كلام الإمام علي في كتاب الكافي للكليني دراسةُ في ضوءِ نظریة الحقوق الدلالیة

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3010 لسنة 2018

مصدر الفهرسة : IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف BP129.K85 K2089 2018 : LC

المؤلف الشخصي : الزيادي، دعاء رهيف – مؤلف.

العنوان : كلام الامام علي (عليه السلام) في كتاب الكافي للكليني : دراسة في ضوء نظرية الحقوق الدلالية /

بيان المسؤولية : تأليف دعاء رهيف الزيادي ؛ تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر : كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي : 265 صفحة ؛ 24 سم

سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 499 ).

سلسلة النشر : (مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ 155 ).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات ) 262 - 265 (.

موضوع شخصي : الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، توفي 329 للهجرة – الكافي.

مصطلح موضوعي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – أحاديث.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية – علم الدلالة.

مصطلح موضوعي: الدلالة اللفظية.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية.

مؤلف اضافي : الحسني، نبيل قدوري – مقدم.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة – جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

كلام الإمام علي في كتاب الكافي للكليني

دراسةُ في ضوءِ نظریة الحقوق الدلالیة

ص: 2

سلسلة الرسائل الجامعية/ العراق

وحدة الدرسات اللغوية (29)

(جامعة المثنى)

كلام الإمام علي في كتاب الكافي للكليني دراسةُ في ضوءِ نظریة الحقوق الدلالیة

تألیف: م.3م دُعَاء رهیِّف الزیَّاديّ

اصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسینیة المقدّسةِ

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة

- مجاور مقام علي الاكبر(عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر

عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة

عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ »

صدق الله العلی العظیم

المائدة: 55

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى قداسة الطهر

إلى منهل العلم

إلى عطر الحياة

إلى ملهم الوجود

إلى سيِّدي ومولاي ذخيرتي في آخرتي ودنياي ذاك أمير المؤمنين علي(عليه السلام)

إلى من حبّهما مشروط في كتاب الله

إلى من تحت أقدامهما جنان الله

إلى من سكن حبّهما قلبي بعد حبّ الله

إلى لقمان حياتي... أبي

إلى مريم حياتي... أمي

إلى من أشد بهم أزري... إخوتي وأخواتي

أهدي ثمرة جهدي حبّاً وعرفاناً

دعاء

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: « مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(1)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ »(2)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 9


1- الأنعام: 38 .
2- يس: 12 .

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى

علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربية إلاواحدة من تلك الدراسات التي وفقت الباحثة فيها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن لها بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي.

فجزى الله الباحثة كل خير فقد بذلك جهدها وعلى الله أجرها.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله رسوله الأمين محمَّد بن عبد الله المنقذ من الضَّلالة إلى الهدى، وعلى آل بيته الطاهرين الطيبين.

أمَّا بعد:

فإنَّ البحث في دراسة معنى الكلمة لا ينكشف بمفرده، بل بتتابعه داخل نظام متماسك ضمن حقول دلالية، والبحث فيها يعدّ من أخصب أبواب علم الدلالة في ميدان الدراسات اللغوية الحديثة؛ إذ تسهم في فهم معنى الكلمة وبيان علاقاتها؛ وهي من النظريات التي جذبت انتباه الباحثين في الآونة الأخيرة في دراسة مجموعة الألفاظ المتقاربة في المعنى ووضعها داخل مجال لغوي معين، وقد أدرك علماء العربية القدامى جانباً منها، ويتجسد ذلك في المنهج الذي سار عليه أصحاب الرسائل والمعجمات في تأليفهم لها.

وشرعتُ في استقراء ما حواه كتاب الكافي من النصوص العلوية لاستخراج ألفاظ الإمام(عليه السلام) على وجه الخصوص، متلمسة أثرها في إيصال المعنى للمخاطب، وقد اعتمدت على نسخة الكافي للكليني في نقل النصوص الشريفة الذي صححه وعلَّق عليه علي أكبر الغفاري، والشيخ محمّد الأخوندي، وقدَّم له الأستاذ الدكتور حسين علي

ص: 11

محفوظ، بثمانية أجزاء، وانمازت هذه الطبعة بالعرض، والمقابلة، والتصحيح، والتعليق، والضبط على النسخ المخطوطة المصحّحة، و المقروءة على أفاضل العلماء منهم العلّامة المجلسي(ت 1110 ه)، التي كان تاريخ كتابتها سنة 1071 ه، والشيخ محمّد الحرّ العاملي تاريخ كتابتها 1092 ه، والمولى محمّد صالح المازندرانيّ (ت 1081 ه)، وقد استعنت بالنسخة التي حقّقها العلّامة محمّد جواد الفقيه، وفهرسها وصحّحها الدكتور يوسف البقاعي، وقابلت بينهما لكني لم أجدها تختلف عن سابقتها إلّ في عدد الأجزاء، إذ بلغت تسعة أجزاء، واختص الجزء التاسع في فهرسة الكتاب وتبويبه؛ لذا اعتمدت

على النسخة التي صحّحها الغفاري؛ لأنَّا النسخة الأم والأقدم والأشهر.

وبعد اتمام جرد الألفاظ واحصائها بدأت في رسم خطة للبحث تتناسب وطبيعة

مادته، وقد اعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي؛ إذ بنيت الدراسة على ما ورد من ألفاظ الإمام-عليه السلام- في الكافي بعد احصائها وتقسيمها على حقول عامة تفرّعتعلى مجموعات دلالية بحسب موضوعاتها، وفي حال تساوي أعدادها ترتّب بحسب الترتيب الهجائي، وثمّة منهج حاولت أن لا أُحيد عنه وهو دراسة اللفظة واستخراج دلالتها اللغوية (المعجمية) في المعجمات القديمة والحديثة، وذكر اشتقاقها، وتتبع دلالاتها الاستعمالية(اللغوية، والجاهلية، والقرآنية)؛ لعلّ أجدُ تطوراً دلالياً طرأ عليها، أو فارقاً دلالياً، بيد أنّ بعض الألفاظ لا أجدُ فيها هذا المنهج أي أنَّني لم أعثر على نصوص جاهلية على حدود اطلاعي أو نصوص قرآنية كريمة؛ ما دفعني أن أقف على

دلالتها اللغوية(المعجمية)، ثم أذكر دلالة اللفظة في الموضع الذي وردت فيه، والإشارة إلى وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السِّياقي، وفي نهاية المبحث أذكر أبرز

ص: 12

النتائج المتحصّلة منه.

وممَّا تجدر الإشارة إليه أنّثمَّة مصادر ومراجع متنوعة أفادت الدراسة، ولاسيما

المعجمات وهي العين للخليل(ت 175 ه)، والصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)

للجوهري(ت 393 ه)، ومقاييس اللغة لابن فارس(ت 395 ه)، وكتب شروح الكافي ومنها: شرح أصول الكافي للمازندرانيّ، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسيّ، فضلاً عن دراسات أكاديمية، وبحوث علمية، ومقالات منشورة على مواقع الإنترنت.

وقسمت الكتاب على مقدِّمة وتمهيد وثلاثة فصول وُزِّعت مباحث الفصول على ترتيب كتاب الكافي نفسه (العقائد، والعبادات، والمعاملات)؛ لأنها تمثل الأبواب الرئيسة للشريعة الإسلامية التي تمثل تفاصيل حياة المسلم، تقفوها خاتمة تضمنت أبرز النتائج التي تضمّنتها الدراسة.

وتلا المقدِّمة تمهيد تضمَّن نبذة موجزة من حياة الشيخ الكليني وكتابه الكافي، مع تعريف موجز بنظرية الحقول الدَّلاليِّة، ومدى حضورها في الفكر الفقهي، وحمل الفصل الأوّل عنوان الألفاظ الدَّالة على العقائد، وكان في أربعة مباحث، تطرّقت في المبحث الأوَّل إلى الألفاظ الدَّالة على الصفات الإلهية ومايلحق بها، واختصّ المبحث الثاني بالألفاظ الدَّالة على صفات النبوة وما يلحق بها، وتضمَّن المبحث الثالث الألفاظ الدَّالة على الإمامة وما يلحق بها، والمبحث الرابع اختصّ بالألفاظ الدَّالة على الموت وما يلحق بها.

ص: 13

واختص الفصل الثاني بدراسة الألفاظ الدالة على العبادات، وقسمته على أربعة مباحث، عني المبحث الأوَّل بالألفاظ الدَّالة على العبادة والطهارة وما يلحق بها، وضمّ المبحث الثاني الألفاظ الدَّالة على الزَّكاة وما يلحق بها، واختص المبحث الثالث بدراسةالألفاظ الدَّالة على الصيام وما يلحق بها، وتضمَّن المبحث الرابع الألفاظ الدَّالة على الحجّ وما يلحق بها.

وجاء الفصل الثالث بعنوان الألفاظ الدَّالة على المعاملات، تناولت في المبحث الأوَّل الألفاظ الدَّالة على العلاقات الاجتماعية وما يلحق بها، وتطرَّقت في المبحث الثاني إلى الألفاظ الدَّالة على الأحكام وما يلحق بها، وكان المبحث الثالث مختصاً بالألفاظ الدَّالة على الطعام والشراب وما يلحق بها، وتضمَّن المبحث الرابع الألفاظ الدَّالة على الزينة والتجمّل وما يلحق بها، ثم أفضى البحث إلى خاتمة ذكرت فيها أبرز النتائج التي توصَّلت اليها مع ذكر قائمة بأسماء المصادر والمراجع.

ورجوت من هذه الدراسة خدمة لغتي الكريمة وديني، فإن أصبت فما ذلك إلا من فضل الله تعالى، وإن أخطأت فما هو إلا من هنات نفسي، والحمد لله أولاً وآخراً.

ص: 14

التمهيد: لمحة عن حياة الشيخ الكليني وكتابه الكافي، ونظرية الحقول الدَّلالية

اشارة

-اسمه ونسبه وولادته.

- نشته ومكانته العلمية.

- دوافع تأليف الكتاب.

- آراء العلماء في الكافي.

- وصف الكتاب ومنهجيته.

- وفاته.

- نظرية الحقول الدَّلالية.

ص: 15

ص: 16

أ - لمحة عن حياة الشيخ الكليني ومكانته العلميّة:

اسمه ونسبه وولادته:

أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني(1)،الرّازي، السّلسلي(2)،البغدادي، ثقة الإسلام، سكن بغداد وحدّث فيها(3).

وفيما يخصّ ولادته ومكان تولّده ووفاته فلم يذكر الباحثون ذلك على وجه التّحديد، فقد ذُكر أنّه وُلد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري في عهد الإمام العسكري -عليه السلام-(4)، وقد كانت نشأته في مراحله الأولى غامضةً؛ نظراً للصّراعات

السّياسية والنّزاعات النّاجمة عن الفتن الطّائفية والعصبية بين المذاهب، ولاسيّما أيام الخلافة العبّاسية(5).

وممّا يجدر ذكره أنّ الكليني نشأ وترعرع في مراحله الأولى في قرية(الرّي)-إحدى قُرى إيران حالياً- على يدّ أبيه يعقوب الكليني الّذي يُعدُّ من كبار رجالات الحديث

ص: 17


1- نسبة إلى كلين التي تقع بالقرب من طريق الحاج في الري، ينظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي: 4/ 448 ،وتاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزَّبيدي: 36 / 60 .
2- لنزوله درب السّلسلة قرب باب الكوفة في بغداد(منطقة سوق السراي شارع الرشيد)، تاج العروس: 60/36 ، ينظر:رجال السّيد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرّجالية، محمّد مهدي بحر العلوم: 3/ 326 .
3- ينظر: رجال النجاشي، أبو العباس النجاشي: 360 ، ورجال الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي: 439 ، ومعالم العلماء في فهرست كتب الشّيعة وأسماء المصنفين منهم قديماً وحديثاً، ابن شهرآشوب: 99 ، و لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني: 7/ 594 ، والكنى والألقاب، عبّاس القمي: 3/ 120 .
4- ينظر: ثلاثيات الكليني، أمين ترمس العاملي: 48 .
5- ينظر: الكليني والكافي، عبد الرسول عبد الغفار : 159 - 160 .

والفقه آنذاك؛ لذلك صار أبو جعفر من أبرز علماء الشّيعة الإماميّة وفقهائهم في بلدة كلين في الرّي، فهو ينتسب إلى بيت عريق طيب معروف ذي علم ومعرفة في مجال الحديث الشّيف والفقه ومن رجالات هذا البيت والده الشّيخ يعقوب الكليني(1).

وينبئ نسبه لأمّه عن أسرة علمية وفقهية حاملة للحديث الشّيف والفقه، ومنهم: خاله علي بن محمّد المعروف ب(علان)، ومحمّد بن عقيل الكليني، وأحمد بن محمّد أخ أبي الحسن(2)، وقد تضافرت عوامل عدّة ساعدت على تنشئة الكليني نشأة علمية؛ لِيكون

أحد أقطاب علماء الشّيعة الإماميّة، فحمل لواء فقهاء الإمامية ، وعاصر نواب(3) الإمام المهدي المنتظر-عليه السلام-في عهد حكم المقتدر العباسي(4).

نشأته ومكانته العلميّة:

اتسم عصر الشّيخ الكليني بحركة علميّة واسعة؛ نتيجة لتوافر أسباب عدّة، منها: وجود مجموعة كبيرة من العلماء الّذين انمازوا بنتاجهم الفكري، فضلاً عن انتشار جماعة من المحدّثين الرواة في عصره، فكان لهذه العوامل أثر في تكوين شخصيته العلميّة(5).

وقد حفلت حياة الشّيخ الكليني بكثرة أسفاره وتجواله في مختلف الأمصار الإسلامية،

ص: 18


1- ينظر: لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث، يوسف بن أحمد البحراني: 368 ، والشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي، ثامر العميدي: 68 .
2- ينظر: الكليني والكافي: 125 .
3- النوّاب الأربعة:عثمان بن سعيد العُمري، وولده أبو جعفر محمد، وأبو القاسم حسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري.
4- ينظر: الفوائد الرجالية، محمد المهدي بحر العلوم: 3/ 326 .
5- ينظر: الشّيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي: 40 .

نحو، الكوفة، وبغداد، وغيرهما؛ لطلب العلم، وسماعه الحديث والفقه، ومجالسة العلماء والتّحدّث معهم، فضلاً عن تلقيه العلوم من شيوخه(1)، ولعلّ من أبرز الشّيوخ الذين تلقّف عنهم الكليني علمه: أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعري القمي(2)، ، وأحمد بن عبد الله بن أمية(3)، وأحمد بن عبد الله بن عيسى بن مصقلة بن سعد القمي الأشعري(4) ، وأحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرّحمن بن زياد بن عبيد الله بن زياد بن عجلان(5)،وأحمد بن مهران(6).

ونظراً لمكانة الكليني العلمية فقد ذاع صيته، وعلا شأنه، ولمع نجمه، وقد ذكر أبو العبّاس النّجاشي(ت 450 ه) في كتابه، بقوله: ((شيخ أصحابنا في وقته بالرّي ووجههم، وكان أوثق النّاس في الحديث وأثبتهم))(7)، ووصفه أبو جعفر الطّوسي(ت 460 ه) بأنّه: ((جليل القدر عالم بالأخبار))(8)، وعدّه ابن الأثير(ت 630 ه): ((من أئمةالإمامية وعلمائهم...))(9)، ووصفه الصفدي(ت 764 ه) بقوله: ((كان من فقهاء

ص: 19


1- ينظر: المصدر نفسه: 90 .
2- ينظر:رجال النجاشي: 89 ، والفهرست للطّوسي: 26 ، وتنقيح المقال في علم الرّجال، الشّيخ عبد الله المامقاني: 5/ 287 ، والكليني والكافي: 168 .
3- ینظر: تنفیح المقال فی علم الرجال: 6/ 263.
4- ينظر:رجال النجاشي: 97 ، وتنقيح المقال في علم الرجال: 6/ 269 .
5- ينظر:الفهرست: 28 ، وتنقيح المقال في علم الرّجال: 7/ 325 .
6- ينظر:تنقيح المقال في علم الرّجال: 8/ 171 ، والكليني والكافي: 170 .
7- رجال النجاشي: 361 .
8- رجال الطوسي: 439 .
9- الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 7/ 150 .

الشّيعة والمصنفين على مذاهبهم...))(1)، ولعلّ من أبرز مَن تتلمذ على يده: أحمد بن محمّد الكوفي(2)، وأحمد بن محمّد بن سليمان بن الجهم(3)، وأبو الحسن بن داوود(4)، وأحمد ابن علي بن سعيد أبو الحسن الكوفي(5)، أمَّا أبرز آثارهالمفقودة(6)، فهي:

- كتاب تفسير الرؤيا.

- كتاب الرجال.

- كتاب الرّد على القرامطة.

- كتاب الرسائل(رسائل الأئمة) عليهم السّلام.

- كتاب ما قيل في الأئمة-عليهم السّلام- من الشّعر.

ص: 20


1- الوافي بالوفيات، صلاح الدين بن آيبك الصفدي: 5/ 147 ، وينظر: الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي: 142 .
2- ينظر: تنقيح المقال في علم الرجال: 7/ 346 .
3- ينظر: المصدر نفسه: 7/ 346 ، والشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي: 101 .
4- ينظر: الشّيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي: 99 .
5- ينظر: المصدر نفسه: 100 .
6- ينظر: كشف المحجّة لثمرة المهجة، رضي الدين بن طاووس: 211 ، والذريعة إلى تصانيف الشيعة، آقا بزرك الطهراني: 4/ 208 .

دوافع تأليف الكتاب:

يُعدّ كتاب الكافي واحداً من كتب الحديث الأربعة عند الشيعة(1)، ومن أهم الأسباب التي دعت الشيخ الكليني إلى تأليف كتابه (الكافي) ما ذكره في بداية خطبته:أنّ رجلاً سأله أنّيؤلف كتاباً يجمع فيه فنون علم الدين،وقد تعرّض المؤلف لهذا المعنى في أول كتابه إذ قال:((فقد فهمت ياأخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأهله،حتى كاد العلم معهم أن يأزر كله،

وينقطع مواده،لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله))(2).

يُستدل من هذا القول: إن السبب الرئيس الذي دفعه إلى تأليف كتابه يتمثّل في إلحاح، وإصرارالمكلّفين بالتعاليم الشرعية،فضلاًعن انتشار الجهل، فاستجاب لرغبتهم بقوله: ((إنّك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين ، ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع عليه المسترشد))(3)، فطاف معظم البلاد الإسلامية لجمع أقوال آل البيت-عليهم السلام-، وآثارهم، وأفعالهم، فقد أمضى في تأليفه قرابة عشرين سنة(4)؛

وهو كتاب جامع لكل ما يريده المسلم من ((علوم ومعارف وأحكام وسنن وآداب))(5).

ص: 21


1- الكافي، الكليني، ومن لا يحضره الفقيه، الصدوق، وتهذيب الأحكام، محمد بن الحسن الطوسي، والاستبصار في ما اختلف من الأخبار، محمد بن الحسن الطوسي.
2- خطبة كتاب الكافي، محمد بن يعقوب الكليني: 1/ 5.
3- مقدمة كتاب الكافي، الأستاذ حسين علي محفوظ: 14 .
4- ينظر:ثلاثيات الكليني: 48 .
5- الفهرست: 135 .

آراءالعلماء في الكافي:

يمثّل كتاب الكافي أبرز معالم الشيعة الإمامية؛لما له من منزلة عظيمة، ومكانة مرموقة،وأهمية كبيرة فهو كتاب جامع لكل ما له صلة بتعاليم الدِّين الإسلامي،فضلاًعمّا يحتاجه المسلم في حياته، حتى صار منهلاً للعلماء يستقون منه.

وقد جاء في معرض الثّناء على هذا الكتاب ما ذكره الطوسي: ((وهو أصح الكتب الأربعة المعتمد عليها في الأحكام الفقهية عند الشيعة ))(1)، وقال حسن الشعراني في شرح مقدمة أصول الكافي للمازندراني:((إن كتاب الكافي أجمع الكتب المصنفة في فنون علوم الإسلام وأحسنها ضبطاً، وأضبطها لفظاً، واتقنها معنى، وأكثرها فائدة، وأعظمها

عائدة، حائز ميراث أهل البيت وقمطر علومهم...))(2).

أمّا المجلسي فذكر أنّه:((كان أضبط الأصول وأجمعها))(3)، ووصفه النوري الطبرسي (ت 1320 ه) بأنَّه:((يمتاز بقرب عهده إلى الأصول المعوّل عليها والكتب المأخوذ عنها، وما فيه من دقة الضبط، وجودة الترتيب، وحسن التبويب، وإيجاز

العناوين...))(4)،أمّا عبّاس القُمّي (ت 1359 ه) فيرى أنّه:((أجلّ الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإماميةمثله))(5)، وقال المولى محمد الأمين

ص: 22


1- المصدر نفسه: 135 .
2- مقدمة شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني: 5.
3- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي: 1/ 3.
4- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين نوري الطبرسي: 1/ 28 - 29 .
5- الكنى والألقاب: 3/ 120 .

الاسترابادي:((لم يؤلف كتاب في الإسلام يوازيه أو يدانيه))(1)، ورأى الشيخ آقا بزرك أنّه:((أجلّ الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليه لم يكتب مثله في المنقول عن آل الرسول))(2)، ووصفه الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ في مقدمة كتاب الكافي بقوله : ((جؤنة حافلة بأطائب الأخبار، ونفيس الأعلاق من العلم، والدين، والشرائع،

والأحكام، والأمر، والنهي، والزواجر، والسنن، والآداب، والآثار))(3).

وصف الكتاب ومنهجيته:

اشتمل كتاب الكافي على ثلاثة أقسام اختصّ القسم الأول ب(أصول الكافي)

تناول فيه أصول الدِّين الإسلامي ، وتعاليمه،-من الجزء الأول إلى الجزء الثاني - من الكتاب، إذ حوى الجزء الأول: كتاب العقل والجهل، وكتاب فضل العلم، وكتابالتّوحي د،وكتابالحجّة،وتكوَّن الجزء الثَّاني من كتاب الإيمان والكفر،وكتابالدُّعاء،وكتاب فضل القرآن،وكتاب العِشْرة.

وتضمَّن القسم الثَّاني (فروع الكافي) الذي تحدّث فيه عن التَّكاليف والواجبات

الشّرَعية - من الجزء الثَّالث إلى الجزء السَّابع-،وتطرَّق فيه إلى كتاب الطّهارة،وكتاب الزَّكاة، و كتاب الصَّلاة، وكتاب الحج وغيرها من الكتب. وحمل القسم الثَّالث عنوان (روضة الكافي) ذكر فيه خطباً في موضوعات شتّى منها:خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين- عليه السلام-.

ص: 23


1- المصدر نفسه: 3/ 120 .
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 17 / 245 ، وينظر: الشيخ الكليني البغدادي: 156 .
3- مقدمة كتاب الكافي: 14 .

وصنَّف كتابه على الطَّريقة المعروفة التي تتمثّل في تقسيمه على كتب فرعية موزّعة على أبواب، يحوي كلّ باب مجموعة من أقوال ترتبطب موضوع الكتاب نفسه،أي على أساس تعلّقها بموضوع الباب.

إذ تكوّن القسم الأول (أصول الكافي) من ثمانية كتب، وخمسمائةٍ وخمسةِ أبواب،وثلاثةِ آلافٍ وثمانمائةٍ وسبعةٍ وثلاثين قولاً، علماً أنّمن الأبواب ما خلت من الأقوال، وبعضها الآخر اقتصرت على قول واحد، في حين شغل بعضها صفحات من الكتاب، فضلاً عنأبواب تحت عنوان النوادر.

وضمّ القسم الثَّاني (فروع الكافي) صنّفه على أساس تعلّق الأقوال بمعرفة الأحكام الشرعية التي تبحث في كتب الفقه لدى الإمامية ، وذلك بتوزيعها على ستة وعشرين كتاباً، غلبت عليها سمة الفقهية. في حين تضمّن كتاب (الروضة) – الجزء الثَّامن – بعضاً من خطب الأئمة -عليهم السلام-، ورسائلهم،و حكمهم، ومواعظهم، فضلاً عن تفسير عدد من آي القرآن الكريم، مع ذكر لسير الأنبياء، وقصصهم، ولا سيّما نبينا محمّد -صلى الله عليه وآله وسلّم-.

علماً أنّ بعض الأبواب قد تقاربت مع بعضها من حيث المضمون نحو، كتاب

الوصايا مع كتاب المواريث ، أو قد تتكرر ذكر بعض الأبواب بأسمائها نحو (باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله)(1) الذي ورد ذكره في كتاب الدعاء من (أصول الكافي)، بعنوان: (القول إذا خرج الإنسان من بيته)(2)في كتاب الحج من (فروع الكافي). فضلًا

ص: 24


1- الكافي: 2/ 540 .
2- المصدر نفسه: 4/ 282 .

عن تفاوت الأقوال طولاً وقصراً فبعضها جاءت طويلة المتن؛نظراً لاحتوائها على

مجموعة من المعارف والأحكام – قياساً بغيرها التي لم تتجاوز بضع كلمات.ومما يجدر ذكره أن بعض الأبواب قد خلت من أقوال سيد البلغاء-عليه السلام-.

وقد مثّل كتاب (الكافي( هوية مؤلفه التي تنمُّ عن ثقافات متنوّعة في شتّى الفنون(1)؛ لما انماز به من القدرة في التأليف، واتقانه لكلام العرب في الشعر والنثر، وعنايته بالرواية، فقد كان كتاباً جامعاً مانعاً انماز بفصاحة اللفظ، وملائمته للمعنى، فضلاً عن رصانة الأسلوب.

إنّ ثقافته الفقهية تجلّت في فروعه الخمسة، فقد أظهر مقدرة بارعة في تعليقاته الفقهية،فكان يورد الحديث ثم يعلّق عليه، من ذلك ما ذكره في أول باب الفيء من كتاب الحجّة ((الفيء والأنفال و تفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه))(2).

وتكمن ثقافته اللغوية والأدبية فيما استشهد به من أشعار العرب، مستعيناً بها في إيضاح معنى الحديث الغامض، ففي الحديث الذي أُسند إلى الإمام أبي جعفر الصادق -عليه السلام - أنّه قال في كتاب التوحيد: «فهو واحد صمد، قدّوس، يعبده كلّ شيء، ويصمد إليه كلّ شيء... »(3) فاستشهد بقول الشاعر: [البحر الكامل]

مَا كنْتُ أحسبُ أنَّ بَيتَاً طَاهِراً*** للهِ في أكنافِ مَكّةَ يَصمدُ

ص: 25


1- للاستزادة ينظر: الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي: 124 - 128 .
2- الكافي: 1/ 538 .
3- المصدر نفسه: 1/ 123 .

فكان يورد الحديث ثم يعرّج عليه بأبيات شعرٍ موضحاً المعنى، فعلّق الكليني أن المراد ب (يصمد يقصد )، فضلاً عن المعنى اللغوي (لكلمة الصَّمد)، الذي يعني:((هو السيد المصمود إليه وهو معنى صحيح موافق لقول الله عزّ و جلّ: « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(1)((والمصمود إليه المقصود في اللغة))(2) فضلاً عن جمعه لرسائل الأئمة-عليهم

السلام-.

من هذا يتبين لنا أنّ للكليني قدرة لغوية ، وبلاغية عالية مكنته من الولوج في هذا المجال.

وظهرت معرفته التاريخية في (أصول الكافي)؛ إذ عقد مبحثاً بعنوان: (أبواب

التواريخ)، تطرّق فيه إلى ذكر: ولادات الأئمة -عليهم السلام-، وأبرز الحوادث

التاريخية التي حدثت آنذاك، وتاريخ وفاتهم، فمثلاً قال: (( وُلِدَ أمير المؤمنين (عليه السلام)، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وقتل(عليه السلام)، في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد، سنة أربعين من الهجرة))(3)، وتكمن هذه المعرفة في ذكره سلسلة السّندكاملة بينه وبين المعصوم، ما يدلُّ على ثقته، ودقّته في رواية الحديث.

في حين برزت ثقافته الكلامية في مباحثه العقائدية في التوحيد، والنبوة ، والإمامة،والمعاد، من ذلك ما أورده على لسان أمير المؤمنين -عليه السلام-: «اعرفوا الله بالله،

ص: 26


1- سورة الشورى: 11
2- الكافي: 1/ 124 .
3- المصدر نفسه: 1/ 452 .

والرسول بالرسالة، وأُولي الأمر بالأمر بالمعروف، والعدل والإحسان »(1)، وعرّج عليه بقوله:((ومعنى قوله (عليه السلام): اعرفوا الله بالله، يعني أن الله خلق الأشخاص، والأنوار، والجواهر، والأعيان، فالأعيان الأبدان، والجواهر والأرواح، وهو جلّ وعزّ لايشبه جسماً وروحاً... هو المتفرّد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفي عنه الشبهين: شبه الأبدان، وشبه الأرواح، فقد عرف الله بالله...))(2).

وفاته:

لم تخلُ وفاة الشيخ من تنوّع الروايات، ما أثارت جدلاً أدى إلى اختلاف العلماء في ذلك، فثمة رأي يقول: إنّه توفي في بغداد سنة ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة للهجرة قبل وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري(ت 329 ه) للإمام المهدي-عجّل الله فرجه-، ومن وافق هذا الشيخ رضي الدين بن طاووس(ت 664 ه)، وأحمد بن حجر(ت 852 ه)(3)، والآخر مفاده أنّه تُوفي في شهر شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة للهجرة، وقد أيّده النّجاشي، والطّوسي، والعلّمة الحلّ(ت 726 ه)(4)، ويبدو أنّ الأقرب إلى الصواب ما ذكره الأستاذ حسين علي محفوظ في تقديمه لكتاب (الكافي) استناداً إلى ما ذكره الشيخ النجاشي؛ لأنّه أقدم وأقرب إلى عصر الكليني(5).

ص: 27


1- الكافي: 1/ 85 ، ح 1.
2- المصدر نفسه: 1/ 85 .
3- ينظر: كشف المحجّة لثمرة المهجة: 82 ، ولسان الميزان: 7/ 594 .
4- ينظر: رجال النجاشي: 361 ، ورجال الطوسي: 439 ، وترتيب خلاصة الأقوال في معرفة علم الرجال، المطهر الحلي: 406 .
5- ينظر: الكافي: 1/ 40 .

ب - نظرية الحقول الدَّلاليَّة/ المفهوم والرؤية:

اشارة

يُعدّ المعنى قطب الرحى الّذي يدور عليه علم الدّلالة؛ إذ يمثّل محور التواصل داخل أبناء المجتمع الإنساني؛ لذا فإنَّ علم الدّلالة هو أحد فروع علم اللغة الّذي يبحث في دراسة معاني الكلمات(1).

ونظراً لهذه الأهمية، فقد توسّعت الدّراسات في هذا المجال وتنوّعت النظريات؛ بغية الوصول للمعنى المراد، ومنها نظرية الحقول الدّلالية.

وعُرّف الحقل الدّلالي أو المعجمي بأنَّه: ((مجموعة من الكلمات ترتبط دلالتها،

وتوضع تحت لفظ عام يجمعها، ومثّل لها بكلمات الألوان في اللغة العربية التي تقع تحت المصطلح العام(لون) وتضم ألفاظاً مثل أحمر، أزرق، أصفر))(2)، ومفاده أنّ الحقل الدلالي يضم الكلمات أو المفردات المتقاربة في معناها، وتوظيفها بتركيبٍ لغوي معين، وذكر فندريس: ((أنَّ الذهن يميل دائماً إلى جمع الكلمات، إلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تتشبث دائماً بعائلة لغوية))(3).

وترتكز هذه النظرية على جملة من العلاقات الّتي تربط بين كلماتها داخل الحقل الدّلالي نحو الترادف أو التقارب الدلالي، والاشتمال، والمشترك اللفظي، وعلاقة الجزء بالكل، والتضاد، والتنافر(4).

ص: 28


1- ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمر: 11.
2- علم الدلالة: 79
3- اللغة، فندريس: 232 .
4- ينظر: الخصائص، ابن جني: 2/ 310 ، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي: 1/ 369 ، و فصول في فقه اللغة، رمضان عبد التواب: 309 ، و معاجم على الموضوعات، حسين نصار: 5، و نظرية الحقول الدلالية دراسة تطبيقية في المخصص لابن سيده، هيفاء عبد الحميد كلنتن: 37 .

الأصول الأولى لنظرية الحقول الدَّلاليَّة وتطورها:

إنَّ استواء نظرية الحقول الدَّلاليَّة نظرية لغوية واضحة المعالم كان عند الغرب في العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن العشرين على يد ثلّة من اللسانيين السّويسريين والألمان والفرنسيين، أمثال: سوسير، وأيبسن، وجولز، وترير(1)، إذ كانت في

بداياتها إشارات وتلميحات ترتبط بمفهوم الحقل الدلالي عند اللغويين في دراساتهم، ولعلّ ظهور المصطلح بوصفه مفهوماً لغوياً كان على يد سوسير فهو أول من صرّح بوجود علاقات مبنية على التشابه والتقارب بين دلالات الألفاظ داخل التّكيب اللغوي (علاقات التّداعي)، ومثّل لذلك بكلمات: تعلم، يعلم، تعليم، التي تندرج تحت دلالة عامة واحدة(التربية)(2)، أمَّا (ترير) فيعدّ أول لساني تجلّت ملامح هذه النّظرية في دراساته وبحوثه التّطبيقية، وتُعدّ دراسته للألفاظ الدّالة على الأفكار في اللغة الألمانية أول دراسة مُتكاملة(3).

ثُمَّ ظهرت المعجمات الّتي تُؤلف نسقاً منتظماً من الكلمات ذات الدّلالات المُتقاربة في المفهوم العام، ومن أشهر ذلك معجم(روجيه) الّذي صنّف الكلمات والمفاهيم على أساس الموضوعات(4)، والمعجم القياسي للغوي الفرنسي(بواسير)، في حين ألَّف اللغوي

ص: 29


1- ينظر: أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية، أحمد عزوز: 46 .
2- ينظر: فصول في علم اللغة العام، فرديناند دي سوسير: 217 - 218 .
3- ينظر: أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية، أحمد عزوز: 46 .
4- ينظر: علم الدلالة: 84 .

الألماني(دور نسايف) معجمه على عشرين حقلاً(1)، أمّا معجم اللغوي الفرنسي(ماكيّه)فقد جاء على غرار معجم بواسير(2).

وعرف العرب جذور هذه النظرية منذ زمنٍ بعيدٍ، لكنها لم تستوِ إلى نظرية متكاملة لها منهج محكم، إذ تمتد جذورها في ذهابهم للبوادي وجمعهم المادة اللغوية من الأعراب وفصحاء الحضر، ثم تصنيفها وتقسيمها وتبويبها(3)، فقد ((تنبه لغويو العرب إلى

فكرة الحقول الدلالية، وكان من مظاهر ذلك تصنيفهم للرسائل اللغوية ومعاجم الموضوعات))(4).

وهذا ما يدلُّ على مرونة العربية وخصوبتها، فضلاً عن ازدهار المستوى الفكري والعقلي للعرب، وتتضح بوادر هذه النظرية عند العرب في العصور المبكرة في تأليفهم للرسائل الصغيرة نحو، رسائل اللبن والمطر لأبي زيد الأنصاري(ت 215 ه)، والنبات والشجر وخلق الإنسان للأصمعي(ت 216 ه) ، والخيل لأبي عبيد القاسم بن سلّام(ت 224 ه) وغيرها، ثم توسّع التصنيف المعجمي، فظهرت معجمات الموضوعات نحو، الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام(ت 224 ه)، وكتاب الألفاظ لابن السكيت(ت 224 ه) ، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي(ت 429 ه)، والمخصص لابن سيده(ت 458 ه)(5)، وغيرها وكان الباعث على ذلك غرض تعليمي؛

ص: 30


1- ينظر: أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية: 87 .
2- ينظر: المصدر نفسه: 87 .
3- ينظر: معاجم على الموضوعات: 5.
4- في علم الدلالة دراسة تطبيقية في شرح الأنباري للمفضليات، عبد الكريم محمد حسن طبل: 24 .
5- ينظر: أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية: 23 .

للتّعرف عليها وفهم معانيها، وخدمة للغة القرآن الكريم.

وبناءً على ما تقدّم، يظهر أنّ للعرب معالم بارزة وخطوطاً عريضة لهذه النظرية التي فتحت آفاقاً جديدة أمام علم الدلالة، فقد تطوّرت مصاديقها وتنوّعت فيما بعد وأخذتتتسع في العربية بمختلف الصعد الأدبية واللغوية والفلسفية.

أمّا مصاديقها في الفكر الفقهي فيُلمح أنَّها لم تتعارض مع فكرة الحقول ممّا يشير إلى وجودها، لكن ذلك من دون الوعي بمعايير قصدية، وإنَّما كانت معاييرها شفهية مثبتة على الورق؛ لأن هدفهم الأحكام الفقهية التي تبحث عن صلاح المكلّف في الدّين والدّنيا.

ومن الأمثلة على ذلك في كتاب الكافي ما ورد عن الكليني-رحمه الله- في كتاب (الجنائز)، إذ قام بوضع تصوّر عام للمفاهيم التي تدخل ضمن هذا الكتاب، معتمداً في ذلك على معيار الفرق بين الدلالة المركزية والدلالة الهامشية؛ لأن المعنى المركزي هو الذي يتحكم بإيراد الألفاظ أو الموضوعات داخل الباب الواحد.

ومصداق ذلك في الفكر الفقهي أنّ معنى الجنائز يمثّل الدّلالة المركزية التي تضمّ العنوان العام، وهو الإنسان الميت الذي ينتمي لفصيلة الكائنات الحية؛ لأنّ المعنى المركزي هو الممثّل الحقيقي للوظيفة الأساس لكتاب الجنائز وبقية الأبواب التي تمثّل حقولاً فرعية (الغريق، والمصعوق، والقتلى...) تملك إلى جانب معناها التصوّري العام دلالات هامشية نحو، دلالة الاختناق والهلاك، ودلالة الموت بالصّعاق، ودلالة الموت بالضرب وهكذا(1) التي تربطها بعنوان الحقل العام.

ص: 31


1- ينظر: الكافي: 3/ 209 - 210 .

ص: 32

الفصل الأول: الألفاظ الدالة على العقائد

اشارة

- المبحث الأول: الألفاظ الدالة على الصفات الإلهية وما يلحق بها

- المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على صفات النبوة وما يلحق بها

- المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الإمامة وما يلحق بها

- المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الموت وما يلحق بها

ص: 33

ص: 34

الفصل الأول: الألفاظ الدالة على العقائد

مدخل:

عُرِفَ عن العقيدة أنَّها هوية المسلم ومرآته، إذ تُبيّن ما يعقد عليه قلبه وضميره اعتقاداً جازماً؛ لذا فهي دستور منظم يُحتكمُ إليه في توجيه أفكاره وسلوكه، واشتق لفظ العقيدة من الفعل: عَقَده يعقِده عقداً، وهو نقيض الحلِّ أي الشَّد والتّوكيد(1)، وما يؤيد ذلك قوله تبارك وتعالى:« وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ »(2) أي وثّقت وأكّدت(3).

أمَّا اصطلاحاً فذكر القاضي الجرجاني(ت 816 ه):أنَّها((ما يقصد فيه نفس

الاعتقاد))(4)، ووافقه سعدي أبو حبيب بأنّهَا: ((ما يقصد به الاعتقاد دون العمل كعقيدة وجود الله وبعثه الرسل))(5)، ومنه يُقال: (( لفلان عقيدة))(6) أي ما يعقده قلبه وضميره عليه، وهو المعتقد به الله- عزَّ وجلَّ-، ورسوله واليوم الآخر، ما يميزها عن باقي العقائد السياسية والاجتماعية(7).

ص: 35


1- ينظر: لسان العرب، ابن منظور:(عقد) 3/ 296 .
2- سورة المائدة: 89 .
3- ينظر:معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية:(عقد) 776 .
4- التعريفات ، علي بن محمد الجرجاني: 128 .
5- القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً، سعدي أبو حبيب: 256 .
6- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني:(عقد) 577 .
7- ينظر: عقائد السّنّة وعقائد الإمامية، صالح الورداني: 11.

المبحث الأول: الألفاظ الدَّالة على الصفات الإلهية وما يلحق بها

يضمُّ هذا المبحث عدداً من ألفاظ الصفات الإلهية وما يلحق بها، التي وردت في كلام الإمام-عليه السلام-وهي:( لفظ الجلالة الله، والنّور، والمحيط، والواحد، والأحد،والصَّمد).

* لفظ الجلالة(الله):بلغَ استعماله أربعاً وثلاثين مرة(1)من ذلك قوله-عليه السلام-

في باب (أنّ الأئمة شهداء الله عزّ وجلّ على خلقه) قال: «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَی طَهَّرَنَا وعَصَمَنَاوجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَی خَلْقِهِ، وحُجَّتَهُ فِي أرْضِهِ، وجَعَلَنَا مَعَ القُرآنَ وجَعَلَ القَرآنَ مَعَنَا، لَا نُفَارِقُهُ ولَا يُفَارِقُنَا »(2).

* النّور: جاء ذكره إحدى عشرة مرة(3) في كلامه -عليه السلام-من ذلك قوله في

معرض كلامه عن باب (العرش والكرسي) قال: «إِنَّ العَرْشَ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَی مِنْ أنوارٍ أَرْبَعةٍ: نُورٍ أحمَرَ مِنْهُاحْمرَّت الحُمْرَةُ، ونُورٍ أخْضَر مِنْهُ أخضَّرت الخُضْرَةُ،ونُورٍ أصْفَرَ مِنْهُ أصفرَّتِ الصُّفَرَةُ، ونُورٍ أبَيَضَ مِنْهُ أبْيَضَّ البَيَاضُ، وهُوالعِلمُ الَّذِي حمَّلَهُ اللهُ الحَمَلَةَ، وذَلكَ

ص: 36


1- ينظر: الكافي، على سبيل المثال لا الحصر: 1/ 129 - 130 ،ح 1( 10 )، و 1/ 145 ،ح 8( 4)،و 188/1 ،ح 14 ، و 1/ 191 ،ح 5، و 1/ 207 ،ح 3( 2)، و 1/ 217 ،ح 1( 2)، و 1/ 438 ،ح 1( 2)، و 2/ 16 ،ح 3( 2)، و 5/ 83 ،ح 3، و 6/ 272 ،ح 10 ، و 6/ 293 ،ح 5( 3)، و 6/ 438 ،ح 1، و 410/7 ،ح 1( 2).
2- الكافي: 1/ 191 ،ح 5.
3- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 28 ،ح 34 ، و 1/ 129 - 130 ،ح 1( 10 ).

نُورٌ مِنْ عَظَمَتهِ، فَبِعَظَمَتِهِ ونُورِه أبْصَر قُلُوب المُؤمِنِينَ، وبِعَظَمَتِهِ ونُورِهِ عَادَاهُ الجَاهِلُونَ، وبِعَظَمَتِهِ ونُورِهِ ابتَغَى مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والأرضِ مِنْ جَميْعِ خَلَائِقِهِ إليْهِ الوَسِيْلَةَ... »(1).

* المحيط: بلغ وروده ثلاث مرات(2) من ذلك قوله عليه السلام- في باب( العرش والكرسي) قال: «...والمُحِيطُ بِهمَا مِنْ شَيءٍ ...هُوَ هَاهُنَا و هَاهُنَا وفَوْق وتَحت ومُحيطٌ بِنَا ومَعَنَا » (3).

* الواحد، والأحد، والصَّمَد: وردت هذه الألفاظ ثلاث مرات في كلامه-عليه

السلام- من ذلك قوله في باب (جوامع التوحيد)قال: «الَحمْدُ للهِ الوَاحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ المُتَفَرِّدِ الَّذي لَا مِنْ شَيءٍ كَاَنَ، ولَا مِنْ شَيءٍ خَلَقَ مَاَ كَاَنَ، قُدْرَةٌ بَانَ بَها مِنَ الأشيَاءِوبَانَتِ الأشياءُ مِنْهُ، فَلَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ، ولَا حَدٌّ تُضرَبُ لَهُ فِيهِ الأمثَالُ... »(4).

أمَّا معنى هذه الألفاظ لغة، فإنَّ لفظ الجلالة (الله) من الجذر(ل ، ا ، ه) الذي

يعني «اسْمُ اللَّه تَعَالَی، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْألِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْظِيمِ »(5)، وذكر الخليل(ت 175 ه) أنّ الألف من بنية اللفظ؛ لذا فهو ليس من الألفاظ التي يمكن اشتقاق فِعْل منها(6)، وذهب سيبويه(ت 180 ه) ووافقه الفيروزآبادي(ت 817 ه)إلى أنّ أصله (إلاه) على

ص: 37


1- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 129 - 130 ، ح 1.
2- المصدر نفسه: 1/ 130 ،ح 1( 3).
3- المصدر نفسه: 1/ 130 ،ح 1.
4- المصدر نفسه: 1/ 134 ،ح 1( 3).
5- مقاييس اللغة، أحمد بن فارس:(لاه) 5/ 227 .
6- ينظر: العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي:(أله) 4/ 91 .

زنة (فِعال) ثم أسقطت الألف فتحوّل )الله)(1)وذهب يونس بن حبيب(ت 182 ه)، والكسائي(ت 189 ه)، وقطرب(ت 206 ه) إلى أنّ أصله الإله فحذفت الهمزة تخفيفاً،

ثم اجتمعت لامان فأدغمت الأولى في الثانية فقيل:(الله)(2).

والمتتبع لتاريخ استعماله يجده متداولاً في عصر ما قبل الإسلام بدلالة ربّ البيت، أو ربّ الكعبة، أو ربّ مكة، ومن مصاديق ذلك أنّم كانوا يعبدونه مؤقتاً؛إذا وجدوا أنفسهم في خطر؛ لأنّه خالق الكون ومهطل المطر...؛ وهذا يدلُّ على أنّه لفظ مأنوس ومألوف في لغتهم(3) وما جاء في أشعارهم قول عدي بن زيد : [البحر الوافر]

سَعَى الأعداءَلا يَأْلُونَ شَّرّاً ***عَلَّي ورَبَّ مكَّةَ والصَّليبِ(4)

وما ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا اللهُ إِلهُ وَاحِدُ سُبْحَانَهُ﴾(5)؛ لذا فهو المستحق للعبادة وحده لاشريك له فيها، إذ لا تجب العبادة إلّا له(6).

ومن الألفاظ الأُخرى التي ارتبطت بالذَّات القدسية لفظة (النّور) وهي من

ص: 38


1- ينظر: كتاب سيبويه، أبو بشر عثمان بن قنبر: 2/ 195 , والقاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:(أله) 1242 .
2- ينظر: اشتقاق أسماء الله الحسنى, أبو القاسم الزجاجي: 23 .
3- ينظر: الله والإنسان في القرآن، توشيهيكو ايزوتسو: 167 - 169 .
4- ديوان ديوان عدي بن زيد العبادي، حققه محمد جبار المعيبد: 38 .
5- النساء: 171 .
6- ينظر: تفسير أسماء الله الحسنى، ابن السري الزجاج: 26 .

الجذر(ن، و، ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی إِضَاءَةٍ..))(1)، ويقال: نور الصّبح بمعنى ظهر ضوؤه وانكشف(2)،وتكلّمت بها العرب قبل الإسلام بالمعنى المعروف المتداول آنذاكالإضاءة، والإنارة، قالامرؤ القيس:[البحر الطويل]

تَنَوّرتُها من أَذرُعاتٍ وأَهلُها بيَثرِبَ أدْنَى دارهَا نَظَرٌ عالِ(3)

ولمّا جاء الإسلام شاع استعماله وتطوَّر بمعنى النور الإلهي الذي يتجسّد في الحجج والبراهين الدالة على وحدانيته وقدسيته(4). قال تعالى:﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالَأرْضِ﴾(5).

أمّا لفظة(المحيط) فمن الجذر(ح، و، ط) و ((وَهُوَ الشَّيءُ يُطِيفُ بِالشَّيءِ))(6).ويُقال: أحاط فلان بالشيء محاوطة بمعنى داوره واستولى عليه في أمر يريده (7)، وعلى ذلك فالإحاطة تعني:((إدراك الشيء كاملاً بكماله ظاهراً وباطناً))(8)، وهو اسم فاعل على وزن(مُفْعِل) مشتق من الفعل غير الثلاثي على وزن مضارعه مع إبدال حرف المضارعة

ميماً مضمومة.

ص: 39


1- مقاييس اللغة:(نور) 5/ 368 .
2- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر:(نور) 3/ 2302 .
3- ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: 141 .
4- ينظر: تفسير أسماء الله الحسنى: 64 .
5- سورة النور: 35 .
6- مقاييس اللغة:(حوط) 2/ 120 .
7- ينظر: تهذيب اللغة، محمد بن أحمد الأزهري:(حاط) 5/ 184 .
8- التعريفات: 11

وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الإحاطة والإدراك، قال بشر بن أبي خازم الأسدي:[البحر الوافر]

فحَاطُونا القَصَاء وقَدْ رَأوْنا*** قرياً حيثُ يُستمع السَّرارُ(1)

أمّا وروده في الذّكر الحكيم:﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾(2). فيُلمح أنّ المفهوم القرآني يشير إلى أنّ قدرته ورحمته الواسعة محيطة بخلقه جميعاً.

ومن الاستعمالات الأُخرى التي وردت في كلام سيد البلغاء-عليه السلام- لفظة (الواحد) وهو اسم يدلُّ على تفرّده بصفاته الإلهية(3)، من الجذر (و،ح،د) وله أصل يدلُّ على الانفراد، و يُقال: هو واحد في قبيلته إذا لم يكن فيهم من يشابهه، فهو منفرد بذاته(4)، وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى أول الأعداد، وكذلك الشيء الذي ليس له نظير أو مثيل، ويُقال: جمل واحد أي منفرد بنفسه، قال الأعشى الكبير:

[البحر الطويل]

وَلَم يَسْعَ في الأَقْوَامِ سَعْيَكَ وَاحِدٌ*** وَلَيْسَ إناءٌ لِلنَدَى كَإنَائِكاَ(5)

وهو اسم فاعل مشتق من الفعل الثلاثي المجرد المعتل(المثال)(6)؛ للدلالة على

ص: 40


1- ديوان بشر ابن أبي خازم الأسدي، قدّم له وشرحه مجيد طرّاد: 62 .
2- سورة آل عمران: 120 .
3- ينظر: تفسير أسماء الله الحسنى: 57 .
4- ينظر: مقاييس اللغة:(وحد) 6/ 90 - 91 .
5- ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، شرح وتعليق محمد حسين: 91 .
6- ينظر: أسماء الله الحسنى توثيق ودراسة صرفية، م. عايد جدّوع حنّون، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، العددان( 3- 4)، المجلد( 5)، 2006 م: 97 .

الوحدانية والأزلية؛ لأنّه- جلّ وعلا-كائن من دون كون قبل القَبل، وبعد البَعد، فلا ابتداءَ له، ولا منتهىً لغايته(1)،قال تعالى:﴿ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ ﴾(2).

ودلالة الانفراد والوحدة هي المشترك بين لفظي (الواحد، والأحد) والأحد اسم جامد(3) من الجذر (ء،ح،د) ويدلُّ على الانفراد في الذَّات والصّفات معاً(4)،وورد لفظه عند العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الفرد من النّاس، قال النابغة الذبياني: [البحر البسيط]

وقفتُ فيها أُصَيْلاناً أُسائِلُها*** عَيَّتْ جَواباً، وما بالرَّبْعِ مِن أحَدِ(5)

ولمّا جاء الإسلام صار اسماً من أسماء الله الحسنى. قال تعالى:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾(6) ومن الألفاظ الأُخرى لفظة (الصَّمد) من الجذر(ص، م، د) قال الخليل: ((الصَّمَدُ السّيِّد في قومه، ليس فوقه أحَدٌ))(7)، ويُقال: رجلٌ صَمَدٌ إذا كان سيداً ومطاعاً في قومه، يقصده

الناس في قضاء حوائجهم(8)، وهو((السيد المطاع الذي لا يقضى دونه أمر، وقيل: الذي

ص: 41


1- ينظر: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، أبو حاتم الرازي: 200 .
2- سورة النساء: 171 .
3- ينظر: أسماء الله الحسنى توثيق ودراسة صرفية، بحث: 96 .
4- ينظر: تفسير أسماء الله الحسنى: 58 .
5- ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: 14 .
6- سورة الإخلاص: 1.
7- العين:(صمد) 7/ 104 .
8- ينظر: مقاييس اللغة:(صمد) 3/ 309 .

يصمد إليه في الحوائج أي يقصد))(1).

قال طرفة بن العبد: [بحر الرمل]

يَزَعونَ الجَهْلَ في مَجلِسِهم*** وهُمُ أنصارُ ذي الحِلْمِ الصَّمَدْ(2)

ولمّا جاء الإسلام خصّ معنى (الصمد) بالخالق الله- جلّ وتعالى-؛ ودليل ذلك قوله تعالى:﴿ لَم يَلِدْ وَلَم يُولَدْ ﴾(3). إذ ورد في تفسيره أنّه لم يظهر منه شيء مثل الأشياء التي تخرج من المخلوقات نحو النفس والضحك والبكاء...، و معنى ( لم يولد) أي لم يخرج شيء مثل النبات الذي يخرج من الأرض، والثمار من الأشجار، بل هو الله تعالى خالق الأشياء ومبدعها(4).

والمتأمل لهذه الألفاظ في نصوص الإمام-عليه السلام-يجد اختلاف دلالتها تبعاً

لاختلاف السِّياق، من ذلك قوله في معرض كلامه-عليه السلام- عن التوحيد: «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَی طَهَّرَنَا وعَصَمَنَا وجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَ خَلْقِهِ »(5) يُلحظ أنّه استعمل لفظ الجلالة؛لأنّه أراد أن يشير إلى فضل الله ونعمه عليهم، إذ طهّرهم من الإشراك بالله، وعصمهم من المعصية والذنوب ، وجعلهم حججه على خلقه، وربط قلوبهم بالقرآن،

ص: 42


1- لسان العرب: (صمد) 3/ 258 .
2- ديوان طرفة بن العبد، تحقيق درية الخطيب وآخرون: 141 .
3- سورة الإخلاص: 3.
4- ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن ، الطبرسي: 10 / 375 .
5- الكافي: 1/ 191 ،ح 5.

فهم القرآن الناطق(1)،وعلى ذلك فإنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي العموم والشمول؛ لأنّ الله جلّ وتعالى قدره ((هو الجامع لجميع معاني الأسماء والصفات العُلى))(2)؛لذا خُصّ لفظهمن دون غيره للدَّلالة على الارتباط الإلهي الوطيد بين المعبود وآل البيت-عليهم السلام-، فقد أوجب طاعتهم على خلقه,وأكرمهم بالعناية الإلهية التي تتجلّی في البَلاغة والفصاحةو الطّهر والورع والتقوى.

ومن الألفاظ الأُخرى التي ترتبط بالصفات الإلهية لفظة (النّور) فقد ذُكِر في معرض كلامه عن باب (العرش والكرسي): «وذَلكَ نُورٌ مِنْ عَظَمَتِهِ، فَبِعَظَمَتِهِ ونُورِه أِبْصَر قُلُوبَ المُؤمِنِينَ، وبِعَظَمَتِهِ ونُورِهِ عَادَاهُ الجَاهِلُونَ... »(3) إشارة للنور العقلي الذي عنى به العلم الذي حمله ، ويُدرك بعين البصيرة نحو : نور العقل، ونور القرآن الكريم (4).

وبناءً على ذلك فإنّ مجموع هذه الأنوار الإلهية تمثّل أدلّة وبراهين وحججاً على وحدانية الله -تبارك وتعالى-، ويُلحظ أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الاشتراك اللفظي؛ فكلا اللفظين يدلّ على النّور.أمّا أهم ما ينماز به هذا اللفظ فيكمن في أنّ معرفة الله تتجلّی في نوره الذي أبصر به قلوب العباد ،وكأنّ مجموع هذه الأنوار صفات للذات القدسية انماز بها.

ومن الاستعمالات الأُخرى للصفات الإلهية (المحيط) فقد جاء ذكره في (باب العرش

ص: 43


1- ينظر مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 2/ 343 .
2- شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنّة، سعيد بن وهف القحطاني: 108 .
3- الكافي: 1/ 129 - 130 ،ح 1.
4- ينظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروز آبادي: 5/ 133 .

والكرسي) قال : «والمُحِيطُ بِهمَا مِنْ شَيءٍ ... »(1). إذاستعار (المحيط) من معناه الأصلي الذي يدلُّ على الإحاطة، والحفظ(2) إلى المعنى المجازي الذي يدلّ على الحضور والقرب

من كلّ شيء بذاته ، وعظمته، وقدرته-جلّ شأنه-، فكلّ ما في الكون يحمله الله بعلمه ، وتحت سيطرته(3)، وهكذا يظهر أنّا لمعنى اللغوي مقارب الاستعمال السياقي الذي قصده الإمام- عليه السلام-، وقد استعمل هذا اللفظ؛ ليرسم قدرة الله -عزّ وجلّ- وإرادته، وقوته في الكون.

والمتدبّرلكلامه-عليه السلام-: «الَحمْدُ للهِ الوَاحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ... »(4). يلحظ أنّه استعمل لفظة(الواحد) إشارة إلى الذات القدسية التي لا تقبل الانقسام والتجزئة في مكوناته وصفاته؛ لأنّه ليس له حدثٌ يتكوّن منه، أمّا لفظة(الأحد) فهي تشير إلى امتناع صفاته عن الزيادة أو النقصان التي تحيل إلى امتلاكه مادة أو موجد أو أصل(5)؛ لذا فإن كلامه يشير إلى أنّه جامعٌ لخصوصيات الوحدة الكمالية، إذ إنّ لفظة (الواحد) تؤكد توحيده في ذاته أي لا ثاني له، ولفظة (الأحد) تثبت انتفاء الأجزاء والتراكيب فيه.

