رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1084 لسنة 2019
مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف: LC
BP38.09-N3 S43 2018
المؤلف الشخصي: الشیبانی، حیدر هادی خلخال، مؤلف.
العنوان: نقد قواعد النحویین فی ضوء کلام امیر المؤمنین (علیه السلام) /
بيان المسؤولية: الدکتور حیدر هادی خلخال الشیبانی؛ السید نبیل الحسنی الکربلائی، مقدم.
بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.
بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة،
2019 / 1440 للهجرة.
الوصف المادي: 384 صفحة؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسینیة المقدسة؛ 532).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 163).
سلسلة النشر: (سلسلة الرسائل والاطاریح الجامعیة؛ 36).
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 343 - 378).
موضوع شخصي: الشریف الرضی، محمد بن الحسین، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40
للهجرة - احاديث.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40
للهجرة - مساهمة فی المنطق.
مصطلح موضوعی: النحاة العرب.
مصطلح موضوعی: اللغة العربیة - نحو.
مصطلح موضوعی: الاستقراء (منطق).
اسم هینة اضافی: العتبة الحسینیة المقدسة (کربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 1
نقد قواعد النحويين في ضوء كلام امير المؤمنين عليه السلام
ص: 2
سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية
وحدة الدراسات اللغوية
(36)
نقد قواعد النحويين في ضوء كلام امير المؤمنين عليه السلام
تألیف: م. د. حیدر هادی خلخال الشیبانی
اصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
العتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1440 ه - 2019 م
العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 - 07815016633
الموقع الألكتروني: www.inahj.org
الإيميل: Info@Inahj.org
تنويه:
إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر
بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
تخلي العتبة الحسينية المقدسة مسؤوليتها عن أي انتهاك لحقوق الملكية الفكرية
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
«ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى»
صدق الله العلي العظيم
سورة النجم الآية: 30
ص: 5
قال أبو عَمرو بن العَلاء (ت: 154 ه):
((ما انتهى إليكم مما قالتْ العربُ إلّا أقلُّه ولو جاءَكُم وافرًا لجاءكُم عِلمٌ وشعرٌ كثير)).
[طبقات فحول الشعراء، ابن سلّام: 1 / 25]
ص: 6
الإهداء
إلى أُمَراءِ اَلْكَلاَمِ وَمن فيهم تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ وعليهم تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ، مُحَمَّدٍ
(صلی الله علیه و آله وسلم) وآلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) ، شَمَلَنا الله تعالى بشفاعَتِهم جميعًا.
وإلى مَنْ قَضَی ربّ بالإحسان إليهما وَالدَيَّ العَزيزينِ. أَطالَ اللهُ تَعالى
بقاءهما، ومَتَّعهُما بِمَوفور الصِّحة والعَافِية.
وإلى كلِّ مَنْ عَلَّمني حَرفًا وأنارَ لي في سَبيلِ العِلمِ طَريقًا: أَساتذتي الأجلّاء
حَفِظَهُم اللهُ جَيعًا وَرَحِمَ الماضينَ منهم.
وإلى إخوتي الأعِزّاء؛ فقد شغلهم أنْ أسعى لأبلغ، وفَقَهم البَاري جميعًا.
وإلى مَن خالطَ الثَّرى جَسَده الغَالي، صَديقي الحَبيبِ السَّيدِ نَاصر العنكوشي
. رَحمَه الله تعالى وأسْكنهُ فَسيحَ جنّاتهِ.
وإلى مَن قاسَمَتْني مَتاعِبَ البَحثِ وهُومِهِ زَوجتي الغَالية، رَعاها الله.
وإلى فَلذاتِ كَبِدي، واستمرار وجودي، أولادِي الأحِبَّة (كرّار، وأمِّ
البنين، وزهراء) جعلَهم اللهُ تَعالى ذريةً طيبةً صالحةً.
وإلى كلِّ مَن قَدَّم لي عَونًا، أو بَذلَ ليَ مَعْروفًا
إليهم جَميعًا أهدي هذا الجهد.
حيدر
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عى ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء با قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خیر الخلق أجمعین محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
فلم يزل كلام أمیر المؤمنین (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيین ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغیرها من العلوم التي تسیر بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا الْكِتَابِ مِنْ شَیْءٍ»، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ إِمَامٍ مُبِینٍ»، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلین يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانین والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.
من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية
ص: 9
المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسیرة أمیر المؤمنین الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية إلى الباحثين والدارسین وإعانتهم على تبین هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمیر المؤمنین علي (عليه السلام) والسیر على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.
وما هذه الدراسة الجامعية التي بین أيدينا لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية التي تناول فيها الباحث كلام أمیر المؤمنین (عليه السلام) ليجعله مصدراً من مصادر الاستشهاد النحوي، إذ عمد النحويون قديماً وحديثًا إلى عدم الاستشهاد به مع أنه أفصح الفصيح وأبلغ البليغ، إذ تهدف الدراسة إلى الاحتجاج بكلام أمیر المؤمین (عليه السلام) في تعديل جملة من القواعد النحوية التي منعها النحويون أو قصروها على الضرورة الشعرية، فضلاً عن بناء قواعد نحوية لم يُشر إليها أغلب النحويین.
فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره.
والحمد لله ربّ العالمين.
السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمینَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على النبيّ العربيّ الأمینِ، سَيِّدِنا محمدٍ (صلی الله علیه و آله) خاتمِ المرسَلین، وعى آله الطيبینَ الطاهرينَ، وصَحبِهِ الغُرِّ الميامین، ومَن دعا بدعوتِه بصدقٍ وإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
أمّا بعدُ فلا يَخفى على أُولي الدِّراية والنُّهى، وعلى أرباب الفكر والمعرفة، أنَّ كلام أمیرا المؤمنین (علیه السلام) عامة والمجموع في (نهج البلاغة) خاصة بحرٌ لا يُدرك قرارُه، ولا تُسبر أغوارُه، فهو ذروةُ الكلامِ العربي الفصيح بعد كلام الباري عزَّ وجلَّ، وكلام نبيِّه المصطفى (صلی الله علیه و آله)، وقد ضمَّ نَفَحاتٍ من كلامِ العزيز الجبّار، وقَبَساتٍ من بَدائع النبيِّ المختار، وحوى من الأَساليب النحوية أرقاها، وتضمَّن من جواهر المعاني أعلاها، ولا شك في ذلك فهو ((كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقن))(1).
وعلى الرغم من أهمية نهج البلاغة في ميدان الدرس اللغوي والنحوي إلا أنه لم يكن مرجعًا أفاد منه النحويون القدماء في تأصيل القواعد النحوية أو تعديلها أو نقدها، ومن أجل هذا جاءت هذه الدراسة الموسومة ب (نقد قواعد النحويین في ضوء كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) لتبینّ أهمية كلام أمیر المؤمنین (عليه السلام) في
ص: 11
معالجة نقص الاستقراء الذي وُسِم به النحو العربي في مسائل مختلفة، فهو نصٌّ عربيٌّ فصيحٌ فريدٌ في لغته وتراكيبه.
وقد ناسب اتخاذ لغته (علیه السلام) مَعينًا لانتهاج سبيلها والاستشهاد بها بحسب ماحدّده النحويون من حدَّين زمنيین للاستشهاد بداية ونهاية، فالأحكام النحوية رهينة الاستشهاد عليها، بل قيل: إنَّ الشاهد في النحو هو النحو نفسه، إلا أنَّه على الرغم من ذلك لم ينَلْ كلامُه استحقاقه في الدرس النحوي لأَسباب ذكرتُ أهمّها في متن هذا الكتاب.
فالفكرة الرئيسة التي يهدف البحث إلى إظهارها تتجى في الاحتجاج بنصوص أمیر المؤمنین (علیه السلام) في تعديل جملة من القواعد النحوية التي منعها النحويون أو قصروها على الضرورة الشعرية، فضلاً عن بناء قواعد نحوية لم يُشرِ إليها أغلبُ النحويین في حدود ما اطلعتُ.
وتأتي أهمية هذا الموضوع من أنَّه يُعَدُّ البحث الأول - فيما أَحسب - الذي يسلّط الضوء على أهمية كلام الإمام في معالجة نقص الاستقراء الذي مُنِيَ به النحو العربي في مباحثَ كثیرةٍ ومختلفةٍ، فقواعد النحو العربي نتيجة من نتائج الاستقراء، وثمرة من ثماره الأساسية، لكنَّ الغالب على منهج النحويین ولاسيما المتأخرين منهم في سد الثغرات التي اعتورت استقراءَهم للغة ومظاهرها واستعمالاتها كان بالاعتماد على القياس لا بمعاودة التتبع والاستقصاء لمِا لم يستطعِ القدماء الوقوف عليه من كتب التراث العربي الفصيح ولاسيما (نهج البلاغة)، ولهذا كثُر التأويل والتقدير في جملة من المسائل النحوية.
وقد اعتمدتُ في تخريج نصوص كلام الإمام (علیه السلام) وتوثيقها على كتاب (نهج البلاغة) بتحقيق الشيخ فارس الحسون، لقِدَم النسخة التي اعتمد عليها
ص: 12
المحقق، ولمِا اتسم به هذا الكتاب من ضبط دقيق للنصوص، هذا فضلاً عن الاستدراكات التي زادها المحقق عى شروح النهج الأخرى، على أنّ اعتمدتُ على الرواية الأكثر شهرة التي عليها أغلب شرّاح النهج.
والجدير بالذكر أنَّ الدراسة قد خرجت عن النهج في بعض النصوص التي حملتْ شاهدًا للإمام (علیه السلام) ورد في كتاب من كتب التراث العربي أفدتُ منه في تعديل قاعدة نحوية معينة، أو بناء قاعدة لم يُشِرْ إليها أغلب النحويین.
وقد اقتضى منهج البحث تقسيمَه على ثلاثة أبواب وتمهيد تتقدمها مقدِّمة وتقفوهما خاتمة بخلاصة للمسائل التي عالجها البحث، فقائمة بروافده، فملخَّص للكتاب باللغة الإنجليزية.
أما التمهيد فقد انعقد الحديث فيه على (الاستقراء بین كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) والنحويین)، وقد اشتمل على ستة مطالب رئيسة، الأول في مفهوم الاستقراء في اللغة والاصطلاح، والثاني في أنواعه، والثالث في علاقة الاستقراء الناقص بالاستقراء التام، والرابع في علاقة الاستقراء الناقص بالقياس، والخامس في أسباب نقص الاستقراء مع التمثيل، وعقدتُ المطلب السادس لأهمية كلام الإمام في معالجة نقص استقراء النحويین مع ذكر أمثلة موجَزة لذلك غیر التي ذكرتُها في أبواب الرسالة وفصولها، ثم خلصتُ إلى ذِكر أهم الدوافع التي أسهمت في عزوف أغلب علماء العربية عن الاستشهاد بكلامه في التقعيد النحوي.
وأما الباب الأول فقد درستُ فيه (ما منعَهُ أغلبُ النحويین وورد في كلام الإمام) وابتدأتُه بتوطئة في بيان حكم المنع لدى النحويین، ثم قسمتُه على فصلین، تناولتُ في الفصل الأول (ما منعَهُ أغلبُ النحويین في الأسماء) وقد اشتمل على إحدى عشرة قاعدة، وجعلتُ الفصل الثاني مخصّصًا ل (ما منعَهُ أغلبُ النحويین
ص: 13
في الأفعالِ والحروفِ) وكان في مبحثین، الأول للأفعال وجاء في ثلاث قواعد، والثاني للحروف وضم أربع قواعد.
وأما الباب الثاني فقد تكفَّل بعرض (ما حملَهُ أغلبُ النحويین على الضرورة الشعرية وورد في كلام الإمام)، وقد افتتحتُه بتوطئة ذكرتُ فيها مفهوم الضرورة في اللغة والاصطلاح، وبيَّنتُ - بإيجاز - مذاهب علماء العربية في الضرورة الشعرية، وتألَّفَ من فصلین، نهض الفصل الأول بالحديث عن (ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما أُثبِتَ في الكلام) وقد تشكَّل من خمس قواعد، وحملَ الفصل الثاني عنوان (ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوَرَهُ الحذف ومسائل أُخر) وقد توزعت مسائلُه على مبحثین، درستُ في الأول (ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوَرَه الحذف) وفيه ثلاث قواعد، وتناولتُ في الثاني (ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية في مسائل أُخر) وضمَّ خمس قواعد.
وأما الباب الثالث (الأخیر) فقد وسمتُه ب (مالم يذكرْهُ أغلبُ النحويین وورد في كلام الإمام) مهدتُ له بتوطئة وضحتُ فيها إهمالَ النحويین لجملة من الأساليب النحوية نتيجة لقصورهم أو تقصيرهم في تتبّع اللغة وأنماطها النحوية، وقد قام على فصلین، درستُ في الفصل الأول (مالم يذكرْه أغلبُ النحويین في أُسلوبَ القَسم والشرط) وكان في مبحثین، ضمَّ الأول (مالم يذكرْهُ أغلبُ النحويین في أُسلوب القسم) وفيه قاعدتان، وحوى الثاني (مالم يذكرْهُ أغلبُ النحويین في أُسلوب الشرط) وفيه قاعدتان أيضًا، وتناولتُ في الفصل الثاني (مالم يذكرْهُ أغلبُ النحويین في مسائلَ أُخر) وانعقدَ بست قواعد.
وأما الخاتمة فقد أودعتُها بإيجاز خلاصة للمسائل التي عرضها البحث.
وأما روافدُ البحث فقد ضمَّت كتب اللغة والنحو قديمها وحديثها، ومعجمات
ص: 14
اللغة، وكتب التفسیر والحديث النبويّ الشريف ودواوين الشعراء، وشروح نهج البلاغة والدراسات والرسائل والأطاريح اللغوية والنحوية التي كُتِبتْ فيه، والبحوث المتعلقة به، فضلاً عن عدد من الدراسات التي عُنِيتْ بالاستدراك على النحويین القدماء، وحاولتْ تقويمَ بعض القواعد النحوية احتكامًا إلى القرآن الكريم أو إلى الحديث النبوي الشريف، أذكرُ منها (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح) لابن مالك، و (دراسات لأُسلوب القرآن) للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، و (النحويون والقرآن) للأُستاذ الدكتور خليل بنيان الحسون، و (أثر القرآن والقراءات في النحو العربي) للدكتور محمد سمير اللبدي، و (الاستقراء الناقص وأثره في النحو العربي) للدكتور محمد بن عبد العزيز العميريني، و (الحديث النبوي في النحو العربي) للدكتور محمود فجال، كما أفاد البحث من دراسة الباحث مازن عبد الرسول الزيدي الموسومة ب (ظاهرة المنع في النحو العربي)، وسوى ذلك من المصادر والمراجع التي أثبتُّها في قائمة روافد الكتاب.
وقد اختطّتْ الدراسة منهجًا يقوم على التأصيل للمسألة المراد دراستها من كتب النحو واللغة مراعيًا في ذلك الترتيب الزمني لمؤلفيها، ثم الاستشهاد لها بنصٍّ من كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) مبيِّنًا دلالته والظروف والقرائن المحيطة به بما يخدم الوصول إلى استنباط القاعدة النحوية، معضّدًا إياه بما يناظره من آيات القرآن الكريم وأحاديث السُّنة النبوية الشريفة، فضلاً عن كلام أئمة أهل البيت (علیهم السلام) والصحابة الكرام (رضی الله عنه) وكلام العرب المحتج به، هدفي من هذا التعضيد بيان شيوع تلك الاستعمالات في اللسان العربي من جهة، وإغفال النحويین لها في التقعيد النحوي من جهة أُخرى، وقد عمدتُ أيضًا إلى تقوية النص العلوي أيضًا
ص: 15
بنصوص من الشعر العربي في غیر الباب المعقود لدراسة الرورة الشعرية، منتهيًا في ضوء ذلك كلِّه إلى إعادة صوغ القاعدة النحوية.
هذا وقد حَرصتُ عى انتهاج جملةٍ من المسائل نفعًا للقارئ الكريم ورغبةً في إيضاح المنهج وتمامه وهي:
1- افتتحتُ كلَّ مسألةٍ درستُها بعنوان القاعدة التي توصلتُ إليها بعد تعديلها في ضوء البحث ومناقشة آراء النحويین وتحليلها، وقد خَتمتُ المسألة بذكر تلك القاعدة النحوية أيضًا.
2- آثرتُ اختصار أسماء المصادر المطوَّلة، من مثل: المحتسَب لابن جني، والكشّاف للزمخشري، وروح المعاني للآلوسي، فضلاً عن عدد من شروح نهج البلاغة مثل (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) للرواندي ومثل عنوانه للخوئي أيضًا، مُدلًّا على العنوان بذكر اسم مؤلِّفه بالهامش حتى وإنْ ورد بالمتن رغبةً في الإيضاح ودفعًا للتشابه بین العنوانات المتشابهة في مثل (معاني القرآن) للفرّاء ومثله للأخفش أيضًا، و (شرح شذور الذهب) لابن هشام، ومثله للجوجري أيضًا، وسوى ذلك من مصادر متشابهة في العنوان، على أني ذكرتُ اسم الكتاب ومؤلفه ومحققه فيما إذا كان محقَّقًا في أول انتفاع منه.
3- ذكرتُ الحادثةَ والظروف المحيطة بالنص العلَويّ المستشهَد به؛ لِما لذلك من أَثر مهمٍ في توجيه الشاهد وشرحِه، واستنباط القاعدة وتقريرها.
4- قمتُ بإيضاح ما يحتاج إلى بيانٍ من نصوص النهج معتمِدًا في ذلك على المعجات اللغوية، وأهمها: (كتاب العین) للخليل الفراهيدي، و (الصحاح) للجوهري، و (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس، و (لسان العرب) لابن منظور، و (تاج العروس) للزَّبيدي، وعلى شروح نهج البلاغة، وأهمها: (شرح نهج البلاغة)
ص: 16
لابن أَبي الحديد، و (شرح نهج البلاغة) لميثم البحراني، وسواهما من شروح نهج البلاغة.
5- عزوتُ الآيات إلى سُورِها من القرآن الكريم وذلك بالاعتماد على مصحف المدينة النبوية الرقمي.
6- قد اعتمدتُ في تخريج الأحاديث النبوية التي وردتْ في الدراسة من مصادرها المعتمَدة من كتب السُّنة النبوية، أذكر منها (صحيح البخاري) لمحمد بن إسماعيل البخاري، و (صحيح مسلم) لمسلم بن الحجاج النيسابوري، و (الكافي) للكليني، و (بحار الأنوار) للمجلسي، وقد نسبتُ الشواهد الشعرية إلى شعرائها بالرجوع إلى دواوينهم أو إلى مصادر اللغة والنحو إلا مالم يُعرَفْ قائله، ذاكرًا البحر الذي جاء عليه البيت الشعري.
7- عرَّفتُ - بما يحتاج إلى تعريف - بالأعلام الواردة أساؤهم في الرسالة بإيجاز، وأحلتُ على مرجعٍ أو مرجعین للاستزادة، وقد أتْبعتُ اسم العلم بذكر سنة وفاته في أول موضع يرد لذكره.
وفي الختام أَرجو أنْ أكونَ قد وُفِقتُ في عملي هذا، وأنْ أكونَ قد أسهمتُ برفد المكتبة النحوية - ولاسيما مكتبة نهج البلاغة وعلومِه - بدراسةٍ قد ينتفعُ منها الباحثون والدارسون، فإنْ أكنْ أصبتُ فذلك من كرمِ الله تعالى و حُسنِ توفيقه، وإنْ كانت الأُخرى فمن قصور يدي وخطئها وجلَّ من لا يُخطئ، والكمال لله وحده، ويُعجبني في هذا المقام المزني (ت: 264 ه)(1) الذي قال: ((لو عُورِضَ
ص: 17
كتابٌ سبعينَ مرةً لوُجِدَ فيه خطأٌ أبى اللهُ أنْ يكونَ كتابٌ صحيحًا غرَ كتابِه))(1)، فقد يغيبُ عن هذا البحث ما غاب عن علماء العربية الأعلام؛ لأنّ الدراسة قد اتخذت من كلام أمیر المؤمنین ميدانًا تطبيقيًا لها وهو من السَّعة ما لم تستطعْ دراسة واحدة - بل دراسات - الإحاطة بأسراره، واستيعاب جميع ما ورد فيه من ظواهر لغوية أو نحوية، على أنَّ ما لا يُدرَك كلُّه لا يُرَك جلُّه كما يُقال.
وآخرُ دعوانا أَنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمین وصلواتُه وسلامُهُ على نبيِّنا مُحمّدٍ الأمین (صلی الله علیه و آله) وآلهِ الطيبین الطاهرين (علیهم السلام)، وصحبه المنتجبين (رضی الله عنه).
حيدر هادي خلخال النجف الأشرف، ذو الحجة 1438 ه
ص: 18
التمهيد الاستقراء بين كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) والنحويين
ص: 19
ص: 20
يسعى هذا البحث عبر أبوابه القادمة إلى نقد قواعد النحويین في ضوء كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وتصحيح بعض ما توصَّلوا إليه من تلك القواعد، والاستدراك عليهم والإشارة إلى ما فاتهم من أنماط أو أساليب نحوية صحيحة بالاستناد إلى نهج البلاغة، فهو رافدٌ ثرٌّ للغة العربية وعلومها، ومعینٌ للفصاحة والبيان، والبلاغة والإتْقان، يجري على وفق معايیر العلماء فيما يصح الاستشهاد به، لكنَّه لم ينلْ استحقاقه في الميدان النحوي.
ومما يجدر ذكره أنَّ الهدف من هذا لم يكنْ بقصد التقليل من عظيم جهد أَعلام العربية في استقراء اللغة وتسجيل قوانينها؛ فقواعدُ النحو مرهونةٌ بالاستشهاد عليها إلا ما جاء على أصله من القواعد المتعارَفة المعلومة، إذ إنَّ ((مَن تمسَّك بالأصل خرج عن عُهْدة المطالبة بالدليل))(1)، وقد تكون الشواهد التي تقف عليها هذه الدراسة فاتتهم لسببٍ أو لآخر كما سيأتي بيان ذلك.
ولمّا كانت جهود علماء العربية في وصف المسائل النحوية وتقعيدها، وتصنيفها وتفسیرها، وبيان الخلاف بین صورها واستعمالاتها؛ ثمرةَ عملٍ دؤوبٍ وعظيم قام على استقراء كلام العرب شعرًا ونثرًا من مصادره الأصلية؛ كان لا بد من الوقوف على مفهوم الاستقراء، وبيان أقسامه، وأهميته في وضع القواعد، فضلاً عن أهمية
ص: 21
كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) كرافدٍ مهم من روافد الاستقراء في العربية إلى غیر ذلك ممّا ستتكفَّل ببيانه المطالب الآتية:
الاستقراء مصدر بزنة (الاستفعال) مشتق من الجذر اللغوي (قرا) بمعنى:
(تَتَبَّع)، قال ابن منظور (ت: 711 ه): ((وقرا الأَمرَ واقْتراهُ: تَتَبَّعه (...) وقَروْتُ البلادَ قَرْوًا وقَرَيْتُها قريًا واقْتَريتُها واسْتَقْرَيتها إذا تتبعتها تخرج من أرضٍ إلى أرضٍ))(1)، وبهذا المعنى شاع لدى النحويین؛ فقد تَتبَّعوا كلام العرب نظماً ونثرًا من مصادره الأصلية عبر عصور من الزمن بهدف وضع الأُسس واستخلاص الضوابط التي تخضع لها العربية في تراكيبها المختلفة.
وليس غريبًا أنْ يكون كلام الإمام رافدًا مهماً للمعجم العربي، إذ إنَّ معنى (التتبّع) الذي ذكره أرباب اللغة والمعجات للاستقراء إنا جاء في الصحيفة التي كتبها الإمام (علیه السلام) وألقاها الى أبي الأسود الدُّؤلي (ت: 69 ه) قائلاً له: ((بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كلُّه اسم وفعل وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمَّى، والحرف: ما أنبأ عن معنًى ليس باسمٍ ولا فعلٍ، ثم قال: تتبعْه وزدْ فيه ما وقع لك))(2).
أما في الاصطلاح فقد عرَّفه الشريف الجرجاني (ت: 816 ه) بقوله: ((هو
ص: 22
الحكم على كليٍّ بوجوده في أكثر جزئياته))(1).
ويبدو أنَّ هذا التعريف مستقى من تعريفات علماء المنطق والأُصول؛ إذ عرَّفه الغزالي (ت: 505 ه) بقوله: ((هو أن تتصفَّح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنى كلِّی، حتى إذا وجدت حكماً في تلك الجزئيات حكمت على ذلك الكلّی به))(2)، وبنحو هذا عرَّفه فخر الدين الرازي (ت: 606 ه)(3)، والآمدي (ت: 631 ه)(4)، والشيخ محمد رضا المظفّر (ت: 1383 ه)(5)، والسيد محمد باقر الصدر (ت: 1400 ه)(6).
فبوساطة الاستقراء يسعى العالِم إلى الوصول إلى قاعدة كلّية مستنبَطة من أجزاء هذا الكل ومنتمية إليه، فهو منهج عِلمي يهدف إلى تتبع أجزاء الظاهرة المستقراة من أجل الوصول إلى وضع قواعدها وقوانينها، ولهذا جعله النحويون دليلاً قاطعًا على إثبات تلك القواعد والضوابط(7).
والظاهر أنَّ النحويین اكتفوا بتعريف النحو الذي تضمن معنى (الاستقراء) فلمْ يضعوا حدًّا له(8)؛ لأنّ النحو كما ذكره القدماء هو علم مستخرَج من استقراء كلام العرب، قال ابن السرّاج (ت: 316 ه): ((هو علم استخرجه المتقدِّمون فيه
ص: 23
من استقراء كلام العرب))(1)، وقال أبو علي الفارسي (ت: 377 ه): ((النحو علم بالمقاييس المستنبَطة من استقراء كلام العرب))(2)، وبهذا المعنى عرَّفه المتأخرون أيضًا، قال ابن عصفور (ت: 669 ه): ((النحو علم مستخرَج بالمقاييس المستنبَطة من استقراء كلام العرب؛ الموصِلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي تأتلف منها))(3)، وهذا يشیر فضلاً عن ذلك إلى أهمية الاستقراء كمبدإ اتَّبعه علماء العربية في الوصول إلى النتائج المرجوّة التي يمكن صوغها فيما بعد في قواعد عامة(4)، مع التأكيد على أنَّ النحويین في أوائل نشأة النحو لم يكونوا على معرفة تامّة بوسائل هذا الاستقراء وطرائقه، وإنما كانوا يسیرون على وفق ما هدتهم إليه الفطرة بغية الحصول على نتائج علمية سريعة(5).
إنّ صلة مفهوم الاستقراء وارتباطه بعلمَي المنطق والأُصول جعلتْ مهمة تقسيمه والحديث عن فروعه من تخصّص أرباب هذين العِلمین، إذ قسموه على نوعین رئيسین هما(6):
ص: 24
1- الاستقراء التام: ويقصد به العلماء ((إثبات الحكم في كلِّی لثبوته في بعض جزئياته))(1)، وهو الذي يسعى إلى جمع جزئيات المادة المُراد استقصاؤها وتقسيمها من أجل الوصول إلى حقيقةٍ ما، ولهذا أُطلق عليه (الاستقراء المقسَّم)(2)، وهو الذي يُستعمل في إثبات البراهین؛ لأنَّه يفيد اليقین(3)، وهو يقوم على ((العد والإحصاء كما يحدث عند تعداد سكان البلاد أو عند إحصاء الكلمات الدخيلة في اللغة))(4).
2- الاستقراء الناقص: ويسمى عند أرباب علم الأُصول ب ((إلحاق الفرد بالأعم والأغلب))(5)، وعُرِّفَ بأنَّه الاستقراء ((الذي تتبع فِيه أَكثر الجزئيات لإِثبات الحكم الْكلِّی المشترك بین جمِيع الجزئيات، بِشرط أَن لَا يتَبَیَّن الْعلَّة المؤثرة فِی الحكم))(6)، وهو يفيد الظن؛ لأنَّ المستقري لا يتَتَبَّع إلا بعض الجزئيات(7).
ولعل أُولى الإشارات التي تدلِّل على وجود الاستقراء الناقص في جهد النحويین الأوائل تطالعُنا في صحيفة الإمام (علیه السلام) إلى أبي الأسود الدؤلي، فتذكر
ص: 25
الروايات أنَّ أبا الأسود استقرى خمسة أحرف للنصب، وهي (إنَّ)، و (أنَّ)، و (كأنّ)، و (ليتَ)، و (لَعلّ)، وأغفل (لكنّ)، فقال له الإمام: لِمَ تركتَها؟ فقال: لم أحسبْها منها، فقال له: إنَّها منها، فزدْها فيها(1).
وقد استظهر النحويون التباين المنهجي بین الاستقراء التامِّ والناقص عَمليًا، فذهبوا إلى أنَّ ظواهر العربية لا يمكن أن تحُصى؛ لأنَّ ((كلام العرب لا يُحيط به إلا نبيّ))(2)، وفي هذا إشارة إلى سعة العربية، وعدم القدرة على استقراء كلِّ أساليبها؛ ((لأنَّ إثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل مُحال))(3)، لهذا احتكموا إلى الاستقراء الناقص الذي يعني إجراء الملاحظة على أُنموذج منتقى من جملة الظواهر المدروسة التي لا حصر لها، والاقتصار منها على القليل دون الكثیر(4).
إنَّ المنطق (الأرسطي) في ضوء تقسيمه الاستقراءَ على تام وناقص لم يبیِّن بصورة أساسية العلاقة القائمة بین الفرعین، بل اكتفى بالقول: إنَّ الاستقراء إذا قام على إحصاء كلِّ جزئيات الظاهرة فهو تام، وأما إذا اقتصر على أجزاء من
ص: 26
الظاهرة في الحكم فيعدُّ ناقصًا(1)، وهذا مالم يتفق ورؤية السيد محمد باقر الصدر؛ إذ إنَّ النتائج إذا جاءت موافقة لمقدِّماتها ومتسقةً معها كما في التام فلا يُعدُّ هذا من قبيل الاستقراء، بل يُعدُّ استنباطًا، أما الاستقراء فهو الذي يسیر من الخاص إلى العام، وهذا ما يحدث في الاستقراء الناقص، لذا فهو ما ينطبق عليه مفهوم الاستقراء فقط(2).
أما النحويون فإنّ التفريق بین الفرعین كان حاضرًا لديهم - على ما يبدو - فيما اتّبعوه من منهج عَمَلي في تَتبّع اللغة من منابعها؛ فلعلمهم بتعذّر استيعاب كلِّ ظواهر اللغة وأساليبها عمدوا إلى تحديد ما يُستشهَد به كجزء من الظاهرة المراد التقعيد لها، فحدَّدوا المكان والزمان، كما خصَّصوا القبائل التي يُحتج بكلامها، وهم بهذا فهموا ماهيّة الاستقراء التام وعدم القدرة على انتهاجه واستعماله، والقطع بعدم إمكان تحقيقه. ودليل هذا ما ذهب إليه اللغويون بأنَّ ما وصل إلينا من اللغة قليل من كثیر، قال أبو عمرو بن العلاء (ت: 154 ه): ((ما انتهى إليكم مما قالتْ العربُ إلّا أقلُّه ولو جاءَكُم وافرًا لجاءكُم عِلمٌ وشعرٌ كثیر))(3)، كما نجد هذا المعنى فيما ذكره سيبويه (ت: 180 ه) في قوله: ((وكلُّ شيء جاء قد لزم «الألف» و »اللام» فهو بهذه المنزلة، فإن كان عربيًا نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه فإنما ذاك لأنّا جهلنا ما علم غيرنا، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمى))(4).
نخلص مما تقدم إلى أنَّ الاستقراء التام وإن كان دليلاً من أدلّة الجدل النحوي
ص: 27
ووسيلة من وسائل التقعيد إلا أنّ صلاحيته للاحتجاج تتوقف على التسليم بمضمونه، إذ يمكن لغیر المستدِل إنكار مضمونه، وحينئذ لا يصلح دليلاً(1)، هذا فضلاً عن أنَّه يتطلَّبُ معرفةً بكلِّ جزئيات المادة المراد استقراؤها وهذا عمل شاقٌّ يصعب تحقيقه(2)، ولمّا كان الامر كذلك لجأ علماء العربية إلى استقراء جزء من الظواهر وهو ما يُعرَفُ بالاستقراء الناقص، فإنْ قيل: إذا كان نهج النحويین في تتبع مسائل النحو ناقصًا فكيف يتواءم هذا وسعيَهم نحو اطّراد القواعد وإعمامها؟ قلتُ: هذا ما سيُفصح عنه المطلب الآتي:
ليس ثمة مَن يُنكر أنَّ ظواهر العربية ومسائلها لا يمكن استيعابها وإحصاء كلِّ جزئياتها والوصول إلى إعمام يشمل كل جزئياتها بالاستقراء، وقد تقدَّم مثل هذا الكلام، ولهذا كان الاستقراء ناقصًا في جزءٍ منه، لكنّنا إذا قررنا هذه الحقيقة فكيف يمكننا تسويغ أن يكون الاستقراء الناقص سمةً من سمات العلوم المنضبِطة ومنها النحو العربي كما ذكر الدكتور تمام حسان(3).
إنَّ نقص الاستقراء الذي يُوصَفُ به عمل عددٍ من النحويین بسبب سعة العربية وعدم المقدرة على استيعاب كلِّ ظواهرها وأساليبها - وإنْ كان صفةً للعِلم المنضبِط على ما يرى الدكتور تمام - لا يعني إعفاءهم وعدم مطالبتهم بجبر صفة النقص هذه؛ إذ عليهم اللجوء إلى قياس مالم يستطيعوا الوصول إليه وإحصاءه على ما استقرَوه من مسائل مناظرة حتى تتصف القواعد بالعموم، وهذا ما عبّر عنه
ص: 28
الدكتور تمام حسان ب (الحتمية)(1)، وهو ما حدث بالفعل في مبدإِ (القياس) نفسه الذي أجراه النحويون في موارد كثیرة ومتشعبة، ولهذا عرَّفه أبو البركات الأنباري (ت: 577 ه) بأنَّه ((حمل غیر المنقول على المنقول إذا كان في معناه))(2)، ومن هنا تظهر بوضوح جملة (فقِسْ على هذا) كثیرًا في المظان النحوية. كلُّ هذا رغبة في اطّراد القواعد وإعمامها، وإن كانت بعض أقيسة النحويین أسهمت في تعقيد بعض أبواب النحو ومباحثه ولا سيما في المسائل التي احتُكمَ فيها الى القياس وحده من دون النظر الى المسموع، وهذا أدَّى إلى خلل وإرباك في عدد من القواعد النحوية(3).
وفائدة ما تقدَّم أنَّ المستقري للغة وإن اعتَورَ عمله النقص والقصور أو التقصیر، لكن بإمكانه التوصل إلى الإعمام والتقعيد إذا أخذ بنظر الاعتبار العناية بالقياس(4)، لكن الذي يؤاخَذ عليه النحويون في هذا الإطار أنَّهم حكَّموا في استقرائهم أمرين: أحدهما: افتقار الاستقراء إلى الخطة المنظَّمة واعتماده على الجهد الشخصي ما أفضى إلى اضطراب الدراسة ونتائجها، وقد نعتذر لهم؛ إذ ليس بالإمكان محاكمتهم با وصلت إليه العلوم اليوم، والآخر: إعطاء النتائج التي توصَّلوا إليها بطريقة الاستقراء سلطة التحكم في اللغة في عصرها وبعد عصرها ما نتج عن هذا تأويلُ كلِّ ما خالف هذا الاستقراء(5)، والحال أنَّ القواعد نتيجة من نتائج الاستقراء، وثمرة من ثمار السماع. وما دامت الحال هذه فمِن الواجب
ص: 29
إبراز الشواهد والأمثلة التي تستند إليها القاعدة وعدم الاقتصار على شواهد دون أُخرى بغية العموم، فالأصل أن تُراعى النصوص لا القواعد بلا فرض لوجهة نظر الباحث في وضع هذه القواعد(1)، ولو فعلوا هذا لخلصوا الكثیر من مسائل العربية من الخلط والتعقيد، والتأويل والتقدير، لكن ما سبب ذلك؟ هذا ما سيبينُه المطلب الآتي:
مما لا شك فيه أنّ نقص الاستقراء الذي وُصِفَ به النحو العربي في مسائل متعددة قد نتج عن جملة ظروف أو أسباب حاول أحد الباحثین إجمالها بالنقاط الآتية(2):
حرص النحويون الأوائل في جمعهم الموادَّ اللغوية على انتهاج جملة من المبادئ - وإن بدت في أوائلها شخصية تفتقر الى التخطيط الدقيق - من أجل بناء علم النحو وترسيخ قواعده، من ذلك عنايتهم الفائقة فيمن يأخذون اللغة عنه، لذا شافَهَ العلماءُ الرواةُ أبناءَ القبائل الفصيحة في بواديهم، أو من وفد منهم إلى الحاضرة بقصد التزوّد منها، أو سكناها، وهم بهذا العمل إنما يريدون تحرّي الدقة والضبط والأمانة في الرواية، قال ابن فارس (ت: 395 ه): ((وتؤخذ سماعًا من الرُّواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويُتَّقى المظنون (...) فَليَتَحرَّ آخذ اللغة وغيرها من
ص: 30
العلوم أهل الأمانة والثقة والصدق والعدالة))(1)، ولا شك في أنَّ تلك الضوابط هي من نَهجِ علماء الحديث في الضبط والتوثيق استعارها علماء العربية في ميدان اللغة والنحو(2).
هذا وقد ذكر ابن النديم (ت: 438 ه) عددًا من أسماء الأعراب الفُصَحاء الذين رحلوا إلى الحاضرة وأخذ عنهم علماؤنا(3)، هذا فضلاً عن العلماء الرواة الذين رحلوا إلى البادية لمشافهة أعرابِها، منهم عيسى بن عمر الثقفي (ت: 149 ه)، وأبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد (ت: 175 ه)، ويونس بن حبيب (ت: 182 ه)، والكسائي (ت: 189 ه) وغيرهم(4).
ولما كان همُّ النحويین في جهدهم هذا استقراءَ كلِّ مظاهر اللغة وتفاصيلها، وهذا ما يتعذَّر تحصيله كما تبیَّن في الاستقراء التام؛ حصل النقص فيما استقرَوه(5)، ولاسيما أنَّ تدوين التراث اللغوي الشعري والنثري لم يكن إلا في بداية القرن الثاني الهجري وما بعده، وكان العلماء قبل تلك المدة يتناقلون الرواية شفاهًا، ما أسهم ذلك في ضياع الكثیر من ظواهر التراث اللغوي(6).
وقد انعكس أثر هذا النقص على بعض الأحكام التي توصل إليها علماء
ص: 31
العربية، سواء أكانت تلك الأحكام تخص المفردات أو التراكيب، وعلى النحو الآتي:
مما يُستدرك على علماء العربية في الأبنية ما جاء في باب التصغیر، فقد أجمعوا على أنَّ أبنية التصغیر ثلاثة هي (فُعَيْل، وفُعَيْعِل، وفُعَيْعِيل) ولا تتجاوز ذلك، قال سيبويه: ((اعلم أنَّ التصغیر إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة: على «فُعَيْل، وفُعَيْعِل، وفُعَيْعيل»))(1).
وكان من ثمار تحقيق الأُستاذ عبد السلام هارون كتابَ (الاشتقاق) لابن دُرَيْد (ت: 321 ه) عثوره على صيغة رابعة للتصغیر وهي (فِعَيْل) بكسر (الفاء)، استنادًا إلى نص ابن دريد الذي يقول فيه: ((وشِيَيْم: تصغیر «أشْيَم»، وهو الذي له شامةٌ في أيِّ موضع من جسده، والأنثى «شَيْماء» والجمع «شِيم»))(2).
لم يكن نقص الاستقراء مقصورًا على الأبنية والمفردات فحسب، بل شمل الأساليب النحوية أيضًا، من ذلك ما ذكره سيبويه في ()حاشا) قائلاً: ((وأما «حاشا» فليس باسم، ولكنَّه حرف يجر ما بعده كما تجر «حتى» ما بعدها، وفيه معنى الاستثناء))(3)، وقد اعترض قسم من النحويین على رأي سيبويه هذا، منهم ابن مالك (ت: 672 ه) الذي يقول: ((وكون «حاشا» حرفًا جارًا هو المشهور،
ص: 32
ولذلك لم يتعرَّض سيبويه لفعليتها والنصب بها، إلا أن ذلك ثابت بالنقل الصحيح عمن يُوثَق بعربيته))(1)، وهذا ما أكَّده السيوطي (ت: 911 ه) معتذِرًا لسيبويه قائلاً: ((والعذر لسيبويه أنَّه لم يحفظ النصب ب «حاشا»))(2).
ومن المسائل أيضًا حذف (نون) حرف الجرِّ (مِنْ) مع حرف التعريف، فقد عدَّ ابنُ عصفور هذا الحذف من الضرورات الشعرية(3)، على حین ذهب ابن مالك إلى عدم جوازه، لأنَّه قليلٌ بحسب مقتضى كلامه(4)، وقد رفض أبو حيان (ت:
745 ه) رأيَهما قائلاً: ((ويجوز عندي في سعة الكلام، وليس بقليل، ولا مخصوصًا بالضرورة، خلافًا لزاعميها))(5)، وهذا ما صرَّح به السيوطيُّ قائلاً: ((ولو تتبَّعنا دواوينَ العربِ لاجتمعَ من ذلك شيءٌ كثیرٌ، فكيف يُعل قليلاً أو ضرورةً، بل هو كثیرٌ، ويجوز في سَعة الكلام))(6) وما هذا إلاَّ دليلٌ على أنَّ الاستقراءَ الناقص أحدُ أسباب اضطراب هذا المبدإ عندهم.
إن هذه الشواهد وسواها تدل بلا شك أو ريب أنَّ استقراء النحويین لم يكن تامًا، بل صاحبَهُ النقص في جزء منه؛ لذا احتاجوا إلى التأويل والتقدير
ص: 33
كي يُصححوا ما وضعوه من ضوابط وقواعد، وقد يُعزى ذلك إلى أنَّ سعيَهم وراء المنابع الأصيلة لكلام العرب جعلهم يتحرّون الدقة والوثاقة والضبط فيمن يأخذون عنه، وهو مبدأ حسن يُحسب لهم، لكنّه أدّى إلى الابتعاد عن بعض كلام العرب بحجج شتى، فمها لا يقبل الجدال أنَّ العربية ليست محصورة بما نصَّ عليه النحويون من قبائل أو أماكن، ولهذا لا يمكن الاعتماد على أعراب بيئات معينة دون أُخر(1)، فالعبرة بصحة ثبوت الشاهد في المسموع الفصيح، زيادة على ذلك رغبتهم في الوصول إلى كلِّ مظاهر اللغة وصورها واستعمالاتها، وهو متعذّر وصعب أدى إلى عدم إفادة اللغة من الكثیر من النصوص الفصيحة لسَعة العربية وامتداها، أو بسبب يعود للراوي أو لظروف أُخر(2).
حدَّ السيوطي ما يصح الاستشهاد ب ((ما ثبت في كلام من يُوثَق بفصاحته فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيه (صلی الله علیه و آله)، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أنْ فسدت الألسنة بكثرة المولَّدين نظماً ونثرًا عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لا بد في كلٍّ منها من الثبوت))(3).
وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ الشواهد هي حجة النحوي في إثبات القواعد والتدليل عليها، ولأهميتها في الدرس النحوي قيل: ((الشاهد في علم النحو هو النحو))(4)نشأة النحو: 249(5)، بيْدَ أنَّ النحويین كانوا أكثر احتفالًا بالشعر واعتمادًا عليه،
ص: 34
فمثَّلت شواهده معظم حديثهم إذا ما قِيستْ بمصادر الاستشهاد النثرية الأُخرى(1)، فكتاب سيبويه قد ضمَّ ألفًا وخمسین شاهدًا شعريًّا، ونقل عن أربعمئة آية قرآنية(2)، وهو عدد قليل موازنة بالشعر، وبلغت الشواهد الشعرية في (المقتضب) خمسمئة وواحدًا وستين شاهدًا شعريًّا، على حین كانت شواهده القرآنيّة أقلَّ من ذلك(3).
هذا، وعلى الرغم من أنَّ ((الشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار، وكثیرًا ما يُحرَّف فيه الكلم عن أبنيته وتُحال فيه المُثل عن أوضاع صِيَغِها لأجله))(4)، نجد أنَّ كلمة (شاهد) لا تنصرف عند ذكرها إلا إلى الشاهد الشعري(5)، وهذا يعكس عناية علماء العربية بالشعر، وقد أورد الباحثون أسباب ذلك، أذكر منها:
1- المنزلة العظيمة للشعر عند العرب في عصر ما قبل الاسلام والعصر الإسلامي، فقد كانوا ينشدونه في محافلهم ومناسباتهم قبل مجيء الإسلام. يؤكِّد هذا أنَّ القبائل كانت تتبادل التهاني إذا نبغ فيهم شاعر، ولما جاء الإسلام ظلوا يتناشدونه حتى في المساجد، وبدؤوا يفسرِّون به الغامض من ألفاظ القرآن الكريم(6).
2- قلة النثر الذي وصل إلى النحويین من عصر ما قبل الإسلام بالقياس إلى الشعر؛ إذ لم يُؤثَرْ عن الجاهليین نصوص نثرية كثیرة كما هو الحال في الشعر(7).
ص: 35
3- نظرَ النحويون نظرةً تقربُ من التقديس إلى الشعراء الذين يُعتدُّ برواية شعرهم وكان كلُّ ما يقولونه يعدُّ عندهم حجة(1)، إذ كان حفظُ الشعر ميدانًا للتباري والتسابق فيما بينهم في شرح الشواهد الشعرية، ولهذا كلِّه إنِ انحرف هذا الشعر عن القواعد النحوية كثرت التخريجات والتأويلات له من دون أن يُرمى قائله باللحن أو الخطأ(2).
4- قد عوّل النحويون على الشعر كثیرًا ظنًا منهم أنَّ روايته أدق من رواية النثر، وأن احتمال التغیير والتبديل فيه أقل من النثر(3).
ولستُ ههنا في مَقام مناقشة تلك الأسباب وتقرير القول فيها رفضًا أو قبولًا، لكن الذي ينبغي أنْ يُذكرَ في هذا المجال أنَّ الشعر يعتمد في الأَساس على المعنى والوزن الخاص به، والمعنى هو الذي يقتضي القرينة ويختار التركيب المناسب لها، وليس العكس، ومن هنا أصبح الخروج عن قواعد النحويین سمةً بارزة فيه(4)، هذا زيادة على أنَّ الشاعر إنما يدفعه الى نظم الشعر الانفعال غالبًا، ولهذا ليس من الممكن وضع قواعد محددة يُراد لها الاطّراد والشيوع للغة انفعالية(5)، وليس من الصواب أنْ يكون الشعرُ المصدرَ الرئيسَ الذي تُستنبَط منه قواعد
ص: 36
لغة من اللغات(1).
وحاصل ما تقدَّم أنَّ الشعر قد احتل مكانة واسعة في التراث العربي، ومن هنا ركز النحويون في الاستشهاد به أكثر من مصادر النثر الأخرى وإن خرج في تراكيبه عن قواعد النحو العربي المستلة من أدلة الاستشهاد النثرية تلك، وهذا أمر أدّى إلى كثرة الضرورات الشعرية على الرغم من ورود شواهد نثرية تُثبت أنَّ الحكم بالضرورة إنما استند إلى استقراء ناقص(2).
من المقرَّر الثابت لدى أغلب الدارسین وجود اختلاف منهجي بین مذهبَي البصرة والكوفة في الركن الأهم من أركان استنباط القواعد النحوية وتفسیرها وهو السماع، وأوجه هذا الخلاف كثیرة ومتشعبة يهمني منها ما يتعلَّق بمصادر هذا السماع أو أدلته التي حددها النحويون بالقرآن الكريم وقراءاته والحديث النبوي الشريف وكلام العرب شعرًا ونثرًا.
أما القرآن الكريم فرؤية النحويین تجاهه - على اختلاف مذاهبهم النحوية - صحة الاحتجاج به وبألفاظه في بناء القواعد النحوية والصرفية مستعينين بذلك بما وثَّقوه من المسموع من كلام العرب، على أنَّ البصريین اعتزّوا بأقيستهم التي بنوها على الشعر والنثر، فا يستشهدون بآية إلا إذا تأيَّدت بالمسموع نظماً أو نثرًا وإلا عمدوا الى التأويل والتقدير، على حین أنّ احتجاج الكوفيین بالقرآن الكريم
ص: 37
أكثر وأوسع(1).
وأما القراءات القرآنية - وهي المصدر المهم من مصادر الشواهد النحوية - فقد وقع الخلاف بین المذهبین في جواز الاحتجاج بها في بناء قواعد العربية، فعامة أهل البصرة يستدلون بها إذا جاءت موافقةً لدليلٍ مسموع، أو متسقةً مع قياس موضوع(2)، بخلاف الكوفيین الذين اعتدُّوا بها وجعلوها ركنًا أساسيًا في بناء القواعد وتعديلها(3)، وقد أسفر عدم الاعتماد عليها عن حرمان النحو من رافد كبیر للشواهد النحوية، الاستدلال به ((يُغني اللغة إذ يمدُّها بفيض غزير من الاستعمالات وبمختلف الأساليب؛ لعلاقتها الوثيقة باللهجات العربية))(4)، وعدم الاعتداد بذلك يؤدي إلى نقص الاستقراء في مسائل متعددة من ذلك مثلاً مسألة حذف العائد على الاسم الموصول، فقد ذهب البصريون إلى جواز حذف العائِد على الموصول إذا كان (أي) مطلقًا، وإلّا أجازوا حذفَه بشرط طول الصلة على القبح أو الشذوذ، أمَّا الكوفيون فقد ذهبوا الى جواز حذف هذا العائد مطلقًا سواء كان (أي) أم غیره طاَلت الصلة أم لم تطل(5).
ص: 38
واستدل ابن مالك بقوله تعالى: «تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ»(1)، في قراءة الرفع في (أحسن)(2) فأجاز حذف العائد من دون اشتراط طول الصلة، محتجًا لرأيه بشواهد أُخر(3). هذا فضلاً عن الكثیر من الموارد التي رفدت بها القراءات القرآنية النحو العربي بكثیر من القواعد، كما أسهمت في معالجة نقص استقراء النحويین(4).
وأما الحديث الشريف فمذاهب النحويین في جواز الاحتجاج به معلومة، فمنهم من أجاز، ومنهم من منع، ومنهم من التزم المذهب الوسط(5)، ولستُ أدري ما تعليل مَن منع الاحتجاج به بحجة روايته بالمعنى مع أن كثیرًا من الأحاديث دُوِّنت قبل أنْ يُدوَّن الشعر العربي المتفق على الاحتجاج بهِ، والحديث هو نثر ليس فيه من ضرورات الشعر فكان يجب أنْ يقدَّم في الاحتجاج على غیرهِ(6)، و لهذا فإنَّ المذهب الصحيح أن يُحتَج به وهذا ما عليه العلماء الأوائل وإن كان على قلة(7).
ولا شك في أنّ مَن تبنّى مذهب المنع قد أغفلَ الكثیر من الشواهد التي لها أثرٌ
ص: 39
بالغ الأهمية في التقعيد النحوي استطاع ابن مالك الاحتجاج بها في الردِّ على ما لم يذكره النحويون، فهو بحق كما قال السيوطي عنه: ((كانَ أمة في الاطِّلاع على الحديث))(1).
والشواهد التي احتج بها كثیرة منها جواز ورود فعل الشرط مضارعًا مجزومًا والجواب ماضيًا(2) استنادًا إلى قول النبيّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((من يقُمْ ليلةَ القدرِ، إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذَنبِه))(3)، على حین رأى جملة من متأخري النحويين أن هذا التركيب محمول على الضرورة الشعرية(4)يُنظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، المرادي، شرح وتحقيق: عبد الرحمن علي سليمان: 3 / 1278، وشرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، الأزهري: 2 / 401، وهمع الهوامع: 2 / 551(5)، كما احتج الرضي (ت: 686 ه) بكلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فيما يقرب من ثلاثین موضعًا(6).
وخلاصة ما تقدَّم أنَّ موقف النحويین من بعض أدّلة الاستشهاد أدّى إلى عدم الإفادة منها في التقعيد النحوي، يُزاد على ذلك عدم إمكانية الإحاطة بكلام العرب أسهم كثیرًا في نقص الاستقراء.
ص: 40
لا أبدو مغاليًا إذا قلت: إن كلامه (علیه السلام) لا تحيط بأسراره الكلمات، أو تفي بسبر مكنوناته الصفحات، فأمیر المؤمنین (علیه السلام) ((مَشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها، ومنه (علیه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها))(1)، على أنَّ تمام التمهيد يُملي عليَّ الحديث - ولو بإيجاز - عمّن انعقدت الدراسة في كلامه المبارك، وعن أثر نصوصه (علیه السلام) في تصويب ما وقع به النحو العربي من خلل بسبب نقص الاستقراء، ومن أجل الوقوف على ذلك لابد لي من عرض مقتضَب لأهم الأحكام النحوية التي تأثرت بهذا النقص ذاكرًا في كلِّ حكم شاهدًا علَويًا لبيان أهمية كلامه في بناء القواعد النحوية، وكما يأتي:
منعَ سيبويه اجتماع فاعل فعل المدح والتمييز في تركيب واحد فقال: ((«نِعْم» تكون مرة عاملة في مضمَر يفسرّه ما بعده، فتكون هي وهو بمنزلة «ويحه ومثله»، ثم يعملان في الذي فسَّر المضمر عمل «مثله» و »ويحه» إذا قلت: لي مثله عبدًا، وتكون مرة أُخرى تعمل في مظهر لا تجاوزه))(2)، فسيبويه يرى بحسب هذا النص أنّ فاعل (نِعمَ) إمّا يكون مستترًا يفسرّه التمييز بعده، نحو قولنا: نعم رجلا زيدٌ، حاملاً ذلك على معنى (وَيْحهُ رجلاً) فهذا مما يلزمه التفسیر بالتمييز، أو يرفع فاعلاً ظاهرًا وفي هذه الحال يجب ألا يُؤتى بالتمييز، استغناءً بالفاعل الظاهر(3)،
ص: 41
فالمرفوع والمنصوب جميعًا يدلان على الجنس، وأحدهما يُغني عن الآخر، فالجمع بينهما بمنزلة الجمع بن العِوض والمعوَّض عنه وهو لا يجوز(1)، وأجازه المبرد (ت: 285 ه)(2).
إنَّ الاستدلال بكلام أمیر المؤمنین ينقض ما ذهب إليه سيبويه ويُثبِت صحة اجتماع فاعل فعل المدح والتمييز في تركيب واحد، إذ قال (علیه السلام): ((وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَارًا))(3). زيادة على شاهد آخر ورد عن النبي محمد (صلی الله علیه و آله)(4)، وهذا دليل قاطع على جواز هذا التركيب في النحو العربي.
حكم الصَّيْمري (من نحاة القرن الرابع الهجري) على حذف (قد) قبل الفعل الماضي والاستغناء عنها ب (اللام) في جواب القسم بالضرورة الشعرية، وهذا صريح كلامه: ((ولا تدخل هذه «اللام» على الفعل الماضي إلا مع «قد» ولا يحسن حذف «قد» معها إلا في الشعر))(5)، وحكمه هذا منتقض بنصِّ نهج البلاغة؛ إذ قال الإمام (علیه السلام) في الشجرة وهي إحدى معجزات النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((فوَ اَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ))(6)، فجاء جواب القسم (لانقلعت) وهو فعل ماض مقترن ب (اللام) فقط من دون (قد)، في دلالة
ص: 42
على جواز وورد هذا النمط النحوي في النثر أيضًا وليس وقفًا على لغة الشعر(1).
ومن الشواهد أيضًا ما ذكره الرضي الاسترابادي عن السیرافي (ت: 368 ه) بأنّه يرى نصب اسم الفاعل مفعولًا ثانيًا ضرورة، جاء ذلك في تعقيبه على قوله تبارك وتعالى: «وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا»(2)، على قراءة من أثبت (الألف) في الفعل (جعل)(3)، يقول الرضي: ((قال السیرافي: إن الأجود ههنا أن يقال: إنما نصب اسم الفاعل المفعولَ الثاني ضرورة حيث لم يمكن الإضافة إليه؛ لأنه أُضيف إلى المفعول الأول))(4)، وإذا كان السیرافي - على ما نُقل عنه - يرى في القراءة القرآنية ضرورة على مذهب الأخفش (ت: 215 ه) الذي يُجيز وقوعها في النثر، وفي القرآن الكريم أيضًا(5)؛ فإن في نهج البلاغة ما يؤكد تلك القراءة ويعضُدها، إذ قال الإمام (علیه السلام) في وصف الخفّاش: ((وَجَاعِلَةُ اَللَّيْلِ سِرَاجًا تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی اِلْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا))(6).
جزم بعض النحويین واللغويین بعدم ورود بعض التراكيب أو الألفاظ في كلام العرب، فكرّروا عبارات من قبيل (لم تتكلم به العرب)، أو (لم يُسمع) ونحو ذلك
ص: 43
مما يحتاج إلى استقراء تام وهو ما يتعذّر كما تقدَّم، وربما يجعلون الأمر غُفْلاً من دون ذكر للفظ أو التركيب وهو أحسن من القطع أو الجزم بعدم الورود، من ذلك ما ذكره سيبويه في وزن (فَعْلَل) قائلاً: ((فإذا زدت من موضع «اللام» فإن الحرف يكون على «فعلل» في الاسم، وذلك نحو: «قَرْدَد»، و «مَهْدَد» ولا نعلمه جاء وصفًا))(1)، غیر أنَّ الاستقراء أثبت وجود هذا البناء وصفًا في عدد من المواضع، منها ((أرضٌ هَجهَج: جَدْبةٌ لا نَبْتَ فيها))(2)، وموضعٌ فَدْفَد: فيه غلظ وارتفاع(3)، ومنه قول الإمام أمر المؤمنن (علیه السلام) في نهج البلاغة: ((هذا الخطيب الشَّحْشَح))(4)، و (شحشح) بوزن (فَعْلَل)، وهو صفة ل (الخطيب).
ومن الألفاظ التي لم تصل إليها أسماع اللغويين كلمة (خَصِيصَة) بوزن (فَعِيلَة) وجمعها (خصائص) وهي جمع (فعيلة) على (فعائل) وهو جمع قياسي، فلم تنص على ذكرها معجماتنا اللغوية، لكن اللغة أوسع مما أثبتته تلك المعجمات؛ فقد
ص: 44
وردت هذه اللفظة في قول الإمام علي (علیه السلام): ((وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّه (صلی الله علیه و آله) بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَ أَنَا وَلِيدٌ))(1).
ومن الأبنية التي فاتت اللغويین أيضًا المصدرُ (تَهْمَام) بوزن (تَفْعال) على الرغم من وروده في كلام الإمام علي (علیه السلام) وفي شعر امرئ القيس أيضًا(2).
ولم يكن أثر نقص الاستقراء في العربية وقفًا على الألفاظ بل شمل أيضًا التراكيب النحوية، فقد غاب عن النحويین جملة من التراكيب الفصيحة بحجة عدم ورود السماع دليلاً عليها، من ذلك ما نسبه عدد من اللغويین والنحويین إلى الأصمعي (ت: 216 ه) بأنه يمنع ورود (ما) بعد (شتان) فلا يجوز عنده القول:
شتّان ما بین زيد وعمرو(3).
إنَّ الاستدلال بكلام الإمام علي في یبیِّن نقص استقراء الاصمعي، وإثبات عدم صحة ما ذهب إليه، إذ قال (علیه السلام): ((شَتَّانَ مَا بَیْنَ عَمَلَیْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُ))(4).
ص: 45
قرر النحويون أن من الأنماط التي تأتي عليها (أي) أن تكون اسماً مُعْرَبًا، فتقع وصفًا لموصوف يُشرط فيه التنكیر في الغالب، وأن تكون (أي) مضافةً لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها من لفظ الموصوف ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أيِّ عالمٍ، للدلالة على المبالغة والتفخيم(1)، والغالب في الموصوف أن يكون مذكورًا في الكلام، فإنْ جاء محذوفًا حُملَ التركيب على الندرة(2).
وقد جاء الموصوف محذوفًا في قول الإمام (علیه السلام) فيما نُسب إليه: ((اِصحَبِ الناسَ بأيِّ خُلُقٍ شئتَ يَصحبوك بمثلِه))(3)، والتقدير: اِصحبِ الناس بخلق أيِّ خلق...
إنَّ ورود هذا النمط في كلام الإمام يفسح المجال أمام إجازته والقياس عليه، إذ إن القواعد رهينة الاستعمال، قال ابن جني (ت: 392 ه): ((واعلم أنك إذا أدّاك القياس إلى شيء ما ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غیره فدعْ ما كنت عليه إلى ما هم عليه))(4)؛ لأن النادر اللغوي يعني ((ما قلَّ وجودهُ وإنْ لْمَ
ص: 46
يُخالِف القياس))(1) وهذا ما دعا الأستاذ عباس حسن (ت: 1398 ه) إلى الاستدلال بالشاهد العلوي في الرد عى النحوين قائاً: ((ورودها في نثر الإمام علي أفصح البلغاء فوق ورودها في البيت السابق قد يبيح استعمالها وإن كان هذا الاستعمال قليلا. وحسبنا أنه مسموع في النثر وفي الشعر من أفصح العرب))(2). هذا زيادة على طائفة كثیرة من الشواهد العلوية التي عرضتها الدراسة، وإذا كان شأن كلام الإمام هكذا فلِمَ عزف أغلب النحويین عن الاحتجاج به في الدرس النحوي؟ قد يطول الحديث في ذكر أسباب ذلك تفصيلاً، إلا أنَّ أغلب الظن أنّ الذي أثَّرَ في ذلك هو مذهب قسم من النحويین الذين منعوا الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف بزعم روايته في المعنى، ولا شك في أن كلامه (علیه السلام) مصداق للحديث؛ إذ ((الحديث في اصطلاح المحدِّثین قول النبي (علیه السلام) وفعله وتقريره (...) وقول أصحابه وفعلهم وتقريرهم والتابعین لهم))(3)، لكنه إذا كانت رواية حديث النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله) بالمعنى مسوِّغَ مَن منعَ الاحتجاج به بحجة عدم تدوينه لمدة طويلة؛ فإن ذلك لا ينطبق على أحاديث أئمة أهل البيت (علیه السلام) الخاصة بهم أو تلك التي يروونها عن النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله)؛ إذ المنقول عنهم أنهم شجَّعوا على تدوينها ورغّبوا في كتابتها، ورفعوا الحظر المفروض على رواية الحديث، قال امیر المؤمنین (علیه السلام):
((إذا كتبتم الحديثَ فاكتبوه بإسناده، فإن يكُ حقًا كنتم شركاء في الأجر، وإنْ يكُ
ص: 47
باطلاً كان وزره عليه))(1)، وذكرَ هذا المعنى ابن ابي الحديد (ت: 656 ه) فقال:
((وحسبُك أنّه لم يدوَّن لأحدٍ من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دُوِّن له))(2). وأكد هذا المعنى أيضًا الدكتور شوقي ضيف من المحدَثین(3).
إنَّ حجة الرواية بالمعنى كانت نتيجة من نتائج إقدام السلطة بعد رحيل النبي (صلی الله علیه و آله) وتوجيهها بعدم تدوينه لمدة طويلة(4)، فقد ذكر الذَّهَبي (ت: 748 ه) أنَّ الخليفة الأول: ((جمع الناس بعد وفاة نبيِّهم فقال: إنكم تحدِّثون عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافًا فلا تحدِّثوا عن رسول الله شيئًا، فمَن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه))(5)، وعلى هذه المنهج سار الخليفة عمر بن الخطاب أيضًا، فقد رُوي عن أبي هريرة أنه قال: ((ما كُنَّا نستطيع أن نقول: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى قُبض عمر قال أبو سلمة فسألته بمَ؟ قال كنا نخاف السياط وأومأ بيده إلى ظهره))(6)، ودليل هذا ما قاله عمر لأبي هريرة: ((لتتركَنَّ الحديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو لألحقنَّك بأرض دَوْس))(7).
ص: 48
وقد جرى هذا النهج على روايات أهل البيت (علیه السلام) أيضًا، بل إنَّ كتب الحديث تذكر توجيه من بيده السلطة آنذاك بحرق مدوناتهم وإتلافها(1). الأمر الذي ساعد على تغييب الحديث النبوي من دائرة الاحتجاج النحوي، وإنِ اعتُمد عليه في قضايا اللغة والمعجم؛ إذ حاجة النحو إلى الضبط والدقة في الرواية أكثر من حاجة المعجم إليهما؛ لأنَّ الاحتجاج بالشاهد متوقفةٌ على صحة ألفاظه، فالشاهد هو النحو كما قيل.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ ادّعاء الرواية بالمعنى ربما لم تُقنِع القدماء من النحويین فاستشهدوا به على نطاق ضيِّق، فاحتج به سيبويه بقلة(2)، ثم إنَّ الشعر كثیرًا ما رُويَ بالمعنى أيضًا، إذ قد يرد البيت الواحد بروايات متعددة لكلِّ رواية وجه يختلف عن الآخر، فلِمَ تَصدَّر أدلة الاستشهاد النحوي بخلاف الحديث النبوي الشريف؟!(3).
أفهم مما ذُكِرَ أنَّ الموقف السياسي يقف في صدارة العوامل التي منعت الاحتجاج بالحديث، وأمارات هذا الموقف تظهر بوضوح في أكثر من وجه، منها تعامل بعض اللغوين والرواة القدماء مذهبيًا ممن له صلة بأهل البيت (علیهم السلام)، فقد ذكر أبو الفرج الأصبهاني (ت: 356 ه) أخبارًا عن الشاعر يزيد بن مفرِّغ الحِمْرَي (ت: 69 ه)، منها قوله: ((وله طراز من الشعر ومذهب قلّما يلحق فيه أو يقاربه، ولا يعرف له من الشعر كثیر، وليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذمّ غيرهم ممّن هو عنده ضدّ لهم، ولولا أنّ أخباره كلّها تجري هذا المجرى ولا
ص: 49
تخرج عنه لوجب ألّا نذكر منها شيئًا))(1)، وإذا كان الحال كذلك، فمن هنا نفسر التشكيك بنسبة كلام الإمام (علیه السلام) الذي جمعه الشريف الرضي (ت: 406 ه) في نهج البلاغة إلى الرضي نفسِه، لِكون بعض خطبه تعرَّضت إلى ذكر بعض الصحابة (رضی الله عنه).
وقد تجلىّ هذا العامل السياسي والمذهبي في صورة أُخرى وهي عدم التصريح باسم النبي محمد (صلی الله علیه و آله) أو أهل البيت (علیهم السلام) عند الاستدلال بأقوالهم خوفًا من الحاكم أو مجاملةً له، فلمْ يصرِّح سيبويه باسم النبي (صلی الله علیه و آله)، بل كان يُورد أحاديثه ضمن أمثلة الكتاب، فيقول مثلاً: (قال)، أو (تقول)، أو (مثل ذلك)، أو (من العرب)، أو (أما قولهم)(2)، ولعلّ موقف سيبويه هذا متأتٍ من أنَّه وُلِدَ ((في أوائل دولة بني العباس ومات في خلافة الرشيد))(3)، ومعلوم ما في هذا العصر من ظروف اجتماعية وسياسية وفكرية كثیرة ألقت بتأثيراتها السلبية على التأليف النحوي، وقد يكون نهجُ سيبويه هذا هو من جرَّأ النحويین بعده على عدم الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف(4)، فهذا ابن جني يقول: ((ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل: ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسنًا))(5)، والقول موثَّق للإمام الحسین (علیه السلام) كما ذكر العلًامة المجلسي (ت: 1111ه)(6).
ص: 50
وقد يُزاد على ما تقدم أسباب أُخر، غیر أنْ ما ذكرتُه - من وجهة نظري - يعدُّ سببًا رئيسًا في عزوف أغلب النحويین عن الاحتجاج بكلام الامام في مجال النحو إلا الرضي الذي يعدُّ ظاهرة في هذه المسألة لكنه متأخر.
