (صلی الله علیه و آله)

ص: 284


1- أعيان الشيعة: ج4 ق1 ص127.
2- أعيان الشيعة: ج4 ق1 ص127.

أسوة، يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي عليّ جيياً ولا تخمشي عليّ وجهاً ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت»(1).

الشفاعة للناس

ثم قالت (علیها السلام): ­«فقال (صلی الله علیه و آله): وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أمتي قد أذنت لك فدخل معهما تحت الكساء».

مما يوجب المحبة الشفاعة للناس في حوائجهم إذا لم يكن هناك محذور، وإنما يفهم من (شافع أمتي) استحباب الشفاعة للناس بالإضافة إلى كونه كشف الكرب وقضاء الحاجة، لأن أهل البيت (علیهم السلام) لا يتصفون بصفة إلا كانت حسنة مما يدل على ذلك الفهم العرفي الملازمة ولأدلة التأسي وغير ذلك.

ص: 285


1- بحار الأنوار: ج10 ص192.

بحث في الشفاعة

الشفع خلاف الوتر، والوتر فرد، والشفع زوج.

قال ابن منظور قد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة: وهي السؤال والتجاوز عن الذنوب والجرائم. والمشفّع الذي يقبل الشفاعة، والمشفّع الذي تقبل شفاعته. لسان العرب واقرب الموارد مادة شفع، ومَن تَتَبّع موارد الاستعمال لهذه اللفظة يعرف أنها ضم شيء إلى شيء أو ضم شخص إلى شخص ولو اعتباراً كما لو كان محترماً فيشفع لشخص بمعنى يضمه إلى نفسه فيحسبه منه اعتباراً حتى يعامل معاملته أو تقضى حاجته لوجاهته ولقبول قوله عند الآخرين، والشُفعة في الأرض كأن يضم الأرض التي لشريكه إلى أرضه أو أرض جاره إلى أرضه.

ص: 286

ولعل معنى الشفاعة واضح في كل اللغات التي تؤدي هذا المعنى لكثرة الحاجة إليها في المجتمعات في قضاء حوائجهم وأمور معاشهم، فهم يتداولون هذه اللفظة أو ما يراد منها كثيراً في حياتهم فلذا لا تحتاج إلى مزيد توضيح.

بعض آيات الشفاعة

1- [قل لله الشفاعة جميعاً](1).

2- [من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه](2).

3- [لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً](3).

4- [يومئذِ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً](4).

ص: 287


1- سورة الزمر: 44.
2- سورة البقرة: 255.
3- سورة مريم: 87.
4- سورة سبأ: 23.

5- [لا يشفعون إلا لمن ارتضى](1).

6- [وكم من ملك في السماوات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى](2).

الله هو الشفيع المطلق

ولا تعارض في آيات الشفاعة، فمرتبة الشفاعة العليا بالذات لله تعالى وليس لأحد شفاعة بالذات: (قل لله الشفاعة جميعاً).

وكما أن الملك والأمر والقدرة والتصرف والحول والقوة لله تعالى فقط وأنه مالكها وله التصرف فيها كيفما شاء، كذلك الشفاعة ملكه وله التصرف فيها، وكما له تعالى أن يعطي ملكه أو الحول والقوة والقدرة لأحد فكذلك الشفاعة [ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون](3).

ص: 288


1- سورة الأنبياء: 28.
2- سورة النجم: 26.
3- سورة الزخرف: 86.

وقال جل وعلا: [لا يتكلمون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صواباً] ويوضحه قوله تعالى: [يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من إذن له الرحمن ورضي له قولا](1).

وهذه الاستثناءات بعد النفي تفيد الإثبات كما عليه أهل العربيةُ فليس لأحد إنكارها لأن ذلك خروج عن فهم اللغة ومن خرج عنها عليه أن يعود إليها ومنها يعرف عدم وجود تعارض في الآيات بل لا تشابه فيها لوضوحها، فلله تعالى الحاكمية المطلقة والمالكية العامة وليس لأحد بالذات شيء منها بل تكون بتمليك الله تعالى وإذنه ورضاه.

ليست الشفاعة خرقاً للقوانين

الشفاعة من النواميس الإلهية كبقية الأمور العائدة لله تعالى وليس في جعلها لأحد خرق للقوانين الإلهية، كيف تكون خرقاً وهو أذن فيها وارتضاها وجعلها، فإنكارها موجب للقول بعدم الاختيار

ص: 289


1- سورة طه: 109.

الإلهي وعدم إرادته ومشيئته المطلقة وتحديد لها وهو قول باطل وقد قال تعالى فيما يشابه ذلك: [إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم](1) وقال جل ذكره: [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء](2) بل قد يكون تصرفه أكثر من ذلك حيث قال جل وعلا: [فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات](3) وكما قد تدفع السيئة أو تبدل كذلك قد تتضاعف الحسنات [أولئك يؤتون أجرهم مرتين] (4) بل قد يكون كما قال جل شأنه: [من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها](5) فله تعالى أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء [لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون](6)

ص: 290


1- سورة النساء: 31.
2- سورة النساء: 47.
3- سورة الفرقان: 70.
4- سورة القصص: 54.
5- سورة الأنعام: 160.
6- سورة الأنعام: 23.

فليست الشفاعة خرقاً للنواميس الإل---هية بل هي منها وهي داخلة في ملكه وتصرفه.

والشفاعة المنفية في القرآن الكريم هي المستقلة عن الله تعالى، أما الشفاعة الثابتة فهي ما كانت بتمليكه واذنه ورضاه.

فما أشكل على الشفاعة من إشكالات ناتج عن عدم فهم آيات الذكر الحكيم، ومع التدبر فيها لا يبقى إشكال وإن فرض وجود متشابه فيها فيمكن إرجاعه إلى المحكمات منها وبذلك يحل الإشكال المتصور. فأصل الشفاعة ثابت في القرآن الكريم لله تعالى بالذات ولمن ملكه الله تعالى من ملك أو نبي أو مؤمن صالح على ما سيأتي التفصيل فيه مسنداً بالروايات الشريفة.

الشفاعة في القوانين البشرية

كثيراً ما نرى في المجتمعات كلها أن الشفاعة جارية في القوانين الوضعية، إذ قد يحصل التصادم والتعارض وعدم التلائم بين القانون وبين مصالح بعض الأفراد فيخالف القانون ولاجل أن لا

ص: 291

يعاقب يلتجئ إلى الشفاعة في القانون، مثل من شمله قانون الضرائب والدفع المضر بحاله أو المقدار المجحف به فإنه يلتجئ إلى إسقاطه أو تقليله إلى الوسائط.

وكذا من يريد بناء عمارة لا يقبل القانون بالهندسة أو المقدار الذي يريد بناءه فيلتجئ إلى حيلة ووساطة في ذلك لكي يمكنه الاستمرار في عمله وفق مصلحته. فالشفاعة في هذه القوانين تكون لأجل دفع ضرر أو جلب منفعة، وقس على ذلك من الأمثلة في المجتمع كلاً حسب حاجته.

معنى الشفاعة في الأمور الاجتماعية

لا يخفى على من عاشر المجتمعات التي يسودها الحكم العشائري أو سمع بها من وجود الشفاعة فيها لأجل الفصل والقضاء بين النزاعات، ويكون ذلك بواسطة شخص محترم، وهذا المعنى جارٍ أيضاً في الحواضر المدنية خصوصاً في المشاكل التي لا تستدعي الذهاب إلى المحاكم لأي سبب كان. وكثيراً ما تقع في الأمور

ص: 292

العائلية من الخلافات التي تلتجئ الأسر فيها إلى هذا النحو من الفصل، وكثيراً ما يحصل الفصل بخلاف القوانين الوضعية أما بإسقاط الحقوق أو العقوبات تماماً أو بعضاً وليس ذلك معناه عدم صحة القوانين، بل قد يكون على سبيل العفو والصفح عن الفرد أو لأجل احترام شفيع ذي وجاهة في المجتمع.

موارد تأثير الشفاعة

لابد أن يكون الشخص المشفوع له لائقاً للشفاعة بنحو يستوجب ذلك، كما لو كان خروجه عن القانون والتمرد عن غفلة أو جهل أو لسوء حالٍ أو لغلبة شهوةٍ غير مصرٍ على التمرد، بل كان نادماً على ما صدر عنه، غير جاحدٍ لمولوية المولى، وحينئذٍ يأتي دور الشفاعة لتجبر ما كسر وتكمل الأسباب ليكون الفرد وكأنه قد سار على نهج القانون ويعفى عنه.

ولا يتوسل الشفيع إلى الشفاعة بإنكار مولوية المولى ولا أن يطلب منه ترك مولويته أو انكار مقام العبودية للعبد، بل يطلب منه أن

ص: 293

يرفع اليد عن العبد الذي يستحق العقوبة لا أن ينسخ حكمه عموماً أو في خصوص ذلك الفرد ولا أن يبطل قانون العقوبات بل لا تجري الشفاعة في هذه الأمور وإنما يتوسل الشفيع بصفات في المولى توجب العفو والصفح، مثل أن يذكر كرمه وسخاءه أو رأفته ورحمته، أو يتوسل بصفات في العبد توجب العفو عنه كمذلته ومسكنته وحقارته وسوء حاله، أو أن يقبض على كريمته ويتوسل بجاهه ومقامه عند المولى فلأجل كرامته وقرب مقامه ومنزلته تحصل الشفاعة.

عمومية الشفاعة في الدنيا والآخرة

كما تجري الشفاعة في الأمور الدنيوية وفي القوانين الوضعية وغيرها فكذلك في الآخرة بإسقاط العقاب أو تخفيفه، بل تجري في الدنيا فيما يرتبط بالقوانين الإلهية بتوسط الأسباب المعهودة شرعاً كما إذا حكم على شخص بالسجن وتوسل بالله جل ذكره فيمكن خلاصه بالدعاء والتوسل، وهذه الشفاعة نحو من توسيط

ص: 294

الأسباب وقد قال جل شأنه [واستعينوا بالصبر والصلاة](1) وقد ذكر العلماء أنواع من الذكر والدعاء تؤثر على الرزق والخلاص من السجن ودفع البلاء والأمراض ونزول المطر وغير ذلك من دفع بلاء الدنيا أو جلب الخيرات بل ذكرت أمور من الصلوات

والأعمال للخلاص من ضيق اللحد أو ضغطة القبر أو غير ذلك، وخصوصاً في خواص الأسماء الحسنى قال تعالى [ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها](2) وهذه شفاعة بأسمائه الحسنى حتى أن كثيراً من الكرامات تجري عن هذا الطريق مع توفر الشروط اللازمة.

العقل يدل على إمكان الشفاعة

ليست الشفاعة من الأمور المحالة أو وجودها يوجب المحال بل من الأمور الممكنة، وقيل إن العقل يدل على إمكان وقوعها لا على وقوعها حيث لا وسيلة للعقل ولا مسرح له في ذلك، نعم لو قيل

ص: 295


1- سورة البقرة: 45.
2- سورة الأعراف: 180.

إنها من مصاديق اللطف وإنها واسطة من الوسائط التي تقرب العبد إلى الله مع الصفح والتجاوز عنه وتوجب له الوصول إلى الكمال لكان العقل دالاً على وقوعها من هذا الباب أيضاً، والتفصيل موكول إلى محله.

روايات الشفاعة في كتب العامة؟

هل الوعد بالشفاعة موجب للتجري على المعصية

قد يقال: إن الوعد بالشفاعة يوجب تجري العبد على المعصية ويغريه على هتك حرمة المولى وهو نقض لغرض بعث الأنبياء (عليهم السلام) حيث يريدون منهم الطاعة والدوام عليها وعدم ارتكاب المعاصي فكيف يعدوهم بالشفاعة التي تنتج خلاف ذلك؟

وجوابه أن الوعد بالشفاع---ة كالوعد بالمغفرة والرحمة والدعوة إلى عدم القنوط واليأس من رحمة الله ورَوْحِه كما قال تعالى [إن الله

ص: 296

لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء](1) وكقوله جل شأنه: ]قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً[(2) فكما وعد بالمغفرة وعد بالشفاعة، هذا أولا.

وثانياً: أن التجري يأتي من الوعد لكل فرد على كل ما عمل، وليس هذا حاصلاً هنا ومع عدم العلم هل تقبل الشفاعة في حقه وهل يختم له بالخير والإيمان أم لا. فكيف يقدم على هتك المولى مع أنه تعالى قال لهم: [ثم كان عاقبة الذين اساؤوا السوء؟؟ أن كذبوا بآيات الله](3) وكل فرد يأمل الشفاعة ويخاف ذنبه وليس آمناً من مكر الله جل وعلا إلا إذا أمنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر، وعليه فلا يلزم من ذلك إغراء بالمعصية كما توهم.

ص: 297


1- سورة النساء: 47.
2- سورة الزمر: 53.
3- سورة الروم: 10.

أوهام وردود

1- قد يقال: إن الشفاعة لبعض الأفراد توجب ضياعاً لحقوق الآخرين، كما لو شملته الشفاعة مع انه مطلوب لجماعة أو فرد اخر بحقوق شرعية فلابد أن يتغاضى عنه في الحساب، فإذا شُفع له تركت الحقوق ويوجب ذلك ظلماً لأصحاب الحقوق.

وجوابه: أن الله عز وجل يرضي (ص) الحقوق على ما سيأتي مضافاً إلى أن المالكية المطلقة لله تعالى فهو يملك العبد وما يملك، وله التصرف في العبد وهو أولى به من نفسه، فله تعالى التصرف في ملكه ومملكته فقد قال جل شأنه عن جماعة: [وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً](1) مع أنه [ولا يظلم ربك أحدا](2) فله أن يضاعف حسنات ذوي الحقوق لأجل إسقاط حقهم، وله أخذ الحقوق منهم مقابل عفوه عنهم أو مقابل كرمه

ص: 298


1- سورة الفرقان: 23.
2- سورة الكهف: 49.

الدائم والخلود الأبدي الذي لا يستحقونه وتأتي الإشارة إلى توضيحه في الروايات.

2- قد يقال: إنه تعالى قال: [فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً](1) وقال: [إن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله](2) فالقوانين والسنن الإلهية جرت على معاقبة العصاة والطغاة بالنار

وجوابه: إن ذلك تمسك ببعض الكتاب وترك للباقي فكيف تكون الشفاعة خروجاً عن السنن الإلهية وقد ذكرها الله تعالى في كتابه واثبتها، فهي أيضاً من النواميس الإلهية وإبطالها موجب لتقييد القدرة الإلهية، وتحديد دائرة التصرف والاختيار الإلهية، ورفضها رفض لبعض آيات الذكر الحكيم: [افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض](3).

ص: 299


1- سورة فاطر: 43.
2- سورة الأنعام: 153.
3- سورة البقرة: 85.

3- قد يقال: إن آيات الشفاعة متشابهة وغير واضحة.

وجوابه: أن سلمنا وقلنا بذلك فهناك آيات محكمات ترجع إليها المتشابهات ويتضح بذلك معناها.

حدود الشفاعة وفيمن تجري

لا تنفع الشفاعة ولا تجري ولا تشمل جماعات وطوائف، منهم المشركون والمنافقون والكفار [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] وقال جل ذكره حاكياً عنهم: [فما لنا من شافعين](1)

وكذا لا تجري في تاركي الصلاة وما نعي الزكاة والذين يتبعون كل ناعق فقد حكى جلّ ذكره عند ما يسألون: [ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين](2)

ص: 300


1- سورة الشعراء: 100.
2- سورة المدثر: 45.

وقال عن المنافقين: [في الدرك الأسفل من النار]

واما غيرهم فيمكن جريان الشفاعة في حقهم: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً] ومن الرحمة التي لا يقنط منها الجميع هي الرحمة المهداة التي قال (صلی الله علیه و آله): «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»(1)

كما تلقت الأمة هذا الخبر بالقبول.

وبذلك عرفنا حدود الشفاعة وعدم تعديها وشمولها للكفار وما ذكرنا من الطوائف الأخرى، ومن الذين لا تشملهم الشفاعة المنكرون لها كما في الحديث الشريف عن الصدوق في الامالي والعيون عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي»(2).

ص: 301


1- الكافي للحلبي: ص469 وأورده الشيخ في تفسيره البيان: ج1 ص213.
2- اعتقادات الشيخ المفيد: ص66 ورواه أيضا في أماليه المجلس الثاني الحديث4.