ويُلحظ أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السّياقي التّنزيه(6)؛ لأنّه متفرّد

ص: 44


1- الكافي: 1/ 130 ،ح 1.
2- ينظر:دستور العلماء جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عبد النبي الأحمد نكري: 1/ 38 .
3- ينظر: شرح أصول الكافي : 4/ 98 .
4- الكافي: 1/ 134 ،ح 1( 3).
5- ينظر: شرح أصول الكافي: 4/ 167 ، والعقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت، جعفر السبحاني: 65 .
6- ينظر: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، محمد بن أحمد القرطبي: 7/ 236 .

بالوحدة الكمالية، ومنزّه عن كلّ شيء.

وبناءً على ذلك فالتوحيد الحقيقي هو توحيد الله بالله فيطبق عقله وقلبه وبصيرته وعقيدته على عبادته ، فالإيمان به وحده لا شريك له فهو سبب النجاة والسعادة في قلب المؤمن(1).

والمتأمل للفظة (الصَّمد) في كلامه- عليه السلام- يلحظ أنّه استعملها؛ لأنّه أراد أن يبين أنّه فريد في أفعالهلا يماثله شيئ؛ لأنّه ذو أصل أزلي باق لا يزول(2). ويُلمح أنّ الاختصاص هو وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السّياقي ؛ لأنّه وحده المستحق للفعلمن دون غيره، فهو الغني الحميد عن كلّ وجه ، وإليه يُنتهى في الحوائج كلّها صغيرها وكبيرها(3).

يُخلص ممّا ذُكر أنّ الألفاظ (الله، والنّور، والمحيط، والواحد، والأحد، والصَّمد)

تشترك بدلالة الترادف الدَّالة على الصفات الإلهية أو القدسية. إلّ أنّ الأساس فيها لفظ الجلالة(الله) إذ يتسم بأنّه اسم علم مشتق في العربية الأصيلة من الأله بمعنى مفعول كأنّه مألوه أي مستحق للعبادة وحده يعبده الناس ويؤلهونه، تفرّدت به الذات الإلهية،وانمازت لفظة (الواحد، والأحد) في استعمالها عند الإمام-عليه السلام-وجودها في عبارات وافية كافية لمن طلب عقيدة التوحيد التي تتجلّی في التوحيد الحقيقي الذي يظهر

في إطباق عقله وقلبه بالإقرار والعبودية له وحده لا شريك له.

ص: 45


1- ينظر بصائر ذوي التميز في لطائف الكتاب العزيز: 5/ 173 .
2- ينظر: لسان العرب:)صمد( 3/ 358 ..
3- ينظر: شرح أصول الكافي: 4/ 76 .

أمّا فيما يخصّ الظواهر الدّلاليّة فيُلمحثمّة فروق لغوية طرأت على (الواحد، والأحد،والصمد) فالواحد أعمّ منه؛ إذ يُستعمل وصفاً مطلقاً للعاقل وغير العاقل، ويقع في بداية الكلام لمفتتح الحساب، على حين اختصّ (الأحد) بوصف الخالق-جلّ قدره-، ويقع موضع الجحود في الكلام، ويفيد الانفراد في الصفات الثبوتية التي تتجسّد في العلم، والقوّة، القدرة، والإرادة، والقضاء(1)، وثمة فرق بين لفظي(الأحد، والصمد) فالأحد يدلُّ على توحيده في ذاته وصفاته، وتثبت انتفاء الأجزاء والتراكيب فيه، في حين يدلُّ الصمد على أنّه فريد في أفعاله، وإليه ينتهى في الحوائج كلها.

ويُلحظ ثمّة تطور دلالي لحق لفظ الجلالة (الله) إذ تخصصت دلالته ب (الله تعالى) بعدما كانت تدلُّ على أحد الآلهة الذي يعبده المشركون، ولكن لا يرونه أحداً فرداً صمداً، و (الواحد) إذ انتقلت دلالتها من العدد المعروف في أوّل الأرقام إلى اسم دال على الذات الإلهية ونفي الشركة عنه، ولفظة (الأحد) انتقلت من دلالة الفرد بين النّاس إلى اسم خاص لله تعالى، و لفظة الصمد انتقلت من دلالة السيد المطاع عند قومه إلى لفظ خاص بالله تعالى.

ص: 46


1- ينظر: خلاصة علم الكلام، عبد الهادي الفضلي: 77 .

المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على صفات النّبوّة وما يلحق بها

المجموعة الأولى: ألفاظ النَّبي محمد-صلّی الله عليه وآله وسلّم-، وصفاته:

لقد اقتضت حكمة الله تعالى ومشيئته أن يكون الرَّسول-صلّی الله عليه وآله وسلّم- خاتم الأنبياء والرُّسُل؛ لإقامة الحجّة المبينة، والواجبات، والفرائض التي سنّها الخالق- تعالى قدره- على أتمّ وجه(1). ومن أسمائه وصفاته الواردة في كلامه-عليه السلام-:

* مُحَمَّد: ورد ذكره ثمان مرات(2)في كلامه- عليه السلام- من ذلك ما ذكره في باب (مولد النبي صلّی الله عليه وآله( قال: «إنَّ خَيْرَ الخَلْقِ يَوْمَ يَجمَعُهُمُ اللهُ الرُّسُلُ، وإنَّ أفضَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ و آلِهِ » (3).

ويُلحظ أنّ المعنى اللغوي له يدلُّ على ما يأتي: فهو من الجذر(ح، م، د) وهو خلاف الذَّم وضدّه(4)، واشتق لفظه من الفعل الرّباعي )حُّمِّدَ)، إذ يُقال: حَّمِّدتُ الرَّجل تحميداً

ص: 47


1- ينظر:النبوة في نهج البلاغة، أحمد راسم النفيس: 158 .
2- ينظر:الكافي: 1/ 196 ،ح 1، و 1/ 450 ،ح 34 ( 3)، و 1/ 529 - 530 ،ح 5( 2)، و 1/ 533 ،ح 13 ، و 182-181/4 ،ح 7.
3- المصدر نفسه: 1/ 450 ،ح 34 .
4- ينظر: العين:(حمد) 3/ 188 ، ومقاييس اللغة:(حمد) 2/ 100 .

فهو مُحمَّد على بناء(مُفَعَّل)، ويُقال: كرّمته فهو مكرّم؛ لوقوع الفعل عليه مراراً(1)، قال الأعشى الكبير:[البحر الطويل]

إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كَلَالَها*** إِلَی الَماجِدِ الْفَرْعِ الَجوَّادِ الُمحَمَّدِ(2)

ولمّا جاء الإسلام خُصّ لفظه بنبينا محمّد-صلّی الله عليه وآله وسلّم- قال تعالى:﴿ مُحمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾(3). وعليه فهو المحمود عند الله تعالى، وملائكته، ورُسُله، وعباده في كلِّ حين فهو سيد الأوّلين والآخرين(4).

والناظر لسياق اللفظ يجده قد صُدِّر بأداة التوكيد(إنَّ) في قوله: «وإنَّ أفضَلَ الرُّسُلِ مُحمَّدٌ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ »(5) لتأكيد ما يريد، ولو أسقطت هذه الأداة لصارت دلالة التركيب تفيد الإخبار والوصف، لكنه-عليه السلام-أراد توكيدها، وتثبيتها، وتقويتها في ذهن السامع (6)، بغية تحقيق دلالات أُخر منها أنَّ النُّبوة قد خُتمت برسولنا الأكرم- صلّی الله عليه وآله وسلّم-، ومعجزته الكبرى (القرآن الكريم)،فضلاً عن أن الخطاب القرآني كان موجهاً للأنبياء، والرُّسل-صلوات الله عليهم- بأسمائهم كلِّهم إلّا نبينا

ص: 48


1- ينظر: الاشتقاق: 8، و الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه مع فوائد نحوية هامة، محمود عبد الرحيم صافي: 2/ 324 ، و معجم اللغة العربية المعاصرة:(حمد) 1/ 556 .
2- ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: 189 .
3- سورة الفتح: 29 .
4- ينظر: جلاء الإفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام، ابن قيم الجوزية: 191 .
5- الكافي: 1/ 450 ،ح 34 .
6- ينظر: في النحو العربي نقد وتوجيه،مهدي المخزومي: 234 .

-صلّی الله عليه وآله وسلّم- فقد خاطبه باسم النُّبوة والرّسالة؛ تعظيماً وإجلالاً (1)، أمّا سبب اختياره للفظة (محمّد) فظاهر المعنى يشير إلى التفضيل لا التفريق،فالمفضل هو الرسول محمّد-صلّی الله عليه وآله وسلّم-، والمفضّل عليه الرُّسُل؛فأفضلية النبي محمّد تتجلّی في أنّه سيد الأوّلين والآخرين المبعوث نوراً للعالمين.

صفاته: تتضمّن الألفاظ الدَّالة عليه كما وردت في كلام الإمام -عليه السلام-،

وهي: (البلاغ، والتَّصديق، والنَّصيحة، والتَّوسُّم).

* البلاغ، والتَّصديق، والنَّصيحة: ورد ذكر كلّ لفظة من هذه الألفاظ مرة واحدة في كلامه -عليه السلام- في باب (إنّ الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهدٍ من الله) قال: « وَأَنَا أشْهَدُ لَكَبِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ بِالبَلَاغِ والنَّصِيْحَةِ والتَّصْدِيقِ عَلَی مَا قُلْتَ وَيَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَبَصَري وَلَحمِي وَدَمِي »(2).

* المتوسِّم: جاء ذكره مرة واحدة في معرض كلامه-عليه السلام- في باب (أنّ المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة عليهم السلام والسبيل فيهم مقيم) قال: « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَيه وآله المُتَوَسِّمَ، وَأَنَا مِنْ بَعْدِهِ والأئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي المُتَوَسِّمُونَ »(3).

ويظهر أنّ المعنى اللغوي لهذه الألفاظ يدلُّ على ما يأتي:

ص: 49


1- ينظر: النبوّة والأنبياء، محمد علي الصابوني: 19 .
2- الكافي: 1/ 282 ،ح 4.
3- الكافي: 1/ 219 ،ح 5.

البلاغ من الجذر(ب،ل،غ) وله((أَصْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوُصُولُ إِلَی الشَّيءِ))(1)،ويُقصد به ما يبلّغ به ويتوصّل إلى غاية المعنى المراد، ويُقال: بلّغت فلاناً تبليغاً وبلاغاً أي ما بلغه من الكلام تام المعنى، فهو مبلِّغ،ومصدره تبليغ والاسم منه البلاغ على وزن (فَعَال)(2)،و تكلّم به العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى اللغوي المتداول، من ذلك قول النابغة الذبياني: [البحر الطويل]

أَلامَن مُبلِغٌ عنِّي حُزَيْماً*** وزَبّانَ الذي لم يَرْعَ صِهْري(3)

أمَّا وروده في الاستعمال الإسلامي فيُلمح أنَّه غير ذلك، قال تعالى:﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوابه﴾(4). فالبلاغ هو (القرآن الكريم)الذي أُنزل على الرسول الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-بالدلائل المبيّنة(5).

ومن الألفاظ الأُخرى التي وُصف بها نبينا الكريم-صلّی الله عليه وآله وسلّم- لفظة (التّصديق)، إنّه خلاف التكذيب، مشتق من الجذر(ص،د،ق) وله﴿أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی قُوَّةٍ فِي الشَّيءِ قَوْلًا وَغَيْرهُ﴾(6)، ويرد في كلِّ ما فيه حقيقة، ويُقال: صَدَقَني فعله وكتابه أي

ص: 50


1- مقاييس اللغة:(بلغ) 1/ 301 .
2- ينظر: العين:(بلغ) 4/ 421 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين ابن الأثير:(بلغ) 1/ 152 .
3- ديوان النابغة الذبياني: 80 .
4- سورة إبراهيم: 52 .
5- ينظر: الجامع لأحكام القرآن والمبيّن لما تضمنه من السّنة وآي الفرقان: 12 / 172 .
6- مقاييس اللغة:(صدق) 3/ 339 .

تصديقه قولاً وفعلاً(1)، ويُقال: صدَّق الرَّجل إذا آمن بصدق كلامه ووافقه وثبّته(2)،

وورد لفظهوصفاً للرسول، قال تعالى:﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ

الُمتَّقُونَ﴾(3)؛ لأنّ الذي جاء بالصدق نبينا محمد-صلّی الله عليه وآله وسلّم- والمراد بالصدق هو دينه الحق الذي أراده الله تعالى وآمن به المؤمنون قولاً وفعلاً(4).

ومن الاستعمالات الأُخرى لأوصاف رسولنا الكريم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-

لفظة (النّصيحة) فقد ورد في المعجمات: إنّها من الجذر(ن،ص،ح) والأصل فيها

الإخلاص في الإرشاد والإصلاح(5)،

ويُقال: نَصَحَ الفتى نُصْحَاً، ونصيحةً إذا أرشده لما فيه الخير، فهي مصدر يُراد بها الخير للمنصوح على سبيل الوعظ والإرشاد تتخللها النِّيَّة الصَّادقة(6)،وورد لفظها متداولًا

بالمعنى نفسه في أشعارالعرب في عصر ما قبل الإسلام، منها قول النابغة الذّبياني: [البحر الطويل]

ص: 51


1- ينظر: مفردات ألفاظ القرآن:(صدق) 480 .
2- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(صدق) 2/ 1282 ، والمهذب في علم التصريف: 222 .
3- سورة الزمر: 33 .
4- ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله الزمخشري: 5/ 305 ، والميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي: 17 / 260 .
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(نصح) 2/ 63 ، ولسان العرب:(نصح) 2/ 615 .
6- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة: (نصح): 3/ 2219 .

نَصَحْتُ بني عَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلوا*** رسولي ولم تَنْجَحْ لديهم وسائلي(1)

أمّا في الاستعمال الإسلامي فورد المعنى في توحيد الله تعالى، والإيمان برسوله،والكتاب وأولي الأمر من ذلك ما جاء في التنزيل الحكيم من قوله تعالى: ﴿ فَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾(2)فسياق الآية يدلُّ على التوبيخ، والتهكم على لسان نبي الله صالح- عليه السلام- حين أُرسل لقومه؛ لينصحهم لكنهم لم ينتهوا بل أشركوا فأرسل عليهم العذاب(3).

وأمّا لفظة (المتوسِّم) فهي من الجذر( و،س،م) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی أَثَرٍ

وَمَعْلَمٍ))(4)، ويُقال توسّم في فلان خيراً أو شراً فهو متبصّر، ومتفرّس في دقائق الأمور(5)،وهي من العلامات التي يتصف بها الرجال كبار السن، وذوي المكانة المرموقة بين الّناس(6)، ووردت في كلام العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى التفرّس في النظر، قال زهير:

[البحر الطويل]

ص: 52


1- ديوان النابغة الذبياني: 143 .
2- سورة الأعراف: 79 .
3- ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: 2/ 468 .
4- مقاييس اللغة: (وسم) 6/ 110 .
5- ينظر: أساس البلاغة، أبو القاسم بن أحمد الزمخشري: 2/ 334 ، و معجم اللغة العربية المعاصرة:(وسم) 3/ 244 .
6- ينظر: لسان العرب:(وسم) 12 / 636 .

وَفِيهنَّ مَلْهىً لِلطيفِ وَمَنظَر*** أنيقٌ لِعَيْن النَّاظرِ المُتَوَسِّمِ(1)

ولمّا جاء الإسلام صار يدلُّ على علامات النور أثر السجود؛ تذللاً إلى الله

سبحان هوخشوعاً (2)،وما يؤيد ذلك قوله تعالى:﴿سِيمَاهُمْ فيِ وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِالسُّجُودِ﴾(3).

يُستشف ممّا سبق أنّ الأساس الذي ترتكز عليه هذه الصفات (البلاغ)، إذ تتسم بتبليغ النّصوص القرآنية، ثم ذكر أحكامها الشرعية التي وردت،ومن السمات التي وردت متصلة بها (التّصديق) التي تعني الإيمان والإقرار في الأوامر الإلهية المبلّغة، أمّا (النّصيحة) فتتسم بالإخلاص في النّصح والتبليغ كما أمر الله تعالى، أمّا (التوسّم) فتدلُّ على التّبصّر والتّثبت في معرفة الأمور، وعلى ذلك فإنّ العلاقة التي تشترك بين هذه الصفات هي علاقة الإبلاغ والإخبارفي الكلام.

والمتتبع لسياق استعمال هذه الألفاظ يجد أنّه استعمل لفظة (البلاغ) في قوله: «وَأَنَا أشْهَدُ لَكَ... بِالبَلَاغِ »(4) إشارة إلى صدق الرسول الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم- في تبليغ رسالة ربه (القرآن الكريم) إلى النَّاس جميعاً من دون تحريف وتثبيتها في أذهانهم ومنها ولاية أمير المؤمنين-عليه السلام-(5)، وما يؤيد ذلك قوله تعالى﴿يَا أَيَّهُّا الرَّسُولُ

ص: 53


1- ديوان زهير بن أبي سلمى: 66 .
2- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 18 / 303 .
3- سورة الفتح : 29 .
4- الكافي: 1/ 282 ،ح 4.
5- ينظر: شرح أصول الكافي: 6/ 99

بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلِيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنِ لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللُّهَ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنِّ اللَّهَ لَا يَهدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(1).

فسياق الآية يشير إلى أن البلاغ المقصود في هذه الآية هو ولاية الإمام علي بن أبي طالب-عليه السلام-(2)، حين حاول الحاقدون إنكارها وتزييفها.

وبناءً على ذلك يُلحظ أنّ المعنى اللغوي يدلُّ على التبليغ والإنذارغير الاستعمال السياقي الذي يعني ولاية الإمام، ونظراً للأثر القرآني الذي اتسمت به لفظة (البلاغ) فقد اختاره الإمام؛ ليصفَ به الرَّسول -صلّی الله عليه وآله وسلّم-؛ إذ إنَّ بلاغه لم يكن بذكر النصوص القرآنية وقراءتها فقط،وإنّما بذكرأحكامها وتشريعها، وتنصيبه خليفةمن بعده.

ولفظة (التّصديق) الواردة في كلامه : «وَأَنَا أشْهَدُ لَكَ بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ...والتَّصْدِيقِ »(3) وظّفها الإمام؛إشارة إلى تصديقه وإيمانه قولاً وفعلاً؛ لما عهد الله له في الوصية التي أودعها إيّاه ومنها انتهاك الحرمة، وتعطيل السّنن،وتمزيق الكتاب(4).

وعلى ذلك فإن التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي يتجلّی

ص: 54


1- سورة المائدة: 67 .
2- ينظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 42 / 102 ، 107 ، والميزان في تفسير القرآن: 6/ 55 ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، الحاكم الحسكاني: 1/ 190 .
3- الكافي: 1/ 282 ،ح 4.
4- ينظر:المصدر نفسه: 1/ 282 ، ح 4.

في الإيمان، والرضا، والقبول لعهد الله تعالى، و خصّه الإمام-عليه السلام- بهذا اللفظ؛تصديقاً به لما شهده إيّاه في حياته من حسن الخلق، وتقديم النصح لما فيه صلاح العبد.

ومن الاستعمالات الأُخرى التي وُصف بها النَّبي محمد-صلّی الله عليه وآله وسلّم- (النّصيحة)في كلامه: «وَأَنَا أشْهَدُ لَكَ بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ...والنَّصِيْحَةِ »(1)؛ لأنّه أراد أن يبيّن صدقه، وإخلاصه في النَّصح، والإرشاد للعباد الذي يتجلّی في بذل المودّة، والموعظة في المشورة، وإبداء الرّأي لما فيه صلاح المرء في الدنيا والآخرة(2).

وفي ضوء ما سبق يتضح التقارب الدلاليبين المعنى اللغويالذي يدلُّ على الإخلاص في النصح و الاستعمال السياقي الذي يُراد به الإخلاص في العبادة ؛ فقد كان مخلصاً ناصحاً أميناً في عمله تجاه الخلق.

وأمّا تحديد استعمال لفظة (المتوسّم) في كلامه: « كَاَنَ رَسُولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلَيه وآله المُتَوَسِّمَ »(3) فقد وصفه-عليه السلام-؛ مبيّناً منزلته عند الله تعالى فهو المتبصّر، والمتفكّر في حقائق الأمور، وأسبابها، وآثارها(4) ولعلّ هذه الصفة من كرامات الله تعالى التي وهبها إياه(5).

ص: 55


1- المصدر نفسه: 1/ 282 ،ح 4.
2- ينظر: شرح أصول الكافي: 6/ 99 .
3- الكافي: 1/ 219 ،ح 5.
4- ينظر: شرح أصول الكافي: 5/ 288 .
5- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 3/ 2.

وممّا سبق يُلحظ أنّ المعنى اللغوي الذي يدلُّ على وضع علامة، أو أثر للشيء الذي يُراد وسمه، غير الاستعمال السياقي للفظة، فالتوسّم سمة متأصلة في الرّسول، وثابتة خُلقت فيه منذ ولادته أي مختصة فيه، ولم تكن مكتسبة كما في المعنى اللغوي.و خُصّ لفظه؛ لأنّه من المعاني الثابتة التي تدلُّ على اتصاف صاحبه بالتفرّس على وجه الثبوت والاستمرار(1) أي هو متصف بالتفرّس على وجه الدوام.

وفي ضوء ما سبق يُلمح أنّ هذه الصَّفات يتّسم بها أنبياء الله جميعاً-صلوات

الله عليهم- أي أنّ ظهور إحدى الصِّفات (البَلاغ) مثلاً مناطٌ بقرينتي (التّصديق،

والنّصيحة) فتميزه بصفة (البَلاغ) اقتضى أن يكون أميناً، وصادقاً، وناصحاً في إيصال الأوامر الإلهية (القرآن الكريم، والسّنّة ) كما هي من دون تحريف؛ لأنّها تمثّل حُجَّة قاطعة بوحدانية الله -عزّ وجلّ- وقدسيته؛ دفعاً لوقوع العذاب من دون إنذار أو تبليغ.

بيد أنّ توظيف الإمام-عليه السلام- لهذه الألفاظ يحيل إلى حقيقة لا يمكن إنكارها تتجلّی في أنَّ الرسول الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-؛ خاتم الأنبياء والمرسلين؛ لأنّه حكمة الله-جلّ في علاه- ومشيئته.

ص: 56


1- ينظر: معاني الأبنية في العربية،فاضل صالح السامرائي: 65 .

المجموعة الثانية: أسماء الأنبياء،وهي: (موسى، وداوود، وإبراهيم، وسليمان).

* موسى: استُعمل خمس مرات(1)في كلامه -عليه السلام-منها قوله في باب (الرِّزق من حيث لا يحتسب) قال: «كُنْ لَماِ لَما تَرْجُو، أرْجَى مِنْكَ لَماِ تَرجُو فَإنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام خَرَجَ يَقْتَبسُ لِأهَلِهِ نَاراً فَكَلَّمَهُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ورَجَعَ نَبيِّاً مُرْسَلاً ... »(2).

* داوود: استُعمل لفظه ثلاث مرات من ذلك قوله في باب (ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السلام في التعرض للرِّزق) قال: « أَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلَی دَاوُودَ عليه السلام أَنَّكَ نِعْمَ العَبْدُ لَوْ لَا أنَّكَ تَأكُلُ مِنْ بَيْتِ المَالِ ولَا تَعْمَلُ بِيَدِكَ شَيْئاً...فَبَكَى دَاوُودُ عليه السلام أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلَی الحَدِيدِ: أنْ لِنْ لِعَبْدِي دَاوُودَ، فَأَلَأنَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ الحَدِيدَ فَكَانَ يَعْمَلُ كلَّ يَوْمٍ دِرْعَاً فَيَبِيعُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ... »(3).

* إبراهيم: ورد ذكره مرة واحدة في كلامه -عليه السلام- في باب التسليم: «لَا تُجاوِزُوا بِنَا مِثْلَ مَا قَالَتِ المَلاَئِكَةُ لِأبِينَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِنَّمَا قَالُوا: رَحْمةُ اللهِ وبَرَكَاتَهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ »(4).

* سليمان: ورد لفظه مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب (الرِّزق من حيث لا يحتسب) قال:((وخَرَجَتْ مَلِكَةُ سَبَإٍ فَأَسْلَمَتْ مَعَ سُلَيْمَانَ عليه السلام))(5).

ص: 57


1- ينظر: الكافي: 1/ 231 - 232 ،ح 4، و 4/ 182 - 183 ،ح 7( 3)، و 5/ 83 ،ح 3.
2- المصدر نفسه: 5/ 83 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 5/ 74 ،ح 5( 3).
4- المصدر نفسه : 2/ 646 ،ح 13 .
5- المصدر نفسه : 5/ 83 - 84 ،ح 3.

ويتبيّن أنّ المعنى اللغوي لهذه الألفاظ يدلّ على ما يأتي:

لفظة (موسى) اسم أعجمي وأصله عبراني (مُوشَا) مكوّن من مقطعين (مُو)

الماء و(شَا) يعني الشجر، وإنّما سُمّي بذلك نسبة للصندوق الذي عُثر عليه بين الماءوالشجر(1).

وذُكر أنّ ((معناه الجذب، لأنّه جُذِبَ من الماء ))(2)، ثمّ عُرّب بإبدال شينه سيناً فصار موسى(3)، وقيل: إنّ جذره في المصرية القديمة:(م،س،ي) على زنة فَعَلَ، بمعنى وَلَدَ, يلد، ولادة، أي: المولود الجديد(4)، و ذهب سيبويه إلى: ((أنّ الياء في موسى من نفس الكلمة))(5)، و تكلّم به العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال السموأل: [البحر

الخفيف]

وانفلاقُ الأمواج طَوْرَينِ عن*** موسى وبَعْدُ المُملَّكُ الطالوت(6)

وبناءً على ذلك فإنّ معنى لفظة (موسى) تقارب معنى الولد في اللغة العربية قال تعالى:﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْن لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ

ص: 58


1- ينظر: المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، أبو منصور الجواليقي: 350 .
2- المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم : 350 .
3- ينظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي: 1/ 353 .
4- ينظر: من إعجاز القرآن، رؤوف أبو سعدة: 2/ 16 .
5- كتاب سيبويه: 3/ 213 .
6- ديوانا عروة بن الورد والسموأل: 82 .

نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾(1)، ومعنى ذلك أنّ امرأة فرعون كانت لم تلد وفيها رغبة جامحة لاتخاذه مولوداً لها(2).

ومن مشتركات الأصل اللغوي للفظة (موسى)(داوود) فهو اسم أعجمي(3)، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل-عليهم وعلى نبينا السلام- ، واختُلف في اشتقاقه، فظنّ بعض المستشرقين أنّه عبراني الأصل من الجذر (د، و، د) يُنطق بلفظة (داويد) على بناء (فاعيل)

بمعنى مفعول، ويعني: الحبّ المحبوب، وهو موافق للمعنى العربي (و، د، د)(4).

والحق أنّه ينقسم على مقطعي نفي اللغة العربية، أحدهما (دي) بمعنى (ذو)، وثانيهما(أود) ويُراد به (الأيد). ونظراً لذلك فإنّ معنى لفظة (داوود) في العربية ترداف معنى (ذو الأيد)(5) أي ذو قوة وقدرة. قال تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الَأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(6). وهذا المعنى يتناسب مع المهنة التي علّمها الله تعالى له، إذ ألانَ له الحديد،وجعلها تتغير بين يديه كيفما شاء.

ص: 59


1- القصص: 9.
2- ينظر: تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، محمد فخر الدين الرازي: 329/24 ،والجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان: 16 / 236 .
3- ينظر: لسان العرب:(دود) 3/ 167 .
4- ينظر: من إعجاز القرآن: 2/ 146 .
5- ينظر: المصدر نفسه: 2/ 151 .
6- سورة ص: 17 .

ومن الاستعمالات الأُخرى لفظة (إبراهيم)التي تشترك مع لفظة (موسى ) في اللغة العبرية نفسها، فهو اسم أعجمي على زنة (فِعْلالِيلُ) غير منصرف(1)، واختلف في اشتقاقه فقيل: إنّه ذو أصل سرياني يعني: الأب الرحيم، مشتق من المقاطع (آب+راب+هام) ثم أُسقط حرف الباء من (راب)، وسُهِّل المد في(آب)؛ لتيسير النطق فصار إبراهام(2)، أو هو مشتق من((البرهمة وهي إدامة النظر مع سكون الطرف وهو اسم أبو الأنبياء وجد خاتم المرسلين))(3).

وفي ضوء هذا فهو يعني الأب الرحيم، أو ما يأمّه النّاس في اللغة المصرية القديمة مقارباً لمعناه الذي ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:﴿وَإذِ ابْتَلَی إبِرَاهِيمَ رَبُّهُ بكِلمِاتٍ فَأَتَّمهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾(4).

أمّا لفظة (سليمان) فهي اسم علم تصغير سلمان من الجذر(س، ل، م) ويُراد به: السَّلام والمسالمة مُنع من الصرف للعلمية والألف والنون الزائدتين(5).

تكلّمت به العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال النابغة الذبياني: [البحر البسيط]

إلَّا سُلَيمانَ إذْ قَالَ الإلَهُ*** لهُ قُمْ في البَريَّةِ فَاحدُدهَا عن الفَنَدِ(6)

ص: 60


1- ينظر: الخصائص: 1/ 199 ، و المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: 61
2- ينظر: من إعجاز القرآن: 269 ، و الأعلام القرآنية دراسة صرفية نحوية، نجاة سعد محمد الورفلي(أطروحة دكتوراه): 127 .
3- الموسّع في الأسماء العربية، رنا صالح: 26 .
4- سورة البقرة: 124 .
5- ينظر: الخصائص: 2/ 134 ، ومن إعجاز القرآن: 2/ 161 .
6- ديوان النابغة الذبياني: 20 .

أمّا وروده في الذّكر الحكيم فورد إشارة إلى نبي الله تعالى. قال تعالى:﴿إنِّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾(1).

والناظر لسياق استعمال هذه الألفاظ في النصوص العلوية،يجد اختلافَ دلالتها

تبعاً للسياق، من ذلك لفظة (موسى)في قوله: ((فَإنَّ مُوسَى...))(2)يجدها اقتباساً قرآنياً من قوله تعالى:﴿إذِ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأهلهِ امْكُثُوا إنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتيِكُمْ مِنْهَا بقِبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَی النَّارِ هُدًى﴾ (3).استحضره-عليه السلام-؛ ليصوّر حال النبي موسى فقد

كان إنساناً موحِّداً إلى الله تعالى مخلصاً في دينه(4)،خرج ذات ليلة مظلمة مع أهله قاصداً

مصر وقد أضلّ الطريق, ورأى ناراً فراح يقتبس منها - رجع نبياً مرسلاً - (تكليم الله له، ومعجزة العصا، واليد)(5)، وقد عدل في كلامه من أسلوب الخطاب المباشر:(( كن لما لا ترجو...)) ،إلى مقام الغيبة:(( فكلّمه الله عزَّ وجلَّ ورجع نبيّاً مرسلاً))، على سبيل

التعجب والاستغراب(6)، وكان مقتضى الظاهر أن يستمر الكلام بأسلوب الخطاب المباشر, لكنَّه عدل عدولاً محدثاً رونقاً جمالياً، وكأنّه مشهدٌ حيٌّ أمام أعين الناس(7)،ويُلمح أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي العناية الإلهية للنبي موسى مذ

ص: 61


1- سورة النمل: 30 .
2- الكافي: 5/ 83 ،ح 3.
3- سورة طه: 10 .
4- ينظر: معاني القرآن الكريم, أبو جعفر النّحاس: 4/ 337 .
5- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 16 / 136 .
6- ينظر: المصدر نفسه: 16 / 139 .
7- ينظر:الالتفات في القرآن الكريم إلى آخر سورة الكهف، خديجة محمد أحمد البناني (رسالة ما جستير): 51 .

كان وليداً ورميه في اليم زمن فرعون حتى صار نبياً مرسلاً.

والمتأمّل في قوله: ﴿أَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلَی دَاوُودَ﴾(1) يلحظ أنّه استعمل لفظة(داوود) في سياق كلامه عن أسباب العيش، وحرفة الصناعات؛ لأنّه أراد أن يصوّر حال نبي الله داوود -عليه السلام- فقد كان رجلاً صالحاً عابداً حليماً ذا قوة لا يقوى عليها آخر، ثمّ وُجهت قوته بقدرة إلهية جعلته يسخِّرها في حياته اليومية، ومنها عمله في صناعة الدروع

التي تعد من النعم الربانية التي وهبها إيّاه البارئ-جلّ في علاه- في مواجهة المعيشة والدفاع عن النفس(2).

وما يؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿وَلقَدْ آَتَينْاَ دَاوُودَ مِناَّ فَضْلًا يَا جِباَلُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطيَّر وَأَلنَاَّ لَهُ الَحدِيدَ﴾(3) فصار قادراً على تصنيع الحديد على ما يريد.

ولفظة (إبراهيم) يُلحظ أنّه استعملها في سياق مسبوق بنص((مرّ أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام بقوم فسلّم عليهم فقالوا: عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه))(4) أراد منه فريضة منفرائض ديننا الحنيف (تحية الإسلام)، إذ قال رسول الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «السلام تطوُّع والردُّ فريضة »(5)، فالإمام-عليه السلام-

ص: 62


1- الكافي: 5/ 74 ،ح 5.
2- ينظر: النبوة والأنبياء: 290 .
3- سورة سبأ: 10 .
4- الكافي: 2/ 646 .
5- المصدر نفسه: 2/ 644 ،ح 1.

يأمرالمسلمين بأداء التَّحيّة مثلما ردّتها الملائكة: «رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت » (1)؛ لذا جاء الخطاب بصيغة الأمر مقترناً ب(لاالناهية)؛ للنّصح والإرشاد.

أمّا وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي فهو الاختصاص؛ لأنّ النَّبيَّ إبراهيم -عليهالسلام- هو الذي أرسى قواعد الدِّين الحنيف، ومنه أينعت شجرة النّبوة(2)، وهو الجد الأعلى لنبيِّنا محمد-صلّی الله عليه وآله وسلّم-.

والمتدبّر لقوله: ﴿فَأَسْلَمَتْ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾(3)يجده استعمل لفظة (سليمان) في معرض كلامه عن تحصيل الرّزق بصور مختلفة، ومنها نعم الله تعالى التي أوهبها إيّاه والمتمثّلة في سعة ملكه، وحكمه، وقوته، وعلّمه منطق الطير، وتسخيره الرّياح، والشّياطين بأمره،التي اتخذها أداةً للدّعوة إلى الدِّين الإسلامي(4)، ومّمن أسلم على يده بلقيس ملكة سبأ

وقومها حين قالت:﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لَّلهِ رَبِّ الْعَالِمينَ﴾(5).

وخلاصة القول: ممّا ذُكر أنَّ مجيء الدّلالة الاستعمالية لأسماء الأنبياء متناسبةً مع معجزاتهم, فقد وظّف لفظة (موسى) في ضوء الظواهر(تسخيرالسّحرة، والجنّ) التي كانت سائدة في عصره آنذاك، وصوّر لفظة (داوود) في مواجهة أسباب العيش، والحرف،

ص: 63


1- المصدر نفسه: 2/ 646 ،ح 13 .
2- ينظر: روح المعاني تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،محمود الآلوسي البغدادي: 1/ 375 .
3- الكافي: 5/ 83 - 84 ،ح 3.
4- ينظر: النبوة والأنبياء: 302 ، وألفاظ العقائد والعبادات والمعاملات في صحيح البخاري-دراسة دلالية-، محمد بوادي(أطروحة دكتوراه): 175
5- سورة النمل: 44 .

والدّفاع عن النّفس؛ ممّا يدلُّ على اختياره للألفاظ لم يكن عفويَّاً بل كان مقصوداً؛ بغيةتحقيق غايات معينة.

ويُلحظ أنَّ (للقرآن الكريم) أثراً كبيراً في مرجعيته اللغوية التي تتجلّی في لفظ(موسى) فإنّه اقتباس قرآنيٌّ من قوله تعالى:﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّ آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَی النَّارِ هُدًى﴾ (1).

أمّا فيما يخصّ الظواهر الدلالية فيُلمح ثمّة مصاحبة لغوية وردت في لفظة (أبينا إبراهيم)؛ لأنّها تعني:((توافق الوحدة المعجمية مع ما يجاورها في الجملة ))(2)؛لذا فإنّ الألفاظ لا تتضح معانيها بمفردها وإنّما مع ما يجاورها من ألفاظ. ويُلحظ ثمَّة تقارب دلالي في معنى أسماء الأنبياء بين اللغة العبرية واللغة العربية فقد جاءت هذه الأسماء بمعانٍ تتقارب مع المعنى القرآني نحو لفظة (موسى) فإنّها تقاربُ معنى الولد في القرآن الكريم، و لفظة (داوود) تقاربُ معنى ذي الأيد في القرآن الكريم، ولفظة (إبراهيم)

فهي تقاربُ معنى الإمام الذي ورد في القرآن الكريم؛ لذا يمكن القول: إنّ دلالات هذه الأسماء في لغاتها مماثلة لدلالاتها في استعمال الإمام لها.

ص: 64


1- سورة طه: 10 .
2- دلالية السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث (دراسة تحليلية للوظائف الصوتية والبنيوية والتركيبية في ضوء نظرية السياق)، عبد الفتاح عبد العليم البركاوي: 71 .

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الإمامة وما يلحق بها

تُعدّ الإمامة أصلاً من أصول الدِّين الإسلامي مثلها مثل التوحيد، والنبوة واجب

الاعتقاد والإقراربها؛ لأنّها امتداد للنبوة في العصمة والصفات(الشجاعة، والعدل،والإحسان، والتقوى،والصدق)،فضلاً عن تبليغ الأوامر الإلهية،وأداء الأحكام الشرعية(1).

المجموعة الأولى: الألفاظ الدَّالة على الإمامة،ومنها: (الإمام، والأعراف، وأهل البيت، والشّهداء، والحجّة، والمهدي، والوَلاية، والعترة).

* الإمام: بلغ عددُ وروده تسعَ مراتٍ(2) من ذلك كلامه في ((باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر)): «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي إماماً لِخلْقِهِ،فَفَرَضَ عَلَّي التَّقدِير في نَفْسِ ومَطْعَمِي ومَشْربِي ومَلْبَسِي كَضُعَفَاءِ النّاسِ؛ كَيْ يَقْتَدِيَ الفَقِيرُ بِفَقْرِي ولَا يُطْغِيَ الغَنِيَّ غِنَاهُ »(3).

ص: 65


1- ينظر:عقائد الإمامية، محمد رضا المظفر: 55 - 56 ، والإمامة الإلهية، محمد علي بحر العلوم: 1/ 259 .
2- ينظر: الكافي: 1/ 231 ،ح 4، و 1/ 346 ،ح 3( 2)، و 1/ 406 ،ح 5، و 1/ 410 ،ح 1، و 1/ 451 ،ح 37 ، و 530/1 ،ح 5. (المصدر نفسه: 1/ 532 ،ح 8).
3- المصدر نفسه: 1/ 410 ،ح 1.

* الأعراف: ورد لفظه ثلاث مرات(1)من ذلك كلامه في((باب معرفة الإمام والرّد إليه)) نحو قوله: «نَحْنُ عَلَی الأعْرَافُ ، نَعرِفُ أنصَارَنَا بِسِيمَاهُم، ونَحْنُ الأعرَافُ الذي لا يُعرَفُ اللهُ-عَزَّوجَلَّ-إلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا، ونَحْنُ الأعرَافُ يُعرِّفُنَا اللهَ-عَزَّوجَلَّ-يومَ القِيَامَةِ على الصِّراط فلا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلَّ من عَرَفَنَا وعَرَفنَاه،ولا يَدخُل النَّار إلَّا من أنكَرَنَا وأنكَرنَاه... »(2).

* أهْل البَيْت: ورد لفظه ثلاث مرات (3) في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في ((باب معرفة الإمام والرّد إليه)): «الحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الوَلايَةُ وحُبُّنا أَهلَ البَيْتِ،والسَّيِّئَةُ إنكَارُ

الوَلَيةِ وبُغْضُنَا أهلَ البَيْتِ »(4).

* الشُّهَدَاء: بلغ عدد وروده ثلاثَ مراتٍ(5) في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في ((باب في أنّ الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه)): «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَی طَهَّرَنَا

وعَصَمَنَا وجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَی خَلْقِهِ، وحُجَّتَهُ في أرْضِهِ، وجَعَلَنَا مع القُرآن والقُرآن مَعَنَا،لَانُفَارِقُهُ ولَا يُفَارِقُنَا »(6).

ص: 66


1- ينظر: المصدر نفسه : 1/ 184 ،ح 9 ( 3).
2- المصدر نفسه: 1/ 184 ،ح 9.
3- ينظر: الكافي : 1/ 185 ،ح 14 ( 2)، و 1/ 450 ،ح 34 .
4- المصدر نفسه: 1/ 185 ،ح 14 .
5- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 191 ،ح 5، و 1/ 450 ،ح 34 ( 2).
6- المصدر نفسه: 1/ 191 ،ح 5.

* الحُجَّة: ورد لفظها مرتين(1) في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في((باب أنّ الأرض لاتخلو من حجّة)): «اللَّهمَّ إِنَّكَ لا تُخلي أرضَكَ من حُجَّةٍ على خَلْقِكَ »(2).

* المَهْدِيّ: جاء لفظه مرتين (3) في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في ((باب في الغيبة)): « ولَكِنِّي فَكَّرتُ في مَوْلُودٍ يَكُونُ مِن ظَهْرِي،الحَادِي عَشَر مِن وُلْدِي،هو المَهْدِيُّ

الذي يَمْلَأُ الأرضَ عَدْلاً وقِسْطَاً كما مُلِئَت جَوْرَاً وظُلْمَاً، تَكُونُ لهُ غَيْبَةٌ وحَيْرةٌ،يَضِلُّ فيها أقوامٌ ويهَتَدِي فيها آخَرُونَ »(4).

* الولاية: وردت في كلامه-عليه السلام-مرتين(5) من ذلك قوله في((باب معرفة الإمام والرّد إليه)): «الحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الوَلايَةُ وحُبُّنا أَهلَ البَيْتِ،والسَّيِّئَةُ إنكَارُ الوَلَيةِ وبُغْضُنَا أهلَ البَيْتِ » (6).

* العِتْرة: ذُكِرَ مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في((باب في الغيبة)): «أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ مَعَخِيَارِ أَبرَارِ هَذِهِ العِتْرةِ »(7).

ولمعرفة دلالة هذه الألفاظ لابدّ من تحقق المعنى اللغوي لها:

ص: 67


1- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 178 ، ح 7، و 1/ 191 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 1/ 178 ،ح 7.
3- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 338 ،ح 7، و 1/ 450 ،ح 34 .
4- المصدر نفسه: 1/ 338 ،ح 7.
5- ينظر:الكافي: 1/ 185 ،ح 14 ( 2).
6- المصدر نفسه: 1/ 185 ،ح 14 .
7- المصدر نفسه: 1/ 338 ،ح 7.

الإمام من الجذر (الهمزة،والميم، والميم) وله أصل واحد يُقسّم على أربعة

أنواع:الأصل، والمرجع، والجماعة، والدّين وهي متقاربة فيما بينها ، وله أصول أُخر تتمثّل في العامة، والحين، والقصد،ويُقال: ذلك أمر مأموم أي ما يقصده الناس(1) والأمّ القصد الذي يُعنون به ، واشتق لفظه من الفعل أمّه يُؤمُّهُ أمّاً إذا قصده وجمعه الإمام، أي الذي يتقدّمُهم ويرأسُهم، وقيل: هو الطريق الواضح(2)،وقيل: إنّما سُمّي بذلك؛((لأنّك تقصد قصده في أفعاله))(3) و تكلّم به العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعانٍ متنوعة وهي المرجع، والجماعة، والخليفة، ومن ذلك قول النابغة الذبياني: [البحر الوافر]

أَبُوه قبلَه وأبو أَبِيهِ*** بَنَوْا مَجدَ الحياةِ على إمامِ(4)

وورد لفظه في الذكر الحكيم بمعنى الرَّجل الذي يُقتدى بأقواله،وأفعاله سواء أكان حلالاً أم كان حراماً ويدعون باسمه يوم الحساب، ثمّ توسعت دلالته وأُطلق على إمام المسجد؛ لتقدِّمه إيّاهم(5)، قال تبارك وتعالى:﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ﴾(6). ودلالة اتصال الشّيء وتتابعه لمرجع واحد، أو لدين واحد هي المشترك بين لفظي(الإمام، والأعراف).

والأعراف من الجذر(ع،ر،ف) وله((أَصْلَنِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُما عَلَی تَتَابُعِ

ص: 68


1- ينظر: مقاييس اللغة:(أمّ) 1/ 21 .
2- ينظر: لسان العرب(أمم) 12 / 26 .
3- الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري: 28 .
4- ديوان النابغة الذبياني: 136 .
5- ينظر: ألفاظ الحضارة في الشعر العربي في القرن الثاني الهجري دراسة ومعجم، د.علي زوين: 1/ 632 - .633
6- سورة الإسراء: 71 .

الشَّيءِ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَالْخَرُ عَلَی السُّكُونِ وَالطُّمَأْنِينَةِ))(1) وهو جمع عُرف ويُراد به كلّ مكانٍعالٍ(2) نحو ( الجبال،والنَّخيل)، وقيل:إنّه السور الفاصل بين أهل الجنة وأهل النار يوم الحساب(3)، وهو اسم علم جامد على وزن أفعال(4)، و ورد لفظه عند العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى المكان المرتفع، قال لبيد بن ربيعة: [البحر الخفيف]

هَلَكَتْ عامِرٌ فلَمْ يَبقَ منها*** برِياضِ الأعرافِ إلا الدِّيارُ(5)

ولمّا جاء الإسلام خُصّبالمقام المقدّس الذي يقف عليه فئة معينة (آل بيت النبي- صلوات الله عليهم-) يوم القيامة ويكونون فاصلاً بين الجنة والنار(6). قال تعالى:« وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ »(7). ودلالة القرابة والنّسب هي الجامعة بين ما آلت إليه لفظة (الأعراف،وأهل البيت) فقد ورد في المعجمات:إنّ لفظة (الأهل) من الجذر(الهمزة، والهاء، واللام) وله((أصْلَانِ مُتَبَاعِدَانِ، أَحَدُهُما الْأهْلُ. قَالَ الْخلِيلُ: أَهْلُ الرَّجُلِ زَوْجُهُ. وَالتَّأَهُّلُ التَّزَوُّجُ. وَأَهْلُ الرَّجُلِ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ: سُكَّانُهُ.

ص: 69


1- مقاييس اللغة:(عرف) 4/ 281 .
2- ينظر: معاني القرآن وإعرابه، أبو إسحق إبراهيم السري الزجاج: 2/ 342 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، اسماعيل بن حماد الجوهري:(عرف) 4/ 1401 ، والمحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده:(عرف) 2/ 11 2 .
3- ينظر: مجمل اللغة، أحمد بن فارس:(عرف) 1/ 661 .
4- ينظر:الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه: 4/ 420 .
5- ديوان لبيد بن ربيعة العامري، شرح الطوسي: 79 .
6- ينظر:الميزان في تفسير القرآن: 8/ 134 .
7- سورة الأعراف: 46 .

وَأَهْلُ الْأسْلَامِ: مَنْ يَدِينُ بِهِ))(1)، وهومشتق من الفعل أهَلَ البلد يأهُل أهلًا إذا كثُرسكانه(2) وهو لفظ عام يُطلق على كلّ ما له صلة أو قرب، ويجتمعون في مكان واحد تربطهم صلة القرابة أو الصنعة أو الدين(3). قال النابغة الذبياني: [البحر البسيط]

لا يَهنِئ النَّاسَ ما يَرْعَوْنَ من كَلإٍ*** وما يَسُوقُونَ من أهلٍ ومن مَالِ(4)

أمّا في المفهوم القرآني فيُلمح أنّ المراد من لفظة (أهل البيت) في قوله تبارك:« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(5) آل النبي وأقاربه أصحاب الكساء فضلاً عن سلسلة نسبه الممتدة (6)،إذ ذكر الواحدي(ت 468 ه) أنّها:((نزلت في خمسة: في النبي صلّی الله عليه وسلّم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين

رضوان الله عليهم أجمعين))(7).

يُستشف من ذلك أنّ اللفظ خُصّ بعد ظهورالإسلام بآل بيت النبي-صلوات الله

عليهم-. وأمّا لفظة (الشهداء) فمن الجذر(ش، ه، د) وله ((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی حُضُورٍ

ص: 70


1- مقاييس اللغة:(أهل) 1/ 150 .
2- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(أهل) 1/ 135 .
3- ينظر:التعريفات: 40 ، والكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي : 210 .
4- ديوان النابغة الذبياني: 188 .
5- سورة الأحزاب: 33 .
6- ينظر: الجامع الكبير سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي: 6/ 336 ، والميزان في تفسير القرآن: 16 / 318 ،والبرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني: 6/ 255 .
7- أسباب نزول القرآن، علي بن أحمد الواحدي: 368 .

وَعِلْمٍ وَإعِلامٍ))(1)،ويُقال: شَهِد فلانٌفهو شهيد وشاهد والجمع شُهُود وأَشْهَاد وشُهَدَاء إذا أدلى برأيه عن مشهد ما عاينه بعينه، وسمعه بأذنه(2)، و تكلّم به العرب في عصر ما

قبل الإسلام وورد في أشعارهم بالمعنى المتداول، من ذلك قول الأعشى الكبير: [البحر المتقارب]

فقُلتُ لِمنصَفِنَا أَعطِهِ*** فَلَمَّا رَأَى حَضْر شُهَّادِهَا(3)

وماورد في الذكر الحكيم يقارب المعنى اللغوي، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِم تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللِّه مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَها عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ﴾(4). يُلحظ أنّ السياق يشير إلى مخاطبة (الأحبار) الذين يشهدون أنّ الدِّين الذي أراده الله (الدِّينَ الإسلامي) ونبوةَ محمد – صلّی الله عيه وآله وسلّم– بَيْدَ أنّهم زاغوا عن الطريق المستقيم ومالوا عنه(5).ووظيفة الحضور، والبرهان هي الجامعة بين لفظي (الشّهداء والحجّة)، وتعني في اللغة: ((وَجْه الظفر عِنْد الْخصُومَة))(6)، وإنّما سُميت بذلك؛(( لأنَّها تَحجُّ أَي تُقصد؛ لَأن الْقَصْد لَهَا وإليها ))(7)، ويُقال: حاججتُ الرَّجل فحججته بمعنى غلبته في الحجّة، ومنه

ص: 71


1- مقاييس اللغة:(شهد) 3/ 221 .
2- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(شهد) 2/ 494 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(شهد) 4/ 181 .
3- ديوان الأعشى الكبير: 71 .
4- سورة آل عمران: 99 .
5- ينظر:الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان: 5/ 234 - 233 .
6- العين: (حجّ) 3/ 10 .
7- ينظر:تهذيب اللغة(حج) 3/ 390 .

محجّة الطريق أي قواعده وسننه(1) و تداولها العرب بمعنى السنة أو الدهر، قال زهير:

[البحر الكامل]

لِمنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الِحجْر*** أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ شَهْر(2)

وما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الُحجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمعِينَ﴾(3). يشير إلى أن المراد بالحجّة هي الدليل القاطع والبرهان الواضح الذي يثبت وحدانية الله وقدسيته ويتجلّی ذلك في إرسال الأنبياء ومعجزاتهم فضلاً عن تنزيل الكتب المقدسة(4). وترتبط لفظة (الحجّة بالمهديّ) بعلاقة وصفية تبين سمة من سمات اللفظة

فهو من الجذر(ه،د،ي) وله((أَصْلَانِ [أَحَدُهُما] التَّقَدُّمُ لِلْإرْشَادِ، وَالْأخَرُ بَعْثَةُ لَطَفٍ.

فاَلْأوَّلُ قوَلُهُم: هَدَيتْهُ الطرَّيقَ هِدَايةَ، أيَ تقَدَّمْتهُ لِأرُشِدَهُ. وَكُلُّ مُتقَدِّمٍ لذِلكِ هَاد))(5) وهو اسم مفعول مشتق من الفعل هدى يهدي هداية فهو مهدي(6)، ومعناه الهداية والإرشاد للطريق المستقيم، وقال ابن الأثير إنّ المهدي:((الذي هداه الله إلى الحق))(7)، ولعلَّ سببَ تسميته نسبة إلى المهد تشبيهاً له بنبي الله عيسى-عليه السلام-حينما تكلّم في المهد وهي

ص: 72


1- لسان العرب:(حجج) 2/ 228 .
2- ديوان زهير بن أبي سلمى، شرحه حمدو طمّاس: 31 .
3- سورة الأنعام: 149 .
4- ينظر:الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان : 9/ 102 .
5- مقاييس اللغة:(هدي) 6/ 42 .
6- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(هدي) 3/ 2336 .
7- النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 354 .

من الكرامات الإلهية التي خصّها به(1)، ودليل ذلك قوله تعالى:﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الَمهْدِ صَبِيًّا﴾(2).

ومن الاستعمالات الأُخرى لفظة (الوَلاية) من الجذر(و،ل،ي) وله((أَصْلٌ صَحِيحٌ

يَدُلُّ عَلَی قُرْبٍ. مِنْ ذَلكَ الْوَلْيُ: الْقُرْبُ))(3)، ويُقال: وَلَيِ فلاناً يلِي لِه ولاية فهو وال له؛لشدة قربه(4)، قال ساعدة بن جؤيّة :[البحر الكامل]

هَجَرَت غَضُوبُ وحُبَّ من يَتَجَنَّب*** وعَدَتْ عَوادٍ دون وَلْيِكَ تَشْعَبُ(5)

ولمّا جاء الإسلام صارت تعني الإخلاص في النَّصرة، والحبّ والتولِّي،والنسب،

والأمر، والإخلاص، والمؤازرةللمولى(6). قال تعالى« مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ »(7).

ومن الاستعمالات الأخرىلفظة (العترة) من الجذر (ع،ت،ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ

ص: 73


1- ينظر:معجم البلدان : 5/ 230 .
2- سورة مريم: 29 .
3- مقاييس اللغة:(ولي) 6/ 141 .
4- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(ولي) 3/ 2495 .
5- ديوان الهذليين، أحمد الزين، ومحود أبو الوفا: 1/ 167 ، وشعر ساعدة بن جُؤيَّة الهذلي، ميساء قتلان،( رسالة ماجستير) 32 .
6- ينظر:معاني القرآن، أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء: 1/ 418 - 419 ، والكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: 2/ 603 ، والميزان في تفسير القرآن: 9/ 45 .
7- سورة الأنفال: 72

يَدُلُّ عَلَی مَعْنَيَيْن، أَحَدُهُما الْأصْلُ وَالنِّصَابُ، وَالْأخَرُ التَّفَرُّقُ))(1)، وما يعنينا الأصل الأول الذي يعني أخصّ أقارب الرَّجل من ولده وأولاد ولده وبني عمه(2)، وقيل: إنّ العترة أهل بيت النبي محمد – صلّی الله عليه وآله وسلّم- وهم علي بن أبي طالب – عليه السلام- وزوجه وأولادهم – صلوات الله عليهم(3)، وقيل: عترة المسحاة بمعنى خشبتها التي يُعمل بها وتدعى يدها(4). وما ورد في الحديث الشريف يقارب المعنى اللغوي نحو قوله- صلّی الله عليه وآله وسلّم-: « أيّها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تظلّوا إن اتبعتموهماوهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(5). ثمّ تخصّصت دلالتها واشتهرت بين المسلمين بمعنى أهل البيت النبوي-صلوات الله عليهم-.

والناظر في سياق استعمال هذه الألفاظ في كلامه-عليه السلام- يجد اختلاف دلالتها تبعاً لاختلاف السياق من ذلك قوله-عليه السلام-: «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي إماماً لِخلْقِهِ »(6) استعمل لفظة (الإمام) إشارةً لنفسه حينما نُصِّب إماماً على النّاس وتولّی أمرَهم وصار يأتمُّبه الفقير والغني ويقتدون به مبيناً أنّ الفقر والغنى، حالتان لا تؤثران في عمل الإنسان من حيث قربه أوبعده عن الله تعالى إذا ما أراد العبد التقرّب والطاعة(7)، ووجه المناسبة

ص: 74


1- مقاييس اللغة(عتر) 4/ 217 .
2- ينظر:العين:(عتر) 2/ 66 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(عتر) 3/ 177 .
3- ينظر: لسان العرب:(عتر) 4/ 538 .
4- ينظر: العين:(عتر) 2/ 66 .
5- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري: 3/ 11 8 . .
6- الكافي: 1/ 410 ،ح 1.
7- ينظر: شرح أصول الكافي: 7/ 43 .

بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي هو الإدارة في الحكم(1)، إذ ترأّس دولة المسلمين وأدار أمورهم؛لذا فهو المعوّل عليه في تدبير شؤون الأمة. و خُصّ لفظه ((لأن الإمامة هي أسُّ الإسلام النامي ، وفرعه السامي،بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد...))(2).

وممّا سبق يُستدل أنّ المعنى اللغوي الذي يدلّ على أنّ الإمام ما يؤتم به مقارب،للاستعمال السياقي؛ لأنّ أمير المؤمنين-عليه السلام- مصداق ذلك.