إنَّ موقف الرضي هذا هو الذي ينبغي أنْ يُعتمَدَ من لدن الباحثین المحدَثین الذين عابوا على القدماء عدم العودة إلى الحديث الشريف في تقعيد مسائل النحو العربي، فهو نص عربي فصيح مقول في عصر الاحتجاج جرى على وفق أدلة الاحتجاج النحوي فيما يصح الاستشهاد به، لذا كان من الواجب العناية به في تقرير ضوابط العربية أو تعديل ما غاب فيه الاستقراء التام لشواهدها، ومن هنا جاء هذا البحث موسومًا ب (كلام الامام علي (علیه السلام) والصناعة النحوية) المقصد من هذا أن كلامه إنا يجري على وفق أدلة العلماء في الاحتجاج، لكنَّهم لم يأخذوا به في الصناعة النحوية التي عرَّفها السيوطي بقوله: (النحو: صناعة علميّة يُعرف بها أحوال كلام العرب من جهة ما يصح ويفسد في التأليف، ليُعرَف الصحيح من الفاسد، وبهذا يُعلم أن المُراد بالعلم المصدَّر به حدود العلوم: الصناعةُ))(1)، ثم إنَّ عدم الأخذ بكلام الإمام خلاف المنهج الصحيح في الاستشهاد، إذ ((إنَّ الإمام لا نكرانَ في صحة الاستشهاد بأقواله))(2)؛لأن إحدى حدود ضبط هذه الصناعة النظر الى اللغة نفسِها وما فيها من شواهد حيَّة تُثري النحو بشتّى الأساليب والاستعمالات النحوية الفصيحة كي تحظى قواعده بالاطّراد والإعمام، لا أنْ تُفرَض بأقيسة أسهمت كثیرًا بالاضطراب والتأويل(3).
ص: 51
وصفوة القول: لو احتكم النحويون إلى الاحتجاج بكلامه (علیه السلام) فضلاً عن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف لخرجنا بقواعد عامة وموضوعية بعيدة عن التأويل والتقدير والضرورات، ولأُجبرَ نقص الاستقراء الذي مُنِي به النحو العربي في أبواب كثیرة؛ لأن أية قاعدة نحوية لا يمكن أن يُستندَ إليها ما لم تتصف بالعموم، أي ان تنطبق على جمهرة مفرداتها أو تراكيبها(1)، ثم إنَّ كثیرًا من تعبیرات الإمام (علیه السلام) والتراكيب التي استعملها ما هو شائع ومسموع في عصره، هذا زيادة على ما انفرد به، غیر أنَّ النحويین أغفلوها ولم يصرِّحوا بذكرها، ولهذا حرصتُ في أغلب المواضع التي درستها على تعضيد نصوصه بشواهد أُخر من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف، أو بشواهد شعرية قيلت في زمن قريب من عره (علیه السلام)؛ إذ إنَّ لغة أيِّ فرد هي صورة لمظاهر المجتمع الذي ينشأ فيه، وهي مزيج من الاستعمالات الشائعة في ذلك العصر(2)، ولا غروَ في أن كلام الإمام أولى بالاحتجاج من كلام يُنسب لأعرابي لم يُعرف اسمه، أو شاعر ارتكب الوعرَ حتى يستقيم بيته من العلل(3).
وفي ختام التمهيد أجد نفسي ملزَمًا بأنْ أعرض لحجيّة الاحتكام إلى كلام الفرد في تعديل القواعد النحوية وإن لم يُسمع هذا الكلام إلا منه، وهذا أمر قد يخطر في ذهن القارئ الكريم، وإنْ كان الإمام مما لا نقاش في فصاحته وموافقة كلامه لمبادئ علماء العربية في شرائط الاحتجاج كما مرّ، ولعل ما ذكره ابن جني يُغني القول بذلك، فقد أشار إلى أنَّ ما يرد عن العربي الموثوق بفصاحته شيء
ص: 52
لم يُسمع من غیره أُخِذَ به مالم يخالف قياسًا موجودًا(1)، وإن خالف هذا الكلامُ الجمهورَ فالعبرة بفصاحة لسان العربي وقوة بيانه(2)، بل يُقبَل ما جاء به هذا العربي الفصيح وإن تعارض مع قياس آخر(3)، ومما يتعلَّق بذلك أيضًا صحة الاحتجاج بالشاهد الواحد في نقد القواعد النحوية كما جرى ذلك في بعض مسائل هذا البحث، وهذا ما نصَّ عليه ابن جني أيضًا في ((باب في جواز القياس على ما يقل ورفضه فيما هو أكثر منه))(4)، واستنادًا إلى ذلك فقد ((بنى النحويون الأحكام على بيت واحد أو بيتین))(5) من ذلك قياسهم على المثال الواحد - كما في شنوءة(6) - و المثالین - كما في قياسِهم تصغیر (أفعلِ) التعجُّبِ مع أنَّ ما جاء منه هو (أُمَيْلِحُ، وأُحَيسِن)(7) لا غیر.
ص: 53
ص: 54
الفصل الأول: ما مَنَعَهُ أغلبُ النَحْويينَ في الأسماء:
الفصل الثاني: ما مَنَعَهُ أغلبُ النَحْويينَ في الأفعالِ والحُروف:
ص: 55
ص: 56
من المقرَّر لدى علماء العربية ودارسيها أنَّ الباعث الدِّيني هو السبب الرئيس وراء نشأة علوم اللغة العربية، فالعناية بالقرآن الكريم، وفهم آياته ومعانيه، والكشف عن أنماط بناء جُمَلِه وتراكيبه، وتبيین أسراره البلاغية والإعجازية، فضلاً عن حفظ نصوصه من اللحن والتحريف، كلُّ ذلك حفزهم إلى الاهتمام بلغته و قراءاته وتفاسیره وتاریخه، وحملهم على ضبط اللغة وإحكام قواعدها عبر التوسل بعدد من الأُسس أو الأحكام التي تحفظ اللسان وتُبعده من الوقوع في اللحن أو الخطإِ(1).
فبعد أن دُوِّن النحو العربي عبر مراحل من تقصّی المسموع وإحصاء مظاهره وجد النحويون أنفسهم أمام جملة من التراكيب والاستعمالات اللغوية المختلفة التي تحتاج إلى وضع معايیر للتقويم والبناء، منها ما يتعلَّق بالجودة والرداءة، ومنها ما يتعلق بالصواب والخطإِ، وهذا يعني أنَّ الفصاحة في عُرف النحویين لم تعُد السبيلَ الوحيد لقبول بعض التراكيب أو رفضها كما كانت قبل اكتمال أبواب النحو، بل زادوا عليها معيارًا آخر للصواب والخطإ استخرجوه من الكلام الفصيح ذلك هو القواعد النحوية التي ربما رفضت بعض الفصيح فلم تستند إليه أو تحتج به(2)، وفي ضوء هذا المبدإِ دأب النحويون ((على وضع قواعدَ نحويةٍ شكلية يتوكَّأ عليها من ضعُفتْ ملكتُه أو شاب لسانَه خليطٌ من كلام الأعاجم))(3)، ومن بین
ص: 57
تلك الأحكام التقويمية التي شاعت في كتب التراث النحوي حكمُ المنع الذي يدور إجمالًا حول مخالفة الوجه النحوي ضوابطَ الصناعة النحوية والمعنى الذي يؤدّيه التركيب النحوي.
والمنع كما ذكرته المعجمات هو مصدر للفعل (منَعَ)، قال الخليل: ((مَنَعْتُه أَمْنَعُه مَنْعًا فامْتَنَعَ، أي:حُلتُ بينه وبین إرادته. ورجل منيع: لا يُخْلَصُ إليه))(1)، وهو ضد الإعطاء(2).
والذي يبدو أنَّ قُدامى النحویين لم يضعوا حدًا أو مصطلحًا لمفهوم المنع بوصفه أَحدَ الأحكام النحوية التقويمية التي زخرت بها كتب النحو قديماً وحديثًا، وقد يكون سبب ذلك أنَّهم يسعَون في الأساس إلى جمع القواعد النحوية وتبويبها وتفسیرها، أمّا توجيه تلك القواعد بالجواز أو المنع أو الضعف ونحو ذلك من الأحكام فإنَّها لاترد ((إلا لمامًا؛ لأنَّ النحاة لم يُعنوا بجمعها وتصنيفها، وإنمّا كانوا يُشیرون إليها كلّما سنحتِ الفرصة لمِثل هذه الإشارة، إمَّا في معرض الشرح أو في معرض النقاش والمحاجّة))(3)، ومن أجل هذا فقد عمد قِسم من الباحثین المحدَثین إلى تعريف المنع في ضوء الدراسة التي عقدها في باب من أبواب النحو، فقد بيَّنته الدكتورة خديجة الحديثي بأنَّه حكم ((لعدم جواز وجه من أَوجه الإعراب أو وجه من أوجه التعبیر))(4)، كما عرَّفه تلميذُها الباحث مازن
ص: 58
عبد الرسول الزيدي بأنَّه ((حكم نحويّ يُراد به رفضُ كلِّ ما يُخلّ بمقتضيات الصحة وقواعدها لعلّة مانعة من ذلك حالتْ بينه وبین الصواب))(1).
على أنَّ ذلك لا يمنع من وجود شواهد مهمة تدلُّ على عناية علماء العربية بمصطلحات النقد النحوي ولاسيما المنع منها؛ إذ إنَّ لها حضورًا واسعًا فيما كتبوه من مصنفاتٍ نحوية ولغوية، وأوضح مصداق على ذلك ما عقده سيبويه في بابٍ ابتدأ به كتابه كشف فيه عن مستويات الكلام العربي وحكمَ على كلِّ مستوى وأحواله، فقال: ((هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسَن، ومُحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو مُحالٌ كذب))(2). فسيبويه على وفق هذا النص قد حصر مستويات الكلام بالمستقيم والمُحال، ولاشك في أنَّهما المستويان اللذان لا يخرج التركيب النحوي في العربية عنهما، والمُحال لفظ يدلُّ على المنع، وهذا دليلٌ على منهجِه المُحكَم وسَعة تصوره في استخلاص ضوابط العربية الفصحى(3).
وقد يكون سبب غياب التحديد الدقيق لمفهوم المنع في الدرس النحوي هو ما أدى إلى تعدد المصطلحات التي عبَّر بها النحويون في الدلالة على ما يمتنع من التراكيب النحوية، فالمصطلحات المستعملة في المنع كثیرة، منها تعبیرات تدلُّ على المنع بلا احتمال لحكم آخر، مثل (المُحال، ولا يجوز، ولا يستقيم، ومردود، وباطل، وخطأ، وفاسد، وغیر صحيح)، ومنها تعبیرات مرادفة للمنع، مثل (أبى، وتعذّر، وحظر)(4)، هذا زيادةً على ألفاظ اختلطت دلالتها بدلالة المنع، مثل
ص: 59
(الشاذ، والضعيف، والقبيح، والرديء)(1).
ويمكن تقسم المنع في النحو العربي على أقسام من أهمها(2):
1- مَنْع العرب: وهو النوع الذي يستند فيه النحويون إلى كلام العرب في الحكم على منع التراكيب النحوية أو الاستعمالات اللغوية، ولهذا قيل: إنَّ النحو هو علم منتزَع من استقراء لغة العرب نظماً ونثرًا، على أنَّ ما يمتنع لدى العرب قد يجوز في القياس، وهذا ما أشار إليه ابنُ جني في باب ((امتناع العرب من الكلام بما يجوز في القياس))(3).
2- مَنْع النحويین: وهو المنع الذي يُحتكم فيه إلى أقيسة النحويین واجتهاداتهم في إصدار الحكم، فالنحويون أصدروا كثیرًا من القواعد النحوية لم تُسمع عن العرب بناءً على ما وضعوه من أقيسة وأُصول، قال ابنُ السراج: ((فإذا لم يصح سماع اليء عن العرب لِجُئ فيه إلى القياس))(4) ولهذا نجدهم يُكثرون من قولهم إنَّه ((القياسُ وإنْ لم يُسمع))(5).
والأمثلة على ذلك كثیرة منها ما صرَّح به سيبويه قائلاً: ((فإن بدأ بالمخاطَب قبل نفسه فقال: أعطاكني، أو بدأ بالغائب قبل نفسِه فقال: قد أعطاهوني، فهو قبيح لا تَكلَّم به العرب، ولكنّ النحويین قاسوه))(6)، ومثل هذا جاء على لسان
ص: 60
المبرّد، إذ قال: ((هذا باب من «الذي»، و «التي» ألفه النحويون فأدخلوا «الذي» في صلة «الذي» وأكثروا في ذلك))(1)، وهو الباب الذي بشأنه قال أبو حيان: ((هذه التراكيب كلّها مِن وضْع النحویين، ولا يوجد نظائرها في لسان العرب))(2).
3- مَنْع العرب والنحويین: وهو النوع الذي تكون فيه المسألة ممتنعةً لدى النحويین بسبب امتناعها في كلام العرب.
ويسعى هذا الباب إلى رصد نماذج من مسائل نحوية قد منعها النحويون إمّا نتيجةً لاحتكامهم فيها إلى القياس وحده، أو بسبب عدم الاستقراء الدقيق لشواهد العربية، اتضح في الحالتین جوازها لورودها في كلام الإمام علي (علیه السلام)، وقد قَسَّمتُه على النحو الآتي:
الفصل الأول: ما مَنَعَهُ أغلبُ النَحْويينَ في الأسماء:
الفصل الثاني: ما مَنَعَهُ أغلبُ النَحْويينَ في الأفعال والحروف:
ص: 61
ص: 62
ص: 63
ص: 64
(الباء) حرفُ جرٍ يأتي لمعانٍ متعددة أَشهرها الإلصاق وهو أصل معانيها، ولم يذكر سيبويه غیره، فقال: ((و «باء» الجر إنما هي للإلزاق والاختلاط (...) فما اتّسع من هذا في الكلام فهذا أصله))(1)، وهي ضربان: زائدة، وغیر زائدة، أمّا الزائدة فإنَّها تُزاد توكيدًا في مواضعَ ستة هي: الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر والحال المنفي عاملها والتوكيد ب (النفس)، و(العین)(2). وأمّا غیر الزائدة فإنَّ لها ثلاثةَ عشر معنى(3).
وأما زيادتها في الخبر فهي قسمان، أحدهما: زيادة قياسية وتأتي في الخبر المنفي، والقسم الآخر يتمثل بالزيادة السماعية التي لا يمكن القياس عليها وهي التي ترد في الخبر المثبَت(4).
وأغلب النحويین يمنعون زيادتها في الخبر المثبَت أصلاً، فإنْ ورد السماع
ص: 65
بذلك خرَّجوا الشواهد على التأويل والتقدير؛ لأنّهم لا يرتضون زيادتها في الخبر الموجب(1).
وقد نقل ابنُ جنّي عن الأخفش إجازته زيادة (الباء) في الخبر المثبَت مستشهِدًا بقوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا»(2)، فالتقدير عند الأخفش (جزاء سيئة مثلُها) على زيادة (الباء) استدلالًا بقوله تعالى: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا»(3) (4)، وقد أورد رأيَ الأخفش هذا علماءٌ آخرون فذكروا في توجيه خبر (جزاء سيئة) في آية سورة يونس وجهین، أحدهما: زيادة (الباء) في (بمثلها) موافقةً للأخفش وإنْ لم يُصرِّح بعضهم باسمه، والآخر: الخبر محذوف تقديره (واقع)، و (الباء) متعلّقة ب (جزاء)، والتقدير: وجزاء سيئة بمثلها واقع(5)، عى أنَّ الأخفش استدلَّ لتدعيم رأيه في الجواز بمثال، ولم أجد الآية في كتابه المطبوع، وربّما لم يصل المحقق إلى النسخة التي نظر فيها ابنُ جني، وهذا صريح كلام الأخفش: ((وقال [تعالى] «جزاء سيئة بمثلها» وزِيدتْ «الباء» كما زِيدَتْ في قولك «بحسبك قول السوء»(6)، فرجَّح زيادتها في الخبر حملاً على زيادتها في
ص: 66
المبتدإِ؛ ((لأن ما يدخل على المبتدإِ قد يدخل على الخبر، نحو «لام» الابتداء في قول بعضهم: إنَّ زيدًا وجهه لحسن))(1).
وممّن تابع الأخفشَ على رأيه هذا ابنُ كَيسان (ت: 299 ه)(2)، ونقل الطبري (ت: 310 ه) عن بعض نحويي البصرة من دون تصريحٍ بأسمائهم قولهم بزيادة (الباء) في الآية محل الخلاف(3)، وصرَّح بذلك أبو البركات الأنباري أيضًا(4)، وقد نسب ابن هشام (ت: 761 ه) إلى جمهور النحويین اعتراضهم على ذلك قائلاً:
((وأما قول أبي الحسن وابن كيسان إنَّ «بمثلها» هو الخبر وأن «الباء» زِيدَتْ في الخبر كما زِيدَتْ في المبتدإِ في: بحسبك درهم فمردود عند الجمهور وقد يؤنس قولهما بقوله: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا»))(5).
يظهر مما تقدَّم أنَّ الاستدلال بالقرآن نفسِه في ترجيح وجهٍ إعرابيٍ معین لهو السبيل الأَولى بالقبول كما ذهب ابن جني، وكما هو منهج الكثیرِ من النحويین والمفسِّرين(6)، على أنَّ القول بزيادتها من دون بيان دلالتها لا يمكن قبوله ولاسيما في القرآن الكريم الذي يختار لكلِّ لفظةٍ موضعَها المناسبَ الدقيقَ، كما أنَّ اللجوء إلى التأويل والتقدير خلاف الظاهر غالبًا، لهذا فإنَّ ذِكرَ (الباء) ههنا قد يُوحي
ص: 67
بدلالة التوكيد، وهي الدلالة التي يمكن استظهارها من السياق والقرائن المحيطة بالنص أيضًا.
ومن شواهد هذه المسألة في نهج البلاغة ما ورد في كلام للإمام علي (علیه السلام) وقد أَرسلَ رجلاً مِن أَصحابِه يعلم له أَحوال قومٍ من الجند أرادوا اللِّحاق بالخوارج، قال فيه: ((إِنَّ اَلشَّيْطَانَ اَلْيَوْمَ قَدِ اِسْتَفَلَّهُمْ وَهُوَ غَدًا مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَمُتَخَلٍّ عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ اَلْهُدَى وَاِرْتِكَاسِهِمْ فِی اَلضَّلاَلِ وَ اَلْعَمَى))(1).
بعد أنْ أخبر هذا الرجلُ الإمامَ بأنَّ قومًا من الجند قد خافوا فالتحقوا بالخوارج، دعا عليهم الإمام بأنْ يُبعدهم الله تعالى عن رحمته، ثمّ نبَّه على أنّ ما صدر عنهم هو من عمل الشيطان، ولمّا كان الأمرُ كذلك (فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ اَلهُدَى) أي: يكفيهم ضَلالاً وانحرافًا خروجهم من الهدى الذي كانوا عليه حينما كانوا مع الإمام (علیه السلام) ورجوعهم إلى الضلال القديم والجهل، لأنهم خرجوا عن طاعة الإمام(2).
ص: 68
واحتكامًا الى المعنى الذي جاء عليه النص العلَوي فقد صرَّح عدد من شُّراح النهج بزيادة (الباء) في (بخروجهم)(1).
واستنادًا إلى ما تقدَّم يمكن إعادة صوغ القاعدة بالقول: يجوز على قلة زيادة (الباء) في الخبر المثبَت لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم.
منع النحويون اقتران الخبر ب (الفاء) إلا إذا تضمَّن المبتدأ معنى الشرط ودلَّ الخبر على معنى الجزاء، قال سيبويه: ((فإذا قلت: زيد فاضربْه، لم يستقمْ أنْ تحمله على الابتداء. ألا ترى أنَّك لو قلت: زيد فمنطلق لم يستقم (...) ألا ترى أنك لو قلت: الذي يأتيني فلَهُ درهم، والذي يأتيني فمُكرَمٌ محمود، كان حسنًا. ولو قلت: زيد فله درهم لم يجُز. وإنما جاز ذلك؛ لأنَّ قوله: الذى يأتيني فله درهم، في معنى الجزاء، فدخلت «الفاء» في خبره كما تدخل في خبر الجزاء))(2). وتابعه المبرّد(3)، وأخذ بمذهبه ابنُ يعيش (ت: 643 ه) وابن مالك والرضي(4).
وقد ذكر سيبويه هذا المعنى أيضًا في محاورةٍ جرتْ بينه وبین أُستاذه الخليل (رحمه الله) حصر فيها معنى الشرطية أو شبهها بالاسم الموصول، أو ما جرى عليه
ص: 69
حكمه مثل (كل) لجواز اقتران الخبر ب (الفاء)؛ لأنَّه يجب في المبتدإ ههنا الإبهام والعموم(1).
وتعليل النحويین لاشراط الشرطية أو شبهها في المبتدإِ لاقتران خبره ب (الفاء) هو للدلالة على أنَّ الخبر صار مستحِقًا للمبتدإ ومسببًا عنه، وهو بمنزلة الجزاء له، فتدخل (الفاء) رابطةً للسبب بالمسبب؛ لأنّها كما تربط الجوابَ ((بشرطِه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط وذلك في نحو: الذي يأتيني فله درهم، وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان ولو لم تدخل احتمل ذلك وغیره))(2).
وقد نسب الباقولي (ت: نحو 543 ه) إلى الأخفش تجويزه زيادة (الفاء) في خبر المبتدإِ مطلقًا(3)، وأكّد تلك النسبةَ أيضًا عددٌ من علماء العربية منهم ابنُ يعيش، وابنُ مالك، والمرادي (ت: 749 ه)، وابنُ هشام الأنصاري، والسيوطي(4).
إنَّ الرأيَ الذي ذكَره الأخفش يُخالف ما نُسِبَ إليه؛ إذ هو يوافق سيبويه في عدم إجازة دخول (الفاء) على خبر المبتدإٍ، جاء ذلك وهو يعقب على قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُاَ»(5)، وقوله تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُاَ مِئَةَ جَلْدَةٍ»(6)، فقال الأخفش: ((ليس في قوله «فاقطعوا»
ص: 70
و «فاجلدوا» خبر مبتدإ؛ لأنَّ خبر المبتدإ هكذا لا يكون ب »الفاء»، فلو قلت «عبد الله فينطلق» لم يحسن))(1).
ولعلّ الفراء (ت: 207 ه) يقف في صدارة من أجازوا اقران الخبر ب (الفاء) والمبتدأ غیر موصول ولا نكرة موصوفة فيما إذا كان الخبر أمرًا أو نهيًا كقولك:
الشركُ فاحذرْهُ، والنفاقُ فلا تقربْهُ، مستدلًا على ذلك بقوله تعالى: «هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ»(2)، فقال: (رفعت «الحميم» و «الغسَّاق» بهذا مقدّمًا ومؤخرًا، والمعْنَى: هذا حَمِيم وغسَّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستأنفًا، وجعلت الكلام قبله مكتفِيًا؛ كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم ومنه غسَّاق))(3)، وتابعَه المبرّد في رأيه الآخر(4)، والزجّاج (ت: 311 ه) أيضًا(5)، وذهب الأعلم الشنتمري (ت: 476 ه) إلى إجازة هذه الصورة أيضًا(6)، وتبنّى هذا المذهبَ الأُستاذُ عباس حسن من المحدَثین(7).
ويُقوّي مذهب المجوِّزين السماع، فمن الشواهد الشعرية المؤيِّدة لمذهبهم
ص: 71
البيت الشعري المشهور في كتب اللغة والنحو(1): [من الطويل] وقائلةٍ خَوْلانُ فانْكح فتاتَهم *** وأكْرُومة الحيَّين خِلْوٌ كَمَا هِياَ وقول الشاعر عدي بن زيد العبادي(2): [من الخفيف] أَرَوَاحٌ مُوَدِعٌ أَمْ بُكُورٌ *** أَنْتَ فَانْظُرْ لأَيِّ ذَاكَ تَصِيرُ و يبدو أنَّ تلك الشواهد كافيةٌ للحكم بجواز اقتران الخبر ب (الفاء) إذا كان أمرًا أو نهيًا سواء أكان المبتدأ موصولًا أو موصوفًا بالشرط أو لا، هذا من جانب الاحتكام إلى السماع، وأما الاحتكام إلى القياس فإنّه يمكن أنْ تُحملَ هذه المسألة على جواز دخول (الفاء) في خبر (ال) الموصولة وصلتها، فإنَّ الفراء وقسماً من النحويین قد أجازوا هذا الاقتران استنادًا إلى أنَّ الرفع يدلُّ على العموم والإبهام في المبتدإ، فاحتجّوا بقوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا»، قال أبو البركات الأنباري في توجيه هذه الآية: ((ودخلت «الفاء» في الخبر؛ لأنّه لم يُرِد سارقًا بعينه وإنما أراد: كلَّ مَن سرق فاقطعوا، فينزل السارق منزلة الذي سرق وهو يتضمّن معنى الشرط والجزاء، والمبتدأ إذا تضمَّن معنى الشرط والجزاء دخلت في خبره «الفاء»))(3)، وهو ما ارتضاه الرازي أيضًا(4)، وعلى هذا المعنى يمكن أنْ يُحمَلَ قوله تعالى: «هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ» والشواهد الشعرية
ص: 72
أيضًا بعد النظر في سياقاتها وظروف المقال فيها، ولاسيما قول عدي بن زيد، فالضمیر (أنت) فيه وإنْ كان المخاطَبُ به ساعةَ إلقائِه مقصودًا إلّا أنَّ معناه عامٌ ينطبق على غیره من الناس أيضًا، هذا فضلاً عن أنَّ الشاهدَ القرآنيَ دليلٌ واضح على توجيه الجواز، زيادة على ما سأُورده من شاهد من نهج البلاغة أيضًا، وبهذا المعنى يصحُّ ما ذهب إليه الفرّاء الذي أجاز دخول (الفاء) في الخبر إذا كان جملةً طلبيةً على أنَّ الغالب من وجهة نظري أنْ يبقى معنى الإبهام والعموم - وهو من معاني الشرط أو ما يُحمل عليه - هو الغالب والأَولى لاشتراط دخول (الفاء) وهو ما رآه سيبويه وإنْ كان مذهبُه فيه المنعَ.
ولمّا كان مذهبُ سيبويه ومن وافقه عدمَ قبول الاحتجاج بهذه الشواهد وسواها كان التأويلُ حاضرًا لتسويغ ما ذهبوا إليه، لهذا ساق سيبويه بعض هذه الأبيات الشعرية، فخرّجها على حذف المبتدإ، فجعل (خولان) في البيت الأول خبرًا لذلك المبتدإ، والتقدير: هذه خولان أو هؤلاء خولان، قال سيبويه في هذا البيت: ((فجاء بالفعل بعد أنْ عَمل فيه المضمَرُ))(1)، ويقصد بالفعل ههنا قوله (فانكحْ) والضمر في (فيه) عائدٌ على (خولان) يريد بذلك أنَّ عاملَه محذوف.
وأما بيت عدي بن زيد فقد خرَّجه النحويون على أحد ثلاثة أوجه، إما أنْ يكون (أنت) فاعلاً لفعلٍ محذوف يفسره المذكور، والتقدير: انظرْ فانظرْ، ثم حُذِفَ (انظرْ) الأول وحده فبرز ضمیره فقيل: أنت فانظرْ، وإما أنْ يكون (أنت) مبتدأً وخبره محذوف، والتقدير: أنت الراحل فانظرْ، وبهذا تكون (الفاء) جوابًا للجملة، وإما أنْ يكون (أنت) خبرًا لمبتدإ محذوف، والتقدير: الراحل أنت(2).
ص: 73
وهي تقديرات تُخرج الشواهد عن ظاهرها، ويبدو تكلّف التقدير جليًا فيها، والأصل عدم التقدير، ولهذا يمكن القول: إن المبتدأ في هذه الشواهد عام فاقترب من الإبهام والعموم الموجود في الشرط وفيما يشبهه؛ لذا كان اقتران (الفاء) ههنا في محله، ولولا ذلك لكان المختارُ في المبتدإ النصبَ لا الرفعَ؛ إذ تلتْه جملةٌ طلبيةٌ.
ومن شواهد هذه المسألة في نهج البلاغة قوله (علیه السلام) في خطبة له في استنفار الناس إلى أهل الشام: ((وَالله إِنَّ اِمْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَ يَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَ الله دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ))(1).
بعد أنِ استهلَّ الإمام خطبته باستنهاض الناس لمواجهة جيش معاوية؛ انتقل إلى بيان مسوِّغ تلك الدعوة بأنَّ الركون إلى الظالم والانقياد له مع القدرة على تغيیره، أو المساهمة بتمكينه منهم لهو العجزُ بعينه، فخطابُه (علیه السلام) متَّجِه إلى هذه الفئةِ من الناس، وهذا ما لا يرتضيه الإمام لهم ولنفسه بالذات؛ لذا جاء قوله:
((أنت فكنْ ذاك إنْ شئت...)) وهو خطاب لهم ولمَن يصدُقُ عليه هذا الوصف أيضًا، فهو خطاب عام لكلِّ من يمكِّن عدوَّه من نفسه كائنًا مَن كان، وهذا ما أعربَ عنه الراوندي (ت: 573 ه) شارح النهج بقوله: ((خاطبَ الذي يمكِّن من نفسه عدوَه كائنًا مَن كان بقوله: «أنت فكنْ ذاك إنْ شئت» فأمّا أنا فدون تمكین العدو من نفسي محاربة شديدة و ضرب بالسيوف، أي لا يكون ذلك منّي
ص: 74
إلا بعد العجز))(1)، وأكد عمومَ هذا الخطاب وعدم اختصاصه بشخص بعينِه ابنُ أبي الحديد أيضً(2)، وذكره الخوئي (ت: 1324 ه)، فقال: ((خاطبهم بخطاب مجمَل من غیر تعیين للمخاطب تقريعًا وتنفیرًا لهم عماّ يلزمهم من الأحوال الرديّة بتمكينهم العدو من أنفسهم فقال: «أنت فكن ذاك إنْ شئت «أي أنت أيُّها المُمَكِّن من نفسه و المسلِّط له عليه كنْ ذاك المرء الموصوف بالعجز و الجبن و الضعف))(3)، لهذا كان ((الخطاب ب «أنت «لمطلق شخص يضعُف عن عدوِّه و يستسلم له، والمعنى: أنت وما تختار لنفسك أيُّها الجبان من الإذلال والهوان))(4).
وبهذا يكون اقتران الخبر (فكن) ب (الفاء) في محلِّه ولم يخرج عماّ أجازه الفراء ومؤيِّدوه، لكنَّه مخالفٌ لِما اشترطه سيبويه ومتابعوه من صور المبتدإِ التي يقترن الخبر فيها ب (الفاء)، وإن كان بالإمكان حمله عليه؛ فالضمیر (أنت) هنا كما اتضح في النص عامٌّ مطلَق لم يدلّ على معیَّن وبهذا يقرُب من عموم الشرط وإبهامه، ولهذا دخلت (الفاء) في الخبر لشبهه الجزاء، ولهذا كان على سيبويه ومن تبعه أن يُفردوا لهذا الاقتران فرعًا من الصور التي ذكروها، ويوسّعوا القاعدة النحوية التي قرّروها، وإذا كانوا معذورين في عدم الوقوف على شاهد نهج البلاغة فإنَّ آية (سورة ص) لا يمكن إغفالها وغض الطَّرف عنها.
فإن قيل: إنَّ (أنت) في النص العلَوي منادى لحرف نداء محذوف، والتقدير:
يا أنت...، قلتُ: نداء ضمیر المخاطب شاذ نادر الوقوع في كلام العرب قصره
ص: 75
ابن عصفور على لغة الشعر(1)، بل هو ممنوع عند النحويین، فلا يجتمع ضمیر المخاطب والنداء؛ لأنَّ أحدهما يُغني عن الآخر(2).
نخلص من هذا إلى تعديل القاعدة النحوية بالآتي: يجوز اقتران الخبر ب (الفاء) فيما إذا كان المبتدأ عامًا مطلقًا وكان الخبر جملةً طلبيةً استنادًا إلى ما ورد في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والشعر العربي، وبالقياس على إبهام الشرط وعمومه.
يرى النحويون أنَّ شبه الجملة من الجار والمجرور أو الظرف إذا وقعت خبرًا أو صفةً أو حالً يجب أنْ تتعلَّقَ بمحذوف عامل فيها إذا كان كونًا عامًا مطلقًا، فقولك:
(زيد في الدار) يُقدَّر فيه محذوف تتعلَّق به شبه الجملة ويعمل فيها، لذا يعمدون إلى تقدير كلمة مشتقة، وهي (مستقر) عند البصريین، و (استقر) عند الكوفيین.
كلُّ هذا من أجل التمسك بنظرية العامل وما تفرضه من تقدير أو تأويل(3)، ولا يجوز عند النحويین إظهار هذا العاملِ استغناءً بالظرف عنه، فهو واجب الحذف(4)؛
ص: 76
لأنّهم يعدّونه أصلاً مرفوضًا(1) ونُقِلَ عن ابن جني القول بإجازة إظهار هذا العامل، فيجوز لك على وفق رأيه أنْ تقول: زيد مستقر في الدار، وقد تناقلَ هذا الرأي عددٌ من علماء العربية، منهم ابن يعيش(2)، وابن هشام(3)، وناظر الجيش (ت: 778 ه)(4)، والعَيني (ت:
855 ه)(5)، والسيوطي(6)، والشنقيطي (ت: 1331 ه)(7)، وقد نَسب هؤلاء العلماء إلى ابن جني احتجاجه لتقوية هذا الجواز بقوله تعالى: «فَلَماَّ رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّی»(8)، وبقول الشاعر(9): [من الطويل] لكَ العِزُّ إنْ مولاك عزَّ وإن يَهُنْ *** فأنتَ لدى بحبوحةِ الهونِ كائنُ وقد حُمِلَ هذا الشاهد الشعري على الشذوذ(10)، وحُمِلَتْ الآية على التأويل
ص: 77
والتقدير، فقيل: إنَّ معنى الاستقرار الوارد فيها لا يعني الحصولَ المطلقَ بل المرادُ به الثابتُ الذي لا يَتَقَلْقَلُ، وهو رأي العكبري (ت: 616 ه)(1)، وقد استحسنه أبو حيان، والسمين الحلبي (ت: 756 ه)، وابن عادل الدمشقي (ت: 775 ه)(2)، وقيل: إنَّ (مستقرًا) ليس عاملاً في الظرف، بل هو ظرف للرؤية، و (مستقرًا) حال من (الهاء) في (رآه)(3).
إنَّ نسبة القول بجواز إظهار العامل إلى ابن جني تدعو إلى التحقق والتثبّت من صحتها؛ لأنَّ الذين نقلوا عنه لم يذكروا كلامه بنصِّه، ولم يوثِّقوه من كتبِه، بل نقل اللاحق منهم عن السابق، كما نقل ناظر الجيش عن ابن يعيش(4)، وكما اعتمد الشنقيطي على العَيني في إيراد هذا الرأي(5).
ولم يَعمَد المحققون - فيما اطَّلعت عليه من مصادر - إلى تخريج هذا الرأي من كتب ابن جني إلا محققو (المقاصد النحوية)؛ فقد وثَّقوه من (اللمع)، غیر أنَّ الوارد فيه خلاف المنقول عنه، قال ابن جني: ((تقول: زيد خلفك ف»زيد» مرفوع بالابتداء والظرف بعده خبر عنه والتقدير: زيد مستقر خلفك))(6)، فابن جني بحسب هذا النص يرى ضرورة التقدير، وهذا ما عليه العلماء الذين شرحوا
ص: 78
عبارته من أمثال الباقولي(1)، وابن الخبّاز (ت: 639 ه) الذي يؤكِّد ما أقول؛ إذ نَسبَ - وهو يشرح عبارة ابن جني في هذه المسألة - إلى ثعلب (ت: 291 ه) إجازته وقوع الظرف خبرًا عن المبتدإ من غیر ما يتعلق بشيء(2).
إنّ رأي ابن جني في هذه المسألة ربما خَفي على ناقليه، فهو وارد في باب ((تقاود السماع وتقارع الانتزاع))(3)، فذكر فيه أنَّ ما يؤكد جواز إظهار ما يتعلق به الجار والمجرور أو الظرف وإثباته وهو (ثبت) أو (استقر) كما يرى هو عطف الفعل عليه، ولو لم يكن مُرادًا ثابتًا لما جاز ذلك العطف، فجواز العطف عليه وهو محذوف أدلُّ دليلٍ على بقاء حكمه، جاء ذلك وهو يشرح قول الشاعر أبي حيّة النمیري(4): [من المتقارب] زمَان عليّ غُرَابٌ غُدافٌ *** فطَيَّره الشيبُ عَنِّی فطَارَا فقال: ((إنَّ «طیَّره» معطوف على «ثبت» أو «استقر»، وجواز العطف عليه أدلُّ دليلٍ على اعتداده وبقاء حكمه وأنَّ العقد عليه والمعاملة في هذا ونحوه إنما هي معه، ألا ترى أنَّ العطف نظر التثنية، ومُال أنْ يثنّى اليء فيصیر مع صاحبه شيئين إلا وحالهما في الثبات والاعتداد واحدة، فهذا وجه جواز الاستدلال به على
ص: 79
بقاء حكم ما تعلق به الظرف وأنه ليس أصلاً متروكًا ولا شرعًا منسوخًا))(1)، وفي هذا بيان صريح لرأيه بأنَّ ما تعلَّق به الظرف ليس من الأُصول المتروكة التي يجب حذفها كما يرى النحويون، وقد تابع ابنَ جني في هذا الحكم ابنُ عطية (ت: 542 ه) في تعقيبه عاى آية سورة النمل المار ذكرها(2).
قد تحصّل لديَّ مما تقدَّم ذكره أنَّ ابن جني ومن تابعه يجيزون إظهار هذا العامل، وأن ظهوره في القرآن الكريم إنما أُريدَ به دلالة الرسوخ والثبات لا الحصول فقط وهو رأي العكبري ومن قال برأيه، وبهذا يكون قولنا: (زيد في الدار) مختلفًا عن قولنا بعد التقدير: زيد مستقر في الدار، فظهور هذا المتعلِّق إنما يُعطي دلالةً أُخرى غیر التي جاءت بعد التأويل والتقدير.
ويمكن التوفيق بین هذين الرأيین بأنَّ إظهار المتعلق جائز وحذفه ليس واجبًا، على أن ظهوره يُوحي بدلالة أخرى لا تظهر في حال حذفه وتقديره، وهذا هو الفرق بین تقدير الإعراب وتفسیر المعنى(3)، وما دام الأمر كذلك فإنّ الاكتفاء بشبه الجملة أَولى من الركون إلى التقدير والتأويل، وقد نصَّ على ذلك قِسمٌ من النحويین المتقدّمین، منهم ابن السراج الذي قال: ((أما الظروف من المكان فنحو قولك: زيد خلفك، وعمرو في الدار. والمحذوف معنى الاستقرار والحلول وما أشبههما، كأنّك قلت: زيد مستقر خلفك، وعمرو مستقر في الدار، ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الاستعمال))(4)، ونجد
ص: 80
هذا المعنى عند أبي علي الفارسي أيضًا(1)، وهو الرأي الذي استحسنه ابن مضاء القرطبي (ت: 592 ه)، فقال: ((هذا كلُّه كلامٌ تامّ لا يفتقر السّامع له إلى زيادة «كائن» ولا «مستقر»))(2)، وأخذ به عدد من المحدثین، منهم الُأستاذ عباس حسن(3)، والدكتور مهدي المخزومي الذي قال: ((ولا يحتاجُ المعرِبُ إلى أنْ يُعلِّقَ هذا الخبرَ بشيءٍ مقدَّرٍ وهو الوجودُ العامُّ، أو الكينونة العامة (...) لأنّه معلوم للمتكلمِ والسامعِ، ولأنَّ ذلك ليس هو الخبرَ، لأنَّ الفائدةَ لا تتم به، فلو كانَ هو الخبرَ لجازَ للمتكلِّم أن يقتصرَ على قولِه: «محمدٌ استقَرَّ»، أو «محمدٌ كان»، أو «محمدٌ حصَلَ» ويسكُت، ولاكتفى المخاطَب به، ولكن واقع الأمر غیر ذلك))(4).
ومن شواهد هذه المسألة في كلام الإمام (علیه السلام) ما جاء في ذِكْر معاني الإيمان وأقسامه ومصاديقه: ((فَمِنَ اَلْإِياَنِ مَا يَكُونُ ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا فِی اَلْقُلُوبِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَیْنَ اَلْقُلُوبِ وَ اَلصُّدُورِ إلى أَجَلٍ معلوم))(5).
تعرَّض أمیر المؤمنین (علیه السلام) في هذا المقطع من خطبته الشريفة إلى بيان الإيمان وأقسامه، فابتدأ بذكر أقسامه وصفات كلِّ قِسم، فمنه إيمان ثابت مستقر في القلوب؛ لأنَّ أصحابه اعتقدوا به عن أدلة عقلية مقنِعة وهو الإيمان الحقيقي(6)؛ لذا عبر عنه بقوله: (ثابتًا مستقرًا). فذكرُ المتعلِّق هنا إنما جاء لإيضاح دلالة الثبات والاستقرار،
ص: 81
وبهذا يتضح أنّه لو قيل: (فمن الإيمان ما يكون في القلوب) لَما دلَّ على رسوخ الايمان وثباته، بل أعطى دلالة الظرفية والحلول في موضع القلب فقط، ومما يؤكِّد هذا المعنى أنَّ الإمام عقّب بذكر القِسْم الثاني من الإيمان وهو (العاري) أي: غیر الثابت أو المستقر، وبهذا يظهر أنَّ عدم ذكر المتعلِّق ليس كذكره؛ إذ لو حذفْنا لفظة (عواري) من التركيب وقيل: (... ومنه ما يكون بین القلوب) لقدَّر النحويون كلمة (مستقر) وهذا منافٍ للمعنى المراد، وإنْ كان السياق كاشفًا ودليلاً.
يتحصَّل من هذا كلِّه أنَّ ذكرَ المتعلِّق جائزٌ، غیر أنَّ هذا الذكر يُفضي إلى معانٍ مهمة ودلالات متعددة لا يُكشف عنها بعدم ذكرِه، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّه يترجَّح لديَّ ما ذهب إليه فريق من النحويین بأنَّ شبه الجملة لا تحتاج إلى متعلِّق ظاهر أو مقدَّر، فجملةُ (زيد في الدار) مكتفيةٌ بركنَيها، قائمةٌ برأسها، وهي تختلف عن (زيد مستقر في الدار)، وما يعزز هذا ويُقَويه تعذّر هذا التقدير في نحو قوله تعالى: «إِلَی رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ»(1)؛ لأنّ تقدير الآية سيكون: (مُستقِرٌّ أو استقَرَّ إلى ربِّك) على حین أنَّ دلالة الاستقرار مذكورة ولا حاجة لتقديرها.
ومما يؤكِّد تعذّر تقدير المتعلِّق أيضًا قول الإمام (علیه السلام): ((خُذِ اَلْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ فَإِنَّ اَلْحِكْمَةَ تَكُونُ فِی صَدْرِ اَلْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِی صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إلى صَوَاحِبِهَا فِی صَدْرِ اَلْمُؤْمِنِ))(2)، فكيف يصح تقدير المتعلِّق (مستقر) أو (كائن) في (فَإِنَّ اَلْحِكْمَةَ تَكُونُ فِی صَدْرِ اَلْمُنَافِقِ) وقد عبَّر الإمام عن هذه الحكمة بأنّها مما تتلجلج في صدر المنافق، فهل يجتمع الاستقرار والتردد وعدم الثبات في آنٍ معًا؟!.
ومن شواهد هذه المسألة أيضًا قوله (علیه السلام) في ذِكر صفات الباري عزَّ وجلَّ:
ص: 82
((لَمْ يَحْلُلْ فِی اَلْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ فِيهَا كَائِنٌ وَ لَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ))(1).
واحتكامًا إلى ما تقدّم يجب تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز إظهار متعلِّق شبه الجملة الواقعة خبرًا استنادًا إلى نهج البلاغة فضلاً عن ورود ذلك في شواهد فصيحة في الموروث اللغوي المحتج به، على أنَّ ذكر هذا المتعلِّق يُعطي دلالةً أُخرى لا تتحصل بعدم ذكره؛ إذ إنَّ شبه الجملة وحدها مما يصح وقوعها خبرًا ولا داعي لتكلف التقدير والتأويل وهو ما يتعذَّر في الدلالة أحيانًا.
عرَّف الزجّاجي (ت: 337 ه) (لام) الابتداء بأنَّها (الام) التي تدخل على المبتدإ والخبر مؤكِّدةً، ومانعة ما قبلها من تخطّيها إلى ما بعدها(2)، ولشدّة توكيدها وتحقيقها فإنَّ بعضهم يقدِّر قبلها (لام) القَسَم(3).
وقد بسَط العلماء القول بذكر مواضع دخولها اتفاقًا واختلافًا(4)، على أنّهم يكادون أنْ يُجمعوا على أنَّ دخولها في خبر (إنَّ) يفيد التوكيد، وقد نُقِل الخلاف في دخولها على خبر (لكنّ)(5).
فقد نسبَ أبو البركات إلى عامة الكوفيین القول بجواز دخول (الام) في خبر
ص: 83
(لكنَّ) كما يجوز في خبر (إنَّ)، نحو (ما قامَ زَيْدٌ لكِنَّ عَمْرًا لقائمٌ)، أمّا البصريون فقد ذهبوا إلى عدم جواز ذلك، ثم ذكر أبو البركات أدّلة الفريقین(1).
إنَّ رأي الكوفيین في هذه المسألة قد نسبه إليهم عددٌ من النحويین المتأخرين، منهم العكبري(2)، وابن يعيش(3)، وابن مالك(4)، والمرادي(5)، وابن هشام(6)، وابن عقيل (ت: 769 ه)(7)، والسيوطي(8)، وقد دفعتني تلك النسبة المطلقة إلى عموم الكوفيین إلى تتبع ذلك في أُمّات مصادر النحو الكوفي، فقد قال الفرَّاء في حديثه عن (لكنّ): ((وإنما نصبت العربُ بها إذا شُدّدت «نونها»؛ لأنَّ أصلها: إنّ عبدالله قائم، فزِيدت على «إنَّ« «لام» و »كاف» فصارتا جميعًا حرفًا واحدًا؛ ألا ترى أنَّ الشاعر قال: ولكننِي مِن حُبّها لكَميد، فلم تدخل «اللام» إلا لأنَّ معناها «إنّ»))(9)، وبهذا يتضح أنَّ أصل (لكن) عند الكوفيین كما كشف عن ذلك كلامُ الفراء هو (إنَّ) زِيدتْ عليها (اللام)، و (الكاف)، لهذا دخلت في خبرها (لام) الابتداء، لأنَّها عندهم بمنزلة (إنَّ)، وهذا هو رأي سيبويه من قبله؛ إذ قال:
((و «لكنّ» المثقلة في جميع الكلام بمنزلة «إنَّ»))(10)، وأغلب الظن أنَّ رأي الكوفيین
ص: 84
في هذه المسألة لم يذكرْه سوى الفراء في حدود ما اطلعتُ، وبهذا يتبیَّن الوهم في نسبته إلى عموم الكوفيین، وهذا ما أكَّده الدكتور محيي الدين توفيق في دراسته كتابَ الإنصاف(1).
يبدو أنَّ ما ذكره الفراء أَرجح ويعضُده القياس، ف (لكنّ) بمنزلة (إنّ)، والحمل على النظیر باب واسع في النحو العربي، كما يُقوّي ذلك السماع أيضًا، وإذا كان البيت الشعري لا يرقى دليلاً على جواز هذا الاقتران بحجة الشذوذ أو جهل قائله(2)؛ فإنَّ ما يقوّيه وروده في نهج البلاغة أيضًا؛ إذ قال الإمام (علیه السلام) في الخطبة القاصعة التي يذكر فيها منزلته من رسول الله محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلی الله علیه و آله) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ؟ فَقَالَ:
هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ))(3).
كلامه (علیه السلام) في ذكر منزلته من النبي المصطفى (صلی الله علیه و آله). وقوله محلُّ الشاهد (ولكنّك لوزير) مَكيٌّ بنص الإمام (علیه السلام) على لسان النبيِّ (صلی الله علیه و آله) وهو يشیر إلى نفي النُّبوة عنه وإثبات الوزارة، وقد جاء في معرض رفع الوهم الذي قد يحصل من جرّاء ما ورد من منزلةٍ رفيعة للإمام وسماعه رنة الشيطان حین نزول الوحي، ولمّا كان التوكيد يراعي حال المخاطَب جاء النص مؤكَّدا بأكثر من مؤكِّد
ص: 85
منها (أنَّ)، و (الباء) الزائدة في خبر (ليس)، و (اللام) في خبر (لكنّ)، وقد يكون سياق النص هو ما أفى إلى استعمال ذلك، فالنص في مقام بيان منزلة الإمام وإزالة الريْب من قلب المتلقي الجاهل بالمنزلة الرفيعة لمقام الإمامة عند سماعه تلك الصفات الرفيعة التي تقرب من منزلة النبوّة، ولو اقتُصرِ على توكيد نفي النبوة فقط لما رُفع هذا الوهم؛ إذ لم ينص النبي (صلی الله علیه و آله) على ذلك، ولم يدّعِ الإمام مثل هذا، فكان لا بد من بيان تلك المنزلة بيانًا مؤكَّدًا حتى يُرفع اللبس والوهم، وإذا كان البصريون يقصرون ذلك على (إنَّ) وحدَها، فإنَّ المبرَّد أجاز توكيد خبر (أنَّ) مفتوحة الهمزة استنادًا إلى قراءة سعيد بن جُبَیر (رضی الله عنه)(1) لقوله تعالى: «إِنُهَّمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ»(2)، بفتح همزة (أنّ)، على حین رأى غیره من العلماء أنَّ (اللام) زائدة؛ لأنهم يعدّون دخولها ليس أصلاً مقيسًا بعد (أنَّ)(3).
يظهر مما تقدَّم أنَّ رأي الفراء في مسألة دخول (اللام) في خبر (لكنّ) هو الأرجح والأَولى لاعتماده على السماع والقياس، أما السماع فلوروده في نهج البلاغة وهذا كافٍ في صحة هذا الاقتران وجوازه، وأما القياس فبالحمل على (أنّ) مفتوحة الهمزة استدلالًا بقراءة سعيد بن جُبیر ووفاقًا لمذهب المبرَّد.
واستنادًا إلى ما تقدَّم ذكره لابد من إعادة صوغ القاعدة بما يأتي: يجوز اقتران
ص: 86
خبر (لكنّ) ب (اللام) لوروده في نهج البلاغة وفي كلام العرب نظماً ونثرًا، زيادة على وروده في قراءة قرآنية صحيحة استدلّ بها المبرّد في (أنَّ) مفتوحة الهمزة.
(لا) النافية للجنس من العوامل الحرفية التي تعمل عمل (إنَّ)، وقد اشترط النحويون لعملها النصب في اسمها أنْ يكون نكرة، قال سيبويه: ((واعلم أنَّ المعارف لا تجرى مجرى النكرة في هذا الباب؛ لأن «لا» لا تعمل في معرفة أبدًا))(1).
وتابعه على هذا المبرَّد(2)، وابن السّراج(3)، والسیرافي(4)، وأبو علي الفارسي(5)، وآخرون(6)، وتعليل اشتراط التنكیر في اسم (لا) أنَّ (لا) تفيد استغراق النفي، فلا يجوز والحال هذه أنْ تتلوَها معرفةٌ دالةٌ على معیَّن، فهي في الاختصاص بالنكرة نظیرة (رُبّ)، و (كم)(7).
ولعل اللافت في عبارة سيبويه في هذه المسألة تحكيم القاعدة وتقديمها على ما تستند إليه من شواهد وأمثلة؛ لهذا كان التأويل حاضرًا في تخريج المعرفة الواقعة اسماً ل (لا) في أكثر من شاهد، فرأى سيبويه أنَّ منفيها إذا كان معرفةً فهو على التأويل بالنكرة، قال: ((فأما قول الشاعر: لا هيثمَ الليلة للمطي فإنه جعله
ص: 87
نكرة كأنه قال: لا هيثم من الهيثمین. ومثل ذلك: لا بصرة لكم. وقال ابن الزبیر الأسدي:
أَرَى الْحَاجَاتِ عِنْدَ أَبِي خُبَيْبٍ *** نَكِدْنَ وَلا أُمَيَّةَ بِالْبِلادِ وتقول: قضية ولا أبا حسن، تجعله نكرة. قلت: فكيف يكون هذا وإنا أراد عليًا رضي الله عنه فقال: لأنَّه لا يجوز لك أنْ تُعمل «لا» في معرفة، وإنما تُعملها في النكرة فإذا جعلت أبا حسن نكرة حسن لك أن تعمل «لا»، وعلم المخاطب أنّه قد دخل في هؤلاء المنكورين «علي» وأنه قد غيب عنها))(1)، فعلى الرغم من الإقرار بأنَّ منفي (لا) في تلك الشواهد وسواها معرفةٌ رأى سيبويه ومن ارتضى قوله وجوبَ التنكیر(2)، وكان الأجدر أنْ يُصار إلى تفريع قاعدة تُجيز ورود اسم (لا) معرفةً استنادًا إلى ما سُمِعَ عن العرب المحتج بلغتهم؛ إذ السماع مقدَّم على القياس؛ فما ورد في الموروث اللغوي نظماً ونثرًا يؤكِّد جواز إعمال (لا) في المعارف، من ذلك قولُ النبيِّ مُحمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله))(3)، كما جاء مثل هذا التركيب فيما قالته العرب في نحو: (لا هو، ولا هي، ولا هذين لك، ولا هاتین لك) وهو مما استند إليه الفراء في إجازته إعمال (لا) في ضمیر الغائب
ص: 88
واسم الإشارة(1).
ولم يقبل المانعون ظاهر هذه الشواهد، فتابعوا سيبويه في تأويله على أنّهم زادوا عليه تعليلات أُخر للخروج مما خالف قواعدهم، فذهبوا إلى أنَّ المعرفة هنا على تقدير إضافة لفظ (مِثل) إليها(2)؛ لأنَّ (مِثل) من الألفاظ التي لا تتعرَّف بالإضافة؛ لأنها موغَلَة في الإبهام(3)، وقيل: إنَّ التقدير في هذه الشواهد وسواها (لا مُسَمى بهذا الاسم)(4)، وقد اعترض ابن مالك على هذا وردَّه قائلاً: ((أما الأول فيدلُّ على فساده أمران: أحدهما: التزام العرب تجرّد المستعمل ذلك الاستعمال من «الألف» و »اللام»، ولو كانت إضافة «مثل» منوية لم يحتج إلى ذلك. الثاني: إخبار العرب عن المستعمل ذلك الاستعمال ب»مثل» كقول الشاعر:
تبكي على زيدٍ ولا زيدَ مثله *** بريءٌ من الحمَى سليمُ الجَوانِح فلو كانت إضافة «مثل» منوية لكان التقدير: ولا مثل زيد مثله وذلك فاسد))(5)، هذا فضلاً عن أنَّ النفي متوجهٌ في هذا التقدير إلى الاسم لا إلى مثيله(6).
وقد زاد الرضي توجيهًا آخر لإعمال (لا) في المعرفة، فقال: ((وإما أنْ يُجعَلَ
ص: 89
العلم لاشتهاره بتلك الخلة، كأنَّه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى، لأن معنى [قضيته] ولا أبا حسن لها: لا فيصل لها، إذ هو، كرَّم الله وجهه، كان فَيصلاً في الحكومات، على ما قال النبي «صلى الله عليه وسلم»: «أقضاكم علي»، فصار اسمه» رضي الله عنه»، كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع، كلفظ الفيصل))(1)، وهو ما رجّحَهُ الخُضَري (ت: 1388 ه))(2)، وأخذ به الدكتور فاضل السامرائي من المحدَثین أيضًا(3).
وقد اعتدّ الكوفيون بما سُمِعَ عن العرب، فقد نُسِبَ إلى الكسائي إجازته إعمالها في المعرفة سواء أكان علماً نحو: لا زيدَ، أو مضافًا نحو: لا أبا محمدٍ؛ لأنَّ الكنية بمنزلة الاسم، أو كان مضافًا إلى لفظ الجلالة (الله)، أو الرحمن أو العزيز، فيقول: لا عبد الله كما يقول: لا عبد العزيز(4)، وقال بهذا المذهب الفراءُ إلا أنّه خالف الكسائي فأجاز القول: لا عبد الله، ولم يُجِز: لا عبد العزيز ولا عبد الرحمن بحجة لزوم (ال) في لفظ الجلالة بخلاف غیره كالعزيز والرحمن، كما أوجبَ حذف (ال) إذا كانت فيما أُضيفَ إلى اسم (لا)(5).
الظاهر أنَّ مذهبَ الفراء القاضي بإلزامِ حذف (ال) فيما أُضيفَ إلى اسم (لا) كي يُعدَّ نكرة كما في الشاهد (قضية ولا أبا حسنٍ لها) غیرُ دقيق ومردود بما ورد عن الإمام علي (علیه السلام)؛ فقد كنّى عن نفسِه ب (أبو حسن)، فقال مخاطبًا معاوية:
ص: 90
((فَأَنَا أَبُو حَسَن قَاتِلُ جَدِّكَ وأَخِيكَ وَخَالِكَ شَدْخًا يَوْمَ بَدْر، وذلكَ السَّيْفُ مَعِي))(1)، ف (أبو حسن) معرفة المقصود به الإمام علي (علیه السلام) وهذا ما صّرح به سيبويه بقوله: ((قلت: فكيف يكون هذا وإنما أراد عليًا رضي الله عنه))(2)، غیر أنّ ادّعاء تنكیره جاء تقديرًا وتأويلاً من أجل عدم تعارض ما قعّدوا له مع ما خالف تلك القواعد وهو مذهب غیر صائب، فالقواعد تابعة للشواهد وليس العكس، غیر أنَّ النحويین قد تناولوا الشواهد المخالِفة لأقيستهم ((بالتأويل كي يُخضعوها لشرط التنكیر. وهو تأويل لا داعي لتكلفه مع ورود تلك الأمثلة الصريحة، الدالة على أنَّ فريقًا من العرب لا يلتزم التنكیر. فعلينا أنْ نتقبل تلك النصوص بحالها الظاهر دون محاكاتها))(3)؛ إذ إنّ الأصل عدم التقدير والتأويل ولاسيما مع كثرة النصوص النحوية المحتَج بها.
ومن الشواهد العَلَوية على هذه المسألة قوله (علیه السلام) فيمن لم يُسلموا إلا بألسنتهم، وأرادوا اللجوء إلى غیره: ((وَإِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إلى غَیْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ جَبْرَائِيلَ وَ لاَ مِيكَائِيلَ وَ لاَ مُهَاجِرِينَ وَ لاَ أَنْصَارَ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ))(4).
ص: 91
الإمام (علیه السلام) في معرض التحذير لمن يفكر في ترك الإسلام والعودة إلى تقاليد الجاهلية بأنَّه سيُحارَب من أهل الكفر وحينئذٍ لا ينصره أحد؛ لا تنصره الملائكة ولا المهاجرون ولا الأنصار. والضمیر في (غیره) قيل: المقصود به الله تعالى، وقيل: عائد على الإسلام وهو أليق بسياق الكلام(1). وقد ذكر البحراني (ت: 689 ه) سبب انعدام النصرة بقوله: ((وعدم نصرة الملائكة والمهاجرين والأنصار حينئذ لهم إمّا لأنّ النصرة كانت مخصوصة بوجود الرسول والاجتماع علی طاعته وقد زالت بفقده، أو لأنّها مشروطة بالاجتماع على الدين والأُلفة فيه والذبّ عنه، وإذا التجؤوا إلى غیره وحاربهم الكفّار لم يكن ناصر من الملائكة لعدم اجتماعهم على الدين، ولا من المهاجرين والأنصار لفقدهم وهذا اللازم مخوف ينبغي أنْ يُخذَر منه فالملزوم وهو الالتجاء إلى غیر الإسلام يجب أنْ يكون كذلك))(2).
وقوله (علیه السلام): (لا جبرائيل...) يُروى بالرفع والنصب، ورواية النصب أشهر وقد اختارها ابن أبي الحديد(3)، والبحراني(4)، وتوجيهها عند مَن ذكرها على تأويل تلك الأسماء بالتنكیر(5)، وربما الموقع الإعرابي لهذه الأسماء هو ما دعا النحويین ومن تابعهم من شُّراح النهج إلى جعلها منكَّرات، وإلا فتعريفُها واضحٌ لا يمكن تغافله، ولعلّ عبارة البحراني: نصرة الملائكة كانت مخصوصة بوجود النبي محمد (صلی الله علیه و آله) تؤكِّد عَلَمية هذه الأسماء؛ إذ الإمام نفى نصرتهم لمن ترك دينه والتحق
ص: 92
بالكفار، وهذا ما ينطبق تمامًا على المهاجرين والأنصار، فهم مفقودون في زمن خطاب الإمام كما عبرّ البحراني أيضًا؛ لذا جاء تحذيره (علیه السلام) لمن يقع في قلبه وهمٌ من هذا، وبهذا يكون هذا النص تأكيدًا آخر على جواز مجيء اسم (لا) النافية للجنس معرفة، ولا داعي لتأويل كلِّ هذه المعارف بالنكرات.
وبهذا لم يبقَ سوى تعديل القاعدة النحوية بالآتي: الأصل في اسم (لا) النافية للجنس التنكیر على أنَّ ذلك لا يمنع من وروده معرفةً لمجيئه في نهج البلاغة وفي الموروث اللغوي المحتَج به من السنة النبوية الشريفة فضاً عن كلام العرب شعرًا ونثرًا.
(أمس) ظرف زمان مبني ذكر له النحويون حالتین: إحداهما أنْ يأتي معرفة، فيدل على اليوم الذي قبل يومِك الذي أنت فيه، فيُبنَى حينئذٍ على الكسر، وقد يُبنى على الفتح(1).
ويرى النحويون أنَّ علة بنائه في هذه الحالة - وهي لغة الحجازيین - متأتية من تضّمنه معنى (لام) التعريف، فلما كان (أمس) معرفةً في دلالتِه على وقتٍ محدَّد مخصوص - وليس هو أحد المعارف - دلَّ ذلك على تضمّنه معنى (لام) التعريف(2).
وأما الحالة الأخرى فيكون فيها نكرة، فیُراد به يوم من الأيام الماضية، فلا يدلُّ
ص: 93
على أمس بعينه، فيُعربُ عندئذٍ، قال المبرَّد: ((أما «أمس» و «قبل» ونحوهما فمعارف ولو جعلتهن نكرات لرجعن إلى الإعراب كما رجعن إليه في الإضافة والألف واللام))(1)، وأيَّد هذا المذهبَ ابنُ السراج(2)، والزجّاجي(3)، وأبو حيان(4).
وقد عُدَّ إعراب (أمس) في هذه الحالة من المسائل المُجمَع عليها في النحو، قال ابن مالك: ((ولا خلاف في إعرابه إذا أُضيف، أو لُفظ معه ب»الألف» و»اللام» أو نُكِّر، أو صُغِّر، أو كُسِّر))(5)، وأكد ذلك الرضي(6)، وأبو حيان(7)، وابن هشام(8)، والأزهري (ت: 905 ه)(9)، والسيوطي(10).
وقد علّل النحويون إعراب (أمسِ) في هذه الحالة على حذف الجار وبقاء عمله، وحذف (ال) تخفيفًا، فصار بمنزلة حرف واحد فبنوه، وهو التعليل الذي عزاه سيبويه إلى الخليل، فقال: ((وزعم الخليل أنَّ قولهم: لاه أبوك ولقيته أمس، إنما هو على: لله أبوك، ولقيته أمس، ولكنهم حذفوا الجار و»الألف» و»الام» تخفيفًا
ص: 94
على اللسان، وليس كلُّ جار يُضمَر؛ لأنَّ المجرور داخل في الجار، فصارا عندهم بمنزلة حرف واحد))(1). ولم يرتضِ سيبويه هذا التعليل، فقال: ((ولا يقوى قول الخليل في «أمس»؛ لأنك تقول: ذهب أمس بما فيه))(2)، وما نسبه سيبويه لشيخه لم يرد في أهم كتبه المطبوعة، فقد قال الخليل: ((أَمْسِ: ظرف مبنيّ على الكَسْر، ويُنسَب إليه: إِمسِيٌّ))(3)، وقال أيضًا: ((تقول: أتيته أمس وذهب أمس بما فيه وكان أمس يومًا مباركًا وإنّ أمس يومٌ مبارك فإذا أدخلت عليه «الألف» و»الام» أو أضفته إلى شيء أو جعلته نكرة أجريته تقول: كان الأمس يومًا مباركًا وإن الأمس الماضي يوم مبارك وكان أمسكم يومًا طيبًا))(4).
وقد ارتضى تعليلَ الخليل المنسوب إليه عددٌ من العلماء منهم ناظر الجيش، فقال: ((وقد زال البناء لزوال التضمین ومشابهة ضمیر الغائب، فتكون الكسرة كسرة إعراب على تقدير [ياء] حُذِفت وبقي عملها كما حُذفت «من» وبقي عملها))(5)، كما ذكره السيوطي(6)، والصبّان (ت: 1206 ه) أيضًا(7).
ويبدو أنَّ في هذا التعليل خروجًا واضحًا عن أقيسة النحويین، فالوارد في ((مذهب الجمهور أنَّه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غیر «أنَّ» و «أنْ»، بل
ص: 95
يقتصر فيه على السماع))(1)، وهذا ما نبّه عليه الخليل من قبل في النص المار ذكره، إذ قال: ((وليس كلُّ جار يُضمَر))(2).
وقد زاد الرضي علة أُخرى على علة إعراب (أمس) إذا جاء نكرة فذهب إلى أنَّ السبب عائد إلى زوال علة البناء وهي تقدير (الام)(3) تنكیر (أمس) واقترانه ب (الام) لم يمنع من بنائه في عدد من الشواهد النحوية من ذلك قول الشاعر نصيب بن رَباح(4): [من الطويل] وإني وَقفتُ اليَوْمَ والأمْسِ قَبْلَه *** بِبابِك حتى كادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ كان على النحويین أنْ يحتكموا إلى هذا الشاهد وسواه في تعديل ما بوّبوا له من قواعد وضوابط إلا أنهم جَرْيًا على عادتهم ذهبوا إلى تأويل ذلك بما يتسق وتلك القواعد التي وضعوها، فقد عدُّوا (الألف)، و (اللام) زائدة لا للتعريف بل للتوكيد، وعلى هذا يكون تعريف (أمس) ب (لام) أُخرى غر هذه التي فيه(5)، وأنا أوافق المحققَ محمد محيي الدين في استغرابه من هذا التوجيه؛ إذ قال: ((وهذا عجيب منهم، لانهم ألغوا الموجود، واعتروا المعدوم))(6).
ويبدو أنَّ التكلف في تأويل هذا الشاهد واضحٌ لا يمكن دفعه أو تسويغه؛
ص: 96
لذا فالقول ببناء (أمس) في حالة اقترانه ب (ال) وجه مقبول قد ذهب إليه ابن مالك في رأيه الآخر؛ إذ صرَّح قائلاً: ((فإن نُكِّر أو كُسر أو صُغِّر أو أُضيفَ أو قارن «الألف» و »اللام» أُعرب باتفاق، وربما بُنيَ المقارِن لهما))(1)، وتابعه على هذا الرضي أيضًا(2)، وأشار إليه السيوطي بالقول: ((فإنْ قارن «ال» أُعرِبَ غالبًا (...) ومن العرب من يستصحب البناء مع»ال»))(3)، غیر أنّهم عمدوا إلى تأويل ما جاء من ذلك كما اتّضح.
وقد أبدى الدرس النحوي الحديث رأيه في هذه المسألة فكان للأُستاذ عباس حسن توجيهٌ نحويٌّ وافق فيه ابن مالك ومتابعيه، فأجاز البناء على الكسر عند الاقتران ب (ال) والاضافة، بل ذهب إلى إنَّ ((الأحسن بناؤه على الكسر أيضًا في جميع أحواله))(4)، وهو رأي صائب وسليم يؤيده ما جاء في نهج البلاغة من شواهد.