من هم الشفعاء

لا شك أن الشفعاء هم الذين ارتضاهم الله تعالى ورضى لهم قولا وأذن لهم في الشفاعة، وهذا عنوان عام وأبرز مصاديقهم الأنبياء والملائكة حيث قال جل ذكره: [وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى](1) ومن يليهم من الشهداء بالحق كما قال عزّ ذكره: [إلا من شهد بالحق وهم يعلمون](2) وفي الروايات مزيد توضيح فننقل منها شواهد.

1- ما جاء في خصال الصدوق (رحمه الله) بسنده عن علي (علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «ثلاثة يشفعون إلى الله تعالى فيشفّعون، الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء»(3).

ص: 302


1- سورة النجم: 26.
2- سورة الزخرف: 86.
3- قرب الإسناد: ص64، وخصال الصدوق: 156.

ولعل هذا الحديث يبيّن أعلى مراتب الشهداء دون الحصر.

2- عن الصدوق (رحمه الله) بسنده عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه قال: «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»(1).

3- ونقل العلامة المجلسي عن فردوس الديلمي عن النبي (صلی الله علیه و آله) أنه قال: «الشفعاء خمسة: القرآن والرحم والأمانة ونبيّكم وأهل نبيكم»(2).

4- وفي علل الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله(علیه السلام): «إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد، فإذا وقف بين يدي الله عز ذكره قيل للعبد انطلق إلى الجنّة وقيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تاديبك لهم»(3).

وقد جاء في أحاديث أخرى: أن شهر رمضان يحشر يوم القيامة على أحسن هيئة ويشفع، وكذا بعض الأعمال تتجسد يوم القيامة

ص: 303


1- بحار الأنوار: ج6 ص20.
2- بحار الأنوار: ج؟؟ ص43.
3- علل الشرائع: ص394.

كإدخال السرور على قلب المؤمن وغيرها وتشفع للإنسان في عرصات وظلمات القيامة، ومن الشفعاء القرآن الكريم، ومن الشفعاء السقط كما جاء في الروايات يقف محبنطئاً على باب الجنة فيقال له ادخل فيقول لا حتى يدخل أبواي(1).

إنكار الشفاعة موجب للخروج عن الإيمان

نقل الصدوق في الامالي بسنده عن الصادق(علیه السلام): «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج والمسألة في القبر والشفاعة»(2)،

والظاهر انه ليس المراد إنكارها جميعاً مقابل إنكار أحدها موجب للخروج عن ذلك كما جاء في روايات أخر.

ص: 304


1- التحفة السنية للسيد عبد الله الجزائري.
2- الأمالي للصدوق: ص370.

الانطباعات الخاطئة عن الشفاعة

من مراجعة المجتمعات الإنسانية والقوانين الوضعية التي وضعت لسعادة البشر ولتسيير أمور معاشه نرى أنه قد لا تتلائم القوانين والأحكام الوضعية مع مصالحه فلذا يلتجئ للهروب منها إلى الحيلة مع احترامها ظاهراً، لان الكل يعترف أنه لولا القوانين لاشتد الهرج والمرج وعمت الفوضى ولفقد الناس سعادتهم الظاهرية ولعاشوا كوحوش الغاب، وباحترام القوانين تسود السعادة البشرية، ومع ذلك فقد لا تتلائم بعض القوانين مع المصالح الشخصية لبعض الناس، فلذا تأتي مرحلة الشفاعة وليست الشفاعة هنا إسقاطا للقانون عن الجميع وعدم احترامه، بل استثناء لبعض الأفراد ويصح إطلاق الشفاعة هنا، فكذلك في الشريعة تكون مع حفظ القوانين واحترامها لكن قد يستثنى البعض لجهات خاصة كما أشرنا سابقاً.

ص: 305

نعم قد يتصور البعض أن الشفاعة في الآخرة توجب اتكال الفرد عليها مما يؤدي للطغيان والتمرد على القانون فكل ما يفعله جائز له بحجة أن شفاعة يوم القيامة مدخرة له ولا شيء عليه من الحساب كما قد يقال عن لسان بعض أهل الديانة المسيحية أن عيسى بن مريم(علیه السلام) قد عبد ربه وصلى وصام من أجلنا وصلب من أجلنا فلذا رفع عنا التكليف فلا نحتاج إلى أداء التكاليف، وقد يكون بعض هذه الأمة له هذا التصور وهو تصور خاطئ تنهى عنه الشريعة الغراء، فلم ينقل عن النبي وأئمة الدين أنهم قد اسقطوا عنا العبادة بل حذرونا كل التحذير من الاتكال على الشفاعة فحسب وقد جاء في وصاياهم: «لا تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاته»(1)

بل قد نقل عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله

ص: 306


1- بحار الأنوار: ج79 ص227.

عزوجل فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة»(1).

فيلزم أن لا نفهم الشفاعة فهما خاطئاً فهي من القوانين الإلهية التي لها أحكامها وحدودها كالوعد بالمغف---رة والتوبة وغيرها، فلذا جاءت الشريعة بقوانين واحكام للقضاء وحدود وتعزيرات وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترغيب والترهيب كل ذلك حفظاً للنظام الاجتماعي وإرشاداً للسعادة الأبدية والتخلف عنها تخلف عن السعادة، والمتأمل في حياة النبي (ص) يرى كيفية الحرص على تطبيق الشريعة وكذا أمير المؤمنين (ع) ولذلك سادت الشريعة على البشرية وكلما ابتعد الحكام عن الإسلام وقوانينه كلما أوجب لهم الذل والابتعاد عن الفضائل حتى طغت السياسات الغربية والخارجية على سياساتهم ودمرتهم واستعمرتهم وآل أمرهم إلى ما آل إليه.

ص: 307


1- بحار الأنوار: ج6 ص154.

وعد من رسول اللهصلی الله علیه و آله بالشفاعة

فكما أن هناك شفاعة عامة كذلك هناك شفاعة خاصة لبعض الأمة كما جاء في (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى)، عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي في أمورهم ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه»(1).

وساطة الأئمة علیهم السلام

نقل الصدوق في العيون بسنده عن الرضا عن آبائه(علیهم السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة وليّنا حساب شيعتنا فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عز وجل حكمنا فيها فأجابنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس

ص: 308


1- بحار الأنوار: ج8 ص29.

استوهبناها فوهبت لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح»(1). ولعلهم(علیه السلام) يطلبون من أصحاب الحقوق العفو مقابل إعطائهم درجات أخرى في الجنة فيطمعون في ذلك ويعفون فلا يكون هضماً لحقوقهم.

الكل محتاجون إلى شفاعة محمدصلی الله علیه و آله

في تفسير القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام): «ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد(صلی الله علیه و آله) يوم القيامة»(2).

وفي المحاسن بسنده قال: قال رجل لأبي عبد الله(علیه السلام): إن لنا جاراً من الخوارج يقول إن محمدا يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع، فقال أبو عبد الله(علیه السلام): «ما أحد من الأولين

ص: 309


1- بحار الأنوار: ج8 ص29.
2- تفسير القمي: ج2 ص202.

والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد(صلی الله علیه و آله) يوم القيامة»(1).

ولعله يوضح هذا المعنى نقل منظر من مناظر يوم القيامة كما جاء في تفسير القمي بسنده عن سماعة عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن شفاعة النبي(صلی الله علیه و آله) يوم القيامة قال: «يلجم الناس يوم القيامة العرق (ويرهقهم القلق) فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا (عند ربه)، فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا عند ربك، فيقول أن لي ذنباً وخطيئة، فعليكم بنوح فيأتون نوحاً فيردهم إلى من يليه، ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهون إلى عيسى(علیه السلام) فيقول عليكم بمحمد(صلی الله علیه و آله) فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه، فيقول انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخر ساجداً

ص: 310


1- بحار الأنوار: ج8 ص29 عن المحاسن.

فيمكث ما شاء الله فيقول الله عز وجل ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط وذلك قوله: [عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً](1)».

ونقل العياشي عن جعفر بن محمد(علیه السلام) أنه قال: «ما من نبي من آدم إلى محمد (صلوات الله عليهم) إلا وهم تحت لواء محمد(صلی الله علیه و آله)»(2)،

إلى غير ذلك من الروايات. وهذه الروايات لا تنافي كون الأنبياء لهم شفاعة، إذ شفاعتهم بعد أن تشملهم الشفاعة المحمدية(صلی الله علیه و آله)، ثم هم بدورهم يشفعون لأممهم ثم الشفعاء كل يقوم حسب مرتبته، ومن هذه الروايات يعلم أنه تعالى يأذن أولا للنبي(ص) في الشفاعة للأنبياء ثم يرضى شفاعة الأنبياء والأولياء والشهداء وغيرهم من الشفعاء بعد قبول الشفاعة فيهم.

ص: 311


1- بحار الأنوار: ج8 ص35.
2- بحار الأنوار: ج8 ص29.

صور من عرصات القيامة

جاء في تفسير فرات بن إبراهيم بإسناده عن الصادق(علیه السلام) قال: «قال جابر لأبي جعفر(علیه السلام): جعلت فداك يابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة إذا أنا حدثت الشيعة فرحوا بذلك، قال أبو جعفر(علیه السلام): حدثني أبي عن جدي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأولياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا محمد اخطب، فاخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لا بنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيام حياتي منبر من نور، ثم يقال لهما اخطبا،

ص: 312

فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها، ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل (علیه السلام): أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين: لله الواحد القهار، فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنّة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة... حتى يصيّروها على باب الجنّة، فإذا صارت على باب الجنّة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى الجنة؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة. قال أبو جعفر(علیه

ص: 313

السلام) والله يا جابر إنها ذلك اليوم تلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربنا أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله يا أحبائي ارجعوا وانظروا إلى من أحبكم لحب فاطمة، انظروا إلى من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا إلى من كساكم لحب فاطمة، انظروا إلى من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة، فقال أبو جعفر: والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو مشرك أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: [فما لنا من شافعين ولا صديق حميم] فيقولون [فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين] قال أبو جعفر (علیه السلام): «هيهات هيهات منعوا ما طلبوا [ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون]»(1)،

ص: 314


1- سورة الأنعام: 28.

إلى غير ذلك من الروايات التي لا يسع المجال لنقلها.

خاتمة المطاف

قال الطبرسي في مجمع البيان في الآية 49 من سورة البقرة عن الشفاعة:

وهي ثابتة عندنا للنبي(صلی الله علیه و آله) ولأصحابه المنتجبين وللأئمة من أهل بيته الطاهرين ولصالحي المؤمنين، وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين، ويؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قوله(صلی الله علیه و آله): «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وما جاء في روايات أصحابنا مرفوعاً عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «اشفع يوم القيامة فاشفّع، ويشفع علي فيشفّع، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجبوا النار» ولعله إليه يشير قوله تعالى: [الاخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين] فإن الله تعالى يرتضي شفاعتهم ودينهم، دون

ص: 315

المنحرفين عن أهل بيت النبي(صلی الله علیه و آله) لا يرتضيهم الله كما جاء عن الرضا(علیه السلام): «أنه ارتضى دينه» وكما في المحاسن بسنده عن الصادق(علیه السلام) أنه قال: «أن الجار ليشفع لجاره والحميم لحميمه، ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين شفعوا في ناصب ما شُفّعوا».

لان الله تعالى لا يأذن ولا يرتضي هذه الشفاعة.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم قال القاضي عياض: مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلاً ونقلاً، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات والخبر الصادق وقد جاءت الآثار التي بلغت مجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها.

ص: 316

استحباب التكنية

«فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب وقال: السلام عليكِ يا بنت رسول الله، فقلت: وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين.

فقال: يا فاطمة أني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله.

فقلت: نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء، فأقبل علي نحو الكساء وقال: السلام عليك يا رسول الله أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء».

يستفاد من هذه الفقرة أنه تستحب التكنية، كما يستحب احترام الناس بذكر كناهم، كما قالت (علیها السلام): أبو الحسن، والمراد بقولها (علیها السلام) (فأقبل عند ذلك أبو الحسن) إما الزمان أو الوقت أو ما أشبه ذلك، على إحدى المعاني، فحين ذلك الوقت الذي اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة تحت الكساء جاء الإمام علي، (علیه

ص: 317

السلام) و(عند) وشبهه قد يكون زمانياً، وقد يكون مكانياً، وقد يكون معنوياً مثل قوله سبحانه: [وما عند الله خير وأبقى](1)، إذ أن الله سبحانه وتعالى لا زمان له ولا مكان، ولا إشكال من حيث اختلاف السياق الذي هو خلاف الظاهر فيما إذا كان هناك قرينة كما في قوله تعالى: [ما عندكم ينفذ وما عند الله باق](2).

حيث إن [عند] في الإنسان يكون على الأقسام الثلاثة، بينما عند الله سبحانه وتعالى ليس إلا معنوياً، فهو مثل قوله تعالى: [تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك](3)، فإن الله سبحانه وتعالى لا نفس له وإنما جيء بكلمة نفس للسياق فقط.

والفرق بين (أقبل) و(جاء) و(أتى) أن الأول دال على الإتيان مع نوع الإقبال بخلاف جاء، كما أن أتى فيه إشراب معنى: الإعطاء،

ص: 318


1- سورة الشورى: 36.
2- سورة النحل: 96.
3- سورة المائدة: 116.

ولذا ورد [وآتوا الزكاة](1) بينما جاء وأقبل ليس فيهما هذا الإشراب.

استحباب السلام على الزوجة

يستحب السلام على الزوجة واحترامها كما قال الإمام علي (علیه السلام): «يا بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله)» وقد يجب احترامها ، ولا يخفى أن سيرة الرسول (صلی الله علیه و آله) وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) كانت قائمة على احترام المرأة احتراماً لائقاً بكرامتها ومكانتها الإنسانية الإسلامية، حيث لخصها علي (علیه السلام) في قوله: «فإن المرأة ريحانة وليس بقهرمانة»(2).

ص: 319


1- سورة البقرة: 43.
2- مستدرك الوسائل: ج14 ص251.

وقبل ذلك قال القرآن الكريم: [ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة](1).

وهذا تلخيص جيد يشمل كل شؤون المرأة.

إن الغرب وبعض المسلمين في العصر الحاضر كلاهما أساؤوا إلى المرأة، حيث أن الغرب أفرط فيها، وبعض المسلمين فرطوا فيها إلا من عصمه الله من المسلمين.

ولا يؤخذ على المسلمين ما ورد في الآية الكريمة: [واهجروهن في المضاجع واضربوهن](2) لأنه:

1: إن الضرب إنما هو بقصد الردع لا الإيلام والإيذاء وهو مقيد بالحد الأدنى ولذا قالوا الضرب بالسواك وما أشبه.

2: إنه أقل سوء من الفضيحة التي تنتهي إلى المحاكم وإفشاء الأمر فهو من باب الأهم والمهم.

ص: 320


1- سورة البقرة: 228.
2- سورة النساء: 34.

3: الضرب من باب النهي عن المنكر فيما لو اضطر إلى الضرب، ولذا جاز عكسه إذا فعل الزوج المنكر وتوقف النهي على الضرب.

احترام الزوج

يستحب وقد يجب - كل في مورده - احترام الزوج ومن مصاديق ذلك ذكر كنيته ولقبه، فإنه كما يجب على الرجل احترام المرأة كذلك يجب على المرأة احترام الزوج فإن ذلك يوجب تقوية العلاقة الزوجية.

التعرف على حياة المعصومين علیهم السلام

يستحب وقد يجب تتبع حالات المعصومين (علیهم السلام) وآثارهم وخصوصيات سيرتهم وحياتهم، كما يدل على ذلك جملة من الشواهد فإن التكرار من الحسن ثم الحسن ثم علي (علیهم السلام) بأني أشم عندك رائحة طيبة، يدل على أمرين:

ص: 321

1: تتبعهم لكل الأحوال والخصوصيات حتى مثل خصوصية وجود رائحة طيبة في البيت.

2: تتبعهم حال الرسول (صلی الله علیه و آله) بكل دقة وقمة وأنه (صلی الله علیه و آله) أين يذهب؟ وأين ينزل وماذا يفعل وما أشبه، وذلك ينفع في التأسي به وفي تذكير الآخرين وقد ذكر المؤرخون أن المسلمين كانوا يتتبعون حال الرسول (صلی الله علیه و آله) لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة حتى أنهم تطرقوا لسفر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى الحج وذكروا عدد من أردفهم وهو على الناقة، بل وذكروا اسم كل فرد ممن أردفهم، كما أنهم ذكروا أين نزل وأين صلى، وذكروا أن فالمكان الفلاني وجدوا حيّة؟؟ وما أشبه ذلك من الخصوصيات.