والمتأمل لقوله: «نَحْنُ الأعرَافُ الذي لا يُعرَفُ اللهُ-عَزَّوجَلَّ-إلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا »(3) يلحظ أنّه كنّى( بالأعراف) عن الأئمة، وأشار إلى شدّة ذكائهم وقوّة بصيرتهم -عليهم السلام- بالعباد، فهم المفرِّقون بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يوم القيامة، فلا يدخل الجنة إلّا من عرف الله تعالى وعرفهم وتولّهم، وتكراره للفظة(نحن الأعراف)، تؤكد المعنى؛ وهي حجّة على المتلقي بغية تصديقهم بأمرهم وإطاعة أمورهم؛ لأنّ معرفة الله تعالى تستلزم التّصديق به-عزّ وجلّ-وبرسوله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-، وبذريته-عليهم السلام-تصديقاً كاملاً، وإنّ طاعتهم واجبة ؛لأنّها أصل من أصول الدين الإسلامي(4)، ويُلحظ أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي هي

ص: 75


1- ينظر: النظام السياسي في الإسلام،أحمد حسين يعقوب: 15،189 .
2- الكافي: 1/ 200 .
3- المصدر نفسه: 1/ 184 ،ح 9.
4- ينظر: شرح أصول الكافي: 5/ 145 ، والشافي في العقائد والأخلاق والأحكام، محمد محسن الكاشاني: 928 ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم: 1/ 198 .

العلو والتفضيل؛لأنّهم أشرف عباد الله تعالى وأعلاهم منزلة وأرفعهم مقاماً(1). ونظراً لقدسية المكان وطهارته وقف عليه أزكى خلق الله تعالى،فهم أناس معصومون ذوو معرفة تامة بالخلق. ويتبيّن ثمة تطور دلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على المكان المرتفع، والاستعمال السياقي الذي يعني الأئمة-عليهم السلام-؛ فهي من الألفاظ التي اكتست بالطابع الإسلامي بعدما كانت على غير ذلك.

ومن يتأمّل قوله: «الحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الوَلايَةُ وحُبُّنا أَهلَ البَيْتِ »(2) يجد أنّ لفظة (أهل البيت) ارتبطت بفعل معنوي للإنسان يتجلّی في معرفتهم؛ إذ صوّرفيه أنّ اكتساب الحسنة وحصولها مرتبط بمعرفة أهل البيتوحبّهم، والتودّد لهم الذي يكمن في الإيمان بإمامتهم، والإقرار بولايتهم، والتمسك بأوامرهم، وإنّ هذه الأمورَ تمثّل الأداة التي يكسب بها المؤمن رضا الله تعالى(3)؛لأنّهم (( أساس الدين وعماد اليقين إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الوَلاية وفيهم الوصية والوراثة))(4)،ووجه

المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي هو العلو والشرف؛ تعظيماًلهم ،وإكراماً، ويُلمح من ذلك أنّ المعنى اللغوي يعنى سكان البيت يقارب الاستعمال السياقي الذي يدلُّ على أصحاب الكساء وأولادهم.

أمّا لفظة (الشهداء) فوظفها الإمام-عليه السلام-في قوله:﴿إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَی طَهَّرَنَا

ص: 76


1- ينظر: الميزان في تفسير القرآن : 8/ 127 .
2- الكافي: 1/ 185 ،ح 14 .
3- ينظر: شرح أصول الكافي: 5/ 150
4- نهج البلاغة وهو ما جمعه الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: 1/ 28 .

وعَصَمَنَا وجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَی خَلْقِهِ﴾(1) لبيان منزلتهم عند الله تعالى، فهم شهداؤه(أدلّته وعلامته) على خلقه يوم القيامة بما أرسل إليهم من الأنبياء والرّسل مبلّغين ومنذرين رسالات ربهم وعلى أعمالهم في الدنيا، والآخرة(2)، وقد عمد إلى أسلوب التوكيد ب(إنَّ)؛ لتثبيت المعنى وتقريره، ودلالة ذلك هو اختصاصهم بكرامة الله تعالى، وبعنايته التي شملتهم ولم ينلها أحد قبلهم ولا بعدهم.

ومن الاستعمالات الأُخرى لفظة(الحجّة) في قوله: « اللَّهمَّ إِنَّكَ لا تُخلِي أرضَكَ من حُجَّةٍ على خَلْقِكَ »(3) فقد كنّى -عليه السلام- بالحجة عن الأنبياء والرسل والكتب المنزّلة والأئمة - صلوات الله عليهم – فهم الدليل المفرّق بين الحق والباطل، والمرشد إلى سبيل الله فبهم يحتج الله تعالى يوم الدين وبهم تعرف شرائع الدين وعلله(4)، و وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي العصمة والتنزيه (5)؛ لذا جعلهم الله

حججه في الأرض؛ لئلا يعذِّب الناس يومَ القيامةِمن دون إنذار سابق.ويظهر التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يتجلى في البرهان عند الخصومة، وبين الاستعمال السياقي الذي يتجسّد في حجج الله على خلقه بوصفهم الأدلاء الذي ينبغي أن نقصدهم.

والناظر لقوله-عليه السلام-: «ولَكِنِّي فَكَّرتُ في مَوْلُودٍ يَكُونُ مِن ظَهْرِي،الحَادِي

ص: 77


1- الكافي: 1/ 191 ،ح 5.
2- ينظر: شرح أصول الكافي: 5/ 153 .
3- الكافي: 1/ 178 ،ح 7.
4- ينظر: شرح أصول الكافي: 5/ 124،123 .
5- ينظر: المصدر نفسه: 5/ 124 .

عَشَر مِن وُلْدِي،هو المَهْدِيُّ »(1) يجده استعمل لفظة (المهدي) مشيراً إلى الإمام الثاني عشر-صلوات الله عليه- الذي يخرج في آخر الدهر لإصلاح أمة جده من الضلالة إلى الهداية(2)؛فهو السبيل المنقذ للبشرية جمعاء والطريق إلى الله تعالى،ومن علامات

ظهوره انتشار الظلم، والفساد، والجور...يُستشف أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الهداية والإرشاد؛ لأنّه المعوّل عليه في إصلاح الناس وهدايتهم، وما يؤيد ذلك قوله-صلّی الله عليه وآله وسلّم- «لا تقوم الساعة حتى لأتملأ الأرض جوراً وظلماً وعدواناً،ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً، كما مُلِئت ظلماً وعدواناً،اسمه اسمي، وكنيته تطابق كنيتي »(3)، وخُصّ لفظه؛((لأنّه يهدي لأمر خفي يهدي مافي صدور الناس))(4).

والمتتبع لقوله: «الحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الوَلايَةُ وحُبُّنا أَهلَ البَيْتِ »(5) يرى أنّه استعير لفظة (الوَلاية) لمعرفة الله تعالى، وعبادته، وطاعته التي تستلزم الإيمان بالله-عزّوجلّ- وبرسوله والولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده-عليهم السلام- إيماناً يشوبه (المحبّة والمودّة) والإقرار بأقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم(6)، ويتبيُن من ذلك أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الإخلاص، والمؤازرة لأمير

ص: 78


1- الكافي: 1/ 338 ،ح 7.
2- ينظر:المصدر نفسه: 1/ 338 .
3- المستدرك على الصحيحين: 4/ 557 .
4- دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري: 245 .
5- الكافي: 1/ 185 ،ح 14 .
6- ينظر:شرح أصول الكافي: 5/ 147،130 ، والميزان في تفسير القرآن: 15 / 410 .

المؤمنين-عليه السلام- بدليل قوله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: (( من كنت مولاه فإنّ مولاه علي ))(1) فهو ولي الأمة بعد رسول الله، ويتبيّن أن المعنى اللغوي الذي يدلُّ على القرب يتوافق مع الاستعمال السياقي الذي يعني ولاية أمير المؤمنين-عليه السلام-.وأمّا

لفظة (العترة)في قوله: «أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ مَعَخِيَارِ أَبرَارِ هَذِهِ العِتْرةِ »(2)فاستعملها مشيراً بها إلى آل بيت النبي - صلّوات الله عليهم أجمعين- وهم علي بن أبي طالب- عليه السلام- وزوجه وأولادهم - صلوات الله عليهم- الذين يمثلون أشراف هذه الأمة في الإيمان والبلاغة والتقوى؛((لأنهم علامات الدين التي تجعله واضحاً بيننا بعد أن اختلطت أموره وراح المخالفون للإمام يضعون علامات لدينهم))(3)، ويبدوا أنَّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الأصل في النسب؛ لأنّم أخص أقارب

الرجل من ولده وأولاد ولده وبني عمه. وخُصّ لفظه؛ لأنّهم أسبق الناس بالهداية،والرأفة، والرحمة، وللدلالة على الأصل الواحد.

وبناءً على ما سبق يُلمحثمّة تطورات دلالية طرأت على هذه الألفاظ ، فثمّة تطوّر دلالي في لفظة (الإمام)، إذ انتقلت دلالتها من الرَّجل الذي يترأس الناس، ويتولّی أمورَهم، أو الطريق الواضح إلى إمام الجماعة في المسجد، وانتقلت دلالة لفظة(الأعراف) من المكان المرتفع إلى السور الفاصل بين الجنّة والنَّار، ثمّ توسعت دلالتها واشتهرت بين المسلمين بالمعنى المجازي الذي يدلُّ على الأئمة-عليهم السلام-، وتخصّصت لفظة (أهل البيت)

ص: 79


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 2/ 262 ، والمستدرك على الصحيحين: 3/ 11 8 ، و تاريخ مدينة دمشق: 42 / 102 .
2- الكافي: 1/ 338 ،ح 7.
3- أهل البيت عليهم السلام في نهج البلاغة قراءة تأويلية،حاكم مالك الكريطي: 8.

بدلالة أخصّ الناس بالرسول الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-؛ لعلو منزلتهم بعدما كانت تدلُّ على أقارب الرَّجل، واستُعملت لفظة(الشُّهداء، والحُجَّة) بدلالتهما المجازية،و أمّا لفظة (الولاية) فهي من الألفاظ التي اكتست بالطابع الإسلامي الذي يدلُّ على ولاية أمير المؤمنين-عليه السلام- بعدما كانت تدلُّ على الدَّنو من الأشياء، ويتبيّن لمتدبّر النصوص وضوح الأثر القرآني إذ ورد استعمال (الأعراف) موافقاً للاستعمال القرآني، قال تعالى:﴿وَعَلَی الْأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّ بِسِيمَاهُمْ﴾(1).

ويتضح أنّ لفظتي (أهل البيت، والعترة) مصطلحان لمدلول واحد يراد به رسول

الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم- وريحانته، والأئمة-صلوات الله عليهم-، بيد أنّ لفظة (العترة) أدقُّ لغوياً؛ لأنّها تدلُّ على ولد الرَّجل وذريته، أمّا لفظة ( أهل البيت) فهي أعمّ لغوياً؛ لأنّها تعني زوج الرجل، فضلاً عن دلالة العترة، وتعني الصلة الوطيدة في القرابة، والنّسب، والصنعة ويجتمعون تحت دين واحد، أمّا لفظتا (الشُّهداء، والحُجّة) فهما من الألفاظ المتقاربة دلالياً؛ لأنّها تشترك في ملمح دلالي يتجلّی في إقامة الدّليل القاطع،والبرهان على الخلق، وهم الذين يُستند إليهم، ويُقصد إليهم في الأحكام .

ص: 80


1- سورة الأعراف: 46 .

المجموعة الثَّانية: ألفاظ خصال الإمام علي-عليه السلام- وهي: (الآية، والوصي،وقسيم الله، والفاروق الأكبر، وصاحب العصا والميسم، والنَّبأ).

* الآية: ورد ذكرها ستَّ مراتٍ(1)في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في باب (ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة): « هَذِهِ لَكَ آيَةٌ »(2).

* الوصيُّ: استُعملت مرتين في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب (مولد النبي صلّی الله عليه وآله): «إنَّ أفضَلَ كُلِّ أُمَّةٍ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَصِّي نبيِّها حَتَّى يُدرِكُه نبيٌّ،ألا وإنَّ أفضَلَ الأوصِيَاء وصيُّ مُحَمَّدٍ عليه وآله السَّلامُ... »(3).

* النَّبأ: استُعملت مرة واحدة في كلامه -عليه السلام- في باب (أن الآيات التي ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمة عليهم السلام) قال:((مَا للهِ عزَّوجلَّ آيةٌ هِيَ أَكبَرُ مِنِّي ولَا للهِ مِن نَبَإٍ أعظَمُ مِنِّي ))(4).

* قسيم الله، والفاروق الأكبر، وصاحب العصا والميسم: وردت هذه الألفاظ مرة

واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(إن الأئمة هم أركان الأرض) قال: «أنَا قَسِيمُ اللهِ بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وأنَا الفَارُوقُ الأكبرُ وأنَا صاحبُ العَصَا والمَيسَمِ ولقد أقرّت لي جميع المَلَائكة والرُّوح والرُّسل بمثل ما أقرُّوا به لمحمَّد صلّی الله عليه وآله ولقد حُمِلتُ على مِثلِ

ص: 81


1- ينظر: الكافي: 1/ 207 ،ح 3، و 1/ 344 ،ح 1، و 1/ 346 ،ح 2، و 7/ 249 ،ح 3( 3).
2- المصدر نفسه: 1/ 346 ،ح 2.
3- المصدر نفسه: 1/ 450 ،ح 34 .
4- المصدر نفسه: 1/ 207 ،ح 3.

حَمولَتِه وهي حَمولَة الرَّبِّ »(1).

ولمعرفة دلالة هذه الألفاظ لابدّ من تحقق المعنى اللغوي لها:

الآيةمن الجذر (ء،ي،ي) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ النَّظَرُ. يُقَالُ: تَأَيَّا يَتَأَيَّا تَأَيِّيًا، أَيْ:

تَمكَّثَ))(2)، وأصلها أَأْيَةٌ على وزن أَعْيَةٍ بهمزتين فأُسقطت الثانية تخفيفاً ونُقلت إلى الأولى فصارت مدّة فقيل: آية والجمع آيٌ و إياء(3)، ويُقال تآييتُ فلاناً إذا تعمدت ذاته وقصدته، وجاء الرجال بآيتهم أي بجماعتهم وآية الرجل شخصه(4)، و ذكر أبو هلال العسكري سببَ تسميتها؛((لأنّها علامة لانقطاع الكلام،وقيل:لأنّها عَجَبٌ))(5)، ومن معانيها: العلامة، والأثر، والمعجزة، والبرهان، والموعظة، والحجّة، والعبرة... و جاءت في كلام العرب بمعانٍ مختلفة منها العلامة، قال زهير: [البحر الطويل]

آراني إذا ما شئتُ لاقيتُ آيةً*** تُذَكِّرُني بعضَ الذي كنتُ ناسيا(6)

وما ورد في القرآن الكريم يقارب المعنى اللغوي من قوله تعالى:﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ

ص: 82


1- المصدر نفسه: 1/ 196 ،ح 1.
2- مقاييس اللغة:((أَيَّى) 1/ 167 .
3- ينظر:مقاييس اللغة:(أَيَّى) 1/ 168 ، والوجوه والنظائر: 91 .
4- ينظر: المصدر نفسه:(أَيَّى) 1/ 168 ، ولسان العرب:(أيا) 14 / 61 .
5- الوجوه والنظائر: 91 .
6- ديوان زهير بن أبي سلمى: 76 .

إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ (1)فالمراد أنّ علامة ملكه وحجّته ظهور التابوت(2).

ودلالة الأثر والوصل هي المشترك بين لفظي(الآية، والوصي) وهو من الجذر(و،ص،ي) وله((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی وَصْلِ شَيءٍ بِشَيءٍ. وَوَصَيْتُ الشَّيءَ: وَصَلْتُهُ))(3). وقيل: إنّه مشتق من الفعل وصّی فلانُ بالأمر يُوصّي توصية فهو وصيّ على وزن (فعيل) بمعنى مفعول أي جعله وصيه بعد مماته في عرضه وماله وأمره (4)، وقيل: إن الوصي اسم يُطلق على

النباتات الملتف بعضها مع بعض(5).

وذكر ابن منظور أن( الوصي) من السّمات التي اُطلِقت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-عليه السلام-؛لاتصال نسبه بخاتم الأنبياء والرّسل(6).

ويرتبط اللفظان(الوصي، والنبأ) بدلالة الإنباء لما سيؤول إليه الأمر، ورد في اللغة:إنّ( النّبأ)هوالخبر(7) من الجذر (ن،ب،ء) ويُقصد به:((خَبٌرَ ذو فائدةٍ عظيمة يحصُلُ به علْمٍ

أو غَلَبة ظنٍ، ولا يُقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحقُّ الخبر

ص: 83


1- سورة البقرة: 248 .
2- ينظر:مجمع البيان في تفسير القرآن: 2/ 11 8 .
3- مقاييس اللغة:(وصى) 6/ 11 6 .
4- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(وصي) 3/ 2452 .
5- ينظر:مقاييس اللغة:(وصى) 1/ 611 .
6- ينظر:لسان العرب:(وصي) 15 / 394 .
7- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(نبأ) 1/ 74 ، ومقاييس اللغة:(نبأ) 5/ 385 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 3.

الذي يقال فيه نبأ أن يتعرّى عن الكذب، كالتواتر...))(1)، ويُقال:أنبأ فلان أي أخبر(2)، قال عدي بن زيد: [بحر الرمل]

إذ أتاني نَبَأُ مِنْ مُنْعمِ*** لَم أَخُنْهُ والَّذي أَعْطَى الخَبَر(3)

وورد في الذكر الحكيم بمعنى خبر جليل ذي شأنٍ عظيم القدر والمنفعة(4). قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾(5).

وقسيم اللهمن الجذر(ق،س،م) وله))أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُما عَلَی جَمالٍ

وَحُسْنٍ وَالْأخَرُ عَلَی تَجزِئَةِ شَيءٍ))(6). ويُقال: قسّم الشيء يُقسّمه قساماًبمعنى جزّأه وجعله نصفين بين الناس فهو قسيم على وزن (فعيل) بمعنى مقاسم (مفاعل)(7)، وهو من الصفات التي انفرد بها الإمام علي-عليه السلام- إذ تطرّق إليها ابن منظور في معرض تحليله لكلام سيّد البلغاءفقال: « أراد أن الناس فريقان: فريق معي وهم على هدى، وفريق عليَّ وهم على ضلال كالخوارج، فأنا قسيم النار نصف في الجنة معي

ص: 84


1- مفردات ألفاظ القرآن:(نبأ) 788 - 789 .
2- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(نبأ) 3/ 2152 .
3- ديوان عدي بن زيد العبادي: 60 .
4- ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن: 8/ 287 ، والجامع لأحكام القرآن والمبيّن لماتضمنه من السنة وآي الفرقان: 18 / 235
5- سورة ص: 67 .
6- مقاييس اللغة:(قسم) 5/ 86 .
7- ينظر:لسان العرب:(قسم) 12 / 479 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(قسم) 3/ 1811 .

ونصف علي في النار »(1). والفاروق من الجذر(ف،ر،ق) وله ((أُصَيْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی تَميِيزٍ وَتَزْيِيلٍ بَيْن شَيْئَيْن))(2)والفارق من الناس الذي يميِّزُ بين الحلال الحرام،والإيمان

والكفر، ويحكم بينهما بالحق(3). وهو لقب خُصَّ به أميُر المؤمنين ودليل ذلك قول رسول

الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب إنه أول من يراني ، وأول من يصافحني يوم القيامة،وهومعي في السماء العليا،وهو الفاروق بين الحق والباطل »(4).وأمّا صاحب العصا والميسم فمن الجذر(ص،ح،ب)، ويعني: المعاشرة، والملازمة، والحفظ(5)، وهو اسم فاعل بمعنى مصاحب، مثل راكب.

والصاحب المرافق، وعُرِّف بأنّه:((الْرَافِق وَمَالك الشَّيء والقائم على الشَّيْء))(6).

والمتأمل في لفظة(الآية)التي جاء ذكرها في باب ((ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة))(7) يُلحظ أنّ في النص بياناً لإظهار جانب من كرامات الإمامة؛لأنّه منقذ البشرية، وبه تُعرف أركان الدين، وعِلله وأحكامه، وأوامره، ونواهيه؛لذا فهو المرشد

ص: 85


1- لسان العرب:(قسم) 12 / 479 .
2- مقاييس اللغة:(فرق) 4/ 493 .
3- ينظر:العين:(فرق) 5/ 147 ، وجمهرة اللغة، ابن دريد:(فرق) 2/ 785 .
4- كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام،الكنجي الشافعي: 188 ، وينظر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،علاء الدين المتقي البرهان: 11/ 612 ، وينابيع المودة، سليمان إبراهيم القندوزي: 2/ 274 .
5- ينظر: مقاييس اللغة:(صحب) 3/ 335 ، ولسان العرب:(صحب) 1/ 519 .
6- المعجم الوسيط:(صحب) 1/ 507 .
7- الكافي: 1/ 343 .

والموجّه لسبيل الله تعالى(1)، ومّما يجدر ذكره أنّ لفظة(الآية) من الألفاظ التي وظّفها الإمام-عليه السلام-في كلامه؛لغرض الهداية والموعظة، فضلاً عن الطابع الإسلامي الذي اكتست به بعد ظهوره.

والناظر لقوله: «ألا وإنَّ أفضَلَ الأوصِيَاء وصيُّ مُحمَّدٍ عليه وآله السَّلامُ... »(2) يُلحظ أنّ المعنى الذي يريده الإمام من هذا اللفظ هو ذلك الرّجل الذي يقوم مقام الرّسول الأكرم محمّد-صلّی الله عليه وآله وسلّم- ، ويتولّی مهامَّه في إدارة الأمة، بعهدٍ منه أو وصيِّةٍ إليه، ويُستدلُّ من ذلك أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الوراثةُ والخلافةُ بين آل النبي-صلوات الله عليهم- فهو خليفة رسول الله بعد وفاته بدليل قول الرسول-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «أنت وصيي ووارثي وأبو ولدي وزوج

ابنتي، أمرك أمري ونهيك نهيي،أُقسم بالله الذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، ولأمينه على سره وخليفة الله على عباده »(3). والوصّي من ألفاظ الأضداد التي تعني((الُمْوْصِيوالمُوْصَ))(4). ومن دواعي استعمال لفظة (الوصي)؛لتأكيد حقه الشرعي في أمور الأمّة الإسلامية التي أُوكلت إليه بعد وفاة الرسول الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-.

وأمّا تحديد استعمال لفظة (النبأ)في قوله: «مَا للهِ عزَّوجلَّ آيةٌ هِيَ أَكبَر مِنِّي ولَا للهِ مِن

ص: 86


1- ينظر:شرح أصول الكافي: 5/ 138 .
2- الكافي: 1/ 450 ،ح 8.
3- ينابيع المودة: 1/ 63 .
4- ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي، والسجستاني، وابن السكيت، نشرها د. أوغست هنفر: 11 9 .

نَبَإٍ أعظَمُ مِنِّي »(1).

فيُلحظ أنّها وردت كناية عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-عليه السلام-وما يفسّر ذلك سؤال أهل مكة لرسول الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-عن الخلافة؛فأخبرهم أنهّا لولي الله تعالى علي بن أبي طالب-عليه السلام-(2) ثم تلا قوله تعالى:﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾(3)، وعلى ذلك فإنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الخلافة في الولاية، فهو خليفة رسول الله؛لذا فهو الموجّه والهادي والمرشد بعده(4)، ومن دواعي استعمال لفظة(النَّبأ)إقراراً، بولايته إلى الله-عزّوجلّ-، وتصديقاً

برسوله الكريم لعظيم شأنها وجليل قدرها.

والمتأمّل لقوله: «أنَا قَسِيمُ اللهِ بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وأنَا الفَارُوقُ الأكبرُ وأنَا صاحبُ

العَصَا والمَيسَمِ »(5) يجد أنّه استعمل لفظ (قسيم الله)؛ لأنّه أراد أن يصوّر أحوال الناس يوم الحساب، فهم فريقان، أحدهما: أصحاب الجنّة، ويُراد بهم أهل الهدى؛ لأنّ محبّة أمير المؤمنين الجنّة عينها، وأمّا الآخر فهم أهل النَّار وهم أهل الضلال؛ لأن بغضه الكفر، والنَّار عينها؛ لذا فهو قسيم الجنّة والنار(6).

ص: 87


1- الكافي: 1/ 207 ، ح 3.
2- ينظر:عيون أخبار الرضا،أبو جعفر الصدوق: 2/ 9، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله عليهم: 2/ 318 .
3- سورة النبأ: 1- 2.
4- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 20 / 179 ، و البرهان في تفسير القرآن: 8/ 194
5- الكافي: 1/ 196 ،ح 1.
6- ينظر: علل الشرائع، الشيخ الصدوق: 1/ 161 .

أمّا لفظة( الفاروق) فيراد بها المبيِّن الحق من الباطل، والمفرِّق بين الحلال والحرام،والمميِّز بين الإيمان والكفر(1). وهكذا يظهر التطور الدلالي للمعنى اللغوي من التمييزوالتفريق إلى صفة الإمام-عليه السلام-. أمّا (صاحب العصا والميسم) فهي من الصفات أو الألقاب التي عُرف بها الإمام-عليه السلام-، وتعني أنّه مالك عصا نبي الله موسى- عليه وعلى نبينا السلام- التي فلق بها البحر مسخّرة بأمر الله تعالى، ويستمد منها قوته

التي وهبها الله إياه، أمّا الميسم فهي إشارة إلى تفرّسه وتبصّره في معرفة الأمور، وتفريقه بين المؤمن والكافر(2).

تبلور ممّا سبق أنّ هذه الألفاظ دلّت مجتمعة على خصال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-عليه السلام-، ويُنبئ استعمالها عن أثر وظيفي لكلّ منها فيُلحظ هيمنة لفظة(الآية) في كلامه عليه السلام-بدلالات متنوعة منها البرهان،والمعجزة،والحجّة على دلائل الإمامة ما يدلُّ على أنَّها من ألفاظ المشترك، أمّا لفظة(الوصيّ) فقد وُظّفت لإثبات أنّ الإمام علي-عليه السلام-وصي لرسول الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-والأئمة من بعده هم الأوصياء-عليهم السلام- فهي من الألفاظ التي اكتست بالطابع الإسلامي

بعدما كانت تطلق على الوصل بين الأشياء، في حين أثبتت لفظة(النَّبأ) أنّ الولاية الحقّة لأمير المؤمنين-عليه السلام-،ومثّلت لفظة (القسيم) أنَّه القاسم يوم القيامة، وبيّنت لفظة (الفاروق) أنَّه الفارق بين الإيمان والكفر، أمّا لفظة (صاحب العصا والميسم) فقد رسمت قوّة عصا كليم الله موسى، وخاتم النبي سليمان-عليهما وعلى رسولنا السلام-.

ص: 88


1- ينظر:شرح أصول الكافي: 5/ 186 .
2- ينظر: الكافي: 1/ 196 .

المجموعة الثَّالثة: الألفاظ الدالة على الحواس ، وهي: (اليد، والباب، والجنب،

والعين).

* يد الله: ورد ذكرها ثلاث مرات(1) في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله : «أنَا يَدُاللهِ»(2) .

* بَابُ اللهِ: ورد لفظه مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- قال: «أنَا بَابُ اللهِ »(3).

* جَنْبُ اللهِ: استُعمل لفظه مرة واحدة في قوله-عليه السلام-: «أنَا جَنْبُ اللهِ .»(4).

* عَيْن اللهِ: ورد ذكره مرة واحدة من ذلك قوله-عليه السلام-: «أنَا عَيْن اللهِ » (5).

ويتبين أنَّ المعنى اللغوي لهذه الألفاظ يدلُّ على ما يأتي:

اليد اختُلِف في جذرها، فذكر جلّة من العلماء منهم الخليل، والجوهري، وابن

منظورأنَّها من الجذر (ي،د،ي)، إذ ورد في الصحاح ((اليدُ أصلها يَدْيٌ على فَعْلٍ ساكنة العين، لأنّ جمعها أَيْدِ ويدي وهذا جمع فَعْلِ مثل فَلْس وأفلُس ... وقد جُعت في الشعر على أيادٍ... وهو جمع الجمع))(6)، وقال ابن فارس(ت 395 ه): ((الْيَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلُ

ص: 89


1- ينظر: الكافي: 1/ 145 ،ح 8، و 1/ 232 ،ح 4، و 7/ 410 ،ح 1.
2- المصدر نفسه: 1/ 145 ،ح 8.
3- المصدر نفسه: 1/ 145 ،ح 8.
4- المصدر نفسه: 1/ 145 ،ح 8.
5- المصدر نفسه : 1/ 145 ،ح 8.
6- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(يدي) 6/ 2539 ، وينظر:العين:(يدي) 8/ 101 ، وأساس البلاغة،:(يدي) 2/ 388 ، ولسان العرب:(يدي) 15 / 419 .

بِنَاءِ الْيَدِ لِلْإنْسَانِ وَغَيْرهِ،... وَالْيَدُ: الْقُوَّةُ... وَيُجمَعُ عَلَی الْأيَادِي وَالْيُدِيِّ))(1)، وذكر ابن منظورأنّا تمتد((من أطراف الأصابع إلى الكف،وهي أنثى محذوفة اللام،وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ،فحذفت الياء تخفيفاً فاعتقبت حركة اللام على الدال))(2). وعلى ذلك فاليد تمتد من أطراف الأصابع إلى نهاية الكتف، ويُقال مجاز: لفلان يد بين النّاس بمعنى النعمة والقدرة والجاه (3). وتستعمل اليد،والآد، والأيد للقوة، والقدرة، والرحمة. ووردت في كلام العرب بمعانٍ عدّة منها المَلِكُ، والرياح، قال لبيد بن ربيعة: [البحر الكامل]

وغداةِ ريحٍ قَدْ وزعتُ وَقَرَّةٍ*** إذ أصبحَتْ بيَدِ الشَّمال زمامُها(4)

ووردت في القرآن الكريم بمعنى القوة والقدرة، قالتبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾(5) ومن الاستعمالات المجازية الُأخرى لفظة (الباب) من الجذر(ب،و،ب)وهو الباب المشهور(6)، ويُقال تبوّبت باباً أي اتخذت باباً والجمع أبواب وبيبان. وقيل:إنّ البابة لقب يُطلق على صنف من الناس يسقون الماء،وقيل:إنّهم يعنون في الحساب والحدود(7)، أمّا أصله (بَوَبَ) على زنة ( فَعَلَ) بفتح الفاء

ص: 90


1- مقاييس اللغة:(يد) 6/ 151 .
2- لسان العرب:(يدي) 15 / 419 .
3- ينظر:أساس البلاغة: (يدي) 2/ 389 .
4- ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 229 .
5- سورة آل عمران: 73 .
6- ينظر:العين:(بوب) 8/ 415 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(بوب) 1/ 90 ، ومقاييس اللغة:(بوّب) 1/ 314 ، ولسان العرب:(بوب) 1/ 223 .
7- ينظر:لسان العرب:(بوب) 1/ 224،223 .

والعين ، ولمّا صَعُب نطقها أُعلّت بقلب حرف العلة (الواو) ألف؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ ممّا أدى إلى انسجامهاوسهولة نطقها, فصارت الكلمة)بابا))(1). ولمَّا جاء الإسلام صار يعني طريق التوجّه إلى الله تعالى، وورد في قوله تبارك وتعالى ﴿فَضُربَ بَيْنَهُمْ

بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾(2) بمعنى المدخل والمخرج.

أمّا لفظة (الجنب) فورد في اللغة: إنّه من الجذر(ج،ن،ب) وله ((أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ

أَحَدُهُما: النَّاحِيَةُ، وَالَخَرُ الْبُعْدُ،فَأَمَّا النَّاحِيَةُ فَالَجنَابُ. يُقَالُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الَجنَابِ، أَيِ النَّاحِيَةِ...، وَمِنَ الْبَابِالَجنْبُ لِلْإنْسَانِ وَغَيْرهِ...، وَالَجنَبُ: أَنْ يَشْتَدَّ عَطَشُ الْبَعِيرِحَتَّى تَلتْصَقَ رِئَتهُ بجِنبْهِ. ...وَجَنبَتْ الدَّابَّةَ إذِا قُدْتَهاَ إلِی جَنبْكِ. وَكَذَلك جَنبَتُ الْأسَيرَ. وَسُمِّيَ التُّرسُ مِجنْبًا لِأنَّهُ إلِی جَنْبِ الْأنْسَانِ وَالَجنَبُ: أَنْ يَشْتَدَّ عَطَشُ الْبَعِيرِ حَتَّى تَلْتَصِقَ رِئَتُهُ بِجَنْبِهِ))(3)، ويُقال: جلس فلان إلى جنبي بمعنى بالقرب مني، وجانبني مجانبةً ومجانباً،

أي: صار إلى جنبي(4)، وقيل: الجنبُ القرب، فلان في جنب الله يعني في قربه، وجواره، وتحت رحمته، أو بالقرب من طريق الله في الجنة (5)، ويُقال: الجار الجنب، أي اللاصق بالقرب منك(6). ومنه قوله تعالى:﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشِركُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالَمسَاكِينِ وَالَجارِ ذِي الْقُرْبَى وَالَجارِ الُجنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالَجنْبِ

ص: 91


1- ينظر:المهذب في علم التصريف: 316 .
2- سورة الحديد: 13 .
3- مقاييس اللغة:(جنب) 1/ 483 .
4- ينظر: لسان العرب:(جنب) 1/ 275 .
5- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(جنب) 2/ 184 .
6- ينظر: القاموس المحيط: 69 .

وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحبُّ مَنْ كَانَ مُختَالًا فَخُورًا ﴾(1).

أمّا لفظة (العين) فوردت في اللغة:إنّها من الجذر(ع، ي، ن) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ

صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی عُضْوٍ بِهِ يُبْصَر وَيُنْظَرُ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ، وَالْأصْلُ فِي جَميعِهِ مَا ذَكَرْنَا))(2).

وقيل: إن العين هي الناظرة لكل ذي بصر(3)، إذ يُقال: فلان على بصري في الإكرام والحفظ أي بعيني، وعاينت الشيء عياناً ، إذا شاهدته بعينك (4)،وَالْجمع أعيانٌ وأعْين وأعْيُناتٌ، الْأخِيرَة جمع الْمجع، وَالْكثير عُيون(5).وهي إحدى الحواس التي تؤدي وظيفة النظر، والرؤية في الكائن الحي(6). ولها معانٍ عدّة منها الجارحة المعروفة،وعَيُن الماء، وعَيْن الشمس، والعَيْن: الدينار(7). وما ورد في كلام العرب في عصر ما قبل الإسلام

بمعنى العين الجارحة، قال امرؤ القيس:[البحر البسيط]

والعين قَادِحَةٌ واليَدُّ سابِخَةٌ*** والرِّجلُ طامحةٌ واللّونُ غِربيبُ(8)

وورد لفظها في الذكر الحكيم بمعنى العين الجارحة،أو حاسة البصر والرؤية، قال

ص: 92


1- سورة النساء: 36 .
2- مقاييس اللغة:(عين) 4/ 199 .
3- ينظر:مقاييس اللغة :(عين) 4/ 199 .
4- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(عين) 6/ 2171 .
5- ينظر:المصدر نفسه:(عين) 6/ 2170 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(عين) 2/ 248 .
6- ينظر: لسان العرب: 13 / 301 .
7- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(عين) 6/ 2170 .
8- ديوان امرئ القيس: 226 .

تعالى:﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾(1).

والمتأمل في لفظة (اليد) في قوله:(( أنا يد الله ))(2) يُلحظ أنّهااستُعيرت للمنزلة التي أكرمه الله تعالى بها. فهو نعمة الله التّامة،ورحمته المبسوطة على عباده،ورأفته،وقدرته(3)، وما يؤيد ذلك قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾(4)

فسياق الآية يشير إلى أنّ المقصود في (يد الله) قوته، ونصرته عليهم بنبيه الكريم-صلّی الله عليه وآله وسلم-،فكأنّه رمز إلى مجموع هذه الصفات في نبيه وأهل بيته-عليهم السلام-(5). وعليه فإنّ العلاقة الرابطة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي علاقة

مجازية؛لأنّ اليد الجارحة لا يمكن أن تقع وصفاً حقيقياً للنعمة والقوة... إلّ وفي النّص دلالات توحي للمشار إليه(6)، وتتجسّد هذه الدلالات في ملامح التّملُّك والسيطرة التي انفرد بها-عليه السلام-(7)؛لذا نُقل معنى اليد مجازاً، و ذُكر لفظة ( اليد)؛ لأنّها أكثرالجوارح التي تقع عليها حركة الأفعال نحو العطاء والإنفاق وغيرها(8)، وإنَّما عبّر عن ذلك باليد؛ لأنَّها هي من تقوم بعملية الإعطاء، والمتلقي يقوم بحركته الذهنية التي

ص: 93


1- سورة هود: 37 .
2- الكافي: 1/ 145 ،ح 8.
3- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 2/ 11 5 .
4- سورة الفتح: 10 .
5- ينظر:مجمع البيان في تفسير القرآن: 9/ 144 - 145 .
6- ينظر:أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني: 352 .
7- ينظر: جسد الإنسان والتعبيرات اللغوية، محمد محمد داوود: 97 .
8- ينظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: 5/ 383 .

يدرك فيها المعنى المجازي، وبذا فإنّهَا تحقق قوة تأثيرية تعني أنَّ الإمام-عليه السلام- يعمل بشريعة دين الله؛ لذا وجبت طاعته.

أمّا استعمال لفظة (الباب) في قوله-عليه السلام-:((أنا باب الله ))(1) فيُلحظ أنّه كنّى بها عن معرفة الله-جلّ في علاه-،وطاعته التي تستلزم تصديق الإمام،والإقرار بولايته؛لأنّه الوسيلة إلى الله والداعي إليه؛لذا نقل اللفظ من معناه الأصلي إلى المعنى المجازي. وما يؤيد ذلك ما ذكره الحاكم الحسكاني عن رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلّم- أنّه قال: «من سرّه أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلجُ الجنةَ بغير حساب فليتولَّ وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على أهلي علي بن أبي طالب ومن سرّه أن يلجُ النارَ فليترك ولايته فوعزَّةِ ربي وجلالي إنّه لباب الله الذي لا يؤتى إلّ منه وإنّه

الصراط المستقيم و إنّه الذي يسأل عن ولايته يوم القيامة »(2). أمّا عن تحديد استعمال لفظة (باب الله)؛فلأنّه يمثل طريق التوجّه إلى الله والسبيل إليه، ولأنّ معرفته والعلم به لاتتمّ إلّا بوساطته، وإنَّه-جلَّ في علاه- لا يعذّب أحداً من دون أن يرسل إليه حجّة، وحجّة الله بعد نبيه الإمام علي-عليه السلام-، وكنى عنه بهذا الأسلوب؛ ليلفت انتباه المتلقي لمكانته الرفيعة قول الرسول الأعظم-صلّی الله عليه وآله وسلّم- الذي ذُكر، فالأسلوب الكنائي استُعمل حجّة على المتلقي وجوباً والتزاماً بأنَّ أمير المؤمنين-عليه

السلام- باب من أبواب الله ورحمته.

ص: 94


1- الكافي: 1/ 145 ،ح 8.
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله عليهم: 1/ 59 .

والمتأمل لقوله-عليه السلام- : «أنا جنب الله »(1) يجده كنّى بلفظة (الجنب) عن ذاته، وأراد به الوساطة التي تكون بين الله تعالى وخلقه. فكأنّه جعل شخصه الأداة التي تصل العبد إلى معبوده, إذ لا يمكن الوصول إلّا بمصاحبته(2) ((فمن رجا بالله وأراد رحمته وتولى به عليه السلام قضى رجاءه وأوصله إلى رحمة الله ، ومن تبرأ عنه أبعده عن رحمته))(3) وما ذكره الطبرسي في تفسيره يوافق ما ورد في قوله تعالى:﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ

يَا حَسْرتَا عَلَی مَا فَرَّطْتُ فِ جَنبِ اللهَ وَإن كُنتُ لمَن السَّاخِرِينَ ﴾(4) فسياق الآية يدلُّ على إظهار الحسرة، والنَّدم على ما فاته من البعد عن جوارالبارئ-جلَّ في علاه-، وفقدان ثوابه، وطاعته التي تكمن في أوليائه الطاهرين(5).

وفي ضوء ما سبق يتضح أنّ المراد (بالجنب) هو القرب من الله تعالى، والتودّد إليه، وابتغاء مرضاته، إذ لا يمكن الوصول إليه إلّا بوساطة نبينا الكريم محمد، وآل بيته الطاهرين-صلوات الله عليهم-. ونظراً لما تستلزمه لفظة (الجنب)من التنزيه والتقديس في جوار الله تعالى، اقتضى أنّ من أراد التقرب إليه وجب عليه موالاة أمير المؤمنين والأئمة من بعده-صلوات الله عليهم-.

ص: 95


1- الكافي: 1/ 145 ،ح 8.
2- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 2/ 121 .
3- شرح أصول الكافي: 4/ 230 .
4- سورة الزمر: 56 .
5- ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن : 8/ 311 .

وممّا لاريب فيه أنَّ الله تعالى لا يشبه شيئاً لا في ذاته، ولا في صفاته, ولا في أفعاله(1) فهو فرد صمد لا يحسّ بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه العين بمشاهدة الأبصار، ولا منتهى لغايته تجلّت قدرته سبحانه وتعالى(2).

أمّا قوله-عليه السلام-: في معرض كلامه عن التوحيد: «أنا عين الله »(3)، فالإمام في قوله هذا لم يُومئ إلى المعنى الظاهر الذي يُنبئ بأن لله جسداً وفيه أعضاء تتمثّل في الرأس، والوجه، والعين...، بل إنّه أراد المعنى المجازي.فقد استعمل لفظة (العين) كناية عن القدسية التي وهبها الله إياه، فهو عين الله الباصرة على خلقه، والشاهدة على أمورهم؛ ما يدلّ على قربه بالخلق، وعلمه بخفيات الأمور(4)، واستدل على ذلك بقوله تعالى:﴿ «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ »(5) أي بأعين أوليائنا الطاهرين, وحفظهم, وحراستهم(6).

وأمّا تحديد استعمال هذا اللفظ فللدلالة على رؤيته وعلمه بخفيات الأمور وما ظهر منها وما بطن.

يُخلص من ذلك أنَّ الإمام-عليه السلام- استعمل هذه الألفاظ وأراد منها المعنى

المجازي لا المعنى اللغوي، وجعلها حجّة على المتلقي؛ غايته جذب انتباه المتلقي والتأثير

ص: 96


1- ينظر:شرح العقيدة الطحاوية،علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي: 57 .
2- ينظر: الكافي: 1/ 85 .
3- الكافي: 1/ 145 ،ح 8.
4- ينظر: شرح أصول الكافي: 4/ 229 .
5- سورة القمر: 14 .
6- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 19 / 70 .

فيه وإقناعه بأنَّه إمام مفترض الطاعة، وهذه النتيجة تؤدي إلى نتيجة أخرى وهي إنّه حجّة الله على خلقه في الأرض.

المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الموت وما يلحق بها

إنّ وقوع الموت أمرٌ لا مراء فيه، وقد أولى الإمام-عليه السلام-عناية بالغة- فأكّد

من جانب شرعي- وجوب الاعتقاد به والإقرار له، فكان له أثر كبير من حياة الإنسان ومماته.

المجموعة الأولى: الألفاظ الدالة على المراسيم وما يلحق بها، وهي:( الأكفان،

والجنازة، والدَّفن، والتَّعزية، والثَّكلى، والغَرِيق).

* الأكفان: استُعمِل لفظه مرتين(1) من ذلك قوله في باب(كراهية تجمير الكفن وتسخين الماء) قال: «لَا تُجمِّرُوا الأَكفَانَ ولَ تَمسَحُوا مَوْتَاكُمْ بالطِّيبِ إلَّا بالكَافُورِ، فإنَّ المَيِّتَ بِمَنْزِلَةِ المُحْرِم »(2).

* الجِنَازة، والدَّفن، والتَّعزية: ورد ذكر هذه الألفاظ مرة واحدة من كلامه في باب(ثواب من مشى مع جنازة) قال: «مَنْ تَبعَ جَنَازَةً كَتَبَ اللهُ لَهُ أَرْبَعَ قَرَارِيطَ، باتِّبَاعِه، وقِيرَاطٌ

ص: 97


1- ينظر: الكافي 3/ 147 ،ح 3،و 3/ 231 ،ح 1.
2- المصدر نفسه 3/ 147 ،ح 3.

للصَّلاةِ عَلَيْهَا، وقِيرَاطٌ بالانتِظَارِ حَتَى يَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا وقِيرَاطٌ للتَّعْزِيَّةِ »(1).

* الثَّكْلى: ورد لفظها مرة واحدة من كلامه في باب (ثواب التَّعزية) قال: «مَن عَزَّى الثَّكْلَی أَظلَّهُ اللهَ في ظِلِّ عَرْشِهِ يومَ لَا ظِلَّ إلَّ ظِلُّهُ »(2).

* الغَرِيق: استُعمل لفظه مرة واحدة من كلامه في باب(الغريق والمصعوق) قال:

«الغَرِيق يُغسَّل »(3).

أمّا معاني هذه الألفاظ لغة، فالأكفان من الجذر(ك،ف،ن) وتعني: التّغطية والسّتر(4) وقيل:

غَزْل الصّوف(5)، ويُقال: كَفَّن الميت إذا ألبسه الكَفَن والجمع أكفان(6)، و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الثّياب أواللباس، وقد ورد في قول امرئ القيس:

[البحر الطويل]

فإمَّا تَرَيني في رِحالة جابِر*** عَلَی حَرَجٍ كَالقَرّ تَفُقُ أًكفًاني(7)

ص: 98


1- المصدر نفسه: 3/ 173 ،ح 7.
2- المصدر نفسه: 3/ 227 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 3/ 210 ،ح 3.
4- ينظر:لسان العرب:(كفن) 13 / 358 .
5- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(كفن) 6/ 2188 ، ومقاييس اللغة:(كفن) 5/ 190 ، والمعجم الوسيط:(كفن) 2/ 793 .
6- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(كفن) 3/ 1947 .
7- ديوان امرئ القيس: 90 .

ولمّا جاء الإسلام خُصّ معناه بدلالة القماش أو الإزار الذي يُلف به الميِّت، قال

الرسول محمّد-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ»(1).

ودلالة الغطاء والسّتر هي المشترك بين لفظي (الأكفان، والجِنَازة) وهي من

الجذر(ج،ن،ز) ويُراد بها: السّتر والجمع(2)، ويُقال: جنّزت الشيء إذا جمعته وسترته ومنه الجِنَازة بكسر الجيم وفتحها والجمع جنائز(3) فمن كسرها أراد الإنسان الميت، ومن فتحها قصد النّعش الذي يحمل فيه بدن الميت(4)، وقيل: سُمّي بذلك؛ لأنّ ثيابه تنزع وتجمع وهو مرمي على السّير.

ويُقال: رمى الرَّجلُ الجِنَازة إذا حملها ودفنها في التراب(5)، والذي يقرأ الشعر في عصر ما قبل الإسلام يجده قد ورد ذكره بمعنى الميّت نفسه، قال الشمّخ: [البحر الطويل]

إذَا أَنبَضَ الرَّامُونَ عَنْهَا تَرَنَّمَتْ*** تَرَنُّمَ ثَكْلَی أوجَعْتهَا الجَنَائزُ(6)

وأمَّا لفظة (الدَّفن) فيراد بها: الخفاء والستر والمواراة، ويُقال: دفن الرَّجل إذا ستره وغطّاه بالتراب(7)، والمتتبع لكلام العرب في عصر ما قبل الإسلام يجده ورد بمعنى البئر

ص: 99


1- سنن أبي داود،أبو داوود سلمان بن الأشعث: 3/ 198 .
2- ينظر: جمهرة اللغة:(جنز) 1/ 472 ، ومقاييس اللغة:(جنز) 1/ 485 ، ولسان العرب:(جنز) 5/ 324 .
3- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(جنز) 1/ 404 .
4- ينظر:مقاييس اللغة:(جنز) 1/ 485 ، ولسان العرب:(جنز) 5/ 324 .
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(جنز) 1/ 306 ، ولسان العرب:(جنز) 5/ 325 .
6- ديوان الشمّخ بن ضرار، تحقيق صلاح الدين الراوي : 191 .
7- ينظر: مقاييس اللغة:(دفن) 2/ 286 .

التي غطّتها الرِّيح حتى دُفن(1)، قال لبيد:[البحر الكامل]

سُدمُاً قَديماً عَهدُه بأنيسِهِ*** مِنْ بينِ أصْفرَ ناصعٍ ودِفَانِ(2)

ومن الاستعمالات الأُخرى لفظة(الثَّكلى)، قال الخليل:((فقدان المرأة ولدها))(3)، وهو من الجذر(ث،ك،ل) وله((كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَی فُقْدَانِ الشَّيءِ))(4)، ويُقال: أُثكلت المرأة فهي ثاكل وثكلى بمعنى فقدت ابنها فصارت ذات ثكل(5)، وتكلّم بها العرب في

عصر ما قبل الإسلام، قالت خويلة الرئامية: [البحر الكامل]

فأبرد غَلِيل خُويلَة الثَّكلَ التي*** رميت بأثقل من صخورِ الصَّاقب(6)

إلّا أنّ ابن منظور قد وسّع دلالتها، فصارت تطلق على المرأة التي فقدت ولدها، أو حبيبها، أو زوجها، أو المرأة والرَّجل كلاهما معاً(7). و لفظة (التَّعزية) من الجذر(ع،ز،ي) ويراد بها: المواساة والصبر على كلّ ما فقد الإنسان(8)، ويُقال: عزَّيتُ الرَّجل بمعنى

صبَّته على ما ألمَّ به، وشاطره الفاجعة(9).فالتعزية إذن نقيض التهنئة ويُقصد بها التسلية

ص: 100


1- ينظر: لسان العرب:(دفن) 13 / 155 .
2- ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 269 .
3- العين:(ثكل) 5/ 349 .
4- مقاييس اللغة:(ثكل) 1/ 383 .
5- ينظر:أساس البلاغة:(ثكل) 1/ 111، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(ثكل) 1/ 322 .
6- الأمالي، أبو علي القالي: 1/ 127 .
7- ينظر:لسان العرب:(ثكل) 11/ 88 .
8- ينظر: العين:(عز) 2/ 205 .
9- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(عزي) 2/ 1496 .

على المصيبة(1).

ودلالة انتهاء الشيء وفقدانه هي الرابطة بين لفظي (التعزية والغريق) وهو من

الجذر(غ،ر، ق) وله((أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی انْتِهَاءٍ فِ شَيءٍ يَبْلُغُ أَقْصَاهُ))(2)،ويُقال:غرق الرَّجل يغرق غرقاً فهو غريق بمعنى غلب عليه الماء فاختنق به وهلك(3) و تكلّم به العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال مهلهل بن ربيعة: [البحر السريع]

إنَّ رُكوبَ البَحرِ مَالم يَكُن*** ذا مصدرٍ من تَلكاتِ الغَريق(4)

أمّا في الاستعمال الإسلامي فقد ورد بمعنى الهلاك والموت أثر اختناقه في الماء. قال تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾(5). ومّما تجدر الإشارة إليه أنّ البنية الصرفية (للغريق) على بناء (فَعِيل) والجمع (غرقى) صفة مشبّهة أريد بها دوام اللبث والوصف أي ثبوت الغرق(6).

والناظر لقوله: «لَا تُجمِّرُوا الأَكفَانَ »(7) يجده عمد إلى استعمال لفظة (الأكفان) إشارة إلى آداب تكفين الميت، والمتأمل لكلامه يجد أنّ للتركيب أثراً في دلالة اللفظة، فقد سُبقت

ص: 101


1- ينظر: لسان العرب:(عزا) 15 / 53 .
2- مقاييس اللغة(غرق) 4/ 418 .
3- ينظر:معجم ألفاظ القرآن الكريم:(غرق) 813 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(غرق) 2/ 1610 .
4- ديوان مهلهل بن ربيعة، شرح وتقديم طلال حرب: 53 .
5- سورة يونس: 90 .
6- ينظر:معاني الأبنية في العربية: 83 - 84 .
7- الكافي 3/ 147 ،ح 3.

بسياق النهي (لا تجمّروا) الذي أفاد الكفّ والامتناع عن التجمير سواء أكان بالبخور أم العود وما شابه ذلك(1).

ووجه الفائدة في ذلك التحريم؛ لأنّ الميّت بمنزلة المُحْرم؛ لذا يُحرم تجميره، وتبخيره.

وهكذا يظهر التطور الدلالي للمعنى اللغوي من الغطاء والمواراة ليدلّ على القماش الذي تُلَف به الجثة. والمتأمل لقوله:(( مَنْ تَبعَ جَنَازَةً))(2) يجد أنّه استعمل لفظة(الجنازة) للدّلالة على فضل تشييع الميِّت بعد الصَّلاة إلى الدَّفن وثوابه؛ إكراماً للميِّت، وإسعاداً له، ومغفرة لذنوبه، فضلاً عن أجر المشيِّع واستجابة الدُّعاء(3).وهكذا يظهر التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي الذي ورد بمعنى الجمع والغطاء والاستعمال السياقي الذي يدلّ على الجثّة موضوعة في النَّعش. أمّا لفظة(التَّعزيَّة) فاستعملها في قوله: «وقِيرَاطٌ للتَّعْزِيَّةِ »(4)؛ لبيان فائدتها؛ لأنّهَا تخفف عن ألم المصيبة، وتصبِّه على فقدان قريب منه؛ لذا فهي مقاسمة العزاء لذوي الكرب والحزن؛ وذلك بمواساتهم وتسليتهم لما أصابهم، ووجه الفائدة في ذلك إزالة الهمّ والغمّ، ومواساة المسلمين بعضهم بعضاً، فضلاً عمّا يلحق الميِّت من ثواب ولا سيَّما بالدُّعاء، والتَّحم، والصَّلاة.

أمّا عن تحديد استعمال لفظة (الثَّكْلى) في قوله: : «مَن عَزَّى الثَّكْلَی »(5)؛ فلأنّه أراد أن

ص: 102


1- ينظر: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجيفي: 4/ 189 .
2- الكافي: 3/ 173 ،ح 7.
3- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14 / 21 .
4- الكافي: 3/ 173 ،ح 7.
5- المصدر نفسه: 3/ 227 ،ح 3.

يبيّن ثواب عزاء من فقدت ولدها، أو زوجها أو نحو ذلك، فجزاء ذلك إحاطته برحمته الواسعة وعيش كريم يتَّسم بالرخاء والعطاء والنعيم يوم لا منجى من عذابه وعقابه(1)،

وأسلوب الشرط الذي عمد إليه الإمام-عليه السلام- جاء ليبين أنّ الظّلّ بعرشه لا يتحقق إلّا بالعزاء، ويظهر أنّ وجه الفائدة في ذلك التقليل من هول المصيبة أو الفاجعة.

وعند الوقوف على استعمال لفظة الغريق في قوله: «الغريق يُغسَّل »(2) يُلمح أنَّها إشارة لبيان حكمه بعد تيقّن موته، إذ يغسّل بعد إخراجه من الغرق؛ لافتقاره للمواد المطهِّرة (ماء السِّدر، والكافور، والطِّيْب)، وإزالة ما عليه من الدَّرن(3)؛ لذا فحكمه وجوب الغسل بعد إدراك موته. ويُلحظ أنَّ وجه الفائدة في ذلك تكريم الميّت وتنظيفه.

يتبيّن من دراسة هذه الألفاظ أنّ ما اتصفت به وجودها في تراكيب تقترب من

الأحكام الفقهية ومنها أحكام التكفين، وأحكام الغريق التي تنضوي تحت آداب الجنائزوحدودها. وفيما يخصّ الظواهر الدلالية يُلمح ثمّة تخصص دلالي في لفظة (الأكفان) إذ انتقلت دلالتها من الثياب أو اللباس الذي يرتديه الناس إلى دلالة القماش الذي يُغطى به الميت.

ص: 103


1- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14 / 189 .
2- الكافي: 3/ 210 ،ح 3.
3- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14 / 142 .

المجموعة الثانية: ألفاظ المقبرة، وهي: (القبر، وبَرَهُوت).

* القبر: ورد لفظه تسع مرات(1) من ذلك كلامه في باب (من يدخل القبر ومن لا

يدخل) قال: «مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلّی الله عليه وآله أَنَّ المَرأةَ لَا يَدْخُلُ قَبْرهَا إلَّا مَنْ كَانَ يَرَاهَا في حَيَاتِها »(2).

* بَرَهُوت: ذُكِر لفظه ثلاث مرات(3)من ذلك قوله في باب(في أرواح الكفار) قال: «شَّر

بِئْرٍ في النَّارِ بَرَهُوتُ الَّذي فيه أروَاحُ الكُفَّارِ »(4).

ويمكن بيان المعنى اللغوي لهذه الألفاظ بما يأتي: القبر ورد في اللغة:إنّه ((مدفن الإنسان))(5) ويُقال: قُبِر الميِّت إذا جُعِلَ له قبراً ودُفن فيه(6)، وهو من الجذر(ق،ب،ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی غُمُوضٍ فِي شَيءٍ وَتَطَامُنٍ. مِنْ ذَلِكَ الْقَبْر: قَبْر الَمْيِّتِ))(7).

قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَره ﴾(8). فهو مقرّ الإنسان ومستقرّه بعد الموت. وأمّا لفظة (بَرَهُوت) فمن الجذر(ب،ر،ه،ت) وهو وادٍ يقع قرب حضرموت في بلاد اليمن(9)،

ص: 104


1- ينظر:الكافي: 3/ 194 ،ح 5،و 3/ 230 ،ح 10 ،( 2)،و 3/ 232 - 233 ،ح 1( 6).
2- المصدر نفسه: 3/ 194 ،ح 5.
3- ينظر: المصدر نفسه: 3/ 246 ،ح 3، و 3/ 246 ،ح 4،و 6/ 386 ،ح 3.
4- المصدر نفسه: 3/ 246 ،ح 3.
5- لسان العرب:(قبر) 5/ 68 .
6- ينظر:جمهرة اللغة:(قبر) 1/ 324 .
7- مقاييس اللغة:(قبر) 5/ 47 .
8- سورة عبس 21 .
9- ينظر: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، عبد الله بن عبد العزيز البكري: 1/ 346 .