فمن الشواهد العَلَوية على هذه المسألة قولُه (علیه السلام) في كتابٍ له إلى معاوية جوابًا عن كتابٍ منه إليه: ((وَأَمَّا طَلَبُكَ إلى اَلشَّامِ فَإِنِّ لَمْ أَكُنْ لَأُعْطِيَكَ اَلْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ))(5).
كان معاوية قد طلب مِرارًا من الإمام (علیه السلام) أنْ يجعلَه واليًا على الشام حتى يبايعَه، وكان جوابُ الإمام واحدًا وهو المنع والرفض. واستمرارُ منع الإمام ناظرٌ إلى المحافظة على دين الله تعالى(6)، وبهذا تكون دلالة الظرف على التنكیر هي
ص: 97
المرادة؛ إذ لم يكن غرض الإمام الإشارة إلى اليوم الذي سبقه؛ لأنَّ معاوية إنما كرَّر هذا الطلب مرات متعددة بلا جدوى، ومع عموم (أمس) وتنكیره فقد جاء مبنيًا على الكسر وعامله الفعل (منع)، وهذا دليل على نقص استقراء النحويین في هذه المسألة وإصرارهم على هَدْر ما لا يوافق قواعدهم من التراث اللغوي، على أنَّ الزجّاجي قد حمل ذلك على المجاز، فقال: ((فإن كان ظرفًا فهو مبني على الكسر ويكون له معنيان: أحدهما: أن يُريد به اليوم الذي قبل يومك والآخر: أنْ تريد به ما تقدّم يومك، وذلك لا يكون إلا مجازًا))(1).
ومن الشواهد العلوية أيضًا قوله (علیه السلام) لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة: ((لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِیراً فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَأْمُوراً))(2)، ف (أمس) ظرف زمان مبني على الكسر، عامله الفعل (كنت)، وهو نكرة(3)؛ إذ لم يكن مقصده (علیه السلام) من ذلك أنه أمیرٌ في اليوم الذي سبق حديثه.
ومنه قوله (علیه السلام) في الحضِّ على التقوى: ((مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ اَلْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْیَوْم رَجْعَتُهُ))(4)، ف (أمسِ) ظرف زمان نكرة لا يدل على معینَّ أو محدد؛ ((لأنّ العمر عبارة عن زمان الحياة و مدّته و الزّمان كمّ متّصل غیر قارّ الذات))(5)، وهو كما ترى قد جاء مبنيًا على الكسر عامله الفعل (فات).
نخلص مما تقدَّم إلى تعديل القاعدة النحوية بالقول: إنَّ تنكیر (أمس) لا يمنع من بنائه على الكسر لورود ذلك في نهج البلاغة وفي كلام العرب نثرًا ونظماً.
ص: 98
(مهما) أداة شرط جازمة بمعنى (ما)؛ لذا هي تدلُّ على الإبهام والعموم(1)، وأما بناؤها فإنَّ النحويین قد اختلفوا فيه، فمنهم من قال ببساطتها ومنهم من قال بتركيبها(2)، وحاصل هذا الخلاف خلاف آخر في تصنيفها، فمذهب الجمهور يرجِّح القول بإسميتها، دونما دلالةٍ فيها على الظرفية، قال المبرَّد: ((هذا باب المجازاة وحروفها وهي تدخل للشرط ومعنى الشرط وقوع الشيء لوقوع غیره فمن عواملها من الظروف «أين» و «متى» و «أنّى» و «حيثما» ومن الأسماء «من» و «ما» و «أي» و «مهنا«))(3)، على أنّ سيبويه من قبله لم يذكرها في عِداد أدوات الشرط(4)؛ لأنها عنده مركبة من (ما) أعقبتها مثلها، أو هي (مه) تلتها (ما)(5).
وذهب قِسم من النحويین إلى أنَّ (مهما) لا تخلو من الظرفية المتضمّنة معنى الشرط، ولعل الزمخشري (ت: 538 ه) يتصدَّر من أشار إلى ذلك، وهذا نصُّ كلامه: ((وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يُحرّفها من لا يدَ له في عِلم العربية، فيضعها غیر موضعها، ويحسب «مها» بمعنى «متى ما»، ويقول مها جئتني
ص: 99
أعطيتك، وهذا من وضعه وليس من كلام واضع العربية في شيء))(1).
وكان ابن مالك قد أثبتَ لها معنى الظرفية محتجًا بطائفة من الشواهد النحوية، فقد صرَّح برأيه قائلاً: ((جميع النحويین يجعلون «ما» و »مهما» مثل «من» في لزوم التجرّد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفین ثابت في أشعار الفصحاء من العرب (...) وكقول حاتم الطائي:
وإنَّكَ مَهْما تُعْطِ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ *** وفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أجْمَعا))(2) وإلى نحو هذا أشار الرضي أيضًا(3).
والظاهر أنَّ قول ابن مالك: (جميع النحويین) فيه إطلاق يقيِّده أنَّ الزمخشري من قبله أشار إلى أنَّ بعض النحويین قد ذهب إلى عدِّ (مهما) شرطية ظرفية، كما أكد هذا المعنى الرضي أيضًا، على أنَّه قد يُغتفر هذا لابن مالك بسبب عدم تصريح الزمخشري بمن عدَّها ظرفيةً.
وقد اعترض عددٌ من النحويین على حمل (مهما) على معنى الظرفية، فقد تَتَبّع ابنُ الناظم (ت: 686 ه) أباه في ذلك وردَّ عليه قائلاً: ((ولا أرى في هذه الأبيات حجة، لأنه كما يصح تقدير «ما» و »مهما» فيها بظرف زمان، كذلك يصح تقديرهما
ص: 100
بالمصدر))(1)، ثم بینَّ سبب ترجيحِه معنى المصدرية على الظرفية مع جواز ذلك فقال: ((لأن في كونهما ظرفن شذوذًا وقولًا بما لا يعرفه جميع النحويین بخلاف كونهما مصدرين؛ لأنه لا مانع أنْ يُكنَّى ب «ما، ومهما» عن مصدر فعل الشرط كما لا مانع من أنْ يُكنَّى بهما عن المفعول به ونحوه؛ إذ لا فرق))(2)، وأيَّد هذا الاعتراضَ أبو حيان(3)، والسمين الحلبي(4).
ويبدو أنَّ اعتراض ابن الناظم ليس دقيقًا؛ إذ إنَّه استند في ردِّه إلى ما ظنَّه غیر معروف عند جميع النحويین، والحال خلاف ذلك فوجه الظرفية في (مهما) وارد كما هو وجه الشرطية أشار إليه غیر ابن مالك كالرضي، وهو وجه جائز وليس ممنوعًا، وبهذا لا يمتنع توجيه (مهما) على معنى الظرفية، ولهذا أخذ ناظر الجيش برأي ابن مالك، مخالفًا بذلك رأيَ شيخه أبي حيان، ورادًّا على ابن الناظم، فقال:
((والظاهر أَنَّ ما قاله المصنف أولى وأقرب، والطباع تقبله، بخلاف ما ذكره ولده، والمصنف يقول لولَده كما قلت: إنَّه لا مانع من أَنْ يُكَنَّى ب «ما» و «مهما» عن مصدر فعل الشرط، كما لا مانع من أَنَّ يُكنّى بهما عن المفعول، أنا أقول لا مانع من أَنْ يُكنّى ب «ما» و «مهما»، عن زمان فعل الشرط، كما لا مانع من أَنْ يُكنّى بهما عن المفعول به))(5). المفهوم من إجازة ناظر الجيش أنَّه قد احتكم إلى وجه المشابهة، فلما كان جائزًا أَنَّ يُكنّى ب (ما) و (مهما) عن مصدر فعل الشرط، والمفعول كان من باب أولى جواز أَنْ يُكنّى ب (ما)، و (مهما) عن زمان فعل الشرط أيضًا، وهذا ما
ص: 101
أكَّده السماع أيضًا؛ فقد احتج ابن مالك لإجازته تلك بعدد من الشواهد الشعرية منها قول الشاعر طفيل الغنوي(1): [من الكامل] نُبِّئت أنَّ أبا شُتَيمٍ يدَّعي *** مَهما يعشْ يُسمِعْ بما لم يُسْمعِ وقول ساعدة بن جؤبة(2): [من البسيط] قد أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فَهْي طاوِيَةٌ *** مَهْما تُصِبْ أُفُقًا من بارقٍ تَشِمِ والمعنى: (أي وقت تصب بارقًا من أفق)(3)، ومما يؤيِّد ظرفيتها هنا أنّ البيت قد رُوي بلفظ (متى تُصِبْ...) أيضًا(4).
ولم يرتضِ المانعون هذا فأوّلوا هذا البيتَ على أَنَّ (مها) فيه مفعول (تصب)، و (افقا) ظرف، و (من بارق) تفسیر ل (مهما)، أو متعلق ب (تصب)، فمعنى (من) ههنا التبعيض، وعلى هذا يكون معنى البيت: (أي شيء تصب في أفق من البوارق تشم)(5).
إنَّ التكلّف في تأويل هذه الشواهد واضحٌ لا يمكن أنْ يُغضَّ الطرف عنه، على حین أنَّ حمل (مهما) على الزمان لا تكلف فيه، وهو أقلُّ تأويلاً وتقديرًا، فهو
ص: 102
يجري على سنن العربية وضوابطها في التقدير؛ إذ النحويون يرجِّحون في الشواهد التي تحتمل تقديرين ما كان أدلَّ على المعنى الذي لا يتعارض مع قواعد نحوية أساسية(1)، ولا شك في أنَّ توجيه (مهما) على الظرفية من هذا القبيل، فهو يستند إلى عدد من الشواهد الشعرية التي يتضح معنى الزمان فيها جليًا، ومما يؤكد هذا لجوء النحويین إلى التقدير والتأويل، ولو كانت (مهما) في تلك الشواهد جارية على ما قعدوا له لما فعلوا هذا(2).
نخلص مما تقدّم ذكرُه إلى أنَّ حمل (مهما) على الظرفية لا يمكن دفعه أو تأويله، وتوجيهها في بعض الشواهد على المصدرية لا يمنع من حملها على الظرفية؛ إذ قد ترد ظرفيةً وهذا ما يُفهم من عبارة ابن مالك(3).
ومن شواهد هذه المسألة في نهج البلاغة ما جاء في كتاب له (علیه السلام) إلى مالك الأشتر النخْعي (رضی الله عنه)(4) قال فيه: ((ومهما كانَ في كُتَّابِكَ منْ عيبٍ فتغابيتَ عنه أُلزمته))(5).
هذا النص من جملة وصايا أو أوامر كتبها الإمام (علیه السلام) للأشتر النخعي حينما
ص: 103
ولّاه مصر، ينهاه فيها عن التغافل عمّا يكون في كُتّابه من عيب مُدلًّا على ذلك بأُسلوب شرطي تصدَّرته (مهما)، يريد بذلك نهيه عن عدم حصول تلك الغفلة منه في أيِّ وقتٍ من الأوقات، والتقدير (متى كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته)، ومما يعزز ظرفية (مهما) ههنا ودلالتها على الزمان جواب الشرط (ألزمته) الذي يدل على أنّ استمرار التغافل عن عيوب الكُتّاب يؤدي إلى لزوم ذلك منهم، ثم ينعكس هذا النقص والعيب على الوالي الذي يمثلُه الكاتب، ولعلّ ما يقوّي ظرفيتها أيضًا ورود فعل الشرط بعدها بصيغة الماضي، على أنَّ الشائع في القاعدة النحويَّة أنْ يليها المُضارع، وهذا النصُّ أوضح دليل على جواز هذا الأُسلوب وفصاحته(1)، وبهذا يترجَّح لديَّ مذهبُ ابن مالك ومن تبعه.
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في إحدى حِكَمه: ((إِنَّ لِلْخَیْرِ وَللشَّرِّ أَهْلاً، فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ))(2).
قول الإمام (علیه السلام) في سياق الترغيب في الخیر والتنفیر من الشر بأنَّ لكلٍّ منهما - الخیر والشر - أهلاً، فمتى تركتم الخیر فإنَّ أهله سيكتفون به، وكذلك الشر فمتى تركتموه تُرِكَ لأهله. وفي هذا تحذير لكلِّ عاقل بأنْ يختار فعلَ الخیر ويبتعد عن فعل الشر(3)، وبهذا تكون ظرفية (مهما) هي المرادة والمرجَّحة، وهذا ما أدلى به الراوندي شارحًا نصَّ الأمیر بقوله: ((فمتى تركتم واحدًا منهما))(4)؛ إذ إنَّ المقصودَ من دلالة الترك هذه الاستمرارُ في كلِّ حال دونما حصرٍ بوقت
ص: 104
معن ومحدد.
واستنادًا إلى ما تقدَّم يجب تعديل القاعدة النحوية بالآتي: يجوز استعمال (مهما) ظرفيةً لورود ذلك في نهج البلاغة وهو من أصح مصادر الاستشهاد بعد القرآن الكريم فضلاً عن وروده في الشعر العربي أيضًا.
حدَّ ابن هشام المفعول له بأنَّه ((المصدر الفضلة المعلِّل لحَدَثٍ شاركَه في الزمان والفاعل))(1).
وقد اشترط النحويون فيه مجموعة شروط أفصح عن قسم منها المتقدمون، فقد ذكر سيبويه شرطَي العلة والمصدرية، فقال: ((باب ما ينتصب من المصادر؛ لأنَّه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له، ولأنه تفسیر لما قبله لِمَ كان؟))(2)2، فقوله (من المصادر) يُشیر إلى اشتراط مصدرية المفعول له، وقوله (لأنّه عذر) يبیِّن اشتراط إفادة العلة.
وقد زاد المتأخرون على ذلك شروطًا أُخرى منها أنْ يكون مشارِكًا الحدثَ في الفاعل(3)، أي أنْ يأتي فاعل الحدث المعلَّل وفاعل المصدر واحدًا، نحو: ضربته تأديبًا، ففاعل الضرب والتأديب واحد هو المتكلم، قال أبو حيان: ((وهذا الذي ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مُجمَعًا عليه، بل مِن النحويین
ص: 105
مَن لا يشترط ذلك، وهو مذهب ابن خروف))(1)، وأكد ذلك السيوطي(2).
وتعليل اشتراط تلك المشاركة هو أنَّ المفعول له لا يمكن حصوله إلّا عن فاعلٍ عارفٍ سببَ ما يقوم به، وإلا كان الفعل خُلوًا من علّة تقتضي حصوله(3).
إنَّ استلزام تلك المشاركة محجوج بما ورد من شواهد قرآنية، منها قوله تبارك وتعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ»(4) ((ففاعل «الإراءة» هو الله تعالى، وفاعل «الخوف» و »الطمع» المخاطَبون))(5)، وهذه حجة ابن خروف (ت: 609 ه) في إجازته النصبَ مع اختلاف الفاعل؛ إذ قال: ((لم ينص على منعه أحدٌ من المتقدمین))(6).
ولم يُجانب ابن خروف الصواب فيما رأى؛ إذ إنَّ ظاهر كلام سيبويه يُشعر بجواز عدم الاشتراك(7)، فيجوز عنده (جئت حذرَ زيد) ويشهد له قول امرئ القيس(8): [من الطويل] أرى أمَ عمْرٍو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرَا *** بكاءً على عَمُرٍو. وما كان أصبرا!
ص: 106
ففاعل التحدّر هو (الدمع) وفاعل البكاء هو (أُم عمرو)(1).
وعمد المانعون إلى تأويل ذلك بما ينسجم والقاعدة التي وضعوها، فذهبوا إلى أنَّ (خوفًا) و (طمعًا) منصوبان على العلة، وقد اختلفوا في بيان مسوِّغها، فقيل: على تقدير حذف مضاف وإنابة المضاف إليه على معنى (إرادة خوف)، و (إرادة طمع) وقد نُسِبَ هذا الرأي إلى الزجّاج(2)، واختاره الزمخشري، والبيضاوي (ت: 685 ه)(3)، وقيل: هما منصوبان على العلة، لكن ليس على الاشتراك اللفظي بین الفعل وبينهما في الفاعل، بل على الاشتراك المعنوي، والتقدير: (يجعلكم رائین أو ترونه خوفًا وطمعًا)، ذهب إلى هذا الزمخشري في رأيه الآخر، وابن مالك والأُشموني (ت: 900 ه)(4)، وقيل: إنَّ المراد ب (الخوف والطمع) هو الإخافة والإطماع(5)، وقيل: هما منصوبان على الحالية(6)، أو على المفعولية المطلقة على تقدير: لتخافوا خوفًا ولتطمعوا طمعًا(7).
الظاهر أنَّ كلَّ تلك الوجوه بحاجةٍ إلى تقدير وتأويل، وعدم التقدير أَولى
ص: 107
من التقدير لكثرة الشواهد التي لم ترد فيها المشاركة في الفاعل(1)، هذا فضلاً عن أنَّ تلك التأويلات بعيدة دعا إليها تحكيم القاعدة وتقديمها على النصوص المستقراة(2).
ومن أجل ذلك ذهب الرضي إلى جواز عدم الاشتراك، فقال: ((وبعض النحاة لا يشترط تشاركهما في الفاعل، وهو الذي [يقوي] في ظني وإنْ كان الاغلب هو الأول، والدليل على جواز عدم التشارك قول أمیر المؤمنین علي رضي الله عنه في نهج البلاغة: «فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة، واستتمامًا للبلية «،والمستحق للسخطة إبليس والمعطي للنظرة هو الله تعالى))(3).
وزاد الرضي على ذلك قائلاً: ((لا يجوز أنْ يكون «استحقاقاً «حالاً من المفعول؛ لأنّ «استتمامًا «إذن يكون حالاً من الفاعل (...) ولا يُعطَف حال الفاعل على حال المفعول))(4)، ووافق الرضيَّ على هذا الآلوسي (ت: 1270 ه)، والسيد الطباطبائي (ت: 1402 ه) في أحد قولَيه والدكتور فاضل السامرائي(5).
نخلص ممّا تقدَّم ذكره إلى أنَّ المفعول له يجوز فيه عدم الاشتراك في الفاعل استنادًا إلى مجيء ذلك في القرآن الكريم ونهج البلاغة، وهو مذهب ابن خروف الرضي ومن تابعهما، ولهذا لابد من تقديم تعديلٍ للقاعدة بالقول: يجوز في المفعول
ص: 108
له ألا يكون مشارِكًا في الفاعل لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والشعر العربي.
الإضافة عند النحويین ضربان: إضافة محضة وأخرى غیر محضة(1)، والحديث ههنا يقتصر على الأولى منهما، وسُميت أيضًا معنوية؛ لأنّها إضافة لفظًا ومعنًى، ولأنّها تتطلّب وجود حرف إضافة مقدَّر وظيفته إيصال معنى ما قبله إلى ما بعده(2)، وهي تفيد المضاف إمّا تعريفًا إذا أُضيفَت النكرة إلى معرفة، نحو: (غلامُ زيدٍ)، وإمّا تخصيصًا إذا أُضيفَتْ النكرة إلى نكرة، نحو: (غلامُ امرأةٍ)(3).
والإضافة الظرفية هي الإضافة الخالصة من نيّة الانفصال(4) ((لأصالتها، ولأن المضاف - في الغالب - خالٍ من ضمیر مستتر يفصل بينهما))(5).
ولمّا كان النحويون يشترطون تقدير حرف جر بین المضاف والمضاف إليه اختلفوا في المعاني التي تحتملها الإضافة المحضة تبعًا لاختلافهم في تقدير الحرف، فمنهم من قصر الإضافة على حرفین هما (اللام)، و (من)، ومنهم من ذهب إلى أنّها لا تكون إلّا بمعنى (اللام) وعليه اقتصر الزجّاج(6)، وابن الضائع (ت: 680 ه)(7)،
ص: 109
وتعليل ذلك أنّ معنى الإضافة أصلها (اللام)(1).
وقد اختلفت كلمة النحويین في الإضافة الظرفية، أي: التي بمعنى (في)، فمنهم من أيّدها واستشهد لها، ومنهم من أنكرها ورفض شواهدها أو أوَّلها، فقد ذهب المتقدِّمون من النحويین إلى أنَّ الإضافة إنما تقتصر على حرفین هما (اللام)، و (من)، وقيل: هو مذهب سيبويه وعليه الجمهور(2)، ونُسِبَ هذا الرأي إلى الجرمي (ت: 225 ه) وعليه أكثر النحويین المتأخرين(3)، وما أوهم معنى (في) فهو عى تأويل (اللام) اتساعًا أو مجازًا(4).
وممّن صرَّح بمنع الإضافة الظرفية السیرافي، إذ قال: ((والإضافة تكون على معنى أحد الحرفین وهما «من»، و «اللام» ف «من» إذا كانت الإضافة على معناها تبعيض كقولك: «هذا ثوب خز» و »خاتم حديد» أي: «ثوب من خز»، و »خاتم من حديد»، وما كان على معنى «اللام» فإضافته على وجه الاستحقاق، كقولك:
«هذه دارُ زيد» و »دارٌ لزيد» (...)، وربما أوهمتك الإضافة الخروج عن هذين الوجهین، فإذا رددتها إلى أُصول ما وضعت له رأيتها لازمة لأحد الحرفین كقولك: «أفضلهم زيد» أي: «الفاضل منهم زيد»))(5)، فالسیرافي بحسب نصِّه هذا قد قصر الإضافة على حرفین، وما خرج عنها فيرجِع إليهما بالتأويل، وتابعه
ص: 110
على هذا جمع من النحويین منهم أبو علي الفارسي(1)، وابن جني(2)، وعبد القاهر الجرجاني (ت: 471 ه)(3)، وغيرهم(4).
إنَّ ما منعه النحويون هنا تنقضه الكثیر من الشواهد القرآنية التي جاءت فيها الإضافة دالةً على الظرفية الحقيقية بلا تقدير أو تأويل، من ذلك قوله تعالى:
«فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِی الْحَجِّ»(5)، وقوله تعالى: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ»(6)، وقوله تعالى: «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»(7)، وقول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((رباط يوم في سبيل الله خیر من الدنيا وما عليها))(8)، كما أنَّ تلك الاضافة ثابتة في ((قول العرب: «شهيد الدار وقتيل الكربلاء»))(9).
واستنادًا إلى تلك النصوص العربية الفصيحة وما ناظرها قرَّر جملة من النحويین أنَّ الإضافة الظرفية ثابتة في لغة العرب ولا يمكن إنكارها أو تأويلها، وهذا ما عليه فريق من المفسرين(10)، على أنَّ إفرادها بباب والاحتجاج لها قد
ص: 111
يُحسب لابن مالك الذي صرَّح برأيه قائلاً: ((وأغفل أكثر النحويین الإضافة بمعنى «في» وهي ثابتة في الكلام الفصيح))(1)، وتابعه على هذا المرادي(2)، وقد انتهج ابنُ هشام وابن عقيل هذا المذهب إلا أنهما اشترطا أنْ يكون الثاني ظرفًا للأول(3)، وتبنّى هذا الشرطَ الُأستاذُ عباس حسن من المحدَثین أيضًا(4).
ولم يرتضِ المانعون ظاهر تلك الشواهد النحوية فذهبوا إلى تأويلها بما ينسجم وما قرّروه، فرأوا أنَّ قسماً من الشواهد المحتج بها على الإضافة الظرفية هي من قبيل إضافة المصدر إلى ما هو ظرف زمان بالأصل، إلا أنَّه اتُسِع فيه فصار مفعولًا به وعلى هذا خرَّجوا قوله تعالى: «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ»، وقوله تعالى: «تَرَبُّصُ أرْبَعَة أشْهُرٍ»(5)، كما حملوا بعض الشواهد على أنَّ الاضافة فيها محمولة على معنى (اللام) مجازًا، وقد استدلَّ ابن الناظم على ذلك بأنَّ الإضافة إذا كانت على معنى (في) استلزم ذلك كثرة الاشتراك في معناها، وهو خلاف الأصل لذا الحمل على المجاز أَولى من الاشتراك(6)، هذا، وقيل: إن (في) المقدّرة في (قتيل كربلاء) بمعنى (اللام) بدعوى معنى الاختصاص بین المتضايفین وهو مما تدلُّ عليه (اللام) لا (في)(7).
ص: 112
وقد استعرض ابنُ مالك أغلبَ تلك الاعتراضات وردّ عليها، فأشار إلى أنّ حَمْلَ الإضافة فيما ورد من شواهد على معنى (اللام) لا يصح إلا على نحوٍ بعيد ومتكلف(1)، فقال: ((فلا يخفى أنَّ معنى «في» في هذه الشواهد كلِّها صحيح ظاهر لا غنى عن اعتباره، وأن اعتبار غیره ممتنع، أو متوصل إليه بتكلف لا مزيد عليه))(2)، ثم إنَّ تأويل تلك النصوص الكثیرة وجهٌ ضعيف في العربية(3)، ولاسيما مع كثرة الشواهد النحوية المؤيِّدة للإضافة الظرفية في نهج البلاغة، فهي ليست قليلة كما قِيل(4).
إنَّ ما ادَّعاه المعترضون بأنَّ الإضافة الظرفية محمولة على المجاز كلام غیر دقيق ومردود؛ لأنه لا يُعدَل من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة، زيادة على أنَّ هذا العدول إنما يكون ((لمعانٍ ثلاثة، وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه))(5) وليس فيما ورد من شواهد أيُّ معنى من تلك المعاني كما يظهر إلاّ على نحو متكلّف وبعيد.
وأما القول بأنَّ الاختصاص الظاهر في بعض الشواهد المحمولة على الإضافة الظرفية يجعلها على معنى (اللام) فغیر دقيق أيضًا؛ لأنَّ ذلك سيؤدي إلى تساوي الإضافة التي بمعنى (من) مع التي بمعنى (في) فلِمَ اعتُبِرَ الحمل في الأولى دون الثانية؟(6).
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدَّم يظهر صِحَّة المذهب القاضي بثبوت الإضافة الظرفية
ص: 113
لورودها في الموروث اللغوي الفصيح، وادّعاء خلاف ذلك لا يستند إلى دليل، وبناءً على هذا ذهب كلٌّ من المرادي، وابن هشام، وابن عقيل، والسيوطي إلى أنَّها قِسم آخر ينبغي أنْ يُضاف إلى نوعَي الإضافة في العربية(1).
ومن شواهد الإضافة الظرفية في الكلام العَلَوي المبارك قوله (علیه السلام) في بيان معنى اليقین: ((وَاَلْيَقِینُ مِنْهَا عَلىَ أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلىَ تَبْصِرَةِ اَلْفِطْنَةِ وَتَأَوُّلِ اَلْحِكْمَةِ وَ مَوْعِظَةِ اَلْعِبْرَةِ وَ سُنَّةِ اَلْأَوَّلِینَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِی اَلْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ))(2).
بعد أن بیَّنَ الإمام (علیه السلام) الإيمان ومصاديقه وأركانه جاعلاً اليقین من أهم تلك الأركان شرَع بإيضاح دعائم اليقین، فابتدأ بالشعبة الأُولى التي يستند إليها وهي (تبصرة الفطنة)، يريد بذلك أنْ يكون الإنسان ((حاذقًا بصیرًا في الامور عميقًا في حقائقها))(3)، وهي إضافة ظرفية بمعنى (في) بدليل أنّ الإمام قد أردف ذلك بقوله: ((فمن تبصّر في...)) فعدّى الفعل (تبر) ب (في) للدلالة على التأمل والتدبّر، وهذا من قبيل التفصيل بعد الإجمال، قال التستري (ت: 1415 ه):
((«على تبصرة الفطنة «الإضافة في» التبصرة» بمعنى «في» كما يشهد له قوله بعد «فمن تبصّر في الفطنة»))(4)، ومما يقوّي هذا أنَّ النصّ الشريف قد رُوِيَ في موضع آخر بإثبات (في)، فقال (علیه السلام): ((وَالْيَقِینُ عَلىَ أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلىَ تَبْصَرَةٍ فِی الْفِطْنَةِ))(5)، وبهذا تكون الإضافة الظرفية صحيحة فصيحة ولا موجِب لإنكارها؛
ص: 114
لكون المضاف اليه كالوعاء الذي يقع فيه المضاف(1).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) في التحذير من التعلّق بالدنيا: ((فَمَا خَیْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ اَلْبِنَاءِ وَ عُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ اَلزَّادِ))(2)، ومحل الشاهد (خیر دار) وتقديره: فما خیر في دارٍ...، فالإضافة ظرفية(3)، ومما يؤكِّد هذا المعنى قولُ النبيِّ مُحمّدٍ (صلی الله علیه و آله): ((لَا خَیْرَ فِی دَارٍ قَدْ عُصِيَ اللهُ فِيهَا، وَلَا خَیْرَ فِی دَارٍ لَا تُدْرَكُ الْآخِرَةُ إِلَّا بِتَرْكِهَ))(4)، فأظهر حرف الجر (في)، والأصل: لا خبرَ دارٍ.
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في التقوى: ((فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرِضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ))(5).
فالإضافة الظرفية واضحة في هذا النص، فالمعنى: فإنَّ تقوى الله دواءُ داءٍ في قلوبكم، وبصرُ عمًى في أفئدتكم، وشفاءُ مرضٍ في أجسادكم، وصلاحُ فسادٍ في صدوركم، وطُهور دنسٍ في أنفسكم.
يظهر مما تقدَّم ذكره ترجيح مذهب من أَجاز ورود الإضافة الظرفية في كلام العرب دون تأويل أو تقدير، لورودها في أصح مصادر السماع العربي من القرآن الكريم والسُّنّة النبوية ونهج البلاغة، ولهذا يجب تعديل القاعدة النحوية بالآتي:
ص: 115
الإضافة الظرفية قسم آخر من أقسام الإضافة يجوز استعماله والقياس عليه استنادًا إلى وروده في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم وكلام العرب شعرًا ونثرًا.
يُقسِّم النحويون الموصول على ضربین: إسمي وحرفي، فالموصول الإسمي:
ما افتقر إلى الوصل بجملة معهودة مشتملة على ضمیر لائق بالمعنى، والموصول الحرفي هو كلُّ حرف يؤوَّل مع صلته بمصدر(1).
وأما الموصول الإسمي فهو على قسمين؛ خاص وهو (الذي، والتي) وفروعهما، وعام وألفاظه ستة وهي (من، وما، وأي، وذو، وذا، وأي)، وقد بسط علماء العربية القول في بيان أحكام الموصول(2)، ومن بین تلك الأحكام التي ذكروها حذف الموصول الإسمي إذا عُلم غیر (أل)(3).
وهو حُكمٌ قد اختلف النحويون فيه على مذاهبَ وآراء، فذهب البصريون إلى منعه، فقد صرَّح المبرَّد بهذا وهو يوجِّه قوله تعالى: «يَسْأَلُهُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ»(4)، فقال: ((فالقول عندنا أنَّ «من» مشتملة على الجميع؛ لأنَّها تقع للجميع على لفظ الواحد وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أنَّ المعنى «ومن في الأرض» وليس المعنى عندي كما قالوا، وقالوا في بيت حسّان:
ص: 116
فَمَنْ يَهْجو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ *** ويَمْدحُهُ ويَنْصُرُهُ سَوَاءُ إنما المعنى «ومن يمدحه وينصره» وليس الأمر عند أهل النظر كذلك، ولكنه جعل «من» نكرة وجعل الفعل وصفًا لها ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف فكأنَّه قال: وواحد يمدحه وينصره؛ لأنَّ الوصف يقع في موضع الموصوف [إذ] كان دالًا عليه))(1)، فالمبرَّد على وفق هذا النص لا يُجيز حذف الموصول، لهذا حاول تأويل بيت حسان على إقامة الوصف مقام الموصوف، فالتقدير لديه:
وواحد يمدحه وينصره...، فهو في الوقت الذي رفض فيه تقدير الموصول قدّر لفظة (واحد) كي يستقيم معنى البيت، فرفض حذف الموصول على حین أجاز حذف (من) الموصوفة.
وقد أخذ بمذهب العلماء القائلین بمنع حذف الموصول الإسمي جمعٌ من النحويین منهم ابن السراج(2)، وأبو علي الفارسي(3)، وأبو حيان(4)، والسيوطي(5).
وقد علّل أبو علي الفارسي منعَ هذا الحذف بقوله: ((الموصول لا يُحذَفُ ويُترَكُ شيء من صلته، كما لا يُحذَفُ بعض الاسم ويترك بعضه))(6)، أي إنَّ الموصول وصلته كالكلمة الواحدة(7)، وقد اعترض الرضي على هذا، فقال: ((ولا وجه لمنع
ص: 117
البصريین من ذلك، من حيث القياس، إذ قد يُحذَف بعض حروف الكلمة، وإن كانت «فاء»، أو «عينًا»، ك »شية»، و »سه»، وليس الموصول بألزق منهما))(1).
وقد ذهب الكوفيون والبغداديون والأخفش من البصريین إلى جواز حذف الموصول الإسمي إذا عُلِم(2)، على أنْ تدلَّ عليه صلتُه بعد الحذف، هذا ما نصَّ عليه الفراء في توجيه قوله تعالى: «وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِی الْأَرْضِ وَلَا فِی السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِیٍّ وَلَا نَصِیرٍ»(3) (4)، وعلى هذا وجّه قوله تعالى أيضًا: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»(5) فجعله على تقدير: إلا مَن هو واردها(6)، وعلى هذا حَمل قوله تعالى: «وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ»(7) أيضًا(8)، واشتراط الدليل على الحذف نابع من أنَّ العرب ((لا يحذفون شيئًا إلا وفيما أبقوا دليلٌ على ما ألقوا))(9).
ص: 118
وقد رجَّح مذهبَ الكوفيین ابنُ مالك بعد أنْ عضَده بشواهد نثرية وشعرية، فاحتج له بقول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((إذا كان يوم الجمعة وقفتْ الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجةً، ثم بيضةً، فإذا خرج الإمام طووا صُحُفَهم))(1)، ثم قال: ((فإنَّ فيه حذف الموصول وأكثر الصلة ثلاث مرات؛ لأن التقدير: (ثم كالذي يهدي كبشًا ثم كالذي يهدي دجاجة ثم كالذي يهدي بيضة) وإذا حُذِفَ الموصول وأكثر الصلة، فأنْ يُحذفَ الموصول وتبقى الصلة بكمالها أحقُّ بالجواز وأولى))(2)، واختار هذا المذهبَ الرضي الاسترابادي(3)، واستند إليه أبو حيان، والسمين الحلبي، وابن عادل الدمشقي في توجيه نصوص من القرآن الكريم(4).
ولم تقتصر إجازة هذا الحذف على السماع فقط، بل يعضدها القياس أيضًا؛ إذ إنَّ النحويین يُجيزون حذف الموصول الحرفي (أنْ) مع بقاء صلته، ودلالة صلة الموصول الحرفي عليه أضعف من دلالة الإسمي عليه بعد الحذف، فلما كان حذفُ الأول جائزًا جازَ حذفُ الثاني لقوة الدلالة عليه بالعائد(5)، هذا فضلاَّ عن أنَّ الموصول الإسمي وصلته بمنزلة المضاف والمضاف إليه، وحذف المضاف جائز إذا عُلم فكذلك ما أشبهَهُ(6)، والمعنى يُثبت هذا ويؤكِّده أيضًا، فإنَّ بعض الشواهد لا يستقيم معناها إلّا على الحذف، ففي بيت حسّان المذكور آنفًا لا بد من
ص: 119
تقدير الاسم الموصول ((ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أنَّ الهجاء والمدح والنصر، كلُّ أولئك من فريق واحد ومن هذا قوله تعالى: «وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» أي: والذي أُنزل إليكم؛ لأنَّ المنزَّل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب))(1).
ولم يقبل المانعون ما وجَّه به المجيزون، فهم وإن أقرّوا الحذف إلا أنَّهم ذهبوا إلى تفسیر الشواهد بعيدًا عن حذف الموصول الإسمي، فحملوا بيت حسان على أنَّ المحذوف فيه (من) الموصوفة لا الموصولة(2)، كما حملوا قوله تعالى: «وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ» على تقدير: ما منّا أحد أو ملك إلا له مقام معلوم(3)، وهو وجهٌ جائزٌ إلا أنّ الأرجح تقدير الموصول لقيامه على دليل من القرآن الكريم؛ إذ كثر حذف الموصول بخلاف (أحد) أو (ملك)، وترجيح القرآن بالقرآن أَولى(4).
ومما يُحتجُ به على صحة هذا الحذف وجوازه ما جاء في نهج البلاغة من شواهد لا يستقيم معناها إلّا على الحذف من ذلك قوله (علیه السلام) في كتابٍ له إلى معاوية: ((فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وَأَخِيكَ وَ خَالِكَ شَدْخًا يَوْمَ بَدْرٍ وَذَلِكَ اَلسَّيْفُ مَعِي وَ بِذَلِكَ اَلْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اِسْتَبْدَلْتُ دِينًا وَلاَ اِسْتَحْدَثْتُ نَبِيًا وَإِنِّی
ص: 120
لَعَلَى اَلْمِنْهَاجِ اَلَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِینَ وَ دَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِینَ))(1).
الإمام (علیه السلام) في معرض توبيخ معاوية وتنبيهه على غفلته وانشغاله في ملذاته ودنياه التي حجبتْ عنه رؤيةَ الحق، وكلامه هذا إنما جاء ردًّا على دعوة كان وجّهها معاوية إلى الإمام (علیه السلام) للحرب، فذكَّره الإمام بحال أسلافه الذين قُتلوا بسيفه ذي الفقار، ثم أردف القول: بأنَّه (على المنهاج...) يريد بذلك ثباتَه على الدِّين القويم والشريعة الحقة، ذلك النهج المحمَّدي الأصيل الذي تركه الأمويون باختيارهم وملء حريتهم ولم يدخلوا فيه إلا خوفًا من السيف، وفي هذا توبيخ لمعاوية(2).
وقد وصف الإمام (علیه السلام) ذلك المنهاج الذي سار عليه بثبات وعقيدة راسخة بأنّه ذلك الطريق (الذي تركوه طائعین)، فالموصول الإسمي وصلته في محل جر صفة ل (المنهاج)، ومن صفته أيضًا أنّهم قد دخلوا فيه مكرَهین، وهذا ما أفصحت عنه جملة (دخلتم فيه مكرهین) فهي صلة اسم موصول محذوف دَلَّ عليه ما قبله، والتقدير (الذي دخلتم فيه مكرهین)، ثم إنَّ دلالة هذا الحذف قد توحي بأنَّ الإمام (علیه السلام) يريد بيان أنَّ صفة هذا المنهاج الذي هو عليه واحدٌ لا يتغیر أو يتبدل، وهذا ما تؤكِّده العبارة السابقة (مَا اِسْتَبْدَلْتُ دِيناً وَلاَ اِسْتَحْدَثْتُ نَبِيًّا)، ولمّا كان هذا المنهاج واحدًا كان من الواجب حذفُ الموصول والاكتفاء بصلته؛ إذ لو ذُكِرَ هذا الموصول لأحال المعنى إلى تعدد المنهاج الذي يعتقد به (علیه السلام)، والحق خلاف ذلك؛ لأنَّ طريق الحق واحد وطرق الشر كثیرة ومتشعبة(3).
ص: 121
وبهذا تكون قرائن النص وظروف القول فيه توجب حذف هذا الموصول؛ لأنَّ إعادته تعطي دلالة الاختلاف في هذا المنهاج، ولهذا أوجب المفسرون تقدير الموصول في قوله تبارك وتعالى: «وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»(1)؛ لأنَّ عدم تقديره سيجعل الكتاب المنزَل إلى المسلمين والكتاب المنزَل إلى غيرهم من أهل الكتاب واحدًا، وهذا خلاف المراد بدليل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ»(2) (3).
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا ما جاء في كلام له (علیه السلام) متحسِّرًا على فَقْد أصحابه الخُلَّص بعد أن قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ نَهَيْتَنَا عَنِ اَلْحُكُومَةِ ثُمَّ أَمَرْتَنَا بِهَا فَماَ نَدْرِي أَيُّ اَلْأَمْرَيْنِ أَرْشَدُ، فقال (علیه السلام): ((أَيْنَ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ دُعُوا إلى اَلْإِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَؤوا اَلْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ))(4).
الشاهد فيه قوله (وَقَرَؤوا اَلْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ) فالجملة صلة اسم موصول محذوف دَلَّ عليه ما قبله وهو قوله (اَلَّذِينَ دُعُوا إلى اَلْإِسْلاَمِ)؛ لأنَّ في ذكر هذا الموصول ما يشیر إلى تعدّد هؤلاء القوم الذين وصفهم (علیه السلام)، والحال أنَّهم ليسوا متعددين، فالذين قبلوا دعوة الإسلام من أصحابه هم أنفسهم الذين قرؤوا القرآن وأتْقنوا تلاوته وعملوا بمضامينه.
ص: 122
نخلص مما تقدم إلى ترجيح مذهب من جوّز هذا الحذف؛ إذ إنَّ القول بالمنع لا يتسق والنصوص اللغوية الكثیرة التي كانت دلالاتها واضحةً في استلزام هذا التقدير، وبهذا فإن القاعدة النحوية ستكون على النحو الآتي: يجوز حذف الموصول الإسمي إذا عُلِمَ استنادًا إلى ما جاء في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والسنة النبوية والشعر العربي.
تنتظم اللغة العربية الكثیر من الظواهر التركيبية التي وقف العلماء على إظهارها وبيان خصائصها وسماتها، من ذلك مثلاً التازم التركيبي بین الألفاظ أو التراكيب، كتلازم الموصول وصلته، فالموصول وصلته يؤلِّفان وحدة لغوية لايمكن الاستغناء عن أحدهما في التركيب النحوي، ومن هنا ذكر النحويون أحكامًا خاصة لذلك المركَّب، من ذلك مسألة التقديم والتأخیر بينهما، وهذا ما ستبحثه هذه المسألة.
إنَّ باب الموصول في الدرس النحوي واسع يشمل الكثیر من المفردات التي لا تخرج عن أحكام الموصول وصلته، فالموصول لدى النحويین يشمل الموصول الإسمي والحرفي والمصدر الصريح(1)؛ لأنَّ المصدر الصريح إنما يُقدَّر ((بفعلٍ وحرفٍ مصدري جُعل هو ومعموله كموصول وصلة فلا يتقدَّم ما يتعلق به
ص: 123
عليه، كما لا يتقدَّم شيء من الصلة على الموصول))(1)، وقد بسط علماء العربية القول في بيان أحكام الموصول وصلته من ذلك تقديم الصلة على الموصول، فمنهم من منع هذا التقديم ومنهم من أجازه.
فقد منعَ فريقٌ من النحويین تقديمَ الصلة أو جزء منها على الموصول؛ لأنهم يعدّون الموصول وصلته كالكلمة الواحدة، فغیر جائز تقديم الصلة عليه كما لا يجوز تقديم جزء الكلمة عليها، قال المبرَّد: ((فإنما الصلة والموصول كاسم واحد لا يتقدَّم بعضه بعضًا، فهذا القول الصحيح الذى لا يجوز في القياس غیره))(2)، ولذلك عُدَّ قولنا مثلاً: (أعجبني اليوم ضرب زيد عمرًا) مُحالًا لا يجوز في الكلام(3)، وقد علَّلَ ابن الحاجب (ت: 646 ه) هذا المنع بأنَّ الموصول وصلته إجمال وتفصيل، فالتفصيل يجب أنْ يلي الإجمال ويعقبه وليس العكس(4).
وقد احتكم بعض النحويین إلى أصل المصدر الصريح قبل التأويل بالمفرد، أي (أنْ) والفعل المضارع في تعليل عدم جواز تقديم الصلة على الموصول، إذ إنَّ المصدر بتقدير (أنْ) والفعل، وشيء مما في حيز (أنْ) لا يتقدّم عليه، فلا يُقال: (أعجبني عمرًا ضرب زيد) وهو تعليل المبرَّد كما مرَّ، وابن السراج(5)، وابن يعيش(6)، وقد
ص: 124
ذكر هذا التعليلَ الرضي أيضًا(1).
إنَّ إصرار النحويین على منع التقديم ههنا ينسحب على الصلة التي تكون ظرفًا أو جارًا ومجرورًا أيضًا، لهذا ذهبوا إلى تأويل ما جاء على وفق ذلك بتقدير مصدر من لفظ المصدر المذكور، من ذلك تأويلهم قوله تعالى: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ»(2)، وقوله تعالى: «خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا»(3) وقوله تعالى:
«وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِی دِينِ الله»(4)، وقول الفند الزماني، واسمه شهل بن شيبان(5): [من الهزَج] وبعضُ الحلمِ يوم الجَهْ *** لِ للذّلةِ إذعانُ فقالوا: التقدير (فلما بلغ السعي معه السعي) في الآية الأُولى، والتقدير (لا يبغون حولًا عنها حولًا) في الثانية، والتقدير (ولا تأخذكما رأفة بهما رأفة) في الثالثة، والتقدير (وبعض الحلم عند الجهل إذعان للذلة إذعان) في البيت الشعري(6)، وهي تقديرات لا داعي لها سوى إثبات ما قعَّدوا له استنادًا إلى استقراء ناقص، ولهذا ذهب الرضي إلى إجازة هذا التقديم إذا كانت الصلة ظرفًا أو جارًا أو مجرورًا، فقال: ((وأنا لا أرى منعًا من تقدم معموله عليه إذا كان ظرفًا أو
ص: 125
شبهه، نحو قولك: «اللهم ارزقني من عدوك الراءة، وإليك الفرار»، قال تعالى:
ولا (تأخذكم بهما رأفة)، وقال: (فلما بلغ معه السعي)، وفي نهج البلاغة: «وقلّت عنكم نبوته»، ومثله في كلامهم كثیر، وتقدير الفعل في مثله تكلّف، وليس كلُّ مؤوَّل بشيء حكمُه حكم ما أُوِّل به، فلا منع من تأويله بالحرف المصدري من جهة المعنى، مع أنه لا يلزمه أحكامه))(1)، وقد نَسب السيوطي إلى ابن السراج إجازته تقديم صلة المصدر عليه(2)، والتحقيق يُثبتُ خلاف ذلك، فابن السراج يمنع ذلك، وهذا نص كلامه: ((المصادر التي في معنى «أن نفعل» لا يجوز أن يتقدَّم ما في صلتها عليها))(3)، وممن تابع الرضي في إجازته التفتازاني (ت: 793 ه)(4)، والكفوي (ت: 1094 ه)(5)، والآلوسي الذي لم يرتضِ ما أوَّل به المانعون معللاً ذلك بأنَّ ((التأويل المذكور على المشهور في المصدر المنكَّر دون المعرَّف، وأما ثانيًا فلأنه إذا سلم العموم فليس كلُّ ما أُوِّل بشيء حكمُه حكم ما أُوِّل به، وأما ثالثًا فلأنَّ المقدَّم هنا ظرف وقد اشتهر أنه يُغتفر فيه ما لا يُغتفر في غیره))(6)، وأيَّد هذا من المحدثین الشيخ مصطفى الغلاييني (ت: 1364 ه)(7)، والُأستاذ عباس حسن الذي قال: ((أما المعمول شبه الجملة فالأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح تقديمه؛ لوروده في القرآن الكريم (...) ولا داعي للتكلّف والتأويل للمنع، من
ص: 126
غیر داعٍ، وبخاصة في القرآن))(1)، وتبنَّى هذا الدكتور فاضل السامرائي ورأى أنّه رأي أولى بالقبول، والحكم بمنعه تعسّف(2)، وهو الصواب لوروده في أكثر من موضع في نهج البلاغة.
فمن الشواهد العَلَوية قوله (علیه السلام) في تعظيم الله تعالى وتمجيده: ((وَاِفْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ اَلذِّكْرَ وَأَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى))(3).
لمّا كان لكلٍّ من الجوارح عبادة مفترَضة عليه كانت العبادة المفروضة على اللسان هي الذكر؛ فهو سبيل عظيم الأثر في تهذيب سلوك الإنسان وتنظيم عباداته(4)، وهو معنى مستوحى من قوله تعالى: «يَا أَيَهُّا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِیرًا»(5)، يريد به الإمام (علیه السلام) أنَّ الله تعالى أوجبَ عليكم أنْ تذكروه سبحانه بألسنتكم(6).
ومحلُّ الشاهد في النص تقديمُ الجار والمجرور (من ألسنتكم) على المصدر العامل فيهما (الذكر)، وقد وجَّه ابنُ أبي الحديد هذا توجيهًا تابع فيه مذهب المانعین، فقال: ((قوله: «وافرض من ألسنتكم الذكر» افرض عليكم أنْ تذكروه و تشكروه بألسنتكم و «من» متعلقة بمحذوف دلَّ عليه المصدر المتأخر تقديره:
وافترض عليكم الذكر من ألسنتكم الذكر))(7)، ولم يرتضِ ذلك الخوئي فذهب
ص: 127
إلى متابعة الرضي قائلاً: ((«أنْ» موصول حرفي لا يتقدّم معموله عليه فلا يجوز تعلّقه [بنفس المصدر المذكور] إلاّ أنه يتوجّه عليه أنّ الظرف و الجارّ والمجرور يتّسع فيه ما لا يتّسع في غیره كما صرّح به المحقّقون من علماء الأدبية، ومثله قوله تعالى: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ» فيصحّ فيهما تعلّقهما بالمصدر المذكور و لا حاجة إلى التقدير))(1)؛ لأنَّ هذا التقدير سيُفضي - بلا شك - إلى دلالة غیر التي يقصدها الإمام (علیه السلام)، فالذي يبدو أنَّ تقديم شبه الجملة واستعمال (مِن) يوحي بدلالة الابتداء، وقد يكون هذا ما أدى إلى تعدية الفعل (اقترض) ب (من) على حین أنَّ المشهور في إرادة الوجوب أنْ يتعدى ب (على)، وكأن الإمام يشیر بذلك إلى أنَّ الذكر اللساني يعدُّ مقدِّمةً لغیره من العبادات، ولعل ما يعضد هذا التوجيه ما ورد من الحديث النبوي الشريف: ((الإيمانُ قولٌ باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان))(2)، والحق أنَّ اللجوء إلى التقدير والتأويل لا يؤدي إلى تلك الدلالات، زيادةً على أنَّ هذا التقدير لا يزيد شيئًا على التركيب إنْ لم نقل يُفقد النص فصاحته وبلاغته، وإلا فما الداعي إلى تقدير مصدر مذكور في الجملة سوى الحفاظ على قاعدة بُنِيتْ في الأساس على استقراء ناقص وأُريدَ لها أنْ تطَّردَ.
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في كتاب إلى المنذر بن الجارود
ص: 128
العبدي(1) وقد كان الإمام استعمله على بعض النواحي فخان الأمانة في بعض ما ولّاه من أعماله: ((أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِی مِنْكَ وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيماَ رُقِّيَ إِلَیَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لَهِوَاكَ اِنْقِيَادًا وَ لاَ تُبْقِي لآِخِرَتِكَ عَتَادًا))(2).
والشاهد فيه قوله (ولا تدعُ لهواك انقيادًا)، فقدَّم شبه الجملة على العامل فيها وهو المصدر (انقيادًا)، وقد ذكر ابن ابي الحديد والخوئي من شُّراح النهج هذا الوجه، لكنَّهما ذهبا إلى متابعة من قال بمنع هذا التقديم من النحويین(3).
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في خطبة ذكر فيها منِ انحرف عن القرآن الكريم: ((وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اَللَّهِ فِرْيَةً))(4)، فتعلَّقت شبه الجملة (على الله) بالمصدر المتأخِّر عنها (فرية) وهو العامل فيها.
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في الوصية بالتقوى: ((وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَ تَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ))(5).
ص: 129
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في مقطع من دعاء كُميل بن زياد (رضی الله عنه)(1): ((وعَظُم فيما عندَكَ رغْبتُه))(2).
بعد هذا الحشد من الشواهد الفصيحة يبدو أنَّ القول بمنع تقديم شبه الجملة على المصدر العامل فيها غیر مقبول ولا يمكن التعويل عليه، ثم إنَّ اللجوء إلى التأويل والتقدير لا ينسجم وظاهر هذه النصوص، وهو خلاف أُسس التقعيد النحوي التي ينبغي أنْ تستند إلى النصوص الفصيحة، ولا شك في أنَّ نهج البلاغة من تلك النصوص وأهمها بعد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة.
واحتكامًا إلى كلِّ ما تقدَّم يجب تعديل القاعدة النحوية بالنحو الآتي: يجوز تقدّم شبه الجملة على المصدر العامل فيها لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم وكلام العرب نظماً ونثرًا.
ص: 130
المبحث الأول: ما منعَهُ أغلبُ النحويين في الأفعال المبحث الثاني: ما منعَهُ أغلبُ النحويين في الحروف
ص: 131
ص: 132
الأصل في الخبر الإفراد(1)، وقد يقع جملةً(2)، ((لتضمّنها للحكم المطلوب من الخبر، كتضمن المفرد له))(3)، والجملة الواقعة خبراً هي ((الجملة المتمِّمة لمبتدإ الجملة الإسمية ويكثر أنْ تُتَمم الجملة الفعلية مبتدأ الكلام في الجملة الإسمية مثل» زيد حضر»))(4)، وتكون خبراً لمبتدإ، أو لفعلٍ من الأفعال الناقصة، أو لحرفٍ مشبَّه بالفعل(5). وموضعها رفعٌ في با بیَ المبتدإ أو (إِنَّ)، ونصبٌ في با بیَ (كان)، و(كاد).
وقد اختلف النحويون في وقوع الجملة المصدَّرة بالفعل الماضي خبراً ل (كان وأخواتها)، فالكوفيون يشترطون (قد) ظاهرةً أو مقدَّرةً، وفي هذا قال الفراء:
((وقولك للرجل: أصبحتَ كَثُرَ مالُك، لا يجوز إلاّ وأنتَ تريدُ: قد كَثُرَ مالُك؛
ص: 133
لانّهما جميعًا قد كانا، فالثاني حال للأوّل، والحالُ لا تكون إلا بإضمار «قد» أو بإظهارها))(1)، وأكد مذهبه هذا في موضع آخر(2)، وهو مذهب نُسِبَ إلى عامة الكوفين أيضًا(3)، وقد نَسب الرضي إلى ابن درستويه (ت: 347 ه) القول بمنع وقوع الماضي خبرًا ل (كان) مطلقًا، وقد اعترض عليه الرضي وردَّه فأجاز وقوع الماضي خبرًا ل (كان) من دون اشتراط (قد) ظاهرة أو مقدَّرة(4).
وقد علَّل أصحاب هذا المذهب اشتراطهم هذا التقدير ((بأنَّ الفعل الذي يقع خبرًا إذا كان ماضيًا لم يحتج معه إلى «كان وأخواتها «؛لأنَّها إنما دخلت على الجملة لتدلّ على الزمان، فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها وكان ذكرها فضلاً))(5)، فاشتراط (قد) قبل الماضي إنما جاء من وجهة نظرهم ليكتسب الفعل دلالة التقريب من الحال، وتصبح جملة: كان زيد قام، المرفوضة لديهم بعد دخول (قد) أو تقديرها بمعنى: كان زيد يقوم(6)، وهو رأي غیر دقيق؛ فلو صحّ لمَا جاز القول: يكون زيد يقومُ؛ إذ إنَّ دلالة الاستقبال مفهومةٌ من الفعل وخبره(7).
ويرى النحويون البصريون جواز وقوع الماضي خبرًا ل (كان وأخواتها) دونما
ص: 134
(قد) ظاهرة أو مقدَّرة، لورود ذلك في الشعر والنثر(1)، والكثرة تُجيز القياس، بل هي دليل من أدلته(2)، ومن أجل هذا ذهب ابن مالك إلى جوازه إلا في (صار)، و (ليس)، وكذلك فيما تصدّره النفي (مادام) وأخواتها، فاشترط لوقوع الماضي خبرًا ل (ليس) بأن يكون اسمُها ضمیرَ شأنٍ(3)، ولم يرتضِ أبو حيان ذلك(4)، وهو على حق؛ لأنَّ مجيءَ خبر (ليس) فعلاً ماضيًا مجردًا من (قد) ثابتٌ في لغة العرب شعرها ونثرها، ومنه في نصوص نهج البلاغة؛ إذ قال الإمام (علیه السلام): ((لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ))(5).
وأخذ برأي البصريین في عدم اشتراط (قد) في خبر (كان) أبو حيان ايضًا، جاء ذلك في معرض تفسیره لقوله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَی أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ»(6): ((في قوله: أو جاء، أو لامستم دليل على جواز وقوع الماضي خبرًا ل »كان» من غیر (قد)، وادّعاء إضمارها تكلف خلافًا للكوفيین لعطفها على خبر «كان» والمعطوفُ على الخبرِ خبرَ))(7)، ونحا هذا المنحى علماء آخرون أيضًا(8).
وقد احتج المجوّزون لذلك بجملة من الشواهد النحوية، فمن القرآن
ص: 135
الكريم(1) قوله تعالى: «إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِيَن»(2).
يتضح مما تقدّم ذكره رجحان مذهب البصريین وابن مالك؛ لأنَّ الشواهد التي جاءت مجرَّدةً من (قد) كثیرة في القرآن الكريم والشعر، وبهذا يظهر أنَّ مذهب المانعین محجوج بالسماع والقياس أيضًا؛ إذ بالإمكان حمله على الماضي بعد (كان) في صيغة (ما أفعله) الدالة على التعجب في نحو: ما كانَ أحسنَ زيدًا، والقول بزيادة (كان) في هذا الموضع لا يُبطِلُ الاستدلال به(3).
والشواهد على هذه المسألة في نهج البلاغة كثیرة، منها ما جاء في كتابٍ له (علیه السلام) إلى بعض عمّله: ((أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ))(4).
الشاهد فيه قوله (علیه السلام): (إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ)، ف (كان) واسمه ضمیر الرفع (التاء)، والجملة الفعلية المصدَّرة بالفعل الماضي المجرَّد من (قد) لفظًا وتقديرًا في محل نصب خیر، وإنما حكمتُ بعدم تقديرها ههنا استنادًا إلى المعنى الذي تؤديه وهو تقريب الفعل الماضي من الحال وهذا متعذّر في النص؛ إذ الإمام (علیه السلام) في معرض سَوق اتهامات بخيانة الأمانة وصَلَتْه عن هذا العامل، فالكلام عن وقائع جرت في الماضي، ولهذا لم يأتِ ب (قد)؛ لأنها تقرِّب الحدث من الحال، هذا فضلاً عن أنَّها حرف تحقيق وتوكيد للماضي(5)، وهذا المعنى لا يتفق وسياق النص،
ص: 136
فالإمام يريد التحقق من اتّهام قد يصدق وقد لا، فكيف يؤكِّد ما لم يثبُت أو يتحقَّق؟ ولعلّ ما يؤكِّد ما ذهبتُ إليه هو مضي الشرط في هذا النص على حین أنَّ النحويین ينكرون ذلك ويمنعونه(1)، فأداة الشرط عندهم تُحيل زمن الماضي بعدها إلى المستقبل، غیر أنَّ هذا الحكم لا ينسجم والمعنى المتحصِّل من ظروف القول في هذا النص، فمعنى المضي ثابت فيه لا يمكن تأويله أو تقديره، ولهذا ذهب المبرَّد إلى إجازة ذلك بشرط مجيء (كان) بعد الأداة؛ إذ إنَّها تبقى على مُضيِّها لفظًا ومعنًى مستندًا بذلك إلى قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ»(2) (3)، وبهذا يكون هذا النصُّ دليلاً على جواز مُضي الشرط لفظًا ومعنًى؛ فالزمن الشرطي لا تفرضه الأداة ولا فعل الشرط، بل الفيصل في ذلك السياق والقرائن المحيطة بالنص(4).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) مخوِّفًا أهلَ النهروان: ((قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ اَلدَّارُ وَ اِحْتَبَلَكُمُ اَلْمِقْدَارُ وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ اَلْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ اَلْمُخَالِفِینَ))(5).
ص: 137
محل الشاهد (كنت نهيتكم) والفعل الماضي لا يحتاج هنا إلى (قد) مُضمَرة؛ فالإمام في معرض إنذار الخوارج في النهروان وتحذريهم، بعد أنْ نهاهم عن قبول التحكيم في صفّین لكنهم رفضوا قوله(1)، فالمعنى قائم على بيان حدَثٍ في الماضي وهو ما وقع في صِفّین سنة (37 ه).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) لشُرَيْح القاضي(2): ((فَانْظُرْ يَا شَرُيْحُ لَا تَكُونُ ابْتَعْتَ هذِهِ الدَّارَ مِنْ غَیْرِ مَالِكَ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَیْرِ حَلاَلِكَ! فَإِذَا أَنْتَ قدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الاْخِرَة))(3). فالفعل الماضي (ابتعت) وقع هو وفاعله ومفعوله خبرًا ل (كان) وهو كما ترى مجردًا من (قد) ولا موجِبَ لتقديرها أيضًا؛ لأنَّ الخبر في سياق الاحتمال، على حین أنَّ (قد) تدلُّ على التحقيق والتوكيد.
ومن الشواهد على هذه المسألة أيضًا قوله (علیه السلام) في خطبة له بعد اتّهامه بقتل الخليفة عثمان: ((وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِی فَمَا اَلتَّبِعَةُ إِلاَّ عِنْدَهُمْ))(4).
ص: 138
ومحل الشاهد هو (كانوا ولوه...) إذ تصدّرت الجملة بالفعل الماضي، وهي في محل نصب خر ل (كان)، وهي مجردة من (قد).
ومثله أيضًا قوله (علیه السلام) في خطبة له لما بُويِعَ بالمدينة: ((وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَّنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا))(1).
وبهذا يتضح أنَّ السياق هو الحاكم في مسألة اقتران الفعل الماضي الواقع خبرًا ل (كان وأخواتها) ب (قد) من عدمه، واشتراط ذلك لفظًا أو تقديرًا ما لا تؤيِّده الشواهد الكثیرة الواردة في النهج - فضلاً عن الشواهد القرآنية والشعرية - وهذه الشواهد لا تُرد مادامتْ من عصر الاحتجاج، ثم إنَّ الذهاب إلى تقدير كلِّ هذه الشواهد مما لا يمكن قبوله بحال، زيادة على أنَّه يبدو متكلفًا ومتعذرًا أحيانًا، فضلاً عن الأصل عدم التقدير في الغالب.
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدَّم يجب تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز وقوع الماضي خبرًا ل (كان) بلا (قد) ظاهرةً أو مقدَّرةً لورود ذلك كثیرًا في نهج البلاغة، فضلاً عن القرآن الكريم و كلام العرب شعرًا ونثرًا، كما يجوز ذلك في (ليس) خلافًا لتقييد ابن مالك.
(ظن وأخواتها) من النواسخ الفعلية التي تباشر الجملة الإسمية، وهي مجموعة من الأفعال تدخل على المبتدإ والخبر فتنصبهما مفعولین لها، وتنقسم على قسمين: أفعال القلوب وأفعال التحويل(2)، ولمشابهة بعض الأفعال أفعالَ الظن
ص: 139
معنًى وعملاً حُمِلَتْ عليها في نصب المفعولین، من ذلك الفعل (عدَّ)، وهو فعل قد اختلف النحويون في حَمله على معنى الظن على مذاهب وآراء.
فقد أنكرَ ابن عصفور إجراءه مجرى الظن(1)، وتابعه على هذا أبو حيان(2)، ونسب السيوطي هذا المنع إلى أكثر النحويین(3).
ويرى ابنُ مالك أنَّ إجراء الفعل (عدَّ) مجرى الظن كثیرٌ في لغة العرب إلا أنَّ النحويین أغفلوا التصريح به، فقال: ((وإجراء «عدَّ «مجرى «ظن» معنى وعملاً مما أغفله أكثر النحويین وهو كثیر في كلام العرب))(4)، محتجًا لذلك بشواهد من الحديث النبوي الشريف والشعر العربي، فمن الحديث ما رُوي عن بعض الصحابة: ((جاء جبريل (علیه السلام) إلى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم، قال: من أفضل المسلمين))(5).
وأما الشواهد الشعرية فمنها قول النعمان بن بشير الأنصاري(6): [من الطويل] فلا تَعْدُدِ المولى شَريكَك في الغِنى *** ولكنَّما المولى شريكُك في العُدْمِ ومثله قول الشاعر أبي دواد الإيادي(7): [من الخفيف]
ص: 140
لاَ أَعُدُّ الإِقْتَارَ عُدْمًا وَلَكِنْ *** فَقْدُ مَنْ قَدْ رُزِئتُه الإِعْدَامُ لهذا فلا حجة لمن منع ورود (عدَّ) بمعنى الظن، ومن هنا ذهب الكوفيون وبعض البصریين إلى إجازة استعماله في هذا المعنى(1)، وممن أيّد هذا المذهب ابن هشام اللخمي (ت: 577 ه)(2)، كما صرَّح به الرضي(3)، وابنُ ابي الربيع (ت: 688 ه)(4)، وابن هشام(5)، وابن عقيل(6)، واختاره آخرون(7).
وقد تأوَّل المانعون هذه الشواهد على إرادة الحال، فقد ذهب ابنُ عصفور إلى أنّه لا وجه لمعنى الظن في (عدَّ) في مثل قولهم: عددت زيدًا عالمًا؛ لأنَّ (عالمًا) حالٌ؛ لأنَّ التنكیر لازمٌ فيها فلا يُقال: عددتُ زيدًا العالم(8)، وهو تأويل بعيد يرفضه المعنى أو يُضعفه(9).
ومن شواهد هذه المسألة في الكلام العَلَوي المبارك قوله (علیه السلام) في وصف الزمان: ((أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِی دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ شَديدٍ يُعَدُّ فِيهِ اَلْمُحْسِنُ
ص: 141
مُسِيئًا وَيَزْدَادُ اَلظَّالِمُ فِيهِ عُتُوًّا))(1).
كلامه (علیه السلام) في وصف جَور زمانِه وما حلَّ فيه من المفاسد والشرور فضلاً عن سوء الظن الذي استولى على عقول الناس وسلوكهم وطبائعهم؛ لذا هم يعتقدون بأنَّ الباعث على كلِّ عمل حسن هو الرياء أو السُّمعة أو الخوف ونحو ذلك من الأُمور الناشئة من سوء الظن(2)؛ لهذا فاستعمال الفعل (عدَّ) جاء منسجمًا وما يعتقده هؤلاء الناس في ذلك الزمان، ولا مجال لرفض معنى الظن في هذا الفعل أو إنكاره.
فيما تقدَّم من نصوص تبیّن أنّ الفعل (عدَّ) من الأفعال التي تنصب مفعولین كغیره من أفعال القلوب استنادًا إلى النصوص اللغوية الفصيحة المؤيِّدة لهذا، ومن أجل هذ فلابد من تقديم تعديل على القاعدة بما يأتي: يجوز إجراء الفعل (عدَّ) مجرى الظن احتكامًا إلى نهج البلاغة وإلى الموروث اللغوي الفصيح المحتج به من الشعر والنثر.
يُقسِّمُ علماء العربية الحالَ أقسامًا كثیرة باعتبارات متعددة، من ذلك تقسيمها بحسب الإفراد والجملة، فهي بموجب هذه الضابطة تنقسم على الحال المفردة والحال الجملة وشبه الجملة.
أما إذا كانت الحال جملة فهي إما إسمية أو فعلية، وقد ذكر النحويون شروطها في كل حالة، وقد أجازوا مجيء الحال جملةً فعلية فعلُها ماضٍ غیر أنَّهم
ص: 142
اختلفوا في مسألة اقترانها ب (قد)، فمنهم من أوجب اقترانها بها في حال الإثبات ومنهم من أجاز.
فقد اشترط جماعة من النحويین في الجملة الماضوية الواقعة حالًا أنْ تقترن ب (قد)، مظهرةً أو مضمرةً، ولعلَّ الفرّاء يقف في مقدمتهم، فقد أعربَ عن رأيِه وهو يوجه قوله تبارك وتعالى: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا»(1)، فقال:
((المعنى - والله أعلم - وقد كنتم، ولولا إضمار «قد» لم يجز مثله في الكلام))(2)، وأكد مذهبَه هذا في موضع آخر أيضًا(3).