التواجد بمحضر أولياء الله

يستحب التواجد في محافل ومجالس أولياء الله لما له من الآثار والثمار.

ص: 322

روايات؟؟؟

الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

ولد الإمام (علیه السلام) بمكة في البيت الحرام(1)

يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلة خصه الله بها إجلالاً له وإعلاء لرتبته وإظهاراً لتكرمته (علیه السلام).

أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول الله (صلی الله علیه و آله) بمنزلة الأم، ربته في حجرها، وكانت من السابقات إلى الإيمان وهاجرت معه (صلی الله علیه و آله) إلى المدينة وكفنها النبي (صلی الله علیه و آله) بقميصه وتوسد في قبرها لتأمن بذلك ضغطة القبر ولقنها الإقرار بولاية ابنها علي (ع) كما اشتهرت الرواية.

ص: 323


1- بحار الأنوار: ج35 ص8.

وكان (علیه السلام) هاشمياً من هاشميين وأول من ولّده هاشم مرتين، أي من قبل الأب والأم، فمن جهة الأب هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف ومن قبل الأم فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

كنيته (علیه السلام) :أبو الحسن وأبو الحسين وأبو تراب،

أما ألقابه (علیه السلام) :أمير المؤمنين، يعسوب الدين والمسلمين، مبير الشرك والمشركين، قاتل الناكثين والمارقين.

أما صفته علیه السلام

عن أبي المؤيد الخوارزمي قال: رأيت علياً أبيض الرأس واللحية ضخم البطن ربعة من الرجال (وسيط القامة)

وذكر ابن مندة أنه (علیه السلام) كان شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما ذا بطن، وهو إلى القصير أقرب، أبيض الرأس واللحية

ص: 324

وزاد في صفاته البغدادي صاحب المحبر الكبير قال: إنه (علیه السلام) أدم اللون(1) حسن الوجه، ضخم ألكراديس(2).

عبادته علیه السلام

قال ضرار بن حمزة الكناني لمعاوية لما طلب منه أن يصف علياً (ع): (وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري، إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فبكى معاوية ووكفت دموعه على لحيته ما

ص: 325


1- الأدمة السمرة.
2- ألكراديس: كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس نحو المنكبين والركبتين والوركين والجمع كراديس.

يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وقال: رحم الله أبا حسن كان والله وكيف حزنك يا ضرار.

قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترفأ عبرتها ولا يسكن حزنها)(1).

زهده علیه السلام

قال أبو النوار - بياع الكرابيس - أتاني علي بن أبي طالب (ع) ومعه غلام فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه: اختر أيهما شئت، فأخذ أحدهما وأخذ علي الآخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعته وكفه ولبسه وذهب(2).

ص: 326


1- صفة الصفوة: ج1 ص122.
2- أسد الغابة: ج2 ص24.

وقال (علیه السلام): «رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت: أعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى»(1).

قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوم عيه فقدم جراباً مختوماً فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً فقدم فأكل، فقلت: يا أمير المؤمنين فكيف تختمه؟ فقال (علیه السلام): «خفت هذين الولدين أن يلثاه بسمن أو زيت»(2).

سيرته علیه السلام

قال صالح بياع الأكيسة: لقيت أمير المؤمنين علياً (علیه السلام) ومعه تمر يحمله قلت له: أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر أحمله عنك إلى بيتك، قال (علیه السلام): «ذو العيال أحق بحمله» فما

ص: 327


1- أعيان الشيعة: ج3 ص112.
2- شرح النهج: ج1 ص9.

أعطاني، فانطلق به إلى منزله فدخل به البيت ثم رجع بتلك الشملة وفيها قشور التمر فصلى بالناس(1).

وقال (علیه السلام) للحسن بعد أن ضربه ابن ملجم (لع): «يا حسن ابصروا ضاربي، أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت فأنا أولى بحقي وإن مت فاضربوه ضربة ولا تمثلوا به، فإني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، ثم قال (علیه السلام): يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تريقون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي»(2).

ص: 328


1- ينابيع المودة: 144.
2- الفصول المهمة: ص118.

صدقاته علیه السلام

قال علي (علیه السلام): «لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعين ألف دينار»(1).

وقال محمد بن هشام: ركب الحسين (علیه السلام) دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى أن يبيع وقال: «إنما تصدق بها أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست ببائعها»(2).

عفوه علیه السلام

عفا علي (علیه السلام) عن عائشة وجهزها بأحسن ما يكون إلى المدينة، كما عفا عن مروان بن الحكم وعن عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص في معركة الجمل وعن غيرهم في غيرها.

عتقة (ع) للعبيد

ص: 329


1- أسد الغابة: ج4 ص23.
2- أعيان الشيعة: ج3 ص77.

أعتق الإمام علي (علیه السلام) ألف مملوك من ماله الذي تجفى فيه يداه ويعرق فيه جبينه، التماس وجه الله عزوجل ورضائه(1).

علمه علیه السلام

قال الإمام علي (علیه السلام): «علمني رسول الله (صلی الله علیه و آله) ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب»(2).

وقال (علیه السلام): «لو ثنيت لي الوسادة لذكرت في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم حمل بعير»(3).

وقال سعيد بن المسي: (ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب)(4).

ص: 330


1- نور الثقلين: ج5 ص16.
2- ينابيع المودة: ص146.
3- تذكرة الخواص: ص3.
4- شرح نهج البلاغة: ج2 ص63.

شجاعته علیه السلام

قال الشيخ المفيد (رحمة الله علیه): (ومن آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال مثل ما عرف لأمير المؤمنين (علیه السلام) من كثرة ذلك على مر الزمان، ثم لم يوجد في صحاري الحروب إلا من عرته بشر ونيل منه بجراح أو شين إلا أمير المؤمنين فإنه لم ينله مع طول مدة زمان حربه جراح من عدوه ولا وصل إليه أحد منهم بسوء حتى كان مر أمره مع ابن ملجم (لع) على اغتياله إياه ما كان وهذه أعجوبة أفرده الله تعالى فيها بالآية وخصه بالعلم الباهر في معناها ودل بذلك على مكانه منه وتخصصه بكرامته التي بان بفضلها من كافة الأنام)(1).

ص: 331


1- كشف الغمة: ج1ص269.

الاعتقاد بالولاية

ثم قالت (علیه السلام): «قال له: وعليك السلام يا أخي ويا وصيي وخليفتي وصاحب لوائي قد أذنت لك، فدخل علي (علیه السلام) تحت الكساء، ثم أتيت نحو الكساء وقلت: السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله أتأذن لي أن اكون معكم تحت الكساء، قال: وعليكِ السلام يا بنتي ويا بضعتي قد أذنت لكِ فدخلت تحت الكساء».

يفهم من الآيات مثل: [يا أيها الرسول بلغ] والأحاديث مثل «حديث الثقلين»، وقد مضى البحث فيهما: لزوم الاعتقاد بولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) وأنه أخ الرسول (صلی الله علیه و آله) ووصيه وخليفته والإمام من بعده كما صرح بذلك رسول الله

ص: 332

(صلی الله علیه و آله) في مواطن عديدة ومنها في حديث الكساء حيث؟؟؟ «السلام عليك يا أخي ويا وصيي».

ولذلك فوائد كثيرة فإن الولاية لها آثار معنوية وأحكام شرعية وفوائد اجتماعية وسياسية قيادية لوضوح أن ولاية القادة الصالحين المستقيمين توجب إفاضة الله سبحانه وتعالى لطفه ورحمته على من يتبعهم ويتولاهم، كما أنها توجب الاستقامة في سلوك التابعين وتحضهم على مكارم الأخلاق.

والأحكام الشرعية المأخوذة منهم أحكام إلهية واقعية توجب خير الدنيا والآخرة.

التركيز على الاعتقادات

يلزم التأكيد على المسائل الاعتقادية وبيانها للناس وتذكيرهم بها، فإن التأكيد على المسائل الاعتقادية مهم جداً إذ بالاعتقاد ينحرف الإنسان أو يستقيم.

ص: 333

صاحب اللواء

وأما قوله: «صاحب لوائي» فإن علياً (علیه السلام) كما كان صاحب لوائه في الدنيا حيث إنه حامل اللواء في أكثر حروب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فهو صاحب لوائه في الآخرة مما يسمى في الروايات بلواء الحمد.

بنيان الإسلام على الولاية

جاء في الحديث المشهور والمعروف: (الإسلام بني على خمس) وقد جاءت روايات عديدة وغالبها صحيح على أن (الإسلام بنى على خمس) ومن جملة هذه الأشياء وأهمها الولاية لمحمد وآل محمد (علیهم السلام) ومن لم يكن معتقداً بذلك فحكمه حكم الكافر وحسابه حساب الكافرين

ص: 334

عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية»(1)،

وقد دلت الأحاديث على أن معرفة الأئمة (علیهم السلام) هو أفضل ركن كان في الإسلام ولذلك من جحد حقهم (علیهم السلام) فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد سأل زرارة المعصوم (علیه السلام) حول هذه: أي شيء هن ذلك أفضل؟ فقال: «الولاية أفضل لأنها مفتاحهن، والولي هو الدليل عليهن» قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: «الصلاة».

آل محمد علیهم السلام هم ولاة الأمر

إن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) هم ولاة أمر الله وخزنة علمه، وقد فوض لهم الله تعالى كثيراً من الأمور من أنهم خزنة علم الله وعيبة وحي الله وقد ذكرت الزيارة الجامعة الكبيرة لأهل البيت

ص: 335


1- سفينة البحار: ج8 ص600.

(علیهم السلام) الكثير من المعارف والأسرار والعلوم في حق أهل البيت (علیهم السلام).

قال ابو عبد الله (علیه السلام): «إن الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزانة في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة وبعبادتنا عبد الله عزوجل ولولانا ما عبد الله»(1).

وقال الإمام الرضا (علیه السلام): «الأئمة خلفاء الله عزوجل في أرضه»(2).

وقال أبو عبد الله (علیه السلام): «الأوصياء هم أبواب الله عزوجل التي منها يؤتى منها، ولولاهم ما عرف الله عز وجل، وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه»(3).

ص: 336


1- الكافي: ج1 ص193.
2- الكافي: ج1 ص193.
3- الكافي: ج1 ص193.

الحكمة في الولاية

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «من أراد التوكل على الله تعالى فليحب أهل بيتي، ومن أراد أن ينجو من النار فليحب أهل بيتي، ومن أراد الحكمة فليحب أهل بيتي، ومن أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليحب أهل بيتي، فوالله، ما أحبهم أحد إلا ربح في الدنيا والآخرة»(1).

ومتى آمن المسلم بولاية أهل البيت (علیهم السلام) فسينعكس من نور الأئمة عليه.

وفي الحقيقة أن كل مسلم يلتزم بأوامر الأئمة (عليهم السلام) سيدرك عاجلاً بأن نورهم وعلمهم قد أضاء قلبه وانعكس هذا النور على أعماله فأصبحت مثمرة ومفيدة.

ص: 337


1- مائة منقبة بن شاذان القمي: ص84 المنقبة 51 ط عام 1407ه- مدرسة الإمام المهدي (ع) قم.

الفرائض الإلهية مع الولاية مفيد

قال تعالى: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس].

في عيد الغدير السعيد أمر الله الرسول (صلی الله علیه و آله) أن يبلغ الناس أعظم فريضة إلهية، إذ قال الله تعالى فيها وللتدليل على مدى عظمتها: [وإن لم تفعل فما بلغت] ويمكن إدراك أهمية الولاية من خلال الآية الشريفة حيث إنها يجب أن ترافق كافة الفرائض والعبادات وإلا لكانت هذه العبادات غير مجدية.

إبلاغ الولاية واجب على الجميع

كما أن التكاليف الإلهية والأحكام الشرعية والكتاب الكريم والسنة المطهرة أمانة في أعناقنا وعلينا أن نؤديها إلى الأجيال التي بعدنا كما أدت ذلك الأجيال السالفة إلينا فهكذا أمر الولاية لأنها

ص: 338

نظام الدين وهذا الأمر لا ينتهي إلى يوم القيامة، فعلى الأجيال أن تتناقله جيلاً بعد آخر، كما أن سائر الواجبات والفرائض الإلهية تنقل من جيل إلى جيل ومن إنسان لآخر، فكذلك الولاية إذ أنها فرض إلهي فعلى جميع المسلمين أن يكونوا من أهل الولاية.

ولاية الأئمة حصن الله

ولاية الأئمة (علیهم السلام) هي حصن الله المنيع وهي الدافع والراد عن الناس يوم الحساب فالذي يكون موالياً لهم عارفاً بحقهم فهو في هذا الحصن وهو الآمن من العقاب وقد دلت روايات كثيرة على ذلك.

فعن الإمام الرضا (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن علي (علیه السلام) عن النبي (صلی الله علیه و آله) عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم قال: «يقول الله

ص: 339

عزوجل: ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»(1).

وقال الإمام الصادق (علیه السلام): «ثلاث هن فخر المؤمن وزينته في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل ويأسه عما في أيدي الناس وولايته للإمام من آل محمد (صلی الله علیه و آله)»(2).

طاعة آل محمد صلی الله علیه و آله

إن طاعة أهل البيت (علیهم السلام) هي طاعة الله تعالى وعدم طاعتهم معصية الله، فيجب على المكلف أن يطيعهم بما أمروا به دون زيادة أو نقيصة، فلو تعمد التقصير ولو بشيء قليل فقد عصى الله تعالى، وإن معصيتهم، وعدم الائتمار بأمرهم من كبائر المعاصي الذي أشار إليها الشارع بالعقوبة وقد دل على ذلك جملة من الأخبار.

ص: 340


1- بحار الأنوار: ج39 ص346.
2- بحار الأنوار: ج72 ص107.

عن أبي جعفر (علیه السلام) في قول الله عزوجل: [فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً] قال: «جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرؤون في إبراهيم (علیه السلام) وينكرونه في آل محمد (صلی الله علیه و آله) قال: قلت: وآتيناهم ملكاً عظيماً؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم»(1).

آل محمد عليهم السلام هم الورثة

لا شك ولا ريب أن آل محمد (علیهم السلام) هم الورثة للنبي (صلی الله علیه و آله) وهذا ما نص عليه القرآن الكريم: [وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله] وقال تعالى: ]قل لا

ص: 341


1- الكافي: ج1 ص306.

أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى[(1)، وقوله تعالى: [والأقربون أولى بالمعروف].

وغير ذلك من الأدلة وقد ادعى إجماع الإمامية على أن الأقرب يمنع الأبعد، وقد دلت في زيارة وارث على أن الإمام الحسين (علیه السلام) وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام) وسائر النبيين والأوصياء، ولا شك أن الأئمة (علیهم السلام) هم الذين يرثون هذا النبي (صلی الله علیه و آله) وقد ورد أن الأئمة (علیهم السلام) ورثوا النبي (صلی الله علیه و آله) في كل شيء من العلم والحلم والميراث حتى الراية التي كان للنبي (صلی الله علیه و آله) ودرعه ولامته ومغفره وحتى ألواح موسى (ع) وعصاه وعندهم خاتم سليمان (ع) والطست الذي كان موسى (ع) يقرب به القربان، وعندهم الاسم الأعظم،

ص: 342


1- سورة الشورى: 23.

وكانوا (علیهم السلام) يلبسون لباس رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما كان يفعل الإمام الباقر والصادق وكذلك القائم .

عن سعيد السمان قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة)(1).

عدم قبول العبادة والأعمال بدون ولاية الأئمة علیهم السلام

من جملة ما ثبت شرعاً أن الولاية شرط قبول الأعمال، فإن الأعمال التي تكون من الناس غير مقبولة صحيحة وإن كانت على وجه الصحة طالما لم يكن هناك ولاية لأهل البيت (علیهم السلام)، وكل شخص يعلم ولايتهم وحقهم من خلال الإطلاع على الأحاديث ثم أنكر ولم يعترف بولايتهم فلو صلى ما صلى وصام ما صام وقضى حياته في القيام لن يقبل منه،

ص: 343


1- الكافي: ج1 ص238.

قال المحقق الشيخ محمد بن محمد بن الحسن المعروف بنصير الدين الطوسي (رحمة الله علیه) في مقام الولاية.