ويُعرَّف بأنّه: بئر واسعة وعميقة يُصعَب الوصول إلى قعرها(1)، وبَرَهُوت بفتح الباء والراء ك(جَملُون) اسم الموضع الذي ترده أرواح الكافرين عند الموت(2).

والنَّاظر لقوله: «مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلّی الله عليه وآله أَنَّ المَرأةَ لَا يَدْخُلُ قَبْرهَا إلَّا مَنْ كَانَ يَرَاهَا في حَيَاتِها »(3) يلحظ أنّها سُبِقت بسياق النهي الذي يدلُّ على التحريم في دخول قبر المرأة إلّا محارمها وهم الزَّوج، أو امرأة صالحة، ويتّضح من النّص أنّ دلالة ذلك النهي في دخول قبرها(4)، وما يؤيد ذلك قوله: «إلّا من كان يراها في حياتها » ووجه الفائدة في ذلك التكريم الإلهي لبني آدم (5).

والناظر لقوله:)) شَّرُّ بِئْرٍ في النَّارِ بَرَهُوتُ الَّذي فيه أروَاحُ الكُفَّارِ »(6) يجد أنّه استعمل لفظة (بَرَهُوت) للدلالة على أنّها أبغض بئر في بقاع الأرض وأكرهها التي تضم أرواح الكافرين، ويستوطنها الجنّ والأفاعي النادرة، فضلاً عن رائحتها النتنة والأبخرة السّامّة فيها(7). ولمّا كان وادي بَرَهُوت مقراً لذلك فقد حُشَرت فيه أرواح الكفّار. ويُلمح أنّ ثمة تطوراً دلالياً لحق (برهوت) فقد أطلق الإمام-عليه السلام- تسمية دنيوية على معنى أخروي؛ لأنّه يدلّ على أنّها وادٍ من أودية جهنّم، ما يشير إلى تنبيه المسلمين وتحذيرهم

ص: 105


1- ينظر: لسان العرب:(برهت) 2/ 10 .
2- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(برهت)( 4/ 441 .
3- الكافي: 3/ 194 ،ح 5.
4- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14 / 91 .
5- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(قبر) 2/ 784 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(قبر) 3/ 1765 .
6- الكافي: 3/ 246 ،ح 3.
7- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14 / 227 .

خشية عذاب جهنم.

وفي ضوء ما سبق يتضح أن هذه الألفاظ دلّت على المواضع التي تؤول إليها

الأموات، لكن لفظة (القبر) هي الأساس في ذلك؛ لأنّها الأصل في مُستقر الإنسان بعد مفارقته الحياة، بيد أنّ لفظة (بَرَهُوت) تتسم باحتواء أرواح الكفرة، فضلاً عن بُغضها، وكرهها، ونفور الناس عنها.

المجموعة الثالثة: ألفاظ القتال، وهي: (الجِهاد، والحَرْب).

* الجِهاد: ورد لفظه خمس مرات(1) في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب (فضل الجِهاد) قال: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ الجِهَادَ وعَظَّمَهُ وجَعَلَهُ نَصْرهُ ونَاصِرهُ »(2).

* الحَرْب: جاء لفظه مرتين(3)من ذلك قوله في باب( ما كان يوصي أمير المؤمنين عليه السلام به عند القتال) قال: «إذا لَقِيتُمْ عَدُوَّكُم في الحَرْبِ فَأَقِلُّوا الكَلَمَ وأذكُرُوا اللهَ عَزَّوجَلَّ ولا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ فَتُسْخِطُوا اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَی وتَسْتَوجِبُوا غَضَبَهُ؛ وإذا رَأَيْتُم مِنْ إخْوَانِكُمُ المِجْرُوحَ ومَنْ قَدْ نُكِّلَ بِهِ أومَنْ قَدْ طَمِعَ عَدُوُّكُمْ فِيهِ فَقُوهُ بِأَنفُسِكُمْ »(4).

ص: 106


1- ينظر: الكافي: 5/ 8،ح 11، و 5/ 9،ح 1( 4)، و 5/ 39 ،ح 4.
2- المصدر نفسه: 5/ 8،ح 11.
3- ينظر: الكافي: 5/ 42 ،ح 5، و 5/ 41 ،ح 4.
4- المصدر نفسه: 5/ 42 ،ح 5.

أمّا معناهما لغة، فالجهاد من الجذر (ج،ه،د) وله أصل يدل على الطَّاقة والمشقة(1).

وعرّفه الأزهري بأنّه:((بلوغك غاية الأمر الذي لا تألوا عن الجهد فيه))(2)، ويُقال: جاهدَ الرّجل يجاهدُ جِهاداً فهو مجاهد إذا استفرغ طاقته في محاربة العدو(3)، و ورد ذكره في كلام العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال الأعشى:[البحر المتقارب]

فَجَالَتْ وجَالَ لَها أرْبَعٌ*** جَهَدنَ لَها مَعَ إجْهَادِهَ(4)

ولمَّا جاء الإسلام صار مفهوماً عاماً يدلُّ على القوّة، والجاه، والسَّلطة لبيان الحقائق ومواجهتها، والأفكار، والحكم في محاربة الكافرين؛ دفاعاً عن العقيدة(5). قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللِّهَ حَقَّ جِهَادِه ﴾(6). ودلالة محاربة الأعداء وقتالهم هي المشترك بين لفظي (الجِهاد، والحرب) فالحرب من الجذر(ح،ر،ب) ضدّ السّلم ونقيضه(7)، والأصل فيه:السّلب والنّهب، ويُقال: حَرَب الرّجلَ يحرُب حَرْباً إذا نهب وهلك جميع ما يملك والجمع حُرُوب(8). و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى القتال والويل، قال

ص: 107


1- ينظر:العين(جهد) 3/ 386 ، ومقاييس اللغة:(جهد) 1/ 486 .
2- تهذيب اللغة:(جهد) 6/ 37 .
3- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(جهد) 1/ 410 .
4- ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: 95 .
5- ينظر: تطوّر مفهوم الجهاد دراسة في الفكر الإسلامي المعاصر، محمود محمد أحمد: 37 .
6- سورة الحج: 78 .
7- ينظر: العين(حرب) 3/ 213 .
8- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(حرب) 1/ 108 ، ومقاييس اللغة:(حرب) 2/ 48 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(حرب) 1/ 463 ، والمعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن جبل:(حرب) 402 .

زهير:[البحر الطويل]

وما الحَربُ إلّا ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم*** ومَا هُو عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ(1)

ويبدو أنّ لفظة الحرب بمفهومها الجاهلي يكاد يقارب مفهومه الإسلامي لولا أنّ

القرآن الكريم قد خصّه للقتال بين فئتين وهم المسلمون لإعلاء كلمة الله والمشركون لكفرهم ومعصيتهم للدّين، ورد في الذكر الحكيم بهذا المعنى في قوله تعالى: ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الَحرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾(2).

أمّا عن استعمال الألفاظ المذكورة في كلام الإمام-عليه السلام-فيُلمح أنّه استعمل لفظة الجهاد في سياق حثّ المؤمنين على التمسّك به؛ دفاعاً عن العقيدة، كما في الشاهد: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ الجِهَادَ وعَظَّمَهُ وجَعَلَهُ نَصْرهُ ونَاصِرهُ »(3)؛ لأنهاّ تدلُّ على ابتغاء وجه الله تعالى، دفاعاً عن النفس والأرض والمال، ونيل الشهادة في سبيل الله -تبارك وتعالى-

(4) فضلًا عن أنّه واجب مقدّس، وما يسوّغ ذلك سلطته التوجيهية. ومّما ذُكر يتضح أنّ المعنى اللغوي يدلُّ على بذل غاية الوسع والطّاقة قد تطوّر في المنظور الإسلامي؛ ليدلُّ على الجهاد في سبيل الله؛ لنشر التوحيد، ونصرة الحقّ.

ص: 108


1- ديوان زهير بن أبي سلمى: 68 .
2- سورة محمد: 4
3- الكافي: 5/ 8،ح 11.
4- ينظر:أخلاق وآداب الحرب في عصر الرسول-صلّی الله عليه وسلّم-،حامد محمد خليفة: 164،166 .

أمّا لفظة الحرب فورد استعمالها في سياق ما كان يوصي به أمير المؤمنين عند المعركة إذ قال: «إذا لَقِيتُمْ عَدُوَّكُم في الحَرْبِ »(1).

فيلحظ أنّه استعمل لفظة (الحرب) إشارة إلى مكان القتال، ولعلّه أراد بها أرض

المشركين التي يُقام فيها القتال، والناظر لكلامه يرى أنّه يتضمّن تعليمات (آداب الحرب) التي وجهها إلى المقاتلين في ساحات الوغى وتتجسّد في الحكمة والصبر والعفو، والمداومة على ذكر الله، والمؤاخاة فيما بينهم؛لما فيه من الثبات والقوة في مواجهة الكافرين، وممّا سبق ذكره يُلحظ التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على السّلب والنّهب، والاستعمال السياقي الذي أراد به القتال بين المسلمين والمشركين.

يتبيَّن من دراسة هذه الألفاظ أنَّ (الجهاد) لفظ عام شامل لمعنى الحرب وأنواع

القتال الأُخرى؛ لما في معنى ذلك من مبادئ سامية عادلة تتجسّد في الدّفاع عن الأهل،والعرض، والوطن، والمال، وهذا ما أريد به في معنى الحرب أيضاً فالحرب لا يُراد منها السّلب والنّهب، بل تقاربت دلالتها الإسلامية مع دلالة الجهاد التي مرّ ذكرها، وبذا يُلمح أنَّ ثمة تطوراً دلالياً للفظتين (الجهاد، والحرب) في المنظور الإسلامي، فهما يختلفان عمّا يراد منهما في عصر ما قبل الإسلام.

ص: 109


1- الكافي: 5/ 42 ،ح 5.

ص: 110

الفصل الثاني: الألفاظ الدالة على العبادات

اشارة

- المبحث الأول: الألفاظ الدالة على العبادة والطهارة وما يلحق بها

- المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على الزكاة وما يلحق بها

- المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الصيام وما يلحق بها

- المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الحج وما يلحق بها

ص: 111

ص: 112

الفصل الثاني: الألفاظ الدالة على العبادات

مدخل:

تعدّ العبادات أهم فروع الشّيعة الإسلامية التي أمرنا الله تعالى بها، وأوجبها علينا؛قاصداً القرب والمودّة منه، فهي أفضل أعمال المسلمين؛ لأنّها تهدف إلى رضا الله-جلّ في علاه-، وغفرانه، وثوابه في الدّنيا والآخرة، ولها أثر فعّال في بناء شخصية الفرد المسلم، وتهذيبه، وزجره عن المعاصي والآثام(1).

وتتجسّد فروعها في (الطَّهارة، والصَّلاة، والزَّكاة،والصِّيام، والحَجّ...)، ولمّا كانت

الصَّلاة مفتاح العبادات، وعمود الدّين فقد تصدّرت الفروع الفقهية الواجبة.

ص: 113


1- ينظر:سُبُل السلام، محمد اليعقوبي: 14 .

المبحث الأول: الألفاظ الدالة على العبادة والطَّهارة وما يلحق بها

المجموعةالأولى: ألفاظ العبادة، وهي:(الدُّعاء،والصَّلاة،والعبادة، والتَّسبيح،والعفاف، والاستغفار).

* الدُّعاء: ورد ذكره تسع مرات(1) من ذلك كلامه-عليه السلام-: في باب (ان الدعاء سلاح المؤمن) قال: «الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ ومَقَالِيدُ الفَلَحِ وخَيْر الدُّعَاءِ مَا صَدَرَ عن صَدْرٍ نَقِيٍّوقَلْبٍ تَقِيٍّ، وفي المُنَاجَاةِ سَبَبُ النَّجَاةِ، وبالإخلاصِ يَكُونُ الخَلَصُ، فَإذَا اشتَدَّ

الفَزَعُ فإلى اللهِ المَفْزَعُ »(2).

* الصَّلاة: استُعمِلت خمس مرات(3) نحو كلامه-عليه السلام-: في باب(صلاة

النوافل) قال: «صَلَةُ الزَّوَالِ صَلَةُ الأوَّابِينَ » (4).

* العِبَادة: ذُكرت مرتين(5) في كلامه-عليه السلام-: في باب (الإخلاص) قال: «طُوبَى

ص: 114


1- ينظر: الكافي: 2/ 16 ، ح 3، و 2/ 467 - 468 ،ح 8، و 2/ 468 ،ح 2( 2)، و 2/ 468 ،ح 4، و 2/ 473 ،ح 3، 477/2 ،ح 3، و 4/ 88 ،ح 7( 2).
2- المصدر نفسه: 2/ 468 ،ح 2.
3- ينظر: المصدر نفسه: 3/ 320 ،ح 4( 2)، و 3/ 372 ، ح 5، و 3/ 444 ،ح 10 ( 2).
4- المصدر نفسه : 3/ 444 ،ح 10 .
5- ينظر: الكافي: 2/ 16 ،ح 3، و 2/ 79 ،ح 3

لِمن أخلصَ للهِ العِبَادَةَ والدُّعَاءَ، ولَا يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِمَا تَرَى عَيْنَاهُ، ولَم يَنْسَ ذِكْرَ اللهِ بِمَا تَسْمَعُ أُذنَاهُ، ولَم يَحزُنْ صَدْرَهُ بِمَا أُعْطِيَ غَيْرهُ »(1).

* التَّسبيح: استُعمل مرة في كلامه-عليه السلام-: في باب(التسبيح، والتهليل،والتكبير) قال: «التَّسبِيحُ نِصْفُ المِيْزَانِ، والحَمْدُ للهِ يَمْلَأ المِيزَانَ، واللهُ أكبرُ يَمْلَأ مَابَينَ السَّمَاءِ والأرضِ »(2).

* العفاف: استعمل مرة في كلامه-عليه السلام-: من ذلك قوله في باب(العفّة) قال: «أفْضَلُ العِبَادَةِ العَفَافُ »(3).

* الاستغفار: استعمل-عليه السلام- لفظه مرتين في كلامه-عليه السلام-: منها في باب (أدب الصائم) قال: «عَلَيْكُمْ في شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَثرَةِ الاستِغْفَارِ والدُّعَاءِ فَأمّا الدُّعاءُفَيُدْفَعُ بِهِ عَنْكُمُ البَلَاءُ وأمّا الاستِغفَارُ فيَمْحَى ذُنُوبَكُمْ »(4).

ولمعرفة دلالات هذه الألفاظ لابدّ من تحقق المعنى اللغوي لها:

الدُّعاء اُختلِف في جذره فقال ابن فارس: إنّه من الجذر(د،ع،و) (( وهو أن

تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك ))(5)، وذهب الخليل، وابن دريد، والأزهري(ت 370 ه)، والجوهري(ت 393 ه)، وابن سيده(ت 458 ه)، وابن

ص: 115


1- المصدر نفسه: 2/ 16 ، ح 3.
2- المصدر نفسه: 2/ 506 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 2/ 79 ،ح 3.
4- المصدر نفسه : 4/ 88 ،ح 7 ( 2).
5- مقاييس اللغة:(دعو) 2/ 279 .

منظور، إلى أنّه من الجذر(د،ع،ا) (1)إذ ورد في لسان العرب:((الدُّعاءُ: واحد الأدعية،

وأصله دُعاوُ، لأنه من دَعَوت، إلا أن الواو لمَّا جاءت بعد الألف هُمزت، وتقول للمرأة

أنتِ تدعين، وفيه لغة ثانية أنت تدعَوين، وفيه لغة ثالثة أنت تدعُينَ، بإشمام العين الضمة، والجماعة أنتن تدعون، مثل الرجال سواءً))(2)، ويبدو أنّ أصل الهمزة واو، لكنها أبدلت منها؛ لأنّها وقعت متطرّفة بعد ألف زائدة ليس من أصل الكلمة(3)،والدُّعاء يعني: التّوجّه إلى الله تعالى ، والتَّضرّع إليه ، الصادرمن الإنسان على سبيل التوسِّل(4)، وهو على ثلاثة أنواع: النّوع الأول بمعنى العبادة،قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾(5)، والنّوع الثّاني يتجلَّی في الاستعانة،قال تعالى:﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾(6)،أمّا النّوع الثّالث فيظهر فيه معنى طلب الرّزق والخير في الدنيا، و يُقال: اللهم أرزقني مالاً وولداً (7).

وبناءً على ذلك فإنّ كلمة الدُّعاء تضمّ معانياً عدّة وهي:المناجاة، والطّلب، والرّجاء، والرّغبة، والعبادة... ودلالة التوجّه إلى الله تعالى هي الجامعة بين اللفظين(الدُّعاء،والصَّلاة) وهي من الجذر(ص،ل،ى) وله ((أَصْلَانِ: أَحَدُهُما النَّارُ، وَالْأخِرُ جِنْسٌ

ص: 116


1- ينظر: معجم العين:(دعا) 2/ 222 ، وجمهرة اللغة:(دعا) 2/ 666 ، وتهذيب اللغة:(دعا) 3/ 11 9 ،والمحكم والمحيط الأعظم:(دعا) 2/ 325 .
2- لسان العرب:(دعا) 14 / 258 .
3- ينظر:المهذب في علم التصريف: 297 .
4- ينظر:المحكم والمحيط الأعظم:(دعا) 2/ 325 ، والكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: 447 .
5- سورة المؤمنون: 117 .
6- سورة غافر: 26 .
7- ينظر:لسان العرب:(دعا) 14 / 257 .

مِنَ الْعِبَادَةِ))(1)، والأصل في ذلك الدُّعاء(2)، مصدر معتل اللام بالواو،ويُقال: صلَّی الرجل إذا دعا ربه ورجاه(3)، واختُلِف في اشتقاقها(4) فقيل: إنّ الأصل فيها اللزوم أي لزوم ما فرض الله تعالى،وقيل: إنّا من الصّلوين وهما عظمان ناتآن في أعلى فخذي النّاقة

والفرس،و قيل: وسط الظهر من الإنسان ، و تكلّم بها العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الدُّعاء بين الأشخاص، قال الأعشى الكبير:[البحر البسيط]

عَلَيكِ مِثْلُ الَّذي صَلَّيتِ فَاغتَمِضِي*** يَومَاً فَأنَّ لِجنبِ المِرْء مُضْطَجعَا (5)

أمّا بعد مجيء الإسلام فقد تطوّر المعنى إذ صار يطلق على ((العبادة المشروعة، الأقوال والأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم))(6)،وما يؤيد ذلك ما ورد في الذكر الحكيم: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾(7).

وتُعدّ لفظة (العبادة) الوحدة الأساسية التي تقوم عليها العبادات جميعاً، وهي من الجذر(ع،ب،د) ولها ((أَصْلَانِ صَحِيحَانِ ... [الْأوَّلُ] ...يَدُلُّ عَلَی لِينٍ وَذُلٍّ))(8) والأصل

ص: 117


1- مقاييس اللغة:(صلى) 3/ 300 .
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم:(صلو) 8/ 372 ، ومفاتيح الغيب : 25 / 228 ، ولسان العرب:(صلا) 14 / 465 ، والمعجم الوسيط: (صلى) 1/ 522 .
3- ينظر: الزاهر في معاني كلمات الناس،أبو بكر الأنباري: 1/ 44 ، ومصطلحات الفقه،آيةالله المشكيني: 325 .
4- ينظر:تهذيب اللغة:(صلى) 12 / 237 ، ولسان العرب:(صلا) 14 / 465 .
5- ديوان الأعشى الكبير: 101 .
6- معجم ألفاظ القرآن الكريم:(صلو) 680 .
7- سورة المائدة: 55 .
8- مقاييس اللغة:(عبد) 4/ 205،206 .

فيه(1): أبلغ درجات الطاعة والخضوع، ويُقال عبدت الله عبادة وتعبّداً بمعنى الإقرار والإذعان له، واستعمله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعانٍ عدّة منها، عبادة الأصنام والأوثان الذين اتخذهم الناس آلهة لهم آنذاك، أوالزعماء المتمرّدين الذين قادوا الناس إلى الشرك، فضلاً عن عبادتهم الأنبياء والرُّسل،وأمّا بعد مجيء الإسلام فقد خصّ بعبادة الله تعالى تعظيماً له و توحيداً (2)، وما يؤيد ذلك ما ورد في الذكر الحكيم:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْركْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾(3).

ومن (العبادة)(التّسبيح)؛لأنّه جزء منها في الأفعال والأقوال. من الجذر(س،ب،ح)

وله((أَصْلَانِ: أَحَدُهُما جِنْسٌ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَالْأخَرُ جِنْسٌ مِنَ السَّعْيِ))(4) والأصل في اللغة: المر السريع في الأفعال، سواء أكانت خيراً أم شراً (5) والتسبيح مصدرالفعل سبَّح الرَّجل تسبيحاً بمعنى عظّم الله في القول أو الفعل أو النِّيَّة وبرّأه من كلِّ قبيح(6)، وهوتبعيد الحق عن الباطل(7) وما ورد في التنزيل الحكيم يقارب المعنى السابق:﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأْرَضُ وَمَنْ فيِهِنَّ وَإنِ مِنْ شَيءٍ إلِّا يُسَبِّحُ بحِمْدِهِ وَلَكنِ لَا تَفْقَهُونَ

ص: 118


1- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(عبد) 2/ 503 ، ولسان العرب:(عبد) 3/ 273 ، والقاموس الفقهي: 240 .
2- ينظر:المصطلحات الأربعة في القرآن، أبو الأعلى المودودي: 107 .
3- سورة الكهف: 110.
4- مقاييس اللغة:(سبح) 3/ 125 .
5- ينظر: مفردات ألفاظ القرآن:(سبح) 392 .
6- ينظر:جمهرة اللغة:(سبح) 1/ 277 ، وتهذيب اللغة:(سبح) 4/ 338 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(سبح) 1/ 372 .
7- التعريفات 57 .

تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾(1)،أي: يسبّح له ويحمده كلّ شيء خلقه-سبحانه- من الكائنات الحية(الإنسان والحيوان)، والنباتات والجماد تسبيح لانعلمه.

وبناءً على ما سبق فالتسبيح يعني تنزيه الله-جلّ جلاله-عن المخلوقات والموجودات في الكون.

ومن الاستعمالات الأُخرى لألفاظ العبادة (الاستغفار)من الجذر (غ،ف،ر) وله

أصل يدلُّ على الغطاء والستر والخفاء،ويُقال: غفرت الثوب إذا سترته برقعة، أو أزلت عنه الدرن(2).

ولمّا جاء الإسلام تطوّر معناه من السّتر والغطاء إلى طلب الغفران والتوبة بعد الشرك والكفر خشية عذاب الجحيم(3)، وورد في الذكر الحكيم: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إلِّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ (4). فالاستغفار إذن رجاء المغفرة بعد رؤية سوء

المعصية وتجنّبها (5).

وأمّا (العفاف) فمن الجذر(ع،ف،ف) وله ((أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُما الْكَفُّ عَنِ

ص: 119


1- سورة الإسراء: 44 .
2- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(غفر) 2/ 770 ، ومجمل اللغة:(غفر) 1/ 683 ،والوجوه والنظائر: 56 ، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: 2/ 166 .
3- ينظر: الألفاظ الدَّالة على الصَّلاة في القرآن الكريم-دراسة دلالية-أ.م.د. علي فرحان جواد، بحث منشور في مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد( 8)، العدد( 4)، لسنة ( 2009 ): 116 .
4- سورة التوبة: 11 4 .
5- التعريفات: 18 .

الْقَبِيحِ، وَالْأخَرُ دَالٌّ عَلَی قِلَّةِ شَيءٍ))(1)، والأصل في ذلك الاختصار في استعمال الأشياء،طلباً للعفّة(2)، وهو الامتناع عمّا حرّم الله-عزّ وجلّ-وتركه(3)، ويُقال عفَّ الرجل يعفُّ عفّة وعفافاً فهو عفيف بمعنى الخيّر السيّد إذا تجنّب ارتكاب الفواحش والآثام (4) فالعفاف إذن هو كبح جماح رغبات النفس وميولها التي تذهب بصاحبها إلى الهلاك والضلالة.

تبلور ممّا ذكر أنّ هذه الألفاظ تنضوي تحت مسمّى واحد وهو العبادة، لكنّ لكلٍ منها سمتها التي تميّزها من أختها، فلفظة (الدُّعاء) تتصف بإمالة الشيء للمتحدِّث بعنصري الصوت والكلام، وانمازتلفظة(الصَّلاة) بأنهّا العبادة المشروعة تعظيماً إلى الله تعالى تتخللها حركات وعبارات واجبة، أمّا لفظة (العبادة) فاتصفت بأسمى حالات الخضوع والانقياد للرَّب،واتسمت لفظة(التَّسبيح) بالحركة السريعة في الأشياء، واتسمتلفظة (الاستغفار) بالتغطية والستر للشيء، أمّا لفظة (العفاف) فدلّت على الكفّ عمّا لا ينبغي.

والمتأمل في قوله-عليه السلام- : «الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ »(5) لعلّه يجد أنّ المراد منه الدُّعاء الذي يجلب خير الدّنيا ويدفع مكارهها، والفوز بالآخرة (6).

ص: 120


1- مقاييس اللغة:(عفّ) 4/ 3.
2- ينظر: مفردات ألفاظ القرآن: (عف) 573 .
3- ينظر:العين:(عفّ) 1/ 92 ، وجمهرة اللغة:(عفّ) 1/ 155 ، وتهذيب اللغة:(عف) 1/ 11 6 ،والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(عفف) 4/ 1405 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(عفّ) 1/ 102 ، ولسان العرب:(عفف) 9/ 253 .
4- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة: 2(عفف)/ 1521 .
5- الكافي: 2/ 468 ،ح 2.
6- ينظر: شرح أصول الكافي: 10 / 233 .

ووجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الافتقار إلى الله تعالى، والحاجة (1)؛لأنّ التّضّرع أقرب السُّبل إلى الله-عزّ وجلّ- وأيسرها؛ لذا فإنّ الدُّعاء يستلزم التقديس والتمجيد للخالق، فضلاً عن حالة الذّلّة التي يكون فيها، ومن دواعي استعمال هذه اللفظة أنّه أراد بها الجنس(2) أي الدّعاء الشامل لجميع الحاجات والمقاصد والمطالب،و قوله: «صَلَةُ الأوَّابِينَ »(3) يُلمح أنّه يُحيل به إلى طاعة العبد، وتوبته عمّا فعله من الذنوب والمعاصي التي تتجسّد في الرَّجاء والعفو(4)، وهكذا يظهر التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يتجلّی في الدُّعاء والاستعمال السياقي الذي يدلُّ على العبادة المخصوصة قصد التوبة، ومن دواعي استعمال لفظةالصلاة؛ لأنّها فرع من فروع الدِّين الإسلامي الذي يمثّل الذريعة التي يتقرّب العبد بها إلى الخالق-عزّ وجلّ- تعظيماً وتكريماً، وهي سبب لصلاح الفرد وزجر النفس عن الآثام.

والناظر لكلامه-عليه السلام-: «طُوبَى لِمن أخلصَ للهِ العِبَادَةَ »(5)، يجد أنّ المراد (بالعبادة) الأداة التي تصل العبد إلى المعبود (الله تعالى) وتتجسّد في الخشوع والخضوع،والزُّهد في الدنيا وترك ملذاتها وشهواتها(6).

ويُلمح من ذلك التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي في اللين والذلة، والاستعمال

ص: 121


1- ينظر:العقائد، محمد باقر المجلسي: 96 ، وشرح أصول الكافي: 10 / 228 .
2- ينظر:شرح أصول الكافي: 10 / 233 .
3- الكافي : 3/ 444 ،ح 10 .
4- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 15 / 400 .
5- الكافي: 2/ 16 ،ح 3.
6- ينظر:شرح أصول الكافي: 8/ 50 .

السياقي الذي يتجلّی في العبادة الخالصة إلى الله تعالى تنزيهاً له،و ذُكِرت لفظة (العبادة)؛ لأنّها أداة لإصلاح الفرد وتهذيبه، وبها يتمّ الانصراف عن الذنوب والمعاصي والضلالة.

وأمّا قوله-عليه السلام-: «التَّسبِيحُ نِصْفُ المِيْزَانِ »(1)،فلعلّه عبّر به عن فضل التَّسبيح ومنزلته عند البارئ-سبحانه- الذي يمثل الذريعة التي تقرّب العبد إلى الخالق-سبحانه- ابتغاء مرضاته وثوابه يوم الحساب ، علماً أنّ التسبيح المقصود لم يشغل حيزاً في الفراغ؛ كي يملأ نصف الميزان ، وإنّما هو كناية عن تكثير العدد أي تسبيحاً له في كلّ وقت؛لزيادة الأجر عند الله –تعالى-وتعظيمه(2) ولمّا كان التسبيح خالصاً إلى الله وحده اقتضى تعظيمه وتمجيده وتحميده؛لذا فهو من الأمور المتصلة بالعقائد والتوحيد التي تستلزم تقديسه وتنزيهه وتكبيره.

وأمّا قوله: «عَلَيْكُمْ في شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَثرَةِ الاستِغْفَارِ »(3)، فالناظر للتركيب يجده في أسلوب الأمر لوجود إحدى صيغه (عليكم) التي تُعدّمن أساليب الإغراء، وتأتي بمعنى الزم، أو احفظ، أو خذ، والمتأمل لكلامه-عليه السلام- «عَلَيْكُمْ...بِكَثرَةِ الاستِغْفَارِ » يجده يحثّ على الإكثار من الاستغفار(4)، وما يسوّغ ذلك سلطته التوجيهية التي أتاحت له قوة الخطاب وحريته؛ وذلك مؤشر على أنّه الذريعة التي يتقرَّب بها العبد إلى الله تعالى توسّلاً وتضرّعاً؛ لإصلاح ما فاته، وتكفيراً لذنوبه، ودفعاًلأنواع البلاء(5).

ص: 122


1- الكافي: 2/ 506 ،ح 3.
2- ينظر:شرح أصول الكافي: 10 / 296 .
3- الكافي: 4/ 88 ،ح 7.
4- ينظر:استراتيجيات الخطاب في الحديث النبوي، دليلة قسمية(رسالة ما جستير): 105 .
5- ينظر: استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، عبد الهادي بن ظافر الشهري: 342 .

ويظهر أنّ المعنى اللغوي الدال على الستر والغطاء تطوَّرليدلُّ على العبادة المعروفة، ومن دواعي استعمال لفظه؛ لأنّه يُطيِّب النفوس ويُذِّب الأخلاق، ويجعل لكلِّ هم فرجاً ولكلِّ ضيق مخرجاً.

وأمّا (العفاف) في قوله-عليه السلام-: «أفْضَلُ العِبَادَةِ العَفَافُ »(1) فلعلّه كنّى بها عن هدم القوة الشهوية، وميولها لدى الإنسان بسلاح العبادة لما تجلبه من الفساد والشّر و تتجسّد في قطع القلب عن الأطماع والمحارم الدنيوية (2). ومّما ذُكر يظهر أنَّ المعنى اللغوي الدال على قلة الشيء تطوّر بالمنظور الإسلامي ليعني غنى النفس وقناعتها؛ لذا فإنَّه من أسمى أنواع العبادات وأسّها الذي يتجسَّد في الزّهد والإعراض عن الملذَّات(3).

ممّا سبق يمكن القول: إنَّ ثمة ظواهر دلالية قد طرأت على بعض الألفاظ، (الدُّعاء) قد انتقلت دلالتها من إمالة الصوت إلى ثلاثة أضرب بعد مجيء الإسلام أحدهما العبادة، وثانيهما الاستعانة، وثالثهما طلب الرزق؛ لذا فهو من ألفاظ المشترك اللفظي، أمّا (الصَّلاة) فقد تطورت دلالتها من معنى الدُّعاء بين الأشخاص إلى معنى العبادة المفروضة، وتخصّصت (العبادة) من الخضوع والانقياد للمعبود إلى عبادة الله تنزيهاً له، وانتقل (التسبيح) من الحركة السَّريعة إلى عبادة المخلوقات والحيوانات والنباتات والجمادات، وأمّا (الاستغفار) فقد انتقلت دلالتها من التغطية والخفاء إلى المغفرة والتوبة،و(العفاف) انتقلت من قلة الشيء إلى غنى النفس وقناعتها.

ص: 123


1- الكافي: 2/ 79 ،ح 3.
2- ينظر:شرح أصول الكافي: 8/ 252 .
3- ينظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهاني: 224 .

المجموعة الثانية: الألفاظ الدَّالة على الطَّهارة، وهي: (الطُّهْر، والغُسل، والتَّيمّم،

والوُضوء).

* الطُّهْر، والغُسْل: أمّا اللفظ الأول فاستُعمل مرتين من ذلك كلامه في باب(وجوب الغسل يوم الجمعة) إذ قال: «واللهِ لَأنْتَ أَعْجَزُ مِنَ التَّارِكِ الغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وإنَّهُ لَا يَزَالُ في طُهْرٍ إلَی الجُمُعَةِ الأُخْرَى »(1)، وورد اللفظ الثاني مرة واحدة في قوله نفسه(2).

* التَّيمُّم: ورد مرة في كلامه-عليه السلام- في باب(من تكره الصلاة خلفه والعبد يؤمُّ القوم ومن أحق أن يؤمّ) قال: «لَا يَؤُمُّ المُقَيَّدُ المُطْلَقِينَ ولا يَؤُمُّ صَاحِبُ الفَالِجِ الأصِحَّاءَ ولا صَاحِبُ التَّيَمُّمِ المُتَوَضِّينَ »(3).

* الوُضوء: استعمل مرة في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب(صفة التيمم) قال: «لَا وُضُوءَ مِنْ مُوطَإٍ؛... يعني مَا تَطَأُ عَلَيهِ برجلِكَ .»(4).

ولمعرفة دلالات هذه الألفاظ لابدّ من تحقق المعنى اللغوي لها:

الطُّهْر مأخوذ من الجذر(ط،ه،ر) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَ نَقَاءٍ وَزَوَالِ

دَنَسٍ))(5)، والطُّهْر خلافالحيض، وضده(6)، ويُقال:طهر الشيء طهارة فهو طاهر

ص: 124


1- ينظر: الكافي: 3/ 42 ،ح 5، و 3/ 491 - 492 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 3/ 42 ،ح 5.
3- المصدر نفسه: 3/ 375 ،ح 2.
4- المصدر نفسه: 3/ 62 ،ح 5.
5- مقاييس اللغة:(طهر) 3/ 428 .
6- ينظر:العين:(طهر)( 4/ 18 ، وتهذيب اللغة:(طهر) 6/ 170 .

والاسم الطهر والجمع الأطهار نقيض الدّرن، ويُقال: اغتسلت المرأة إذا طهرت وانقطع الدم(1)، وورد في كلام العرب إذ انشد ابن الأعرابي: [بحر الوافر]

أضَعت المَال للأحسابِ، حَتّى*** خَرَجت مبرَّأَ طهر الثّيابِ(2)

وعليه فالطهر يعني إزالة الأحداث والجنابة من(الجسم، والملبس،والمكان).

ودلالة تنقية الشيء وطهارته التي أشار إليها ابن فارس هي المشترك بين اللفظين الطُّهر والغُسُل،وهومن الجذر(غ،س،ل) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی تَطْهِيرِ الشَّيءِ وَتَنْقِيَتِهِ... وَالْغُسْلُ الِأسْمُ. وَالْغَسُولُ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ أَوْ غَيْرهِ... ))(3)، ويُقال: اغتسل الرَّجل إذا غسل أجزاء جسده كلّها؛ وذلك بإفاضة الماء من أعلى رأسه إلى أسفل

قدمه، والغُسل الماء الذي يُتطهّر به منالدنس وما شابه ذلك(4)، وهو لفظ عام يشتمل على الاغتسال بأنواعه سواء أكان الماء الذي يتطهر به أم غسل الجسم للعبادت نحو

الوضوء وغيره. أمّا (التَّيمّم) فقد جاء في اللغة: إنّه:((القصد والتوخي والتعمد))(5)، وهو من الجذر(أ،م،م)، ويُقال:أَمَمتُ الرَّجل، وأَمَّمْته، وتَيَمَّمته، والمعنى واحد إذا قصدته وتوخيته(6)،و ذكرته العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى اللغوي نفسه (القصد

ص: 125


1- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(طهر) 2/ 727 ، والمحكم والمحيط الأعظم فياللغة:(طهر) 4/ 245 .
2- لسان العرب:(طهر) 4/ 504 .
3- مقاييس اللغة :(غسل) 4/ 424 .
4- ينظر: أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، قاسم القونوي: 50 ، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً: 274 .
5- العين(أمم) 8/ 430 ، والزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 41 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح:(يمم) 2064 .
6- تهذيب اللغة:(أمّ) 15 / 641 .

والتوخي) من ذلك قول الأعشى الكبير: [البحر المتقارب]

تَيمَّمْتُ قَيْسَاً وكَمْ دُونَه*** مِن الأرضِ من مَهْمَهٍ ذي شَزَن(1)

ولمّا جاء الإسلام شاع استعماله وتطوّر معناه وصار يطلق على مسح الوجه واليدين بالتراب الطَّاهر المباح عندما لا يتوفر الماء أو تعذّر حصوله (2)،يدلُّ على ذلك قوله تعالى:﴿فَلَمْ تَجدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾(3)والمراد بالتَّيمّم:القصد، والصعيد: وجه الأرض (التراب، والرمل، والأحجار) والمعنى

فاقصدوا عند التيمّم التراب الطاهر المباح (4)، وعليه فالتيمّم:((التوضؤ بالتراب على البدل وأصله من الأول لأنه يقصد التراب فيمتسح به))(5)، وهو من الطهارات الترابية الواجبة بدلاً عن الوضوء إذا تعذّر حصول الماء؛لإزالة الأوساخ .أمّا لفظة (الوضوء) فمن الجذر(و،ض،الهمزة) وله ((كلمة واحدة تدل على حسن ونظافة))(6)، ويقال: وضوء الشيء وضاءة، بمعنى صار ذا شيئاً حسناً أي خلاف القبح وضده (7)، ومنه الوَضوء الماء الذي يتطهّر به للصلاة،ويُقال: توضأ الرَّجل يَوْضُؤُ وُضُوءاً ووَضاءةً إذا تنظّف، وتجمّل للصّلاة (8)،وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الحسن، ورد

ص: 126


1- ديوان الأعشى الكبير: 19 .
2- ينظر: الرسالة الفخرية في النيِّة،المطّهر الحلي: 42 .
3- سورة النساء : 43 .
4- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 5/ 233 .
5- لسان العرب:(أمم) 12 / 23 .
6- مقاييس اللغة:(وضأ) 6/ 11 9 .
7- ينظر: جمهرة اللغة:(وضأ) 7/ 77 .
8- ينظر: الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 39 ، ولسان العرب:(وضأ) 1/ 194 .

قول النابغة الذبياني:[البحر الطويل]

عُلِينَ بِكَدْيَوْنٍ، وأُبطِنَّ كَرَّةً*** فهنَّ وِضاءٌ صافياتُ الغَلائِلِ(1)

ولم يرد مصطلح (الوضوء) بلفظه الصريح في الذكر الحكيم، وإنّما جاء يضمّ أركانه،

قالتبارك وتعالى:﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَی الَمرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَيْن﴾(2) يُلحظ أنَّ غسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس والأرجل يحيل إلى أجزاء الوضوء الذي يعدّ من موجبات الصَّلاة(3).

ولمّا جاء الإسلام تطوّرمعناه وتخصّص بالمصطلح الإسلامي بعد أن كان يدلّ على

الحسن والبهجة(4).

وأمَّا استعمال الألفاظ في كلامه-عليه السلام- فيُلحظ أنّه استعمل لفظة (الطُّهْر) فيقوله: «وإنَّهُ لَ يَزَالُ في طُهْرٍ »(5) إشارة إلى أهمية الطُّهْر الذي يُعدُّ مفتاح العبادة التي يؤديها المسلمون (الصلاة، والصوم،والحج...) إذ لاتصح من دون الطّهارة(6). ويُلمح التطور الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يعني النقاء والزوال،والاستعمال السياقي الذي يتجسّد في وجوب الطهارة، إذ لايجوز أي عبادة من دون طهارة ،وخُصّ لفظه؛ لأنّه شرط واجب لا يصح إسقاطه في العبادات لأي سبب كان.

ص: 127


1- ديوان النابغة الذبياني: 147 .
2- سورة المائدة: 6.
3- ينظر:الميزان في تفسير القرآن: 5/ 224 .
4- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن، عودة خليل أبو عودة : 185 .
5- الكافي: 3/ 42 .
6- ينظر: أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء: 46 .

والمتأمل لقوله-عليه السلام-: «واللهِ لَأنْتَ أَعْجَزُ مِنَ التَّارِكِ الغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ »(1) يجده عبّ (بالغسل) عن أنواع الأغسال الذي يدعى بالأغسال الزمانية (غسل يوم الجمعة، وغسل عيد الفطر، وغسل عيد الأضحى)، وهو من الأعمال المستحبة جوازاً على المشهور في الجمعة، وتُغني عن الوضوء، وغسل الجنابة، وغسل الحيض، وكذلك يغني عن كلّ غسل واجب أو مستحب منوى عليه (2).

ويبدو أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي التّعظيم لذلك اليوم عن باقي الأيام الأُخرى،ويتضح التغاير الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يتجلّىفي تطهير الشيء وتنقيته، والاستعمال السياقي الذي يدلّ على غسل الجمعة،و خصّ لفظه (الغسل يوم الجمعة)؛لبيان مكانته ومنزلته بين أنواع الغسل، فضلاً عن استحبابه في الفرائض والأدعية والطاعات، واستعمل (التّيمّم) في كلامه-عليه السلام- : «لَا يَؤُمُّ... صَاحِبُ التَّيَمُّمِ المُتَوَضِّينَ »(3) إشارة إلى مسألة شروط إمام الجماعة في الصّلاة، ومنها إمامة المتيمّم للمتوضّئ؛وذلك إذا تعذّر حصول الماء، أو لأي سبب يُمنع ذلك، أو كان مريضاً.

أمّا لفظة (الوضوء) في قوله-عليه السلام-: « لَاوُضُوءَ مِنْ مُوطَإٍ »(4) فلعلّه كنّى به عن بعض أحكام التيمّم، ومنها أنّه لا يجوز التيمّم إلّ من التراب المطلق (الخالص) إذ أشار إلى كراهته من الطرق والأماكن الموطأة التي يطأها الماشية بأرجلهم(5).

ص: 128


1- الكافي: 3/ 42 .
2- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 13 / 128 ، ومنهج الصالحين، محمد الصدر 1/ 98 - 99 .
3- الكافي: 3/ 375 .
4- المصدر نفسه: 3/ 62 .
5- ينظر:تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد،محمد بن الحسن الطوسي: 1/ 187 .

ويبدو أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الاختصاص

والعناية؛لأنّه ركن واجب في الصلاة وبخلافه تبطل، ويظهر أنّ المعنى اللغوي يدلّ على النظافة والزينة، غير الاستعمال السياقي الذي يتمثّل في أنّه ركنٌ واجبٌ في الصّلاة، ومن دواعي استعماله؛ لأنه عنصرأساس في أنواع العبادات والفرائض الواجبة والمستحبّة، وهو من الطهارات الواجبة.

وممّا ذُكر يظهر أنّ الألفاظ (الطُّهر، والغُسل، والوضوء، والتّيمّم) تشترك بدلالة

واحدة وهي إزالة الدنس، إلّا أنّ المتصدّر لها (الطُهْر)؛ لأنّهاتتضمّن نقاء و زوال، فضلاً عن طهارة البدن والثوب والمكان، وأمّا (الغُسل) فيدلُّ على إفاضة الماء من أعلى الرأس حتى باطن القدم، في حين يدلُّ (الوضوء والتيمّم) على غسل الجوارحومسحها التي يُسجد بها خضوعاً إلى الخالق-سبحانه- ، ويُلمح ثمّة تطور دلالي قد طرأ على (التيمّم) إذ تخصّصت دلالته من القصد والتوخي إلى مسح الأعضاء التي يُسجد بها، و(الوضوء) توسعت دلالته إلى ضربين، أحدهما الوضوء المعنوي الذي يعني التجمّل والحسن والبهجة، وثانيهما الوضوء الحسّي الذي يدلُّ على مسح أعضاء الصَّلاة، ويتضح لمتدبر النصوص وضوح الأحكام الفقهية، ومنها سمات التَّيمُّم إذ يحرم التيمّم من الأماكن التي يطأها الماشية بأرجلهم، فضلاً عن ذكره لاستحباب الغسل في يوم الجمعة.

ص: 129

المجموعة الثالثة: ألفاظ مقدِّمات الصَّلاة، وهي:(المَسْجِد، والقِبْلَة)

* المَسْجِد: ورد ذكره ثلاث مرات(1) من ذلك كلامه-عليه السلام- في باب(فضل المسجد الأعظم بالكوفة وفضل الصلاة فيه والمواضع المحبوبة فيه) قال: «فَبِعْ رَاحِلَتَكَ وكُلْ زَادَكَ وصَلِّ في هَذَا المَسْجِدِ فإنَّ الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ فِيهِ حَجَّةٌ مَبْرورَةٌ والنَّافِلَةَ عُمْرَةٌ مَبْرورَةٌ والبَرَكَةَ فيِهِ على اثْنيَ عَشَر مِيلَاً ، يَمِينهُ يُمْنٌ ويَسَارُهُ مَكْرٌ وفي وَسَطهِ عَيْنٌ مِنْ دُهْنٍ و عَيْنٌ مِنْ لَبَنٍ و عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ شَرابٍ للمُؤمِنينَ و عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ طُهْرٍ للمُؤمنينَ... .»(2).

* القِبْلة: ذُكرت مرة واحدة في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في باب (من تكره الصلاة خلفه والعبد يؤمُّ القوم ومن أحق أن يؤمّ) قال: «لا يَؤُمُّ الأعمَى في الصَّحراءِ إلّا أن يُوَجّهَ إلى القِبْلَةِ »(3).

أمّا المعنى اللغوي للألفاظ فيمكن بيانه بالآتي:

المسجد من الجذر(س،ج،د) وله((أَصْلٌ وَاحِدٌ مُطَّرِدٌ يَدُلُّ عَلَ تَطَامُنٍ وَذُلٍّ))(4) وهو اسم مكان على وزن مفْعِل بكسر العين للدلالة على حدوث الفعل وعدم حدوثه والأوْلى فتحه(5). وقيل: هو مشتق من سجد سجوداً إذا اشتدّ نظره باتجاه الأرض(6)، والمسجد

ص: 130


1- ينظر: الكافي: 3/ 491 ،ح 2، و 3/ 492 ،ح 3( 2).
2- المصدر نفسه: 3/ 492 ،ح 3.
3- الكافي: 3/ 375 ،ح 2.
4- مقاييس اللغة:(سجد) 3/ 133 .
5- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(سجد) 2/ 484 ، وأبنية الصرف في كتاب سيبويه، خديجة الحديثي: 289 .
6- ينظر:جمهرة اللغة:(سجد) 1/ 447 .

اسم جامع لفعل السجود سواء أوقع الفعل أم لم يقع فيه، وقيل :هي الأعضاء(الجَبْهةُ، والأنفُ، واليَدانِ، والركْبَتانِ والرِّجْلانِ) التيينحني بها العبد على التراب تذللاً إلى الله- عزّ وجلّ-وخشوعاً، ويُقال: سجد الرَّجل إذا تطأطأ وتطامن رأسه على التربة إلى الخالق (1)، ولا يفوتنا أن نذكر شيوع هذا المصطلح في عصر ما قبل الإسلام وتداوله بمعنى التحية التي تتجلّی في إظهار مشاعر الولاء والطاعة، ولمّا جاء الإسلام خُصّ بمواضع العبادة إلى الله- عزّ وجلّ- (2)، وعليه فالمسجد هو الموضع الذي وُضع لأداء الطقوس الدينية (العبادة) وما يؤيد ذلك ما ورد في الذكر الحكيم:﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ﴾ (3).

و(القِبْلة) من الجذر(ق،ب،ل) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ تَدُلُّ كَلِمُهُ كُلُّهَا عَلَی

مُوَاجَهَةِ الشَّيءِ لِلشَّيءِ))(4)، ويُقال : ليس لكلام الرجل قبلة أي ناحية (5)،والأصل في ذلك ((اسم للحالة التي عليها المقابل نحو: الجِلْسة والقِعْدة، وفي التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجّه إليه للصلاة))(6)، قال تعالى:﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الَمسْجِدِ الَحرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرهُ﴾(7)، وقيل: إنّما

ص: 131


1- ينظر:المصدر نفسه:(سجد) 1/ 447 ، والزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 47 ، وتهذيب اللغة:(سجد) 10 / 570 ، وتاج العروس من جواهر لقاموس:(سجد) 8/ 174 .
2- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن: 193 .
3- سورة الأعراف: 29 .
4- مقاييس اللغة:(قبل) 5/ 51 - 52 .
5- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية(قبل) 5/ 1795 .
6- مفردات ألفاظ القرآن:(قبل) 654 .
7- سورة البقرة: 144 .

سميت بذلك؛((لأنّ المصلي يقابلها وتقابله ))(1)، فالقبلة المكان أو الجهة التي يستقبلها

المسلمون في صلاتهم (الكعبة المشرفة) ويصلون باتجاهها.

وأمّا استعمال الألفاظ في كلامه -عليه السلام-: «فَبِعْ رَاحِلَتَكَ وكُلْ زَادَكَ وصَلِّ في هَذَا المَسْجِدِ »(2) فيلحظ أنّه وظّف لفظة(المسجد) إشارة لخصائص (مسجد الكوفة) التي تتجسّد في عظمته وتاريخه؛ فهو من أعظم المساجد التي عُرفت في الإسلام ،إذ صلّی فيه أعظم الأنبياء والأوصياء من نبي الله آدم إلى نبينا محمد وأهل بيته الطاهرين-صلوات الله عليهم جميعاً- وعلاوة على ذلك فقد صلّی فيه الرسول الأكرم ليلة الإسراء والمعراج،

فضلاً عن رياض الجنة التي انتشرت في جوانبه جميعها(3).

ومايفسّر ذلك قوله تعالى:﴿وَآوَيْناَهَما إلِی رَبوْة ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعيِنٍ﴾(4)، إذ ورد في تفسيرقولهإن:((الرَّبوة :الكوفة؛ والقرار:المسجد؛ والمعين: الفرات))(5).

وممّا ذُكر يظهر أن العلاقة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي التفضيل للمسجد، فضلاً عن أنّ المعنى اللغوي الذي يدلّ على التّطامن والذل، غير الاستعمال السياقي الذي يمثّل خصائص مسجد الكوفة.

ولفظ (القِبْلة) في كلامه-عليه السلام-: «لا يَؤُمُّ الأعمَى في الصَّحراءِ إلّا أن يُوَجّهَ إلى

ص: 132


1- مجمع البحرين ومطلع النيرين، فخر الدين الطريحي: 3/ 1434 .
2- الكافي: 3/ 492 .
3- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 15 / 487 .
4- سورة المؤمنون: 50 .
5- معاني الأخبار، أبو جعفر الصدوق: 373 ، وينظر:البرهان في تفسير القرآن: 5/ 339 .

القِبْلَةِ »(1) فلعلّ المعنى الذي يريده-عليه السلام- ضرورة معرفة القبلة والتوجّه إليها في بقاع العالم جميعاً؛لأنّها الأساس في الصلوات، والفرائض، والقبور، والمساجد، والأدعية،والطاعات ، ولا تتم إلّا بها ؛ لذا فهي حكم ثابت وواجب على المسلمين(2).

ومن دراسة الألفاظ يتبيّن أن لكل لفظ وظيفة تخصّه فالمسجد هو المكان الذي أُسّس لإقامة الشعائر الدِّينية بوساطة (الجبَهةُ، والأنفُ، واليَدانِ، والركْبَتانِ والرِّجْلانِ)، تقديساً إلى الخالق-عزّ وجلّ-وتوحيداً ، وأمّا القبلة فهي إحدى الشروط التي يستوجب توافرها في الصَّلاة إذ لا تستقم الصَّلاة إلّا بها ؛ لذا فهي فرض واجب.

أمّا فيما يخصّ الظواهر الدَّلالية فيلمح ثمة تطور دلالي طرأ على لفظة المسجد إذ انتقلت دلالتها من التحية التي تتجلّی في الولاء والطاعة إلى أماكن العبادة، فضلاً عن دلالتها الاستعمالية التي تجسّدت في مزايا مسجد الكوفة المعظّم، ولفظة القبلة انتقلت دلالتها من مقابلة الشيء للشيء إلى قبلة المسلمين.

ص: 133


1- الكافي: 3/ 375 .
2- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 15 / 259 ، والميزان في تفسير القرآن : 1/ 323 .

المبحث الثاني: الألفاظ الدَّالة على الزَّكاة وما يلحق بها

يضمّ هذا المبحث عدداً من ألفاظ الزّكاة التي وردت في كلام الإمام علي-عليه

السلام- وهي:(الصَّدقة، والخَرَاج، والزَّكاة، والنَّفقة).

* الصَّدقة: جاء ذكرها ثلاث مرات(1) من ذلك كلامه-عليه السلام- في باب (إنّ الصدقة تدفع البلاء) قال: «كَانُوا يَرَونَ أنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ بِها عَن الرَّجُلِ الظَّلُومِ »(2).

* الخَرَاج: استُعمل مرتين من ذلك كلامه-عليه السلام- في باب (أدب المُصدِّق) قال: «انْظُرْ خَرَاجَكَ فَجِدَّ فيه ولا تَتْرُك مِنْهُ دِرْهَماً فإذا أرَدْتَ أنْ تَتَوجَّهَإلى عَمَلِكَ فَمُرَّ بي...إنَّ الَّذِي سَمِعْتَ مِنِّي خُدْعَةٌ إيَّاكَ أنْ تَضْربَ مُسْلِمَاً أو يَهودِيِّاً أو نَصْرَانِيِّاً في دِرْهَمِ خَرَاجٍ أو تَبِيعَ دَابةَ عَمَلٍ في دِرْهَمٍ فإنَّمَا أُمِرنَا أنْ نَأخُذَ مِنهُمُ العَفْوَ .»(3).

* الزَّكاة: ورد لفظها مرة واحدة في معرض كلامه-عليه السلام- عن باب (البخل

والشحّ) إذ قال-عليه السلام-: حينما سمع رجلاً يقول:إنّ الشحيح أغدر من

الظالم «كَذَبْتَ إنَّ الظَّالِم قَدْ يَتُوبُ ويَسْتَغفِرُ ويَرُدُّ الظُّلامَةَ عَلَی أهْلِهَا والشَّحيحُ إذا شَحَّ مَنعَ

ص: 134


1- ينظر: الكافي: 4/ 5،ح 4، و 4/ 44 ،ح 1، و 4/ 57 ،ح 1.
2- المصدر نفسه: 4/ 5،ح 4.
3- المصدر نفسه: 3/ 540 ،ح 8

الزَّكاةَ والصَّدقةَ وصِلَةَ الرَّحمِ وقِرَي الضَّيفِ والنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللهِ... »(1).

* النَّفقة: ورد لفظها مرتين(2) في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب (من يلزم نفقته) قال: «خُذُوا بِنَفَقَتِهِ أقرَبَ النَّاسِ مِنْهُ مِنَ العَشِيْرةِ كَمَا يَأكُلُ مِيرَاثَهُ »(3).

ويُلحظ أنّ المعنى اللغوي لهذه الألفاظ يدلُّ على ما يأتي: الصَّدقة من الجذر(ص،د،ق)وتعني:(( ما يتصدَّق به المرء عن نفسه وماله))(4)، ويُقال: تصدَّق الرَّجل يتصدَّق تصدّقاً فهو متصدِّق إذا أخرج من ماله صدقة تطوعاًللفقراء، وقرباً إلى الله تعالى(5)، وهي اسم على وزن (فَعَلة) والجمع (صدقات)، وورد ذكرها في قوله تعالى:﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾(6). أمّا الَخرَاج فهو من الجذر(خ،ر،ج) وله((أَصْلَانِ... فالَأوَّلُ: النَّفَاذُ عَنِ الشَّيءِ...وَالْخرَاجُ وَالْخرْجُ: الْأتَاوَةُ ؛ لِأنَّهُ مَالٌ يُخرِجُهُ الُمعْطِي))(7)، ويُقال: أعطى

الرّجل خَرَاج أرضه بمعنى دفع غَلَّتها(8) التي يؤديها الناس في السنة بمبلغ معلوم(9).

ولمّا جاء الإسلام خُصّ مفهومها بالضريبة التي يُلزم أداؤها شرعاً لبيت المال في السنة

ص: 135


1- الكافي: 4/ 44 ،ح 1.
2- ينظر: المصدر نفسه: 4/ 13 ،ح 2، و 4/ 44 ،ح 1.
3- المصدر نفسه: 4/ 13 ،ح 2.
4- مقاييس اللغة:(صدق) 3/ 339 .
5- ينظر:المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن جبل:(صدق) 1210 .
6- سورة التوبة:
7- مقاييس اللغة:(خرج) 2/ 175 .
8- ينظر:جمهرة اللغة:(خرج) 1/ 443 ، وأساس البلاغة:(خرج) 1/ 237 .
9- ينظر: تهذيب اللغة:(خرج) 7/ 48 .