وقد سار على هذا المذهب جمعٌ من علماء العربية، منهم المبرَّد(4) والزجّاج(5)، وابن السراج(6)، وابن جني(7)، والزمخشري(8)، وآخرون(9).
وقد احتجّ المانعون لمذهبِهم بأنَّ الحالَ وصفٌ للهيأة الحاضرة، والماضي يدلُّ على ما انقطع ومضى فليس مناسبًا وقوعُه في الدلالة على الحال؛ لذا اشترطوا وجود
ص: 143
(قد) ظاهرةً أو مقدَّرةً؛ لأنها تقرِّب الفعل الماضي من الحال(1).
وقد نُسِبَ إلى الأخفش القول بجواز عدم الاقتران(2)، كما نُسب القول بذلك إلى عامة الكوفيین عدا الفراء(3)، وهذا ما سوّغ لأبي البركات الأنباري دراسة ذلك كمسألة خلافية بین المدرستين(4).
وقد حقَّق أَحدُ الباحثین في صِحة تلك النسبة فخلص إلى أنَّ الكوفيین لا يختلفون عما رآه البصريون في هذه المسألة، فهم يُوجِبون (قد) ظاهرةً أو مضمرةً(5)، وأنَّ رأيَ الأخفش مُجمَلاً لم يُفهم منه الجواز؛ إذ وجَّه قوله تعالى: «وْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ»(6)، فقال: ((«حصرةً» اسم نصبته على الحال، و »حصرت» «فعلت» وبها نقرأ))(7).
وذهب الطبري أيضًا إلى ضرورة التقدير ففسَّر الآية نفسَها بقوله: ((وذلك أنَّ معناه: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر «قد»؛ لأنَّ من شأن العرب فعل مثل ذلك، تقول: أتاني فلان ذهبَ عقله، بمعنى: قد ذهب عقله؛ ومسموع منهم: أصبحت نظرت إلى ذات التنانیر، بمعنى: قد نظرت))(8)، وهو قول ابن
ص: 144
الأنباري (ت: 328 ه) أيضًا(1).
وقد نقل أبو منصور الأزهري (ت: 370 ه) عن ثعلب رأيَه في الآية مدار الخلاف، فقال: ((وقال أحمد بن يحيى: إذا أضمرت «قد» قربت من الحال وصارت كالاسم، وبها قرأ من قرأ: «حرة صدورهم»))(2)، وليس في كلام ثعلب ما يُشیر إلى الجواز، على أنَّ ما نقله ابن خالويه (ت: 370 ه) عن الكسائي يُشیر إلى إجازته التجرّد من (قد) على قلّة، فقد قال الأول: ((ولا يكون الماضي حالًا إلا مع «قد» الا ما حدثني أبو عمر عن ثعلب عن سلمة عن الفراء عن الكسائي قال: قد يكون الماضي حالًا بغیر «قد»))(3).
يظهر مما تقدَّم أنَّ تلك المسألة من المسائل التي يكاد يُمع البصريون وأغلب الكوفيین على ضرورة تقدير (قد)، وهذا مخالف أتم المخالفة للنقل والقياس، أما النقل فالشواهد القرآنية التي جاءت مجردة من (قد) كثیرة من ذلك قوله تعالى:
«أَوْ جاؤوُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ»، ف (حصرت صدروهم) حالٌ من الضمیر في (جاؤوكم)(4).
ومنه قول امرئ القيس(5): [من الطويل]
ص: 145
لَهُ كَفَلٌ كالدِّعْصِ لَبَّدهُ النَّدَى *** إلى حَارِكٍ مِثْلِ الغَبيطِ المُذَأّبِ ومنه قول العرب في المثل: ((افْعَلْ كَذَا وخَلاَكَ ذَمٌّ))(1)، فالفعل (خلا) في محل نصب حال وهو مجرد من (قد)(2)، ولهذه الشواهد نظائر أُخر يطول المقام بذكرها كلِّها(3).
وأما القياس فقد استند المؤيِّدون إلى أنَّ الماضي يصح أنْ يكون نعتًا للنكرة، فيجوز حملاً على هذا وقوعُه حالً من المعرفة كالفعل المضارع، نحو (مررت بالرجل قعد، وبالغلام قام)(4)، هذا فضلاً عن جواز قيام الماضي مقام المستقبل، وإذا جاز هذا جاز أنْ يقوم مقام الحال أيضًا(5).
وعلى الرغم من كثرة الشواهد المؤيِّدة لعدم الاقتران - فضلاً عن القياس - نرى أنَّ الذين ذكروا هذا الخلاف أو صوّروه قد ركَّزوا في حديثهم في شواهد قليلة ولعل من أبرزها قوله تعالى: «أَوْ جاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ»، وكأنَّه ((الشاهد الفرد الذي لا نظیر له من القرآن لمجيء الفعل الماضي حالًا))(6).
والحق أنَّ الشواهد كثیرة وقد احتجَّ ببعضها جمعٌ من النحويین المتأخرين في الرد على من أوجب هذا الاقتران، وهذا ما أشار إليه ابن مالك بعد أنِ استعرض
ص: 146
جملة منها، ثم كشف عن رأيه قائلاً: ((وزعم قوم أنَّ الفعل الماضي لفظًا لا يقع حالًا وليس قبله «قد» ظاهرة إلا وهي قبله مقدَّرة، وهذه دعوى لا تقوم عليها حجة؛ لأنَّ الأصل عدم التقدير، ولأن وجود «قد» مع الفعل المشار إليه لا يزيد معنى على ما يفهم به إذا لم توجد، وحق المحذوف المقدر ثبوته أنْ يدل على معنى لا يدرك بدونه))(1)، وارتضى هذا أبو حيان الأندلسي أيضًا فقال: ((والصحيح جواز ذلك؛ لكثرة ما ورد منه بغیر «قد»، وتأويل الشيء الكثیر ضعيف جدًا لأنّا إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة))(2)، وأيَّد ذلك المرادي(3)، والسمين الحلبي(4)، وابن عقيل(5)، والُأشموني(6)، والُأستاذ عباس حسن والدكتور أحمد مكي الأنصاري والدكتور خليل بنيان الحسون من المحدَثین(7).
وأما المانعون فلم يرتضوا ذلك وعلّلوا مذهبهم بأنّ ((الفعل الماضي لا يدل على الحال، فينبغي ألا يقوم مقامه))(8)، فهو لا يدل على الحال إلا بقرينة(9)، ولهذا سعوا إلى تأويل قوله تعالى: «أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» على إضمار (قد)، أو أنْ يكون الفعل (حصرت) صفةً للفظ (القوم) المجرور في أول الآية! أو لقوم مقدَّر،
ص: 147
والتقدير (أو جاؤوكم قومًا حصرت...)(1) ومن ((العجب أنْ يكون «حصرت» صفة ل »قوم» المقدَّر ولا يكون حالًا من الضمیر المجاور في «جاؤوكم»))(2) ولهذا فالتكلّف واضح، ثم إنَّ في استدلال المبرَّد ما يدفع لزوم تقدير (قد)، فإنَّه قد احتج بقراءة (حصرة صدورهم) وفي هذا تعضيد لمعنى الحال في الفعل (حصرت) بلا (قد)؛ فقد دأب النحويون على الاستدلال بالقراءة الصحيحة لتوجيه حكم نحوي مناظر(3)، هذا فضلاً عن أنهم يؤوّلون الحال الجملة بالمفرد، والتأويل حاصل بین القراءتین وهذا دليل كافٍ على إرادة معنى الحال.
ولعلَّ الراجح في نظري أنَّ القول بجواز عدم الاقتران لا يمكن دفعه أو تأويله لكثرة الشواهد المؤيِّدة له، فهي ليستْ قليلة كما نُقِلَ عن الكسائي(4)، وكما صرَّح بذلك الدكتور الأنصاري أيضًا(5)، زيادة على أنِّ الأصل عدم التقدير ولاسيما أنَّ التقدير في هذه المسألة في أغلبه ضعيف واضح التكلّف.
ومن الشواهد العَلَوية على هذه المسألة قول الإمام (علیه السلام) في بيان حاله:
((وَمَضَيْتُ بِنُورِ اَللَّهِ حِینَ وَقَفُوا وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتًا وَأَعْلاَهُمْ فَوْتًا))(6).
يذكر الإمام (علیه السلام) بعض مفاخرِه ردًّا على من اتَّهمه بما لا يليق به(7)، فمِن
ص: 148
سماته (علیه السلام) أنَّه سلك سبيل الله تعالى في زمن سلك الناس فيه سُبُل الشيطان فأصبحوا حيارى تائهین ضلّوا سواء السبيل فالإمامُ هو الأعلم بوحي النبوة بعد النبي (صلی الله علیه و آله)، وتلك المراتب وسواها قد زادتْه خِشيةً وتواضعًا، فهو والمراتب تلك كان أخفضَ صوتًا بحرة النبي (صلی الله علیه و آله) تأدّبًا بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ الله أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»(1)، وكان أيضًا أشدَّ ثباتًا وأربطَ جأشًا(2)، وهذا ما أفصحتْ عنه الجملة الحالية المصدَّرة بالفعل الماضي: (وكنت...) وصاحب الحال هو (تاء) ضمیر الفاعل في الفعل (مضيت) العائد على أمیر المؤمنن (علیه السلام)، وبهذا تكون الجملة حاليةً من دون اللجوء إلى تقدير (قد) كما اشترط ذلك جمهور النحويین البصریین.
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) يصفُ النبيَّ محمدًا (صلی الله علیه و آله): ((وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاضَ إلى رِضْوَانِ اَللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ))(3)، فالجملة الفعلية المصدَّرة بالفعل الماضي (خاض) في محل نصب حال من اسم (إنَّ) (محمدًا) الذي أصله مبتدأ على رأي سيبويه الذي أجاز وقوع الحال من المبتدإ(4)، وهي كما ترى مجرَّدة من (قد).
ومثله قوله (علیه السلام) في بيان إحدى معجزات النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ اَلطَّیْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَیْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَلله (صلی الله علیه و آله) مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْأَعْلَى عَلَى
ص: 149
رَسُولِ اَللِّهَ (صلی الله علیه و آله) وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ))(1).
وبهذا نصل إلى ثمرة هذا النقاش والتحليل بتعديل القاعدة النحوية بالقول:
يجوز تجرّد الفعل الماضي الواقع حالًا من (قد) لورود ذلك كثیرًا في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم وكلام العرب نظماً ونثرًا.
ص: 150
قرَّر النحويون أنَّ (أنْ) من نواصب الفعل المضارع(1)، وقد اشترطوا لعملها النصب جملة شروط من بينها ألّا يعمل فيها فعلٌ من أفعال التحقيق، نحو:
عَلِم، ورأى، فلا يجوز عندهم القول: علمت أنْ يقومَ زيد بالنصب، قال سيبويه في ((باب آخر تكون «أنْ» فيه مخففة، وذلك قولك: قد علمت أنْ لا يقولُ ذاك، وقد تيقنت أنْ لا تفعلُ ذاك، كأنّه قال: أنّه لا يقول وأنك لا تفعل (...) وليست «أنْ» التي تنصب الأفعال تقع في هذا الموضع؛ لأنَّ ذا موضع يقین وإيجاب))(2)، لذا عدّوها في تلك الحالة مخففةً من الثقيلة والفعل بعدها مرفوع، وأخذ بهذا الأخفش(3)، وابن السراج(4)، والصّيْمري(5)، وأبو علی الفارسي(6)، ونُسِبَ القول
ص: 151
بذلك إلى الجمهور(1).
وقد علَّل أصحاب هذا المذهب المسألة بأنَّ (أنْ) الناصبة موضوعةٌ للاستقبال؛ لذا فهي تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على التحقّق واليقین المتمثل بأفعال التحقيق(2)، فإنْ تأوّلَ العلم بالظن جاز فتقول: ما علمت إلا أن يقومَ زيد، والمعنى: ما أشرت لك إلا بأنْ تقومَ(3).
ولعل المبرَّد انفرد برأيٍ ذهب فيه إلى منع النصب ب (أنْ) الواقعة بعد العِلم مطلقًا سواء تأوّل بالظن أم لا(4)، والشواهد تردُّ ما ذهب إليه.
ولمّا كانت القراءات القرآنية مصدرًا مهماً من مصادر بناء القواعد النحوية أو تقويمها، ومنبعا ثرًّا للشواهد النحوية الفصيحة(5)؛ كان مما لاشك فيه أن يَعتمدَ عليها الفرّاء شيخُ الكوفيین ورئيسُهم في الاستدلال على جواز النصب ب (أنْ) بعد أفعال اليقین بقراءة النصب للفعل (يرجع)(6) في قوله تعالى: «أَفَلاَ يَرَوْنَ
ص: 152
أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَّرًا وَلَا نَفْعًا»(1)، فأجاز النصبَ ب (أنْ) بعد أفعال التحقيق بلا تأويل أو تقدير(2)، ثم وضعَ ضابطةً لترجيح النصب أو الرفع أو احتمالهما معًا، فذهب إلى تجربة إدخال الضمیر مثل (الكاف)، أو (الهاء) على (أنْ) فإنْ صحَّ ذلك التقدير كانت (أنْ) مخففةً من الثقيلة أو ناصبةً، وإنْ لم يصحْ كانت ناصبةً فقط(3). وهو على صواب؛ إذ يمكن تطبيق هذا المعيار والقياس عليه في قوله تعالى: «أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ»، وقوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ»(4).
ولم تقفْ حدود الاستدلال على إجازة هذه المسألة على القراءات القرآنية فحسب، بل يدعهما الشعر العربي أيضًا، من ذلك قول جرير(5): [من البسيط] نرضى عن الله أنَّ الناسَ قد عَلِموا *** أنْ لا يُدانينا من خلقهِ بشرُ وممّن أخذ برأي الفراء وتابعه ابن الانباري(6)، والنحّاس (ت: 338 ه) الذي ذكر وجهَي الرفع والنصب وعدَّ الرفع أَولى(7)، على حین حمله آخرون على
ص: 153
الضعف والشذوذ(1)، واستحسنه ابن مالك فوصفَ النصب ب (أنْ) بعد أفعال التحقيق بأنه ((مذهب حسن؛ لأنه قد جاء به السماع ولا يأباه القياس))(2).
ومن شواهد تلك المسألة في نهج البلاغة ما ورد من خطبة له (علیه السلام) عند المسیر إلى الشام، قال فيها: ((أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَ أَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا اَلْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ اَلنُّطْفَةَ إلى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ))(3).
عندما توجَّه الإمام إلى صِفّین أرسل بعض قادة جيشه وأمرهم بأنْ يلزموا جانب الفرات، على أنّه (علیه السلام) قرّر أنْ يعبر الفرات باتجاه المدائن حيث أهلها القلة يستنهضهم لقتال معاوية ومواجهته(4)، ولمّا كان هذا قرارًا من الإمام يعتقد صوابه كان مناسبًا استعمال الفعل (رأيت) الدال على التحقيق واليقین في إشارة إلى الاعتقاد الجازم بهذه الخطة، على أنَّ هذا لم يمنع من نصب الفعل (أقطع) المضارع الدال على الاستقبال، وبهذا يكون حصر النصب ب (أن) الواقعة بعد الشك مدفوع ومردود، ويترجَّح مذهب الفراء ومن تابعه.
وبهذا يمكن إعادة صوغ القاعدة النحوية بالقول: يجوز نصب الفعل المضارع ب (أنْ) الواقعة بعد أفعال اليقین لثبوت ذلك في نهج البلاغة وفي كلام العرب نثرًا ونظماً.
ص: 154
حروف المعاني من المباحث اللغوية التي نالت حيِّزًا واسعًا من عناية علماء العربية واهتمامهم؛ لِما لها من أثرٍ كبیرٍ في بيان معنى التركيب النحوي، ومصداق تلك العناية كثرة ما أُلِّف فيها من مصادر أغنت المكتبة العربية، وحروف الجر قسم رئيس من تلك الحروف.
وقد اختلف النحويون في معاني حروف الجر، أتلتزم معانيَها الأصلية أم أنّها تخرج إلى معانٍ أُخر؟ فیرى الكوفيون أنّه يجوز تنوّع معاني الحرف الواحد، فجوّزوا نيابة حروف الجر بعضها عن بعض(1)، وذهب البصريّون إلى عدم جواز ذلك، وعندهم أنّ حرف الجر باقٍ على معناه الأصلي، وما أوهم ذلك فهو مؤوَّل على التضمین أو على المجاز(2).
وحرف الجر (في) مما وقع فيه الخلاف بین النحويین، فرأى جملة منهم أنَّ دلالته تقتصر على الظرفية حقيقةً أو مجازًا، وما أوهم خلاف هذا رُدَّ بالتأويل إليه، قال سيبويه: ((أما «في» فهي للوعاء، تقول: هو في الجراب، وفي الكيس، وهو في بطن أُمه، وكذلك: هو في الغل، لأنه جعله إذ أدخله فيه كالوعاء له. وكذلك: هو في القبة، وفي الدار، وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا وإنما تكون كالمثل يُجاء به يقارب الشيء وليس مثله))(3)، وتابعه على هذا المبرَّد(4)، وابن السراج(5)، وأكثر
ص: 155
البصريین ومن ذهب مذهبهم(1).
وصرَّح قسم آخر من النحويین بجواز استعمال (في) في الدلالة على التعليل، جاء ذلك في سياق تعقيبهم على مجموعة من الشواهد، منها قوله تعالى:
«وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ»(2)، فقد احتمل النحّاس في الآية ثلاثة أقوال إلا أنه رجَّح معنى السببية في (في)(3)، وأكد هذا الرأيَ مكي القيي (ت: 437 ه)(4)، وأبو البركات الأنباري(5)، والعكبري(6).
إنَّ الاستدلال على صحة استعمال (في) لمعنى السببية له ما يعضده من الشواهد القرآنية والحديثية والشعرية فقد احتج ابن مالك بقوله تبارك وتعالى: «لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(7)، واحتج أيضًا بقول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله): ((عُذبتْ امرأة في هِرَّةٍ سَجَنتْها حتى ماتتْ، فدخلتْ فيها النار))(8)، ثم قال: ((تضمّن هذا الحديث استعمال «في» دالة على التعليل وهو مما خفي على أكثر النحويین مع وروده في القرآن العزيز والحديث والشعر القديم))(9).
ص: 156
وقد تابع ابنَ مالك في حُكمِه هذا عددٌ من النحويین منهم ابنُه(1)، والرضي الذي عدَّ السبيبة في (في) ضربًا من الظرفية المجازية(2)، وقد ارتضى رأيَ ابن مالك أيضًا المرادي(3)، وابن هشام(4).
إنَّ توجيه الرضي لمعنى السببية على الظرفية المجازية إنْ صحَّ فيما استشهد به فإنه لا يستقيم في غیره من الشواهد فهو غیر مطَّرد؛ إذ إنَّ الشواهد على هذا كثیرة، ومن غیر الممكن تأويلها كلّها على الظرفية المجازية، ومن أجل هذا قد أيّد الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة صحة هذا الاستعمال مستدلًا له بعدد من الشواهد القرآنية مستندًا فيها على ما ذكره فريق من النحويین والمفسرين، من ذلك قوله تعالى: «إِنَّماَ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِی الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ»(5)، فقد أورد رأيَ العكبري الذي يقول: ((قوله تعالى (في الخمر والميسر) «في» متعلِّقة ب »يوقع»، وهي بمعنى السبب، أي: بسبب شرب الخمر وفعل الميسر))(6)، وقوله تعالى: «يَا أَيَهُّا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِی الْقَتْلَى»(7)، ثم ذكر رأي أبي حيان الذي يقول: ((وفي القتلى «في» هنا للسببية، أي:
بسبب القتلى، مثل: «دخلت امرأةٌ النارَ في هِرة»))(8).
ص: 157
ومن شواهد هذه المسألة في الكلام العلَوي المبارك قوله (علیه السلام): ((هَلَكَ فِیَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ))(1).
يشیر الإمام (علیه السلام) إلى صنفین من الناس يهلكان نتيجة اعتقادهما الخاطئ فيه، صنف غالى في حبِّه وزاد فيه حتى أوصله إلى درجة الألوهية وهذا صريح الكفر المستلزم للهلاك، وآخر مبغض له وهذا مستحق للهاك ايضًا؛ لأنَّ من عادى أولياء الله تعالى المنصوص عليهم بصحيح السُّنة فقد عادى الله تعالى وكان من الهالكین(2)، والذي دلَّ على هذا المعنى استعمال حرف الجر (في) الدال على التعليل.
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) في خطبة له يذكر فيها ما جرى يوم الشورى بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطّاب (رضی الله عنه): ((قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِی اَلْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِی اَلْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ))(3). فقوله (في الحق) معناه: بسبب الحق، أي لك أخذ هذا الأمر بسبب الحقّ(4).
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في خطبة له في ذمِّ الغافلین: ((وَالله لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِیَّ بِرَسُولِ اَللَّهِ (صلی الله علیه و آله)))(5).
ص: 158
وبهذا يكون حرف الجر (في) استنادًا إلى السياق الوارد فيه دالًا على معنى التعليل، وإن كان أصلُ معناه هو الظرفية، على أنَّ ذلك لا يمنع من خروجه إلى معانٍ أُخر يكشف عنها السياق والقرائن المحيطة بكلِّ نص، لكن ليس على اطِّراد وهذا ما كشف عنه ابن جني الذي ذهب إلى أنّ تعاور حروف الجر فيما بينها وجه مقبول في العربية، على أنه لا يمكن القياس عليه وجعله حُكماً مطّردا(1)، وأيّده الدكتور فاضل السامرائي من المحدثین(2).
نخلص مما تقدم إلى تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز استعمال حرف الجر (في) للدلالة على التعليل لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة و كلام العرب نظماً ونثرًا.
اختلف النحويون في الدلالة النحوية التي تؤديها (من) في الجملة العربية، فمنهم من قصر دلالتها على ابتداء الغاية المكانية وما يجري مجراها، وذهب آخرون إلى إجازة استعمالها في الزمان فضلاً عن استعمالها في المكان، فقد ذهب سيبويه إلى منع مجيئها في الغاية الزمانية؛ لأنّها موضوعة للدلالة على الغاية المكانية وما يقوم مقامها، فقال: ((وأما «من» فتكون لابتداء الغاية في الأماكن، وذلك قولك: من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا. وتقول إذا كتبت كتابًا: من فان إلى فلان. فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها))(3)، وما رآه سيبويه ههنا هو مذهب عامة البصريین(4).
ص: 159
وذهب الكوفيون إلى جواز استعمالها في الغاية المكانية والزمانية(1) استنادًا إلى ورودها في قوله تعالى: «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ»(2)، وقوله تعالى: «لله الَأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»(3).
وللمرد رأيٌ ذهب فيه إلى جواز استعمال (من) في ابتداء كلِّ غاية(4)، وهو ما ارتضاه ابن درستويه أيضًا(5).
واختار مذهبَ الكوفيین وصححه ابنُ مالك، فاحتج له بطائفة من الشواهد القرآنية والحديثية والشعرية، من ذلك آية التوبة المار ذكرها، وأما الشواهد الحديثية(6) فمنها قول النبي محمد (صلی الله علیه و آله): ((مَثَلكم ومثل أهل الكتابین، كمثل رجل استأجر أُجَراء، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قیراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قیراط؟ فعملت النصارى))(7)، ثم قال ابن مالك: ((تضمّن هذا الحديث استعمال «من» في ابتداء غاية الزمان أربع مرات، وهو مما خفي على أكثر النحويین فمنعوه
ص: 160
تقليدًا لسيبويه))(1)، لذا عدّه صحيحًا منقاسًا لصحة السماع به(2)؛ كما أورد طائفة من الشواهد الشعرية(3)، منها قول النابغة الذبياني(4): [من الطويل] تَخَيرن من أزمانِ يومِ حليمةٍ *** إلى اليومِ قد جُرِبْنَ كلَّ التَّجاربِ وقد اختار مذهبَ الكوفيین وأيدَّه أيضًا كلٌّ من العكبري(5)، وابنِ الناظم(6)، وأبي حيان(7)، وابن هشام(8)، وابن عقيل(9)، والأشموني(10)، والسيوطي(11)، ومن المحدثین الأستاذ عباس حسن(12)، والدكتور إبراهيم الشمسان الذي عدَّ إصرار البصريین على قصر (مِن) على الدلالة المكانية أمرًا غريبًا(13)، ووافق الكوفيین أيضًا الدكتور خليل بنيان الحسون(14).
ص: 161
ولم يرتضِ البصريون ومن تابعهم تلك النصوص، فأخضعوها للتأويل والتقدير من أجل سلامة ما قعَّد له سيبويه من أنّ (من) تُستعمل في الغاية المكانية على الرغم من تلك الشواهد الصريحة الناقضة لما ذهبوا اليه، لذا أشاروا إلى أن آية سورة التوبة إنما هي على تقدير (من تأسيس أول يوم)(1)، وهو ما ضعّفه أبو البقاء العكبري(2)، وعدّه المرادي تعسّفًا(3).
بقي أنْ أذكر أنَّ (مِن) تأتي زمانية أيضًا فيما إذا دخلتْ على (بعد) أيضًا؛ لأنَّ قوله تعالى: «لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ((فيه دلالة ظاهرة على الابتداء وعلى الاستمرار))(4)، ومما يدفع مذهب البصريین أنَّ تقديرهم يُدخلهم فيما ينقضونه هم، ف (مِن) على وفق مذهبهم لا تدخل إلا على المكان، لكنها في تقديراتهم دخلت على لفظة (تأسيس) وهو مصدر وليس مكانًا ولا زمانًا، وإنْ كانت المصادر تُضارع الأزمنة من حيث هي منقضية مثلها(5)، هذا فضلاً عن أنَّ عدم التقدير أولى من التقدير.
وخلاصة ما تقدَّم أنَّ (من) تجيء دالة على الغاية المكانية والزمانية، لورودها في أصح أدلة النحو العربي من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والشعر العربي، ومن غیر الممكن اللجوء إلى تقدير كلِّ هذه الشواهد بدعوى الحفاظ على القاعدة، فالقواعد تخضع للنصوص الصحيحة وتستند إليها وليس العكس.
ص: 162
ومن شواهد ذلك في نهج البلاغة قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) في ذِكرِ حال الناس بعد البعثة: ((وما أنتُم اليومَ من يوم كنتُم في أصلابِهم ببعيدٍ))(1).
بعد أن ذكرَ الإمام (علیه السلام) أحوال الناس بعد البعثة النبوية الشريفة، وما جرى عليهم في الأزمان الغابرة شرَعَ ببيان تقارب الأزمان وتشابه الأحوال بین الماضین والغابرين، غرضه من هذا اعتبار القوم اليوم بما جرى على آبائهم وأسلافهم(2)؛ إذ إنَّ الزمن بينهما ليس ببعيد. كلُّ ذلك من أجل التنفیر عن حال مَن سبق من العاصین في هذه الدنيا(3)، لهذا فدلالةُ (من) على الزمان واضحة جلية، ومن المستبعد إغفالُ ذلك وتأويله بدلالة المكان.
واستنادًا إلى ما تقدّم أرى ضرورة تعديل القاعدة النحوية على النحو الآتي: يجوز استعمال (من) للغاية الزمانية لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والسُّنة النبوية والشعر العربي، ودعوى التقدير والتأويل لا تتفق وكثرة النصوص.
ومن معانيها المختلف فيها بین النحويین معنى الزيادة، فرأى سيبويه أنَّ زيادتها مشروطة بأن يتقدمها كلامٌ غیر موجب وأن يكون مجرورها نكرة، هذا ما يُفهم مما جاء في نصوصه، فقال: ((وما حذف في الكلام لكثرة استعمالهم كثیر. ومن ذلك:
هل من طعام؟ أي هل من طعام في زمان أو مكان، وإنما يريد: هل طعام، فمن طعام في موضع: طعام، كما كان ما أتاني من رجل في موضع: ما أتاني رجل، ومثله جوابه: ما من طعام))(1)، وكشف عن مذهبه هذا في مواضع أُخر من كتابه(2).
وللمرد في هذه المسألة أقوال تبدو متباينة فيما بينها(3)، فمرة أنكر زيادة (من) مطلقًا(4)، ووافق سيبويه في موطنین آخرين، يظهر من أحدهما صراحة تلك الموافقة، فقال: ((«من» زائدة وإنما تُزاد في النفي ولا تقع في الإيجاب زائدة))(5)، وقد اشترط النفيَ والتنكیرَ عددٌ من النحويین(6)، وهو مذهب البصريین إلا الأخفش(7)، وتعليل ذلك أنَّها لم تُفِدْ معنًى جديدًا قبل دخولها، فدخولها وخروجها سواء(8).
ص: 164
ونُسِبَ إلى عامة الكوفيین القول بجواز زيادتها في الإيجاب(1)، كما نُسب القول بذلك إلى الكسائي ايضًا(2)، وهذا ما أَدلى به الفراء في تفسیره قولَه تعالى: «يَحُلَّونْ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ»(3) (4)، واستحسنه أبو علي الفارسي(5)، وتلميذه ابن جني(6)، واختار هذا المذهبَ ابنُ مالك ايضًا(7).
وقد احتجَّ المؤيدون لورودها زائدة في الإيجاب بطائفةٍ من الشواهد القرآنية والشعرية منها قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّینَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ»(8)، وقوله تعالى: «لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ»(9)، فذهب الأخفش إلى أنَّ (من) فيها زائدة(10)، كما رجَّح الأخفش زيادتها في قوله تعالى: «وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَالله بِاَ تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ»(11) (12) استنادًا إلى قوله تعالى: «نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا»(13)، كما قال بزيادة (من) بعد الإيجاب عددٌ
ص: 165
من المفسرين(1)، كما استند مَن أجاز ورود (من) زائدة إلى قول العرب: قد كان من مطر(2)، أي: قد كان مطر.
إنَّ ما يقوّي زيادتها في (من أساور) هو قوله تعالى: «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا»(3)، ((إذ تعدّى الفعل إلى «أساور» من غیر تعلّق بحرف، فالعطف عليه مع ظهور الدليل على زيادة «من» اظهر وأَولى من تقدير عطفه على المجرور بحرف غیر زائد))(4)، وأَولى كذلك من تقدير فعل، وهذا من قبيل ترجيح القرآن بالقرآن، وهو منهج سليم قد اتبعه جُلُّ علماء العربية في توجيه الكثیر من مسائل الخااف في إعراب القرآن الكريم(5).
وقد عمد البصريون ومؤيدوهم إلى تأويل تلك النصوص بما ينسجم وعدم زيادة (من) فيها، فذهبوا إلى أنَّ (من) ومجرورها صفة لموصوف محذوف، وعلى هذا التأويل حملوا قوله تعالى: «وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ»(6) فأعربوا (من نبإ) صفةً لموصوفٍ محذوف والتقدير ((جاء من الخبر كائنًا من نبإ المرسلين))(7)،
ص: 166
وقد ضعّفه ابن هشام(1).
يبدو مما تقدم أن إجازة مجيء (من) زائدة في الإيجاب لا يمكن دفعه لكثرة الشواهد المؤيِّدة لذلك، هذا فضلاً عن أنَّ تلك الإجازة أَولى من التقدير والتأويل.
ومن شواهد ذلك في نهج البلاغة قوله (علیه السلام) في بيان أحوال زمانه، وذِكْر أصناف الناس: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ اَلدُّنْيَا بِعَمَلِ اَلآْخِرَةِ وَلاَ يَطْلُبُ اَلآْخِرَةَ بِعَمَلِ اَلدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَ شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَاِتَّخَذَ سِتْرَ اَللَّهِ ذَرِيعَةً إلى اَلْمَعْصِيَةِ))(2).
كلامه (علیه السلام) في بيان صفات المُرائین الذين يسعَون إلى التقرّب إلى العِباد وكسب قلوبهم بما يمقته الله تعالى ويذمُّه، وأُولى هذه الصفات إظهار التواضع الزائف وقد عبرّ عنه بقوله (طامن من شخصه)، أي: خفض أو خضع وسكن إظهارًا للتواضع، وطامن الرجل ظهره إذا حناه وخفضه(3)، والفعل كما تورده المعجمات متعدٍ بلا واسطة، لذا ف (من) في النص زائدة في المفعول به من دون أنْ يتقدمها النفي، وهي زائدة في الصفة الثانية أيضًا وهي قوله (قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ)، أي يمشي ببطء وتمهّل إظهارًا للوقار(4).
واللغويون في ضوء تفسیرهم بعضَ المواد اللغوية يذكرون عبارة (قارب الخطو) بلا (من)، أي إنَّ الفعل (قارب) متعدٍ بلا وساطة أيضًا، قال ابن دريد:
((رَسَفَ يرسِف ويرسُف رَسْفاً ورَسيفاً ورَسَفاناً، وَهُوَ مشي المقيَّد إِذا قَارب
ص: 167
خطوَه))(1)، وبهذا يتضح زيادة (من) في قول الإمام (علیه السلام) على الرغم من عدم تقدّم النفي خلافًا للبصريین ومن تابعهم، وهي زائدة أيضًا في قوله (وشمر من ثوبه وزخرف من نفسه).
يظهر مما تقدم أنَّ ما ذهب إليه البصريون مردودٌ ويخالف ما عليه القرآن الكريم ونهج البلاغة فضلاً عن الشعر العربي، لذا فالأَولى أن تستندَ القواعد إلى تلك النصوص العربية الفصيحة ما دامت هي منتمية إلى عصر الاحتجاج.
وصفوة القول وثمرته تعديل القاعدة بما يأتي: يجوز استعمال (من) زائدة في الإيجاب استنادًا إلى ثبوت ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم وكلام العرب شعرًا ونثرًا.
ص: 168
على الضرورة الشعرية وَورد في كلامِ الإمام (علیه السلام) الفصل الأول: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما أُثبِتَ في الكلام الفصل الثاني: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوَرَهُ الحذف ومسائل أُخر
ص: 169
ص: 170
درجَ أعلامُ الدرس النحوي على الاستشهاد بالشعر بوصفِه مصدرًا مهمَا من مصادر التقعيد النحوي، ومن المسلَّم به أنَّ لغة الشعر تتسم بركيزتین أساسيتین هما الوزن والقافية فضلا عن اتّسامها بطابع الانفعال بخلاف لغة النثر، ومن هنا قد يضطر الشاعر إلى الخروج عن قواعد النحو من أجل إيصال أفكاره، قال ابن جني: ((الشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار. وكثیرًا ما یُحرَفُ فيه الكَلِم عن أبنيته و تُحال فيه المُثُل عن أوضاع صِيَغها لأجله))(1)، ومن هنا كانت للغة الشعر خصوصية في طريقة استعمال المفردات جرْسًا وبنيةً، وفي صَوْغ التراكيب واستعمال الأساليب؛ لإيصال الانفعال من جهة، والتأثیر في المتلقي من جهة أُخرى(2)، وسُمِيَ هذا الخروج في التراث اللغوي العربي بالضرورة الشعرية.
والضرورة كما تناولتها معجمات اللغة مشتقة من مادة (ضرر)، وهي اسم لمصدر (الاضطرار) وهو الحاجة إلى الشيء أو الإلجاء إليه، ورجلٌ ذو ضرورة، أي:
ذو حاجة، وقد اضطر إلى الشيء، أي: أُلجِئ إليه(3)، ومنه قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَیرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»(4).
والضرورة من مصطلحات الفقهاء والمفسرين، إذ تعني عندهم ((الحالة المُلجِئة
ص: 171
إلى ما لا بدَّ منه، والضرورة أشدُّ درجات الحاجة))(1)، وعلى هذا فهي تشمل ((كلَّ ما أدّى إلى الاضطرار، كالمشقة التي لا مدفع لها، وما به حفظ النفس وغيرها، كالحاجة الشديدة إلى الماء أو الأكل. ومنها «الضرورات تُبيح المحظورات»))(2).
ومفهوم الضرورة الشعرية في الاصطلاح اللغوي إجمالًا يعني ((الخروج على القواعد والأُصول بسبب الوزن والقافية، وقد جوَّز القدماء للشاعر ما لم يجوّزوا [للتأثیر]))(3)؛ لأنّ احتفال العرب بالشعر أدَّى إلى أنْ يُقال: ((الشعراء أُمَراء الكلام، يقصرون الممدود، ولا يمدُّون المقصور، ويقدّمون ويؤخرون، ويومِئون ويشیرون، ويختلسون ويُعیرون ويستعيرون))(4).
وقد اختلفت كلمة النحويین في معنى الضرورة الشعرية على مذهبین، فمذهب الجمهور يرى أنَّ الضرورة مما تقع في الشعر دون النثر سواء أكان عنها مندوحة (سعة أو فسحة) أم لا(5)، فلم يشترطوا فيها اضطرارَ الشاعر إلى الخروج عن بعض الأقيسة النحوية بل جوّزوا له في الشعر ما لم يجُز في الكلام(6)، ويُمثل هذا الرأيَ ابنُ جني، إذ قال: ((ألَا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على
ص: 172
تركها، ليعدّوها لوقت الحاجة إليها))(1)، واختار هذا المذهبَ ابنُ عصفور قائلاً:
((اعلمْ أنَّ الشعر لما كان كلامًا موزونًا يخرجه الزيادة فيه والنقص منه عن صحة الوزن ويحيله عن طريق الشعر أجازت العرب فيه ما لا يجوز في الكلام اضطروا إلى ذلك أو لم يضطروا إليه))(2)، وأخذ بهذا المذهب أيضًا الرضي(3)، وابن هشام(4)، والبغدادي (ت: 1093 ه)(5)، ومحمود شكري الآلوسي(6).
ومذهب آخر يرى في الضرورة أنّها تقع فيما ليس للشاعر عنه مندوحة(7)، أي تقع بشرط الاضطرار، وهو المذهب الذي نسبه بعض النحويین إلى سيبويه(8)، وعليه يكون سيبويه إمامَ ابن مالك الذي هو رائد هذا المذهب والمشتهر به كثیرًا، فقد صرَّح ابن مالك معقِّبًا على بعض الأبيات الشعرية قائلاً: ((فإذ لم يفعلوا ذلك مع استطاعته ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار)(9)، وأشار آخرون إلى
ص: 173
أنَّ سيبويه يرى رأيَ الجمهور في الضرورة الشعرية(1). ولعل السّر في هذا الاختلاف والاضطراب يرجع إلى التباين في تحليل كلِّ فريق لكلام سيبويه.
وأغلب الظنِّ أنَّ ما ذكره سيبويه أقرب إلى فهم الجمهور في هذه المسألة؛ ((لأنَّ كثیرًا من الشواهد التي أوردها في أقسام الضرورة المختلفة من تلك الشواهد التي وردت فيها روايات أُخرى تُخرجها من مجال الضرورة، ومع ذلك لم يذكرْ سيبويه شيئًا من تلك الروايات في كتابه))(2)، على أَنَّ ختام الباب الذي عرض فيه (ما يحتمل في الشعر) ولا يجوز في الكلام جاء فيه: ((وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا))(3)، وعلى وفق هذا فإنَّ الضرورة عنده - وإن كانت تقتصر على الشعر ولا تجوز في سَعة الكلام - إلا أنَّ الشاعر لا بد من أنْ يسعى من وراء ارتكابها إلى معنى تُجيزه أقيسة العربية المستنبَطة من النثر، وإلا يُعدُّ ما جاء به مخالِفًا للقواعد، ودليل هذا المعنى ما قاله في باب الممنوع من الصرف: ((اعلم أنَّه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف، يشبهونه بما قد پحُذف واستُعمل محذوفًا))(4)، كما جرى حمل المسائل بعضها على بعض على نحو التشابه بينها في الأحكام في مواضع أُخر من كتابه(5)، ولهذا قيل: ((علة الضرائر التشبيه لشيء بشيء أو الرد إلى الأصل))(6)، ومن أجل هذا ذهب السيد إبراهيم
ص: 174
محمد إلى أنَّ ((المعنى الذي تتوجه عليه الضرورة الشعرية عند سيبويه أنها بلوغ مستوى من التعبیر مبلغ مستوى آخر))(1)، فالفرق بین ما يقع في الشعر والنثر من خروج عن القواعد النحوية واحد ((فكلاهما خروج عن القياس، وإنما الفرق بينهما أنَّ الشعر وقع فيه من ذلك ما لم تَثبت الرواية بوقوعه في الكلام، وهذا هو محل الضرورة))(2)، وهذا هو وجه الكلام في هذا الباب الذي وسمتُه ب (ما حمله أغلب النحويین على الضرورة الشعرية وورد في كلام الإمام (علیه السلام)، إذ ليس مهمًا لديَّ سواء أكان الشاعر مُختارًا في ارتكابه الضرورات أم مضطرًا إلى ذلك، فالغاية الرئيسة ههنا تنصب حول التماس شيءٍ من النظائر النثرية الواردة في كلامه (علیه السلام) لجملة من القواعد النحوية التي حُكِمَ عليها بأنَّها من الضرائر الشعرية، لأُثبت بذلك أنّها ليست مقتصرة على لغة الشعر فقط، بل هي واردة في النثر أيضًا، وبهذا يظهر مدى نقص استقراء النحويین بسبب إغفالهم لنصوص نهج البلاغة في التقعيد النحوي.
ولمّا كانت الضرورات مرتبطة بالشعر، والشعر ما لا يحيط به أحد تعذّرَ حصرُها وإحصاؤها، على أنَّ هذا لم يمنع علماء العربية من وضع تقسيمات عامة تنطوي تحت كلِّ قسم مباحث فرعية، ولعل لابن السراج قصب السبق في تثبيت مبادئ التصنيف في الضرورة، إذ قال: ((ضرورة الشاعر أنْ يضطر الوزن إلى حذف، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخیر في غیر موضعه، وإبدال حرف، أو تغيیر إعراب عن وجهه عى التأويل، أو تأنيث مذكر على التأويل وليس للشاعر أنْ يحذفَ ما اتفق له ولا أنْ يزيد ما شاء بل لذلك أُصول يعمل عليها))(3)، وقد راعى تلك الُأصولَ
ص: 175
أغلبُ من جاء بعده من العلماء منهم السیرافي(1)، وابن عصفور(2)، وأبو حيان(3).
وقد سار هذا الباب في عرض القواعد النحوية - إجمالًا - استنادًا إلى تلك التقسيمات وإن استدعى تنظيم المنهج تقسيمه على فصلین:
الفصل الأول: ما حُمِل على الضرورة الشعرية فيما أُثبِتَ في الكلام:
الفصل الثاني: ما حُمِل على الضرورة الشعرية فيما اعتوره الحذف ومسائل أُخر:
ص: 176
ص: 177
ص: 178
للتوكيد في العربية أنماط مختلفة وأساليب متعددة من ذلك التوكيد بنونَی التوكيد الثقيلة أو الخفيفة، وهما حرفان من حروف المعاني قد اتفق النحويون على دلالتهما على التوكيد، وإنْ كان التوكيد بالثقيلة أشدَّ دلالةً كما نُقل عن الخليل(1).
وقد دار خلافٌ بین النحويین في أصلهما، فذهب البصريون إلى أنهما أصلان، على حین يرى الكوفيون أنَّ المشددة هي الأصل(2)، وهما حرفان یختصان بالدخول على الأفعال، فيؤكَّد بهما الفعل المضارع جوازًا أو وجوبًا(3).
ومن المواضع التي اختلف فيها النحويون دخول (نون) التوكيد في جواب الشرط، فقد ذهب فريق منهم إلى أنّ هذا التوكيد إنّما يجوز في الشعر لا في النثر، وفي هذا قال سيبويه: ((وقد تدخل «النون» بغیر «ما» في الجزاء، وذلك قليلٌ في الشعر، شبهوه بالنهي حین كان مجزومًا غیر واجب))(4) نحو قول الشاعر كميل بن معروف(5): [من الطويل] فمهما تَشَأ مِنْهُ فَزارةُ تُعْطِكُمْ ومهما تَشَأ مِنْه فزارَةُ تَمْنَعَا
ص: 179
وقد انتهج مذهبَ سيبويه هذا جمعٌ من علماء العربية منهم الفرّاء وهو يعرض لقوله تعالى: «ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ»(1) (2)، والمبرّدُ(3)، وابنُ السراج(4)، والسرافي(5)، وأبو علي الفارسي(6)، والقزّاز (ت: 412 ه)(7)، وأبو البركات الأنباري(8)، والزمخشري(9)، وابن الحاجب(10)، وعلماء آخرون(11).
إنَّ حمل الشاهد الشعري على الضرورة الشعرية لا يمنع من تعليله وبيان وجهه في العربية، إذ ((ليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا))(12)، ومن هنا ذهب علماء العربية إلى أنَّ علة توكيد جواب الشرط - وهو مما لا يجوز في سعة الكلام - هي مشابهته للنهي، وقد فسَّر هذا أبو علي الفارسي بقوله: ((شبهوا الجزاء لمّا أدخل «النون» عليه بالنهي؛ لأن الجزاء فعل مجزوم كما أنَّ النهي فعل مجزوم وهو غیر واجب كما أنَّ النهي غیر واجب))(13)، أي إنَّ العلة علة مشابهة، فالعرب
ص: 180
((يشبِّهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء))(1)، وبحسب هذا الفهم فالمفترض أنْ يكون هذا داعيًا إلى قبول هذا التوكيد في غیر الشعر لا قصره عليه، ولعلّ الذي دعاهم إلى هذا هو نقص استقرائهم وعدم التقصّي بدقة عن شواهد في غیر الشعر؛ لأنَّ الشواهد على تلك المسألة كثیرة من القرآن الكريم وغیره.
فمن الشواهد القرآنية في هذا الباب(2) قوله تعالى: «قَالَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ »(3)، وقوله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(4).
كان على النحويین أنْ يستندوا إلى هذه النصوص القرآنية وسواها في تعديل القاعدة النحوية؛ فالضوابط النحوية يجب أنْ تخضع للنصوص الفصيحة المسموعة وتستند إليها وليس العكس، لكنّهم تمسكوا بما تقرَّر لديهم محاولین تأويل هذه النصوص على الحذف والتقدير، بل جزم ابن السراج بعدم جواز توكيد جواب الشرط ب (نون) التوكيد فقال: ((لا يجوز: إنْ تأتِني لأفعلن))(5).
وإيضاح ما تقدَّم أنَّ النحويین - من أجل الخروج من تضارب السماع والقياس- قد ذهبوا إلى أنَّ الفعل المؤكَّد ب (النون) ههنا لم يقع في جواب الشرط، بل وقع في جواب قسَمٍ دلَّتْ عليه (الام) الموطِّئة للقسم المحذوفة في (إنْ)، وعلى هذا يكون التركيب قائمًا على الشرط، إلا أنَّ جوابه قد حُذِفَ لدلالة جواب
ص: 181
القسم المقدَّر عليه، لحذف (اللام) الموطِّئة للقسم قبل (إنْ). وتأكيدهم على حذف (اللام) الموطِّئة للقسم إنما أصله الخلاف في جواز وقوع الجواب للشرط مع تقدَّم القسم عليه، فإنَّ الثابت لدى أكثر النحويین أنه إذا اجتمع الشرط والقسم فإنَّ الجواب للسابق منهما؛ قال سيبويه: ((فلو قلت: إنْ أتيتني لأُكرمنَّك، وإن لم تأتني لأغمنَّك، جاز لأنَّه في معنى: لئن أتيتني لأُكرمنَّك، ولئن لم تأتني لأغمنَّك، ولا بد من هذه «اللام» مضمرة أو مظهرة؛ لأنها لليمین، كأنك قلت: والله لئن أتيتني لأُكرمنَّك))(1).
وهذا الرأي لم يصمد أمام كثرة الشواهد النحوية المخالفة لما قرّروه(2)، هذا من وجه، ومن وجه آخر فإنَّهم في الوقت الذي يُصرُّون فيه على تقدير (اللام) الموطِّئة للقسم كي يسوّغوا دخول (اللام) في فعل الجواب نجدهم حین يُجاب القسم بالشرط يحملون (اللام) الموطِّئة على الزيادة أو على الضرورة الشعرية(3)، وفي هذا خلط واضح وجِلي أساسه تقديم القاعدة والقياس على أدلة السماع الموثوق بها، لهذا تراهم قد ذهبوا في توجيه الأفعال التي اقترنت ب (نون) التوكيد في جواب الشرط على تقدير القسم(4).
لما تقدَّم كلِّه كان ينبغي الوقوف عند تلك الشواهد والنظر في سياقاتها والقرائن المحيطة بها للوصول إلى ضوابط نحوية تؤسس لقاعدة عامة بلا إغفال لما يتفرّع
ص: 182
منها من مسائل استنادًا إلى الموروث اللغوي المحتج به، وإذا كان استقراء النحويین قد أوصلهم إلى قاعدة ترى إجابة المتقدم من الشرط والقسم واجبة عند اجتماعهما فإنَّ ورود عدد من الشواهد العلوية التي جاء فيها الشرط - إن تقدّم القسم عليه - مُجابًا بالشرط تخرق ذلك الاستقراء وتنقضه(1).
واذا تقرَّر هذا فإنَّ للقرائن الدلالية المحيطة بالنص أثرًا في فهمه وبيان المراد منه؛ لهذا فإنَّ توجيه تلك النصوص على حذف (اللام) الموطِّئة للقسم فيه بُعد وتكلّف، إذ التركيب لم يكن بحاجة إلى توكيد الشرط والقسم عليه، فمدار الكلام في آية سورة الأعراف هو الحديث عن قصة نبيِّنا آدم وحواء (علیهما السلام) وبيان خشيتهما من الخسران المهدِّد لهم؛ لذا عمدَ النص الكريم إلى توكيد الفعل ب (النون)؛ لأنهما يخافان تحققه ووقوعه، لكنّهما يطمعان بغفران ذنوبهما والعفو عنهما؛ لهذا لم يُقسما على هذا، وهذا ما دعاهما إلى التذلّل والمسكنة للتعبیر عمّا صدر عنها من المخالفة؛ لهذا عبر القرآن الكريم عن حالهما بقوله تعالى: «وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» والمعنى أنَّ ((خسران الحياة يهددنا وقد أطلَّ بنا وما له من دافع إلا مغفرتك للذنب الصادر عنا وغشيانك إيانا بعد ذلك برحمتك وهي السعادة لمِا أنَّ الانسان بل كل موجود مصنوع يشعر بفطرته المغروزة أنَّ من شأن الأشياء الواقعة في منزل الوجود ومسیر البقاء أن تستتم ما يعرضها من النقص والعيب، وإن السبب الجابر لهذا الكسر هو الله سبحانه وحده فهو من عادة الربوبية))(2)، وبهذا يكون فعل الشرط قد أُجيب بالقسم(3) بفعل مؤكَّد ب (نون) التوكيد، وما يعضُد هذا أنَّ القرآن الكريم أشار إلى قصة النبي نوح (علیه السلام، فقال الله تعالى:
ص: 183
«قَالَ رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِی وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(1)، فلم يذهب النص إلى استعمال (اللام) الموطئة للقسم، بل جاء على الشرط فقال: ((وإلا تغفر...))؛ لأن النبيَّ (علیه السلام) - كغیره من البشر - يطمع في مغفرة الله تعالى ورحمته؛ لذا لم يؤكَّد الشرط المنفي.
وكذا الحال في آية سورة المائدة فإنَّ الذي دعا إلى أن يُعتنى بتوكيد جواب الرط ب (نون) التوكيد دون توكيد الشرط هو مراعاة السياق وظروف المقال أيضًا، فإنَّ توكيد الفعل (لَيَمَسَّنّ) فيها إنما جاء لبيان أنَّ مستحِق العقوبة هو من أصرَّ على فعلته، وتنبيهًا على أنَّ العذاب هو جزاء مَن دام على الكفر ولم ينقلع عنه(2). فمدارُ القول وأهميته تشديد العقوبة على هذا الصنف من الناس، أمّا الذين لم ينتهوا فلهم فرصة في التوبة والعودة إلى الصواب؛ لهذا لم يكن ثمة ما يدعو إلى التوكيد والتشديد باستعمال (اللام) الموطِّئة للقسم، ودليل هذا أن الله تعالى قال في عَقب الآية: «أَفَلا يَتُوبُونَ إلى اللَّ ويَسْتَغْفِرُونَه».
ومن الشواهد العلوية على هذه المسألة قوله (علیه السلام) في خطبة له في قسمة الأرزاق بین الناس: ((فإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِیرَةً فِی أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ؛ فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً))(3).
كلامه (علیه السلام) في النهي عن الحسد بأنّ من يرى عند أخيه زيادةً أو نماءً في أمرٍ ما فلا يحمله ذلك على الافتنان المُفضي إلى الحسد والغیرة(4)؛ ((لأنَّ مَن نظر
ص: 184
في أحوال الدنيا إلى من فوقه يستحقر ما عنده من نعم الله، فيكون ذلك فتنة عليه))(1)، فالتعليق الشرطي قائم في التركيب بدليل أنَّ الإمام قرنَ النهي ب (الفاء):
(فلا تكونن) وهي جملة جواب الشرط، وقد جاء فعلها مؤكَّدًا ب (نون) التوكيد.
ومثله قوله (علیه السلام) في مقطع من كتاب إلى مالك الأشتر(2): ((وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطإٍ، وأفْرَط عَلَيْكَ سَوْطُكَ أوْ سَيْفُكَ أوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِی الْوَكْزَةِ فَما فَوْقَها مَقْتَلَةً، فلا تطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إلى أَوْلِياءِ المَقْتُولِ حَقّهُمْ))(3).
فالفعل (تطمحن) الواقع في جواب شرط (إن ابتُليت) إنما جاء مؤكَّدًا ب (نون) التوكيد؛ لأن مدار القول وأهميته تقع على جواب الشرط المتمثلة دلالته بضرورة النهي عن التكبرّ والتسلط على أولياء المقتول، والامتناع عن أداء حق ولي المقتول(4).
ومثله قوله (علیه السلام) في إحدى حِكَمه: ((مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ))(5)، ف (مَن) اسم شرط جازم، و (وضع) فعل الشرط، وجوابه جملة (فلايلومن) المنفي فعلها ب (لا)، والمؤكَّد ب (نون) التوكيد.
والنحويون يقدِّرون في مثل هذه الشواهد (لامًا) مضمَرة موطِّئة للقسم قبل (إن) والتقدير (لئن)(6)، وهذا لا يصح مع وجود (الفاء) في الأفعال (تكونن)، و
ص: 185
(تطمحن)، فهي ممّا تربط فعلَ الشرط بجوابِه.
ولعلّ ما يدحض تلك التقديرات كثرة الشواهد النثرية من القرآن الكريم وكلام الإمام (علیه السلام) فهي كافية للرد على من قال بالضرورة، ولهذا ذهب ابن مالك إلى جوازه في سعة الكلام(1)، وتابعه الرضي فقال: ((وقد تدخل «نون» التأكيد اختيارًا في جواب الشرط))(2)، وهو ما رآه ناظر الجيش(3)، والشاطبي (ت: 790 ه)(4)، وارتضاه الُأشموني(5)، وتبنّاه من المحدثین الدكتور خليل بنيان الحسون(6).
وصفوة ما ورد آنفًا أنَّ القسم يصح أنْ يقع جوابًا للشرط، ولا داعي إلى تكلّف التقدير والتأويل؛ لأنه ليس من الصواب أن يُعمدَ إلى تأويل تلك النصوص النحوية الكثیرة، وممّا ينتج عن وقوع هذا القسم في الجواب توكيد الفعل المضارع ب (نون) التوكيد، فأصل المسألة هو جواز وقوع القسم جوابًا للشرط، وهو ما تحقق بورود الفعل مسبوقًا ب (لا) الناهية، لهذا جاء الفعل المضارع مؤكَّدًا جوازًا(7)؛ لأنَّ مدار الكلام معتمِدٌ على الجواب ومنعقِدٌ على توكيده.
واستنادًا إلى ما تقدَّم ذكرُه يمكن إعادة صوغ القاعدة النحوية بالآتي: يجوز توكيد جواب الشرط ب (نون) التوكيد في السعة والاختيار استنادًا إلى ما ورد في نهج
ص: 186
البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم.
قرَّر النحويون أنَّ ألف (ما) الاستفهامية تُحذف إذا سُبِقت بحرف جر، على أنْ تبقى الفتحة دليلاً عليها، وتعليل هذا الحذف إما للفرق بین الاستفهامية والموصولة(1)، أو للتخفيف لكثرة الاستعمال(2)، أو للدلالة على التركيب؛ إذ إنَّ تركيب حرف الجر مع (ما) الاستفهامية يصيِّرهما ككلمةٍ واحدة موضوعة للاستفهام للحفاظ على صدارة الاستفهام(3)، على أنَّ وجوبَ حذف ألف (ما) الاستفهامية مقصورٌ على المجرورة بحرف الجر، أما المجرورة بالإضافة في نحو:
مجيء ما جئت، فالحذف ليس لازمًا(4).
وقد اختلفت آراء العلماء في حكم هذا الحذف، فقد ذهب ابن جني إلى أنَّ حذف الألف لغة ضعيفة(5)، وأشار آخرون إلى أنّه واجب(6)، ورأى الثعالبي
ص: 187
(ت: 429 ه) أنه من سنن العربية(1)، وللزمخشري رأيان في توجيه هذا الحذف، فرأى في أحدهما أنَّ إثبات الألف جائز(2)، وأشار في الآخر إلى أنّ اثباتها قليلٌ شاذ(3)، وقد عدَّه السيوطي حذفًا مَقيسًا(4).
ولمّا كان الوجوب النحوي في تلك المسألة منتقِضًا بعدد من الشواهد الشعرية التي جاءت فيها الف (ما) الاستفهامية مثبتة بالرغم من جرها بحرف الجر في مثل قول حسان بن ثابت(5): [من الوافر] على مَا قَامَ يَشْتمنِی لئيم *** كخنزيرٍ تَمرّغ فِی رَمادِ ذهب جملة من النحویين إلى حمل هذا الإثبات على الضرورة الشعرية وقصروه عليها، ومن بينهم القزّاز(6)، والعكبري(7)، وأبو حيان الذي قال: ((والمشهور أنَّ إثبات الألف في «ما» الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف جر، مختص بالضرورة))(8).
ص: 188
وعلى ذلك ابن هشام(1)، والُأشموني(2)، وخالد الأزهري(3)، ومن المحدَثین محمود شكري الآلوسي (ت: 1342 ه)(4)، وأحمد الحملاوي (ت: 1351 ه)(5)، وعبد السلام هارون(6).
إنَّ اثبات (ألف) (ما) الاستفهامية عند جرها بحرف الجر لم يكن مقتصرًا على الشعر فقط، بل هو وارد في الموروث اللغوي الفصيح، فقد جاء في مواطن متعددة من الحديث النبوي الشريف، هذا فضلاً عن مجيئه في قراءة عيسى وعكرمة التي مرّ ذكرها، من ذلك قول النبيِّ محمَّدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) للإمام علي (علیه السلام): ((بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) قَالَ: فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ))(7)، وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم): ((لَيَأْتِیَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِی الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ مِنَ الْمَالِ، أمِنْ حالٍ أم مِن حَرامٍ))(8). وربما وقع نظر عدد من النحويین على بعض هذه الشواهد فاستند إليها في تجويز هذا الاثبات مطلقًا، ولعلّ الفراء يقف في مقدمتهم، إذ قال: ((وإذا كانت «مَا» في موضع «أي» ثم وصلت بحرفٍ خافضٍ نُقصت الألف من «مَا» ليعرف الاستفهام من الخبر. ومن ذلك قوله: «فِيمَ كُنْتم» و «عَمَّ يتساءَلُونَ» وإن أتممتها
ص: 189
فصواب))(1)، وأخذ به الزمخشري في أحد قولَيه(2) وقد مرَّ ذكره، وصَّرح بمثل هذا الرازي في توجيه (ما) في قوله تعالى: «فَبِماَ رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ»(3) (4).
وممن أيَّد ذلك أيضّا ابن مالك بعد أنِ احتجَّ له بقِسمٍ من الشواهد الحديثية التي ذكرتُها، ورأى جواز إثبات الألف إلا أنه حكم عليها بالشذوذ، إذ قال:
((وشذ ثبوت «الألف» في «با أهللت»، و» لا يبالي المرء با اخذ المال» و» إني عرف مما عوده» (...)؛ لأنّ «ما» في المواضع الثلاثة استفهامية مجرورة فحقّها أنْ تُحذفَ ألفها فرقًا بينها وبین الموصولة))(5)، ثم حمل بيت حسّان على الاختيار لا الاضطرار لإمكانه أنْ يقول (علام قام...)(6)، وابن مالك في حُكمِه على تلك الشواهد بالشذوذ يُخالف المنهج الذي سار عليه في كتابه (شواهد التوضيح) الذي عمد فيه إلى تعديل الكثیر من القواعد النحوية احتكامًا إلى نصوص الحديث النبوي الشريف، وهذا ما نبّه عليه محقق الكتاب الدكتور طه محسن(7)، على أنَّ وصف الشاهد الحديثي في هذه المسألة بالشذوذ لم يقتصر على ابن مالك بل سبقه في ذلك العكبري أيضًا(8).
يبدو لي مما تقدم أنَّ القصد بشذوذ الشواهد الحديثية خروجها عن الباب
ص: 190
وقياس النحويین، إلا أنَّها لم تشذ في استعمال العرب ولاسيما عند فُصَحائِهم وبُلَغائِهم، وهذا ما نصَّ عليه ابن السراج فذكر أنواع الشاذ بقوله: ((والشاذ على ثلاثة أضرب: منه ما شذَّ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له))(1)؛ لذا يجب أنْ يُستنَد إلى تلك الشواهد في تعديل القاعدة النحوية، لأنها بُنِيت على استقراء ناقص؛ لأنَّ من أنماط الشاذ ((الشاذ المقبول؛ فهو الذي يجيء على خلاف القياس، ويُقبل عند الفُصَحاء، والبُلَغاء))(2)، ولاشك في أنَّ النبيَّ محمدًا (صلی الله علیه و آله وسلم) أفصحُ من نطق بالضاد، ويحدِّث الناس بما يعرفون وبما هو شائع عندهم؛ لذا قيل: إنَّ الشاذ هو ما ((يكون في كلام العرب كثیرًا لكن بخلاف القياس))(3).
ولهذا فالاحتكامُ إلى ما سُمِعَ في تعديل أقيسة النحويین أصلٌ يُعتدُّ به(4)، ومن أجل هذا ذهب الفراء إلى تجويز هذا الاثبات مطلقًا من دون قصره على لغة الشعر، وهو منطق صائب وسليم يفرضه الواقع اللغوي المؤيِّد لهذا الإثبات الذي وردَ في النثر الفصيح من كلام العرب(5)، الأمر الذي جعل الرضي يحكم على هذا الحذف بالجواز لا الوجوب(6)، ولهذا فإنَّ الَأولى تصحيحُ القاعدة بالاستناد إلى ما سُمِعَ وإن كانت قياسًا، وهذا ما عليه الأَزهري الذي وصف المسألة بالضرورة في موضع، لكنَّه صرَّح في موضع آخر بجواز ورودها في الشعر والنثر مستندًا في ذلك
ص: 191
إلى قراءة عكرمة وعيسى(1).
وخلاصة ما تقدَّم أنَّ إثبات ألف (ما) الاستفهامية عند سبقها بحرف الجر في غر التركيب ليس وقفًا على لغة الشعر، بل هو وارد في النثر في أفصح النصوص وأبلغها أيضا، من ذلك قول الإمام علي (علیه السلام) في دعاء كميل (رضی الله عنه): ((يا اِلهي وَرَبّی وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ لأَيِّ الْأُمُورِ اِلَيْكَ أَشْكُو؟ وَلِا مِنْها أَضِجُّ وَاَبْكي؟ لأَليمِ الْعَذابِ وَشِدَّتِهِ، أمْ لِطُولِ الْبَلاءِ وَمُدَّتِهِ؟))(2).
وإذا كان النحويون قد امتنعوا من توجيه إثبات (ألف) (ما) الاستفهامية دلاليًا؛ لأنَّهم يعدّونه اضطرارًا يلجأ إليه الشاعر للهروب من عيوب الوزن على رأي من حمل الضرورة على هذا المعنى(3)؛ فإنَّ بوسعنا الاستدلال بالسياق لبيان ذلك، إذ إنَّ الناظر في الشواهد التي وردت آنفًا يجد أنَّ ثمة جامعًا مشركًا بينها وهو وجود القرينة الدالة على استفهامية (ما)، وهذا أحد الأسباب التي يذكرها النحويون على وجوب حذف ألف (ما) الاستفهامية، فهم يسعَون إلى إيجاد دليل للفرق بین الاستفهامية والموصولة، والدليل واضح وموجود فيما ورد من شواهد،وهي (أم) المعادلة والسياق، فهما كافيان لبيان استفهامية (ما) من دون الحاجة إلى حذف ألفها؛ لذا يمكننا القول: إن (أم) المعادلة كما كانت شرطًا يدل على همزة الاستفهام المحذوفة يمكن الاستدلال بها على تحديد (ما) الاستفهامية من الخبرية، فالشيء يردُ مع نظیره كما يردُ مع نقيضه كما قال ابن جني(4).
ص: 192
وقد يُقال: ما الدليل على الإثبات في قراءة عكرمة وعيسى، قلتْ: الدليل موجود وواضح، وهو السياق، فإنّ الإجابة التي وردت في الآية اللاحقة دليلٌ على الاستفهام، فقال تعالى: «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»(1).
وبهذا نصل إلى تعديل القاعدة النحوية في ضوء تلك النصوص الفصيحة بالقول: يجوز إثبات (ألف) (ما) الاستفهامية في السَّعة والاختيار بشرط أمن اللبس وإيضاح المُراد لورود ذلك في نهج البلاغة.
(كاد) فعل من الافعال الناسخة يدخل على الجملة الإسمية، فيرفع المبتدأ اسمًا له، ويكون الخبر خبرًا له في موضع نصب، وهو من أفعال المقاربة، فقولنا: (كاد زيد يقوم) معناه: (قارب القيام ولم يقُم)(2).
وقد منع النحويون وقوع خبره اسمًا حملًا على ما يناظره في المعنى، من مثل (عسى)(3)؛ لذا فالغالب في خبره أن يكون فعلاً مضارعًا متجردًا من (أنْ)؛ لأن (أنْ) تخلص الفعل للاستقبال و (كاد) موضوع للقرب فيتدافع المعنيان(4).
على أنَّ أقيسة علماء العربية لم تمنع الشعراء من استعمال (أنْ) في خبر (كاد)، فقد
ص: 193
وردت بعض الشواهد الشعرية مخالفةً لما قرروه من ذلك قول رؤبة(1): [من الرجز] رسمٌ عفا مِن بَعد ما قَد امَّحَى *** قد كادَ مِن طول البلى أنْ يَمْصحا لهذا قرر سيبويه أنه محمول على الضرورة الشعرية، فقال: ((وكدتُ أنْ أفعلَ لا يجوز إلا في شعر؛ لأنَّه مثل «كان» في قولك: كان فاعلًا ويكون فاعلًا))(2)، وأكَّد ذلك في موضع آخر محتجًا ببيت رؤبة المذكور آنفًا(3).
يظهر من تعليل سيبويه أنَّه حمل (كاد) على (كان) في أنَّ خبرهما لا يأتي مقترنًا ب (أنْ) فهما متشابهان من هذه الناحية، إلا أنَّ ابن بابشاذ (ت: 469 ه) عدَّ ذلك نوعًا من المخالفة بينهما، ذكر ذلك وهو يوازن بین (عسى) و (كاد) من حيث اقتران خبرهما ب (أن) فقال: ((فإنْ رأيت «أن» في أخبار هذه الأفعال فإنما هي مشبهة ب »عسى»، وإذا رأيتها محذوفة من خبر عسى فإن «عسى» مشبهة ب »كاد» وأخواتها للتقارب الذي بينهما. فمثال مجيء «أنْ» في «كاد» قول الشاعر: قد كاد من طول البلى أنْ يمصحا (...) فهذا وجه مخالفة هذه الأفعال ل»كان وأخواتها»؛ لأن «كان وأخواتها» لا تدخل «أن» في أخبارها، لا يجوز: كان زيد أنْ يقوم))(4).