لو أن عبداً أتى بالصالحات غداً ***وودّ كل نبي مرسل وولي

وصام ما صام صواماً بلا ضجر***وقام ما قام قواماً بلا مللِ؟؟

وحج ما حج من فرض ومن سنن ***وطاف ما طاف حافٍ غير منتعل

وطار في الجو لا يأوى إلى أحد***وغاص في البحر مأمونا من البلل

يكسو اليتامى من الديباج كلهم***ويطعم الجائعين البر بالعسل

وعاش في الناس آلفاً مؤلفة***عار من الذنب معصوماً من الزلل

ما كان في الحشر عند الله منتفعاً ***إلا بحب أمير المؤمنين علي(1)

البضعة وأقسام الخطاب

ورد التعبير بكلمة البضعة في الروايات عن شخصين: الزهراء والرضا (علیهم السلام) مع وضوح أن كلهم (علیهم السلام)

ص: 344


1- أعيان الشيعة: ج9 ص419 ط القديم.

بضعة من رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلا أن الخطاب قد يكون لمزيد العناية.

وكأن هذه الكلمة تفيد أن المخاطب جزء من المتكلم لأن بضعة الإنسان جزء منه وهي ليست على سبيل المبالغة بل هي صادقة بالنسبة إلى الوالدين والأولاد.

اجتماع القلوب والأجسام

ثم قالت (علیها السلام): «فلما اكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله (صلی الله علیه و آله) بطرفي الكساء وأومأ بيده اليمنى إلى السماء».

فكما أن الاجتماع مهم فكذا إظهاره زيادة على أصل الاجتماع، ولربما لذلك أخذ رسول الله (صلی الله علیه و آله) بطرفي الكساء.

فإن الأخذ بطرفي الكساء أوجب للتجمع وأدل على كثرة المحبة فإنه إذا كان التجمع ألصق بعضه ببعض كانت القلوب أقرب، ولربما كان لذلك استحباب أكل الجماعة من إناء وصحن واحد،

ص: 345

ولعل لهذه الجهة أيضاً عبر القرآن الحكيم عن الزوجين بقوله: [هن لباس لكم وأنتم لباس لهن](1).

ولا يخفى أن تجمع القلوب وتقاربها مبعث كل خير لأنه يوجب التعاون على البر والتقوى والتقدم في الحياة.

ولنتقارب القلوب أسباب ظاهرية وأخرى خفية وباطنية، فالظاهرية منها الاقتراب من الناس وهذا يوجب محبتهم، إما الخفية فكالخوف من الله قال تعالى: [لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم](2)، وفي الآية الكريمة: [بقلب سليم](3).

والتجمع المتلاصق تحت الكساء من مظاهر التجمع الظاهري.

وفي كثير من الأحاديث دلالة على أنهم (علیهم السلام) كانوا يجتمعون في مناسبات مختلفة حتى قبل خلق الخليقة في العرش كما

ص: 346


1- سورة البقرة: 187.
2- سورة الأنفال: 63.
3- سورة الشعراء: 89.

ورد في الرواية، وكذلك كانوا (علیهم السلام) يجتمعون في حال حياتهم وبعد مماتهم كما اجتمعوا في مصرع الحسين (علیه السلام) ليلة الحادي عشر من محرم كما ورد في المقاتل(1).

الإشارة في الأمور الهامة

ترجح الإشارة في الأمور المهمة، ومن مصاديق الإشارة إلى السماء حين الدعاء وكذا إلى العظماء، ورجحانها في الأعم يستفاد من ملاك هذا الحديث وله شواهد ومؤيدات أخرى، فإن في الإشارة تأكيد للهدف الذي يتوخاه الإنسان لأنه تنسيق بين العمل والقول، فمن سألك عن الطريق تقول من الجانب الأيمن وتشير إليه أيضاً، إلى غير ذلك من الأمور خصوصاً إذا كانت لها أهمية.

وكما تستحسن الإشارة في الأمور الحسنة تستقبح في الأمور السيئة وقد قال الكفار: [كذاب أشر](2).

ص: 347


1- معالي السبطين: ج2 ص45.
2- سورة القمر: 25.

وأجابهم سبحانه: [سيعلمون غداً من الكذاب الأشر](1).

وقال الإمام الحسين (علیه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً»(2).

فالأشر: الفرح المتكبر الطاغي، وربما من يشير استهزاء.

والبطر: من بطرته النعمة وسببت له غروراً وعدم مبالاة بالحياة وبتغيراتها.

والمفسد: من يفسد المصالح ويحرفها عن الطريق الطبيعي.

والظالم: يشمل بإطلاقه من يظلم نفسه أو الناس أو الحيوان أو الجماد.

ثم قد تكون الإشارة لمجرد الدلالة كما قال تعالى: [فأشارت إليه فقالوا كيف نكلم في المهد من كان صبياً](3).

ص: 348


1- سورة القمر: 26.
2- مقتل الحسين للمقرم: ص139.
3- سورة مريم: 29.

أنواع الإشارة وأحكامها

يرجح أن تكون الإشارة بتمام الكف وشبهها وتحرم فيما إذا تضمنت استهزاء وشبهه وكان من عادة الرسول (صلی الله علیه و آله) إذا أشار أشار بكفه كلها(1)،

لأن فيه نوعاً من الاحترام كما أنه (ص) إذا أراد التكلم مع أحد كان يتوجه إليه بكل بدنه لا برأسه فقط لأن التوجه بكل البدن فيه نوع من الاحترام.

والإشارة في هذه الأماكن مستحبة وقد تكون واجبة لأسباب عارضة كما أن الإشارة الموجبة للإيذاء أو الإهانة محرمة.

وقد كان من المحرم على الرسول (صلی الله علیه و آله) الإشارة الخفية بعينه فيما يقصد إخفاءه في جلسائه كما ورد في هذا الاختصاص في قصة الحكم بن العاص حيث كان الرسول (صلی الله علیه و آله) قد أمر بقتله لكن الأصحاب لم يقتلوه عندما حضر مجلس الرسول (صلی الله علیه و آله) واعتذروا أنه لم يشر إليهم

ص: 349


1- سنن النبي (ص) للطباطبائي: ص103.

بعينه فقال الرسول (صلی الله علیه و آله) حسب الرواية(1):

«ألم تعلموا أن الإشارة بالعين محرمة عليّ»(2).

وكذلك فإن من المحرم خائنة الأعين ومعنى خائنة الأعين، خيانتها في المحرمات مثل النظر إلى ما يحرم النظر إليه من النساء الأجنبيات وبالعكس في الرجال والفرق بين النظر وبين خائنة الأعين أن النظر ليس فيه إخفاء بينما خائنة الأعين يتضمن معنى الإخفاء.

رفع اليد حين الدعاء

يستحب رفع اليد إلى السماء حين الدعاء وقد ورد التصريح بهذا في الحديث معللاً بأن الأرزاق والمقادير الإلهية تنزل من السماء.

ص: 350


1- بحار الأنوار: ج22 ص188.
2- قريب منه في سنن النبي: ص128، وبحار الأنوار: ج16 ص388.

ويستحب تقديم الميامين في الأعمال وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يبدأ بميامنه كما في الأحاديث(1).

استحباب الدعاء في كل الأحوال

الدعاء راجح في كل حال، فإن الدعاء سلاح المؤمن(2).

وقال تعالى: [وقال ربكم ادعوني استجب لكم](3)، وقال تعالى: [قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم](4).

الحاجة الدائمة والدعاء الدائم

يحتاج الإنسان احتياجاً دائماً إلى الباري عزو جل، ومن ثم عليه أن يدعوه في كل لحظة فطالما يعترف الإنسان بعجزه فيجب أن يتوجه إليه بالدعاء بشكل مستمر.

ص: 351


1- وسائل الشيعة: ج1 ص316.
2- وسائل الشيعة: ج4 ص1094.
3- سورة غافر: 60.
4- سورة الفرقان: 77.

والإنسان يجب أن يكون على يقين تام من إجابة دعائه ومتى كانت له مصلحة في ذلك [أجيب دعوة الداعي إذا دعان] وفي هذا أيضاً إجابة على الشبهة التي قد يتصورها البعض من أن الدعاء هو عدم الرضا بقضاء اله وقدره فإن الدعاء هو روح العبادة «الدعاء مخ العبادة»(1)

ومن ثم فهو لا يتنافى مع التسليم والرضا بالأمر الإلهي فدعاء العبد لا يكون بهدف الاعتراض على القضاء والقدر الإلهي بل هو تعبير عن مدى عجزه وتعبده.

المعرفة رمز الدعاء الحقيقي

كل ما لدى الإنسان من قوة وفكر واقتداء هي عطاء من الله تعالى ولا تصدر الأعمال عن الإنسان إلا بإذنه سبحانه وتعالى وكل من لم يدرك حتى الآن بأن الجميع فقراء إلى الله وعبيد له لا يمكن أن

ص: 352


1- وسائل الشيعة: ج7 ص28 ح14.

يصل إلى مرحلة الدعاء الحقيقي فالكل محتاج إلى الله والله هو الغني المطلق.

منهج السعادة في الدعاء

في دعاء الإمام الحجة : «وتفضل على العلماء بالزهد والنصيحة، وعلى المسلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والصحة، وعلى موتاهم بالأمنة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة».

ويعتبر هذا الدعاء منهاجاً ونظاماً قائماً على الدين الإسلامي الحنيف وهو يمثل المنهج الإسلامي لاتباع صاحب الزمان فإن اتبعوه حصلوا على السعادة الأبدية وإن خالفوه فقد انتهجوا سبيل الشيطان.

ص: 353

الفضل الإلهي في إجابة الدعاء

إن الله عز وجل يتفضل على عباده المؤمنين عندما يستجيب لدعائهم وتوسلاتهم وإلا فإن هذه الأدعية لا تعني الإجابة المحتمة إلا أن الله عزوجل وبرحمته الواسعة التي تشمل كل شيء يتقبل منا حتى القول فقط (يا الله) التي تعودنا على ترديدها رغم أننا قد لا تكون صادقين أو لا نقصدها حتماً.

فالقلب العاصي أسير الشهوات وذلك دليل عدم نقاء القلب وطهارته، وطالما تعلق القلب بالشهوات فقد بعد عن الله عز وجل ثم إنه ليس للعبد أن يعترض على اله لماذا تأخرت الإجابة عنه؟ فالأمور كلها بيد الله عز وجل وهو الولي المطلع والمالك على الإطلاق نعم قد وعد الله عز وجل بالاستجابة حيث قال في الآية الشريفة: [أمن يجيب المضطر إذا دعاء ويكشف السوء].

ص: 354

معنى أهل البيت واطلاقاته

ثم قالت (علیها السلام) وقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي، لحمهم لحمي ودمهم دمي».

يستحب وقد يجب كل في مورده إبلاغ الناس بأن الأربعة الأطهار: علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) هم أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) وخاصته وحامته دون غيرهم.

ثم لا يخفى أن (أهل البيت) له اطلاقان:

أحدهما: يشمل الرسول (صلی الله علیه و آله)

والآخر: لا يشمله (صلی الله علیه و آله)

وفي المقام لا يشمل الرسول (صلی الله علیه و آله) لأنه هو القائل أهل بيتي، أما في آية التطهير فيشمل الرسول (صلی الله علیه و آله) أيضاً وهذا متعارف عند العرب.

ص: 355

ومثله الآل، فقد يقول آل الرسول ويراد به غير الرسول وقد يراد به حتى الرسول أيضاً ويؤيده قوله سبحانه: [إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين](1).

مع وضوح أن إبراهيم وعمران (عليهما السلام) كانا داخلين أيضاً.

وفي آية أخرى: [ادخلوا آل فرعون أشد العذاب](2).

ولقد صرح الرسول (صلی الله علیه و آله) في موارد متعددة(3)

بأن هؤلاء الأربعة (علیهم السلام) هم أهل بيته، كي لا يتوهم شموله لنسائه أو سائر من كان في تلك البيوت كالخدم.

كما أن أهل البيت (علیهم السلام) يشمل سائر المعصومين إلى الحجة المهدي بدلالة متواتر الروايات، والتي منها ما ورد في

ص: 356


1- سورة آل عمران: 33.
2- سورة غافر: 46.
3- راجع مصادر أحاديث الكساء الماضية تجد ذلك.

زيارة الجامعة الكبيرة التي نقرأ عند مرقد كل إمام: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة».

من هم الحامة

حامة النبي (صلی الله علیه و آله) الواقعيون وبالمعنى الدقيق للكلمة هم: علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) حيث خصهم بالذكر في هذا المقام الهام، وهو مقام مناجاته (صلی الله علیه و آله) ربه، ولو كان آخر معهم للزم ذكره مع ملاحظة أهمية المقام وكون المناجي هو النبي (صلی الله علیه و آله) والمناجى هو الله سبحانه وتعالى.

ومن المعلوم أن (حمي) غير (حمّ) وهذه المادة من حمم لا من حمي، ففي لسان العرب الحامة خاصة الرجل من أهله وولده، والحميم القريب الذي توده ويودك.

فالحميم يطلق على القريب الذي له علقة وحرارة خاصة مع صديقه لا على كل صديق.

ص: 357

التذكير بوشائج القربى

«لحمهم لحمي ودمهم دمي».

من الأمور المهمة التذكير بوشائج القربى لأنه مما يوجب تزايد المحبة بين الأقرباء كما قال (صلی الله علیه و آله): «لحمهم لحمي ودمهم دمي» وإنما كان لحمهم لحمه ودمهم دمه (عليهم الصلاة والسلام) جميعاً لأنهم خلقوا من نور واحد ومن أصل واحد ثم فرقوا بهذه الصورة، كما يدل على ذلك جملة من الروايات كقوله (صلی الله علیه و آله): «خلق الناس من أشجار شتى وخلقني وأنت يا علي من شجرة واحدة»(1).

هذا بحسب المعنى وبلحاظ أصل الخلقة، أما بحسب المادة والتسلسل الجسمي الظاهري فإن لحمهم ودمهم (علیهم السلام) أيضاً نابت من لحم الرسول (ص) ودمه لأن الولد من الماء المتكون من الدم الجاري في العروق والممتزج باللحم وهو منشؤه أيضاً فكلهم (علیهم السلام) منه (صلی الله علیه و آله).

ص: 358


1- بحار الأنوار: ج15 ص19.

آل محمد أركان الأرض

الأئمة (علیهم السلام) هم أركان الأرض والسماء، وهذا ما جاءت به الأخبار وقد تواترت، فعن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «فضل أمير المؤمنين (علیه السلام) ما جاء به وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الطاعة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما لرسول الله (صلی الله علیه و آله) والفضل لمحمد (صلی الله علیه و آله) المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) والمتفضل عليه كالمتفضل على رسول الله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله والعياذ بالله.

فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله) باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلكه وصل إلى الله عزوجل، وكذلك كان أمير المؤمنين (علیه السلام) من بعده وجرى للأئمة (علیهم السلام) واحداً بعد واحد، وجعلهم الله عزوجل أركان الأرض أن تميد بأهلها، وعمد الإسلام ورابطة على سبيل هذه لا يهتدي

ص: 359

هاد إلا بهداهم ولا يضل خارج من الهدى إلا بتقصير عن حقهم، أمناء الله على ما أهبط من علم أو عذر أو نذر، والحجة البالغة على من في الأرض يجري لآخرهم من الله مثل الذي جرى لأولهم، ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله»(1).

سيرة النبي (صلی الله علیه و آله) مع أهل بيته (علیهم السلام)

إذا أردنا أن نعرف سرّ منزلة أهل البيت (علیهم السلام) عند المسلمين والباعث على إيمانهم بأهل البيت (علیهم السلام) فعلينا أن نلاحظ منزلة محمد (صلی الله علیه و آله) عند المسلمين وسيرته مع أهل بيته (علیهم السلام) وأن نلاحظ أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) وما أصابهم من المحن في سبيل تمسكهم بالحق والعدل والأخلاق، فكان النبي (صلی الله علیه و آله) إذا سافر فآخر بيت يخرج منه بيت فاطمة (علیها السلام) وإذا رجع من سفره فأول بيت يدخله بيتها يجلس ويضع الحسن (علیه

ص: 360


1- أصول الكافي: ج1 ص197.

السلام) على فخذه الأيمن والحسين (علیه السلام) على فخذه الأيسر يقبل هذا مرة ذاك أخرى ويجلس علياً وفاطمة بين يديه،

وفي الأحاديث أنه ركب الحسين (علیه السلام) على ظهره جده رسول الله (ص) وهو ساجد في الصلاة فكان يطيل سجوده وربما رفعه النبي (صلی الله علیه و آله) رفعاً خفيفاً ولما كان يفرغُ من الصلاة يضعه في حجره فكان يدخل أصابعه في لحيته والنبي (صلی الله علیه و آله) يضمه ويقبله: «ويقول اللهم إني أحبه».