غَلَّة عن أرض زُرعت أو دار أونحو ذلك.قال تعالى:﴿أَمْ تَسْأَلُهمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ

خَيْرٌ﴾(1). ولفظة الزكاة من الجذر (ز،ك،ا) وتعني:النّماء والزّيادة ، مشتق من الفعل زكا الزرع يزكو زكاءً، إذا نما زرعه(2)، وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى نفسه الذي يدلُّ على زيادة الشيء وريعانه؛ لأنّهم كانوا يطلقون على الشخص الواحد خسا وعلى الأثنين زكا(3)، والزَّكاة اسم على وزن (فَعَلة) نحو (الصدقة)، إلّا أنّها أُعلّت بقلب حرف الواو ألف لتحركه وانفتاح ما قبله(4)، وأمّا مفهومها في الذكر الحكيم:﴿وَآَتُوا الزَّكَاة﴾(5) فورد بمعنى مبلغ من المال واجب إخراجه للمستحقين شرعاً.

ودلالة إعطاء الأموال وإنفاقها في سبيل الله هي المشترك بين اللفظتين(الزكاة

والنفقة)، وهي من الجذر(ن،ف،ق) وله ((أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُما عَلَی انْقِطَاعِ شَيءٍ وَذَهَابِهِ،...َنَفَقَ الشَّيءُ: فَنِيَ يُقَالُ قَدْ نَفِقَتْ نَفَقَةُ الْقَوْمِ))(6). واشتق لفظه من الفعل نفق الرَّجل ماله ينفق نِففاقاً إذا افتقر وذهب ما عنده(7)، والنفقة اسم جامع لما يُنفق من

ص: 136


1- سورة المؤمنون: 72 .
2- ينظر:العين:(زكو) 5/ 394 ، ومقاييس اللغة:(زكى) 3/ 17 .
3- ينظر:التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن: 211 .
4- ينظر:سر صناعة الإعراب، أبو الفتح عثمان بن جني: 2/ 581 .
5- سورة البقرة: 43 .
6- مقاييس اللغة:(نفق) 4/ 454 .
7- ينظر: العين:(نفق) 5/ 177 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(نفق) 4/ 1560 ، ومقاييس اللغة:(نفق) 4/ 454 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(نفق) 6/ 447 ، ولسان العرب:(نفق) 10 / 357 ، والمعجم الوسيط:(نفق) 2/ 942 .

الدّراهم وغيرها(1).قال تعالى:﴿وَمَا أنَفَقْتمُ مِنْ نَفَقَةٍ أوَ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإنِّ اللهَ يَعْلَمُهُ﴾(2).

ولألفاظ الزَّكاة ومتعلقاتها دلالات متنوّعة في كلام سيد البلغاء-عليه السلام-منها قوله: «إنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ بِها عَن الرَّجُلِ الظَّلُومِ »(3) فقد استعمل لفظة الصّدقة؛ لأنّها الذّريعة التي يُغفر بها الذنوب، وتُمحى بها السيئات، ويُقبل بها الدُّعاء، ويُدفع بها البلاء، ويزداد بها الرزق. ودليل ذلك ما روي عن أبي عبدالله-عليه السلام- أنّه قال:((داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة))(4). وبذلك

يتضح أنّ المعنى اللغوي الانقطاع وذهاب الشيء،تطوَّر بالمنظور الإسلامي؛ ليعني إعطاء المال لمستحقيه قرباً إلى الله-جلّ في علاه-.

والناظر لقوله-عليه السلام-: «إيَّاكَ أنْ تَضْربَ مُسْلِمَاً أو يَهودِيِّاً أو نَصْرانِيِّاً في دِرْهَمِ خَرَاجٍ »(5) يجده استعمل لفظة (الَخرَاج) إشارة إلى سمات مهنة جباية الأموال ومنهاالعفو، والعدل في جمع الزَّكاة، ودليل ذلك ما روي عن الإمام جعفر عن أبيه-عليهما السلام-قال: «كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدِّقه قال له: إذا أتيت على ربّ المال فقل له: تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك الله، فإن ولّی عنك فلا تراجعه »(6). وفي ضوء ما سبق يتضح أنّ المعنى اللغوي يدلُّ على ما يخرج من باطن الأرض يقارب الاستعمال السياقي

ص: 137


1- ينظر: المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم:(نفق) 2242 .
2- سورة البقرة: 270 .
3- الكافي: 4/ 5،ح 4.
4- المصدر نفسه: 4/ 3،ح 5.
5- المصدر نفسه: 3/ 540 ،ح 8.
6- المصدر نفسه: 3/ 538 ،ح 4.

الذي يدلُّ على الغَلَّة التي تُؤخَذ عن الأرض شرعاً.

وأمّا قوله-عليه السلام- : «والشَّحيحُ إذا شَحَّ مَنعَ الزَّكاةَ »(1) فيُلحظ أنه استعمل لفظة الزَّكاة -في معرض كلامه عن صفات الشّحيح ومنها البخل في دفع الزَّكاة- إشارة إلى عظمتها وأهميتها، فهي من الفروع الواجبة في الإسلام التي تُقرّب العبد إلى الله تعالى،وتثبّت إيمانه. وممّا ذُكر يظهر ثمة تقارب دلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على الرّيع والزيادة و الاستعمال السياقي الذي يعني أنّها فرع في الدين الإسلامي يجب دفعها، فضلاً عن أنّها تزيد من كرمه، وسخائه، وسماحته.

والمتأمل لكلامه -عليه السلام-: «خُذُوا بنِفَقَتهِ أقرَبَ الناَّسِ مِنهُ »(2) يجده تطرّق إلى مسالة حقّ اليتيم في النفقة،ومن يلزم نفقته، إذ استعمل لفظة (نفقته) إشارة إلى الشخص الذي يُنفق عليه (بحكم شرعية القرابة) متمثلاً في الوالدين،والأخ، والأخت؛ لأنّهم يأكلون ميراثه(3).ويظهر من ذلك عناية الإمام-عليه السلام-في اليتيم إذ أولى عنايةخاصة؛ لما يكفل حقّه في العيش الكريم استعاضة عمَّ فقده من الحنان والحرمان.

ومماّ ذُكر يتضح أنَّ المعنى اللغوي الذي يدلُّ على الفناء والنفّاد غير الاستعمال السياقي الذي يدلُّ على حق اليتيم في النفقة طاعة إلى الله–جلَّ في علاه- وإخلاصاً له.

يُستشف مماّ ذكر أنّ (الزَّكاة) اللفظ العام الذي تشتمل عليه الألفاظ الأخُرى، إذ

يتسم بإخراج قدر معلوم من المال واجب شرعاً، ويُلمح ثمّة تطوّر دلالي طرأ على لفظة

ص: 138


1- المصدر نفسه: 4/ 44 ،ح 1.
2- المصدر نفسه: 4/ 13 ،ح 2.
3- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 16 / 139 .

(الخراج) إذ انتقلت دلالتها من الاسم الذي يُطلق على ما يستخرج من باطن الأرض إلى الغلّة التي تؤخذ شرعاً عن الأرض؛ لذا فهي من الألفاظ الإسلامية.

أمّا لفظة (الزّكاة) فقد تطوّرت دلالتها من زيادة الشيء وريعانه إلى طهارة المال بإعطاء حقه الشرعي.

ص: 139

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الصّيام وما يلحق بها

المجموعة الأولى: ألفاظ أوقات الصِّيام، وهي:( الهلال، وليلة القَدْر).

* الهِلَال: استعمله الإمام-عليه السلام- في كلامه مرتين منها،باب ما(يقال في مستقبل شهر رمضان) قال: « إذَا رَأيْتَ الهِلَالَ فَلَا تَبْرحْ وقُلِ: »اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْر هَذَا الشَّهْرِ وفَتْحَهُ ونُورَهُ ونَصْره وبَرَكَتَهُ وطَهُورَهُ ورِزْقَهُ، وأسألُكَ خَيْر مَا فِيهِ وخَيْر مَا بَعْدَهُ وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَّر مَافِيهِ وشَّر مَا بَعدَهُ اللَّهمَّ أدْخِلْهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ والإيمَانِ والسَّلَامَةِ والإسْلَامِ والبَركَةِ والتَّوفِيقِ لِما تُحبُّ وتَرْضَی »(1).

* لَيْلَة القَدْر: ذكرها-عليه السلام- مرة واحدة في باب (ما جاء في الاثنى عشر والنص عليهم،عليهم السلام)، قال: «إنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ في كُلِّ سَنَةٍ ، وإنَّه يَنْزلُ في تِلْكَ اللَّيلةِ أمر السّنة ولذلك الأمر ولاةٌ بعد رسول الله-صلّی الله عليه وآله-،... أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدَّثون »(2).

أمّا الدّلالة اللغوية لهما فتتجسّد بالآتي: الهلال من الجذر(ه، ل،ل) وله ((أَصْلٌ

ص: 140


1- ينظر: الكافي: 4/ 76 ،ح 8، و 4/ 77 ،ح 4.
2- الكافي: 1/ 532 - 533 ،ح 11.

صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی رَفْعِ صَوْتٍ،))(1)، وتكلّم به العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الكوكب الذي يقع في السماء، قال الأعشى الكبير:[البحر المتقارب]

إلى مَلكٍ كَهِلالِ السَّماءِ*** أَزْكَى وَفَاءً وَ مَجدَاً وخَيْراَ (2)

واختُلف في تسميته فقيل:إنّه ((غرّة القمر حين يُهلُّه الناس في غرّة الشهر))(3).

وقيل: إنّه أوَّل الليالي الثلاث، ثم يصير قمراً (4) وجمعه أهلّة، وقيل: يطلق الهلال، ويراد به الجمل المهزول؛ لانحنائه وتقوّسه، أو هو ضرب من الأفعى، وسَلخها، أو هو البياض الذي يظهر في أصل الأظافر، أو هو الماء القليل في البئر(5)، والجامع بين هذه المعاني اللغوية الشكل؛ لذا فهو من الاشتراك اللفظي، وسُمّي هلال السماء هلالاً؛ لأن الناس إذا نظروا إليه رفعوا أصواتهم مكبِّين وداعين(6)، وعلى ذلك فالهلال الليالي الثلاث الأوائل من القمرالذي يُعدّ دليلاً زمنياً لمعرفة أوقات الحج، والصيام، والتجارة، والمزارع، والأعمال وغير ذلك.وما يؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأهَلَّةِ قُلْ هِيَ

مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالَحجِّ﴾(7).

ص: 141


1- مقاييس اللغة:(هلّ) 6/ 11.
2- ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: 97 .
3- العين:(هلّ) 3/ 352 .
4- ينظر: الألفاظ، يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت: 287 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(هلل) 5/ 1851
5- ينظر: ما اتفق لفظه واختلف معناه، هبة الله بن علي ابن الشجري: 484 ، ولسان العرب:(هلل) 11/ 704 .
6- التحرير والتنوير، ابن عاشور: 2/ 195 .
7- سورة البقرة: 189 .

ودلالة الزمن لمعرفة مواقيت العبادة وغيرها هي المشترك بين لفظي (الهلال، وليلة القدر) التي تتركب من لفظين، الأول(ليلة) من الجذر(ل،ي،ل) وهو الليل نقيض النهار وضده ، ومفرده ليلة(1)،ويبدأ من غروب الشمس إلى ظهور الفجر ، ويُقال: ليلٌ أليل،أي: أشدُّ ظلمة(2)،وتداولها العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال بشر:[البحر الوافر]

فَبَاتَتْ لَيلَةً، وأديمَ يومٍ*** على المَمْهى، يُجزُّ لها الثَّغامُ(3)

أمّا القَدْر فهو من الجذر(ق،د،ر) وله ((أصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی مَبْلَغِ الشَّيءِ وَكُنْهِهِ

وَنِهايَتِهِ))(4)، والقَدْر:إظهار مقدار الشيء وعدده أو كميته، ويُقال: قَدَرْتُ الشيء وقَدّرَه أي أوهبه القوة والقدرة(5)، واختُلف في سبب التسمية فقيل:إنّها الليلة التي تُقسّم فيها أعمال الناس، وأرزاقهم، وتجارتهم، وخيراتهم طيلة سنة كاملة (6)، ودليل ذلك قوله تعالى:﴿فيِهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيِمٍ﴾(7)، وقيل: لعظيم قدرها وجلّ شرفها، وذلك لنزول القرآن الكريم على رسوله الكريم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-، وقيل: لضيق الأرض

ص: 142


1- ينظر: مقاييس اللغة:(ليل) 5/ 225 .
2- ينظر: لسان العرب:(ليل) 11/ 607 .
3- ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي: 130 .
4- مقاييس اللغة:(قدر) 5/ 62 .
5- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(قدر) 2/ 786 .
6- ينظر:الميزان في تفسير القرآن: 20 / 379 ، والأمثل في تفسير كتاب الله المنزّل، ناصر مكارم الشيرازي: 20 / 346 .
7- سورة الدخان: 4.

بسبب نزول الملائكة(1)، وكذلك اختُلِف في أي ليلة هي، فقيل: إنّها إحدى الليالي العشرالأواخر من شهر رمضان، أو ليلة إحدى وعشرين،أو ليلة ثلاث وعشرين، أو ليلة سبع

وعشرين، ليلة تسع وعشرين(2).

ولألفاظ الصِّيام ومتعلقاته استعمالات عدّة وردت بدلالات مختلفة تبعاً للسياق

في كلامه-عليه السلام-والمتأمل لقوله:((إذَا رَأَيْتَ الهِلَالَ...))(3) يجده يحيل إلى آداب رؤية الهلال إذ يُستحب قراءة الدُّعاء، متوجهاً للقبلة، واقفاً أمامه، رافعاً يديه تضرّعاً إلى الله-جلَّ في علاه-قبل الزَّوال عنه. وفحواه أدخله علينا بالخير، واليمن، والبركة، وأكفنا شرّه، وأرزقنا فتحه، ونوره، ويُفهم من هذا الدُّعاء أنّه ليس له خصوصية عند رؤية هلال شهرمعين وإنّما يعمّ هلال أي شهر(4). وهكذا يظهر التطور الدلالي بين المعنى اللغوي الدال على رفع الصوت، أو الكوكب الواقع في السماء والاستعمال السياقي للفظة الذي

يشير إلى تحديد الوقت،وذكر لفظه؛ لأنّه الدليل الشرعي لمواقيت الحج، وفريضة الصِّيام.

أمّا دلالة لفظة(ليلة القَدْر )(في كلامه:((إنَّ لَيْلَةَ القَدْر في كُلِّ سَنَةٍ))(5)،فلعلّه إشارة إلى تكرار حدوثها في كلِّ سنة من الشهر الكريم، وفيها تُعيّن أمور السماوات والأرض،وأمور الأمّة الإسلامية،وفيها قُدّرت ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-

ص: 143


1- ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزّل: 20 / 347 .
2- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 20 / 382 .
3- الكافي: 4/ 76 ،ح 8.
4- ينظر: الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجادية،محمد بن الحسين العاملي: 76 ، ومجمع البحرين ومطلع النيّرين: 3/ 1878 ،
5- الكافي: 1/ 532 - 533 ،ح 11.

عليه السلام-والأئمة من ولده إلى يوم الدين(1)، وما يؤيد ذلك ما روي عن أميرالمؤمنين-عليه السلام-قال: «قال لي رسول الله -صلّی الله عليه وآله- :يا عليّ أتدري ما

معنى ليلة القدْر؟ فقلت: لا يا رسول الله، فقال-صلّی الله عليه وآله-: إنّ الله تبارك وتعالى قدّر فيها ماهو كائن إلى يوم القيامة فكان فيما قدّر عزَّ وجلَّ ولايتك وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة »(2)، ويتمثّل التطور الدلالي بين المعنى اللغوي في أنّه مبلغ الشيء ونهايته، والاستعمال السياقي في أنّه أعظم ليلة عند الله، و ذُكرت( ليلة القَدْر)(؛ لأنّها أفضل الليالي والأيام عند الله تعالى،وفيها أُنزل الذكر الحكيم، لا يعلم منزلتها وكنهها إلّا

-سبحانه-فعبادتها وتسبيحها خير من ألف شهر.

المجموعة الثانية: ألفاظ الصِّيام وملحقاته، وهي:( شهر رمضان، والصِّيام،

والإفطار).

* شَهْرُ رَمَضَانَ: ورد ذكره أربع مرات(3)منها، باب (في النهي عن قول رمضان بلا شهر) إذ قال: «لَا تَقُوْلُوا: رَمَضَانَ ولَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ فَإنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا رَمَضَانُ »(4).

* الصِّيام: ورد استعمال هذا اللفظ خمس مرات(5) في كلامه-عليه السلام-منها في باب (فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام ثلاثة أيّام في كل شهر)، قال: «صِيَامُ شَهْرِ الصَّبْروثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهَبْنَ بِبَلَابِلِ الصُّدُورِ، وصِيَامُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر

ص: 144


1- ينظر: معاني الأخبار: 316 ، وعلل الشرائع، الصدوق: 2/ 381 .
2- معاني الأخبار: 315 .
3- الكافي: 4/ 69 ،ح 1( 3)، و 4/ 88 ،ح 7.
4- المصدر نفسه: 4/ 69 ،ح 1.
5- ينظر: المصدر نفسه 4/ 73 - 74 ،ح 4، و 4/ 91 - 92 ،ح 6 ( 3)، و 4/ 93 ،ح 10 .

صِيَامُ الدَّهْرِ.. »(1).

* الإفطار: ورد ذكره مرة واحدة من ذلك كلامه: «أَكَلْتُم وأَنْتُمْ مُفْطِرُونَ؟ قَالُوا:نَعَم، قَال: يَهودُ أَنْتُمْ؟ قَالوا:لَا، قَال: فَنَصَارَى؟ قالوا:لا، قال: فَعَلَی أيِّ شيءٍ من هذه الأديَانِ مُخالِفينَ لِلسلامِ؟ قالوا: بَلْ مُسْلِمُونَ، قال: فَسَفْرٌ أَنْتُمْ؟ قالوا: لا،قال: فِيكُم عْلَّةٍ اسْتَوْجَبْتُمُ الإفْطَارَ لَا نَشْعُرُ بِها فإنَّكُم أبصَرُ بأَنْفُسِكُمْ... قالوا: فأصْبَحْنَا مَا بِنَا عِلَّةٌ...» (2).

أمّا معاني الألفاظ لغوياً، فشهر رمضان يتركب من لفظين، الأوّل من الجذر

(ش،ه،ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی وُضُوحٍ فِي الْأمْرِ وَإِضَاءَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ،وَهُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِهلَالُ، ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بَاسِمِ الِهلَالِ، فَقِيلَ شَهْرٌ))(3)، ويُقال: شُهِر الرَّجل في المكان إذا سكنه وأقام فيه شهراً (4)، وأشار ابن سيده إلى سبب تسميته إذ قال:(( والشَّهْرُ: الْعدَد الَمعْرُوف من الْأَيَّام، سمي بذلك لِأنَّهُ يُشْهَر بالقمر، وَفِيه عَلامَة ابْتِدَائه وانتهائه، وَالْجمع أشْهُرٌ وشُهُورٌ))(5)، والشهر أحد أشهر السنة (الإثنا عشر) وعدده ثلاثون يوماً في الغالب، مشتق من الشهرة والمشاهرة ، بمعنى الوضوح والظهور، و تداولهالعرب في عصر ما قبل الإسلام، قال الأعشى الكبير: [البحر الوافر]

تَخيَّرهَا أَخُو عَانَاتَ شَهْراً*** وَرَجَّى أَوْلَها عَاماً فَعَامَا(6)

ص: 145


1- المصدر نفسه: 4/ 92 ،ح 6.
2- المصدر نفسه: 4/ 181 - 182 ،ح 7.
3- مقاييس اللغة:(شهر) 3/ 222 .
4- ينظر: مفردات ألفاظ القرآن:(شهر) 468 .
5- المحكم والمحيط الأعظم:(شهر) 4/ 185 .
6- ديوان الأعشى ميمون بن قيس: 197 .

أمّا لفظة (رمضان) فمن الجذر(ر،م،ض) وله ((أَصْلٌ مُطَّرِدٌ يَدُلُّ عَلَی حِدَّةٍ فِي شَيءٍ مِنْ حَرٍّ وَغَيْرهِ))(1)، ويُقال: رَمَض الرَّجل الأغنام إذا رعاها في الحرّ(2). واختُلف في اشتقاقه،قيل: إنّه مشتق من (الرَّمَض) نوع من الأمطار يسقط قبل فصل الخريف لإزالة الأتربة(3)، أو مشتق من (الرَّمضاء) مصدر رَمِضَ يرمض رَمَضاً، إذا اشتدّ وقوع حرارة الشمس على الأرض، ولتحمّلهم شدّة الجوع وعناء الحر(4)، وسُمّي في عصر ما قبل

الإسلام ناتقاً؛ لأنّه كان يزعجهم ويضجرهم(5)، وأنشد المفضَّل:[البحر الطويل][

وفي ناتقٍ أجلتْ، لدى حوْمَةِ الوغى*** وولَّت على الأدبارِ فرسانُ خثْعَما(6)

وقيل: لأنّهم كانوا يرمضو نسلاحهم في رمضان ويتوقفون عن الحرب ثم يقضوا

ذلك في شوال قبل مجيء الأشهر الحرم(7).وقيل: لأنّه يحرق الذنوب كما تحرق النارالحطب،وذلك بالأعمال الصالحة والعبادات والطاعات(8).

ويبدو أنَّ الرَّاجح فيه أنّهم عندما غيّروا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها

ص: 146


1- مقاييس اللغة:(رمض) 2/ 440 .
2- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(رمض) 3/ 1080 .
3- ينظر:العين:(رمض) 7/ 39 .
4- ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : 1/ 381 .
5- ينظر: المصدر نفسه: 1/ 381 .
6- لسان العرب:(نتق) 10 / 352 .
7- ينظر: الجامع لأحكام القرآن والمبيّ لما تضمنه من السنة و آي الفرقان: 3/ 150 .
8- ينظر: المصدر نفسه: 3/ 150 .

بالأزمنة التي وجدت فيها فسموه رمضان قياساً لشدة الحر آنذاك(1)،ولمّا جاء الإسلام صار مصطلحاً إسلامياً. قال تعالى:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾(2).

والصِّياممن الجذر(ص،و،م) وله((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی إِمْسَاكٍ وَرُكُودٍ فِ مَكَانٍ))(3)وهو التوقف عن الطعام والشراب والحركة والكلام والجماع(4)، و ذكر العرب في عصر ما قبل الإسلام هذا المعنى ،إذ قال النابغة الذبياني:[البحر البسيط]

خَيلٌ صِيامٌ وخَيلٌ غَيرُ صَائمَةٍ*** تَحتَ العَجاجِ وأُخرى تَعلُكُ اللُّجُما(5)

ويُقال: صام الرجل يصوم صوماً وصياماً(6)، إذا أمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والأصل فيه صوماً، لكنها أعلّت بقلب الواو ياء لتطرفهاوكسر ما قبلها ، قال تعالى:﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾(7).ويُلحظ ثمة

فارق دلالي بين لفظتي(الصيام والصوم) إذ إنَّ سياق الآية يحيل إلى تشريع، وفرض أحد أركان الدِّين الإسلامي، وهوالصيام الذي يعنيالامتناع عن الأغذية، والأشربة، والجماع، والنميمة، والغيبة، والنظر غير الشرعي، وسائر المفطرات من الفجر إلى المغرب

ص: 147


1- ينظر: جمهرة اللغة(رمض): 2/ 751 ، ومجمع البحرين ومطلع النيّرين: 2/ 733 .
2- سورة البقرة: 185 .
3- مقاييس اللغة:(صوم) 3/ 323 .
4- ينظر:العين:(صوم) 7/ 171 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(صوم) 5/ 1970 ، ولسان العرب:(صوم) 12 / 350 .
5- ديوان النابغة الذبياني: 240 .
6- معجم اللغة العربية المعاصرة:(صوم) 1/ 1337 .
7- سورة البقرة: 183 .

مع اشتراط النِّيَّة(1)، في حين يدلّ الصّوم على الكف عن هذه الأمور من دون اشتراط النِّيَّة (2)، ويُلحظ أنّ لفظة (الصِّيام) من الألفاظ المتداولة في عصر ما قبل الإسلام لكنها خصّصت بعد مجيء الإسلام حتى صارت من الألفاظ الإسلامية.

أمّا لفظة الإفطار فهي من الجذر(ف،ط،ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی فَتْحِ شَيءٍ

وَإِبْرَازِهِ. مِنْ ذَلِكَ الْفِطْرُ مِنَ الصَّوْمِ))(3)، ويُقال: أفطر الصائم يفطر إفطاراً فهو مفطرٌ إذا شرب الماء وأكل الطعام وذلك بعد حلول وقت الإفطار، فهو خلاف الصيام وضدّه (4). ونظراً لذلك هو ترك الصيام بعد غروب الشمس ،أو هو تناول وجبة الفطور في الصباح بعد الإمساك.

والمتأمّل للنص في قوله: «لَا تَقُوْلُوا: رَمَضَانَ ولَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ »(5) يجد أنّ بناء التركيب له أثر كبير في دلالة لفظة (رمضان) وتحوّل المعنى بتغيير عناصر التركيب التي تحيط باللفظ إذ سُبق الفعل الأوّل (المضارع) ب (لا) الناهية الجازمة للكفّ عن القول باللفظ مجرداً، أمّا الفعل الثاني(الأمر) فقد أُضيف إليه لفظة (شهر) للتخصيص والتفضيل، وما يؤيد ذلك قوله تعالى:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾(6). إذ علل ابن عاشور ذلك قائلاً:((فالمعنى أن الجزء المعروف بشهر رمضان من السنة العربية

ص: 148


1- ينظر: الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، أحمد بن فارس: 85 .
2- ينظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري: 325 ، والحدود والأحكام الفقهية، مجدالدين الشاهرودي: 25 .
3- مقاييس اللغة:(فطر) 4/ 510 .
4- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم :(فطر) 9/ 153 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(فطر) 3/ 1721 .
5- الكافي: 4/ 69 ،ح 1.
6- سورة البقرة: 185 .

القمرية هو الذي جعل ظرفاً لأداء فريضة الصيام المكتوبة في الدين فكلما حلّ الوقت المعيّن من السنة المسمّى بشهر رمضان فقد وجب على المسلمين أداء فريضة الصوم فيه.

ولمّا كان ذلك حلوله مكرراً في كل عام كان وجوب الصوم مكرراً في كل سنة...))(1)، فإنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الاختصاص والتقضيل؛ لأنّه أفضل الشهور وغرّتها (شهر الله)،ويتبيّن من ذلك التطور الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على شهر الحرّوالجوع و الاستعمال السياقي الذي يدل على أنّه شهر الله، ومن دواعي استعمال لفظه؛ لأنّه شهر الله وفيه أنزل القرآن هداية للناس وتطهيراً لهم.

وفي ضوء ماسبق يتضح أنّ (رمضان) من الألفاظ التي تطورت دلالتها بعد مجيء

الإسلام إذ صار يدلُّ على شهر إسلامي فرضه الله تعالى.

والمتأمل لكلامه-عليه السلام-: «وصِيَامُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْر ،»(2)، يرى أنّه استعمل لفظة (الصِّيام) ؛ لأنّه أراد أن يبيّن فضله عند الله تعالى، إذ روي عن رسول الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-أنّه قال: «من صام ثلاثة أيّام في الشهر فقيل له: أنت صائمٌ الشهر كلّه؟ فقال:نعم، فقد صدق »(3)؛ لأنّ الله تعالى يقول: ﴿مَنْ جَاءَ باِلَحسَنةَ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالَها﴾(4). ومّما يُلحظ في كلامه-عليه السلام-تكرار لفظة (الصِّيام)؛ لأنّه أراد توجيه المسلمين على سبيل النصح والإرشاد إلى بعض الأعمال المستحبّة (صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر)؛ لما فيها مصلحتهم ونيل مرضاة الله-جلّ في علاه-ويُلمح أنّ وجه المناسبة

ص: 149


1- التحرير والتنوير: 2/ 171 .
2- الكافي: 4/ 92 - 93 ،ح 6.
3- البرهان في تفسير القرآن: 3/ 125 - 126 .
4- سورة الأنعام: 160 .

بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي التفضيل والمساواة؛ لأنّ الصيام من أنواع العبادات المفضّلة،وللمساواة بين الناس من حيث الغنى والفقر وسائر الأحكام والعبادات(1).

وهكذا يظهر أنّ المعنى اللغوي يُراد به: الإمساك والركود تطوّر بالمنظور الإسلامي؛ ليدلّ على العبادة المستحبة.

أمّا قوله: «فِيكُم عِلَّة اسْتَوْجَبْتُمُ الإفْطَار »(2) فالمتأمل للتركيب يجده استفهاماً يتضمّن الإنكار الذي يُراد به التوبيخ عن معنى الإفطار ولم تكن لهم علّة (المرض، أو السفر...) تُذكر في ذلك، مع اشتراط وجوبه عليهم (إنّهم مسلمون))(3)، ويُلمح أنّ الرسول الكريم-صلّی الله عليه وآله وسلّم- قد وجّه الناس في كلامه إلى ضرورة وجوب الصّيام على المسلمين كافة ما لم توجد علّة تُذكر، وذلك مؤشر على سلطته العليا في توجيههم

ونصحهم، وعمد-عليه السلام- إلى استعمال هذا اللفظ ليدلّ على مكانة الإفطار المتعمّد وبشاعته عند الله –سبحانه-؛لأن الدين الإسلامي لا يتمّ إلّا بإتمام أركانه ومنها الصيام.

يُخلص ممّا سبق أنّ الألفاظ (الهلال، وليلة القدر) تنضوي تحت معنى (أوقات الصيام)، إلّا أنّ لكل منهما سمته الخاصة، إذ يتسم الهلال بأنّه مؤشر شرعي لمواقيت العبادات، في حين انمازت ليلة القدر بعظيم قدرها وجلّ شأنها بين الليالي، ويُلمح أنّ الهلال يُطلق على غرّة القمر، أو يطلق على الليلة الأولى، أو الليلة الثانية، أو الليلة الثالثة من الشهر، كما يطلق على أصوات الناس عند رؤيته؛ لذا فهو من ألفاظ المشترك اللفظي، وأمّا لفظة

ص: 150


1- ينظر:مصنفات الشيخ الصدوق(فضائل الأشهر الثلاثة)،أبوجعفرالقمي: 451،424
2- الكافي: 4/ 181 - 182 ،ح 7.
3- ينظر:دراسات لأسلوب القرآن الكريم، محمد عبد الخالق عضيمة: 3/ 98 .

شهررمضان فقد تطورت دلالتها من الشهر الذي يتصف بارتفاع درجات حرارته إلى شهر الله الفضيل، والعلاقة بين لفظة (الصيام) وبقية الألفاظ علاقة اشتمال، والعلاقة بين (شهررمضان، وليلة القدر) جزئية؛ لأنّ ليلة القدر هي جزء من شهر رمضان،والعلاقة بين لفظة (الصيام، والإفطار) علاقة تضاد.

ص: 151

المبحث الرابع: الألفاظ الدَّالة على الحج وما يلحق بها

يضمّ هذا المبحث عدداً من الألفاظ، وهي: (الحجّ الأكبر، والعُمْرَة، والكَعْبَة،

والحَرَم،ومكّة، والمَدِينَة).

* الحَجُّ الأَكبرُ: ورد ذكره ثلاث مرات(1)من ذلك كلامه-عليه السلام- في باب (الحجّ الأكبر، والحجّ الأصغر) قال: «الحَجُّ الأكبَر يَوْم النَّحْرِ »(2).

* العُمْرَة: استعملت مرة واحدة من ذلك كلامه-عليه السلام- في باب (من أحرم دون الوقت) قال: «إنَّ مِنْ تَمامِ الحَجِّ والعُمْرَةِ أنْ يُحرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أهلِهِ »(3).

* الكَعْبَة، والحَرَم: ورد ذكرهما مرة واحدة في كلامه-عليه السلام-في باب

(نادر) من ذلك قوله: «لأَنَّ الكَعْبَةَ بَيْتُهُ والحَرَمَ بَابُهُ فَلَمَّا قَصَدُوهُ وافِدِينَ وَقَفَهُم بِالبَابِ يَتَضَّرعُونُ »(4).

ص: 152


1- ينظر: الكافي: 4/ 290 ،ح 3( 2)، و 4/ 322 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 4/ 290 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 4/ 322 ،ح 5.
4- المصدر نفسه: 4/ 224 ،ح 1.

* مكّة، والمَدِينَة:لاجاء لفظهما مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب (تحريم المدينة) قال: «مَكَّةُ حَرَمُ اللهِ والمَدِينَةُ حَرَم رَسُولِ اللهِ صلّی الله عليه وآله والكُوفَةُ حَرَمِي لاَ يُرِيدُهَا جَبَّارٌ بِحَادِثَةٍ إلَّا قَصَمَهُ اللهُ »(1).

أمّا معنى هذه الألفاظ لغة، فالحجّ الأكبر يعني:((كثرة القَصْد إلى من يُعَظَّم))(2)، وهو من الجذر(ح،ج،ج) و يُقال:حجّ الرَّجل المكان يحجّه حجّاً، إذا قصده وعظّمه(3)،و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام، واستعملوه في الذهاب إلى زيارة الكعبة المشرّفة مرة في كلّ عام؛ للتجارة، وحضور المحافل الأدبية التي تُقام آنذاك، فضلاً عن عبادة الأصنام(4)، ومن ذلك قول زهير:[البحر الطويل]

وَقَفتُ بها من بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً***فَلَياً عَرَفتُ الدَّارَ بَعدَ تَوهُّمِ(5)

والأصل فيه:((القصد للزيارة... خصّ في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة

للنسك))(6)، ولمّا جاء الإسلام صار مفهوماً خاصاً يُراد بهزيارةبيت الله؛ لأداء عبادة مخصوصة. قال تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ يَوْمَ الَحجِّ الْأكْبَر﴾(7).

ودلالة القصد والزيارة للبيت هي المشترك بين لفظي (الحجّ الأكبر، والعمرة) وهي

ص: 153


1- الكافي: 4/ 563 ،ح 1
2- العين:(حج) 3/ 9.
3- ينظر:تهذيب اللغة:(حج) 3/ 387 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(حجج) 1/ 444 .
4- ينظر: الكعبة على مرّ العصور، علي حسني الخربوطلي: 52 .
5- ديوان زهير بن أبي سلمى: 65 .
6- مفردات ألفاظ القرآن(حج): 218 .
7- سورة التوبة: 3.

من الجذر(ع،م،ر) ((ويدلُّ عَلَی شَيءٍ يَعْلُو، مِنْ صَوْتٍ أَوْ غَيْرهِ))(1)، ويُقال:اعتمر المسلمُ يعتمر اعتماراً فهو معتمرٌ، بمعنى ذهب إلى بيت الله قاصداً زيارته، ورافعاً صوته بالتلبية، والجمع العُمَرُ والعُمرات(2). والمتتبع لكلام العرب في عصر ما قبل الإسلام يجد أنّ لفظة(العمرة) وردت في كلامهم بالمعنى الشائع الذي يتجسّد في زيارة البيت الحرام فقط من دون ذكر خصائص هذه الزيارة(3)، ورد في قول رجلٍ من بني زبيد:[البحر الخفيف]

ومُحرم شَعِثِ لم يقضِ عُمْرَته*** يا للرجال بين الحِجْر والحَجَر(4)

ولمّا جاء الإسلام صارت مفهوماً إسلامياً يُرادُ به:((شعيرة غير مقيّدة بزمن، وهي كالحج فيما عدا الوقوف بعرفة))(5).قال تعالى:﴿وَأَتُّموِا الَحجَّ وَالْعُمْرَةَ لَّلهَ فَإِنْ أُحْصْرتُمْ فَمَا اسْتَيْسَر مِنَ الَهْدْيِ﴾(6) وعلى هذا فالعمرة إذن طواف المعتمر وسعيه بين الصفا والمروة،وتجوز في أشهر السنة كلّها؛ رغبة ومودّة منه(7).

ودلالة العلو والارتفاع التي أشار إليها ابن فارس هي المشترك بين لفظي(العمرة، والكعبة) وهي من الجذر(ك،ع،ب) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی نُتُوٍّ وَارْتِفَاعٍ فِي

ص: 154


1- مقاييس اللغة:(عمر) 4/ 140 - 141 .
2- ينظر: الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 99 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(عمر) 2/ 1551 .
3- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم: 232 .
4- الأوائل،أبو هلال العسكري: 58 .
5- معجم ألفاظ القرآن الكريم:(عمر) 791 .
6- سورة البقرة: 196 .
7- ينظر: لسان العرب:(عمر) 4/ 604 .

الشَّيءِ))(1).ويُقال: كعّب الرَّجل بيته إذا عمل على تربيعه وتدويره بشكل مرتفع،والجمع كَعَبات، وكَعْبات(2)، والأصل فيها((كلُّ بيتٍ على هيئته في التربيع. وبها سُميّت الكعبة))(3). واختُلِف في اشتقاقها، فقيل:إنّها ((الكَعْبُ: العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم))(4)، وقيل: إنّها اشتُقّت من العلو والارتفاع(5)، وقيل: إنّها مشتقة من

الكواعب جمع كاعب، أو الكعاب التي يُقصد بها البروز والاستدارة كما يُقال: كعبت الجارية إذا نهد ثدييها(6)، وقيل: ((إنّها كلمة رومية أطلقت على كعبة مكة لتكعيبها، وأنّ

بنّاءً من الروم عمل في بنائها وهندستها فاستعير اسمها من اللغة الرومية))(7).

ويبدو أنّ تربيعها وتدويرها هوالأقرب للصواب؛ لاتصافها بهما في الشكل.

وتداولهاالعرب في عصر ما قبل الإسلام بدلالة التقديس والتمجيد، قال النابغة الذبياني في اعتذارياته:[البحر البسيط]

فَلا لَعَمْرُ الذي مَسَّحتُ كَعْبَتَه*** وما هُريِقَ على الأَنصابِ من جَسَد(8)

ص: 155


1- مقاييس اللغة:(كعب) 5/ 186 .
2- ينظر: العين(كعب) 1/ 207 ، وتهذيب اللغة:(كعب) 1/ 325 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(كعب) 3/ 1941 .
3- مفردات ألفاظ القرآن:(كعب) 712 .
4- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(كعب) 1/ 213 ، وينظر: مجمل اللغة:(كعب) 1/ 787 .
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(كعب) 4/ 179 ، ولسان العرب:(كعب) 1/ 718 .
6- ينظر: لسان العرب:(كعب) 1/ 719 ، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: 4/ 355 ، ومجمع البحرين ومطلع النيّرين: 3/ 1575 .
7- مطلع النور، عبّاس محمود العقّاد: 98 .
8- ديوان النابغة الذبياني: 25 .

ونظراً لذلك فإنّها من الألفاظ الشائعة في عصر ما قبل الإسلام بيد أنّها خصّصت

بعد مجيء الإسلام بالبيت الحرام(1)، قال تعالى:﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الَحرَامَ قِيَامًا

لِلنَّاسِ﴾(2). وأمّا الحَرَم فيراد به كلّ ما يحيط بالبيت الشَّيف، ويُمنع انتهاكه؛ لحرمته(3). وأمّا لفظة مكّة فهي من الجذر(م،ك،ك) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی انْتِقَاءِ الْعَظْمِ))(4). واختُلف في اشتقاقها فقيل: إنهّا مشتقة من المكّ، إذ يُقال: مكّ الرضيع صدر أمه يمكّه مكّا بمعنى أهلكه واستقصاه في الرضاعة، وقيل: لصعوبة استخراج المياه منها وقلتها(5)،وقيل: لأنّها تمكّ من قصدها بالظلم والعدوان(6)،وقيل: لأنّها واقعة بين جبلين مرتفعين وهي في وادٍ منهما تدعى المكوك (7). والمتتبع للفظة في عصر ما قبل الإسلام يجدها تداولت بمعنى التصفير والتصفيق، قال الراجز: [بحر الرجز]

يا مَكّة، الفاجِر مكّي مَكّا*** ولا تمكّي مذحجا وعَكّا(8)

وما يؤيد ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلِّا مُكَاءً

ص: 156


1- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم: 236 .
2- سورة المائدة: 97 .
3- ينظر: العين:(حرم) 3/ 221 .
4- مقاييس اللغة:(مكّ) 5/ 274 .
5- ينظر: العين:(مكّ) 5/ 287 ، وجمهرة اللغة:(مكك) 1/ 166 ، وتهذيب اللغة:(مكّ) 9/ 468 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(مكك) 4/ 1609 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(مكك) 4/ 349 .
6- ينظر: لسان العرب:(مكك) 10 / 491 ، ومجمع البحرين ومطلع النيّرين: 3/ 1711 .
7- ينظر: معجم البلدان: 5/ 182 .
8- لسان العرب:(مكك) 10 / 491 .

وَتَصْدِيَةً﴾(1).

أمّا في الاستعمال الإسلامي فقد ورد ذكرها في التنزيل الحكيم:﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ

أَيْدِيَهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ (2). بمعنى:((البلد الحرام، مقر بيت الله ومقصد الحجيج))(3).

وأمّا المَدينَة فهي اسم على بناء (فَعِيْلَة)، وتعني مدينة الرسول الأعظم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-(4).

والمتتبع لألفاظ الحجّ يجدها وُظّفت بدلالات مختلفة لاختلاف سياقاها،والناظر

لقوله-عليه السلام-: «الحَجُّ الأكبَر يَوْم اُلنَّحْرِ »(5) يجده عمد إلى بيان (الحجّ الأكبر) وتعريفه الذي يُعدُّ الشرط الخامس من واجبات الحجّ،إذ يفترض فيه القربة والإيقاع نهاراً، ترك الذبح ليلاً، وإن كان سهواً، ويُشترط فيه أن يكون الذّبح في منى، ويُستحب أن يكون نهار العيد(6).

ويبدو أن وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي البيان والإفصاح؛((لأنّه اليوم الذي تُرمى فيه الجمرة، وينحر فيه الهدي، وينقضي فيه الحج))(7). ويتضح

ص: 157


1- سورة الأنفال: 35 .
2- سورة الفتح: 24 .
3- معجم ألفاظ القرآن الكريم:(مكك) 1053 .
4- ينظر: العين:(مدن) 8/ 53 .
5- الكافي: 4/ 290 ،ح 3.
6- ينظر: منهج الصالحين: 2/ 214 - 215 .
7- التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور: 10 / 108 .

ممّا سبق التطور الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على القصد والتعظيم و الاستعمال السياقي الذي يعني أنّه اليوم الأعظم عند الله ويجتمع فيه المسلمون؛ لإنهاء مناسك الحج وختامه.

وأمّا قوله: «إنَّ مِنْ تَمامِ الحَجِّ والعُمْرَةِ »(1) فيُلحظ أنّه استعمل لفظة (العمرة) في سياق يدور حول آداب زيارة العمرة ومنها المواقع التي ينبغي للمعتمر الأخذ بها، ومنها إذا كان منزل المعتمر خلف الميقات إلى مكّة يجوز له الإحرام من بيته، كما يجوز له ذلك من المواقع الأُخر المخصّصة لذلك.

وهكذا يُلمح التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على القصد والودّ في

الزيارة، والاستعمال السياقي الذي يدلّ على شروط العمرة مع نيّة القصد.

والناظرلقوله: «لأَنَّ الكَعْبَةَ بَيْتُهُ »(2) يجده استعمل لفظة (الكعبة) إشارة إلى بيت الله الحرام الذي يأمّه الناس من كلّ أصقاع العالم؛ فهو أوّل بيت وُضع لعبادة الله وتنزيهه. ولمّا كانت الكعبة محاطة بالجبال اقتضى الوقوف عليها قصد التوسّل والخشوع والتضرّع(3)،

وعلى هذا فإنّ المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الحُرْمة والتفضيل؛((لأنّ مواضع العبادة لا تتفاضل من جهة العبادة، إذ هي في ذلك سواء، ولكنّها تتفاضل بمايحفّ بذلك من طول أزمان التعبّد فيها، وبنسبتها إلى بانيها...وقد جمعت الكعبة جميع هذه المزايا، فكانت أسبق بيوت العبادة الحقّ، وهي أسبق من بيت المقدس بتسعة قرون))(4).

ص: 158


1- الكافي: 4/ 322 ،ح 5.
2- الكافي: 4/ 224 ،ح 1.
3- ينظر:التحرير والتنوير: 4/ 14 .
4- التحرير والتنوير: 4/ 15 .

ويظهر الفارق الدلالي بين المعنى اللغوي الذي يدلُّ على كلّ بيت مربع الشكل، غير الاستعمال السياقي الذي يدلُّ على بيت الله.

والمتأمل لقوله-عليه السلام-: «مَكَّةُ حَرَمُ اللهِ »(1)يجده استعمل لفظة (مكة) إشارة إلى قدسية المكان ومنزلته عند الله-جلّ في علاه- فهي أعظم البقاع على وجه الأرض. إذ يُحرم الحرب والقتال فيها،ويُحرم إصدار الأحكام والحدود فيها، و يُحرم صيد الحيوانات والطيورفيها، ويُحرم قطف النباتات وقطعها فيها، وما يؤيد ذلك ما ورد عن رسول الله- صلّی الله عليه وآله وسلّم- «أنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض وهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحلّ لأحد قبلي ولاتحلّ لأحد بعدي ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار »(2).

ويبدو أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي التفضيل(3)؛ فهي أحبُّ

أرض إلى الله-جلّ في علاه- وأزكاها على وجه المعمورة،إذ زارها أنبياء الله ورسله جميعاً وأفضل عباده، ولم تخلُ من الملائكة والجن الذين يطوفون حولها ويحرسونها؛لذا فهي من البلاد الآمنة، ويتضح أنّ المعنى اللغوي الذي يعني المكان الجاف، أو المكاء وما شابه ذلك تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلُّ على المكان المحرّم شرعاً.

مماّ سبق يتضح أنّ الألفاظ (الحجّ الأكبر، والعمرة، والكعبة، ومكّة) تترابط فيما بينها بعلاقات دلالية، والأساس فيها(الحجّ الأكبر)؛ فهو ينماز بسمة القصد والتعظيم بشروطٍ مخصوصةٍ، وبوقتٍ معينٍ، أمّا (العمرة) فهي مثل الحجّ لكنَّها غير مقيّدة بزمنٍ محددٍ،

ص: 159


1- الكافي: 4/ 563 ،ح. 1
2- المصدر نفسه: 4/ 226 ،ح 4.
3- ينظر:فضائل مكّة والسكن فيها،الحسن البصري: 20 ، 26 .

والعلاقة بينها وبين (الحجّ الأكبر) تنافر؛ لأن القول: محمّد حاج،يعني أنّه ليس معتمراً، وأمّا العلاقة بين (الكعبة، ومكّة) علاقة جزئية؛لأنّ الكعبة المشرّفة ضاحية من ضواحي مدينة مكّة المكرّمة.

ص: 160

الفصل الثالث: الألفاظ الدالة على المعاملات

اشارة

- المبحث الأول: الألفاظ الدالة على العلاقات الاجتماعية وما يلحق بها

- المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على الأحكام وما يلحق بها

- المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الطعام والشراب وما يلحق بها

- المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الزينة والتجمل وما يلحق بها

ص: 161

ص: 162

الفصل الثالث: الألفاظ الدالة على المعاملات

مدخل:

المعاملات باب من أبواب الفقه الإسلامي الذي شرّعه الله-جلّ في علاه- مثل

العبادات التي يشترط فيها وجوب القصد إلى الله تعالى، إذ تمثّل نظاماً محكماً وشاملاً لحقوق الأفراد، وينظّم أمورهم في التجارة، والزراعة، والصناعة، والسوق وما شابه ذلك.

وهي على نوعين(1)، النوع الأول: العقود ويشترط وقوعها بين طرفين، نحو التجارة التي تقوم بين عرض البائع، وقبول المشتري، وعقد الزواج الذي يتضمن عرض الزوجة، وموافقة الزوج.

النوع الثاني: الإيقاعات ويجوز لها أن تتعلّق بطرف واحد نحو الطلاق أو لا يكون

كذلك، وتتجسّد في الأحكام، مثل المواريث والحدود.

ص: 163


1- ينظر: سبل السلام: 13 - 14 .

المبحث الأوّل: الألفاظ الدالة على العلاقات الاجتماعية وما يلحق بها

المجموعة الأولى: ألفاظ انفصال الرَّجل عن المرأة، وهي:(الطَّلاق، والإيلاء).

*الطَّلاق: ورد ذكره سبع مرات(1)في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(من طلَّق

لغير الكتاب والسُّنَّة) قال: «اذْهَبْ فإنَّ طَلَاقَكَ لَيْسَ بِشَيءٍ »(2).

*الإيلاء: استُعمِلَت مرتين(3)في كلامه-عليه السلام-إحداهما في قوله في باب(الإيلاء) قال: «لَيْسَ فِي الْأصْلَحِ إِيلَاءٌ »(4)

أمَّا معاني هذه الألفاظ لغة، فالطَّلاق من الجذر(ط،ل،ق) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ

مُطَّرِدٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَ التَّخْلِيَةِ وَالْإرْسَالِ))(5).ويٌقال: أُطلِق الأسير إذا فُكّ قيده، وأُطلِقَت النَّاقة إذا أُرخِي عِقَالها، ومنه استعيِر قولهم: طُلِّقت المرأة إذا خُلِعت أو قُطِعت عن زوجها(6)، قال الأعشى الكبير:[البحر الطويل]

ص: 164


1- ينظر: الكافي: 6/ 167 ،ح 2( 2)،و 6/ 60 ،ح 14 ،و 6/ 69 ،ح 9( 4).
2- المصدر نفسه: 6/ 60 ،ح 14 .
3- ینظر:المصدر نفسه: 6/ 132 ،ح 6./ 134، ح4.
4- المصدر نفسه: 6/ 132، ح6.
5- مقاييس اللغة:(طلق) 3/ 420 .
6- ينظر: أساس البلاغة:(طلق) 1/ 611 ، وتاج العروس من جواهر القاموس:(طلق) 26 / 92 - 93 .

يَا جَارَتي بِيني فإنّكِ طَالِقَهْ*** كَذَاكِ أُمُورُ النّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ(1)

فالطَّلاق إذن في الاستعمال اللغوي الإخلاء والإرسال، وبعد مجيء الإسلام خُصّ

معناه بفعل خاص أوجبه الله-جلَّ في علاه- وهو فكّ عقد النّكاح بين الرَّجل والمرأة بالكيفية التي نصّ عليها القرآن الكريم في آياته وسوره، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2). ويشترك اللفظ الأوّل مع اللفظ الثاني(الإيلاء) بدلالة الابتعاد عن مقاربة الزوج للزوجة، وهو من الجذر(أ،ل،ى)، والأصل فيه: الأَلِيَّة أي: الْيَمِينُ مطلقاً سواء أكان في الرّق أم العتق أم الطَّلاق أم نحو ذلك، ويُقَالُ:ألَی فلانُ على كذا يُولِی إِيلَاء والجمع ألايا إذا عهد عليه(3)، ولمّا كان معناه في عصر ما قبل الإسلام يميناً عاماً، فقدخُصّ معناه بعد مجيء الإسلام بالقسم الذييُرمى على الطَّلاق، إذ يُقال: ألى الرَّجل امرأتهإذا حلف عليها بالله تعالى أو بصفاته بالامتناع عن مقاربتها،لوقتٍ معلومٍ قدره أربعة أشهر قال-جلَّ في علاه-: ﴿ للِّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نسِاائهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾(4)فالإيلاء إذن:((اليمين على ترك وطء الزوجة ولا ينعقد بغير اسم الله تعالى))(5).

يُستدَل ممَّا ذُكر أنَّ الطَّلاق هو الانقطاع التَّام أو الحقيقي للرَّجل عن المرأة، وذلك بإنهاء عقد الزواج بينهما بصيغة مخصوصة تتجسّد في إزالة ولايته عنها مع كراهة حدوثه،

ص: 165


1- ديوان الأعشى الكبير: 263 .
2- سورة البقرة: 227 .
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(أَلَی) 1/ 62 .
4- سورة البقرة: 226 .
5- منهج الصالحين: 4/ 107 .

ولا يحقّ لها الزواج من غيره إلّا بإكمال عدّتها، في حين الإيلاء يشير إلى إطلاق يمين الطَّلاق (القسم) بالامتناع عن مقاربتها لأيّام معدودة يُلزم فيها إكمال العدّة مع بقاء العقد، وبذا يكون الإيلاء تابعاً للطَّلاق بسماته الدَّلاليّة.

والمتأمّل لدلالات الألفاظ لكلام الإمام-عليه السلام- في نصوصه الشريفة يجد

اختلاف دلالتها من سياق إلى آخر من ذلك قوله: «اذْهَبْ فإنَّ طَلَاقَكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ»(1)

يُلحظ أنّه استعمل لفظة(الطلاق) في كلامه لبيان آداب الطَّلاق في ضوء كتاب الله تعالى، والسُّنَّة النبوية الكريمة ومنها الإشهاد أي شهادة رجلين مسلمين عادلين بالغين متكاملين لسائر الشروط، فضلاً عن طهور المرأة في ذلك(2)، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لَّلهِ﴾(3). ويُلمح أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال اللغوي الاختصاص والعناية؛ لأنّ خطابه جاء يتضمَّن شرائط صحة وقوع الطَّلاق بالكيفية التي علمناها الله تعالى ورسوله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-؛ لضمان حقوق المسلمين وإرشادهم، وخُصّ لفظه بالذكر؛ لتأكيد أثره في إصلاح ذات البين.

ولفظة الإيلاء وظّفها الإمام-عليه السلام- في قوله: «لَيْسَ فِي الْأصْلَحِ إيِلَاءٌ »(4)؛ لأنّه أراد أن يُبيِّن للمسلمين ويحدِّد لهم حكم وقوع الإيلاء، إذ ليس فيه إصلاح ما دام حدوثه في الأذى والغضب بعيداً عن القناعة والمنفعة بينهما الذي يتجسّد في منعها من

ص: 166


1- الكافي: 6/ 60 ،ح 14 .
2- ينظر:منهج الصالحين: 4/ 79 .
3- سورة الطلاق: 2.
4- الكافي: 6/ 132 ،ح 6.

حقها في المتعةالجنسية(1)، إذلالًا، وتنكياً، ويُلمح أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الاختصاص؛ لأنّه من الأحكام الشّعية التي تُمثّل سبباً لحرمة الزَّوج

عن زوجه.

وفي ضوء ما سبق يُستشف أنّ ما انماز به اللفظان (الطَّلاق، والإيلاء) في كلام الإمام- عليه السلام-هو وجودهما في سياق يقترب من تشريع الأحكام الفقهية وفرائضها،ومنها وجوب الشهادة في الطَّلاق. ويتّضح لمتدبّر النصوص العلوية أثر المرجعية اللغوية من القرآن الكريم مثل قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالَمعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الُمتَّقِينَ﴾(2). أمّا فيما يخصّ الظواهر الدّلاليّة فيتضح ثمة تطور دلالي ظهر في لفظة (الطَّلاق) إذ تطوّرت دلالتها من الإخلاء والإرسال إلى حلِّ عقد النكاح بعد مجيء الإسلام، ولفظة (الإيلاء) التي تخصّصت دلالتها من المعنى العام اليمين المطلق إلى المعنى الخاص الذي يتجلّی في فعل اليمين على وقت محدد، كذلك لا يفوتنا ذكر العلاقات المتحصّلة بين الألفاظ التي مرّ ذكرها، فالعلاقة بين لفظي الطَّلاق والإيلاء علاقة الجزء بالكل؛ لأنّ الثاني جزء من الأوّل.

ص: 167


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(أَلَی) 1/ 62 .
2- سورة البقرة: 241 .

المجموعة الثانية: ألفاظ حقوق الزَّوجة، وهي: (المهر، والصَّداق، والمُتْعة).

* المهر: ذُكِر مرتين(1) في كلامه-عليه السلام-منها قوله في باب(المكاتب) قال: «يَرُدُّ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وتَسْعَى في قِيمَتِهَا، فَإنْ عَجَزَتْ فهي من أُمَّهَاتِ الأولَادِ »(2).

* الصَّداق: ورد لفظه مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(ما يستدل به من المرأة على المحمدة) قال: «تَزَوَّجْهَا عَيْنَاءَ سَمْرَاءَ عَجْزَاءَ مَرْبُوعَة فإنْ كَرِهْتَهَا فَعَليَّ الصَّدَاقُ »(3).

* المُتْعة: استُعملت مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(عدة المختلعة والمبارأة ونفقتهما وسكناهما) قال: «لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلّا المُخْتَلِعَةَ فإنَّها اشتَرت نَفْسَها » (4).

وعند الوقوف على معاني هذه الألفاظ لغة، يُلحظ أنّ لفظة المهر مأخوذة من الجذر (م،ه،ر) وله((أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُما عَلَی أَجْرٍ فِي شَيءٍ خَاصٍّ، وَالْأخَرُ شَيءٌ مِنَ الَحيَوَانِ))(5)، ويُقال: مَهَرَ المرأة يَمهرها مَهْراً إذا قطع لها مبلغاً لقاء زواجها فهي مْمهورة، والجمع المُهُور يسوقه أبوها، أو أخوها، أو المرأة نفسها، والذي يقدّمه الرَّجل للمرأة في عقد النّكاح ويكون عاجلاً أو آجلاً(6)، و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى المعروف عندهم من دون ذكر حدوده، قال ساعِدَةُ بن جُوَيَّة: [البحر الطويل]

ص: 168


1- ينظر: الكافي: 5/ 335 ،ح 2، و 6/ 188 ،ح 16 .
2- المصدر نفسه: 6/ 188 ،ح 16 .
3- المصدر نفسه: 5/ 335 ،ح 8.
4- المصدر نفسه: 6/ 144 ،ح 8.
5- مقاييس اللغة(مهر) 5/ 281 .
6- ينظر: العين: (مهر) 4/ 50 ، والمحكم والمحيط الأعظم: (مهر) 4/ 316 ، والمعجم الوسيط:(مهر) 2/ 889 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(مهر) 3/ 2133 .