فسيبويه على وفق هذا التعليل قد حمل (كاد) على (كان) في عدم مجيء خبرهما مقترنًا ب (أنْ) على الضرورة الشعرية، أما ابنُ بابَشاذ فرأيه يتّجه إلى تجويز اقتران خبر (كاد) ب (أنْ)، إذ قرنه بما يخالفه وهو عدم جواز اقتران خبر كان ب (أن)، ويبدو
ص: 194
لي أنَّ كلا التعليلین - فيما يخص مشابهة (كان) - يفتقر إلى الدقة والاستقراء التام، فليس كلام سيبويه دقيقًا، ولا تعليل ابن بابَشاذ سليمًا؛ لأنَّ اقتران خبر (كان) ب (أنْ) ليس ضرورةً شعرية كما ذهب الأول، ولا ممنوعًا كما رأى الثاني، فهو وارد في فصيح الكلام في قوله تبارك وتعالى: «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى»(1) (2)، وفي قول الإمام علي (علیه السلام: ((فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ سُبَّتَهُ))(3).
أما وجه التعليل الآخر وهو حمل (كاد) على (عسى) فإنَّ الذي دعا إليه هو المشابهة بينهما في معنى المقاربة، ف (عسى) لمقاربة حصول الفعل في المستقبل؛ لأنه يدل على طمع وترج(4)، لهذا اقترن خبره ب (أن) الدالة على المستقبل، أما (كاد) فهي لمقاربة الفعل في الحال لذلك لا يقترن خبره ب (أنْ)(5)، وهذا سبيل في العربية واسع استعان به العلماء في تفسیر الكثیر من مسائل النحو العربي، قد ذكره ابن جني قائلاً: ((العرب إذا شبَّهت شيئَا بشيء مكَّنت ذلك الشبه لهما، وعمرت به الحال بينهما))(6).
وقد سلك مذهبَ سيبويه في حمل تلك المسألة على الضرورة الشعرية عددٌ
ص: 195
من العلماء منهم المبرّد(1)، وابن السراج(2)، والزجّاجي(3)، والفارسي(4)، وعبد القاهر الجرجاني(5)، وأبو البركات الأنباري(6)، وغيرهم(7).
والحق أنَّ هذا النمط التركيبي واردٌ في عدد من الشواهد النثرية - ولم يكن بابه الشعرَ كما صرَّح بذلك سيبويه ومتابعوه - فقد ورد في الحديث النبوي الشريف في أكثر من موضع منها قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((كاد الفقر أنْ يكون كفرًا، وكاد الحسد أن يغلبَ القدر))(8)، كما ورد مثل هذا الاقتران في مواضع أُخر من السُّنة المطهَّرة(9)، وجاء هذا الاقتران أيضًا فيما نقله أبو منصور الأزهري عن العوام غیر أنه حكم على قولهم بالمنع فقال: ((وقالت العوام: كاد زيد أن يموت، و »أنْ» لا تدخل مع «كاد»(10).
ومن شواهد هذا الاقتران في الكلام العَلَوي المبارك قوله (علیه السلام) في فضل
ص: 196
الشهيد وأجره: ((مَا اَلْمُجَاهِدُ اَلشَّهِيدُ فِی سَبِيلِ اَللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْرًا مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ اَلْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ))(1).
يريد الإمام (علیه السلام) بهذا القول بيان أهمية العفاف وترك القبيح والمنكر في تقويم سلوك الفرد وتهذيب أخلاقه، فأوضحَ أنَّ من يمتنع عن فعل القبيح مع قدرته عليه له أجر مجاهد استُشهد في سبيل الله تعالى، ولعل وجه الشبه بين الشهادة والعفاف هو طهارة النفس ونقاؤها ((وذلك لشدة أخذ الانسان زمام نفسه، حتى إنَّ الفاعل لذلك كأنَّه ملائكة في طهارة النفس))(2)، إذ إنَّ صفة العفّة تلك ترتقي بصاحبها إلى منزلة الملائكة الذين لا يفعلون القبيح أبدًا، وتقترب بسلوكه من صفاتهم، وقد دلَّ الإمام على ذلك باستعمال ما يدل على المقاربة وهو الفعل (كاد)، غیر أنَّ ترك القبيح هي صفة واحدة من بین صفات كثیرة قد تحلى الملائكة بها؛ لهذا فمن شاء الاقتراب من درجة الملائكة عليه امتلاك صفات أُخر، ومن هنا كان استعمال (أنْ) في خبر (كاد)، في إيحاء منه (علیه السلام) إلى أنَّ درجة القرب تحتاج إلى أنْ تكونَ أشدَّ حین التخلّق بصفات أُخر، هذا فضلاً عن أنَّ هذا الاقتران يشیر إلى تحقق هذه الصفة في المستقبل؛ لأنَّ (أن) المصدرية تدل على المستقبل، ولعل ما يعضُد هذا إيراد صفة (الشهيد)، ومعلوم أنَّ أجر الشهادة إنما يتم في يوم القيامة وهو مستقبل، وهذا يناسب ذكر (أنْ) التي تُحيل المعنى إلى المستقبل؛ فالعفيف إنما يكون من الملائكة وبدرجتهم في يوم الحساب وهو مستقبل، وهذا من بديع التقابل الدلالي.
ص: 197
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) لعقيل بن أبي طالب (رضی الله عنه)(1):
((فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ: ثَكِلَتْكَ اَلثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِی إلى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ اَلْأَذَى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟))(2).
يشیر كلام الإمام (علیه السلام) إلى الحادثة التي جرت بينه وبین أخيه عقيل (رضی الله عنه)، وهي حادثة من حوادث كثیرة يذكرها أرباب السِّیرة والتاريخ في الإشارة إلى عدل الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقوله (كاد أنْ يحترق) يدلُّ على أنَّه قد أحمى الحديدة ليعتبر عقيل بحرارة نارها لا لإيذائه بها؛ إذ ((الحديدة لم تتصل بجسم عقيل، وانّما اقتربت منه فحس بلفحها))(3)، ففعل الإحراق لم يحصل؛ لذا كان مناسبًا إيراد
ص: 198
(أن)؛ لأنَّها تدلُّ على تراخي حصول الفعل وتحقيقه في المستقبل(1)، ولا يمكن أنْ يكون مرادُ الإمام من ذلك إحراقَ عقيل والدليل على ذلك قول الإمام (علیه السلام) نفسه: (ثم أدنيتها من جسمه...)، ولا شك في ذلك؛ لأنه لم يُذنب، وحتى وإن افترضناه ذنبًا فليس جزاؤه الإحراق، ولذا لم يتدافع المعنيان، فاستعمال (كاد) دلَّ على أنَّ الحديدة إنما اقتربت من جسد عقيل قُربًا شديدًا مما جعله يشعر بحرارتها وهذا يتفق مع دلالة (كاد) التي تدل على ((شدة قرب الفعل من الوقوع))(2)، لكن مجيء (أنْ) الدالة على الاستقبال أعطى دلالة التراخي وعدم الإحراق، وبهذا لم يتدافع المعنيان؛ معنى القرب المفهوم من (كاد)، ومعنى (أنْ) الدالة على الاستقبال.
ومن هذا يتبیَّن أنَّ ذكر (أنْ) في خبر (كاد) لم يكن الداعي إليه اضطرارَ الشاعر كما قيل، بل لبيان دلالة القرب وشدته، وفي هذا قال عبد القاهر الجرجاني: ((وقد علمنا أنَّ «كاد» موضوع لأنْ يدلَّ على شدة قرب الفعل من الوقوع، وعلى أنَّه قد شارف الوجود))(3)، وأكد هذا المعنى علماءٌ آخرون(4).
وقد يكون من أجل هذا اشترط النحويون في خبره أنْ يكون فعلاً لا اسمًا؛ لأنَّ الاسم لا دلالة فيها على الزمن كما هو معلوم، لهذا اشترطوا وقوع الفعل في خبره(5).
ص: 199
اتضح مما تقدّم أنَّه نمَط شائع في كلام العرب نظمًا ونثرًا، وليس كما نُقل عن بعض اللغويین بأنه تركيب لا يقوله عربي!(1)؛ لذا فإنَّ نقص الاستقراء فيما يخص هذا النمط النحوي واضحٌ وجي ولا يمكن ردُّه أو نقضه، وهذا ما جعل نحویين آخرين يحتكمون إلى تلك النصوص مقررين جوازه في السَّعة والاختيار، منهم ابن يعيش(2)، وابن مالك الذي قال: ((وهو مما خفي على أكثر النحويین أعني وقوعه في كلام لا ضرورة فيه والصحيح جواز وقوعه إلا أنَّ وقوعه غیر مقرون ب »أنْ» أكثر وأشهر من وقوعه مقرونًا ب »أن» ولذلك لم يقع في القرآن إلا غير مقرون ب »أن»))(3)، وكذلك في نهج البلاغة فقد ورد الخبر مقترنًا ب (أنْ) أكثر(4)، وأكد القولَ برفض حمل تلك المسألة على الرورة أيضًا الرضي، وابنُ عقيل، والأُشموني، وخالد الأزهري، والسيوطي(5)، وتبنّى هذا أيضًا الدكتور محمود فجال من المحدثین(6)، وأُستاذي الدكتور علي عبد الفتاح في دراسته جانبًا من نهج البلاغة(7).
يظهر مما تقدَّم أنَّ هذا الاقتران يجوز في السَّعة والاختيار وليس وقفًا على الشعر كما ذهب فريق من النحويین. وكان الباعث على هذا الاقتران بيان شدة القرب من عدمه، فشدة القرب من عدمه أو التراخي في حصول الفعل هما
ص: 200
الفيصل في توجيه هذا الاقتران كما اتضح هذا في الشواهد العلَوية.
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدَّم يجب تعديل القاعدة النحوية على النحو الآتي: يجوز في السعة والاختيار اقتران خبر (كاد) ب (أنْ) لبيان الفارق الزمني في تحقق الخبر، زيادة على إرادة شدة قرب الفعل من الوقوع استنادًا إلى ورود الشواهد النثرية الفصيحة المؤيِّدة لذلك من نهج البلاغة فضلاً عن الحديث النبوي الشريف وكلام العرب.
المبحث الأول: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوَرَهُ الحذف المبحث الثاني: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية في مسائل أُخر
ص: 209
ص: 210
(لعلَّ) حرف من النواسخ الحرفية المشبَّهة بالفعل يعمل عملَ (إنَّ)، اختلف اللغويون والنحويون فيه من حيث البساطةُ والتركيبُ، فرى البصريون أنَّه حرف مركَّب و (اللام) فيه زائدة(1)، على حین ذهب الكوفيون إلى بساطته(2)، وهو ما نُسب إلى أكثر النحويین(3).
ويرد (لعلَّ) لمعان متعددة منها: الترجي، والخوف، والتوقع، والتعليل، والتمني والطمع، والإشفاق، والشك، والتحقيق(4)، وهو في تلك المعاني إنما يدخل على المُمْكِن القابل للتحقّق(5). والبصريون يُرجعون هذه المعاني كلَّها إلى
ص: 201
الترجّي والإشفاق(1).
وهو حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، ويشرط النحويون في خبره أنْ يكون فعلاً مضارعًا مجرَّدًا من (أنْ)، هذا في سعة الكلام، أما في الضرورة الشعرية فيجوز هذا الاقتران قال سيبويه: ((وقد يجوز في الشعر أيضًا: لَعلِّي أنْ أفعل، بمنزلة: عسيت أنْ أفعل))(2). وسار على هذا جمع من العلماء منهم المبرد(3)، وابن السراج(4)، والزمخشري(5)، وابن الصائغ (ت: 720 ه)(6).
وقد علّل النحويون هذا الاقتران بالحمل على (عسى) فهما للترجي والإشفاق، فحُمِلَت (لعل) على (عسى) في جواز اقتران خبرها ب (أنْ)؛ لأنَّ الأصل في خبرها إما أنْ يكون اسماً صريحًا أو فعلاً مضارعًا غیرَ مقترنٍ ب (أنْ)، كما حُملت (عسى) على (لعل) في العمل، وبها تكون (عسى) قد خرجت عن عمل الرفع والنصب على الترتيب إلى عمل النصب والرفع، فيُقال: عسايَ وعساك وعساه، مقترضة عمل النصب والرفع على الترتيب من (لعلّ)(7)، وهذا من قبيل التقارض في اللغة(8).
ومما ينقض توجيه هذا الاقتران على الضرورة الشعرية وروده في مواطن كثیرة
ص: 202
من السُّنة النبوية الشريفة، من ذلك قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((لعلك أنْ تخلفَ حتى ينتفعَ بك أقوام، ويضر بك آخرون))(1)، وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم): ((إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أنْ يكونَ ألحن بِحجتِه مِن بعض))(2)، كما جاء في مواضع متعددة من مرويات أئمة أهل البيت (علیهم السلام)(3)، فضلاً عن وروده كثیرًا في كلام العرب أيضًا(4).
ومن شواهد هذا الاقتران في الكلام العَلَوي المبارَك قوله (علیه السلام) في الخوارج حین أنكروا تحكيمَ الرجال: ((وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ أَجَلًا فِی اَلتَّحْكيِمِ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَتَبَّنَ اَلْجَاهِلُ وَ يَتَثَبَّتَ اَلْعَالِمُ وَ لَعَلَّ اَللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِی هَذِهِ اَلْهُدْنَةِ أَمْرَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَ لاَ تُؤْخَذَ بِأَكْظَامِهَا فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَیُّنِ اَلْحَقِّ وَ تَنْقَادَ لِأَوَّلِ اَلْغَيِّ))(5).
يُشر كلامه (علیه السلام) إلى قضية التحكيم والمدة التي اشرطها أجلاً لها، وهو جواب للخوارج الذين سألوا عن الهدف من وراء تعيین هذه المدة، فالإمام إنما أراد بيان ذلك بأنَّه يرجو الله سبحانه وتعالى أنْ تصلحَ هذه الأمة في هذه الهدنة التي يتوقف فيها القتال فيُرك لها الخيار في النظر فيما يُصلحها، ولا يُؤخذ عليها الطريق إلى الهدى والرجوع إلى الحق، فإذا لم تقبلْ تلك المدة أو الأجل نكون قد
ص: 203
منعنا بعض الناس من العودة إلى الحق(1)، فاستعمال (أنْ) في خبر (لعلّ) إنما جاء متساوقًا مع تعليل النحويین، بأنَّ ذلك محمول على (عسى)؛ لأن الإمام في معرض رجاء الله عزَّ وجلَّ، على أنه بالإمكان الاستناد إلى هذا الشاهد في الاستدلال على مجيء (لعل) للتعليل وهو ما ذهب إليه الأخفش والكسائي(2)، فسياق النص كفيل بتأكيد ذلك المعنى، فهو (علیه السلام) في سياق بيان الأسباب التي أدّت إلى اشتراط تلك الهدنة، وبهذا يكون الإمام (علیه السلام) قد جمع بین معنَي الرجاء والتعليل في سياق واحد.
وقد جاء هذا الاقتران في موضع آخر من نهج البلاغة أيضًا في كتاب له (علیه السلام) إلى عامله على أذربيجان، قال فيه: ((وَلَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ، وَالسَّلاَمُ))(3).
إنَّ اقتران خبر (لعل) ب (أنْ) في مواضع كثیرة من الشعر والنثر يُبعد القول بحمل المسألة على الضرورة الشعرية؛ لهذا قرَّر عدد من النحويین تجويز هذا الاقتران في الشعر والنثر، فقد عدَّه الرضي كثیرًا في الشعر قليلاً في النثر(4)، وذهب ابن هشام إلى وروده كثیرًا ولم يخصّه في الشعر، فقال: ((ويقترن خبرها ب »أن» كثیرًا حملاً لها على «عسى»(5)، على حین جوزه آخرون مطلقًا من غیر بيان حكم الكثرة أو القلة(6)، وهذا منهج سليم؛ لأنَّه ((إذا فشا الشيء في الاستعمال وقوي في
ص: 204
القياس فذلك ما لا غاية وراءه))(1)، ولا شك في أنَّه استعمال شائع كما اتّضح في عدد من الشواهد، فضلاً عن أنّه جارٍ على وفق أقيسة النحويین وضوابطهم؛ لذا فالقياس عليه جائز.
ومما يجدر ذكره أنَّ للنحويین آراءً مختلفة في التوجيه الإعرابي للمصدر المؤوَّل الواقع خبرًا ل (لعل)، فقيل: هو على التشبيه ب (عسى)، ف (أنْ) في موضع نصب، كأنك قلت: قاربت أنْ تفعل(2)، وقيل: على الإخبار بالمصدر للمبالغة(3)، وقيل:
في الكلام محذوف، فقولنا مثلاً: لعل الله أنْ يحفظ العراق، على تقدير: لعل الله صاحب حفظ العراق(4)، وقيل نُصِبَ بإسقاط الجار(5).
ولم يرتضِ قسم من العلماء تلك التقديرات لكثرة الشواهد الواردة في هذا الاقتران(6)، وعدَّ الدكتور فاضل السامرائي هذا الاقتران من قبيل التعبیرات الفصيحة على غیر القياس، فلم يقبل عدّها على إسقاط حرف الجر؛ لأنه لو كان كذلك لجاز إظهاره، كما أنّ تأويله على معنى (قارب) لا يصح فيما لا مقاربة فيه(7)، على أنه ليس كلُّ ما يصح تقديره في الإعراب تصح دلالته ومعناه، إذ ثمة
ص: 205
فرق بین تقدير الإعراب وتفسیر المعنى(1).
ومما يتصل بخبر (لعلّ) أنَّ النحویين نسبوا لمبَرْمان (ت: 326 ه)(2) منعه وقوع الفعل الماضي خبرًا له(3)؛ لأنَّه يدل على الرجاء وهو مستقبل، ونُقل عن الرماني (ت: 384 ه) القول بهذا أيضًا(4)، وهو ما أكده الحريري (ت: 516 ه) قائلاً: ((ويقولون: لعله ندم ولعله قدم، فيلفظون بما يشتمل على المناقضة وينبئ عن المعارضة، ووجه الكلام أنْ يُقال: لعله يفعل أو لعله لا يفعل؛ لأنَّ معنى «لعل» التوقع لمرجو أو لمخوف، والتوقع إنما يكون لمِا يتجدَّد ويتولّد لا لمِا انقضى وتصرم))(5)، وقد اعترض على هذا أبو حيان، فرأى جوازه على حكاية الحال الماضية(6)، كما اعترض ابن هشام على رأي الحريري مستدلًا على مجيء خبر (لعل) فعلاً ماضيًا بشاهدٍ من السُّنة النبوية وبشواهد شعرية أيضًا(7).
وما ذهب إليه مبرمان ومن تابعه منتقضٌ بما ورد على لسان أمیر المؤمنین، إذ سأله سائل: أَكان مسیرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟ فقال (علیه السلام): ((ويحَكَ، لعلّكَ ظَنَنْتَ قضاءً لازمًا، وقَدَرًا حاتِمًا، لو كان كذلك لبَطَلَ الثوابُ والعقابُ،
ص: 206
وسَقَط الوعدُ والوعيد))(1).
يذكرُ العلماء أنَّ الإمام (علیه السلام) بعد عودته من صفّین سأله رجل شامي: يا أمیر هل كان مسیرنا إلى حرب أهل الشام بقضاء الله تعالى وقدره؟، يريد السائل من هذا أنّه إذا كان مسیرنا بقضاء الله تعالى وقدره لم يكن في تعبنا وجهدنا ثواب، فلا اختيار لنا فيه ولا ثواب لنا على فعله؛ لذا جاء قوله (ويحك لعلك...) رفعًا للوهم الذي يتصوره السائل بأنَّ ما يحصل من قضاء الله وقدره ينبغي ألا يكون مدعاة إلى تصوّر سلب حرية اختيار العبد؛ لأن ذلك سيؤدي إلى بطان مبدإِ الثواب والعقاب(2).
فاستعمال الفعل الماضي خبرًا ل (لعل) في النص العَلَوي إنما جاء لبيان ما استفهم عنه السائل عن حالة حدثت في الماضي، فهو يريد أنْ يستوضحَ من الإمام ما حدث في صِفّین بعد مدةٍ من عودتهم منها؛ لهذا دلَّ الخبر (ظننت) على حكاية الحال الماضية، وبهذا يكون النص ناقضًا لما ذهب إليه مبرمان، ومتفقًا مع مارآه أبو حيان، على أنَّ ذلك لا يمنع من ورود الفعل الماضي في الدلالة على الاستقبال في خبر (لعل) لورود شواهد نحوية تؤيد هذا المعنى(3)، زيادةً على ((ثبوت ذلك في خبر «ليت» وهي بمنزلة «لعل»(4).
ومما يقوّي جواز وقوع الفعل الماضي خبرًا ل (لعل) في العربية قول الشاعر
ص: 207
ابن هانئ الأندلسي(1): [من الطويل] وقال: ارضَ هجراني بديلَ النوى وقلْ *** لعلَّ منايانا تحولنَ أبؤسا في ضوء ما تقدَّم لابد من تعديل القاعدة النحوية على النحو الآتي: يجوز اقتران خبر (لعل) ب (أنَّ) في السعة والاختيار حملاً على (عسى)، ويجوز أيضًا وقوعه فعلاً ماضيًا خلافا لمبرمان ومن تابعه لورود ذلك في نهج البلاغة، وفي كلام العرب نظماً ونثرًا.
ص: 208
الهمزة أو (الألف) في تعبیرات بعض النحويین(1) حرف من حروف المعاني الدالة على الاستفهام، وهي أكثر أدوات الاستفهام شيوعًا وأوسعها استعمالًا، لذلك عُدَّتْ أم باب الاستفهام(2)، وأصله الذي ((لا يزول عنه إلى غیره، وليس للاستفهام في الأصل غیره))(3)، ولهذا انمازت بخصائص وسمات(4)، من ذلك جواز حذفها تخفيفًا وإنْ كان حذف الحرف ليس بقياس عند النحويین(5)، لكنَّه أُجيز أحيانًا لقوة الدلالة عليه(6).
ص: 211
إنَّ كثرة حذف الحروف في الواقع اللغوي(1) - ولاسيما مما له الصدر في جملته - حملت ابن جني على أنْ يحتكم إلى ما سُمِعَ في اللغة ويقول بجوازه، فقال: ((هذا هو القياس ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها. ومع ذلك فقد حُذِفَتْ تارة وزِيدَتْ أُخرى))(2)، وهذا منطق صائب وسليم يفرضه الواقع اللغوي الزاخر بكثرة حذف الحروف حتى أصبح حذف قسم منها حذفًا مطّردًا لا يمكن رفضه أو تأويله، غیر أنَّ ابن الحاجب لم يأبه بهذا وبقي عند رأيه فلم يجوِّز حذف الحرف معللاً ذلك بقوله: ((الحروف التي تدل على الإنشاء لها صدر الكلام فلو جاز حذفه لجاز تأخيرها ولم يجز تأخيرها فلم يجُز حذفها))(3).
ويبدو أنَّ تعليل ابن الحاجب تنقضه الكثیر من المسائل التي حُذِفَ فيها ما له الصدارة في الكلام، من ذلك حذف أمِّ باب الشرط (إنْ)(4)، وهي مما لها التصدّر عند جمهور البصریين(5)، فقد جوّز حذفها أبو علي الفارسي مستدلًا بقولهم:
(لأضربنه ذهب أو مكث)(6) ونقل أبو حيان والسيوطي عن بعض النحويین جواز حذفها أيضًا(7)، ومثل هذا الحذف قد نطق به القرآن الكريم في أكثر من موطن وشاهد، وجاء منه في نهج البلاغة أيضًا(8)، وهذا ما دعا ابن هشام إلى عدِّه
ص: 212
حذفًا مطّردًا(1).
كما نصَّ النحويون على جواز حذف (لا) النافية، و (اللام) الواقعتین في جواب القسم وهما مما يتصدّران أيضًا(2).
وبهذا ينتقض ما ذهب إليه ابن الحاجب، ويترجّح لديَّ أن حذف ماله الصدارة في الكلام لا يمكن دفعه لكثرة الشواهد، ((والكثرة تخول القياس عليها))(3)، فصدارة الحرف في جملته لا تمنع من حذفه ولاسيما إذا دلَّتْ القرائن على هذا الحذف.
وقد اختلفت كلمة علماء العربية فيما يخص جواز حذف همزة الاستفهام، فمنهم من قصرَ حذفها على الضرورة الشعرية إنْ دلَّ عليها دليل، فسيبويه قد أورد قول الأخطل(4): [من الكامل] كذبتك عينُك أم رأيتَ بواسطٍة *** غَلَسَ الظّلامِ من الرَّباب خَيالاَ ثم قال: ((ويجوز في الشعر أن يريد «بكذبتك» الاستفهام ويحذف «الألف»))(5)، فهو لم يشترط الدليل لحذفها في الضرورة وإن لم يُصرِّح بذلك إلا أنَّ الأبيات التي استشهد بها كاشفةٌ عن رأيه، منها بيت عمر بن أبي ربيعة(6): [من الطويل]
ص: 213
لَعَمْرُك ما أدَرِي وإنْ كنتُ داريًا *** بسبعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بَثمانِ إلاّ أن المرّد قال بالضرورة ههنا لكنّه صرَّح باشتراط الدليل؛ إذ قال في بيت عمر بن ابي ربيعة: ((أَرَادَ: أ بسبع؟ فاضطر، فحذف «الألف» وَجعل «أم» دَلِيلاً على إِرادته إِيَّاه))(1) ثم استشهد ببيتین آخَرينِ كانت (أم) فيها دليلاً على حذف الهمزة، فلفظة (اضطر) في نص المبرد تدلُّ على أنَّه ذهب في هذا الحذف مذهب الضرورة بشرط الدليل، ولعل رأيه في (الكامل) أكثر صراحةً في التعبیر عن مذهبه، فقد عدّ حذف همزة الاستفهام من غیر دليل يدلُّ عليها خطأً فاحشًا(2)، وممن سار على هذا المذهب عدد من العلماء منهم النحاس(3)، والسیرافي(4)، وابن خالويه(5)، وقد اختار هذا المذهبَ ابنُ يعيش(6)، ومّمن عدّها من ضرائر الشعر ابن عصفور فرأى أنَّ حذفها جائز عند أمن اللبس، وأما عند وجود (أم) فهو كثیر(7)، وأكد الرضي الاسترابادي حذفها بالشعر بقلة(8)، وممن أيَّد سيبويه على هذا ابنُ الحاجب، وابنُ أبي الربيع، والبغدادي(9)، إلا أنَّ ابن ابي الربيع جزم بأنَّ
ص: 214
حذفها بلا (أم) لا يوجد في الكلام، على حین عدّ البغدادي هذا الحذف قبيحًا(1)، وممّن ذكره من المحدثین الدكتور محمد حماسة(2)، ونُسب القول بهذا المذهب إلى عامة البصريین(3).
وثمة عدد آخر من النحويین أجاز حذفها بدليل، ولم يقيِّد ذلك بالضرورة الشعرية، ومن بن هؤلاء العلماء الباقولي(4)، والزمخشري(5)، إلا أنَّ ابن يعيش قيَّد بالضرورة الشعرية ما أطلقه الزمخشري، على أنَّ المرادي يرى أنَّ حذفها مطردٌ إذا كان بعدها (أم) المتصلة لكثرته نظماً ونثرًا(6). وأيَّده على هذا السمين الحلبي، وابن عادل الدمشقي(7).
وترى طائفة أُخرى من النحويین أنَّ حذف الهمزة جائز في السَّعة والاختيار وإن لم يدل على حذفها دليل، ولعل الأخفش خیر مَن يمثل هذا المذهب، فقد أورد قوله تعالى: «وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(8)، ثم قال: ((هذا استفهام، كأنه قال: «أوَ تلك نعمة تمنها»))(9)، ولم يرتضِ النحاس
ص: 215
هذا(1)، وارتضاه ابن جني في ترجيحه قراءة (أنذرتهم) بهمزة واحدة(2) محتجًا لرأيه بعدد من الشواهد(3)، وقد رجّح ما رآه الأخفش جملةٌ من المفسِّرين أيضًا(4)، واختار هذا الرأي ابنُ مالك ورجّحه أيضًا(5) محتجًا له بنصوص من القرآن الكريم والشعر العربي فضلاً عن احتجاجه بأحاديث نبوية شريفة(6)، وقال بهذا الرأي ابنُ هشام أيضًا، فصرّح بأنّ حذف الهمزة جائز سواء تقدَّمت عليها (أم) أم لم تتقدمها(7)، والظاهر أنَّه يؤيد ابن مالك في هذه المسألة، ونُسب هذا المذهب إلى عموم الكوفيین(8).
ويبدو أنَّ كثرة حذف الهمزة بلا (أم) في شواهد نثرية من القرآن الكريم وكلام النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) وكلام الإمام علي (علیه السلام) تُرجّح ما ذهب إليه الأخفش ومن تابعه؛ فحذفها ليس ضرورةً شعريةً كما ذهب إليه فريق من النحویين، وليس قليلًا أو قبيحًا كما ذهب قسم آخر منهم، فقد ورد حذفها في عدد من الشواهد القرآنية - زيادة على ما احتج به الأخفش وابن جني - منها قوله تعالى: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ»(9)، فذهب المفسرون إلى أنَّ
ص: 216
همزة الاستفهام محذوفة والتقدير (أفمن نفسك)(1)، وقوله تعالى: «أَفَإنِ مِتَّ فَهُم الْخَالِدُونَ»(2)، فقرَّر عدد من المفسرين أنَّ التقدير: أفهم الخالدون(3).
وقد ورد هذا الحذف في كلام الإمام علي (علیه السلام) في مشاجرة بينه وبین عثمان، قال المغیرة بن الأخنس(4) لعثمان: أنا أكِفيكَه، فقال (علیه السلام) للمغرة: ((يَابْنَ اللَّعِيِن الْاَبْتَرِ، وَالشَّجَرَةِ الَّتي لاَ أَصْلَ لَهَا وَلاَ فَرْعَ، أَنْتَ تَكْفِينِي؟، فَوَاللهِ مَاأَعَزَّ اللهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ))(5).
فقول الإمام (أنت تكفيني) جملة استفهامية محذوفة الأداة(6)، ولا يمكن جعل التركيب على الخبر لفساد المعنى؛ لأنَّه (علیه السلام) في معرض توبيخ المغیرة وذمّه؛ لأنَّه كان رجلاً سيئًا منافقًا، والسياق كاشف عن ذلك.
ومما يؤكِّد أنَّ حذفَ الهمزة ليس ضرورة شعرية ورود شواهد في كلام الزهراء (علیها السلام) في أكثر من موضع أيضًا(7).
ص: 217
نخلص مما تقدَّم إلى أنَّ اشتراط (أم) لحذف الهمزة ليس سليمًا، ولا أدري لماذا أغفل النحويون في هذه المسألة أهمية السياق في الدلالة على المحذوف؟ فالقرائن اللفظية خیر معین في الدلالة عليه، من ذلك حروف الجواب، فهي أفضل قرينة على حذف الهمزة، زيادة على هذا يمكن الإفادة من ظاهرة التنغيم في الاستغناء عن الهمزة المحذوفة، وإن كان الجانب الصوتي يخدم المتلّقي الحاضر وقت قول الكلام أو إنشائه بخلاف اللغة المكتوبة(1)، ولذلك تحتمل الكثیر من تلك النصوص المكتوبة إلى تقدير وهذا ما حصل، وهو مما لا بد منه في الغالب، هذا فضلاً عن أنَّ حصر هذا الحذف بالشعر ليس دقيقًا يرفضه الواقع اللغوي، وما اشتمل عليه الكلام النثري في القرآن الكريم، وفي كلام أهل البيت (علیهم السلام) الذين هم أُمَراء الفصاحة والبيان وفي شواهد كثیرة يصعب إحصاؤها.
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدَّم يمكن إعادة صوغ القاعدة بالآتي: يجوز حذف همزة الاستفهام في السَّعة والاختيار سواء دلَّت على حذفها (أم) أو لم تدلُّ بشرط أمن اللبس، لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم.
العطف في العربية ضربان: عطف نسق وعطف بيان، وهذه المسألة تخص الأول منهما؛ لأنَّه هو الذي يستلزم وجود حرف العطف؛ إذ عرَّفه الرضي بأنه ((تابِعٌ يتوسط بينه وبن متبوعه أحدُ الحروف العشرة))(2)، وهي الحروف التي يشترك بوساطتها ما يقع بعدها في إعراب ما قبلها، ولذلك سُمِيتْ عاطفة، ومنها
ص: 218
(الواو) وهي أُمّ باب حروف العطف وأصله(1).
وقد اختلف النحويون في جواز حذف حرف العطف (الواو) وحدها مع بقاء المعطوف، فقد ذهب ابن جنّي إلى عدم جواز ذلك وعدَّ ما جاء منه في كلام العرب شاذًا(2)، و قد أكد ذلك في موضع آخر عادًّا ذلك ضعيفًا في القياس معدومًا في الاستعمال(3)، وتابعه على هذا السهيلي (ت: 581 ه)(4)، وتعليل هذا أنَّ الحروف دالة على معانٍ في نفس المتكلم، وإضمارها لا يفيد معناها(5)؛ ولأنَّ (الواو) موضوعة للعطف والتشريك، فإنْ حُذِفَتْ زالَ هذا المعنى وزالت فائدتها(6).
ورأى فريق آخر من النحويین أنَّ هذا الحذف محمولٌ على الضرورة الشعرية وفي ذلك قال القزّاز: ((ومما يجوز له عند بعض النحويین حذف «واو» العطف فأجاز أن يقول الشاعر إذا اضطر: رأيت زيد عمرًا على غیر البدل، ولكن على معنى: «رأيت زيدًا وعمرًا» ثم يحذف «الواو»))(7)، وأكد القول بهذا ابنُ عصفور أيضًا(8)، وقطع ابن أبي الربيع بأنَّ حذف حرف العطف لا يكون في المفردات إلا في الشعر(9)، وارتضى ذلك المالقي (ت: 702 ه) معلِّلاً ذلك بأنَّ (الواو) ((موصلة
ص: 219
لمعنى العطف والتشريك، فإذا حُذِفَتْ زال هذا المعنى، فزالت فائدتها، فإن جاء من ذلك شيء فضرورة))(1)، وهو ما رآه ابن هشام أيضًا(2).
ولعلّ الخلاف بین ما ذهب إليه ابن جني ومتابعوه وما رآه القزّاز ومؤيدوه خلاف بین الضرورة والشاذ الذي يعود مؤدّاه أساسًا إلى نقص الاستقراء، وإيضاح هذا أنَّ النحويین يحملون الشاهد الشعري على الضرورة إنْ لم يكن ثمة شاهدٌ نثري للمسالة نفسِها، فإنْ ورد الشاهد النثري فهو شاذ، هذا ما أدلى به البغدادي في تعليقه على قول الرضي الذي حكم بالشذوذ على بيت ذكره المبرد، فقال البغدادي: ((والأحسَن أَن يقول ضرورة فإِنّه لم يرد في كلام منثور))(3).
ومعنى هذا أنَّ الخروج عن القياس في ميدان الشعر وحده يُعدُّ ضرورة شعرية، فإنْ كان في الشعر والنثر سُمِيَ شذوذًا؛ ولهذا حكم ابن جني على حذف حرف العطف (الواو) بالشذوذ؛ لأنه قد أورد مع الشاهد الشعري شاهدًا نثريًا فيما حكاه ((أبو عثمان عن أبي زيد: أكلت لحماً سمكًا تمرًا))(4)، وهو ما أكَّده السهيلي فعلل حكمه بالشذوذ وموافقته ابن جني بأنَّ الذين أجازوه قد ((احتجوا لمذهبهم بآيٍ من كتاب الله تعالى، وأشياء من كلام العرب))(5).
إنَّ ورود هذا الحذف في المسموع العربي المحتج به جعل بعض النحويین يجيزونه، فقد ذهب أبو علي الفارسي، وابن مالك إلى جواز حذف (واو) العطف
ص: 220
إذا صحَّ المعنى بحذف العاطف(1)، وقال بهذا أبو حيان الأندلسي(2)، وناظر الجيش الذي ردَّ على من لم يجوِّز ذلك(3) ثم استدلَّ لحُكمِه هذا بعدد من الشواهد منها قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((تصدَّق رجلٌ من دينارِه، مِن درهمِه، من ثوبِه، من صاع بُرِّه، من صاع تَمرِه))(4)، فضلاً عماّ سُمِعَ عن العرب، كما أكد ورود هذا الحذف في كلام العرب من المحدَثین الأُستاذ عباس حسن فأجازه عند أمن اللبس(5).
وقد تأوّل المانعون هذه الشواهد على إرادة البدل، أو صفة ثانية(6)، بحجة أنَّ حذف الحرف يؤدي إلى الإجحاف(7)، غیر أنَّ ما لا يجوِّزه القياس جاء به السماع لذا ذهب بعض مَن منعَ هذا الحذف إلى جوازه إنِ اتضح المعنى بوجود الدليل(8)، ولا شك في أنَّ حذف حرف (الواو) هنا إنما جاء في نصوصٍ أسهمَ السياق في الدلالة على المحذوف؛ لذا فمحاولة تأويل تلك النصوص التي اشتملت على حذف العاطف فيه من التكلّف والبعد مما يبعد المعنى(9)؛ لأنَّ في تلك النصوص
ص: 221
ما يدلُّ على المحذوف ويبيِّنه، فليس ثمة ما يوقِع في الإلباس والإشكال. وإن وقعَ في مثل: ضرب زيدًا وعمرًا فيمكن استثناؤه ويُكم بجواز الحذف بدليل وإلا فلا؛ ((لأن هذا الرأي يطابق الأُصول اللغوية العامة التي تقضي بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى))(1).
إنَّ إجازة هذا الحذف تعضده جملة من الشواهد القرآنية الكريمة أيضًا، منها قوله تبارك وتعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ * لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِی الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَی رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلىَ هُدًى مُسْتَقِيمٍ»(2)، فقد نصَّ الرازي على حذف العاطف في قوله تعالى:
(لكلِّ امة)(3).
ومن الشواهد القرآنية أيضًا قوله تعالى: «وَلَا عَلىَ الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ»(4)، فقيل: التقدير: (إذا ما أتوك لتحملهم وقلت)(5). كما حُذِفتْ (الواو) بین الجمل المتعاطفة كثیرًا في القرآن الكريم على تقدير السؤال(6)، هذا فضلاً عن جواز هذا الحذف بین الجمل المتعاطفة إرادةً للتوكيد(7).
ومن شواهد هذا الحذف في الكلام العلَوي المبارك قوله (علیه السلام) للأشعث
ص: 222
بن قيس(1) وقد اعترضه في حديثه: ((ومَا يُدْرِيكَ مَا عَليََّ مَّمِا لِی؟ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ اللاَّعِنِینَ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِك! مُنَافِقٌ ابْنُ كُافِر!))(2).
محل الشاهد هو (حَائِكٌ ابْنُ حَائِك! مُنَافِقٌ ابْنُ كُافِر) فقد حُذفت (الواو) بین الحياكة والنفاق، ولعلَّ في ذلك دلالةً على التوكيد في ذمِّ الأشعث وتوبيخه؛ لأنَّ الجامع بین هاتین الصفتین هو سوء الخلق من الكذب ومجانبة الصواب في القول والفعل،، فقد رُويَ عن الإمام الكاظم (علیه السلام) قوله: ((لا تستشیروا المعلَّمین ولا الحَوَكة فإنّ اللَّ تعالى قد سلبهم عقولهم))(3)، كلُّ ذلك للمبالغة في بيان نقصان عقولهم، ومما يؤكد أنَّ النفاق والحياكة نظیران في سوء الخلق قول الجاحظ (ت: 255 ه): ((والحاكة أقل وأسقط من أنْ يُقال لها حمقى. وكذلك الغزالون؛ لأنَّ الأحمق هو الذي يتكلم بالصواب الجيد ثم يجيء بخطإ فاحش والحائك ليس عنده صواب جيد في فعال ولا مقال))(4)، لهذا عُدَّتْ الحياكة من المكاسب المكروهة(5). أي إنّ الحائك كاذب، والكذب رأس النفاق.
لهذا يبدو أنَّ في إثبات (الواو) ما يقتضي تغاير المتعاطفین، فإذا حُذفت دلَّ الكلام على أنَّ الكل كالواحد وكأن الصفتین صفة واحدة قد كُرّرت للتوكيد،
ص: 223
على أنَّه يمكن أنْ نلمح بُعدًا دلاليًا آخر، وهو إرادة السبب والنتيجة، أي إنَّ مهنة الحياكة تؤثر في عقلِ مَن يقوم بها ويمتهنها، ما ينتج عن ذلك سلوك نفاقي واضح، فضلاً عن عدم معرفة ودراية في مكامن الأمور ونتائجها، قال البحراني:
((انما عیرَّه بهذه الصنعة؛ لأنّها صنعة دنية تستلزم صغر الهمة وخستها وتشتمل على رذائل الاخلاق، فإنها مظنة الكذب و الخيانة))(1)، وكان هذا التعبیر من الإمام (علیه السلام) ((استعارة أشار بها إلى نقصان عقله و قلة استعداده لوضع الأشياء في مواضعها و تأكيد لعدم أهليته للاعتراض عليه؛ إذ الحياكة مظنّة نقصان العقل؛ وذلك لأنَّ ذهن الحائك عامة وقتِه متوجه إلى جهة صنعته مصبوب الفكر إلى أوضاع الخيوط المتفرقة و ترتيبها ونظامها يحتاج إلى حركة رجليه و يديه))(2).
ومن الشواهد العلوية أيضًا قول الإمام (علیه السلام) في خطبة في ضرورة استماع الموعظة والنصيحة: ((رَحِمَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى، (...) رَاقَبَ رَبَهُ وَخَافَ ذَنْبَهُ، قَدَّمَ خَالِصًا وَعَمِلَ صَالِحًا، اكْتَسَبَ مَذْخُورًا، وَاجْتَنَبَ مَحْذُورًا))(3).
في النص العلوي حرف عطف محذوف فطن له ابن أبي الحديد المعتزلي، فقال: ((حذف (علیه السلام) «الواو» في اللفظات الأُخر فلم يقل: و راقب ربه و لا و قدم خالصًا وكذلك إلى آخر اللفظات و هذا نوع من الفصاحة كثیر في استعمالهم))(4)، كما أشار إليه البحراني فقال: ((راعى (علیه السلام) في كلِّ مرتبتین من هذا الكلام السجع المتوازي (...)، وعطف كل قرينة على مشاركتها في الحرف الأخیر منها، وحذف حرف العطف من الباقي ليتميز ما يتناسب منها عن
ص: 224
غیره وكل ذلك بلاغة))(1).
ولعل ما ذكره المعتزلي والبحراني في توجيه النص العلَوي متأتٍ من أنَّ البلاغة كلّ البلاغة هي ((معرفة الفصل من الوصل))(2)، ولهذا قال عبد القاهر الجرجاني:
((ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة، تستأنف واحدة منها بعد أُخرى من أسرار البلاغة، ومما لا يتأتّى لتمام الصواب فيه إلا الأعراب الخُلَّص، وإلّ قوم طُبِعوا على البلاغة، وأُوتوا فنًا من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد))(3).
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدم نخلص إلى أنَّ حذف حرف العطف (الواو) مما يشيع في اللغة، ولا موجب لردَّه أو إنكاره، لهذا يمكن تعديل القاعدة النحوية وصوغها على النحو الآتي: يجوز حذف حرف العطف (الواو) مع بقاء المعطوف عليه في اللفظ في الشعر والنثر، اذا اتضح المعنى وبان المراد لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم.
يكاد يتفق أغلب النحويین على أنَّ الترتيب في الجملة الشرطية يتكون من أداة الشرط وفعل الشرط وجواب الشرط، وأداة الشرط في هذا التركيب لها الصدارة في الكلام، قال ابن السراج: ((الأسماء إذا كانت جزاء أو استفهامًا فلها صدور الكلام، كما كان للحروف التي وقعت مواقعها))(4)، وعلى هذا سار عبد القاهر الجرجاني، فقال: ((وهذه الأسماء لا يعمل فيها ما قبلها (...) وتلزمها
ص: 225
صدر الكلام))(1).
وقد قرر النحويون أنَّه إذا تقدَّم اسمَ الشرط أحدُ العوامل اللفظية كالنواسخ مثلاً أحالَ اسمَ الشرط إلى اسمٍ موصول وأفقدَهُ شرطيته إلا في ضرورة الشعر، كقولنا: إنَّ مَن يأتيني آتيه، والذي أذهبَ الجزاء هو إعمال (إنَّ)، وهذا لا يجوز إلا في الشعر، نحو قول الأعشى (ميمون بن قيس)(2): [من الخفيف] إنَّ مَن لامَ في بني بِنْت حسّا *** ن ألمْه وأعْصِه في الخُطوبِ لهذا قيل: هو على حذف ضمیر الشأن، فإن عملتْ (إنَّ) في ضمیر الشأن تعینّ في (من) معنى الشرطية، ومنه قوله تعالى: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(3) هذا ما نصَّ عليه سيبويه بقوله: ((وذلك قولك: إنَّ من يأتيني آتيه، وكان من يأتيني آتيه، وليس من يأتيني آتيه، وإنما أذهبت الجزاء من هاهنا؛ لأنك أعملت «كان»، و »إنّ»، ولم يسغ لك أنْ تدع «كان» وأشباهه معلَّقة لا تعملها في شيء فلما أعملتهن ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه))(4).
وقد أيّد هذا المذهبَ جمعٌ من النحويین منهم ابن السرّاج(5)، والفارسي(6)،
ص: 226
والقزّاز(1)، وأبو البركات الأنباري(2)، وابن بري (ت: 582 ه)(3)، وابن يعيش(4)، وابن عصفور(5)، وآخرون(6). ولابن مالك رأيان في هذه المسألة ذهب في الأول منهما إلى القول بالضرورة (7)، وأشار في الآخر منهما إلى جوازه في النثر - وهو الصواب - فقال: ((ويجوز حذفه مع «إنّ» وأخواتها، ولا يخص ذلك بالضرورة وعليه يُحمَل قوله (علیه السلام) «إنّ من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون»))(8).
والعلة في منع تجويز هذا النمط تكمن في الحفاظ على الرتبة المحفوظة للتركيب الشرطي، وحتى لا تخرج أداة الشرط من صدارتها في ذلك التركيب، جاء ذلك فيما ذكره الفراء مفسِّرًا قولَه تعالى: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِی الصُّدُورِ»(9)، فقال: ((الهاء «هاء عماد» تُوَفَّی بَها» إنّ»))(10)، وهذا ما ذكره
ص: 227
الرضي قائلاً: ((وأما كلمات الشرط الجازمة الثابتة الإقدام في الشرطية فلا يدخلها من نواسخ الابتداء إلا في الضرورة، فيُضمَر مع ذلك بعدها ضمیر الشأن حتى لا تخرج كلمات الشرط في التقدير عن التصدير في جملتها))(1). غیر أنَّ وظيفة ضمیر الشأن هنا ليست صناعية يُراد منها فك التنازع بین الصدارتین فحسب، بل وظيفتُه معنوية تدل على القوة والتعظيم أيضًا(2).
ومن الشواهد العَلَوية على دخول (إنَّ) على الشرط قوله (علیه السلام) في توحيد الله تعالى: ((وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ ساَوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَاَلْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَاَتُ آيَاتِكَ))(3).
يشیر الإمام (علیه السلام) إلى صنف من أصناف الكفر بالله تعالى أداته التشبيه والمساواة بخَلقه؛ إذ إنَّ ((من شبه الله بخلقه فقد ساواه بغیره، ومن ساواه بغیره جعل له شريكًا وهو كفر صريح))(4)، والسبب في حمل تلك المساواة على الكفر ((أنهم لما شبَّهوه [سبحانه] بخلقه وسووه به حيث اعتقدوا أنَّ خالقهم وصانعهم هو ما توهموه بأوهامهم الفاسدة ووصفوه بعقولهم الكاسدة مع عدم كونه خالقهم بل هو مخلوق لهم مصنوع مثلهم لا جرم كانوا بذلك متخذين غیر الخالق خالقا جاعلین لله سبحانه نِدًّا وعديلاً وهو الكفر والضلال))(5)، فالملازمة واضحة بین الشرط وجوابه؛ لذا تعیّن اقتران الجواب ب (الفاء)، وهي التي تحدِّد دلالة الشرط في مثل هذا الموضع تحديدًا شكليًا، فضلاً عن دلالة المعنى القائم على التعليق
ص: 228
الشرطي بین فعل الشرط وجوابه(1).
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في توحيد الله تعالى ورفض تشبيهه بخلقه: ((فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَ تَلاَحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ اَلْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِرِ حِكْمَتِكَ لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِیرِهِ عَلىَ مَعْرِفَتِكَ))(2)، والتعليق الشرطي واضح في العبارة، قال البحراني: ((المشبِّهة ضالون من جهة تشبيههم الله بخلقه وكل من كان كذلك فليس بعارف بالله))(3)، وهو تعليق قائم على ربط التركيب على نحو السبب والنتيجة وهو من أنماط التركيب الشرطي كما ذكر ابن هشام(4)، أي إنّ تشبيه الله تعالى بخَلقِه ناتج عن جهل الفرد بمعرفته سبحانه.
ومثله قوله (علیه السلام) في الزكاة: ((فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَبْرَ طَيِّبِ اَلنَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ اَلْأَجْرِ ضَالُّ اَلْعَمَلِ طَوِيلُ اَلنَّدَمِ))(5).
وإن كان فعل الشرط في الشواهد العلَوية ماضيًا ولم يظهر عليه الأثر الإعرابي ل (من) فيما إذا كانت شرطية - وإن كان التعليق والاقتران ب (الفاء) واضحًا بيِّنا لا يمكن إنكاره - فإنَّ مما يعضُد أنَّ الاقتران وارد في النثر وليس مقصورًا على الشعر وروده أيضًا في الصحيفة السجّادية أيضًا(6).
إنَّ الاحتجاج بالسماع وحده وإن كان كافيًا في الاستدلال على صحة ورود
ص: 229
الشرط مسبوقًا بالناسخ إلا أنه يمكن الاحتكام إلى القياس لبيان اتفاق هذا التركيب مع ما قرره علماء العربية من أُصول، فالكوفيون يجوّزون تقدم معمول فعل الشرط أو جوابه على أداة الشرط، فليس لأداة الشرط الصدارة عندهم(1)، هذا من جهة ومن جهة أُخرى فإنَّ ضمیر الشأن موضوع للتعظيم والتفخيم(2)، هذا فضلاً عن أنَّ عدم التقدير أولى من التقدير ولاسيما مع كثرة النصوص الواردة في هذه المسألة(3)، فالتعويل على حذفه بعد (إنَّ) فيه نقض للغرض الذي وُضع من أجله(4).
ومما يُستدلُّ به على تقوية عدم التقدير هنا تلاحم جملتي الشرط والجواب وعدّهما كالجملة الواحدة عند عدد من النحویين فأجازوا دخول الاستفهام على جملتي الشرط والجواب معًا(5).
وتعليل عدم جواز الجزم بالاسم الموصول بعد تضمّنه معنى الشرط نابع من أنه ((لم يُوضَع على الجزاء في الأصل، وإنما سرى ذلك فيه بما تضمنه من الشياع))(6)، وهذا صحيح إلا أن الشرط باقٍ فيه يعضد هذا ما ورد في كلام الإمام عي (علیه السلام)، إذ قال: ((هَيْهَاتَ إنّ مَنْ يَعْجِزُ عن صفاتِ ذي الهيأةِ والأدوات، فهو
ص: 230
عن صِفَاتِ خالقِهِ أعْجزُ، ومن تناوُلِهِ بحُدُودِ المخلوقِینَ أبْعَدُ))(1)، ف (مَن) في النص اسم موصول أُشرِبَ معنى الشرط؛ ومع ذلك بقي الفعل (يعجزُ) مرفوعًا، وهو خلاف ما ذكره سيبويه ومتابعوه، ولهذا بقي الشرط موجودًا في التركيب بدليل اقتران الجواب ب (الفاء)، ولهذا لامناص من عدِّ هذا التركيب شرطيًا على الرغم من تقدّم (إنّ) الناسخة عليه، وبهذا يصح بقاء الشرط وإنْ تقدَّم الناسخ على أداة الشرط، ودليلي على هذا ما أشار إليه سيبويه سائلًا الخليل فقال: ((وسألته عن قوله: الذي يأتيني فله درهمان، لِمَ جاز دخول الفاء ههنا والذي يأتيني بمنزلة عبد الله، وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الله فله درهما؟ فقال: إنما يحسن في «الذي»؛ لأنه جعل الآخر جوابا لأول، وجعل الأول به يجب له الدرهمان، فدخلت «الفاء» ههنا، كما دخلت في الجزاء إذا قال: إن يأتني فله درهمان))(2).
فسيبويه بحسب هذا النص يرى أنَّ الجزاء باقٍ عند اقتران الموصول ب (إنَّ) حملاً على بقائه عند خلّوه منها في نحو قولنا: الذي يأتيني فله درهمان، لذا اقترن الخبر ب (الفاء) في الموضعین لوجود التعليق الشرطي، ودليله قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ»(3)، وهو مالم يؤيِّدْه قسمٌ من النحويین؛ لأنَّ الموصول الذي يتضمَّن معنى الشرط يجب أنْ يكون فيه الإبهام والعموم(4)، وارتضاه ابن مالك والرضي(5).
وكان ابن يعيش قد أفاد من قول سيبويه في هذه المسألة بأنْ زادَ شرطًا لاقتران
ص: 231
خبر المبتدإ ب (الفاء) وهو أن يُخبَر عن الموصول. والعلة تكمن في الحفاظ على تمام التصدير للموصول، وإذا كان كذلك فلا يعمل فيه شيء قبله فشابه الشرط الذي له التصدر، ولهذا امتنعت (الفاء) في الخبر إذا نسخَ حكمَ الابتداء ناسخٌ عدا (إنَّ)؛ ((لأنك إذا قلت: إن الذي يأتينا فله درهم، فمعناه: الذي يأتينا فله درهم))(1)، أي إنَّ ((دخولها كخروجها لأنها لم تغیر من المعنى شيئا إنا دخلت للتوكيد))(2)، فالشرط الحاصل في جملة الابتداء بلا (إنّ) مساوٍ لما دخلته (إنَّ)(3).
وقد نسب عدد من النحويین إلى الأخفش منعَه دخول (الفاء) في خبر (إنَّ)(4)، والتحقيق خلاف ذلك؛ فقد ذهب ابن مالك إلى أنَّ ((ثبوت هذا عن الأخفش مستبعَد))(5)، لأنَّ الأخفش قال: ((فأما قوله: «وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانَهِا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا» فقد يجوز ان يكون هذا خبر المبتدإ؛ لأنَّ «الذي» اذا كان صلته فعل جاز أن يكون خبره ب «الفاء»))(6)، والحجة في ذلك أن (إنَّ) تحقّق الخبر، والشرط فيه توقف وإخراج عن صريح الخبر فلا يجتمعان(7).
وعلى أية حال فإنَّ التركيب الذي نحن بصدد بيانه هو تركيب شرطي مؤكَّد ب (إنَّ) وجملة الشرط وجوابه تحلُّ محلَّ اسم (إنَّ) وخبرها؛ لأنَّ (إنَّ) تفيد
ص: 232
توكيد معنى الجملة الداخلة عليها من دون تغيیر معناها، بخلاف أخواتها التي إذا دخلت على جملة غیرَّت معنى الابتداء ونقلته إلى معنى آخر كالتشبيه، أو التمني، أو الترجي، وغیر ذلك(1)، وإنْ كانت (إنَّ) لم تدخل للتوكيد فحسب، لأنَّ لها أثرين معنوي هو التوكيد وإعرابي يتمثل في العمل، لكن الاستغناء عن أثرها الإعرابي دون المعنوي ناتج من أنّ ((ما يؤثر في الجملة لا يدخل على جملة مصدَّرة بلازم التصدّر))(2).
وقد علَّل الرضي جواز دخول (إنَّ) على (الذين) في القرآن الكريم واقتران الخبر ب (الفاء)، بأن الاسم الموصول ((غیر راسخ العِرق في الشرطية))(3)، ولستُ أدري متى يرسخ الاسم الموصول في معنى الشرط وسيبويه أجاز اقتران خبره ب (الفاء) تشبيهًا له بالشرط، فضلاً عن أنَّ الموصول يسري فيه معنى الشرطية كما اتضح(4)، وليس من الصواب القول بعدم قبول الشرط في تلك التراكيب بحجة أنَّ حرف الجزاءِ لهُ صدر الكلامِ، فإذا عَمِلَ فيهِ عاملٌ صارَ لذلك العامل صدر الكلام، فيبطل عمل ما بعده، وصارت (مَنْ) بمنزلة (الذي)، كأنّكَ قلتَ: إنَّ الذي يأتينا نُكرمُهُ(5)، فتحوّل (من) مِن الشرطية إلى الموصولة لا يلغي الجزاء من التركيب كما تبیَّن ذلك في قول الإمام المذكور آنفًا: (إنَّ مَن يعجزُ...)، لهذا لا أرى مسوِّغًا لإبطال الشرط من هذا التركيب، ومن أجل هذا أقول: إنَّ هذا التركيب يبقى متضمنًا معنى الشرط أسلم وأولى من اللجوء إلى التقدير والتأويل، كما اتضح
ص: 233
ذلك بالنصوص العلوية، ولهذا فإنَّ الاحتكام إلى دلالة التركيب ومعناه أوفق ((وليس هناك داعٍ إلى تقدير ضمیر شأن، وأُسلوب الشرط هنا سدَّ مسدَّ اسم «إنَّ» وخبرها))(1)، ومما يقوّي هذا أَنّ الدِّماذي(2) أجاز القول: كانَ مَنْ يأْتِني آتِهِ(3)؛ لهذا فلا داعي لتقدير ضمیر الشأن ههنا، لكثرة النصوص الواردة في تراكيب دلَّت على الشرط من دونه، من ذلك قول الإمام الحسن (علیه السلام): ((إنَّ مَنْ طَلَبَ العبادةَ تَزَكَّى لها))(4)، وقولُ الإمام الحُسَینِ (علیه السلام): ((اِلزموا مَوَدَّتنا أهلَ البيتِ؛ فإنَّ مَنْ لَقِيَ اللهَ وهُوَ يَودُّنا دَخَلَ في شفاعتِنا))(5)، يعزِّز هذا ويعضُده أيضًا أنَّ (من) يجوز فيها الشرطية والموصولة(6)، لكن الجمع بین الموصول المتضمِّنة لمعنى الشرط أرجح لعدم عمل (مَن) ولبقاء دلالةِ التعليق الشرطي وشكلِه بوجود (الفاء) في جواب الشرط، فالمسألة سياقية خاضعة للسياق والقرائن المحيطة بالنص(7).
وخلاصة ما تقدَّم أنّ اقتران (من) بالناسخ لا يُفقد (مَن) شرطيتَها بل تبقى متضمِّنةً معنى الشرط وذلك لورود نصوص فصيحة اقترن الجواب فيها ب (الفاء) لذا فالمسألة ليست ضرورة شعرية كما قرَّر ذلك جمع من علماء العربية، واستنادًا
ص: 234
إلى ذلك يمكن صوغ القاعدة بالآتي: يجوز اقتران (من) الشرطية أو المحمولة على الشرطية بالناسخ من غیر الحاجة إلى تقدير ضمير الشأن في النثر لا في الشعر خاصة، لورود في نهج البلاغة فضلاً عن كلام غیره من الأئمة المعصومین (علیهم السلام)
ص: 235
ص: 236
إنَّ الأصل في أدوات الشرط ألا يليها إلا الأفعال، قال سيبويه: ((واعلم أنَّ حروف الجزاء يقبح أنْ تتقدَّم الأسماء فيها قبل الأفعال، وذلك لأنهم شبهوها بما يجزم))(1)، فهي تدخل على جملتین فعليتین، فتربط إحداهما بالُأخرى حتى لا تنفرد إحداهما عن الأُخرى(2)، وتعليل ذلك أنَّ ((الشرط إنما يكون بما ليس في الوجود ويحتمل أنْ يوجد وألا يوجد والأسماء ثابتة موجودة لا يصح تعليق وجود غیرها على وجودها))(3).
وقد استثنى النحويون من تلك القاعدة أداة الشرط (إنْ) فأجازوا دخولها على الأسماء(4)؛ لأنَّ (إنْ) أمُّ باب الشرط والأصل في الجزم فهي تتصرف أكثر من
ص: 237
أخواتها في الشرط(1)، والأصل يتصرَّف ما لا يتصرَّف الفرع(2)، على أنَّ الواجبَ في الفعل التالي لهذا الاسم أنْ يكون ماضيًا(3).
أما أخواتها في الشرط فإنَّ النحويین عدّوا دخولها على الاسم من باب الضرورة الشعرية، قال المبرد: ((ولا يكون مثل هذا في الجزاء وسائر حروف الجزاء سوى «إنْ» لا يجوز فيها هذا في الكلام ولا في «إنْ» إذا جزمت. لا تقول:
مَنْ زيدٌ يأْتِهِ يُكرِمْهُ، ولا إنْ زيدٌ يأتِني آتِهِ، ولا أين زيدٌ أتاني أتيته، ولا مَن زيدٌ أتاه أكرمه، فإن اضطر شاعر جاز فيهن الفصل جزمْنَ أو لم يجزمْنَ))(4)، وأخذ بهذا المذهب ابنُ السراج(5)، والصَّيْمري(6)، والقزّاز(7) وأبو البركات الأنباري(8)، والرضي الاسترابادي(9)، وآخرون(10).
إنَّ الشواهد على تلك المسألة غیر مقتصرة على الشعر فحسب، بل هي واردة في القرآن الكريم أيضًا، من ذلك قوله تعالى: «إِذَا السَّماَءُ انْفَطَرَتْ»(11)، فقد نصَّ
ص: 238
البصريون على أنَّ الاسم المتقدِّم فاعلٌ لفعل محذوف يفسرّه المذكور(1).
وقد ذَهَبَ الفراء من الكوفيین إلى أنّه مرفوع بما عاد عليه من الفعل من غیر تقدير أو تأويل، أي إنّه مرفوع بالفعل نفسه(2)، وقد نسبَ عددٌ من النحويین القولَ إلى عامة الكوفيین وإلى الكسائي والأخفش بأنَّ الاسم مرفوع على الابتداء(3)، والتحقيق أنَّ الأخفش ذكر الرفع على الابتداء لكنَّه رجَّح رأيَ البصريین، فقال في تفسیره قوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ»(4): ((فابتدأ بعد «إنْ»، وأنْ يكون رفع «أحدًا» على فعل مضمَر أقيس الوجهین؛ لأن حروف المجازاة لا يُبتدَأ بعدها، إلا إنّهم قد قالوا ذلك في «إنْ» لتمكّنها وحسنها إذا وليتها الأسماء))(5).
الواضح مما تقدَّم من تعليلات أنَّها بعيدة عن روح اللغة وما ورد فيها من شواهد، وهي تعليلات لجأ إليها النحويون من أجل الحفاظ على ما وضعوه من تلك القواعد(6).
إنَّ هذا النمط لم يقتصر على الشعر فقط كما نص على ذلك عددٌ من النحويين،
ص: 239
بل هو وارد في أصح مصادر الموروث اللغوي وهو القرآن الكريم كما استشهدتُ ببعض المواضع على ذلك.
وأما في كلام الإمام علي (علیه السلام) فقد ورد شاهد على تلك المسألة هو قوله (علیه السلام) في ذكر النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((خَلَّفَ فِينَا رَايَةَ اَلْحَقِّ مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ وَ مَنْ لَزِمَهَا لِحَقَ دَلِيلُهَا مَكِيثُ اَلْكَلاَمِ بَطِيءُ اَلْقِيَامِ سَرِيعٌ إِذَا قَامَ فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ وَ أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ جَاءَهُ اَلْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اَللَّهُ حَتَّى يُطْلِعَ اَللَّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ))(1).
بعد أنْ ذكرَ الإمامُ (علیه السلام) بعضَ صفاتِ النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) أشار إلى ما خَلّفه فيهم من راية الحق، ولعلّ في ذلك إشارة إلى نفسه الشريفة، ثم عقب ذلك بالإلماح إلى بعض صفاته، وقوله: (فإذا أنتم...) كناية عن طاعتهم له وانقيادهم، واذا حصل هذا الانقياد وتلك الطاعة وتمَّ الإسلام بوجود الإمام فإذا بالإمام قد تُوفي وتسلَّم الامامةَ إمامٌ تلوَ إمام إلى أنْ يأذنَ الله تعالى بجمع شملهم على يد خاتم الأئمة(2)، وفي ذلك إشارة إلى بقاء سلسلة الإمامة التي يجب على الناس استثمار وجودها بالطاعة لها والانقياد لأوامرها؛ لأن في ذلك الفوزَ المبینَ، فلمّا كان هدف الإمام بيان أهمية حالة الخضوع التي ينبغي أنْ يكون عليها الناس، فقدَّم الضمیر العائد عليهم لأنَّهم محورُ الحديث والعرب ((يقدِّمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى))(3)، فالباعث على هذا التقديم إذًا هو العناية بالمتقدِّم، ووجه تلك العناية هو التخصيص الذي هو غرض التقديم في الغالب، ولهذا
ص: 240
لم يكن سبب هذا التقديم صناعيًا، فالتأويل التي يذكره النحويون ((بعيد عن المعنى مفسد لصحة الكلام، مؤد إلى رِكّة بالغة فيه؛ إذ ما الغرض من هذا الحذف والذكر مع العِلم بأنَّ المفسِّرِ والمفسَّر لفظٌ واحد بعينه، لا يزيده إيضاحًا ولا بيانًا ولا تفسیرًا؟، فلو كان المفسِّر يعطينا معنًى زائدًا على المفسَّر وإيضاحًا لم يكن فيه لكان مقبولًا، ولكن الفعل المذكور هو نفس المحذوف، فما الغرض إذًا من الذكر والحذف؟))(1) سوى الدفاع عن قواعد يُراد لها الاطّراد والشيوع من دون الاستناد إلى المعنى في إيضاح كلِّ وجه.
وقد استند الزمخشري إلى المعنى، ففرَّقَ بین التقدير الذي تفرضه الصناعة النحوية والمعنى الذي يُتَحصَّل عليه من علم البيان، من ذلك دلالة التخصيص في هذه التقديم، ذكر ذلك في تفسیره لقوله تعالى: «قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّی إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا»(2)، فقال: ((فأمّا مايقتضيه علم البيان، فهو: أنّ «أنتم تملكون» فيه دلالة على الاختصاص، وأنّ الناس هم المختصون بالشُّح المتبالغ))(3).
ومما يعضُد تلك الدلالةَ ورودُها في كلام الإمام الحسن (علیه السلام) أيضًا في كتابٍ أرسله إلى معاوية: ((وإن أنت أبيتَ إلا التمادّي في غيِّك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكمَ اللهُ بيننا وهو خیرُ الحاكمین))(4).
ص: 241
نخلص مما تقدَّم إلى جواز تقديم الاسم بعد أداة الشرط للدلالة على العناية بالاسم المتقدِّم، ولم تكن المسألة محصورةً على الشعر كما ذكر ذلك عددٌ من النحويین، واستنادًا إلى هذا يمكن تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز دخول أدوات الشرط على الأسماء في السَّعة والاختيار لورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم وكلام العرب وليس الأمر مقصورًا على (إنْ) وحدها.
ذكر النحويون أنَّ الشرط وجوابه إذا كانا فعلینِ فإنَّ الأحسن فيهما هو التماثل بین صيغتيهما، قال سيبويه: ((فأحسن الكلام أنْ يكون الجواب «أفعلْ» وهو مجزوم بالجزاء. فإذا قلت: إنْ تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب «أفعلْ»؛ لأنه نظیره من الفعل))(1).
وإذا ما خرج نمطٌ شرطي عن تلك المماثلة وقف النحويون إزاءه مواقفَ مختلفة وآراء متعددة، من ذلك موقفهم من النمط الشرطي الذي يأتي فعل الشرط فيه مضارعًا مجزومًا والجواب ماضيًا فإنَّ خروجه عن هذا التماثل أفضى إلى اختاف نظرة النحويین له، فقد عدَّه سيبويه نمطًا ضعيفًا، إذ قال: ((فكما ضعُف «فعلت» مع «أفعل»، و «أفعل» مع «فعلت»، قبح «لم أفعل» مع «يفعل»))(2).