وسار النبي (صلی الله علیه و آله) مرة وهو يحمل الحسن فقابله رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال النبي (صلی الله علیه و آله): «ونعم الراكب هو»(1).

ص: 361


1- بحار الأنوار: ج43 ص298.

ومرّ ببيت فاطمة (علیها السلام) فسمع حسيناً (علیه السلام) يبكي فحس بكاؤه شفاف؟؟؟ قلبه فهرع إلى فاطمة (علیها السلام) وقال لها: «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني»(1).

وفي ذات يوم بينا يخطب النبي (صلی الله علیه و آله) ويعظ المسلمين في مسجده جاء الحسن والحسين إلى جدهما، وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فلم يتمالك النبي (صلی الله علیه و آله) نفسه وترك الوعظ ونزل إليهما فأخذهما وعاد إلى المنبر وهو يضمهما ويشمهما ثم وضعهما في حجره وقال (صلی الله علیه و آله): «صدق الله العظيم: [إنما أموالكم وأولادكم فتنة]».

منزلة أهل البيت (علیهم السلام) عند المسلمين

أوصى القرآن الكريم بمودة أهل البيت (علیهم السلام) وأمر النبي (صلی الله علیه و آله) باتباعهم حيث ساواهم بكتاب الله

ص: 362


1- انظر بحار الأنوار: ج43 ص295 ب12 ضمن ح56 و لواعج الأشجان: ص12 للسيد محسن الأمين.

لذا، أولاهم المسلمون على اختلاف فرقهم قسطاً كبيراً من الرعاية والتبجيل، وفي التاريخ أنه كان لهم عند أبي بكر من التعظيم والإكبار ما لم يكن لأحد غيرهم، وكان عمر بن الخطاب يؤثرهم على جميع المسلمين حيث فرض لأبناء البدريين من العطايا ألفين في السنة إلا حسناً وحسيناً ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف.

وبعد انتقال الحكم إلى الأمويين أعداء آل محمد ومنهم إلى العباسيين الذين فاقوا الأمويين تقتيلاً وتنكيلاً بأهل البيت وشيعتهم، بقي المسلمون على حبهم وولائهم لأهل البيت (ع) فلم يكونوا على دين ملوكهم في بغض العترة الطاهرة بل كانوا على دين نبيهم في حب آله وتقديسهم، والأسئلة على ذلك كثيرة، منها أن سليمان بن عبد الله بن طاهر انهزم اختياراً حين حارب الحسن بن زيد في طبرستان.

ص: 363

ومنها أن المتوكل العباسي كلف ابن السكين بتأديب ولده المعتز بالله والمؤيد، وكان هذا الشيخ من عظماء الشيعة ولكنه لم يكتم التشيع حسبما يظهر من اختبار المتوكل له، لأن المتوكل كان معروفاً بالإغراق في العداء لأهل البيت (علیهم السلام)، وفي ذات يوم قال له المتوكل: أيهما أحب إليك ابناي هذان أي المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين ، فلم يملك الشيخ نفسه وقال له: والله، إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك، فأمر المتوكل ان يخرجوا لسانه من قفاه، ففعلوا ومات(1).

إن حب آل البيت (عليهم السلام)لم يختص بطبقة دون أخرى، أو فرقة دون فرقة، ومن تتبع سيرة أئمة المذاهب الأربعة لمس تعظيمهم لعلي وأبناء علي، فكان أبو حنيفة يحب أهل البيت (علیهم السلام) وأفتى بنصرة زيد بن علي وحمل إليه الأموال كما أفتى بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله الحسني لحرب المنصور،

ص: 364


1- الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج2 ص314.

وقال بعض المؤرخين: إن أبا حنيفة ضرب وعُذب لأن الخلفاء طلبوه ليتولى منصب القضاء فامتنع(1).

وحث الإمام مالك على خلع المنصور والخروج عليه وأفتى من بايعوه بفساد البيعة لأنهم بايعوا مكرهين.

أما الإمام ابن حنبل فكتابه (مسند أحمد) وغيره مشحون بفضائل أهل البيت (علیهم السلام).

وسئل الشافعي عن الإمام علي (علیه السلام) فقال: (ما أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حنقاً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين)(2).

وما عرف التاريخ أهل بيت أحبهم الناس من قوميات ومذاهب عديدة كآل البيت (علیهم السلام)، حيث أحبوهم أحياء وأمواتاً، وما من مسلم يصلي لله إلا يذكر محمداً وآله بالصلاة والتسليم.

ص: 365


1- راجع (سير أعلام النبلاء) للذهبي: ج6 ص401-402 ط9 عام 1413 مؤسسة الرسالة - بيروت.
2- سفينة البحار: ج1 ص426،

دفع الأذى عن آل الرسول

ثم قال (صلی الله علیه و آله): «يؤلمني ما يؤلهم ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالهم، وعدو لمن عاداهم، ومحب لمن أحبهم، إنهم مني وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

يجب دفع ما يؤلم ودفع ما يوجب الحزن عن أهل بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) لقوله: «يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم».

وإطلاقه يشمل حال حياته ومماته (ص) كحال حياتهم ومماتهم (عليهم السلام) إذ لا فرق بين الحالتين(1)،

ومما يوجب حزنهم

ص: 366


1- ولا شك أن قتل الإمام الحسين أوجب الحزن والألم على الرسول الأعظم وذلك لما دلت عليه الروايات والآيات: [أحياء عند ربهم يرزقون]، انظر من فقه الزهراء (ص) للإمام الشيرازي : ج1 ص165.

وأذاهم دون شك انتهاك حرمات الله والتجري على معصيته وخرق قوانينه ودساتيره.

والإيلام والأحزان بالنسبة إلى الروح واضح لأن الجماعة الواحدة والذين توجد بينهم أواصر قرابة أو صداقة يؤلمهم ما يؤلم أحدهم ويحزن أحدهم ما يحزن الآخرين، نظراً للرابطة العاطفية والمشاركة الوجدانية التي جعل الله سبحانه في أمثال هذه الموارد.

مواجهة أعداء آل الرسول

تجب محاربة من حارب أهل البيت (علیهم السلام) كما يستفاد من هذا المقطع، حيث إن من حارب علياً أو فاطمة أو الحسن أو الحسين (علیهم السلام) فقد حارب رسول الله (صلی الله علیه و آله) لقوله (صلی الله علیه و آله): «أنا حرب لمن حابهم».

وقد قال (صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(1).

ص: 367


1- تفسير القمي: ج؟؟؟ص533 في تفسير الآية 57 من سورة الأحزاب.

مناصرة أوليائهم علیهم السلام

يجب أن يكون الإنسان سلماً لمن سالم أهل البيت (علیهم السلام) كما كان الرسول (صلی الله علیه و آله) كذلك.

والمراد المسالمة لهم، أي من سالمهم (علیهم السلام) من حيث هو مسالم له وبهذا اللحاظ، فلا يقتضي ذلك عدم وقوع التنازع من حيث آخر ومن جهة ثانية كالتنازع في دين أو ميراث أو شبه ذلك، كما أن اطلاق الجملة السابقة يقتضي وجوب أن يحارب الإنسان من حارب أهل البيت (علیهم السلام) من غير فرق بين من حاربهم عسكرياً أو إعلامياً أو سائر أقسام الحروب.

وتحرم معاداة أهل البيت (علیهم السلام) ولا يخفى أن العداء غير الحرب، لأن العداء حالة نفسية قلبية وأن تعدت إلى الجوارح أحياناً، أما الحرب فلا تطلق إلا على حركة الجوارح.

ص: 368

محبة أهل البيت علیهم السلام

تجب محبة أهل البيت (علیهم السلام) تحصيلاً لحب النبي (صلی الله علیه و آله) لقوله (صلی الله علیه و آله): «محب لمن أحبهم»، كما يلزم حبهم أيضاً لذواتهم، فإحدى المحبتين طريقية والأخرى موضوعية ذاتية.

ويوضح ذلك ما قاله الرسول (صلی الله علیه و آله) بالنسبة إلى عقيل: «إني أحبه حبين حباً وله وحباً لحب أبي طالب له»(1).

ثم لا يخفى أنه لا يصح الاكتفاء بمحبتهم (علیهم السلام) عن الامتثال لأوامرهم والتي هي أوامر الله سبحانه وتعالى، فإن المحب الحقيقي هو الذي يتوخى رضى المحبوب ويلتزم بمنهجه ويطيعه في كل أعماله.

ص: 369


1- بحار الأنوار: ج22 ص288.

المحبة ودورها في التكوين والتشريع

من الكمالات إنماء المحبة السليمة المشروعة، فإن المحبة هي المحرك الأكبر نحو الفضائل، فمحبة الله سبحانه هي التي تبعث على إطاعة أوامره [والذين آمنوا أشد حباً لله](1).

وكذلك محبة الرسول (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) والصالحين، ومحبة الدخول في الجنة ومحبة الذكر الحسن كما قال تعالى: [واجعل لي لسان صدق في الآخرين](2).

ولذا ورد في الحديث الشريف: « وهل الدين إلا الحب»(3).

إضافة إلى أن الحب تدور عليه رحى الحياة، فالأم والأب يعتنيان بالأولاد وبتربيتهم نتيجة للمحبة.

ص: 370


1- سورة البقرة: 165.
2- سورة الشعراء: 84.
3- مستدرك الوسائل: ج12 ص219.

أما لماذا هذا الحب من الله تعالى لهم (علیهم السلام) لأنهم أكمل خلق الله سبحانه، ولأن المخلوق محبوب للخالق، ولأنهم أكثر خلق الله له طاعة وحباً.

توثيق الترابط بين الأقرباء

ينبغي توثيق عرى الترابط بين الأقرباء ومن طرقه تعريفهم وتذكريهم دوماً بأن بعضهم من بعض، خاصة إذا كانت لبعضهم منزلة رفيعة فإن ذلك فيما إذا كانوا جميعاً على الدين والإيمان مما يوجب تماسكهم،

أما في معنى (إنهم مني وأنا منه)، فيمكن أن يكون المراد من قوله (صلی الله علیه و آله) أحد الأمور:

منها: أن خلقتهم (علیهم السلام) كانت بسببه (صلی الله علیه و آله) وخلقته (صلی الله علیه و آله) كانت بسببهم، كما يستفاد هذا من حديث «لولاك ما خلقت الأفلاك..»(1)،

وتقريره أنه لولا

ص: 371


1- عوالم العلوم: ج11 ص26.

النبي (صلی الله علیه و آله) لم يخلق الله تعالى الأفلاك ونظائرها فلم يتيسر لأحد أن يحيى هذه الحياة، ولولا علي وفاطمة (علیهم السلام) لم يخلق الله تعالى النبي (صلی الله علیه و آله).

ومنها: المعنى الذي ربما يستظهر من قوله (صلی الله علیه و آله): «حسين مني وأنا من حسين» فإن الحسين (علیه السلام) منه (صلی الله علیه و آله) ولادة وهو من الحسين بقاءً.

ومنها: أن الاعتبار الدنيوي والمكانة الدنيوية في القلوب والأفكار وغيرها لأهل البيت (علیهم السلام) من النبي (صلی الله علیه و آله) وكذا

للنبي (صلی الله علیه و آله) في الدنيا من المنزلة والذكر الحسن.

ومنها: أن هذه عبارة عرفية تدل على شدة الترابط والتماسك بينه (صلی الله علیه و آله) وبينهم (علیهم السلام) وترمز إلى أن ما يصبه يصيبهم.

ص: 372

ومنها: أن الخلقة لولا خلق النبي (صلی الله علیه و آله) لم تدل على كمال الخالق، فلولاه (صلی الله علیه و آله) لم يخلق الله تعالى الخلق، إذ أنه حينئذ سيدل على عدم كمال قدرته كالبناء الماهر لا يبني الدار الناقصة لدلالتها على عدم كماله،

كما يستنبط من قوله (صلی الله علیه و آله): «إنهم مني وأنا منهم»، ثبوت الولاية التشريعية والتكوينية لأهل البيت (علیهم السلام) فالولاية التشريعية بمعنى أن بأيديهم التشريع، والتشريع فيهم، وهذا يعني نفس ما يعنيه الحديث الشريف الوارد فيه (صلی الله علیه و آله): «إن الله أدب نبييه على أدبه ففوض إليه دينه»(1).

أما الولاية التكوينية فبمعنى أن لهم (علیه السلام) أن يتصرفوا في الكون بإذنه تعالى، كما يتصرف عزرائيل (علیه السلام) بإذنه سبحانه في الإماتة، وكذلك بالنسبة إلى بعض الملائكة حيث قال سبحانه: [فالمدبرات أمراً](2).

ص: 373


1- بحار الأنوار: ج104 ص342.
2- سورة النازعات: 5.

الدعاء لأهل البيت علیهم السلام

يستحب الدعاء لأهل البيت (علیهم السلام) بمثل هذه الكلمات التي دعى رسول الله (ص) بها: «فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم».

ولا يخفى أنهم (علیهم السلام) يمتازون بصلوات ورحمة وبركة وغفران ورضوان خاص من الله بهم لا يشاركهم فيها أحد من الأولين والآخرين.

كلام الله سبحانه

فقال الله عزوجل: «يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء».

ص: 374

ورد في الكتاب الكريم: [وكلم الله موسى تكليما](1)، فيلزم الاعتقاد بأن الله تعالى متكلم بالمعنى الصحيح، لذلك وقد ثبت في علم الكلام أن الله سبحانه وتعالى لا يتكلم كتكلمنا بفم وشفة لاستحالة ذلك في حقه لأنه تعالى ليس بجسم ولا هواء هناك إلى غير ذلك من شرائط الكلام المعهودة الممتنعة على ساحته المقدسة.

بل يراد من تكلمه إما خلق الصوت كما ألتزموا بذلك في قوله سبحانه: [وكلم الله موسى تكليماً](2)، وإما إيجاد علامة دالة على ذلك في اللوح بسبب القلم وقد روى الصدوق أن «اللوح والقلم ملكان»(3)،

كما لا يخفى أن القول في اللغة العربية يطلق على اللفظ وعلى الفعل، ولذا يقولون: قال بيده كذا، فيما لو أشار بيده، وقال برأسه كذلك، فيما أشار برأسه، وقال برجله إذا مشى، وكذلك بالنسبة إلى الكتابة ولذا يقولون: قال المفيد * وقال الصدوق *

ص: 375


1- سورة النساء: 164.
2- سورة النساء: 164.
3- اعتقادات الصدوق: ص44.

مع أنهما إنما كتبا ذلك المنقول عنهما في كتبهما ولا لفظ ولا إشارة بإحدى الجوارح ههنا.

معنى العزة والجلالة

من الآداب أن يردف اسم الجلالة بما يدل على التجليل والتعظيم، مثل كلمة (عزوجل) كما قالت (علیها السلام): (فقال الله عزوجل) وكذلك كلمة (تبارك اسمه) و(تعالى جده) و(عز من قائل) وما أشبه ذلك.

ثم إن العزة عبارة عن قلة الوجود وكثرة الفائدة والرفعة والقوة والغلبة.

ومعنى جل أنه عظم عن إدراك الإنسان له بالعين أو بالظن أو بالوهم وشبه ذلك.

سكان السماء

«ويا سكاني سماواتي»:

ص: 376

هذا قد يكون من باب عطف الخاص على العام باعتبار أن لسكان السماوات منهم خصوصية خاصة.

ولا يصح أن يكون (سكان سماواتي) بمنزلة عطف بيان ل(الملائكة) من باب عطف المساوق على المساوي لعدم انحصار الملائكة بسكان السماوات إلا أن يقال أن كل الكون مقابل الآخرة سماوات، لأن الأرض أيضاً كوكب في السماء، ومن الممكن أن يكون من باب عطف المباين إذا كان المراد بسكان السماوات سائر من سكن السماوات من المخلوقات خير الملائكة، لأن لله سبحانه وتعالى مخلوقات كثيرة جداً لا نعرفها حتى بالاسم فكيف بالكنى أو الصفات والخصوصيات.

التذكير بعظمة الله

من اللازم التفكر والتذكير بعظمة الله تعالى في ذاته وأفعاله في كل موطن مناسب، ولعل التعبير الوارد في حديث الكساء عن السماوات بوصف (مبنية) بلحاظ بنائها بنحو خاص حيث يعتمد

ص: 377

نظام الكواكب والأقمار والمجرات وثباتها وديمومتها على الجاذبية بين الأجرام والدافعية الناتجة من الحركة وغيرها.