إِذا مُهِرَتْ صُلْباً قَلِيلا عِراقُةُ*** تقولُ ألاَ أَرضيْتَني فتَقَرَّبِ(1)

ويُستَدل ممّا ذُكر أنّ المهر في عصر ما قبل الإسلام كان مصطلحاً عاماً يقدّره أبو

المرأة، أو أخوها، أو المرأة نفسها، ولكن بعد نزول القرآن الكريم تغيّر معناه بحقّها

الشرعي مقابل الزواج قال-جلّ في علاه-:﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ (2) ؛ لذا فهو فريضة واجبة في الدين الإسلامي.

ودلالة وجوب الإنفاق على المرأة هي المشترك مع لفظة الصَّداق من الجذر(ص،د،ق) وله ((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی قُوَّةٍ فِ الشَّيءِ قَوْلاً وَغَيْرهُ))(3)، ويُقال: أصدق المرأة إذا ساق لها الصَّدَاق(المهر)(4)، وقيل: إنَّما سُمِّيَ بِه؛ لأنّه مأخوذ من القوَّة التي يُلزم بها الرَّجل؛ لإعطائها حقّها الشّعي، والجمع أصدِقة، وصُدُق(5)، قال تعالى:﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهنَّ نِحْلَةً﴾(6).يظهر مّما سبق أنّ المهر اسم جامع لما يُعطى في الزواج وغيره، في حين أن الصَّداق هو ما يلزم دفعه للمرأة لقاء نكاحه إياها(7).

ولفظة المتعة من الجذر(م،ت،ع) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی مَنْفَعَةٍ وَامْتِدَادِ مُدَّةٍ فِي

ص: 169


1- ديوان الهذليين: 1/ 221 .
2- سورة النساء: 24 .
3- مقاييس اللغة:(صدق) 3/ 339 .
4- ينظر: الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 14 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(صدق) 2/ 1282 .
5- ينظر: مقاييس اللغة:(صدق) 3/ 339 ، والمعجم الوسيط:(صدق) 1/ 511 .
6- سورة النساء: 4.
7- ينظر: الفروق اللغوية: 310 .

خَيْرٍ))(1)، ويُقال: مَتَعَ الرَّجل يمتع مُتُوعاً ومَتَاعاً أي ما ينتفع به من نعم الدّنيا(العيش، والطعام، والملبس)(2)، و تكلّم بها العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى المشهور الذي

يعني متعة الزاد والطعام، قال الأعشى الكبير: [البحر البسيط]

حَتَّى إذا ذرّ قرنُ الشَّمسِ صَبَّحتَها*** ذُؤالُ نَبْهَانَ يَبغِي صحبَهُ المُتَعَا(3)

ولمّا جاء الإسلام تعددت أنواع المتعة ومنها متعة الحج، ومتعة الزواج، ومتعة المطلَّقة إذ يُقال: مُتِّع المُطلَّقة بمعنى أعطى الزَّوج لزوجته ما تستحقه شرعاً من حقوقها بعد الطَّلاق التي تتجلّی في المال، والمأكل، ونحو ذلك(4)، قال تعالى:﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالَمعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الُمتَّقِينَ﴾(5). فالمفهوم القرآني يحيل إلى أي شيء تستمتع به المرأة، وتتزود منه. فالمُتْعة إذن حقوق المرأة التي تتلذذُ بها من الرَّجل لطلاقه إيّاها.

والمتأمل لاستعمال هذه الألفاظ في كلام الإمام-عليه السلام- يُلحظ أنّه وظّف

لفظة(المهر) في قوله: «يَرُدُّ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وتَسْعَى في قِيمَتِهَا »(6)؛ لأنّه أراد أن يُبيِّن للمسلمين ويحدِّد لهم حكم الجارية (المكاتِبَة) التي يطؤها مولاها فإذا حملت منه وجب عليه أن يقطع لها مهراً مساوياً لمثيلاتها أو قريباتها من النساء، فإن لم يستطع جعلها من أُمّهات أبنائه، ووجه الفائدة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي تحصينها وفكّ

ص: 170


1- مقاييس اللغة:(متع) 5/ 293 .
2- ينظر:العين:(متع) 2/ 83 .
3- ديوان الأعشى الكبير: 105 .
4- ينظر:تاج العروس من جواهر القاموس:(متع) 22 / 184 ، والمعجم الوسيط:(متع) 2/ 853 .
5- سورة البقرة: 241 .
6- الكافي: 6/ 188 ،ح 16 .

رقبتها من العتق، وضمان حقوقها، وإنقاذها من الظّلم والاستعباد الذي حلَّ بها. ولفظة الصَّداق وظّفها في قوله:((فَعَليَّ الصَّدَاقُ))(1)؛ لأنّ خطابه هذا ورد لإظهار الخصائص الجسمية والعقلية للمرأة الصالحة التي يُراد تزويجها إذ يستوجب سلامة جسدها من العاهات والعيوب(2)، ما يدلّ على أنّ المناسبة بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي تتجلّی في التّكريم الإلهي الذي خصّها به الله-جلّ في علاه-؛ لأنّه حقٌّ من حقوقها.

والناظر لقوله: «لكِلِّ مُطلَّقَةٍ مُتعْةٌ »(3) يرى أنّه استعمل لفظة(المتعة) في معرض كلامه عن حقوق المرأة بعد الطَّلاق، فهي فرض لازم على المطلِّق يجب دفعه للمطلَّقة التي سيق لها الصَّداق أو لم يُسَق، سواء أدخل بها أم لم يدخل(4)، ومّما ذُكِر يُلمح أنّ المعنى اللغوي مقارب للاستعمال السِّياقي الذي يتجلّی في ضمان حقوق المرأة.

يُستنتج من دراسة الألفاظ التي تحيل إلى حقوق الزّوجة (الحرّة، والمملوكة) أنّ

الإمام-عليه السلام- قد بيَّن الأحكام الشرعية لها، من ذلك حكم المُكَاتِبَة التي تحمل من مالكها فحكمه أن يسوق لها مهراً مساوياً لمثيلاتها.

ويتبيّن أنّ الألفاظ كانت متداولة في الاستعمال العربي بالمعنى المعجمي الذي يشير للفائدة المبتغاة من الأشياء جميعها، أمّا الظواهر اللغوية التي طرأت على تلك الألفاظ في

ص: 171


1- المصدر نفسه: 5/ 335 ،ح 8.
2- ينظر: مواصفات الزوجة الصالحة في منهج أهل البيت-عليهم السلام-(مقال منشور): .https: forums.alkafeei.net-
3- الكافي: 6/ 144 ،ح 8.
4- ينظر:حكم المتعة للمطلقات (بحث منشور) في موقعه http://majles.alukah.net/t

الإسلام فتتجسّد في التخصص الدَّلالي للفظة(المهر) إذ انتقلت دلالتها من الأجر لقاء شيء معين إلى الأجر الذي يسوقه مالك المرأة، أو أخوها، لقاء زواجها من الرَّجل، ثمّ تخصص فيما بعد بالأجر الذي تحدده المرأة نفسها أو وليها ضماناً لها.

وثمّة تطور دلالي في لفظة (المتعة) إذ انتقلت دلالتها من الانتفاع في شيء ما سواء أكان في العيش أم الطعام أم الملبس إلى متعة المطلَّقة في الإسلام وغيرها،ويظهر من ذلك أنّ علاقة التقارب هي الرابطة بين ألفاظ الصَّداق، والمَهر، والمُتعة.

المجموعة الثالثة: ألفاظ أصناف النساء وصفاتهن، وهي:(نِسَاء بني إسرائيل،

والسَّمراء، والعَجْزاء، والعَيْناء، والمَرْبوعة، والهيِّنة اللَّيِّنة، والمُؤاتِية).

* نساء بني إسرائيل: ورد لفظه ثلاث عشرة مرة(1) في كلامه-عليه السلام-منها قوله في باب (النَّهي عن خلال تكره لهن) قال: «إنمَا هَلكتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرائيل من قبل القصص ونَقش الخضاب »(2).

* السَّمراء، والعَجْزَاء، والعَيْنَاء، والمَرْبُوعَة: وردت هذه الألفاظ مرتين(3)في كلامه- عليه السلام-أولاهما في قوله في باب(ما يستدل به من المرأة على المحمدة) قال: «تَزَوَّجُوا

ص: 172


1- ينظر: الكافي: 5/ 337 ،ح 5،و 5/ 337 ،ح 6،و 5/ 338 ،ح 1،و 5/ 446 ،ح 14 ،و 5/ 516 ،ح 2،و 517/5 ،ح 5، 5/ 518 ،ح 9،و 5/ 520 ،ح 1،و 5/ 535 ،ح 1، و 5/ 537 ،ح 6( 2)،و 5/ 549 ،ح 3، و 6/ 167 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 5/ 520 ،ح 1.
3- ينظر: المصدر نفسه: 5/ 335 ،ح 2،و 5/ 335 ،ح 8.

عَيْنَاءَ سَمْرَاءَ عَجْزَاءَ مَرْبُوعَة فإنْ كَرِهْتَهَا فَعَليَّ مَهْرُهَا »(1).

* الهيِّنَة اللَّيِّنَة، والمُؤاتِية: استُعمِلَت هذه الألفاظ مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(خير النِّساء) قال: «خَيْر نِسَائكُمُ الخَمْسُ،...الَهيِّنَةُ اللَّيِّنَةُ، المُؤاتِيَةُ الَّتِي إذا غَضِبَ زَوْجُهَا لَم تَكْتحَلْ بغِمْضٍ حَتىَّ يَرْضَی وإذا غَابَ عَنهْا زَوْجُهَا حَفِظتَهُ في غَيبْتَهِ فتلِكَ عَامِلٌ من عُمَّال اللهِ وعَامِلُ اللهِ لَا يَخيبُ »(2).

والمعنى اللغوي لهذه الألفاظ يتضّح بالآتي:

لفظة الِّنساء مأخوذة من الجذر(ن،س،و) والأصل فيه اسم جنس جمعي لا مفرد

لها من لفظها؛ لذا فهي جمع للفظة امرأة؛ لأنّها ليس لها مفردة تُجمع(3)، وإذا نُسب إليها يُقال: نِسْوِيٌّ، وقيل: تجمع على نِسْوة في القلة، والنُّسوان والنِّسُون، وتصغيرها: نُسَيَّةٌ، و

نُسَيَّاتٌ، وهو تصغير الجمع(4). والسَّمراء وردت في اللغة: إنّها المرأة ذات لون سُمرةٍ أي مائل بين السَّواد والبياض(5)، من الجذر (س،م،ر) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی خِلَفِ الْبَيَاضِ فِي اللَّوْنِ))(6). و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام فسمّوا حديث الليل في الظَّلمة سمراً حملاً على ظلِّ القمر(7)، قال عمرو بن أحمر: [البحر الكامل]

ص: 173


1- المصدر نفسه: 5/ 335 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 5/ 325 ،ح 5.
3- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(نسو) 40 / 69 .
4- ينظر: العين:(نسو) 7/ 303 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(نسا) 6/ 2508 .
5- ينظر: لسان العرب:(سمر) 4/ 376 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(سمر) 2/ 1106.
6- مقاييس اللغة:(سمر) 3/ 100 .
7- ينظر: تهذيب اللغة:(سمر) 12 / 420 .

مِنْ دُونِهم إنْ جِئْتَهُمْ سمَراً*** عَزْفُ القِيانِ ومَجلِسٌ غَمْرُ(1)

ويُقال: رجل سامر إذا سمر في الليل، وترك عبادة الله-جلَّ في علاه- قال تعالى:﴿مُسْتَكْبِرينَ بِهِ سَامِرًا تَهجُرُونَ﴾(2).

في حين اشتقت لفظة العجزاء من الجذر(ع،ج،ز) ولها أصل ((يَدُلُّ...عَلَی

مُؤَخَّرِ الشَّيء))(3) وهي المرأة الممتلئة المؤخرة، وقيل: هي ما كَبُرت بطنها وعَظُمت مأكمتها(4)، والعيناء يُراد بها ذات العين الواسعة وتتصف بكبر سوادها مع عظيم واتساع بياضها(5)، من الجذر (ع،ي،ن) ولها ((أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی عُضْوٍ بِهِ

يُبْصَر وَيُنْظَرُ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ))(6)،ويُقال: امرأة عيناء وهي التي اتسعت عينها وحسنت.

قال تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾(7)، وتُطلَق المربوعة على المرأة وسيطة القامة(8)، ويُقال: امرأة وسيطة إذا توسّطت في الطول والقصر، وتكلّم بها العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الرّمح المربوع أي الذي ليس بطويل ولا قصير، قال لبيد:[البحر الرمل]

ص: 174


1- شعرعمرو بن أحمر الباهلي، تحقيق د. حسين عطوان : 92 .
2- سورة المؤمنون: 67 .
3- مقاييس اللغة:(عجز) 4/ 232 .
4- ينظر:المصدر نفسه:(عجز) 4/ 233 ،و لسان العرب:(عجز) 5/ 371 .
5- ينظر:العين(عين) 2/ 255 .
6- مقاييس اللغة:(عين) 4/ 199 .
7- سورة الدخان: 54 .
8- ينظر:أساس البلاغة:(ربع) 1/ 331 ، والمعجم الوسيط:(ربع) 1/ 325 .

رَابِطُ الْجأْشِ عَلَی فَرْجِهِمُ*** أَعْطِفُ الَجوْنَ بِمَرْبُوعٍ مِتَلِّ(1)

ويبدو أن هذه الصفات التي مرّ ذكرها، هي السِّمات الجسدية للمرأة المرغوبة في الزَّواج.ولفظة الهَيِّنَة الليِّنة مشتقة من الجذر(ه،و،ن) وله ((أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَی سُكُونٍ أَوْ سَكِينَةٍ أَوْ ذُلٍّ))(2). ويُقال: مشى فلان على هونه بمعنى كان وقوراً، وساكناً، وسهلًا في مشيه، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:[البحر الطويل]

إذا ما الضَّجيجُ ابتزَّها مِنْ ثيابها*** تميلُ عَلَيْهِ هَوْنةً غير مِجبالِ(3)

فالهَوْن إذن مصدر الفعل هان عليه الأمر يهونُ هَوْناً فهو هَيِّن بزنة فَيْعِل، بمعنى

سَهُل ويَسُ أمره إذا هوَّنه الله تعالى عليه(4)، يؤكد ذلك قوله تعالى:﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَّي هَيِّنٌ﴾(5) والمؤاتية من الجذر(ء،ت،ى) ويُراد به: المطاوعة والموافقة(6)، ويُقال: آتيتُ الرَّجل على أمره بمعنى وافقته وطاوعته فيه(7)، قال لبيد:[البحر الكامل]

بَصَبُوحٍ صَافِيَةٍ وَجَذْبِ*** كَرِينَةٍ بِمُؤَتَّرٍ تَأْتَا له إِبْهامُها(8)

ص: 175


1- ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 128 .
2- مقاييس اللغة:(هون) 6/ 21 .
3- ديوان امرئ القيس: 31 .
4- ينظر:العين:(هون) 4/ 92 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(هون) 6/ 2218 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(هون) 3/ 2376 .
5- سورة مريم: 9.
6- ينظر: مقاييس اللغة:(أتي) 1/ 51 .
7- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(أتى) 37 / 40 .
8- ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 229 .

وهو اسم فاعل على بناء(مؤاتٍ) ومؤنثه مؤاتية بتسهيل الهمزة و تثقيلها مأخوذ من الفعل (آتى)(1) الذي يدلُّ على المرأة الملائمة والمنسجمة مع زوجها. قال تعالى: ﴿إنِ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا﴾(2).

والمتأمل للفظة(نساء بني إسرائيل) يلحظ أنّه استعملها في سياق النَّهي إشارة إلى كراهة هذه الصفات السيئة التي تتصف بها هذه النِّسوة ومنها نقوش الحنَّاء والتبرّج والزينة لغير زوجها؛ لما تخلّفه من ضرر بين المسلمين ما يؤدي إلى غواية الرِّجال ووقوع الفتنة بين أبناء المجتمع الإسلامي، ووجه المصلحة في ذلك نصح المسلمين وتوجيههم لما فيه خير.

وفيما يخص ألفاظ النساء الدالة على المحمدة فيُلحظ أنّها ذُكرت في سياق الأمر؛ لأنّه أراد بيان دلائل المرأة المحبَّبة والمهذَّبة في الزَّواج الإسلامي، واصفاً ملامحها وصفاً دقيقاً.

ويُستَدل من ذلك أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي

الاختصاص والتفضيل؛ لاحتواء خطابه على نصائح مهمة، وهي كيفية اختيار الزوجة الصَّالحة، والامتثال لهذه النّصائح يتم الزّواج المثالي.

والناظر للفظة (الهيِّنة الليِّنة)يرى أنّه استعملها إشارة إلى صفات الزوجة المثالية التي أوصى بها الإسلام، ومنها المتسامحة الوقورة الفطنة اليسيرة في معاملة زوجها، والعفيفة في حيائها، لما تتسم به من الرِّفق والعطف واللِّين في جذب زوجها، وخصّها بالذكر؛ لأنّها

ص: 176


1- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(أتي) 1/ 59 .
2- سورة مريم: 93 .

من الصفات المشبّهة التي تدلّ على الثبوت والاستقرار(1)ويظهر مّما سبق وضوح التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي للفظة الذي يعني الهدوء والرزانة.

ولفظة (المؤاتية)؛ استُعملت لوصف المرأة المطيعة لزوجها فيما يحبّ ويكره، فضلاً عن حسن معاملتها، وكثرة إتيانها لزوجها، واستجابتها لرغباته، وخصّها بالذكر؛ لأنّه يدلّ على ذكائها وحكمتها ومهارتها في طاعة زوجها والتجاوب معه، ويظهر من ذلك التقارب الدلالي بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الذي يدلّ على الموافقة.

وفي ضوء ما سبق يُلمح أنّه الإمام-عليه السلام- ذكر نساء بني إسرائيل إشارة إلى أصنافهنّ التي يُكره النِّكاح منها، وكانت أغلب الألفاظ التي وردت في كلامه-عليه السلام- مستعمَلة بدلالتها اللغوية؛ ما يدلُّ على احتفاظها بدلالتها الاستعمالية، ولا تشتمل هذه الألفاظ على بعضها، فالعلاقة بينها علاقة التَّنافر.

ص: 177


1- ينظر: معاني الأبنية في العربية: 65 .

المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على الأحكام وما يلحق بها

المجموعة الأولى:ألفاظ الحدود ، وهي:(الدِّيَّة، والحَدّ، والحكم، والقَضَاء،والضَّمان).

* الدِّيَّة: جاء لفظها تسع عشرة مرة(1) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(النَّوادر) قال: «إذا بَلَغَ الغُلَامُ خَمسَةَ أشبَارٍ اقْتُصَّ مِنهُ وإنْ لَم يَكُنْ بَلَغَ خَمسَةَ أشبَارٍ قُضِي بالدِّيَّةِ »(2).

* الحدّ: استُعمل لفظه تسع مرات(3) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(شهادة القاذف والمحدود) قال: «لَيْسَ يُصيِبُ أحَدٌ حَدّاً فيُقَامُ عَلَيِه ثُمَّ يَتُوبُ إلَّا جَازَتْ شَهَادتُهُ » (4).

* الأحكام: ورد لفظها مرتين(5) في كلامه-عليه السلام- إحداهما في قوله: «ولا مُضيِّعٍ لأحْكَامِكَ بَلْ مُطِيعٌ لَكَ ومُتَّبِعٌ سُنَّةَ نَبِيِّكَ »(6).

ص: 178


1- ينظر: الكافي: 7/ 11،ح 7، و 7/ 281 ،ح 3، و 7/ 302 ،ح 1، و 7/ 307 ،ح 1( 2)، و 7/ 313 ،ح 13 ( 2)، و 7/ 314 ،ح 17 ، و 7/ 323 ،ح 7، و 7/ 342 - 343 ،ح 1( 6)، و 7/ 354 ،ح 1( 4).
2- المصدر نفسه: 7/ 302 ،ح 1.
3- ينظر: المصدر نفسه: 7/ 187 ،ح 1( 8)، و 7/ 397 ،ح 4.
4- المصدر نفسه: 7/ 397 ،ح 4.
5- ينظر: المصدر نفسه: 7/ 187 ،ح 1، و 7/ 432 ،ح 20 .
6- المصدر نفسه: 7/ 187 ،ح 1.

*القضاء: استُعمل مرتين(1) في كلامه-عليه السلام- إحداهما في باب (أدب الحكم) قال: «مَنِ ابْتُلَي بِالقَضَاءِ فَلْيُوَاسِ بَيْنَهُم في الإشَارَةِ، وفي النَّظَرِ، وفي المَجْلِسِ »(2).

*الضَّمَان: جاء مرة واحدة في كلامه-عليه السلام-في باب (الإباق)، قال: «إنّ أميرَ المُؤمِنِينَ اخْتُصِمَ إلَيهِ في رَجُلٍ أخَذَ عَبْدَاً آبِقَاً وكَانَ مَعَهُ ثُمَّ هَرَبَ مِنهُ، قال: يَخلِفُ باللهِ الَّذي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا سَلَبَهُ ثِيَابَهُ ولَا شَيْئاً مِّما كَانَ عَليهِ ولا بَاعهُ ولا دَاهَنَ في إرسَالِهِ فإذا حَلَفَ بَرَأ مِنَ الضَّمَان »(3).

ودلالة هذه الألفاظ لغوياً بإرجاعها إلى جذورها يُلحظ أنّ لفظة الدِّيَّة مأخوذة من

الجذر(و،د،ي) ويُقال: وَدَيْتُ المقتولَ أَدِيهِ دِيَةً إذا دفعت لوليه الدِّيَّة، والجمع ديَّات

مصدر الفعل ودى، وأصله الودية ثم حُذفت الواو، وعُوّض عنها بالتاء، وهي المال

الذي يُعطى لأهل القتيل بالخطأ أو بالعمد عوضاً عن دمّه(4).

ولمّا جاء الإسلام أثبت بعض الأحكام وعدَّلها بعدما كانت عامة ومنها الدِّيَّة(5)، قال

تبارك وتعالى:﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَی أَهْلِهِ﴾(6).

ص: 179


1- ينظر:المصدر نفسه: 7/ 24 ، ح 1، و 7/ 413 ،ح 3.
2- المصدر نفسه: 7/ 413 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 6/ 201 ،ح 8.
4- ينظر: جمهرة اللغة:(ودي) 1/ 233 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(ودى) 6/ 2521 ، ولسان العرب:(ودي) 15 / 383 .
5- ينظر:فجر الإسلام، أحمد أمين: 227 ، والمعجم الوسيط:(ودى) 2/ 1022 .
6- سورة النساء: 92 .

ومن الألفاظ الأُخرى الحدّ من الجذر(ح،د،د) وأصله المنع(1)، ويُقال: حُدِد فلان من الأمر إذا نُهي عن حرية التصرف فيه، ويُقال: لأمين السجن والباب حدّاداً؛لمنعهما الخروج والمعاودة(2)، و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام، أنشد النابغة الذبياني:[البحر البسيط]

إِلَّا سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ الَملِيكُ لَهُ*** قُمْ فِي الْبَريَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ(3)

فالحدّ بهذا المعنى(الفصل والتمييز بين الأمرين)، أمّا بعد مجيء الإسلام فقد توسّع معناه على قسمين(4)، الأوّل: الحدّ في النَّهي عن الطَّعام، والشَّراب، والنّكاح، والثاني:الحدّ في العقوبات التي وُضعت لمن لم يكفّ عمّا مُنع عنه، نحو السَّرقة، والزِّنا، والقذف.

وعُرَّف في الشرع بأنّه:((عقوبة مقدّرة في الشرع لأجل حقّ الله تعالى))(5)، قال تعالى:﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللِّه فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾(6) فالحدود إذن الأحكام التي فُرضت في الإسلام.

ودلالة المنع والتمييز هي المشترك بين لفظي الحدّ، والحكم، ورد في اللغة: إنّه

القضاء(7)، وهو مشتق من الجذر(ح،ك،م) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الَمنْعُ. وَأَوَّلُ ذَلِكَ

ص: 180


1- ينظر:جمهرة اللغة:(حدد) 1/ 95 ، ومقاييس اللغة:(حدّ) 2/ 3، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(حدد) 1/ 352 .
2- ينظر:مقاييس اللغة:(حدّ) 2/ 3
3- ديوان النابغة الذبياني: 20 .
4- ينظر:تهذيب اللغة:(حدّ) 419 - 420 .
5- ينظر: الحدود والتعزيرات عند ابن القيّم دراسة موازنة، بكر بن عبد الله أبي زيد: 23 .
6- سورة البقرة: 187 .
7- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(حكم) 5/ 1901 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(حكم) 3/ 49 ، ولسان العرب:(حكم) 12 / 141 ، تاج العروس من جواهر القاموس:(حكم)31 / 510

الُحُكْمُ، وَهُوَ الَمنْعُ مِنَ الظُّلْمِ))(1)، ويُقال: حَكَمَ على فلان يحكم حُكمًا والجمع أحكاماً إذا قضى عليه وله(2)،وقيل إنّما سمّي بذلك؛ لأنّه مشتق من ردّ الظلم والأذى عن الناس ومنعه، ويُقال: أحكمت الدَّابة إذا منعتها، وأحكمت السَّفيه إذا منعته عن الجهل والفساد(3)، والحكم هو العلم، واليقين، والتفقّه، والقضاء، بالعدل، والإحسان أمام

الله تعالى(4) قال تعالى:﴿وَآَتَيْنَاهُ الُحكْمَ صَبِيًّا﴾(5). وترتبط لفظة الحكم بالقضاء بدلالة الفصل بين الخصمين، وهو من الجذر(ق،ض،ي) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَ إِحْكَامِ أَمْرٍ وَاتْقَانِهِ وَإِنْفَاذِهِ لِجهَتِهِ))(6)، ويُقال: قضى القاضي يقضي قضاء إذا حكم وفصل بين الخصمين(7)، وأصله قَضاي بالياء ولمّا سُبِقت بالألف قُلِبت همزة؛ لتطرفها وسكون ما قبلها(8) وله معان عدّة منها: إتمام الأمر، وتنفيذ العمل، والفتح المبين، والإعلام والتوصية(9)،

ص: 181


1- مقاييس اللغة:(حكم) 2/ 91 .
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم:(حكم) 3/ 49 .
3- ينظر: مقاييس اللغة:(حكم) 2/ 91 .
4- ينظر:النهاية في غريب الحديث والأثر:(حكم) 1/ 419 .
5- سورة مريم: 12 .
6- مقاييس اللغة:(قضي) 5/ 99 .
7- ينظر:العين:(قضي) 5/ 185 ، لسان العرب:(قضى) 15 / 186 .
8- ينظر:سر صناعة الإعراب: 1/ 92 .
9- ينظر:الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 486 .

وقيل: إنّما سُمّي به؛ لأنّه مأخوذ من الحكم والفصل بين الناس(1)، قال تعالى: ﴿فَاقْضِ مَا أنَتَ قَاضٍ﴾(2). ومن الاستعمالات الُأخرى لفظة الضَّمان، وهي من الجذر(ض،م،ن) وتعني الوكالة والحفظ(3)، ويُقال: ضمن الرَّجل أخيه فهو ضامن له بمعنى كفله وصار وكيلاً عنه في أموره(4)، والأصل فيه إدماج شيء في شيء آخر يشتمل عليه ويضمّنه فهو داخل في ذمته(5) فالضَّمَان(الضَّامن) هو الكفيل أو الوكيل الذي يلتزم في تأدية ما قصر عن أدائه الطرف الآخر.

وأمّا استعمال هذه الألفاظ في كلامه-عليه السلام- فيُلحظ تنوّع دلالتها، ومنها

لفظة (الدِّيَّة) في قوله: «قُضِي بالدِّيَّةِ »(6) يُلحظ أنّه وظّفها في معرض كلامه عن حكم الصبي الصغير الذي لم يبلغ طوله خمسة أشبار إذا قتل شخصاً وجب عليه إعطاء الدِّيَّة كفارة عنه، ويظهر أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي التعويض أو الضمان الاجتماعي؛ رغبة في إصلاح المسلمين وتخليصهم من الحقد والكراهية، وزرع بذور المحبّة بينهم، وإطفاء نار الفتنة، وخصّها بالذكر؛ للمحافظة على أرواح المسلمين،وخشية الاستهانة بالأنفس التي حرّمها الله-جلَّ في علاه-.

ص: 182


1- ينظر: مقاييس اللغة:(قضي) 5/ 99 .
2- سورة طه: 72 .
3- ينظر: المعجم الوسيط:(ضمن) 1/ 544 .
4- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(ضمن) 2/ 1370
5- ينظر:مقاييس اللغة:(ضمن) 3/ 372 .
6- الكافي: 7/ 302 ،ح 1.

والناظر لقوله: « لَيْسَ يُصيِبُ أحَدٌ حَدّاً »(1) يرى أنّه استعمل لفظة (الحدّ) إشارة للعقوبة الجسدية التي تقع على الشخص على أثر اقتراف جرم معين، وتتجسّد هذه العقوبة في الشريعة بالجلد والرَّجم، ويتضح أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الحد في الأمور؛ لأنّه يمثّل عنصراً شرعياً في المحافظة على الأمن للمسلمين في أنفسهم ودينهم وكرامتهم، فضلاً عن تطهيرهم وزجرهم عن الآثام.

والمتأمل للفظة (الأحكام) في قوله: «ولا مُضيِّعٍ لأحْكَامِكَ »(2)، يلحظ أنّه ورد إشارة إلى إقراره وتصديقه وتسليمه لأوامره سبحانه وحدوده ونواهيه التي وردت في كلامه تبارك وتعالى والسُّنَّة الشريفة، ويظهر من ذلك أنّ المعنى اللغوي الذي يدلّ على المنع تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلّ على الإقرار لأوامر الله تعالى، وسنة نبيه-صلّی الله عليه وآله وسلّم-. والمتأمل للفظة (القضاء) في قوله: «مَنِ ابْتُلَي بِالقَضَاءِ »(3) يجدها

تحيل إلى بيان آداب القضاء الذي يتجسّد في الضمير، أو الأب، أو المجتمع... وتتجلّی في مساواته وعدالته بين الطرفين المتخاصمين،بدءاً من السلام، و المشاهدة، والمحادثة معهما، والإنصات لهما، بعيد عن ميل وتقلبات العاطفة لمن يحبّ(4)، ويُستدل مّما ذُكر أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي الإنصاف والمساواة؛ لمّا يمثله القضاء من أثر كبير في إقامة العدل بين الناس وإرجاع الحقوق لأصحابها، وفضّ النزاع،وإنقاذهم من الظلم والجور.

ص: 183


1- المصدر نفسه: 7/ 397 ،ح 4.
2- الكافي: 7/ 187 ،ح 1.
3- المصدر نفسه: 7/ 413 ،ح 3.
4- ينظر: شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي: 4/ 326 ، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 24 / 277 .

والناظر لقوله: « فإذا حَلَفَ بَرَأ مِنَ الضَّمَانِ »(1) يُلحظ أنّ-عليه السلام- استعمل لفظة (الضَّمان) في جملة شرطية (فإذا حلف برأ من الضَّمان) تتصدّرها أداة الشرط (إذا) التي تشتمل على الفعلين الماضيين:(حلف، وبرأ) وبذلك فإن وقوع فعل الوكالة والحفظ (الضَّمان) على الرَّجل متعلِّق بحدوث الفعلين لا بالضَّمان عينه، وأسلوب الشرط عمد إليه الإمام-عليه السلام-باستعمال أداة الشرط (إذ)؛ تأكيداً للدلالة على القطع واليقين في حدوث الأفعال ولأنّه يمثّل تعليل عام لدلالة الأفعال الماضية على المستقبل(2)، ويتّضح أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي البراءة، وتخلية سبيله

لقاء الادّعاء الموجّه إليه من المالك؛ لذا جعل الإمام-عليه السلام-منه حكماً شرعياً.

وفي استقراء الظواهر اللغوية لهذه الألفاظ، يُلمح التقارب الدلالي بين لفظي (الحكم، والقضاء)؛ لدلالتهما على الفصل والقطع بين الأمرين، بيد أنّ القضاء أخصّ منه؛ لأنّه يقتضي قطع الأمر على التمام، فضلاً عن أنّها من ألفاظ المشترك اللفظي الذي يدلّ على تمام الأمر واكتماله، وتنفيذ العمل، والفتح المبين، والإعلام والتوصية، ويُلحظ ثمّة تخصّص دلالي في لفظة (الدِّيَّة) التي كانت تُطلق على المال الذي يُدفع لأهل القتيل عمداً أو خطأً، ثمّ صارت فيما بعد تُطلق على دفع المال لأهل القتيل خطأً لا غير، أمّا لفظة(الحدّ) فقد

تطوّرت من دلالة المنع والنهي إلى دلالة العقوبة المقدّرة شرعاً في المحارم، ولفظة(الحكم)التي انتقلت دلالتها من الردع والزجر إلى العلم أو التفقّه في القضاء، وتطورت لفظة القضاء من الإحكام في الأمر واتقانه إلى القضاء الذي يتجسّد في الضمير، أو الأب، ونحوه.

ص: 184


1- الكافي: 6/ 201 ،ح 8.
2- ينظر:معاني النحو، د. فاضل صالح السامرائي: 4/ 61،47 .

المجموعة الثانية: الألفاظ الدالة على أحكام المسلمين، وهي:(الشَّهادة، واليَمِين).

* شهادة الزّور: ورد لفظها إحدى عشرة مرة(1) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(النوادر) قال: «لَا تُؤسِروا أنفُسَكُمْ وأمْوَالَكُمْ بِشَهَادَاتِ الزُّورِ فَمَا عَلَی امرِئٍ مِنْ وَكَفٍ في دِيْنهِ ولَا مَأْثَمٍ مِنْ رَبِّهِ أنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا أنَّهُ لَوْ دَفَعَ بشِهَادَتهِ عَنْ فَرْجٍ حَرَامٍ

وسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ كَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَهُ وكَذَلِكَ مَالُ المَرءِ المُسْلِم »(2).

* اليمين: ورد لفظه ثلاث مرات(3) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(النوادر) قال: «أحكَامُ المُسْلِمِينَ عَلَی ثَلَاثَةٍ: شَهَادةٍ عَادِلةٍ، أو يَمِينٍ قَاطِعةٍ، أو سُنَّةٍ مَاضِيةٍ من أئمَّةِ الُهدَى »(4).

والمعنى اللغوي للألفاظ يُعرّف بالآتي: لفظة الشهادة من الجذر(ش،ه،د) وله((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی حُضُورٍ وَعِلوَ وإِعْلَامٍ ))(5)، ويُقال: شَهِدَ على فلان يشهَدُ شَهَادة إذا دلّ عليه دليلاً في المشهد(6)، فالشهادة هي لفظة متداولة في كلام العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعناه المعروف الذي يعني الحضور والمعاينة في المشهد(7)، قال الأعشى الكبير: [البحر المتقارب]

ص: 185


1- ينظر:الكافي: 7/ 183 ،ح 2، و 7/ 186 - 187 ،ح 1( 5)، و 7/ 389 ،ح 5، و 7/ 389 ،ح 1، و 397/7 ،ح 4، 7/ 398 ،ح 3، و 7/ 402 ،ح 3( 2).
2- ينظر: المصدر نفسه: 7/ 402 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 7/ 432 ،ح 20 ، و 7/ 448 ،ح 5، و 7/ 448 ،ح 6.
4- المصدر نفسه: 7/ 432 ،ح 20 .
5- مقاييس اللغة:(شهد) 3/ 221 .
6- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(شهد) 2/ 1240
7- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن: 178 .

فقُلتُ لِمنصَفِنَا أَعطِهِ*** فَلَمَّا رَأَى حَضْر شُهَّادِهَا (1)

ولمَّا جاء الإسلام توسّع معناها إلى الإقرار والاعتراف الذي يصدر عن علم ببصرٍ

أو بصيرة في مشهد ما(2) أمّا إذا لم تكن صادرة عن علم ويقين فهي شهادة الزُّور، قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾(3) التي تعني:((الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بَها إِلَی

الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَحلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحرِيمِ حَلَالٍ))(4).ولفظة اليمين

مأخوذة من الجذر(ي،م،ن) والأصل فيه القدرة والقوّة(5)، قال الشَّمَّخ:[البحر الوافر]

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمجْدٍ*** تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ(6)

وله في كلام العرب ضروب عدّة منها: يطلق على اليد اليمنى للإنسان، والحلف

والقسم، ويُقال: ذهب الرجل أيمن اليمين إذا رحل لليمن(7).

وقيل: إنّما سمّي باليمين؛ لأنّهم حينما كانوا يتحالفون فيما بينهم يضرب كلّ واحد منهم على يمين الآخر(8).

وعن استعمال اللفظين في كلامه-عليه السلام- يُلحظ أنَّ لفظ (شهادة الزُّور)

ص: 186


1- ديوان الأعشى الكبير: 71 .
2- ينظر: مفردات ألفاظ القرآن:(شهد) 465 .
3- سورة الفرقان: 72 .
4- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر: 10 / 412 .
5- ينظر:تهذيب اللغة(يمن): 15 / 523 ، ومقاييس اللغة:(يمن) 6/ 158 .
6- ديوان الشَّمَّخ بن ضرار الذبياني: 463 .
7- ينظر: تهذيب اللغة(يمن): 15 / 523 .
8- ينظر: أساس البلاغة:(يمن) 2/ 391 .187

الذي ورد في كلامه: «لَ تُؤسِروا أنفُسَكُمْ وأمْوَالَكُمْ بِشَهَادَاتِ الزُّورِ »(1) سبق في سياق النص((لا تؤسروا أنفسكم وأموالكم)) وهو أسلوب النَّهي أُريد به الامتناع عن الافتراء والكذب ممّا لك به علماً أو يقيناً، فالإمام نهى المسلمين عن قول الزُّور مطلقاً، الذي يمثّل أداةً لحبس الناس وكثرة أموالهم التي تُكسَب بها(2)، ويظهر أنّ دلالة الاستعمال للفظة هي التحريم؛ لما تخلّفه من سيادة الباطل والكذب، وظلم الناس بسبب هدر حقوقهم(3).

والمتأمل للفظة(اليمين) في قوله: « أو يَمِينٍ قَاطِعةٍ »(4) يُلمح أنَّ في كلامه بياناً لجانب من جوانب القضاء عند المسلمين؛ لأنّه يمثّل دليلاً قاطعاً لإثبات ادِّعاء أحد المتخاصمين في الشريعة الإسلامية لفضّ النِّزاع، وورد في الحديث الشريف:((البيِّنة على من ادّعى واليمين على من ادِّعي عليه))(5)، ووجه الفائدة في ذلك نصرة المظلومين و إثبات حقوق الناس.

وفي ضوء ما ذُكر يتّضح ثمّة تطور دلالي طرأ على اللفظين إذ تطورت دلالة

لفظة(الشهادة) من المشاهدة ، أي مشاهدة الشيء بحضورٍ وعلمٍ وإعلام، ثم تطورت دلالتها فصارت الشهادة المعروفة، وكذلك لفظة اليمين تطوّرت، فأصلها أن يضرب الرجل بيده اليمنى على يد الرجل الآخر عند القسم، ثم صارت تطلق على القسم عامة.

ص: 187


1- ينظر: الكافي: 7/ 402 ،ح 3.
2- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 24 / 259 .
3- ينظر: من أنواع الكذب شهادة الزُّور، الشيخ ندا أبو أحمد(مقال منشور) /http://www.alukah.net/sharia
4- الكافي: 7/ 432 ،ح 20 .
5- المصدر نفسه: 7/ 415 ،ح 1.

المجموعة الثالثة: ألفاظ أحكام المواريث والوصية، وهي:)الوصيَّة، والميراث،

والفريضة، والدَّيْن).

* الوصيَّة: ورد ذكرها تسع مرات(1) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(من أوصى بوصيَّة فمات الموصي له قبل الموصي أو مات قبل أن يقبضها) قال: «الوَصِيَّةُ لِوَارِثِ الَّذِي أُوصِي لَهُ،... ومَنْ أوصَي لأحَدٍ شَاهِداً كَانَ أو غَائبَاً فتُوُفِّي المُوصَ لَهُ قَبْلَ المُوصِي، فالوَصِيَّةُ لِوَارِثِ الَّذِي أُوصِي لَهُ إلَّا أنْ يَرْجَعَ في وَصِيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ »(2).

* الميراث: ورد لفظه خمس مرات(3) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب (آخر

منه) قال: «يُتْركُ حَتَّى يَنَامَ ثُمَّ يُصَاحُ بِهِ فإن انْتَبَهَا جَميعَاً مَعَاً كَانَ لَهُ مِيرَاثُ وَاحِدٍ وإنْ انتَبَهَ وَاحِدٌ وبَقِيَ الآخَرُ نَائمَاً يُورَّثُ مِيرَاثَ اثنَينِ »(4).

* الفريضة: ورد لفظها ثلاث مرات(5) في كلامه-عليه السلام- منها قوله في باب(إنّ الميراث لمن سبق إلى سهم قريبه وأنّ ذا السهم إحقّ ممّن لا سهم له) قال: «إذا كَانَ وَارِثٌ

مِّمن لَهُ فَرِيضَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالمَالِ »(6).

* الدَّين: استُعمل لفظه مرتين في كلامه-عليه السلام- إحداهما في باب(من أوصى

ص: 188


1- ينظر: الكافي: 7/ 11،ح 4( 2)، و 7/ 11،ح 7، و 7/ 13 ،ح 1( 3)، و 7/ 24 ،ح 1( 3).
2- المصدر نفسه: 7/ 13 ،ح 1.
3- ينظر:المصدر نفسه: 7/ 11،ح 4( 2)، و 7/ 24 ،ح 1، و 7/ 159 ،ح 1( 2).
4- المصدر نفسه: 7/ 159 ،ح 1.
5- ينظر:المصدر نفسه: 7/ 77 ،ح 2، و 7/ 78 ،ح 1، و 7/ 78 ،ح 2.
6- المصدر نفسه: 7/ 77 ،ح 2.

وعليه دين) قال: «إنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، ثُمَّ الوَصِيَّةَ عَلَی إثْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ المِيرَاثَ بَعدَ الوَصِيَّةِ، فإنَّ أوَّلَ القَضَاءِ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ »(1).

وللكشف عن دلالة الألفاظ لابدّ من تحقيق المعنى اللغوي فلفظة الوصية مأخوذة من الجذر(و،ص،ي) ولها ((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی وَصْلِ شَيءٍ بِشَيءٍ. وَوَصَيْتُ الشَّيءَ: وَصَلْتُهُ))(2) ويُقال: وصيت النباتات على الأرض إذا تشابكت مع بعضها، وقيل: جريد النخيل الذي يوقد(3)، فهي الوصل، والعهد المطلق، أمّا بعد مجيء الإسلام فقد حُملت تشبيهاً على فعل

خاص يتجسّد فيما يعهده ويتركه الميت بعد موته من مال و نحوه لورثته(4) قال تعالى:﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَی بَها أَوْ دَيْنٍ﴾ (5). ودلالة وصل الشيء وعهده هي المشترك بين

لفظي (الوصيّة، والميراث) فهو من الجذر(و،ر،ث) وأصله المِوْراث، إلّا أنّ الواو قُلبت لسكونها وانكسار ما قبلها(6)، ويعني:((أَنْ يَكُونَ الشّْيءُ لِقَوْمٍ ثُمَّ يَصِيَر إِلَی آخَرِينَ بنِسَبٍ أَوْ سَبَبٍ))(7) ويُطلق على معنيين(8): الأوّل: الثبوت والبقاء، ومنه اسم البارئ-

ص: 189


1- المصدر نفسه: 7/ 24 ،ح 1( 2).
2- مقاييس اللغة: (وصى).
3- ينظر:لسان العرب:(وصي) 15 / 393 ، والقاموس المحيط:(وصى) 1343
4- ينظر: معجم ألفاظ القرآن الكريم:(وصى) 1182.
5- سورة النساء: 12 .
6- ينظر: سر صناعة الإعراب: 2/ 732 .
7- مقاييس اللغة:(ورث) 6/ 105 .
8- ينظر: أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية،جمعة محمد براج: 23 .

عزّ وجلّ- الوارث، والآخر: انتقال الشيء من إنسان لآخر بنوعيه الحسّي(الأموال، والأغراض) أمّا المعنوي في تجلّی في (العلم، والأخلاق) و تداولها العرب في عصر ما قبل الإسلام على أسس باطلة قائمة على الهوى والضلالة فلم يعطوا الأطفال، والنساء،والضعاف حقوقهم، ولمّا جاء الإسلام أقرّ مبادئ الميراث على أطر ثابتة بحسب مستحقيها شرعاً من دون تمييز سابق(1) قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلّلهَ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾(2). و دلالة انتقال الأشياء من شخصٍ إلى آخر هي المشترك بين لفظي(الميراث، والفريضة) وهي من الجذر(ف،ر،ض) وله((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی تَأْثِيرٍ فِي شَيءٍ))(3) ويُقال: فُرِضَت الماشية فريضةً بمعنى حقوق الزكاة التي وُجبت على الإبل والبقر وغيرها من بيت المال (4)، ثم اتسع معناها وتطوّر فصار يُطلق

على ما يُفرض على الرَّجل دفعه للمرأة من صَداق ونحوه، ومنه اشق لفظه؛ لأنّه نحو الأثر البائن الذي يظهر في الشيء (5)، ومنه الفرائض جمع فريضة((علم تعرف بِهِ قسْمَة الَموَارِيث الشَّرعِيَّة))(6). قال تعالى :﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالَمْسَاكِيِن وَالْعَامِلِيَن عَلَيْهَا وَالُمؤَلَّفَةِ قُلُوبُهمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهَ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ

ص: 190


1- ينظر: المصدر نفسه: 60،56 .
2- سورة الحديد: 10 .
3- مقاييس اللغة:(فرض) 4/ 488 .
4- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(فرض) 3/ 1098 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(فرض) 3/ 432 ، لسان العرب:(فرض) 7/ 203 .
5- ينظر:مقاييس اللغة:(فرض) 4/ 489 .
6- المعجم الوسيط:(فرض) 2/ 683 .

عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾(1). ومن الاستعمالات الُأخرى لفظة الدَّين وهي من الجذر(د،ي،ن) قال الخليل:((كلُّ شيءٍ لم يكن حاضراً فهو دَيْنٌ))(2)، ويُقال: أَدنت الرَّجل دَيْناً إذا أعطيته مالاً ونحوه إلى أجل مسمّى(3) والجمع ديون، وهو مأخوذ من اللزوم؛ لأنّه لا يُسقط عن الرَّجل إلّا بتسديده(4)؛ لذا فهو قرض من المال يُدفع في مدّة معيّنة. قال تعالى:﴿ يَا أَيَّهُّا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَی أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾(5).

وفي ضوء ما سبق يُلمح أنّ المحور الذي ترتكز عليه هذه الأحكام لفظة (الوصيَّة) إذ تتسم بالعهد والوصل بين تركة الميت وورثته؛ لأنّها تشمل الورثة أو غيرهم، ومن الأحكام التي وردت متصلة بها لفظة (الميراث) الذي يعني انتقال التركة بالقرابة والأسباب، أمّا لفظة (الفريضة) فتتسم بقسمة التركة على الورثة الشرعيين كما أمر الله تعالى، أمّا لفظة (الدَّين) فيدلُّ على إبراء ما في ذمته أوّلاً سواء أكان حياً أم ميتاً ثمّ التقسيم.

ونظراً لذلك فإنّ العلاقة المشتركة بين هذه الأحكام التَّقسيم الشرعي للورثة.

والناظر لقوله: «الوَصِيَّةُ لِوَارِثِ الَّذِي أُوصِي لَهُ »(6) يرى أنّه عمد إلى استعمال لفظة(الوصيّة) إشارة إلى حكمها التي يُوصى بها إلى الموصي له فيموت، فإن وارثه يحلّ

ص: 191


1- سورة التوبة: 60 .
2- العين:(دين) 8/ 72 .
3- ينظر: مقاييس اللغة:(دين) 2/ 320 .
4- ينظر: الوجوه والنظائر: 217 .
5- سورة البقرة: 282 .
6- الكافي: 7/ 13 ،ح 1.

محلّه في قبول الوصيّة، ويحقّ له حريّة التصرف فيها كما يحق للموصي له، وخصّها بالذكر؛ لما في ذلك من أثر في التكافل الاجتماعي، والعيش الكريم.

ولفظة(الميراث) في قوله: « يُتْركُ حَتَّى يَنَامَ ثُمَّ يُصَاحُ بِهِ فإن انْتَبَهَا جَميعَاً مَعَاً كَانَ لَهُ مِيرَاثُ وَاحِدٍ وإنْ انتَبَهَ وَاحِدٌ وبَقِيَ الآخَرُ نَائمَاً يُورَّثُ مِيرَاثَ اثنَينِ »(1) استعملها إشارة لبيان حكم الإنسان في الميراث إذا ولد وله رأسان وصدران في حقو واحد، فالحكم فيه إيقاظ أحدهما عند النوم، فإذا انتبه الاثنان فالميراث واحد، أمّا إذا انتبه واحد فحكمه ميراثان، ووجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي التملّك؛ وذلك لأنّ طبيعة الإنسان وفطرته مبنية على حبّه للمال، وخصّه بالذكر رغبة لفض النزاع الناشيء

بين أقارب الميّت(2). والمتأمل للفظة (الفريضة) في قوله: « إذا كَانَ وَارِثٌ مَّمن لَهُ فَرِيضَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالمَالِ »(3) يُلحظ أنّه استعملها لبيان أثر ذوي الأرحام في قسمة التركة؛ لأنّه نصيب محدد شرعاً مبيِّناً حقّ كلّ واحد من الورثة(الزَّوج، الزَّوجة، الأب، الأم، الجدّالصحيح، الجدّة الصحيحة، البنت، بنت الابن، الأخ لأمّ، الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأمّ) ولا يحقّ لأي شخص التصرف فيه(4)،ويظهر أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي، ضمان حقوق الورثة الشرعيين؛ لئلا تضيع حقوق الأطفال، والنساء، والضعفاء.

ص: 192


1- الكافي: 7/ 159 ،ح 1.
2- ينظر: أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 43 .
3- الكافي: 7/ 77 ،ح 2.
4- نظر:أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 22 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:)فرض( 3/ 1692 .

ولفظة (الدَّين) في قوله: « إنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، ثُمَّ الوَصِيَّةَ عَلَی إثْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ المِيرَاثَ بَعدَ الوَصِيَّةِ، فإنَّ أوَّلَ القَضَاءِ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ »(1) استعملها مبيّناً الحقوق الواجبة المتعلّقة بتركة الميت فهو حق شرعي واجب على الميت؛ لأنّه متعلّق به قبل وفاته وبعدها يجب تسديده فالحكم فيه القضاء وذلك بقيام وارثه بدفع الديون جميعاً، ووجه المصلحة في ذلك قضاء ما في ذمته؛ ((لأنّه حق غريم ثابت))(2).

يُستشف ممّا ذُكر أنّ ما انمازت به هذه الألفاظ هو وجودها في سياق يقترب من الأحكام الفقهية الواجبة في نصوص تشريعية دلّت على التوزيع العادل للورث. ولا يفوتنا أن نذكر الظواهر الدّلالية التي وردت في بعض الألفاظ، وهي: ثمّة تقارب دلالي بين لفظي (الفريضة، والميراث)، إذ تشتركان في بعض الملامح الدلالية ومنها انتقال الوراثة بسبب قرابة النسب والمصاهرة، والتطور الدلالي الذي طرأ على لفظة(الفريضة) إذ انتقلت دلالتها من زكاة الماشية إلى صَداق المرأة ثمّ توسّعت دلالتها فصارت تُطلق على قسمة المواريث، ولفظة (الميراث) التي انتقلت دلالتها من التوزيع على وفق الهوى إلى التوزيع الشرعي. أمّا لفظة (الدَّين) فقد بيَّن الإمام-عليه السلام- استعمالها بتبعيتها للمرجعية اللغوية؛ ما يدلّ على احتفاظها بدلالتها اللغوية وثباتها.-

ص: 193


1- الكافي: 7/ 24 ،ح 1.
2- ينظر:أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 95 - 96 .

المجموعة الرابعة: ألفاظ الأحرار والعبيد، وهي :(الأحرار، والسُّيِّة، والعبوديَّة).

* الأحرار، والعبودية: وردتا مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- منها قوله في

باب(نوادر) قال: «إنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أحْرَارٌ إلَّا من أقَرَّ عَلَی نَفْسِهِ بالعُبُودِيَّةِ وهُوَ مُدْرِكٌ مِنْ عَبْدٍ أو أَمَةٍ ومَنْ شُهِدَ عَلَيهِ بالرِّقِّ صَغِيراً كَانَ أو كَبِيَراً » (1).

* السُّريِّة: استُعملت مرة واحدة في كلامه-عليه السلام-في باب (أمهات الأولاد) قال: «أَيَّمَا رَجُلٍ تَرَكَ سُّريِّةً لَها وَلَدٌ أَوْ في بَطْنهِا وَلَدٌ أو لَا وَلَدَ لَها فإنْ أَعتَقَهَا رَبُّها عَتَقَتْ وإنْ لَم يُعْتِقْهَا حَتَّى تُوُفِّي فَقَد سَبَقَ فِيهَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وكِتَابُ اللهِ أحقُّ فإن كَانَ لَها وَلَدٌ فَتَركَ مَالاً جُعِلَتْ في نَصِيبِ وَلَدِهَا »(2).

وعند الوقوف على دلالة هذه الألفاظ لغةً، يُلحظ أنّ لفظة الأحرار مأخوذة من

الجذر(ح،ر،ر) وورد في اللغة: إنّ الحرّ نقيض العبد وضده(3)، ويُقال: حرّ الرَّجل يَحَرُّ حَراراً والجمع أحرار بمعنى أُعتق وصار حرّاً غير مملوكاً(4). قال تعالى: ﴿الُحُرُّ بِالُحُرِّ﴾(5) ولفظة العبودية من الجذر (ع،ب،د) وتعني: الاسترقاق والخضوع(6). ومن الاستعمالات الأُخرى لألفاظ العبيد لفظة السُّيِّة على بناء (فُعْليَّةٌ) ويقال: تسرَّر الرَّجل سُّريِّة إذا اتخذ

ص: 194


1- الكافي: 6/ 195 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 6/ 192 ،ح 3.
3- ينظر:جمهرة اللغة:(حرر) 1/ 96 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(حرر) 2/ 628 .
4- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(حرر) 1/ 362 .
5- سورة البقرة: 178 .
6- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(عبد) 2/ 503 .

له مملوكة سرّاً(1)، وقيل:هي مأخوذة من السرُّ؛ لأنّها تجلب للرَّجل السَّعادة والمسرَّة، أو من السرِّ؛ كناية عن النِّكاح بالخفية والكتم(2).

والمتتبع لسياق استعمال هذه الألفاظ يلحظ تنوع دلالتها، فقد وردت لفظة(الأحرار) في قوله: « إنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أحْرَارٌ إلَّا من أقَرَّ عَلَی نَفْسِهِ بالعُبُودِيَّةِ »(3) تحيل إلى أصل حرية الإنسان؛ فهي طبيعة فطرية متجذِّرة فيه إذ ((إنَّ الأصل عدم ولاية أحد على أحد وعدم نفوذ حكمه فيه، فإن أفراد الناس بحسب الطبع خلقوا أحراراً مستقلين))(4)، والإنسان

حرٌّ مثلما خلقه الله-جلَّ في علاه-، أمّا طبيعة عبوديته فتتجسّد في وجهين أحدهما: الاسترقاق وذلك بإقراره على نفسه بالرِّقِّ لمالكه، والآخر بالإشهاد عليه بالعبوديّة.

وأسلوب التوكيد بلفظة (كلّ) عمد إليه الإمام؛ ليدلُّ على أنَّ الحريَّة كينونة كلِّ إنسانٍ وكنهه مذ خلقه إذا ما استرقّ(5)؛ لذا فإنَّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي العتق والاستعباد.

والناظر للفظة (السُّيِّة) يرى أنّه عمد إلى إيرادها في قوله: «أَيَّمَا رَجُلٍ تَرَكَ سُّريِّةً » (6)؛ لأنّه أراد أن يبيِّن حكمها إذا هجرها مولاها ولها ولد منه أو في بطنها ولد منه أو ليس لها

ص: 195


1- ينظر:الزاهر في معاني كلمات الناس: 2/ 311 ، والمعجم الوسيط:(سرّ) 1/ 427 .
2- ينظر:تهذيب اللغة:(سرّ) 12 / 284 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(سرا) 6/ 2375 ، ومفردات ألفاظ القرآن:(سرر)( 404 .
3- الكافي: 6/ 195 ،ح 5.
4- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية،حسين علي المنتظري: 1/ 27 .
5- ينظر:معاني النحو، فاضل صالح السامرائي: 4/ 11 8 .
6- الكافي: 6/ 192 ،ح 3.

ولد منه، فإذا أراد مالكها أن يحرِّرها فحكمها التحرير، أمّا إذا مات ولم يعتقها أو يحررها فهي مملوكة وموروثة لابنها إذا كان عندها منه، ثمّ تُحرَّر من مال ولدها، ويتضّح ممّا ذُكر أنّ وجه المناسبة بين المعنى اللغوي و الاستعمال السياقي تحريرها وإخلاء سبيلها من الرِّق عليها والخضوع له.