وتعليل هذا ناتج من القول بإلزام عمل أداة الشرط في فعل الشرط وجوابه، ولهذا فلا يجوز أنْ تعمل الجزم في فعل الشرط دون جوابه، قال سيبويه: ((وقبح
ص: 242
في الكلام أن تعمل «إنْ» أو شيء من حروف الجزاء في الأفعال حتى تجزمه في اللفظ ثم لا يكون لها جواب ينجزم بما قبله))(1)، واعتل بهذه العلة أيضًا عدد آخر من النحویين(2).
ورأى قسم آخر من النحويین أنَّ هذا التركيب محمول على الضرورة الشعرية، من بينهم ابن عصفور(3)، وأبو حيان(4) وإنْ رأى أبو حيان جوازه إذا كانت الأداة (إذا)(5)، كما ارتضى القول بالضرورة أيضًا المرادي(6)، والأزهري(7)، والسيوطي(8)، وقيل: هو مذهب أكثر النحويین9، وقد ذهبتْ طائفة أُخرى من النحويین إلى أنَّ هذا التركيب قليل، أو نادر، أو ضعيف(9).
يبدو مما تقدَّم أنَّ الاحتكام إلى العامل والأثر الإعرابي واضح في تعليلات مَن منعَ هذا النمط أو وسمَهُ بالندرة، أو القلة، أو الضعف، على حین أنَّ قسماً آخر
ص: 243
قدِ استند في منعه إلى الدلالة الزمنية أو إلى الأثر المعنوي الذي تؤديه أداة الشرط، فعلّل ابن الخشّاب (ت: 567 ه) ذلك بقوله: ((لأنّ الجزاء أقعد في الاستقبال من الشرط، فاستقبحوا أنْ يجيء الشرط على الأصل الذي يستحقه من لفظ الاستقبال ومعناه، ويجيء الجزاء على لفظ المضي، وهو أحق بالاستقبال لفظًا ومعنًى))(1)، وإلى هذا المعنى ذهب الرضي أيضًا(2).
إنَّ قصر الشرط على الاستقبال تنقضه كثرة الشواهد القرآنية التي جاء بها فعل الشرط ماضيًا بلا تأويل أو تقدير(3)، والحال تنطبق على جواب الرط إذ جاء ماضيًا لفظًا ومعنًى بلا تأويل في كثیر من النصوص القرآنية، وإذا كان الرضي قد جزم بعدم وقوع جواب الشرط ماضيًا في القرآن الكريم(4)؛ فإنّ الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة قد أحى أكثر من شاهد قرآني على تلك المسألة(5)، من ذلك قوله تعالى: «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ»(6)، وقوله تعالى «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله»(7)، ومما يعضُد شيوع هذا الاستعمال في الموروث اللغوي الفصيح وروده في السنة النبوية المطهَّرة أيضًا من ذلك قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((من يقُمْ ليلة القدر، إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))(8)، ومنه ما روي عن السيدة عائشة في الخليفة أبي بكر، إذ قالت: ((إنه
ص: 244
رجلٌ أسيف، متى يقمْ مقامك رق))(1).
ولم يرتضِ أغلب المفسرين ظاهر النصوص القرآنية الشواهد على تلك المسألة فحاولوا تأويلها بما ينسجم مع ما قرروا، فذهبوا إلى أنَّ المذكور ليس جوابًا بل هو دليلٌ على الجواب، والجواب محذوف(2)، وكان من جملة التعليلات تلك أنَّ (إنْ) الشرطية إذا جزمت يجب أنْ يظهر أثرها في الجزم في فعلَي الشرط والجواب لا في فعل الشرط فقط؛ لأن في ذلك تراجعًا عما اعتزموه(3).
على أنَّ الشيخ الطوسي (ت: 460 ه) من المفسرين أفهمُ مما ذكره القول بجواز ذلك التركيب، فقد فسّر قوله تعالى: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله» بقوله: ((قد فعل الله به النصر حین أخرجه الكفّار من مكة))(4)، ووافقه الطبرسي (ت: 548 ه) على هذا المعنى(5)، فهما بحسب هذا لا يمنعان من وقوع جواب الشرط ماضيًا.
وإذا كان قوله عز وجل: ((فقد نصره)) يحتمل التأويل والتقدير فما قول المفسرين بقوله تعالى: «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ»(6)، فجواب الشرط ماضٍ لفظًا ومعنًى ولا يحتمل التأويل والتقدير بالمستقبل لوجود قرائن لفظية ومعنوية تمنع ذلك، لكن مع كلِّ هذا نجد جملةً من المفسرين قد
ص: 245
أخضعوا الآية إلى ما قرّره النحويون(1)، على أنَّ وضوحها في دلالة جواب الشرط فيها على المضي لفظًا ومعنًى ربما منع الزمخشري من قبلهم من التعقيب عليها وتأويلها كما فعل في نظيراتها، إذ قال في معناها: ((يقول لرسوله (صلی الله علیه و آله وسلم) تسلية له:
لستَ بأوحدي في التكذيب، فقد كذَّبَ الرسلَ قبلك أقوامُهم))(2).
أما موقف النحويین من قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) محلِّ الشاهد فإن قضية ادّعاء روايته بالمعنى حاضرة في مسوغاتهم للمنع أو التضعيف(3)..
ومن شواهد هذه المسألة في الكلام العَلَوي المبارَك قوله (علیه السلام) وقد استشاره الخليفة عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الرُّوم بنفسِه: ((وَإِنْ تَكُنِ الأُخرى كُنْتَ رِدْءًا للنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ))(4).
كلامُه (علیه السلام) نصيحة للخليفة عمر بن الخطاب (رضی الله عنه) بعد أنِ استشاره للخروج إلى غزو الروم، ولما كان هدفُ الإمام حفظَ الأمة من المخاطر والشرور جاءت نصيحته لتحقيق هذا الهدف، فقد أشار على الخليفة عمر أنْ يُرسلَ شخصًا غیره لإدارة الحرب خوفًا على الأمة بعد ذهاب قائدها وفي ذلك مكسبان؛ إما النصر وهو المرتجَى أو حفظ البلاد من الخطر، واستنادًا إلى هذا المعنى كان ورود جواب الشرط ماضيًا في محلِّه؛ لأن الإمام أراد بيان أنَّ النصر إنْ تحقّق على يد قائد كُفء غیر الخليفة عمر ففي ذلك بقاء الخليفة عى وجوده السابق وبقاء المسلمين على مكانتهم في حصن حصین بوجود الخليفة، ولا شك في أنَّ هذا معنى يدل على
ص: 246
المضي(1)، على أنَّ في هذا الوجود السابق فائدةً في أمر مستقبلي هو حفظ الُأمة من المكاره والشرور، وبهذا دلَّ الفعل (كنت) على معنین هما المضي والمستقبل، ولا شك في أنّ الإمام لو قال: ((إن تكنْ الأُخرى تكن ردءًا...)) فإنَّ ذلك يدلُّ على المستقبل لكن لا يعطي دلالة المضي؛ لأن المعنى على هذا يكون الخليفة عمر إنما أُريدَ له أنْ يصبحَ عونًا للأُمة من دون منصب سابق له، لكن الوظيفة السابقة له تستلزم التعبیر بالفعل الماضي.
والظاهر أنَّه لا سبب يدعو هؤلاء النحويین إلى رفض هذه النصوص الفصيحة سوى ادِّعاء اطّراد القواعد أو الاحتكام إلى القياس بلا مسوِّغ، وكان عليهم أنْ يقبلوا هذه النصوص بلا تأويل أو تقدير، فمن غیر الممكن الذهاب إلى تأويل تلك النصوص الكثیرة أو تقديرها؛ ولاسيما أنَّ تقدير بعضها قد يُفقد النصوصَ فصاحتها وبلاغتها، فضلاً عن أنّ في بعضها يتعذَّر التأويل أو التقدير؛ لذا كان الاجدر بالنحويین الاحتكام إلى ما سُمِعَ والركون إليه؛ لأنَّ السماع أصل من أُصول النحو العربي وهو مقدَّم على القياس ولاسيما إذا خالف هذا القياس ما جاء عن العرب(2).
إنَّ كثرة الشواهد النثرية من القرآن الكريم وكلام النبي محمد (صلی الله علیه و آۀه وسلم) وكلام الإمام علي (علیه السلام) المؤيِّدة لهذا النمط كافية لترجيح وروده في السعة والاختيار لا في الضرورة الشعرية، وهو مذهب الفراء، فقال في تفسیره لقوله تعالى: «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِینَ»(3): ((قال «فظلت»
ص: 247
ولم يقل «فتظلل» كما قال (ننزل) وذلك صواب: أن تعطف على مجزوم الجزاء ب »فَعَلَ»؛ لأن الجزاء يصلح في موضع «فعل يفعل»، وفى موضع «يفعل فعل»، ألا ترى أنك تقول: إنْ زرتني زرتك وإنْ تزرني أزرك والمعنى واحد. فلذلك صلح قوله «فظلت» مردودة على «يفعل»))(1).
وقد أخذ برأي الفراء هذا جملةٌ من النحويین، منهم المبرد(2)، وعبد القاهر الجرجاني(3)، وتبنّاه ابن مالك فبسط القول فيه بعد أنِ استدلَّ له بشواهد من الحديث النبوي الشريف(4)، ثم عضده بالقياس أيضًا، فقال: ((المضارع بعد أداة الشرط غیر مصروف عمّا وُضِعَ له، إذ هو باقٍ على الاستقبال، والماضي بعدها مصروف عمّا وضع له؛ إذ هو ماضي اللفظ مستقبل المعنى، فهو ذو تغیّر في اللفظ دون المعنى، على تقدير كونه في الأصل مضارعًا فردّته الأداة ماضي اللفظ ولم تغیر معناه وهذا مذهب المبرد، أو هو ذو تغیر في المعنى دون اللفظ على تقدير كونه في الأصل ماضي اللفظ والمعنى فغیَّرت الأداة معناه دون لفظه وهذا هو المذهب المختار، وإذا كان ذا تغیر فالتأخر أَولى به من التقدّم؛ لأنَّ تغيیر الاواخر أكثر من تغیير الاوائل))(5).
وقد اختار مذهبَ الفراء في إجازته هذا النمط عددٌ من النحويین إلا أنَّهم
ص: 248
وصفوه بالقلة أو الندرة(1)، أو الضعف(2)، وهي أحكام تبدو متسّرعة ومخالفة لما عليه الاستعمال اللغوي الوارد في السَّعة والاختيار بكثرة، إذ جاء هذا النمط بكثرة كما شهد بذلك القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ومن أجل هذا رجَّح مذهبَ الفراء الشيخُ مصطفى الغلاييني والأُستاذ عباس حسن من المحدثین(3).
واستنادًا إلى ما تقدَّم يمكن صوغ القاعدة بالآتي: يجوز في السَّعة والاختيار وقوع الشرط مضارعًا مجزومًا والجواب ماضيًا لوروده في نهج البلاغة فضلاً عن السنة النبوية الشريفة.
من الخصائص الأُسلوبية في القَسَم كثرة اقترانه بأُسلوب الشرط على نحو متوالٍ في كلام العرب نظماً ونثرًا، فإنْ اجتمعا في تركيب واحد فإنَّ الثابت لدى النحویين أن يكون الجواب للسابق منها ويكون جواب الثاني محذوفًا لدلالة الأول عليه، فإنْ تقدم القسم كان الجوابُ له لتقدّمه، قال سيبويه في: ((باب الجزاء إذا كان القسم في أوله وذلك قولك: والله إنْ أتيتني لا أفعل، لا يكون إلا معتمدة عليه اليمین. ألا ترى أنك لو قلت: والله إن تأتني آتك لم يجز ولو قلت: والله من يأتني آته كان محالًا، واليمین لا تكون لغوًا كلا والألف؛ لأن اليمین لآخر الكلام
ص: 249
وما بينهما لا يمنع الآخر أن يكون على اليمین))(1)؛ وتعليل هذا أنَّ الكلام قد بُني عليه من أول مرة، ولا يجوز جعل الجواب للشرط إذا تأخر؛ لأنَّ ((المتقدّم يكون الكلام مبنيًا عليه، فإذا قلت: والله إنْ زرتني لأكرمنك، فقد بنيت الكلام على القسم، وكان الشرط مقيِّدًا له، وإنْ قلت: إنْ زرتني والله اكرمك كنت بنيت الكلام على الشرط وجعلت القسم معترضًا))(2).
ومما يؤكّد تمسّك النحويین بهذا الرأي أنَّهم اشترطوا وجود (اللام) ظاهرةً أو مضمرةً تأكيدًا على أنّ الجواب للقسم، قال سيبويه: ((فلو قلت: إنْ أتيتني لأُكرمنَّك، وإنْ لم تأتني لأغمنّك، جاز لأنه في معنى: لئن أتيتني لأُكرمنَّك ولئن لم تأتني لأغمنك، ولا بد من هذه «اللام» مضمرة أو مظهرة لأنها لليمین، كأنك قلت: والله لئن أتيتني لأُكرمنك))(3)، هذا فيما إذا لم يتقدَّمها ما يتطلب خبرًا، فإنْ تقدَّمها ما يحتاج إلى الخبر كالمبتدإ والناسخ فكلاهما يحتاج إلى خبر أو إلى ما يسدُّ مسدَّ الخبر فلا يُنظر حينئذ إلى السابق منهما، إنما يكون الجواب للشرط مطلقًا سواء أتقدَّم الشرط أم تأخَّر(4).
وقد سار على مذهب سيبويه في هذه المسألة جمعٌ من النحویين منهم المبرد(5)، وأبو علي الفارسي(6).
ص: 250
وللزمخشري رأيان في تلك المسألة وافق في أحدهما سيبويه، جاء ذلك تعقيبًا على قولَه تعالى: «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَّیَ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّی أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالَمِینَ»(1)، فقال: ((فإن قلت: لَم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله: (لَئِنْ بَسَطْتَ...) (ما أَنَا بِباسِطٍ)؟ قلت: ليفيد أنَّه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع))(2).
فالزمخشري على وفق هذا النص أجاز وقوع (ما أنا بباسط) جوابًا للشرط على الرغم من تقدّم القسم عليه، وأيَّد مذهبَ سيبويه أيضًا ابنُ يعيش(3)، وابن عصفور(4)، وأبو حيان الاندلسي(5)، وآخرون(6).
على أنَّ ما قرَّره أغلب النحويین تخرقه الكثیر من الشواهد الشعرية التي جاء فيها إعطاء الجواب للشرط بالرغم من تقدّم القسم عليه إنْ لم يتقدَّم ذو خبر، منها قول الأعشى (ميمون بن قيس)(7): [من البسيط] لئنْ مُنِيتَ بِنا عن غِبِّ معركةٍ *** لا تُلفِنا عن دماءِ القوم ننتفلُ فجاء الفعل (تلفِنا) مجزومًا؛ لأنَّه جوابٌ للشرط مع تقدّم القسم عليه، ومثله
ص: 251
أيضًا قول القاسم بن مَعْنٍ (عن العرب)(1): [من الطويل] حَلَفْتُ له إِنْ تُدْلِجِ اللَّيْلَ لا يَزَلْ *** أَمَامكَ بيتٌ مِنْ بُيوتِي سائِرُ فجزمَ الشاعرُ الفعلَ (يزل)؛ لأنَّه وقع جوابًا لفعل الشرط (تدلج) على الرغم من تقدّم فعل القسم (حلفت) عليه.
وكان الفرّاء استشهدَ بعدد من النصوص القرآنية وقرر استنادًا لها جواز إعطاء الجواب للشرط وإنْ تقدَّم القسم عليه حاملاً جوابَ الشرط على جواب القسم بسبب الحرف الذي يسبق الجواب، فقال: ((لام اليمین؛ كان موضعها في آخر الكلام، فلمّاّ صارت في أوله صارت كاليمین، فلُقيت بما يُلْقَى به اليمین، وإنْ أظهرت الفعل بعدها على «يفعل» جاز ذلك وجزمته؛ فقلت: لئن تقم لا يقم إليك))(2)، وقد احتجّ الفراء بشواهد أُخر على إعطاء الجواب للشرط مع تقدّم القسم(3)، وقد نقل رأيَّ الفراء هذا قسمٌ من النحویين(4).
وقد علَّل الفراء إجازته تلك بأنْ جعلَ الفعلَ المجزوم في جواب الشرط على إرادة توهّم وجود حرف (اللام)، ولولا تصورُه وجود الحرف السابق للفعل المجزوم لكان الفعل هذا مرفوعًا جوابًا للقسم؛ لأنه ممّن يوافق مذهب الجمهور في جعْل الجواب للقسم، لكنّه ليس على سبيل الوجوب، فهو يرى أنَّه إذا تقدَّم
ص: 252
القسم عند اجتماعه مع الشرط صار الجواب للقسم فيُفَع، ويُترك جواب الشرط استغناءً بجواب القسم، على أنْ يكون فعل الشرط بصيغة الماضي(1).
وتابع الفراءَ في إجازته وقوع الجواب للشرط وإن تقدَّم القسم عليه عددٌ من النحويین منهم ابن مالك الذي قال: ((وإن أخر الشرط استُغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم كقوله تعالى: «وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُن»، ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخّره))(2)، واتفق معه الشارحُ ابنُ عقيل فحمل المسألة على القلة(3)، وإلى هذا ذهب الشاطبي في شرحه(4)، إلا أنّه حمل المسألة على الضرورة كما سيتبين.
وقد ردّ ابنُ عصفور هذا متمسكًا بِما عليه الجمهور من إعطاء الجواب للقسم، فرأى أنَّ بعض الافعال لا يُراد بها القسم والإنشاء بل يُراد منها الإخبار، ولذا جَعل الجواب للشرط، فقال: ((فبُنِيَ الجواب فيه على الشرط؛ لأنَّ «حلفت» لم تُضَمَّن معنى القسم، بل هي خبر محض))(5).
ولا أدري أ مقصد ابن عصفور من هذا أنَّ الفعل (حلفت) مفرّغًا من دلالة القسم في هذا البيت أم في كلِّ ما ورد فيه؟ لأنّ الثابت في لغة العرب أنَّ الفعل (حلف) ((أصله اليمین الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد، ثمّ عبّر به عن
ص: 253
كلِّ يمین))(1)، فهو فعلٌ صريح في القسم(2)، ولهذا لا أرى وجهًا من الصحة لما ذهب إليه ابن عصفور ههنا.
وقد حمل نحويون آخرون تلك المسألة على الضرورة الشعرية، منهم ابنُ مالك في أحد آرائه، إذ قال: ((وقد يُستغنى بجواب الشرط المتأخِّر عن جواب القسم المتقدِّم ولا يكون ذلك الا ضرورة))(3)، وأخذ به الرضي(4)، واختاره الشاطبي(5)، ونسبه الخضري إلى جمهور النحويین(6)، و عزاه خالد الأزهري إلى عموم البصريین(7).
ويبدو أنَّ الأرجح مما تقدَّم هو الجواز مطلقًا وهو مذهب الفرّاء ومتابعيه؛ إذ المسألة ليست مقتصرة على الشعر بل هي واردة في النثر والشعر(8)، ومما يعضُد هذا الوجه أن النحویين قد رجَّحوا أن يكون الجواب للشرط دون القسم إن تقدَّم ذو خبر(9)، لذا فالأولى الاستغناء بجواب الشرط مطلقًا ((لأنَّ تقدير سقوطه مخلٌ بمعنى الجملة التي هو منها وتقدير سقوط القسم غیر مخل؛ لأنَّه مسوق
ص: 254
لمجرد التوكيد، والاستغناء عن التوكيد سائغ))(1)، وهذا ما أكَّده الدكتور إبراهيم السامرائي أيضًا(2).
وقد وردت أمثلة لهذه المسألة في الكلام العلَوي المبارَك في أكثر من موطن، من ذلك قوله (علیه السلام) في مقتل الخليفة عثمان بن عفّان: ((فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَلَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُوني، فَمَا التَّبِعَةُ إِلاَّ عِنْدَهُمْ))(3).
في الشاهد العَلَوي موضعان اقترن الرط فيها بالقسم، الأول قوله: (لئن كنت)، ف (اللام) موطِّئة للقسم، وبحسب ما يرى أغلب النحویين فإنَّ الجواب يجب أنْ يكون للقسم، لكن الإمام جعل الجواب للشرط بدليل أنّه مقترن ب (الفاء) وهي مما تلزم في مثل هذا الموضع؛ إذ هو مؤكَّد ب (إنَّ)، والموضع الثاني مثله وهو (وَلَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ)، فقد اقترن جوابه ب (الفاء) أيضًا؛ لأنّه منفي ب (ما)، وهي مما يُجاب بها الرط لا القسم، وقد جاء الفعل بعد أداة الشرط في كلا الموضعین ماضيًا لفظًا ومعنًى، وهذا ما يؤكده النحويون، فقد قرّروا أنْ يكون فعل الشرط بصيغة الماضي عند اجتماع الشرط والقسم(4)، وإنما جعل الإمام (علیه السلام) التركيب قائماً على الشرط؛ لأنه يريد بيان براءته من مقتل الخليفة عثمان بأُسلوب جَدَلي
ص: 255
قائم على سَرْد الحجج العقلية، الهدف من هذا وضع ضابطة لكلِّ فعل مشابه، وهو الأُسلوب نفسه الذي يستعمله القرآن الكريم في سوق الأدلة والبراهین العقلية، فالحادثة التي يشیر إليها الإمام لا تخرج عن احتمالین لا ثالث لهما؛ إما أنْ يكون دخولهم في مقتل عثمان بالشركة وإما أنْ يكون بالاستقلال، وعلى كلا الفرضین فالإمام بريء وليس لهم أنْ يطالبوه بدم عثمان، أما على الاحتمال الأول فهم لم يقولوا بأنهم شركاء؛ لأنَّ ذلك يستلزم تسليم أنفسهم إلى أولياء المقتول، ولمّا لم يكن ذلك انتفى الجواب بانتفاء شرطه، وبقي احتمال واحد وهو مباشرتهم هم بالقتل، ولهذا يتعیّن عليهم أنْ يخصّوا أنفسهم بالمطالبة لا الإمام (علیه السلام)، وأنْ يتحمَّلوا كلَّ الآثار المترتبة على ما قاموا به(1).
اتّضح مما تقدَّم أنَّ عرض الحادثة وما فيها من إشكالات واحتمالات يتطلّب عرضها بأُسلوبٍ قائمٍ على التعليق الشرطي. فكلُّ احتمال يتطلب بيان عاقبته ومصیره ونتيجته، وهذا ما حدث، إلا أنَّ الإمام ابتدأ التركيب بالقسَم وهو توكيد؛ لأنَّه (علیه السلام) كان في معرض اتهام، والتوكيد إنما يُراعي حال المخاطَب كما معلوم، وبهذا يكون التركيب الشرطي كلُّه مؤكَّدًا بالقسم(2)، وهو وجهٌ يبعدنا من الخوض في خلاف النحويین يعضُد ذلك ما ورد من شواهد فصيحة.
ومما يلفت النظر في تعبیر الإمام أنَّ فيه تقابلًا دلاليًا رائعًا بن أُسلوبي الشرط والقسم إذ ابتدأ التركيب بالتوكيد والشرط وختمه بالشرط المؤكَّد أيضًا، فابتُدئ الموضع الأول ب (لئن) وهو شرط مؤكَّد بالقسَم، وأُجيبَ بالشرط المؤكَّد ب (أنَّ)، و (اللام)، وأما الموضع الثاني فابتدأه ب (لئن) أيضًا وختمه بأُسلوب القصر (ما)، و
ص: 256
(إلا) وهو مما يفيد التوكيد أيضًا، في إشارة إلى وثاقة رأيه (علیه السلام) وكذبهم.
ومن الشواهد العلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) في توبيخ أصحابه: ((وَلَئِنْ أَمْهَلَ اَللَّهُ اَلظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ وَ هُوَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ))(1).
الإمام في معرض التهديد لأهل الشام بأنَّ الله تعالى سيأخذهم وأنه سبحانه لهم بالمرصاد، ولذا لا يتصوَّر أحد أنَّ الله سبحانه يُمهلهم إلى أجل غیر محدَّد(2)، فالتعليق الشرطي قائم بین ركنَي التركيب المصدَّر بالتوكيد والمختتَم به أيضًا، فجملة الشرط (لئن أمهل) وجوابه (فلن يفوت) المقترن ب (الفاء).
ومثله قوله (علیه السلام) في بيان شجاعته: ((والله لَوْ تَظَاهَرَتِ اَلْعَرَبُ عَلَى قِتَالِ لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا))(3).
ومثله قوله (علیه السلام) في حضِّ أصحابه على القتال: ((وَاَيْمُ الله لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ اَلْعَاجِلَةِ لاَ تَسْلَمُونَ مِنْ سَيْفِ اَلآْخِرَةِ))(4).
واستنادًا إلى كلّ ما تقدم نخلص إلى نتيجة مفادها أنّ هذا الأُسلوب عربي فصيح وارد في الكلام العربي شعرِه ونثره كثیرًا لا قليلاً، لهذ يجب تعديل القاعدة بالآتي: يجوز - عند اقتران القسم بالشرط - وقوع الجواب للشرط في السَّعة والاختيار خلافًا لمن منعه أو وسمه بالضرورة الشعرية لورود ذلك في نهج البلاغة.
ص: 257
ذهب النحويون إلى أنَّ الأصل في الإعراب هو الحركات والسكون فالضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكرة للجر، والسكون للجزم(1)، إلا أنَّه يُعدل عن هذا الأصل في عدد من الأبواب النحوية فتُعرب حينئذٍ بالحروف من ذلك الأسماء الستة، فتُعرب بالحروف؛ ب (الواو)، أو (الألف)، أو (الياء) نيابة عن الحركات بشروط عامة(2)، وشرطین خاصین في (ذو)، و (فو)(3).
وقد علَّل النحويون خروج تلك الأسماء عن الأصل في الإعراب بعلل مختلفة، منها أنَّ إعرابها بالحروف جاء تمهيدًا لإعراب المثنى والجمع، وكانت الأَولى بذلك؛ لأنها لا تنفك عن الإضافة، قال ابن الورّاق (ت: 381 ه): ((جعلوا هذه الأسماء مختلفة الأواخر، توطئة لما يأتي من التثنية والجمع، وصارت هذه الأسماء أولى بالتوطئة من غيرها؛ لأنها أسماء لا تنفك من إضافة المعنى، والإضافة فرع على الأصل، كما أنَّ التثنية والجمع فرع على الواحد))(4)، وقد تبعَهُ في هذا قسمٌ من النحويین(5).
ولعلَّ الاحتكام إلى قضية الأصل والفرع أقرب إلى الفلسفة منها إلى اللغة، فما أدرانا أنَّ العرب قد نطقوا بالمفرد أولًا ثم أرادوا به تمهيدًا للتثنية والجمع؟ ألم تنطق العرب بألفاظ مثنى ولا مفرد لها؟ لذا يبدو لي أنَّ الأقرب إلى الواقع اللغوي
ص: 258
أنَّ هذه الأسماء تُستعمَل مضافةً كثیرًا لهذا أُعرِبَتْ بالحروف، وهذا ما أكده ابن بابشاذ قائلاً: ((أُعربت بالحروف وهي على هذه الحالة أعني إذا كانت مضافة؛ لأنها أسماء حُذِفتْ لاماتها، وضَمنتْ معنى الإضافة، فجُعلَ إعرابها بالحروف كالعوض من حَذفٍ لاماتها))(1).
إنَّ جزءًا من تلك التعليلات صحيح، ذلك ما يخص كثرة إضافة تلك الأسماء استنادًا إلى ما أجريتُه من إحصاء لمواضع (فو) في الحديث النبوي وفي كلام الإمام علي (علیه السلام) خاصة وكلام أهل البيت (علیهم السلام) عامة تبیَّن منه كثرة الشواهد التي ورد فيها (فو) مضافًا، إلا أنه مع تلك الإضافة أُعربَ بالحركات، ولم يُعرَبْ بالحروف كما قيل، إلا في بعض الشواهد التي أُضيفَ فيها (فو) إلى الضمیر، فالتعليل تنقصه الدِّقة ويفتقر إلى الاطّراد كما سيأتي.
وأمّا الحديث عن (فو) خاصة فإنَّ النحويین قد اشترطوا لإعرابه بالحروف خلوَّه من (الميم) المبدَلة من (الواو) وجوبًا؛ لأن أصلَه (فوه)، والجمع (أفواه)، فهو في غیر الإضافة (فم)، نقول: هذا فمُ، فتظهر الحركات الإعرابية على آخره؛ لأنه يشبه الأسماء المفردة في ذلك، قال سيبويه ((وأمَّا «فم» فقد ذهب من أصله حرفان، لأنه كان أصله «فوهٌ»، فأبدلوا «الميم» مكان «الواو»، ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم))(2). وإبدال «الواو» «ميماً» قليل(3)، وتعليل هذا الإبدال أنَّ الاسم لا يصلح أنْ يبقى على حرفٍ واحدٍ أحدهما حرف لین؛ لأنَّ حرف اللین هذا سيسقط من الكلمة إنْ تحركتْ في الإعراب وحُذفتْ بالتنوين، فلهذا كان الإبدال واجبًا
ص: 259
ههنا(1)، وقد اختِیرتْ (الميم) هنا؛ لأنّها هي و (الواو) من مخرجٍ واحد(2)، وإن كان ثمة خلاف بین علماء العربية في اشتراط اتحاد المخرج عند الإبدال(3).
فالذي جرى في (فم) ((بمنزلة تثقيل «لو» ليشبه الأسماء فإذا سمَّيتَه بهذا فشبِّهْهُ بالأسماء كما شبَّهتْ العرب ولو لم يكونوا قالوا: فمٌ لقلت: فوهٌ لأنَّه من «الهاء» قالوا: أفواهٌ كما قالوا: سَوط وأسواط))(4)، وقد فسرَّ ابن جني معنى هذا التثقيل بقوله: ((أصل ذلك أنَّهم ثقَّلوا «الميم» في الوقف؛ فقالوا: هذا فمّ، كما يقولون: هذا خالدّ، وهو يجعلّ، ثم إنهم أجروا الوصل مجرى الوقف، فقالوا:
هذا فمٌّ، ورأيت فمًّا، كما أَجروا الوصل مجرى الوقف فيما حكاه سيبويه عنهم من قولهم ثلاثة أربعه))(5).
ويبدو واضحًا مما تقدَّم أثرُ الصوت في الدرس النحوي، فعدم قدرة (الواو) - بعد تحوّلها إلى صوت «الألف» وهو صائت طويل - على إظهار حركات الإعراب أفضى إلى إبدالها «ميمًا» فهي صامت له القدرة على استيعاب الصوائت القصیرة وهي (الضمة والفتحة والكسرة).
وأما في حالة الإضافة فيعود ما أُبدِلَ إلى أصله وهو (الواو)، فيقال: هذا فو زيد؛ لأنَّ الإضافة ترد الأشياء إلى أصولها(6)، وقد ثبتت (الميم) في الإضافة،
ص: 260
فنقول: هَذا فمُكَ ورأيتُ فَمَكَ وفي فمِكَ(1)، أي: إنَّ في (فم) عند إضافته لغتین إحداهما: بثبوت (الميم) وتُعرَبُ بالحركات وبحسب عدد من النحویين أنَّها قليلة - وليس بصحيحٍ؛ فهي الأكثر كما سیرد فيما أحصيت - والأُخرى: بإبدال (الميم) (واوًا) وهي الأكثر(2).
وقد رآى أبو علي الفارسي أن ثبوت (الميم) في الإضافة من ضرائر الشعر، إذ أورد قول رؤبة بن العجاج(3): [من الرجز] كالحوتِ لا يَرْويهِ شيءٌ يلهمُه *** يُصبح ضمآن وفي البَحرِ فَمُه ثم أبدى رأيَه فيه قائلاً: ((قد اضطر الشاعر فابدل من «العین» في «فم» «الميم» في الإضافة))(4)، وقد وافقه على هذا عددٌ من النحويین، منهم الحيدرة اليمني (ت: 592 ه)(5)، وابن عصفور(6)، وعزاه السيوطي إلى المغاربة(7).
إنَّ الاحتكام إلى الحديث النبوي الشريف في تعديل الظواهر النحوية لهو سبيل حسن وطريق سديد يحلُّ كثیرًا من مشكل العربية، ويسهم في التخلص من كثیر من الوهم الذي وقع فيه بعض علماء العربية بسبب نقص استقرائهم، فالحديث النبوي نصٌّ عربي فصيح، ودليل وافٍ من أدّلة العربية في الاحتجاج، ومن هذا فقد
ص: 261
استند إليه عدد من النحویين في تصويب ما وهم به الفارسي، فلفظة (فم) التي قصر إضافتها على الشعر قد وردت في قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((كلُّ عملِ ابنِ آدم له إلا الصوم، فإنَّه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))(1)؛ لذا قد جوَّز عدد من النحويین ثبوت (ميم) (فم) عند الإضافة في السَّعة والاختيار، منهم ابن مالك الذي قال: ((وزعم الفارسي أنَّ قوله: «يصبح ظمآن وفي البحر فمه «من الضرورات بناءً على أنَّ «الميم» حقها ألّ تثبتَ في غیر الشعر، وهذا من تحكماته العارية من الدليل، والصحيح أنَّ ذلك جائز في النظم والنثر))(2)، لكن ابن مالك عدَّه نمطًا قليلاً في العربية(3)، واصفًا أبا علي الفارسي بقلّة العلم(4)، وقد أيّد ابنَ مالك في جواز ثبوت (ميم) عند الإضافة في السعة والاختيار عددٌ من علماء العربية، منهم أبو حيان(5)، والمرادي(6)، وابن عقيل(7)، والسلسيلي(8)، والدماميني(9)، والُأشموني(10)، والأزهري(11)، والسيوطي(12)،
ص: 262
والدكتور محمود فجال من المحدثین(1).
إنَّ ترجيح ما رآه ابنُ مالك ومؤيدوه تعضُده كثرة الشواهد الحديثية الواردة في هذا الباب، فهي ليست قليلة كما حكمَ عليها ابنُ مالك نفسُه؛ إذ قد وردت في أكثر من موطن من ذلك قوله (صلی الله علیه و آله وسلم): ((إنك لن تُنفقَ نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك))(2)، وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم): ((اخْنِثْ فَمَ الْإِدَاوَةِ ثمَّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا))(3).
ومن شواهد تلك المسألة في الكلام العلَوي المبارك قوله (علیه السلام) في بيان زهده:
((وإنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأهون مِنْ وَرَقَة فِی فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا))(4).
كلامه (علیه السلام) في بيان زهده في هذه الدنيا الدنيّة التي طلَّقها ثلاثًا؛ ومن أجل هذا أضافها (علیه السلام) إلى المخاطَبین في إيحاء منه إلى تمسّكهم بها، لكنَّها عنده لا تساوي ورقة في فم جرادة تقضمها، وفي هذا منتهى الزُّهد وأقضى غايات الحرص لمن يحكم الامة ويدير شؤونها(5). وقوله: (فم جرادة) إشارة إلى حقارة الدنيا عنده (علیه السلام)، وقد يكون إثبات (الميم) هنا وعدم استعمال (في) إنما جاء لبعدين أولها صوتي يهدف إلى التخلّص من الثقل الحاصل من التضعيف فيما لو
ص: 263
قيل: (... ورقة في فيِّ جرادة)؛ لأنَّ العرب ((يستثقلون في كلامهم التضعيف))(1)، والسبب في هذا التضعيف هو أنَّ الكلمة ثنائية وثانيها حرف لین، لهذا يُضاعَف حرف اللین هذا، فيقال في (لوْ): لوٌّ، وفي (في): فيٌّ(2)، أما إذا أُريدَ التخلص من تلك الكراهة وقعنا في توالي المقاطع المتماثلة الذي تكرهه العربية أيضًا، هذا فضلاً عن أنَّ تخفيف (الياء) قد يتسبَّب في إسقاطها لالتقاء الساكنين، وهذا بدوره يؤدي إلى البعد الآخر المتمثل في اللَّبس والغموض في التركيب، ولعل هذا يفسِّر قلة استعمال هذا النمط مقابل استعمال (في فم)؛ لأن العربية موضوعة للإفهام، وهذا ما عليه نصُّ الإمام (علیه السلام).
وممّا يؤكِّد ما ذهبتُ إليه أنّ هذا الاستعمال هو الشائع في مرويات أهل البيت (علیهم السلام) كثیرًا، من ذلك قول الإمام الباقر (علیه السلام): ((إنّما مَثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثًا كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه مُحوِج وأنت منها على خطر))(3)، وقول الإمام الصادق (علیه السلام): ((تُدخِل يدَك في فمِ التنّین إلى المرفق خیرٌ لكَ من طلب الحوائج إلى مَن لم يكنْ ثمّ كان))(4).
نخلص مما تقدَّم إلى أنَّ ثبوت (ميم) (فم) جائزٌ في السَّعة والاختيار وليس مقتصرًا على لغة الشعر كما ذهب الفارسي ومن تبعه، هذا فضلاً عن أنَّ تلك الإضافة ليست قليلة، فالشواهد كما اتضح كثیرة؛ لهذا لا يمكن قبول التعليل الذي يذهب إلى أنها قد أُعرِبَت بالحروف بسبب إضافتها؛ لأن (الميم) قد ثبتت مع الإضافة إلى الظاهر خاصة، واستنادًا إلى كلِّ هذا يمكن إعادة صوغ القاعدة بالآتي:
ص: 264
يجوز في السَّعة والاختيار ثبوت (ميم) (فم) كثیرًا في السَّعة والاختيار لورود ذلك في الشواهد النثرية الفصيحة من نهج البلاغة فضلاً عن السُّنة النبوية الشريفة.
على ضمير الموصوف:
الصفة المشبهة قسم من أقسام المشتقات في العربية تُشتق غالبًا من الفعل اللازم لمن يقوم به؛ لذا هي تدلُّ على الثبوت والدوام(1)، ولمّا كانت مشبَّهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد كانت فرعًا عليه في العمل، والفروع تنحطُّ عن الأُصول(2).
أمّا عملُها فهي لا تعمل إلا فيما إذا كان المعمول من سببها مُعرَّفًا ب (الألف)، و (اللام) أو كان نكرةً(3)، بشروط عمل اسم الفاعل نفسها من الاعتماد على النفي، أو الاستفهام(4).
وللصفة المُشَبَّهَة حالتان إما أنْ تكون مقترنةً ب (الألف)، و (اللام( أو مجردةً منهما(5)، وعلى كلا التقديرين فإنَّ إعراب معمولها له ((ثلاث حالات: الرفع على الفَاعِلية، وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمیر مستتر الصِّفة، والخفض بالإضافة، والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفةً، وعلى التمييز إن كان
ص: 265
نكرةً))(1). على أنَّ صورَ هذا المعمول كثیرةٌ جدًا يصعب الإحاطة بها، فقد أوصلها بعض النحويین إلى أربعة عشر ألفًا ومائتین وست وخمسین صورة(2)، وفيها من الصور الحسنة، والقبيحة، والممتَنِعَة.
ومن تلك الصور إضافة الصفة المشبهة المجرَّدة من (الألف)، و (اللام) إلى معمولها المشتمل على ضمیر الموصوف، نحو: مررتُ بامرأة حسنةِ وجهِها، وهو وجهٌ قد اختلف النحويون فيه على مذاهبَ وآراء.
فقد ذهب فريق من النحويین إلى أنه لم يرد في منثور العرب وإنما بابه الشعر من ذلك قول الشماخ بن ضرار الذبياني(3): [من الطويل] أقامتْ على رَبْعَيهما جارتَا صفًا *** كُمَيْتَا الأعالي جَوْنَتا مُصْطلاهُما فقد عدَّه سيبويه وجهًا قبيحًا، فقال: ((وقد جاء في الشعر حسنة وجهها، شبَّهوه بحسنة الوجه، وذلك رديء؛ لأنه ب «الهاء» معرفة كما كان ب «الألف» و «اللام»، وهو من سبب الأول كما أنَّه من سببه ب «الألف»، و «للام»))(4).
وقد وافق سيبويه على هذا جمعٌ من العلماء منهم ابن السراج(5)، وأبو علي
ص: 266
الفارسي(1)، وأكَّده تلميذه ابن جني(2)، كما سار على ذلك كلٌّ من الأعلم(3)، والصّيْمري(4)، والزمخشري(5)، واختاره ابن يعيش(6)، وابن ابي الربيع(7).
ولما كان المعنى سبيلًا مهماً في فهم التوجيه النحوي كان لا بد من الوقوف بإيجاز على معنى بيت الشماخ، ولعلَّ ما فسر به السیرافي يغني القول بذلك، إذ قال: ((ومعنى «جارتا صفا» الأثافي، و «الصفا» هو الجبل، وإنما يُبنى في أصل الجبل في موضعین ما يوضع عليه القدر ويكون الجبل هو الثالث، فالبناء في الموضعین هما جارتا صفا، وقوله: «كميتا الأعالي»، يعني أنَّ «الأعالي» من موضع الاثافي لم تَسْوَد؛ لأنَّ الدخان لم يصل إليها فهي على لون الجبل، وجعل ما علا من الجبل أعالي الجارتین، «وجونتا مصطلاهما» يعني مسودتا المصطلى، يعني الجارتین مسودتا المصطلى، وهو موضع الوقود))(8)، وعلى هذا يكون محل الشاهد فيه هو ((«جونتا مصطلاهما» فجونتا مثنى، وهو بمنزلة «حسنتا « وقد أضيفتا إلى «مصطلاهما «، ومصطلاهما بمنزلة «وجوههما» فكأنه قال:حسنتا وجوههما، والضمیر الذي في مصطلاهما يعود إلى «جارتا صفا»))(9).
ص: 267
ولبيان علّة وصف هذه الوجه من الإضافة بالقبح أو الرداءة لا بد من الوقوف على أصل المسألة، فالأصل في الصفة المشبّهة أنْ تعمل الرفع فيما هو سببها، على أنْ يشتمل هذا المعمول على ضمیرٍ يعود على الموصوف. فأصلُ قولنا مثلاً: (مررت برجل حسن الوجه) هو (مررت برجل حسنٍ وجهُه)، فقد رَفعتْ الصفةُ (حسن) معمولَها (وجهه) وفيه ضمیرٌ يعود على الصفة وهو (الهاء)، فعند حَذفِ هذا العائد للعِلم به يصیرُ في الصفة؛ لأنَّه لابد من اشتمال الصفة على رابط، والدليل على استكان هذا الضمیر في الصفة هو تأنيث الصفة بسببه فنقول: مررت بامرأة حسن وجهها، ف (الحسن) وصف للوجه، والضمیر (الهاء) في (الوجه) عائد إلى (المرأة)(1).
واستنادًا إلى ما تقدَّم فإن قيل: مررت بامرأة حسنة وجهها، عاد على المرأة ضمیران أحدهما: ضمیر الصفة (حسنة)، والآخر: الضمیر في (وجهها) وهذا خطأ؛ لإضافة (حسنة) إلى (الوجه)، والشيء لا يُضاف إلى نفسه عند البصريین(2)، على أنَّ الرضي زاد على ذلك تعليلاً آخر، فرأى أنَّ الإضافة موضوعة من أجل التخفيف، فقبيح أنْ يجري التخفيف من وجه وهو حذف التنوين من الصفة ويُترَك الوجه الأهم وهو بقاء الضمیر في معمول الصفة(3).
وقد ذهبت طائفة أُخرى من النحويین إلى منع هذه الاضافة مطلقًا في الشعر والنثر، وقد نُسِبَ القول بهذا الرأي إلى المبرد(4)، وهو ما اختاره الزجّاجي ناسبًا
ص: 268
القول به إلى جميع النحويین(1)، وقد أجابوا عماّ استشهد به سيبويه بأنَّ الضمیر في (مصطلاهما) ليس عائدًا على الموصوف، وانما هو عائد على سببه (الأعالي) وقد ثُني الضمیر في (مصطلاهما)؛ لأنَّ (الأعالي) جمعٌ لفظًا مثنى معنًى(2)، وقد رُدَّ هذا التوجيه لفساد المعنى؛ لأنَّ معنى (كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما) اسودّت الجارتان واصطلى أعاليهما، وهذا لا يستقيم ودلالة البيت؛ لأن الأعالي لم تَسودّ لعدم وصول الدخان إليها(3).
ويبدو أنَّ السماع يقف بالضد من أقيسة النحويین، فقد وردت شواهد نحوية من النثر الفصيح كانت فيها إضافة الصفة المشبهة المجردة إلى معمولها المضاف واضحة لا يمكن تأويلها، من ذلك قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) في وصف الدجّال:
((أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ، وَهُوَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى))(4).
ومن شواهد هذه الإضافة في كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) قوله في وصف النبي محمد (صلی الله علیه و آله وسلم): ((كانَ رَسُولُ الله (صلی الله علیه و آله وسلم) ضَخْمَ الْهَامَةِ، كَثِیرَ شَعَرِ الرَّأْسِ رَجِلا، أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، شَثْنَ الْكَفَّیْنِ وَالْقَدَمَیْنِ، طَوِيلَ أَصَابِعِهَا))(5).
وقد نظر جمع من النحويین في هذه النصوص وسواها فقرّروا أنّ تلك
ص: 269
الإضافة واردة في السَّعة والاختيار، وهو المذهب الذي نُسب إلى الكوفيین(1)، واختاره السهيلي(2)، على أنَّ ابن مالك أجازه على ضعف مستندًا في ذلك إلى عدد من الشواهد النثرية(3)، معترضًا على مَن ذهب إلى تأويل بيت الشماخ على أنَّ (الأعالي) جمع في اللفظ مثنى في المعنى، فقال: ((وهذا صحيح في الاستعمال منافر للمعنى؛ لأنَّ «مصطلى الأثفية» أسفلها، فإضافته إلى «أعلاها» بمنزلة إضافة «أسفل» إليه، وأسفل الشيء لا يُضاف إلى أعلاه، ولا أعلاه إلى أسفله، بل يُضافان إلى ما هما له من أسفل وأعلى))(4). هذا فضلاً عن أنَّ حمل التثنية على الجمع فيه بُعد؛ والمعروف حمل الجمع على التثنية(5)، ثم إنَّ في هذا التأويل رجوعًا إلى ما انصُرِف عنه، والعرب لا ترتضي هذا(6).
أما ادّعاء كون الإضافة تفضي إلى إضافة الشيء إلى نفسِه وهو مما يمنعه النحويون فقد تكفَّل الرضي بالردِّ عليه قائلاً: ((لما قصدوا إضافة الصفة إلى مرفوعها، فجعلوه في صورة المفعول، الذي هو أجنبي من ناصبه، ثم أضيفت إليه حتى لا يستنكر في الظاهر، وإن أراد أنه أُضيفَ «حسن» إلى «وجه» المضاف إلى ضمیر راجع إلى صاحب (حسن) فكأنَّك أضفت (حسنا) إلى ضمیر نفسه وذلك لا يجوز، فليس بشيء؛ لأن ذلك لو امتنع لامتنع في المحضة أيضا، وقد قيل فيها:
ص: 270
واحد أمه، وعبد بطنه وصدر بلده وطبيب مصره، ونحو ذلك))(1)، ومما يعضد إضافة الشيء إلى نفسه أيضًا ورودها في كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) في أكثر من موضع(2).
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدم يترجَّح لديَّ مذهبُ من أجاز تلك الإضافة لورودها في أصح أدلّة السماع العربي من الحديث النبوي الشريف وكلام الإمام علي (علیه السلام)، ولهذا نخلص إلى تعديل القاعدة النحوية بالآتي: يجوز في السعة والاختيار إضافة الصفة المشبهة المجردة إلى معمولها المضاف إلى ضمیر الموصوف لورود السماع بذلك في نهج البلاغة فضلاً عن السنة النبوية الشريفة.
ص: 271
ص: 272
الفصل الأول: ما لم يَذكرْهُ أغلبُ النحويين في أُسلوبَي القسم والشرط الفصل الثاني: ما لم يَذكرْهُ أغلبُ النحويين في مسائلَ أُخر
ص: 273
ص: 274
من المعلوم لدى الدارسین أنّ علماء العربية الأوائل قد قاموا بجهودٍ مهمةٍ في استقراء اللغة بهدف الحفاظ عليها من اللحن والخطإِ، والوصول إلى وصف قواعدها، وتبويب مسائلها، غیر أنَّ سَعة العربية وامتدادها فضلاً عن البواعث أو الأسباب التي رافقت موقف طائفة من النحويین من أدلّة السماع العربي فمنعوا الاحتجاج ببعضها، وضعَّفوا الاستشهاد ببعضٍ آخر، كلُّ ذلك أفضى إلى إغفال جملة من الاستعمالات العربية الفصيحة التي حاول عددٌ من متأخري النحویين تسجليها أو استدراكها على من تقدَّمهم من العلماء، وقد تغيب بعض التراكيب النحوية عن علماء العربية القدماء والمتأخرين معًا.
وموضوع هذا الباب هو رصد جملة من الأنماط النحوية التي لم يُشِر إليها النحويون أو أغلبهم فيما وضعوه من قواعد، إلا أنها قد وردتْ في كلام الإمام (علیه السلام)، الأمر الذي ينبغي أنْ يُصار إلى تفريع قواعد جديدة استنادًا إلى ذلك؛ لأنَّ أغلب القواعد يجب أنْ تسیرَ متَّسقةً مع الشواهد التي تستند إليها أو تؤيِّدها، قال ابن جني: ((واعلمْ أنَّك إذا أدَّاكَ القياس إلى شيءٍ ما ثم سمعتَ العرب قد نطقتْ فيه بشيءٍ آخر على قياس غیره فدعْ ما كنتَ عليه إلى ما هم عليه))(1)، على أنَّ (أكثر النحويین يسعَون في الغالب إلى ((تكميل الثغرات بالمنطق والقياس لا بمعاودة
ص: 275
المشافهة))(1)، زيادةً على عدم استمرار تلك المشافهة طوال مدة الدراسة(2)، وهذا سببٌ من أَسباب عدم الاطِّلاع على الكثیر من الاستعمالات العربية الفصيحة التي زخرتْ بها كتب التراث اللغوي ولاسيما تراث أئمة أهل البيت (علیهم السلام).
والاحتجاج النحوي بكلامِ الفرد مذهبٌ رآه ابن جني؛ فقد أشار الى جواز الاحتكام إلى ما يَرد على لسان الفرد العربي الفصيح في تقرير القواعد وبنائها وإنْ لم يُسمعْ هذا الكلام من غیره، هذا ما عقده في ((باب في الشيء يُسمعُ من العربي الفصيح، لا يُسمع من غیره))(3)، مستشهدًا على ذلك بكثیر من المسائل اللغوية والنحوية التي وردتْ على لسان فُرادى من العرب منتهيًا في ضوء ذلك إلى الحكم بوجوب قبول تلك الاستعمالات والقياس عليها(4)، وإنْ كانتْ تلك الاستعمالاتُ مخالِفةً لمِا عليه الجمهور، فالعِبرة بفصاحة لسان العربي وقوة بيانه(5)، ولا أعلم أحدًا - مخالِفًا كان أم مؤالفًا - لديه شكٌ في فصاحة أمیر المؤمنین (علیه السلام) وبلاغته، ولعلّ ما ذكره الجاحظ في قول الإمام (علیه السلام): ((قيمه كلِّ امرئ ما يحسنه))(6) وافٍ في بيان ذلك، إذ قال: ((فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافيةً كافيةً، ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغیر مقصرة عن الغاية))(7) وليس هذا بمستغرَب عمّن نهلَ من معین القرآن الكريم والسنة النبوية
ص: 276
الشريفة، وهذا ما صرَّح به ابن أبي الحديد قائلاً: ((فانظرْ القرآن العزيز - واعلم أن الناس قد اتفقوا على أنَّه في أعلى طبقات الفصاحة - وتأمله تأملاً شافيًا، وانظر إلى ما خصَّ به من مزية الفصاحة والبعد عن التقعیر والتقعيب، والكلام الوحشي الغريب، وانظر كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فإنَّك تجده مشتقًا من ألفاظه، ومقتضبًا من معانيه ومذاهبه، ومحذوًّا به حذوه ومسلوكًا به في منهاجه، فهو وإن لم يكن نظیرًا ولا ندًّا يصلح أنْ يُقال: إنه ليس بعده كلام أفصح منه ولا أجزل، ولا أعلى ولا أفخم ولا أنبل، إلا أن يكون كلام ابن عمه (علیه السلام)))(1).
أما تقسيمُ هذا الباب فإنه قد قام على فصلين:
الفصل الأول: ما لم يَذكرْه أغلبُ النحويين في أُسلوبَی القسم والشرط:
الفصل الثاني: ما لم يَذكرْه أغلبُ النحويين في مسائلَ أُخر.
ص: 277
ص: 278
المبحث الأول: ما لم يذكرْهُ أغلبُ النحويين في أُسلوب القَسَم المبحث الثاني: ما لم يَذكرْهُ أغلبُ النحويين في أُسلوب الشرط
ص: 279
ص: 280
عرَّف النحويون القسمَ بأنَّه جملة تؤكَّد بها جملة أُخرى(1)، ومعنى هذا أنَّه يقوم على جملتین؛ إحداهما: جملة القسم والأُخرى: جملة جواب القسم، وهي الأهم؛ إذ ((لا بد للقسم من جواب؛ لأنّه به تقع الفائدة ويتم الكلام، ولأنّه هو المحلوف عليه، ومُحال ذكر حلف بغیر محلوف عليه))(2)، ولمّا كان قوام القسم جملتین مختلفتین الواحدة مستقلة عن الأُخرى - وإنْ كانتا متعلقتین إحداهما بالأُخرى - جيءَ بأحرفٍ تربط إحداهُما بالأُخرى كربطِ حَرفِ الشرطِ الشرطَ بالجزاءِ(3).
وقد قسَّم علماء العربية القسَمَ من حيث جوابُه على ضربین، أَحدهما: جملة جواب القسمِ الخبرية، والآخر: جملة جواب القسم الطلبية، وهما النمطان اللذان سأَدرسهما بقاعدتین منفصلتین على النحو الآتي:
ص: 281
يقصد النحويون ب (القسَمَ الخبري) هو ما كانت جملةُ جوابِه خبريةً، وهي إما إسمية أو فعلية، فإن كانت إسميةً فهي إمّا مثبتة أو منفية؛ فإن كانت مثبَتة أُجيبَ القَسَم ب (اللام) المفتوحة، أو ب (إنَّ)، و (اللامِ)، أو ب (إنَّ) وحدَها مشدّدةً أو مُخَففَةً.
وأمّا إنْ كانت منفية فيُجابُ القَسَمُ ب (ما)، أو (لا)، أو (إنْ)(1). وتعليلُ وجود هذه الأحرف في الجواب هو إفادتها التوكيد الذي من أجله جاء القَسَم(2).
وكان الرضي الاسترابادي فصَّلَ القولَ في (لام) جواب القسم ومواضع دخولها وشرائط كلِّ موضع، فرأى أنَّ كلَّ موضعٍ تدخله (لام) الابتداء بعد (إنَّ) جاز أنْ تدخلَه (لام) جواب القسم، وبهذا نفهم أنَّ موقفه هو المواءمة بن (اللامین) في المعنى؛ لأنّهما تدلان على التوكيد سواء في باب (إنَّ) أو في جواب القسم، وعلّة ذلك علة مشابهة؛ إذ إنَّ ((التأكيد المطلوب من القسم حاصل من «اللام»))(3).
ومن جملة ما ذكرَ من تلك المواضع دخول (اللام) على (كأنَّ) شذوذًا(4).
وسوى ما ذكره الرضي لم يُشِرْ أَحدٌ من النحويینَ - فيما وقفتُ عليه من مصادر - إلى وقوع (كأَنَّ) جوابًا للقَسَم فضلاً عن حذفِ جملةِ القسَم وإبقاءِ (اللامِ) في (لَكَأَنَّ) دالةً عليها، إلاّ أبو حَيّان الأندلسي الذي قال: ((ولا يجوزُ دخولُ «لامِ»
ص: 282
القَسَمِ على «أَنَّ» ولا على «أَنْ»، ويجوزُ دخولُها على «كَأَنَّ»، ومنهُ قولُ الأعرابيّ: وما هذهِ القَنَمَةُ؟ واللهِ لَكَأَنَّا على حُشَشَةٍ))(1)، وهذا ما ذكره السيوطي أيضًا(2)، وأخذ به الأُستاذ عباس حسن من المحدثین قائلاً: ((«اللام» الداخلة على جواب القسم لا تدخل على «إنّ» المشدَّدة ولا على شيء من أخواتها، إلا «كأنّ»، نحو: والله لكأنَّ صدقة البخيل اقتطاع من جسده))(3).
وإذا كان أبو حيّان والسيوطي والأُستاذ عباس حسن لم يقفوا في إجازتهم هذا الاستعمالَ على شواهد معلومة القائل وغیر مصنوعة فإننا بوسعنا الاستدلال على صحته وإجازة القياس عليه بكلام الإمام (علیه السلام)، إذ قال في توبيخ أصحابه على التواطؤ عن نصرة الحق: ((وَالله لَكَأَنِّی بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ اَلْوَغَى وَحَمِيَ اَلضِّرَابُ قَدِ اِنْفَرَجْتُمْ عَنِ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ اِنْفِرَاجَ اَلْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا))(4). بعد أنْ عَلِمَ الإمام (علیه السلام) من أصحابه الخذلان في أكثر من موطن وموقف حكمَ على أنَّ ذلك الموقف سيستمر منهم ويتخلّون عنه في أوقات اشتداد الحرب، ولهذا كان كلامُه هذا مبنيًا على القَسَم يريد أنَّ ذلك سيحصل لا محالة، مؤكِّدًا هذا بجواب القسم المصدَّر ب (لام) القسم المتلوّة ب (كأنَّ) الدالة على القطع واليقین في مثل هذا الموطن وهو مذهب الكوفيین والزجّاجي(5)، على أنَّ سياق كلام الإمام يحتملُ - زيادة
ص: 283
على التحقيق - معنى التشبيه أيضًا، ولهذا لا معنى لحصر الفعل (إخال) الوارد في سياق كلامه (علیه السلام) على الظن؛ إذ لا مدخل لجواب القسم بعد الظّن الدال على الشك(1)، وبهذا يكون هذا الاستعمالُ أحدَ الصور التي يجب أنْ تأخذَ نصيبها من تبويب القواعد.
ومن الشواهد العَلَوية على ذلك قوله (علیه السلام) في خطبة في ذكر الملاحم:
((لكَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِی ضَوَاحِي كُوفَانَ))(2)، ف (اللامُ) في (لَكَأَنَّی) واقعةٌ في جواب قسم محذوفٍ تقديرُهُ (والله لكأنِّ أنظر...).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) في راهبٍ قُتِل مَعه في صِفِّین: ((واللهِ لكأنِّی أنظر إليه وإلى زَوجتِه وإلى مَنزلتِه ودرجته التي أكرمَهُ اللهُ بها))(3).
ومما يؤكِّد شيوع هذا الاستعمال وروده على لسان أئمة أهل البيت (علیهم السلام) في أكثر من شاهد من ذلك قول الإمامِ الحَسَنِ (علیه السلام) لعُبيد اللهِ بن عُمَرَ بن الخطّاب(4) وهو يُقاتلُ إلى جانبِ معاويةَ في صفّینَ: ((يا بنَ الخطّاب، واللهِ لكأَنّی أنظرُ إليكَ مقتولاً في يومِكَ أو غدِكَ))(5)، وقول الإمامِ الباقرِ (علیه السلام) ذاكرًا الإمامَ
ص: 284
المهديَّ (علیه السلام): ((واللهِ لكأَنّی أنظُرُ إليهِ وَقَدْ أسْنَدَ ظهْرَهُ إلى الحَجَرِ، ثمَّ يَنْشُدُ اللهَ حَقَّهُ))(1).
وإنْ كان السماعُ أقوى حجةً على جواز هذا النمط إلا أنّه يمكن الاحتكام إلى القياس والصناعة النحوية لتقويته أيضًا، فالمانع من دخول (لام) جواب القسم على (إنَّ وأخواتها) فيما عدا (كأنّ) يعود إلى المعنى والصناعة النحوية أيضًا، ف (إنَّ) حرف موضوع للتوكيد، و (اللام) حرف واقع في جواب القسم كذلك، فلا يجتمعان(2).
وأما (ليت، ولعل، ولكنَّ) فإنَّ الذي يمنع من وقوعها بعد (لام) جواب القسم كراهة توالي الأمثال، فالسبب صوتي، وهو نفسه الذي منع مجيء (اللام) في جواب (لو) فيما إذا كان منفيًا ب (لم)(3)، كما يمتنع هذا الاقتران للسبب نفسِه إذا كانت (اللام) واقعةً في خبر (إنَّ) الذي أولُّه (لام) القسم؛ لهذا يجب الفصل بينهما ب (ما) زائدة كراهة اجتماع (اللامین)(4)، وتمتنع (اللام) أيضًا في جواب القسم إذا كان منفيًا ب (لا)(5).
يظهر مما تقدَّم أنَّ الذي منع دخول (لام) جواب القسم على (إنَّ) عائد الى كراهة تصدّر حرفین لمعنى واحد، على حین أنَّ كراهة اجتماع المثْلین هي سبب عدم مباشرة (اللام) للأحرف المبدوءة ب (اللام) وهي (ليت، ولعل، ولكنّ).
ص: 285
ولاشك في أن (كأنَّ) ليس فيها هذان المانعانِ، ولهذا جاز وقوعها جوابًا للقسم مسبوقة ب (اللام)، على أنّه ينبغي أنْ تدلَّ (كأنَّ) على التحقيق في هذا النمط من الاستعمال، إذ إنَّ القسمَ موضوعٌ للتوكيد والتحقيق كما تبیَّن.
ومما يتصل بأُسلوب القسم أيضًا انفراد الإمام (علیه السلام) بالجملة القَسَمية (والذي برأ النَّسَمة)، إذ قال في خطبة في ذكر الملاحم: ((أمَا والَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ إِنَّ اَلَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ (صلی الله علیه و آله وسلم) وَ اَللَّهِ مَا كَذَبَ اَلْمُبَلِّغُ وَ لاَ جَهِلَ اَلسَّامِعُ))(1).
ذكر ابن الأنباري ذلك فقال: ((برأَ الله عباده يبرؤهم برءًا: إذا خلقهم.
من ذلك قول علي بن أبي طالب (رضی الله عنه) في يمينه: «والذي فلقَ الحبةَ وبرأَ النَّسَمَةَ»))(2)، وأكد ذلك اللغويون أيضًا(3)، وفطن له من شُّراح النهج ابن أبي الحديد، فقال: ((وهذا القسم لا يزال أمیر المؤمنین يُقسم به، وهو من مبتكراته ومبتدعاته))(4).
نخلص مما تقدَّم إلى إعادة صوغ القاعدة بالآتي: يجوز وقوع (كأنّ) في جواب القسم الخبري استنادًا إلى ورود ذلك في نهج البلاغة، كما يجوز استعمال عبارة (والذي برأ النسمة) الدالة على القسَم.
ص: 286
قَسَم الطلب، أو قَسَم السؤال(1)، أو القَسَم الاستعطافي(2) مصطلحات يدور معناها على نمط من أنماط القسم في العربية يقصد النحويون به ما كان جوابُه جملةً طلبية(3)، ومعناه أنْ يكون المُقسَم عليه مطلوبًا.
ويُؤدَّى هذا النوع من القَسَم بمجموعة من الأفعال منها (سأل، ونشد، وذكَّر، وأقسم، وشهد)، قال سيبويه: ((واعلم أنَّ من الأفعال أشياء فيها معنى اليمین، يجري الفعل بعدها مجراه بعد قولك: والله، وذلك قولك: أقسمُ لأفعلنَّ، وأشهدُ لأفعلنَّ، وأقسمتُ بالله عليك لَتفعلنَّ))(4)، وذكر هذا المعنى في موضع آخر، فقال:
((وسألتُ الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلّ فعلتَ ولمّا فعلت، لِمَ جاز هذا في هذا الموضع، وإنما أقسمت ههنا كقولك: والله؟ فقال: وجه الكلام لتفعلَنَّ، ههنا ولكنهم إنما أجازوا هذا؛ لأنهم شبَّهوه بنشدتك الله؛ إذ كان فيه معنى الطلب))(5)، وليسَ النطق بهذه الأفعال مجرَّدةً دليلاً على القَسَم، وإنّما يُعلم ذلكَ بأنْ يليَها لفظُ
ص: 287
الجلالةِ (الله)(1)، وقد عُرِّفَ هذا النوع من القسَم بأنَّه ((جملة طلبية يُراد بها توكيد معنى جملة طلبية أُخرى مشتملة على ما يُثبر الشعور والعاطفة))(2).
وقد اشترط أغلبُ النحويین لجواب هذا الضَّرْب من القسم أن يكون جملة طلبية، فقصروا معنى الطلب على الأساليب الإنشائية من أمر، أو نهي، أو استفهام، أو (إلاّ)، أو (لمَّا)(3)، كما أُجيز أن يُابَ القسم أيضًا ب (لَتَفْعَلَنَّ)، و (لَنَفْعَلَنَّ) فيكونُ خبرًا بمعنى الأمر(4).
الظاهر أنَّ أغلب النحويین فهموا من الطلب مؤدّاه اللفظي المنحصرِ في الأساليب الإنشائية الطلبية، وهو فهم يعوزه التفسیر الدقيق لمعنى الطلب، كما يفتقر الى الاستقراء التام لشواهد العربية التي جاء فيها القسَم الاستعطافي مُجابًا بمعنى الطلب لا بصيَغِه الإنشائية التي حدّدها النحويون، فقد ورد في نهج البلاغة جوابُ القسم مُصدَّرًا ب (أنْ) في قوله (علیه السلام) مخاطِبًا الخليفةَ عثمان: ((وَإِنِّی أَنْشُدُكَ اَللَّهَ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِی هَذِهِ اَلْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا اَلْقَتْلَ وَ اَلْقِتَالَ إِلَی يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ))(5).
ص: 288
أدرك الإمام بحسب الظروف والقرائن وما يتحرك به الناس أنَّ الخليفة عثمان سيُقتل إنْ بقيَ على موقفه يمارس هو وعشیرته المقرَّبون الظلم والعدوان على الأُمة؛ إذ الأخبار الواردة عن الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) تؤكِّد ذلك(1)، لذا جاء كلامه (علیه السلام) هذا على سبيل النُّصح والتحذير مُدلًا عليه بقوله: (أنشدك الله) أي: سألتك بالله(2)، وهو خطاب للخليفة عثمان وتحذير له باستعمال أُسلوب القسم بالله تعالى بأنْ لا يفعل ما يكون بسببه الإمامَ المقتولَ الذي يفتح على المسلمين القتل والقتال(3)، وهذا ما صرَّحت به جملة جواب القسم المصدَّرة ب (أنْ) المصدرية، وهي جملة دالة على الطلب بمعناها؛ لأنها صلة الطلب، وهذا ما يُسب لابن سيده الذي أدخل (أنْ) في جملة ما يجوز أن يُجاب به القسم الاستعطافي، فقد نصَّ على ذلك وهو يذكر الألفاظ التي تستعمل في هذا النمط من القسم من قبيل (أسألك بالله)، و (أنشدك بالله)، الدالة على معنى الطلب والسؤال، فقال: ((جوابُا كلها ما ذكرت لك؛ لأَن الأمر والنهي والاستفهام كلها بمعنى السؤال والاستدعاء وكذلك «أَن» لأَنَّه صلَة الطَّلَبِ كقولك: نَشَدْتُكَ اللهَ أَن تقوم))(4)، وفطن لهذا المعنى أبو حيان وعلّل بما علّل به ابن سيده(5)، كما أشار إليه ناظر الجيش أيضًا(6).
يتضح مما تقدّم أنَّ جواب القسم الطلبي لا ينحصر بالصِّيَغ التي يذكرها
ص: 289
النحويون، بل المراد به أنْ يكون ذلك المذكور مطلوبًا للمتكلم(1)، ولا شك في أنَّ قولنا: أنشدك الله أنْ تقومَ، يدل على معنى الطلب بالمعنى لا بالصيغة.