ولذلك خصه الله تعالى بوصف مبنية، وربما يكون إشارة من قوله سبحانه: [والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون](1).

و[بأيد] أي بقوة لأن اليد مظهر القوة ووسيلة ظهورها ولهذا تُشبه كل قوة باليد.

ومعنى [إنا لموسعون] إنا نوسع في السماء كما دل على ذلك العلم (وقد ذكر العلماء أن عدداً من الأنجم والمجرات التي تستوعب ملايين الملايين من الأنجم، والبعيدة عنا آلاف الملايين من السنين الضوئية تتباعد بعضها عن بعض بسرعة كبيرة جداً)(2).

دحو الأرض وحركتها

«ولا أرضاً مدحية»

ص: 378


1- سورة الذاريات: 47.
2- راجع التكامل في الإسلام، لأحمد أمين النجفي: ج7 ص179.

من اللازم تعلم العلوم الطبيعية بالمقدار الذي ينفع لفهم آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي تشير إلى تلك الحقائق الكونية في مختلف الأبعاد، ويدل هذا الحديث على ما دلت عليه الآيات والروايات الأخرى من دحو الأرض فإن الأرض وحيث من دحيت الكعبة(1).

ومعنى الدحو البسط والقذف(2)،

وفي الدعاء اللهم «سامك المسموكات وداحي المدحوات»(3)،

وهذه الجملة تدل على أن الأرض في حالة دحو وحركة، وقد ذكروا: أن للأرض حركة وضعية وحركة انتقالية إلى غير ذلك.

وهل المراد بالأرض أرضنا فقط أو كل أرض في قبال كل سماء؟ يحتمل الأمران، وقد نقل الإمام الصادق (علیه السلام) عن أمير

ص: 379


1- ثواب الأعمال: ص106.
2- [الأرض بعد ذلك دحاها] سورة النازعات: 30، أي بسطها، والدحو الرمي بقهر، مجمع البحرين مادة (دحا).
3- مستدرك الوسائل: ج5 ص342.

المؤمنين (علیه السلام) أنه قال: «هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور»(1).

معنى الفلك

«ولا فلكاً يدور»:

الفلك عبارة عن مدارات قررها الله سبحانه وتعالى حسب موازين خاصة تدور فيها وبها الأقمار وشبهها من الأجرام السماوية وأما ما ورد من أن السماء الأولى كذا والثانية كذا فالمراد تشبيهات دقيقة.

ومن معاني الفلك: المستدير(2)

ولو أريد به ذا، كان المراد به ما عدا الشمس والقمر أو الأعم، ولربما أشعر بحركة كل الأفلاك ويكون وصفه بيدور مؤيداً لهذا المعنى.

ص: 380


1- بحار الأنوار: ج55 ص91.
2- مجمع البحرين: مادة فلك.

الحب لأهل البيت علیهم السلام

«محبة هؤلاء الخمسة»

من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله، قوله: الحمد لله والتسبيح له والصلاة على النبي (صلی الله علیه و آله) وآله الطاهرين، ودلت على ذلك أحاديث عدة ومعتبرة فقد جاء الحديث: «أن الصلاة على النبي وآله من كنوز الجنة»(1)، ومما يدل على أن افضل الأعمال الحب للنبي وآله (صلی الله علیه و آله) ما ورد عن حفص الدهان قال: قال لي أبو عبد الله (علیه السلام): «إن فوق كل عبادة عبادة وحبنا أهل البيت أفضل عبادة»(2).

وكان أبو جعفر (علیه السلام) يقول: «حبنا إيمان وبغضنا كفر»(3).

ص: 381


1- كتاب المحاسن: الباب الثالث باب الخمسة، الرواية 27.
2- بحار الأنوار: ج37 ص91.
3- بحار الأنوار: ج37 ص91.

النظرة الربانية

كم من درجة عظيمة لمن ينظر الله إليه يوم القيامة، حيث يملك حالة الاهتمام الخاص من قبل الله سبحانه وتعالى، وهذا لمن كان محباً لمحمد (صلی الله علیه و آله) فكيف بالإنسان العارف لحقهم والمبغض لأعدائهم (علیهم السلام).

عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: «من سره أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتول آل محمد وليتبرأ من عدوهم، وليأتم بإمام المؤمنين منهم فإنه إذا كان يوم القيامة نظر الله إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب»(1) والمراد النظر إلى رحمة الله وعظمته وملكوته.

ص: 382


1- المحاسن: الرواية 114 باب ثواب من تولى آل محمد.

محب آل محمد يوم الحساب

حب محمد وآله (عليهم السلام) نجاة يوم الحساب ويوجب اطمئنان القلوب يوم الفزع الأكبر وهو يوم الحساب، وهذه صفة شيعة أهل البيت (علیهم السلام) فإن الاطمئنان يحصل بشفاعة أهل البيت (علیهم السلام) وقد دلت أحاديث كثيرة على ذلك، من أن وجوه الشيعة العارفين لهم من نور كالقمر ليلة البدر، والنبي (صلی الله علیه و آله) عندما يرى محب آل محمد (صلی الله علیه و آله) يوم الفزع الأكبر يستغفر لهم، وقال (صلی الله علیه و آله): «إذا كان يوم القيامة ينادون علي بن أبي طالب (علیه السلام) بسبعة أسماء: يا صديق، يا وال، يا عابد، يا هادي، يا مهدي، يا فتى، يا علي، ادخل أنت وشيعتك الجنة بغير حساب»(1).

ص: 383


1- إرشاد القلوب: ص357.

محب آل محمد عند الموت

قال تعالى: [الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] هذه الآية دلت على أن الإنسان المؤمن له البشرى في الدنيا وفي الآخرة وعن أبي جعفر (علیه السلام) قال في معنى البشارة في الدنيا: «الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له، وفي الآخرة الجنة وهي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور، وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم حالاً بعد حال».

وعن الإمام الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى: [لهم البشرى في الحياة الدنيا] قال: «هو أن يبشراه بالجنة عند الموت يعني محمداً وعلياً»(1)،

ولا شك أن الإنسان المؤمن بأهل البيت (علیهم السلام) فإنه يراهم ويبشرونه وقد ذكر روايات عديدة في ذلك على أن المؤمن

ص: 384


1- بحار الأنوار: ج6 ص191.

يرى عند الاستحضار النبي (صلی الله علیه و آله) وعلي (علیه السلام)(1).

حب آل محمد علیهم السلام من البر

من أفضل البر حب أهل بيت النبوة (علیهم السلام)،

عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «ألا أخبركم بخمس خصال هي من البر والبر يدعو إلى الجنة؟ قلت: بلى، قال: خفاء المصيبة وكتمانها، والصدقة تعطيها بيمينك لا تعلم بها شمالك، وبر الوالدين فإن برهما لله رضا، والإكثار من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فإنه من كنوز الجنة، والحب لمحمد وآله (علیهم السلام)»(2).

ص: 385


1- المحاسن: ص281.
2- المحاسن: ص71.

وهذا البر كما في الخبر يدعو إلى الجنة وأي بر أفضل من دخول الجنة التي هي موعد أولياء الله والمحبين لآل محمد (صلی الله علیه و آله).

أمانة جبرائيل علیه السلام

فقال الأمين جبرئيل: «يا رب ومن تحت الكساء، فقال عزوجل: هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها».

يجب الاعتقاد بكون جبرئيل (علیه السلام) أميناً، وذلك من ضروريات الدين [مطاع ثم أمين](1) وعليه الآيات والروايات.

ومنها قولها (علیها السلام) في هذا الحديث ههنا: فقال الأمين جبرائيل، وبمقتضى مناسبة الحكم والموضوع، ولقد كان ينزل على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويتعاهده بالقرآن في كل سنة، وفي سنته الأخيرة من عمره جاءه مرتين، وكان نزوله على النبي

ص: 386


1- سورة التكوير: 21.

(صلی الله علیه و آله) في ستين ألف مرة كما نقله إرشاد القلوب للديلمي، وعنه نقل ذلك السيد السيد الطباطبائي في سنن النبي(1):

فإن المراد الأمانة في الوحي وشبهه.

استحباب النعت بالفضائل

يستحب التوصيف والنعت بالفضائل، ولذلك ولغيره قد وصفت الصديقة الطاهرة (ص) جبرئيل ب- «الأمين» والاستحباب عام لكل شيء أو شخص جدير بالتقدير والاحترام سواء كان إنساً أم جناً أم ملكاً أم حوراً أم ولداناً مخلدين.

الإذن في السؤال والدعاء

لا يحسن السؤال من دون إذن وقد يحرم والله سبحانه كما أذن لنا بالسؤال إذن كذلك للملائكة في الجملة ويظهر وجود الإجازة

ص: 387


1- سنن النبي ص410.

لسائر الملائكة إجمالاً ولإبليس من قصة خلق آدم (علیه السلام) وسؤال الملائكة وإبليس.

كما يظهر من سؤال جبرئيل ههنا «ومن تحت الكساء» الإذن له في ذلك، ولولا إذن الله تعالى لم يحق له وللملائكة السؤال، ولذا ورد في دعاء الافتتاح: «أذنت لي في دعائك ومسألتك».

تقديم أكبر القوم

يستحب أن يتقدم في السؤال ونحوه أكبر القوم كما سأل جبرائيل (علیه السلام) دون سائر الملائكة، وذلك لأنه نوع احترام بالنسبة إلى الكبير، ولا يخفى أن التعلم والتعليم ينقسم إلى الأحكام الخمسة، فمنه واجب ومنه مستحب ومنه محرم ومنه مباح ومنه مكروه، على ما ورد في الكتب الفقهية.

فاطمة حجة الله

«فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها»:

ص: 388

يستفاد من (إطلاق موضع الرسالة) على جميعهم (علیهم السلام) أن فاطمة (علیها السلام) حجة الله فيكون قولها وفعلها وتقريرها حجة، وذلك يظهر من قوله تعالى: «وموضع الرسالة» أن جميع أصحاب الكساء عند صدور هذا القول من الله تعالى هم موضع للرسالة إلا أن النبي (صلی الله علیه و آله) رسول بالمعنى الاصطلاحي(1)

والباقون: بالمعنى الأعم ولو مجازاً الشامل لرسول الرسول أو لمن ينكث في قلبه أو له عمود النور أو ما اشبه.

وكونها (علیها السلام) حجة الله إضافة إلى كونه ضروري المذهب يدل عليه روايات عديدة ومنها رواية الإمام العسكري (علیه السلام) التي تنص على أن الزهراء حجة على الأئمة (علیهم السلام)(2)

أي يحتج الله بها عليهم فيدل بالملاك الأولوي على أنها حجة على سائر الخلق.

ص: 389


1- المعنى الاصطلاحي: هو المرسل الذي يأتيه جبرئيل قبلاً ويكلمه، مجمع البحرين مادة (رسل).
2- تفسير أطيب البيان: ج13 ص225.

وقد جعلها الله تعالى محوراً ونوراً للسماوات والأرض كما ورد عن جابر عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: لم سميت فاطمة الزهراء زهراء؟ فقال (علیه السلام): «لأن الله عزوجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري»(1).

معادن الثروات المعدنية

كما أن الله سبحانه جعل للماديات مخازن تستمد منها، مثل الشمس التي هي مخزن ومنبع النور والحرارة والدفء، والبحار وهي مخزن الماء والأسماك، كذلك جعل للمعنويات مخازن ومعادن يتم الاستمداد منها بالمباشرة أو بواسطة القدوة والأسوة فالأنبياء (علیهم السلام) خزنة علم الله سبحانه ورسالاته و كذلك الأوصياء والسيدة الزهراء (علیها السلام) فإن الناس يستمدون

ص: 390


1- عوالم العلوم: ج11 ص61.

منهم مختلف العلوم والمعارف إذ كل المعارف والعلوم البشرية تعود إليهم بشكل أو بآخر.

نوعية الهبوط

فقال جبرئيل: «يا رب أتأذن لي أن اهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً، فقال الله: نعم قد أذنت لك، فهبط الأمين جبرئيل وقال: السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلى يقرؤك السلام ويخصك بالتحية والإكرام».

ربما يستفاد من الحديث أن جبرئيل (علیه السلام) أقرب الملائكة أو أذكاهم وأفهمهم أو أبصرهم أو أقواهم أو أسرعهم أو ما أشبه، لأنه بار لاستئذان الرب تعالى وطلب الدخول معهم (علیهم السلام) دون سائر الملائكة مع أن الكل سمعوا نداء الرب تعالى.

ثم لا يعلم هل كان الهبوط مادياً أو معنوياً؟ حقيقياً أم مجازياً؟ وإن كان لا يبعد كونه حقيقياً وذلك مثل قوله سبحانه: ]وأنزلنا

ص: 391

الحديد[(1) إلا أن يقال إن الحديد أيضاً منزل من السماء على ما يقوله بعض علماء الفلك من أن الأرض انفصلت عن الشمس قبل ملايين السنين فالحديد أنزل إنزالاً حقيقياً مكانياً لا معنوياً بسبب أمر الله سبحانه وتعالى بتكونه.

الالتحاق بركب المتقدمين

يستحب الالتحاق بركب المتقدمين وأولياء الله الصالحين والحضور في مجالسهم ومجامعهم لينال الملتحق درجات من التقدم والكمال كما استأذن جبرئيل ليكون معهم بل والمعصومون الأربعة (علیهم السلام)

أما اصل استحباب نيل التقدم والتكامل والتعرض له فلا إشكال فيه قال سبحانه: [سارعوا](2)، وقال تعالى: [فاستبقوا](3)، وقال جل اسمه: [فليتنافس المتنافسون](4) إلى غير ذلك.

ص: 392


1- سورة الحديد: 25.
2- سورة آل عمران: 133.
3- سورة يس: 66.
4- سورة المطففين: 26.

أهمية هذا الاجتماع الرباني

يستحب بيان مدى أهمية اجتماع أهل الكساء المبارك عند الله تعالى فإن استئذان جبرئيل (علیه السلام) كي يكون واحداً من أهل الكساء وأن يكون معهم ولو للحظات دليل على الأهمية القصوى لهذا الاجتماع الفريد عند الله سبحانه وتعالى، فإن الاجتماعات المعنوية لها أهميتها البالغة، فكيف باجتماع من هم وسائط الله وحججه (عليهم السلام).

إرسال السلام عبر الواسطة

يستحب إرسال السلام كما أرسل الله تعالى السلام بواسطة جبرئيل (علیه السلام)، وقد صدر ذلك من الائمة (علیهم السلام) أيضاً كثيراً حسب الروايات، والإرسال يصح أن يكون إلى فرد أو إلى جاعة بواسطة فرد أو جماعة وفي الحديث «أقرء

ص: 393

موالينا السلام»(1)،

وفي حديث فاطمة (علیها السلام): «إبلاغ السلام إلى ذريتها»(2).

جبرئيل ينزل في بيت آل محمد علیهم السلام

ليس من العجيب أن ينزل جبرئيل (علیه السلام) إلى دور آل محمد (علیهم السلام) فإن غالب حياة الصديقة الطاهرة (علیها السلام) كانت في بيت أبيها محمد (صلی الله علیه و آله) فإنها كانت ترى أثر جبرئيل (علیه السلام) في الأشياء المادية أو على وجه رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فعن الحكم بن عتبة قال: لقي رجل الحسين بن علي (علیه السلام) بالثعلبية وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له الحسين: «من أي البلاد أنت؟» قال: من أهل الكوفة، قال: «إما والله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرائيل (علیه السلام) من دارنا ونزوله بالوحي على

ص: 394


1- بحار الأنوار: ج1 ص200.
2- بحار الأنوار: ج43 ص214.

جدي، يا أخا أهل الكوفة فمستقى الناس العلم من عندنا فعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون»(1).

القسم وموارده

«ويقول لك: وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا لأجلكم ومحبتكم وقد أذن أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): وعليك السلام يا أمين وحي الله إنه نعم قد أذنت لك فدخل جبرئيل معنا تحت الكساء، فقال لأبي: إن الله قد أوحى إليكم يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».

يستحب الحلف وقد يجب إذا كان الأمر المحلوف عليه مهماً كما حلف الله سبحانه، وإنما يجب كما إذا كان المحلوف عليه شرفاً

ص: 395


1- الكافي: ج1 ص398

وعرضاً ينتهك بترك الحلف وهذا لا ينافي كراهة مطلق الحلف، ولذا لم يحلف الإمام زين العابدين (علیه السلام) وأعطى المهر لمن ادعت عليه عدم إعطائه لها المهر، معللاً بأن الله سبحانه أجل شأناً من أن يحلف عليه لأجل المال)(1).