وممّا ذُكر يتّضح لمتدبر النصوص العلوية أثر التناسب المعجمي والسِّياقي للألفاظ

التي وُظِّفت، إذ إنَّ دلالة الحكم الفقهي كانت مستنبطة أو موافقة للدلالة اللغوية، مثل الحكم الديني للفظة الأحرار، والعبوديّة. وفيما يخصّ الظواهر الدلالية فيُلمح ثمة تضاد دلالي بين لفظي الأحرار التي تعني العتق، والعبودية التي يراد بها الرِّقّ.

ص: 196

المجموعة الخامسة: ألفاظ ذوي العاهات، وهي: (الأشلّ، والأعرج، والأعمى،

والمُقْعَد) وقد وردت هذه الألفاظ مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(نوادر) قال: «لَا يَجُوزُ في العَتَاقِ الأعْمَى والمُقْعَدُ ويَجُوزُ الأشلَّ والأعْرَجُ .»(1).

ذكر الإمام-عليه السلام-بعض ألفاظ عاهات الرِّجال مثل الأشلّ: ويُقصَد به

الرَّجل الذي ضَعُفت يده أو رجله ويَبُست فمُنِعت عن الحركة(2)، والأعرج يُراد به المائل في مشيه يميناً وشمالاً أثر شيء أصاب رجله، وقد استعير للضبع؛ لأنّه يكون في شكله ذو عرج(3)، أمّا الأعمى فهو انعدام البصر كلّه من العينين وفساده(4)، والمُقْعَد كلُّ إنسانٍ لا يقوى على القيام بسبب داء أصابه في جسده، أو بسبب كبر سنه، وقيل هو مأخوذ من مرض يصيب أوراك الإبل فتنحني إلى الأرض(5)، وتمثّل هذه الألفاظ العاهات التي يكره ظهورها في الرِّجال؛ لذا كانوا لا يحملوهم ما لا طاقة لهم به، ويظهر ممّا سبق أنَّ الدلالة اللغوية الجامعة بين هذه الألفاظ هي دلالة الإعاقة الجسدية.

وعن استعمال هذه الألفاظ في كلامه-عليه السلام-: «لَا يَجُوزُ في العَتَاقِ الأعْمَى والمُقْعَدُ ويَجُوزُ الأشلَّ والأعْرَجُ »(6) يُلحظ أنّها وردت في معرض حديثه عن إظهار

ص: 197


1- الكافي: 6/ 196 ،ح 11.
2- ينظر: المعجم الوسيط:(شلّ) 1/ 492 .
3- ينظر: العين:(عرج) 1/ 223 ، ومقاييس اللغة:(عرج) 4/ 302 ، ومفردات ألفاظ القرآن:(عرج) 557 - 558 .
4- ينظر:العين:(عمي) 2/ 266 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية(عمى) 6/ 2439 ، ومقاييس اللغة:(عمي) 4/ 133 .
5- ينظر:العين:(قعد) 1/ 142 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(قعد) 4/ 86 .
6- الكافي: 6/ 196 ،ح 11.

الحكم الشرعي في جواز العتق، وإسقاط الرِّقّ قهراً على مولاه، فذكر أبرز الحوادث التي تكون سبباً لجوازه وتركه، ومنها حدوث الشَّلل، والعَرَج الذي يصيب الإنسان فيعيقه أو يمنعه من الحركة، فالحكم فيه جواز العتق وتحريره من السيطرة، أمّا إذا أصابه العمى، وصار مقعداً مُنِعَ عنه العتق(1)، ويُلحظ أنّ وجه الفائدة في ذلك نعمة الخلاص من الذلّ والنقص الذي تعرَّض له فكان جزاء ذلك إنقاذهم، وتمتعهم بحقوقهم التي سُلبت نتيجة تحريرهم(2) في حين أنّ الأعمى والمقعد إذا عُتِق لم يكن مصداقاً للحرية، بل سيواجه معاناة كثيرة؛ لأنّه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في إدارة أمور حياته، وشؤونه الخاصة، فهو يحتاج إلى من يعينه على ذلك، قال تعالى:﴿ ليَسْ عَلَی الْأعَمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَی الْأعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَی الَمرِيضِ حَرَجٌ ﴾ (3).

ص: 198


1- ينظر:شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 3/ 101 .
2- ينظر:لسان العرب:(عتق) 10 / 235 .
3- سورة النور: 61 .

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الطعام والشراب وما يلحق بها

المجموعة الأولى: ألفاظ الأطعمة، وهي: (اللَّحم، والطَّعام، والخُبْز، والشَّعير،والهَرِيسَة).

* اللَّحم: ورد ذكره تسع مرات(1) من ذلك قوله في باب(لحوم الجلَّلات وبيضهن والشَّاة تشرب الخمر)، قال: «الدّجَاجَةُ الجَلَّالَةُ لا يُؤكَلُ لَحمُهَا حتَّى تُقيَّدَ ثلاثةَ أيّامٍ، والبَطَّةُ الجَلَّالَةُ خَمسَةَ أيَّامٍ، والشَّاةُ الجَلَّالَةُ عَشرَةَ أيَّامٍ، والبقرةُ الجَلَّالَةُ عِشرِينَ يَومَاً، والنَّاقةُ أربعينَ يومَاً »(2).

* الطَّعام: جاء لفظه ست مرات(3) من ذلك كلامه في باب(الأكل متكئاً) قال: «إذا جَلَسَ أحدُكُم على الطَّعَامِ فليَجْلِس جِلْسَةَ العَبْدِ ولا يَضَعَنَّ إحدَى رِجْلَيهِ على الأُخرَى ولا يَتَربَّعْ فإنَّها جِلسةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ عزَّ وجلَّ ويَمقُتُ صَاحِبَهَا »(4).

ص: 199


1- ينظر:الكافي: 6/ 251 ،ح 3،و 6/ 253 ،ح 12 ( 4)، و 6/ 254 ،ح 5، و 6/ 259 ،ح 1، و 6/ 261 ،ح 3، و 6/ 316 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 6/ 251 ،ح 3.
3- ينظر: المصدر نفسه: 6/ 272 ،ح 10 ، و 6/ 290 ،ح 3، و 6/ 393 ،ح 5( 2)، و 6/ 294 ،ح 14 ، و 326/6 ،ح 4.
4- المصدر نفسه: 6/ 272 /ح 10 .

* الخُبْز، والشَّعير: استُعمِلا مرة واحدة من ذلك قوله في باب (الحَمَل والجدي

يرضعان من لبن الخنزيرة) قال: « قيِّدُوهُ واعلِفُوهُ الكُسْبَ والنَّوَى والشَّعِيرَ والخُبْزَإنْ كَانَ استغنَى عن اللَّبنِ وإن لم يكُنِ استغنَى عن اللَّبنِ فيُلقَى على ضَرعِ شاةٍ سَبعَةَ أيّامٍ ثمّ يُؤكلُ لَحمُهُ »(1).

* الَهرِيسَة: ورد لفظها مرة واحدة في كلامه في باب(الهريسة) قال: «عَلَيكُم بالَهرِيسَةِ فإنهّا تُنشِطُ للعِبَادةِ أربَعِينَ يَومَاً وهي من المَائِدَةِ التي أُنْزِلَتْ على رَسُولِ الله صلّی الله عليه وآله »(2).

و يمكن معرفة المعنى اللغوي لهذه الألفاظ بالآتي: اللحم من الجذر(ل،ح،م) وله

((أصَلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی تَدَاخُلٍ، كَاللَّحْمِ الَّذِي هُوَ مُتدَاخِلٌ بَعْضُهُ فِ بَعْضٍ))(3)، يُقال:قد لِحَم الرَّجل إذا أطعم اللَّحم والجمع لُحُوم ولَحِام، وفلان لِحِيم أي كثير لحم البدن(4)،

وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى تناوله والتّغذِّي عليه، قال الأعشى الكبير يمدح قيس بن معد يكرب: [البحر المتقارب]

تَدَلَّ حثيثاً كأنَّ الصِّوا*** رَ أَتْبَعَهُ أَزْرَق يُّلَحِمْ(5)

ولمّا جاء الإسلام صار يعني اللّحم بأنواع متعددة، منها اللحم الطَّري اللذيذ

ص: 200


1- الكافي: 6/ 250 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 6/ 319 ،ح 1.
3- مقاييس اللغة:(لحم) 5/ 238 .
4- ينظر: العين:(لحم) 3/ 245 .
5- ديوان الأعشى الكبير: 41 .

الصالح للأكل، قال تعالى: ﴿وَلَحمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾(1)، ولحم الخنزير قال تعالى:﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الَميْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الِخنْزِير﴾(2).

وترتبط لفظة (الطّعام) بلفظة (اللّحم) بعلاقة جزئية؛ لأنّ وجبة اللّحم هي جزء من الطّعام؛ لذا فهو((اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُؤْكَلُ))(3) مشتق من الجذر(ط،ع،م) ويُقال: طعم الرَّجل يطعم طعاماً إذا أكله وتذوقه والجمع أطعمة وأطعمات جمع الجمع(4) والأصل فيه: تناول الحنطة والشّعير والتّمور وكلّ ما يتغذى عليه الإنسان من القوت(5) فهو اسم يدلُّ على الأَكل.

وورد في كلام العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى الرِّزق، قال النابغة

الذبياني:[البحر البسيط]

مُشَمِّرينَ على خُوصٍ مُزَمَّةٍ*** نَرجُو الإلهَ، ونرجُو البِرَّ والطُّعمَا(6)

والناظر للطعام في الاستعمال الإسلامي يجده ورد بدلالة الأكل، والرزق. قال تبارك وتعالى:﴿وَيُطعْمُونَ الطعَّامَ عَلَی حُبهِّ مِسْكيِناً وَيَتيِماً وَأَسِيراً إنِّمَا نُطعْمُكُمْ لوِجْهِ اللهَ لَا نُرِيدُمِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾(7).

ص: 201


1- سورة الواقعة: 21 .
2- سورة البقرة: 173 .
3- العين:(طعم) 2/ 25 .
4- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(طعم) 2/ 1401 .
5- ينظر:لسان العرب:(طعم) 12 / 364 .
6- ديوان النابغة الذبياني: 62 .
7- سورة الإنسان: 8- 9.

ودلالة تناول الغذاء هي المشترك بين لفظي(الطَّعام، والخُبْز) فهو من الجذر(خ،ب،ز) وله((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی خَبْطِ الشَّيءِ بِالْيَدِ))(1)، ويُقال: خَبَزَ الرَّجل يخبزُ خُبْزاً إذا أطعم الخُبْز، وخُبِزَ العجين بمعنى صُيّر خُبْزاً، والجمع أخباز ومفرده خُبْزَة(2)، و قيل

سمّي بذلك؛((لضربهم إِيَّاه بِأَيْدِيهِم))(3).

وعُرِّف بأنّه:(( الدقيق المعجون ويُنضَج بالنّار والحرارة بعد تخميره))(4)، وورد لفظه في الذكر الحكيم:﴿وَقَالَ الْأخَرُ إنِّي أَرَانِي أَحْملُ فَوْقَ رَأْسِ خُبْزًا﴾(5) بمعنى القوت الذي

يؤكل لسدّ الجوع. ويرتبط لفظي(الخُبْز، والشَّعير) بعلاقة جزئية؛ لأنّ الأول يُستخلص من الثاني، وهو من الجذر(ش،ع،ر) ويعدّ من أنواع الحبوب العشبية التي تنتمي للفصيلة النجيلية المشهورة ومفرده شعيرة، وصاحبه شُعيريٌّ(6)، ((ومن أجناس الشَّعير العربي ماهو أبيض وسنبله حرفان عريض وحبَّه كبار))(7) فالشعير الغذاء الأساس للإنسان والحيوان.

ومن الاستعمالات الاُخرى لألفاظ الأطعمة لفظة(الهريسة) مشتقة من الجذر(ه،ر،س) وله((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی دَقٍّ وَهَزْمٍ فِي الشَّيءِ))(8)، ويُقال: هَرس

ص: 202


1- مقاييس اللغة:(خبز) 2/ 240 .
2- ينظر:الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(خبز) 3/ 876 ، وأساس البلاغة:(خبز) 1/ 221 .
3- جمهرة اللغة:(خبز) 1/ 288 .
4- معجم اللغة العربية المعاصرة:(خبز) 1/ 610 .
5- سورة يوسف: 36 .
6- ينظر: لسان العرب:(شعر) 4/ 415 ، وتاج العروس من جواهر القاموس:(شعر) 12 / 193 .
7- المخصص: 11/ 61 .
8- مقاييس اللغة:(هرس) 6/ 46 .

الرَّجل الشيء يهرسه هرساً إذا دقّه بقوة وفصل بينه وبين الأرض بفاصل تنقية له، وهُرِس الطّعام إذا تناوله بقوة(1)، ومنه الهريس: الحبّ الذي يُدقّ دَقَّاً قبل نضجه بالنّار، فإذا نُضِج

صار هريسة(2)، وقيل: سُمّي بذلك؛((لأن البّر الذي هي منه يدق ثم يطبخ، ويسمى صانعه هرّاسا))(3) فالهريسة إذن((طعام يُطبخ من القمح المدقوق واللّحم))(4).

ومن يتأمل استعمال الألفاظ في كلامه-عليه السلام- يلحظ تنوّع دلالتها، والمتدبّر للفظة(اللّحم) في قوله: « الدّجَاجَةُ الجَلَّالَةُ لا يُؤكَلُ لَحمُهَا »(5). يجدها في سياق النَّهي؛لأنَّه تطرَّق في خطابه إلى مسألة الحيوان الجلَّال(6) من المباح، فإذا تغذّى(الدَّجاجة) من الجلَّالة حُرِّم لحمها، ووجب تطهيرها؛ وذلك بحبسها وتعليفها علفاً طاهراً لمدّة ثلاثة أيّام حتى يطيب لحمها من الدَّرن(7)؛ ووجه الفائدة فيه حرصه-عليه السلام- على توجيههم لما فيه سلامة صحتهم، وكمال إيمانهم، وممّا ذُكر يظهر أنّ المعنى اللغوي يعني النسيج العضلي المحيط بعظم الكائن الحيّ غير الاستعمال السيّاقي الذي يدلُّ على لحوم الحيوانات الجلَّلة (اللحم المحرّم).

والناظر لقوله: « إذا جَلَسَ أحدُكُم على الطَّعَام »(8) يجده عمد إلى استعمال لفظة

ص: 203


1- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(هرس) 3/ 2343 .
2- ينظر:لسان العرب:(هرس) 6/ 247 .
3- ينظر:المصدر نفسه:(هرس) 6/ 247 .
4- معجم اللغة العربية المعاصرة:(هرس) 3/ 2343 .
5- الكافي: 6/ 251 ،ح 3.
6- الحيوان الذي يأكل العذرة، ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرّسول: 22 / 42 .
7- ينظر: منهج الصالحين: 4/ 228 .
8- الكافي: 6/ 272 /ح 10 .

الطّعام؛ لأنّها تتضمّن آداب الجلوس على المائدة ومنها الجلوس على الأرض لتناول الغذاء ويُستحب ثَنِي العبد لركبتيه حين الأكل، فضلاً عن كراهة الاضطجاع والاتكاء على اليد أو الجنب؛ لأنّها تؤدي إلى إعاقة الهضم وتقلّص عضلات البطن ونحو ذلك، بل الإقبال إلى نعمة الله تعالى والرّغبة فيها(1). وفي ضوء ما سبق يتضح أنّ المعنى اللغوي يُراد به اسم جامع لما يؤكل تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلّ على آداب المائدة.والمتأمّل لكلامه: « قيِّدُوهُ واعلِفُوهُ الكُسْبَ والنَّوَى والشَّعِيرَ والخُبْزَ »(2) يجده استعمل لفظي (الشعير والُخبْز) فضلًا عن الألفاظ الأُخرى في معرض كلامه عن حكم صغير الحَمَل إذا رضع من لبن الخنزيرة

والذي يعدّ من الأغذية المحرَّمة، فمن شرب هذا اللَّبن ثمّ نما عظمه ولحمه، حُرِّم لحمه ووجب تطهيره بغذاء(علف) طاهر إذا استغنى عن اللّبن في زمنٍ مساوٍ لزمن الرِّضاعة ومنه (الخُبْز)؛ لأنّه من الأطعمة المطهِّرة والتي تمثّل الغذاء الرئيس للكائن الحي مع أنواع الطّعام الأُخرى ولا يمكن الاستغناء عنه. و(الشّعير)؛ هو اللفظ الآخر الذي استعمله؛لأنّه غذاءٌ أساس للحيوانات والإنسان، أمّا إذا لم يُستغنِ عنه أقتضى رضاعته من ضرع شاة لمدة سبعة أيّام، ليُحلل لحمه(3)، ووجه المصلحة في ذلك إزالة سائر النجاسات عن الحيوانات المحلّلة في الإسلام. يُستشف ممّا ذُكِر أنّ المعنى اللغوي للشعير يدلُّ على أنّه من

النباتات العشبية التي تمثل الأساس في مجالات الأغذية للإنسان والحيوان تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلّ على الأطعمة المُطهِّرة. والناظر للتركيب في قوله: «عَلَيكُم بالَهرِيسَةِ »(4)

ص: 204


1- ينظر:مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 22 / 73 .
2- الكافي: 6/ 250 ،ح 5.
3- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 22 / 40 .
4- الكافي: 6/ 319 ،ح 1.

يجده في صيغة الأمر الذي يُراد به الإلزام لما فيه مصلحتهم ونصحهم في تناول الهريسة التي تعدّ من الأطعمة المباركة في الجنّة، ولأنّها تساعد على توفير الطّاقة لجسم الإنسان بغية ديومة العبادة ونشاطها، و تعمل على إزالة أمراض وجع الظهر، وضعف الجماع،ودواء لكل داء(1)، فضلًا عن أنّها من أطعمة الأنبياء-عليهم السلام-. ويظهر مّما سبق أنّ المعنى اللغوي يعني الحبوب التي تُطحَن وتُطبَخ بالحرارة ثمّ تُطعَم تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلُّ على أنّها من أطعمة الجنة المباركة.

وفي ضوء ما سبق يمكن القول: إنَّ اللفظ الأساس في العلاقات المتحصّلة من هذه الألفاظ هو الطَّعام؛ لأنّه الغذاء الرئيس للإنسان والحيوان، أمّا اللّحم فقد افتقد لسمة الغذاء الرئيس، في حين اتّسم لفظي(الخُبْز، والشّعير) بسمة الأطعمة المطهَّرة مثلما وصفها إمامنا-عليه السلام-، وانمازت لفظة(الهريسة) بأنّها من الأطعمة المباركة والمقدّسة في الجنّة. وعلى ذلك فإنّ هذه الألفاظ تكون تابعة لألفاظ الأطعمة بعلاقة الاشتمال، والعلاقة التي تربط بين لفظي(الخُبْز، والشّعير) علاقة جزئية.

ص: 205


1- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام-، محسن عقيل: 326 .

المجموعة الثانية: ألفاظ الفواكه، والخضروات، وهي: (الزّبيب، والتّفّاح،

والسَّفرجل، والقَرْع، والهِنْدباء).

* الزَّبِيب: ورد ذكره مرتين(1) في كلامه-عليه السلام-إحداهما في قوله في باب(الزَّبيب) قال: «مَنِ اصطَبَحَ بإحدَى وعِشْرينَ زَبِيبَةً حَمرَاءَ لَم يَمْرَضْ إلَّا مَرَضَ المَوْتِ إنْ شَاءَ اللهُ »(2).

* التُّفَّاح: استُعمل مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(التّفّاح) قال: «كُلُوا التُّفَّاحَ فإنَّهُ يَدْبُغُ المَعِدَةَ »(3).

* السَّفَرجل: ورد ذكره مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(السَّفرجل) قال: «أكْلُ السَّفَرْجَلِ قُوَّةٌ للقَلْبِ الضَّعِيفِ ويُطَيِّبُ المَعِدَةَ ويُذَكِّي الفُؤادَ ويُشَجِّعُ الجَبَانَ » (4).

* القَرْع: ورد لفظه مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(القرع) قال: «القّرْعُ لَيْسَ يُذَكَّى فكُلُوهُ ولا تَذْبَحُوهُ ولا يَسْتَهوينَّكُمُ الشَّيطانُ لَعَنَهُ اللهُ »(5).

* الهِنْدباء: استُعمل لفظه مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(ما جاء في الهِنْدباء) قال: «كُلُوا الهِنْدَبَاءَ فمَا من صَبَاحٍ إلَّا وتَنزِلُ عَلَيهَا قَطرَةٌ من الجَنَّةِ فإذا أكلتُمُوهَا فلا تنفُضُوهَا »(6).

ص: 206


1- ينظر: الكافي: 6/ 351 ،ح 1، و 6/ 352 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 6/ 351 ،ح 1.
3- المصدر نفسه: 6/ 357 ،ح 11.
4- الكافي: 6/ 357 ،ح 1.
5- المصدر نفسه: 6/ 370 ،ح 1.
6- المصدر نفسه: 6/ 363 ،ح 8.

وللكشف عن دلالات استعمال هذه الألفاظ في كلامه-عليه السلام-لابدّ من معرفة معانيها في اللغة أوّلاً: فالزبيب من الجذر(ز،ب،ب) وله أصل معروف يدلُّ على نوع معين من العِنَب المجفّف(1)، ويُقال: زبَّبَ الرّجل العِنَب يزبّب تزبيباً إذا جفّفه وصار زبيباً ومفرده زبيبة(2)، فهو نوع من أصناف نبات العِنَب المعروف بحلاوة طعمه. ومن الاستعمالات الأُخر التّفّاح من الجذر(ت، ف، ح) وله أصل يدلّ على جنس من الثّمرالذي ينتمي للفصيلة الوردية، يُدعى التّفّاح ومفرده تفّاحة والجمع تفافيح(3)، واشتق لفظه من التّفحة أي الرائحة الزَّكية، ويُسمّى المكان الذي يُغرَس فيه المتفحة(4)، وورد في الاستعمال الإسلامي بدلالة التقارب للمعنى اللغوي. قال الرّسول-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: ((كلوا التفاح على الريق، فإنّه نضوح المعدة))(5).

ودلالة التّشابه في الشّكل، والانتماء للفصيلة الوردية هي المشترك بين لفظي(التّفاح، والسَّفرجل) من الجذر(س،ف،ر،ج،ل) وهو من جنس الأشجار المثمرة التي تنتمي للفصيلة الوردية، وزهرته بيضاء اللون، ورائحته زكية، وهو نبات يشبه التّفّاح في شكله، أخضر قبل نضجه وإذا ما نضج صار أصفر اللون ومفرده سفرجلة وجمعه سفارج(6) ويُلحظ أنّه ورد في الاستعمال الإسلامي إشارة لفائدته، ورد في قول الرسول

ص: 207


1- ينظر: المعجم المفصّل في الأشجار والنباتات في لسان العرب،، كوكب ذياب : 109
2- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(زبب) 1/ 142 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(زبب) 2/ 970 .
3- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(تفح) 6/ 328 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(تفح) 1/ 294 .
4- ينظر: المعجم المفصّل في الأشجار والنباتات في لسان العرب: 44 - 45 .
5- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 16 / 397 .
6- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(سفرجل) 2/ 1073 .

الأكرم-صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «كلو السَّفرجل، فإنّه يجلو الفؤاد، وما بعث الله نبياً إلّا أطعمه من سفرجل الجنّة، فيزيد فيه قوّة أربعين رجلاً »(1) وأمّا لفظة(القَرْع) فهي من الجذر(ق،ر،ع) والأصل فيه ثمر اليقطين وحِمله، ومفرده قَرْعة(2)، والقَرْع ((جنس

نباتات زراعية من الفصيلة القرعيَّة، فيه أنواع تُزرع لثمارها وتُؤكل مطبوخة، وأنواع تُزرع للتزيين))(3) وعُرِف عند العرب باسم الدُّباء، ويُقال: دبأت بالمكان كما يُقال: قطنت فيه بمعنى جعل اضطجاعه قطوناً وهدوءاً(4). وقيل: إنّ كلّ ورقة نمت وعظمت وغطّت ما حولها تُدعى اليقطين،(5) قال تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِيٍن﴾(6)

فاليقطين اسم يُطلق على كلِّ شجرة لا تقوم على ساق وسمّي بذلك؛ لأنّ جلده أملس أي أصلع(7).

ودلالة تسليط الحرارة على نباتي (القَرْع، والهندباء) لإنضاجه هي المشترك بينهما،فالهندباء من الجذر(ه،ن،د،ب) وهي نوع من النباتات البقوليّة حلوة الطّعم)(8)، من جنس الفصائل الزّراعيّة المركّبة، ويُنضج ورقه بالحرارة ثم يؤكل، ومن أسمائه اللُّعانة،

ص: 208


1- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 16 / 401 .
2- ينظر: العين:(قرع) 1/ 155 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(قرع) 1/ 203 .
3- معجم اللغة العربية المعاصرة:(قرع) 3/ 1802 .
4- ينظر:أساس البلاغة:(قرع) 1/ 276 ، والمعجم الوسيط:(قرع) 2/ 728
5- ينظر:الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/ 450 .
6- سورة الصافات: 146 .
7- ينظر:المعجم المفصّل في الأشجار والنباتات في لسان العرب: 260 .
8- ينظر: العين:(هندب) 4/ 126 .

والهِنْدَبُ، والهِنْدبا(1)، ويُقال:هَدِبت الشجرة تَدِب هَدَباً إذا طالت أغصانها وغطّت ما حولها فهي هِنْدباء بالمدّ والقصر سواء ومفرده هِنْدباء(2).وورد ذكرها في الاستعمال

الإسلامي بياناً لسماتها، ورد في قوله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-:((ما من ورقة هِنْدباء إلّ و فيها ماء الجنّة))(3) فهي نوع من النباتات البقليّة.

والمتتبع لسياق هذه الألفاظ يلحظ تنوّع دلالتها، والناظر لقوله: « مَنِ اصطَبَحَ بإحدَى وعِشْرينَ زَبِيبَةً حَمرَاءَ »(4) يجده بياناً لإظهار فائدة الزبيب الذي يُؤكل؛ فيعمل على طرد الأمراض جميعاً بأذنه تعالى(5)، وقد أثبت الطّب الحديث أنّ له أثراً في معالجة أمراض التّنفس، وإزالة حروقات الصّدر والمعدة والأمعاء، ويساعد على زيادة الحفظ والذّكاء،ويهذّب الخلق، ويدفع الهمّ، ويقوّي العصب (6).

والمتأمل لقوله: « كُلُوا التُّفَّاحَ فإنَّهُ يَدْبُغُ المَعِدَةَ »(7) يجده استعمل لفظة (التفاح) في سياق الأمر؛ لأنّه أراد أن يُبيّن فائدة تناول هذه الفاكهة التي تعمل على تطهير المعدة

ص: 209


1- ينظر: المعجم المفصّل في الأشجار والنباتات في لسان العرب: 318 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(هندب) 3/ 2370 .
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم:(هدب) 4/ 269 ، وتاج العروس من جواهر القاموس:(هندب) 4/ 406 .
3- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 16 / 415 .
4- الكافي: 6/ 351 ،ح 1.
5- ينظر: طب الأئمة-عليهم السلام-برواية أبي عبد الله بن سابور الزيات والحسين بني بسطام النيسابوريين: 137 .
6- ينظر:طب الإمام علي -عليه السلام- 32 .
7- الكافي: 6/ 357 ،ح 11.

وتنظيفها من الجراثيم بشكل تام(1) وقد أثبتت الدّراسات الحديثة أنّه يساعد على بناء العظام والأسنان، وتسهيل عملية الهضم، ومعالجة أمراض المفاصل والأورام والقروح

وإصابات البرد(2). والناظر لقوله: «أكْلُ السَّفَرْجَلِ »(3) يجده استعمل لفظة(السَّفرجل)؛ لأنّه أراد أن يُبيّن فائدته التي تعمل على تقوية القلب، وزيادة الحفظ، والذكاء، ويدفع أمراض العين، وظلمة البصر، وتقوية المعدة ومعالجة ضعف الكبد والأرق والصّداع ونزلات البرد والقروح(4).

والمتأمل لقوله: « القّرْعُ ليَسْ يُذَكَّى »(5) يُلحظ أنَّه استعمل لفظة(القّرْع) لبيان فائدته؛ فهو يدفع الصّداع ويُذهب الدّيدان ويقوي العجز الجنسي ويُعالج أمراض المجاري البولية وصعوبة الهضم والتهابات الأمعاء(6).

والناظر لقوله: «كُلُوا الهِنْدِبَاءَ »(7) يرى أنّه استعمل لفظة(الهِنْدباء) في أسلوب الأمر؛ لأنّه أراد أن يُبيِّن فائدة هذا النبات التي تتجسّد في تقوية المعدة وغسلها، وتقويةالقلب، وإزالة أورام العين، وتساعد على فتح الشّهية وطرد الدّيدان، وفتح انسداد الكبد

ص: 210


1- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 22 / 195 .
2- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام-: 49،53،55 .
3- الكافي: 6/ 357 ،ح 1.
4- ينظر:طب الإمام علي-عليه السلام- 59 - 60 .
5- الكافي: 6/ 370 ،ح 1.
6- ينظر:إعجاز القرآن في النبات والحيوان، حسام حميد الحديثي: 285 - 286 .
7- الكافي: 6/ 363 ،ح 8.

والطّحال، وتعمل على برودة حرارة الدَّم والصَّفراء، ويعالج لسعة العقرب والسموم(1).

وفي ضوء ما سبق يتضح أنّ الإمام-عليه السلام- قد أولى عناية بالغة في أغذية

المسلمين (الفواكه والخضروات) لم نعهدها سابقاً، إذ بيَّن القيمة الغذائية لكل نوعٍ، و بيَّن طرق معالجة الأمراض التي تصيب المسلمين والمداواة بها. ويظهر أنَّ الألفاظ (الزّبيب، والتّفاح، والسَّفرجل، والقَرْع، والهِنْدباء) تندرج تحت حقل الفواكه والخضروات، ولا يشتمل الواحد منهم على الآخر، أمّا فيما يخصّ الظواهر الدَّلالية فيُلمح ثمّة اشتراك لفظي طرأ على (القرع، والهندباء) إذ يُطلق القرع على اليقطين، و الدُّباء، أمّا الهندباء فتُطلق على اللُّعانة، والهِنْدَبُ، والهِنْدبا.

المجموعة الثَّالثة: ألفاظ الشّاب، وهي على قسمين:

القسم الأوّل: ألفاظ الشَّاب الصَّافي، وهي:( المَاء، وماء الفرات، وماء زمزم،

وماء السَّماء).

* الماء: ورد ذكره ثماني مرات(2) في كلامه-عليه السلام- من ذلك قوله في باب(فضل الماء) قال: «المَاءُ سَيِّدُ الشَّرابِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ »(3).

ص: 211


1- ينظر:طب الإمام علي-عليه السلام-: 103 .
2- ينظر:الكافي: 6/ 253 ،ح 2، و 6/ 380 ،ح 1، و 6/ 385 ،ح 5، و 6/ 386 ،ح 3، و 6/ 387 ،ح 2، و388/6 ،ح 3، 6/ 389 ،ح 5، 6/ 391 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 6/ 380 ،ح 1.

* ماء الفُرات: استُعمل مرتين(1) في كلامه-عليه السلام- إحداهما في باب(فضل ماء الفرات) قال: «نَهرُكُمْ هَذَا يَعنِي مَاءَ الفُرَاتِ يَصُبُّ فِيهِ مِيزَابَانِ من مَيَازِيبِ الجَنَّةِ »(2).

* ماء زمزم: ورد ذكره مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(فضل ماء زمزم وماء الميزاب) قال: «مَاءُ زَمْزَمَ خَيرُ مَاءٍ عَلَی وَجهِ الأَرضِ...»(3).

* ماء السّماء: ورد ذكره مرة واحدة في كلامه-عليه السلام- في باب(ماء السماء) قال: «اشْربُوا مَاءَ السَّمَاءِ فإنَّهُ يُطَهِّرُ البَدَنَ ويَدْفَعُ الأَسقَامَ »(4).

ويمكن بيان المعنى اللغوي لهذه الألفاظ بالآتي:

الماء من الجذر(م،و،ه) والأصل فيه((سائل لطيف شفّاف، منه العذب ومنه

المالح))(5)، ويُقال: ماهت الأرض تموه موهاً إذا فاض ماؤها، وأصله ماه ومفرده ماهة(6)؛ لأنّ جمعه في القلّة أمواه وفي الكثرة مياه، ولمّا ثَقُل لفظه قُلِبت الهاء همزة؛ لسكون ما قبله فصار ماءً(7)، و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى المعروف، قال النابغة الذبياني:[البحر الطويل]

ص: 212


1- ينظر:المصدر نفسه: 6/ 388 ،ح 3، و 6/ 389 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 6/ 388 ،ح 3.
3- المصدر نفسه: 6/ 386 ،ح 3.
4- المصدر نفسه: 6/ 387 ،ح 2.
5- معجم ألفاظ القرآن الكريم:(موه) 1069 .
6- ينظر:معجم اللغة العربية المعاصرة:(موه) 3/ 2141 .
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4(موه)/ 374 ، ولسان العرب:(موه) 13 / 543 .

مِن الوارداتِ الماءَ بالقَاعِ تَستَقِي*** بِأعجازِها قَبلَ استقاءِ الحناجر(1)

ولمّا جاء الإسلام عرفنا أنّ الماء مصدر الكون، وأساس الخلق من قوله تعالى: ﴿

وَجَعَلْنَا مِنَ الَماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ ﴾(2).

و(ماء الفرات) من الجذر(ف،ر،ت) ويعني ((الماء الشّديد العذوبة))(3)ويُقال: فَرُت الماء فهو فُرِاتٌ إذا صار عَذِباً والاسم منه الفُرُتَة(4).

و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بمعنى المياه الحلوة، قال أبو ذؤيب: [البحر الطويل]

فجاءَ بِها ما شِئْتَ مِنْ لَطَمِيةَّ تَدُومُ*** البحار (الفُراتُ) فَوْقَها ويَمْوجُ(5)

والفرات نهر واسع ينبع من الأراضي التركية ويسير باتجاه حدود الشام والعراق

(6)، ولمّا جاء الإسلام صار يعني أشدّ الماء عذوبة، قال تعالى: ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾(7)،

و(ماء زمزم) مأخوذ من الجذر(ز،م،م) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَی تَقَدُّمٍ فِي

اسْتِقَامَةٍ وَقَصْدٍ، مِنْ ذَلِكَ الزِّمَامُ لِأنَّهُ يَتَقَدَّمُ إِذَا مُدَّ بِهِ، قَاصِدًا فِي اسْتِقَامَةٍ))(8) واختلف

ص: 213


1- ديوان النابغة الذبياني: 99 .
2- سورة الأنبياء: 30 .
3- المعجم الوسيط:(فرت) 2/ 678 .
4- ينظر: العين:(فرت) 8/ 11 5 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(فرت) 9/ 478 .
5- ديوان أبي ذؤيب الهذلي، تحقيق أحمد خليل الشال: 84 .
6- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(فرت) 5/ 24 .
7- سورة الفرقان: 53 .
8- مقاييس اللغة:(زمّ) 3/ 5.

في اشتقاقه فقيل: إنّه مشتق من الزَّمزمة (الزَّمازم) التي تعني المياه الوفيرة أو لكثرة ما يقصده النّاس(1)، وقيل: يُطلق على ركضة ملك الله جبريل-عليه السلام- حول بئر زمزم الذي يقع قرب مكّة المكرّمة(2)، و ورد في كلام العرب بمعانٍ مختلفة منها: صوت الرَّعد، وصوت الحصان إذا ترنّم، وكلام المجوس إذا أكلوا، وصوت النّار عند لهيبها(3).

ومن الاستعمالات الأُخرى لفظة (ماء السّماء) من الجذر(س،م،و) وله ((أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَی الْعُلُوِّ))(4)، ويُقال: سما فلان يسمو سمواً إذا علا وارتفع(5) فالسماء هي الجهة التي تقابل الأرض سواء أكانت سحاباً أم مطراً أم سقفاً وما شابه ذلك، وسماء البيت أو الغرفة، سقفه الذي يظلّه(6) وأصلها سماو لكنها أعلّت بقلب الواو همزة؛ لتطرفها بعد ألف زائدة(7)، ولمّا جاء الإسلام خُصّ معناها بالجهة التي تعلو الأرض، قال تعالى:﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾(8).

ممّا سبق يُستشف أنّ الأساس أو الأصل في هذه الألفاظ (الماء) إذ يتّسم بأنّه سائل شفّاف، ومن ألفاظ الأشربة الأُخرى(ماء الفُرات) الذي يتصف بعذوبته؛ لأنّه يحوي الأملاح والمعادن الذي تُزيده طعماً مستساغاً، أمّا (ماء زمزم) فيتّسم بوفرة مياهه،

ص: 214


1- ينظر: العين:(زمّ) 7/ 354 .
2- ينظر: المعجم الوسيط:(زمزم) 1/ 400 .
3- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(زمم) 32 / 328 .
4- مقاييس اللغة:(سمو) 3/ 98 .
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(سما) 2/ 405 ، ولسان العرب:(سما) 14 / 397 .
6- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(سمو) 38 / 301 .
7- ينظر: المهذب في علم التصريف: 297 .
8- سورة هود: 44 .

وحلاوة طعمه، في حين اتسم (ماء السَّماء) بطهارة مائه ونقاوته.

والناظر في قوله-عليه السلام-: «المَاءُ سَيِّدُ الشَّرابِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ »(1) يرى أنّه استعمل لفظة (الماء)؛ لأنّ السّماء رُفِعت من بخاره، ومُدّت الأرض من زبده(2). فضلًا عن أنّه مصدر الحياة وسيِّد الشّاب وقد جعله أساساً للمخلوقات(الإنسان، والحيوان،والنبات)؛ لأنّه شريان الحياة. ولا يفوتنا أن نذكر أنّه نافع لمرضى الحمّى، والكوليرا، والبول السّكّري(3)، ويتضح من ذلك أن المعنى اللغوي الذي يدلُّ على الماء السائل الشفاف، تطوّر بالمنظور الإسلامي ليدلّ على أنّه عصب الحياة للكائن الحي، والكون وسببه.

والمتأمل لقوله-عليه السلام-: «نَهرُكُمْ هَذَا يَعنِي مَاءَ الفُرَاتِ »(4) يُلحظ أنّه استعمل لفظة(ماء الفرات) إشارة إلى أنّه من مياه الأنهار التي أصلها في الجنّة(5) ومنبعها من الأرض، و خُصّ بالذكر؛ لعذوبة مائه ووفرة خيراته وعظيم نفعه. ويُلمح أن المعنى اللغوي يدلُّ على المياه العذبة يقارب الاستعمال السِّياقي الذي يعني أنّه من أنهار الجنّة.

والناظر لقوله-عليه السلام-: « مَاءُ زَمْزَمَ خَيرُ مَاءٍ عَلَی وَجهِ الأَرضِ »(6) يجده استعمل لفظة(ماء زمزم)؛ لأنّه من المياه التي أصلها في الجنّة وتنبع من أقدس بقعة

ص: 215


1- الكافي: 6/ 380 ،ح 1.
2- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام-: 349 .
3- ينظر: المصدر نفسه: 351 .
4- الكافي: 6/ 388 ،ح 3.
5- ينظر:عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، زكريا بن محمد بن محمود القزويني: 147 .
6- الكافي: 6/ 386 ،ح 3.

على وجه الأرض، ويمثّل عيناً من عيون الجنة، ومن الكرامات التي أوهبها الله لخليله إبراهيم-عليه السلام-، وسبباً لازدهار مكّة المكرّمة ونموها ، وهو شفاء لكلّ داء، فضلاً عن أنّه يقوم مقام الطَّعام في نمو الجسم وبنائه(1).

والمتأمل لقوله-عليه السلام-: «اشْربُوا مَاءَ السَّمَاءِ »(2) يُلحظ أنّه ورد في سياق الأمر؛ لأنّه أراد به إظهار سمات (ماء السَّماء) الذي يتسم بطهارته، ونقاوته، وإزالة الدَّرن من أجسام المؤمنين، ويطرد الأمراض بقدرته تعالى إلّا الموت، وما يؤيد ذلك قوله تعالى:﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَليِربِطَ عَلَی قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ (3) فالمراد من ذلك ما حدث للمسلمين في معركة بدر حين

سبقهم المشركون إلى الماء، فوقفوا على أرض مقفرة تفتقد للماء، وناموا فأجنبوا، ثم أصابهم العطش ووسوس لهم الشيطان فناموا، فأنزل عليهم رحمته بسقوط المطر الذي طهّرهم وأزال عنهم الرّجس وثبّت أقدامهم(4). ويبدو أن (ماء السَّماء) في المعنى اللغوي

يعني السّحاب أو المطر، هو نفس الاستعمال السّياقي الذي يُراد به الماء الطَّهُور، يدلّ عليه الاستعمال القرآني الذي أيّده قول الإمام؛ لأنّ هذا الماء المطهّر مصدره المطر وينزل من المزن.

وفي ضوء ما سبق يتضح أنّ الألفاظ (الماء، وماء الفرات، وماء زمزم، وماء السَّماء)

ص: 216


1- ينظر:فضائل زمزم وذكر تاريخه وأسمائه وخصائصه وبركاته ونيّة شربه وأحكامه والاستسقاء به، سائد بكداش: 81 - 82 .
2- الكافي: 6/ 387 ،ح 2.
3- سورة الأنفال: 11.
4- ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 9/ 21 .

تنضوي تحت قسم واحد، وهو الشراب الصَّافي، والعلاقة بين لفظة (الماء) والألفاظ الأُخرى علاقة الاشتمال. أمّا فيما يخصّ الظواهر الدَّلالية فيُلمح ثمّة اشتراك لفظي طرأ على لفظة (ماء زمزم) إذ يُطلق على صوت الرَّعد، وصوت الحصان إذا ترنّم، وكلام المجوس إذا أكلوا، وصوت النّار عند لهيبها، والمياه الوفيرة التي يقصدها الناس،فضلاً عن أنّها من الألفاظ المعروفة بقداستها في عصر ما قبل الإسلام وما بعده، فقد كان ماء زمزم معروفاً عند العرب من الموحدين والمشركين آنذاك وكانوا يقدّسونه قبل الإسلام .

القسم الثَّاني: ألفاظ الشَّاب المضاف، وهي:( اللبن، والخَل).

* الَّلبن: ورد ذكره سبع مرات(1) في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في باب(انه لا يحل لحم البهيمة التي تنكح) قال: «حَرَامٌ لَحمُهَا وكَذَلِكَ لَبَنُهَا .»(2).

* الخَلّ: استُعمل لفظه مرتين(3) في كلامه-عليه السلام- إحداهما في باب(الَخلّ) قال: «نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ يَكْسِر المِرَّةَ ويُطْفِئُ الصَّفراءَ ويُيِي القَلْبَ » (4).

وللكشف عن دلالات استعمال الألفاظ في كلامه-عليه السلام- لابدّ من معرفة

معانيها في اللغة أولاً: فاللبَن من الجذر(ل،ب،ن) والأصل فيه الشَّراب المعروف

ص: 217


1- ينظر:الكافي: 6/ 250 ،ح 5( 2)، و 6/ 253 ،ح 12 ( 3)، و 6/ 259 ،ح 1، و 6/ 316 ،ح 2.
2- المصدر نفسه: 6/ 259 ،ح 1.
3- ينظر:المصدر نفسه: 6/ 328 ،ح 7، و 6/ 329 ،ح 7.
4- المصدر نفسه: 6/ 329 ،ح 7.

خلاصته ما بين الفرث والدَّم الذي يجري في الجسد(1)، ويُقال: لَبِن فلان إذا أطعم اللَّبن، وشاة لَبِنة بمعنى غزيرة اللَّبن، ولبنت الشّجرة إذا كَثُر ماؤها على التشبيه(2) فاللَّبن اسم جنس والجمع ألبان؛ لأنّه يشمل (الإنسان والحيوان) وهو((سائل أبيض تُفرزه أثداء إناث الآدميِّن وضرع الحيوان لتغذية صغارها))(3) وتداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى المشهور، قال الحارث بن حلزة:[البحر السريع]

فاصبُبْ لأضيافِكَ ألبَانَها*** فإنّ شرَّ اللَّبَنِ الوالِجُ (4)

ولكن وروده في الاستعمال الإسلامي اتسم بثبات طعمه (لبن الجنة)، قال تعالى: ﴿وأَنَهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَم يَتَغَيَّر طَعْمُهُ ﴾(5). ومن الاستعمالات الُأخرى لألفاظ الأشربة (الخلّ): من الجذر(خ، ل، ل) وهو محلول حامض، اشتق من الاختلال أي ما يختلُّ من عصير العنب، والتفاح، والتمر(6)، ويُقال: خُلِّلَ العِنَب إذا حُّمض(خُّمر) وصار خَلّا والجمع خُلُول(7) وللخَلِّ في كلام العرب معانٍ أُخر منها الإنسان الرَّشيق بمعنى نحيف البدن، قال الشَّنفري:[بحر الرمل]

ص: 218


1- ينظر: العين:(لبن) 8/ 326 ، ولسان العرب:(لبن) 13 / 372 .
2- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(لبن) 1/ 2191 ، ومقاييس اللغة:(لبن) 5/ 232 ، والمحكم والمحيط الأعظم:(لبن) 10 / 382 .
3- معجم اللغة العربية المعاصرة:(لبن) 3/ 1992 .
4- ديوان الحارث بن حلزة تحقيق مروان العطية: 111.
5- سورة محمد: 15 .
6- ينظر: العين(خلّ) 4/ 139 .
7- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(خلل) 1/ 691 .

سقنيها يَا سَواد بن عَمْرو*** إِن جسمي بعد خَالِي لخل(1)

أو الموضع الذي يتخلّل في كثيب الرِّمال(2)، وقيل الملبس الرَّث أو العتيق(3)، ولمّا جاء الإسلام خُصَّ لفظه بنوع من السوائل (حامضة الطَّعم) التي أوصى بها رسول الله-صلّی الله عليه وآله وسلّم-قال: «نِعْمَ الْإدَامُ الَخلُّ »(4).

والمتتبع للفظة(اللبن) في قوله: «حَرَامٌ لَحمُهَا وكَذَلِكَ لَبَنُهَا »(5) يجدها استُعملت في سياق النَّهي إذ حرَّم-عليه السلام-شرب لبن البهيمة الموطوءة؛ لأنّه حرام لحرمتها(6)، ولما تسبّبه من الأضرار(الأمراض، والنّجاسات، والخبائث) التي تُلحق بجسم شاربها،ويظهر من ذلك أنَّ المعنى اللغوي الذي يعني الشّاب الأبيض يقارب الاستعمال السّياقي الذي يُراد به لبن البهيمة الموطوءة. والناظر لقوله-عليه السلام-: «نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ »(7) يرى أنّه استعمل لفظة(الخلّ) إشارة إلى فائدته؛ لأنّه يعمل على حرق مادة الصَّفراء في الجسم، ويُساعد على تقوية القلب، والحفاظ على ضرباته(8). ويظهر من ذلك أنّ المعنى

اللغوي الذي يدلُّ على محلول تخمير الفواكه يقارب الاستعمال السياقي الذي يُراد به فائدته.

ص: 219


1- جمهرة اللغة:(خلل) 1/ 107 ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(خلل) 4/ 1686 .
2- المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 514 .
3- ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس:(خلل) 28 / 421 .
4- سنن أبي داود: 3/ 359 .
5- الكافي: 6/ 259 ،ح 1.
6- ينظر:منهاج الصالحين، السيد علي السيستاني: 3/ 296 .
7- الكافي: 6/ 329 ،ح 7.
8- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام- 320 .

وممّا سبق يتضح أنّ اللبن انماز بأنّه الشّاب الأبيض الذي تفرزه أُناث الكائن الحي، ودلالة الشَّاب هي المشترك بينه وبين(الخَلّ) فهو محلول حامض يُنتج من تخمير الفواكه، وفيما يخص الظواهر الدلالية يُلمح ثمّة اشتراك لفظي طرأ على لفظة اللبن فهو الخلاصة ما بين الفرث والدم، والسائل الأبيض الذي تفرزه أناث الآدميين، والشجرة كثيرة الماء، ولفظ الخل إذ يُطلق على محلول الفواكه، والجسم النحيف، وكثيب الرَّمل، ورثاثة الملبس،.

ص: 220

المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الزِّينة والتَّجمّل وما يلحق بها

المجموعة الأولى: ألفاظ النَّظافة، وهي:(الطّيْب، والبَنَفْسَج، والدُّهن، والزَّيت،

والسُّواك، والنُّورة).

* الطِّيْب: ورد لفظه ثلاث مرات(1)منها قوله في باب (الطِّيْب) قال: «الطِّيبُ في الشَّاربِ مِنْ أخْلَقِ النَّبِيِّين عَلَيهم السَّلام وكَرَامَةٌ للكَاتِبِينَ »(2).

* البَنَفْسَج: ورد لفظه مرتين(3) إحداهما في باب(دهن البَنَفْسَج) قال: «اكْسُروا حَرَّ الحُمَّى بالبَنَفْسَج »(4).

* الدُّهن: ذُكر مرتين(5) إحداهما في باب(الادِّهان) قال: «الدُّهنُ يُليُّن البَشَرةَ ويَزِيدُ في الدِّمَاغِ ويُسَهِّلُ مَجارِيَ المَاءِ ويُذهِبُ القَشَفَ ويُسْفِرُ اللَّونَ »(6).

ص: 221


1- ينظر: الكافي: 3/ 147 ،ح 3، و 6/ 510 ،ح 5، و 6/ 512 ،ح 2، و 6/ 513 ،ح 3.
2- المصدر نفسه: 6/ 510 ،ح 5.
3- ينظر:الكافي: 6/ 522 ،ح 7، و 6/ 522 ،ح 11.
4- المصدر نفسه: 6/ 522 ،ح 11.
5- ينظر:المصدر نفسه: 6/ 519 ،ح 1، و 6/ 519 ،ح 4.
6- المصدر نفسه: 6/ 519 ،ح 1.

* الزَّيت: ورد ذكره مرتين(1)في كلامه-عليه السلام- إحداهما في باب(الزَّيت والزَّيتون) قال: «ادَّهِنُوا بالزَّيتِ وأتَدِمُوا بِهِ فإنَّهُ دُهنَةُ الأخيَارِ وإدامُ المُصْطَفيِن، مُسِحَتْ بالقُدْسِ مَرَّتَينِ، بُورِكَتْ مُقْبِلَةً و بُورِكَتْ مُدْبِرَةً، لَا يَضُّر مَعَهَا دَاءٌ »(2).

* السُّواك: استُعمِل مرة واحدة في باب(السُّواك) قال: «السُّواكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ ومَرْضَاةٌ للرَّبِّ ». (3)

* النُّورة: استُعملت مرة واحدة في باب(النُّورة) قال: «النُّورَةُ نُشْرةٌ وطَهُورٌ للجَسَدِ »(4).

ولمعرفة دلالة هذه الألفاظ لابدّ من تحقيق المعنى اللغوي لها:

الطِّيْب مأخوذ من الجذر(ط،ي،ب) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی خِلَف

الْخبِيثِ))(5)، ويُقال: طاب الشَّيء يطيبُ طِيباً إذا حَلا وجُمل وزَكَا(6)، ومنه الطِّيْب((ما يتطيب به، وقد تطيب بالشيء، وطيب الثوب وطابه))(7)، ويُقال:(( تطيَّب بالطِّيب تطيباً، تعطّر به، وادّهن... والطِّيب مصدر كلّ ذي رائحة عطرة كالمسك والعنبر والدّهن ونحو ذلك ممّا يتعطّر به جمع أطياب وطيوب))(8) والطِّيب نوع من الزِّينة ذو الرائحة

ص: 222


1- المصدر نفسه: 6/ 328 ،ح 7، و 6/ 331 ،ح 4
2- المصدر نفسه: 6/ 331 ،ح 4.-
3- المصدر نفسه: 6/ 495 ،ح 4.
4- المصدر نفسه: 6/ 506 ،ح 7.
5- مقاييس اللغة:(طيب) 3/ 435 .
6- ينظر:تاج العروس من جواهر القاموس:(طيب) 3/ 282 .
7- لسان العرب:(طيب) 1/ 565 .
8- محيط المحيط، بطرس البستاني:(طيب) 562 .

الزكية يستعمله الرِّجال والنِّساء على حدٍّ سواء. ودلالة الرَّائحة الزَّكية هي المشترك بين اللفظين الطَّيْب و البَنَفْسَج، وهو من الجذر(ب،ن،ف،س،ج) وأصله((نبات زهري من الفصيلة البنفسجيّة من ذوات الفلقتين يُزرع للزينة، وأزهاره عطرة الرَّائحة)) (1)

فالبَنَفْسَج إذن جنس زهريّ لونه مميز، ذو رائحة طيّبة عطرة، يُستعمل للتَّزيّن والتَّداوي.

ومن الاستعمالات الأُخر لفظة (الدُّهن) من الجذر(د،ه،ن) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی لِينٍ وَسُهُولَةٍ وَقِلَّةٍ))(2)، ويُقال: دَهَنتُ الشيء دهناً إذا طليته ودلكته بالزيت والجمع دِهان وأدهان(3)، وهو ((مادة زيتيّة دسمة في الحيوان والنبات، جامدة في درجة الحرارة العادية، فإذا سالت كانت زيتاً، وهو من الأغذية الضرورية للأجسام))(4).

قال تبارك وتعالى:﴿ وَشَجَرَةً تْخرُجُ مِنْ طوُرِ سَينْاَءَ تنَبْتُ باِلدُّهْنِ﴾(5) فهو إذن السائل اللزج الطّري الذي يُستعمل في الطعام، فضلاً عن استعمال الإنسان له في الزّينة والجمال.

وترتبط لفظة الزَّيت بالدّهن بعلاقة جزئية؛ لأنّه ((سائل دهني نباتي أو حيواني أو معدني غليظ القوام منه أنواع تُستعمل في الطّعام...))(6)، وهومن الجذر(ز،ي،ت) وأصله عصارة الزّيتون أي الدّهن الذي يُستخرج من شجرته(7)، ويُقال: زيَّت الرَّجل طعامه

ص: 223


1- معجم اللغة العربية المعاصرة:(بنفسج) 1/ 249 .
2- مقاييس اللغة:(دهن) 2/ 308 .
3- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(دهن) 1/ 779 .
4- معجم اللغة العربية المعاصرة:(دهن) 1/ 779 .
5- سورة المؤمنون: 20 .
6- معجم اللغة العربية المعاصرة:(زيت) 1/ 1013 .
7- ينظر: العين:(زيت) 7/ 378 ، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم:(زيت) 536 .

إذا سمَّنه بالزّيت(1).قال تعالى:﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾(2) فالمراد به محلول الزّيت المعروف

أي دهن شجرة الزّيتون. ودلالة التّدليك هي المشترك بين لفظي الدُّهن والسُّواك وهو من الجذر(س،و،ك) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی حَرَكَةٍ وَاضْطِرَابٍ...))(3) ويُقال: سوك الرَّجل أسنانه يسوكها سوكاً بمعنى دلَّكها به(4)، واشتق لفظه من تساوك الإبل أو الغنم في مسيرها إذا احتكت عظامها مع بعضها لسوء حركتها(5)، قال سلامة بن جندل:[البحر البسيط]

تُري السِّواكَ على غُرٍّ مُفلَّجةٍ*** لم يغذُها دَنسٌ تحت الجَلابيبِ(6)

ومن الألفاظ الأُخرى النُّورة من الجذر(ن،و،ر) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی

إِضَاءَةٍ...))(7) ويُقال: تنوّر الرَّجل والمرأة إذا دهنا جسمهما بها فحسُن و حَلا(8)، فالنُّورة هي خليط من حجر الكلس، ومعدن الكالسيوم ، ومعدن الباريون، التي تتركب مع بعضها لإزالة الشعر(9)، وإنمّا سُمّي بها تشبيهاً بالنُّور الذي يعمل على إنارة وتبييض

ص: 224


1- ينظر: مجمع البحرين ومطلع النيّرين:(زيت) 2/ 793 .
2- سورة النور: 35 .
3- مقاييس اللغة:(سوك) 3/ 117 .
4- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(سوك) 2/ 1139.
5- ينظر:أساس البلاغة:(سوك) 1/ 485 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر:(سوك) 2/ 425 .
6- ديوان سلامة بن جندل، تحقيق فخر الدين قباوة: 226
7- مقاييس اللغة:(نور) 5/ 368 .
8- ينظر:مجمع البحرين ومطلع النيرين:(نور) 3/ 1847 .
9- ينظر: المعجم الوسيط:(نور) 2/ 962 .

البشرة وتجميلها(1).

وفي ضوء ما سبق يتّضح أن الألفاظ (الطِّيْب، والبَنَفْسَج، والدُّهن، والسُّواك،

والنُّورة) تندرج تحت حقل واحد وهو الزِّينة والتَّطهير، إلّا أنّ لكلّ منها سمتها التي

تميزها من البقية ف(الطِّيْب) الراَّئحة العطرة التي يعظم تأثيرها في النفوس، و (البَنَفْسَج) نبات رائحته زكية يُستعمل في الزِّينة، ودلّ (الدُّهن) بأنّه مادة زيتِّة ليِّنة ضرورية للجسم، أمّا(السُّواك) فدلّت على أنّها الأداة التي يُدلَّك بها الفم، ، وانمازت(النُّورة) بأنّها مادة منظِّفة.