واستنادًا إلى ما تقدَّم بالإمكان تقديم تعديل للقاعدة بالقول: يجوز وقوع جواب القسم الطلبي مصدرًا مؤولًا أي: (أن) والفعل المضارع، لأنه يدل على الطلب بمعناه، لورود ذلك في نهج البلاغة وفي كلام العرب.
ص: 290
(لو) أداةٌ شرطيةٌ غیر جازمة، صرَّح سيبويه بوظيفتها ومعناها، فقال: ((وأما «لو» فلِما كان سيقع لوقوع غیره))(1) وهي تدلُّ على الزمن الماضي(2)، وقد تردُ للمستقبل(3)، والمعنى الذي ذكره سيبويه أدقُّ من المعنى الشائع لدى كثیرٍ من النحويین بأنها حرف امتناع لامتناع؛ إذ إنَّ امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجواب؛ فقد يستلزمه أو لا يستلزمه، قال ابن هشام: ((وقد اتضح أنَّ أفسد تفسیر ل «لو» قول من قال «حرف امتناع لامتناع» وأن العبارة الجیدة قول سیبویة «رحمه الله»:
«حرف لما كان سيقع لوقوع غیره»))(4)، وقد تنبَّه لهذا المعنى المحدثون أيضًا، فقد ذهب الدكتور مهدي المخزومي إلى أنَّ (لو) ((أداة شرط تُستعمل فيما لا يُتوقَع حدوثه، وفيما يمتنع تحققه، أو فيما هو مُحال، أو من قبيل المحال))(5).
ص: 291
ومما يؤكِّد صحة مقولة سيبويه بأنَّ (لو) تُستعمل فيما كان سيقع لوقوع غیره اقترانُ فعل الشرط بعدها ب (قد)؛ لأنَّ أبا علي الشلوبيني (ت: 654 ه) فسَّر ذلك بأنَّ (لو) لا تدل ((على الامتناع، بل مدلولها ما نصَّ عليه سيبويه من أنَّها تقتضي لزوم جوابها لشرطها فقط))(1)، على حین أنَّ أغلب النحويین أو جميعهم يمنعون هذا الاقتران(2)، وقد فطن لهذا النمط النحوي أُستاذُنا الدكتور علي عبد الفتّاح في دراسته لنهج البلاغة(3)، مستشهدًا له بأربعة نصوص من كلام أمیر المؤمنین، منها قوله (علیه السلام): ((لَوْ قَدِ اِسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ اَلْمَدَاحِضِ لَغَیَّرْتُ أَشْيَاءَ))(4).
وليس لي إضافة على ما ذكره الدكتور علي، فقد بسط القول في المسألة، وأشبعها بحثًا وتحليلاً، لكن أودُّ أن أذكر ههنا عددًا من الشواهد النحوية في غیر نصوص نهج البلاغة من أجل بيان مدى شيوع هذا النمط في كلام العرب من جهة، وإغفال النحويین له في التقعيد النحوي من جهةٍ أُخرى، من ذلك قولُ النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) حينما دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ (رضی الله عنه) وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ، فَقَالَ:
((لَوْ قَدْ فَتَحْتَ الطَّائِفَ لَقَدْ أُرِيتُكَ بَادِيَةَ بِنْتَ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَماَنٍ))(5)، وقول الإمام الباقر (علیه السلام): ((لو قد خرجَ قائمُ آلِ مُحمَّدٍ (علیهم السلام) لنصَره الله بالملائكة المسوّمين))(6).
ص: 292
كما ورد هذا النمط في الشعر العربي أيضًا من ذلك قول جرير(1): [من الوافر] و لو قدْ بايعوكَ وليَّ عهدٍ *** لَقامَ القِسْطُ وَاعتَدَلَ البِنَاءُ وقول أبي العتاهية(2): [من الكامل] فاجْعَلْ لِنَفْسِكَ عُدّة لِلقَاءِ مَنْ *** لَوْ قَدْ أَتَاكَ رسُولُهُ لَمْ تمتَنِعْ أما فيما يخص جواب (لو) فقد استقرى علماء العربية كلام العرب فانتهى إحصاؤهم إلى أنَّ (لو) الشرطية لا يأتي جوابها إلا فعلاً ماضيًا مثبتًا، أو منفيًا ب (ما)، أو مضارعًا منفيًا ب (لم)، ويناز جواب هذه الأداة باقترانه ب (اللام). فإذا كان الجواب مثبتًا فالغالب فيه اقترانه ب (اللام)، أمّا إذا كان منفيًا ب )لم( فا يقرن بها البتّة، وإن كان منفيًا ب (ما) فالغالب أنْ يتجرَّد منها(3).
ولم يَرد في كتب النحويین - فيما وقفتُ عليه من مصادر - أنَّ جواب (لو) يرد جملةً استفهاميةً، وإن كان الرضي صرَّح بأنّ جواب الشرط يجوز أنْ يخلو من الرابط فيما إذا كان استفهامًا، على أنه خصَّ بذلك ما يقترن ب (الفاء)(4)، لكن (لو) مما يقترن جوابها ب (اللام) لا (الفاء).
إنَّ الاستدلال بكلام أمیر المؤمنین يُثبِتُ صحة ورود الاستفهام جوابًا ل (لو)،
ص: 293
إذ قال (علیه السلام) لرجلٍ قد أرسله قوم من أهل البصرة، لما قرب (علیه السلام) منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم: ((أرَأَيْتَ لَو أَنَّ اَلَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِدًا تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ اَلْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَی اَلْمَعَاطِشِ وَ اَلْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعًا؟ قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَی اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ))(1).
كلامُه (علیه السلام) بمنزلة التمثيل على وجوب اتّباع الحق متى ظهرت معالمه لا اتّباع الباطل والإصرار عليه، وهو سؤال يريد منه الإمام بيانَ موقفِ مَن أرسله قومه ليعلم حقيقة حاله مع أصحاب الجمل فيما إذا خالفَه قومُه فيما أخبرهم به من مواضع الماء والعشب فخالفوه الى الأماكن الجرداء القاحلة ماذا كان يصنع؟ أيذهب معهم أم يتركهم إلى حيث الكلأُ والماءُ؟(2) وهو ما أعربتْ عنه جملة الجواب (ما كنتَ صانعًا) المصدَّرة ب (ما) الاستفهامية(3)، وهذا من بديع القول وفصيحه، فابتدأ الكلام بالاستفهام متبوعًا بالشرط ثم اختتمه بالاستفهام أيضًا، والكلامُ ((إذا نُقِلَ من أُسلوبٍ إلى أُسلوب، كان ذلك أحسن تطريةً لنشاط السامع، وإيقاظًا للإصغاء إليه من إجرائِهِ على أُسلوبٍ واحد))(4)، لذا أجاب هذا الرجلُ عن استفهام الإمام (علیه السلام) بالإيجاب وبايعه فيما بعد(5).
ولعل الذي أَسهمَ بالانتقال من الشرط إلى الاستفهام بتركيبٍ واحدٍ يخلو
ص: 294
من رابط يربط جملة الشرط وجوابه هو طول جملة الشرط التي تنوَّعتْ بأُسلوب العطف، لهذا ((قال البيانيون: إنَّ الكلام إذا جاء على أُسلوبٍ واحد وطال، حَسُنَ تغيیر الطريقة))(1)، الغرض من هذا تحقيق عنصر التشويق والإثارة في المتلقي(2)، وهو ما جاء عليه النص العَلَوي المبارَك.
ومن الشواهد العَلَوية أيضًا قوله (علیه السلام) للخليفة أبي بكر ((أخبرْني لو أنَّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة (علیها السلام) بفاحشةٍ ما كنتَ صانعًا؟ قال:
كنتُ أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين، قال: كنتَ إذًا عند الله من الكافرين. قال: ولِمَ؟ قال: لأنك كنتَ تردُّ شهادة الله وتقبل شهادة غیره))(3).
فقوله (علیه السلام): (ما كنت صانعًا) المصدَّر ب (ما) الاستفهامية واقعٌ في جواب (لو).
ومما يعضُد جواز هذا الاستعمال وشيوعه في كلام العرب وروده في الحديث النبوي الشريف في أكثر من موضع، من ذلك قول النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((لو أنَّ لك ما في الأرض من شيء أكنتَ تفتدي به؟ فيقول: نعم))(4)، كما جاء هذا النمط في كلام أئمة أهل البيت (علیهم السلام)، من ذلك قول الإمام الحسین (علیه السلام) لعمرو بن جنادة الأنصاري(5) وهو ابن إحدى عشرة سنة وقد قُتِلَ أبوه في واقعة الطف:
ص: 295
((يا فَتى! قُتِلَ أَبُوكَ، وَلَوْ قُتِلْتَ فَإِلى مَنْ تلْتَجئ أُمُّكَ في هذَا الْقَفْرِ؟))(1)، وقول الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) لسائلٍ مُلحدٍ عن قوله تعالى: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا»(2) فأجابَه الإمام: ((أرأيت لو أن رجلاً عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء وجبلها ثم ردَّها إلى هيأتها الأُولى ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال: بلى أمتعَ الله بك))(3).
وبهذه الشواهد وسواها نستدل على جواز هذا الاستعمال في الكلام العربي وشهرته على لسان فصحائهم وبلغائهم، وهو مما فات النحويین الذين قصروا جواب (لو) على الجملة الفعلية، ولم يذكروا الاستفهام في جملة الأنماط التي يأتي عليها جواب (لو) في كلام العرب.
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدّم لابد من تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز وقوع الاستفهام جوابًا ل (لو) لورود ذلك في كلام الإمام علي (علیه السلام) وسواه من الكلام العربي الفصيح المُحتَج به.
لوجود(1)، أو رابطة لوجود الشيء بوجود غیره(2).
وللنحويین في حقيقتها وتصنيفها مذهبان؛ أحدهما: أنّها حرف وجوب لوجوب في الماضي وهو مذهب سيبويه، قال: ((وأما «لمّا» فهي للأمر الذي قد وقع لوقوع غیره، وإنما تجيء بمنزلة «لو»))(3)، وتفسیر تلك المشابهَة أنهما حرفان شرطيان يربطان الجواب بشرطه في الزمن الماضي(4)، وقد تابع سيبويه في هذا عددٌ من النحويین(5).
ويرى أصحاب المذهب الآخر أنَّها ظرف بمعنى (حین) وعلى هذا ابن السراج(6)، وأبو علي الفارسي(7)، وابن جني(8)، والهروي(9) وعبد القاهرالجرجاني(10)، وذهب آخرون إلى أنَّها ظرف بمعنى (إذ)(11)، وهو ما استحسنه
ص: 297
ابن هشام معلِّلاً ذلك باختصاصها بالماضي وإضافتها إلى الجمل، نحو: لمّا جاءني أكرمته(1).
وقد حاول ابن مالك التوفيقَ بین المذهبین، فقال: ((إذا وليَ «لمّا» فعلٌ ماضٍ لفظًا ومعنًى فهو ظرف بمعنى «إذ»، فيه معنى الشرط، أو حرف يقتضي فيما مضى وجوبًا لوجوب))(2).
ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ (لمّا) أداة شرط غیر جازم تؤدي وظيفة الربط والتعليق بین جملتین؛ جملة الشرط وجوابه(3).
وأما جوابها فقد اتفق النحويون فيه على أنه ماضٍ لفظًا ومعنًى، فقد قال الفراء في قوله تعالى: «فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِی قَوْمِ لُوطٍ»(4): ((لم يقل: جادلَنا. ومثله فِی الكلام لا يأتي إلا بفعلٍ ماضٍ كقولك:
فلمّا أتاني أتيته. وقد يَجوز فلمّا أتاني أثبُ عليه كأنه قَال: أقبلت أَثِب عَليه))(5)، وارتضى هذا الطبري، فقال: ((والعرب لا تكاد تَتَلقَّى «لمَّا» إذا وليها فعلٌ ماضٍ إلا بماضٍ، يقولون: «لما قام قمت»))(6)، وذهب ابن عصفور إلى متابعة الفراء
ص: 298
فأجاز مجيء جوابِا فعلاً مضارعًا محتجًا لذلك بآية سورة هود المار ذكرها(1).
أما ابن مالك فقد حاول التفصيل في أنماط جوابها فأجاز أنْ يكون جملةً إسميةً مسبوقةً ب (إذا) الفجائية نحو قوله تعالى: «فَلمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَی أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ»(2)، أو فعلاً مضارعًا، أو جملة إسمية مسبوقة ب (الفاء) نحو قوله تعالى: «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ»(3) (4)، وتأوَّل النحويون هذه الآية على حذف الجواب؛ لأنّ (الفاء) لا تدخل في جواب (لمّا)(5).
ولم يزد الرضي على ما أدلى به ابن مالك من قبله، فقال: ((ويليه فعلٌ ماضٍ لفظًا ومعنى وجوابه أيضًا كذلك أو جملة إسمية مقرونة ب »إذا» المفاجأة (...) أو مع «الفاء»، وربما كان ماضيًا مقرونًا ب »الفاء»، وقد يكون مضارعًا))(6).
ولم يرتضِ النحويون هذا فعمدوا - كعادتهم - إلى تأويل النص الكريم على الحذف والتقدير، فحملوا الفعل المضارع على الماضي بتأويل (جادلنا)، أو يكون الجواب (جاءته البشرى) وتُقدَّر (الواو) على أنّها زائدة، أو بتقدير فعل محذوف
ص: 299
يكون هو الجواب، والتقدير: (أَقبل يجادلنا)(1).
يظهر مما تقدَّم أنَّ أغلب النحويین لم يقفوا على ورود جواب (لمّا) إلا ماضيًا لفظًا ومعنى في الأغلب، فلم يُشیروا بحسب ما وقفتُ عليه من مصادر إلى مجيئه مضارعًا منفيًا ب (لم) - وإن كان هو ماضيًا بالمعنى - لكنّهم أوجبوا في الشرط المضي في اللفظ والمعنى وجعلوا الجواب مثله.
فاشتراط المضي لفظًا ومعنًى في جوابها هو ما تذكره مصادر اللغة والنحو والتفسیر(2)، على أن أبا حيان زاد على ذلك جواز ورود الجواب مضارعًا منفيًا ب (لم)، فقال: ((وجواب «لمّا» فعلٌ ماضٍ لفظًا ومعنًى، أو منفي ب »ما» أو مضارع منفي ب »لم»))(3)، على أنَّه لم يستشهد لهذا الضرب من الاستعمال من كلام العرب شعره أو نثره.
إن الاستدلال بكلام أمیر المؤمنین في نهج البلاغة يؤكد ما ذكره أبو حيان، إذ قال (علیه السلام) في مسألة التحكيم: ((وَ لَمَّا دَعَانَا اَلْقَوْمُ إلَی أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا اَلْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ اَلْفَرِيقَ اَلْمُتَوَلِّیَ عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ سبحانه وتَعَالَی))(4).
ص: 300
يستظهر هذا المقطع من الخطبة الشريفة أنَّ الإمام (علیه السلام) يريد بيان أهمية الاحتكام إلى القرآن الكريم في حل الخصومات والنزاعات، على أن يُرجَعَ في ذلك إلى مَن يستنطقه ويفهم مقاصده وهو الرسول الكريم محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) بسنّته النبوية الشريفة فهي ترجمان كلام الله تعالى، فالإمام إنما رضي بتحكيم القرآن لهذا المعنى رافعًا بذلك شبهة من يظن أنَّه يعارض حكم القرآن الكريم(1)، وهذا ما أفصحتْ عنه جملة جواب الشرط (لم نكن...) المصدَّرة ب (لم) وهي حرف نفي وجزم وقلب، وإنما عمد (علیه السلام) إلى استعمال هذا الضرب من الجواب؛ لأن (لم) تدلُّ على النفي المستمر(2) فضلاً عماّ فيها من قوة وتوكيد، وهذا مناسب للمقام وما فيه من استمرار الأئمة المعصومین على نهج القرآن الكريم، ولا غرو فهم عِدلُه، ولو قيل (ما كُنّا الفريق...) لما دلَّ على هذا المعنى؛ لأنها تدلُّ على نفي الماضي القريب من الحال(3). هذا من جهة الدلالة والعدول من تعبیر إلى آخر، وأما القياس فيعضُد هذا الاستعمال أيضًا؛ إذ إن سيبويه قرنَ (لمّا) ب (لو)، و (لو) مما يجوز أن تُجاب ب (ما) أو (لم)(4).
نخلص من هذا إلى تعديل القاعدة النحوية بالقول: يجوز أن يرد جواب (لما) فعلاً مضارعًا منفيًا ب (لم) لورود ذلك في كلام الإمام علي (علیه السلام)
ص: 301
ص: 302
ص: 303
ص: 304
عرَّفَ النحويون (أفعل) التفضيل بأنَّه وصفٌ يُصاغ على وزن (أفعل) للدلالة على شيئین اشتركا في صفةٍ ما وزاد أحدهما على الآخر فيها(1)، وقد اشترطوا فيه جملة شروط: أنْ يكون الفعل ثلاثيًا مجردًا، ومتصرِّفًا قابلًا للتفاوت، ليس الوصف منه على (أفعل فَعْلاء)، تامّا مثبتًا مبنيًا للمعلوم، له فعل(2)، وهي الشروط نفسها المتعلقة بصوغ صيغَتَي التعجب.
فإنْ لم يستوفِ الفعل تلك الشروط جيء بمصدره منصوبًا على التمييز مسبوقًا ب (أفعل) التفضيل من فعل استوفى شروط الاشتقاق(3)، فإنْ سُمِعَ شيء من ذلك عن العرب فإنه یُحفَظ ولا يُقاس عليه(4)، إلا إذا أُريدَ وصف زائد عليه، فيجوز القول مثلًا: محمد أفجعُ موتًا من زيدٍ(5)، أما إذا كان الفعل جامدًا أو غیر قابل للتفاضل فلم يجُز التفضيل منه قطُّ بطريق مباشر أو غیر مباشر(6).
ص: 305
وقد قصر النحويون دلالة عدم التفاضل على الموت والفناء والهلاك، فلم يمثِّلوا لمسألة عدم التفاوت إلا بهذه المعاني(1)، وعلّلوا امتناع التفضيل من تلك الدلالات بأنه لا مزية فيها لبعض فاعليها على بعض(2). وبعدم قبوله المفاضلة ينتفي الأساس الذي يقوم عليه التفضيل في أغلب حالاته(3).
إنَّ النحويین قد حملوا (أفعل) التفضيل الوارد على خلاف ما وضعوا من شروط على الشذوذ(4)، على أنهم لم يُشیروا - في حدود ما اطلعتُ - إلى مجيء (أفعل) التفضيل مما لا تفاضل فيه حتى وإن كان ذلك شذوذًا، وكأنّم لم يقفوا على شواهد تؤيِّد هذا في كلام العرب نظماً أو نثرًا.
إنَّ النظر في نصوص كلام الإمام علي (علیه السلام) في نهج البلاغة يُثبت خلاف ما ذهب إليه النحويون في هذه المسألة؛ إذ جاء (أفعل) التفضيل مما لا تفاوت فيه أو تفاضل في أكثر من موضع، من ذلك قوله (علیه السلام) في خطبة يذكر فيها صفة من يتصدّى للحكم بین الأُمة وليس لذلك بأهلٍ: ((إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اِكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ اَلدِّمَاءُ وَ تَعَجُّ مِنْهُ اَلْمَوَارِيثُ إِلَی اَللَّهِ مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلاَّلاً لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ اَلْكِتَابِ
ص: 306
إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَ لاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ))(1).
بعد أنْ صنَّف الإمام مَن يتصدَّون للحكم والقضاء بین الناس اختتم خطبته بالشكوى إلى الله تعالى من مثل هؤلاء المتشبِّهين بالعلماء، فوصفهم بالضلال في حياتِهم كلِّها، كما وصفهم أيضًا بأنهم يريدون قرآنًا ينسجم مع رغباتهم وأهوائهم، وهذا ما عبَّرت عنه الجملة (ليس فيهم سلعة...) أي إنَّهم يعتقدون بالكتاب الفساد والكساد فيما إذا حُمِلَ على الوجه الصحيح المنزّل عن طريق الوحي، على حین يرَون فيه السلعة الرائجة المرغوبة إذا حُرِّف عن مواضعه(2)، دالًا على ذلك بلفظتَي (أبور)، و (أنفق)، وهما كلمتان تدلان على التفضيل لأنهما على وزن (أفعل)، اشتُقت الأُولى منهما من الفعل (بار الشيء يبور)، واشتُقت الثانية من الفعل (نفق).
ومن أجل التدليل على أنَّ الكلمتین (أبور)، و (أنفق) تنتميان إلى جذرين لغويین يدلان على عدم التفاضل والتفاوت لابدَّ من الوقوف على حقيقتهما بالعودة إلى ما قاله أرباب اللغة والمعجمات فيهما، فقد ذهب اللغويون إلى أنَّ الأصل في الجذر اللغوي (بور) هو الهلاك والكساد والفساد(3)، على أنهم حملوا
ص: 307
معنى الكساد والفساد فيه على المجاز(1)، ومما يؤكِّد معنى (الهلاك) في مادة (بور) - فضلاً عما ذُكر - أنَّ ابن سِيده جعلها في باب (الهلاك وأفعاله)(2)، وعلى معنى الهلاك حمل المفسرون الفعل (تبور) في قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ»(3) (4).
يتحصَّل لديَّ مما تقدَّم أنَّ الفعل (بار يبور) يدل على الهلاك والكساد والفساد، وحاول الراغب الأصفهاني أنَّ يجد جامعًا معنويًا بین هذه الدلالات، فقال: ((البَوَار: فرط الكساد، ولمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد - كما قيل:
كسد حتى فسد - عبرّ بالبوار عن الهاك))(5). وبهذا نستدل على أنَّ الأصل في (بور) هو الهلاك، وهذا المعنى مما يمنع النحويون اشتقاق (أفعل) التفضيل منه، فالقياس منه أن يقال: أكثر بوارًا، لكن الإمام (علیه السلام) قال: (أبور)، وإذا كنّا نلتمس عذرًا للنحويین في عدم إشارتهم لهذا المعنى وهذا الاشتقاق على فرض عدم وقوفهم علی كلام الإمام، فإن شُّراح النهج ولاسيما من عُنِيَ منهم بإيراد قضايا اللغة والنحو كان عليهم الإشارة إلى ذلك، لكنّهم لم يذكروا ذلك في حدود ما اطلعتُ.
ومما يعزّز وقوع معنى التفضيل في (أبور) أنَّ الإمام (علیه السلام) ذكر المفضَّل عليه
ص: 308
مجرورًا ب (من) وهو (من الكتاب)، زيادةً على استعارة لفظ (السلعة)، ولا شك في أنَّ السلع تتفاضل فيما بينها في الكساد والفساد، ولهذا ذهب الشُّرّاح الى أنَّ المعنى المراد في النص العَلَوي هو (أكسد)(1)، ولهذا فإنَّ كلَّ هذه القرائن تدلُّ على إرادة معنى التفضيل، ولو لم يكن معنى التفضيل جائزًا في معنى (البور) لما لجأ النحويون واللغويون إلى تقدير مصدر يُنصب على التمييز يأتي مسبوقًا ب (أفعل) التفضيل من فعل استوفى الشروط، فيما إذا أرادوا وصفًا زائدًا عليه كما مرَّ ذلك.
والكلام المتقدِّم ينطبق على (أنفق) أيضًا فإنَّ مادة (نفق) تدلُّ على انقطاع الشيء وذهابِه، ومنه نَفِقَ الطعام نِفاقاً فَهُوَ نَافق، إِذا نَفِدَ وأَنفَقَ الرجل، أي: افتقر وذهب ماله، ونفقت الدابة نفوقًا: ماتت، ونفق السعر نفاقًا، وذلك أنَّه يمضي فلا يكسد ولا يقف(2)، وبهذا يتضح أنَّها ترجع الى معاني الموت والنفاد والانقطاع، ولا شك في أنَّها معانٍ منع النحويون مجيء (أفعل) التفضيل منها بحجّة عدم وقوع التفاضل فيها.
وبهذا استطاع أمیرُ المؤمنین (علیه السلام) بما يمتلكه من إتقان للغة ومعانيها، وعِلم واسع بأسرارها وبلاغتها وفصاحتها التعبیرَ عن التفاضل فيها وهو ما أغفلَه النحويون ولم ينصّوا عليه في حدود ما تتبعتُ.
واستنادًا إلى كلِّ ما تقدم لابد من تقديم تعديل للقاعدة النحوية بالقول: يجوز اشتقاق (أفعل) التفضيل من أفعال الموت والفناء لورود ذلك في نهج البلاغة.
وهي معانٍ لا تفاضل فيها على وفق مقولة النحويین.
ص: 309
(صار) من النَّواسخ الفعلية يدخل على الجمل الإسمية ذكرَه سيبويه في جملة الأفعال (كان، ومادام، وليس) التي لا تستغني عن الخبر(1)، قد اتفق النحويون على أنَّ معناه الانتقال والتحوّل من حال إلى حال(2).
وقد يأتي الفعل (صار) أيضًا بمعنى (جاء وانتقل) فيكون تامًا، قال ابن يعيش: ((وقد تُستعمل بمعنى «جاء» فتتعدى بحرف الجر، وتفيد معنى الانتقال أيضًا كقولك: صار زيد إلى عمرو، وكلُّ حي صائر للزوال، فهذه ليست داخلة على جملة، ألا تراك لو قلت: زيد إلى عمرو، لم يكن كلامًا وإنما استعمالها هنا بمعنى «جاء» كما استعملوا «جاء» بمعنى «صار» في قولهم: ماجاءت حاجتك، أي: ماصارت))(3)، وأكد هذا المعنى أيضًا الرضي فقال: ((«وصار للانتقال» هذا معناها إذا كانت تامّة كما تقدم، ومعناها إذا كانت ناقصة: كان بعد أنْ لم يكن، فتفيد ثبوت مضمون خبرها، بعد أنْ لم يثبت، ومعنى يصیر: يكون بعد أن لم يكن))(4)، ومنه قوله تعالى: «أَلَا إِلَی الله تَصِیرُ الْأُمُورُ»(5) (6).
ص: 310
ولم يذكر النحويون - في حدود ما اطلعتُ - للفعل (صار) فيا إذا جاء ناقصًا غیر معنى التحوّل والانتقال من حال إلى حال، ولما تحصَّل هذا فإنَّهم جعلوا هذا المعنى حاكماً في إرادة معنى النقص في (كان وأخواتها).
ولا خلاف في أنَّ المعنى الرئيس ل (صار) هو الانتقال والتحوّل من حال إلى حال على أن التتبّع والاستقراء لهذا الفعل في نهج البلاغة يرفد الاستعمال اللغوي بمعنى جديد غیر الانتقال والتحوّل، جاء ذلك في ضوء قوله (علیه السلام) في بيان صفة المتقین: ((قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِی أَرْفَعِ اَلْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَ تَصْيِیرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَی أَصْلِهِ))(1).
بعد أنْ عرض الإمام (علیه السلام) طائفةً من صفات المتقین شرَعَ بذكر نتائج ذلك وثماره، فقد أفاد شُّراح النهج من هذا المقطع من الخطبة معنى الاجتهاد، فالمجتهد هو مَن يقوم باستنباط الأحكام الشرعية من أُصولها أو أَدلتها التفصيلية، فالمراد ب (التصيیر) ههنا هو ردُّ كلِّ فرعٍ من فروع العِلم ومسائله إلى أصله المتشعِّب عنه.
وفي هذا إشعارٌ بضرورة الاجتهاد(2).
وبهذا يكون هذا النصُّ شاهدًا لغويًا على مجيء (صار) بمعنى الرد، وهذا ما صرَّح به ابن ابي الحديد قائلاً: ((ويمكن أن يحتج بهذا من قال بالقياس ويمكن أنْ يُقال: إنه لم يُرِد ذلك بل أراد تخريج الفروع العقلية وردها إلى أصولها))(3)، أي إنّ الفعل (صار) ههنا جاء مخالفًا لقياس النحويین الذين قصروا استعماله على معنى
ص: 311
التحوّل والانتقال من حالٍ إلى حالٍ.
ولعل ما يعضُد دلالة الرد والتقسيم في النص العَلَوي ما ورد في الدلالة المعجمية للجذر (صیر)، فهو يعني المآل والمرجع(1)، على أنَّ الذي ينبغي أنْ يُذكرَ ههنا أنَّ الذي أسهم في إيجاد هذا المعنى ليس الفعل وحدَه، بل السياق الذي ورد فيه، فذِكرُ لفظَتَي (الفرع)، و (الأصل) في نص الإمام هما من ساعدا على تحصيل معنى الرد.
ومن الشواهد العَلَوية على ذلك ما جاء في وصيةٍ له (علیه السلام) إلى مَن يستعمله على الصدقات، قال فيها: ((ثُمَّ اُحْدُرْ إِلَيْنَا مَا اِجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَیِّرهُ حَيْثُ أَمَرَ الله))(2). فالفعل (نُصَیْرِّهُ) استعمله الإمام استعمالًا مُخالفًا للمعنى الأصي للفعل وهو الانتقال والتحوّل من حال إلى حال، فقد أشار شُّراح النهج إلى أنَّ مراد الإمام من التصيیر هنا هو التقسيم(3)، أي تقسيم ما يجتمع لدى العامل وتوزيعه على مستحقيه.
ومما يؤكِّد دلالةَ التقسيم في شاهد الإمام السياق والقرائن المحيطة بالنص، إذ أردفه بذكر معنى التقسيم، فقال: ((لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلی الله علیه و آله وسلم)))(4)، وهذا ما لمحَهُ عدد من شُّراح النهج ذاهبین إلى أنَّ هدف الإمام من تكرار معنى التقسيم والتوزيع دفع الظِّنة عن نفسه وعمّن يمثله؛ فإنّ الزمان كان في عهده قد فسد وساءت ظنون الناس بسبب تصرّفات من سبقه واستئثارهم بأموال الفَيْء(5).
ص: 312
وحَمَلَ الشارح البحراني الفعل هنا على معنى (نَصْرِفُهُ)(1)، أي أنْ يُصَرْفَ في مصارفه التي أمرنا الله بها، على حین ذهب السيد عباس الموسوي الى أنَّ التصيیر في النص جارٍ على وفق ما يراه النحويون فهو يدل على التحوّل والانتقال، والمعنى تحويل ما اجتمع لدى العامل إلى أهله(2)، على أنّ الذي ذكره النحويون هو تحويل الشيء من حالٍ إلى حالٍ أُخرى غیر الأُولى والحال مختلف في أمر الإمام، فالتقسيم حاصل لِما اجتمع بلا تغیير أو تبديل وفي المسألة خلاف فقهي(3)، أي تحويل ما يُجمع ثم يوزَّع على مستحقيه من الناس.
نخلص مما تقدم ذكره إلى تعديل القاعدة بالقول: يجوز ورود الفعل (صار) بمعنى الرد والتقسيم استنادًا الى كلام الإمام علي (علیه السلام) في نهج البلاغة. وليس محصورًا على الانتقال والتحوّل من حالٍ إلى حالٍ وإن كان ذلك أصل معناه.
إلى الفعلية أكثر(1)، وهو في تلك الإضافة مخالف لِما يماثله لهذا بُني لخروجه عن بابه، وقيل: إنَّ الذي أوجب بناءه وقوعُه على الجهات الست وعلى كلِّ مكانٍ فأُبهمَ فضارعَ بإبهامه في الأمكنة (إذ) المبهَمة في الدلالة على الأزمنة الماضية كلِّها(2).
والنحويون مختلفون في مسألة لزومه النصبَ على الظرفية أو تجرّده منها الى الجر بحرف الجر، فاكتفى سيبويه بالإشارة إلى ظرفيته وإضافته ذاكرًا بعضَ المسائل المتعلقة ببنائها ولغات العرب فيها دونما ذكرٍ لتجرّده من الظرفية إلى الجر بحرف الجر(3) على الرغم من استشهاده ببيت الفرزدق في باب البدل، فقد وردت في البيت (حيث) مجرورةً ب (فی)، قال الفرزدق(4): [من الطويل] فأصْبَحَ في حَيثُ التَقَيْنا شَرِيدُهُمْ *** طَلِيقٌ وَمَكتوفُ اليَدَينِ وَمُزْعَفُ ونصَّ المبرّد على أنَّ (حيث) منصوبٌ على الظرفية وقد يُجَر ب (من)(5)، وتابعه ابن هشام(6)، وقطع ابن مالك بأنَّه نادر التجرّد من الظرفية(7).
ص: 314
أما الرضي الاسترابادي فقد ذهب إلى أنَّ ظرفيته غالبة لا لازمة(1)، ولم يذكر ابن الصائغ غیرَ ظرفيته(2).
وذهب فريق من النحويین المتأخرين إلى جواز خروج (حيث) عن الظرفية إلى الجر بالحرف، فصرَّح أبو حيان الأندلسي إلى جواز جره ب (من) كثیرًا، وب (في) شذوذًا، كا يُجر ب (على)، و (إلى) أيضًا؛ رادًّا على ابن مالك الذي وصف تجرّده من الظرفية بالنادر(3)، على أنَّ الأندلسي لم يُشرِ إلى جر (حيث) ب (على) في (التذييل والتكميل) فاقتصر على ذكر (الباء، وإلى، وفي)(4)، وذكر ناظر الجيش والسيوطي ندرة جرِّه ب (الباء، وإلى، وفي)(5).
إن الفيصل في مسألة قصر الظرف على الظرفية أو تجرّده منها - كغيرها من المسائل النحوية - هو السماع عن العرب، قال ابن الحاجب: ((ووجه الحكم عليه بأنَّه لا يُستعملُ إلا ظرفًا هو أنه كثُر في استعمالهم ولم يجئْ إلا منصوبًا على الظرفية، فدلَّ ذلك على أنه لو كان مما يقع غر ظرف لوقع في كلامٍ ما غیر ظرف))(6)، وهو مبدأ عام وكلام دقيق ينبغي أنْ يُعتمد في كلِّ المسائل النحوية ولاسيما التي غاب فيها الاستقراء التام، وإذا كان مُرادُ ابن الحاجب ومن جزم بعدم تجرد (حيث) من الظرفية إلى الجر بالحرف انتفاءَ ذلك فيما ورد عن العرب من شواهد يُحتَجُّ بها فإنَّ ما ورد في نهج البلاغة - فضلاً عن كلام العرب شعرًا ونثرًا - كافٍ في صحة
ص: 315
خروجه عن الظرفية إلى الجر ب (على) أيضًا.
فقد قال الإمام (علیه السلام) في خطبة الأشباح في وصف الملائكة: ((ومَنْهُم مَن قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ اَلْأَرْضِ اَلسُّفْلَی فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِی مَخَارِقِ اَلْهَوَاءِ وَتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ اِنْتَهَتْ مِنَ اَلْحُدُودِ اَلْمُتَنَاهِيَةِ))(1).
يستجلي هذا القِسم من الخطبة الشريفة جملةً من أوصاف الملائكة (علیه السلام)، فقد شبَّههم الإمام بتلك الهيأة الضخمة والعجيبة المتمثلة بخرق أقدامهم تخومَ الأرض السُّفلى إما حقيقة أو استعارة لعلومهم التي أحاطت بأقطار الأرض السُّفلى، ووجه المشابَهة انتهاء تلك العلوم إلى غايةٍ كانتهاء الأقدام إلى طريقها(2)، فلم يمنع تلك الأقدام النافذة في الهواء من التمدّد والانبساط والتعدي عن حدودها(3) إلا ريح سريعة قوية في هبوبها(4)، وهذا ما أفصحَ عنه وجود حرف الجر (على)، فذكرُه قد أعطى دلالة عدم التمدّد والتوسّع، والبقاء على مكان واحد مقيَّد، ولو لم يَذكر (على) وقال: (تحبسها حيث كانت) لكانتْ دلالةُ المكان مطلقةً مبهمةً واسعةً، يقوّي هذا المعنى أنَّ دلالة (على) هي الاستعلاء(5)، وهو ما يمكن أنْ يُستوحى من سياق النص أيضًا؛ إذ كأنَّ تلك الأقدام قد استعلَت على الريح واستقرت عليها.
ص: 316
والجدير بالذكر أن أغلب شُّراح النهج وجَّهوا معنى (هفافة) على أنها طَيّبة ساكنة(1)، وهو المعنى الذي لم يذكرْه من أرباب المعجمات إلا الجوهري (ت: 393 ه)(2)، والفيروزآبادي (ت: 817 ه)(3)، والأقوى عندي والاكثر انسجامًا مع معاني النص وسياقه هو سرعة الريح؛ فشدة اختراق أقدام الملائكة بحسب المعنى الظاهر تحتاج إلى ردّة فعلٍ أقوى لإيقافها عند حدِّها وهو يلائم القوة والسرعة لا الطيب والسكون.
ومما يؤكد شيوع هذا استعمال (حيث) مجرورة ب (على) وعدم ندرته في كلام العرب وروده على لسان عدد من الشعراء، من ذلك قول الأخطل(4): [من الطويل] تروقُكَ عَيْناها، وأنْتَ ترى لها *** على حيثُ يُلْقى الزَّوْجُ مُنبطَحًا سَهْلا وقول الفرزدق(5): [من الطويل] طَلِيقَ أبي الأشْبَالِ، أصْبَحَ جَارُهُ *** على حَيثُ لا يدنو من الطَّوْدِ طَائِرُه وقول ذي الرمة(6): [من الطويل]
ص: 317
أخا شقوةٍ يَرمي على حيثُ تَلتقي *** منَ الصَّفحة اليُسرى صُحارٌ وواضحُ هذا من جهة الاستدلال بالسماع على صحة هذا الاستعمال، وأما الاحتكام إلى القياس فيتثمل بالحمل على نظيرتها (حین)، فقد قال المبرد: ((«حيث» في الأمكنة بمنزلة «حین» في الأزمنة تجري مجراها))(1)، ولا شك في جواز جر (حین) ب (على) قال تعالى: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا»(2)، وإن اختلفت تأويلات النحويین لهذا الشاهد وسواه.
نخلص مما تقدَّم إلى تعديل القاعدة النحوية بالآتي: يجوز جر (حيث) ب (على) قليلاً لورود ذلك في نهج البلاغة، وفي الشعر العربي، وبالقياس على (حین) أيضًا.
من سُنن العربية في حروف المعاني أنّها تُزاد في التركيب النحوي تارةً وتُحذف تارةً أُخرى، ولاشك في أنَّ لكلا الحالین مقاصدَ ودلالاتٍ، وشرائط ومواضع بسطتْها كتب اللغة والنحو.
وقد اختلف النحويون في زيادة (الواو)، فمنهم من أجازها، ومنهم من أنكرها، فقد ذهب الكوفيون ومن وافقهم إلى جواز زيادتها في بعض المواضع، وساقوا على ذلك عددًا من الشواهد من القرآن الكريم وكلام العرب شعره أو نثره، فرأى الفراء والطبري وأبو بكر بن الأنباري زيادتها في جواب (لما)، وفي جواب (إذا) أيضًا(3)، كما ذهب أيضًا إلى جواز زيادتها بین المتعاطفین
ص: 318
المترادفین(1)، ونحا الأخفش هذا المنحى أيضًا فارتضى زيادتها في جواب (إذا)(2)، كما أجازَ الرمّاني زيادتها وفاقًا للكوفيین فيما ورد عن العرب في قولهم: كنت ولا شيء لك(3).
وتأتي زائدة أيضًا بعد (إلاّ) إذا كان ما بعدها خبرًا أو صفة لاسم نكرة قبلها نحو قوله تعالى: «وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ»(4) استدلالً بعدم ذكرها في قوله تعالى: «وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ»(5) (6).
وأيَّد الهروي مذهبَ الكوفيین فاستشهد على جواز زيادتها بما استشهدوا به، ثم قال: ((واعلم أنَّ «الواو» لا تُقحَم إلا مع «لما» و »حتى» ولا تُقحَم مع غيرهما إلا في الشاذ كقولهم: «ربَّنا ولك الحمد» المعنى: ربَّنا لك الحمد، والواو مقحمة (...)، ومعنى المُقحَم أن يكون الحرفُ مذكورًا على نية السقوط))(7).
ونقل أبو البركات الأنباري مذهبَ الكوفيین هذا وصرّح بوروده كثیرًا في
ص: 319
القرآن الكريم وكلام العرب، إلا أنَّه لم يؤيِّدْه أو يتبنّاه(1)، على حین تابع ابنُ مالك وابنُ هشام رأيَ الكوفيین في هذه المسألة(2).
تبیَّن مما تقدّم رأيُ الكوفيین ومن وافقهم، وأما البصريون فیرون أنَّ الزيادة في الحروف خلاف الأصل، فالأَولى عندهم ألّا يُصار إلى الزيادة إلا بدليل قاطع، لهذا حملوا زيادة (الواو) فيما ذكره الكوفيون في جواب (لمّا)، و (إذا) على حذف الجواب(3).
ولم يَرد عن الكوفيین - وهم من تبنّى زيادة (الواو) - أنَّها تُزاد بعد (ألا) الاستفتاحية، وهذا ما جزم به الهروي فأشار إلى زيادة الواو مع (لمّا)، و (حتى)، أما في غیر هذين الموضعین فالزيادة شاذة لا يُقاس عليها، وإذا كان لهم العذر بأنَّهم قرّروا ذلك استنادًا إلى ما وقفوا عليه من شواهد قرآنية أو شعرية؛ فإنَّ لنا الحق أنْ نسأل عن سبب إغفال طائفة من الشواهد النثرية الكثیرة التي جاءت فيها الزيادة بعد (ألا) الاستفتاحية، ولاسيما في نهج البلاغة في أكثر من موضع، من ذلك قوله (علیه السلام) في خطبة في الاستسقاء: ((ألا وَإِنَّ اَلْأَرْضَ اَلَّتِي تَحْمِلُكُمْ وَ اَلسَّمَاءَ اَلَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ))(4).
افتتح الإمام الخطبة الشريفة ب (ألا) تنبيهًا للسامعين على ضرورة الإصغاء إلى ما سيُلقى إليهم، وتعظيمًا لهذا الأمر وأهميته، ورغبةً في زيادة تمكن الحكم في
ص: 320
أذهانهم لأن (ألا) الاستفتاحية تفيد الإثبات والتحقيق بطريق أبلغ من غیره(1)، ولا شك في أنَّ مقام النص يؤيِّد ذلك؛ فالخطبة في الاستسقاء والمتلقي في حیرة وتردد يحتاج إلى ما يرفعهما عنه، ولهذا جيء ب (ألَا).
ولمّا كان المخاطَبُ شاكًا غیرَ معتقدٍ بنزول المطر بعد اليأس منه لمدة طويلة من الانقطاع جيء ب (الواو) زيادة في التوكيد، فإنَّ للحرف المزيد فائدةً معنويةً، وأُخرى لفظية؛ فأما المعنوية فهي التوكيد، وأما اللفظية فهي تزيین اللفظ وجعلُه أشدَّ ارتباطًا بما يسبقه(2). وهذا مما جاء عليه النصُّ العلَوي الذي حاول دفع هذا الشك والتردد بذكر قدرة الخالق القدير على كل شيء، من ذلك انقياد السماء والأرض لأوامره جلَّ وعلا، ولا شك في أن هذا معنى لا يتحصل لدى كلِّ المخاطَبین به، لأنِّ منهم مَن يشك فيه أو يُنكره، لهذا جيء بأكثر من مؤكِّد.
ومما يقوّي زيادتها في هذا الموضع وأمثاله إمكان إسقاطها من دون اختلال في شكل التركيب دون معناه وهذا هو الزائد في عُرف النحويین وقواعدهم، يرجِّح هذا أنّ الإمام ذكر (الواو) بعد (ألا) في مواضع أُخر من ذلك قوله (علیه السلام) في وصف الدنيا: ((ألا إنَّ الدّنيا دارٌ لا يُسلَمُ مِنها إلّا فيها))(3)، وقوله (علیه السلام): ((أَلَا إِنَّ أَسْمَعَ اَلْأَسْاَعِ مَا وَعَى اَلتَّذْكِیرَ وَ قَبِلَهُ))(4).
فزيادة التوكيد في النص الأول المقترن ب (الواو) دون الثاني والثالث غیر المقترنین بها تعود إلى حال المخاطَب في كلِّ نص، فشِدّة إنكار الأول بسبب صعوبة
ص: 321
الإيمان بفكرة كون السماء والأرض مطيعتین لله سبحانه ألزمتْ استعمال (الواو) فضلاً عن (إنّ) المؤكِّدة، على حین أنَّ فكرة النص الثاني عامة لا تحتاج إلى توكيدٍ ثانٍ؛ لأنّ السامة من مَحِن الدنيا لا يحدث إلا فيها وكذلك الثالث. والاستدلالُ بالنظیر في ترجيح وجه نحوي على آخر كما جرى ههنا سبيلٌ لدى كثیر من النحويین منهم الفرّاء الذي انتهج هذا في زيادتها بعد (إلاَّ) المتلوّة بالنكرة كما مرّ(1)، كما استدل بالنظیر أيضًا الزجّاج وابن هشام(2).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) في وصف الدنيا: ((أَلاَ وَإِنَّ اَلْيَوْمَ اَلْمِضْمَارَ وَغَدًا اَلسِّبَاقَ))(3).
ومن الشواهد أيضًا قوله (علیه السلام) في معاوية: ((أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لَمُةً مِنَ اَلْغُوَاةِ وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَرَ))(4).
اتضح مما مرَّ ذكرُه أنَّ (الواو) تأتي زائدة بعد (ألَا) لصحة سقوطها من التركيب، وهذا هو الزائد في عُرف النحويین واللغويین، ولهذا لم يذكرْها الإمام في شواهد أُخر، إذًا فسياق كلِّ نصٍّ كفيلٌ باختيار ما يناسبه من الألفاظ والتراكيب، واستنادًا إلى كلِّ هذا أقول: يجوز زيادة (الواو) بعد (ألا) الاستفتاحية للدلالة على التوكيد لورود ذلك في نهج البلاغة.
ص: 322
البدل من الأقسام الرئيسة للتوابع في النحو العربي، تحدث عنه سيبويه بقوله:
(())هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول وذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم، ورأيت بني زيد ثلثيهم، ورأيت بني عمك ناسا منهم، ورأيت عبد الله شخصه))(1)، وقد عرَّفه ابن مالك قائلاً: ((التابعُ المقصودُ بالحكمِ بِلا واسِطةٍ هو المُسمَّى بَدلًا))(2).
ولعل هذا التعريف يكاد يكون هو الأشهر، إذ أخذ به أغلب النحويین بعد ابن مالك ليصبح تعريفًا متداوَلًا للبدل، فقد ارتضاه ابن الناظم(3)، وابن هشام(4)، وابن عقيل(5)، والسيوطي(6)، والفاكهي (ت: 972 ه)(7)، والدكتور محمد حماسة من المحدثین(8)، وقد فصّل علماء العربية القول في تفسیر ماهيّة هذا التعريف ثم ذكروا أقسام البدل ودلالات كلِّ قسم.
وقد قرّر النحويون جواز وقوع البدل بین المفردات، فلا خلافَ لدَيهم في هذا الباب(9)، كما أجاز كثیرٌ منهم وقوعَه بین الجمل أيضًا، واستشهدوا لذلك
ص: 323
بشواهد نحوية(1).
أما إبدال الجملة من المفرد فهذا محلُّ خلاف بينهم، بل لم يُفرّع له أغلب النحويین قسماً كأقسام البدل وأنماطه ولم يُشیروا إليه(2)، على الرغم من أنّ السماع نطق به في أكثر من شاهد، الأمر الذي حدا ببعض النحويین التنبه لذلك وإجازته.
فقد ذهب ابن جني إلى جواز إبدال الجملة من المفرد، جاء ذلك في تعقيبه على قول الشاعر(3): [من الطويل] إلى اللهِ أشكو بالمدينةِ حاجةً *** وبالشام أُخرى كيف يلتقيان؟ فقال: ((«كيف تلتقيان» جملة في موضع نصب بدلًا من «حاجة» و «حاجة»، فكأنَّه قال: الى الله اشكو هاتین [الحالتین] تعذر التقائهما))(4)، وتابعه الزمخشري
ص: 324
على هذا فصرَّح برأيه وهو يفسر قوله تعالى: «اهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ»(1)، فقال:
(((هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُون) هذا الكلام كلُّه في محل النصب بدلًا من: النجوى، أي: وأسرُّوا هذا الحديث))(2).
وتبنّى هذا الرأيَ وأيده أيضًا ابنُ مالك فقد احتج له بشواهد متعددة من القرآن الكريم والشعر العربي، فقال: ((وتُبدَل جملة من مفرد كقولك: عرفت زيدًا أبو مَنْ هو. أي عرفت زيدًا أبوته، ومنه قول الشاعر:
لقد أذهلتني أمُّ عَمْرٍو بكلمةٍ *** أتصبرُ يومَ البينِ أمْ لسْتَ تصبرُ فالجملة الاستفهامية التي بعد «كلمة» بدلٌ منها؛ لأن الكلمة هنا بمعنى الكلام))(3)، ثم احتجَّ بمجموعة من الشواهد، منها قوله تعالى: «مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ»(4)، فذهب إلى أنَّ الجملة الإسمية المنسوخة ب (إنَّ) أي: (إنَّ ربَّك...) بدلٌ من (ما)(5).
وممّن أخذ بهذا المذهب عددٌ من العلماء(6) منهم ناظر الجيش الذي علَّل جواز
ص: 325
ذلك التركيب بقوله: ((إنَّ إبدال الجملة من مفرد لا يظهر كونه ممتنعًا، وذلك أَنَّ المبدَل تابع كما أَنَّ النعت تابع، وقد ثبت النعت بالجملة فما المانع من البدل. فإنْ قيل: المانع على نية تكرار العامل، والعوامل لا تَسَلُّطَ لها على الجمل، فالجواب أَنَّ الجملة إذا أُوِّلتْ بالمفرد أُعطيَتْ حكمه، ثم إنَّك قد عرفت أَنَّ العامل في البدل إنَّما هو العامل في المُبدَل منه على مذهب سيبويه*. وقولنا: إنَّ البدل على نية تكرار العامل: المراد به أنَّ البدل هو المستقل بمقتى العامل لا أَنَّ ثَمَّ عاملاً مقدّرًا (...) وعلى هذا يتم قول ابن جني والزمخشري والمصنف، ومن قال بقولهم: أَنَّ الجملة تبدل من مفسر))(1)، وقد صرَّح بإجازة هذا النمط من البدل قسمٌ من العلماء المحدثین(2).
ومما يؤيد صحة هذا الاستعمال وروده على لسان أمیر المؤمنین (علیه السلام) في خطبةٍ له يذكر فيها مواقفه من النبيِّ محمَّدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم)، قال فيها: ((وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (صلی الله علیه و آله وسلم) وَاَلْمَلاَئِكَةُ أَعْوَانِی فَضَجَّتِ اَلدَّارُ وَاَلْأَفْنِيَةُ مَلاٌ يَهْبِطُ وَ مَلاٌ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِی ضَرِيحِهِ))(3).
ينتظم هذا الجزء من الخطبة الشريفة واحدًا من المقامات الرفيعة للإمام علي (علیه السلام) وهو قربُه من النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) في حياته وبعد رحيله؛ إذ هو من تكفَّل بتغسيله ودفنه في مراسيم اتَّسمت بحضور الملائكة (علیهم السلام) أعوانًا للإمام في أداء هذه المهمة العظيمة، من أجل بيان المقام الأسمى للنبي وللإمام؛ إذ يصوّر هذا
ص: 326
النص سماع الإمام الصوتَ الخفي الصادر عن الملائكة(1)، ولمّا كان الفاعل (هينمة) مُبهماً خفِيًا في معناه احتاج إلى ما يرفع هذا الإبهام ويُزيله، لهذا عمد الإمام إلى إتْباعه بجملة (يُصَلّوُنَ عليهِ) الواقعة بدلًا من (هينمة)، إذ إنَّ الغرض من البدل هو ((الإيضاح ورفع الالتباس وإزالة التوسع والمجاز))(2)، على أنَّ بعض الشّرُّاح احتمل غیر هذا المعنى، فجعل شبه الجملة (منهم) متعلقةً ب (يصلّون)(3)، وعلى هذا يكون غرض الإمام هو بيان أصناف الملائكة، والحال خلاف ذلك، فليس غرضُ النص - كما يبدو - تعدادَ أصنافهم؛ فلو كانت الغاية هذه لذكرَ الإمامُ الصِنف الآخَر غیر الذين يُصلّون عليه، ولمَا اكتفى بهذا الصنف فقط، وبهذا يتقوّى لديَّ تعلّق شبه الجملة (منهم) بما قبلها.
ومن شواهد هذه المسألة في الكلام العَلَوي المبارك قوله (علیه السلام) في بيان منزلته من النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم): ((وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ (صلی الله علیه و آله وسلم) بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَ أَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ وَ يَكْنُفُنِي فِی فِرَاشِهِ وَ يُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَ يُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَ كَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ))(4).
يستعرض الإمام (علیه السلام) في هذا الجزء من الخطبة منزلتَه التي اختص بها من رسول الله محمد (صلی الله علیه و آله وسلم)، وقد دلّ على ذلك بإيراد لفظة (الخَصِيصَة) الدالة على الانفراد بالشيء بما لا يشاركه فيه الجملة(5) وهي المُبدَل منه، ولمَّا كان هذا
ص: 327
الخصوص مُجمَلاً يحتاج إلى بيان وتفصيل أردَفه الإمام بما يُزيل الإبهام ويفصِّل المُجمَل وهذا ما أفصحت عنه الجمل اللاحقة التي تصدّرتها الجملة (وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ...) الواقعة بدلًا مطابِقًا من (الخصيصة)، وهذه هي الوظيفة الدلالية للبدل التي تكمن في الإيضاح كما تقدّم فضلاً عن التفصيل.
إنَّ دلالة التطابق بین المُبدَل والمُبدَل منه في النص العلَوي تأتي من أنّ لفظة (خصيصة) بما تدلُّ عليه معجميًا تعني الانفراد وعدم الاشتراك، وقد حصل هذا الانفراد بالمعنى المعجمي لكلمة (خصيصة) وبالموقع الذي احتلته من التركيب النحوي، إذ إنَّ المعاني التي جاءت بعدها في عبارة الإِمام مما انفرد به (علیه السلام) دون سائر الخلق، وهذا من بديع تعانق الدلالة المعجمية والنحوية.
وبهذا يكون نص الإِمام قد زاد نوعًا آخر على أنواع البدل المطابق، وهو الواقع بین لفظةٍ وجملة، ساعد عليه المعنى اللغوي للمُبدَل منه ومعنى الجملة الواقعة بدلًا، على حین أن النحويین يقصرون ورود البدل المطابق بین الألفاظ(1).
والذي يظهر مما تقدَّم صحة مذهب مَن أجاز هذا النوع من البدل - وإن لم يُشر إليه أغلب القدماء - استنادًا إلى السماع والقياس، أما السماع فلوروده في القرآن الكريم ونهج البلاغة وكلام العرب، وأما القياس فإنه يُحمل على النعت، ولا حاجة إلى تكلّف التأويل والتقدير في تخريج الشواهد.
وبهذا لم يبقَ سوى إعادة صوغ القاعدة بالآتي: يجوز وقوع بدل الجملة من المفرد استنادًا إلى ورود ذلك في نهج البلاغة فضلاً عن القرآن الكريم والشعر العربي.
ص: 328
ترد (إذا) في العربية على أنحاء متعددة، وقد بسطت كتب اللغة والنحو مذاهب الخلاف فيها وفي معانيها، ومن تلك المعاني ورودها في الدلالة على المفاجَأة، وهي التي تأتي في حشو الكلام للدلالة على الحال لا الاستقبال، قال سيبويه: ((وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها))(1). ولا تأتي في أوله ولا في آخره(2)؛ ((لأن الغرض من الإتيان بها الدلالة على أنَّ ما بعدها حصل بعد وجود ما قبلها على سبيل المفاجأة، فلا بد في حصول هذا الغرض من تقدّم شيء عليها فلزم أنْ لا تقع في الابتداء))(3).
وقد قرّر النحويون أنّها إذا دلّتْ على المفاجأة فلا يليها إلا الجملة الإسمية، تفريقًا بينها وبین الشرطية(4).
ومِن النحويین من أجاز وقوع الجملة الفعلية مقترنة ب (قد) بعدها مستندًا في ذلك إلى ما حكاه الأخفش عن العرب في نحو: خرجت فإذا قد قام زيد(5)؛ لأنَّ
ص: 329
(قد) تُقرِّب زمن الفعل الماضي من الحال(1)، وقد سوَّغ أبو حيان هذا المذهبَ بمعاملة العرب له معاملة الجملة الإسمية في دخول (واو) الحال عليها، فكما يُقال: جاء زيد وهو يضحك، يُقال أيضًا: جاء زيد وقد ضحك(2)، وزاد ابن هشام سببًا آخر وهو التفريق بينها وبین الشرطية المختصة بالفعلية، فإذا اقترنت ب (قد) - كما يرى - حصل الفرق بذلك(3)، ومنهم مَن أجاز ذلك بلا قَيْد، فيصح أنْ نقول مثلاً: خرجت فإذا قام زيد(4).
فلم يرد رأيٌ - بحسب ما تتبعتُ - يُجيز ورود (إذا) متلوةً ب (ليس)، سواء قيل بحرفيتها أم بفعليتها على الخلاف الوارد في حقيقتها بین علماء العربية، وإنْ كان جمهور النحويین يرجِّح فعليتها(5).
إنَّ اختصاصَ (إذا) الفجائية بالجمل الإسمية مدفوعٌ بما ورد في السماع استنادًا إلى ما نَقله الأخفش عن العرب، وما ورد في نهج البلاغة أيضًا، فقد جاءت متلوَّةً بجملة منسوخة ب (ليس)، إذ قال (علیه السلام) في خطبة له يشكو فيها قلَّةَ الناصر والمعین: ((فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِی رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ مُسَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَنِيَّةِ فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى))(6).
يشرح الإِمام في هذا المقطع من الخطبة حالَه بعد وفاة النبيِّ محمَّدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) وما
ص: 330
حلَّ به وبأهله وما فوجئ به من انعدام الناصر والمعین(1)، وانسياق الناس وراء أطماعهم وأهوائهم، وهذا ما أسهمت به دلالة (إذا) الدالة على المفاجأة، على أنها جاءت متبوعةً بجملة منسوخة ب (ليس) بخلاف ما نصَّ عليه النحويون الذين قصروا ما يتلوها على الجملة الإسمية كما تقدَّم، فضلاً عن دلالتها على الماضي التي يمكن تخريجها ههنا على إرادة حكاية حال ماضية، فالإمام في معرض بيان عمّا كان هو عليه بعد ارتحال النبي محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) وما جرى عليه من الظلم والجور في اغتصاب حقِّه(2).
وبهذا لم تخرج في دلالتها تلك عن الحال وإن دلَّت (ليس) على المضي؛ وإيضاح هذا أنّ الزمن سياقي يخضع للسياق والقرائن المحيطة بالنص هذا من جهة، ومن جهة أُخرى أنَّ المراد بالزمن الحاضر ههنا هو ((الزمن الذي يتحقق فيه المعنيان في وقت واحد؛ المعنى الذي بعدها والمعنى الذي قبلها؛ بحيث يقترنان معًا في زمن تحقيقها))(3)، وهذا ما عليه النصُّ العَلَوي، إذ إن زمن تحقق نظرة الإمام وانعدام الناصر كان واحدًا بلا شك.
ومما يُقوّي صحة هذا الاستعمال وشيوعه في كلام العرب وروده في كلام العرب نظماً ونثرًا، فمن النثر ما ورد في كلام أهل البيت والصحابة، ففي حديث ذكره أبو حمزة الثالي (رضی الله عنه)(4) وهو في رِفقة الإمام السجاد (علیه السلام)، فقال الثمالي: ((خرجت
ص: 331
مع علي بن الحسن (علیه السلام) إلى ظاهر المدينة، فلما وصل إلى حائط قال: إني انتهيت يومًا إلى هذا الحائط فاتكأت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، (...) قال: فهل رأيت أحدُا خاف الله فلم يُنجه؟ قلت: لا، قال (علیه السلام): فإذا ليس قدامي أحد))(1)، كما ورد هذا التركيب كثیرًا في مرويات الصحابة (رضی الله عنه)(2).
وأما الشعر فمنه قول كعب بن زهير:(3) [من الطويل] حديثُ أناسيٍّ فلما سمعتهُ *** إذا ليسَ فيه ما أَبِينُ فأَعْقِلُ إنَّ تلك الشواهد كافية للاستدلال على صحة هذا التركيب وجوازه، لهذا لابد من إعادة صوغ القاعدة بالقول: يجوز ورود (إذا) الفجائية متبوعة بجملة منسوخة ب (ليس) احتكامًا إلى ما ورد في نهج البلاغة وفي كلام العرب نظماً ونثرًا.
ص: 332
من المعلوم أنَّ الخاتمة تُعقَد في الغالب لذكر أهم النتائج التي يتوصل إليها بحث معین، أما النتائج التي توصلتْ إليها هذه الدراسة فمهمة كلّها - فيما أحسب - في الدراسات النحوية التطبيقية التي تنهل من كتب التراث اللغوي العربي لنقد القواعد النحوية، وتصحيح ما فات أعلام العربية من ضوابط وقوانین، ولاشك في أنَّ إيرادها كلِّها يبدو مكرَّرًا يُطيل بنا المقام، لهذا سأُوجز القول بملخص للمسائل التي دارت في البحث على النحو الآتي:
1. كثرت أقوال العلماء والباحثین والدارسین في بيان أسباب عزوف طائفة ليست قليلة من النحويین عن الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في مسائل النحو العربي، وقد ناقش التمهيد أهمَّ تلك الأقوال وخلص إلى أنَّ الهدف السياسي والمذهبي هو الباعث الرئيس وراء كلِّ ذلك؛ فنهجُ مَن بيده أمور المسلمین بعد رحيل النبيِّ محمدٍ (صلی الله علیه و آله وسلم) على تغييب الحديث النبوي من دائرة الاحتجاج النحوي والمحاسبة على روايته وإشاعته بین الناس انعكس ذلك على التفكیر النحوي لدى القدماء ولاسيما سيبويه الذي استشهد على قلة قليلة بالحديث بلا تصريح باسم النبي، وأصبح ذلك بمنزلة سُنَّة اهتدى بها عدد من المتأخرين أيضًا؛ لأنهم يعدّون كتاب سيبويه (قرآن النحو).
2. ذهب العلماء إلى أنَّ كلام العرب لا يُحیط به إلا نبي، ولاشك في ذلك إلا أني
ص: 333
أرى أنْ تُزاد عبارة (أو إمام معصوم) على من يُحيط بكلام العرب؛ إذ إنّ الإمام عليًا (علیه السلام) لم يُجر إحصاءً أو استقراءً توصّل في ضوئه إلى وجود (لكنّ) من ضمن أحرف النصب التي استقراها أبو الأسود بتوجيه من الإمام، إلا أنه - الإمام - استدركها على أبي الأسود في الصحيفة التي ألقاها إليه.
3. إنَّ نقص الاستقراء النحوي لشواهد العربية أسهم في منع عدد من المسائل النحوية، أثبت البحث جوازها استنادًا إلى كلام الإمام علي (علیه السلام) فضلاً عن ورود قسم منها في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام العرب نظماً ونثرًا، والمسائل هي:
4. جواز زيادة (الباء) في الخبر المثبَت، على حین أنَّ أغلب النحويین قصروا زيادتها على الخبر المنفي.
5. جواز اقتران الخبر ب (الفاء) من غیر تضمنه معنى الشرط، فقد اشترط سيبويه ومن تابعه لذلك الاقتران أن يكون المبتدأ موصولًا أو شبهَ موصول، على حین جاء في كلام الإمام المبتدأ هو الضمیر (أنا)، وقد تبیَّن في هذه المسالة أيضًا عدم صحة ما نُسِبَ إلى الأخفش بأنه يُجیيز اقتران الخبر ب (الفاء) وإن لم يكن المبتدأ اسم شرط.
6. جواز إظهار متعلِّق شبه الجملة الواقعة خبرًا، فالنحويون يمنعون من إظهاره فيقدِّرونه على (مستقر)، أو (كائن)، أو (استقر)، أو (كان) على الخلاف الذي بينهم، وقد ظهر هذا المتعلِّق في أكثر من شاهد علَوي، وبهذا يترجَّح ما ذهب إليه ابن حني ومتابعوه في هذه المسألة.
7. جواز دخول (لام) الابتداء على خبر (لكنّ)، فالبصريون لا يجيزون دخولها إلا على (إنَّ)، أما ما نُسِبَ إلى الكوفيین بأنهم يجيزون هذا فقد ظهر في
ص: 334
البحث أنَّ رأيهم ورأي البصريین سواءٌ في هذا المسألة.
8. جواز إعمال (لا) النافية للجنس في المعارف، ولا موجب للتقدير الذي يفرضه النحويون للتأويل بالنكرة.
9. جواز بناء (أمسِ) على الكسر عند تنكیره، على حین أنَّ جمهور النحويین يذهبون إلى إعرابه في تلك الحالة.
10. أثبت البحث جواز استعمال (مهما) ظرفية، وهو ما رجّحه ابن مالك وآخرون.
11. اشترط النحويون المتأخرون مشاركة الفاعل للمفعول لأجله وأظهر البحث جواز عدم المشاركة تأييدًا لابن خروف والرضي وعدد من المحدثین.
12. الإضافة عند النحويین على تقدير حرف جر محذوف بن المتضايفین لهذا قصروا الإضافة على حرفَ الجر (إلى)، و (مِن) وقد أكد البحث جواز الإضافة الظرفية بمعنى (في) تأييدًا لعدد من النحویين والمفسرين.
13. تبیَّن في البحث جواز حذف الموصول الإسمي وهو مذهب الكوفيین وابن مالك في هذه المسألة.
14. الصلة والموصول بمنزلة الكلمة الواحدة لدى النحویين، لذا يمنعون تقديم أحدهما على الآخر، لكن البحث أثبت جواز تقديم الصلة أو ما يتعلق بها على الموصول.
15. أظهر البحث جواز وقوع الفعل الماضي خبرًا ل (كان) ولا داعي للتقدير والتأويل تأييدًا للبصریین ومن تابعهم.
16. حمل النحويون قسمًا من الأفعال على معنى الظن في المعنى والعمل، على
ص: 335
أنهم منعوا حمل الفعل (عدَّ) عليها وهو ما أثبتته الدراسة.
17. اشترط النحويون لورود الفعل الماضي المثبت حالًا أن يقترن ب (قد) ظاهرة أو مضمرة وهو ما نقضه البحث بشواهد متعددة من نهج البلاغة فضلًا عن القرآن الكريم وكلام العرب نظمًا ونثرًا.
18. قرر النحويون أن تُسبَقَ (أنْ) الناصبة بأفعال اليقین وإلا عُدَّت مخفّفة من الثقيلة، وقد أثبت البحث جواز ورود (أن) ناصبةً مسبوقةً بأفعال التحقيق.
19. أثبت البحث جواز استعمال (في) للتعليل، و (مِن) في الدلالة على الزمان، وزيادة (مِن) في الإيجاب.
20. تُوصف أمة العرب بأنَّها أمةٌ شعريةٌ، وقد انعكس اهتمامها بالشعر على جوانب من حياتها وتفكيرها من ذلك الاعتداد به كمصدر رئيس من مصادر الاحتجاج النحوي، مما أسهم بكثرة خروج الشعراء عن بعض الأقيسة النحوية، وسُميَ هذا الخروج بالضرورات الشعرية، فقد قصر النحويون بعض الأساليب على لغة الشعر وحده من دون النثر استطاع البحث نقض ذلك بإيراد شواهد نثرية من كلام الإمام في نهج البلاغة فضلًا عن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكلام العرب النثري لِما عُدّ مقتصرًا على الشعر، وكانت المسائل التي عالجها البحث في هذا الباب على النحو الآتي:
21. أظهر البحث جواز توكيد جواب الشرط ب (نون) التوكيد في السَّعة والاختيار.
22. تبیَّن في البحث جواز إبقاء (ألف) (ما) الاستفهامية عند جرها بحرف الجر
ص: 336
نظمًا ونثرًا.