وقد أكثر الله سبحانه من القسم في القرآن الكريم بصيغ مختلفة مثال ذلك: [لا أقسم بهذا البلد](2)، وقوله تعالى: [لعمرك إنهم لفي سكرتهم](3).

أما الحلف بما هو باطل محض كالصنم ونحوه فلا يجوز.

ص: 396


1- انظر من فقه الزهراء للإمام الشيرازي R: ص239.
2- سورة البلد: 1.
3- سورة الحجر: 72.

المعصومون ع أجل وأعظم من الكون

يستحب دعوة الناس إلى التمسك بمن ينفعهم في دينهم ودنياهم وقد يجب، كما وجه سبحانه الناس إلى الخمسة الأطياب كراراً عديدة ببيان أن الكون خلق لأجلهم.

إذ يجب في الواجبات كالمقام، ويستحب في المستحبات توجيه الناس إلى ما ينفعهم، ولأنهم العلة الغائية للكون فهم أجل وأكبر وأعظم منه، وغير خفي أن كونهم (علیهم السلام) أجل وأكبر وأعظم من الكون لا يراد به البعد المادي فحسب بل المقصود الجانب المعنوي، فإن معنوية الإمام علي (علیه السلام) أكبر من الكون وهو المصداق الأتم بعد الرسول (صلی الله علیه و آله).

والمراد بالمعنوية سعة علمه وعمق حلمه وسمو خلقه وعظيم آدابه وقوة إمكانياته في التصرف في الكون.

ص: 397

عصمة المعصومين علیهم السلام

يجب الاعتقاد بعصمة الرسول (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) كما يستفاد ذلك من حديث الكساء وآية التطهير.

إذهاب الرجس عن النفس

يستحب للإنسان أن يسعى لإذهاب الرجس المعنوي والمعادي عن النفس ويكون ذلك واجباً في موارده، ويستفاد من آية التطهير بضميمة الملاك في بعض المراتب والفحوى من وجه وأدلة التأسي وغير ذلك فضل إذهاب الرجس المعنوي عن النفس من الشرك والعقائد الباطلة والملكات الرذيلة، وكذلك الرجس المادي عن البدن وسائر ما يتعلق بالإنسان عبر المطهرات إلى غير ذلك.

كما وينبغي التطهير والتطهر مادياً ومعنوياً استحباباً ووجوباً كل في مورده، ولا شك أن تطهير القلب والباطن أهم من تطهير البدن والظاهر لأن الباطن هو المحور للإنسان وهو الجوهر وهو محطة الإيمان والشرك وسائر أصول الدين.

ص: 398

استحباب السؤال لتعليم الغير

فقال علي (علیه السلام) لأبي: يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله، فقال النبي (صلی الله علیه و آله): والذي بعثني بالحق نبياً واصطفاني بالرسالة نجياً ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا».

يستحب السؤال لتعليم الغير، كما يستحب السؤال عن فضائل أهل البيت (علیهم السلام) خاصة، وقد كان أمير المؤمنين علي (علیه السلام) يعلم ذلك لكنه سأل كي يظهر ذلك للآخرين على لسان رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وبذلك يستدل على استحباب سؤال العالم للتعليم كما يدل استحباب السؤال عن فضائل أهل البيت (علیهم السلام) بصورة خاصة.

ص: 399

الهدفية في الأعمال وقصد القربة

ينبغي أن يقوم الإنسان بكافة أعماله بهدف الفضل والثواب والفائدة كما قال الإمام علي (علیه السلام): «يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله» فكل عمل وكل حركة وسكون للجوارح أو الجوانح يمكن أن يكون ذا فائدة أو ضرر فإذا قام بالعمل لأجل الفضل والثواب والفائدة ضمن سعادة الدنيا والآخرة وإلاّ خسر نفسه وأضاع عمره وضياعه خسارة لا توعض إذ لا تعود للإنسان حتى ثانية من عمره الضائع.

أقسام الجلوس

الجلوس في مكان والاجتماع فيه ينقسم إلى الأحكام الخمسة التالية:

ص: 400

فمنه واجب كما لو كان للتعليم والتعليم الواجبين وما أشبه ذلك كالمرابطة في الثغر ونحوها.

ومنه مستحب، في التعليم والتعلم المستحبين، ومنه جلوسهم تحت الكساء.

ومنه مكروه كما إذا كان في مجالس الباطل لا إلى حد الحرمة

ومنه محرم وهو ما إذا كان إلى محرم أو ما أشبه ذلك، قال سبحانه: [فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره](1).

ومنه مباح إذا لم يكن أياَ من الأربعة.

ذكر الخبر في المحافل

«ما ذكر خبرنا هذا»

يستحب ذكر هذا الخبر - ح47ديث الكساء - في المحافل والمجالس و(هذا) في قول النبي (صلی الله علیه و آله): (خبرنا

ص: 401


1- سور النساء: 140.

هذا) إشارة إلى مجموعة القضايا التي قصتها السيدة الزهراء (علیها السلام).

كما يستحب ذكر أخبار أهل البيت (علیهم السلام) في جميع المحافل وذلك للإطلاق في (محفل).

كما ويستحب تلاوة حديث الكساء للعمومات ولقوله (صلی الله علیه و آله): (ما ذكر خبرنا هذا) سواء كان في محفل أو لم يكن، ولا يخفى أن الآثار الإيجابية لتلاوة حديث الكساء لا تختص بالإنسان بل تشمل غيره كالجن، ولذا قال النبي (صلی الله علیه و آله): «في محفل من محافل أهل الأرض» وخاصة مع الانتباه إلى ما دل على أن الإنس والجن يشتركان في التكاليف الإلهية والأحكام الشرعية فالقرآن المشتمل على كل هذه الأحكام لهما: [إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به](1).

ص: 402


1- سورة الجن: 1-2.

لماذا هذا الأجر العظيم

يستحب أن يفعل الإنسان ما يوجب نزول الرحمة وأن يقوم بما ينفع غيره، كما في اجتماع أهل الكساء (علیهم السلام) فإن معرفته وذكره الحديث به وعنه من قبل الموالين سبب نزول الرحمة والسر في هذا التأكيد وفي عظم المثوبة التي قررها الله تعالى لذكر هذا الحديث الشريف،

أنه تأكيد على القيادة التي بها تصح الدنيا والآخرة كما قال (علیه السلام): «ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية»(1).

التمهيد لنزول الملائكة

يستحب أن يقوم الإنسان بتمهيد ما يوجب نزول الملائكة وحفها به كالاستقامة، لأن نزول ملائكة الرحمن وحفهم بالإنسان يوجب الرحمة والمغفرة الإلهية،

ص: 403


1- بحار الأنوار: ج68 ص321.

ويؤيده قوله سبحانه: [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة](1).

حيث يفهم منه أن تنزل الملائكة أمر مطلوب شرعاً وقال سبحانه:[إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا](2).

كما أن الشياطين على عكس الملائكة فبما أنها شريرة فإنها تتعرض للبشر، ولذا قال تعالى: [على من تنزل الشياطين تنزل عل كل أفاكٍ أثيم](3).

ص: 404


1- سورة فصلت: 30.
2- سورة الأنفال: 12.
3- سورة الشعراء: 221

استحباب الاستغفار للآخرين

يستحب الاستغفار للآخرين، وفي الحديث أن الإنسان لو دعا لأخيه بظهر الغيب قالت له الملائكة: ولك ضعف ذلك، ومن المعلوم أن الاستغفار دعاء في حق الغير بغفران ذنبه وستر عيبه.

ولا يخفى هناك فرقاً بين الاستغفار والتوبة فإن الغفران ستر، والاستغفار طلب للستر، والتوبة رجوع، ولذا ورد في الأحاديث الاستغفار إلى جانب التوبة في عبارتين (استغفر الله وأتوب إليه).

المدح وبيان الفضائل

فقال علي (علیه السلام):«إذاً والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة».

يستحب مدح الإنسان نفسه وسرد فضائله وذكر مناقبه إذا كان في مقام التعليم أو دفع التهمة أو إحقاق حق وقد يجب ذلك.

ص: 405

وهذا لا ينافي ما ورد من أن تزكية المرأ نفسه قبيح، لأن القبح بلحاظ العنوان الأولي فإذا طرأ عليه عنوان حسن صار مستحباً، بل قد يجب المدح فيما إذا توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الدعوة إلى الواجب عليه، ولذا كان الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) يُعرّفون أنفسهم في بعض الموارد بما هو مدح لها.

نعم إنما يستحب مدح الإنسان نفسه إذا كان مدحاً صادقاً، أما المدح الكاذب فهو داخل في أطلاقات أدلة الكذب.

معنى فوز أولياء الله وانتصارهم

إن قول أمير المؤمنين علي (علیه السلام): «فزنا» إنما كان لأجل ما ذكره جبرئيل (علیه السلام) عن مدحهم عن لسان الله سبحانه وتعالى: [إنما يريد الله...] فإن كونهم ممدوحين لله تعالى ومطهرين بأمره وإرادته يوجب الفوز في الدنيا والسعادة في الآخرة.

ومن المعلوم أن فوز الدنيا ليس خاصاً بالمأكل والمشرب والمسكن وما أشبه ذلك من الأمور المادية بل ذلك الفوز الأدنى، فإن

ص: 406

الإنسان الهدفي إذا كان يسعى من أجل تحقيق هدفه يكون فائزاً ولو حرم من كل الملذات المادية، فالإمام الحسين (علیه السلام) فائز وهو قتيل ومجروح من رأسه حتى قدمه وهكذا أمير المؤمنين (عليه السلام)حيث قال: (فزت ورب الكعبة).

التمسك بمذهب أهل البيت علیهم السلام

يجب التمسك بمذهب آل البيت (علیهم السلام) وإن يكون الإنسان من شيعتهم فإنهم هم الفائزون دائماً، إنما فازت الشيعة لأنهم التفوا حول القيادة الإلهية الصحيحة التي عينها الرسول (صلی الله علیه و آله) بأمره تعالى والتي لها المكانة الرفيعة في الدنيا والآخرة.

ومن المعلوم أن قائد الإنسان إذا كان على صراط مستقيم يكون متبعه فائزاً أيضاً.

فإن الله جل وعلا لما نصب للخليقة خليفة يجب اتباعه وعن طريقه يعفو ويصفح عن العباد كما ورد عن أبي جعفر (علیه السلام)

ص: 407

قال: «قال الله تبارك وتعالى: لا عذب كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أمالها برة

تقية ولأ عفونّ عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة(1)».

بشارة الغير وإدخال السرور

يستحب بشارة الآخرين وخاصة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بالفوز والنجاة في الدنيا والآخرة وذلك من باب المصداق وإلا فهذا الكلي صادق في كل إنسان يبشر بشارة سارة شرط عدم معارضتها للشريعة، وينبغي احترام جميع الناس ما لم يستوجب محرماً لقوله (ع) : الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(2).

ص: 408


1- بحار الأنوار: ج27 ص201.
2- بحار الأنوار: ج4ص29.

التعذيب والعقاب بسبب الآخرين: يستحب بيان مدى مدخلية أهل البيت (عليهم السلام) في سعادة الإنسان فيما إذا اتبع منهجهم فإن الإنعام على الإنسان من أجل إنسان آخر دليل على

عظمة ذلك المعطى من أجله النعمة أما في عكسه وهو العقاب فلا يُعاقب أحد بذنب إنسان آخر فقد قال سبحانه: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(1).

الحب للشيعة

يلزم على الموالي المؤمن المحب لآل محمد (صلی الله علیه و آله) أن يحب جميع الموالين والمحبين لأهل البيت (علیهم السلام) ويلزم عليه أن يكون حريصاً عليهم ويخاف من إضرارهم مثل ما يخاف من ضرره لا لأجل معاملتهم بل لولائهم أهل البيت (علیهم السلام) بشرط أن يكون محباً مخلصاً لهم، وهذا الحب والبغض ليس من عندنا بل ما ورد عنهم (علیهم السلام) قال الإمام الباقر

ص: 409


1- الأنعام: 164.

(علیه السلام): «أحبب حبيب آل محمد وإن كان فاسقاً وأبغض مبغض آل محمد وإن كان صواماً قواماً، فإني سمعت عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه قال: ]إن الذين آمنوا عملوا

الصالحات أولئك هم خير البرية[ ثم التفت إلى علي (ع) فقال: هم والله أنت وشيعتك يا علي، وميعادك وميعادهم الحوض غداً غراً محجلين مخلدين»(1).

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «يا علي إن الله عزوجل قال: غفر لك ولشيعتك ومحبي شيعتك، ومحبي محبي شيعتك أبشر فإنك الأنزع البطين، منزوع من الشرك، بطين من العلم»(2).

الشيعة هم الجوهر

جوهر الدنيا والآخرة من كان محباً لآل محمد (علیهم السلام) وقد دلت على ذلك أخبار كثيرة، منها ما ورد عن العلاء قال: قال أبو

ص: 410


1- وسائل الشيعة: ج16 ص183.
2- المحاسن: ص238.

عبد الله (علیه السلام): «إن لكل شيء جوهراً وجوهر ولد آدم: محمد (صلی الله علیه و آله) ونحن وشيعتنا»(1).

الحديث يستفاد هذا من أن جوهر الناس الشيعة العارفون بهم (علیهم السلام).

الأئمة علیهم السلام يعرفون شيعتهم

الأئمة عليهم السلام بالعلم الغيب الذي منهم الله عز وجل يعرفون شيعتهم وهذا العلم يسمى بعلم الأرواح وهو من جملة علوم الأئمة (علیهم السلام)، فإنهم يعرفون شيعتهم قبل أن يُخلقوا شيعتهم، ولايكفي لكل من ادعى أنه محب لمحمد (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) مجرد أن يقول أنا محب لهم فلعله يكون من المرفوضين عندهم (علیهم السلام) وهذا ما دلت عليه الأحاديث المباركة التي جاءت عن أهل بيت العصمة (علیهم السلام) وفي بعض الأحاديث على أن الإمام (علیه

ص: 411


1- المحاسن: ص238.

السلام) يعرف الإنسان المحب بعلم الأرواح حتى أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) وأدعى أنه محب لعلي (علیه السلام) فقال له الإمام (علیه السلام): «وإن روحي لا تعرف روحك»(1)،

وقال علي (عليه السلام): «ويحك إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي سنة فأسكنها الهواء»(2)،

نعم إن الأئمة (علیهم السلام) يعرفون محبيهم وأنصارهم وليس كل من أدعى أنه محب آل محمد (علیهم السلام) فهو محب.

يقول الإمام الرضا (علیه السلام): «إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق»(3)،

ص: 412


1- بصائر الدرجات: ص108 ح7.
2- بصائر الدرجات: ص108.
3- بصائر الدرجات: ص140.

وعن أبي جعفر (علیه السلام) يقول في قول الله عزوجل: [إن في ذلك لآيات للمتوسمين] قال:«هم الأئمة (علیهم السلام)».

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله في قوله تعالى: [إن في ذلك لآيات للمتوسمين]»(1)، وبخصوص الآية ورد في تفسيرها إنها من مختصات الأئمة (علیهم السلام) فعن أبي جعفر (علیه السلام) في قول الله عزوجل: [إن في لآيات للمتوسمين] قال: «إيانا عنا»(2).

وعن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية ولمحمد (صلی الله علیه و آله) بالنبوة وعرض الله عزوجل على محمد (صلی الله علیه و آله) أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم

ص: 413


1- بصائر الدرجات: ص374.
2- بصائر الدرجات: ص374.

بألفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعرفهم علياً (علیه السلام) ونحن نعرفهم في كن؟؟ القول»(1).

الشيعة أقرب العباد إلى الله

إن اقرب العباد إلى الله تعالى هم العباد الصالحون الذين يطيعون الله حق طاعته وحق عبادته والذين يطيعون أولياءه صلوات الله عليهم أجمعين ومن هم هؤلاء؟

هؤلاء شيعة الإمام علي (علیه السلام) فإن شيعة الإمام علي (علیه السلام) أقرب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وقد دلت على ذلك جملة من الروايات، منها ما جاء في البحار عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله يوم القيامة بعدنا»(2)،

ص: 414


1- بصائر الدرجات: ص374.
2- بحار الأنوار: ج7 ص176.