والدلالة الاستعمالية لهذه الألفاظ في كلامه-عليه السلام- تتَّضح عن طريق بيان

سياقها، والمتأمل للفظة (الطِّيْب) في قوله: « الطِّيبُ في الشَّاربِ »(2) يُلحظ أنّه استعملها إشارة إلى سماته؛ لأنّه يُعدّ من صفات الأنبياء-صلوات الله عليهم- فعلى الرغم من عظيم قدرهم، وعلو شأنهم، وسمو منزلتهم كانوا يستحسنون الطِّيب ويرغبون فيه، وخصّه بالذكر؛ لأنّه من الأمور المستحبّة في التّزيّن والتجمّل في الإسلام، وما يؤيد ذلك قوله-

صلّی الله عليه وآله وسلّم-: «إنّ الرِّيح الطَّيِّبَة تشدُّ القلب وتزيد في الجماع »(3)، وهكذا يظهر أنّ المعنى اللغوي يعني الرائحة الطيبة غير الاستعمال السِّياقي الذي يراد به سمة للأنبياء والأوصياء.ولفظة (البَنَفْسَج) وظّفها الإمام-عليه السلام-في قوله: «اكْسِروا حَرَّ الحُمَّى بالبَنَفْسَجِ »(4)؛ بوصفه علاجاً لأمراض الحمّى التي تتجلَّی في ارتفاع حرارة

ص: 225


1- ينظر: الزاهر في معاني كلمات الناس: 2/ 302 .
2- الكافي: 6/ 510 ،ح 5.
3- الكافي: 6/ 510 ،ح 3.
4- المصدر نفسه: 6/ 522 ،ح 11.

الجسم بدءاً من القلب، والشرايين ثم تنتقل إلى الجسم كلّه فتشعله(1). وقد أثبت الطّبّ الحديث أنّه يساعد على معالجة أمراض المجاري التنفسية، والسعال، والجهاز الهضمي، والمجاري البولية، وقرحة المعدة، فضلاً عن معالجة أمراض الخنان وذلك بتليين اللسان

يوماً أو بضعة أيام(2)، ومّما ذُكر يتضح أنّ المعنى اللغوي يعني أنّه نبات زهري يقارب الاستعمال السياقي الذي يتجلّی بوصفه علاجاً لحرارة الجسم. و استعمل (الدُّهن) في قوله: «الدُّهنُ يُليِّن البَشَرةَ »(3)؛ لأنَّه يساعد على ترقيق الغطاء الخارجي للجلد (البشرة) وترطيبه، ويعمل على رزانة العقل، وسهولة مجاري الماء، ويطرد القشف(4)، وخُصّ ذكره؛ لأنّه من المواد المستعملة في الزِّينة والتَّجميل في الإسلام ولا سيّما النِّساء. ويُستدل من ذلك التقارب الدَّلالي بين المعنى اللغوي والاستعمال السياقي الذي يعني: التّطيب، والتّليين.

والمتأمل لقوله-عليه السلام-: «ادَّهِنُوا بالزَّيتِ وأتَدِمُوا بِهِ »(5) يلحظ أنّه استعمل لفظة (الزّيت) في سياق الأمر؛ لأنّ خطابه ورد لبيان فضل الإدهان بالزَّيت والإئتدام به، لما فيه مصلحة العباد وإرشادهم، ويُلمح أنّ وجه المصلحة فيه إشارة إلى فائدة الزّيت في معالجة أمراض ضغط الدَّم وتصلّب الشَّرايين والأمراض الجلدية نحو، الحروق،والطَّفح الجلدي، وورم الكدمات العضلية، والشَّد العضلي، ويساعد على تقوية الكبد،

ص: 226


1- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام- 421 .
2- ينظر: ألفاظ الحضارة العباسية في مؤلفات الجاحظ، طيبة صالح الشذر: 70 ، وطب الإمام علي-عليه السلام-: 165 - 166 .
3- الكافي: 6/ 519 ،ح 1.
4- القَشَف يعني: قذارة البشرة و ضعف الهيكل. ينظر:الكافي: 6/ 519 .
5- الكافي: 6/ 331 ،ح 4.

ويقلِّل من إصابة أمراض القلب، و السّطان وتفتيت الحصى الكلوي(1)، ويبدو أن المعنى اللغوي يعني عصارة الزَّيت يقارب الاستعمال السِّياقي الذي يعني فائدته.

ومن الاستعمالات الأُخرى (السُّواك) وظّفه الإمام-عليه السلام- في قوله: «السُّواكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ »(2) بوصفه منظِّفاً، ومعقِّمًا، ومطهِّراً للفم، وقاتلًا للجراثيم، ويدفع ظلمة البصر، ويفتح الشهية، ومبيِّض للأسنان، ويظهر أنّ وجه الفائدة في ذلك أنّه يقوم مقام فرشاة الأسنان؛ لاحتوائه على مادة(حمض العفص) التي تزيل تسوّس الأسنان وتمنعه، فضلاً عن تفعيل الدَّورة الدَّموية لها(3)، وخصّه بالذّكر؛ لأنّه من الأدوات المستحسنة في الزِّينة والتَّجمُّل عند المسلمين، وممّا ذُكر يُلمح الإشتراك اللفظي بين المعنى اللغوي الذي يعني تساوك الإبل في مسيرها أي احتكاك عظامها و الاستعمال السِّياقي الذي يقصد به العود الذي يُدلَّك به الفم.

والناظر لقوله: «النُّورَةُ نُشْرةٌ وطَهُورٌ للجَسَدِ »(4) يرى أنّه استعمل لفظة(النُّورة)؛ لأنّه أراد أن يبيِّن أنّها من المواد المطهِّرة للجسد والمنظِّفة له من الشعر والأوساخ فضلاً عن تنظيف المناطق الحسَّاسة وتخليصها من الرائحة الكريهة والجراثيم. فالنُّورة إذن من الأدوات المعقّمة للبشرة وتعمل على تلطيفها وتنعيمها وتلميعها، ويُلمح أنّ المعنى اللغوي الإضاءة غير الاستعمال السِّياقي الذي يعني أنّه مادة مطهِّرة.

ص: 227


1- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام- 333 - 334 .
2- الكافي: 6/ 495 ،ح 4.
3- ينظر: طب الإمام علي-عليه السلام- 196
4- الكافي: 6/ 509 ،ح 7.

المجموعة الثانية: ألفاظ التَّختُّم، وهي: (الجَزْع اليماني، والفِضَّة).

* الجَزْع اليماني: ورد لفظه مرة واحدة في باب(الجَزْع اليماني والبلّور) قال: «تَختَّمُوا بالجَزْعِ اليَمَانِّي فإنّهُ يَرُدُّ كَيْدَ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ »(1).

* الفضَّة: جاء ذكرها مرة واحدة في باب(الخواتيم) قال: «لَا تَختَّمُوا بِغَيرِ الفِضَّةِ فإنَّ رسولَ اللهِ صلّی الله عليه وآله قال: ماطَهُرَت كَفٌّ فِيَها خَاتَمُ حَدِيدٍ »(2).

ويشير المعنى اللغوي لهما إلى أنّ الجَزْع اليماني مأخوذ من الجذر(ج،ز،ع) وله((أَصْلَانِ: أَحَدُهُما الِنْقِطَاعُ، وَالْخَرُ جَوْهَرٌ مِنَ الَجوَاهِرِ... فَالَجزْعُ، وَهُوَ الْخرَزُ الَمْعْرُوفُ. وَيُقَالُ بُسْرةٌ مُجزَّعَةٌ، إِذَا بَلَغَ الْإرْطَابُ نِصْفَهَا، وَتُشْبِهُ حِينَئِذٍ الَجزْعَ))(3) وعُرِّف بأنّه: ضرب من الجواهر النَّفيسة التي تتسم بتعدد ألوانها البرَّاقة بين الأسْود والأبيض على شكل خطوط متجاورة دائرية تشبه عيون الوحوش(4) قال امرؤ القيس:[البحر الطويل]

كأَنَّ عُيُونَ الوَحْشِ حَوْلَ خِبَائِنَا*** وأَرْحُلِنَا الجَزْعُ الَّذِي لِم يُثَقَّبِ(5)

فالجَزْع اليماني إذن هو نوع من الخرز الذي يُتّخذ للزِّينة وغيرها، ويُطلق عليه الجزع الظّفاري أو اليماني وهو من الأمور التي يستحب لبسها في الإسلام. ولفظة الفضّة مأخوذة

ص: 228


1- المصدر نفسه: 6/ 472 ،ح 1.
2- الكافي: 6/ 468 ،ح 6.
3- مقاييس اللغة:(جزع) 1/ 453 .
4- ينظر: لسان العرب(جزع) 8/ 48 ،و المعجم الوسيط:(جزع) 1/ 121 .
5- ديوان امرئ القيس: 53 .

من الجذر(ف،ض،ض) وله ((أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَی تَفْرِيقٍ وَتَجزِئَةٍ))(1)ويُقال: فضّ الشيء يفضّ فضّاً بمعنى انبث وانتشر فهو فضفاض أي مبعثر(2) و تداوله العرب في عصر ما قبل الإسلام، قال النابغة الذبياني:[البحر الطويل]

يَطِيرُ فُضاضاً بَينها كلّ قَوْنَسٍ*** ويَتْبَعُها مِنْهُم فَرَاشُ الحواجِبِ(3)

ومنه الفضة الحجر المتناثر مع بعضه(4) وقيل:))كَأَنَّها تَفُضُّ، لِما يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ حَلْي))(5) ويقال:فضّ الخاتم إذا طلاه بالفضة أي مرصّع بها و ورد لفظه في الذكر الحكيم:

﴿وَالْقَنَاطِيرِ الُمقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾(6) فهي من المعادن النفيسة التي تستعمل للتّجارة والزّينة والأواني وأكثر من يستعملها الرجال، ويتضح من ذلك أنّ لفظة(الجَزْع اليماني) انمازت بأنّها ضرب من الجواهر النفيسة، في حين اتسمت لفظة(الفضَّة) بأنّها ضرب من فصوص الحلي المتناثرة.

وأمّا دلالة استعمال هذه الألفاظ في كلامه : « تَختَّمُوا بالجَزْعِ اليَمَانِيّ »(7) فيُلحظ أنّه استعمل لفظة (الجَزْع اليماني) في سياق الأمر يدلّنا عليه بنية الفعل(تَختَّموا)؛ لأنّ خطابه جاء لبيان مزايا هذا الخاتم الذي يعمل على طرد أعمال السِّحر والشَّعوذة، والصَّلاة

ص: 229


1- مقاييس اللغة:(فضّ) 4/ 440 .
2- ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة:(فضض) 3/ 1717 .
3- ديوان النابغة الذبياني: 44 .
4- ينظر: لسان العرب:(فضض) 7/ 207 .
5- مقاييس اللغة:(فضّ) 4/ 440 .
6- سورة آل عمران: 14 .
7- الكافي: 6/ 472 ،ح 1.

فيه بسبعين مثلها، وهو من الأحجار الكريمة التي تُسبِّح وتستغفر لحاملها، وتعمل على تسهيل عسر الولادة، وما يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين-عليه السلام-أنّه قال:((خرج علينا رسول الله وفي يده خاتم فضة جزع يماني، فصلّی بنا، فلمّا قضى صلاته دفعه إليّ، وقال: ياعلي تختّم به في يمينك، وصلّ فيه: أوما علمت أنّ الصّلاة في الجَزْع سبعون صلاة؟! وإنّه يسبح ويستغفر وأجره لصاحبه))(1).

وممّا ذُكر يتضح أنّ المعنى اللغوي يعني أنّه نوع من الخرز يُستعمل في الخاتم والقلادة وما شابه ذلك يقارب الاستعمال السياقي الذي يشير إلى فائدته. والمتأمل لكلامه : «لَا تَختَّمُوا بِغَيرِ الفِضَّةِ »(2) يجده نهى عن التختّم بغير فصوص الفضة؛ لأنّها من أفضل وأشهر أنواع الأحجار الكريمة، والمعادن النفسية التي تساعد على تنشيط الأوعية الدموية، وتوازن الجسم، وطرد الجراثيم من الجسم ووجه المصلحة في ذلك؛ إرشادهم وحرصه الشديد على طهارة المسلمين، وسلامتهم من الأمراض، ويستشف من ذلك أنّ

المعنى اللغوي الذي يعني أنّه من الفصوص الثمينة في صناعة الحلي يقارب الاستعمال السِّياقي الذي يدلّ على أنّه من الفصوص المستحبة في الإسلام.

يتّضح ممّا ذُكر ثمّة تطور دلالي طرأ على لفظة (الفضّة) إذ انتقلت دلالتها من التجزيء إلى فصوص الأحجار المتناثرة، ثمّ أُطلقت على الحجر الكريم الذي يتختّم بها، لأنّه على أجزاء فضفاضة.

ص: 230


1- عيون أخبار الرضا: 2/ 140 ،ح 18 .
2- الكافي: 6/ 468 ،ح 6.

المجموعة الثالثة: الألفاظ الساترة للجسم، وهي:(ثياب الشُّهرة، والحذاء).

* ثياب الشُّهرة: ورد لفظه ست مرات(1) في كلامه-عليه السلام-من ذلك قوله في باب(لبس المعصفر) قال: «نَهانِي رسولُ اللهِ صلّی الله عليه وآله عن لُبْسِ ثِيَابِ الشُّهْرَةِ ولَا أقُولُ نَهاكُم عن لِبَاسِ المُعَصْفَرِ القديم »(2).

* الحذاء: استُعمل لفظه مرتين(3)إحداهما في (باب الاحتذاء) قال: «اسْتِجَادَةُ الحِذَاءِ وِقَايَةٌ للبَدَنِ وعَوْنٌ عَلَی الصَّلاةِ والطَّهُورِ »(4).

وللكشف عن دلالة هذه الألفاظ لابدّ من تحقيق المعنى اللغوي لها:

فلفظ (ثياب الشّهرة) يتركب من جزأين، الأوّل من الجذر(ث،و،ب) والأصل

فيه((رجوع الشَّيء إلى حالته الأولى التي كان عليها... ومن الرّجوع إلى الحالة المقصودة المقدّرة بالفكرة، سُمّي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قُدِّر لها))(5)، فالثياب هي

اللّباس بنوعيها الجميلة والقبيحة التي تغطي جسم الإنسان وتستره، وتتخذ من القطن،

ص: 231


1- ينظر: الكافي: 6/ 444 ،ح 14 ، و 6/ 446 ،ح 4، و 6/ 447 /ح 4، و 6/ 450 ،ح 2، و 6/ 457 ،ح 6، و 459/6 ،ح 5.
2- المصدر نفسه: 6/ 447 ،ح 4.
3- ينظر: المصدر نفسه: 6/ 462 ،ح 1، و 6/ 463 ،ح 4.
4- المصدر نفسه: 6/ 462 ،ح 1.
5- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: 2/ 337 .

والكتان، والغزل ونحوهم(1)، قال تعالى:﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضًرا مِنْ سُنْدُسٍ﴾(2).

ولفظة (الشّهرة) تعني: ((ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس))(3)وعليه فثياب الشهرة هي اللباس التي يرتديها الإنسان فتعرضه للقبح والشناعة.و لفظة (الحذاء) من الجذر(ح،ذ،ذ) وله ((أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی الْقَطْعِ وَالْخفَّةِ وَالسُّرعَةِ، لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيءٌ))(4) والحذّ القص أو القطع، ويُقال: حذا الرّجل يحذو حذاءً إذا قطعها وقاسها، وحذا نعلاً أي قدرها، والحذاء النّعل، ويقال: لبائعها الحذّاء(5)،وقيل: الحذاء:((ما وَطئَ عليه البعير من خفه والفرس من حافره))(6).

يستشف من التعريف اللغوي أنَّ لفظة (ثياب الشُّهرة) اللّباس الذي يغطي الجسد ويكون مدعاة للاشمئزاز، أمّا لفظة(الحذاء) فتدلّ على الغطاء الذي يقي القدم من شوائب الأرض.

والمتأمل لقوله: « نَهانِي رسولُ اللهِ صلّی الله عليه وآله عن لُبْسِ ثِيَابِ الشُّهْرَةِ »(7) يجده كنّى-عليه السلام-(بثياب الشّهرة) عن اللّباس الذي يجعل الإنسان معرّضاً للسخرية

ص: 232


1- ينظر: المعجم العربي لأسماء الملابس، رجب عبد الجواد إبراهيم:(الثوب) 102 ، ومعجم اللغة العربية المعاصرة:(ثوب) 1/ 334 .
2- سورة الكهف: 31 .
3- لسان العرب:(شهر) 1/ 246 .
4- مقاييس اللغة:(حذ) 2/ 5.
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:(حذا) 1/ 357 ، ولسان العرب:(حذا) 14 / 169 .
6- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية:(حذا) 6/ 2310 .
7- الكافي: 6/ 447 ،ح 4.

والاستهزاء في كلام الناس، ويتجسّد ذلك في (اللباس المثير، ولباس الحرير للرِّجال، ولباس التَّشبه بالنِّساء وبالرِّجال، ولباس الرِّياء والمعصية))(1)، ووجه النهي في ذلك؛

حرصه الشديد عليهم، لئلّا يظهروا بمظهر قبيح يجلب البشاعة، وممّا ذكر يظهر أنّ المعنى اللغوي يدلُّ على اللباس الذي يعرّض الإنسان للقبح والبشاعة يقارب الاستعمال السياقي الذي يُراد به ثياب الكفر.

والناظر لقوله: «اسْتِجَادَةُ الحِذَاءِ »(2) يراه عمد إلى استعمال لفظة (الحذاء)؛ لأنّه أراد أن يوجِّه المسلمين إلى آداب لباس القدم، وضرورة اتقان عملها، وذلك بقطعها، وقياسها جيداً ومتقناً، وخصها بالذكر؛ لأنّها اللباس الذي يغطي القدم ويقيه من جراثيم الأرض ويستعمله الرِّجال والنساء، وعلى هذا فإنّ المعنى اللغوي يعني القطع والقص للحذاء يقارب الاستعمال السياقي الذي يراد به اتقان عملها.

يُستدل من ذلك أنَّ لفظة(الحذاء) تعدُّ من ألفاظ المشترك اللفظي؛ لأنّها تُطلق على النَّعل، وخفّ الجمل، وحافر الفرس.

ص: 233


1- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 22 / 321 .
2- الكافي: 6/ 462 ،ح 1.

الخاتمة

بعد هذه الرحلة في عالم كلام أمير المؤمنين-عليه السلام- في ضوء نظرية الحقول الدَّلالية، أفضت الرحلة إلى جملة من النتائج ، أهمها:

1. أظهرت الدراسة في كتاب الكافي أنَّ الشيخ الكليني قد اهتدى إلى فكرة الحقول الدَّلاليّة، وإن لم يعطها هذا المصطلح المشهور، إذ بدت في تقسيمه للموضوعات التي تناولها في كتابه (الأصول والفروع) عندما صنَّفها على كتب موضوعيةاقتصرت على مجال دلالي واحد بألفاظ تنتمي لمفهوم الكتاب العام، وجاء ترتيبه على وفق الأحكام الشرعية.

2. أظهرت الدراسة أنَّ ثمة مناسبة دلالية ما بين المعنى اللغوي واللفظ في الاستعمال السياقي، ومصداق ذلك الوراثة بين آل النبي-عليهم السلام- للفظ

الوصي، والنبأ، والهداية والإرشاد للفظ المهدي، والعلو والشرف للفظ أهل البيت، والإدارة في الحكم للفظ الإمام، والأدلّاء الذي ينبغي أن نقصدهم،

والاختصاص والعناية للفظ الطلاق، والهدوء والرزانة للفظ الهيّنة اللينة،والموافقة للفظ المؤاتية، والتعويض والضمان الاجتماعي للفظ الدية وغيرها.

3. أظهر استعمال ألفاظ الإمام-عليه السلام- في الكافي بعض الظواهر الدَّلالية ومنها ظاهرة التطوّر الدَّلالي الذي طرأ على الألفاظ في دلالاتها الاستعمالية

(المعجمية والجاهلية والإسلامية) مثل لفظ الجلالة (الله) الذي تطوّرت دلالته إلى الفرد الصمد بعدما كانت تدلّ على أحد الآلهة، و لفظة الصمد التي انتقلت

ص: 234

دلالتها من السيد المطاع في قومه إلى لفظ خاص لله تعالى بوصفه (لم يلد ولم يولد) أي لم يخرج من شيء ولا يخرج منه شيء، ولفظة الأعراف التي انتقلت

من دلالة المكان المرتفع إلى الأئمّة- عليهم السلام-، ولفظة القبلة انتقلت من دلالة مواجهة الشيء للشيء إلى قبلة المسلمين، ولفظة الخراج التي انتقلت

دلالتها من الاسم الذي يُطلق على ما يستخرج من باطن الأرض إلى الغلّة التي تؤخذ شرعاً عن الأرض، ولفظة الطلاق انتقلت دلالتها من الإخلاء

والإرسال إلى حلّ عقد النكاح، وغيرها، وظاهرة التقارب الدَّلالي بين اللغة العبرية واللغة العربية في معاني أسماء الأنبياء إبراهيم وموسى وداوود، إذعُدَّت أسماء إسلامية، وظاهرة التخصص الدَّلالي في لفظةالأكفان، والحجّ،والإيلاء، والمهر، وغيرها.

4. كشفت الدراسة ثمة علاقة دلالية بين لفظي (الأحد، والصمد) فالأحد يدلّ على توحيده في ذاته، وتثبت انتفاء الأجزاء والتراكيب عنه، في حين يدلّ الصمد

على أنّه فريد في أفعاله وإليه ينتهى في الحوائج كلّها صغيرها أو كبيرها، ولفظي (المهر، والصداق) فالمهر اسم جامع لما يُعطى في الزواج وغيره، في حين أنّ الصداق هو ما يلزم دفعه للمرأة لقاء نكاحه إياها.

5. تبيَّن من الخوض في دراسة كلام الإمام-عليه السلام- تنوّع آلياته بين الأمر والنهي والتوكيد، وعنايته بقضايا لغوية تتجسّد في ظهور عدد من المصاحبات

اللغوية مثل شهر رمضان وأبينا إبراهيم، وتعدد الألفاظ المجازية، وهذا يدلّ على أثر ألفاظه في التكوين اللغوي؛ بوصف النصوص العلوية جديرة بالاستشهاد في كلام العرب.

ص: 235

6. أثبتت الدراسة أنَّ الألفاظ الدَّالة على الإمامة هي الأكثر وروداً في الكافي بتفاصيلها جميعاً، ما يدلّ على عنايته بهذا الأصل من الأصول الدينية وتأكيده

أصلاً اعتقادياً ضرورياً عند المسلمين.

7.تحقّق في استعمال أغلب ألفاظ الإمام-عليه السلام- الأثر القرآني، وذلك بإيراد كلامه عدداً من المفردات التي ساقها بأسلوب قرآني أخّاذ بليغ يميل

نحو الاقتباس مثل لفظة موسى والأعراف وغيرها، إشارة إلى المضمون القرآني داخل السياق؛ لما له من أثر حقيقي في انسيابية التلقي.

8. كان لكلام الإمام-عليه السلام- أثر في الدِّين الإسلامي، إذ مثّلت ألفاظ طبقات المجتمع في كلامه نظرية اجتماعية لحقوق الأفراد (الأحرار، والعبيد، والسُّريّة)، فضلاً عن ذوي العاهات (الأشلّ، والأعرج، والمُقعد)؛ مؤسساً منهجاً إسلامياً محكماً يعرفه الفرد لتأدية دوره وحقوقه بين أبناء المجتمع الإنساني.

9. غلبة الألفاظ الإسلامية في كتاب الكافي، إذ مثَّل مدونة لغوية حافلة بالثراء اللغوي للمعاني الإسلامية (الشرعية)، لكلام الأئمة-عليهم السلام- ولاسيّما

كلام الإمام علي-عليه السلام-، وما يؤيد ذلك تضمنه لأبواب الفقه (العقائد والعبادات والمعاملات)، وفي ذلك دلالة على أنَّ الكتاب جامع لتعاليم جمّة،

ومنها التعاليم الدينية، وبعضها يخصّ وسائل الحياة وعناصرها.

10. كان لاستعمال ألفاظ الأطعمة في كلام الإمام-عليه السلام- أثر في الطّبِّ والتداوي، إذ بيّن القيمة الغذائية لكلّ نوع في ضوء ما توصّل إليه الطّب

الحديث، فضلاً عمَّ بيَّنه من طرق المعالجة والتداوي بها.

-وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين-

ص: 236

المصادر والمراجع

اشارة

•القرآن الكريم

الكتب المطبوعة

(أ)

1. أبنية الصرف في كتاب سيبويه، خديجة الحديثي، ط 1،منشورات مكتبة النهضة، بغداد،1385 ه- 1965 م.

2. أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، جمعة محمد محمد برّاج، ط 1، دار الفكر، عمّان،1401 ه- 1981 م.

3. أخلاق وآداب الحرب في عصر الرسول صلّی الله عليه وأله وسلّم ، حامد محمد خليفة، ط 1،دار عمار، المملكة الأردنية الهاشمية، 1430 ه- 2009 م.

4. أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري(ت 538 ه)، تحقيق محمد باسل عيون السود، ط 1،دار الكتب العلمية، بيروت، 1419 ه- 1998 م.

5. أسباب نزول القرآن، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي(ت 468 ه)، تحقيق ودراسة كمال بسيوني زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 ه- 1991 م.

6. استرتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، عبد الهادي بن ظافر الشهري، ط 1، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2004 م.

ص: 237

7. أسرار البلاغة، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني(ت 471 ه)، قرأه وعلّق عليه محمود محمد شاكر، ط 1، دار المدني، القاهرة، 1412 ه- 1991 م.

8. اشتقاق أسماء الله، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت 340 ه)، تحقيق عبد الحسين المبارك، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 ه- 1986 م.

9. أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية، أحمد عزوز،(د.ط)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002 م.

10. إعجاز القرآن في النبات والحيوان، حسام حميد الحديثي،ط 1، دار ومكتبة عدنان، بغداد، 2013 م.

11. الألفاظ، يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت(ت 244 ه)، تحقيق فخر الدين قباوة، ط 1، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1998 م.

12.ألفاظ الحضارة العباسية في مؤلفات الجاحظ، طيبة صالح الشذر،(د.ط)،دار قباء للطباعة والنشر، 1998 م.

13.ألفاظ الحضارة في الشعر العربي في القرن الثاني الهجري دراسة ومعجم، علي زوين، (د.ط)، المجمع الثقافي،أبو ظبي، 1427 ه- 2006 م.

14. الله والإنسان في القرآن، توشيهيكو إيزو تسو، ترجمة وتقديم هلال محمد الجهاد، ط 1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007 م.

15. الأمالي، أبو علي القالي إسماعيل بن القاسم بن سلمان(ت 356 ه)، عني بوضعها وترتيبها محمد عبد الجواد الأصمعي،ط 2، دار الكتب المصرية، 1322 ه- 1926 م.

ص: 238

16. الإمامة الإلهية، محمد علي بحر العلوم،ط 1، الأميرة للطباعة، بيروت، 1433 ه- 2012 م.

17. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزّل، ناصر مكارم الشيرازي، (د.ط)، نشره قسم الترجمة والنشر مدرسة الإمام أمير المؤمنين-عليه السلام-، إيران، (د.ت).

18. أنيس الفقهاء في الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، قاسم القونوي(ت 978 ه) تحقيق أحمد عبد الرزاق الكبيسي،ط 1، دار الوفاء، جدة، 1406 ه- 1986 م.

19. أهل البيت -عليهم السلام- في نهج البلاغة قراءة تأويلية، حاكم مالك الكريطي، (د.ط)، جامعة الكوفة، كلية الآداب، (د.ت).

20. الأوائل، أبو هلال العسكري(ت 395 ه)، تحقيق محمد السيد الوكيل،ط 1، مؤسسة الإهرام، القاهرة، 1408 ه- 1987 م.

(ب)

1. البحر المحيط، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي(ت 745 ه)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، وزكريا عبد المجيد النوني، وأحمد النجولي الجمل، وعبد الحي الفرماي،ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 ه- 1993 م.

2. البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني(ت 1107 ه)، تحقيق لجنة من العلماء الأخصائيين،ط 2، منشورات الأعلمي، بيروت، 1427 ه- 2006 م.

3 . بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز

ص: 239

آبادي(ت 817 ه)، تحقيق محمد علي النجار، ط 3،القاهرة، 1416 ه- 1996 م.

(ت)

1 . تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(ت 1205 ه)، تحقيق مجموعة من المحققين،(د.ط)، مطبعة حكومة الكويت، 1385 ه- 1965 م.

2 . تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر(ت 571 ه)، تحقيق محب الدين أبي سعيد عمر العمروي،ط 1، دار الفكر ، بيروت، 1417 ه- 1996 م.

3 . التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور(ت 1393 ه)، (د.ط)، الدار التونسية للنشر،تونس 1884 م.

4 . ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة علم الرجال، يوسف بن علي بن المطهر الحلي(ت 726 ه)، تحقيق قسم الحديث في جمع البحوث الإسلامية،ط 1، مشهد، 1422 ه.

5 . التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم، عودة خليل أبو عودة،ط 1،مكتبة المنار، الأردن، 1405 ه- 1985 م.

6 . تطور مفهوم الجهاد دراسة في الفكر الإسلامي المعاصر، محمود محمد أحمد،ط 1، مكتبة الفكر العربي، بيروت، 2015 م.

7 . التعريفات، علي بن محمد الشريف الجرجاني(ت 816 ه)، تحقيق محمد صديق المنشاوي،ط 1، دار الفضيلة، 1403 ه- 1983 م.

ص: 240

8 . التعريفات الفقهية، محمد عميم الإحسان،ط 1، دار الكتب العلمية، 1424 ه- 2003 م.

9 . تفسير أسماء الله الحسنى، إبراهيم بن السري الزجاج(ت 311 ه)، تحقيق أحمد يوسف الدقاق،ط 2، دار المأمون، بيروت، 1399 ه- 1979 م.

10. تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني(ت 1351 ه)، تحقيق محيي الدين المامقاني،ط 1، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1423 ه- 1381 م.

11. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت 460 ه)، تحقيق حسن الموسوي الخرساني، (د.ط)، دار الكتب الإسلامية،طهران، 1390 ه.

12. تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت 370 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، راجعه محمد علي النجار،(د.ط)، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة، (د.ت).

(ث)

1 . ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي، والسجستاني، وابن السكيت، نشرها أوغست هفنر،(د.ط)، مطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت، 1922 م.

2 . ثلاثيات الكليني، أمين ترمس العاملي، ط 1،مؤسسة دار الحديث، 1417 ه.

(ج)

1 . الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، أبو عبد الله أحمد بن أحمد

ص: 241

القرطبي(ت 671 ه)، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1،مؤسسة الرسالة،بيروت، 1427 ه- 2006 م.

2 . الجامع الكبير(سنن الترمذي)، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي(ت 279 ه)، حققه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه شعيب الأرنؤوط، وعبد اللطيف حرز الله، وسعيد اللحام،ط 1، دار الرسالة العالمية، دمشق، 1430 ه- 2009 م.

3 . الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه مع فوائد نحوية هامة، محمود عبد الرحيم صافي (ت 1376 ه)، ط 3،مؤسسة الإيمان، دار الرشيد، بيروت، 1416 ه- 1995 م.

4 . جسد الإنسان والتعبيرات اللغوية(دراسة دلالية ومعجم)، محمد محمد داوود، ط 1،دار غريب، القاهرة، 2007 م.

5 . جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام، محمد بن بكر بن أيوب بن قيِّم الجوزيّة(ت 751 ه)، تحقيق رائد بن أحمد النشيري، ط 1،مجمع الفقه الإسلامي، جدة،1425 ه.

6 . جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي(ت 321 ه)، تحقيق رمزي منيربعلبكي، ط 1،دار العلم للملايين، بيروت، 1987 م.

7 . جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجيفي(ت 1266 ه)، تحقيق عباس القوجاني، ط 7،بيروت، 1981 م.

ص: 242

(ح)

1 . الحدود والأحكام الفقهية، علي بن مجد الدين بن الشاهرودي البسطامي(ت 875 ه)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض،ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 ه- 1991 م.

2 . الحدود والتعزيرات عند ابن القيِّم (دراسة موازنة)، بكر بن عبد الله ،ط 2، دار العاصمة، 1415 ه.

3 . الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجادية، محمد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي( 953 - 1030 ه)، تحقيق علي الموسوي الخراساني،(د.ط)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، (د.ت).

(خ)

1 . الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني(ت 392 ه)، تحقيق محمد علي النجار،(د.ط)، المكتبة العلمية، بيروت (د.ت).

2 . خلاصة علم الكلام، عبد الهادي الفضلي، ط 2،الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1414 ه- 1993 م.

(د)

1 . دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، آية الله حسين علي المنتظري،ط 2، الدارالإسلامية، بيروت، 1409 ه- 1988 م.

ص: 243

2 . دراسات لأسلوب القرآن الكريم، محمّد عبد الخالق عضيمة(ت 1404 ه)، تصدير محمود محمد شاكر،(د.ط)، دار الحديث، (د.ت).

3.دستور العلماء جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عبد النبي عبد الرسول الأحمد النكري(ت:ق 12 ه)، عرب عباراته الفارسية حسن هاني فحص،ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1421 ه- 2000 م.

4 . دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري(ت 310 ه)،ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1408 ه- 1988 م.

5 . دلالية السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث، عبد الفتاح عبد العليم البركاوي،(د.ط)، القاهرة، 1411 ه- 1991 م.

6 . ديوان أبي ذؤيب الهذلي، تحقيق أحمد خليل الشال،ط 1، مركز الدراسات والبحوث الإسلامية، بور سعيد، 1435 ه- 2014 م.

7 . ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، شرح وتعليق محمد حسين،(د.ط)، مكتبة الآداب، (د.ت).

8 . ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم،ط 5، دار المعارف، القاهرة، 1984 م.

9 .9 ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، قدّم له وشرحه مجيد طراد، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1415 ه- 1994 م.

10. ديوان الحارث بن حلِّزة اليشكري، صنعه مروان العطية،ط 1، دار الإمام النووي،دمشق، 1415 ه- 1994 م.

ص: 244

11.ديوان زهير بن أبي سلمى،اعتنى به وشرحه حمدو طمّاس،ط 2، دار المعرفة، بيروت،1426 ه- 2005 م.

12. ديوان سلامة بن جندل، صنعة محمد بن الحسن الأحول، تحقيق فخر الدين قباوة، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1387 ه- 1968 م.

13.ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني، حققه وشرحه صلاح الدين الهادي،(د.ط)، دار المعارف، القاهرة، 1968 م.

14. ديوان طرفة بن العبد، شرح الأعلم الشنتمري، تحقيق دريّة الخطيب، ولطفي الصقال، ط 2،دار الفارس، بيروت، 2000 م.

15. ديوان عدي بن زيد العبادي، حققه وجمعه محمد جبار المعيبد،(د.ط)، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965 م.

16. ديوانا عروة بن الورد والسموأل،(د .ط) دار بيروت ، بيروت، 1402 ه- 1982 م.

17. ديوان لبيد بن ربيعة العامري، شرح الطوسي، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه الدكتور حنا نصر الحتّي،ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1414 ه- 1993 م.

18. ديوان مهلهل بن ربيعة، شرح وتقديم طلال حرب،(د.ط)، الدار العالمية، (د.ت).

19. ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم،ط 2، دار المعارف، القاهرة، (د. ت).

2. ديوان الهذليين، الشعراء الهذليين، تحقيق أحمد الزين، ومحمود أبو الوفا،(د.ط)، دار

ص: 245

الكتب المصرية، 1385 ه- 1965 م.

(ذ)

1 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آقا بزرك الطهراني،ط 3، دار الأضواء، بيروت، 1403 ه- 1983 م.

2 . الذريعة إلى مكارم الشريعة، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المعروف بالراغب الأصفهاني(ت 502 ه)، تحقيق أبو زيد العجمي،ط 1، دار السلام، القاهرة، 1428 ه- 2007 م.

(ر)

1 . رجال السيد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية، محمد مهدي بحر العلوم

الطباطبائي(ت 1212 ه)، حققه محمد صادق بحر العلوم، ط 1، وحسين بحر العوم،مكتبة الصادق، طهران، 1363 ه.

2 . رجال الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت 460 ه)، تحقيق جواد الفيومي الأصفهاني،(د .ط)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1373 .

3 . رجال النجاشي، أبو العباس النجاشي الأسدي الكوفي(ت 450 ه )،ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1431 ه- 2010 م.

4 . الرسالة الفخرية في معرفة النيِّة، محمد بن الحسن بن المطهّر الحلّي(ت 726 ه)، تحقيق صفاء الدين البصري،(د.ط)، مشهد، 1410 ه.

ص: 246

5 . روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الفضل شهاب الدين الألوسي(ت 1270 ه)، (د.ط)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت).

(ز)

1 . الزاهر في معاني كلمات الناس، محمد بن القاسم بن بكر الأنباري(ت 328 ه)، تحقيق حاتم صالح الضامن، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1412 ه- 1992 م.

2 . الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت 322 ه)، علّق عليه حسين بن فيض الله الهمداني الحرازي،ط 1، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1415 ه- 1994 م.

(س)

1 . سُبُل السلام، محمد اليعقوبي،ط 2، مؤسسة البديل، بيروت، 1431 ه- 2010 م.

2 . سر صناعة الإعراب، عثمان بن جني(ت 392 ه)، دراسة وتحقيق حسين هنداوي،ط 1، دار القلم، دمشق، 1413 ه- 1993 م.

3 . سنن أبي داوود، أبو داوود سلمان بن الأشعث(ت 275 ه)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد،(د.ط)، دار الفكر، بيروت، (د.ت).

(ش)

1 . الشافي في العقائد والأخلاق والأحكام، محمد محسن الفيض الكاشاني(ت 1091 ه)، تحقيق مهدي الأنصاري القمّي، ط 1،دار نشر اللوح المحفوظ، طهران، 1425 .

ص: 247

2. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي، ط 11، دار القارئ، بيروت،1425 ه- 2004 م.

3 . شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد بن علي بن وهف القحطاني، راجعه عبد الله بن عبد الرحمن،(د.ط)، سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني، 1409 ه.

4 . شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني(ت 1081 ه)، تحقيق علي عاشور، ط 2،مؤسسة التاريخ العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1429 ه- 2008 م.

5 . شرح العقيدة الطحاوية، علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي(ت 792 ه)، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي،(د.ط) مؤسسة الرسالة،(د.ت).

6 . شعر عمرو بن أحمر الباهلي، تحقيق حسين عطوان، (د.ط)، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، (د.ت).

7 . شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ، عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني، تحقيق محمد باقر المحمودي،ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1431 ه- 2010 م.

8 . الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي، ثامر هاشم حبيب العميدي، ط 1،مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1414 ه- 1372 .

ص: 248

(ص)

1 . الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، أحمد بن فارس بن زكريا(ت 395 ه)، شرح وتحقيق أحمد صقر، (د.ط) ، الناشر مكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، (د.ت).

2 . الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري(ت 393 ه)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار،ط 4، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 ه- 1987 م.

3 . صحيح البخاري الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (صلّی الله عليه وسلم) وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل البخاري(ت 256 ه)، تحقيق محمد زهيرناصر،ط 1، دار طوق النجاة، 1422 ه.

(ط)

1 . طب الأئمة-عليهم السلام- برواية أبي عتاب عبد الله بن سابور الزيات والحسين ابني بسطام النيسابوريين، وضع مقدمته محمد مهدي حسن الخرسان،(د.ط)،منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف، 1385 ه- 1965 م.

2 . طب الإمام علي-عليه السلام-، محسن عقيل،ط 6، مكتبة الفقيه، دار المحجة البيضاء،1423 ه- 2003 م.

(ع)

1 . عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، زكريا بن محمد بن محمود القزويني(ت 682 ه)،(د.ط)، دار الشروق العربي، بيروت، (د.ت).

ص: 249

2 . العقائد، محمد باقر المجلسي، تحقيق حسين دركاهي،ط 1، مؤسسة الهدى، 1378 ه-.1430

3 . عقائد الإمامية، محمد رضا المظفر،(د.ط)، (د.م)، 1370 ه.

4 . عقائد السنة و عقائد الشيعة، صالح الورداني، ط 1،الغدير للدراسات، بيروت، 1419 ه-1999 م.

5 . العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت –عليهم السلام-، تحقيق جعفر السبحاني، نقله إلى العربية جعفر الهادي،(د.ط)،قم، (د.ت).

6 . علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ط 1،مكتبة دار العروبة، الكويت، 1402 ه- 1982 م.

7 . علل الشرائع، الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (ت 381 ه)، ط 1، دار المرتضى، بيروت، 1427 ه- 2006 م.

8 . العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت 175 ه)، تحقيق مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي،(د.ط)، دار ومكتبة الهلال، (د.ت).

9 . عيون أخبار الرضا، أبو جعفر الصدوق ، ط 1،منشورات الشريف الرضي، قم، 1378 .

(ف)

1 . فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، أخرجه وصححه وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب، ورقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، وعلّق عليه عبد العزيز بن عبد الله، (د.ت)، دار المعرفة، بيروت، 1379 ه.

ص: 250

2 . فجر الإسلام، أحمد أمين،ط 10 ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1969 م.

3 . الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري(ت 395 ه)، تحقيق محمد إبراهيم سليم،(د.ط)، دار العلم والثقافة، القاهرة، 1418 ه- 1997 م.

4 . فصول في علم اللغة العام، فرديناند دي سوسير، ترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية واد باسكين، ترجمه إلى العربية د. أحمد نعيم الكراعين، ط 1، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، (د.ت).

5 . فصول في فقه العربية، رمضان عبد التواب،ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1415 ه- 1994 م.

6 . فضائل زمزم وذكر تاريخه وأسمائه وخصائصه وبركاته ونيّة شربه وأحكامه والاستسقاء به ، سائد بكداش،ط 1، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1413 ه.

7 . فضائل مكة والسكن فيها، الحسن البصري(ت 110 ه)، تحقيق سامي مكي العاني،(د.ط)، مكتبة الفلاح، الكويت، 1400 ه، 1980 م.

8 . الفهرست، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت 460 ه)، صححه وعلّق عليه محمد صادق آل بحر العلوم،(د.ط)، منشورات الشريف الرضي، النجف، (د.ت).

9 . الفوائد الرجالية، محمد المهدي بحر العلوم الطباطبائي(ت 1212 ه)، تحقيق محمد صادق بحر العلوم، ط 1، مكتبة الصادق، طهران، 1363 .

10.في علم الدلالة دراسة تطبيقية في شرح الأنباري للمفضليات، عبد الكريم محمد حسن جبل،(د.ط)، دار المعرفة الجامعية، 1997 م.

ص: 251

11. في النحو العربي نقد وتوجيه، مهدي المخزومي،ط 2، دار الرائد العربي، بيروت، 1406 ه- 1986 م.

(ق)

.1 قاموس الأسماء العربية والمعرّبة وتفسير معانيها، حنّا نصر الحنّي،ط 3، دار الكتب العلمية،بيروت، 1424 ه- 2003 م.

2. القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، سعدي أبو حبيب،ط 2، دار الفكر، دمشق، 1408 ه- 1988 م.

3.القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(ت 817 ه)(، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، إشراف محمد نعيم العرقسوسي،ط 8، بيروت، 1426 ه- 2005 م.

(ك)

1 . الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني(ت 328 ه- 329 ه)، صحّحه وعلّق عليه علي أكبر الغفاري، ط 6، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1375 ه.

2 . الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير(ت 630 ه)، تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي،ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 ه- 1987 م.

3 . كتاب سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر(ت 180 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون،ط 2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1486 ه- 1996 م.

ص: 252

4 . الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت 538 ه)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، وفتحي عبد الرحمن حجازي، ط 1،مكتبة العبيكان، 1418 ه- 1998 م.

5 . كشف المحجّة لثمرة المهجة، رضي الدين بن علي بن محمد بن طاووس(ت 664 ه)، تحقيق محمد الحسون، ط 2،مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1417 ه- 1375 .

6 . الكعبة على مر العصور، علي حسني الخربوطلي، ط 2،دار المعارف، القاهرة، (د.ت).

7 . كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب-عليه السلام-، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي(ت 658 ه)، تصحيح وتحقيق محمد هادي الأميني،ط 3، دار إحياء تراث أهل البيت -عليهم السلام-، طهران، 1404 ه- 1362 .

8 . الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي(ت 1094 ه)، قابله على نسخ خطية ووضع فهارسه وحققه عدنان درويش،ومحمد المصري،ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419 ه- 1998 م.

9 . الكليني والكافي، عبد الرسول عبد الحسين الغفار، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1416 ه.

10. الكنى والألقاب، عباس القمي(ت 1359 ه)، ط 2،مؤسسة النشر الإسلامي، قم،1429 ه.

11. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين البرهان الهندي(ت 975 ه)، ضبطه وفسر غريبه بكري حيّاني، صححه ووضع فهارسه ومفتاحه

ص: 253

صفوة السقا،ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 ه- 1985 م.

(ل)

1 . لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث، يوسف بن أحمد البحراني(ت 1186 ه)، تحقيق محمد صادق بحر العلوم، ط 1، مكتبة فخراوي، المنامة، 1429 ه- 2008 م.

2 . لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور(ت 711 ه)، (د.ط)، دار صادر، بيروت، (د.ت).

3 . لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(ت 852 ه)، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، وأخرجه سلمان عبد الفتاح،ط 1، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1423 ه- 2002 م.

4 . اللغة، فندريس، تعريب عبد الحميد الدواخلي، ومحمد القصاص،(د.ط)، مكتبة الأنجلو المصرية، (د.ت).

(م)

1. ما اتفق لفظه واختلف معناه، هبة الله بن علي العلوي الحسني المعروف بابن الشجري(ت 524 ه)، تحقيق عطية رزق،ط 1، دار المناهل، بيروت، 1413 ه- 1992 م.

2 . مجمع البحرين ومطلع النيِّرين، فخر الدين الطريحي(ت 1085 ه)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، ط 1،مؤسسة البعثة، قم، 1416 ه.

3 . مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي(ت 548 ه)،ط 1، دار العلوم، بيروت، 1426 ه- 2005 م.

ص: 254

4 . مجمل اللغة، أحمد بن فارس(ت 395 ه)، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان،ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 ه- 1986 م.

5 . المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي(ت 458 ه)، تحقيق عبد الحميد الهنداوي، ط 1،دار الكتب العلمية، بيروت، 1421 ه- 2000 م.

6 . محيط المحيط، بطرس البستاني، (د.ط)، مكتبة لبنان، بيروت، 1977 م.

7 . مختصر الفوائد في أحكام المقاصد المعروف بالقواعد الصغرى، أبو محمد عز الدين عبد العزيز عبد السلام الشافعي(ت 660 ه)، تحقيق صالح عبد العزيز إبراهيم آل منصور،ط 1، دار الفرقان، الرياض، 1417 ه- 1997 م.

8 . المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده(ت 458 )، ط 1،المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، مصر، 1316 ه.

9 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي(ت 1111ه)، قدمه مرتضى العسكري، أخرجه وقابله وصححه هاشم الرسولي،ط 1، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363 ه.

10. المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن جلال الدين السيوطي(ت 911 ه)، شرحه وضبطه وصححه محمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي،ط 3، مكتبة دار التراث، القاهرة، (د.ت).

11. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري(ت 405 ه)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا،ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422 ه- 2002 م.

ص: 255

12. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري الطبرسي(ت 1320 ه)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 3،بيروت، 1411 ه- 1991 م.

13. مسند الإمام أحمد بن حنبل(ت 241 ه)، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعادل مرشد،ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1416 ه- 1995 م.

14. المصطلحات الأربعة في القرآن، أبو الأعلى المودودي، تعريب محمد كاظم سباق،ط 5، دار القلم، 1391 ه- 1971 م.

15. مصطلحات الفقه ومعظم عناوينه الموضوعية على طريقة كتب اللغة، أية الله

المشكيني،(د.ط)، منشورات الهادي، قم، (د.ت).

16. مصنفات الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن بابويه القمي(ت 831 ه)، تحقيق اللجنة العلمية في مكتبة بارسا،ط 1، دار المجتبى، قم، 1387 ه- 2008 م.

17.مطلع النور، عباس محمود العقاد، (د.ط)، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012 م.

18. معاجم على الموضوعات، حسين نصار،(د.ط)، مطبعة الكويت، 1405 ه- 1985 م.

19. معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنفين، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروري(ت 588 ه)، (د.ط)، عني بنشره عباس اقبال، مطبعة قردين، طهران، 1353 ه.

20.معاني الأبنية في العربية، فاضل صالح السامرائي، ط 1،ساعدت جامعة بغداد على نشره، 1401 ه- 1981 ه.

ص: 256

21.معاني الأخبار، أبو جعفر بن بابويه القمي(ت 381 ه)، عني بتصحيحه علي أكبر الغفاري،(د.ط)، دار المعرفة، بيروت، 1399 ه- 1979 م.

22. معاني القرآن، أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء(ت 207 ه)،ط 3، عالم الكتب، بيروت،1403 ه- 1983 م.

23. معاني القرآن وإعرابه، أبو إسحق إبراهيم السري الزجاج(ت 311 ه)، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، ط 1،عالم الكتب، بيروت، 1408 ه- 1988 م.

24. معاني القرآن الكريم، أبو جعفر النحاس(ت 338 ه)، تحقيق محمد علي الصابوني،ط 1، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، 1409 ه- 1988 م.

25. معاني النحو، فاضل صالح السامرائي،(د.ط)، مكتبة أنوار دجلة، بغداد، (د.ت).

26. المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، ط 1،محمد حسن جبل، مكتبة الآداب، القاهرة، 2010 م.

27.معجم ألفاظ العقيدة، أبو عبد الله عامر عبد الله فالح، قدمه عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين،ط 1، مكتبة العبيكان، 1417 ه- 1997 م.

28. معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية،(د.ط)، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، مصر، 1409 ه- 1989 م.

29. معجم البلدان، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي(ت 626 ه)،(د.ط) دار صادر، بيروت، 1397 ه- 1977 م.

ص: 257

30.المعجم العربي لأسماء الملابس في ضوء المعاجم والنصوص الموثقة من الجاهلية حتى العصر الحديث، رجب عبد الجواد إبراهيم، تقديم محمود فهمي حجازي،ط 1، دار الآفاق العربية، القاهرة، 1423 ه- 2002 م.

31. معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، ط 1، عالم الكتب، القاهرة، 1429 ه- 2008 م.

32. المعجم المفصّل في الأشجار والنباتات في لسان العرب، كوكب دياب،ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1421 ه- 2001 م.

33. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط 4،مكتبة الشروق الدولية، (د.م)، 1425 ه-2004 م.

34. المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، أبو منصور الجواليقي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر(ت 540 ه)، تحقيق أحمد محمد شاكر،ط 2، دار الكتب ، (د.م)، 1389 ه- 1969 م.

35. مفاتيح الغيب المعروف بالتفسير الكبير ، محمد فخر الدين الرازي(ت 604 ه)، ط 1،دار الفكر، بيروت، 1401 ه- 1981 م.

36. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني(ت 502 ه)، تحقيق صفوان عدنان داوودي،ط 1،دار القلم، بيروت، 1426 ه.

37. مقاييس اللغة، أحمد بن فارس(ت 395 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون،(د.ط)، دار الفكر، 1399 ه- 1979 م.

ص: 258

38.من إعجاز القرآن، رؤوف أبو سعدة،(د.ط)، دار الهلال، (د.م)، 1994 م.

39. منهاج الصالحين، علي السيستاني،(د.ط) دار البذرة، بغداد، 1430 ه- 2009 م.

40. منهج الصالحين، محمد صادق الصدر، (د.ط) مكتبة البصائر، بيروت، 1432 ه-

2011 م.

41. المهذب في علم التصريف، هاشم طه شلاش وآخرون، ط 1، بيروت، 1432 ه- 2011 م.

42.الموسّع في الأسماء العربية ومعانيها،رنا صالح، ط 2، مطبعة الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 2004 م.

43. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي(ت 1402 ه)(، صححه حسين الأعلمي،ط 1، منشورات الأعلمي، بيروت، 1417 ه- 1997 م.

(ن)

1 . النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني،ط 3، مكتبة الغزالي، دمشق، 1405 ه- 1985 م.

2 . النبوة في نهج البلاغة قراءة علوية للسيرة المحمدية، أحمد راسم النفيس،ط 1، مكتبة الروضةالحيدرية، دار المحجة البيضاء، 1431 ه- 2010 م.

3 . النظام السياسي في الإسلام، أحمد حسين يعقوب،(د.ط)، مؤسسة الفجر، لندن، (د.ت).

4 . النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير(ت 606 ه)، تحيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، (د.ط)، دار الكتب

ص: 259

العلمية، بيروت، 1399 ه- 1979 م.

5 . نهج البلاغة وهو ما جمعه الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، تحقيق وشرح محمد أبو الفضل إبراهيم،ط 1، دار الجيل، بيروت، 1408 ه- 1988 م.

(و)

1 . الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي(ت 764 ه)، تحقيق واعتناء به أحمد الأرناؤوط، تركي مصطفى،ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420 ه- 2000 م.

2 . الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري(ت 400 ه)، حققه وعلق عليه محمد عثمان،ط 1، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1428 ه- 2007 م.

(ي)

1 . ينابيع المودة، سليمان بن الشيخ إبراهيم الحسيني البلخي القندوزي الحنفي(ت 1294 ه)، صححه وعلّق عليه علاء الدين الأعلمي، ط 1،مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1418 ه-1997 م.

ص: 260

الرسائل والأطاريح الجامعية:

1 . استراتيجيات الخطاب في الحديث النبوي، دليلة قسمية، (رسالة ماجستير)، الجمهورية الجزائرية، جامعة الحاج خضر. باتنة، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة العربية وآدابها،2011 م- 2012 م.

2 . الأعلام القرآنية (دراسة صرفية نحوية)، نجاة سعاد المورفلي، (أطروحة دكتوراه)، جمهورية مصر العربية، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، 2009 م- 2010 م.

3. الالتفات في القرآن الكريم إلى آخر سورة الكهف، خديجة محمد أحمد البناني، (رسالة ماجستير)، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، كلية اللغة العربية، قسم الدراسات العليا، 1413 ه- 1414 ه.

4 . ألفاظ العقائد والعبادات والمعاملات في صحيح البخاري دراسة دلالية، محمد بوادي، (أطروحة دكتوراه)، الجمهورية الجزائرية، جامعة عباس فرحات سطيف، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، قسم اللغة العربية وآدابها، (د.ت).

5 . شعر ساعدة بن جؤيَّة الهذلي(دراسة وتحقيق)، ميساء قتلان، (رسالة ماجستير)، جامعة دمشق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، 1424 ه.

6 . نظرية الحقول الدلالية دراسة تطبيقية في المخصص لابن سيده، هيفاء عبد الحميد كلنتن،(أطروحة دكتوراه)، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، كلية اللغة العربية، قسم الدراسات العليا، 1422 ه- 2001 م.

ص: 261

البحوث العلمية:

1 . أسماء الله الحسنى توثيق ودراسة صرفية، أ.م. عايد جدّوع حنّون، بحث منشور في مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد( 5)، العددان( 3- 4)، لسنة 2006 م.

2 . الألفاظ الدالة على الصلاة في القرآن الكريم-دراسة دلالية-، أ.م.د. علي فرحان جواد، بحث منشور في مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد( 8)، العدد( 4)، لسنة 2009 م.

المواقع الإلكترونية:

1 . حكم المتعة للمطلقات، بحث منشور الموقع على الإنترنت:

http://majles.alukah.net/t

2 . من أنواع الكذب شهادة الزُّور، الشيخ ندا أبو أحمد، مقال منشور، الموقع على الإنترنت: /http://www.alukah.net/sharia

3 . مواصفات الزوجة الصالحة في منهج أهل البيت-عليهم السلام-، مقال منشور، الموقع على الإنترنت: .https: forums.alkafeei.net

ص: 262

المحتويات

الإهداء...7

مقدمة المؤسسة...9

المقدمة...11

التمهيد: لمحة عن حياة الشيخ الكليني وكتابه الكافي، ونظرية الحقول الدَّلالية ...15

أ - لمحة عن حياة الشيخ الكليني ومكانته العلميّة:...17

اسمه ونسبه وولادته: ...17

نشأته ومكانته العلميّة: ...18

دوافع تأليف الكتاب:...21

آراءالعلماء في الكافي: ...22

وصف الكتاب ومنهجيته: ...23

وفاته:...27

ب - نظرية الحقول الدَّلاليَّة/ المفهوم والرؤية:...28

الأصول الأولى لنظرية الحقول الدَّلاليَّة وتطورها: ...29

الفصل الأوَّل: الألفاظ الدالة على العقائد

مدخل: ...35

المبحث الأول:الألفاظ الدَّالة على الصفات الإلهية وما يلحق بها ...36

ص: 263

المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على صفات النّبوّة وما يلحق بها...47

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الإمامة وما يلحق بها ...65

المبحث الرابع : الألفاظ الدالة على الموت وما يلحق بها ...97

الفصل الثاني: الألفاظ الدالة على العبادات

مدخل: ...113

المبحث الأول: ...114

الألفاظ الدالة على العبادة والطَّهارة وما يلحق بها ...114

المبحث الثاني: الألفاظ الدَّالة على الزَّكاة وما يلحق بها ...134

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الصّيام وما يلحق بها ...140

المبحث الرابع: الألفاظ الدَّالة على الحج وما يلحق بها ...152

الفصل الثالث: الألفاظ الدالة على المعاملات

مدخل:...163

المبحث الأوّل: الألفاظ الدالة على العلاقات الاجتماعية وما يلحق بها ...164

المبحث الثاني: الألفاظ الدالة على الأحكام وما يلحق بها ...178

المبحث الثالث: الألفاظ الدالة على الطعام والشراب وما يلحق بها ...199

المبحث الرابع: الألفاظ الدالة على الزِّينة والتَّجمّل وما يلحق بها ...221

الخاتمة...234

المصادر والمراجع...237

ص: 264

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.