23. قرّر النحويون أن خبر (كاد) لا يقترن ب (أنْ) لتدافع المعنيین، فإن ورد فهو مقتصر على لغة الشعر فقط، لكن البحث نقض ذلك وأثبت جواز اقتران خبر (كاد) ب (أنْ) لبيان دلالة تحقق الخبر في المستقبل، فضلًا عن بيان شدة قرب وقوع الفعل.
24. جواز اقتران خبر (لعل) ب (أنْ) حملًا على (عسى)، لاشتراكهما في معنى الترجي والإشفاق.
25. استطاع البحث إجازة حذف همزة الاستفهام في لغة النثر بعدما قصره النحويون على الضرورة الشعرية.
26. تبیَّن في البحث جواز حذف حرف العطف (الواو) وحده مع بقاء المعطوف نظمًا ونثرًا.
27. إنّ اقتران (مَن) الشرطية بالناسخ لا يفقدها شرطيتها، فالشرط باقٍ فيها ولا حاجة لتقدير ضمیر شأن محذوف بعد (إنَّ) أو حمل المسألة على الضرورة الشعرية لورود ذلك نظمًا ونثرًا.
28. إن الاستدلال بكلام الإمام أثبت جواز دخول أداة الشرط على الأسماء، ولا موجب للقول بالتقدير والتأويل أو حمل المسألة على الضرورة الشعرية سوى الحفاظ على أقيسة بناها النحويون على استقراء ناقص.
29. أثبت البحث جواز ورود فعل الشرط مضارعًا مجزومًا والجواب ماضيًا.
30. اتضح في ضوء البحث جواز وقوع الجواب للشرط - عند اقترانه بالقسم - في السعة والاختيار خلافًا لمن منعه أو وسمه بالضرورة الشعرية.
ص: 337
31 31 ذهب أبو علي الفارسي ومن تبعه إلى أنَّ إثبات (ميم) (فم) عند الإضافة مقصورٌ على لغة الشعر وحده، وأثبت البحث جواز ذلك في السَّعة والاختيار.
32. نقض البحث ما ذهب إليه الصَّيْمري الذي حكم على حذف (قد) قبل الفعل الماضي والاستغناء عنها ب (الام) في جواب القسم بالضرورة الشعرية، فقد ورد ذلك في النثر الفصيح المتمثل بنهج البلاغة.
33. ليس نصبُ اسم الفاعل مفعولَه الثاني ضرورةً شعريةً كما ذهب السیرافي بل هو استعمال فصيح جارٍ في السَّعة والاختيار.
34. من نتائج نقص الاستقراء الذي مُني به النحو العربي عدم إشارة النحويین إلى عدد من الاستعمالات والأساليب النحوية الفصيحة، استطاع البحث استدراكها استنادًا إلى كلام الإمام علي (علیه السلام) فضلًا عما ناظره من كلام العرب شعرًا ونثرًا، وهي:
35. ورود (كأنَّ) في جواب القسم الخبري.
36. قرر النحويون أن جواب القسم الطلبي لا بد من أن يرد جملة إنشائية من استفهام أو نهي، أو، أمر، وقد زاد البحث جواز وقوع المصدر المؤول جوابًا لهذا النمط من القسم؛ لأنه مما يعطي معنى الطلب وهو ما يُحسب لابن سيده وأبي حيان الأندلسي اللذين أشارا إليه.
37. أظهر البحث جواز ورود جواب (لو) جملة استفهامية، وجواب (لمّا) فعلًا مضارعًا منفيًا ب (لم).
38. تبیَّن في ضوء البحث استعمال الإمام (علیه السلام) (أفعل) التفضيل من افعال
ص: 338
الموت والهلاك وهو مما لا تفاضل فيه بحسب قواعد النحويین.
39. أشار جمهور النحويین إلى أنَّ الفعل (صار) لا يدل إلا على التحول والانتقال، وقد أثبت البحث استعمالًا آخر له في الدلالة على الرد والتقسيم.
40. بانَ في البحث جواز جر (حيث) ب (على) وهو ما لم يُشر إليه إلا أبو حيان في حدود ما تتبعت، على الرغم من وروده كثیرًا في كلام العرب نظمًا ونثرًا.
41. لا خلاف بین النحويین في إجازة إبدال المفرد من المفرد، لكن أغلب القدماء لم يفرِّعوا قاعدةً لإبدال الجملة من المفرد وهو ما ورد في كلام الإمام في أكثر من شاهد فضلًا عن وروده في شواهد من القرآن الكريم أيضًا.
42. أسهمت الدلالة المعجمية في جواز وقوع البدل المطابق جملةً، على حین أنَّ النحويین لم يُمثِّلوا للبدل المطابق إلا بین المفردات.
43. ورود وزن (فعلل) وصفًا وهو ما خفي على سيبويه.
44. رفد كلام الإمام علي المعجم العربي بلفظ (خصيصة) مفرد (خصائص)، فلم تنص المعجمات اللغوية على ذكرها في حدود ما اطلعتُ.
45. أظهر البحث جواز وقوع الفعل الماضي خبرًا ل (لعل) وهو ما منعه ابن مبرمان، كما ورد (لعل) في كلام الإمام (علیه السلام) في الدلالة على التعليل والرجاء معًا.
46. أثبت البحث جواز إضافة الشيء إلى نفسه خلافًا للبصريين.
47. ثبتَ في البحث أنَّ الفعل (إخال) لايدل على الظن المراد به الشك دائماً، بل يرد أحيانًا في الدلالة على التحقيق ولهذا جاء جوابًا للقسم، ومعلوم أن الشك لا يرد جوابًا للقسم.
ص: 339
48. إنَّ اشتراطَ ابن مالك لوقوع الماضي خبرًا ل (ليس) بأنْ يكون اسمَها ضمیر شأن منتقضٌ بما ورد في نهج البلاغة.4 49. أثبت البحث إجازة اقتران خبر (كان) ب (أنْ)، على حین عدَّه سيبويه ضرورة شعرية، وعدّه ابن بابشاذ ممنوعًا.
50. أظهرت الدراسة صحة استعمال اسم الفعل (شتّان) مسبوقًا ب (ما) خلافًا للأصمعي.
51. اجتماع فاعل فعل المدح والتمييز في تركيب واحد ليس ممنوعًا كما ذهب سيبويه ومن تبعه.
52. دعت ضرورة البحث إلى تعضيد الشواهد العلَوية في أغلب المواضع بما ناظرها من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة بما فيها روايات أئمة أهل البيت (علیهم السلام) وكلام الصحابة (رضی الله عنه) زيادة على كلام العرب نظمًا ونثرًا، وإنْ كان الاقتصار على الشاهد العلوي وحده كافيًا في الاستدلال والتقعيد النحوي، الهدف من هذا التأكيد على شيوع تلك الاستعمالات في اللسان العربي من جهة، وإغفال النحويین لها في التقعيد النحوي من جهة أُخرى.
والحمد لله ربِّ العالمین والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ النبيِّ الأمین، وعلى آله الطيبین - الطاهرين، وصحبه المنتجبین.
ص: 340
روافد البحث
ص: 341
ص: 342
* القرآن الكريم.
(أ)
1. ابن الأنباري(1) في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف بین النحويین البصريین والكوفيین، د. محيي الدين توفيق إبراهيم، مطبعة دار الكتب - جامعة الموصل، 979 م.
2. أبنية الصرف في كتاب سيبويه معجم ودراسة، د. خديجة الحديثي، مكتبة لبنان ناشرون، ط ، 2003 م.
3. أبنية المبالغة وأنماطها في نهج البلاغة، دراسة صرفية نحوية دلالية، حيدر هادي خلخال الشيباني، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط 1، 2014 م.
4. الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي (ت: 911 ه)، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيأة المصرية العامة للكتاب، 1774 م.
5. أثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية، د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة علی جراح الصباح - الكويت، (د. ت).
ص: 343
6. أثر القرآن والقراءات في النحو العربي، د. محمد سمير اللبدي، دار الكتب الثقافية - الكويت، ط 1، 1978 م.
7. أخبار النحويین البصريین، السیرافي (ت: 368 ه)، تح: طه محمد الزيني، ومحمد عبد المنعم خفاجي، مصطفى البابي الحلبي، 1966 م.
8. الأدب المفرد بالتعليقات، البخاري (ت: 256 ه)، حقَّقه وقابله على أُصوله:
سمير بن أمین الزهیري، مكتبة المعارف - الرياض، ط 1، 1998 م.
9. ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي (ت: 745 ه)، تحقيق وشرح ودراسة: د. رجب عثمان محمد، مراجعة: د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1998 م.
10. أساس البلاغة، الزمخشري (ت: 538 ه)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1998 م.
11. أساليب الإنشاء في كلام السيدة الزهراء (علیها السلام) دراسة نحوية بلاغية، عامر سعيد نجم، العتبة العلويَّة المقدسة - النجف الأشرف، 2011 م.
12. الأساليب الإنشائية في النحو العربي، عبد السام محمد هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 5، 2001 م.
13. أساليب التوكيد في القرآن الكريم، عبد الرحمن المطردي، الدار الجماهرية - ليبيا، ط 1، 1986 م.
14. أساليب الطلب عند النحویین والبلاغيین، د. قيس إسماعيل الأوسي، بيت الحكمة - بغداد، 1988 م.
15. الاستقراء الناقص وأثره في النحو العربي، د. محمد بن عبد العزيز العميريني، دار المعرفة الجامعية - الأزاريطة - مصر، 2007 م.
16. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عاصم القرطبي
ص: 344
(ت: 463 ه)، تح: علي محمد البجاوي، دار الجيل - بیروت، ط 1، 1992 م.
17. الأُسس المنطقية للاستقراء، السيد محمد باقر الصدر، تعليقات الأستاذ يحيى محمد، مؤسسة العارف للمطبوعات - بیروت، ط 1، 2008 م.
18. الأشباه والنظائر في النحو، السيوطي، تح: د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 1، 1985 م.
19. الاشتقاق، ابن دريد (ت: 321 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل - بیروت ط 1، 1991 م.
20. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1415 ه 21. إصلاح المنطق، ابن السِّكِّيت (ت: 244 ه)، شرح وتحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف - القاهرة، ط 4، (د. ت).
22. الأُصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، النحو، فقه اللغة، البلاغة، د. تمام حسان، عالم الكتب - القاهرة 2000 م.
23. الأُصول في النحو، ابن السَّرَّاج (ت: 316 ه)، تح: د. عبد الحسین الفتلي، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 3، 1996 م.
24. إعراب الجمل وأشباه الجمل، د. فخر الدين قباوة، دار القلم العربي - حلب، ط 5 1989 م.
25. إعراب القرآن، النحّاس (ت: 338 ه)، تح: د. زهر غازي زاهد، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، ط 2، 1985 م.
26. إعراب القرآن المنسوب [خطأ] للزجّاج، الباقولي (ت: 543 ه)، تحقيق ودراسة:
إبراهيم الإبياري، دار الكتاب المصري - القاهرة، ط 4، 1420 ه.
ص: 345
27. إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش (ت: 1403 ه)، دار الإرشاد للشؤون الجامعية - سورية، ط 4، 1415 ه.
28. إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث النبوي، العكیري (ت: 616 ه)، حقَّقه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: د. عبد الحميد هنداوي، مؤسسة المختار - مصر، ط 1، 1999 م.
29. الأعلام، قاموس تراجم لأَشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ،خیرالدين الزركَلي ،دارالعلم للملايین - بیروت، ط 15، 2002 م.
30. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمین (ت: 1371 ه)، تحقيق وتخريج: حسن الأمین، دار التعارف للمطبوعات - لبنان، 1983 م.
31. الأغاني، أبو الفرج الأَصبهاني (ت: 356 ه)، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 1، 1415 ه.
32. الإغراب في جدل الإعراب، أبو البركات الأنباري، قدم له وعُني بتحقيقه:
سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1975 م.
33. إقبال الأعمال، ابن طاووس (ت: 664 ه)، تح: جواد القيومي الأصفهاني، مكتبة الإعلام الإسلامي، ط 1، (د. ت).
34. الاقتراح في علم أصول النحو، السيوطي، قرأه وعلَّق عليه: د. محمود سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية - الأزاريطة - مصر، 2006 م.
35. الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب، البطليوسي (ت: 521 ه)، تح: الأُستاذ مصطفى السقا، د. حامد عبد المجيد، مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة، 1996 م.
36. الأمالي، أبو علي القالي (ت: 356 ه)، عُنيَ بوضعها وترتيبها: محمد عبد الجواد الأصمعي، دار الكتب المصرية، ط 2، 1926 م.
37. أمالي ابن الشجري، ابن الشجري (ت: 542 ه)، تحقيق ودراسة: د. محمود
ص: 346
محمد الطناحي، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1992 م.
38. أمالي الزجاجي، الزجاجي (ت: 337 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الجيل - بیروت، ط 2، 1987 م.
39. أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، السُّهَيلي (ت: 581 ه)، تح:
محمد إبراهيم البنا، مطبعة السعادة - القاهرة، (د. ت).
40. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (د. ت).
41. إنباه الرواة على أنباه النحاة، القفطي (ت: 646 ه)، المكتبة العصرية - بیروت، ط 1، 1424 ه.
42. الإنصاف في مسائل الخباف بین النحویين البصريین والكوفيین، أبو البركات الأنباري، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة - القاهرة، ط 4، 1961 م.
43. أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي (ت: 685 ه)، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 1، 1418 ه.
44. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ابن هشام (ت: 761 ه)، تح: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر - بیروت، (د. ت).
45. الإيضاح العضدي، أبو علي الفارسيّ (ت: 377 ه)، تح د. حسن شاذلي فرهود ط 1، 1969 م.
46. الإيضاح في شرح المفصل، ابن الحاجب (ت: 646 ه)، تح: د. إبراهيم محمد عبد الله، دار سعد الدين - دمشق، ط 2، 2013 م.
(ب)
47. بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي (ت: 1111 ه)، تح: مجموعة من العلماء، مؤسسة الوفاء بیروت، ط 2، 1983 م.
ص: 347
48. البحث اللغوي عند العرب، د. أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط 8، 2003 م.
49. البحر المحيط في التفسیر، أبو حيان الأندلسي، تح: صدقي محمد جميل، دار الفكر - بیروت، 1420 ه.
50. البديع في علم العربية، مجد الدين ابن الأثیر (ت: 606 ه)، تحقيق ودراسة:
د. فتحي أحمد عليّ الدين، ود. صالح حسین العايد، مركز إحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة، ط 1، 1419 ه.
51. البرهان في علوم القرآن، الزركشي (ت: 794 ه)، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - مصر، ط 1، 1957 م.
52. البسيط في شرح جمل الزجّاجي، ابن أبي الربيع (ت: 688 ه)، تحقيق ودراسة: د.
عياد بن عيد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي - بیروت، ط 1، 1986 م.
53. بغية الوعاة في طبقات اللغويین والنحاة، السيوطي، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - لبنان، (د. ت).
54. بناء الجملة العربية، د. محمد حماسة عبد اللطيف، دار غريب - القاهرة، 2003 م.
55. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري (ت: 1415 ه)، دار أمیر - طهران، ط 1، 1418 ه.
56. البيان في غريب إعراب القرآن، أبو البركات الأنباري، تح: د. طه عبد الحميد طه، مراجعة: مصطفى السقا، الهيأة المصرية العامة للكتاب، 1980 م.
57. البيان والتبيين، الجاحظ (ت: 255 ه)، دار ومكتبة الهلال - بيروت، 1423 ه.
(ت)
58. تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزَّبيدي (ت: 1205 ه)، تح:
مجموعة من المحققین، دار الهداية، (د. ت).
ص: 348
59. تاريخ الأدب العربي (العصر الإسلامي)، د. شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 20، 2002 م.
60. تاريخ دمشق، ابن عساكر (ت: 571 ه)، تح: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر - بیروت، 1995 م.
61. تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى نهاية القرن الرابع الهجري، د. محمد زغلول سلام، المعارف - الإسكندرية (د. ت).
62. تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة (ت: 276 ه)، تح: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية - بیروت (د. ت).
63. التبصرة والتذكرة، الصِّيْمري (من علماء القرن الرابع الهجري)، تح: د. فتحي أحمد مصطفى علي الدين، دار الفكر - دمشق (د. ت).
64. التبيان في إعراب القرآن، العكبري، تح: علي محمد البجاوي، عيسى البابي وشركاه، (د. ت).
65. التبيان في تفسیر القرآن، الشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، تح: أحمد حبيب قصیر العاملي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 1، 1409 ه.
66. تجديد النحو، د. شوقي ضيف، دار المعارف - مصر، ط 6، 2013 م.
67. التحبیر شرح التحرير في أصول الفقه، علاء الدين المرداوي (ت: 885 ه)، تح: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح، مكتبة الرشد - الرياض، ط 1، 2000 م.
68. التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسیر الكتاب المجيد)، ابن عاشور (ت 1393 ه)، الدار التونسية، 1984 م.
69. تُحَف العقول عن آل الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم)، ابن شعبة الحراني (ت: 381 ه)، تحقيق:
علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي قم، ط 2، 1404 ه.
ص: 349
70. تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد، ابن هشام، تحقيق د. عباس مصطفى الصالحي، دار الكتاب العربي - بیروت، ط 1، 1989 م.
71. تذكرة الحفّاظ، الذهبي (ت: 748 ه)، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1998 م.
72. التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، أبو حيان الأندلسي، تح: د. حسن هنداوي، دار القلم - دمشق، ط 1، (د. ت).
73. تراكيب القسم والشرط في كلام الإمامَین الحسن والحسن (علیهما السلام)، دراسة نحوية بلاغية، عامر سعيد نجم، العتبة الحسينية المقدسة - مركز الإمام الحسن للدراسات التخصصية، ط 1، 2017 م.
74. التراكيب اللغوية في العربية دراسة وصفية تطبيقية، د. هادي نهر، الجامعة المستنصرية - كلية الآداب، 1987 م.
75. التطور اللغوي التاريخي، د. إبراهيم السامرائي، معهد البحوث و الدراسات العربية 1966 م.
76. تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، الدماميني (ت: 827 ه)، تح: د. محمد بن عبد الرحمن بن محمد المفدى، ط 1، 1983 م.
77. التعليقة على كتاب سيبويه، أبو علي الفارسيّ، تح: د. عوض بن حمد القوزي، ط 1، 1990 م.
78. تفسیر الصافي، الفيض الكاشاني (ت: 1091 ه)، صححه وقدَّم له وعلق عليه الشيخ حسین الأعلمي، طهران، ط 2، 1416 ه.
79. تقريب المقرَّب، أبو حيان الأندلسي، تح: د. عفيف عبد الرحمن، دار المسیرة، ط 1، 1982 م.
80. تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، مؤسسة الإمام صاحب الزمان (ع)،
ص: 350
إيران - طهران، ط 1، 1418 ه.
81. تهذيب اللغة، أبو منصور الأزهري (ت: 370 ه)، تح: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث - بیروت، ط 1، 2001 م.
82. التوابع في الجملة العربية، د. محمد حماسة عبد اللطيف، مكتبة الزهراء - القاهرة، 1991 م.
83. التوابع في النحو العربي، د. محمود سليمان ياقوت، (د. مط)، (د. ت).
84. توجيه اللمع، ابن الخبّاز (ت: 639 ه)، دراسة وتحقيق: د. فايز زكي محمد، دار السلام - مصر، ط 2، 2007 م.
85. توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، المرادي (ت: 749 ه)، شرح وتحقيق: عبد الرحمن علي سليمان، دار الفكر العربي - بیروت، ط 1، 2008 م 86. توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، طهران، (د. ت) 87. التوطئة، الشلوبيني (ت: 654 ه)، دراسة وتحقيق: د. يوسف أحمد المطوع (د. ت).
88. تيسيرات لغوية، د. شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 1، 1990 م.
(ج)
89. جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري (ت: 310 ه)، تح أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط 1، 2000 م.
90. جامع الدروس العربية، مصطفى الغلاييني (ت: 1364 ه)، المكتبة العصرية - بیروت ط 28، 1993 م.
91. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (صلی الله علیه و آۀه وسلم) وسننه وأيامه (صحيح البخاري)، البخاري، دار الفكر - بیروت، 1981 م.
ص: 351
92. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ت: 671 ه)، تح: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2، 1964 م.
93. الجمل في النحو، عبد القاهر الجرجاني (ت: 471 ه)، حقّقه وقدَّم له: علي حيدر، دمشق، 1972 م.
94. الجملة الخبرية في نهج البلاغة، دراسة نحوية، د. علي عبد الفتّاح محيي، دار صفاء - عمّان، ط 1، 2012 م.
95. الجملة الشرطية عند النحاة العرب، أبو أوس إبراهيم الشمسان، تقديم: د.
محمود فهمي حجازي، مطبعة الدجوي - عابدين، ط 1، 1981 م.
96. الجملة العربية تأليفها وأقسامها، د. فاضل السامرائي، دار الفكر - عمّان، ط 3، 2009 م.
97. جمهرة اللغة، ابن دريد، تح: رمزي منیر بعلبكي، دار العلم للملايین - بیروت، ط 1، 1987 م.
98. الجنى الداني في حروف المعاني، المرادي، تح: د فخر الدين قباوة، والأُستاذ محمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1992 م.
99. الجواز النحوي ودلالة الإعراب على المعنى، مراجع عبد القادر بالقاسم الطلحي، منشورات جامعة قاريونس - بنغازي - ليبيا (د. ت).
(ح)
100. حاشية الخُضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، محمد الخُضري (ت: 1388 ه)، دار الفكر - بیروت، (د. ت).
101. حاشية الشهاب على تفسر البيضاوي، المساّة: عناية القاضِی وكفاية الراضِی على تفسیر البيضَاوي، شهاب الدين (ت: 1069 ه)، دار صادر - بیروت، (د. ت).
ص: 352
102. حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، الصبان (ت: 1206 ه)، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1997 م.
103. الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه (ت: 370 ه)، تح: د. عبد العال سالم مكرم، دار لشروق - بيروت، ط 4، 1401 ه.
104. الحجة للقرّاء السبعة، أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد، أبو علي الفارسي، تح: بدر الدين قهوجي، وبشیر جويجاتي، راجعه ودقّقه: عبد العزيز رباح، و أحمد يوسف الدقاق، دار المأمون - بیروت، ط 1، 1987 م.
105. حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، محمد بن الحسین المعروف بقطب الدين الكيذري (ت: بعد 610 ه)، تح: عزيز الله العطاردي، إيران - قم، ط 1، 1416 ه.
106. الحديث النبوي في النحو العربي دراسة مستفيضة لظاهرة الاستشهاد بالحديث في النحو العربي، ودراسة نحوية للأحاديث الواردة في أكثر شروح ألفية ابن مالك، د. محمود فجال، أضواء السلف - الرياض، ط 2، 1997 م.
107. الحذف والتقدير في النحو العربي، د. علي أبو المكارم، دار غريب - القاهرة، ط 1، 2007 م.
108. حروف الجر دلالاتها وعلاقاتها، أبو أوس إبراهيم الشمسان (د. مط)، (د. ت).
109. حروف المعاني والصفات، الزجاجي، تح: علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 1، 1984 م.
110. حق الصدارة في النحو العربي بین النظرية والتطبيق، د. عزمي محمد عيال، دار الحامد - الأردن، ط 1، 2011 م.
111. الحلقة المفقودة في تاريخ النحو العربي، د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 2، 1993 م.
ص: 353
112. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 ه)، مطبعة السعادة - القاهرة، 1974 م.
113. الحماسة، البحتري (ت: 284 ه)، رواية أبي العباس الأحول عن أبيه عن البحتري، تح: د. محمد إبراهيم حور، وأحمد محمد عبيد، هيأة أبو ظبي - الإمارات العربية المتحدة، 2007 م.
(خ)
114. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغدادي (ت: 1093 ه)، شرح وتحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 4، 1997 م.
115. الخصائص، ابن جِنّي (ت: 392 ه)، تح: محمد علي النجّار، المكتبة العلمية - مصر، (د. ت).
(د)
116. الدُّر المصون في علوم الكتاب المكنون، السمين الحلبي (ت: 756 ه)، تح: د أحمد محمد الخراط، دار القلم دمشق، (د. ت).
117. دراسات في اللغة، د. إبراهيم السامرائي، جامعة بغداد، 1961 م.
118. دراسات لأسلوب القرآن الكريم، محمد عبد الخالق عضيمة، دار الحديث - القاهرة (د. ت).
119. درة الغواص في أوهام الخواص، الحريري (ت: 516 ه)، تح: عرفات مطرجي، مؤسسة الكتب الثقافية - بیروت، ط 1، 1998 ه.
120. الدُّرَر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع، الشنقيطي (ت: 1331 ه)، وضع حواشيه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1999 م.
121. دستور العلماء جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي عبد النبي الأحمد
ص: 354
نكري (ت: ق 12 ه)، عرَّب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 2000 م.
122. دلالة الاكتفاء في الجملة القرآنية، دراسة نقدية للقول بالحذف والتقدير، د. علي عبد الفتّاح محيي الشمري، ديوان الوقف الشيعي - المركز الوطني لعلوم القرآن - بغداد، مطبعة النماء، ط 1، 2010 م.
123. ديوان ابن سهل الأندلسي، دراسة وتحقيق: يسرى عبد الغني عبد الله، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 3، 2003 م.
124. ديوان أبي دواد الإيادي، حققه وجمعه: أنوار أحمد الصالحي، ود. أحمد هاشم السامرائي، دار العصماء - دمشق، ط 1، 2010 م.
125. ديوان أبي العتاهية، دار بيروت للطباعة والنشر - بيروت، 1986 م.
126. ديوان الأخطل، شرحه وصنَّف قوافيه وقدم له: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 2، 1994 م.
127. ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، تح: د. محمد حسين (د. ت).
128. ديوان امرئ القيس، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف - القاهرة، ط 5، (د. ت).
129.ديوان جرير بشرح محمد بن الحبيب، تح: د. نعان محمد أمین طه، دار المعارف - القاهرة، ط 3، (د. ت).
130. ديوان حسان بن ثابت، حققه وعلّق عليه: د. وليد عرفات، دار صادر - بيروت، 2006 م.
131. ديوان ذي الرمة غيلان بن عقبة العدوي (ت: 117 ه)، شرح أبي نصر الباهلی رواية ثعلب، حقَّقه وقدَّم له وعلَّق عليه: د. عبد القُدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان - بیروت، ط 1، 1982 م.
ص: 355
132. ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره، صنعة يحيى بن مدرك الطائي، رواية هشام الكلبي، دراسة وتحقيق: د. عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 2، 1990 م.
133. ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني، حققه وشرحه: صلاح الدين الهادي، دار المعارف - القاهرة، (د. ت).
134. ديوان الطفيل الغنوي، شرح الأصمعي، دار صادر - بيروت، ط 1، 1997 م.
135. ديوان عدي بن زيد العبادي، حققه وجمعه: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية - بغداد، 1965 م.
136. ديوان عمر بن أبي ربيعة، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه: د. فايز محمد، دار الكتاب العربي - بیروت، ط 2، 1996 م.
137. ديوان كعب بن زهیر، صنعة الإمام أبي سعيد العسكري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه:د. حنا ناصر، دار الكتاب العربي - بیروت، ط 1، 1994 م.
138. ديوان النابغة الذبياني، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف - القاهرة، ط 2، (د. ت).
(ر)
139. الرَّد على النحاة، ابن مضاء القرطبي (ت: 592 ه)، تح: د. شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 2، 1982 م.
140. رسائل الشريف المرتضى، الشريف المرتضى (ت: 436 ه)، تح: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الخيام - قم، ط 1، 1410 ه.
141. رسالة الإفصاح ببعض ما جاء من الخطإ في الإيضاح، ابن الطراوة النحوي (ت:
528 ه) تحقيق د. حاتم صالح الضامن، عالم الكتب - بیروت، ط 2، 1996 م.
142. رصف المباني في شرح حروف المعاني، المالقي (ت: 702 ه)، تح: أحمد محمد
ص: 356
الخرّاط، مطبوعات المجمع العلمي - دمشق (د. ت).
143. الرواية والاستشهاد باللغة، دراسة لقضايا الرواية والاستشهاد في ضوء علم اللغة الحديث، د. محمد عيد، عالم الكتب - القاهرة، 1973 م.
144. روح المعاني في تفسیر القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي (ت: 1270 ه)، تح: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1415 ه.
145. رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (علیه السلام)، السيد علي خان المدني الشیرازي (ت: 1120 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران - قم، ط 4، 1415 ه.
(ز)
146. الزاهر في معاني كلمات الناس، أبو بكر بن الأنباري (ت: 328 ه)، تح: د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 1، 1992 م.
147. الزمن النحوي في اللغة العربية، د. كمال رشيد، دار عالم الثقافة - الأردن، 2008 م.
148. الزمن واللغة، د. مالك المطلبي، الهيأة المصرية للكتاب، 1986 م.
(س)
149. سر صناعة الإعراب، ابن جني، دراسة وتحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم - دمشق، ط 2، 1993 م.
150. السُّنة، أحمد بن حنبل (ت: 241 ه)، تح د. محمد سعيد سالم القحطاني، دار ابن القيِّم - الدمام، ط 1، 1406 ه.
151. سنن أبي داود، أبو داود السِّجِسْتاني (ت: 275 ه)، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية - بیروت، (د. ت).
152. السنن الكبرى، النسائي (ت: 303 ه)، تح: حسن عبد المنعم شلبي، مؤسسة
ص: 357
الرسالة - بیروت، ط 1، 2001 م.
153. سيبويه إمام النحاة، علي النجدي ناصف، عالم الكتب - القاهرة، ط 2، 1979 م.
154. سيبويه والضرورة الشعرية، د. إبراهيم حسن إبراهيم، ط 1، 1983 م.
155. سِیرَ أعلام النُّبَلاء، الذهبي، تح: مجموعة من المحققین بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1985 م.
(ش)
156. الشاهد وأُصول النحو في كتاب سيبويه، د. خديجة الحديثي، مطبوعات جامعة الكويت، 1974 م.
157. شذا العرف في فن الصرف، أحمد الحملاوي (ت: 1351 ه)، تح: نصر الله عبد الرحمن نصر الله، مكتبة الرشد - الرياض، (د. ت).
158. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ابن عقيل (ت: 769 ه)، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار التراث - القاهرة، ط 20، 1980 م.
159. شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك، بدر الدين بن مالك (ت: 686 ه)، تح:
محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، ط 1، 2000 م.
160. شرح الأُشموني على ألفية ابن مالك، الأشموني (ت: 900 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1998 م.
161. شرح أُصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، أبو القاسم اللالكائي (ت: 418 ه)، تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، دار طيبة - السعودية، ط 8، 2003 م.
162. شرح تسهيل الفوائد، ابن مالك (ت: 672 ه)، تح: د. عبد الرحمن السيد، ود.
محمد بدوي المختون، دار هجر - القاهرة، ط 1، 1990 م 163. شرح التسهيل (القسم النحوي)، المرادي، تحقيق ودراسة: محمد عبد النبي
ص: 358
أحمد، مكتبة الإيمان - المنصورة، ط 1، 2006 م.
164. شرح التسهيل المسمّى (تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)، ناظر الجيش (ت: 778 ه)، دراسة وتحقيق: د. علي محمد فاخر وآخرينَ، دار السلام - القاهرة، ط 1، 1428 ه.
165. شرح التصريح على التوضيح، خالد الأَزهري (ت: 905 ه)، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 2000 م.
166. شرح جمل الزجاجي، ابن خروف (ت: 609 ه)، تحقيق ودراسة من الأول حتى نهاية باب المخاطبة، د. سلوى محمد عمر، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، 1419 ه.
167. شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير)، ابن عصفور (ت: 669 ه)، تح: د. صاحب أبو جناح، وزارة الأوقاف العراقية، 1980 م.
168. شرح الدماميني على مغني اللبيب، الدماميني، صحّحه وعلّق عليه: أحمد عزو عناية، مؤسسة التاريخ العربي - بیروت، ط 1، 2007 م.
169. شرح ديوان الفرزدق، ضبط معانيه وشروحه وأكملها: إيليا الحاوي، دار الكتاب اللبناني - بیروت، ط 1، 1983 م.
170. شرح الرضي على الكافية، الرضي الاسترابادي (ت: 686 ه)، تصحيح وتعليق:
يوسف حسن عمر، منشورات جامعة بنغازي، ط 2، 1996 م.
171. شرح شافية ابن الحاجب، الرضي الاسترابادي، تح: محمد نور الحسن، ومحمد الزفزاف، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية - بیروت، 1982 م.
172. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، ابن هشام، تح: عبد الغني الدقر، الشركة المتحدة للتوزيع - سوريا، (د. ت).
173. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، محمد عبد المنعم الجوجري
ص: 359
(ت: 889 ه)، دراسة وتحقيق: نوّاف الحارثي، عادة البحث العلمي - الجامعة الإسلامية - السعودية، ط 1، 2004 م.
174. شرح شواهد الإيضاح لأبي علي الفارسي، ابن بري (ت: 582 ه)، تقديم وتحقيق: د. عيد مصطفى درويش، مراجعة: محمد مهدي علام، الهيأة العامة لشؤون المطابع الأميرية - القاهرة، 1985 م.
175. شرح شواهد المغني، السيوطي، وقف على طبعه وعلق حواشيه: أحمد ظافر كوجان، ذُيِّل بتصحيحات وتعليقات الشيخ محمد الشنقيطي، لجنة إحياء التراث العربي، (د. ت).
176. شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ، ابن مالك، تح: عدنان عبد الرحمن الدوري، مطبعة العاني - بغداد، 1977 م.
177. شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ابن الأنباري: تح: عبد السلام محمد دار المعارف - القاهرة، ط 5 (د. ت).
178. شرح قطر الندى وبل الصدى. ابن هشام، تح محمد محيى الدين عبد الحميد، القاهرة، ط 11، 1383 ه 179. شرح الكافية الشافية، ابن مالك، تح: عبد المنعم أحمد هريدي، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، ط 1، (د. ت).
180. شرح كتاب الحدود في النحو، الفاكهي (ت: 972 ه)، تح: د. المتولي رمضان أحمد الدمیري، مكتبة وهبة - القاهرة، ط 2، 1993 م.
181. شرح كتاب سيبويه، السیرافي، تح: أحمد حسن مهدلي، علي سيد علي، دار الكتب العلمية، بیروت - لبنان، ط 1، 2008 م.
182. شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية لابن هشام، د. هادي نهر، دار اليازوري - الأردن، (د. ت).
ص: 360
183. شرح اللمع، الباقولي، تحقيق ودراسة: د. إبراهيم بن محمد أبو عباة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض، 1990 م.
187. شرح المفصَّل، ابن يعيش (ت: 643 ه)، إدارة الطباعة المنيرية - مصر، (د. ت).
185. شرح المقدمة المحسبة، ابن بابشاذ (ت: 469 ه)، تح: خالد عبد الكريم، المطبعة العصرية - الكويت، ط 1، 1977 م.
186. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت: 656 ه)، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل - بیروت، ط 1، 1987 م.
187. شرح نهج البلاغة، السيد عباس الموسوي، دار الرسول الأكرم، دار المحجة البيضاء - بیروت، ط 1، 1418 ه.
188. شرح نهج البلاغة، ميثم البحراني (ت: 689 ه)، ط 2، 1404 ه.
189. شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار للمجلسي، علي أنصاريان، مؤسسة النشر الإسلامي - طهران، ط 1، 1408 ه.
19. شعر أبي حية النمیري، حققه وجمعه: د. يحيى الجبوري، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي - دمشق، 1975 م.
191. شعر عبد الله بن الزبیر الأسدي، جمع وتحقيق: د. يحيى الجبوري، دار الحرية للطباعة - بغداد، 1974 م.
192. شعر الفند الزماني، د. حاتم صالح الضامن، فرزه من مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الرابع، العدد السابع والثلاثون، ربيع الأول 1407 ه، كانون الأول 1986 م.
193. شعر نصيب بن رباح، جمع وتقديم: د. داوُد سلوم، مطبعة الإرشاد - بغداد، 1969 م.
194. شعر النعمان بن بشیر الأنصاري، حققه وقدم له: د. يحيى الجبوري، دار القلم
ص: 361
الكويت، ط 2، 1985 م.
195. الشعر والشعراء، ابن قتيبة، دار الحديث - القاهرة، 1423 ه.
196. شفاء العليل في إيضاح التسهيل، السلسيلي (ت: 770 ه)، دراسة وتحقيق: د.
الشريف عبد الله علي الحسيني، المكتبة الفيصلية - السعودية، ط 1، 1986 م 197. شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، ابن مالك، تح: د. طه محسن، مكتبة ابن تيمية، ط 1، 1413 ه.
198. شواهد الشعر في كتاب سيبويه، د. خالد عبد الكريم جمعة، مطبعة الدار الشرقية - مصر، ط 2، 1989 م.
199. الشواهد والاستشهاد في النحو، عبد الجبار علوان النايلة، مطبعة الزهراء - بغداد، ط 1، 1976 م.
(ص)
200. الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، ابن فارس (ت: 395 ه)، شرح وتحقيق: السيد أحمد صقر، السعودية - مكة المكرمة، (د. ت).
201. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري (ت: 393 ه)، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايین - بیروت، ط 4، 1990 م.
202. الصحيفة السجّادية، الإمام علي بن الحسین السجاد (علیه السلام) (ت: 95 ه)، دفتر نشر الهادي - قم، ط 1، 1418 ه.
203. الصفوة الصفية في شرح الدرة الألفية، النيلي (من علماء القرن السابع الهجري)، تح: د. محسن بن سالم العمیري، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، 1420 ه.
(ض)
204. ضرار الشعر، ابن عصفور، تح: السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس - بیروت،
ص: 362
ط 1، 1980 م.
205. الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، محمود شكري الآلوسي (ت: 1342 ه)، شرحه: محمد بهجة الأثري، المكتبة العربية - بغداد، (د. ت).
206. الضرورة الشعرية دراسة أسلوبية، السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس - بیروت، ط 3، 1983 م.
207. الضرورة الشعرية ومفهومها لدى النحویين دراسة على ألفية بن مالك، إبراهيم بن صالح الحندود، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة الثالثة والثلاثون،العدد الحادي عشر بعد المائة، 2001 م.
208. ضياء السالك إلى أوضح المسالك، محمد عبد العزيز النجار، مؤسسة الرسالة، ط 1، 2001 م.
(ط)
209. طبقات فحول الشعراء، ابن سلّام (ت: 232 ه)، تح: محمود محمد شاكر، دار المدني - جدة (د. ت).
210. الطبقات الكبرى، ابن سعد (ت: 230 ه)، تح: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1990 م.
(ظ)
211. ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي، طاهر سليمان حمودة، الدار الجامعية - الإسكندرية، 1998 م.
(ع)
212. علل النحو، ابن الوراق (ت: 381 ه()، تح: محمود جاسم الدرويش، مكتبة الرشد - الرياض، ط 1، 1999 م.
ص: 363
(غ) 213. غاية المرام في علم الكلام، الآمدي (ت: 631 ه)، تح: حسن محمود عبد اللطيف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة، (د. ت).
214. غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري (ت: 850 ه)، تح: الشيخ زكريا عمیرات، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1416 ه.
215. غريب نهج البلاغة، أسبابه، أنواعه، توثيق نسبته، دراسته، د. عبد الكريم حسین السعداوي، العتبة العلوية المقدسة - النجف الأشرف، 2011 م.
(ف)
216. فتح القدير الجامع بن فنَّي الرواية والدراية من علم التفسیر، الشوكاني (ت: 1250 ه)، عالم الكتب - بیروت، (د. ت).
217. فصول في فقه العربية، د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 6، 1999 م.
218. الفصول المختارة، الشيخ المفيد (ت: 413 ه)، تح: السيد نور الدين جعفريان، والشيخ يعقوب الجعفري، الشيخ محسن الأحمدي، دار المفيد - بیروت، ط 2، 1993 م.
219. فقه اللغة وسر العربية، أبو منصور الثعالبي (ت: 429 ه): تح: مصطفى السقا، وإبراهيم الإبياري، وعبد الحفيظ شلبي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، ط 1، 1938 م.
220. الفهرست، ابن النديم (ت: 438 ه)، تح: إبراهيم رمضان، دار المعرفة - بيروت، ط 2، 1997 م.
221. في أصول النحو، سعيد الأفغاني، المكتب الإسلامي - بيروت، 1987 م.
ص: 364
222. في ظلال نهج البلاغة محاولة لفهم جديد، محمد جواد مغنية، دار العلم للملايین - بیروت، ط 3، 1400 ه.
223. في لغة الشعر، د. إبراهيم السامرائي، دار الفكر - عمان، (د. ت).
224. في النحو العربي نقد وتوجيه، د. مهدي المخزومي، دار الرائد العربي - بیروت، ط 2، 1986 م.
(ق)
225. القاعدة النحوية دراسة نقدية تحليلية، د. أحمد عبد العظيم عبد الغني، دار الثقافة - القاهرة، 1990 م.
226. قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التُّستُري، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط 3، 1425 ه.
227. القاموس المحيط، الفيروزآبادي (ت: 817 ه)، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 8، 2005 م.
228. القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية، د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة علي جراح الصباح - الكويت، ط 2، 1978 م.
229. القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، د. محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر - دمشق، ط 1، 2006 م.
(ك)
230. الكافي، الشيخ الكُليني (ت: 329 ه)، صححه وعلَّق عليه: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 3، 1388 ه.
231. الكامل في اللغة والأدب، المبرد (ت: 285 ه)، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، ط 3، 1997 م.
ص: 365
232. الكتاب، كتاب سيبويه، سيبويه (ت: 180 ه) تح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 3، 1988 م.
233. كتاب الأزهية في علم الحروف، علي بن محمد النحوي الهروي (ت: نحو 415 ه)، تح: عبد المعین الملوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1993 م.
234. كتاب أسرار العربية، أبو البركات الأنباري (ت: 577 ه)، تح: محمد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلمي - دمشق، (د. ت).
235. كتاب إسفار الفصيح، محمد بن علي بن محمد، أبو سهل الهروي (ت:
433 ه)، دراسة وتحقيق: د. أحمد بن سعيد بن محمد قشاش، الجامعة الإسلامية - السعودية، 1420 ه.
236. كتاب أمالي ابن الحاجب، ابن الحاجب، دراسة وتحقيق: فخر صالح سليمان قدارة، دار الجيل - بیروت، (د. ت).
237. كتاب الإيضاح، أبو علي الفارسي، تحقيق ودراسة: د. كاظم بحر المرجان، عالم الكتب - بیروت، ط 2، 1996 م.
238. كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني (ت: 816 ه)، ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1983 م.
239. كتاب التكملة، أبو علي الفارسي، تحقيق ودراسة: د. كاظم بحر المرجان، عالم الكتب - بیروت، ط 2، 1999 م.
240. كتاب الجمل في النحو، الخليل الفراهيدي، تح: د. فخر الدين قباوة، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 5، 1995 م، وقد صُححت نسبته إلى الحسن أحمد بن شقير النحوي (: 317 ه) ونُشِرِ بعنوان (المحلى، وجوه النصب)، تح: د. فائز فارس.
241. كتاب الجمل في النحو، الزجاجي، تح: د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة -روافد
ص: 366
242. كتاب الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل، البطليوسي (ت: 521 ه)، تح:
سعيد عبد الكريم سعودي، (د. مط) (د. ت).
243. كتاب الحيوان، الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده - مصر، ط 2، 1965 م.
244. كتاب دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 5، 2004 م.
245. كتاب السبعة في القراءات، ابن مجاهد (ت: 324 ه)، تح: د. شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 2، 1400 ه.
246. كتاب شرح أشعار الُهذليین، صنعة أبي سعيد السكري، رواية أبي الحسن النحوي عن أبي بكر الحلواني عن السكري، تح: عبد الستار أحمد فراج، مراجعة: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني - القاهرة، (د. ت).
247. كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلةِ الإعراب، أبو علي الفارسي، تحقيق وشرح: محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1988 م.
248. كتاب العین، الخليل الفراهيدي (ت: 175 ه(، تح: د. مهدي المخزومي، ود.
إبراهيم السامرائي، وزارة الثقافة والإعلام - دار الرشيد - بغداد، 1980 م.
249. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، (ت: 235 ه)، تح:
كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد - الرياض، ط 1، 1409 ه.
250. كتاب المطالع السعيدة في شرح الفريدة في النحو والصرف والخط، السيوطي، تح: د. نبهان ياسین حسین، الجامعة المستنصرية، 1977 م.
251. كتاب معاني الحروف، الرماني (ت: 384 ه)، تح: عبد الفتاح اسماعيل شلبي، دار الشروق - السعودية، ط 2، 1981 م.
ص: 367
252. كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: الدكتور كاظم بحر المرجان، دار الرشيد - بغداد، 1982 م.
253. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الزمخشري، دار الكتاب العربي - بیروت، ط 3، 1407 ه.
254. كشف المشكل في النحو، الحيدرة اليمني (ت: 592 ه)، تح: د. هادي عطية مطر، مطبعة الإرشاد - بغداد، 1984 م.
552. الكشف والبيان عن تفسیر القرآن، الثعلبي (ت: 427 ه)، تح: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نصیر الساعدي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 1، 2002 م.
256. الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، الكفوي، (ت: 1094 ه)، تح: عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة - بیروت، (د. ت).
257. كناشة النوادر ()القسم الأول)، عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1985 م.
258. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، المتقي الهندي (ت: 975 ه)، تح: بكري حياني - صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1981 م.
(ل)
2593 اللامات، الزجاجي، تح: مازن المبارك، دار الفكر - دمشق ط 2، 1985 م.
260. اللباب في علل البناء والإعراب، العكبري، تح: د. عبد الإله النبهان، دار الفكر - دمشق، ط 1، 1995 م.
261. اللُّباب في علوم الكتاب، ابن عادل الدمشقي (ت: 775 ه)، تح: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1998 م.
ص: 368
262. لسان العرب، ابن منظور (ت: 711 ه)، دار صادر - بيروت، ط 3، 1414 ه.
263. اللغة بن المعيارية والوصفية، د. تمام حسان، عالم الكتب - القاهرة، ط 4، 2001 م.
264. لغة الشعر دراسة في الضرورة الشعرية، د. محمد حماسة عبد اللطيف، دار الشروق - القاهرة، ط 1، 1996 م.
265. لغة الشعر العراقي المعاصر، عمران خليل الكبيسي، وكالة المطبوعات - الكويت، 1982 م.
266. اللغة العربية معناها ومبناها، د. تمّام حسّان، عالم الكتب، ط 5، 2006 م.
267. اللمحة في شرح الملحة، ابن الصائغ (ت: 720 ه)، تح: إبراهيم بن سالم الصاعدي، الجامعة الإسلامية - السعودية، ط 1، 2004 م.
268. لمع الأدلة في أصول النحو، أبو البركات الأنباري، قدم له وعُني بتحقيقه:
سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1975 م.
269. اللُّمَع في العربية، ابن جني، تح: فائز فارس، دار الكتب الثقافية - الكويت، (د. ت).
270. ليس في كلام العرب، ابن خالويه، تح: أحمد عبد الغفور عطار، مكتبة مكة المكرمة، ط 2، 1979 م.
(م)
271. ما يجوز للشاعر في الضرورة، القزاز القیرواني (ت: 412 ه)، حقّقه وقدَّم له ووضع فهارسه: د. رمضان عبد التواب، ود. صلاح الدين الهادي، دار العروبة - الكويت، (د. ت).
272. ما يحتمل الشعر من الضرورة، السیرافي، تحقيق وتعليق: د. عوض بن حمد القوزي، جامعة الملك سعود - الرياض، ط 2، 1991 م.
ص: 369
273. مجمع الأمثال، الميداني (ت: 518 ه)، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة - بیروت، (د. ت).
274. مجمع البيان في تفسیر القرآن، الشيخ الطبرسي (ت: 548 ه)، حقّقه وعلّق عليه:
لجنة من العلماء والمحققین، مؤسسة الأعلمي - بیروت، ط 1، 1995 م.
275. مجموعة أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج، وعلى أبيات مفردة منسوبة إليه، اعتنى بتصحيحه وترتيبه: وليم بن الورد البروسي، دار قتيبة - الكويت، (د. ت).
276. المحاسن، أحمد بن محمد البرقي (ت: 274 ه)، تح: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية - طهران، 1370 ه.
277. المحتسب في تبيین وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، ابن جني، تح: علي النجدي، ود. عبد الحليم النجار، ود. عبد الفتاح إسماعيل، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة، 1994 م.
278. المحرر الوجيز في تفسیر الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي )(ت: 542 ه)، تح:
عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1422 ه.
279. المحصول، فخر الدين الرازي (ت: 606 ه)، دراسة وتحقيق: د. طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1997 م.
280. المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده (ت: 458 ه)، تح: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 2000 م.
281. مختار تذكرة أبي علي الفارسي وتهذيبها، ابن جني، تح: د. حسن أحمد بو عباس، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض، ط 1، 2010 م.
282. مختصر المعاني (مختصر لشرح تلخيص المفتاح)، سعد الدين التفتازاني (ت:
793 ه)، دار الفكر - قم، ط 1، 1411 ه.
ص: 370
283. المخصص، ابن سيده، تح: خليل إبراهم جفال، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 1، 1996 م.
284. المدارس النحوية، شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، (د. ت).
285. مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسر النسفي)، النسفي (ت: 710 ه)، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، راجعه وقدم له: محيي الدين ديب مستو، دار الكلم الطيب - بیروت، ط 1، 1998 م 286. مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو، د. مهدي المخزومي، مطبعة دار المعرفة - بغداد، 1955 م.
287. المرتجل في شرح الجمل، ابن الخشّاب (ت: 567 ه)، تحقيق ودراسة: علي حيدر، دمشق، 1972 م.
288. المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، تح: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1998 م 289. المسائل البصريات، أبو علي الفارسي، تحقيق ودراسة: د. محمود الشاطر أحمد محمد، ط 1، 1985 م.
290. المسائل الشیرازيات، أبو علي الفارسي، تح: د. حسن بن محمود الهنداوي، كنوز أشبيليا - السعودية، ط 1، 2010 م.
291. المسائل العسكريات، أبو علي الفارسي، دراسة وتحقيق: د. علي جابر المنصوري، مطبعة الجامعة - بغداد، ط 2، 1982 م.
282. المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات، أبو علي الفارسي، دراسة وتحقيق: صلاح الدين عبد الله الشيكاوي، مطبعة العاني - بغداد، (د. ت).
293. المسائل المنثورة، أبو علي الفارسي، تحقيق وتعليق: د. شريف عبد الكريم النجار، دار عمار، (د. ت).
ص: 371
294. المساعد على تسهيل الفوائد، ابن عقيل، تحقيق وتعليق: د. محمد كامل بركات، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، ط 2، 2001 م.
295. مستدرك الوسائل، میرزا حسین النوري، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - بیروت، ط 1، 1987 م.
296. مسند الإمام أحمد بن حنبل أحمد بن محمد بن حنبل (ت: 241 ه)، تح: شعيب الأرنؤوط، و عادل مرشد وآخرين، بإشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 2001 م.
297. مشكل إعراب القرآن، مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437 ه)، تح: د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة - بیروت، ط 2، 1405 ه.
298. مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني، دار الزهراء - بیروت، 1409 ه .
299. المصباح أو جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية، الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت: 905 ه)، مؤسسة الأعلمي - بیروت، ط 3، 1983 م.
300. مصباح المتهجِّد، الشيخ الطوسي، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت، ، ط 1، 1996 م.
301. المصباح المنیر في غريب الشرح الكبیر، الفيومي (ت: نحو 770 ه)، المكتبة العلمية - بیروت، (د. ت).
302. المصطلح النحوي نشأته وتطوره حتى اواخر القرن الثالث الهجري، عوض حمد القوزي، عمادة شؤون المكتبات - الرياض، 1981 م.
303. معالم التنزيل في تفسیر القرآن (تفسیر البغوي)، البغوي (ت: 510 ه)، تح: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بروت، ط 1، 1420 ه.
304. معاني القرآن، الأخفش الأوسط (ت: 215 ه)، تحقيق: الدكتورة هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1990 م.
ص: 372
305. معاني القرآن، الفرّاء (ت: 207 ه)، تح: أحمد يوسف النجاتي، ومحمد علي النجار، وعبد الفتاح إسماعيل، دار المصرية - القاهرة (د. ت).
306. معاني القرآن وإعرابه، الزجّاج (ت: 311 ه)، شرح وتحقيق: د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب - بیروت، ط 1، 1988 م.
307. معاني النحو، د. فاضل السامرائي، دار الفكر - عمّن، ط 2، 2003 م.
308. معجم ألفاظ الفقه الجعفري، د. أحمد فتح الله، مطابع المدوخل - الدمام، ط 1، 1995 م.
309. معجم البلدان، ياقوت الحموي (ت: 626 ه)، دار صادر - بيروت، ط 2، 1995 م.
310. معجم القراءات، د. عبد اللطيف الخطيب، دار سعد الدين - القاهرة، ط 1، 2002 م.
311. المعجم الكبیر، الطبراني (ت: 360 ه)، تح: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، ط 2، (د. ت).
312. المعجم المفصل في شواهد العربية، د. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية - بیروت ط 1، 1996 م.
313. معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979 م.
314. معجم النقد العربي القديم، د. أحمد مطلوب، دار الشؤون الثقافية - بغداد، 1989 م.
315. معيار العلم في فن المنطق، أبو حامد الغزالي (ت: 505 ه)، تح: د. سليمان دنيا، دار المعارف - القاهرة، 1961 م.
316. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام، تح: د. مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، دار الفكر - دمشق، ط 6، 1985 م.
ص: 373
317. مفاتيح الغيب (التفسیر الكبیر)، الفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، ط 3، 1420 ه.
318. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني (ت: 425 ه)، تح: صفوان عدنان داوودي، طليعة النور - إيران، ط 2، 1427 ه.
319. المفصَّل في علم العربية، الزمخشري، وبذيله المفصل في شرح أبيات المفصل، للسيد محمد بدر الدين الحلبي، دار الجيل - بیروت، ط 2، (د. ت).
320. مقاتل الطالبيین، أبو الفرج الأصفهاني، تقديم وإشراف: كاظم المظفر، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف، ط 2، 1965 م.
321. المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية (شرح ألفية ابن مالك)، أبو إسحاق الشاطبي (ت 790 ه)، تح: مجموعة من المحققین، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، ط 1، 2007 م.
322. المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية المشهور ب (شرح الشواهد الكبرى)، العيني (ت: 855 ه)، تحقيق: د. علي محمد فاخر، ود. أحمد محمد توفيق السوداني ،ود. عبد العزيز محمد فاخر، دار السلام القاهرة ،ط 1، 2010 م.
323. المقتضب، المبرّد، تح: محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة، ط 3، 1994 م 324. المقرّب، ابن عصفور، تح: أحمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوري، ط 1، 1972 م 325. من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو - مصر، ط 6، 1978 م.
326. من قضايا اللغة، د. مصطفى النحاس، مطبوعات جامعة الكويت، ط 1، 1995 م 327. المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، دار التعارف للمطبوعات - لبنان، ط 2، 2006 م.
328. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي (ت: 1324 ه)، تصحيح:
ص: 374
إبراهيم الميانجي، المكتبة الإسلامية - طهران، ط 4، 1400 ه.
329. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي (ت: 573 ه)، تح:
السيد عبد اللطيف الكوهكمري، قم، 1406 ه.
330. الموجز في قواعد اللغة العربية، سعيد الأفغاني، دار الفكر - بيروت، 2003 م.
331. موسوعة كلمات الإمام الحسین (عليه السلام)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام) دار المعروف للطباعة والنشر، ط 3، 1995 م.
332. موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، خالد الأزهري، تح: عبد الكريم مجاهد، الرسالة - بیروت، ط 1، 1996 م 333. موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف، د. خديجة الحديثي، دار الرشيد - بغداد، 1981 م.
334. الميزان في تفسیر القرآن، السيد محمد حسین الطباطبائي (ت: 1402 ه)، منشورات جماعة المدرسین في الحوزة العلمية - قم المقدسة (د. ت).
(ن)
335. نتائج الفكر في النَّحو، السُّهَيلي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1992 م 336. النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة والحياة اللغوية المتجددة، عباس حسن (ت: 1398 ه)، دار المعارف - القاهرة، ط 3 (د. ت) 337. النحويون والقرآن، د. خليل بنيان الحسون، مكتبة الرسالة الحديثة - الأردن، ط 1، 2002 م.
338. نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، الشيخ محمد الطنطاوي، دار المعارف - القاهرة، ط 2 (د. ت) 339. نظرية المعنى في الدراسات النحوية، د. كريم حسن ناصح، دار صفاء - الاردن،
ص: 375
ط 1، 2006 م.
340. نظرية النحو القرآني نشأتها وتطورها ومقوماتها الأساسية، د. أحمد مكي الأنصاري، دار القبلة للثقافة الإسلامية، ط 1، 1405 ه.
341. النكت في تفسیر كتاب سيبويه وتبيین الخفي من لفظه وشرح أبياته وغريبه، الأعلم الشنتمري (ت: 476 ه) قرأه وضبط نصه: د. يحيى مراد، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 2005 م.
342. النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين ابن الأثیر، تح: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بیروت 1979 م 343. نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: د. صبحي الصالح، دار الهجرة قم، (د. ت).
344. نهج البلاغة، تح: الشيخ فارس الحسون، مركز الأبحاث العقائدية، إيران - قم المقدسة، مطبعة ستارة، ط 1، 1419 ه.
345. النواسخ في كتاب سيبويه، د. حسام سعيد النعيمي، دار الرسالة - بغداد، 1977 م.
(ه)
346. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، السيوطي، تح: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية - مصر، (د. ت).
(و)
347. الوافي، الفيض الكاشاني (ت: 1091 ه)، تح: ضياء الدين الحسيني، مكتبة الامام أمیر المؤمنین علي (عليه السلام)( العامة - أصفهان - إيران، ط 1، 1406 ه.
ص: 376
1. الاحتكام إلى القياس وحده في النحو العربي، فاطمة ناظم مطشر، (أطروحة دكتوراه مخطوطة)، بإشراف الأستاذ الدكتور هاشم طه شلاش، كلية التربية الأولى - ابن رشد - جامعة بغداد، 2006 م.
2. الأساليب الإنشائية غیر الطلبية في نهج البلاغة، حسین علي محمد (رسالة ماجستير مخطوطة)، بإشراف الأستاذ الدكتور صباح عباس السالم،، كلية التربية للعلوم الإنسانية - جامعة بابل، 2011 م.
3. تراكيب الأسلوب الشرطي في نهج البلاغة، كريم حمزة حميدي، (رسالة ماجستير مخطوطة)، بإشراف الأُستاذ المساعد الدكتور علي عبد الفتاح محيي، كلية التربية للعلوم الإنسانية - جامعة بابل، 2011 م.
4. ظاهرة المنع في النحو العربي، مازن عبد الرسول الزيدي (رسالة ماجستير مخطوطة)، بإشراف الأستاذة الدكتورة خديجة الحديثي، كلية التربية - الجامعة المستنصرية، 2001 م.
5. كتاب التبيین عن مذاهب النحويین البصريین والكوفيین، العكبري، عبد الرحمن سليمان العثيمین (رسالة ماجستير مخطوطة) بإشراف الأُستاذ أحمد مكي الأنصاري، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الملك عبد العزيز - السعودية، 1976 م.
6. منصوبات الأسماء في نهج البلاغة، فلاح رسول حسین (أُطروحة دكتوراه مخطوطة)، بإشراف الأُستاذ الدكتور علي ناصر غالب، كلية التربية للعلوم الإنسانية - جامعة بابل 2012 م.
7. النَّواسخ في نهج البلاغة (دراسة نحوية)، سعد عبد الكريم شمخي (رسالة ماجستير مخطوطة)، بإشراف الأُستاذ المساعد الدكتور صادق حسین كنيج، كلية التربية - الجامعة المستنصرية، 2012 م.
ص: 377
1. الاستقراء في النحو، د. عدنان محمد سلمان، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد: 34، الجزء: 3، 1983 م.
2. أسلوب القسم في نهج البلاغة (عرض وإحصاء)، م. م. فلاح رسول حسين، بحث منشور في مجلة أهل البيت (علیهم السلام) العدد الثامن، حزيزان 2009 م.
3. الترجيح بالقرآن في إعراب القرآن، د. خالد بن إبراهيم النملة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض، ط 1، 2014 م، وهو من ضمن البحوث المشاركة في المؤتمر القرآني الدولي السنوي (مقدس: 4) الذي ينظمه مركز بحوث القرآن في جامعة مالايا - كوالالمبور - ماليزيا، جمادى الآخرة، 2014 م.
4. الجملة الطويلة في القرآن الكريم، د. علي ناصر غالب، مجلة مركز دراسات الكوفة، المجلد: 1، الإصدار: 2، 2004 م.
5. سيبويه أول من جرَّأَ النحویين على العزوف عن الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، أ. د. سعدون أحمد علي الرَّبَعي، بحث منشور في مجلة العميد، العدد الخامس، آذار، ربيع الثاني 1434 ه، 2013 م.
6. ظاهرة التقارض في النحو العربي، أحمد محمد عبد الله، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة الثانية عشرة، العددان الثامن والخمسون والتاسع والخمسون، 1981 م.
ص: 378
مقدمة المؤسسة...9
المقدِّمة...11
التمهيد
الاستقراء بين كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) والنحويين
التمهيد: الاستقراء بین كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) والنحويین:...21
المطلب الأول: الاستقراء في اللغة والاصطلاح:...22
المطلب الثاني: أنواع الاستقراء:...24
المطلب الثالث: عَلاقة الاستقراء الناقص بالاستقراء التام:...26
المطلب الرابع: علاقة الاستقراء الناقص بالقياس:...28
المطلب الخامس: أسباب نقص الاستقراء:...30
أولاً: النقص في الرواية:...30
أ. أثر نقص الاستقراء في المفردات:...32
ب. أثر نقص الاستقراء في التراكيب:...32
ثانيًا: الاعتماد على الشِّعر أكثر من النثر في الاستشهاد:...34
ثالثًا: الاختلاف المنهجي في (السماع) بین مدرسَتَي البصرة والكوفة:...37
المطلب السادس: أهمية كلام الإمام علي (علیه السلام) في معالجة نقص الاستقراء:...40
ص: 379
1. الحكم بالمنع:...41
2. الحكم بالضرورة الشعرية:...42
3.الحكم بعدم ورود السماع:...43
4.الحكم بالنّدرة:...46
الباب الأول
ما منعه أغلب النحويين وورد في كلام الإمام علي (علیه السلام)
توطئة:...57
الفصل الأول
ما منعه أغلب النحويين في الأسماء
المسألة الأولى: جواز زيادة (الباء) في الخبر المثبَت:...65
المسألة الثانية:جواز اقتران الخبر ب (الفاء) من غیر تضمّنه معنى الشرط:...69
المسألة الثالثة: جواز إظهار متعلِّق شبه الجملة الواقعة خبرًا:...76
المسألة الرابعة: جواز دخول (لام) الابتداء علی خبر (لكنّ):...83
المسألة الخامسة: جواز إعمال (لا) النافية للجنس في المعارف:...87
المسألة السادسة: جواز بناء (أمسِ) على الكسر عند تنكیره:...93
المسألة السابعة: جواز استعمال (مهما) ظرفية:...99
المسألة الثامنة: جواز عدم مشاركة الفاعل للمفعول له:...105
المسألة التاسعة:جواز الإضافة الظرفية:...109
المسألة العاشرة: جواز حذف الموصول الإسمي:...116
المسألة الحادية عشرة: جواز تقديم الصلة أو ما يتعلَّق بها على الموصول:...123
ص: 380
الفصل الثاني
ما منعَهُ أغلبُ النحويين في الأفعال والحروف
المبحث الأول: ما منعَهُ أغلبُ النحويین في الأفعال...134
المسألة الأولى: جواز وقوع الفعل الماضي خبرًا ل (كان) بلا (قد):...134
المسألة الثانية: جواز إجراء الفعل (عدّ) مجرى الظَّن:...140
المسألة الثالثة: جواز وقوع الفعل الماضي المثبَت المجرَّد من (قد) حالًا:...143
المبحث الثاني: ما منعَهُ أغلبُ النحويین في الحروف...152
المسألة الأولى: جواز ورود (أنْ) ناصبةً مسبوقةً بأفعال التحقيق:...152
المسألة الثانية: جواز استعمال (في) في الدلالة على التعليل:...156
المسألة الثالثة: جواز استعمال (مِن) في الدلالة على الزمان:...164
المسألة الرابعة: جواز زيادة (مِن) في الإيجاب:...164
الباب الثاني
ما حمله أغلب النحويين على الضرورة الشعرية وورد في كلام الإمام (علیه السلام)
توطئة:...172
الفصل الأول
ما حُمِل على الضرورة الشعرية فيما أُثبِتَ في الكلام
المسألة الأولى: جواز توكيد جواب الشرط ب (نون) التوكيد:...180
المسألة الثانية: جواز إبقاء ألف (ما) الاستفهامية عند جرها بحرف الجر:...188
المسألة الثالثة: جواز اقتران خبر (كاد) ب (أنْ):...194
المسألة الرابعة: جواز اقتران خبر (لعلَّ) ب (أنْ) أو وقوعه فعلا ماضيًا:...202
ص: 381
الفصل الثاني
ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوره الحذف ومسائل أُخر
المبحث الأول: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية فيما اعتوَرَهُ الحذف:...212
المسألة الأولى: جواز حذف همزة الاستفهام:...212
المسألة الثانية: جواز حذف حرف العطف (الواو):...219
المسألة الثالثة: جواز بقاء الشرط مسبوقًا ب (إنَّ) بلا تقدير ضمیر شأن بعدها:...226
المبحث الثاني: ما حُمِلَ على الضرورة الشعرية في مسائلَ أُخر:...238
المسألة الأولى: جواز دخول أداة الشرط علی الأسماء:...238
المسألة الثانية: جواز ورود فعل الشرط مضارعًا مجزومًا والجواب ماضيًا:...243
المسألة الثالثة: جواز وقوع الجواب للشرط وإنْ تقدَّم القسم عليه:...250
المسألة الرابعة: جواز ثبوت (ميم) (فم) عند الإضافة:...250
المسألة الخامسة: جواز إضافة الصفة المشبهة المجردة إلى معمولها المشتمِل على
ضمیر الموصوف:...266
الباب الثالث
ما لم يذكره أغلب النحويين وورد في كلام الإمام (علیه السلام)
توطئة:...276
الفصل الأول
ما لم يَذكرْه أغلبُ النحويين في أُسلوبَی القسم والشرط
المبحث الأول: ما لم يذكرْه أغلبُ النحويین في أُسلوب القسَم...282
المسألة الأولى: جواز ورود (كأنَّ) في جواب القسَم الخبري:...283
ص: 382
المسألة الثانية: جواز وقوع جواب القَسم الطّلَبي مَصدرًا مُؤوَّلًا:...288
المبحث الثاني: ما لم يذكرْه أغلبُ النحويین في أُسلوب الشرط:...292
المسألة الأولى: ورود جواب (لو) جملة استفهامية:...292
المسألة الثانية: ورود جواب (لمّا) فعلًا مضارعًا منفيًا ب (لم):...297
الفصل الثاني
ما لم يَذكرْهُ أغلبُ النحويين في مسائلَ أُخر
المسألة الأولى: استعمال (أفعل) التفضيل ممّا لا تفاضلَ فيه:...306
المسألة الثانية: ورود الفعل (صار) بمعنى الردِّ والتقسيم:...311
المسألة الثالثة: جواز جر (حيثُ) ب (علی)...314
المسألة الرابعة: زيادة (الواو) بعد (ألا) الاستفتاحية:...319
المسألة الخامسة: جواز إبدال الجملة من المفرد:...324
المسألة السادسة: ورود (إذا) الفجائية متلوَّةً بجملة منسوخة ب (ليس):...330
خاتمة بنتائج البحث...335
روافد البحث...343
أولاً: الكتب المطبوعة:...343
ثانيًا: الرسائل الجامعية المخطوطة:...377
ثالثًا: البحوث المنشورة:...378
ص: 383