وفي بعض الروايات أن الله تعالى يحسن إليهم يوم القيامة بالإحسان الخاص عن الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبوعبد الله (علیه السلام): «يا حسين شيعتنا ما أقربهم من الله وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة، والله لولا أن يدخلهم وهن ويستعظم الناس ذلك لسلمت عليهم الملائكة قبلاً»(1).

لشيعة آل محمد علامات

روى الحر العاملي (رحمة الله علیه) روايات تبين الخصائص المطلوبة لمن يدعي التشيع، ومنها المواساة بين المؤمنين فيما بينهم، والإمام الباقر (علیه السلام) قد بين المراتب العليا للإنسان الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) فلا يكفي مجرد الدعوى أنه شيعي، بل لابد أن يلتزم بما أمر به أئمة أهل البيت (علیهم السلام) فعن أبي اسماعيل قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير، فقال (علیه السلام): «فهل يعطف الغني

ص: 415


1- بحار الأنوار: ج7 ص176.

على الفقير وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ويتواسون؟» فقلت: لا، فقال (علیه السلام): «ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا»(1)،

وعن مفضل قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «إياك والسفلة فإنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت فأولئك شيعة جعفر»(2)

وقال (علیه السلام): «ثلاثة هن فخر المؤمن وزينته في الدنيا والآخرة، الصلاة في آخر الليل، ويأسه مما في أيدي الناس، وولاية الإمام من آل محمد (صلی الله علیه و آله)»(3).

ص: 416


1- وسائل الشيعة: ج ص؟؟؟ب27.
2- الكافي: ج2 ص233.
3- وسائل الشيعة: ج ص؟؟؟ ب36 من أبواب الصدقة.

تجمع المهمومين لأجل الدعاء

فقال أبي رسول الله (صلی الله علیه و آله): «يا علي والذي بعثني بالحق نبياً واصطفاني بالرسالة نجياً ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته، فقال علي (علیه السلام): إذن والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسُعدوا في الدنيا والآخرة ورب الكعبة».

يستحب تجمع المهمومين والمغمومين وأصحاب الحوائج لأجل الدعاء، وإطلاق «يد الله مع الجماعة»(1)

يشمله، وهو أقرب لانكسار القلب وأدعى للإجابة، ولذلك تضرع أصحاب يونس (علیه السلام) ودعوا الله تضرعوا وهم مجتمعين فاستجاب الله تعالى

دعاءهم والفرق بين الهم والغم:

ص: 417


1- نهج الفصاحة: ص646.

أن الهم ما يهم ويهتم الإنسان بفعله مما هو لصالحه أو لصالح غيره، وربما يعمم كزواج ولده وتأسيس معمل ومكسب له أو لنفسه وطلب العلم وشبه ذلك، ومنه ما يهم بفعله للوصول إلى مقصده.

أما: الغم ما يغمه كأنه غطاء على قلبه ويطلق على ما أبتلي به الإنسان من المشاكل وذلك كغم المريض والفقير والمسجون وما أشبه ذلك.

ويستحب التفريج عن المهموم وهو الذي يهم بأمر ولا يتمكن عليه أو هو بحاجة إلى من يعينه فيكون الإنسان عونه في أن يفرج همه، وهذا من المستحبات الأكيدة ويدل عليه بالإضافة إلى هذا الحديث أحاديث متعددة.

فإن الله تعالى خلق الإنسان وجعل له حاجات واهتمامات روحية وجسمية فردية واجتماعية، ولا يستطيع أن ينال كثيراً منها بمفرده فجاء الأمر الإلهي بمساعدة الإنسان بني نوعه في الوصول إليها.

ص: 418

فمن ساعد إنساناً كان له أجران أجر أخروي وأجر دنيوي فمساعدة الناس في التفريج عن همومهم له أثر وضعي، «فمن كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة»(1).

وتتقدم الحياة بالتعاون إلى الأمام في مختلف أبعادها، ولذا قال تعالى: [تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان](2).

كشف الغمة وأقسامها

يستحب كشف غم المغموم، وقد سبق الفرق بينه وبين الهم وأنه يسمى غماً لأنه كالشيء الذي يغطي شيئاً آخر، ومنه الغمام للسحاب والأغم لمن غطى شعر رأسه جبهته، والغم يغطي قلب الإنسان بغطاء من الحزن.

ص: 419


1- بحار الأنوار: ج75 ص53.
2- سورة المائدة: 2.

ثم لا يخفى أن الغم قد يكون سببه الإنسان نفسه، وقد يكون سببه الأمور التكوينية الطبيعية التي لابد وأن تعتري الإنسان، ولكليهما أجر وأهمية إلا أن الثاني أهم، وأما لو كان الإنسان بنفسه سبباً وكان حله بيده فلا يكن لكشف كربه تلك المنزلة.

فإن الدنيا «دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة»(1)،

كما قاله الإمام علي (علیه السلام) والأقسام أربعة:

إذ الإنسان بطبيعته يمرض ويهرم ويفتقر أو يكون جاره جار سوء أو تكون له امرأة أو لها زوج غير صالحين إلى غير ذلك، وهذه طبيعيات كما وقد يكون هو بنفسه سبب وقوعه في المشكلة، وفي هاتين الصورتين قد لا يكون قادراً بنفسه على حل المعضلة فيتأكد حينئذ استحباب مساعدته.

وقد يكون قادراً على حلها بأن كان الحل بيده فإذا تمرض بسبب موجة برد فجائية أو بحادث اصطدام وكان بإمكانه علاج نفسه، وكذا لو عرّض نفسه اختياراً للاستبراد أو الوباء بمعرفة واختيار

ص: 420


1- نهج البلاغة، الخطبة: 226.

حتى تمرض وكان العلاج بيده فإنه وإن استحب مساعدته إلا أن الاستحباب أضعف مما لو لم يكن قادراً وهذا التقسيم بلحاظ الشدة والضعف في الاستحباب.

من أسباب الغم

للغم أسباب تصيب الإنسان فقد يكون لأجل فقدان ولد أو مال أو شخص من الأهل والأقربين، وقد يكون لأجل سبب قد يخفى على الإنسان فمما ورد في هذا الباب.

1- ما جاء عن جابر الجعفي قال: تقبضت؟؟ بين يدي أبي جعفر (علیه السلام) فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو ألم ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي فقال: «نعم يا جابر إن الله عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه

ص: 421

فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزنت هذه لأنها منها»(1).

2- وما جاء عن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ربما حزنت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد، وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد، فقال: «إنه ليس من أحد إلا ومعه ملك وشيطان فإذا كان فرحه كان دنو الملك منه وإذا كان حزنه كان دنو الشيطان منه، وذلك قول الله عزوجل تبارك وتعالى: [الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفشحاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم]»(2).

3- وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ومعي رجل من أصحابنا فقلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سبباً، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «إن ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منا، لأن إذا

ص: 422


1- بحار الأنوار: ج58 ص147.
2- بحار الأنوار: ج58 ص145.

دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم لأنا وإياكم من نور الله عزوجل فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنا وأنتم سواء ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم فلولا ذلك ما أذنبتم ذنباً أبداً» قال: قلت: جعلت فداك فتعود طينتنا ونورنا كما بدأت فقال: «إي والله...»(1).

طلب الحاجة والتوسل بأهل البيت هم

يستحب طلب الحاجة من الله سبحانه والالتجاء إليه في كشف الهم والغم بالتوسل بأهل البيت (علیهم السلام) الذين هم الوسائط إلى الله تعالى والوسائل [وابتغوا إليه الوسائل](2)، وغير خفي أن السعادة الدنيوية بل الأخروية قوامها تفريج الهم وكشف الغم وقضاء الحاجة وقد تكفلها الله تعالى جميعاً ببركة حديث الكساء.

ص: 423


1- بحار الأنوار: ج58 ص146.
2- سورة الأنفال: 17.

وقضاء الحاجة أعم من كشف الهم والغم، ولا فرق في ذلك بين الحاجات الدنيوية أو الأخروية، ولا يبعد أن يكون قضاء حاجة غير المسلم كإدخال السرور على قلبه أيضاً مندوباً وإن كان في المسلم أولى.

كما يؤيده قضاء النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) حاجات غير المؤمنين بل وغير المسلمين، وقد ورد في تفسير سورة المنافقين أن الرسول (صلی الله علیه و آله) أعطى بعض ملابسه لعبد الله بن أُبي لما طلب منه ذلك.

علم الغيب وتأثيره على سلوك المعصومين (علیهم السلام)

لا: يقال إذا كان الرسول (صلی الله علیه و آله) يعلم بأن اللحم مسموم فلماذا مضغه؟

ولماذا ذهب الإمام علي (علیه السلام) للصلاة وهو يعلم بأن ابن ملجم يريد قتله؟

ولماذا شرب الإمام الحسن (علیه السلام) السم؟ إلى غير ذلك،

ص: 424

لأنه يقال: علمهم الغيبي وقدرتهم الغيبية لا تغيّر سلوكهم وبرنامجهم الفردي والاجتماعي وإلا لم يكونوا أسوة ولما تحقق الامتحان، فالرسول (صلی الله علیه و آله) كان قادراً بإذن الله تعالى على أن يقلب الحصى جوهراً ويخرج بذلك نفسه وأصحابه من الفقر إلى غير ذلك من الأشياء والنظائر، وكذلك لو كان المقرر أن يؤثر علمهم الغيبي وقدرتهم الغيبية في تغيير المقدرات الإلهية ومقتضيات عالم الإمكان لكان الإمام الحسين (علیه السلام) قد أوجد الماء لأصحابه وأهل بيته (علیهم السلام) بل حتى لو أشربوا السم وضُربوا بالسيف كانوا سيجدون الحل الناجح غيبياً، وكذلك لما بكى الإمام الحسين (علیه السلام) لفقد ولده وهو يرى أنهم دخل جنات عرضها السماوات والأرض، وكذا حال الأنبياء (علیهم السلام)

ولكان الإمام المهدي لايغيب ولا يتمكن عدو من النيل منه حيث ورد في الأحاديث أنه تستر تحفظاً على نفسه من الطغاة.

ص: 425

الضلالة والشر وضدهما ودور الله أو الإنسان فيها

«فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة ورب الكعبة».

من المعلوم أن الاهتداء والفوز والسعادة الأخروية بل وحتى الدنيوية وعكسها بيد الإنسان نفسه بعد هداية الله سبحانه.

قال جل وعلا: [ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس](1)،

وقال تعالى: [ومن يتق الله يجعل له مخرجاً](2)،

وقال جل وعلا: [ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم](3)،

وقال جل وعلا: [من يرد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً](4).

ص: 426


1- سورة الروم: 41.
2- سورة الطلاق: 2.
3- سورة الأعراف: 96.
4- سورة الكهف: 17.

ومعنى إضلاله سبحانه تركه وشأنه من قبيل ما يقال: أفسد الوالد ولده والحكومة الناس إذا تركت الحكومة الناس وشأنهم حتى يفسدوا وإن لم تقم هي بالتخطيط للإفساد وكذلك الوالد وولده بل كان لمجرد تركهم وترك الوالد ولده حتى يفسد ولكن إنما يكون ذلك بعد هداية الله وعدم قبول الإنسان للهداية.

ثم إن الله تعالى لا يريد بأحد شراً أو سوء بل يريد الخير للجميع [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر](1)، نعم قد يكون السبب في إيقاع الإنسان في مشكلة التكفير عن ذنوبه كي لا يبتلى بالعقاب الأشد في الأخرة، أو رفعة درجاته كمن يوقع نفسه في مشاق السفر رغبة في الربح والتجارة، وربما كان السبب في الوقوع في المشكلة الأثر الوضعي لتصرفاته هو فتكون المصائب التي تترى عليه نتيجة لذلك وإن لم يعلم هو بالترابط بين الأمرين.

ص: 427


1- سورة البقرة: 185.

مسك الختام

وإلى هنا ينتهي ما أردنا جمعه وبيانه في حديث الكساء، وننهي كلامنا بما قاله الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني: (فإن مسألة النبي (صلی الله علیه و آله) ووضعه أهل البيت (علیهم السلام) تحت الكساء لا ريب فيه ومن الأمور المجربة إن الإنسان في حال ذكر حديث الكساء يحصل له الروحية الكبرى، وأما مسألة تفريج الهم والغم إلا فرج الله همه وكربه ومن الآثار المترتبة عليه والمحتومة استجابة الدعاء(1)، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 428


1- الأفضل اخراجه من العوالم.

في رحاب حديث الكساء

من المصادر والمنابع

بحار الأنوار: للمجلسي (رحمة الله علیه)، ط بيروت 1403ه-.

كشف الغمة في معرفة الأئمة: ط بيروت.

الشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنية ط6 عام 1406ه-.

نزل الأبرار، ط1 عام 1403ه- طهران.

عيون المعجزات، ط بيروت.

حديث الكساء في كتب مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل، البيت للمجمع العلمي الإسلامي، ط2 1402طهران.

من فقه الزهراء، للمرجع الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) ط2 - 1418ه- بيروت.

الإمامة، للجيلاني، تحقيق مهدي الرجائي.

مكارم الأخلاق للطبرسي، ط بيروت.

ص: 429

الصحيح من سيرة النبي (صلی الله علیه و آله)، للعاملي ط4 - 1415 بيروت.

مقتل الحسين (علیه السلام)، للمقرم، ط5 - 1399ه- بيروت.

تفسير الميزان للطباطبائي: ط3 - 1393 بيروت.

أهل البيت منزلتهم ومبادئهم، لمحمد جواد مغنية، ط بيروت.

ما ذكر في رائحة النبي (ص) وحبه للطيب:

قال أنس ابن مالك:

(صحبت رسول الله (ص) عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته).

وهن أبي عبد الله (ع) قال: (إن رسول الله (ص) إذا رُئي في الليلة الظلماء رُئي له نور كأنه شقة القمر)(1).

وعن أنس ابن مالك قال: (إن رسول الله (ص) كان أزهر اللون كأن لونه اللؤلؤ وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا

ص: 430


1- مكارم الأخلاق ص17.

عنبر أطيب من رائحته ولا مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله (ص) كان أخف الناس صلاة في تمام).

وعن عائشة قالت قلت لرسول الله (ص) أنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلتُ في أثرك فلم أرَ شيئاً خرج منك غير أني أجد رائحة المسك قال (ص) (يا عائشة، إنا معشر الأنبياء يُنبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة فما خرج منا من شر ابتلعته الأرض).

اما في طيبه (ص)

كان (ص) يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفرقه وكان (ص) يتطيب بذكور الطيب وكان (ص) يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن وكان يستجمر بالعود القماري وكان (ص) يعرف في الليل المظلمة قيل أن يرى بالطيب فيقال هذا النبي (ص).

عن الصادق عليه السلام قال كان رسولا لله صلى الله عليه وآله وسلم ينفق على الطيب أكثر مما ينفق على الطعام وقال الباقر عليها

ص: 431

لاسلام كان في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره لم يكن له فيئ وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له. وكان (ص) لايعرف عليه طيب إلا تطيب به ويقول (ص) هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه. وكان (ص) يقول جعل الله لذتي في النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم(1).

وأعلم ان الحقائق له ظاهر وباطن وتشتمل على أسرار لا يمكن الإطاحة بها إلا لخالقها ومديرها ويمكن معرفتها عن طريق الوحي والرسالة ؟؟أخذ عن الرسالة وهم الأئمة الطاهرون (ع) فمما ورد من حقائق الأشياء ان الأشياء لها في الباطن رائحة ويمكن أن تتجلى إلى الظاهر ايضاً كرائحة النبي (ص) كما مضى الحديث عنه وقد تجلت منه الرائحة إلى أشياء آخر مثل: نقل عن

ص: 432


1- مكارم الأخلاق ص33،34.

النبي الأكرم (ص) من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر.

وكذلك للجنة رائحة كما رود في الحديث عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله (ص) أخبرني جبرئيل أن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان...

وقد ورد في الحديث أن فاطمة عليها ريح الجنة كما جاء عن عائشة كان النبي (ص) إذا قدم من سفر قبل نحر فاطمة وقال منها أشم رائحة الجنة.

وأن للمجالس الطيبة رائحة طيبة كما جاء في الحديث الشريف عن ؟أبي جعفر الباقر (علیه السلام) حيث قال لميسر ؟

ص: 433

تم الكتاب

ملاحظة: قد تم إعطاء هذا الكتاب للحاج أبو احمد النجار لمراجعة الآيات والروايات والتحقيق الدقيق، فيرجى الانتظار لكي يأتي بالملف المصحح.

ص: 434

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.